الكتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى المؤلف: مصطفى بن سعد بن عبده السيوطي شهرة، الرحيبانى مولدا ثم الدمشقي الحنبلي (المتوفى: 1243هـ) الناشر: المكتب الإسلامي الطبعة: الثانية، 1415هـ - 1994م عدد الأجزاء: 6   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى الرحيباني الكتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى المؤلف: مصطفى بن سعد بن عبده السيوطي شهرة، الرحيبانى مولدا ثم الدمشقي الحنبلي (المتوفى: 1243هـ) الناشر: المكتب الإسلامي الطبعة: الثانية، 1415هـ - 1994م عدد الأجزاء: 6   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] [مُقَدِّمَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَشَرَحَ صُدُورَنَا لِاقْتِفَاءِ سَلَفِ الْمُؤْمِنِينَ، وَشَرَعَ لَنَا الشَّرَائِعَ وَالْأَحْكَامَ لِنُمَيِّزَ بِهَا الْحَلَالَ مِنْ الْحَرَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً مِنْهُ وَحِلْمًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِمَامُ الْأَصْفِيَاءِ، وَسَيِّدُ الْعُلَمَاءِ، وَأَكْرَمُ مَنْ مَشَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَأَصْحَابِهِ، وَأَشْيَاعِهِ وَأَحْزَابِهِ، مَا جَرَى يَرَاعٌ، وَطَابَتْ بِذِكْرِهِ الْأَسْمَاعُ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ بِرَحْمَتِهِ وَطَوْلِهِ، وَقُوَّتِهِ وَحَوْلِهِ، ضَمِنَ بَقَاءَ طَائِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، نَاهِجِينَ مَنْهَجَ الصِّدْقِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، وَجَعَلَ السَّبَبَ فِي بَقَائِهِمْ بَقَاءَ عُلَمَائِهِمْ، وَاقْتِدَاءَهُمْ بِأَئِمَّتِهِمْ وَبِفُقَهَائِهِمْ، وَأَظْهَرَ فِي كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ فُقَهَائِهَا أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهَا وَيُنْتَهَى إلَى رَأْيِهَا، ثُمَّ اخْتَصَّ مِنْهُمْ أَئِمَّةً أَعْلَى مَنَاصِبَهُمْ وَأَقْدَارَهُمْ، وَنَزَّهَ عَنْ الْخَطَأِ أَلْسِنَتَهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ ، فَعَلَى أَقْوَالِهِمْ، مَدَارُ الْأَحْكَامِ، وَبِأَفْعَالِهِمْ تَقْتَدِي فُقَهَاءُ الْإِسْلَامِ: أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا وَابْنَ إدْرِيسَ، وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ صَاحِبَ الْعِلْمِ النَّفِيسِ، وَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَتْبَاعًا وَأَحْزَابًا وَأَشْيَاعًا، لِيَضْبِطُوا أَقْوَالَهُ وَرِوَايَاتِهِ، وَيُرَجِّحُوا نُصُوصَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 وَاسْتِنْبَاطَاته، فَمِنْهُمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَالْحَبْرُ الْهُمَامُ مَرْعِي بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْكَرْمِيُّ الْمَقْدِسِيَّ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، وَأَبَاحَهُ بُحْبُوحَةَ جَنَّتِهِ، أَلَّفَ كِتَابَ غَايَةَ الْمُنْتَهَى فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى " عَلَى مَذْهَبِ مُحْيِي السُّنَّةِ، الصَّابِرِ عَلَى الْمِحْنَةِ، الْإِمَامِ الْمُبَجَّلِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ مَرْقَدَهُ وَضَرِيحَهُ - فَاعْتَنَى بِتَأْلِيفِهِ وَتَشْيِيدِهِ وَتَرْصِيفِهِ، حَتَّى صَارَ مِنْ أَجَلِّ كُتُبِ الْمَذْهَبِ قَدْرًا، وَأَجْمَعِهَا لِمُهِمَّاتِ مَسَائِلِهِ طُرًّا، مُشْتَمِلًا عَلَى فَوَائِدَ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا، وَحَاوِيًا لِفَرَائِدَ تُعْقَدُ الْخَنَاصِرُ عَلَيْهَا مِنْ صَحِيحِ النُّقُولِ، وَغَرَائِبِ الْمَنْقُولِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَشْرَحْهُ أَحَدٌ فِي هَذَا الْعَصْرِ، بَلْ كَتَبَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ إلَى آخِرِ الْحَجْرِ، لَكِنَّهُ أَكْثَرَ فِي شَرْحِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ اخْتَصَرَ وَفِي بَعْضِهَا أَطَالَ، فَالْتَمَسَ مِنِّي بَعْضُ الْمُنْتَمِينَ إلَيَّ، مِنْ أَصْدِقَائِي الْأَعِزَّاءِ عَلَى أَنْ أَشْرَحَهُ شَرْحًا يَكْشِفُ اللِّثَامَ عَنْ مُخَدَّرَاتِهِ، وَيُسْفِرُ عَنْ خَفِيِّ مَكْنُونَاتِهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ مِمَّا صَحَّحَهُ أَعْيَانُ أَصْحَابِنَا الْأَمَاجِدِ، فَتَعَلَّلْتُ بِالْجَهْلِ فَلَمْ يَنْفَعْنِي التَّعْلِيلُ، بَلْ أَلَحَّ عَلَيَّ فِي خَوْضِ هَذَا الْبَحْرِ الْعَرِيضِ الطَّوِيلِ، فَأَجَبْتُهُ مُشَمِّرًا عَنْ سَاعِدِ الِاجْتِهَادِ، مُعْتَصِمًا بِمَنْ لَا نِهَايَةَ لِعِلْمِهِ وَلَا نَفَادَ، طَالِبًا مِنْهُ الْمَعُونَةَ عَلَى اقْتِنَاصِ مَعَانِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، الَّتِي تَبْهَرُ عُقُولَ أَرْبَابِ الْفَضَائِلِ، وَجَمَعْتُهُ مِنْ شَرْحِ الْإِقْنَاعِ وَحَاشِيَتِهِ " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى وَحَوَاشِيهِ " " وَشَرْحِ الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَقَى " وَمِنْ " شَرْحَيْ الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي " وَالشَّرْحِ الْكَبِيرِ " وَحَوَاشِي ابْنِ قُنْدُسٍ " وَالْمُسْتَوْعَبِ " وَشَرْحِ التَّحْرِيرِ " وَمِنْ الْفُرُوعِ وَحَوَاشِيهِ " وَالْإِنْصَافِ " وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَالْهَدْيِ " وَالْخِلَافِ "، وَمِنْ شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ ". وَكِتَابِ الْمُصَنِّفِ بَهْجَةِ النَّاظِرِينَ ". وَمِنْ كِتَابِ الدُّرَّةِ الْمُضِيئَةِ " وَبَدَائِعِ الْفَوَائِدِ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وَقَاعِدَةِ الْعُقُودِ " " وَالصَّارِمِ الْمَسْلُولِ " وَالْقَوَاعِدِ " وَمِنْ إقَامَةِ الدَّلِيلِ " وَالْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " وَالدَّاءِ وَالدَّوَاءِ " وَالِاخْتِيَارَاتِ الْعِلْمِيَّةِ " وَمِنْ اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ " وَالْمَنْهَجِ الْأَحْمَدِ " وَإِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " وَمَسَائِلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ، وَالْأَجْوِبَةِ وَالْمَسَائِلِ. وَذَكَرْتُ فِيهِ مَا زَادَهُ عَلَيْهِ الْمُنْتَهَى " وَالْإِقْنَاعُ "، لِيَكُونَ لِمَنْ طَالَعَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ إقْنَاعٌ، وَبَيَّنْتُ الْمُعْتَمَدَ فِيهِ مِنْ التَّوْجِيهَاتِ، وَالْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّوَائِدِ وَالِاحْتِمَالَاتِ. وَسَمَّيْتُهُ: مَطَالِبَ أُولِي النُّهَى فِي شَرْحِ غَايَةِ الْمُنْتَهَى " وَاَللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، مُقَرِّبًا إلَيْهِ زُلْفَى فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَإِنْ وَقَعَ مِنِّي هَفَوَاتٌ، أَوْ صَدَرَ عَنِّي كَبَوَاتٌ. فَالْمَأْمُولُ مِمَّنْ نَظَرَ إلَيْهَا أَنْ يَسْحَبَ ذَيْلَ السِّتْرِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الصَّفْحَ عَنْ عَثَرَاتِ الضِّعَافِ مِنْ شِيَمِ أَفَاضِلِ الْأَشْرَافِ، وَأَنَا مُعْتَرِفٌ بِالْعَجْزِ عَنْ الْوُلُوجِ فِي هَذَا الْمَضِيقِ، وَالسِّبَاحَةِ فِي تَيَّارِهِ الْعَمِيقِ، وَلَكِنْ أَسْتَمِدُّ مِنْ اللَّهِ التَّوْفِيقَ، وَالْهِدَايَةَ إلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ. قَالَ مُصَنِّفُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِالْبَسْمَلَةِ (اقْتِدَاءً) بِالْكِتَابِ الْمَجِيدِ وَعَمَلًا (بِقَوْلِ النَّبِيِّ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِاسْمِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَفِي رِوَايَةٍ بِالْحَمْدَلَةِ وَفِي رِوَايَةٍ «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَفِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ " بِلَفْظِ «لَا يُفْتَحُ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ» ، وَمَعْنَى أَجْذَمَ، وَأَقْطَعَ، وَأَبْتَرَ: قَلِيلُ الْبَرَكَةِ، غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ. وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْبَسْمَلَةِ، وَالْحَمْدَلَةِ: إذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ: فَبِالِابْتِدَاءِ بِالْبَسْمَلَةِ حَصَلَ الْحَقِيقِيُّ، وَبِالِابْتِدَاءِ بِالْحَمْدَلَةِ حَصَلَ الْإِضَافِيُّ، أَوْ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ يُعْتَبَرُ مُمْتَدًّا مِنْ حِينِ الشُّرُوعِ فِي التَّأْلِيفِ إلَى حِينِ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ، وَقَدَّمَ الْبَسْمَلَةَ عَمَلًا بِالْكِتَابِ، وَالْإِجْمَاعِ. وَالْبَاءُ فِي الْبَسْمَلَةِ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَوْ: الِاسْتِعَانَةِ، مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، وَتَقْدِيرُهُ فِعْلًا أَوْلَى، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَمَلِ لِلْأَفْعَالِ، وَخَاصًّا لِأَنَّهُ أَمَسُّ بِالْمَقَامِ، وَمُؤَخَّرٌ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ، وَلِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِلْوُجُودِ وَأَدْخُلُ فِي التَّعْظِيمِ. وَكُسِرَتْ الْبَاءُ - وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْحُرُوفِ الْمُفْرَدَةِ الْفَتْحَ - لِلُزُومِهَا غَيْرَ الْحَرْفِيَّةِ وَالْجَرِّ، وَلِتُشَابِهَ حَرَكَتُهَا عَمَلَهَا. وَحُذِفَتْ الْأَلِفُ مِنْ اسْمِ اللَّهِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَعُوِّضَ عَنْهَا تَطْوِيلُ الْبَاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 [فَائِدَةٌ الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى] فَائِدَةٌ: اللَّفْظُ مِنْ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَالسِّينِ وَالْمِيمِ: عِبَارَةٌ عَنْ اللَّفْظِ الْمُؤَلَّفِ مِنْ الزَّاي وَالْيَاءِ وَالدَّالِ، وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ الشَّخْصِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَعْيَانِ، وَالْأَذْهَانِ، وَهُوَ: الْمُسَمَّى وَالْمَعْنَى. وَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الزَّاي وَالْيَاءُ وَالدَّالُ هُوَ: الِاسْمُ، وَهَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا قَدْ صَارَ مُسَمًّى مِنْ حَيْثُ كَانَ لَفْظُ الْهَمْزَةِ وَالسِّينِ وَالْمِيمِ عِبَارَةً عَنْهُ، فَقَدْ بَانَ لَك بِأَنَّ الِاسْمَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ لَيْسَ هُوَ الْمُسَمَّى، وَلِهَذَا تَقُولُ: سَمَّيْتُ هَذَا الشَّخْصَ بِهَذَا الِاسْمِ، كَمَا تَقُولُ حَلَّيْتُهُ بِهَذِهِ الْحِلْيَةِ، وَالْحِلْيَةُ غَيْرُ الْمُحَلَّى، فَكَذَلِكَ الِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ سِيبَوَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَقَالَ: إنَّ الِاسْمَ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمُسَمَّى، وَمَتَى ذُكِرَ الْخَفْضُ أَوْ النَّصْبُ أَوْ التَّنْوِينُ أَوْ اللَّامُ، أَوْ جَمِيعُ مَا يَلْحَقُ الِاسْمَ مِنْ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ، وَتَصْغِيرٍ وَتَكْسِيرٍ، وَإِعْرَابٍ وَبِنَاءٍ: فَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ عَوَارِضِ الِاسْمِ لَا تَعَلُّقَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْمُسَمَّى أَصْلًا. وَمَا قَالَ نَحْوِيٌّ وَلَا عَرَبِيٌّ: إنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى، وَيُقَالُ: أَجَلُّ مُسَمًّى، وَلَا يُقَالُ: أَجَلُّ اسْمٍ، وَيُقَالُ: مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ كَذَا، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ: اسْمُ هَذَا الِاسْمِ كَذَا، وَيُقَالُ: هَذَا الرَّجُلُ مُسَمًّى بِزَيْدٍ، وَلَا يُقَالُ: هَذَا الرَّجُلُ اسْمُ زَيْدٍ، وَيُقَالُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَلَا يُقَالُ: بِمُسَمَّى اللَّهِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ» وَلَمْ يَقُلْ: خَمْسُ مُسَمَّيَاتٍ وَ «تَسَمَّوْا بِاسْمِي» وَلَمْ يَقُلْ: بِمُسَمَّيَاتِي، «وَلِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا» وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ مُسَمًّى. وَإِذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى فَبَقِيَ هَهُنَا التَّسْمِيَةُ، وَهِيَ الَّتِي اعْتَبَرَهَا مَنْ قَالَ بِاتِّحَادِ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى، وَالتَّسْمِيَةُ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الْمُسَمَّى، وَوَضْعِيَّةِ الِاسْمِ لِلْمُسَمَّى، كَمَا أَنَّ التَّحْلِيَةَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الْمُحَلَّى، وَوَضْعِيَّةِ الْحِلْيَةِ عَلَى الْمُحَلَّى، فَهَهُنَا ثَلَاثُ حَقَائِقَ: اسْمٌ، وَمُسَمًّى، وَتَسْمِيَةٌ: كَحِلْيَةٍ وَمَحَلٍّ، وَتَحْلِيَةٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى جَعْلِ لَفْظَيْنِ مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 مُتَرَادِفَيْنِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ كَسَائِرِ حَقَائِقِهَا، وَإِذَا جَعَلْنَا الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى بَطَلَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الثَّلَاثَةِ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ قِيلَ: فَحُلُّوا لَنَا شُبَهَ مَنْ قَالَ بِاتِّحَادِهَا لِيَتِمَّ الدَّلِيلُ؛ فَإِنَّكُمْ أَقَمْتُمْ الدَّلِيلَ، فَعَلَيْكُمْ الْجَوَابُ عَنْ الْمُعَارِضِ: فَمِنْهَا: أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ الْخَالِقُ، وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ، فَلَوْ كَانَتْ أَسْمَاؤُهُ غَيْرَهُ لَكَانَتْ مَخْلُوقَةً، وَلَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ اسْمٌ فِي الْأَزَلِ، وَلَا صِفَةٌ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَهُ صِفَاتٌ، وَهَذَا هُوَ السُّؤَالُ الْأَعْظَمُ الَّذِي قَادَ مُتَكَلِّمِي الْإِثْبَاتِ إلَى أَنْ يَقُولُوا: الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى، فَمَا عِنْدَكُمْ فِي دَفْعِهِ؟ الْجَوَابُ: إنَّ مَنْشَأَ الْغَلَطِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ إطْلَاقِ أَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ مُحْتَمَلَةٍ لِمَعْنَيَيْنِ: حَقٌّ وَبَاطِلٌ، فَلَا يَنْفَصِلُ النِّزَاعُ إلَّا بِتَقْصِيرِ تِلْكَ الْمَعَانِي، وَتَنْزِيلِ أَلْفَاظِهَا عَلَيْهَا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَزَلْ، وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الْمُشْتَقَّةِ أَسْمَاؤُهُ مِنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، وَأَسْمَاؤُهُ، وَصِفَاتُهُ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى اسْمِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الصِّفَةِ أَنَّهَا إلَهٌ يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَلَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ غَيْرَهُ، وَلَيْسَتْ هِيَ نَفْسَ الْإِلَهِ، وَبَلَاءُ الْقَوْمِ مِنْ لَفْظِ الْغَيْرِ: فَإِنَّهَا يُرَادُ بِهَا مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا - الْمُغَايِرُ لِتِلْكَ الذَّاتِ الْمُسَمَّاةِ بِاَللَّهِ، وَكُلُّ مَا غَايَرَ اللَّهَ مُغَايِرَةً مَحْضَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَلَا يَكُونُ إلَّا مَخْلُوقًا. وَيُرَادُ بِهِ مُغَايِرَةُ الصِّفَةِ لِلذَّاتِ إذَا خَرَجَتْ عَنْهَا، فَإِذَا قَالَ: عِلْمُ اللَّهِ وَكَلَامُ اللَّهِ غَيْرُهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ: كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا، وَلَكِنَّ الْإِطْلَاقَ بَاطِلٌ، وَإِذَا أُرِيدَ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْكَلَامَ مُغَايِرٌ لِحَقِيقَتِهِ الْمُخْتَصَّةِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ: كَانَ بَاطِلًا لَفْظًا وَمَعْنًى، وَبِهَذَا أَجَابَ أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُعْتَزِلَةَ الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَقَالُوا: كَلَامُهُ تَعَالَى دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى اسْمِهِ، فَاَللَّهُ تَعَالَى: اسْمُ الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَمِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ صِفَةُ الْكَلَامِ، كَمَا أَنَّ عِلْمَهُ وَقُدْرَتَهُ وَحَيَاتَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، وَإِذَا كَانَ الْقُرْآنُ كَلَامَهُ، وَهُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ: فَهُوَ يَتَضَمَّنُ لِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَلَا يُقَالُ: غَيْرُ اللَّهِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّهُ بَعْضُ مَا تَضَمَّنَهُ - وَهُوَ أَسْمَاؤُهُ - مَخْلُوقَةٌ وَهِيَ غَيْرُهُ؟ ، فَقَدْ حَصْحَصَ الْحَقُّ بِحَمْدِ اللَّهِ وَانْحَسَمَ الْإِشْكَالُ. إنَّ أَسْمَاءَهُ الْحُسْنَى الَّتِي هِيَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ كَلَامِهِ، وَكَلَامُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلَا يُقَالُ غَيْرُهُ، وَلَا هُوَ هُوَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: أَسْمَاؤُهُ تَعَالَى غَيْرُهُ، وَلِمَذْهَبِ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ مِمَّنْ يَقُولُ: اسْمُهُ نَفْسُ ذَاتِهِ لَا غَيْرُهُ، وَبِالتَّفْصِيلِ تَزُولُ الشَّبَهُ، وَيَتَبَيَّنُ الصَّوَابُ، قَالَهُ فِي " بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ " وَقَالَ حُجَّةً ثَانِيَةً لَهُمْ، قَالُوا: قَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرحمن: 78] {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [الأعلى: 1] وَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فِي الْحَقِيقَةِ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْتَثَلَ هَذَا الْأَمْرَ، وَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ» وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا لَقَالَ: سُبْحَانَ اسْمِ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثُمَّ إنَّ الْأُمَّةَ كُلَّهُمْ لَا يُجَوِّزُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ: عَبَدْتُ اسْمَ رَبِّي، وَلَا: سَجَدْتُ لِاسْمِ رَبِّي، وَبِذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُسَمَّى لَا بِالِاسْمِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَعَلُّقِ الذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِالِاسْمِ: فَالذِّكْرُ الْحَقِيقِيُّ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ، لِأَنَّهُ ضِدُّ اللِّسَانِ، وَالتَّسْبِيحُ نَوْعٌ مِنْ الذِّكْرِ، فَلَوْ أَطْلَقَ الذِّكْرَ وَالتَّسْبِيحَ لَمَا فُهِمَ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ دُونَ اللَّفْظِ بِاللِّسَانِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَلَمْ يَقْبَلْ الْإِيمَانَ وَعَقْدَ الْإِسْلَامِ إلَّا بِاقْتِرَانِهِمَا وَاجْتِمَاعِهِمَا، فَصَارَ مَعْنَى الِاثْنَيْنِ: سَبِّحْ رَبَّكَ بِقَلْبِكَ، وَلِسَانِكَ، فَأَقْحَمَ الِاسْمَ تَنْبِيهًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَتَّى لَا يَخْلُوَ الذِّكْرُ وَالتَّسْبِيحُ مِنْ اللَّفْظِ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْقَلْبِ مُتَعَلَّقُهُ الْمُسَمَّى الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالِاسْمِ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَالذِّكْرُ بِاَللَّهِ مُتَعَلَّقُهُ اللَّفْظُ مَعَ مَدْلُولِهِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُرَادُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 أَنَّ اللَّفْظَ هُوَ الْمُسَبَّحُ دُونَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى، وَعَبَّرَ لِي شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ - قُدِّسَ رُوحُهُ - عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِعِبَارَةٍ لَطِيفَةٍ وَجِيزَةٍ، فَقَالَ: الْمَعْنَى: سَبِّحْ نَاطِقًا بِاسْمِ رَبِّكَ، مُتَكَلِّمًا بِهِ، وَكَذَا: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ، الْمَعْنَى: سَبِّحْ رَبَّكَ ذَاكِرًا اسْمَهُ. وَهَذِهِ الْفَائِدَةُ تُسَاوِي رِحْلَةً، لَكِنْ لِمَنْ يَعْرِفُ قَدْرَهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي دُخُولِ الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] وَلَمْ تَدْخُلْ فِي قَوْلِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] : قِيلَ: التَّسْبِيحُ يُرَادُ بِهِ التَّنْزِيهُ، وَالذِّكْرُ الْمُجَرَّدُ، دُونَ مَعْنًى آخَرَ، وَيُرَادُ بِهِ ذَلِكَ مَعَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ ذِكْرٌ وَتَنْزِيهٌ مَعَ عَمَلٍ، وَلِهَذَا تُسَمَّى الصَّلَاةُ تَسْبِيحًا، فَإِذَا أُرِيدَ التَّسْبِيحُ الْمُجَرَّدُ فَلَا مَعْنَى لِلْبَاءِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى بِحَرْفِ جَرٍّ، لَا يُقَالُ: سَبَّحْتُ بِاَللَّهِ، وَإِذَا أُرِيدَ الْمَقْرُونُ بِالْعَمَلِ، وَهُوَ الصَّلَاةُ أُدْخِلَتْ الْبَاءُ تَنْبِيهًا عَلَى ذَلِكَ الْمُرَادِ، كَأَنَّكَ قُلْتَ: سَبِّحْ مُفْتَتِحًا بِاسْمِ رَبِّكَ، أَوْ: نَاطِقًا بِاسْمِ رَبِّكَ. انْتَهَى. وَاَللَّهُ: عَلَمٌ خَاصٌّ لِذَاتٍ مُعَيَّنٍ، هُوَ الْمَعْبُودُ بِالْحَقِّ، إذْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ، قَالَ تَعَالَى {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] وَمِنْ ثَمَّ كَانَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَوْحِيدًا، أَيْ: لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إلَّا ذَلِكَ الْوَاحِدُ الْحَقُّ، وَهُوَ عَرَبِيٌّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَزَعَمَ الْبَلْخِيّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ عِبْرِيٌّ، أَوْ سُرْيَانِيٌّ، وَأَكْثَرُ مُحَقِّقِي النُّظَّارِ عَلَى عَدَمِ اشْتِقَاقِهِ، بَلْ هُوَ اسْمٌ مُفْرَدٌ مُرْتَجَلٌ لِلْحَقِّ جَلَّ شَأْنُهُ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْمَوَاقِفِ ": وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ صِفَةً؛ فَقَدْ انْقَلَبَ عَلَمًا مُشْعِرًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ لِلِاشْتِهَارِ. قَالَ فِي " بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ ": زَعَمَ السُّهَيْلِيُّ، وَشَيْخُهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ غَيْرُ مُشْتَقٍّ، لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 يَسْتَلْزِمُ مَادَّةً يُشْتَقُّ مِنْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدِيمٌ لَا مَادَّةَ لَهُ، فَيَسْتَحِيلُ الِاشْتِقَاقُ، وَلَا رَيْبَ إنْ أُرِيدَ بِالِاشْتِقَاقِ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَكِنْ مَنْ قَالَ بِالِاشْتِقَاقِ لَمْ يُرِدْ هَذَا الْمَعْنَى، وَلَا أَلَمَّ بِقَلْبِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى صِفَةٍ لَهُ تَعَالَى وَهِيَ الْأُلُوهِيَّةُ كَسَائِرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى: كَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ، فَإِنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ مَصَادِرِهَا بِلَا رَيْبٍ، وَهِيَ قَدِيمَةٌ، وَالْقَدِيمُ لَا مَادَّةَ لَهُ: فَمَا كَانَ جَوَابَكُمْ عَنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فَهُوَ جَوَابُ مَنْ قَالَ بِالِاشْتِقَاقِ بِاسْمِهِ اللَّهِ، ثُمَّ الْجَوَابُ عَنْ الْجَمِيعِ: أَنَّا لَا نَعْنِي بِالِاشْتِقَاقِ إلَّا أَنَّهَا مُلَاقِيَةٌ لِمَصَادِرِهَا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، لَا أَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْهَا تَوَلُّدَ الْفَرْعِ مِنْ أَصْلِهِ، وَتَسْمِيَةُ النُّحَاةِ الْمَصْدَرَ وَالْمُشْتَقَّ مِنْهُ أَصْلًا وَفَرْعًا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا تَوَلَّدَ مِنْ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُتَضَمِّنٌ لِلْآخَرِ وَزِيَادَةٌ، فَالِاشْتِقَاقُ هُنَا لَيْسَ هُوَ اشْتِقَاقٌ مَادِّيٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ اشْتِقَاقُ تَلَازُمٍ يُسَمَّى الْمُتَضَمِّنَ فِيهِ - بِالْكَسْرِ - مُشْتَقًّا، وَالْمُتَضَمَّنُ - بِالْفَتْحِ - مُشْتَقًّا مِنْهُ، وَلَا مَحْذُورَ فِي اشْتِقَاقِ أَسْمَاءِ اللَّهِ بِهَذَا الْمَعْنَى، انْتَهَى. وَالرَّحْمَنُ: أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ، لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى، وَقُدِّمَ كَالْعَلَمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُوصَفُ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى، لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُنْعِمُ الْحَقِيقِيُّ الْبَالِغُ فِي الرَّحْمَةِ غَايَتَهَا، وَذَلِكَ لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ. وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ، أَوْ لِأَنَّ الرَّحِيمَ كَالتَّتِمَّةِ لِدَلَالَةِ الرَّحْمَنِ عَلَى جَلَائِلِ النِّعَمِ وَأُصُولِهَا، فَأَرْدَفَ بِالرَّحِيمِ لِيَتَنَاوَلَ مَا خَرَجَ مِنْهَا، أَوْ مُرَاعَاةً لِلْفَوَاصِلِ فِي الْقُرْآنِ، ثُمَّ جَاءَ الِاسْتِعْمَالُ عَلَيْهِ تَأْسِيسًا بِهِ، قَالَ فِي " بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ " أَسْمَاءُ الرَّبِّ تَعَالَى هِيَ أَسْمَاءٌ وَنُعُوتٌ، فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى صِفَاتِ كَمَالِهِ، فَلَا تَنَافِيَ فِيهَا بَيْنَ الْعَلَمِيَّةَ وَالْوَصْفِيَّةِ: فَالرَّحْمَنُ اسْمُهُ تَعَالَى وَوَصْفُهُ، فَمِنْ حَيْثُ هُوَ صِفَةٌ جَرَى تَابِعًا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ حَيْثُ هُوَ اسْمٌ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ غَيْرَ تَابِعٍ، بَلْ وُرُودُ الِاسْمِ الْعَلَمِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الِاسْمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 مُخْتَصًّا بِهِ سُبْحَانَهُ حَسُنَ مَجِيئُهُ مُفْرَدًا، غَيْرَ تَابِعٍ، وَهَذَا لَا يُنَافِي دَلَالَتَهُ عَلَى صِفَةِ الرَّحْمَةِ كَاسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى صِفَةِ الْأُلُوهِيَّةِ، وَلَمْ يَجِئْ قَطُّ تَابِعًا لِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَنَحْوِهِ، فَلَا يَجِيءُ مُفْرَدًا بَلْ تَابِعًا. فَتَأَمَّلْ هَذِهِ النُّكْتَةَ الْبَدِيعَةَ يَظْهَرُ لَكَ بِهَا أَنَّ الرَّحْمَنَ اسْمٌ وَصِفَةٌ لَا يُنَافِي أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَجَاءَ اسْتِعْمَالُ الْقُرْآنِ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا. وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ: فَالرَّحْمَنُ: دَالٌّ عَلَى الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَالرَّحِيمُ: دَالٌّ عَلَى تَعَلُّقِهَا بِالْمَرْحُومِ، فَكَانَ الْأَوَّلُ لِلْوَصْفِ، وَالثَّانِي لِلْفِعْلِ، فَالْأَوَّلُ: دَالٌّ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَنَ صِفَةٌ. وَالثَّانِي: دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ يَرْحَمُ خَلْقَهُ بِرَحْمَتِهِ، فَإِذَا أَرَدْتَ فَهْمَ هَذَا فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43] {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117] وَلَمْ يَجِئْ قَطُّ: رَحْمَنٌ بِهِمْ، فَعُلِمَ أَنَّ رَحْمَنَ: هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالرَّحْمَةِ، وَرَحِيمٌ: هُوَ الرَّاحِمُ بِرَحْمَتِهِ. انْتَهَى. (أَحْمَدُ مَنْ مَنَّ) أَيْ: اللَّهَ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا (بِحَبِيبِهِ أَحْمَدَ) أَيْ: أَصِفُهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ؛ إذْ الْحَمْدُ كَمَا فِي " الْفَائِقِ " وَغَيْرِهِ: الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ، وَكُلٌّ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى جَمِيلٌ، وَرِعَايَةُ جَمِيعِهَا أَبْلَغُ فِي التَّعْظِيمِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تَدُلُّ عَلَى إيجَادِ الْحَمْدِ الَّذِي هُوَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، لَا الْإِعْلَامُ بِذَلِكَ. وَالْحَبِيبُ: فَعِيلٌ، مِنْ: أَحَبَّهُ فَهُوَ مُحِبٌّ، أَوْ: حَبَّهُ يُحِبُّهُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - فَهُوَ مَحْبُوبٌ. وَالْمُرَادُ بِالْمَحَبَّةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى: غَايَتُهَا مِنْ إرَادَةِ الثَّوَابِ، فَتَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ، أَوْ الْإِثَابَةُ، فَتَكُونُ صِفَةَ فِعْلٍ. وَهِيَ فِي حَقِّنَا طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَعْظِيمُنَا إيَّاهُ، وَمُوَافَقَتُهُ رَجَاءَ أَنْ يُثِيبَنَا عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، وَيُنْعِمَ عَلَيْنَا بِنِعْمَتِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى. وَأَحْمَدُ: اسْمٌ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْتَقٌّ مِنْ اسْمِهِ تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 الْحَمِيدِ، كَمُحَمَّدٍ سُمِّيَ بِهِمَا لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْمَحْمُودَةِ. وَأَسْمَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثِيرَةٌ، أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إلَى أَلْفِ اسْمٍ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ، فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ ": أَمَّا أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى: فَهَذَا الْعَدَدُ صَغِيرٌ فِيهَا، وَأَمَّا أَسْمَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ أُحْصِهَا إلَّا مِنْ جِهَةِ الْوُرُودِ الظَّاهِرِ بِصِيغَةِ الْأَسْمَاءِ الْبَيِّنَةِ، فَوَعَيْتُ مِنْهَا أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ اسْمًا، ثُمَّ ذَكَرَهَا مُفَصَّلَةً مَشْرُوحَةً (فَأَطْفَأَ نَارَ الشِّرْكِ وَأَخْمَدَ) أَيْ: أَزَالَ لَهَبَهُ وَحَرَارَتَهُ بِالْكُلِّيَّةِ (وَأَعْلَى) أَيْ: رَفَعَ (مَنَارَ) دِينِ (الْإِسْلَامِ) وَجَدَّدَ، أَيْ: رَفَعَ شَأْنَهُ وَعَظَّمَهُ حَتَّى فَاقَ سَائِرَ الْأَدْيَانِ (وَبَيَّنَ شَرَائِعَ) : جَمْعُ شَرِيعَةٍ وَهِيَ: السُّنَّةُ وَالطَّرِيقَةُ (الْأَحْكَامِ) : جَمْعُ حُكْمٍ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْقَضَاءُ وَالْحِكْمَةُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: خِطَابُ اللَّهِ الْمُفِيدُ فَائِدَةً شَرْعِيَّةً. (وَحَدَّدَ) أَيْ: جَعَلَ لَهَا حُدُودًا لَا تَجُوزُ مُجَاوَزَتُهَا، وَالْحَدُّ: النِّهَايَةُ الَّتِي إذَا بَلَغَ الْمَحْدُودُ لَهُ وَقَفَ عِنْدَهَا. (وَقَارَبَ) أَيْ: تَرَكَ الْغُلُوَّ فِيمَا أَمَرَ وَقَصَدَ التَّقْرِيبَ، لِيَحْصُلَ لِلْمُقَصِّرِ فِي الْعَمَلِ أَوْفَرُ نَصِيبٍ. (وَسَدَّدَ) أَيْ: أَرْشَدَ هَذِهِ الْأُمَّةَ لِلسَّدَادِ، وَهُوَ: الصَّوَابُ قَوْلًا وَعَمَلًا. (وَلِرَأْفَتِهِ) : رَحْمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِأُمَّتِهِ) الَّتِي هِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. (سَهَّلَ) أَيْ: يَسَّرَ. (وَمَا شَدَّدَ) . وَلَا يَخْفَى مَا فِي جَدَّدَ وَحَدَّدَ، وَسَدَّدَ وَشَدَّدَ، مِنْ الْجِنَاسِ الْمُصْحَفِ (أَتَى بِكِتَابٍ) أَيْ: قُرْآنٍ (مُحْكَمٍ) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلَا مِنْ خَلْفِهِ (وَشَرْعٍ) ، وَهُوَ: مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ (مُؤَيَّدٍ) بِالْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ (وَدِينٍ) وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ قَيِّمٌ لَا أَعْوِجَاجَ فِيهِ، (وَحُكْمٍ) ، أَيْ قَضَاءٍ (4 مُؤَبَّدٍ) أَيْ: مُسْتَمِرٍّ عَلَى الدَّوَامِ لَا يَعْتَرِيهِ نَقْصٌ، وَلَا انْصِرَامٌ (وَتَفَقَّهَ) أَيْ: تَفَهُّمٍ (عَلَيْهِ) أَيْ: مِنْهُ، وَعَدَّى وَتَفَقَّهَ بِعَلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى قَرَأَ، أَوْ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ كَقَوْلِ الشَّاعِر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 إذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ (فِي الْأَحْكَامِ) وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهَا، (كُلُّ مُوَفَّقٍ) أَيْ: مُطِيعٍ لِلَّهِ تَعَالَى، مُمْتَثِلٍ لِأَوَامِرِهِ، مُجْتَنِبٍ لِنَوَاهِيهِ، مُسَدِّدٍ أَيْ: نَاهِجٍ مَنْهَجَ الصَّوَابِ. (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ: الرَّحْمَةُ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ: الِاسْتِغْفَارُ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ: التَّضَرُّعُ وَالدُّعَاءُ بِخَيْرٍ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْجَارِي عَلَى أَلْسِنَةِ الْجُمْهُورِ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ " بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ " وَرَدَّهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَايَرَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] . الثَّانِي: أَنَّ سُؤَالَ الرَّحْمَةِ يُشْرَعُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَالصَّلَاةُ تَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ، فَهُوَ حَقٌّ لَهُ وَلِآلِهِ، وَلِهَذَا مَنَعَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الصَّلَاةَ عَلَى مُعَيَّنٍ غَيْرِهِ، يَعْنِي: وَعَلَى غَيْرِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَلَمْ يَمْنَعْ أَحَدٌ مِنْ التَّرَحُّمِ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. الثَّالِثُ: أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ عَامَّةٌ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَصَلَاتَهُ خَاصَّةٌ لِخَوَاصِّ عِبَادِهِ. وَقَوْلُهُمْ: الصَّلَاةُ مِنْ الْعِبَادِ، بِمَعْنَى الدُّعَاءِ: مُشْكِلٌ أَيْضًا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّ الدُّعَاءَ يَكُونُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالصَّلَاةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْخَيْرِ. الثَّانِي: أَنَّ دَعَوْتُ يَتَعَدَّى بِاللَّامِ، وَصَلَّيْتُ لَا يَتَعَدَّى إلَّا بِعَلَى، وَدَعَا الْمُعَدَّى بِعَلَى لَيْسَ بِمَعْنَى صَلَّى، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ. الثَّالِثُ أَنَّ فِعْلَ الدُّعَاءِ يَقْتَضِي مَدْعُوًّا وَمَدْعُوًّا لَهُ، تَقُولُ: دَعَوْتُ اللَّهَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 لَكَ بِخَيْرٍ، وَفِعْلُ الصَّلَاةِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، لَا تَقُولُ: صَلَّيْتُ اللَّهَ عَلَيْكَ، وَلَا لَكَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَاهُ. فَأَيُّ تَبَايُنٍ أَظْهَرُ مِنْ هَذَا؟ ، وَلَكِنَّ التَّقْلِيدَ يُعْمِي عَنْ إدْرَاكِ الْحَقَائِقِ، فَإِيَّاكَ وَالْإِخْلَادَ إلَى أَرْضِهِ. قَالَ: وَرَأَيْتُ لِأَبِي الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيِّ كَلَامًا حَسَنًا فِي اشْتِقَاقِ الصَّلَاةِ، فَذَكَرَ مَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ مَعْنَى الصَّلَاةِ اللَّفْظَةُ حَيْثُ تَصَرَّفَتْ تَرْجِعُ إلَى الْحُنُوِّ وَالْعَطْفِ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مَحْسُوسًا وَمَعْقُولًا؛ فَالْمَحْسُوسُ مِنْهُ: صِفَاتُ الْأَجْسَامِ، وَالْمَعْقُولُ مِنْهُ: صِفَةُ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ مَوْجُودٌ فِي الصِّفَاتِ، الْكَثِيرُ يَكُونُ صِفَةً لِلْمَحْسُوسَاتِ وَصِفَةً لِلْمَعْقُولَاتِ. وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ مُشَابَهَةِ الْأَجْسَامِ، وَمُضَاهَاةِ الْأَنَامِ، فَمَا يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي مَعْقُولَةٌ غَيْرُ مَحْسُوسَةٍ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالصَّلَاةُ كَمَا تُسَمَّى عَطْفًا وَحُنُوًّا، مِنْ قَوْلِكَ: صَلَّيْتُ، أَيْ: حَنَيْتُ صَلَاكَ وَعَطَفْتَهُ: فَأَخْلَقَ بِأَنْ تَكُونَ الرَّحْمَةُ تُسَمَّى عَطْفًا وَحُنُوًّا. تَقُولُ: اللَّهُمَّ اعْطِفْ عَلَيْنَا، أَيْ: ارْحَمْنَا. قَالَ الشَّاعِرُ: وَمَا زِلْتُ فِي لِينِي لَهُ وَتَعَطُّفِي ... عَلَيْهِ كَمَا تَحْنُو عَلَى الْوَلَدِ الْأُمُّ وَأَمَّا رَحْمَةُ الْعِبَادِ: فَرِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ، إذَا وَجَدَهَا الرَّاحِمُ مِنْ نَفْسِهِ انْعَطِفْ عَلَى الْمَرْحُومِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ لِلْعِبَادِ جُودٌ وَفَضْلٌ، فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِ فَقَدْ أَفْضَلَ عَلَيْهِ وَأَنْعَمَ، وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ إذَا كَانَتْ مِنْ اللَّهِ، أَوْ مِنْ الْعَبْدِ فَهِيَ مُتَعَدِّيَةٌ بِعَلَى مَخْصُوصَةٌ بِالْخَيْرِ لَا تَخْرُجُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَرَجَعَتْ كُلُّهَا إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، إلَّا أَنَّهَا فِي مَعْنَى الدُّعَاءِ وَالرَّحْمَةِ صَلَاةٌ مَعْقُولَةٌ أَيْ: انْحِنَاءٌ مَعْقُولٌ غَيْرُ مَحْسُوسٍ ثَمَرَتُهُ مِنْ الْعَبْدِ، الدُّعَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، وَثَمَرَتُهُ مِنْ اللَّهِ الْإِحْسَانُ وَالْإِنْعَامُ، فَلَمْ تَخْتَلِفْ الصَّلَاةُ فِي مَعْنَاهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ ثَمَرَتُهَا الصَّادِرَةُ عَنْهَا. وَالصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ انْحِنَاءٌ مَحْسُوسٌ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَعْنَى فِيهَا إلَّا مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 جِهَةِ الْمَعْقُولِ وَالْمَحْسُوسِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلِذَلِكَ تَعَدَّتْ كُلُّهَا بِعَلَى، وَاتَّفَقَتْ فِي اللَّفْظِ الْمُشْتَقِّ مِنْ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَجُزْ: صَلَّيْتُ عَلَى الْعَدُوِّ - أَيْ: دَعَوْتُ عَلَيْهِ - فَقَدْ صَارَ مَعْنَى الصَّلَاةِ أَدَقَّ وَأَبْلَغَ مِنْ مَعْنَى الرَّحْمَةِ، وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا إلَيْهِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ رَاحِمٍ يَنْحَنِي عَلَى الْمَرْحُومِ، وَيَنْعَطِفُ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الرَّحْمَةِ. انْتَهَى. (وَعَلَى آلِهِ) وَهُمْ: أَتْبَاعُهُ عَلَى دِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: أَقَارِبُهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ، وَقِيلَ: أَتْقِيَاءُ أُمَّتِهِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. وَإِضَافَتُهُ لِلضَّمِيرِ جَائِزَةٌ، خِلَافًا لِلْكِسَائِيِّ وَالنَّحَّاسِ وَالزَّبِيدِيِّ، حَيْثُ مَنَعُوهَا لِتَوَغُّلِهِ فِي الْإِبْهَامِ، وَأَصْلُهُ: أَهْلٌ، أَوْ: أُولُو. (وَصَحْبِهِ) هُوَ: اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبِ، بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ، وَهُوَ: مَنْ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنًا وَلَوْ لَحْظَةً وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ تَخَلَّلَهُ رِدَّةٌ. وَقَسَّمَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الصُّحْبَةَ إلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: الْأُولَى: مَنْ كَثُرَتْ مُعَاشَرَتُهُ وَمُخَالَطَتُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهَا إلَّا بِهَا، فَيُقَالُ: هَذَا صَاحِبُ فُلَانٍ، وَخَادِمُهُ، لَا لِمَنْ خَدَمَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ سَاعَةً أَوْ يَوْمًا. الثَّانِيَةُ: مَنْ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنًا، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَحِبَهُ، وَلَوْ لَمْ يَنْتَهِ إلَى الِاشْتِهَارِ بِهِ. الثَّالِثَةُ: مَنْ رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُؤْيَةً وَلَمْ يُجَالِسْهُ، وَلَمْ يُمَاشِهِ، فَهَذَا أُلْحِقَ بِالصُّحْبَةِ إلْحَاقًا، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الصُّحْبَةِ لَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّهِ، وَلَكِنَّهَا صُحْبَةٌ إلْحَاقِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ لِشَرَفِ قَدْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي اجْتِلَاءِ طَلْعَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ بِرُؤْيَتِهِ إيَّاهُمْ، أَوْ رُؤْيَتِهِمْ إيَّاهُ مُؤْمِنِينَ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ رُتَبُهُمْ (وَتَابِعٍ) لِصُحْبَتِهِ (تَهَجَّدَ) لَيْلًا، إذْ التَّهَجُّدُ مَا كَانَ بَعْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 رَقْدَةٍ، وَأَتَى بِهِ لِمُنَاسَبَةِ السَّجْعِ (وَنَاسِكٍ) أَيْ: عَابِدٍ (بِشَرْعِهِ) أَيْ شَرْعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (تَعَبَّدَ) لَا بِشَرْعِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِهِ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ (رَاقٍ) أَيْ: صَفِيٌّ (عَذْبٌ) أَيْ: حُلْوٌ (مُبَرَّدٌ) أَيْ: جُعِلَ فِي إنَاءٍ فَبَرَدَ، وَفِي الْحَدِيثِ «كَانَ أَحَبُّ الشَّرَابِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَارِدَ الْحُلْوَ» . (وَحَنَّ طَيْرٌ) : صَوَّتَ (وَغَرَّدَ) : رَفَعَ صَوْتَهُ طَرَبًا (وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا) مِنْ السَّلَامِ، وَهُوَ التَّحِيَّةُ، أَوْ السَّلَامَةُ مِنْ النَّقَائِصِ وَالرَّذَائِلِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَهُوَ الْأَوْلَى وَالْأَكْمَلُ وَالْأَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، فَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. (أَمَّا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ: حَرْفٌ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ، لَا حَرْفُ شَرْطٍ. قَالَ الدَّمَامِينِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّحْوِيِّينَ، وَهِيَ هُنَا مُجَرَّدَةٌ عَنْ مَعْنَى التَّفْصِيلِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي " الْمُغْنِي " فِي: أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ قَالَ: حَرْفُ شَرْطٍ وَتَفْصِيلٍ. (بَعْدُ) هِيَ مِنْ الظُّرُوفِ الْمَبْنِيَّةِ مَا لَمْ تُضَفْ لَفْظًا وَمَعْنًى، أَوْ يُنْوَى ثُبُوتُ لَفْظِ الْمُضَافِ إلَيْهَا، أَوْ تُقْطَعُ عَنْ الْإِضَافَةِ رَأْسًا، فَتُعْرَبُ حِينَئِذٍ فِي الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ حُذِفَ الْمُضَافُ إلَيْهَا، وَنُوِيَ ثُبُوتُ مَعْنَاهُ بُنِيَتْ عَلَى الضَّمِّ. وَيُؤْتَى بِهَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إلَى آخَرَ، أَيْ: بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيُؤْتَى بِهَا فِي الْخُطَبِ، وَالْمُكَاتَبَاتِ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِي بِهَا فِي خُطَبِهِ وَمُكَاتَبَاتِهِ لِلْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ، وَفِي " شَرْحِ التَّحْرِيرِ " لِلْمِرْدَاوِيِّ: نَقَلَ إتْيَانَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمَّا بَعْدُ فِي خُطَبِهِ وَنَحْوِهَا خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ صَحَابِيًّا. وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ نَطَقَ بِهَا، فَقِيلَ: دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 أَنَّهَا فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ؛ لِأَنَّهَا تَفْصِلُ بَيْنَ الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمَقَاصِدِ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ نَطَقَ بِهَا يَعْقُوبُ، وَقِيلَ: أَيُّوبُ، وَقِيلَ: سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقِيلَ: قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيُّ، وَقِيلَ: يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ، وَقِيلَ: سَحْبَانُ بْنُ وَائِلٍ. وَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ: فَفَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ، لَكِنَّ نِسْبَةَ أَوَّلِيَّةِ ذَلِكَ لِسَحْبَانَ وَائِلٍ سَاقِطَةٌ جِدًّا. نَعَمْ، زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ سَحْبَانَ أَوَّلُ مَنْ نَطَقَ بِهَا فِي الشَّعْرِ، فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمَ الْقَوْمُ الْيَمَانِيُّونَ أَنَّنِي إذَا قُلْتُ أَمَّا بَعْدُ أَنِّي خَطِيبُهَا وَقَدْ نَظَمَ الشَّمْسُ الْمَيْدَانِيُّ ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَقَالَ: جَرَى الْخَلْفُ أَمَّا بَعْدُ مِنْ كَانَ بَادِيًا بِهَا عَدَّ أَقْوَالًا وَدَاوُد أَقْرَبُ وَيَعْقُوبُ وَأَيُّوبُ الصَّبُورُ وَآدَمُ وَقُسُّ وَسَحْبَانُ وَكَعْبٌ وَيَعْرُبُ. (فَقَدْ أَكْثَرَ أَئِمَّتُنَا) الْحَنَابِلَةُ سَلَفًا وَخَلْفًا (رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى) فِي عِلْمِ (الْفِقْهِ) وَهُوَ لُغَةً: الْفَهْمُ، وَعُرْفًا: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ بِالْفِعْلِ أَوْ الْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ، أَوْ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ نَفْسِهَا. وَالْفَقِيهُ: مَنْ عَرَفَ جُمْلَةً غَالِبَةً كَذَلِكَ بِالِاسْتِدْلَالِ. وَمَوْضُوعُهُ: أَفْعَالُ الْعِبَادِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِهَا، وَمَسَائِلُهُ مَا يُذْكَرُ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ (مِنْ التَّصْنِيفِ) أَيْ: التَّأْلِيفِ، وَهُوَ: ضَمُّ مَا تَفَرَّقَ مِنْ الْمَسَائِلِ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ، وَجَعْلُهُ مُجْتَمِعًا (وَمَهَّدُوا) أَيْ: بَسَّطُوا (قَوَاعِدَ) جَمْعُ: قَاعِدَةٍ، وَهُوَ أَمْرٌ كُلِّيٌّ مُنْطَبِقٌ عَلَى جُزْئِيَّاتِ مَوْضُوعِهِ (الْمَذْهَبُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ: مَفْعَلُ مِنْ ذَهَبَ يَذْهَبُ إذَا مَضَى بِمَعْنَى الذَّهَابِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ زَمَانِهِ، ثُمَّ نُقِلَ إلَى مَا قَالَهُ الْمُجْتَهِدُ بِدَلِيلٍ، وَمَاتَ قَائِلًا بِهِ، وَكَذَا مَا جَرَى مَجْرَاهُ (أَحْسَنَ تَمْهِيدٍ) أَيْ: سَوُّوهُ أَحْسَنَ تَسْوِيَةٍ، (وَتَرْصِيفٍ) أَيْ: رَصَفُوهُ أَحْسَنَ تَرْصِيفٍ، وَالتَّرْصِيفُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الضَّمُّ وَالْإِلْصَاقُ. (وَقَدْ أَتْقَنَهُ) أَيْ: أَحْكُمَهُ عُلَمَاؤُنَا (الْمُتَأَخِّرُونَ بِمَا أَبْدَوْهُ) أَيْ: أَظْهَرُوهُ (مِنْ التَّصَانِيفِ) الَّتِي صَنَّفُوهَا فِيهِ (وَكَانَ مِمَّنْ سَلَكَ مِنْهُمْ مَسْلَكَ التَّحْقِيقِ) أَيْ: الْإِحْكَامِ (وَالتَّصْحِيحِ) أَيْ: تَمْيِيزِ الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِهِ (وَالتَّدْقِيقِ) فِي غَوَامِضِ الْمَسَائِلِ (وَالتَّرْجِيحِ) أَيْ: بَيَانِ الرَّاجِحِ مِنْ غَيْرِهِ. (الْعَلَّامَةُ) الْجَامِعُ بَيْنَ عِلْمَيْ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ، الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْأُصُولِيُّ الْمُحَدِّثُ الْفَرْضِيُّ الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ سَلْمَانَ السَّعْدِيُّ الْمِرْدَاوِيُّ ثُمَّ الصَّالِحِيُّ أُعْجُوبَةُ الدَّهْرِ، وَالْفَرِيدُ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ، شَيْخُ الْمَذْهَبِ، وَإِمَامُهُ وَمُنَقِّحُهُ (صَاحِبُ) التَّصَانِيفِ الْعَجِيبَةِ، وَالتَّحْرِيرَاتِ الْغَرِيبَةِ، مِنْهَا كِتَابُ (الْإِنْصَافُ) فِي بَيَانِ الرَّاجِحِ مِنْ الْخِلَافِ " (وَ) كِتَابُ (التَّنْقِيحِ) الْمُشْبَعِ فِي تَحْرِيرَاتِ أَحْكَامِ الْمُقْنِعِ " صَحَّحَ فِيهِ مَا أَطْلَقَهُ الْمُوَفَّقُ فِي مُقْنِعِهِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ الرِّوَايَاتِ، وَمِنْ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْأَوْجُهِ، وَقَيَّدَ مَا أَخَلَّ فِيهِ مِنْ الشُّرُوطِ، وَفَسَّرَ مَا أَبْهَمَ فِيهِ مِنْ حُكْمٍ أَوْ لَفْظٍ، وَاسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِهِ مَا هُوَ مُسْتَثْنًى عَلَى الْمَذْهَبِ حَتَّى خَصَائِصَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَيَّدَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّا فِيهِ إطْلَاقٌ، وَيُحْمَلُ عَلَى نَقْصِ فُرُوعِهِ مَا هُوَ مُرْتَبِطٌ بِهَا، وَزَادَ مَسَائِلَ مُجَرَّدَةً مُصَحَّحَةً، فَصَارَ تَصْحِيحًا لِغَالِبِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ. وَمِنْهَا " التَّحْرِيرُ " فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، ذَكَرَ فِيهِ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ وَغَيْرَهَا وَشَرْحُهُ، وَتَصْحِيحُ كِتَابِ " الْفُرُوعِ " وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَانْتَفَعَ النَّاسُ بِمُصَنَّفَاتِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، وُلِدَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَمَانِمِائَةٍ، وَتَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ قُنْدُسٍ وَغَيْرِهِ، وَتُوُفِّيَ بِصَالِحِيَّةِ دِمَشْقَ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَادِسَ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ، - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (بَيَّنَ بِتَنْقِيحِهِ " وَإِنْصَافِهِ " الضَّعِيفَ مِنْ الصَّحِيحِ، ثُمَّ نَحَا نَحْوَ) أَيْ: سَلَكَ طَرِيقَهُ فِي تَصْحِيحِهِ (مُقَلِّدًا لَهُ) التَّقْلِيدُ لُغَةً: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي الْعُنُقِ مُحِيطًا بِهِ. وَعُرْفًا: أَخْذُ مَذْهَبِ الْغَيْرِ بِلَا مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ. حَذَا حَذْوَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْأُصُولِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الْفَرْضِيُّ، شَرَفُ الدِّينِ أَبُو النَّجَا مُوسَى بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ سَالِمِ بْنِ عِيسَى بْنِ سَالِمٍ الْحَجَّاوِيُّ الْمَقْدِسِيَّ ثُمَّ الصَّالِحِيُّ (صَاحِبُ) كِتَابِ (الْإِقْنَاعِ ") جَرَّدَ فِيهِ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرَ فِيهِ مِنْ الْمَسَائِلِ مَعَ مُرَاعَاةِ الضَّبْطِ، وَتَحْرِيرِ النُّقُولِ. وَلَهُ أَيْضًا " شَرْحُ الْمُفْرَدَاتِ " وَشَرْحُ مَنْظُومَةِ الْآدَابِ " لِابْنِ مُفْلِحٍ، وَزَادُ الْمُسْتَقْنِعِ " وَحَاشِيَةٌ عَلَى الْفُرُوعِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. تُوُفِّيَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثَانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ، وَدُفِنَ بِأَسْفَلِ الرَّوْضَةِ مِنْ سَفْحِ قَاسِيُونَ تِجَاهَ قَبْرِ الْمُنَقِّحِ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا الطَّرِيقُ، وَنَحَا نَحْوَهُ أَيْضًا صَاحِبُ كِتَابِ (" الْمُنْتَهَى ") الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الْفَقِيهُ الْأُصُولِيُّ النَّحْوِيُّ الْفَرْضِيُّ تَقِيُّ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَّامَةِ شِهَابِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَلِيِّ الْفَتُوحِيُّ عَالِمُ مِصْرَ الشَّهِيرُ بِابْنِ النَّجَّارِ. (وَزَادَا) أَيْ: صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ " وَالْمُنْتَهَى " (مِنْ الْمَسَائِلِ) : جَمْعُ مَسْأَلَةٍ مِفْعَلَةٌ، مِنْ السُّؤَالِ، وَهُوَ: مَا يُبَرْهَنُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ. (مَا يَسُرُّ) أَيْ: يُفْرِحُ (أُولِي النُّهَى) أَيْ: أَصْحَابَ الْعَقْلِ (فَصَارَ لِذَلِكَ) الْحَذْوِ (كِتَابَاهُمَا) الْمَذْكُورَانِ (مِنْ أَجَلِّ) أَيْ: أَعْظَمِ (كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَمِنْ أَنْفَسِ) أَيْ: أَحَبِّ (مَا يُرْغَبُ فِي تَحْصِيلِهِ وَيُطْلَبُ) أَيْ: يُحَاوَلُ أَخْذُهُ (إلَّا أَنَّهُمَا) أَيْ: الْإِقْنَاعَ وَالْمُنْتَهَى (يَحْتَاجَانِ لِتَقْيِيدِ مَسَائِلَ) أَطْلَقَاهَا فِيهِمَا (وَتَحْرِيرِ) أَيْ: تَقْوِيمِ (أَلْفَاظٍ يَبْغِيهَا) أَيْ: يَطْلُبُهَا (السَّائِلُ) وَيَحْتَاجَانِ أَيْضًا (لِجَمْعِهِمَا مَعًا لِتَقْرِيبِ النَّائِلِ) أَيْ: الْآخِذِ (وَقَدْ اسْتَخَرْتُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) أَيْ: طَلَبْتُ مِنْهُ الْخِيَرَةَ (فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ) الْمَذْكُورَيْنِ (فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ مَعَ ضَمِّ) أَيْ: جَمْعِ (مَا تَيَسَّرَ) لِي (جَمْعُهُ إلَيْهِمَا مِنْ الْفَرَائِدِ) جَمْعُ: فَرِيدَةٍ، وَهِيَ: الدُّرَّةُ الثَّمِينَةُ الَّتِي تُحْفَظُ فِي ظَرْفٍ عَلَى حِدَةٍ، وَلَا تُخْلَطُ بِغَيْرِهَا مِنْ اللَّآلِئِ لِشَرَفِهَا (وَمَا أَقِفُ) أَيْ: أَطَّلِعُ (عَلَيْهِ فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ) الْحَنَابِلَةِ (مِنْ الْفَوَائِدِ) جَمْعُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 فَائِدَةٍ، وَهِيَ مَا يَكُونُ الشَّيْءُ بِهِ أَحْسَنُ حَالًا مِنْهُ بِغَيْرِهِ (وَلَا أَحْذِفُ مِنْهُمَا إلَّا مَا أَسْتَغْنِي عَنْهُ) إمَّا لِتَكْرَارِهِ، أَوْ فَهْمِهِ مِنْ نَظِيرِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ حَالَ كَوْنِي (حَرِيصًا عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ) لِفَرْطِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (مُشِيرًا لِخِلَافِ الْإِقْنَاعِ " بِ: خِلَافًا لَهُ، فَإِنْ تَنَاقَضَ) قَوْلَاهُ فِي مَسْأَلَةٍ (زِدْتُ هُنَا) أَيْ: فِي هَذَا الْمَحَلِّ (وَ) مُشِيرًا (لَهُمَا) أَيْ: لِخِلَافِ الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى " (بِ: خِلَافًا لَهُمَا، وَ) مُشِيرًا (لَمَا أَبْحَثُهُ غَالِبًا) أَيْ: وَرُبَّمَا يَبْحَثُ وَلَا يُشِيرُ (جَازِمًا) أَيْ: قَاطِعًا (بِهِ بِقَوْلِي: وَيَتَّجِهُ، فَإِنْ تَرَدَّدْت زِدْتُ) بَعْدَ قَوْلِي: وَيَتَّجِهُ (احْتِمَالُ) كَذَا حَالَ كَوْنِي (مُمَيِّزًا آخِرَ كُلَّ مَبْحَثٍ) مِنْ الْبَحْثِ - وَهُوَ التَّفْتِيشُ - (بِ) الْحِبْرِ (الْأَحْمَرِ) لِأَجْلِ (بَيَانِ) أَيْ: ظُهُورِ (الْمَقَالِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ) أَيْ: يُوجَدُ (بَعْضُ ذَلِكَ) الَّذِي زِيدَ (فِي كَلَامِهِمْ) أَيْ: أَئِمَّتِنَا الْفُقَهَاءِ (لَكِنْ لَمْ أَقِفْ) أَيْ: أَطَّلِعْ (عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَحْصِيلِ كَثْرَةِ الْمَوَادِّ) جَمْعُ: مَادَّةٍ، وَهِيَ هُنَا: الْآلَةُ (وَقَدْ فَقَدْتُ) أَيْ: عَدِمْتُ (فِي ذَلِكَ) الْجَمْعِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ (الْخِلَّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَضَمِّهَا: الصِّدِّيقُ الْمُخْتَصُّ وَلَا يُضَمُّ إلَّا مَعَ وُدِّ (الْمُسْعِفَ) أَيْ: الْمُسَاعِدُ (الْمُوَادَّ) بِضَمِّ الْمِيمِ: الْمُحِبُّ (لَكِنَّ مَعُونَةَ اللَّهِ تَعَالَى خَيْرُ مَعُونَةٍ) فَلَا يُضَامُ مَنْ الْتَجَأَ إلَيْهِ (بِكَثْرَةِ الْمَدَدِ وَقِلَّةِ الْمَئُونَةِ) أَيْ: الْكِفَايَةِ (وَيَأْبَى اللَّهُ تَعَالَى) أَيْ: يَكْرَهُ (الْعِصْمَةَ) أَيْ: الْمَنْعَ مِنْ النَّقْصِ (لِكِتَابٍ غَيْرِ كِتَابِهِ) أَيْ: مَا أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ (وَالْمُنْصِفُ مَنْ اغْتَفَرَ) أَيْ: سَتَرَ (قَلِيلَ خَطَأِ الْمَرْءِ فِي كَثِيرِ صَوَابِهِ) وَهُوَ ضِدُّ الْخَطَأِ (وَمَعَ هَذَا) أَيْ: كَوْنِهِ لَمْ يَخْلُ مِنْ الْخَطَأِ (فَمَنْ أَتْقَنَ) أَيْ: أَحْكَمَ (كِتَابِي هَذَا) أَيْ: فَهِمَهُ كَمَا يَنْبَغِي (فَهُوَ الْفَقِيهُ الْمَاهِرُ) أَيْ: الْحَاذِقُ (وَمَنْ ظَفِرَ) أَيْ: فَازَ (بِمَا فِيهِ) مِنْ الْمَسَائِلِ النَّفِيسَةِ (فَسَيَقُولُ بِمِلْءِ فِيهِ: كَمْ تَرَكَ الْأَوَّلُ لِلْآخَرِ) تَمَثَّلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ، لِمَا رَأَى مِنْ كَثْرَةِ فَوَائِدِهِ الَّتِي أَوْدَعَهَا فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 (وَمَنْ حَصَّلَهُ) أَيْ حَفِظَ مَسَائِلَهُ فِي ذِهْنِهِ (فَقَدْ حَصَلَ لَهُ جَزِيلُ الْحَظِّ) أَيْ النَّصِيبِ (الْوَافِرِ) أَيْ: الْكَثِيرِ الْأَجْرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْكِتَابَ (الْبَحْرُ لَكِنْ بِلَا سَاحِلٍ) أَيْ: رِيفٍ وَشَاطِئٍ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ سَعَتِهِ، وَكَثْرَةِ مَا حَوَاهُ مِنْ النَّفَائِسِ (وَوَابِلُ الْقَطْرِ) أَيْ: شَدِيدُ الْمَطَرِ (غَيْرُ أَنَّهُ مُتَوَاصِلٌ) كِنَايَةً عَنْ كَثْرَةِ مَدَدِهِ (بِحُسْنِ عِبَارَاتٍ، وَرَمْزِ إشَارَاتٍ) مُومِئَةٍ إلَى فَهْمِ مَعْنًى آخَرَ غَيْرَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهَا (وَتَنْقِيحِ) أَيْ: تَهْذِيبِ (مَعَانِي، وَتَحْرِيرِ مَبَانِي) أَيْ: مَبَانِي مُحَرَّرَةٍ (رَاجِيًا بِذَلِكَ) أَيْ: طَامِعًا بِجَمْعِي لِهَذَا الْكِتَابِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ (تَسْهِيلَ بَيَانِ الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ (عَلَى الْمُتَفَقِّهِينَ) أَيْ: الْمُتَفَهِّمِينَ لِلْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ (وَ) رَاجِيًا (حُصُولَ الْمَثُوبَةِ) أَيْ: الْجَزَاءِ (وَالْإِنْعَامِ) أَيْ: الْإِكْرَامِ (مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أَيْ: مَالِكِ أَصْنَافِ الْخَلْقِ. (وَسَمَّيْتُهُ) هَذَا الْكِتَابَ: (غَايَةَ الْمُنْتَهَى فِي جَمْعِ الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى ") فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّسْمِيَةِ بِجُمْلَةٍ لِيَدُلَّ اسْمُهُ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ. (وَالْمُرَادُ بِالشَّيْخِ) أَيْ: مُرَادِي (حَيْثُ أُطْلِقُ: شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَبَحْرُ الْعُلُومِ) الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ: (أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ تَقِيُّ الدِّينِ) بْنُ (عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مَجْدِ الدِّينِ أَبِي الْبَرَكَاتِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْقَاسِم الْخَضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ الْخَضْرِ بْنِ عَلِيٍّ ابْنِ تَيْمِيَّةَ) الْحَرَّانِيِّ. وُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ عَاشِرَ وَقِيلَ ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ عَشْرَيْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَكَانَ إمَامًا مُفْرَدًا أَثْنَى عَلَيْهِ الْأَعْلَامُ مِنْ مُعَاصِرِيهِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ حَتَّى أُفْرِدَتْ تَرْجَمَتُهُ بِالتَّأْلِيفِ، وَامْتُحِنَ بِمِحَنٍ، وَخَاضَ فِيهِ أَقْوَامٌ حَسَدًا، وَنَسَبُوهُ لِلْبِدَعِ وَالتَّجْسِيمِ افْتِرَاءً مِنْهُمْ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَشْهَدُ بِذَلِكَ مُصَنَّفَاتُهُ الَّتِي مَلَأَتْ الْخَافِقَيْنِ، وَكَفَى بِهِ شَهَادَةُ شَيْخِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَمْ تَرَ عَيْنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 مِثْلَهُ كَلًّا لَا وَاَللَّهِ، وَلَمْ تَرَ عَيْنُهُ مِثْلَ نَفْسِهِ، وَكَانَ يُرَجِّحُ مَذْهَبَ السَّلَفِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَكَلِّمِينَ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، وَأَيَّدَهُ اللَّهُ بِنَصْرِهِ (وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمَسْئُولُ أَنْ يُبْلِغَنِي) أَيْ: يُوصِلَنِي إلَى (الْمَطْلُوبِ) أَيْ: مَا طَلَبْتُهُ (وَالْمَأْمُولُ) أَيْ: الْمَرْجُوُّ (وَأَنْ يُسْعِفَ) أَيْ: يُسَاعِدَ (التَّقْصِيرَ) الْحَاصِلَ مِنِّي بِسَبَبِ قِلَّةِ الْمَوَادِّ (بِحُصُولِ التَّيْسِيرِ) مِنْهُ تَعَالَى مَا صَعُبَ عَلَيَّ مِمَّا قَصَدْتُهُ فِي هَذَا التَّأْلِيفِ (وَأَنْ يَرْحَمَنِي وَالْمُسْلِمِينَ) بِرَحْمَتِهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (إنَّهُ جَوَادٌ) أَيْ: سَخِيٌّ (كَرِيمٌ، رَءُوفٌ) أَيْ: شَدِيدُ الرَّحْمَةِ (رَحِيمٌ) أَيْ: كَثِيرُ الرَّحْمَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 [لَمْ يُؤَلِّفْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ كِتَابًا فِي الْفِقْهِ] مُقَدِّمَةٌ لَمْ يُؤَلِّفْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ كِتَابًا فِي الْفِقْهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ أَصْحَابُهُ مَذْهَبَهُ مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَجْوِبَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةٍ قَوْلَانِ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ بِحَمْلِ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، وَمُطْلَقٍ عَلَى مُقَيَّدٍ: فَهُمَا مَذْهَبُهُ، وَإِنَّ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ، وَعُلِمَ التَّارِيخُ فَمَذْهَبُهُ الثَّانِي لَا غَيْرَ، صَحَّحَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ، وَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ فَمَذْهَبُهُ أَقْرَبُهُمَا مِنْ الْأَدِلَّةِ، أَوْ قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ، وَيُخَصُّ عَامُّ كَلَامِهِ بِخَاصِّهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَالْمَقِيسُ عَلَى كَلَامِهِ مَذْهَبُهُ فِي الْأَشْهَرِ، وَقَوْلُهُ: لَا يَنْبَغِي، أَوْ: لَا يَصْلُحُ، أَوْ: أَسَتَقْبَحُهُ، أَوْ: هُوَ قَبِيحٌ، أَوْ: لَا أَرَاهُ؛ لِلتَّحْرِيمِ؛ لَكِنْ حَمَلَ بَعْضُهُمْ " لَا يَنْبَغِي " فِي مَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَقَوْلُهُ: أَكْرَهُ، أَوْ: لَا يُعْجِبُنِي، أَوْ: لَا أُحِبُّهُ، أَوْ: لَا أَسْتَحْسِنُهُ؛ لِلنَّدْبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي " وَغَيْرِهِ: الْأَوْلَى النَّظَرُ إلَى الْقَرَائِنِ فِي الْكُلِّ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبٍ، أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ نَدْبٍ، أَوْ إبَاحَةٍ، أَوْ كَرَاهَةٍ: حُمِلَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ، أَوْ تَأَخَّرَتْ، أَوْ تَوَسَّطَتْ، قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. [فَائِدَة التَّرْجِيح إذَا اخْتَلَفَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ الْحَنَابِلَة] فَائِدَةٌ: اعْلَمْ - رَحِمَكَ اللَّهُ - أَنَّ التَّرْجِيحَ إذَا اخْتَلَفَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ قَالَ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ إمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ، وَالْعَمَلُ بِقَوْلِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ مَذْهَبًا لِإِمَامِهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنْ كَانَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فَهُوَ مَقِيسٌ عَلَى قَوَاعِدِهِ وَأُصُولِهِ وَنُصُوصِهِ، قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] (كِتَابُ الطَّهَارَةِ) هُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: " هَذَا كِتَابُ "، أَوْ: مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: مِمَّا يُذْكَرُ كِتَابُ، وَيَجُوزُ نَصَبُهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، لَكِنْ لَا يُسَاعِدُهُ الرَّسْمُ إلَّا مَعَ الْإِضَافَةِ، وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالْكَتْبِ وَالْكِتَابَةِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ بِالْمُثَنَّاةِ لِلْجَيْشِ، وَالْكِتَابَةُ بِالْقَلَمِ لِجَمْعِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ الْجَامِعِ لِمَسَائِلِ الطَّهَارَةِ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِهَا، وَمَا يُوجِبُهَا، وَمَا يَتَطَهَّرُ بِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ قَالُوا: إنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَتْبِ. وَبَدَأَ الْفُقَهَاءُ بِالطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ آكَدَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الصَّلَاةُ. وَالطَّهَارَةُ شَرْطُهَا، وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَقَدَّمُوا الْعِبَادَاتِ اهْتِمَامًا بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، ثُمَّ الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَسْبَابِهَا الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَنَحْوَهُ مِنْ الضَّرُورِيِّ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، وَشَهْوَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى شَهْوَةِ النِّكَاحِ، وَقَدَّمُوهُ عَلَى الْجِنَايَاتِ وَالْحُدُودِ وَالْمُخَاصِمَاتِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي الْغَالِبِ بَعْدَ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ (الطَّهَارَةُ) مَصْدَرُ طَهُرَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، كَمَا فِي الصِّحَاحِ " وَالِاسْمُ: الطُّهْرُ، وَهِيَ لُغَةً النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ عَنْ الْأَقْذَارِ حَتَّى الْمَعْنَوِيَّةِ. وَشَرْعًا: (ارْتِفَاعُ حَدَثٍ) : وَزَوَالِ الْوَصْفِ الْحَاصِلِ بِهِ الْمَانِعُ مِنْ نَحْوِ صَلَاةٍ وَطَوَافٍ. وَالِارْتِفَاعُ: مَصْدَرُ ارْتَفَعَ فَفِيهِ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الْمُفَسِّرِ وَالْمُفَسَّرِ فِي اللُّزُومِ بِخِلَافِ الرَّفْعِ، وَيَأْتِي مَعْنَى الْحَدَثِ. (وَزَوَالُ خَبَثٍ) أَيْ: نَجَسٍ حُكْمِيٍّ (وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا) أَيْ: مَعْنَى ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ، وَزَوَالُ الْخَبَثِ (كَ) لِحَاصِلِ بِ (تَجْدِيدٍ، وَغُسْلٍ مَسْنُونٍ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يَرْفَعَا حَدَثًا، (وَ) الْحَاصِلُ بِغُسْلِ (مَيِّتٍ) لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ لَا عَنْ حَدَثٍ (وَ) الْحَاصِلُ بِغَسْلِ (يَدَيْ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 نَاقِضُ الْوُضُوءِ، وَيَأْتِي (وَ) الْحَاصِلُ بِ (نَحْوِ غَسْلَةٍ ثَانِيَةٍ) كَثَالِثَةٍ فِي وُضُوءٍ (وَكَتَيَمُّمٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا (وَاسْتِجْمَارٍ) لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ أَثَرَ الْخَبَثِ، وَكَالْحَاصِلِ بِطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَغُسْلِ كَافِرَةٍ مِنْ حَيْضٍ لِحِلِّ وَطْءٍ، وَغَسْلِ ذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ بِخُرُوجِ مَذْيٍ دُونَهُ فَإِنَّهُ نَجَسٌ. (وَيَحْصُلُ تَطْهِيرُ) نَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا (بِمَاءٍ فَقَطْ) إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (أَوْ بِهِ) أَيْ: الْمَاءِ (مَعَ نَحْوِ تُرَابٍ) طَهُورٍ كَأُشْنَانٍ وَصَابُونٍ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، (أَوْ) زَوَالِ خَبَثٍ (بِنَفْسِهِ) أَيْ: بِغَيْرِ فِعْلِ إنْسَانٍ كَخَمْرَةٍ انْقَلَبَتْ خَلًّا بِنَفْسِهَا، وَزَوَالِ تَغَيُّرِ مَاءٍ كَثِيرٍ نَجِسٍ بِالتَّغَيُّرِ. (وَأَقْسَامُ الْمَاءِ ثَلَاثَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ: (طَهُورٌ) وَهُوَ أَشْرَفُهَا، قَالَ ثَعْلَبٌ: طَهُورٌ بِفَتْحِ الطَّاءِ الطَّاهِرُ فِي ذَاتِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ. انْتَهَى. (وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ) ، أَيْ: صِفَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا مِنْ حَرَارَةٍ أَوْ بُرُودَةٍ أَوْ عُذُوبَةٍ أَوْ مُلُوحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَعَدِّيَةِ. قَالَ تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَوَابًا لِلْقَوْمِ حِينَ سَأَلُوهُ عَنْ الْوُضُوءِ بِهِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ طَاهِرٍ مُطَهِّرًا وَلَا يُنَافِيهِ «خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» فَقَدْ جَمَعَ الْوَصْفَيْنِ كَوْنُهُ نَزِهًا لَا يَنْجَسُ بِغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ (غَالِبًا) بِأَنْ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، أَوْ حُكْمًا بِأَنْ تَغَيَّرَ بِنَحْوِ مُكْثٍ وَطُحْلُبٍ (يَرْفَعُ الْحَدَثَ) أَيْ: لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ غَيْرُهُ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) كَغَسْلِ يَدَيْ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ (وَيُزِيلُ الْخَبَثَ) أَيْ: النَّجَسَ (الطَّارِئَ) عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ، فَخَرَجَ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ، وَكَذَلِكَ الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ مُزِيلٌ لِلْحُكْمِ فَقَطْ. (وَالْحَدَثُ: مَا) أَيْ مَعْنَى يَقُومُ بِالْبَدَلِ (أَوْجَبَ وُضُوءًا) أَيْ: جَعَلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 الشَّرْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ، وَيُوصَفُ بِالْأَصْغَرِ (أَوْ) أَوْجَبَ (غُسْلًا) وَيُوصَفُ بِالْأَكْبَرِ (وَهُوَ) أَيْ: الْحَدَثُ: (أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ) مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ (يَقُومُ بِالشَّخْصِ) (وَلَيْسَ) الْحَدَثُ (نَجَاسَةً بَلْ) هُوَ (مَعْنًى يَقُومُ بِالْبَدَنِ يَمْنَعُ) مِنْ (نَحْوِ صَلَاةٍ) كَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ (فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةٌ بِحَمْلِ مُحْدِثٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا، وَالْمُحْدِثُ مَنْ لَزِمَهُ وُضُوءٌ لِنَحْوِ صَلَاةٍ أَوْ غُسْلٌ أَوْ تَيَمُّمٌ، وَالطَّاهِرُ ضِدُّ الْمُحْدِثِ النَّجِسِ، وَالْمُحْدِثُ لَيْسَ نَجِسًا وَلَا طَاهِرًا، (وَالْخَبَثُ مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ صَلَاةٍ) كَطَوَافٍ (وَهُوَ) أَيْ: الْخَبَثُ عُرْفًا (النَّجَاسَةُ الْعَيْنِيَّةُ، وَلَا تَطْهُرُ بِحَالٍ) فَلَا يَرِدُ نَحْوُ الْخَمْرَةِ وَالْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا لِمَا طَرَأَ عَلَيْهَا. تَتِمَّةٌ: النَّجَسُ لُغَةً: مَا يَسْتَقْذِرُهُ ذُو الطَّبْعِ السَّلِيمِ، وَعُرْفًا كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا لِذَاتِهَا مَعَ إمْكَانِ التَّنَاوُلِ لِيَخْرُجَ مَا لَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهُ كَالصَّوَّانِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْمُمْتَنِعِ مُسْتَحِيلٌ لَا لِحُرْمَتِهَا، لِيَخْرُجَ صَيْدُ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ، وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا، لِيَخْرُجَ نَحْوُ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ، فَالْمَنْعُ مِنْهُ لِاسْتِقْذَارِهِ لَا لِنَجَاسَتِهِ، وَلَا لِضَرَرٍ بِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ لِيَخْرُجَ نَحْوُ السُّمِّيَّاتِ وَالْبَنْجِ. (6 وَالطَّهُورُ أَنْوَاعٌ) أَرْبَعَةٌ : أَحَدُهَا - (مَا يَحْرُمُ) اسْتِعْمَالُهُ (وَلَا يَرْفَعُ حَدَثًا) أَصْغَرَ وَلَا أَكْبَرَ. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ (لِنَاسٍ) حُرْمَتُهُ فَلَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ؛ إذْ كَوْنُ الْمَاءِ مُبَاحًا شَرْطٌ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، وَهُوَ لَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ لَكِنْ جَعَلَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " كَالصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ مُحَرَّمٍ، وَقَدْ صَرَّحُوا هُنَاكَ بِصِحَّتِهَا مِنْ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ. (وَيُزِيلُ) هَذَا النَّوْعُ (الْخَبَثَ) الطَّارِئَ عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ (وَهُوَ مَا لَيْسَ مُبَاحًا) وَلَا مَكْرُوهًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 (وَ) النَّوْعُ الثَّانِي: (مَا يَرْفَعُ حَدَثَ الْأُنْثَى لَا الرَّجُلِ الْبَالِغِ وَالْخُنْثَى) الْمُشْكِلِ الْبَالِغِ (تَعَبُّدًا) أَيْ: الْمَنْعُ لِلرَّجُلِ الْبَالِغِ وَالْخُنْثَى مِنْ ذَلِكَ تَعَبُّدًا لِأَمْرِ الشَّرْعِ بِهِ، وَعَدَمِ عَقْلِ مَعْنَاهُ. (وَهُوَ) مَاءٌ (قَلِيلٌ) دُونَ الْقُلَّتَيْنِ (خَلَتْ بِهِ كَخَلْوَةِ نِكَاحٍ) امْرَأَةٌ (مُكَلَّفَةٌ وَلَوْ) كَانَتْ (كَافِرَةً) لِأَنَّهَا أَدْنَى مِنْ الْمُسْلِمَةِ، وَأَبْعَدُ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَلِعُمُومِ الْخَبَرِ الْآتِي (لِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ) لَا لِبَعْضِهَا (عَنْ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ. قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، إلَّا أَنَّ النَّسَائِيّ وَابْنَ مَاجَهْ قَالَا " وُضُوءِ الْمَرْأَةِ " وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ " الْأَثْرَمِ ". وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: أَكْثَرُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ، فَيَكُونُ تَوْقِيفًا، وَمِمَّنْ كَرِهَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ، وَخُصِّصَ بِالْخَلْوَةِ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ " تَوَضَّأَ أَنْتَ هَهُنَا، وَهِيَ هَهُنَا فَإِذَا خَلَتْ بِهِ فَلَا تَقْرَبَنَّهُ " وَبِالْقَلِيلِ، لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْكَثِيرِ فَهَذَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَتَطَهَّرْنَ مِنْ الْقَلِيلِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِخَلْوَتِهَا بِالتُّرَابِ، وَلَا بِالْمَاءِ لِإِزَالَةِ الْخَبَثِ، أَوْ طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ، وَلَا لِخَلْوَةِ خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَلَا غَيْرِ بَالِغَةٍ، لَا لِبَعْضِ طَهَارَةٍ. (وَيَتَّجِهُ: احْتِمَالٌ وَلَوْ لَمْ تَنْوِ) الْكَافِرَةُ الْمُكَلَّفَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا رَفْعَ الْحَدَثِ فَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا بَأْسَ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ يَصِحُّ غُسْلُ رَجُلٍ مَيِّتٍ بِهِ) لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ تَعَبُّدٌ، كَذَا قَالَ، وَعِبَارَةُ " الْمُقْنِعِ " وَغَيْرِهِ: وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": فَعُمُومُهُ يَتَنَاوَلُ الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، وَالْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ الْمُسْتَحَبَّيْنِ وَغُسْلَ الْمَيِّتِ. (وَ) النَّوْعُ الثَّالِثُ: (مَا يُكْرَهُ) اسْتِعْمَالُهُ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَكْرُوهٍ، إذْ لَا يُتْرَكُ وَاجِبٌ لِشُبْهَةٍ (كَ) مَاءٍ (مُسْتَعْمَلٍ فِي طُهْرٍ لَا يَرْفَعُ) ذَلِكَ الطُّهْرُ (حَدَثًا) بِأَنْ اُسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةٍ لَمْ تَجِبْ (كَتَجْدِيدٍ وَغَسْلَةٍ ثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ) فِي وُضُوءٍ وَغُسْلٍ (أَوْ) اُسْتُعْمِلَ (فِي غُسْلِ كَافِرٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا وَلَمْ يُزِلْ خَبَثًا (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ الْكَافِرُ (كَافِرَةً) ذِمِّيَّةً؛ اغْتَسَلَتْ (لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ) لِحِلِّ وَطْءِ زَوْجِهَا الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْغُسْلَ لَا يَسْلُبُ الْمَاءَ طَهُورِيَّتَهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلنِّيَّةِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ غُسْلُ مُسْلِمَةٍ مُمْتَنِعَةٍ) مِنْ الْغُسْلِ لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ لِحِلِّ وَطْءٍ، وَيَنْوِي مَنْ يُغَسِّلُهَا، لِتَعَذُّرِ النِّيَّةِ مِنْهَا حِينَئِذٍ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ مُسْتَعْمِلٍ) أَيْ: مُتَطَهِّرٍ (فَحَنَفِيٌّ تَطَهَّرَ بِهِ) أَيْ: الْمَاءِ (بِلَا نِيَّةٍ) فِي حَقٍّ (طَاهِرٌ) لَا يَرْفَعُ عَنْهُ حَدَثًا، وَلَا يُزِيلُ خَبَثًا، (وَ) مَا اجْتَمَعَ مِنْ مَاءِ وُضُوئِهِ فَهُوَ (طَهُورٌ) عِنْدَنَا، غَيْرَ أَنَّهُ (يُكْرَهُ) لَنَا التَّطَهُّرُ بِهِ. وَكَذَلِكَ (إنْ تَوَضَّأَ الْحَنَفِيُّ لَمَسَ فَرْجٍ) لِأَنَّهُ تَوَضَّأَ تَجْدِيدًا لَا عَنْ حَدَثٍ، (أَوْ) تَوَضَّأَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 (شَافِعِيٌّ لِفَصْدٍ) فَيُكْرَهُ لَنَا اسْتِعْمَالُ مَا تَوَضَّأَ بِهِ فِي الطَّهَارَةِ. (أَوْ حَنَفِيَّةٌ حَاضَتْ) وَاغْتَسَلَتْ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ (لِحِلِّ وَطْءٍ) فَيَصْلُحُ أَنْ تَتَطَهَّرَ بِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِعْ بِهِ عَنْهَا حَدَثٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ غُسِلَ) بِهِ (رَأْسُ) مُتَوَضِّئٍ (بَدَلًا عَنْ مَسْحٍ) فَلَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، لِعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِهِ فِي الْوُضُوءِ. (وَكَمَاءِ بِئْرٍ بِمَقْبَرَةٍ) بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ، وَبِفَتْحِ الْبَاءِ مَعَ كَسْرِ الْمِيمِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " فِي الْأَطْعِمَةِ: وَكَرِهَ أَحْمَدُ مَاءَ بِئْرٍ بَيْنَ الْقُبُورِ وَشَوْكِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَبَقْلِهَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: كَمَا سُمِّدَ بِنَجِسٍ، وَالْجَلَّالَةَ. انْتَهَى. (أَوْ) أَيْ: وَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَاءِ بِئْرٍ بِمَكَانِ (غَصْبٍ) أَيْ: مَغْصُوبٍ، (أَوْ حُفِرَتْ الْبِئْرُ بِهِ) أَيْ: الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ، وَيَحْرُمُ حَفْرُهَا بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ آلَةً فَحَفَرَ بِهَا أَرْضَهُ الْمَمْلُوكَةَ لَهُ، أَوْ أَكْرَهَ إنْسَانًا عَلَى حَفْرِهَا فَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَائِهَا (أَوْ) حُفِرَتْ الْبِئْرُ (بِأُجْرَةِ غَصْبٍ) أَوْ بَعْضِهَا، (وَ) كَذَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَاءٍ (شَدِيدِ حَرٍّ أَوْ) شَدِيدِ (بَرْدٍ) لِأَنَّهُ يُؤْذِي وَيَمْنَعُ كَمَالَ الطَّهَارَةِ (وَ) اسْتِعْمَالُ مَاءٍ (مَظْنُونٍ نَجَاسَتَهُ) فَيُكْرَهُ، بِخِلَافِ مَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ فَلَا يُكْرَهُ، قَالَهُ الشَّارِحُ. (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا اسْتِعْمَالُ مَاءٍ (مُسَخَّنٍ بِهَا) أَيْ: بِالنَّجَاسَةِ، سَوَاءٌ ظَنَّ وُصُولَهَا إلَيْهِ، أَوْ احْتَمَلَ، أَوْ لَا، حَصِينًا كَانَ الْحَائِلُ أَوْ غَيْرَ حَصِينٍ وَلَوْ بَرَدَ، وَيُكْرَهُ إيقَادُ النَّجَسِ، وَإِنْ عُلِمَ وُصُولُ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ وَكَانَ يَسِيرًا فَنَجَسٌ (أَوْ) مُسَخَّنٌ (بِغَصْبٍ) فَيُكْرَهُ، لِأَنَّهُ أَثَرٌ مُحَرَّمٌ. (وَ) يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَاءٍ (مُتَغَيِّرٍ بِغَيْرِ مُمَازَجٍ كَعُودٍ قَمَارِيٍّ) بِفَتْحِ الْقَافِ: نِسْبَةً إلَى بَلْدَةِ قِمَارَ: مَوْضِعٍ بِبِلَادِ الْهِنْدِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ، قَالَهُ فِي " الْمُطْلِعِ " (وَقِطَعِ كَافُورٍ وَدُهْنٍ) كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ (وَزِفْتٍ) لِأَنَّهُ لَا يُمَازِجُ الْمَاءَ، وَكَرَاهَتُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (وَقَطِرَانٍ) ، وَهُوَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ فِيهِ دُهْنِيَّةٌ، فَلَا يُمَازِجُ الْمَاءَ، فَتَغَيُّرُهُ بِهِ تَغَيُّرُ مُجَاوِرَةٍ، وَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُتَغَيِّرِ بِالدُّهْنِ، وَنَوْعٌ لَا دُهْنِيَّةَ فِيهِ فَتَغَيُّرُ الْمَاءِ بِهِ تَغَيُّرُ مُخَالَطَةٍ فَيَسْلُبُ الْمَاءَ الطَّهُورِيَّةَ عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَ الشِّيشْنِيُّ: قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا لَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِقَطِرَانٍ وَشَكَّ هَلْ فِيهِ دُهْنِيَّةٌ أَوْ لَا: فَالْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ فِي طَهَارَتِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ. (أَوْ) مُتَغَيِّرٌ (بِمِلْحٍ مَائِيٍّ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 لِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْمَاءِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِيِّ فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ. (وَيَتَّجِهُ) اشْتِرَاطُ كَوْنِ مَاءِ ذَلِكَ الْمِلْحِ (غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ قَبْلَ انْعِقَادِهِ) إذْ لَوْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا قَبْلَ ذَلِكَ لَسَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ. صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ (وَ) كَذَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ (مَاءِ بِئْرِ بَرَهُوتَ) : بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ، وَيُقَالُ: بَرَهُوتُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَهِيَ: بِئْرٌ عَمِيقَةٌ بِحَضْرَمَوْتَ لَا يُسْتَطَاعُ النُّزُولُ إلَى قَعْرِهَا، ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّهَا الْبِئْرُ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِيهَا أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ شَرُّ بِئْرٍ عَلَى الْأَرْضِ بَرَهُوتُ " (وَ) يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَاءِ بِئْرِ (ذَرْوَانَ) وَهِيَ الَّتِي أُلْقِيَ فِيهَا سِحْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ، وَهِيَ الْآنَ مَطْمُومَةٌ تُلْقَى فِيهَا الْقُمَامَةُ وَالْعَذِرَاتُ (وَ) اسْتِعْمَالُ مَاءِ (دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ) لِأَنَّهَا مِنْ الْبِقَاعِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهَا. (وَكَذَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَاءِ بِئْرِ زَمْزَمَ فِي إزَالَةِ خَبَثٍ) تَشْرِيفًا لَهُ، لَا فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ، وَ (لَا) يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَاءٍ (جَارٍ عَلَى الْكَعْبَةِ) صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. (وَلَا يُبَاحُ غَيْرُ بِئْرِ النَّاقَةِ مِنْ آبَارٍ) أَرْضِ (ثَمُودَ) قَوْمِ صَالِحٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ، فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا، وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا، وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَلَا تَصِحُّ طَهَارَةٌ) أَيْ: وُضُوءٌ أَوْ غُسْلٌ مِنْ عَالِمٍ ذَاكِرٍ (بِهَا) أَيْ: بِمَاءِ آبَارِ ثَمُودَ غَيْرَ بِئْرِ النَّاقَةِ مِنْهَا، وَهِيَ الَّتِي اسْتَمَرَّ عِلْمُ النَّاسِ بِهَا قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ إلَى وَقْتِنَا هَذَا، فَلَا تَرِدُ الرُّكْبَانُ بِئْرًا غَيْرَهَا، وَهِيَ مَطْوِيَّةٌ مُحْكَمَةُ الْبِنَاءِ وَاسِعَةُ الْأَرْجَاءِ آثَارُ الْعَفْوِ عَلَيْهَا بَادِيَةٌ لَا تَشْتَبِهُ بِغَيْرِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 (فَرْعٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) : الْأَصْحَابِ (كَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِ مَاءِ بِئْرٍ بِمَقْبَرَةٍ حَتَّى فِي نَحْوِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) وَغَيْرِهِمَا. (وَيَتَّجِهُ مِثْلُهُ) أَيْ: مِثْلُ مَاءِ الْبِئْرِ الَّذِي فِي الْمَقْبَرَةِ (مَا سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ) ، إذْ لَا يُؤْمَنُ تَخَلُّلُ دُخَانِهَا الْمَاءَ، (أَوْ غَصْبٍ) لِلْأَمْرِ بِاتِّقَاءِ الشُّبُهَاتِ اسْتِبْرَاءً لِلْعِرْضِ وَالدِّينِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ بَقْلَ مَقْبَرَةٍ) وَشَوْكَهَا إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ نَبْشُهَا وَإِلَّا فَنَجِسٌ. (وَ) النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّهُورِ، وَهُوَ أَشْرَفُهَا: (مَا لَا يُكْرَهُ) اسْتِعْمَالُهُ (كَمَاءِ بَحْرٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. (وَ) كَمَاءِ (حَمَّامٍ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ دَخَلُوا لَهُ، وَرَخَّصُوا فِيهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ وُقُودُهَا نَجِسًا (وَ) كَمَاءٍ (قَطَرَ) مِنْ (بُخَارِهِ) أَيْ: الْحَمَّامِ (وَ) كَمَاءٍ (مُسَخَّنٍ بِشَمْسٍ) وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ، وَقَدْ سَخَّنَتْ مَاءً فِي الشَّمْسِ: لَا تَفْعَلِي فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مَوْضُوعًا. وَكَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّهُ «سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا تَغْتَسِلُوا بِالْمَاءِ الَّذِي سُخِّنَ بِالشَّمْسِ فَإِنَّهُ يُعْدِي مِنْ الْبَرَصِ» قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّى: غَيْرُ صَحِيحٍ، وَيَعْضُدُ ذَلِكَ إجْمَاعُ أَهْلِ الطِّبِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْبَرَصِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَثَّرَ لَمَا اُخْتُلِفَ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، وَلَمَا اخْتَصَّ تَسْخِينُهُ بِالْأَوَانِي الْمُنْطَبِعَةِ دُونَ غَيْرِهَا (أَوْ) مُسَخَّنٍ بِوَقُودٍ (طَاهِرٍ) كَالْحَطَبِ فَلَا يُكْرَهُ نَصًّا لِعُمُومِ الرُّخْصَةِ، وَعَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ مَاءٌ فِي قُمْقُمٍ فَيَغْتَسِلُ بِهِ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. (وَ) مِنْهُ مَاءٌ (مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ بِمَاءٍ آجِنٍ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سِوَى ابْنِ سِيرِينَ، فَإِنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، (أَوْ) مُتَغَيِّرٌ بِوُصُولِ (رِيحِ مَيْتَةٍ) إلَيْهِ فَلَا يُكْرَهُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَ " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، (وَ) مِنْهُ مُتَغَيِّرٌ (بِمَا يَشُقُّ صَوْنُهُ) أَيْ: الْمَاءِ (عَنْهُ) ، أَيْ: عَنْ ذَلِكَ الْمُغَيِّرِ، (إنْ وَقَعَ) الْمُغَيِّرُ فِيهِ (بِنَفْسِهِ) ، أَيْ: لَا بِصُنْعِ إنْسَانٍ ذِي قَصْدٍ فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) مُتَغَيِّرٌ (بِفِعْلِ بَهِيمَةٍ) أَوْ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ صَغِيرٍ، أَوْ غَيْرِ عَاقِلٍ؛ فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا قَصْدَ لَهُمْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، ثُمَّ مَثَّلَ مَا يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (كَطُحْلُبٍ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ: خُضْرَةٌ تَعْلُو الْمَاءَ الرَّاكِدَ إذَا طَالَ مُكْثُهُ فِي الشَّمْسِ (وَوَرَقِ شَجَرٍ وَجَرَادٍ، وَمَا لَا نَفْسَ) أَيْ: دَمَ (لَهُ سَائِلٌ) : كَالْخُنْفُسَاءِ وَالْعَقْرَبِ وَالصَّرَاصِيرِ مِنْ غَيْرِ كُنُفٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. (وَنَحْوُ سَمَكٍ) مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ: كَضُفْدَعٍ وَسَرَطَانٍ وُجِدَ (فِيهِ) أَيْ: الْمَاءِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْ ذَلِكَ. (وَ) مِنْهُ الْمُتَغَيِّرُ (بِآنِيَةِ أُدْمٍ) أَيْ: جِلْدٍ (وَ) آنِيَةٍ (نَحْوِ نُحَاسٍ) كَحَدِيدٍ (وَ) مُتَغَيِّرٌ (بِمَا فِي مَقَرِّهِ، أَوْ مَمَرِّهِ) مِنْ كِبْرِيتٍ وَنَحْوِهِ، (أَوْ مُتَغَيِّرٌ بِتُرَابٍ) طَهُورٍ (وَلَوْ وَضَعَ) التُّرَابَ (قَصْدًا) لِأَنَّهُ أَحَدُ الطَّهُورَيْنِ، وَلِعَدَمِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَصِرْ طِينًا (أَوْ) أَيْ: وَمِنْ الطَّهُورِ غَيْرُ الْمَكْرُوهِ: مَا (اُسْتُهْلِكَ فِيهِ يَسِيرُ) مَاءٍ (طَاهِرٍ أَوْ) اُسْتُهْلِكَ فِيهِ (مَائِعٌ) كَعَصِيرٍ وَمَاءِ وَرْدٍ، (وَلَوْ) كَانَ وَضَعَهُ (لِعَدَمِ كِفَايَةِ) ذَلِكَ الْمَاءِ لِمُرِيدِ الطَّهَارَةِ، (كَ) مَا لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ مَاءٍ يَسِيرٍ (مُنْتَضَحٌ مِنْ وُضُوئِهِ فِي إنَائِهِ) لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، (وَ) كَمَاءٍ (مُسْتَعْمَلٍ فِي غَيْرِ طَهَارَةٍ) وَاجِبَةٍ، أَوْ مُسْتَحَبَّةٍ (كَغَسْلَةٍ رَابِعَةٍ فِي وُضُوءٍ وَغُسْلٍ، وَ) غَسْلَةٍ (ثَامِنَةٍ فِي إزَالَةِ نَجَاسَةٍ) إذْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 سَرَفٌ، فَلَا يُسْلَبُ الْمَاءُ الطَّهُورِيَّةَ، (وَكَ) اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي (تَبَرُّدٍ وَتَنَظُّفٍ) فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا فِي ذَلِكَ، وَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا. الْقِسْمُ (الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ الْمِيَاهِ: (طَاهِرٌ) غَيْرُ مُطَهِّرٍ (يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ طُهْرٍ) مِنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ، فَيُسْتَعْمَلُ فِي أَكْلٍ وَشُرْبٍ، (وَ) لِذَلِكَ (لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً، وَلَا يَلْزَمُ مُوَكِّلًا) فِي شِرَاءِ مَاءٍ، فَاشْتَرَى لَهُ الْوَكِيلُ مَاءً طَاهِرًا، لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ لَا يَتَنَاوَلُهُ، بَلْ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ الشِّرَاءُ إنْ عَلِمَ الْحَالَ وَإِلَّا يَعْلَمْ الْحَالَ فَ (هُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ) كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْوَكَالَةِ (وَهُوَ) أَيْ: الْمَاءُ الطَّاهِرُ (أَنْوَاعٌ) : مِنْهَا: (مُسْتَخْرَجٌ بِعِلَاجٍ: كَمَاءِ وَرْدٍ وَنَبَاتٍ) وَخَلَائِفَ وَبِطِّيخٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ، (وَ) مِنْهَا: (طَهُورٌ تَغَيَّرَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ تَطْهِيرٍ) إذْ التَّغَيُّرُ فِي مَحَلِّهِ لَا يُؤَثِّرُ (كَثِيرٌ) فَاعِلُ تَغَيَّرَ (عُرْفًا مِنْ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ بِطَاهِرٍ) مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَاءِ سَوَاءٌ طُبِخَ فِيهِ كَالْبَاقِلَاءِ وَنَحْوِهِ، أَوْ سَقَطَ فِيهِ كَزَعْفَرَانٍ، لِزَوَالِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَلِزَوَالِ مَعْنَى الْمَاءِ عَنْهُ، فَلَا يُطْلَبُ بِشُرْبِهِ الْإِرْوَاءَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا تَغَيَّرَ جَمِيعُ أَوْصَافِهِ، أَوْ كُلُّ صِفَةٍ مِنْهَا بِطَاهِرٍ، أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِالْأَوْلَى، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ الْيَسِيرُ مِنْ صِفَاتِهِ الثَّلَاثَةِ أَثَّرَ، وَكَذَا مِنْ صِفَتَيْنِ إنْ كَانَ الْيَسِيرُ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ ثَلَاثٍ يَعْدِلُ الْكَثِيرَ مِنْ صِفَةٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِزَعْفَرَانٍ مَثَلًا فِي مَحَلِّ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ مَا دَامَ مَحَلِّ التَّطْهِيرِ (وَ) يَسْتَمِرُّ طَاهِرًا مَا (لَمْ يَزُلْ تَغَيُّرُهُ) فَإِذَا زَالَ تَغَيُّرُهُ عَادَ إلَى طَهُورِيَّتِهِ (كَ) مَاءٍ طُبِخَ فِيهِ (بَاقِلَاءُ) بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ (وَ) مَاءٌ وُضِعَ فِي (عَسَلٍ) وَنَحْوِهِ (غَيْرَ مَا مَرَّ) مِمَّا يَشُقُّ صَوْنُهُ عَنْهُ، (وَلَوْ) كَانَ التَّغَيُّرُ (بِوَضْعِ مَا يَشُقُّ صَوْنُهُ عَنْهُ، كَطُحْلُبٍ) فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ إنْ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ، (أَوْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 كَانَ التَّغَيُّرُ (بِخَلْطِ مَا لَا يَشُقُّ) صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ بِصُنْعِ عَاقِلٍ أَوْ غَيْرِهِ: (كَخَلٍّ) وَحِبْرٍ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ، وَإِنَّمَا يُقَالُ مَاءُ كَذَا بِالْإِضَافَةِ اللَّازِمَةِ، بِخِلَافِ مَاءِ الْبَحْرِ وَالْحَمَّامِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمَةٍ. (وَ) مِنْهَا (مُسْتَعْمَلٌ قَلِيلٌ) أَيْ: دُونَ الْقُلَّتَيْنِ (فِي غُسْلِ مَيِّتٍ، أَوْ) قَلِيلٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي (رَفْعِ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي عِبَادَةٍ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ مَرَّةً أُخْرَى (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالُ (بِغَمْسِ بَعْضِ عُضْوٍ) مِنْ أَعْضَاءِ (مَنْ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ أَوْ) كَانَ بِغَمْسِ بَعْضِ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ مِمَّنْ عَلَيْهِ حَدَثٌ (أَصْغَرُ عِنْدَ غَسْلِهِ) أَيْ: مَحَلِّ غَسْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ (وَنَوَى رَفْعَهُ) أَيْ: الْحَدَثَ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ. (وَيُسْتَعْمَلُ) يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا (بِ) (انْفِصَالِ أَوَّلِ جُزْءٍ) مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ الَّذِي غَمَسَهُ، (وَلَا يَرْتَفِعُ) عَنْ الْمَغْمُوسِ (حَدَثٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يُغْسَلْ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ غَمْسُ بَعْضِ الْعُضْوِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ (فِي) الْحَدَثِ (الْأَكْبَرِ إنْ انْقَطَعَ مُوجِبُهُ) أَيْ: الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ، وَخُرُوجِ مَنِيٍّ (وَاحْتَمَلَ) الزَّمَنُ الْوَاقِعُ بَيْنَ الِانْقِطَاعِ وَالْغَمْسِ لِلنِّيَّةِ (وَسُمِّيَ) مَنْ انْقَطَعَ مُوجِبَ حَدَثِهِ حَالَ كَوْنِهِ (ذَاكِرًا) التَّسْمِيَةَ لِرَفْعِ حَدَثِهِ، وَإِلَّا لَمْ يُؤَثِّرْ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي رَفْعِ حَدَثٍ. (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّ مَجْنُونَةً نَوَى) مُكَلَّفٌ (غَسْلَهَا) لِحِلِّ وَطْءٍ (كَمَيِّتٍ) فِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُنْفَصِلَ عَنْ أَعْضَائِهَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 (وَيُسْتَعْمَلُ) (فِي الطَّهَارَتَيْنِ) الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى (بِانْتِقَالِهِ مِنْ عُضْوٍ إلَى) عُضْوٍ (آخَرَ بَعْدَ زَوَالِ اتِّصَالِهِ) عَنْ الْعُضْوِ (لَا بِتَرَدُّدِهِ عَلَى أَعْضَاءٍ مُتَّصِلَةٍ) لِأَنَّ بَدَنَ الْجُنُبِ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ، فَانْتِقَالُ الْمَاءِ مِنْ عُضْوٍ إلَى آخَرَ عَلَى وَجْهِ الِاتِّصَالِ، كَتَرَدُّدِهِ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ أَعْضَاءِ الْمُحْدِثِ، فَإِنَّهَا مُتَغَايِرَةٌ، وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ لِغَسْلِهَا التَّرْتِيبُ. (وَيَتَّجِهُ: أَنَّهُ) أَيْ: الْمَاءَ الْمُتَرَدِّدَ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمُتَّصِلَةِ (مُسْتَعْمَلٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا) أَيْ: عُضْوٍ (مَرَّ) ذَلِكَ الْمَاءُ (عَلَيْهِ) لَا مُطْلَقًا لِلْحُكْمِ بِطَهُورِيَّتِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ، (وَإِلَّا) نُقِلَ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْعُضْوِ (لَأَجْزَأَ عَنْ الثَّلَاثِ) غَسَلَاتٍ (فِي نَحْوِ وُضُوءٍ) كَغُسْلٍ (عَوْدُهُ) أَيْ: الْمَاءِ، أَيْ: تَرَدَّدَ (ثَانِيًا وَثَالِثًا) عَلَى ذَلِكَ الْعُضْوِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ إلَّا غَسْلَةً وَاحِدَةً كَمَا لَوْ تَرَدَّدَ عَلَى عُضْوٍ مُتَنَجِّسٍ، أَوْ اسْتَمَرَّ فِي الْمَاءِ زَمَنًا طَوِيلًا، ثُمَّ انْفَصَلَ عَنْهُ، لَا يُحْتَسَبُ ذَلِكَ إلَّا غَسْلَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (أَوْ) اُسْتُعْمِلَ (فِي زَوَالِ خَبَثٍ) أَيْ: نَجَاسَةٍ (وَانْفَصَلَ) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ مَعَ زَوَالِهِ) أَيْ: الْخَبَثِ بِهِ. وَإِنَّمَا يَكُونُ طَاهِرًا إذَا انْفَصَلَ (عَنْ مَحَلِّ طُهْرٍ) بِأَنْ غَسَلَ الْمَحَلَّ قَبْلَ ذَلِكَ سِتًّا مَثَلًا، فَالْمُنْفَصِلُ فِي السَّابِعَةِ طَاهِرٌ، لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ، وَالْمُتَّصِلُ طَاهِرٌ، فَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ (أَوْ غُسِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِهِ ذَكَرٌ وَأُنْثَيَانِ، لِخُرُوجِ مَذْيٍ دُونَهُ) أَيْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 دُونَ الْمَذْيِ إذْ هُوَ نَجِسٌ فَيَجِبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا وَالسِّتُّ غَسَلَاتٍ الْمُنْفَصِلَةِ نَجِسَةٌ، وَالسَّابِعَةُ طَاهِرَةٌ إنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ بِهِ (أَوْ غُمِسَ فِيهِ) أَيْ: الطَّهُورِ الْقَلِيلِ (وَلَوْ) كَانَ الْغَمْسُ (بِلَا نِيَّةِ كُلُّ يَدِ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) أَيْ: بَالِغٍ عَاقِلٍ، وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا (قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ مُتَيَقِّنٍ) أَنَّهُ لَيْلٌ (نَاقِضٌ) ذَلِكَ النَّوْمَ (لِوُضُوءٍ) فَلَا يَضُرُّ نَوْمٌ يَسِيرٌ مِنْ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ مُتَمَكِّنٍ (أَوْ حَصَلَ) الْمَاءُ الْيَسِيرُ (فِي) يَدِهِ (كُلِّهَا بِلَا غَمْسٍ) أَوْ فِي بَعْضِهَا بِنِيَّتِهِ وَتَسْمِيَتِهِ (وَلَوْ بَاتَتْ) تِلْكَ الْيَدُ (بِنَحْوِ جِرَابٍ) كَكِيسٍ، أَوْ كَانَتْ مَكْتُوفَةً (قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ) بَعْدَ النِّيَّةِ وَقَبْلَ الْغَسْلِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَكَذَا الْبُخَارِيُّ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا. فَلَوْلَا أَنَّهُ يُفِيدُ مَنْعًا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ. (وَ) يَجُوزُ أَنْ (يَطْهُرَ) مُرِيدُ نَحْوِ صَلَاةٍ (بِذَا) الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ حَدَثُهُ أَوْ نَجَسُهُ (إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَالْقَائِلُونَ بِطَهُورِيَّتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْقَائِلِينَ بِسَلْبِهَا (مَعَ تَيَمُّمٍ) بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ وُجُوبًا حَيْثُ شُرِعَ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يَرْتَفِعْ لِكَوْنِ الْمَاءِ غَيْرَ طَهُورٍ، فَإِنْ تَرَكَ مُحْدِثٌ اسْتِعْمَالَهُ أَوْ التَّيَمُّمَ بِلَا عُذْرٍ أَعَادَ مَا صَلَّى بِهِ، لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ فَلَا، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا يَأْتِي، وَلَا أَثَرَ لِغَمْسِهَا فِي مَائِعٍ طَاهِرٍ لَكِنْ يُكْرَهُ غَمْسُهَا فِي مَائِعٍ بِيَدِهِ وَأَكْلُ شَيْءٍ رَطْبٍ بِهَا. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " (وَمَا خَلَتْ بِهِ مُكَلَّفَةٌ) لِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ عَنْ حَدَثٍ أَوْلَى بِالِاسْتِعْمَالِ مِنْ هَذَا الْمَاءِ لِبَقَاءِ طَهُورِيَّتِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وُجِدَ هَذَيْنِ الْمَائَيْنِ، وَعُدِمَ غَيْرُهُمَا فَالطَّهُورُ الْمَذْكُورُ (أَوْلَى) مَعَ التَّيَمُّمِ (أَوْ) أَيْ: وَمِنْ أَنْوَاعِ الطَّاهِرِ مَا لَوْ (خُلِطَ) الطَّهُورُ (الْقَلِيلُ) (بِ) مَاءٍ (طَاهِرٍ لَوْ خَالَفَهُ) أَيْ: الطَّهُورَ (صِفَةٌ) مِنْ صِفَاتِهِ بِأَنْ يَفْرِضَ الْمُسْتَعْمِلُ مَثَلًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 أَسْوَدَ (غَيَّرَهُ) أَيْ: الطَّهُورَ الْقَلِيلَ فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةُ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُسْتَعْمَلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّاهِرَاتِ بِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ إنَّمَا بَايَنَ الطَّهُورَ فِي وَصْفِهِ لَا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَاهِيَّتِهِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الطَّاهِرَاتِ فَقَدْ بَايَنَتْهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْوَصْفِ فَهِيَ أَشَدُّ تَأْثِيرًا مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ (وَلَوْ بَلَغَا) أَيْ: الطَّهُورُ وَالْمُسْتَعْمَلُ إذَنْ (قُلَّتَيْنِ) كَالطَّاهِرِ غَيْرُ الْمَاءِ، وَكَخَلْطِ مُسْتَعْمَلٍ بِمُسْتَعْمَلٍ يَبْلُغَانِ قُلَّتَيْنِ، فَلَا يَصِيرُ طَهُورًا (وَيُقَدِّرُ) الْمُخَالِفُ (بِوَسَطٍ كَخَلٍّ) اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْمَجْدُ: وَلَقَدْ تَحَكَّمَ؛ إذْ الْخَلُّ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: لَعَلَّهُ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ وَسَطًا فَيَكُونُ الْحُكْمُ لِلْوَسَطِ لَا لَهُ بِخُصُوصِهِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَرِ أَيْ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ هُوَ وَعَائِشَةُ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ أَيْدِيهِمَا فِيهِ، كُلُّ وَاحِدٍ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: أَبْقِ لِي» فَظَاهِرُ حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ يَمْنَعُ مِنْ اعْتِبَارِهِ بِالْخَلِّ، لِسُرْعَةِ نُفُوذِهِ، وَسِرَايَتِهِ، فَيُؤَثِّرُ قَلِيلُهُ فِي الْمَاءِ، وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى الْعَفْوِ عَنْ الْيَسِيرِ مُطْلَقًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ، فَمَا عُدَّ كَثِيرًا مُنِعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ شَكَّ فِي كَثْرَتِهِ لَمْ يُمْنَعْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ الْقِسْمُ (الثَّالِثُ) مِنْ أَقْسَامِ الْمِيَاهِ: (نَجِسٌ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا وَسُكُونِهَا، وَهُوَ لُغَةً: الْمُسْتَقْذَرُ، يُقَالُ: نَجِسَ يَنْجَسُ: كَ عَلِمَ يَعْلَمُ وَشَرُفَ يَشْرُفُ. (يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَعَطَشِ) مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ، وَدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا، وَلَيْسَ عِنْدَهُ طَهُورٌ، وَلَا طَاهِرٌ، وَطَفْيِ حَرِيقٍ مُتْلِفٍ (وَلَا تُحْلَبُ قَرِيبًا بَهِيمَةٌ سُقِيَتْهُ) أَيْ: النَّجَسَ بَلْ بَعْدَ أَنْ تُسْقَى الطَّاهِرَ، كَمَا فِي الزَّرْعِ إذَا سُمِّدَ بِنَجَسٍ (وَيَجُوزُ بَلُّ طِينٍ بِهِ) أَيْ: النَّجَسِ مَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُطَيَّنُ بِهِ، نَحْوُ مَسْجِدٍ (وَهُوَ) قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ (مَا تَغَيَّرَ) (بِ) مُخَالَطَةِ (نَجَاسَةٍ) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَةِ الْمُتَغَيِّرِ بِنَجَاسَةٍ، وَ (لَا) يَنْجَسُ مَا تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ (بِمَحَلِّ تَطْهِيرٍ) مَا دَامَ مُتَّصِلًا (إذْ الْوَارِدُ بِهِ) أَيْ: بِمَحَلِّ التَّطْهِيرِ (طَهُورٌ) مُزِيلٌ لِلنَّجَاسَةِ، إذْ لَوْ قُلْنَا: يَنْجَسُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ لَمْ يُمْكِنْ تَطْهِيرُ نَجِسٍ بِمَاءٍ قَلِيلٍ، وَلَوْ قُلْنَا: يَنْجَسُ بِمُجَرَّدِ التَّغَيُّرِ لَلَزِمَ غَالِبًا الزِّيَادَةُ عَلَى السَّبْعِ، وَأَفْضَى إلَى الْحَرَجِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَوْرُودًا بِأَنْ غُمِسَ الْمُتَنَجِّسُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ فَيَنْجَسُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ. (وَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا) : النَّجَاسَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، فَ (إنْ كَانَ كَثِيرًا) أَيْ: قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ (وَلَوْ) كَانَ الْمَوْصُوفُ بِالْكَثْرَةِ (الْبَعْضَ) ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ مُتَغَيِّرٌ، فَالْمُتَغَيِّرُ نَجِسٌ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ الْكَثِيرُ طَهُورٌ، لِخَبَرِ " الْقُلَّتَيْنِ " وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَصْلًا (لَمْ يَنْجَسْ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ وَارِدًا أَوْ مَوْرُودًا. قَالَ فِي الْمُغْنِي كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَوَقَعَ فِي جَانِبٍ مِنْهُ نَجَاسَةٌ، فَتَغَيَّرَ بِهَا نَظَرْتَ فِيمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْقُلَّتَيْنِ، فَالْجَمِيعُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَغَيِّرَ نَجِسٌ بِالتَّغَيُّرِ، وَالْبَاقِي يَنْجَسُ بِالْمُلَاقَاةِ. انْتَهَى. وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَقَطْ، وَغَيَّرَتْ النَّجَاسَةُ مِنْهُ قَدْرًا يُعْفَى عَنْهُ فِي نَقْصِ الْقُلَّتَيْنِ، كَالرِّطْلِ وَالرِّطْلَيْنِ، فَالْبَاقِي طَهُورٌ؛ لِأَنَّهُ قُلَّتَانِ (وَإِلَّا) يَكُنْ كَثِيرًا (نَجِسَ بِمُجَرَّدِهِ) أَيْ: بِمُجَرَّدِ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ، أَوْ وُرُودِهَا عَلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ الْقَلِيلُ (جَارِيًا) بِحَيْثُ لَوْ رَكَدَ لَأَمْكَنَ سَرَيَانُ النَّجَاسَةِ فِيهِ (أَوْ) كَانَ (عَلَى مَقَابِرَ نُبِشَتْ) مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِتَحْقِيقِ وُصُولِ الصَّدِيدِ إلَيْهِ (أَوْ) كَانَتْ النَّجَاسَةُ الَّتِي لَاقَتْهُ (لَمْ يُدْرِكْهَا طَرْفُهُ) أَيْ: بَصَرِ النَّاظِرِ إلَيْهَا، كَالنُّقَطِ الصِّغَارِ مِنْ رَشَاشِ الْخَمْرِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهِ، وَاَلَّذِي يَعْلَقُ بِأَرْجُلِ الذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ مِنْ النَّجَاسَاتِ الرَّطْبَةِ قَبْلَ وُقُوعِهَا فِي الْمَاءِ. قَالَ الشِّيشْنِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْ نَجَاسَةٍ لَا يُعْفَى عَنْهَا إذَا سَقَطَ عَلَى الثِّيَابِ وَالْبَدَنِ كَالْمَاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وَيَتَوَجَّهُ الْعَفْوُ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَاءِ، لِحُصُولِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ إذْ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْ النَّجَاسَةِ بِتَغْطِيَةِ الْإِنَاءِ مُمْكِنٌ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ عَنْ النَّجَاسَةِ جَفَّ مَا عَلِقَ بِهِ مِنْهَا بِالْهَوَاءِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الثَّوْبِ، وَلِأَنَّ الثَّوْبَ النَّجَاسَةُ فِيهِ أَخَفُّ. (أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ تَسْرِي فِيهِ) النَّجَاسَةُ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ فَقَالَ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَفْظُهُ لِأَحْمَدَ. وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْهُ فَقَالَ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَصَحَّحَهُ الطَّحْطَاوِيُّ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَيَكْفِي شَاهِدًا عَلَى صِحَّتِهِ؛ أَنَّ نُجُومَ أَهْلِ الْحَدِيثِ صَحَّحُوهُ. «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِإِرَاقَةِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ» وَلَمْ يَعْتَبِرْ التَّغْيِيرَ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ - قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ - وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ -؟ قَالَ: إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَأَبُو دَاوُد - فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَاءَهَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ. وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا - «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ - مُطْلَقُ حَدِيثِ " الْقُلَّتَيْنِ " مُقَيَّدٌ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَبَاءُ بُضَاعَةَ: تُضَمُّ وَتُكْسَرُ. (فَائِدَةٌ) : قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي بِرْكَتَيْنِ، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَعْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَبَيْنَهُمَا سَاقِيَّةٌ لَطِيفَةٌ يَتَّصِلُ بِهِمَا الْمَاءَانِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نَجَاسَةٌ: فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ كَانَ مَجْمُوعُهُمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، أَوْ كَانَا مُتَغَيِّرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا: فَالْجَمِيعُ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَا أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ، وَلَا تَغَيُّرَ: فَكُلٌّ مِنْهُمَا طَهُورٌ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُسْتَعْلِيَةً يَنْضُبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الْمَاءُ مِنْهَا فِي الْأُخْرَى، وَالنَّجَاسَةُ فِي الْعُلْيَا: فَهُمَا فِي حُكْمِ الْمَاءَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَاءُ الْعُلْيَا كَثِيرًا وَلَا تَغَيُّرَ: فَمَحْكُومٌ بِطَهُورِيَّتِهِ وَطَهُورِيَّةِ مَا نَضَبَ مِنْهُ إلَى السُّفْلَى مَا لَمْ يَنْقُصْ، فَيَصِيرُ نَجِسًا بِنَجَسِ الَّذِي فِي السُّفْلَى إنْ كَانَ فِي حَدِّ الْقُلَّةِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، وَلَا تَغَيُّرَ فَطَهُورٌ (كَمَائِعٍ) مِنْ نَحْوِ زَيْتٍ وَخَلٍّ وَلَبَنٍ وَمَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِ، (وَ) مَاءٍ (طَاهِرٍ) غَيْرِ مُطَهِّرٍ، كَمُسْتَعْمَلٍ فَيَنْجَسَانِ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ (وَلَوْ كَثُرَا) أَيْ الْمَائِعُ وَالطَّاهِرُ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " (فِي الْأَخِيرَةِ) وَهِيَ الْمَاءُ الطَّاهِرُ (وَ) خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَابْنِ الْقَيِّمِ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْمَائِعِ وَالطَّاهِرِ إذْ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَا كَثِيرَيْنِ لَا يَنْجَسَانِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ، وَلَهُمَا فِي ذَلِكَ أَدِلَّةٌ قَوِيَّةٌ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُ ذَلِكَ، لِحَدِيثِ " الْفَأْرَةُ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ " وَلِأَنَّهُمَا لَا يَدْفَعَانِ النَّجَاسَةَ عَنْ غَيْرِهِمَا، فَكَذَا عَنْ نَفْسِهِمَا. (وَلَا نَعْتَبِرُ) مَعْشَرَ الْحَنَابِلَةِ فِي كَثْرَةِ الْمَاءِ وَقِلَّتِهِ (الْجَرْيَةَ) وَهِيَ: مَا أَحَاطَ بِالنَّجَاسَةِ فَوْقَهَا وَتَحْتَهَا وَيَمْنَةً وَيَسْرَةً، سِوَى مَا وَرَاءَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا، وَسِوَى مَا أَمَامَهَا، لِأَنَّهَا لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ (بَلْ) نَعْتَبِرُ (الْمَجْمُوعَ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَلَا نُفَرِّقُ) مَعْشَرَ مُتَأَخِّرِي الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا (هُنَا) أَيْ: فِي بَابِ الْمِيَاهِ (بَيْنَ نَجَاسَةِ بَوْلِ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ) مِنْ الْحَيَوَانَاتِ، لِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ، وَلِأَنَّ نَجَاسَةَ بَوْلِ الْآدَمِيِّ لَا تَزِيدُ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الْكَلْبِ، وَهُوَ لَا يُنَجِّسُ الْقُلَّتَيْنِ، فَهَذَا أَوْلَى. (وَتَطْهِيرُ) مَاءٍ (قَلِيلٍ نَجِسٍ) بِإِضَافَةِ طَهُورٍ كَثِيرٍ إلَيْهِ (أَوْ) أَيْ: وَتَطْهِيرُ (كَثِيرٍ مُجْتَمِعٍ مِنْ مُتَنَجِّسٍ يَسِيرٍ بِإِضَافَةِ) مَاءٍ (طَهُورٍ كَثِيرٍ، وَلَوْ) كَانَتْ الْإِضَافَةُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَ (لَمْ يَتَّصِلْ صَبٌّ) فَلَا يَنْجَسُ الْمُضَافُ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَارِدٌ بِمَحَلِّ التَّطْهِيرِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ تَطْهِيرُهُ (مَعَ زَوَالِ تَغَيُّرِهِ إنْ كَانَ) مُتَغَيِّرًا؛ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّنْجِيسِ التَّغَيُّرُ، وَقَدْ زَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ تَغَيُّرٌ، كَمُتَنَجِّسٍ بِبَوْلٍ مَقْطُوعِ الرَّائِحَةِ، فَيَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ إضَافَةِ الْكَثِيرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 تَتِمَّةٌ: مَا اجْتَمَعَ مِنْ مُتَنَجِّسٍ يَسِيرٍ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِمَا ذُكِرَ، فَلَوْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِنَزَحٍ بَقِيَ بَعْدَهُ كَثِيرٌ لَمْ يَطْهُرْ، كَمَا إذَا كَمُلَتْ الْقُلَّتَانِ بِبَوْلٍ أَوْ نَجَاسَةٍ أُخْرَى، وَكَمَا إذَا اجْتَمَعَ مِنْ نَجَسٍ وَطَاهِرٍ وَطَهُورِ قُلَّتَانِ، وَلَا تَغَيُّرَ فَكُلُّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ الطَّهُورَ الَّذِي دُونَ الْقُلَّتَيْنِ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَعَنْ غَيْرِهِ أَوْلَى. (وَتَطْهِيرُ مَاءٍ كَثِيرٍ نَجِسٍ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ) وَ (لَا) يَكْفِي تَغَيُّرُهُ (بِنَحْوِ تُرَابٍ) كَمِسْكٍ (أَوْ بِإِضَافَةِ) طَهُورٍ (كَثِيرٍ، أَوْ بِنَزْحٍ) مِنْهُ بِحَيْثُ (يَبْقَى بَعْدَهُ كَثِيرٌ وَالْمَنْزُوحُ) مِنْ الْمُتَغَيِّرِ (طَهُورٌ إنْ كَثُرَ وَزَالَ تَغَيُّرُهُ) مَا لَمْ تَكُنْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ " عَنْ الْمَاءِ لَيْسَتْ نَجَاسَتُهُ عَيْنِيَّةً؛ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ فَنَفْسُهُ أَوْلَى، وَإِنَّهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ أَنَّ نَجَاسَتَهُ مُجَاوِرَةٌ سَرِيعَةٌ لَا عَيْنِيَّةٌ، وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، فَظَهَرَ أَنَّ نَجَاسَتَهُ حُكْمِيَّةٌ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ. فَإِنْ قِيلَ: نَجَاسَةُ الْخَمْرِ حُكْمِيَّةٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَاءَ يَطْهُرُ بِالْمُعَالَجَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الْخَمْرَةُ. (وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ) مَاءٍ (كَثِيرٍ فِي إضَافَةٍ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبُ " وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَوْ زَالَ بِطُولِ الْمُكْثِ طَهُرَ، فَأَوْلَى أَنْ يَطْهُرَ بِمُخَالَطَةٍ لِمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. قَالَ فِي " النُّكَتِ ": فَخَالَفَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ (وَ) لَا يُشْتَرَطُ كَثِيرٌ فِي (نَزْحٍ) حَيْثُ زَالَ تَغَيُّرُ مَنْزُوحٌ مِنْهُ، لِاشْتِرَاطِهِمْ الْكَثْرَةَ فِي الْبَاقِي بَعْدَ النَّزَحِ لَا فِيمَا نُزِحَ (وَلَا يَجِبُ مُطْلَقًا غَسْلُ جَوَانِبِ بِئْرٍ نُزِحَتْ) ضَيِّقَةً كَانَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 أَوْ وَاسِعَةً، لِنَجَاسَةٍ حَصَلَتْ بِهَا، وَلَا غَسْلَ أَرْضِهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ رَأْسِهَا فَيَجِبُ غَسْلُهُ. وَلَوْ نَبَعَ فِي الْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ مَاءٌ طَهَّرَهُ إنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ تَغَيُّرٌ (وَالْكَثِيرُ قُلَّتَانِ فَصَاعِدًا) لِأَنَّ خَبَرَ الْقُلَّتَيْنِ دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى دَفْعِهِمَا النَّجَاسَةَ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَبِمَفْهُومِهِ عَلَى نَجَاسَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا، فَلِذَلِكَ جَعَلْنَاهُمَا حَدًّا لِلْكَثِيرِ، وَهُمَا تَثْنِيَةُ قُلَّةٍ، وَهِيَ: اسْمٌ لِكُلِّ مَا ارْتَفَعَ وَعَلَا، وَمِنْهُ قُلَّةُ الْجَبَلِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْجَرَّةُ الْكَبِيرَةُ، وَسُمِّيَتْ قُلَّةً لِارْتِفَاعِهَا وَعُلُوِّهَا، أَوْ لِأَنَّ الرَّجُلَ الْعَظِيمَ يُقِلُّهَا بِيَدِهِ، أَيْ: يَرْفَعُهَا. وَالتَّحْدِيدُ وَقَعَ بِقِلَالِ هَجَرَ: قَرْيَةٌ كَانَتْ قُرْبَ الْمَدِينَةِ. (وَالْيَسِيرُ مَا دُونَهُمَا) لِحَدِيثِ " إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ، وَخُصَّتَا بِقِلَالِ هَجَرَ. لَمَا رَوَى الْخَطَّابِيِّ بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ» وَلِأَنَّهَا أَكْبَرُ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِلَالِ، وَأَشْهُرُهَا فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: هِيَ مَشْهُورَةُ الصِّفَةِ مَعْلُومَةُ الْمِقْدَارِ، كَمَا لَا تَخْتَلِفُ الصِّيعَانُ وَالْمَكَايِيلُ، فَلِذَلِكَ حَمَلْنَا الْحَدِيثَ عَلَيْهَا، وَعَمِلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ. (وَهُمَا) أَيْ: الْقُلَّتَانِ (تَقْرِيبًا) لَا تَحْدِيدًا: (خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَوْ كَسْرِهَا (عِرَاقِيٍّ) ، لَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: رَأَيْتُ قِلَالَ هَجَرَ فَرَأَيْتُ الْقُلَّةَ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا، وَالِاحْتِيَاطُ إثْبَاتُ الشَّيْءِ وَجَعْلُهُ نِصْفًا؛ لِأَنَّهُ أَقْصَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ، مُنْكَرٍ، فَيَكُونُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 مَجْمُوعُهُمَا خَمْسَ قِرَبٍ بِقِرَبِ الْحِجَازِ، وَالْقِرْبَةُ. تَسَعُ مِائَةَ رِطْلٍ عِرَاقِيَّةٍ بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِتَحْدِيدِ الْمَاءِ بِالْقِرَبِ، (وَ) هُمَا: (أَرْبَعُمِائَةٍ) رِطْلٍ (وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ) رِطْلًا، (وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ مِصْرِيٍّ) وَمَا وَافَقَهُ مِنْ مَكِّيٍّ وَمَدَنِيٍّ (وَ) هُمَا: (مِائَةُ) رِطْلٍ (وَسَبْعَةُ) أَرْطَالٍ، (وَسَبْعُ رِطْلٍ دِمَشْقِيٍّ) وَمَا وَافَقَ فِي قَدْرِهِ كَالصَّفَدِيِّ (وَ) هُمَا (تِسْعَةٌ وَثَمَانُونَ) رِطْلًا (وَسُبْعَا رِطْلٍ حَلَبِيٍّ) وَمَا وَافَقَهُ كَالْحَمَوِيِّ (وَ) هُمَا (ثَمَانُونَ) رِطْلًا (وَسُبْعَانِ وَنِصْفُ سُبْعِ رِطْلٍ قُدْسِيٍّ) وَمَا وَافَقَهُ كَالْحِمْصِيِّ وَالْبَيْرُوتِيِّ، وَوَاحِدٌ وَسَبْعُونَ رِطْلًا وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ بَعْلِيٍّ وَمَا وَافَقَهُ (وَ) مَجْمُوعُ الْقُلَّتَيْنِ (بِالدَّرَاهِمِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ أَلْفًا وَمِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ) دِرْهَمًا (وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ) إسْلَامِيٍّ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ حَيْثُ أُطْلِقَ (وَلَا يَضُرُّ نَقْصٌ يَسِيرٌ كَرِطْلَيْنِ) عِرَاقِيَّةٍ (مِنْ خَمْسِمِائَةِ) رِطْلٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا جُعِلَ نِصْفًا احْتِيَاطًا، وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا دُونَ النِّصْفِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَعَلَى هَذَا مَنْ وَجَدَ نَجَاسَةً فِي مَاءٍ فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُقَارِبٌ لِلْقُلَّتَيْنِ تَوَضَّأَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا (وَمِسَاحَتُهُمَا) أَيْ الْقُلَّتَيْنِ، أَيْ: مِسَاحَةُ مَا يَسَعُهُمَا (مُرَبِّعًا ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ طُولًا وَ) ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ (عَرْضًا، وَ) ذِرَاعٌ وَرُبُعُ (عُمْقًا) قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ (بِذِرَاعِ الْيَدِ) . قَالَ الْمُتَوَلِّي الشَّافِعِيُّ: وَذُكِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ شِبْرَانِ، وَهُوَ تَقْرِيبٌ، زَادَ غَيْرُهُ: وَالشِّبْرُ ثَلَاثُ قَبَضَاتٍ، وَالْقَبْضَةُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ، وَالْأُصْبُعُ: سِتُّ شَعِيرَاتٍ بُطُونُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، (وَ) مِسَاحَةُ مَا يَسَعُهُمَا (مُدَوَّرًا: ذِرَاعٌ طُولًا) مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنْ حَافَّاتِهِ إلَى مَا يُقَابِلُهَا (وَذِرَاعَانِ وَنِصْفُ ذِرَاعٍ عُمْقًا) صَوَّبَهُ الْمُنَقَّحُ، وَقَالَ: حَرَّرَتْ ذَلِكَ (فَيَسَعُ) كُلُّ (قِيرَاطٍ) مِنْ قَرَارِيطِ الذِّرَاعِ (مِنْ الْمُرَبَّعِ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَيْ رِطْلٍ عِرَاقِيٍّ) . انْتَهَى. وَذَلِكَ أَنَّكَ تَضْرِبُ الْبَسْطَ فِي الْبَسْطِ وَالْمَخْرَجَ فِي الْمَخْرَجِ، وَتَقْسِمُ حَاصِلَ الْبَسْطِ عَلَى حَاصِلِ الْمَخْرَجِ يَخْرُجُ ذَرْعُهُ، فَخُذْ قَرَارِيطَهُ وَاقْسِمْ الْخَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ عَلَيْهَا يَخْرُجُ مَا ذَكَرَهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 فَبَسْطُ الذِّرَاعِ وَرُبُعٌ: خَمْسَةٌ وَمَخْرَجُهُ: أَرْبَعَةٌ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ثَلَاثًا طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا، فَإِذَا ضَرَبْتَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ، وَالْحَاصِلَ فِي خَمْسَةٍ حَصَلَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَإِذَا ضَرَبَ أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ، وَالْحَاصِلَ فِي أَرْبَعَةٍ حَصَلَ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ، وَهِيَ سِهَامُ الذِّرَاعِ، فَاقْسِمْ عَلَيْهَا بَسْطَ الذِّرَاعِ الَّذِي هُوَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَخْرُجُ ذِرَاعٌ وَسَبْعَةُ أَثْمَانِ ذِرَاعٍ، وَخَمْسَةُ أَثْمَانِ ثُمُنِ ذِرَاعٍ. فَإِذَا بَسَطْتَ ذَلِكَ قَرَارِيطَ وَجَدْتَهُ سَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا إلَّا ثُمُنَ قِيرَاطٍ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا، وَالسَّبْعَةُ أَثْمَانٍ وَخَمْسَةُ أَثْمَانِ الثُّمُنِ: ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا إلَّا ثُمُنَ قِيرَاطٍ، فَإِذَا ضَمَمْتَ الْجَمِيعَ وَجَدْتَهُ مَا ذُكِرَ، فَاقْسِمْ عَلَيْهَا الْخَمْسَمِائَةِ يَحْصُلُ مَا ذُكِرَ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يُقَالَ: لِكُلِّ سَهْمٍ قِيرَاطٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، عَشَرَةُ أَرْطَالٍ يَنْقُصُ مِنْهَا ثُمُنُ عَشَرَةٍ: وَاحِدٌ وَرُبُعٌ لِنَقْصِ الثُّمُنِ عَنْ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ تَضُمَّ الْوَاحِدَ وَرُبُعَ إلَى الثَّلَاثِينَ الْبَاقِيَةِ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ فَيَكُونُ مَجْمُوعُ ذَلِكَ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ وَرُبُعًا اُنْسُبْهَا إلَى سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ إلَّا ثُمُنًا تَجِدْهَا ثُلُثَيْنِ فَهِيَ نَصِيبُ كُلِّ قِيرَاطٍ مِنْهَا، فَعُلِمَ أَنَّ نَصِيبَ الْقِيرَاطِ مِنْ خَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثَا رِطْلٍ عِرَاقِيٍّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالرِّطْلُ الْعِرَاقِيُّ) وَزْنُهُ (بِالدَّرَاهِمِ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ) دِرْهَمًا (وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَبِالْمَثَاقِيلِ تِسْعُونَ) مِثْقَالًا بِالِاسْتِقْرَاءِ (وَهُوَ سُبُعُ) الرِّطْلِ الْبَعْلِيِّ فِي سُبُعِ (الْقُدْسِيِّ وَثُمُنِ سُبُعِهِ وَنِصْفِ) الرِّطْلِ (الْحَلَبِيِّ وَرُبُعِ سُبُعِهِ وَسُبُعِ) الرِّطْلِ (الدِّمَشْقِيِّ وَنِصْفِ سُبُعِهِ وَنِصْفِ) الرِّطْلِ (الْمِصْرِيِّ) وَرُبُعِهِ وَسُبُعِهِ. (وَالرِّطْلُ الْقُدْسِيُّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَ) الرِّطْلُ (الْحَلَبِيُّ: سَبْعُمِائَةِ) دِرْهَمٍ (وَعِشْرُونَ) دِرْهَمًا (وَ) الرِّطْلُ (الدِّمَشْقِيُّ سِتُّمِائَةِ) دِرْهَمٍ، وَالْبَعْلِيُّ: تِسْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ (وَ) الرِّطْلُ (الْمِصْرِيُّ: مِائَةُ) دِرْهَمٍ (وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ) دِرْهَمًا وَكُلُّ رِطْلٍ: اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ (وَأُوقِيَّةُ الْعِرَاقِيِّ: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 أَسْبَاعِ) دِرْهَمٍ (وَ) أُوقِيَّةُ (الْمِصْرِيِّ اثْنَا عَشْرَةَ) دِرْهَمًا (وَ) أُوقِيَّةُ (الدِّمَشْقِيِّ خَمْسُونَ) دِرْهَمًا (وَ) أُوقِيَّةُ (الْحَلَبِيِّ سِتُّونَ) دِرْهَمًا (وَ) أُوقِيَّةُ (الْقُدْسِيِّ: سِتَّةٌ وَسِتُّونَ) دِرْهَمًا (وَثُلُثَا دِرْهَمٍ) وَأُوقِيَّةُ الْبَعْلِيِّ: خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا إسْلَامِيًّا لِأَنَّهُ الْمُرَادُ حَيْثُ أُطْلِقَ، فَإِذَا أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ الْقُلَّتَيْنِ بِأَيِّ رِطْلٍ أَرَدْتَ، فَاعْرِفْ عَدَدَ دَرَاهِمِهِ، ثُمَّ اطْرَحْ ذَلِكَ الْعَدَدَ مِنْ دَرَاهِمَ الْقُلَّتَيْنِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ أَوْ يَبْقَى أَقَلُّ مِنْ دَرَاهِمِ الرِّطْلِ، وَاحْفَظْ الْأَرْطَالَ الْمَطْرُوحَةَ، فَمَا وُجِدَ مِنْ عَدَدِ الطَّرَحَاتِ فَهُوَ مِقْدَارُ الْقُلَّتَيْنِ بِالرِّطْلِ الَّذِي طَرَحْتَ بِهِ إنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ دَرَاهِمَ الرِّطْلِ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ دَرَاهِمِ الْقُلَّتَيْنِ أَقَلُّ مِنْ دَرَاهِمِ الرِّطْلِ الَّذِي طَرَحْتَ بِهِ فَانْسُبْهُ مِنْهُ، ثُمَّ اجْمَعْهُ إلَى الْمَحْفُوظِ فَمَا كَانَ فَهُوَ مِقْدَارُ الْقُلَّتَيْنِ. [فَصْلٌ يَتَطَهَّرُ مُرِيدُ الطَّهَارَةِ بِمَا لَا يُنَجِّسُ مِنْ الْمَاءِ] (فَصْلٌ) هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ: الْحَجْزِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَمِنْهُ: فَصْلُ الرَّبِيعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْجِزُ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. وَهُوَ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَاجِزٌ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْمَسَائِلِ وَأَنْوَاعِهَا. (وَيَتَطَهَّرُ) مُرِيدُ الطَّهَارَةِ (بِمَا لَا يُنَجِّسُ) مِنْ الْمَاءِ (إلَّا بِتَغَيُّرٍ) وَهُوَ مَا بَلَغَ حَدًّا يَدْفَعُ بِهِ تِلْكَ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، (وَلَوْ مَعَ بَقَاءِ) عَيْنِ (نَجَاسَةٍ فِيهِ) وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا، (وَ) لَوْ (قَارَبَهَا) أَيْ: النَّجَاسَةَ مُتَطَهِّرٌ بِحَيْثُ لَمْ يُبَاشِرْهَا إذْ الْحُكْمُ لِلْمَجْمُوعِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قُرِبَ مِنْهَا وَمَا بَعُدَ عَنْهَا، (وَمُنْتَضِحٌ) مِنْ رَشَاشٍ تَصَاعَدَ (مِنْ) مَاءٍ (قَلِيلٍ لِسُقُوطِهَا) أَيْ: النَّجَاسَةِ (فِيهِ نَجِسٌ) لِانْفِصَالِهِ بَعْدَ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ مَا انْتَضَحَ مِنْ الْكَثِيرِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ فَيُعْطَى حُكْمُهُ (وَيُعْمَلُ) عِنْدَ الشَّكِّ (بِيَقِينٍ فِي كَثْرَةِ مَاءٍ وَقِلَّتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ) لِحَدِيثِ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 يَرِيبُكَ» وَلَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنْ مَاءٍ لَمْ يَتَيَقَّنْ نَجَاسَتَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، (وَلَوْ مَعَ سُقُوطِ نَحْوِ رَوْثٍ) كَعَظْمٍ (شُكَّ فِي نَجَاسَتِهِ) فَيَطْرَحُ الشَّكَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَاءِ عَلَى حَالِهِ، (أَوْ) مَعَ (سُقُوطِ طَاهِرٍ وَنَجِسٍ وَتَغَيَّرَ) الْمَاءُ الْكَثِيرُ تَغَيُّرًا (يَسِيرًا بِأَحَدِهِمَا، أَوْ) تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا (كَثِيرًا بِمَا يَشُقُّ) صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ (وَجَهِلَ) فَلَمْ يَعْلَمْ، هَلْ التَّغَيُّرُ حَصَلَ بِالطَّاهِرِ أَوْ النَّجِسِ؟ فَيَعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ بَقَاءُ الْمَاءِ عَلَى الطَّهُورِيَّةِ. (فَإِنْ شَكَّ فِي كَثْرَةِ مَا وَقَعَتْ) النَّجَاسَةُ (فِيهِ) (فَ) هُوَ (نَجِسٌ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَهُوَ الْقُلَّةُ (وَ) إنْ شَكَّ (فِي نَجَاسَةِ نَحْوِ رَوْثٍ) وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَطَاهِرٌ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ نَقَلَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ وَطِئَ رَوْثَةً فَرَخَّصَ فِيهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا هِيَ (أَوْ) شَكَّ (فِي وُلُوغِ كَلْبٍ أَدْخَلَ رَأْسَهُ إنَاءً فَطَاهِرٌ) وَلَوْ وَجَدَ فِي فَمِهِ رُطُوبَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُلُوغِ، (أَوْ) شَكَّ (هَلْ طَرَأَتْ النَّجَاسَةُ) عَلَى الْمَاءِ الَّذِي تَطَهَّرَ مِنْهُ (قَبْلَ تَطْهِيرِهِ، أَوْ) طَرَأَتْ (بَعْدَهُ؟ فَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ) لَكِنْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَا ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ احْتِيَاطًا (أَوْ) شَكَّ فِي مَاءٍ (وَقَعَ فِيهِ) أَيْ الْمَاءِ (صَيْدٌ جُرِحَ) وَمَاتَ (وَلَمْ يَعْلَمْ أَمَاتَ بِالْجِرَاحَةِ أَوْ) مَاتَ (بِهِ) ؟ أَيْ: بِالْمَاءِ (فَالْمَاءُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالْحَيَوَانُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْحُرْمَةِ) إنْ كَانَ غَيْرَ طَيْرٍ، وَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ. (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ ذُبَابٌ وَشَكَّ هَلْ تَعَلَّقَ بِرِجْلَيْهِ نَجَاسَةٌ) قَبْلَ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ وَجَفَّتْ أَوْ لَا؟ (فَإِنْ) كَانَ (تَحَقَّقَ) تَعَلُّقَ النَّجَاسَةِ بِرِجْلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ (حُكِمَ بِعَدَمِ الْجَفَافِ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَيَتَّجِهُ وَحُكِمَ بِعَدَمِ انْفِصَالِهِ) أَيْ: مَا تَحَقَّقَ عُلُوقُهُ بِرِجْلَيْ الذُّبَابِ مِنْ النَّجَاسَةِ الرَّطْبَةِ (فِيمَا وَقَعَ) الذُّبَابُ (عَلَيْهِ) مِنْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْجَامِدَاتِ، فَلَا يَنْجَسُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ (لَا) إنْ وَقَعَ عَلَى نَحْوِ ثَوْبٍ وَهِيَ (فِيهِ) أَوْ عَلَى مَائِعٍ وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ الْمَائِعِ، وَيُمْنَعُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي نَحْوِ الثَّوْبِ مَا دَامَ الذُّبَابُ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 كَمَا حَرَّرَ الشِّيشْنِيُّ آنِفًا. (وَإِنْ) (أَخْبَرَهُ) أَيْ: مُرِيدَ الطَّهَارَةِ (مُكَلَّفٌ عَدْلٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ (وَيَتَّجِهُ أَوْ لَا) أَيْ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ (وَ) لَكِنْ (اعْتَقَدَ صِدْقَهُ. قَالَ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ) : وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّ خَبَرِ الْفَاسِقِ بَلْ بِالتَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ، فَإِنْ ظَهَرَتْ دَلَالَةٌ عَلَى صِدْقِهِ قَبْلَ خَبَرِهِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ دَلَالَةٌ عَلَى كَذِبِهِ رُدَّ خَبَرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَقَفَ خَبَرُهُ، انْتَهَى. فَاتِّجَاهُ الْمُصَنِّفُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَهُوَ حَسَنٌ (وَلَوْ) كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا (ظَاهِرًا) أَيْ: مَسْتُورَ الْحَالِ، (أَوْ) كَانَ (أُنْثَى أَوْ قِنًّا أَوْ أَعْمَى) لِأَنَّ لِلْأَعْمَى طَرِيقًا إلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ بِالْخَبَرِ مِنْ عَدْلٍ، أَوْ الْحِسِّ بِحَاسَّةِ غَيْرِ الْبَصَرِ (بِنَجَاسَةِ شَيْءٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأَخْبَرَ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ (مُبْهَمًا كَأَحَدِ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ) أَوْ الْإِنَاءَيْنِ (وَعَيَّنَ) الْمُخْبِرُ (السَّبَبَ) أَيْ: سَبَبَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ، وَالْمُخْبِرُ (مُخَالِفٌ) لِمَذْهَبِ مَنْ أَخْبَرَهُ أَوْ فَقِيهٌ مُوَافِقٌ كَمَا نُقِلَ مِنْ إمْلَاءِ التَّقِيِّ الْفَتُوحِيِّ (قَبِلَ لُزُومًا) لِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ، كَالْقِبْلَةِ وَهِلَالِ رَمَضَانِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ بِمَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ مَعَ بَقَاءِ الطَّهَارَةِ فَيَعْمَلُ الْمُخْبَرُ بِمَذْهَبِهِ فِيهِ (وَإِلَّا) يُعَيِّنَ الْمُخْبِرُ السَّبَبَ، (فَلَا) يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا عِنْدَ الْمُخْبِرِ دُونَ الْمُخْبَرِ، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي سَبَبِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وَقَدْ يَكُونُ إخْبَارُهُ بِنَجَاسَتِهِ عَلَى وَجْهِ التَّوَهُّمِ كَالْوِسْوَاسِ، فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ التَّعَيُّنُ (وَإِنْ) (أَخْبَرَهُ) الْعَدْلُ الْمُكَلَّفُ - وَلَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ، قَدَّمَهُ فِي " الْفَائِقِ " - (أَنَّ كَلْبًا وَلَغَ) - مِنْ بَابِ: نَفَعَ، أَيْ: شَرِبَ بِأَطْرَافِ لِسَانِهِ - (فِي هَذَا الْإِنَاءِ وَقَالَ) عَدْلٌ (آخَرُ: بَلْ) وَلَغَ (فِي هَذَا) : قَبِلَ الْمُخْبَرُ وُجُوبًا قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْإِثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ، وَ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (اجْتِنَابُهُمَا) أَيْ: الْإِنَاءَيْنِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ صِدْقُهُمَا بِكَوْنِ الْوُلُوغَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، اطَّلَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدْلَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. (وَكَذَا لَوْ عَيَّنَا كَلْبَيْنِ) قَالَ أَحَدُهُمَا: وَلَغَ فِيهِ هَذَا الْكَلْبُ دُونَ هَذَا الْكَلْبِ، وَعَاكَسَهُ الْآخَرُ: فَيَقْبَلُ خَبَرَهُمَا، وَيَكُفَّ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُثْبِتٌ لَمَا نَفَاهُ الْآخَرُ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ (وَ) إنْ عَيَّنَا (كَلْبًا) وَاحِدًا (وَ) عَيَّنَا (وَقْتًا لَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ فِيهِ) مِنْهُمَا: (تَعَارَضَا) وَسَقَطَ قَوْلُهُمَا (وَحَلَّ اسْتِعْمَالُهُمَا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صِدْقُهُمَا، وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا، كَالْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا (وَ) إنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: شَرِبَ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ: فَإِنَّهُ (يُقَدَّمُ قَوْلُ مُثْبِتٍ عَلَى) قَوْلِ (نَافٍ) ، لِمَا سَبَقَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُثْبِتُ لَمْ يَتَحَقَّقْ شُرْبَهُ، كَالضَّرِيرِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ حِسِّهِ فَيُقَدَّمُ قَوْلُ الْبَصِيرِ، لِرُجْحَانِهِ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَاسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ. [تَتِمَّة عَلِمَ نَجَاسَةَ الْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ وشك فِي وَقْت وُضُوئِهِ] (تَتِمَّةٌ) : وَإِنْ عَلِمَ نَجَاسَةَ الْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ، وَشَكَّ هَلْ كَانَ وُضُوءُهُ قَبْلَ نَجَاسَةٍ أَوْ بَعْدَهَا؟ لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَكَشَكِّهِ فِي شَرْطِ الْعِبَادَةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا، وَإِنْ عَلِمَ أَنْ النَّجَاسَةَ قَبْلَ وُضُوئِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَكَانَ الْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، أَوْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَنَقَصَ بِالِاسْتِعْمَالِ؟ أَعَادَ لِأَنَّ الْأَصْلَ نَقْصُ الْمَاءِ (وَيَلْزَمُ عَالِمَ نَجَسٍ) مِنْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا يُعْفَى) عَنْهُ (إعْلَامُ مَرِيدِ اسْتِعْمَالِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 فَيَجِبُ بِشُرُوطِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا يُعْفَى عَنْهُ كَيَسِيرِ دَمِ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مُصَلًّى لَا يَجِبُ الْإِعْلَامُ بِهِ؛ لِأَنَّ عِبَادَتَهُ لَا تَفْسُدُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالُ) أَنَّ (الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ عَالِمٍ) بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنْ اعْتَقَدَ نَجَاسَةَ شَيْءٍ عِنْدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ، وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَقَالَ: يَجُوزُ وَضْعُ مَاءٍ طَاهِرٍ فِي اعْتِقَادِهِ فِي مَائِعٍ لِغَيْرِهِ، أَيْ: وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْغَيْرِ نَجَاسَتُهُ، كَمَنْ يَرَى طَهَارَةَ مَاءِ النَّبِيذِ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا لَمْ يُغْلَ فَلَهُ وَضْعُهُ فِي مَائِعٍ يُرِيدُ اسْتِعْمَالَهُ مَنْ يَرَى نَجَاسَةَ ذَلِكَ، وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَنْ نَضَعَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي طَعَامِهِمْ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْمُسْتَعْمِلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهُورِ، فَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ نَجِسًا فِي مَذْهَبِ الْمُسْتَعْمِلِ وَجَبَ عَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ نَجِسٌ فِي مَذْهَبِهِ فَلْيُحْفَظْ ذَلِكَ (وَإِنْ أَصَابَهُ نَحْوُ مَاءِ مِيزَابٍ) كَمَاءٍ مُجْتَمِعٍ فِي أَزِقَّةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 (وَرَوْثِ) دَابَّةٍ، وَذَرْقِ طَائِرٍ (وَلَا أَمَارَةَ) عَلَى نَجَاسَتِهِ (كُرِهَ سُؤَالُهُ) عَنْهُ نَقَلَهُ صَالِحٌ، لِقَوْلِ عُمَرَ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ " لَا تُخْبِرْنَا " (وَلَا يَلْزَمُ) مَسْئُولًا (جَوَابُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَأَوْجَبَهُ) أَيْ: الْجَوَابَ (الْأَزَجِيُّ إنْ عَلِمَ) مَسْئُولٌ (نَجَاسَتَهُ وَهُوَ) أَيْ: قَوْلُ الْأَزَجِيِّ (حَسَنٌ) ، وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ. " (وَإِنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ مُبَاحٌ بِمُحَرَّمٍ) لَمْ يَتَحَرَّ (أَوْ) اشْتَبَهَ طَهُورٌ مُبَاحٌ (بِنَجَسٍ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِهِ) كَكَوْنِ الطَّهُورِ دُونَ قُلَّتَيْنِ وَعِنْدَهُ إنَاءٌ لَا يَسَعُهُمَا، (وَلَا طَهُورَ مُبَاحٌ بِيَقِينٍ لَمْ يَتَحَرَّ) أَيْ: لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَرِّي لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ الْمُبَاحُ بِالْمَحْظُورِ فِي مَوْضِعٍ لَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَوْلًا لِأَنَّ الْبَوْلَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّطْهِيرِ، وَوَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمَا احْتِيَاطًا لِلْحَظْرِ (فَإِنْ خَالَفَ) بِأَنْ تَوَضَّأَ مِنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ التَّحَرِّي: (لَمْ يَصِحَّ) وُضُوءُهُ (وَلَوْ أَصَابَ) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ بِأَنَّ مَا تَوَضَّأَ بِهِ هُوَ الطَّهُورُ، كَمَا لَوْ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ دُخُولَ الْوَقْتِ فَصَادَفَهُ (وَلَوْ زَادَ عَدَدُ طَهُورٍ) أَوْ زَادَ عَدَدُ (مُبَاحٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَيَتَيَمَّمُ مَنْ عَدِمَ طَهُورًا غَيْرَ الْمُشْتَبَهِ بِلَا إعْدَامٍ) وَلَا خَلْطٍ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ حُكْمًا (وَلَا يُعِيدُ) مَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ (نَحْوَ صَلَاةٍ) كَطَوَافٍ (لَوْ عَلِمَهُ) أَيْ: الطَّهُورَ (بَعْدَ) فَرَاغِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ (وَيَلْزَمُ تَحَرٍّ لِحَاجَةِ شُرْبٍ وَأَكْلٍ) لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ، وَ (لَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 يَلْزَمُ (غَسْلُ نَحْوِ فَمٍ) بَعْدَ الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ إذَا وَجَدَ طَهُورًا اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ، وَكَذَا لَوْ تَطَهَّرَ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ أَعْضَائِهِ وَثِيَابِهِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ بِلَا تَحَرٍّ إنْ أَمْكَنَهُ (وَ) إنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ (بِطَاهِرٍ وَلَوْ) مَعَ وُجُودِ (طَاهِرٍ بِيَقِينٍ أَمْكَنَ جَعْلُهُ) - أَيْ: الطَّاهِرِ - (طَهُورًا بِهِ) أَيْ بِالطَّهُورِ كَأَنْ كَانَ الطَّهُورُ قُلَّتَيْنِ، وَعِنْدَهُ مَا يَسَعُهُمَا (أَوَّلًا) أَيْ: أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ جَعْلُهُ طَهُورًا بِهِ (يَتَوَضَّأُ مَرَّةً) وُضُوءًا وَاحِدًا يَأْخُذُ لِكُلِّ عُضْوٍ (مِنْ ذَا) الْمَاءِ (غَرْفَةً وَمِنْ ذَا الْمَاءِ غَرْفَةً تَعُمُّ كُلُّ) غَرْفَةٍ (مِنْهُمَا الْمَحَلَّ) أَيْ: الْعُضْوَ لُزُومًا، (أَوْ) يَتَوَضَّأُ (مِنْ كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْ الْمَائَيْنِ (وُضُوءًا كَامِلًا فِي " الْمُغْنِي ") قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوُضُوءَ الْوَاحِدَ مَجْزُومٌ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ رَافِعًا، بِخِلَافِ الْوُضُوءَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا الرَّافِعُ لِلْحَدَثِ (وَكَذَا غُسْلٌ) مِنْ مَائِينَ: طَهُورٌ وَطَاهِرٌ اشْتَبَهَا فَيَغْسِلُ مِنْ كُلِّ مِنْهُمَا غُسْلًا كَامِلًا، وَإِزَالَةُ نَجَاسَةٍ كَذَلِكَ، (وَيُصَلِّي صَلَاةً) أَيْ: يُصَلِّي الْفَرْضَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ قُلْنَا: يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا وَاحِدًا، أَوْ وُضُوءَيْنِ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. (وَ) إنْ اشْتَبَهَتْ (ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةٌ) (بِ) ثِيَابٍ (نَجِسَةٍ، أَوْ) بِثِيَابٍ (مُحَرَّمَةٍ، وَلَا طَاهِرَ مُبَاحٌ بِيَقِينٍ) : لَمْ يَتَحَرَّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي اشْتِبَاهِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ، (لِعَدَمِ الصِّحَّةِ) فِي وَاحِدٍ مِنْهَا بِمُفْرَدِهِ (حِينَئِذٍ) ، أَيْ: حِينَ الِاشْتِبَاهِ. (فَإِنْ عَلِمَ عَدَدَ) ثِيَابٍ (نَجِسَةٍ، أَوْ) عَدَدَ ثِيَابٍ (مُحَرَّمَةٍ وَلَا طَاهِرَ) عِنْدَهُ يَسْتُرُ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ: (صَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ) مِنْ الْمُشْتَبَهِ (صَلَاةً) بِعَدَدِ النَّجِسَةِ أَوْ الْمُحَرَّمَةِ، (وَزَادَ) عَلَى الْعَدَدِ (صَلَاةً) يَنْوِي بِكُلِّ صَلَاةٍ الْفَرْضَ احْتِيَاطًا، كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَجَهِلَهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَشْتَبِهْ، وَإِلَّا يَعْلَمَ عَدَدَ نَجِسَةٍ أَوْ مُحَرَّمَةٍ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي كُلِّ ثَوْبٍ مِنْهَا صَلَاةً (حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 يَتَيَقَّنَ صِحَّتَهَا) أَيْ: يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي طَاهِرٍ مُبَاحٍ وَلَوْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّ هَذَا يَنْدُرُ جِدًّا فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ. (وَ) فَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي بِأَنَّ الْمَاءَ يُلْصَقُ بِبَدَنِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْن مَا هُنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ أَنَّ عَلَيْهَا أَمَارَةً تَدُلُّ عَلَيْهَا، وَلَا بَدَلَ لَهَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، (وَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ) أَيْ: مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الثِّيَابُ (وَكَذَا) أَيْ: كَالثِّيَابِ النَّجِسَةِ إذَا اشْتَبَهَتْ بِطَاهِرَةٍ وَلَا طَاهِرَ بِيَقِينٍ (بُقَعُ أَمْكِنَةٍ ضَيِّقَةٍ) فَلَا يَتَحَرَّى إنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ، بَلْ إنْ اشْتَبَهَتْ زَاوِيَةٌ مِنْهُ نَجِسَةٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَى طَاهِرَةٍ بِيَقِينٍ؛ صَلَّى مَرَّتَيْنِ فِي زَاوِيَتَيْنِ مِنْهُ، فَإِنْ تَنَجَّسَ زَاوِيَتَانِ كَذَلِكَ صَلَّى فِي ثَلَاثٍ وَهَكَذَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَدَدَ النَّجِسَةِ صَلَّى حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَكَان طَاهِرٍ احْتِيَاطًا (لَا) أَمْكِنَةً (مُتَّسَعَةً) كَدَارٍ وَاسِعَةٍ، وَصَحْرَاءَ تَنَجَّسَ بَعْضُهَا وَاشْتَبَهَ، فَصَلَّى حَيْثُ شَاءَ بِلَا تَحَرٍّ. (وَيَتَّجِهُ: صِحَّةُ تَيَمُّمَيْنِ لَوْ اشْتَبَهَ تُرَابٌ طَهُورٌ مُبَاحٌ بِضِدِّهِ) أَيْ: بِطَاهِرٍ وَنَجِسٍ أَوْ مَغْصُوبٍ بِشَرْطِ إزَالَةِ أَثَرَهُ عَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي النَّجِسِ مَعَ الطَّهُورِ، وَأَنْ يَكُونَا بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ قُرْبِ الزَّمَنِ لِاسْتِعْمَالِهِ تُرَابًا طَهُورًا مُبَاحًا بِيَقِينٍ جَازِمًا بِالنِّيَّةِ، أَمَّا لَوْ تَيَمَّمَ تَيَمُّمَيْنِ بِنِيَّتَيْنِ فَلَا يَصِحُّ، لِشَكِّهِ فِي إحْدَاهُمَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَإِنْ اشْتَبَهَ نَحْوُ أُخْتٍ) كَعَمَّةٍ وَخَالَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وَبِنْتِ أَخٍ بِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ (بِأَجْنَبِيَّاتٍ لَمْ يَجُزْ تَحَرٍّ لِنِكَاحِ) وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَكَفَّ عَنْهُنَّ احْتِيَاطًا لِلْحَظْرِ (وَ) إنْ اشْتَبَهَ نَحْوُ (أُخْتِهِ فِي قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ كَبِيرَيْنِ) فَإِنَّهُ (يَجُوزُ) النِّكَاحُ مِنْهُنَّ (بِلَا تَحَرٍّ، كَ) مَا لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ (مَيْتَةٌ فِي لَحْمِ مِصْرٍ أَوْ بَلَدٍ كَبِيرٍ) . قَالَ أَحْمَدُ أَمَّا شَاتَانِ فَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي، فَأَمَّا إذَا كَثُرَتْ فَهَذَا غَيْرُ هَذَا، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: فَثَلَاثَةٌ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. (وَلَا دَخْلَ لِتَحَرٍّ فِي نَحْوِ عِتْقٍ وَطَلَاقٍ) كَخُلْعٍ، فَإِذَا طَلَّقَ أَوْ خَلَعَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ، أَوْ أَعْتَقَ وَاحِدَةً مِنْ إمَائِهِ ثُمَّ نَسِيَهَا، أَوْ كَانَتْ ابْتِدَاءِ مُبْهَمَةً أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ كَمَا يَأْتِي وَلَا تَحَرِّيَ. وَالتَّحَرِّي وَالتَّوَخِّي وَالِاجْتِهَادُ مُتَقَارِبَةٌ، وَمَعْنَاهَا: بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْمَقْصُودِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَاءُ جَوْهَرًا سَيَّالًا احْتَاجَ إلَى بَيَانِ أَوَانَيْهِ عَقَّبَهُ فَقَالَ: [بَابُ الْآنِيَةِ] (بَابُ الْآنِيَةِ) الْبَابُ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الصِّنْفِ، وَهُوَ مَا يُدْخَلُ مِنْهُ إلَى الْمَقْصُودِ، وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَبْوَابٍ، وَفِي الِازْدِوَاجِ عَلَى أَبْوِبَةٍ. وَالْآنِيَةُ لُغَةً وَعُرْفًا: (الْأَوْعِيَةُ) جَمْعُ: إنَاءٍ وَوِعَاءٍ كَسِقَاءٍ وَأَسْقِيَةٍ، وَجَمْعُ آنِيَةٍ: أَوَانِي، وَالْأَوْعِيَةُ أَوَاعِي. وَأَصْلُ أَوَانِي أَآنِي بِهَمْزَتَيْنِ أُبْدِلَتْ ثَانِيَتُهُمَا وَاوًا كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِهِمَا، كَأَوَادِمَ فِي آدَمَ. (تُبَاحُ) الْآنِيَةُ (اتِّخَاذًا وَاسْتِعْمَالًا مِنْ كُلِّ طَاهِرٍ مُبَاحٍ، لَوْ) كَانَ (ثَمِينًا كَجَوْهَرٍ) وَيَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ وَبَلُّورٍ، وَغَيْرِ الثَّمِينِ كَالْخَشَبِ وَالزُّجَاجِ وَالْجُلُودِ وَالصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ، (وَلَا) يُبَاحُ اتِّخَاذًا وَلَا اسْتِعْمَالًا إنَاءٌ (مِنْ ذَهَبٍ وَ) لَا مِنْ (فِضَّةٍ) ، لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الْآخِرَةِ» وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تَرْفَعُهُ «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَالْجَرْجَرَةُ: صَوْتُ وُقُوعِ الْمَاءِ بِانْحِدَارِهِ فِي الْجَوْفِ. وَغَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي مَعْنَاهُمَا، لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ سَرَفًا وَخُيَلَاءَ، وَكَسْرَ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَتَضْيِيقَ النَّقْدَيْنِ. (وَ) لَا يُبَاحُ اتِّخَاذُ، وَلَا اسْتِعْمَالُ إنَاءٍ (مَطْلِيٍّ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِأَنْ يُجْعَلَا كَالْوَرِقِ، وَيُطْلَى بِهِ الْإِنَاءُ مِنْ نَحْوِ حَدِيدٍ (وَ) إنَاءٍ (مُمَوَّهٍ) - اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ مَوَّهَ - وَهُوَ إنَاءٌ مِنْ نَحْوِ نُحَاسٍ يَلْقَى فِيهِمَا أُذِيبَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَيَكْتَسِبُ (وَلَوْ لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا طُلِيَ بِهِ أَوْ مُوِّهَ بِهِ (شَيْءٌ) بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَ) إنَاءٍ (مُطَعَّمٍ) : بِأَنْ يُحْفَرَ بِالْإِنَاءِ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ حُفَرٌ، وَيُوضَعُ فِيهَا قِطَعُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَ) إنَاءٍ (مُكَفَّتٍ بِهِمَا) أَيْ: بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: بِأَنْ يُبْرَدَ الْإِنَاءُ حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ شِبْهُ الْمَجَارِي فِي غَايَةِ الدِّقَّةِ، وَيُوضَعُ فِيهَا شَرِيطٌ دَقِيقٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَيُدَقُّ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْصَقَ. (وَ) لَا يُبَاحُ اتِّخَاذُ، وَلَا اسْتِعْمَالُ إنَاءٍ مِنْ (عَظْمِ آدَمِيٍّ وَجِلْدِهِ) ، لِحُرْمَتِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُتَّخَذُ أَوْ الْمُسْتَعْمَلُ (نَحْوَ مِيلٍ وَقِنْدِيلٍ) ، كَمِجْمَرَةٍ وَمِبْخَرَةٍ، وَدَوَاةٍ وَمُشْطٍ وَسِكِّينٍ، وَكُرْسِيٍّ وَسَرِيرٍ، وَخُفَّيْنِ وَنَعْلَيْنِ (وَلَوْ لِأُنْثَى) ، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَعَدَمِ الْمُخَصِّصِ. وَأَمَّا التَّحَلِّي فَأُبِيحَ لَهُنَّ لِحَاجَتِهِنَّ إلَيْهِ لِلزَّوْجِ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ. (وَتَصْلُحُ طَهَارَةٌ بِهَا) - أَيْ: الْآنِيَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ يَغْتَرِفَ الْمَاءَ بِهَا، (وَ) بِإِنَاءٍ (مَغْصُوبٍ، وَمُحَرَّمٍ ثَمَنُهُ) أَيْ: ثَمَنُهُ الْمُعَيَّنُ حَرَامٌ، وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ أَيْضًا (فِيهَا) بِأَنْ يَتَّخِذَ إنَاءً مُحَرَّمًا مِمَّا سَبَقَ يَسَعُ قِلَّتَيْنِ، وَيَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضَّأُ دَاخِلَهُ، وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ (إلَيْهَا) بِأَنْ يَجْعَلَهَا مَصَبًّا لِفَضْلِ طَهَارَتِهِ فَيَقَعَ فِيهَا الْمَاءُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ الْعُضْوِ بَعْدَ غَسْلِهِ. (وَ) تَصِحُّ الطَّهَارَةُ أَيْضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 (بِمَكَانِ غَصْبٍ) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي غَصْبٍ أَوْ مُحَرَّمٍ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ، وَالرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ فِي الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ، وَأَفْعَالٌ نَحْوُ الْوُضُوءِ مِنْ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ لَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْمَاءِ لَا لِلْإِنَاءِ، وَأَيْضًا فَالنَّهْيُ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ الْإِنَاءِ الْمُحَرَّمِ يَعُودُ لِخَارِجٍ، إذْ الْإِنَاءُ لَيْسَ رُكْنًا وَلَا شَرْطًا فِيهِ بِخِلَافِ الْبُقْعَةِ وَالثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ. [تَتِمَّةٌ اتَّخَذَ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَغَشَّاهُ بِنُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ] تَتِمَّةٌ: (قَالَ) " الشِّيشْنِيُّ " فِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ ": لَوْ اتَّخَذَ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَغَشَّاهُ بِنُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ لَمْ أَجِدْ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ كَلَامًا. وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ قُلْنَا: التَّحْرِيمُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِعَيْنِهَا حُرِّمَ هَذَا، وَإِنْ قُلْنَا: التَّحْرِيمُ لِمَعْنًى فِيهِمَا، وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ لَمْ يُحَرَّمْ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوَاعِدِ أَصْحَابِنَا. (وَكَذَا) إنَاءٌ (مُضَبَّبٌ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (لِصَدْعٍ) أَيْ: كَسْرٍ فَلَا يُبَاحُ اتِّخَاذًا، وَلَا اسْتِعْمَالًا، (لَا) إنْ ضُبِّبَ (لِ) ضَبَّةٍ (يَسِيرَةٍ عُرْفًا) - أَيْ: فِي عُرْفِ النَّاسِ - لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَحْدِيدُهَا (مِنْ فِضَّةٍ) لَا ذَهَبٍ (لِ) حَاجَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا غَرَضٌ (غَيْرِ زِينَةٍ) : بِأَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَى فِعْلِهِ لَا تَنْدَفِعُ بِغَيْرِهِ كَأَنْ انْكَسَرَ إنَاءٌ نَحْوُ خَشَبٍ فَضُبِّبَ كَذَلِكَ، فَلَا يَحْرُمُ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْكَسَرَ، فَاِتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ مِنْ فِضَّةٍ حَرُمَتْ مُطْلَقًا، وَكَذَا إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَحَيْثُ كَانَ لِحَاجَةٍ فَتُبَاحُ (وَلَوْ وُجِدَ غَيْرُهَا) - أَيْ: الْفِضَّةُ - كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُرَادُهُمْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى تِلْكَ الصُّورَةِ لَا إلَى كَوْنِهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنَّ هَذِهِ ضَرُورَةٌ وَهِيَ تُبِيحُ الْمُنْفَرِدَ. (وَتُكْرَهُ مُبَاشَرَتُهَا) أَيْ: ضَبَّةُ الْفِضَّةِ الْمُبَاحَةُ (فِي نَحْوِ شُرْبٍ بِلَا حَاجَةٍ) إلَى الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْفِضَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْآنِيَةِ، فَإِنْ احْتَاجَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 إلَيْهَا بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ يَنْدَفِقُ لَوْ شُرِبَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا وَنَحْوِهِ: لَمْ يُكْرَهْ دَفْعًا لِلْحَرَجِ. (وَلَا يُكْرَهُ طُهْرٌ مِنْ إنَاءِ نُحَاسٍ وَنَحْوِهِ) كَصَفَرٍ وَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَخَزَفٍ وَزُجَاجٍ، لَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ وَرَدَ «أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ جَفْنَةٍ، وَمِنْ تَوْرِ حِجَارَةٍ، وَمِنْ إدَاوَةٍ، وَمِنْ قِرْبَةٍ» ، فَثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهَا لِفِعْلِهِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا قِيَاسًا، لِأَنَّهُ مِثْلُهَا. (وَ) لَا يُكْرَهُ طُهْرٌ (مِنْ إنَاءٍ بَعْضُهُ نَجِسٌ) إذَا لَمْ يُبَاشَرُ النَّجَسُ، (وَلَا مِمَّا بَاتَ مَكْشُوفًا) ، لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، (وَلَا نُنَجِّسُ) مَعْشَرَ الْحَنَابِلَةِ شَيْئًا كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا (بِظَنٍّ) ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْوِسْوَاس، (وَإِنْ) - أَيْ: وَلَوْ - (حَرُمَ أَكْلٌ) مَعَ وُجُودِ اشْتِبَاهِ مُذَكًّى بِمَيْتَةٍ، (وَصَلَاةٌ مَعَ) وُجُودِ (اشْتِبَاهِ) مَاءٍ طَهُورٍ مُبَاحٍ (بِضِدِّهِ) لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَفَرْطِ حَاجَةِ الِاسْتِعْمَالِ، (فَمَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ مِنْ آنِيَةِ كَافِرٍ) ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ (وَثِيَابِهِ) - أَيْ: الْكَافِرِ - (وَلَوْ وَلِيَتْ عَوْرَتَهُ) كَسَرَاوِيلَ، (وَلَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ) كَوَثَنِيٍّ، وَدُرْزِيٍّ، وَنُصَيْرِي، وَإِسْمَاعِيلِيٍّ (طَاهِرٌ مُبَاحٌ، وَكَذَا) آنِيَةٌ وَثِيَابٌ (مُلَابِسُ نَجَاسَةٍ كَثِيرًا، كَمُدْمِنِ خَمْرٍ) طَاهِرٌ مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ مَا لَا يَقُومُ إلَّا بِآنِيَةٍ «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ. وَبَدَنُ الْكَافِرِ طَاهِرٌ، وَكَذَا طَعَامُهُ وَمَاؤُهُ. (وَتُكْرَهُ صَلَاةٌ فِي ثَوْبِ نَحْوِ مُرْضِعَةٍ) كَكَاسِحِ كَنِيفٍ (وَحَائِضٍ وَصَبِيٍّ) لِكَثْرَةِ مُلَابَسَتِهِ النَّجَاسَةَ فِي غَالِبِ الْأَحْيَانِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ يُحْتَاطُ لَهَا مَا لَا يُحْتَاطُ لِلِاسْتِعْمَالِ. (وَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَا صَبَغَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ) ، قِيلَ لِأَحْمَدَ عَنْ صَبْغِ الْيَهُودِ بِالْبَوْلِ، فَقَالَ: الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ هَذَا، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 يُبْحَثُ عَنْهُ، فَإِنْ عَلِمْتَ فَلَا تُصَلِّ فِيهِ حَتَّى تَغْسِلَهُ. انْتَهَى، وَيَطْهُرُ بِغُسْلِهِ، وَلَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ (وَكَذَا) لَا يَجِبُ غَسْلُ (لَحْمٍ يُشْتَرَى) مِنْ الْقَصَّابِ (بَلْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (إنَّهُ) أَيْ: غَسْلُ لَحْمٍ اُشْتُرِيَ (بِدْعَةٌ) لَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " نَهَانَا اللَّهُ عَنْ التَّعَمُّقِ وَالتَّكَلُّفِ " وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَمُّقِ» . (وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ) حَيَوَانٍ (غَيْرِ مَأْكُولٍ بِذَكَاةٍ) بَلْ، وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ كَانَ فِي النَّزْعِ. (وَلَا) يَطْهُرُ (بِدَبْغٍ جِلْدُ) حَيَوَانٍ كَانَ طَاهِرًا فِي الْحَيَاةِ، ثُمَّ (تَنَجَّسَ بِمَوْتٍ) ، مَأْكُولًا كَانَ أَوْ لَا: كَالشَّاةِ وَالْهِرِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ قَالَ: «أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ: أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّوْقِيتَ غَيْرُ أَبِي دَاوُد وَأَحْمَدَ، وَقَالَ: مَا أُصْلِحُ إسْنَادَهُ، وَقَالَ أَيْضًا: حَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ أَصَحُّهَا. قَالَ " فِي الْمُطَوَّلِ ": وَالْمَوْتُ: عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْحَيَاةُ، قَالَ السَّيِّدُ: عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّنْ اتَّصَفَ بِهَا، وَهُوَ أَظْهَرُ. (فَإِنْ دُبِغَ) جِلْدُ الْمَيْتَةِ الطَّاهِرَةِ فِي الْحَيَاةِ (حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ لَا بَيْعُهُ فِي يَابِسٍ) ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَدَ شَاةً مَيِّتَةً أَعْطَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: أَلَّا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ، فَانْتَفَعُوا بِهِ» وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَا فَتَحُوا فَارِسَ انْتَفَعُوا بِسُرُوجِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ مَيِّتَةً، وَلِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لَا تَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، كَالِاصْطِيَادِ بِالْكَلْبِ، وَرُكُوبِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ الدَّبْغِ مُطْلَقًا، وَلَا بَعْدَهُ فِي مَائِعٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعُدِّي النَّجَاسَةِ، (كَمُنْخُلٍ مِنْ شَعْرِ) حَيَوَانٍ (نَجَسٍ) ، كَبَغْلٍ: فَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي يَابِسٍ، لِعَدَمِ تَعَدِّي النَّجَاسَةِ. (وَلَا يَحْصُلُ دَبْغٌ بِنَجِسٍ) كَالِاسْتِجْمَارِ، (وَلَا) بِغَيْرِ (مُنَشِّفٍ لِرُطُوبَةِ مُنَقٍّ لِخَبَثٍ) بِحَيْثُ لَوْ تَقَعُ بَعْدَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 فِي الْمَاءِ فَسَدَ، كَالشَّبِّ وَالْقَرَظِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الدِّبَاغِ، (وَلَا بِتَشْمِيسِ) الْجِلْدِ، (وَ) لَا (بِرِيحٍ وَتُرَابٍ) لِمَا سَبَقَ (وَجَعْلُ مُصْرَانٍ وَتْرًا دِبَاغٌ) (وَكَذَا) جَعْلُ (كَرِشٍ) وَتْرًا دِبَاغٌ، لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِيهِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى فِعْلٍ، فَلَوْ وَقَعَ فِي مَدْبَغَةٍ فَانْدَبَغَ كَفَى، لِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ، فَأَشْبَهَ الْمَطَرَ يَنْزِلُ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ. (وَكُرِهَ خَرَزٌ بِنَحْوِ شَعْرِ خِنْزِيرٍ) ، كَشَعْرِ كَلْبٍ وَسَبُعٍ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْعَيْنِ النَّجِسَةِ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْ التَّنْجِيسِ بِهَا غَالِبًا، وَيَجِبُ غَسْلُ مَا خَرَزَبِهِ رَطْبًا لِتَنْجِيسِهِ. (وَلَا) يَجُوزُ دَبْغُ جِلْدِ (آدَمِيٍّ) ، وَلَا الْخَرَزُ بِشَعْرِهِ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهُ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، (فَ) لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ بَلْ (يَحْرُمُ) ذَلِكَ، (لِحُرْمَتِهِ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] . (وَكُرِهَ انْتِفَاعٌ بِ) شَيْءٍ (نَجِسٍ) بِشَرْطِ أَنْ (لَا يَتَعَدَّى) تَنَجُّسُهُ لِغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِتَجْوِيزِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَاسَةِ لِعِمَارَةِ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ مَعَ الْمُلَابَسَةِ لِذَلِكَ عَادَةً. وَسُئِلَ الْفَضْلُ عَنْ غَسْلِ الصَّائِغِ الْفِضَّةَ بِالْخَمْرِ هَلْ يَجُوزُ؟ قَالَ: هَذَا غِشٌّ، لِأَنَّهَا تَبْيَضُّ بِهِ (لَكِنْ يَحْرُمُ افْتِرَاشُ جِلْدِ سَبُعٍ) مِنْ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ إذَا كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ الْهِرِّ خِلْقَةً، وَاللُّبْسُ كَالِافْتِرَاشِ، لِحَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ «أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَوْلُهُمْ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ: وَيُكْرَهُ لُبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ جِلْدًا مُخْتَلِفًا فِي نَجَاسَتِهِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِ، (خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ) ، فَإِنَّهُ اخْتَارَ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ بِهَا، (وَلَمْ يَشْتَرِطْ) أَبُو الْخَطَّابِ (دَبْغًا فِي) إبَاحَةِ (انْتِفَاعٍ بِ) جِلْدٍ (نَجِسٍ فِي يَابِسٍ، وَلَوْ جِلْدَ كَلْبٍ) إذَا لَمْ تَتَعَدَّ نَجَاسَتُهُ (وَإِنْفَحَّةٌ) - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الْجَدْيِ الرَّضِيعِ أَصْفَرُ فَيُعْصَرُ فِي اللَّبَنِ، فَيَغْلُظُ كَالْجُبْنِ - (مَيْتَةٍ وَجِلْدَتِهَا) - أَيْ: جَلْدَةِ الْإِنْفَحَةِ مِنْ مَيْتَةٍ (وَعَظْمٍ وَقَرْنٍ وَظُفُرٍ وَعَصَبٍ، وَحَافِرٍ وَأُصُولِ نَحْوِ شَعْرٍ) كَوَبَرٍ (وَ) أُصُولُ (رِيشٍ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ نُتِفَ أَوْ قُصَّ (نَجَسٌ) ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْإِنْفَحَّةُ لَاقَتْ وِعَاءً نَجِسًا فَنَجُسَتْ، (وَكَذَا) فِي النَّجَاسَةِ (لَبَنُ مَيْتَةِ غَيْرِ آدَمِيٍّ) لِمَا تَقَدَّمَ. وَ (لَا) يَنْجُسُ (صُوفٌ وَشَعْرٌ وَرِيشٌ وَوَبَرٌ مِنْ) حَيَوَانٍ (طَاهِرٍ فِي حَيَاةٍ كَهِرِّ وَ) مَا دُونَهُ فِي الْخِلْقَةِ، (وَفَأْرٍ) وَمَأْكُولِ لَحْمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] الْآيَةُ سِيقَتْ لِلِامْتِنَانِ فَالظَّاهِرُ شُمُولُهَا الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَالرِّيشُ مَقِيسٌ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَحَرَّمَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " نَتْفَ ذَلِكَ لِإِيلَامِهِ. (وَلَا) يَنْجَسُ (بَاطِنُ بَيْضَةِ مَأْكُولٍ) : كَدَجَاجٍ، بِمَوْتِهِ، (صَلُبَ قِشْرُهَا) ، لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْوَلَدَ، وَكَرَاهَةُ. عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ تُحْمَلُ عَلَى التَّنْزِيهِ اسْتِقْذَارًا لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَصْلُبْ قِشْرُهَا فَنَجِسَةٌ، لِأَنَّهَا جُزْءُ مَيْتَةٍ (كَصَلْقِهَا فِي نَجَاسَةٍ) فَلَا يَنْجَسُ، وَيَطْهُرُ ظَاهِرُهَا بِالْغَسْلِ، لِأَنَّ لَهَا قُوَّةً تَمْنَعُ سَرَيَانَ النَّجَاسَةِ إلَى دَاخِلِهَا، (وَكَعَظْمِ نَحْوِ سَمَكٍ) مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، وَكُلُّهَا تُؤْكَلُ سِوَى حَيَّةٍ وَضُفْدَعٍ وَتِمْسَاحٍ. (وَيَتَنَجَّسُ ظَاهِرُهَا) أَيْ: الْبَيْضَةِ الَّتِي صَلُبَ قِشْرُهَا (بِرُطُوبَةِ) مَا لَاصَقَهَا مِنْ جَوْفِ الْمَيْتَةِ (وَمَا أُبِينَ مِنْ) حَيَوَانٍ (حَيٍّ: كَظُفُرٍ وَقَرْنٍ وَيَدٍ) وَأَلْيَة وَحَافِرٍ وَجِلْدٍ (فَ) هُوَ (كَمَيْتَةٍ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَا يُقْطَعُ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. (وَيَتَّجِهُ غَيْرُ طَرِيدَةِ صَيْدٍ) فَإِنَّ مَا أُبِينَ مِنْهَا طَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مِسْكٌ وَفَأْرَتُهُ، وَمُنْفَصِلٌ مِنْ مَأْكُولٍ ذَكِيٍّ وَلَمْ تَزْهَقْ رُوحُهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 [تَتِمَّةٌ دُودُ الْقَزِّ وَبَزْرُهُ وَدُودُ الطَّعَامِ طَاهِرٌ وَكَذَا لُعَابُ الْأَطْفَالِ] ِ، وَلَوْ تَعَقَّبَ قَيْئًا وَلَمْ تُغْسَلْ أَفْوَاهُهُمْ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ، وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَامِلَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، وَلُعَابُهُ يَسِيلُ عَلَيْهِ» وَكَالْهِرِّ إذَا أَكَلَ نَجَاسَةً، ثُمَّ شَرِبَ مِنْ مَاءٍ، وَلَوْ لَمْ يَغِبَّ، وَكَسَائِلٍ مِنْ فَمٍ عِنْدَ نَوْمٍ. (وَسُنَّ تَغْطِيَةُ آنِيَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ التَّغْطِيَةُ (بِعُودٍ، وَرَبْطُ) فَمِ (أَسْقِيَةٍ) جَمْعُ سِقَاءٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: السِّقَاءُ كَكِسَاءٍ: جِلْدُ السَّخْلَةِ إذَا أَجْذَعَ يَكُونُ لِلْمَاءِ وَاللَّبَنِ. انْتَهَى. أَبِي هُرَيْرَةَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُغَطِّيَ الْإِنَاءَ وَنُوكِئَ السِّقَاءَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَ) سُنَّ (عِنْدَ نَوْمٍ إغْلَاقُ بَابٍ، وَإِطْفَاءُ مِصْبَاحٍ) بِغَيْرِ نَفْخٍ، لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ، (وَ) إطْفَاءُ (نَارٍ) حَالَ كَوْنِهِ مُسَمِّيًا، لِلْخَبَرِ (وَ) سُنَّ عِنْدَ نَوْمٍ (نَظَرٌ فِي وَصِيَّتِهِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ، (وَنَفْضُ فِرَاشِهِ) لِإِزَالَةِ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ مُؤْذٍ وَوَسَخٍ (وَ) سُنَّ (وَضْعُ يَدٍ يُمْنَى تَحْتَ خَدٍّ أَيْمَنَ وَجَعْلُ) رَأْسِهِ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ، وَرِجْلَيْهِ إلَى الْمَشْرِقِ، وَ (وَجْهُهُ نَحْوَ قِبْلَةٍ عَلَى جَنْبٍ أَيْمَنَ) كَمَا يَكُونُ فِي اللَّحْدِ، وَقَوْلُ مَا وَرَدَ، وَمِنْهُ «اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إلَّا إلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» يَجْعَلُهُ آخِرَ مَا يَقُولُ مِنْ قِرَاءَةٍ وَغَيْرِهَا. (وَكُرِهَ نَوْمٌ عَلَى بَطْنٍ) ، لِأَنَّهُ نَوْمُ الشَّيَاطِينِ، (وَ) نَوْمٌ عَلَى (قَفًا إنْ خِيفَ انْكِشَافُ عَوْرَةٍ) . قَالَ فِي " الْآدَابِ الْكُبْرَى ": النَّوْمُ عَلَى الْقَفَا رَدِيءٌ يَضُرُّ الْإِكْثَارُ مِنْهُ بِالْبَصَرِ وَبِالْمَنِيِّ، وَإِنْ اسْتَلْقَى لِلرَّاحَةِ بِلَا نَوْمٍ لَمْ يَضُرَّ، وَأَرْدَأُ مِنْهُ النَّوْمُ عَلَى وَجْهِهِ. (وَ) كُرِهَ نَوْمٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 (بَعْدَ الْفَجْرِ) ، لِأَنَّهُ وَقْتُ قَسْمِ الْأَرْزَاقِ، (وَ) بَعْدَ (عَصْرٍ) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «مَنْ نَامَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَاخْتُلِسَ عَقْلُهُ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ. (وَ) نَوْمٌ (تَحْتَ سَمَاءٍ مُتَجَرِّدًا) مِنْ ثِيَابٍ، وَالْمُرَادُ: مَسْتُورُ الْعَوْرَةِ، وَعَلَى سَطْحٍ لَيْسَ عَلَيْهِ تَحْجِيرٌ، (وَ) نَوْمٌ (وَحْدَهُ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «نَهَى عَنْ الْوَحْدَةِ» (كَ) مَا يُكْرَهُ شُرُوعُهُ فِي (سَفَرٍ) وَحْدَهُ لِحَدِيثِ «الْوَاحِدُ شَيْطَانٌ» (وَ) نَوْمٌ (بَيْنَ أَيْقَاظٍ) ، لِإِيذَائِهِمْ وَإِخْلَالِهِ بِالْمُرُوءَةِ، (وَ) كَذَا (نَوْمٌ وَجُلُوسٌ بَيْنَ شَمْسٍ، وَظِلٍّ) " لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَرُكُوبُ بَحْرٍ عِنْدَ هَيَجَانِهِ) لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ، (وَخُرُوجٌ لَيْلًا إلَى صَيْحَةٍ) ، لِحَدِيثِ «إيَّاكُمْ وَهَوَشَاتِ اللَّيْلِ، إيَّاكُمْ وَهَوَشَاتِ الْأَسْوَاقِ» . تَتِمَّةٌ: قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي طِبِّهِ: النَّوْمُ فِي الشَّمْسِ فِي الصَّيْفِ يُحَرِّكُ الدَّاءَ الدَّفِينَ، وَالنَّوْمُ فِي الْقَمَرِ يُحِيلُ الْأَلْوَانَ إلَى الصُّفْرَةِ، وَيُثَقِّلُ الرَّأْسَ. [بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ وَآدَابِ التَّخَلِّي] (بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ وَآدَابِ التَّخَلِّي) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الِاسْتِطَابَةُ، مَأْخُوذٌ مِنْ نَجَوْتُ الشَّجَرَةَ إذَا قَطَعْتُهَا لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْأَذَى، أَوْ مِنْ النَّجْوَةِ: مَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ، لِأَنَّ قَاضِيَ الْحَاجَةِ يَسْتَتِرُ بِهَا. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَاسْتَطَابَ: اسْتَنْجَى كَأَطَابَ، انْتَهَى. فَيُسَمَّى اسْتِطَابَةً، وَشَرْعًا: (إزَالَةُ نَجَسٍ) مُعْتَادٍ وَغَيْرِهِ (مُلَوَّثٍ) لَا نَاشِفٍ كَالْبَعْرِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ (خَارِجٌ مِنْ سَبِيلٍ) أَصْلِيٍّ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ (إلَى مَا) - أَيْ مَحَلٍّ - (يَلْحَقُهُ حُكْمُ تَطْهِيرٍ) ، فَلَوْ انْتَقَلَ الْبَوْلُ أَوْ الْمَذْيُ إلَى الْقَصَبَةِ، أَوْ دَاخِلِ الْفَرْجِ وَلَمْ يَخْرُجْ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ، (بِمَاءٍ طَهُورٍ أَوْ رَفْعُ حُكْمِهِ) - أَيْ: حُكْمِ النَّجِسِ - (بِ) مَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَاءِ مِنْ (نَحْوِ حَجَرٍ طَاهِرٍ مُبَاحٍ مُنَقٍّ) . كَخَشَبٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وَخِرَقٍ، وَيُسَمَّى بِالْحَجَرِ اسْتِجْمَارًا أَيْضًا، مِنْ الْجِمَارِ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ الصِّغَارُ (وَسُنَّ لِدَاخِلِ خَلَاءٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ الْمَوْضِعُ الْخَالِي، وَمِنْهُ اُسْتُعِيرَ لِمَحِلِّ الْحَدَثِ، وَبِكَسْرِ الْخَاءِ عَيْبٌ فِي الْإِبِلِ مِثْلُ الْحِرَانِ فِي الْخَيْلِ، وَبِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ: الْحَشِيشُ الرَّطْبِ، وَأَيْضًا حُسْنُ الْكَلَامِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: هُوَ حُلْوِ الْخَلَا أَيْ: حَسَنُ الْكَلَامِ (وَنَحْوِهِ) - أَيْ: نَحْوِ دَاخِلِ الْخَلَاءِ، كَالْمُرِيدِ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ بِنَحْوِ صَحْرَاءَ - (قَوْلُ: بِسْمِ اللَّهِ) ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «سَتْرُ مَا بَيْنَ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ «أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخُبْثِ» بِإِسْكَانِ الْبَاءِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: أَنَّهُ أَكْثَرُ رِوَايَاتِ الشُّيُوخِ، وَفَسَّرَهُ بِالشَّرِّ، (وَالْخَبَائِثِ) بِالشَّيَاطِينِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ الشَّرِّ وَأَهْلِهِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَهُوَ: جَمْعُ خَبِيثٍ، وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، فَكَأَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ ذُكْرَانِ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثِهِمْ، وَقِيلَ: الْخُبْثُ: الْكُفْرُ، وَالْخَبَائِثُ: الشَّيَاطِينُ. (الرِّجْسِ) الْقَذَرُ، وَيُحَرَّكُ وَتُفْتَحُ الرَّاءُ وَتُكْسَرُ الْجِيمُ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (النَّجِسِ) : اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ نَجِسَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: إذَا قَالُوهُ مَعَ الرِّجْسِ أَتْبَعُوهُ إيَّاهُ، أَيْ: قَالُوهُ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ. (الشَّيْطَانِ) مِنْ شَطَنَ، أَيْ: بَعُدَ، وَمِنْهُ: دَارٌ شَطُونٌ، أَيْ: بَعِيدَةٌ، لِبُعْدِهِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مِنْ: شَاطَ أَيْ: هَلَكَ لِهَلَاكِهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ. (الرَّجِيمِ) : إمَّا بِمَعْنَى رَاجِمٌ، لِأَنَّهُ يَرْجُمُ غَيْرَهُ بِالْإِغْوَاءِ أَوْ: بِمَعْنَى مَرْجُومٍ لِأَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْكَوَاكِبِ إذَا اسْتَرَقَ السَّمْعَ. رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ " إذَا أَرَادَ دُخُولَهُ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ "، وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 مَرْفُوعًا «لَا يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا دَخَلَ مِرْفَقَهُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنَّفُ " كَالْمُقْنِعِ " وَ " الْبُلْغَةِ " جَمْعٌ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ. (وَ) سُنَّ (لِمُنْصَرِفٍ) مِنْ الْخَلَاءِ قَوْلُ: (غُفْرَانَكَ) . لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، أَيْ: أَسْأَلُكَ غُفْرَانَكَ. وَالْغَفْرُ: السَّتْرُ. وَسِرُّهُ أَنَّهُ لَمَا خَلَصَ مِنْ النَّجْوِ الْمُثْقِلِ لِلْبَدَنِ، سَأَلَ الْخَلَاصَ مِمَّا يُثْقِلُ الْقَلْبَ، وَهُوَ الذَّنْبُ، لِتَكْمُلَ الرَّاحَةُ. (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي) لِقَوْلِ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي مُصَنَّفِ " عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَنَّ نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَانَ إذَا خَرَجَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وَأَبْقَى فِي مَنْفَعَتَهُ، وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ. (وَ) سُنَّ لِدَاخِلِ خَلَاءٍ وَنَحْوِهِ (انْتِعَالٌ وَتَغْطِيَةُ رَأْسٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا دَخَلَ الْمِرْفَقَ لَبِسَ حِذَاءَهُ وَغَطَّى رَأْسَهُ» رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ مُرْسَلًا. (وَلَا يَرْفَعُهُ) أَيْ: لَا يَرْفَعُ الْمُتَخَلِّي رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ، لِأَنَّهُ مَحَلٌّ تَحْضُرُهُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فَتَعْبَثُ بِهِ. (وَ) سُنَّ لَهُ (تَقْدِيمُ يُسْرَى) رَجُلَيْهِ (لِمَكَانِ قَضَاءِ حَاجَةٍ) سَوَاءٌ كَانَ فِي خَلَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى قَبْلَ يَسَارِهِ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ» وَلِأَنَّ الْيُسْرَى لِلْأَذَى وَالْيُمْنَى لِمَا سِوَاهُ (وَاعْتِمَادُهُ عَلَيْهَا) - أَيْ: الرَّجُلِ الْيُسْرَى - (جَالِسًا) أَيْ: حَالَ جُلُوسِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، لِحَدِيثِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَتَّكِئَ عَلَى الْيُسْرَى وَأَنْ نَنْصِبَ الْيُمْنَى» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 (وَ) سُنَّ لَهُ تَقْدِيمُ (يُمْنَى) رِجْلَيْهِ (عِنْدَ انْصِرَافِهِ) مِنْ مَكَانِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ إلَى الْأَمَاكِنِ الطَّيِّبَةِ. (وَكَذَا) حُكْمُ (كُلِّ مَكَان خَبُثَ: كَحَمَّامٍ) وَمُغْتَسَلٍ وَمَزْبَلَةٍ. فَيُقَدِّمُ يُسْرَى رِجْلَيْهِ دُخُولًا، وَيُمْنَاهُمَا خُرُوجًا. (وَعَكْسُهُ كُلُّ مَكَان شَرِيفٍ: كَمَسْجِدٍ، وَمَنْزِلٍ) وَمَدْرَسَةٍ، وَزَاوِيَةٍ، فَيُقَدِّمُ يُمْنَى رَجُلَيْهِ دُخُولًا، وَيُسْرَاهُمَا خُرُوجًا (وَ) حُكْمُ (لُبْسِ) قَبَاءٍ وَنَحْوِهِ، (كَنَعْلٍ وَقَمِيصٍ) وَرِدَاءٍ وَسَرَاوِيلَ، حُكْمُ الْأَمْكِنَةِ الشَّرِيفَةِ، فَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى فِي اللُّبْسِ، وَالْيُسْرَى فِي الْخَلْعِ، لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى، وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُسْرَى.» (وَ) وَسُنَّ لَهُ (بِفَضَاءٍ بَعُدَ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازِ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (مَعَ أَمْنِ) الْمَكَانِ، فَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سَبُعٍ، أَوْ عَدُوٍّ يَغْتَالُهُ، فَلِيَقْضِ حَاجَتَهُ قَرِيبًا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ. (وَ) يُسَنُّ لَهُ بِهِ (اسْتِتَارٌ) عَنْ نَاظِرٍ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» (وَ) سُنَّ لَهُ (طَلَبُ مَكَانٍ رَخْوٍ) - بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ - يَبُولُ فِيهِ، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ «كُنْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ، فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ، ثُمَّ قَالَ: إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَالدَّمِثُ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ: اللَّيِّنُ السَّهْلُ. وَفِي " التَّبْصِرَةِ " وَيَقْصِدُ مَكَانًا عُلْوًا (لِبَوْلٍ) لِيَنْحَدِرَ عَنْهُ الْبَوْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 (وَ) سُنَّ لَهُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا رَخْوًا (لَصْقُ ذَكَرٍ بِصُلْبٍ) - بِضَمِّ الصَّادِ، أَيْ: شَدِيدٍ - لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ مِنْ رَشَاشِ الْبَوْلِ. (وَ) سُنَّ لَهُ (عَدُّ أَحْجَارِ اسْتِجْمَارٍ) قَبْلَ جُلُوسِهِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، لِحَدِيثِ «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ؛ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَكُرِهَ رَفْعُ ثَوْبِهِ) إنْ بَالَ قَاعِدًا (قَبْلَ دُنُوِّهِ مِنْ أَرْضٍ) بِلَا حَاجَةٍ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ» وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا قَامَ أَسْبَلَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ انْتِصَابِهِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَلَعَلَّهُ يَجِبُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَنْظُرُهُ. (وَ) كُرِهَ لَهُ (اسْتِصْحَابُ مَا فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى) لِحَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ نَقَشَ خَاتَمَهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ، وَتَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوْضِعِ الْقَاذُورَاتِ (بِلَا حَاجَةٍ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْفَظُهُ، وَخَافَ ضَيَاعَهُ. (وَلَا) يُكْرَهُ اسْتِصْحَابُهُ (نَحْوَ دَرَاهِمَ) كَدَنَانِيرَ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهَا، وَمِثْلُهَا حِرْزٌ، قَالَهُ النَّاظِمُ وَأَوْلَى. (لَكِنْ يَجْعَلُ فَصَّ خَاتَمٍ) احْتَاجَ أَنْ يَصْحَبَهُ مَعَهُ وَفِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى (بِبَاطِنِ كَفِّ) يَدٍ (يُمْنَى) نَصًّا، لِئَلَّا يَمَسَّ النَّجَاسَةَ أَوْ يُقَابِلَهَا. (وَ) كُرِهَ لَهُ أَيْضًا (اسْتِقْبَالُ شَمْسٍ وَقَمَرٍ) لَمَا فِيهِمَا مِنْ نُورِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُوِيَ أَنَّ مَعَهُمَا مَلَائِكَةً، وَأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى مَكْتُوبَةٌ عَلَيْهِمَا. وَكُرِهَ لَهُ اسْتِقْبَالُ (مَهَبِّ رِيحٍ) فِي بَوْلٍ (بِلَا حَائِلٍ) لِئَلَّا يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَيُنَجِّسَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 (وَ) كُرِهَ لَهُ (بَوْلٌ فِي شَقٍّ) بِفَتْحِ الشِّينِ (وَ) بَوْلُهُ فِي (سَرَبٍ) - بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ: ثُقْبٌ يَتَّخِذْهُ الدَّبِيبُ فِي الْأَرْضِ - لِحَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ.» قَالُوا لِقَتَادَةَ: مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؟ قَالَ: يُقَالُ إنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بَالَ بِجُحْرٍ بِالشَّامِ ثُمَّ اسْتَلْقَى مَيِّتًا، فَسُمِعَ مِنْ بِئْرٍ بِالْمَدِينَةِ: نَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَهْ ... وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ تُخْطِئْ فُؤَادَهْ فَحَفِظُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَوَجَدُوهُ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ سَعْدٌ، وَخَشْيَتُهُ خُرُوجُ دَابَّةٍ بِبَوْلِهِ فَتُؤْذِيهِ، أَوْ تَرُدُّهُ عَلَيْهِ فَيُنَجِّسُهُ (وَ) مِثْلُ السَّرَبِ مَا يُشْبِهُهُ، وَلَوْ (فَمَ بَالُوعَةٍ) ، لَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) كُرِهَ بَوْلُهُ فِي (مَاءٍ رَاكِدٍ) لِخَبَرِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» وَكُرِهَ بَوْلُهُ فِي قَلِيلٍ جَارٍ، لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُ وَيُنَجِّسُهُ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يُحَرِّمُوهُ، لِأَنَّ الْمَاءَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ عَادَةً، أَوْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِالْإِضَافَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) كُرِهَ بَوْلُهُ فِي (إنَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ) نَصًّا فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يُكْرَهْ، لِقَوْلِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رَقِيقَةَ عَنْ أُمِّهَا «كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالْعَيْدَانُ: بِفَتْحِ الْعَيْنِ طِوَالُ النَّخْلِ. وَكُرِهَ بَوْلُهُ فِي نَارٍ لِأَنَّهُ يُورِثُ السَّقَمَ، (وَ) فِي (رَمَادٍ) . ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ " (وَ) فِي (مَوْضِعٍ صُلْبٍ) - بِضَمِّ الصَّادِ - إلَّا إذَا لَمْ يَجِدَ مَكَانًا رَخْوًا، لَصَقَ ذَكَرَهُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) كُرِهَ بَوْلٌ فِي (مُسْتَحَمٍّ غَيْرِ مُقَيَّرٍ أَوْ مُبَلَّطٍ) ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ يَبُولَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 مُغْتَسَلِهِ» وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. فَإِنْ بَالَ فِي الْمُقَيَّرِ أَوْ الْمُبَلَّطِ أَوْ الْمُجَصَّصِ ثُمَّ أَرْسَلَ عَلَيْهِ الْمَاءَ قَبْلَ اغْتِسَالِهِ فِيهِ. قَالَ الْإِمَام أَحْمَدُ: إنْ صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَجَرَى فِي الْبَالُوعَةِ فَلَا بَأْسَ لِلْأَمْنِ مِنْ التَّلْوِيثِ، وَمِثْلُهُ مَكَانُ الْوُضُوءِ كَمَا فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَ) كُرِهَ (اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ بِفَضَاءٍ بِاسْتِنْجَاءٍ أَوْ اسْتِجْمَارٍ) تَعْظِيمًا لَهَا. (وَ) كُرِهَ (كَلَامٌ فِي خَلَاءٍ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مُبَاحًا فِي غَيْرِهِ، كَسُؤَالٍ عَنْ شَيْءٍ أَوْ مُسْتَحَبًّا: كَإِجَابَةِ مُؤَذِّنٍ (وَلَوْ) وَاجِبًا: (كَرَدِّ سَلَامٍ) وَتَشْمِيتِ عَاطِسٍ، (ذِكْرٍ) مَسْنُونٍ، وَكُرِهَ لِغَيْرِ الْمُتَخَلِّي (سَلَامٌ عَلَيْهِ) ، لِأَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِالْحَالِ، فَلَا يَجِبْ رَدُّهُ نَصًّا، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «مَرَّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبُولُ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ» (وَيَجِبُ) الْكَلَامُ عَلَى مَنْ فِي الْخَلَاءِ كَغَيْرِهِ (لِتَحْذِيرِ مَعْصُومٍ) مِنْ هَلَكَةٍ كَأَعْمَى وَغَافِلٍ، يُحَذِّرُهُ مِنْ بِئْرٍ وَحَيَّةٍ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْمَعْصُومِ أَهَمُّ. (فَإِنْ عَطَسَ) الْمُتَخَلِّي (أَوْ سَمِعَ أَذَانًا حَمْدَ اللَّهَ) عَقِبَ الْعُطَاسِ بِقَلْبِهِ، (وَأَجَابَ) الْمُؤَذِّنَ (بِقَلْبِهِ) دُونَ لِسَانِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ. وَيَقْضِيهِ مُتَخَلٍّ وَمُصَلٍّ (وَ) كُرِهَ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ حَاجَةٍ (تَوَضُّؤٌ) فِي مَكَانِ بَوْلِهِ، (وَاسْتِنْجَاءٌ بِمَوْضِعِ بَوْلِهِ) ، (وَ) فِي (أَرْضٍ نَجِسَةٍ، خَشْيَةَ تَنْجِيسٍ) بِتَطَايُرِ الْمَاءِ السَّاقِطِ عَلَى النَّجَاسَةِ. (وَ) كُرِهَ (بَصْقُهُ عَلَى بَوْلِهِ) ، لَمَا قِيلَ: إنَّهُ يُورَثُ (الْوِسْوَاسَ.) (وَ) كُرِهَ (مَسُّ فَرْجٍ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا) حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَيْرِهِ. (وَ) كُرِهَ (اسْتِجْمَارٌ بِهَا) - أَيْ: يَدِهِ الْيُمْنَى - (بِلَا حَاجَةٍ) ، أَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ: كَجُرْحَةٍ بِيَسَارِهِ، فَلَا كَرَاهَةَ. (فَفِي) حَالِ اسْتِجْمَارٍ مِنْ (غَائِطٍ يُؤْخَذُ حَجَرٌ) أَوْ نَحْوُهُ (بِيَسَارٍ، وَيُمْسَحُ) الْمَخْرَجُ ثَلَاثَ مَسَحَاتٍ فَأَكْثَرَ، وَيَأْتِي. (وَ) فِي اسْتِجْمَارٍ مِنْ (بَوْلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 يُمْسَكُ ذَكَرٌ بِشِمَالٍ، وَيُمْسَحُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْحَجَرِ إنْ كَانَ كَبِيرًا، (وَمَعَ صِغَرِهِ) - أَيْ: الْحَجَرِ - (يَضَعُهُ بَيْنَ عَقِبَيْهِ) - تَثْنِيَةُ عَقِبٍ، كَكَتِفٍ: مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ - (أَوْ) يَضَعُهُ بَيْنَ (أَصَابِعِ قَدَمِهِ، أَوْ) بَيْنَ (إبْهَامَيْهِمَا وَمَسَحَ عَلَيْهِ) ذَكَرَهُ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، لِإِغْنَائِهِ عَنْ إمْسَاكِهِ بِيَمِينِهِ، (فَإِنَّ تَعَذَّرَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ كَجَالِسٍ فِي الْأَخْلِيَةِ الْبَيِّنَةِ (مَسْكُ) - كَضَرْبٍ - (حَجَرٍ بِيَمِينٍ) لِلْحَاجَةِ، (وَ) مَسَكَ (ذَكَرًا بِيَسَارٍ وَمَسَحَ) الذَّكَرَ (عَلَيْهِ) ، فَتَكُونُ الْيَسَارُ هِيَ الْمُتَحَرِّكَةُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَه اسْتِنْجَاؤُهُ بِيَمِينِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ ": بِيَمِينِهِ أَوْلَى مِنْ يَسَارِ غَيْرِهِ. وَالنَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ لِلتَّأْدِيبِ لَا لِلتَّحْرِيمِ. وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِيَدَيْهِ لَزِمَهُ بِرِجْلِهِ إنْ أَمْكَنَ، أَوْ بِمَنْ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَلَوْ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ تَمَسَّحَ بِنَحْوِ أَرْضٍ مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ عَجَزَ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَإِنْ قَدَرَ بَعْدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَعُدْ. (وَلَا يُكْرَهُ بَوْلُهُ قَائِمًا) وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ (مَعَ أَمْنِ تَلَوُّثٍ وَنَاظِرٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا» وَالسُّبَاطَةُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الْقُمَامَةُ وَالْأَوْسَاخُ. (وَلَا) يُكْرَهُ (تَوَجُّهٌ لِلْقُدْسِ) فِي ظَاهِرِ نَقْلِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي " الْخِلَافِ " حُمِلَ " نَهْيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلِهِ وَغَائِطِهِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ - حِينَ كَانَ قِبْلَةً، وَلَا يُسَمَّى بَعْدَ النَّسْخِ قِبْلَةً. (وَحَرُمَ بِلَا حَاجَةٍ دُخُولُهُ) الْخَلَاءَ (بِمُصْحَفٍ) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ قَطْعًا، وَلَا يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا عَاقِلٌ (وَ) حَرُمَ (قِرَاءَةُ) مُتَخَلٍّ قُرْآنًا (وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ) عَلَى حَاجَتِهِ. جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قُلْتُ: الصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ فِي نَفْسِ الْخَلَاءِ. (وَ) يَحْرُمُ عَلَى مُتَخَلٍّ (لُبْثٌ) فِي الْخَلَاءِ (فَوْقَ قَدْرِهَا) - أَيْ: الْحَاجَةِ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وَهُوَ مُضِرٌّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، قِيلَ: إنَّهُ يُدْمِي الْكَبِدَ وَيُورَثُ الْبَاسُورَ (وَ) يَحْرُمُ (كَشْفُ عَوْرَةٍ بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ. لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي حَمَّامٍ أَوْ ظُلْمَةٍ، أَوْ بِحَضْرَةِ مَلَكٍ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ لَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ " (وَ) حَرُمَ (تَغَوُّطٌ بِمَاءٍ وَلَوْ جَارِيًا) ، قَلِيلًا كَانَ (أَوْ كَثِيرًا) كَرَاكِدٍ، لِأَنَّهُ يُقَذِّرُهُ، وَيَمْنَعُ النَّاسَ الِانْتِفَاعَ بِهِ. وَ (لَا) يَحْرُمُ التَّغَوُّطُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ جِدًّا (كَبَحْرٍ) ، لِأَنَّهُ لَا تُعَكِّرهُ الْجِيَفُ، (أَوْ) فِي مَاءٍ (مُعَدٍّ لِذَلِكَ) كَالْمَاءِ الْجَارِي فِي مَطَاهِرِ دِمَشْقَ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ عَادَةً. (وَ) حَرُمَ (بَوْلٌ وَتَغَوُّطٌ بِمَوْرِدِ مَاءٍ) أَيْ: مَكَانِ جَرَيَانِهِ (وَطَرِيقٍ مَسْلُوكٍ، وَظِلٍّ نَافِعٍ) ، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَمُتَشَمَّسُ) النَّاسِ (زَمَنَ شِتَاءٍ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الظِّلِّ النَّافِعِ (مَجْمَعُ نَاسٍ) لِلتَّحَدُّثِ الْمَشْرُوعِ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَحْرُمُ بَوْلٌ وَتَغَوُّطٌ فِي مَجْمَعِ النَّاسِ (عَلَى حَرَامٍ) كَغِيبَةٍ أَوْ لَهْوٍ مِنْ قِمَارٍ أَوْ شُرْبِ مُسْكِرٍ أَوْ سَمَاعِ آلَاتٍ فَيَجِبُ تَفْرِيقُهُمْ بِمَا أَمْكَنَ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (وَ) حَرُمَ بَوْلٌ وَتَغَوُّطٌ (تَحْتَ شَجَرٍ عَلَيْهِ ثَمَرٌ يُقْصَدُ) مَأْكُولًا كَانَ أَوْ لَا. لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُ وَتَعَافُهُ النَّفْسُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّجَرِ ثَمَرٌ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ظِلٌّ نَافِعٌ، لِأَنَّ أَثَرَ ذَلِكَ يَزُولُ بِمَجِيءِ الْأَمْطَارِ إلَى مَجِيءِ الثَّمَرِ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ الْأَشْجَارِ وَالنَّخْلِ بِأَنَّ الْأَرْضَ تَبْلَعُ فَضْلَتَهُ. (أَوْ قُرْبَ ثَمَرِهِ) - أَيْ: الشَّجَرِ - فَيَحْرُمُ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَشْمَئِزُّ مِنْهُ. (وَ) يَحْرُم بَوْلٌ وَتَغَوُّطٌ (عَلَى مَا نُهِيَ عَنْ اسْتِجْمَارٍ بِهِ: كَرَوْثٍ) وَعَظْمٍ، (وَمُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ كَذَنْبِهِ) وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ، (وَ) عَلَى (يَدِ مُسْتَجْمِرٍ) ، وَعَلَى مَالِهِ حُرْمَةً كَمَطْعُومِ لِآدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلُغُ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 بِهَا فِي التَّقْذِيرِ، فَيَكُونُ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ. (وَ) حَرُمَ بَوْلٌ وَتَغَوُّطٌ (بَيْنَ قُبُورِ) الْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهَا. (وَ) حَرُمَ (اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ وَاسْتِدْبَارُهَا) حَالَ بَوْلٍ وَغَائِطٍ (فِي فَضَاءٍ،) لِقَوْلِ أَبِي أَيُّوبَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ أَشْرَفُ الْجِهَاتِ فَصِينَتْ عَنْ ذَلِكَ. وَ (لَا) يَحْرُمُ فِي (بُنْيَانٍ) ، لِمَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ قَالَ " رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إنَّمَا نُهِيَ عَنْ هَذَا فِي الْفَضَاءِ، أَمَّا إذَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ. (وَيَكْفِي انْحِرَافُهُ) عَنْ الْجِهَةِ نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد، وَمَعْنَاهُ فِي " الْخِلَافِ ". (وَ) يَكْفِي (حَائِلٌ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ. (وَلَوْ) كَانَ الْحَائِلُ (كَمُؤَخَّرَةِ رَحْلٍ) - بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُثَقِّلُ الْخَاءَ، وَهِيَ: الْخَشَبَةُ الَّتِي يَسْتَنِدُ إلَيْهَا الرَّاكِبُ - (وَ) يَكْفِي (اسْتِتَارٌ بِدَابَّةٍ وَجَبَلٍ) وَجِدَارٍ وَشَجَرَةٍ، (وَ) يَكْفِي (أَرِخَاءُ ذَيْلٍ) ، لِحُصُولِ التَّسَتُّرِ بِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: (لَا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ مِنْ حَائِلٍ) كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ مِنْ جِدَارِهِ [فَصْلٌ مَا يُسَنُّ لِمُتَخَلٍّ إذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ] (فَصْلٌ) (وَسُنَّ) لِمُتَخَلٍّ (إذَا فَرَغَ) مِنْ حَاجَتِهِ (مَسْحُ ذَكَرٍ) بِيَدٍ يُسْرَى (مِنْ حَلْقَةِ دُبُرٍ) بِسُكُونِ اللَّامِ - فَيَضَعُ أُصْبُعَ يَدِهِ الْيُسْرَى الْوُسْطَى تَحْتَ الذَّكَرِ، وَالْإِبْهَامَ فَوْقَهُ، وَيَمُرُّ بِهِمَا (إلَى رَأْسِهِ) - أَيْ: الذَّكَرِ - (ثَلَاثًا لِيَجْذِبَ بَقَايَا) الْبَلَلِ. (وَ) سُنَّ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ (نَتْرُهُ) الذَّكَرِ (ثَلَاثًا) نَصًّا، قَالَ فِي " الْقَامُوسِ " اسْتَنْتَرَ مِنْ بَوْلِهِ: اجْتَذَبَهُ وَاسْتَخْرَجَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 بَقِيَّتَهُ مِنْ الذَّكَرِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ حَرِيصًا مُهْتَمًّا بِهِ انْتَهَى. لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. (وَ) سُنَّ لَهُ (مُكْثٌ قَلِيلٌ قَبْلَ اسْتِنْجَاءٍ) (لِيَنْقَطِعَ أَثَرُ بَوْلٍ) ثُمَّ يَسْتَنْجِيَ وَإِذَا اسْتَنْجَى فِي دُبُرِهِ اسْتَرْخَى قَلِيلًا، وَيُوَاصِلُ صَبَّ الْمَاءِ حَتَّى يُنَقَّى وَيَتَنَظَّفُ. (وَ) لِلْمُتَخَلِّي (تَنَحْنُحٌ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، زَادَ بَعْضُهُمْ: (وَمَشْيُ خُطُوَاتٍ) ، وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُ ذَلِكَ، (إنْ اُحْتِيجَ لِاسْتِبْرَاءٍ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَزُّهِ مِنْ الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ، (وَكَرِهَهُمَا) - أَيْ: كَرِهَ التَّنَحْنُحَ وَمَشْيَ الْخُطُوَاتِ - (الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: ذَلِكَ كُلُّهُ بِدْعَةٌ، وَلَا يَجِبُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. (وَ) سُنَّ (تَحُولُ خَائِفٍ تَلَوُّثًا بِاسْتِنْجَاءٍ) تَبَاعُدًا عَنْ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخَفْ التَّلَوُّثَ فَلَا يَتَحَوَّلُ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. (وَ) سُنَّ (دَلْكُ يَدِهِ) (بِأَرْضٍ طَاهِرَةٍ) بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ " أَنَّ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَ) سُنَّ (نَضْحُ فَرْجٍ) ، أَيْ: مَا يُحَاذِيهِ مِنْ ثَوْبٍ (وَسَرَاوِيلَ لِمُسْتَنْجٍ) بِمَاءٍ (بَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ قَطْعًا لِلْوَسْوَاسِ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جَاءَنِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إذَا تَوَضَّأَتْ فَانْضَحْ» حَدِيثٌ غَرِيبٌ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ". وَمِنْ ظَنَّ خُرُوجَ شَيْءٍ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا تَلْتَفِتْ حَتَّى تَتَيَقَّنَ وَالْهَ عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَلَمْ يَرَ أَحْمَدُ حَشْوَ الذَّكَرِ فِي ظَاهِرِ مَا نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ فَصَلَّى ثُمَّ أَخْرَجَهُ فَوَجَدَ بَلَلًا فَلَا بَأْسَ مَا لَمْ يَظْهَرْ خَارِجًا. (وَ) سُنَّ (بُدَاءَةُ ذَكَرٍ) بِقُبُلٍ لِئَلَّا تَتَلَوَّثَ يَدُهُ إذَا بَدَأَ بِالدُّبُرِ، لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 قُبُلَهُ بَارِزٌ، (وَ) بُدَاءَةُ (بِكْرٍ بِقُبُلٍ) إلْحَاقًا لَهَا بِالذَّكَرِ لِوُجُودِ عُذْرَتِهَا (وَتُخَيَّرُ ثَيِّبٌ) فِي الْبَدَاءَةَ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ. (وَ) سُنَّ لَهُ أَيْضًا (اسْتِنْجَاءٌ بِحَجَرٍ ثُمَّ مَاءٍ) ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ لِلنِّسَاءِ «مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يُتْبِعُوا الْحِجَارَةَ الْمَاءَ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ. فِي الْإِنْقَاءِ، (وَكُرِهَ عَكْسُهُ) أَيْ: تَقْدِيمُ الْمَاءِ عَلَى الْحَجَرِ - نَصًّا لِأَنَّ الْحَجَرَ بَعْدَ الْمَاءِ يُقَذِّرُ الْمَحَلَّ. (وَيُجْزِئُ أَحَدُهُمَا) - أَيْ: الْحَجَرِ أَوْ الْمَاءِ - «لِحَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الْخَلَاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْإِدَاوَةُ بِالْكَسْرِ: الْمَطْهَرَةُ، جَمْعُهُ: أَدَاوَى كَفَتَاوَى، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ " وَحَدِيثُ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِط فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» وَإِنْكَارُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ كَانَ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ، وَكَذَا مَا حُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وَالْمَاءُ) وَحْدُهُ (أَفْضَلُ) مِنْ الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْمَحَلَّ، وَأَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] وَقَالَ: كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ» . (وَلَا بَأْسَ بِاسْتِجْمَارٍ فِي فَرْجٍ، وَاسْتِنْجَاءٍ فِي آخَرَ) إذَا أَمِنَ تَعَدِّي النَّجَاسَةِ. (وَلَا يُجْزِئُ فِي مُتَعَدٍّ) - أَيْ: مُتَجَاوِزٍ - (مَوْضِعَ عَادَةٍ) بِأَنْ انْتَشَرَ الْخَارِجُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الصَّفْحَةِ، أَيْ: أَوْ امْتَدَّ إلَى الْحَشَفَةِ امْتِدَادًا غَيْرَ مُعْتَادٍ، (يَقِينًا) لَا ظَنًّا، (إلَّا الْمَاءُ) لِأَنَّ الِاسْتِجْمَارَ فِي الْمُعْتَادِ رُخْصَةٌ لِلْمَشَقَّةِ فِي غَسْلِهِ، لِتَكْرَارِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ تَعَدَّتْ لِنَحْوِ يَدِهِ لَتَعَيَّنَ الْمَاءُ لِمَا تَعَدَّى، وَلَا يُجْزِئُ الْحَجَرُ. قَالَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يَمْنَعُ الْقِيَامُ الِاسْتِجْمَارَ مَا لَمْ يَتَعَدَّ الْخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ، كَمَا لَا يُجْزِئُ فِي الْخَارِجِ مِنْ (قُبُلَيْ خُنْثَى مُشْكِلٍ) إلَّا الْمَاءُ وَكَذَا الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّ الْأَصْلِيَّ مِنْهُمَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالِاسْتِجْمَارُ لَا يُجْزِئُ إلَّا فِي أَصْلِيٍّ، فَإِنْ كَانَ وَاضِحًا أَجْزَأَ الِاسْتِجْمَارُ فِي الْأَصْلِيِّ دُونَ الزَّائِدِ، وَيُجْزِئُ فِي دُبُرِهِ. (وَ) ك (مَخْرَجٍ غَيْرِ فَرْجٍ) تَنَجَّسَ بِخَارِجٍ مِنْهُ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ، وَلَوْ انْسَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ، لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَلَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْفَرْجِ، وَلَمْسُهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ حُكْمُ الْوَطْءِ أَشْبَهَ سَائِرَ الْبَدَنِ. (وَ) (تَنَجُّسِ مَخْرَجٍ بِغَيْرِ خَارِجٍ مِنْهُ) ، أَوْ بَقِيَ الْخَارِجُ مُلْصَقًا بِهِ وَجَفَّ، (وَ) كَذَا لَوْ تَنَجَّسَ الْمَخْرَجُ (بِخَارِجٍ) مِنْ حُقْنَةٍ، فَلَا يُجْزِئُ إلَّا الْمَاءُ. (وَكَاسْتِجْمَارٍ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ) كَطَعَامٍ، فَلَا يُجْزِئُ إلَّا الْمَاءُ، (لَا) اسْتِجْمَارَ (بِغَيْرِ مُنْقٍ) وَإِذَا أَتْبَعَ بِالْمَنْقِيِّ قَبْلَ جَفَافِ الْخَارِجِ فَيُجْزِئُ. (وَلَا يَجِبُ غَسِيلُ نَجَاسَةٍ بِدَاخِلِ فَرْجِ ثَيِّبٍ) نَصًّا، (فَلَا تُدْخِلُ أُصْبُعَهَا) فِي فَرْجِهَا، (بَلْ) تَغْسِلُ (مَا ظَهَرَ) مِنْهُ عِنْدَ قُعُودِهَا لِحَاجَتِهَا، لِأَنَّ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَيْنِ دَاخِلٌ بِمَنْزِلَةِ الدُّبُرِ مِنْهُ الْحَيْضُ، وَخَارِجٌ بِمَنْزِلَةِ الْأَلْيَتَيْنِ مِنْهُ الِاسْتِحَاضَةُ. فَالدَّاخِلُ الَّذِي لَا يَظْهَرُ عِنْدَ قُعُودِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ، لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، فَلَا تُدْخِلُ يَدَهَا وَلَا أُصْبُعَهَا، بَلْ تَغْسِلُ مَا ظَهَرَ. وَالْخَارِجُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ يَجِبُ غَسْلُهُ، (وَكَذَا) لَا يَجِبُ (غَسْلُ) دَاخِلِ فَرْجِ ثَيِّبٍ (مِنْ نَحْوِ جَنَابَةٍ) كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ. (وَ) كَذَا لَا يَجِبُ غَسْلُ نَجَاسَةٍ وَجَنَابَةٍ بِدَاخِلِ (حَشَفَةِ أَقْلَفَ غَيْرِ مَفْتُوقٍ) بِخِلَافِ الْمَفْتُوقِ، فَيَجِبُ غَسْلُهَا لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ. (وَيُجْزِئُ اسْتِجْمَارٌ فِي بَوْلِ ثَيِّبٍ تَعَدَّى مَخْرَجَ حَيْضٍ كَبِكْرٍ) نَصًّا، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ كَثِيرًا، وَالْعُمُومَاتُ تُعَضِّدُهُ وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الْكَبِيرِ ". (وَشَرْطُ اسْتِجْمَارٍ بِطَاهِرٍ) فَلَا يَصِحُّ بِنَجِسٍ " لِأَنَّ «ابْنَ مَسْعُودٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ لِيَسْتَجْمِرَ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ، يَعْنِي: نَجِسًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَلِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ أَشْبَهَ الْغُسْلَ. (جَامِدٍ) لَا نَدِيٍّ وَلَا رَخْوٍ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، (مُبَاحٍ) ، فَلَا يَصِحُّ بِمُحَرَّمٍ كَمَغْصُوبٍ، وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ، فَلَا تُسْتَبَاحُ بِمَعْصِيَةٍ، وَلَا يُجْزِئُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْمَاءُ (مُنَقٍّ) - اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَنْقَى - فَلَا يُجْزِئُ بِأَمْلَسَ مِنْ نَحْوِ زُجَاجٍ (غَيْرِ مَطْعُومٍ) لِإِنْسَانٍ أَوْ بَهِيمَةٍ، وَغَيْرِ (مُحْتَرَمٍ) كَكُتُبٍ مُبَاحَةٍ احْتِرَامًا، (وَ) غَيْرِ (مُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ) . فَإِنْ اسْتَجْمَرَ بَعْدَهُ بِمُبَاحٍ أَوْ اسْتَنْجَى بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ: لَمْ يُجْزِهِ، وَتَعَيَّنَ الْمَاءُ، وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِغَيْرِ مُنْقٍ كَزُجَاجٍ: أَجْزَأَ الِاسْتِجْمَارُ بَعْدَهُ بِمُنَقٍّ، (كَحَجَرٍ وَخَشَبٍ وَخِرَقٍ) ، لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ «فَلْيَذْهَبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ بِثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ، أَوْ بِثَلَاثِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ. وَلِمُشَارَكَةِ غَيْرِ الْحَجَرِ الْحَجَرَ فِي الْإِزَالَةِ (وَالْإِنْقَاءُ) بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ (أَنْ يَبْقَى أَثَرٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ وَالْأَثَرُ نَجَسٌ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (يُعْفَى عَنْهُ فِي مَحَلِّهِ) لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ (وَ) الْإِنْقَاءُ (بِمَاءٍ عَوْدُ الْمَحَلِّ) ، أَيْ: مَحَلِّ الْخَارِجِ بِأَنْ يُدَلِّكُهُ حَتَّى يَعُودَ (كَمَا كَانَ) قَبْلَ خُرُوجِ الْخَارِجِ، وَيُوَاصِلُ الصَّبَّ، وَيَسْتَرْخِي قَلِيلًا. (وَظَنُّهُ) ، أَيْ: الْإِنْقَاءِ بِنَحْوِ حَجَرٍ أَوْ مَاءٍ (كَافٍ، وَ) لَا بُدَّ مِنْ (غَسْلِهِ سَبْعًا) ، كَمَا يَأْتِي فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. (وَحَرُمَ وَلَا يَصِحُّ اسْتِجْمَارٌ بِرَوْثٍ) ، وَلَوْ لِمَأْكُولٍ، (وَعَظْمٍ) ، وَلَوْ مِنْ مُذَكًّى، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ وَلَا بِالْعِظَامِ، فَإِنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ» وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَعَدَمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الْإِجْزَاءِ (وَ) حَرُمَ أَيْضًا وَلَا يَصِحُّ اسْتِجْمَارٌ (بِرَخْوٍ) كَطِينٍ جَامِدٍ هَشٍّ، لِأَنَّهُ يَتَفَتَّتُ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْقَاءُ، وَبِطَعَامٍ، وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ النَّهْيَ عَنْ الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ بِأَنَّهُ زَادُ الْجِنِّ، فَزَادُنَا وَزَادُ دَوَابِّنَا أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً. (وَ) حَرُمَ أَيْضًا (بِذِي حُرْمَةٍ كَكُتُبِ فِقْهٍ) وَحَدِيثٍ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ الشَّرِيعَةِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِحُرْمَتِهَا. (وَ) حَرُمَ أَيْضًا (بِمُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ كَذَنَبِ) الْبَهِيمَةِ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ نَحْوِ صُوفٍ، لِأَنَّهُ لَهُ حُرْمَةٌ كَالطَّعَامِ، (وَبِجِلْدِ) سَمَكٍ وَحَيَوَانٍ (مُذَكًّى) أَوْ حَشِيشٍ رَطْبٍ، (وَ) مِثْلُهُ اسْتِجْمَارٌ (بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَمُتَنَجِّسٍ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُجْزِئُ) فِي الِاسْتِجْمَارِ (أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ، وَلَوْ) كَانَتْ الْمَسَحَاتُ الثَّلَاثُ (بِحَجَرٍ) وَاحِدٍ (ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ، تَعُمُّ كُلُّ مَسْحَةٍ الْمَحَلَّ) أَيْ: مَحَلَّ الْخَارِجِ (وَهُوَ: الْمَسْرُبَةُ وَالصَّفْحَتَانِ) . قَالَ الْقَاضِي الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُمِرَّ الْحَجَرَ الْأَوَّلَ مِنْ مُقَدِّمِ صَفْحَتِهِ الْيُمْنَى إلَى مُؤَخَّرِهَا، يُدِيرُهُ عَلَى الْيُسْرَى حَتَّى يَصِلَ بِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ يُمِرَّ الثَّانِي مِنْ صَفْحَتِهِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ، ثُمَّ يُمِرَّ الثَّالِثَ عَلَى الْمَسْرَبَةِ وَالصَّفْحَتَيْنِ. انْتَهَى. لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «إذَا تَغَوَّطَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمْسَحْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَهُوَ يُفَسِّرُ حَدِيثَ مُسْلِمٍ «لَا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةٍ» لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَكْرَارُ الْمَسْحِ، لَا الْمَمْسُوحِ بِهِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَعْقُولٌ، وَمُرَادُهُ مَعْلُومٌ، وَالْحَاصِلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ حَاصِلٌ مِنْ ثَلَاثِ شُعَبٍ، وَكَمَا لَوْ مَسَحَ ذَكَرَهُ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ مِنْ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ، وَلَا مَعْنَى لِلْجُمُودِ عَلَى اللَّفْظِ مَعَ وُجُودِ مَا يُسَاوِيهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": لَوْ أَفْرَدَ كُلَّ جِهَةٍ بِحَجَرٍ لَمْ يُجْزِئْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ) الْمَحَلُّ بِالْمَسَحَاتِ الثَّلَاثِ (زَادَ حَتَّى يُنَقَّى) لِيَحْصُلَ مَقْصُودُ الِاسْتِجْمَارِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 (وَسُنَّ قَطْعُهُ) أَيْ: مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ - (عَلَى وِتْرٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. فَإِنْ أَنْقَى بِرَابِعَةِ زَادَ خَامِسَةً. وَهَكَذَا، وَإِنْ أَنْقَى بِوِتْرٍ كَخَامِسَةٍ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا. (وَلَوْ) (اسْتَجْمَرَ) ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، لِكُلِّ حَجَرٍ ثَلَاثُ شُعَبٍ، اسْتَجْمَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِشُعْبَةٍ مِنْ كُلِّ حَجَرٍ أَجْزَأَهُمْ، أَوْ اسْتَجْمَرَ إنْسَانٌ (بِحَجَرٍ ثُمَّ غَسَلَهُ) وَجَفَّفَهُ سَرِيعًا، (أَوْ كَسَرَ مَا تَنَجَّسَ) مِنْهُ (ثُمَّ اسْتَجْمَرَ بِهِ) ثَانِيًا، ثُمَّ كَسَرَهُ وَاسْتَجْمَرَ بِهِ ثَالِثًا (أَجْزَأَهُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. (وَيَجِبُ اسْتِنْجَاءٌ) بِمَاءٍ وَنَحْوِ كَحَجَرٍ (لِكُلِّ خَارِجٍ) مِنْ سَبِيلٍ، وَلَوْ نَادِرًا كَالدُّودِ، لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ، (إلَّا الطَّاهِرَ كَرِيحٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اسْتَنْجَى مِنْ رِيحٍ فَلَيْسَ مِنَّا» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ " قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي الرِّيحِ اسْتِنْجَاءٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ نَجِسَةً وَلَا تَصْحَبُهَا نَجَاسَةٌ. وَفِي " الْمُبْهِجِ " لِأَنَّهَا عَرَضٌ بِإِجْمَاعِ الْأُصُولِيِّينَ. وَعُورِضَ بِأَنَّ لِلرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ رَائِحَةٌ مُنْتِنَةٌ قَائِمَةٌ بِهَا، وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ الرَّائِحَةِ عَرَضًا، وَهُوَ لَا يَقُومُ بِعَرَضٍ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ. (وَ) ك (مَنِيٍّ) ، وَوَلَدٍ بِلَا دَمٍ، لِأَنَّهُمَا طَاهِرَانِ (أَوْ) ، أَيْ: وَإِلَّا (نَجَسًا غَيْرَ مُلَوِّثٍ) ، قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إنَّمَا شُرِعَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ. (وَلَا يَصِحُّ وُضُوءٌ وَلَا تَيَمُّمٌ قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ» وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ يُبْطِلهَا الْحَدَثُ، فَاشْتَرَطَ تَقَدُّمَ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَيْهَا كَالتَّيَمُّمِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّيَمُّمِ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ وَأَكْبَرَ، أَوْ نَجَاسَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 بِبَدَنٍ، فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، أَوْ عَلَيْهِمَا غَيْرَ خَارِجَةٍ مِنْهُمَا صَحَّ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ قَبْلَ زَوَالِهَا. (وَيَحْرُمُ مَنْعُ مُحْتَاجٍ لِطَهَارَةِ) بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ، أَيْ: مِيضَأَةٍ مُعَدَّةٍ لِلتَّطْهِيرِ وَالْحَشِّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَوْ وُقِفَتْ عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَمَدْرَسَةٍ) وَرِبَاطٍ، (وَلَوْ) كَانَتْ (فِي مِلْكِهِ) ، لِأَنَّهَا بِمُوجِبِ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ مَبْذُولَةٌ لِلْمُحْتَاجِ، لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْوَاقِفَ صَرَّحَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّمَا يَسُوغُ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ. (وَ) : (يَجِبُ مَنْعُ أَهْلِ ذِمَّةٍ) حَصَلَ (بِهِمْ تَضْيِيقٌ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ تَنْجِيسٌ (أَوْ إفْسَادُ مَاءٍ وَإِلَّا) لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ تَضْيِيقٌ وَلَا إفْسَادُ مَاءٍ، وَمِثْلُهُمْ مَنْ يَقْصِدُ مِنْ الرَّافِضَةِ الْإِفْسَادَ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ (فَلَا) يَجِبُ مَنْعُهُمْ (مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ) - أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ وَنَحْوِهِمْ - (مَا يُغْنِيهِمْ عَنْ مَطْهَرَةِ الْمُسْلِمِينَ) ، فَيُمْنَعُونَ حِينَئِذٍ. [بَابُ السِّوَاكِ] (بَابُ السِّوَاكِ) وَغَيْرِهِ مِنْ الْخِتَانِ وَالطِّيبِ وَالِاسْتِحْدَادِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَأْتِي مُفَصَّلًا. وَأَوَّلُ مَنْ اسْتَاكَ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَالسِّوَاكُ: بِكَسْرِ السِّينِ، جَمْعُهُ: سُوُكٌ: بِضَمِّ السِّينِ وَالْوَاوِ وَيُخَفَّفُ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ، وَرُبَّمَا يُهْمَزُ فَيُقَالُ: سُؤُكٌ، قَالَهُ الدِّينَوَرِيُّ. وَهُوَ مُذَكَّرٌ، نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ الْعَرَبِ، قَالَ: وَغَلِطَ اللَّيْثُ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يُؤَنَّثَ، وَذَكَرَ فِي الْمُحْكَمِ " أَنَّهُمَا لُغَتَانِ (وَالْمِسْوَاكُ) . بِكَسْرِ الْمِيمِ: (اسْمٌ لِلْعُودِ) الَّذِي يُتَسَوَّكُ بِهِ. (وَيُطْلَقُ السِّوَاكُ عَلَى الْفِعْلِ) ، وَهُوَ: الِاسْتِيَاكُ، (وَالتَّسَوُّكُ الْفِعْلُ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. يُقَالُ: سَاكَ فَاهُ يَسُوكُهُ سَوْكًا وَهُوَ شَرْعًا: اسْتِعْمَالُ عُودٍ فِي الْأَسْنَانِ لِإِذْهَابِ التَّغَيُّرِ وَنَحْوِهِ، مُشْتَقٌّ مِنْ التَّسَاوُكِ، وَهُوَ: التَّمَايُلُ وَالتَّرَدُّدُ، لِأَنَّ الْمُتَسَوِّكَ يُرَدِّدُ الْعُودَ فِي فَمِهِ وَيُحَرِّكُهُ. يُقَالُ: جَاءَتْ الْإِبِلُ تَسَاوَكُ: إذَا كَانَتْ أَعْنَاقُهَا تَضْطَرِبُ مِنْ الْهُزَالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 (وَسُنَّ كَوْنُ تَسَوُّكٍ عَرْضًا) إلَى الْأَسْنَانِ طُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَمِ، لِحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَسْتَاكُ عَرْضًا» وَكَوْنُهُ (بِيُسْرَى) - يَدَيْهِ نَصًّا كَانْتِثَارِهِ (عَلَى أَسْنَانٍ وَلِثَةٍ) - بِكَسْرِ اللَّامِ، وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ مُخَفَّفَةٍ - (وَ) عَلَى (لِسَانٍ) ، فَإِنْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ اسْتَاكَ عَلَى لِثَتِهِ وَلِسَانِهِ، وَلَوْ قُطِعَ لِسَانُهُ اسْتَاكَ عَلَى أَسْنَانِهِ وَلِثَتِهِ، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (يَبْدَأُ بِجَانِبِ فَمٍ أَيْمَنَ) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (مِنْ ثَنَايَا) الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ (إلَى أَضْرَاسِ) جَانِبِ الْفَمِ الْأَيْمَنِ، قَالَهُ فِي " الْمُطْلِعِ ". وَقَالَ الشِّهَابُ الْفَتُوحِيُّ فِي قُطْعَتِهِ عَلَى الْوَجِيزِ ": يَبْدَأُ مِنْ أَضْرَاسِ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ (بِعُودٍ رَطْبٍ) - أَيْ: لَيِّنٍ - وَالْيَابِسُ أَوْلَى إذَا نَدِيَ (مِنْ أَرَاكٍ وَنَخْلٍ وَزَيْتُونٍ) وَعُرْجُونٍ (يُنَقِّي) الْفَمَ (وَلَا يَجْرَحُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَتَفَتَّتُ قَدْ نَدِيَ بِمَاءٍ) إنْ كَانَ يَابِسًا (وَبِمَاءِ وَرْدٍ أَجْوَدُ) مِنْ غَيْرِهِ، لَكِنْ يَغْسِلُهُ بَعْدَ تَنْدِيَتِهِ بِهِ. (وَكُرِهَ) التَّسَوُّكُ (بِغَيْرِ مُنْقٍ وَبِمُضِرٍّ وَمُتَفَتِّتٍ) ، لِأَنَّهُ مُضَادٌّ لِغَرَضِ السِّوَاكِ (وَ) كُرِهَ (بِرَيْحَانٍ) وَهُوَ: الْآسُ، لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِلَحْمِ الْفَمِ، وَيُحَرِّكُ عِرْقَ الْجُذَامِ، (وَرُمَّانٍ) ، وَعُودٍ ذَكِيِّ الرَّائِحَةِ. (وَنَحْوِ طَرْفَاءَ وَقَصَبٍ) فَارِسِيِّ لِأَنَّهُ يَجْرَحُ. (وَ) كُرِهَ (تَخَلُّلٌ بِهَا) - أَيْ: الْأَعْوَادِ الْمُضِرَّةِ لِحَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ «لَا تُخَلِّلُوا بِعُودِ الرَّيْحَانِ وَلَا الرُّمَّانِ فَإِنَّهُمَا يُحَرِّكَانِ عِرْقَ الْجُذَامِ» رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ. وَلِأَنَّ الطَّرْفَاءَ وَالْقَصَبَ وَنَحْوَهُمَا رُبَّمَا جَرَحَهُ. (وَسُنَّ تَسَوُّكٌ مُطْلَقًا) - أَيْ: فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَالْحَالَاتِ - لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عُمَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وَرَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ» (فَلَا يُكْرَهُ) السِّوَاكُ (بِمَسْجِدٍ) ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الْخَاصِّ لِلْكَرَاهَةِ، (إلَّا بَعْدَ زَوَالٍ، لِصَائِمٍ فَيُكْرَهُ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ غَالِبًا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ مُسْتَطَابٌ شَرْعًا، فَتُسْتَحَبُّ إدَامَتُهُ كَدَمِ الشَّهِيدِ عَلَيْهِ، (وَ) يُبَاحُ التَّسَوُّكُ (قَبْلَهُ) - أَيْ: الزَّوَالِ - لِصَائِمٍ (بِعُودٍ رَطْبٍ مُبَاحٍ، وَبِيَابِسٍ) مُنْدًى (مُسْتَحَبٌّ) لِلصَّائِمِ قَبْلَهُ لِقَوْلِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «مِنْ خَيْرِ خِصَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مَحْمُولَانِ عَلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «إذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ» وَالرَّطْبُ مَظِنَّةُ التَّخَلُّلِ مِنْهُ، فَلِذَلِكَ أُبِيحَ السِّوَاكُ بِهِ، بِخِلَافِ الْيَابِسِ، فَيُسْتَحَبُّ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَمْ يُصِبْ الـ (سُنَّةَ مُسْتَاكٌ بِغَيْرِ عُودٍ) كَمَنْ اسْتَاك بِأُصْبُعِهِ أَوْ خِرْقَةٍ - عَلَى الْمَذْهَبِ - لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْقَاءُ الْحَاصِلُ بِالْعُودِ. (وَيُصِيبُهَا) أَيْ: السُّنَّةَ - (بِلَا بَأْسٍ) اسْتِيَاكُ (جَمْعٍ بِعُودٍ) وَاحِدٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَيَقُولُ إذَا اسْتَاكَ: اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي وَمَحِّصْ ذُنُوبِي. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ: وَيَقُولُ عِنْد الِاسْتِيَاكِ: اللَّهُمَّ طَهِّرْ فَمِي، وَنَوِّرْ قَلْبِي، وَطَهِّرْ بَدَنِي وَحَرِّمْ جَسَدِي عَلَى النَّارِ، وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكِ الصَّالِحِينَ. (وَيَتَأَكَّدُ) اسْتِحْبَابُ السِّوَاكِ (عِنْدَ الصَّلَاةِ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ «لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ السِّوَاكَ كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الْوُضُوءَ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُمْ بِهِ، شَقَّ أَوْ لَمْ يَشُقَّ. (وَ) عِنْدَ (انْتِبَاهٍ) مِنْ نَوْمٍ، لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. يُقَالُ: شَاصَهُ وَمَاصَهُ: إذَا غَسَلَهُ. وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرْقُدُ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَيَسْتَيْقِظُ إلَّا تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ» (وَ) عِنْدَ (تَغَيُّرِ رَائِحَةِ فَمٍ) بِمَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ السِّوَاكَ شُرِعَ لِتَطْيِيبِ الْفَمِ وَإِزَالَةِ رَائِحَتِهِ، فَشُرِعَ عِنْدَ تَغَيُّرِهِ. (وَ) عِنْدَ (وُضُوءٍ) ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» وَهُوَ لِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا. (وَ) عِنْدَ (غُسْلٍ) ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوُضُوءِ. وَعِنْدَ (قِرَاءَةِ) قُرْآنٍ تَطْيِيبًا لِلْفَمِ حَتَّى لَا يَتَأَذَّى الْمَلَكُ عِنْدَ تَلَقِّي الْقِرَاءَةِ مِنْهُ. (وَ) عِنْدَ (دُخُولِ مَنْزِلٍ وَمَسْجِدٍ) ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ يَبْدَأُ بِالسِّوَاكِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالْمَسْجِدُ كَالْمَنْزِلِ وَأَوْلَى. (وَ) عِنْدَ (إطَالَةِ سُكُوتٍ وَصُفْرَةِ أَسْنَانٍ) لِإِزَالَتِهِ. (وَ) عِنْدَ (خُلُوِّ مَعِدَةٍ مِنْ طَعَامٍ) ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ تَغَيُّرِ رَائِحَةِ الْفَمِ. (وَكَانَ) السِّوَاكُ (وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ صَلَاةٍ) ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرَ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، طَاهِرًا أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ» وَهَلْ الْمُرَادُ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ أَوْ النَّافِلَةُ، أَوْ مَا يَعُمُّهُمَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَسِيَاقُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالْمَفْرُوضَةِ، ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ الشَّافِعِيُّ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ (مَفْرُوضَةٍ) إذْ غَيْرُهَا لَا يُسَاوِيهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَرْعٌ مَنَافِعُ السِّوَاك] (فَرْعٌ: مَنَافِعُ سِوَاكٍ) كَثِيرَةٌ مِنْهَا: (تَطْيِيبُ فَمٍ) ، أَيْ تَنْظِيفُهُ مِنْ الْوَسَخِ، (وَ) تَطْيِيبُ (نَكْهَةٍ) وَهِيَ: رَائِحَةُ الْفَمِ. (وَجَلَاءُ بَصَرٍ وَ) جَلَاءُ (أَسْنَانٍ وَتَقْوِيَتُهَا) - أَيْ: الْأَسْنَانِ - (وَشَدُّ لِثَةٍ) - وَهِيَ: لَحْمَةُ الْأَسْنَانِ - (وَقَطْعُ بَلْغَمٍ) مِنْ صَدْرٍ، (وَمَنْعُ حُفَرٍ) - بِالتَّحْرِيكِ - مِنْ أُصُولِ أَسْنَانٍ، (وَصِحَّةُ مَعِدَةٍ) كَكَلِمَةٍ، وَبِالْكَسْرِ: مَوْضِعُ الطَّعَامِ قَبْلَ انْحِدَارِهِ إلَى الْأَمْعَاءِ، وَهِيَ لِلْإِنْسَانِ بِمَنْزِلَةِ الْكَرِشِ مِنْ غَيْرِهِ - (وَهَضْمُ) طَعَامٍ، (وَتَغْذِيَةُ جَائِعٍ، وَتَصْفِيَةُ صَوْتٍ وَنَشَاطٌ) لِلنَّفْسِ عَلَى الْعِبَادَةِ، (وَطَرْدُ نَوْمٍ، وَمُضَاعَفَةُ أَجْرٍ وَرِضَاءُ رَبٍّ) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - وَتَقَدَّمَ - (وَإِرْهَابُ عَدُوٍّ، وَإِرْغَامُ الشَّيْطَانِ) بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، (وَتَذْكِيرُ شَهَادَةٍ عِنْدَ مَوْتٍ) ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ هَذِهِ الْمَزِيَّةُ لَكَفَى، وَقَدْ أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ مَنْفَعَةً. [فَصْلٌ مَا يُسَنُّ فِي السِّوَاك] (فَصْلٌ) (سُنَّ بُدَاءَةٌ بِجَانِبٍ أَيْمَنَ) مِنْ فَمٍ (فِي سِوَاكٍ) مِنْ ثَنَايَاهُ إلَى أَضْرَاسِهِ وَتَقَدَّمَ. (وَ) سُنَّ أَيْضًا بُدَاءَةٌ بِالْأَيْمَنِ فِي (طَهُورٍ) - أَيْ: تَطَهُّرٍ - (وَ) فِي (شَأْنِهِ كُلِّهِ) ، كَتَرَجُّلٍ وَانْتِعَالٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (كَحَلْقِ) رَأْسٍ، (وَقَصِّ) أَظْفَارٍ بِمِقَصٍّ، (وَتَقْلِيمِ) هَا - وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ - (وَنَتْفِ إبِطٍ وَاكْتِحَالٍ وَإِدْهَانٍ فِي بَدَنٍ وَشَعْرٍ غِبًّا) يَفْعَلُهُ (يَوْمًا وَ) يَتْرُكُهُ (يَوْمًا) " لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ التَّرَجُّلِ إلَّا غِبًّا، وَنَهَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 أَنْ يَتَمَشَّطَ أَحَدُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ» . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَدَلَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ غَيْرُ الْغِبِّ. وَالتَّرَجُّلُ: تَسْرِيحُ الشَّعْرِ وَدَهْنِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ اللِّحْيَةَ كَالرَّأْسِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِعْلَ الْأَصْلَحِ لِلْبَدَنِ، كَالْغُسْلِ بِمَاءٍ حَارٍّ بِبَلَدٍ رَطْبٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ، وَلِأَنَّهُ فِعْلُ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّ مِثْلَهُ نَوْعُ الْمَلْبَسِ وَالْمَأْكَلِ، وَلَمَّا فَتَحُوا الْأَمْصَارَ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْكُلُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ وَيَلْبَسُ مِنْ لِبَاسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدُوا قُوتَ الْمَدِينَةِ وَلِبَاسَهَا. (وَ) سُنَّ (اكْتِحَالٌ بِإِثْمِدٍ سِيَّمَا مُطَيَّبٌ) بِمِسْكٍ (كُلَّ لَيْلَةِ قَبْلَ نَوْمٍ) وِتْرًا (فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثًا) ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، وَكَانَ يَكْتَحِلُ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. (وَ) سُنَّ (نَظَرٌ فِي مِرْآةٍ) لِيُزِيلَ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بِوَجْهِهِ مِنْ أَذًى (وَيَقُولُ) مَا وَرَدَ، وَمِنْهُ «اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي وَحَرِّمْ وَجْهِي عَلَى النَّارِ» لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ. وَالْخَلْقُ الْأَوَّلُ، بِفَتْحِ الْخَاءِ: الصُّورَةُ الظَّاهِرَةُ، وَالثَّانِي، بِضَمِّهَا: صُورَتُهُ الْبَاطِنَةُ. (وَ) سُنَّ (تَطَيُّبٌ) ، لِخَبَرِ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا «أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْأَنْبِيَاءِ: الْحِنَّاءُ وَالتَّعَطُّرُ وَالسِّوَاكُ وَالنِّكَاحُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَيُسْتَحَبُّ لَرَجُلٍ (بِظَاهِرِ رِيحٍ خَفِيَ لَوْنٌ) ، كَبَخُورِ الْعَنْبَرِ وَالْعُودِ. وَكَانَ أَحْمَدُ يُعْجِبُهُ الطِّيبُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُحِبُّ الطِّيبَ وَيَتَطَيَّبُ كَثِيرًا» . (وَلِامْرَأَةٍ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا) عَكْسُهُ وَهُوَ مَا يَظْهَرُ لَوْنُهُ وَيَخْفَى رِيحُهُ كَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ، لِأَثَرٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، (لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ إذَنْ) - أَيْ: فِي غَيْرِ بَيْتِهَا - مِمَّا يَنُمُّ عَلَيْهَا بِإِظْهَارِ جَمَالِهَا (مِنْ ضَرْبٍ بِرِجْلٍ، لِيُعْلَمَ مَا تُخْفِي مِنْ زِينَةٍ) ، قَالَ تَعَالَى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 إفْسَادِهَا. (وَ) مِنْ (نَحْوِ نَعْلِ صُرَارَةٍ) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ مِنْ الزِّينَةِ. (وَ) لَهَا (فِي بَيْتِهَا تَطَيُّبٌ بِمَا شَاءَتْ) مِمَّا يَخْفَى أَوْ يَظْهَرُ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ. (وَ) سُنَّ (اسْتِحْدَادٌ) - اسْتِفْعَالٌ مِنْ الْحَدِيدِ - (وَهُوَ حَلْقُ عَانَةٍ، وَلَهُ قَصُّهُ وَإِزَالَتُهُ بِمَا شَاءَ، وَلَهُ) التَّنْوِيرُ (فِي عَوْرَةٍ وَغَيْرِهَا. فَعَلَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) " وَكَذَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَقَدْ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ: " وَسَكَتُوا عَنْ شَعْرِ الْأَنْفِ، فَظَاهِرُهُ بَقَاؤُهُ وَيَتَوَجَّهُ أَخْذُهُ إذَا فَحُشَ، وَتُكْرَهُ كَثْرَتُهُ - أَيْ: التَّنْوِيرِ - قَالَ الْآمِدِيُّ: لِأَنَّهُ يُضْعِفُ حَرَكَةَ الْجِمَاعِ. (وَ) سُنَّ (قَصُّ شَارِبٍ) أَيْ: قَصُّ الشَّعْرِ الْمُسْتَدِيرِ عَلَى الشَّفَةِ (أَوْ قَصُّ طَرْفِهِ وَحَفُّهُ) (أَوْلَى) نَصًّا. قَالَ فِي " النِّهَايَةِ " إحْفَاءُ الشَّوَارِبِ: أَنْ تُبَالِغَ فِي قَصِّهَا، وَمِنْهُ: السَّبَلَانِ، وَهُمَا: طَرَفَاهُ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ: «قُصُّوا سِبَالَاتِكُمْ وَلَا تَتَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» (لِحْيَةٍ) بِأَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: مَا لَمْ يَسْتَهْجِنْ طُولَهَا. (وَحَرَّمَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (حَلْقَهَا) ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّمَرُّدِ، (وَلَا يُكْرَهُ أَخْذُ مَا زَادَ عَلَى قَبْضَتِهِ) ، وَنَصُّهُ لَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ، (وَلَا) أَخْذُ (مَا تَحْتَ حَلْقٍ) " لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، لَكِنْ إنَّمَا فَعَلَهُ إذَا حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَأَخَذَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ مِنْ حَاجِبَيْهِ وَعَارِضَيْهِ) ، نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ. (وَ) سُنَّ (امْتِشَاطٌ) غِبًّا، (وَلَا) يَفْعَلُهُ (كُلَّ يَوْمٍ) إلَّا لِحَاجَةٍ، قَالَ حَنْبَلٌ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَتْ لَهُ صِينِيَّةٌ فِيهَا مِرْآةٌ وَمُكْحُلَةٌ وَمُشْطٌ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ حِزْبِهِ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ وَاكْتَحَلَ وَامْتَشَطَ. (وَ) سُنَّ (اتِّخَاذُ شَعْرٍ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ: لَا إنْ شَقَّ إكْرَامُهُ، (وَ) سُنَّ (غَسْلُهُ وَتَسْرِيحُهُ مُتَيَامِنًا وَتَفْرِيقُهُ، وَيَنْتَهِي لِرَجُلٍ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 أُذُنَيْهِ أَوْ) إلَى (مَنْكِبَيْهِ) كَشَعْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَا بَأْسَ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ) ، أَيْ: عَلَى مَنْكِبَيْهِ. (وَ) لَا بَأْسَ (بِجَعْلِهِ ذُؤَابَةً) ، بِضَمِّ الذَّالِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَهِيَ: الضَّفِيرَةُ مِنْ الشَّعْرِ إذَا كَانَتْ مُرْسَلَةً، فَإِذَا كَانَتْ مَلْوِيَّةً فَهِيَ عَقِيصَةٌ، قَالَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: أَبُو عُبَيْدَةَ كَانَتْ لَهُ عَقِيصَتَانِ، وَكَذَا عُثْمَانُ. (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: هُوَ) - أَيْ: اتِّخَاذُ الشَّعْرِ - (سُنَّةٌ لَوْ قَوِيَ عَلَيْهِ اتَّخَذْنَاهُ، وَلَكِنْ لَهُ كُلْفَةٌ وَمُؤْنَةٌ) ، فَيَنْبَغِي عَدَمُ اتِّخَاذِهِ لِمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ إكْرَامُهُ (فَلَا يُكْرَهُ) لِذَكَرٍ (حَلْقُهُ) - أَيْ: شَعْرِ الرَّأْسِ - (وَلَوْ لِغَيْرِ نُسُكٍ) وَحَاجَةٍ كَقَصِّهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ عَلَى إبَاحَةِ الْحَلْقِ، وَكَفَى بِهَذَا حُجَّةً. (وَ) سُنَّ (تَقْلِيمُ ظُفْرٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (مُخَالِفًا) فِي قَصِّ أَظْفَارِهِ، (فَيَبْدَأُ بِخِنْصَرِ يُمْنَى فَوُسْطَى مِنْ يُمْنَى فَإِبْهَامٍ) مِنْهَا (فَبِنْصِرٍ فَسَبَّاحَةٍ وَ) ، بَعْدَ ذَلِكَ يَشْرَعُ بِقَصِّ (إبْهَامِ يُسْرَى فَوُسْطَى فَخِنْصِرٍ فَسَبَّاحَةٍ فَبِنَصْرٍ) صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَرُوِيَ فِي حَدِيثٍ «مَنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ مُخَالِفًا لَمْ يَرَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدًا» وَفَسَّرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ بِمَا ذُكِرَ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مَا اُشْتُهِرَ فِي قَصِّهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَقَالَ: هَذَا لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُ اسْتِحْبَابِهِ، لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَلَيْسَ اسْتِسْهَالُ ذَلِكَ بِصَوَابٍ. (وَ) سُنَّ (غَسْلُهَا) - أَيْ: الْأَظْفَارِ - (بَعْدَ قَصِّهَا تَكْمِيلًا لِلنَّظَافَةِ) ، وَقِيلَ: إنَّ الْحَكَّ بِهَا قَبْلَ غَسْلِهَا يَضُرُّ بِالْبَدَنِ. وَمَحَلُّ حَفِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَالِاسْتِحْدَادِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ (يَوْمُ جُمُعَةٍ قَبْلَ صَلَاةٍ) ، وَقِيلَ يَوْمُ خَمِيسٍ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 (وَ) سُنَّ (عَدَمُ حَيْفٍ) بِقَصِّ الْأَظْفَارِ (فِي نَحْوِ غَزْوٍ، لِحَاجَةِ) الْإِنْسَانِ إلَى (حَلِّ نَحْوِ حَبْلٍ) ، قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ عُمَرُ: وَفِّرُوا الْأَظْفَارَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ سِلَاحٌ. (وَ) سُنَّ (دَفْنُ دَمٍ وَمَا قُلِّمَ مِنْ ظُفْرٍ أَوْ أُزِيلَ مِنْ شَعْرٍ) ، لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ «عَنْ مِيلَ بِنْتِ مِشْرَحٍ الْأَشْعَرِيَّةِ قَالَتْ: رَأَيْتُ أَبِي يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَدْفِنُهَا، وَيَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ» وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ " عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كَانَ يُعْجِبُهُ دَفْنُ الدَّمِ» وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ، أَيَدْفِنُهُ أَمْ يُلْقِيهِ؟ قَالَ: يَدْفِنُهُ قُلْتُ: بَلَغَكَ فِيهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ ". . (وَ) سُنَّ (نَتْفُ إبِطٍ وَأَنْفٍ) لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنْ شَقَّ حَلَقَهُ، أَوْ تَنَوَّرَ، قَالَهُ فِي " الْآدَابِ الْكُبْرَى " (فَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ) . لِمَا رَوَى الْبَغَوِيّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْخُذُ أَظْفَارَهُ وَشَارِبَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ» (فَإِنْ تَرَكَهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا كُرِهَ) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ؛ أَنْ لَا يُتْرَكَ فَوْقَ أَرْبَعِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَأَمَّا الشَّارِبُ: فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَحِشًا. (وَكُرِهَ حَلْقُ قَفًا) مُنْفَرِدًا عَنْ الرَّأْسِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقَفَا: مَقْصُورٌ: مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. (لِغَيْرِ نَحْوِ حِجَامَةٍ) كَقُرُوحٍ. قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ «وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» (وَكَرِهَهَا) - أَيْ: الْحِجَامَةَ - الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يَوْمَ سَبْتٍ وَ) يَوْمَ (أَرْبِعَاءَ) لِحَدِيثِ «مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَأَصَابَهُ - يَعْنِي: مَرَضًا - فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» (وَتَوَقَّفَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (فِي) الْحِجَامَةِ يَوْمَ (الْجُمُعَةِ) ، قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الْقَاضِي: كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَخْبَارٍ ضَعِيفَةٍ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَالْمُرَادُ: بِلَا حَاجَةٍ. (وَالْفَصْدُ فِي مَعْنَاهَا) - أَيْ: الْحِجَامَةِ - (وَهِيَ) - أَيْ: الْحِجَامَةُ - (أَنْفَعُ مِنْهُ) - أَيْ: الْفَصْدِ - (بِبَلَدٍ حَارٍّ) كَالْحِجَازِ، وَالتَّشْرِيطُ وَالْعَضُدُ أَنْفَعُ مِنْهَا بِبَلَدٍ بَارِدٍ كَالشَّامِ. (وَ) كُرِهَ (قَزَعٌ، وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَتَرْكُ بَعْضٍ) ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْقَزَعِ، احْلِقْهُ كُلَّهُ أَوْ دَعْهُ كُلَّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَيَدْخُلُ فِي الْقَزَعِ حَلْقُ مَوَاضِعَ مِنْ جَانِبِ رَأْسِهِ وَتَرْكُ الْبَاقِي - مَأْخُوذٌ مِنْ: قَزَعِ السَّحَابِ وَهُوَ: تَقَطُّعُهُ - وَأَنْ يَحْلِقَ وَسَطَهُ وَيَتْرُكَ جَوَانِبَهُ، كَمَا تَفْعَلُهُ شَمَامِسَةُ النَّصَارَى، وَحَلْقُ جَوَانِبِهِ وَتَرْكُ وَسَطِهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ السُّفَّلِ، وَأَنْ يَحْلِقَ مُقَدِّمَهُ وَيَتْرُكَ مُؤَخِّرَهُ. (وَ) يُكْرَهُ (حَلْقُ رَأْسِ امْرَأَةٍ وَقَصُّهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ) ، لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا» فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ كَقُرُوحٍ، لَمْ يُكْرَهْ (وَيَحْرُمُ) حَلْقُهَا رَأْسَهَا (لِمُصِيبَةٍ) كَلَطْمِ خَدٍّ وَشَقِّ ثَوْبٍ (وَيَتَّجِهُ) وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا حَلْقُهُ (مَعَ نَهْيِ زَوْجٍ) لَهَا عَنْ ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْوِيهِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَالْأَمَةُ مِثْلُهَا بَلْ أَوْلَى فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا حَلْقُ رَأْسِهَا بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَهَا) - أَيْ: الْمَرْأَةِ - (حَلْقُ وَجْهٍ وَحَفُّهُ) نَصًّا، وَالْمُحَرَّمُ إنَّمَا هُوَ نَتْفُ شَعْرِ وَجْهِهَا، (وَ) لَهَا (تَحْسِينُهُ وَتَحْمِيرُهُ) وَنَحْوُهُ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ تَزْيِينٌ لَهُ. (وَكُرِهَ حَفُّهُ) - أَيْ: الْوَجْهِ - (لِرَجُلٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 (وَ) كَذَا (تَحْذِيفٌ) (وَهُوَ: إرْسَالُهُ شَعْرًا بَيْنَ الْعِذَارِ وَالنَّزْعَةِ) لِأَنَّ عَلِيًّا كَرِهَهُ. رَوَاهُ الْخَلَّالُ. وَلَا يُكْرَهُ التَّحْذِيفُ لِلْمَرْأَةِ، لِأَنَّهُ مِنْ زِينَتِهَا. (وَ) كُرِهَ (نَقْشٌ وَتَكْتِيبٌ) - وَفِي نُسْخَةٍ: (وَتَقْمِيعٌ) - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي رُءُوسِ الْأَصَابِعِ، وَيُقَالُ لَهُ: التَّطْرِيفُ، رَوَاهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ عُمَرَ. (بَلْ تَغْمِسُ يَدَهَا فِي الْخِضَابِ غَمْسًا) نَصًّا، قَالَ فِي " الْإِفْصَاحِ ": كَرِهَ الْعُلَمَاءُ أَنْ تُسَوِّدَ شَيْئًا، بَلْ تُخَضِّبُ بِأَحْمَرَ، وَكَرِهُوا النَّقْشَ، قَالَ أَحْمَدُ: لِتَغْمِسَ يَدَهَا غَمْسًا. (وَ) كُرِهَ (نَتْفُ شَيْبٍ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ، وَقَالَ: إنَّهُ نُورُ الْإِسْلَامِ» وَعَنْ طَارِقِ بْنِ حَبِيبٍ «أَنَّ حَجَّامًا أَخَذَ مِنْ شَارِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى شَيْبَةً فِي لِحْيَتِهِ، فَأَهْوَى إلَيْهَا لِيَأْخُذَهَا، فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ، وَقَالَ: مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ " وَأَوَّلُ مَنْ شَابَ إبْرَاهِيمُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. (وَ) كُرِهَ (تَغْيِيرُهُ) أَيْ: الشَّيْبِ (بِسَوَادٍ) فِي غَيْرِ حَرْبٍ (وَحَرُمَ لِتَدْلِيسٍ) . (وَسُنَّ خِضَابُهُ) ، لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ «جَاءَ بِأَبِيهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: غَيِّرُوهُمَا وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ» (بِحِنَّاءٍ وَكَتَمٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «أَحْسَنُ مَا غَيَّرْتُمْ بِهِ هَذَا الشَّيْبَ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَالْكَتَمُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالتَّاءِ: نَبَاتٌ بِالْيَمَنِ يُخْرِجُ الصِّبْغَ أَسْوَدَ يَمِيلُ إلَى الْحُمْرَةِ، وَصِبْغُ الْحِنَّاءِ أَحْمَرُ، فَالصِّبْغُ بِهِمَا مَعًا يَخْرُجُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 بَيْنَ الْحُمْرَةِ وَالسَّوَادِ. (وَلَا بَأْسَ) بِالْخِضَابِ (بِوَرْسٍ وَزَعْفَرَانٍ) لِقَوْلِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ «كَانَ خِضَابُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ» . (وَكُرِهَ ثَقْبُ أُذُنِ صَبِيٍّ لَا جَارِيَةٍ) نَصًّا لِحَاجَتِهَا لِلزِّينَةِ، بِخِلَافِهِ. (وَحُرِمَ نَمْصٌ) وَهُوَ نَتْفُ الشَّعْرِ مِنْ الْوَجْهِ (وَوَشْرٌ) - أَيْ: بَرْدُ الْأَسْنَانِ - لِتَحَدُّدٍ وَتَفَلُّجٍ وَتَحَسُّنٍ، (وَوَشْمٌ) ، وَهُوَ: غَرْزُ الْجِلْدِ بِإِبْرَةٍ ثُمَّ حَشْوُهُ بِنَحْوِ كُحْلٍ، (وَوَصْلُ) شَعْرٍ بِشَعْرٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ، وَالْوَاشِرَةَ وَالْمُسْتَوْشِرَةَ» وَفِي خَبَرٍ آخَرَ «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ» أَيْ: الْفَاعِلَةَ وَالْمَفْعُولَ بِهَا، ذَلِكَ بِأَمْرِهَا، وَاللَّعْنَةُ عَلَى الشَّيْءِ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، لِأَنَّ فَاعِلَ الْمُبَاحِ لَا تَجُوزُ لَعْنَتُهُ. (وَلَوْ) كَانَ وَصْلُ الْمَرْأَةِ لِشَعْرِهَا (بِشَعْرِ بَهِيمَةٍ، أَوْ إذْنِ زَوْجٍ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ. (وَتَصْلُحُ صَلَاةُ) مَنْ وَصَلَتْ شَعْرَهَا (مَعَ) شَعْرٍ (طَاهِرٍ) ، وَلَوْ كَانَ فِعْلُهَا مُحَرَّمًا، لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى شَرْطِ الْعِبَادَةِ كَالصَّلَاةِ فِي عِمَامَةِ حَرِيرٍ. قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ ": وَلَا بَأْسَ بِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِشَدِّ الشَّعْرِ - أَيْ: لِلْحَاجَةِ - كَالْقَرَامِلِ وَالصُّوفِ إذْ الْمُحَرَّمُ إنَّمَا هُوَ وَصْلُ الشَّعْرِ بِالشَّعْرِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّدْلِيسِ وَاسْتِعْمَالِ الشَّعْرِ الْمُخْتَلِفِ فِي نَجَاسَةٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يَحْرُمُ لِعَدَمِ ذَلِكَ فِيهِ، وَحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ مِنْ تَحْسِينِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ. (وَ) حَرُمَ (تَشَبُّهٌ بِمُرْدٍ) وَعَكْسُهُ، وَنَظَرٌ لِشَعْرِ أَجْنَبِيَّةٍ مُتَّصِلٍ بِهَا لَا بَائِنٍ مِنْهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَيَجِبُ بِبُلُوغٍ خِتَانُ ذَكَرٍ بِأَخْذِ جِلْدِ حَشَفَةٍ) ، قَالَ جَمْعٌ: (أَوْ أَكْثَرُهَا) ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ جَازَ، (وَ) يَجِبُ (خِتَانُ أُنْثَى، وَتُجْبَرُ) زَوْجَةٌ مُسْلِمَةٌ عَلَى الْخِتَانِ إنْ أَبَتْ (بِأَخْذِ جِلْدَةٍ فَوْقَ مَحَلِّ الْإِيلَاجِ، تُشْبِهُ عُرْفَ دِيكٍ، وَسُنَّ أَنْ لَا تُؤْخَذَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 كُلُّهَا) نَصًّا، لِحَدِيثِ «اخْفِضِي وَلَا تَنْهَكِي فَإِنَّهُ أَنْضَرُ لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْدَ الزَّوْجِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ مَرْفُوعًا. وَمَعْنَى اخْفِضِي، أَيْ: اخْتَتِنِي، وَلَا تَنْهَكِي، أَيْ: وَلَا تَأْخُذِيهَا كُلَّهَا، وَدَلِيلُ وُجُوبِهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ «أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي الْحَدِيثِ «اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] وَلِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَخْتَتِنَّ. قَالَ أَحْمَدُ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُشَدِّدُ فِي أَمْرِهِ حَتَّى إنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ قَالَ: لَا حَجَّ لَهُ وَلَا صَلَاةَ. (وَ) يَجِبُ خِتَانُ (قُبُلَيْ خُنْثَى) مُشْكِلٍ احْتِيَاطًا، (لِيَخْرُجَ مِنْ وَاجِبٍ بِيَقِينٍ) ، وَمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ فَإِنْ كَانَا عَامِلَيْنِ وَجَبَ خَتْنُهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَامِلًا دُونَ الْآخَرِ خُتِنَ الْعَامِلُ. قَالَهُ النَّوَوِيُّ الشَّافِعِيُّ. (وَيَسْقُطُ) وُجُوبُ خِتَانٍ (عَمَّنْ خَافَ تَلَفًا) بِهِ، (وَلَا يَحْرُمُ) مَعَ خَوْفِ تَلَفٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ (وَيَتَّجِهُ: وَيَحْرُمُ) عَلَيْهِ اخْتِتَانٌ (إنْ عَلِمَ) أَنَّهُ يَتْلَفُ بِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ) - أَيْ: بِالْخِتَانِ - (وَلِيُّ أَمْرٍ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ يَخَافُ مِنْهُ مَوْتٌ) فَتَلِفَ بِسَبَبِهِ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ (أَوْ) أَمَرَهُ وَلِيُّ أَمْرٍ بِهِ (وَزَعَمَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ يَتْلَفُ، أَوْ ظَنَّ تَلَفَهُ) فَتَلِفَ: (ضَمِنَهُ) وَلِيُّ الْأَمْرِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ. (وَمَنْ وُلِدَ بِلَا قُلْفَةٍ سَقَطَ) وُجُوبُهُ، (وَلَهُ خَتْنُ نَفْسِهِ إنْ قَوِيَ) عَلَيْهِ (وَأَحْسَنَهُ) ، لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ «أَنَّ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 خَتَنَ نَفْسَهُ» . وَإِنْ تَرَكَ الْخِتَانَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ: فَسَقَ. (وَخِتَانُ زَمَنِ صِغَرٍ أَفْضَلُ إلَى تَمْيِيزٍ) ، لِأَنَّهُ أَسْرَعُ بُرْءًا وَيَنْشَأُ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ. (وَكُرِهَ) خِتَانٌ (فِي سَابِعِ وِلَادَةٍ) لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ، (كَمَا) يُكْرَهُ الْخِتَانُ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: مِنْ الْوِلَادَةِ إلَيْهِ. [فَصْلٌ فِي تَعْرِيف السَّنَة] (فَصْلٌ) (وَسُنَنُ وُضُوءٍ) ، جَمْعُ: سُنَّةٍ، وَهِيَ: الطَّرِيقَةُ، وَاصْطِلَاحًا مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ، وَهِيَ: مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِعْلِهِ أَوْ هَمِّهِ أَوْ تَقْرِيرِهِ: (سِوَاكٌ) قَبْلَهُ (كَمَا مَرَّ) فِي الْبَابِ، (وَاسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ وَهُوَ مُتَّجِهٌ فِي كُلِّ طَاعَةٍ إلَّا لِدَلِيلٍ) ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، (وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ) ثَلَاثًا، (لِغَيْرِ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٍ لِوُضُوءٍ) «لِأَنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ وَصَفُوا وُضُوءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرُوا أَنَّهُ غَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا» وَلِأَنَّهُمَا آلَةُ نَقْلِ الْمَاءِ إلَى الْأَعْضَاءِ، فَفِي غَسْلِهِمَا احْتِيَاطٌ لِجَمِيعِ الْوُضُوءِ (فَيَجِبُ) غَسْلُهُمَا لِقِيَامٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٍ لِوُضُوءٍ (تَعَبُّدًا ثَلَاثًا) ، فَلَا يَكْفِي مَرَّةً وَلَا مَرَّتَيْنِ سَوَاءٌ نَوَى الْغُسْلَ بِذَلِكَ أَوْ لَا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَكَذَا الْبُخَارِيُّ. إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا، فَلَوْلَا أَنَّهُ يُفِيدُ مَنْعًا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِغَمْسِ بَعْضِ الْيَدِ وَلَا لِيَدِ كَافِرٍ وَلَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلَا غَيْرِ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كَنَوْمِ النَّهَارِ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ الْمُكَلَّفِينَ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ، وَالْمَبِيتُ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ، وَالْخَبَرُ إنَّمَا وَرَدَ فِي كُلِّ الْيَدِ، وَهُوَ تَعَبُّدِيٌّ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ بَعْضُهَا، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَالْمَشْدُودَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 بِنَحْوِ جِرَابٍ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ عَلَى الْمَظِنَّةِ لَمْ تُعْتَبَرْ حَقِيقَةُ الْحِكْمَةِ، كَالْعِدَّةِ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ، (بِنِيَّةٍ شُرِطَتْ) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَبِتَسْمِيَةٍ) وَاجِبَةٍ مَعَ الذِّكْرِ، كَالْوُضُوءِ، وَتَسْقُطُ سَهْوًا، قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ " تَنْقَسِمُ التَّسْمِيَةُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: فَتَجِبُ فِي نَحْوِ الْوُضُوءِ وَالصَّيْدِ، وَتُسَنُّ فِي نَحْوِ أَكْلٍ وَقِرَاءَةٍ وَمَنْسَكٍ وَجِمَاعٍ وَدُخُولِ نَحْوِ خَلَاءٍ، وَتَارَةً لَا تُسَنُّ كَمَا فِي أَذَانٍ وَصَلَاةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَتُكْرَهُ فِي الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّسْمِيَةِ الْبَرَكَةُ، وَلَا تُطْلَبُ فِيهِمَا لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا. (وَلَا يُجْزِئُ عَنْ نِيَّةِ غَسْلِهِمَا نِيَّةُ وُضُوءٍ) ، وَلَا نِيَّةُ غُسْلٍ، (لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُفْرَدَةٌ) ، لَا مِنْ الْوُضُوءِ، بِدَلِيلِ جَوَازِ تَقْدِيمِهَا عَلَى الْوُضُوءِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْهُ لَمْ تَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ كَذَلِكَ. وَسُنَّ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى لِخَبَرِ " وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ " تَنْبِيهٌ: إذَا اسْتَيْقَظَ أَسِيرٌ فِي مَطْمُورَةٍ أَوْ أَعْمَى أَوْ أَرْمَدُ مِنْ نَوْمٍ لَا يَدْرِي أَنَوْمُ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ: لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُمَا، لِأَنَّهُ شَكَّ فِي الْمُوجِبِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، (وَغَسْلُهُمَا لِمَعْنًى فِيهِمَا) غَيْرُ مَعْقُولٍ لَنَا (فَلَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ الْإِنَاءَ لَمْ يَصِحَّ) وُضُوءُهُ (وَفَسَدَ مَا حَصَلَ فِيهِمَا) مِنْ الْمَاءِ كَذَا فِي الْإِقْنَاعِ " وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِ جَمْعٍ مِنْ أَنَّ حُصُولَهُ فِي بَعْضِهَا كَحُصُولِهِ فِي كُلِّهَا، وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ الْمَاءُ فِي جَمِيعِ الْيَدِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا وَتَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ مِنْهُ بِالْغَمْسِ فِيهِ، وَلَمْ يَنْوِ غَسْلَهُمَا، أَوْ كَانَ قَلِيلًا فَصَمَدَ أَعْضَاءَهُ لَهُ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ غَسْلِهِمَا (وَيَسْقُطُ غَسْلُهُمَا، وَالتَّسْمِيَةُ فِيهِ سَهْوًا) كَالْوُضُوءِ وَأَوْلَى (وَيَتَّجِهُ أَوْ) - أَيْ: - وَكَذَلِكَ تَسْقُطُ التَّسْمِيَةُ (جَهْلًا) لِحَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ» (قِيَاسًا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وَاجِبِ صَلَاةٍ) مِنْ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ وَنَحْوِهَا، (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ مَا حَصَلَ فِيهِمَا) مِنْ الْمَاءِ (إذَنْ) - أَيْ: حَالَ السَّهْوِ أَوْ الْجَهْلِ - (لِلْمَشَقَّةِ) لِكَثْرَةِ وُرُودِ السَّهْوِ، وَاسْتِيلَاءِ الْجَهْلِ عَلَى الْإِنْسَانِ. قَالَ تَعَالَى {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72] وَهَذَا مُتَّجَهٌ. وَقَوْلُهُ: (وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ) أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُمَا (فِي الْأَثْنَاءِ) - أَيْ: أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ - لَزِمَهُ غَسْلُهُمَا (وَأَعَادَ) وُضُوءَهُ كَمَا لَوْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ، (وَ) لَوْ ذَكَرَ (بَعْدَ الْفَرَاغِ) مِنْ الْوُضُوءِ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُمَا صَحَّ، (ثُمَّ) إنْ (أَرَادَ طَهَارَةً) أُخْرَى (لَزِمَهُ غَسْلُهُمَا) إنْ كَانَ (ذَاكِرًا) وَقْتَ إرَادَتِهِ الطَّهَارَةَ فِيهِ مَا فِيهِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": فَرْعٌ: إذَا نَسِيَ غَسْلَهُمَا سَقَطَ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُفْرَدَةٌ وَإِنْ وَجَبَ، قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَأْنِفُ وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الْأَثْنَاءِ بَلْ وَلَا يَغْسِلُهُمَا بَعْدُ، بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّهَا مِنْهُ. انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يَصِحُّ غَسْلُ جُنُبٍ مَعَ عَمْدِ) هـ تَرَكَ غَسْلَهُمَا حَيْثُ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا وَانْغَمَسَ فِيهِ، أَوْ قَلِيلًا وَلَمْ يَغْمِسْهَا كُلَّهَا فِيهِ، صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّرْحِ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) سُنَّ (بُدَاءَةٌ قَبْلَ غَسْلِ وَجْهٍ بِمَضْمَضَةٍ) بِيَمِينِهِ، (فَاسْتِنْشَاقٍ بِيَمِينِهِ وَاسْتِنْثَارٍ) - بِالْمُثَلَّثَةِ: مِنْ النَّثْرَةِ، وَهُوَ: طَرَفُ الْأَنْفِ - أَوْ هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 بِيَسَارِهِ، لِحَدِيثِ «عَلِيٍّ أَنَّهُ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَنَثَرَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، فَفَعَلَ هَذَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: هَذَا طَهُورُ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا. (وَمُبَالَغَةٌ فِيهِمَا) - أَيْ: فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ - (لِغَيْرِ صَائِمٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بَالِغَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَتُكْرَهُ) الْمُبَالَغَةُ (لَهُ) - أَيْ: الصَّائِمِ - لِلْخَبَرِ. (وَ) تُسَنُّ الْمُبَالَغَةُ (فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ مُطْلَقًا) أَيْ: مَعَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، (وَهِيَ) أَيْ: الْمُبَالَغَةُ (فِي مَضْمَضَةٍ إدَارَةُ الْمَاءِ بِجَمِيعِ الْفَمِ بِحَيْثُ يَبْلُغُ بِهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - (أَقْصَى حَنَكٍ وَوَجْهَيْ أَسْنَانٍ وَلِثَةٍ، وَ) الْمُبَالَغَةُ (فِي اسْتِنْشَاقٍ جَذْبُهُ) - أَيْ: الْمَاءِ - (بِنَفَسِهِ إلَى أَقْصَى أَنْفٍ، وَالْوَاجِبُ) فِي الْمَضْمَضَةِ (مُجَرَّدُ الْإِدَارَةِ) لِلْمَاءِ فِي فَمِهِ، (وَ) الْوَاجِبُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ (جَذْبُهُ إلَى بَاطِنِ أَنْفٍ) وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَقْصَاهُ. (وَلَهُ بَعْدَ) إدَارَةِ الْمَاءِ فِي فَمِهِ (بَلْعُهُ) وَلَفْظُهُ، لِأَنَّ الْغَسْلَ قَدْ حَصَلَ. (لَا) أَيْ: لَيْسَ لَهُ (جَعْلُ مَضْمَضَةٍ وُجُودًا بِلَا إدَارَةٍ) فِي فَمِهِ، (وَ) لَا جَعْلُ (اسْتِنْشَاقٍ سَعُوطًا) ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى مَضْمَضَةً وَلَا اسْتِنْشَاقًا. (وَ) الْمُبَالَغَةُ (فِي غَيْرِهِمَا) - أَيْ: غَيْرِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ - (دَلْكُ مَا) ، أَيْ: الْمَوْضِعِ الَّذِي (يَنْبُو عَنْهُ الْمَاءُ) ، أَيْ: لَا يَطْمَئِنُّ عَلَيْهِ. (وَتَخْلِيلُ لِحْيَةٍ كَثِيفَةٍ) - بِالْمُثَلَّثَةِ - (عِنْدَ غَسْلِهَا) ، أَيْ: اللِّحْيَةِ، (وَإِنْ شَاءَ) يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ (إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ نَصًّا) ، وَيَكُونُ ذَلِكَ (ب) أَخْذِ (كَفٍّ مِنْ مَاءٍ يَضَعُهُ مِنْ تَحْتِهَا بِأَصَابِعِهِ مُتَشَبِّكَةً) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ وَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (أَوْ) يَضَعُهُ (مِنْ جَانِبَيْهَا وَيَعْرُكُهَا) ، أَيْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 لِحْيَتَهُ. (وَكَذَا عَنْفَقَةٌ وَشَارِبٌ وَحَاجِبَانِ وَلِحْيَةُ أُنْثَى وَخُنْثَى) ، يُسَنُّ تَخْلِيلُهَا إذَا كَثُفَتْ. (وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ بَعْدَ) مَسْحِ (رَأْسٍ بِمَاءٍ جَدِيدٍ) ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ، فَأَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ الَّذِي لِرَأْسِهِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ. (وَتَخْلِيلُ أَصَابِعِ يَدَيْنِ وَ) أَصَابِعِ (رِجْلَيْنِ) ، لِحَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ «وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ» قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ فِي الرِّجْلَيْنِ آكَدُ. فَالتَّخْلِيلُ (فِي يَدَيْنِ: بِالتَّشْبِيكِ، وَفِي رِجْلَيْنِ: يَبْدَأُ بِالْيُمْنَى مِنْ خِنْصَرِهَا إلَى إبْهَامِهَا، وَ) يَبْدَأُ (بِالْيَسَرَيْ مِنْ إبْهَامِهَا إلَى خِنْصَرِهَا) - قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " - (لِيَحْصُلَ التَّيَامُنُ) فِي التَّخْلِيلِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: مِنْ أَسْفَلِ الرِّجْلِ. (وَمُجَاوَزَةُ مَحَلِّ فَرْضٍ بِغَسْلِ صَفْحَةِ عُنُقٍ مَعَ) غَسْلِ (مُقَدِّمَاتِ رَأْسٍ) فِي غَسْلِ الْوَجْهِ، وَيَغْسِلُ (عَضُدَيْنِ) فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ، (وَ) يَغْسِلُ (سَاقَيْنِ) مَعَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ، لِمَا رَوَى نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ " أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إلَى السَّاقَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ؛ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْهُ " سَمِعْتُ خَلِيلِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ» . وَلَا يُسَنُّ مَسْحُ عُنُقٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَلَا) يُسَنُّ (تَكْرَارُ مَسْحِ رَأْسٍ وَلَا) مَسْحِ (أُذُنٍ) ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ وَاحِدَةً، وَكَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد: أَحَادِيثُ عُثْمَانَ الصِّحَاحُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا الْوُضُوءَ ثَلَاثًا، وَقَالُوا فِيهَا: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا كَمَا ذَكَرُوا فِي غَيْرِهِ. (وَغَسْلَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ثَانِيَةٌ) وَغَسْلَةٌ (ثَالِثَةٌ) ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي الْبَابِ وَأَصَحُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً مَرَّةً» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. وَيَعْمَلُ فِي عَدَدِ الْغَسَلَاتِ بِالْيَقِينِ، وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَالِاثْنَتَانِ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَالثَّلَاثَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاحِدَةِ. (وَكُرِهَ فَوْقَهَا) - أَيْ: الثَّلَاثَةِ - لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهُ عَنْ الْوُضُوءِ، فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: هَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. قَالَ الْأَبِيُّ: أَسَاءَ الْأَدَبَ الشَّرْعِيَّ، وَتَعَدَّى مَا حُدَّ لَهُ، وَظَلَمَ فِي إتْلَافِ الْمَاءِ وَوَضْعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. (وَلَا) يُكْرَهُ (غَسْلُ بَعْضِ أَعْضَاءٍ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ) ، قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. (وَقَدْ يُطْلَبُ تَرْكُ تَثْلِيثٍ) لِغَرَضٍ، (كَضِيقِ وَقْتٍ) خَشِيَ خُرُوجَهُ بِفِعْلِهِ التَّثْلِيثَ، (أَوْ قِلَّةِ مَاءٍ) ، بِحَيْثُ لَوْ ثَلَّثَ لَا يَكْفِي جَمِيعَ أَعْضَائِهِ. (وَمِنْ السُّنَنِ) فِي الْوُضُوءِ (أَيْضًا التَّيَامُنُ) - أَيْ: الْبُدَاءَةُ بِالْأَيْمَنِ - (بَيْنَ غَسْلِ يَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ حَتَّى لِقَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ) ، فَيَغْسِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى. (وَبَيْنَ الْأُذُنَيْنِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ: يَمْسَحُهُمَا) أَيْ: أُذُنَيْهِ (مَعًا) قَالَهُ الْأَزَجِيُّ. (وَ) سُنَّ (تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى مَسْنُونَاتِهِ) إذَا وُجِدَتْ قَبْلَ الْوَاجِبِ، (وَاسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا) - أَيْ: النِّيَّةِ - (إلَى آخِرِهِ) - أَيْ: الْوُضُوءِ - (وَنُطْقٌ بِهَا سِرًّا) ، وَيَأْتِي. (وَقَوْلُ) مُتَوَضِّئٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ مَعَ رَفْعِ بَصَرِهِ) إلَى السَّمَاءِ (كَمَا يَأْتِي) فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْبَابِ. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 (وَ) سُنَّ (تُوَلِّيهِ وُضُوءَهُ بِنَفْسِهِ بِلَا مُعَاوَنَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَكِلُ طَهُورَهُ إلَى أَحَدٍ، وَلَا صَدَقَتَهُ الَّتِي يَتَصَدَّقُ بِهَا إلَى أَحَدٍ يَكُونُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَالزِّيَادَةُ فِي مَاءِ الْوَجْهِ) لِيَسْتَيْقِنَ تَعْمِيمَهُ. [بَابُ الْوُضُوءِ] (بَابُ الْوُضُوءِ) بِضَمِّ الْوَاوِ: فِعْلُ الْمُتَوَضِّئِ، مِنْ الْوَضَاءَةِ، وَهِيَ: النَّظَافَةُ وَالْحُسْنُ، لِأَنَّهُ يُنَظِّفُ الْمُتَوَضِّئَ وَيُحَسِّنُهُ، وَبِفَتْحِهَا: الْمَاءُ يُتَوَضَّأُ بِهِ: (اسْتِعْمَالُ مَاءٍ طَهُورٍ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ) الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ، (عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) ، (ك) كَوْنِهِ (بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ وَتَرْتِيبٍ وَمُوَالَاةٍ) وَتَأْتِي مُفَصَّلَةً. وَالْحِكْمَةُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْوُضُوءِ دُونَ غَيْرِهَا أَنَّهَا أَسْرَعُ مَا يَتَحَرَّكُ فِي الْبَدَنِ لِلْمُخَالَفَةِ، فَأَمَرَ بِغَسْلِهَا ظَاهِرًا تَنْبِيهًا عَلَى طَهَارَتِهَا الْبَاطِنَةِ وَرَتَّبَ غَسْلَهَا عَلَى تَرْتِيبِ سُرْعَةِ الْحَرَكَةِ فِي الْمُخَالَفَةِ، فَأَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ وَفِيهِ الْفَمُ وَالْأَنْفُ، فَابْتُدِئَ بِالْمَضْمَضَةِ، لِأَنَّ اللِّسَانَ أَكْثَرُ الْأَعْضَاءِ وَأَشَدُّهَا حَرَكَةً، إذْ غَيْرُهُ رُبَّمَا سَلِمَ، وَهُوَ كَثِيرُ الْعَطْبِ قَلِيلُ السَّلَامَةِ غَالِبًا، ثُمَّ بِالْأَنْفِ، لِيَتُوبَ عَمَّا يَشُمُّ بِهِ، ثُمَّ بِالْوَجْهِ لِيَتُوبَ عَمَّا نَظَرَ، ثُمَّ بِالْيَدَيْنِ لِيَتُوبَ عَنْ الْبَطْشِ، ثُمَّ خَصَّ الرَّأْسَ بِالْمَسْحِ لِأَنَّهُ مُجَاوِزٌ لِمَا تَقَعُ مِنْهُ الْمُخَالَفَةُ، ثُمَّ بِالْأُذُنِ لِأَجْلِ السَّمَاعِ، ثُمَّ بِالرِّجْلِ لِأَجْلِ الْمَشْيِ، ثُمَّ أَرْشَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ. (وَفُرِضَ) الْوُضُوءُ (مَعَ الصَّلَاةِ) لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. (وَيَجِبُ بِحَدَثٍ عِنْدَ إرَادَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ) ، كَطَوَافٍ وَصَلَاةٍ وَنَحْوِهِمَا، (وَيَحِلُّ) الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ (جَمِيعَ بَدَنٍ كَجَنَابَةٍ) ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَابْنُ عَقِيلٍ. (فَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ) حَتَّى غَيْرَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، (وَلَا بِعُضْوٍ غَسَلَهُ) بِالْوُضُوءِ حَتَّى يُتِمَّ وُضُوءَهُ، (وَلَوْ قُلْنَا بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُ) بِغَسْلِهِ، كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ، (فَإِنَّمَا هُوَ) - أَيْ: الْقَوْلُ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُ - (لِعَدَمِ تَأَثُّرِ مَاءٍ) طَهُورٍ قَلِيلٍ (بِغَمْسِهِ) فِيهِ بَعْدَ غَسْلِهِ، فَلَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَلِعَدَمِ وُجُوبِ إعَادَةِ غَسْلِهِ. (وَتَجِبُ فِيهِ تَسْمِيَةٌ، وَهِيَ) قَوْلُ: (بِسْمِ اللَّهِ) فِي الْوُضُوءِ، (لَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا كَالرَّحْمَنِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - يَعْنِي حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - وَسُئِلَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: أَيُّ حَدِيثٍ أَصَحُّ فِي التَّسْمِيَةِ؟ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ. وَمَحَلُّهَا اللِّسَانُ، وَوَقْتُهَا بَعْدَ النِّيَّةِ، (وَتَسْقُطُ سَهْوًا) نَصَّا لِحَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ» ، وَكَوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، كَمَا تَجِبُ (فِي غُسْلٍ) وَتَيَمُّمٍ، وَتَسْقُطُ فِي الثَّلَاثَةِ سَهْوًا نَصًّا، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَغَايَرُ أَفْعَالُهَا، فَكَانَ مِنْ وَاجِبَاتِهَا مَا يَسْقُطُ سَهْوًا كَالصَّلَاةِ (وَيَتَّجِهُ وَ) تَسْقُطُ أَيْضًا (جَهْلًا كَمَا مَرَّ) فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: مُقْتَضَى قِيَاسِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ سُقُوطُهَا جَهْلًا، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ، وَالظَّاهِرُ إجْزَاؤُهَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَوْ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا كَالزَّكَاةِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. انْتَهَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (إنْ ذَكَرَهَا) - أَيْ: التَّسْمِيَةَ - (فِي الْأَثْنَاءِ) ، أَيْ: أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ، (ابْتَدَأَ وَلَا يَبْنِي) عَلَى مَا غَسَلَهُ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 عَلَى جَمِيعِهِ فَوَجَبَ كَمَا لَوْ ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِهِ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ - حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي أَثْنَائِهِ سَمَّى وَبَنَى (وَيَتَّجِهُ) وُجُوبُ اسْتِيثَاقِهِ وَعَدَمُ بِنَائِهِ (إلَّا مَعَ ضِيقِ وَقْتٍ) عَنْ فِعْلِ مَكْتُوبَةٍ، (أَوْ قِلَّةِ مَاءٍ) فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنْ بِنَائِهِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ طَهُورِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا عُفِيَ عَنْهَا مَعَ السَّهْوِ فِي جُمْلَةِ الطَّهَارَةِ فَفِي بَعْضِهَا مَعَ سَهْوٍ انْضَمَّ إلَيْهِ ضِيقُ الْوَقْتِ، أَوْ قِلَّةُ الْمَاءِ أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَتَكْفِي إشَارَةُ أَخْرَسَ وَنَحْوِهِ) كَمُعْتَقَلٍ لِسَانُهُ (بِهَا) - أَيْ: بِالتَّسْمِيَةِ - بِرَأْسِهِ أَوْ بِطَرْفِهِ أَوْ أُصْبُعِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ مَا يُمْكِنُهُ (وَيَتَّجِهُ: احْتِمَالُ الصِّحَّةِ) - أَيْ: صِحَّةِ الْوُضُوءِ مِنْ الْأَخْرَسِ - (لَوْ سَمَّى بِقَلْبِهِ) لِعَجْزِهِ عَنْ النُّطْقِ، وَلَوْ (تَرَكَ الْإِشَارَةَ عَمْدًا) لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِهَا بِقَلْبِهِ قَامَ مَقَامَ نُطْقِهِ، لَكِنَّ نُصُوصَهُمْ طَافِحَةٌ بِاعْتِبَارِ الْإِشَارَةِ مِنْهُ، فَمُقْتَضَاهَا عَدَمُ الصِّحَّةِ بِدُونِهَا. (وَفُرُوضُهُ) - أَيْ: الْوُضُوءِ - جَمْعُ: فَرْضٍ وَهُوَ: مَا يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَالْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهِ. (وَلَا يَسْقُطُ) الْفَرْضُ (سَهْوًا أَوْ جَهْلًا وَكَذَا كُلُّ فَرْضِ عِبَادَةٍ) كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِ الْحَجِّ، فَلَا تَسْقُطُ سَهْوًا وَلَا جَهْلًا: (سِتَّةٌ) - خَبَرُ فُرُوضِهِ -: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 (أَحَدُهَا: غَسْلُ الْوَجْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] (وَمِنْهُ) أَيْ: الْوَجْهِ (دَاخِلُ فَمٍ وَأَنْفٌ) ، لِدُخُولِهِمَا فِي حَدِّهِ، وَكَوْنِهِمَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ بِدَلِيلِ غَسْلِهِمَا مِنْ النَّجَاسَةِ، وَفِطْرِ الصَّائِمِ بِعَوْدِ الْقَيْءِ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِمَا وَأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِوُصُولِ شَيْءٍ إلَيْهِمَا. (وَ) الثَّانِي: (غَسْلُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ) {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وَكَلِمَةُ إلَى: تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَعَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] وَفِعْلُهُ أَيْضًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَيِّنُهُ، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ» . (وَ) الثَّالِثُ: (مَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَالْبَاءُ فِيهِ لِلْإِلْصَاقِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ (وَمِنْهُ) - أَيْ: الرَّأْسِ - (الْأُذُنَانِ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ مَرْفُوعًا «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» فَيَجِبُ مَسْحُهُمَا. (وَ) الرَّابِعُ: (غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] وَهُوَ وَاضِحٌ عَلَى النَّصْبِ، وَأَمَّا الْجَرُّ: فَقِيلَ بِالْجِوَارِ، وَالْوَاوُ تَأْبَاهُ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْمَسْحُ عِنْدَ الْعَرَبِ غَسْلٌ وَمَسْحٌ، فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا تَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُجْمَلِ. وَصِحَاحُ الْأَحَادِيثِ تَبْلُغُ التَّوَاتُرَ فِي وُجُوبِ غَسْلِهَا، وَقِيلَ: لَمَّا كَانَتْ الْأَرْجُلُ فِي مَظِنَّةِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مَذْمُومٌ، عَطَفَهَا عَلَى الْمَمْسُوحِ لَا لِتُمْسَحَ، بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى مِقْدَارِ الْمَطْلُوبِ، ثُمَّ قِيلَ: إلَى الْكَعْبَيْنِ، دَفْعًا لِظَنِّ ظَانٍّ أَنَّهَا مَمْسُوحَةٌ، لِأَنَّ الْمَسْحَ لَمْ يُضْرَبْ لَهُ غَايَةٌ فِي الشَّرْعِ. وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ قَالَ " أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ " وَقَالَتْ عَائِشَةُ " لَأَنْ تُقْطَعَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحَ الْقَدَمَيْنِ " وَهَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ لَابِسِ الْخُفِّ، وَأَمَّا لَابِسُهُ فَغَسْلُهُمَا لَيْسَ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فِي حَقِّهِ. (وَ) الْخَامِسُ: (تَرْتِيبٌ بَيْنَ أَعْضَاءِ وُضُوءٍ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى) لِأَنَّهُ تَعَالَى أَدْخَلَ الْمَمْسُوحَ بَيْنَ الْمَغْسُولَاتِ، وَلَا يُعْلَمُ لِهَذَا فَائِدَةٌ غَيْرُ التَّرْتِيبِ، وَالْآيَةُ سِيقَتْ لِبَيَانِ الْوَاجِبِ، «وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَتَّبَ الْوُضُوءَ، وَقَالَ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ، فَكَانَ التَّرْتِيبُ مُعْتَبَرًا فِيهِ، كَالصَّلَاةِ يَجِبُ فِيهَا الرُّكُوعُ قَبْلَ السُّجُودِ. (فَإِنْ نَكَّسَ) وُضُوءَهُ، فَبَدَأَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ قَبْلَ وَجْهِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يُحْسَبُ بِمَا غَسَلَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ قَبْلَهُ لِفَوَاتِ التَّرْتِيبِ، وَإِنْ بَدَأَ بِرِجْلَيْهِ وَخَتَمَ بِوَجْهِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا غَسْلُ وَجْهِهِ، وَإِنْ تَوَضَّأَ مَنْكُوسًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ صَحَّ وُضُوءُهُ إذَا كَانَ مُتَقَارِبًا، يَحْصُلُ لَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ غَسْلُ عُضْوٍ. وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: " مَا أُبَالِي إذَا تَمَّمْتُ وُضُوئِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْتُ " قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا عَنَى بِهِ الْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى، لَانَ مَخْرَجَهُمَا فِي الْكِتَابِ وَاحِدٌ. وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ " أَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ: أَحَدُنَا يَسْتَعْجِلُ فَيَغْسِلُ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ، فَقَالَ: لَا حَتَّى يَكُونَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى " (أَوْ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ دَفْعَةً) وَاحِدَةً (لَمْ يَصِحَّ إلَّا غَسْلُ وَجْهِهِ) وَكَذَا لَوْ وَضَّأَهُ أَرْبَعَةٌ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ التَّرْتِيبُ، لَا عَدَمُ التَّنْكِيسِ، وَلَمْ يُوجَدْ التَّرْتِيبُ. (وَلَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٌ كَثِيرٍ) رَاكِدٍ أَوْ جَارٍ (نَاوِيًا) رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ (لَمْ يَصِحَّ) وُضُوءُهُ، وَلَوْ مَكَثَ فِيهِ قَدْرًا يَسَعُ التَّرْتِيبَ، أَوْ مَرَّتْ عَلَيْهِ مِنْ الْجَارِي أَرْبَعُ جَرْيَاتٍ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ، (حَتَّى يَخْرُجَ مُرَتِّبًا) نَصًّا، فَيُخْرِجُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ رِجْلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ، وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُمَا قَبْلَ انْفِصَالِهِ. (وَ) السَّادِسُ: (مُوَالَاةٌ) مَصْدَرُ وَالَى الشَّيْءَ يُوَالِيهِ إذَا تَابَعَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 (وَهِيَ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَجِفَّ مَا قَبْلَهُ) ، فَلَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ الْيَدَيْنِ حَتَّى يَجِفَّ الْوَجْهُ، وَلَا مَسْحَ الرَّأْسِ حَتَّى تَجِفَّ الْيَدَانِ، وَلَا غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ حَتَّى يَجِفَّ الرَّأْسُ لَوْ كَانَ مَغْسُولًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ مَسْحَ الرَّأْسِ حَتَّى يَجِفَّ الْوَجْهُ دُونَ الْيَدَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَيُتِمُّهُ صَحِيحًا (بِزَمَنٍ مُعْتَدِلِ) الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ (وَيَتَّجِهُ الِاعْتِبَارُ فِي) الزَّمَنِ (الْمُعْتَدِلِ) كَوْنُ اعْتِدَالِهِ (بِمَا بَيْنَ لَيْلٍ وَنَهَارٍ) ، بِأَنْ لَا يَزِيدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي حُلُولِ الشَّمْسِ فِي أَوَّلِ نُقْطَةٍ مِنْ بُرْجِ الْحَمَلِ، وَأَوَّلُ نُقْطَةٍ مِنْ بُرْجِ الْمِيزَانِ، فَيَكُونُ اللَّيْلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً وَالنَّهَارُ كَذَلِكَ، ثُمَّ فِي بَاقِي أَيَّامِ الْبُرْجَيْنِ، وَقُبَيْلَ دُخُولِهِمَا يَقْرُبُ مِنْهُمَا، وَيَكُونُ الزَّمَانُ فِي ذَيْنِكَ الْبُرْجَيْنِ وَقَبْلِهِمَا إلَى الِاعْتِدَالِ فِي الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ أَقْرَبُ فِي الْغَالِبِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَيُقَدَّرُ مَمْسُوحٌ) مِنْ رَأْسٍ وَجَبِيرَةٍ (مَغْسُولًا) فَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ مَثَلًا وَجَفَّ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ، فَالْمُوَالَاةُ بِحَالِهَا مَعَ قِصَرِ الْفَصْلِ أَمَّا إذَا طَالَ الْفَصْلُ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَ (مَغْسُولًا) لَجَفَّ، انْقَطَعَتْ الْمُوَالَاةُ، (أَوْ قُدِّرَ) زَمَنٌ (مُعْتَدِلٌ مِنْ غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الْمُعْتَدِلِ - مِنْ زَمَنٍ حَارٍّ أَوْ بَارِدٍ (وَيَضُرُّ) - أَيْ: تَفُوتُ الْمُوَالَاةُ - (إنْ جَفَّ عُضْوٌ) أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ غَسْلِ مَا بَعْدَهُ، أَوْ بَقِيَّتُهُ (لِاشْتِغَالٍ بِتَحْصِيلِ مَاءٍ) يُتِمُّ بِهِ وُضُوءَهُ، (أَوْ) جَفَّ ذَلِكَ ل (إسْرَافٍ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ لِلطَّهَارَةِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّمَنُ مُعْتَدِلًا أَوْ لَا (أَوْ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ) لَيْسَتْ بِمَحَلِّ التَّطْهِيرِ، (أَوْ) إزَالَةِ (وَسَخٍ وَنَحْوِهِ) ، كَجَبِيرَةٍ حَلَّهَا (لِغَيْرِ طَهَارَةٍ) ، بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا لَمْ يُؤَثِّرْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 لِأَنَّهُ إذَنْ مِنْ أَفْعَالِ الطَّهَارَةِ، (لَا) إنْ كَانَ اشْتِغَالُهُ (ل) تَحْصِيلِ (سُنَّةٍ) مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ، (كَتَخْلِيلِ) لِحْيَتِهِ وَأَصَابِعِهِ. (وَإِسْبَاغِ) ، أَيْ: إبْلَاغِهِ مَوَاضِعَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ، بِأَنْ يُؤْتِيَ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، (وَإِزَالَةِ شَكٍّ) ، بِأَنْ يُكَرِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ اسْتَكْمَلَ غَسْلَهُ، (أَوْ) إزَالَةِ (وَسْوَسَةٍ) لِأَنَّهَا شَكٌّ فِي الْجُمْلَةِ. [فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِوُضُوءٍ دُخُولُ وَقْتِ مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ] (فَصْلٌ) (وَيُشْتَرَطُ لِوُضُوءٍ دُخُولُ وَقْتِ مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ) لِغَرَضِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، لِأَنَّ طَهَارَتَهُ طَهَارَةُ عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ، فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ كَالتَّيَمُّمِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ لِفَائِتَةٍ أَوْ طَوَافٍ أَوْ نَافِلَةٍ، صَحَّ مَتَى أَرَادَهُ (أَوْ اسْتِنْجَاءٌ) بِمَاءٍ، (وَاسْتِجْمَارٌ) بِنَحْوِ حَجَرٍ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ بِدَلِيلِهِ، (وَ) يُشْرَعُ (لَهُ) أَيْ: الْوُضُوءِ (وَلِغُسْلٍ انْقِطَاعُ مَا يُوجِبُهُمَا) مِنْ خُرُوجِ خَارِجٍ مِنْ سَبِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَإِنْزَالٍ وَجِمَاعٍ وَانْتِقَالِ مَنِيٍّ وَانْقِطَاعِ قَيْءٍ وَنَحْوِهِ، لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ الصِّحَّةَ، (وَطَهُورِيَّةُ مَاءٍ) - كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمِيَاهِ - (مَعَ إبَاحَتِهِ) ، فَلَا يَصِحُّ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ بِنَحْوِ مَغْصُوبٍ، كَالصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ مُحَرَّمٍ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". فَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ عَالِمًا ذَاكِرًا يَأْتِي فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا صَحَّتْ لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ، وَالْمَاءُ الْمُسْبَلِ لِلشُّرْبِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَدَثٍ وَلَا نَجَسٍ بِبَدَنٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مِنْهُ وَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ مُسْتَوْفًى. (وَإِزَالَةُ مَانِعِ وُصُولٍ) - أَيْ: الْمَاءِ - عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِيَصِلَ إلَى الْبَشَرَةِ، (وَتَمْيِيزٌ) لِأَنَّهُ أَدْنَى سِنٍّ يُعْتَبَرُ قَصْدُ الصَّغِيرِ فِيهِ شَرْعًا، فَلَا يَصِحُّ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ، (وَكَذَا) يُشْتَرَطُ لِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ (إسْلَامٌ وَعَقْلٌ لِغَيْرِ كِتَابِيَّةٍ وَمَجْنُونَةٍ غَسَلَتَا مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ) كَنِفَاسٍ (لِحِلِّ وَطْءٍ) لِحَلِيلٍ مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 (السَّابِعُ: نِيَّةٌ) ، لِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَيْ: لَا عَمَلَ جَائِزٌ وَلَا فَاضِلٌ إلَّا بِهَا، (وَهِيَ) أَيْ: النِّيَّةُ (شَرْطٌ لِطَهَارَةِ كُلِّ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، (وَتَيَمُّمٍ وَلِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ مُسْتَحَبَّيْنِ، وَغُسْلِ مَيِّتٍ) ، لِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى الثَّوَابِ فِي كُلِّ طَهَارَةٍ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ لِلتَّمْيِيزِ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَمِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ، وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فَنِيَّةُ الصَّلَاةِ تَضَمَّنَتْهُمَا، لِوُجُودِهِمَا فِيهَا حَقِيقَةً، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ حُكْمُهُ، وَهُوَ: ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ لَا حَقِيقَتِهِ، لِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ، وَكَانَ مُتَوَضِّئًا، وَدَامَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ، بِخِلَافِ السَّتْرِ وَالِاسْتِقْبَالِ. و (لَا) تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِغَسْلِ (خَبَثٍ) - أَيْ نَجَاسَةٍ - لِأَنَّهَا مِنْ التُّرُوكِ، (وَلَا) ل (طَهَارَةِ كِتَابِيَّةٍ) لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ مُسْلِمٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جَنَابَةٍ، فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهَا النِّيَّةُ لِلْعُذْرِ، (وَ) لَا طَهَارَةِ (مُسْلِمَةٍ مُمْتَنِعَةٍ مِنْ غُسْلِ نَحْوِ حَيْضٍ) وَنِفَاسٍ (فَتُغْسَلُ مُسْلِمَةٌ قَهْرًا) لِحَقِّ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، (وَتُغْسَلُ كِتَابِيَّةٌ) كَذَلِكَ. (وَلَا نِيَّةَ) ، أَيْ: وَلَا تَسْمِيَةَ مُعْتَبَرَةٌ هُنَا، صَرَّحَ بِهِ الْحَجَّاوِيُّ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ (لِلْعُذْرِ) كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ زَكَاةٍ (وَلَا تَسْتَبِيحُ) الْمُسْلِمَةُ الْمُمْتَنِعَةُ (بِهِ) - أَيْ: بِالْغُسْلِ الْمَذْكُورِ - (نَحْوَ صَلَاةٍ) ، كَطَوَافٍ وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ وَطْؤُهَا لِحَقِّ زَوْجِهَا فِيهِ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْمَنْعِ. وَلَا يَنْوِي عَنْهَا، لِعَدَمِ تَعَذُّرِهِ مِنْهَا، وَمَحَلُّهُ (حَيْثُ كَانَ) ذَلِكَ الْغُسْلُ لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ، لِعَدَمِ وُجُودِ النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، لَا إنْ كَانَ غُسْلُهُ إيَّاهَا (لِدَاعِي الشَّرْعِ) بِأَنْ نَوَى بِهِ التَّقَرُّبَ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا تَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ، لِوُجُودِ النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 (وَيَنْوِي) لِغُسْلٍ (عَنْ مَيِّتٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ. (وَ) عَنْ (مَجْنُونَةٍ) مُسْلِمَةٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ حَاضَتْ وَنَحْوَهُ، (غُسْلًا) ، لِتَعَذُّرِ النِّيَّةِ مِنْهُمَا (وَيَتَّجِهُ لَوْ أَفَاقَتْ) مَجْنُونَةٌ، نَوَى عَنْهَا غَاسِلُهَا وَسَمَّى (لَا يُعَادُ) غُسْلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِقِيَامِ نِيَّةٍ عَنْهَا مَقَامَ نِيَّتِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِهَا مِنْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، بَلْ مُصَرَّحٌ بِهِ. (وَمَحَلُّهَا) أَيْ: النِّيَّةِ (الْقَلْبُ، فَلَا يَضُرُّ سَبْقُ لِسَانٍ بِغَيْرِ مَنْوِيٍّ) ، كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْتُ الْوُضُوءَ، فَيَقُولَ: نَوَيْتُ الصَّلَاةَ، (وَسُنَّ لَا لِنَحْوِ مُفَارِقٍ) لِإِمَامِهِ (فِي أَثْنَاءِ صَلَاةٍ) كَمُعْتَكِفٍ نَوَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي، (نُطْقٌ بِهَا) - أَيْ: النِّيَّةِ - (سِرًّا فِي كُلِّ عِبَادَةٍ) ، كَوُضُوءٍ وَصَلَاةٍ وَتَيَمُّمٍ وَنَحْوِهَا، لِيُوَافِقَ فِعْلُ اللِّسَانِ الْقَلْبَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ أَوْلَى عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَ " التَّلْخِيصُ " وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ، (وَإِنْ كَانَ) النُّطْقُ بِهَا (خِلَافَ الْمَنْصُوصِ) عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَجَمْعٍ مُحَقِّقِينَ. (وَكَرِهَ جَهْرٌ) بِهَا (وَتَكْرَارُهَا) ، (بَلْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (إنَّهُ) - أَيْ: الْجَهْرُ بِالنِّيَّةِ وَتَكْرَارُهَا - (مَنْهِيٌّ عَنْهُ عِنْدَ) الْإِمَامِ (الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَفَاعِلُهُ مُسِيءٌ) وَإِنْ اعْتَقَدَهُ دِينًا خَرَجَ مِنْ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَجِبُ نَهْيُهُ، وَيُعْزَلُ عَنْ الْإِمَامَةِ إنْ لَمْ يَنْتَهِ. وَقَالَ: مَنْ اعْتَادَهُ يَنْبَغِي تَأْدِيبُهُ، وَيَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ، لَا سِيَّمَا إنْ آذَى بِهِ أَوْ كَرَّرَهُ، (وَقَالَ) (مُحَمَّدٌ شَمْسُ الدِّينِ ابْنُ الْقَيِّمِ: لَمْ يَكُنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: نَوَيْتُ ارْتِفَاعَ الْحَدَثِ، وَلَا اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ) بَلْ (وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ) وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ حَرْفٌ وَاحِدٌ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ. (وَيَجِبُ تَقَدُّمُهَا) - أَيْ: النِّيَّةِ - (عَلَى تَسْمِيَةٍ وَتَقَدُّمُهُمَا) - أَيْ: النِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ - (عَلَى الْوَاجِبِ) ، فَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْوَاجِبَاتِ قَبْلَهُمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ، (وَسُنَّا) - أَيْ: النِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ - (عِنْدَ أَوَّلِ الْمَسْنُونِ وَقَبْلِهِ) - أَيْ: الْمَسْنُونِ - كَغَسْلِ الْكَفَّيْنِ، لِتَشْمَلَ النِّيَّةُ فَرْضَ الْوُضُوءِ وَسَنَّتَهُ، فَيُثَابُ عَلَيْهَا. (وَيَضُرُّ تَقَدُّمُ) النِّيَّةِ (بِزَمَنٍ كَثِيرٍ عُرْفًا) كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، (وَسُنَّ اسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا) بِقَلْبِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَحْضِرًا لَهَا (فِي جَمِيعِ الْعِبَادَةِ) ، لِتَكُونَ أَفْعَالُهُ كُلُّهَا مُقْتَرِنَةً بِالنِّيَّةِ، وَالذِّكْرُ: بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي مُثَلَّثِهِ " وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ ضِدُّ الْإِنْصَاتِ، وَذَالُهُ مَكْسُورَةٌ، وَبِالْقَلْبِ ضِدُّ النِّسْيَانِ، وَذَالُهُ مَضْمُومَةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُمَا لُغَتَانِ. (وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِصْحَابِ حُكْمِهَا، بِأَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا فَيَضُرُّ إنْ نَوَاهُ) - أَيْ: قَطْعَهَا (وَيَحْرُمُ) قَطْعُهَا (فِي وَاجِبٍ) ، يَضُرُّ (إنْ ذَهِلَ عَنْهَا أَوْ غَرُبَتْ عَنْ خَاطِرِهِ) ، فَلَا يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الطَّهَارَةِ كَمَا لَا يُؤَثِّرْ فِي الصَّلَاةِ، وَمَحَلُّهُ: إنْ لَمْ يَنْوِ بِالْغُسْلِ نَحْوَ تَنْظِيفٍ أَوْ تَبَرُّدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. (وَإِنْ فَرَّقَهَا) - أَيْ: النِّيَّةَ - عَلَى أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ، بِأَنْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ عِنْدَ غَسْلِهِ أَوْ مَسْحِهِ (صَحَّ) وُضُوءُهُ، لِوُجُودِ النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، (وَإِنْ جَعَلَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ، وَنَوَى) ارْتِفَاعَ الْحَدَثِ (الْأَصْغَرِ، ثُمَّ ذَكَرَ) الْحَدَثَ (الْأَكْبَرَ) أَيْضًا (فَنَوَاهُمَا) - أَيْ: الْحَدَثَيْنِ مَعًا - (ارْتَفَعَا) لِأَنَّهُ لَا يَزَالُ طَهُورًا إلَى أَنْ يَنْفَصِلَ. (حَتَّى وَلَوْ لَبِثَ) الْمَاءُ (فِي فَمِهِ فَتَغَيَّرَ) مِنْ رِيقِهِ. (وَإِنْ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ بِنِيَّةِ تَبَرُّدٍ ثُمَّ أَعَادَهُ) - أَيْ: الْغُسْلَ - بِنِيَّةِ تَبَرُّدٍ وَجَعَلَهُ (بِنِيَّةِ وُضُوءٍ) مَعَ قِصَرِ فَصْلٍ (أَجْزَأَهُ) ذَلِكَ لِبَقَاءِ الْمُوَالَاةِ، (وَإِنْ أَبْطَلَهَا) - أَيْ: النِّيَّةَ - فِي أَثْنَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الْعِبَادَةِ بَطَلَ مَا مَضَى مِنْهَا، (أَوْ شَكَّ فِيهَا فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ) (اسْتَأْنَفَ) الْعِبَادَةَ مِنْ أَوَّلِهَا، وَمَتَى عَلِمَ أَنَّهُ جَاءَ لِيَتَوَضَّأَ أَوْ أَرَادَ فِعْلَ الْوُضُوءِ مُقَارِنًا لَهُ أَوْ سَابِقًا عَلَيْهِ قَرِيبًا مِنْهُ، فَقَدْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ، (لَا) شَكَّ فِي النِّيَّةِ (بَعْدَ فَرَاغٍ) مِنْ عِبَادَةٍ عَمَلًا بِالْيَقِينِ، (إلَّا إنْ تَحَقَّقَ تَرْكُهَا) - أَيْ: النِّيَّةِ فَيَسْتَأْنِفُ الْعِبَادَةَ لِخُلُوِّهَا مِنْهَا، (وَكَذَا) لَوْ طَرَأَ (شَكٌّ فِي غَسْلِ عُضْوٍ) فِي أَثْنَاءِ الطَّهَارَةِ، (أَوْ) فِي (مَسْحِ رَأْسٍ) قَبْلَ إتْمَامِ وُضُوءٍ، لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِمَا شَكَّ فِيهِ وَبِمَا بَعْدَهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إتْيَانِهِ بِهِ، (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الشَّكُّ (وَسْوَاسًا فَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ. (وَالنِّيَّةُ هُنَا) - أَيْ فِي الطَّهَارَةِ - (قَصْدُ رَفْعِ حَدَثٍ) بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، (وَلَا يَضُرُّ) مَعَ قَصْدِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ (تَشْرِيكُ) نِيَّةِ تَبَرُّدٍ (أَوْ) قَصْدُ (اسْتِبَاحَةِ مَاءٍ) أَيْ: فِعْلٌ (يَجِبُ لَهُ طَهَارَةٌ) كَصَلَاةٍ، (أَوْ تُسَنُّ لَهُ) الطَّهَارَةُ كَقِرَاءَةٍ. (وَتَتَعَيَّنُ) نِيَّةُ (الِاسْتِبَاحَةِ لِدَائِمِ حَدَثٍ) ، كَمُسْتَحَاضَةٍ، وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ قُرُوحٌ سَيَّالَةٌ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": يَنْوِي مَنْ حَدَثُهُ دَائِمُ الِاسْتِبَاحَةِ - عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ - (وَإِنْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ) بِطُرُوءِ حَدَثٍ (غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الْحَدَثِ الدَّائِمِ، كَمَا لَوْ كَانَ السَّلَسُ بَوْلًا وَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ - فَيَنْوِي الِاسْتِبَاحَةَ، لَا رَفْعَ الْحَدَثِ، لِمُنَافَاةِ الْخَارِجِ لَهُ صُورَةً، (وَلِأَنَّ طَهَارَتَهُ لَيْسَتْ رَافِعَةً) لِلْحَدَثِ الدَّائِمِ، وَإِنَّمَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ الطَّارِئَ، لِأَنَّ الدَّائِمَ إنَّمَا لَمْ يُنْتَقَضْ لِلضَّرُورَةِ، وَمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَجْدِ: هَذِهِ الطَّهَارَةُ تَرْفَعُ الْحَدَثَ الَّذِي أَوْجَبَهَا، أَيْ: الطَّارِئَ دُونَ الدَّائِمِ. (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " - حَيْثُ قَالَ: وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ. انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ مُطْلَقًا دَائِمًا كَانَ أَوْ طَارِئًا، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ. (وَفِي " الْمُبْدِعِ ": وَلَا يَحْتَاجُ) مَنْ حَدَثُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 دَائِم (إلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ لِلْفَرْضِ) ، لِأَنَّ طَهَارَتَهُ تَرْفَعُ الْحَدَثَ الطَّارِئَ (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ، (بَلْ لَوْ نَوَى) دَائِمُ الْحَدَثِ بِطَهَارَتِهِ (الِاسْتِبَاحَةَ لِصَلَاةٍ وَأَطْلَقَ) فَلَمْ يَقْصِدْ فَرْضًا وَلَا غَيْرَهُ (لَمْ يَسْتَبِحْ سِوَى نَفْلٍ) فَقَطْ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رَافِعَةً، فَهِيَ كَالتَّيَمُّمِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَرْتَفِعُ حَدَثٌ بِنِيَّةِ مَا تُسَنُّ لَهُ) الطَّهَارَةُ، (كَقِرَاءَةِ) قُرْآنٍ (وَذِكْرِ) اللَّهِ تَعَالَى (وَأَذَانٍ وَنَوْمٍ وَرَفْعِ شَكٍّ) فِي حَدَثٍ أَصْغَرَ (وَغَضَبٍ) لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَالشَّيْطَانُ مِنْ النَّارِ، وَالْمَاءُ يُطْفِئُ النَّارَ كَمَا فِي الْخَبَرِ، (وَكَلَامٍ مُحَرَّمٍ) ، كَغَيْبَةٍ وَنَحْوِهَا (وَفِعْلِ نُسُكِ حَجٍّ) نَصًّا (غَيْرِ طَوَافٍ) فَإِنَّ الطَّهَارَةَ تَجِبُ لَهُ كَالصَّلَاةِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) يَرْتَفِعُ حَدَثُ مَنْ تَوَضَّأَ (لِحَمْلِ مَيِّتٍ، لِخَبَرِ «وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَ) ك (جُلُوسٍ بِمَسْجِدٍ) ، وَقِيلَ: (وَحَدِيثٍ وَتَدْرِيسِ عِلْمٍ) وَفِي " الْمُغْنِي ": (وَأَكْلٍ) ، وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 النِّهَايَةِ " (وَزِيَارَةِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَجْدِيدٍ) إنْ سُنَّ لَهُ التَّجْدِيدُ، (بِأَنْ) كَانَ (صَلَّى) بِذَلِكَ الْوُضُوءِ وَأَحْدَثَ (وَنَوَاهُ) - أَيْ: التَّجْدِيدَ - (نَاسِيًا الْحَدَثَ) ، لِأَنَّهُ نَوَى طَهَارَةً شَرْعِيَّةً، فَيَنْبَغِي أَنْ تَحْصُلَ لَهُ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ نَوَى شَيْئًا مِنْ ضَرُورَتِهِ صِحَّةُ الطَّهَارَةِ، وَهِيَ الْفَضِيلَةُ الْحَاصِلَةُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَةٍ (وَيَتَّجِهُ أَوْ) نَوَى بِوُضُوئِهِ التَّجْدِيدَ حَالَ كَوْنِهِ (ذَاكِرًا) لِحَدَثِهِ فَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ (لِاسْتِحْبَابِهِ) أَيْ التَّجْدِيدِ (لِكُلِّ صَلَاةٍ) ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَفِي هَذَا الِاتِّجَاهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، إذْ مَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إذَا نَوَى التَّجْدِيدَ عَالِمًا حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ، لِتَلَاعُبِهِ. (وَلَا) يُسَنُّ تَجْدِيدُ (غُسْلٍ وَ) لَا (تَيَمُّمٍ) لِكُلِّ صَلَاةٍ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (وَلَا رَفْعٍ) لِلْحَدَثِ (إنْ نَوَى طَهَارَةً) وَأَطْلَقَ (أَوْ) نَوَى (وُضُوءًا وَأَطْلَقَ) ، بِأَنْ لَمْ يَنْوِهِ لِنَحْوِ صَلَاةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ لِعَدَمِ الْإِتْيَانِ بِالنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، إذْ لَا تَمْيِيزَ فِيهَا، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مَشْرُوعًا وَغَيْرَهُ. (أَوْ) نَوَى (جُنُبٌ الْغُسْلَ وَحْدَهُ) أَيْ: (دُونَ الْوُضُوءِ) ، فَلَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ الْأَصْغَرُ (أَوْ) نَوَى جُنُبٌ الْغُسْلَ (لِمُرُورِهِ بِمَسْجِدٍ) فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ الْأَكْبَرُ وَلَا الْأَصْغَرُ، لِأَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَا يُشْرَعُ لَهُ الطَّهَارَةُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى بِطَهَارَتِهِ لُبْسَ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ، خِلَافًا لِابْنِ قُنْدُسٍ حَيْثُ قَالَ: لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ الْأَصْغَرُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَنَابَةِ (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 (أَوْ) نَوَى الْغُسْلَ (لِشُرْبِ) مَا لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ، لِأَنَّ الشُّرْبَ لَمْ يُشْرَعْ لَهُ غُسْلٌ وَلَا وُضُوءٌ، (أَوْ) نَوَاهُ (لِزِيَارَةِ قَبْرِ نَبِيٍّ) مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (غَيْرِ) زِيَارَةِ قَبْرِهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، أَوْ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ قُبُورِهِمْ إذْ لَوْ عُلِمَتْ ضَرَائِحُهُمْ تَعْيِينًا لَوَجَبَ عَلَيْنَا احْتِرَامُهَا، كَاحْتِرَامِ ضَرِيحِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ نَوَى غُسْلًا مَسْنُونًا) كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدِ أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إنْ كَانَ نَاسِيًا، لِلْحَدَثِ الَّذِي أَوْجَبَهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ فِيمَا سَبَقَ أَوْ نَوَى التَّجْدِيدَ نَاسِيًا حَدَثَهُ خُصُوصًا. وَقَدْ جَعَلُوا تِلْكَ أَصْلًا لِهَذِهِ، فَقَاسُوهَا عَلَيْهِ، (أَوْ) نَوَى غُسْلًا (وَاجِبًا) فِي مَحَلٍّ مَسْنُونٍ (أَجْزَأَ عَنْ الْآخَرِ) - أَيْ: الْمَسْنُونِ - بِالْأَوْلَى (فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ فِعْلُهُ) - أَيْ: فِعْلُ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ - (بَعْدَ) فَرَاغِهِ مِنْ الْغُسْلِ الَّذِي نَوَاهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ (وَلَا ثَوَابَ فِي غَيْرِ مَنْوِيٍّ) إجْمَاعًا (فَإِنْ نَوَاهُمَا) - أَيْ: الْوَاجِبَ وَالْمَسْنُونَ - (حَصَلَا) ، أَيْ: حَصَلَ لَهُ ثَوَابُهُمَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا لَيْسَ لَهُ فِيهِمَا، إلَّا ثَوَابُ مَا نَوَاهُ، وَإِنْ أَجْزَأَ عَنْ الْآخَرِ، لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِل لِلْوَاجِبِ غُسْلًا وَلِلْمَسْنُونِ) غُسْلًا (آخَرَ) لِأَنَّهُ، أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ. (وَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَحْدَاثٌ) ، أَيْ: مُوجِبَاتٌ لِوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ، (وَلَوْ) وُجِدَتْ (مُتَفَرِّقَةً تُوجِبُ غُسْلًا أَوْ) تُوجِبُ (وُضُوءًا وَنَوَى) بِغُسْلِهِ أَوْ وُضُوئِهِ (أَحَدَهَا) أَيْ: الْأَحْدَاثِ (لَا) إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ (عَلَى أَنْ لَا يَرْتَفِعَ غَيْرُهُ) - أَيْ: غَيْرُ الْمَنْوِيِّ - بِذَلِكَ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ (ارْتَفَعَ سَائِرُهَا) ، أَيْ: ارْتَفَعَتْ كُلُّهَا، لِأَنَّهَا تَتَدَاخَلُ، فَإِذَا نَوَى بَعْضَهَا غَيْرَ مُقَيِّدٍ ارْتَفَعَ جَمِيعُهَا، كَمَا لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ، (وَإِلَّا) بِأَنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثٍ مِنْهَا عَلَى أَنْ لَا يَرْتَفِعَ غَيْرُهُ (لَمْ يَرْتَفِعْ غَيْرُهُ) - أَيْ: ذَلِكَ الْحَدَثِ - وَفِي نُسْخَةٍ: (وَإِنْ أَحْدَثَ بِنَوْمٍ فَنَوَى رَفْعَ حَدَثِ بَوْلٍ غَلَطًا ارْتَفَعَ حَدَثُهُ) ، لِتَدَاخُلِ الْأَحْدَاثِ، (أَوْ) نَوَى بِطَهَارَتِهِ تَخْصِيصَ اسْتِبَاحَةِ (صَلَاةٍ بِعَيْنِهَا) كَالظُّهْرِ مَثَلًا عَلَى أَنْ (لَا يَسْتَبِيحَ غَيْرَهَا) ارْتَفَعَ حَدَثُهُ و (لَغَا تَخْصِيصُهُ) فَيُصَلِّي بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ مَا شَاءَ مِنْ فُرُوضٍ وَنَوَافِلَ، لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ رَفْعِ الْحَدَثِ اسْتِبَاحَةَ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ. [فَصْلٌ صِفَةُ الْوُضُوء] (فَصْلٌ) (وَصِفَةُ وُضُوءٍ أَنْ يَنْوِيَ) رَفْعَ الْحَدَثِ، أَوْ اسْتِبَاحَةَ نَحْوِ صَلَاةٍ، أَوْ الْوُضُوءَ لَهَا (ثُمَّ يُسَمِّيَ) ، أَيْ: يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ. لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا، وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْوُضُوءِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، (وَيَغْسِلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا) ، وَلَوْ تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُمَا، وَهُوَ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ، (ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا - إنْ شَاءَ - بِسِتِّ غَرَفَاتِ أَوْ ثَلَاثِ) غَرَفَاتٍ (وَ) كَوْنُهُمَا (بِغَرْفَةٍ) وَاحِدَةٍ (أَفْضَلُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ «تَوَضَّأَ فَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِكَفٍّ وَاحِدٍ، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَحْمَدُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَيَشْهَدُ لِلثَّلَاثِ حَدِيثُ عَلِيٍّ أَيْضًا " أَنَّهُ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيَشْهَدُ لِلسِّتِّ حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَوُضُوءُهُ كَانَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، فَلَزِمَ كَوْنُهَا مِنْ سِتٍّ. تَتِمَّةٌ: يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فَرْضَيْنِ، إذْ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ وَاحِدٌ، وَهُمَا وَاجِبَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي " الشَّافِي " وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ» وَفِي حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ «إذَا تَوَضَّأْتَ فَتَمَضْمَضْ» أَخْرَجَهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّ الَّذِينَ وَصَفُوا وُضُوءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرُوا أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا، لِأَنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِأَمْرِهِ تَعَالَى. (ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَحَدُّهُ طُولًا: مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ غَالِبًا) ، فَلَا عِبْرَةَ بِالْأَقْرَعِ، بَالِغًا الَّذِي يَنْبُتُ شَعْرُهُ فِي بَعْضِ جَبْهَتِهِ، وَلَا بِالْأَجْلَحِ الَّذِي انْحَسَرَ شَعْرُهُ عَنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ. (إلَى النَّازِلِ مِنْ اللَّحْيَيْنِ) : بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَهُمَا: عَظْمَانِ فِي أَسْفَلِ الْوَجْهِ قَدْ أَكْتَنَفَاهُ. (وَالذَّقَنُ) : مَجْمَعُ اللِّحْيَةِ طُولًا، فَيَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ (مَعَ مُسْتَرْسِلِ) شَعْرِ (اللِّحْيَةِ) : بِكَسْرِ اللَّام طُولًا، وَمَا خَرَجَ مِنْهُ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ عَرْضًا، لِأَنَّ اللِّحْيَةَ تُشَارِكُ الْوَجْهَ فِي مَعْنَى التَّوَجُّهِ وَالْمُوَاجَهَةِ، بِخِلَافِ مَا نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الرَّأْسَ فِي التَّرَؤُّس، وَحَدُّ الْوَجْهِ (عَرْضًا: مِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ) ، أَيْ: مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ فَهُمَا لَيْسَا مِنْهُ، وَأَمَّا إضَافَتُهُمَا إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 «سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَلِلْمُجَاوَرَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ أَنَّهُ غَسَلَهُمَا مَعَ الْوَجْهِ (فَدَخَلَ) فِيهِ (عِذَارٌ وَهُوَ: شَعْرٌ نَابِتٌ عَلَى عَظْمٍ نَاتِئٍ يُحَاذِي صِمَاخَ) - بِكَسْرِ الصَّادِ - (الْأُذُنَيْنِ) ، أَيْ: خَرْقَهُمَا. (وَ) دَخَلَ فِيهِ أَيْضًا (عَارِضٌ، وَهُوَ مَا تَحْتَهُ) - أَيْ: الْعَذَارِ - (إلَى ذَقَنٍ) وَهُوَ: مَا نَبَتَ عَلَى الْخَدِّ وَاللَّحْيَيْنِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مَا جَاوَزَتْهُ الْأُذُنُ عَارِضٌ، و (لَا) يَدْخُلُ فِيهِ (صُدْغٌ) : بِضَمِّ الصَّادِ، (وَهُوَ: مَا فَوْقَ الْعِذَارِ، يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ وَيَنْزِلُ عَنْهُ قَلِيلًا) بَلْ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الرَّبِيعِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ غَسَلَهُ مَعَ الْوَجْهِ. (وَلَا) يَدْخُلُ (تَحْذِيفٌ، وَهُوَ) : الشَّعْرُ (الْخَارِجُ إلَى طَرَفَيْ الْجَبِينِ فِي جَانِبَيْ الْوَجْهِ بَيْنَ النَّزَعَةِ) - بِفَتْحِ الزَّايِ، وَقَدْ تُسَكَّنُ - (وَمُنْتَهَى الْعِذَارِ) لِأَنَّهُ شَعْرٌ مُتَّصِلٌ بِشَعْرِ الرَّأْسِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّهِ أَشْبَهَ الصُّدْغَ. (وَلَا) يَدْخُلُ فِي الْوَجْهِ أَيْضًا (النَّزْعَتَانِ وَهُمَا مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الشَّعْرُ مِنْ جَانِبَيْ الرَّأْسِ) - أَيْ: جَانِبَيْ مُقَدِّمِهِ - لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِمَا الْمُوَاجَهَةُ، (بَلْ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الرَّأْسِ فَيُمْسَحُ مَعَهُ) ، لِأَنَّ الرَّأْسَ مَا تَرَأَّسَ وَعَلَا وَالْإِضَافَةُ إلَى الْوَجْهِ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: وَلَا تَنْكِحِي إنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا ... أَغَمَّ الْقَفَا وَالْوَجْهِ لَيْسَ بِأَنْزَعَا لِلْمُجَاوَرَةِ. وَيُسْتَحَبُّ تَعَاهُدُ الْمَفْصِلِ بِالْغَسْلِ، وَهُوَ: مَا بَيْنَ اللِّحْيَةِ وَالْأُذُنِ نَصًّا. (وَلَا يُجْزِئُ غَسْلُ ظَاهِرِ شَعْرٍ) فِي الْوَجْهِ يَصِفُ الْبَشَرَةَ، لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ تَحْصُلُ بِهَا الْمُوَاجَهَةُ، فَوَجَبَ غَسْلُهَا كَاَلَّتِي لَا شَعْرَ فِيهَا، وَوَجَبَ غَسْلُ الشَّعْرِ مَعَهَا، لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَيَتْبَعُهَا، (إلَّا أَنْ) يَكُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 الشَّعْرُ كَثِيفًا (لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ) ، فَيُجْزِئُهُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ لِحُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ بِهِ دُونَ الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ. (وَيُسَنُّ تَخْلِيلُهُ) - أَيْ: الشَّعْرِ الْكَثِيفِ. - (إذَنْ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي السُّنَنِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُ شَعْرِهِ كَثِيفًا وَبَعْضُهُ خَفِيفًا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ. و (لَا) يُسَنُّ (غَسْلُ دَاخِلِ عَيْنٍ) فِي وُضُوءٍ وَلَا غُسْلٍ، (بَلْ يُكْرَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلُهُ وَلَا الْأَمْرُ بِهِ. (وَلَا يَجِبُ) غَسْلُهُ (مِنْ نَجَاسَةٍ وَلَوْ أَمِنَ الضَّرَرَ) فَيُعْفَى عَنْ نَجَاسَةٍ بِعَيْنٍ، قِيلَ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ عَمِيَ مِنْ كَثْرَةِ إدْخَالِ الْمَاءِ عَيْنَيْهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ) احْتِمَالٌ (وَدَمْعُهُ) - أَيْ: مُتَنَجِّسِ الْعَيْنِ - (طَاهِرٌ) ، لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ. هَذَا الِاتِّحَادُ مُخَالِفٌ لِقَوَاعِدِهِمْ، إذْ الْقَاعِدَةُ: أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَعْجُوزَ عَنْ إزَالَتِهَا إنَّمَا يُعْفَى عَنْهَا مَا دَامَتْ فِي مَحَلِّهَا كَأَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ. وَيُسْتَحَبُّ تَكْثِيرُ مَاءِ الْوَجْهِ لِأَنَّ فِيهِ غُضُونًا - جَمْعُ: غَضْنٍ، وَهُوَ: التَّثَنِّي - وَدَوَاخِلُ وَخَوَارِجُ، لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِهِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «وَكَانَ يَتَعَاهَدُ الْمَاقَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَهُمَا تَثْنِيَةُ: الْمَاقِ: مَجْرَى الدَّمْعِ مِنْ الْعَيْنِ. (ثُمَّ) بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ يَغْسِلُ (يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ) ثَلَاثًا، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) مَعَ (أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَ) مَعَ (يَدٍ أَصْلُهَا بِمَحَلِّ الْفَرْضِ) ، لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 أَشْبَهَ الثُّؤْلُولَ. (أَوْ لَا) ، أَيْ: أَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، بِأَنْ تَدَلَّى لَهُ ذِرَاعَانِ بِيَدَيْنِ مِنْ الْعَضُدِ، (وَلَمْ تَتَمَيَّزْ) الزَّائِدَةُ مِنْهُمَا، فَيَغْسِلُهُمَا لِيَخْرُجَ مِنْ الْوُجُوبِ بِيَقِينٍ، كَمَا لَوْ تَنَجَّسَتْ إحْدَى يَدَيْهِ وَجَهِلَهَا. (وَ) مَعَ (أَظْفَارٍ) وَلَوْ طَالَتْ، لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِيَدِهِ خِلْقَةً فَدَخَلَتْ فِي مُسَمَّى الْيَدِ. (وَلَا يَضُرُّ وَسَخٌ يَسِيرٌ تَحْتَ ظُفْرٍ وَنَحْوِهِ) ، كَدَاخِلِ أَنْفِهِ (وَلَوْ مَنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ) ، لِأَنَّهُ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ عَادَةً، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْوُضُوءُ مَعَهُ لَبَيَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ. (وَأَلْحَقَ بِهِ) - أَيْ: بِالْوَسَخِ الْيَسِيرِ - (الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (كُلَّ يَسِيرٍ مَنَعَ) وُصُولَ الْمَاءِ (كَدَمٍ وَعَجِينٍ فِي أَيِّ عُضْوٍ كَانَ) مِنْ الْبَدَنِ، وَاخْتَارَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا تَحْتَ الظُّفْرِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الشُّقُوقُ الَّتِي فِي بَعْضِ الْأَعْضَاءِ. (وَمَنْ خُلِقَ بِلَا مِرْفَقٍ غَسَلَ إلَى قَدْرِهِ فِي غَالِبِ النَّاسِ) وُجُوبًا بِلَا نِزَاعٍ. (وَيَجِبُ غَسْلُ مَا) - أَيْ: جِلْدٍ - (الْتَحَمَ) بَعْدَ أَنْ كُشِطَ (مِنْ عَضُدٍ بِذِرَاعٍ) مُتَعَلِّقٌ ب " الْتَحَمَ " - لِأَنَّهُ صَارَ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ (لَا عَكْسِهِ) ، بِأَنْ كُشِطَ جِلْدٌ مِنْ الذِّرَاعِ فَارْتَفَعَ حَتَّى تَدَلَّى مِنْ الْعَضُدِ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَإِنْ طَالَ، لِأَنَّهُ صَارَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَلَوْ تَقَلَّصَتْ جِلْدَةٌ مِنْ أَحَدِ الْمَحَلَّيْنِ وَالْتَحَمَ رَأْسُهَا بِالْآخَرِ؛ غَسَلَ مَا حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ مِنْ ظَاهِرِهَا، وَالْمُتَجَافِي مِنْهُ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ مِنْ بَاطِنِهَا، وَغَسَلَ مَا تَحْتَهُ، لِأَنَّهَا كَالنَّاتِئَةِ فِي الْمَحَلَّيْنِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ يَدٌ زَائِدَةٌ أَصْلُهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَتَمَيَّزَتْ؛ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا، قَصِيرَةً كَانَتْ أَوْ طَوِيلَةً، (ثُمَّ يَمْسَحُ جَمِيعَ ظَاهِرِ رَأْسِهِ) مِنْ مَنَابِتِ الشَّعْرِ الْمُعْتَادِ غَالِبًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ إلَى قَفَاهُ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِمَسْحِ الرَّأْسِ وَبِمَسْحِ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ، وَهُوَ يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ فِيهِ، فَكَذَا هُنَا إذْ لَا فَرْقَ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ جَمِيعَهُ، وَفِعْلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وَقَعَ بَيَانًا لِلْآيَةِ. وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ، أَيْ: إلْصَاقِ الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْصَقُوا الْمَسْحَ بِرُءُوسِكُمْ، أَيْ: الْمَسْحَ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ثَمَّ شَيْءٌ يُلْصَقُ، كَمَا يُقَالُ: مَسَحْتُ رَأْسَ الْيَتِيمِ. وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ الْبَاءَ إذَا وَلِيَتْ فِعْلًا مُتَعَدِّيًا أَفَادَتْ التَّبْعِيضَ فِي مَجْرُورِهَا لُغَةً: فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَلِإِنْكَارِ الْأَئِمَّةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَأَلْتُ ابْنَ دُرَيْدٍ وَابْنَ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاءِ تُبَعِّضُ فَقَالَا: لَا نَعْرِفُهُ فِي اللُّغَةِ، وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَاءَ تُبَعِّضُ فَقَدْ جَاءَ عَنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ بِمَا لَا يَعْرِفُونَهُ. وَقَوْلُهُ: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ: فَمِنْ بَابِ التَّضْمِينِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: يُرْوَى. وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ» ، فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعَ الْعِمَامَةِ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ. (وَ) لَا يَجِبُ مَسْحُ (مُسْتَرْسِلٍ) أَيْ: نَازِلٍ عَنْ الرَّأْسِ (مِنْ شَعْرٍ) ، لِعَدَمِ مُشَارَكَتِهِ الرَّأْسَ فِي التَّرَؤُّس (وَلَا يُجْزِئُ) مَسْحُهُ عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ (وَلَوْ رَدَّهُ) أَيْ: الْمُسْتَرْسِلَ (وَعَقَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ) - أَيْ: الرَّأْسِ - (وَلَوْ مَسَحَ الْبَشَرَةَ) فَقَطْ (مِنْ تَحْتِهِ) - أَيْ: تَحْتَ شَعْرِ الرَّأْسِ (لَمْ يُجْزِئْهُ) حَتَّى يَمْسَحَ ظَاهِرَ الشَّعْرِ أَيْضًا، (ك) مَا لَا يُجْزِئُ (غَسْلُ بَاطِنِ لِحْيَةٍ) عَنْ ظَاهِرِهَا. (وَمَعَ فَقْدِ شَعْرٍ) بِرَأْسٍ (تُمْسَحُ بَشَرَةٌ) ، لِأَنَّهَا ظَاهِرُ الرَّأْسِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ. (وَمَعَ فَقَدْ بَعْضِ) شَعْرِ رَأْسٍ (يُمْسَحَانِ) ، أَيْ: يُمْسَحُ الْبَاقِي مِنْ الشَّعْرِ وَتَمْسَحُ الْبَشَرَةُ الْخَالِيَةُ مِنْهُ. (إنْ نَزَلَ) شَعْرٌ (عَنْ مَنْبَتِهِ وَلَمْ يَنْزِلْ عَنْ مَحَلِّ فَرْضٍ فَمَسَحَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ كَانَ مَا تَحْتَهُ) - أَيْ: تَحْتَ النَّازِلِ (مَحْلُوقًا) كَمَا لَوْ كَانَ بَعْضُ شَعْرِهِ فَوْقَ بَعْضٍ (وَلَا يُعْفَى عَنْ تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 شَعْرِ الرَّأْسِ (بِلَا مَسْحٍ، وَلَوْ) كَانَ التَّرْكُ (لِلْمَشَقَّةِ) ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ. وَإِنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِمَا يَسْتُرُهُ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ مَسَحَ عَلَى خِرْقَةٍ فَوْقَ رَأْسِهِ، لِأَنَّ شَرْطَ الْوُضُوءِ إزَالَةُ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ وَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَلَقَهُ، أَوْ غَسَلَ عُضْوًا ثُمَّ قَطَعَ مِنْهُ جُزْءًا، أَوْ جِلْدَةً لَمْ يُؤَثِّرْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَمَّا تَحْتَهُ، بِخِلَافِ الْجَبِيرَةِ وَالْخُفِّ. وَإِنْ تَطَهَّرَ بَعْدَ حَلْقِ رَأْسِهِ، أَوْ قَطَعَ جُزْءًا أَوْ جِلْدَةً مِنْ عُضْوٍ، غَسَلَ أَوْ مَسَحَ مَا ظَهَرَ، لِأَنَّ الْحُكْمَ صَارَ لَهُ دُونَ الذَّاهِبِ. (وَهُوَ) - أَيْ: الرَّأْسُ - (مِنْ حَدِّ الْوَجْهِ) ، أَيْ: مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ غَالِبًا (إلَى مَا يُسَمَّى قَفًا) بِالْقَصْرِ، وَهُوَ: مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ، (وَالْبَيَاضُ فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ) - أَيْ: الرَّأْسِ - فَيَجِبُ مَسْحُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (يُمِرُّ نَدْبًا يَدَيْهِ مِنْ مُقَدِّمِهِ) أَيْ الرَّأْسِ (إلَى قَفَاهُ) حَالَ كَوْنِهِ (وَاضِعًا طَرَفَ إحْدَى سَبَّابَتَيْهِ عَلَى طَرَفِ الْأُخْرَى، وَ) وَاضِعًا (إبْهَامَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا) إلَى مُقَدِّمِهِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيَرُدُّهُمَا، (وَلَوْ خَافَ نَشْرَ شَعْرِهِ) بِذَلِكَ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ (بِمَاءٍ وَاحِدٍ) ، فَلَا يَأْخُذُ لِلرَّدِّ مَاءً آخَرَ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (ثُمَّ) يَأْخُذُ مَاءً جَدِيدًا لِأُذُنَيْهِ، و (يُدْخِلُ سَبَّابَتَهُ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ، وَيَمْسَحُ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَهُمَا) ، لِمَا فِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَأُذُنَيْهِ بَاطِنَهُمَا بِالسَّبَّابَتَيْنِ، وَظَاهِرَهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ» قَالَ فِي " الشَّرْحِ: " (وَلَا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَتَرَ بِغَضَارِيفَ) ، لِأَنَّ الرَّأْسَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ لَا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَتَرَ مِنْهُ بِالشَّعْرِ، فَالْأُذُنُ أَوْلَى، (وَيُجْزِئُ) الْمَسْحُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 لِلرَّأْسِ وَالْأُذُنِ (كَيْفَ مَسَحَ، وَ) يُجْزِئُ الْمَسْحُ أَيْضًا (بِحَائِلٍ) ، كَخِرْقَةٍ وَخَشَبَةٍ مَبْلُولَتَيْنِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَلَا يُجْزِئُ وَضْعُ يَدِهِ أَوْ نَحْوِ خِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ عَلَى رَأْسِهِ، أَوْ بَلَّ خِرْقَةً عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ مَسْحٍ. (وَ) يُجْزِئُ (غَسْلُهُ) - أَيْ: الرَّأْسِ (بِكَرَاهَةٍ بَدَلًا عَنْ مَسْحِهِ إنْ أَمَرَّ يَدَهُ) عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ «مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ، فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ، حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إلَى مُقَدَّمِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَإِنْ لَمْ يُمِرَّ يَدَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ، لِعَدَمِ الْمَسْحِ، (وَكَذَا إنْ أَصَابَهُ) - أَيْ: الرَّأْسَ - (مَاءٌ) مِنْ نَحْوِ مَطَرٍ، فَأَمَرَّ يَدَهُ لِوُجُودِ الْمَسْحِ بِمَاءٍ طَهُورٍ، وَالْأُذُنَانِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَرَأْسٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ مَسْحِ رَأْسٍ وَأُذُنٍ، وَلَا مَسْحُ عُنُقٍ. (ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ مَعَ كَعْبَيْهِ) مَرَّةً (وُجُوبًا) ، وَالْمُسْتَحَبُّ غَسْلُهُمَا ثَلَاثًا، (وَهُمَا: الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي) أَسْفَلِ السَّاقِ مِنْ (جَانِبَيْ رِجْلِهِ) أَيْ: قَدَمِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْكَعْبُ هُوَ الَّذِي فِي أَصْلِ الْقَدَمِ مُنْتَهَى السَّاقِ، بِمَنْزِلَةِ كِعَابِ الْقَنَا. وقَوْله تَعَالَى {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] حُجَّةٌ لِذَلِكَ، أَيْ: كُلُّ رِجْلٍ تُغْسَلُ إلَى الْكَعْبَيْنِ. وَلَوْ أَرَادَ جَمِيعَ الْأَرْجُلِ لَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، كَمَا قَالَ {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] . وَيَصُبُّ الْمَاءَ بِيُمْنَى يَدَيْهِ عَلَى كِلْتَا رِجْلَيْهِ، وَيَغْسِلُهُمَا بِالْيُسْرَى نَدْبًا، (وَالْأَقْطَعُ مِنْ مَفْصِلِ مِرْفَقٍ) الْمَفْصِلُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ، وَالْمِرْفَقُ: بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَيَجُوزُ فَتْحُ الْمِيمِ وَكَسْرُ الْفَاءِ. (وَ) مِنْ مَفْصِلِ (كَعْبٍ يَغْسِلُ وُجُوبًا مَا بَقِيَ مِنْ طَرَفِ عَضُدٍ وَ) طَرَفِ (سَاقٍ) ، لِأَنَّهُ بَاقِي مَحَلِّ الْفَرْضِ، (وَ) الْأَقْطَعُ (مِنْ دُونِهِمَا) ، أَيْ: دُونَ مَفْصِلِ مِرْفَقٍ وَكَعْبٍ، يَغْسِلُ مَا بَقِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 مِنْ مَحَلِّ فَرْضٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) الْأَقْطَعُ (مِنْ فَوْقِهِمَا) ، أَيْ: مَفْصِلِ مِرْفَقٍ وَكَعْبٍ. (سُنَّ) لَهُ (أَنْ يَمْسَحَ مَحَلَّ قَطْعٍ بِمَاءٍ) لِئَلَّا يَخْلُوَ الْعُضْوُ عَنْ طَهَارَةٍ. (وَكَذَا) ، أَيْ: كَالْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ (تَيَمُّمٌ) ، فَالْأَقْطَعُ مِنْ مَفْصِلِ كَفٍّ يَمْسَحُ مَحَلَّ قَطْعٍ بِالتُّرَابِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دُونِهِ مَسَحَ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ فَرْضٍ، وَمِنْ فَوْقِهِ يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْحُ مَحَلِّ قَطْعٍ بِتُرَابٍ. وَإِنْ وَجَدَ أَقْطَعُ وَنَحْوُهُ مَنْ يُوَضِّئُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ وَقَدَرَ عَلَيْهَا لَزِمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَوَجَدَ مَنْ يُيَمِّمُهُ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ؛ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَلَا إعَادَةَ، وَاسْتِنْجَاءٌ مِثْلُهُ، وَإِنْ تُبُرِّعَ بِتَطْهِيرِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ [فَصْلٌ مَا يَقُولهُ مَنْ فَرَغَ مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ] (فَصْلٌ) (وَسُنَّ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ رَفْعُ بَصَرِهِ) إلَى السَّمَاءِ (وَقَوْلُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) لِحَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ " «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ» ) " رَوَاهُ أَحْمَدُ وأَبُو دَاوُد. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ " فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ " وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك) . لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَفَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ فَقَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ؛ طُبِعَ عَلَيْهَا بِطَابَعٍ، ثُمَّ رُفِعَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَلَمْ تُكْسَرْ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. قَالَ السَّامِرِيُّ: وَيَقْرَأُ سُورَةَ الْقَدْرِ ثَلَاثًا. وَالْحِكْمَةُ فِي خَتْمِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا بِالِاسْتِغْفَارِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّصْرِ: أَنَّ الْعِبَادَ مُقَصِّرُونَ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ كَمَا يَنْبَغِي عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَإِنَّمَا يُؤَدُّونَهَا عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُونَهُ، فَالْعَارِفُ يَعْرِفُ أَنَّ قَدْرَ الْحَقِّ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ يَسْتَحْيِي مِنْ عَمَلِهِ، وَيَسْتَغْفِرُ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِيهِ، كَمَا يَسْتَغْفِرُ غَيْرُهُ مِنْ ذُنُوبِهِ وَغَفَلَاتِهِ. قَالَ: وَالِاسْتِغْفَارُ يَرِدُ مُجَرَّدًا وَمَقْرُونًا بِالتَّوْبَةِ، فَإِنْ وَرَدَ مُجَرَّدًا دَخَلَ فِيهِ وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ الْمَاضِي بِالدُّعَاءِ وَالنَّدَمِ عَلَيْهِ، وَوِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ الْمُتَوَقَّعِ بِالْعَزْمِ عَلَى الْإِقْلَاعِ عَنْهُ، وَهَذَا الِاسْتِغْفَارُ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِصْرَارَ وَالْعُقُوبَةَ، وَإِنْ وَرَدَ مَقْرُونًا بِالتَّوْبَةِ اخْتَصَّ بِالنَّوْعِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْبِ الْمَاضِي، بَلْ كَانَ سُؤَالًا مُجَرَّدًا، فَهُوَ دُعَاءٌ مَحْضٌ. وَإِنْ صَحِبَهُ نَدَمٌ فَهُوَ تَوْبَةٌ، وَالْعَزْمُ عَلَى الْإِقْلَاعِ مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ. (وَكُرِهَ كَلَامٌ حَالَةَ وُضُوءٍ) ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ: " وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ. (وَالْمُرَادُ) بِالْكَرَاهَةِ هُنَا: (تَرْكُ الْأَوْلَى) ، وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيِّ. (وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ) : أَطْلَقَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ هُوَ الشِّيرَازِيُّ أَوْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، (يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ، وَفِي الرِّعَايَةِ " وَرَدُّهُ) ، أَيْ: وَيُكْرَهُ رَدُّ الْمُتَوَضِّئِ السَّلَامَ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": مَعَ أَنَّهُ ذِكْرٌ. (وَفِي " الْفُرُوعِ " ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: لَا يُكْرَهُ سَلَامٌ وَلَا رَدٌّ) وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ عَلَى طُهْرٍ أَكْمَلَ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ سَلَّمَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: أُمُّ هَانِئِ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ» . وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ (قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَالْأَذْكَارُ الَّتِي تَقُولُهَا الْعَامَّةُ عَلَى الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ لَا أَصْلَ لَهَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ كُذِبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. انْتَهَى) . قَالَ النَّوَوِيُّ: وَحَذَفْت حَدِيثَ دُعَاءِ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورِ فِي " الْمُحَرَّرِ " إذْ لَا أَصْلَ لَهُ، وَكَذَا قَالَ فِي " الرَّوْضَةِ " وَفِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ " أَيْ: لَمْ يَجِئْ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَقِيلَ: بَلْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ، وَيُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ) . قَالَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طُرُقٍ فِي تَارِيخِ ابْنِ حِبَّانَ " وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً لِلْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ. (وَيُبَاحُ لِمُتَطَهِّرٍ تَنْشِيفٌ) لِحَدِيثِ سَلْمَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ ثُمَّ قَلَبَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ ". وَتَرْكُهُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ لَمَّا أَتَتْهُ بِالْمِنْدِيلِ بَعْدَ أَنْ اغْتَسَلَ " لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الْمُبَاحَ مَعَ أَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرَكَ الْمِنْدِيلَ لِأَمْرٍ يَخْتَصُّ بِهَا. (وَ) يُبَاحُ لَهُ (مُعِينٌ) ، لِحَدِيثِ «الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ أَفْرَغَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَضُوئِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَتَرْكُهُمَا) - أَيْ: التَّنْشِيفِ وَالْمُعَيَّنُ - (أَفْضَلُ) ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرَّغْبَةِ فِي الْعِبَادَةِ. (وَكُرِهَ نَفْضُ مَاءٍ) يَدَيْهِ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَلَا تَنْفُضُوا أَيْدِيَكُمْ، فَإِنَّهَا مَرَاوِحُ الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ الْمَعْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ الْبُحْتُرِيِّ بْنِ عُبَيْدٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَلَا يُكْرَهُ نَفْضُ الْمَاءِ بِيَدَيْهِ عَنْ بَدَنِهِ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ. (وَقَدْ يَجِبُ مُعِينٌ) لِمُتَوَضِّئٍ (وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ فِي حَقِّ نَحْوِ أَقْطَعَ) وَزَمِنٍ وَمَرِيضٍ عَاجِزٍ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُرِيدُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 صَلَاةٍ (إلَّا مِنْ يُيَمِّمُهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ) وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَنْ يُوَضِّئُهُ وَلَا مَنْ يُيَمِّمُهُ، وَعَجَزَ عَنْ فِعْلِهِمَا بِنَفْسِهِ (صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ) وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِتَطْهِيرِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ (وَيَتَّجِهُ وُجُوبُ تَنْشِيفٍ لِمُتَيَمِّمٍ) عَنْ جَبِيرَةٍ بِبَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إنْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَيَلْزَمُهُ التَّنْشِيفُ، (لِضِيقِ وَقْتِ) صَلَاةٍ اسْتِدْرَاكًا لِلْوَقْتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسُنَّ كَوْنُ مُعِينٍ عَنْ يَسَارِهِ) - أَيْ: الْمُتَوَضِّئِ - لِيَسْهُلَ تَنَاوُلُ الْمَاءِ عِنْدَ الصَّبِّ، (كَإِنَاءِ وُضُوءٍ ضَيِّقِ الرَّأْسِ) فَيَجْعَلُهُ عَنْ يَسَارِهِ لِيَصُبَّ مِنْهُ بِهِ عَلَى يَمِينِهِ. (وَإِلَّا) يَكُنْ الْإِنَاءُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ بَلْ كَانَ وَاسِعًا، فَيَجْعَلُهُ (عَنْ يَمِينِهِ) لِيَغْتَرِفَ مِنْهُ بِهَا. (وَمَنْ) (وُضِّئَ أَوْ غُسِّلَ أَوْ يُمِّمَ) - بِبِنَاءِ الثَّلَاثِ لِلْمَفْعُولِ - (بِإِذْنِهِ) أَيْ: الْمَفْعُولِ بِهِ، (مُطْلَقًا) أَيْ: لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَنَوَاهُ) (؛ صَحَّ) وُضُوءُهُ أَوْ غُسْلُهُ أَوْ تَيَمُّمُهُ، مُسْلِمًا كَانَ الْفَاعِلُ أَوْ كَافِرًا، لِوُجُودِ النِّيَّةِ وَلِوُجُودِ الْغُسْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، و (لَا) يَصِحُّ وُضُوءُهُ أَوْ غُسْلُهُ أَوْ تَيَمُّمُهُ (إنْ أُكْرِهَ فَاعِلٌ) - أَيْ: مُوَضِّئٌ - أَوْ غَاسِلٌ أَوْ مُيَمِّمٌ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَمَّا لَوْ أُكْرِهَ بِحَقٍّ، كَمَا لَوْ أَكْرَهَ قِنَّهُ فَيَصِحُّ. وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ صَابٌّ لِلْمَاءِ. وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي الصِّحَّةَ إذَا أُكْرِهَ الصَّابُّ، لِأَنَّ الصَّبَّ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ، فَيُشْبِهُ الِاغْتِرَافَ بِإِنَاءٍ مُحَرَّمٍ. (أَوْ) أُكْرِهَ (مَفْعُولٌ) - أَيْ: مُتَوَضِّئٌ - عَلَى الْوُضُوءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، كَغُسْلٍ وَصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ، وَفَعَلَ ذَلِكَ الْمُكْرَهُ عَلَى فِعْلِهِ (لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ) فَلَا تَصِحُّ عِبَادَتُهُ، لِعَدَمِ وُجُودِ النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا، (لَا) إنْ فَعَلَ ذَلِكَ (لِدَاعِي الشَّرْعِ) بِأَنْ نَوَى بِهِ التَّقَرُّبَ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَصِحُّ لِوُجُودِ النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 [تَتِمَّةٌ الْوُضُوءُ هَلْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ] تَتِمَّةٌ: اُخْتُلِفَ فِي الْوُضُوءِ: هَلْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ " فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهَا مُسْتَدِلِّينَ بِمَا فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدِ مِنْ الْأُمَمِ، تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ» وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهَا، وَإِنَّمَا الْمَخْصُوصُ بِهَا الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ فَقَطْ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ «هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِضَعْفِهِ وَبِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِالْأَنْبِيَاءِ دُونَ أُمَمِهِمْ، لَا بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ فَفِي قِصَّةِ جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ: " لَمَّا رَمَوْهُ بِالْمَرْأَةِ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ لِلْغُلَامِ: مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: هَذَا الرَّاعِي " وَقَدْ خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَرَّ عَلَى الْجَبَّارِ وَمَعَهُ سَارَةُ، أَنَّهَا لَمَّا دَخَلَتْ عَلَى الْجَبَّارِ تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ وَدَعَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. [بَابٌ مَسْحُ الْخُفَّيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا كَالْجُرْمُوقَيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ] (بَابٌ) (مَسْحُ الْخُفَّيْنِ) (وَمَا فِي مَعْنَاهَا) كَالْجُرْمُوقَيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ، وَكَذَا عِمَامَةٌ وَخِمَارٌ (فِي وُضُوءٍ لَا فِي غُسْلٍ وَلَوْ) كَانَ الْغُسْلُ (مَنْدُوبًا رُخْصَةٌ) ، وَهِيَ لُغَةً: السُّهُولَةُ، وَشَرْعًا: مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ، وَالْمُعَارِضُ الرَّاجِحُ هُوَ: فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلُ أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَضِدُّهَا الْعَزِيمَةُ، وَهِيَ لُغَةً الْقَصْدُ الْمُؤَكَّدُ، وَشَرْعًا: مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ خَالٍ عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ، وَالرُّخْصَةُ وَالْعَزِيمَةُ وَصْفَانِ لِلْحُكْمِ الْوَضْعِيِّ. وَالْمَسْحُ (أَفْضَلُ مِنْ غَسْلٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ إنَّمَا طَلَبُوا الْأَفْضَلَ. وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 بِرُخَصِهِ» وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِأَهْلِ الْبِدَعِ. وَالْمَسْحُ (يَرْفَعُ الْحَدَثَ) ، لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ أَشْبَهَ الْغُسْلَ، (ولَا يُسَنُّ أَنْ يَلْبَسَ) خُفًّا وَنَحْوَهُ (لِيَمْسَحَ) عَلَيْهِ (كَالسَّفَرِ لِيَتَرَخَّصَ) " وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إذَا كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ، وَيَمْسَحُهُمَا إذَا كَانَتَا فِي الْخُفِّ " (وَيَتَّجِهُ وُجُوبُهُ) - أَيْ: الْمَسْحِ عَلَى نَحْوِ الْخُفِّ - (لِلَابِسٍ) لَمْ يَفْضُلْ (مَعَهُ) إلَّا مَاءٌ قَلِيلٌ بِقَدْرِ، (مَا يَكْفِي لِمَسْحٍ فَقَطْ) ، فَيَسْتَعْمِلُهُ وَيَمْسَحُ وُجُوبًا، وَلَيْسَ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ خَلْعُهُ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ، وَالتَّيَمُّمُ عَنْ الْبَاقِي، لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى إتْمَامِ الْوُضُوءِ، فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَثِمَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ. (وَاحْتُمِلَ) وُجُوبُهُ عَلَى (تَارِكِهِ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ أَوْ شَكًّا فِي جَوَازِهِ) تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَرَدْعًا لَهُ عَمَّا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ الْوَهْمِ الْفَاسِدِ وَالْخَيَالِ الْكَاسِدِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكُرِهَ لُبْسٌ) لِمَا يُمْسَحُ عَلَيْهِ (لِمُدَافِعٍ نَحْوَ الْأَخْبَثَيْنِ) كَالرِّيحِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَكْرُوهَةٌ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ، فَكَذَلِكَ اللُّبْسُ الَّذِي يُرَادُ لِلصَّلَاةِ. وَرَدَّهُ فِي " الشَّرْحِ " بِأَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَبِسَهُمَا عِنْدَ غَلَبَةِ النُّعَاسِ، وَالْفَارِقُ بَيْنَ اللُّبْسِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ الصَّلَاةَ يُطْلَبُ فِيهَا الْخُشُوعُ، وَاشْتِغَالُ قَلْبِهِ بِمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ يَذْهَبُ بِهِ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي اللُّبْسِ. (وَيَصِحُّ مَسْحٌ عَلَى خُفٍّ) فِي رِجْلَيْهِ، قَالَ الْحَسَنُ: «حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي قَلْبِي مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ شَيْءٌ، فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى - مِنْهَا حَدِيثُ جَرِيرٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ، لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَبِيُّ: كَانَ إسْلَامُ جَرِيرٍ قَبْلَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَسِيرٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَاحْتِمَالُ تَحَمُّلِهِ حَالَ كُفْرِهِ وَإِنْ جَازَ بَعِيدٌ جِدًّا. (وَ) يَصِحُّ الْمَسْحُ (عَلَى جُرْمُوقٍ وَهُوَ: خُفٌّ قَصِيرٌ) ، وَيُسَمَّى أَيْضًا: الْمُوقُ، لِحَدِيثِ بِلَالٍ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ وَالْخِمَارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَالْخِمَارُ هُنَا: الْعِمَامَةُ، لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الرَّأْسَ، وَلِأَبِي دَاوُد «كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ» وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ بِلَالٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «امْسَحُوا عَلَى النَّصِيفِ وَالْمُوقِ» قَالَ فِي الصِّحَاحِ ": النَّصِيفُ: الْخِمَارُ. (وَ) يَصِحُّ الْمَسْحُ أَيْضًا (عَلَى جَوْرَبٍ صَفِيقٍ) - أَيْ: رَقِيقٍ - (مِنْ صُوفٍ أَوْ غَيْرِهِ) ، كَقُطْنٍ وَوَبَرِ نَعْلٍ أَوْ لَا، لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ " أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَبِذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا غَيْرَ مَنْعُولَيْنِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ النَّعْلَيْنِ، إذْ لَا يُقَالُ: عَنْ تِسْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلِيٌّ وَعَمَّارٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ وَالْبَرَاءُ وَبِلَالٌ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ. انْتَهَى وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخُفِّ، إذْ هُوَ مَلْبُوسٌ سَاتِرٌ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ، أَشْبَهَ الْخُفَّ، (حَتَّى لِزَمِنٍ) لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ لِعَاهَةٍ، (وَذِي سَلَسٍ) ، فَيَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى هَذِهِ الْحَوَائِلِ كَالسَّلِيمِ. (وَ) يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى نَحْوِ خُفٍّ (بِرِجْلٍ قُطِعَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 أُخْرَاهَا مِنْ فَوْقِ فَرْضِهَا) بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِذَا لَبِسَ مَا يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ؛ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، (وَلَا) يَجُوزُ الْمَسْحُ لِمَنْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ مِنْ (تَحْتِهِ) أَيْ: تَحْتَ مَحَلِّ الْفَرْضِ، (وَغَسَلَهُ) ، أَيْ: غَسَلَ الْبَاقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، (وَأَرَادَ مَسْحَ خُفِّ الْأُخْرَى) فَلَا يَكْفِيهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ الْأُخْرَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ عَلَى الْمَقْطُوعَةِ وَالسَّالِمَةِ، وَمَسَحَهُمَا مَعًا جَازَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ. (وَلَا) يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى نَحْوِ الْخُفَّيْنِ لِمُحْرِمٍ ذَكَرٍ (لَبِسَهُمَا لِحَاجَةٍ) إنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، كَالْمَرْأَةِ تَلْبَسُ الْعِمَامَةَ لِحَاجَةٍ، وَلِأَنَّ شَرْطَ الْمَمْسُوحِ إبَاحَتُهُ مُطْلَقًا كَمَا يَأْتِي، وَهُمَا لَا يُبَاحَانِ لِلْمُحْرِمِ مُطْلَقًا بَلْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ. ، (وَ) يَصِحُّ الْمَسْحُ (عَلَى عِمَامَةٍ) لِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِمُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ» وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَسٌ وَأَبُو أُمَامَةَ، وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ عُمَرَ " مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ " قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَالتَّوْقِيتُ فِي مَسْحِ الْعِمَامَةِ كَالتَّوْقِيتِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ. (وَ) يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى (جَبَائِرَ) جَمْعُ جَبِيرَةٍ نَحْوُ أَخْشَابٍ تُرْبَطُ عَلَى نَحْوِ كَسْرٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا، لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا فِي قِصَّةِ صَاحِبِ الشَّجَّةِ «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْضُدَ، أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، وَيَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. (وَ) يَصِحُّ الْمَسْحُ أَيْضًا عَلَى (خُمُرِ نِسَاءٍ مُدَارَةً تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ) لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ " كَانَتْ تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلِقَوْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «امْسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِأَنَّهُ سَاتِرٌ يَشُقُّ نَزْعُهُ، أَشْبَهَ الْعِمَامَةَ، بِخِلَافِ الْوِقَايَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَشُقُّ نَزْعُهَا فَتُشْبِهَ طَاقِيَّةَ الرَّجُلِ. (وَلَا) يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى (قَلَانِسَ) ، جَمْعُ: قَلَنْسُوَةٍ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ السِّينِ، أَوْ قُلْنُسِيَةٌ: بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ السِّينِ: مُبَطَّنَاتٌ تُتَّخَذُ لِلنَّوْمِ، وَمِثْلُهَا الدِّينَاتُ: قَلَانِسُ كِبَارٌ كَانَتْ الْقُضَاةُ تَلْبَسُهَا. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، هِيَ عَلَى هَيْئَةِ مَا تَتَّخِذُهُ الصُّوفِيَّةُ الْآنَ، لِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ نَزْعُهَا، فَأَشْبَهَتْ الكلنة. (وَ) لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى (لَفَائِفَ) جَمْعُ لِفَافَةٍ: مَا تُلَفُّ مِنْ خِرَقٍ وَنَحْوِهَا عَلَى الرِّجْلِ تَحْتَهَا نَعْلٌ أَوْ لَا، وَلَوْ مَعَ مَشَقَّةٍ لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (وَشُرِطَ فِي مَمْسُوحٍ لُبْسُهُ بَعْدَ كَمَالِ طَهَارَتِهِ بِمَاءٍ) ، لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ: هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَالطُّهْرُ الْمُطْلَقُ يُصْرَفُ إلَى الْكَامِلِ، وَأَيْضًا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلَتْهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. (وَلَوْ مَسَحَ فِيهَا عَلَى حَائِلٍ) ، بِأَنْ تَوَضَّأَ وُضُوءًا كَامِلًا مَسَحَ فِيهِ عَلَى نَحْوِ عِمَامَةٍ أَوْ جَبِيرَةٍ، ثُمَّ لَبِسَ نَحْوَ خُفٍّ، فَلَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ رَافِعَةٌ لِلْحَدَثِ كَاَلَّتِي لَمْ يُمْسَحْ فِيهَا عَلَى حَائِلٍ، (أَوْ تَيَمَّمَ) فِي طَهَارَةٍ بِمَاءٍ (لِجُرْحٍ) فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ، ثُمَّ لَبِسَ نَحْوَ خُفٍّ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، لِتَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ بِمَاءٍ فِي الْجُمْلَةِ، (أَوْ كَانَ حَدَثُهُ) - أَيْ: لَابِسُ نَحْوِ خُفٍّ - (دَائِمًا) كَمُسْتَحَاضَةٍ، وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَتَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفًّا فَلَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا كَامِلَةٌ فِي حَقِّهِ، وَلِأَنَّ الْمَعْذُورَ أَوْلَى بِالرُّخَصِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْجَبِيرَةَ كَغَيْرِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا وَضَعَهَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ نَزَعَهَا، وَلَوْ غَسَلَ رِجْلًا ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ قَبْلَ غَسْلِ الْأُخْرَى خَلَعَ، ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَ غَسْلِ الْأُخْرَى، لِتَكْمُلَ الطَّهَارَةُ، وَإِنْ تَطَهَّرَ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ لُبْسِهِ أَوْ بَعْدَهُ، قَبْلَ أَنْ تَصِلَ الْقَدَمُ إلَى مَوْضِعِهَا، لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ. وَلَوْ لَبِسَ الْخُفَّ مُحْدِثًا، أَوْ قَبْلَ كَمَالِ طَهَارَتِهِ، ثُمَّ غَسَلَهُمَا فِيهِ أَوْ نَوَى جُنُبٌ وَنَحْوُهُ رَفْعَ حَدَثِهِ، ثُمَّ غَسَلَهُمَا وَأَدْخَلَهُمَا فِيهِ، ثُمَّ تَمَّمَ طَهَارَتَهُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ لَبِسَ الْعِمَامَةَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ، (فَتُرْفَعُ عِمَامَةٌ بَعْدَ كَمَالِ طَهَارَةٍ، ثُمَّ تُعَادُ) ، لِيُوجَدَ شَرْطُ الْمَسْحِ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي: (إبَاحَتُهُ مُطْلَقًا) أَيْ: مَعَ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِهَا، (فَلَا يَصِحُّ) الْمَسْحُ (عَلَى مَغْصُوبٍ وَ) لَا (حَرِيرٍ لِذَكَرٍ، وَ) لَا (نَقْدٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، (مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ لِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَلَوْ خَافَ بِنَزْعِهِ سُقُوطَ أَصَابِعِهِ مِنْ بَرْدٍ، لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ فَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْمَعْصِيَةِ، كَمَا لَا يَسْتَبِيحُ الْمُسَافِرُ الرُّخَصَ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَكَذَا حَرِيرٌ لِرَجُلٍ وَمُذَهَّبٌ وَنَحْوُهُ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ: (طَهَارَةُ عَيْنِهِ) - أَيْ: الْمَمْسُوحِ - (وَلَوْ فِي ضَرُورَةٍ، فَلَا يَصِحُّ) الْمَسْحُ (عَلَى جِلْدِ نَحْوِ مَيْتَةٍ) مِمَّا فَوْقَ الْهِرِّ خِلْقَةً، وَلَمْ يُؤْكَلْ لَحْمُهُ، وَلَوْ دُبِغَ وَذُكِّيَ حَيَوَانُهُ لِنَجَاسَتِهِ، (وَيَتَيَمَّمُ) مَنْ لَبِسَ سَاتِرًا نَجِسًا (مَعَ ضَرُورَةٍ بِنَزْعِهِ لِمَسْتُورٍ مِنْ مَحَلِّ فَرْضٍ) بِالنَّجَسِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 رِجْلَيْنِ، أَوْ رَأْسٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ طَاهِرَ الْعَيْنِ وَتَنَجَّسَ بَاطِنُهُ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَبِيحُ بِهِ مَسَّ مُصْحَفٍ، وَلَا صَلَاةَ إلَّا بِغَسْلِهِ، أَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ (وَيُعِيدُ مَا صَلَّى بِهِ) - أَيْ: بِالنَّجِسِ - لِحَمْلِهِ النَّجَاسَةَ فِيهَا. (وَيَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى طَاهِرِ عَيْنٍ مُتَنَجِّسٍ، وَيَسْتَبِيحُ) بِهِ (مَسَّ مُصْحَفٍ وَنَحْوَ صَلَاةٍ) كَطَوَافٍ (إنْ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُ نَجَاسَةٍ) . وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: (أَنْ لَا يَصِفَ) نَحْوُ خُفٍّ (الْبَشَرَةَ) دَاخِلَهُ (لِصَفَائِهِ) كَالزُّجَاجِ الرَّقِيقِ (أَوْ خِفَّتِهِ) ، فَإِنْ وَصَفَ الْبَشَرَةَ لَمْ يَصِحَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ سَاتِرٍ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ أَشْبَهَ النَّعْلَ. (وَ) الشَّرْطُ الْخَامِسُ: (سَتْرُ مَحَلِّ فَرْضٍ) ، فَإِنْ كَانَ فِي الْخُفِّ وَنَحْوِهِ خَرْقٌ أَوْ غَيْرُهُ يَبْدُو مِنْهُ بَعْضُ الْقَدَمِ، وَلَوْ مِنْ مَوْضِعِ الْخَرَزِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ سَاتِرٍ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ، (وَلَوْ) كَانَ سَتْرُ مَحَلِّ الْفَرْضِ (بِمُخَرَّقٍ أَوْ بِمُفَتَّقٍ، وَيَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ) إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ كَوْنُهُ صَحِيحًا، (أَوْ) كَانَ مَحَلُّ الْفَرْضِ (يَبْدُو بَعْضُهُ) مِنْ السَّاتِرِ (لَوْلَا شَدُّهُ) أَيْ: رَبْطُهُ (أَوْ شَرْجُهُ) ، بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ، كَالزُّرْبُولِ لَهُ سَاقٌ وَعُرًى يَدْخُلُ بَعْضُهَا فَيَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ فَيَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ، أَشْبَهَ غَيْرَ ذِي الشَّرَجِ، فَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ بِلُبْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ، لَمْ يَصِحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، كَبِيرًا كَانَ الْخَرْقُ أَوْ صَغِيرًا مِنْ مَحَلِّ الْخَرَزِ أَوْ غَيْرِهِ. (وَ) الشَّرْطُ السَّادِسُ: (ثُبُوتُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَعْلَيْنِ، وَيُمْسَحُ) عَلَيْهِ (إلَى خَلْعِهِمَا) مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِشَدِّهِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَيُمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَسُيُورِ النَّعْلَيْنِ قَدْرُ الْوَاجِبِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ " وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ " مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ إجْزَاءُ الْمَسْحِ عَلَى أَحَدِهِمَا قَدْرَ الْوَاجِبِ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَذْهَبُ. . (وَ) الشَّرْطُ السَّابِعُ: (إمْكَانُ مَشْيٍ عُرْفًا بِمَمْسُوحٍ) لَا كَوْنُهُ يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ، لِأَنَّهُ سَاتِرٌ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ، وَيُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّامِنُ: (أَنْ لَا يَكُونَ) الْخُفُّ (وَاسِعًا) بِحَيْثُ (يُرَى مِنْهُ بَعْضُ مَحَلِّ فَرْضٍ) ، لِأَنَّهُ غَيْرُ سَاتِرٍ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ، أَشْبَهَ الْمُخَرَّقَ الَّذِي لَا تَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ، (وَلَا) يُشْتَرَطُ (كَوْنُهُ مُعْتَادًا فَيَصِحُّ) الْمَسْحُ (عَلَى جِلْدِ وَلِبَدٍ وَخَشَبَةٍ وَنَحْوِ حَدِيدٍ) كَنُحَاسٍ (وَزُجَاجٍ) لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ حَيْثُ أَمْكَنَ الْمَشْيُ فِيهِ. (وَ) شُرِطَ (فِي) مَسْحِ (عِمَامَةٍ) ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: (كَوْنُهَا مُحَنَّكَةً) ، أَيْ: مَدَارٌ مِنْهَا تَحْتَ الْحَنَكِ كَوْرٌ بِفَتْحِ الْكَافِ، أَوْ كُورَانٌ، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا ذُؤَابَةٌ أَوْ لَا، لِأَنَّ هَذِهِ عِمَامَةُ الْعَرَبِ، وَهِيَ أَكْثَرُ سِتْرًا، وَيَشُقُّ نَزْعُهَا. قَالَ الْقَاضِي: سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، (أَوْ) كَوْنُهَا (ذَاتَ ذُؤَابَةٍ) ، بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ، وَهِيَ: طَرَفُ الْعِمَامَةِ الْمُرْخَى مَجَازًا، وَأَصْلُهَا النَّاصِيَةُ، أَوْ مَنْبَتُهَا مِنْ الرَّأْسِ، وَشَعْرٌ فِي أَعْلَى نَاصِيَةِ الْفَرَسِ (إذْ غَيْرُهُمَا) أَيْ: غَيْرُ الْمُحَنَّكَةِ، وَذَاتُ الذُّؤَابَةِ (مَكْرُوهٌ) ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِي نَزْعِهَا كالكلنة وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ عَمَائِمَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ. (وَ) الثَّانِي: كَوْنُهَا (عَلَى ذَكَرٍ لَا عَلَى أُنْثَى، وَلَوْ) كَانَ لُبْسُ الْأُنْثَى لَهَا (لِضَرُورَةٍ) كَبَرْدٍ أَوْ عَادَةٍ (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) عَلَى (خُنْثَى) مُشْكِلٍ (احْتِيَاطًا، فَلَا يَمْسَحُ) الْخُنْثَى (عِمَامَةً لَبِسَهَا) ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ أُنْثَى (وَلَا) يَمْسَحُ (خِمَارًا) تَخَمَّرَ بِهِ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ذَكَرًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 (وَ) الثَّالِثُ: (أَنْ تَسْتُرَ) الْعِمَامَةُ (غَيْرَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ) ، كَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ وَجَوَانِبِ الرَّأْسِ فَيُعْفَى عَنْهُ، بِخِلَافِ خَرْقِ الْخُفِّ، لِأَنَّ هَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ، وَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، (وَلَا يَجِبُ مَسْحُهُ) - أَيْ: مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ - (مَعَهَا) أَيْ: الْعِمَامَةِ، لِأَنَّهَا نَابِتٌ عَنْ الرَّأْسِ فَانْتَقَلَ الْفَرْضُ إلَيْهَا، وَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهَا. (بَلْ يُسَنُّ) مَسْحُ مَا الْعَادَةُ كَشْفُهُ نَصًّا «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ» فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ لِلْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ شَرْطٌ رَابِعٌ، وَهِيَ: أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى عِمَامَةٍ مَغْصُوبَةٍ، أَوْ حَرِيرٍ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُفِّ، وَيَجِبُ مَسْحُ أَكْثَرِ دَوَائِرِهَا، لِأَنَّهَا أَحَدُ الْمَمْسُوحَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ، فَأَجْزَأَ مَسْحُ بَعْضِهَا كَالْخُفِّ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَ الْعِمَامَةِ قَلَنْسُوَةٌ يَظْهَرُ بَعْضُهَا، فَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمَا صَارَا كَالْعِمَامَةِ الْوَاحِدَةِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي ". (وَإِنْ لَبِسَ لَابِسُ خُفٍّ عَلَيْهِ) خُفًّا (آخَرَ لَا بَعْدَ حَدَثٍ وَلَوْ مَعَ خَرْقِ أَحَدِهِمَا) ، صَحَّ مَسْحُهُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ مُطْلَقًا، وَعَلَى التَّحْتَانِيِّ إنْ كَانَ هُوَ الصَّحِيحُ، وَ (لَا) يَصِحُّ الْمَسْحُ مَعَ خَرْقِ (كِلَيْهِمَا) - أَيْ: الْخُفَّيْنِ - وَلَوْ سِتْرًا، وَإِنْ كَانَا صَحِيحَيْنِ (صَحَّ مَسْحٌ عَلَى أَيُّهُمَا شَاءَ) ، وَإِذَا أَرَادَ مَسْحَ التَّحْتَانِيِّ (فَيُدْخِلُ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْفَوْقَانِيِّ، وَيَمْسَحُ الْأَسْفَلَ) . (وَإِنْ نَزَعَ) لَابِسُ خُفَّيْنِ خُفًّا (مَمْسُوحًا لَزِمَ نَزْعُ الْآخَرِ) وَإِعَادَةُ الْوُضُوءِ، (وَ) إنْ لَبِسَ الْخُفَّ الْآخَرَ (بَعْدَ حَدَثٍ) فَإِنَّهُ (يَتَعَيَّنُ) عَلَيْهِ (مَسْحُ الْأَسْفَلِ) ، لِأَنَّ الرُّخْصَةَ تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَإِنْ نَزَعَ الْفَوْقَانِيَّ قَبْلَ مَسْحِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ. (وَلَا يَضُرُّ) (قَشْطُ ظِهَارَةِ) - بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُشَالَةِ ضِدُّ الْبِطَانَةِ - (خُفٍّ مَسَحَ) عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ، لِبَقَاءِ سَتْرِ الْمَحَلِّ، وَكَالْمُتَوَضِّئِ إذَا حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ. (وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا صَحِيحًا لَا مُخَرَّقًا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 لِفَافَةٍ جَازَ مَسْحُهُ) ، فَإِنْ كَانَ الْخُفُّ مُخَرَّقًا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَتَرَتْ اللِّفَافَةُ مَحَلَّ الْفَرْضِ، وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا فِي إحْدَى رِجْلَيْهِ (وَجُرْمُوقًا فِي) الرِّجْلِ (الْأُخْرَى جَازَ مَسْحُهُمَا) ، أَيْ: الْخُفِّ وَالْجُرْمُوقِ. (وَ) إنْ لَبِسَ (عِمَامَةً فَوْقَ أُخْرَى قَبْلَ حَدَثٍ مَسَحَ الْعُلْيَا الَّتِي بِصِفَةِ السُّفْلَى) ، أَيْ: بِأَنْ كَانَتْ مُبَاحَةً سَاتِرَةً لِمَحَلِّ الْفَرْضِ مُحَنَّكَةً، أَوْ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ، وَإِلَّا تَكُنْ الْعُلْيَا بِصِفَةِ السُّفْلَى، كَمَا لَوْ تَرَكَ فَوْقَهَا مِنْدِيلًا فَلَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِمَامَةٍ. [فَصْلٌ مُدَّةُ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] فَصْلٌ (وَيَمْسَحُ مُقِيمٌ مُطْلَقًا) مُطِيعًا أَوْ عَاصِيًا، (وَعَاصٍ بِسَفَرِهِ) كَآبِقٍ (يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ حَدَثٍ بَعْدَ لُبْسٍ إلَى مِثْلِهِ) أَيْ: مِثْلِ وَقْتِ ابْتِدَاءِ الْحَدَثِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: (وَيَتَّجِهُ: وَأَوَّلُهُ) - أَيْ: أَوَّلُ ابْتِدَاءِ الْمَسْحِ - (دُخُولُ وَقْتٍ لِكُلٍّ دَائِمٍ حَدَثٍ) تَطَهَّرَ قَبْلَهُ، إذْ بِدُخُولِ الْوَقْتِ يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ فَيَبْتَدِئُ الْمُدَّةَ مِنْ حِينَئِذٍ، (أَوْ) مِنْ حِينِ (نُقِضَ بِ) طُرُوءِ نَاقِضٍ (غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الْحَدَثِ الدَّائِمِ فَعَلَى فَرْضِ صِحَّةِ هَذَا الِاتِّجَاهِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ وُضُوءُ دَائِمِ الْحَدَثِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ يَأْتِي فِي بَابِ الْحَيْضِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ إنْ خَرَجَ شَيْءٌ، وَإِلَّا فَلَا. (وَ) يَمْسَحُ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 بِلَيَالِيِهِنَّ مَنْ بِسَفَرِ قَصْرٍ لَمْ يَعْصِ بِهِ) - أَيْ: بِالسَّفَرِ - بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ، وَلَوْ عَصَى فِيهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ (أَوْ) - أَيْ: وَيَمْسَحُ ثَلَاثَةً بِلَيَالِيِهِنَّ مَنْ (سَافَرَ) سَفَرَ قَصْرٍ مُبَاحًا (بَعْدَ حَدَثٍ) وَ (قَبْلَ مَسْحٍ وَيَتَّجِهُ: وَفَارَقَ الْبِنَاءَ) وَأَمَّا لَوْ مَسَحَ فِي أَثْنَاءِ الْبِنَاءِ الْمَنْسُوبِ لِلْبَلْدَةِ الَّتِي سَافَرَ مِنْهَا، فَلَا يَتَجَاوَزُ مَسْحَ مُقِيمٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَخْلَعُ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ) مِنْ ابْتِدَاءِ حَدَثٍ، (وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ فِيهَا) أَيْ: الْمُدَّةِ لِفَرَاغِهَا وَمَا لَمْ يُحْدِثْ، فَلَا تُحْسَبُ الْمُدَّةُ، فَلَوْ أَقَامَ عَلَى طَهَارَةِ اللُّبْسِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَحْدَثَ، اسْتَبَاحَ بَعْدَ الْحَدَثِ الْمُدَّةَ، وَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَخَافَ النَّزْعَ لِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ تَضَرُّرِ رَفِيقِهِ بِسَفَرٍ بِانْتِظَارِهِ أَوْ اشْتَغَلَ بِنَزْعِ نَحْوِ خُفٍّ تَيَمَّمَ، فَإِنْ مَسَحَ وَصَلَّى أَعَادَ. (وَمَنْ مَسَحَ مُسَافِرًا، ثُمَّ أَقَامَ) ؛ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَسْحِ مُقِيمٍ. (وَيَتَّجِهُ) أَنْ تَكُونَ إقَامَتُهُ (إقَامَةً تَمْنَعُ الْقَصْرَ) ، كَكَوْنِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ، أَوْ يَنْوِي بِإِقَامَتِهِ هَذَا الْقَدْرَ، وَلَوْ لَمْ يُقِمْ فَيُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ إنْ بَقِيَ مِنْ مُدَّتِهِ شَيْءٌ وَإِلَّا خَلَعَ فِي الْحَالِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ) مَسَحَ (مُقِيمًا) أَقَلَّ مِنْ مُدَّتِهِ (ثُمَّ سَافَرَ) ، لَمْ يَزِدْ عَلَى مَسْحِ مُقِيمٍ، (أَوْ شَكَّ) مَاسِحٌ سَافَرَ (فِي ابْتِدَائِهِ) - أَيْ: الْمَسْحِ - بِأَنْ لَمْ يَدْرِ أَمَسَحَ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا؟ (لَمْ يَزِدْ عَلَى مَسْحِ مُقِيمٍ) لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، (فَيَخْلَعُ) الْخُفَّ وَنَحْوَهُ (فِي الْحَالِ مُسَافِرٌ مَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ أَقَامَ) لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِ، (وَلَوْ صَلَّى) مُسَافِرٌ مَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، (فَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَائِهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - بَطَلَتْ، لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ، (وَكَذَا لَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 كَانَ فِي سَفِينَةٍ) ، وَتَلَبَّسَ فِي صَلَاةٍ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، (فَدَخَلَ) مَحَلَّ الْإِقَامَةِ (فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ - بَطَلَتْ فِي الْأَشْهَرِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ " (وَ) إنْ تَوَضَّأَ (شَاكٌّ فِي بَقَاءِ مُدَّةِ) الْمَسْحِ، (فَلَا يَمْسَحُ) مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا مَا دَامَ الشَّكُّ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ، (فَإِنْ مَسَحَ) مَعَ الشَّكِّ (فَبَانَ بَقَاؤُهَا) أَيْ: الْمُدَّةِ؛ (صَحَّ) وُضُوءُهُ، لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ (وَلَا) يُصَلِّي بِهِ (قَبْلَ تَبَيُّنِ) بَقَاءِ الْمُدَّةِ، (فَإِنْ فَعَلَ) إذَنْ (أَعَادَ) ، وَإِنْ لَمْ يُتَبَيَّنْ بَقَاؤُهَا لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ. (وَيَجِبُ مَسْحُ دَوَائِرِ أَكْثَرِ الْعِمَامَةِ) ، لِأَنَّهَا أَحَدُ الْمَمْسُوحَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ، فَأَجْزَأَ مَسْحُ بَعْضِهِ كَالْخُفِّ، وَ (لَا) يَلْزَمُ مَسْحُ (وَسَطِهَا) ، بَلْ وَلَا يَكْفِي، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَسْفَلَ الْخُفِّ، (وَ) يَجِبُ مَسْحُ (أَكْثَرِ أَعْلَى نَحْوِ خُفٍّ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَسُنَّ) مَسْحُهُ (بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ مُفَرَّجَةً مِنْ أَصَابِعِهِ) - أَيْ: أَصَابِعِ قَدَمِهِ - إلَى سَاقِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً مَعًا، مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ " عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ مَسَحَ أَعْلَاهُ مَسْحَةً وَاحِدَةً» (وَفِي " التَّلْخِيصِ ") وَ " التَّرْغِيبِ " (يُسَنُّ تَقْدِيمُ يُمْنَى عَلَى يُسْرَى) ، وَحَكَاهُ فِي " الْمُبْدِعِ " عَنْ " الْبُلْغَةِ " وَقَالَ: حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمٌ. (وَلَا يُجْزِئُ مَسْحُ أَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ) أَيْ: الْخُفِّ - إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قَوْلًا وَاحِدًا (وَلَا يُسَنُّ) مَسْحُهُمَا مَعَ أَعْلَى الْخُفِّ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ " لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِ، وَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ ظَاهِرَ خُفَّيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. (وَحُكْمُ مَسْحِهِ) - أَيْ: الْخُفِّ - (بِأُصْبُعٍ أَوْ) أَكْثَرَ أَوْ (بِحَائِلٍ) ، كَخِرْقَةٍ وَخَشَبَةٍ مَبْلُولَتَيْنِ، (وَحُكْمُ غَسْلِهِ كَرَأْسٍ) فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وُضُوءٍ، وَلَوْ مَسَحَ مِنْ سَاقٍ الْخُفِّ لِأَصَابِعِهِ أَجْزَأَ، (وَكُرِهَ غَسْلُ) الْخُفِّ لِعُدُولِهِ عَنْ الْمَأْمُورِ، وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ إفْسَادِهِ، (وَ) كُرِهَ أَيْضًا (تَكْرَارُ مَسْحِ) الْخُفِّ: بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا، اسْمُ مَصْدَرٍ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى غَسْلِهِ. [فَصْلٌ انْتَقَضَ بَعْضُ عِمَامَةٍ أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحٍ فِي الْمَسْح عَلَى الْعَمَائِم وَالْجَبَائِر] (فَصْلٌ) (وَمَتَى ظَهَرَ) بَعْدَ حَدَثٍ وَقَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةٍ مِنْ عِمَامَةٍ مَمْسُوحَةٍ (بَعْضُ رَأْسٍ، وَفَحُشَ) - أَيْ: كَثُرَ - (أَوْ انْتَقَضَ بَعْضُ عِمَامَةٍ، وَلَوْ) كَانَ الْمُنْتَقَضُ مِنْهَا (كَوْرًا وَاحِدًا) ، اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ، أَشْبَهَ نَزْعَ الْخُفِّ. (أَوْ ظَهَرَ بَعْضُ قَدَمٍ) ، اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ، (أَوْ خَرَجَ) الْقَدَمُ (إلَى سَاقٍ) نَحْوِ (خُفٍّ) ، اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ، (لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا) - أَيْ: الْقَدَمِ - (فِيهِ) - أَيْ: الْخُفِّ - (إذَنْ) ، أَيْ: وَقْتَ خُرُوجِهَا إلَى سَاقِهِ، (أَوْ انْقَطَعَ دَمِ نَحْوِ مُسْتَحَاضَةٍ) ، كَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ، اُسْتُؤْنِفَتْ الطَّهَارَةُ، لِأَنَّ طَهَارَتَهَا إنَّمَا صَحَّتْ لِلْعُذْرِ، فَإِذَا زَالَ بَطَلَتْ عَلَى الْأَصْلِ، كَمَنْ تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ وَعُوفِيَ مِنْهُ (أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحٍ، وَلَوْ) كَانَ انْقِضَاؤُهَا، أَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ (فِي نَحْوِ صَلَاةٍ) ، كَطَوَافٍ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (وَاسْتَأْنَفَ طَهَارَةً) أُخْرَى إذَا أَرَادَ فِعْلَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ طَهَارَتَهُ مُؤَقَّتُهُ فَبَطَلَتْ بِانْتِهَاءِ وَقْتِهَا، كَخُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْمُتَيَمِّمِ، (وَلَوْ لَمْ تَفُتْ مُوَالَاةٌ) ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَعَلَى أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي النَّقْضِ، فَإِذَا خَلَعَ عَادَ الْحَدَثُ إلَى الْعُضْوِ الَّذِي مُسِحَ الْحَائِلُ عَنْهُ فَيَسْرِي إلَى بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ فَيَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ، وَإِنْ قَرُبَ الزَّمَنُ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: إنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ. (وَيَمْسَحُ جَمِيعَ جَبِيرَةٍ) لَمْ تَتَجَاوَزْ قَدْرَ الْحَاجَةِ بِشَدِّهَا (إلَى حَلِّهَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 أَوْ بُرْءِ مَا تَحْتَهَا (وَالْمَسْحُ عَلَيْهَا) أَيْ: الْجَبِيرَةِ - (عَزِيمَةٌ فَتُمْسَحُ بِسَفَرِ مَعْصِيَةٍ، وَفِي نَحْوِ حَدَثٍ أَكْبَرَ) ، كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ، (إذَا وُضِعَتْ عَلَى طَهَارَةٍ، وَلَمْ تَتَجَاوَزْ الْمَحَلَّ) بِشَدِّهَا (إلَّا بِمَا لَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ الْجَبِيرَةِ عَلَيْهِ) مِنْ الصَّحِيحِ، (لِأَنَّهَا إنَّمَا تُوضَعُ عَلَى طَرَفَيْ الصَّحِيحِ) لِيَسْتَوْعِبَ الشَّدُّ جَمِيعَهَا. (وَ) لَوْ وُضِعَتْ (عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَخِيفَ) مِنْ (نَزْعِهَا، كَفَاهُ تَيَمُّمٌ) عَنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (فَلَوْ عَمَّتْ) الْجَبِيرَةُ (مَحَلَّهُ) - أَيْ: التَّيَمُّمِ - (مُسِحَتْ بِمَاءٍ) وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ، (وَ) لَوْ وُضِعَتْ (عَلَى طَهَارَةٍ وَجَاوَزَتْ الْمَحَلَّ وَخِيفَ نَزْعُهَا تَيَمَّمَ لِزَائِدٍ) عَلَى مَحَلِّ الْحَاجَةِ، (وَمُسِحَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (غَيْرُهُ) ، وَهُوَ مَا جَاوَزَ مَحَلَّ الْحَاجَةِ، (وَغُسْلٌ صَحِيحٌ) ، فَيَجْتَمِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْغُسْلُ وَالْمَسْحُ وَالتَّيَمُّمُ، (وَدَوَاءٌ) لُصِقَ عَلَى جُرْحٍ أَوْ وُضِعَ (وَلَوْ قَارًا) جُعِلَ (فِي شَقِّ) رِجْلٍ وَنَحْوِهَا كَمِرَارٍ أَلْقَمَهَا أُصْبُعَهُ الْمُتَأَلِّمَةَ (وَخِيفَ) ضَرَرٌ (بِقَلْعِهِ كَجَبِيرَةٍ) إذَا وَضَعَهَا عَلَى طَهَارَةٍ، جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا. (وَحُكْمُ زَوَالِهَا) أَيْ: الْجَبِيرَةِ - (كَ) حُكْمِ خَلْعِ (خُفٍّ) ، وَكَذَا بُرْدُهَا، لِأَنَّ مَسْحَهَا بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ مَا تَحْتَهَا، (وَلَوْ) كَانَ زَوَالُهَا (قَبْلَ بُرْءِ جُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ إلَّا فِي) الطَّهَارَةِ (الْكُبْرَى، فَيُجْزِئُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا، لِعَدَمِ وُجُوبِ مُوَالَاةٍ) فِيهَا، قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَك أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ بَلْ عَلَى رَفْعِ الْمَسْحِ لِلْحَدَثِ وَعَدَمِ تَبَعُّضِهِ، وَإِذَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) إلَّا إذَا زَالَتْ الْجَبِيرَةُ أَوْ بَرِئَتْ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهَا (فِي) طَهَارَةٍ (صُغْرَى مَعَ قَصْرِ فَصْلٍ) ، فَيُجْزِئُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا، وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الطَّهَارَةِ لِبَقَاءِ الْمُوَالَاةِ بِحَالِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيَحْرُمُ الْجَبْرُ بِجَبِيرَةٍ نَجِسَةٍ كَجِلْدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الْمَيْتَةِ وَالْخَرِقَةِ النَّجِسَةِ وَالْخُفِّ النَّجِسِ، وَكَذَا الْحَرِيرُ لِذَكَرٍ وَبِمَغْصُوبٍ وَالْمَسْحُ عَلَى ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَكَذَا الصَّلَاةُ فِيهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. [بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ] (نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ) جَمْعُ: نَاقِضَةٍ بِمَعْنَى نَاقِضٍ، إنْ قِيلَ لَا يُجْمَعُ فَاعِلٌ عَلَى فَوَاعِلَ وَصْفًا مُطْلَقًا، وَشَذَّ فَوَارِسُ وَهَوَالِكُ وَنَوَاكِسُ فِي فَارِسٍ وَهَالِكٍ وَنَاكِسٍ، خَصَّهُ ابْنُ مَالِكٍ وَطَائِفَةٌ بِمَا إذَا كَانَ وَصْفًا لِعَاقِلٍ، وَمَا هُنَا لَيْسَ مِنْهُ، يُقَالُ: نَقَضْتُ الشَّيْءَ إذَا أَفْسَدْتَهُ، وَالنَّقْضُ حَقِيقَةً فِي الْبِنَاءِ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعَانِي مَجَازٌ كَنَقْضِ الْوُضُوءِ، وَنَقْضِ الْعِلَّةِ، وَعَلَاقَتُهَا الْإِبْطَالُ. (وَهِيَ مُفْسِدَاتُهُ) أَيْ: الْوُضُوءِ (ثَمَانِيَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ: (أَحَدُهَا: الْخَارِجُ مِنْ سَبِيلٍ إلَى مَا) هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، (يَلْحَقُهُ حُكْمُ تَطْهِيرٍ) مِنْ حَدَثٍ وَخَبَثٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ» . الْحَدِيثَ، «وَقَوْلُهُ فِي الْمَذْيِ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» وَقَوْلُهُ «لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وَقَوْلُهُ: يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ مُخْرِجٌ لِبَاطِنِ فَرْجِ الْأُنْثَى إنْ قُلْنَا: هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ تَطْهِيرُهُ لِلْمَشَقَّةِ، (وَلَوْ) كَانَ الْخَارِجُ (بِظُهُورِ مَقْعَدَةٍ عُلِمَ بَلَلُهَا) نَصًّا، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بَلَلُهَا فَلَا نَقْضَ، أَوْ كَانَ طَرَفَ مُصْرَانٍ أَوْ رَأْسَ دُودَةٍ، نُقِضَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (أَوْ) كَانَ الْخَارِجُ (نَادِرًا كَرِيحٍ مِنْ قُبُلٍ) ، وَحَصَى مِنْ دُبُرٍ، فَيُنْقَضُ كَالْمُعْتَادِ، وَهُوَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرِّيحُ مِنْ الدُّبُرِ، لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ دَمُ عِرْقٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: أَسَانِيدُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، فَأَمَرَهَا بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَدَمُهَا غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلٍ، فَأَشْبَهَ الْمُعْتَادَ، وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ حَدَثٍ أَوْ رِيحٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ يَشْمَلُ الرِّيحَ مِنْ الْقُبُلِ وَالْحَصَاةَ تَخْرُجُ مِنْ دُبُرٍ نَجِسَةٍ، (أَوْ) كَانَ (طَاهِرًا كَمَنِيٍّ) وَوَلَدٍ بِلَا دَمٍ فَيُنْقَضُ، (أَوْ) كَانَ (مُقَطَّرًا) - بِفَتْحِ الطَّاءِ مُشَدَّدَةً - بِأَنْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا، ثُمَّ خَرَجَ فَيُنْقَضُ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ بَلَّةٍ نَجِسَةٍ تَصْحَبُهُ، وَيَنْجَسُ لِنَجَاسَةِ مَا لَاقَاهُ، قَطَعَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ ". (أَوْ) كَانَ (مُحْتَشًّا) ، بِأَنْ احْتَشَى قُطْنًا أَوْ نَحْوَهُ فِي دُبُرِهِ أَوْ فِي قُبُلِهِ (وَابْتَلَّ) ، ثُمَّ خَرَجَ، انْتَقَضَ وُضُوءُهُ سَوَاءٌ كَانَ طَرَفُهُ خَارِجًا أَوْ لَا، وَظَاهِرُهُ إنْ لَمْ يَبْتَلْ لَا يُنْقَضُ. قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَ " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ "، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ "، وَابْنُ عُبَيْدَانَ قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ، وَلَمْ يَصْحَبْهُ نَجَاسَةٌ فَلَمْ يُنْقَضْ انْتَهَى. وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُحْتَشَى فِي دُبُرِهِ يَنْقُضُ إذَا خَرَجَ مُطْلَقًا (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " - حَيْثُ قَالَ: فَلَوْ احْتَمَلَ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ قُطْنًا أَوْ مِيلًا، ثُمَّ خَرَجَ وَلَوْ بِلَا بَلَلٍ نَقَضَ. وَمَا قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ " صَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ "، وَصَوَّبَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ "، وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِ " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " يُسَاعِدُهُ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (أَوْ) أَنْزَلَ بِوَطْئِهِ دُونَ فَرْجٍ (مَنِيًّا) ، ثُمَّ (دَبَّ) الْمَنِيُّ إلَى الْفَرْجِ، ثُمَّ خَرَجَ نَقَضَ، (أَوْ اسْتَدْخَلَ) الْمَنِيَّ بِنَحْوِ قُطْنَةٍ فِي فَرْجٍ، ثُمَّ خَرَجَ نَقَضَ، لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلٍ لَا يَخْلُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 عَنْ بَلَّةٍ تَصْحَبُهُ مِنْ الْفَرْجِ، وَالْحُقْنَةُ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الْفَرْجِ، أَوْ أَدْخَلَ الْحَاقِنُ أَوْ الْمُحْتَقِنُ رَأْسَ الزَّرَّاقَةِ فِي دُبُرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ نَقَضَ، لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلٍ. وَ (لَا) يَنْقُضُ (خَارِجٌ) إنْ كَانَ (دَائِمًا، كَدَمِ اسْتِحَاضَةٍ) وَسَلَسِ بَوْلٍ وَنَحْوِهِ لِلضَّرُورَةِ، (وَلَا) يَنْقُضُ (يَسِيرُ نَجَسٍ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْ) - أَيْ: قُبُلَيْ - (خُنْثَى مُشْكِلٍ غَيْرَ بَوْلٍ وَغَائِطٍ) لِلشَّكِّ فِي النَّاقِضِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ فَرْجٍ أَصْلِيٍّ، فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ كَثِيرًا أَوْ بَوْلًا أَوْ غَائِطًا أَوْ خَرَجَ النَّجَسُ أَوْ الطَّاهِرُ مِنْهُمَا مَعًا نَقَضَ، (وَلَا إنْ صَبَّ دُهْنًا فِي أُذُنِهِ فَوَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا أَوْ) خَرَجَ (مِنْ فَمِهِ) ، لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ طَاهِرٍ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ، أَشْبَهَ الْبُصَاقَ. (وَمَتَى انْسَدَّ الْمَخْرَجُ) الْمُعْتَادُ وَلَوْ خِلْقَةً، (وَانْفَتَحَ غَيْرُهُ، وَلَوْ) كَانَ الْمُنْفَتِحُ (أَسْفَلَ الْمَعِدَةِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ) - أَيْ: الْمُنْفَتِحِ - (حُكْمُ) الْمَخْرَجِ (الْمُعْتَادِ؛ فَلَا نَقْضَ بِرِيحٍ مِنْهُ، وَلَا بِمَسِّهِ) ، وَلَا بِخُرُوجٍ يَسِيرٍ نَجَسٍ غَيْرَ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، (وَلَا يُجْزِئُ فِيهِ اسْتِجْمَارٌ، وَلَا غَسْلٌ بِإِيلَاجٍ فِيهِ) بِلَا إنْزَالٍ، (وَأَحْكَامُ الْمَخْرَجِ الْمُنْسَدِّ بَاقِيَةٌ) لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " (وَفِي " النِّهَايَةِ " إلَّا أَنْ يَكُونَ سُدَّ خِلْقَةً، فَسَبِيلُ الْحَدَثِ الْمُنْفَتِحِ وَالْمَسْدُودِ كَعُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ خُنْثَى انْتَهَى) كَلَامُ " النِّهَايَةِ ". (وَيَتَّجِهُ: وَهُوَ) - أَيْ: كَلَامُ " النِّهَايَةِ " - (حَسَنٌ إنْ كَانَ الْمُنْفَتِحُ أَسْفَلَ الْمَعِدَةِ) مَعَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْمُنْفَتِحِ أَحْكَامُ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَمَا قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ مَرْجُوحٌ. (الثَّانِي) مِنْ النَّوَاقِضِ: (خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ بَاقِي الْبَدَنِ) غَيْرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 السَّبِيلَيْنِ: (فَبَوْلٌ وَغَائِطٌ يَنْقُضُ مُطْلَقًا) ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، (وَغَيْرُهُمَا) - أَيْ: غَيْرُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ - (كَدَمٍ وَقَيْحٍ وَقَيْءٍ، وَلَوْ) خَرَجَ الْقَيْءُ (بِحَالِهِ) بِأَنْ شَرِبَ نَحْوَ مَاءٍ وَقَذَفَهُ بِصِفَتِهِ، لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ بِوُصُولِهِ إلَى الْجَوْفِ لَا بِاسْتِحَالَتِهِ، (لَمْ يَنْقُضُ إلَّا مَا فَحَشَ فِي نَفْسِ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ) ، رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْخَلَّالُ: الَّذِي اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ الْفَاحِشَ: مَا يَسْتَفْحِشُهُ كُلُّ إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ حَالِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَسْتَفْحِشُهُ غَيْرُهُ حَرَجٌ، فَيَكُونُ مَنْفِيًّا. وَبِالنَّقْضِ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ، لِحَدِيثِ مَعْدَانُ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاءَ فَتَوَضَّأَ، قَالَ: فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: صَدَقَ: أَنَا سَكَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: حَدِيثُ ثَوْبَانَ ثَبَتَ عِنْدَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. (وَلَوْ) كَانَ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ الْفَاحِشَةِ مِنْ بَاقِي الْبَدَنِ (بِقُطْنَةٍ) أَوْ خِرْقَةٍ، (أَوْ) كَانَ (بِمَصِّ نَحْوِ عَلَقٍ) كَقُرَادٍ، إذْ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمُعَالَجَةٍ لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِهِ. وَ (لَا) يَنْقُضُ مَا خَرَجَ بِمَصٍّ (نَحْوِ بَعُوضٍ) كَذُبَابٍ وَقَمْلٍ وَبَرَاغِيثَ لِقِلَّتِهِ، وَمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ، وَفِي " حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ ": الْبَعُوضُ: صِغَارُ الْبَقِّ. (وَلَا يَنْقُضُ بَلْغَمُ مَعِدَةٍ وَصَدْرٌ وَرَأْسٌ لِطَهَارَتِهِ) كَالْبُصَاقِ وَالنُّخَامَةِ، لِأَنَّهَا تُخْلَقُ مِنْ الْبَدَنِ، (وَلَا) يَنْقُضُ أَيْضًا (جُشَاءُ نَصًّا) ، وَهُوَ: الْقَلَسُ - بِالتَّحْرِيكِ، وَقِيلَ: بِسُكُونِ اللَّامِ -: مَا خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ دُونَهُ، وَلَيْسَ بِقَيْءٍ، لَكِنَّهُ حُكْمُهُ فِي النَّجَاسَةِ، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ قَيْءٌ. . (الثَّالِثُ) مِنْ النَّوَاقِضِ: (زَوَالُ عَقْلٍ) بِجُنُونٍ أَوْ بِرْسَامٍ كَثِيرًا كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 أَوْ قَلِيلًا، وَهُوَ غَرِيزَةٌ كَالنُّورِ يُقْذَفُ فِي الْقَلْبِ فَيَسْتَعِدُّ لِإِدْرَاكِ الْأَشْيَاءِ فَيَعْلَمُ وُجُوبَ الْوَاجِبَاتِ، وَجَوَازَ الْجَائِزَاتِ، وَاسْتِحَالَةَ الْمُسْتَحِيلَاتِ، وَيَتَلَمَّحُ بِهِ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ، وَذَلِكَ النُّورُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ. (أَوْ تَغْطِيَتُهُ) - أَيْ: الْعَقْلِ - (بِإِغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ) ، أَوْ دَوَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": إجْمَاعًا عَلَى كُلِّ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَشْعُرُونَ بِحَالٍ (حَتَّى بِنَوْمٍ) ، وَهُوَ غَشْيَةٌ ثَقِيلَةُ تَقَعُ عَلَى الْقَلْبِ تَمْنَعُ الْمَعْرِفَةَ بِالْأَشْيَاءِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ يَرْفَعُهُ «الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ اُسْتُطْلِقَ الْوِكَاءُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَالسَّهُ: حَلْقَةُ الدُّبُرِ. وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْحَدِيثَيْنِ، فَقَالَ: حَدِيثُ عَلِيٍّ أَثْبَتُ وَأَقْوَى. وَفِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ تَنْبِيهٌ عَلَى وُجُوبِهِ بِمَا هُوَ آكَدُ مِنْهُ كَالْجُنُونِ وَالسُّكْرِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ الْحَدَثِ، فَأُقِيمَ مَقَامَهُ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: (وَلَوْ تَلَجَّمَ) عَلَى الْمَخْرَجِ (فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ) إلْحَاقًا بِالْغَالِبِ، (إلَّا نَوْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطْلَقًا) ، أَيْ: كَثِيرًا كَانَ أَوْ يَسِيرًا، لِأَنَّ نَوْمَهُ كَانَ يَقَعُ عَلَى عَيْنَيْهِ دُونَ قَلْبِهِ كَمَا صَحَّ عَنْهُ، وَقِيَاسُهُ كُلُّ نَبِيٍّ، (وَ) إلَّا (نَوْمًا يَسِيرًا عُرْفًا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ جَالِسٍ) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ مِنْ مُنْتَظِرِي الصَّلَاةِ فَعُفِيَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ، (وَ) إلَّا يَسِيرًا عُرْفًا مِنْ قَائِمٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فِي قِصَّةِ تَهَجُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلْتُ إذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْجَالِسَ فِي التَّحَفُّظِ، وَاجْتِمَاعِ الْمَخْرَجِ، وَرُبَّمَا كَانَ الْقَائِمُ أَبْعَدَ مِنْ الْحَدَثِ لِكَوْنِهِ لَوْ اشْتَغَلَ فِي النَّوْمِ سَقَطَ، (فَلَا اعْتِبَارَ بِالرُّؤْيَا) . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وَهِيَ أَظْهَرُ، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": إنْ رَأَى رُؤْيَا فَهُوَ يَسِيرٌ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ رَأَى رُؤْيَا فَهُوَ كَثِيرٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا بُدَّ فِي النَّوْمِ النَّاقِضِ مِنْ الْغَلَبَةِ عَلَى الْعَقْلِ، فَمَنْ سَمِعَ كَلَامَ غَيْرِهِ وَفَهِمَهُ فَلَيْسَ بِنَائِمٍ، فَإِنْ سَمِعَهُ وَلَمْ يَفْهَمْهُ فَيَسِيرٌ. قَالَ: وَإِذَا سَقَطَ السَّاجِدُ عَنْ هَيْئَتِهِ، أَوْ الْقَائِمُ عَنْ قِيَامِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ، لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَعُدُّونَ ذَلِكَ كَثِيرًا، (فَإِنْ شَكَّ فِي كَثْرَةِ نَوْمٍ لَمْ يَنْقُضْ، لِتَيَقُّنِهِ) الطَّهَارَةَ وَشَكِّهِ فِي نَقْضِهَا. (وَيَنْقُضُ نَوْمٌ يَسِيرٌ مِنْ رَاكِعٍ وَسَاجِدٍ) ، كَمُضْطَجِعٍ، وَقِيَاسُهُمَا عَلَى الْجَالِسِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مَحَلَّ الْحَدَثِ فِيهِمَا مُنْفَتِحٌ بِخِلَافِ الْجَالِسِ، (وَ) يَنْقُضُ الْيَسِيرُ أَيْضًا مِنْ (مُسْتَنِدٍ، وَمُتَّكِئٍ وَمُحْتَبِي كَمُضْطَجِعٍ) بِجَامِعِ الِاعْتِمَادِ. (الرَّابِعُ) مِنْ النَّوَاقِضِ: (مَسُّ فَرْجِ آدَمِيٍّ) دُونَ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا (مُتَّصِلٍ) : صِفَةٌ لِفَرْجٍ، فَلَا نَقْضَ بِمَسٍّ مُنْفَصِلٍ، لِذَهَابِ حُرْمَتِهِ بِقَطْعِهِ، (أَصْلِيٍّ) : صِفَةٌ أَيْضًا، فَلَا يَنْقُضُ مَسُّ زَائِدٍ، وَلَا أَحَدُ فَرْجَيْ خُنْثَى مُشْكِلٍ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ (بِلَا حَائِلٍ، وَلَوْ) كَانَ الْفَرْجُ الْمَمْسُوسُ (دُبُرًا، أَوْ) كَانَ الْمَمْسُوسُ فَرْجُهُ (مَيِّتًا) لِبَقَاءِ حُرْمَتِهِ، (أَوْ) كَانَ الْفَرْجُ (أَشَلَّ) لَا نَفْعَ فِيهِ لِبَقَاءِ اسْمِهِ وَحُرْمَتِهِ، لِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ بُسْرَةَ وعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ مَعْنَاهُ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْأَثْرَمُ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو زُرْعَةَ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " وَلَيْسَ دُونَهُ سِتْرٌ " وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بِضْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا، وَهَذَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ قَالُوهُ عَنْ تَوْقِيفٍ. وَمَا رَوَى قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، هَلْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ؟ قَالَ: لَا إنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَلَفْظُهُ لِأَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ - ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ: قَيْسٌ لَا تَقُومُ بِرِوَايَتِهِ حُجَّةٌ، وَلَوْ سُلِّمَ صِحَّتُهُ فَهُوَ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّ طَلْقَ بْنَ عَلِيٍّ " قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُؤَسِّسُ فِي الْمَسْجِدِ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّأْسِيسَ كَانَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ، وَإِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، وَبُسْرَةَ فِي الثَّامِنَةِ عَامَ الْفَتْحِ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصًّا فِي النَّسْخِ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ. (أَوْ) كَانَ الْمَمْسُوسُ (قُلْفَةً) : بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ - قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَتَحَرُّكُ - جِلْدَةِ الذَّكَرِ، لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الذَّكَرِ وَحُرْمَتِهِ مَا اتَّصَلَتْ بِهِ، (أَوْ) كَانَ الْمَمْسُوسُ (قُبُلَيْ خُنْثَى مُشْكِلٍ) لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَرْجٌ أَصْلِيٌّ فَيَنْقُضُ مَسُّهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ زَائِدٌ، (أَوْ) كَانَ مَسُّ غَيْرِ خُنْثَى مِنْ خُنْثَى (لِشَهْوَةٍ مَا لِلَّامِسِ مَثَلُهُ) بِأَنْ مَسَّ ذَكَرٌ ذَكَرَ خُنْثَى لِشَهْوَةٍ، أَوْ أُنْثَى قُبُلَهُ الَّذِي يُشْبِهُ فَرْجَهَا لِشَهْوَةٍ، فَيُنْقَضُ وُضُوءُ اللَّامِسِ، لِتَحَقُّقِ النَّقْضِ بِكُلِّ حَالٍ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا نَقْضَ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ. وَإِنْ مَسَّ خُنْثَى قُبُلَيْ خُنْثَى آخَرَ أَوْ قُبُلَيْ نَفْسِهِ؛ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لِتَيَقُّنِ النَّقْضِ، وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا فَلَا. وَمَسُّ دُبُرِهِ كَدُبُرِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ أَصْلِيٌّ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، وَإِنْ تَوَضَّأَ خُنْثَى، وَلَمَسَ أَحَدَ فَرْجَيْهِ، وَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ، وَلَمَسَ الْآخَرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ أَوْ فَائِتَةً لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا دُونَ الْوُضُوءِ. قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " (أَوْ) كَانَ الْمَسُّ مِمَّنْ (لَمْ يُتَعَمَّدْ) فَيُنْقَضُ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 (بِيَدٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِمَسِّ، وَهِيَ مِنْ رُءُوسِ أَصَابِعَ (إلَى كُوعٍ) ؛ فَلَا نَقْضَ إذَا مَسَّهُ بِغَيْرِهَا، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ «مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ» وَلِأَنَّ غَيْرَ الْيَدِ لَيْسَ بِآلَةِ اللَّمْسِ (وَلَوْ) كَانَتْ الْيَدُ (زَائِدَةً) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَطْنِ الْكَفِّ وَظَهْرِهَا وَحَرْفِهَا، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا أَشْبَهَ بَطْنَهَا، (خَلَا ظُفْرٍ) فَلَا يَنْقُضُ الْمَسُّ بِهِ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ. (وَلَا نَقْضَ بِمَسِّ مَحَلِّ فَرْجٍ بَائِنٍ) أَيْ: مَحَلِّ ذَكَرٍ مَقْطُوعٍ مِنْ مَحَلِّ أُصُولِ الْأُنْثَيَيْنِ كَسَائِرِ الْبَدَنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّ ذَكَرًا، وَكَذَا مَسُّ الْبَائِنِ لِذَهَابِ حُرْمَتِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ. (وَلَا) نَقْضَ (بِ) مَسِّ (الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ) مَسِّ (مَا بَيْنَ الْفَرْجَيْنِ) ، لِعَدَمِ إطْلَاقِ الْفَرْجِ عَلَى ذَلِكَ (أَوْ) أَيْ: وَلَا نَقْضَ بِمَسِّ (فَرْجِ بَهِيمَةٍ، أَوْ شُفْرَيْ أُنْثَى، وَهُمَا) : إسْكَتَاهَا، أَيْ: (حَافَّتَا فَرْجِهَا) ، لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْفَرْجِ (بَلْ) يَحْصُلُ النَّقْضُ (بِ) مَسِّ (مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ وَحَيْضٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَالْفَرْجُ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٍ فَيَعُمُّ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ إلَيْهِ وَكَالذَّكَرِ. (وَلَا نَقْضَ بِمَسٍّ) بِعُضْوٍ (غَيْرَ يَدٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ (إلَّا بِمَسِّ) رَجُلٍ (ذَكَرَهُ فَرْجَهَا) ، أَيْ: الْمَرْأَةِ (أَوْ) بِمَسِّ (دُبُرِهِمَا) ، أَيْ: الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ، (أَوْ) بِمَسِّهَا (هِيَ) ، أَيْ الْمَرْأَةِ (بِهِمَا) - أَيْ: بِقُبُلِهَا أَوْ دُبُرِهَا - (ذَكَرَهُ) أَيْ: الرَّجُلِ فَيُنْقَضُ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَفْحَشُ مِنْ الْمَسِّ بِالْيَدِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِمَسِّ ذَكَرٍ بِذَكَرٍ، وَلَا دُبُرٍ بِدُبُرٍ، وَلَا قُبُلِ امْرَأَةٍ بِقُبُلِ أُخْرَى، أَوْ دُبُرِهَا. (الْخَامِسُ) مِنْ النَّوَاقِضِ: (لَمْسُ ذَكَرٍ لِأُنْثَى) بِشَهْوَةٍ بِلَا حَائِلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] وَخَصَّ بِمَا إذَا كَانَ بِشَهْوَةٍ جَمْعًا بَيْنَ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّهَا «قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ، فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَنَصْبُهُمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي. وَرُوِيَ عَنْهَا أَيْضًا أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَمْزَهُ رِجْلَيْهَا كَانَ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلِأَنَّ اللَّمْسَ لَيْسَ بِحَدَثٍ، وَإِنَّمَا هُوَ دَاعٍ إلَيْهِ، فَاعْتُبِرَتْ الْحَالَةُ الَّتِي يَدْعُو إلَيْهِ فِيهَا، وَهِيَ حَالُ الشَّهْوَةِ. (أَوْ) لَمْسُ (أُنْثَى لِذَكَرٍ) بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا (بِشَهْوَةٍ) ، لِأَنَّهَا مُلَامَسَةٌ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَاسْتَوَى فِيهَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى كَالْجِمَاعِ، سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْمَرْأَةِ إذَا مَسَّتْ زَوْجَهَا؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ فِيهَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا هِيَ شَقِيقَةُ الرَّجُلِ، يُعْجِبُنِي أَنْ تَتَوَضَّأَ. (بِلَا حَائِلٍ) لِأَنَّهُ مَعَ الْحَائِلِ لَمْ يَلْمِسْ بَشَرَتَهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمَسَ ثِيَابَهَا بِشَهْوَةٍ، وَالشَّهْوَةُ لَا تُوجِبُ الْوُضُوءَ بِمُجَرَّدِهَا، كَمَا لَوْ وُجِدَتْ مِنْ غَيْرِ لَمْسِ شَيْءٍ، (وَلَوْ) كَانَ اللَّمْسُ (بِ) عُضْوٍ (زَائِدٍ لِزَائِدٍ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ أَوْ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ كَالْأَصْلِيِّ، (أَوْ) كَانَ اللَّمْسُ لِعُضْوٍ (أَشَلَّ) لَا نَفْعَ فِيهِ أَوْ بِهِ، (أَوْ) كَانَ اللَّمْسُ (لِمَيِّتٍ) لِلْعُمُومِ، وَكَمَا يَجِبُ الْغُسْلُ لِوَطْءِ الْمَيِّتِ، (أَوْ) كَانَ اللَّمْسُ لِ (هَرِمٍ) أَوْ (مَحْرَمٍ) ، لِمَا سَبَقَ. وَ (لَا) يَنْقُضُ لَمْسٌ مُطْلَقًا (لِشَعْرٍ وَظُفْرٍ وَسِنٍّ، وَلَا اللَّمْسُ بِذَلِكَ) ، أَيْ: السِّنِّ وَالظُّفْرِ وَالشَّعْرِ، لِأَنَّهَا تَنْفَصِلُ فِي حَالِ السَّلَامَةِ أَشْبَهَ لَمْسَ الدَّمْعِ، وَلِذَلِكَ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَنَحْوُهُ أَوْقَعَ بِهَا، (وَلَا) يَنْقُضُ لَمْسُ (مَنْ) لَهَا أَوْ لَهُ (دُونَ سَبْعٍ) ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ، (وَلَا) لَمْسُ (الرَّجُلِ الْأَمْرَدِ) وَهُوَ: الشَّابُّ طَرَّ شَارِبُهُ وَلَمْ تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ "، وَلَوْ لِشَهْوَةٍ (أَوْ) لَمْسُ (امْرَأَةٍ لِامْرَأَةٍ) وَلَوْ لِشَهْوَةٍ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ النَّصِّ لَهُ، (وَلَا إنْ وُجِدَ مَمْسُوسُ فَرْجٍ أَوْ مَلْمُوسُ بَدَنٍ بِشَهْوَةٍ) يَعْنِي: لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 مَمْسُوسِ فَرْجِهِ وَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُ شَهْوَةٌ، وَلَا وُضُوءُ مَمْسُوسِ بَدَنِهِ بِشَهْوَةٍ وَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُ شَهْوَةٌ، بَلْ يَخْتَصُّ النَّقْضُ بِالْمَاسِّ وَاللَّامِسِ لِتَنَاوُلِ النَّصِّ لَهُمَا (وَيَتَّجِهُ نَقْضُ) وُضُوءِ (كُلٍّ) مَنْ مُتَلَامِسَيْنِ (لَوْ تَلَامَسَا مَعًا) لِشَهْوَةٍ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَامِسٌ وَمَلْمُوسٌ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا نَقْضَ) أَيْضًا (بِانْتِشَارٍ عَنْ فِكْرٍ وَتَكْرَارِ نَظَرٍ) ، لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، (وَ) لَا (بِلَمْسِ عُضْوٍ مَقْطُوعٍ) لِزَوَالِ حُرْمَتِهِ، (وَلَا) مَسِّ (خُنْثَى مُشْكِلٍ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ، (وَلَا بِلَمْسِهِ) - أَيْ: الْخُنْثَى - (رَجُلًا) فَقَطْ (أَوْ امْرَأَةً) فَقَطْ وَلَوْ لِشَهْوَةٍ، لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنُ الطَّهَارَةِ شَاكٌّ فِي الْحَدَثِ، (فَلَوْ لَمَسَ) الْخُنْثَى (كُلًّا مِنْهُمَا) - أَيْ: الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ - (بِشَهْوَةٍ، أَوْ لَمَسَاهُ) - أَيْ: لَمَسَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ الْخُنْثَى - (لَهَا) - أَيْ: لِلشَّهْوَةِ - (انْتَقَضَ وُضُوءُهُ) - أَيْ: الْخُنْثَى - (فِي الْأُولَى) - أَيْ: فِي لَمْسِهِ لَهَا بِشَهْوَةٍ - (وَ) انْتَقَضَ (وُضُوءُ أَحَدِهِمَا) - أَيْ: الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ - (لَا بِعَيْنِهِ فِي الثَّانِيَةِ) ، وَهِيَ لَمْسُهُمَا لِلْخُنْثَى لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ لَمَسَتْهُ امْرَأَةٌ بِشَهْوَةٍ فَانْتَقَضَ وُضُوءُهَا، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ لَمَسَهَا رَجُلٌ بِشَهْوَةٍ فَانْتَقَضَ وُضُوءُهُ. (السَّادِسُ) مِنْ النَّوَاقِضِ: (غُسْلُ مَيِّتٍ) صَغِيرًا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَأْمُرَانِ غَاسِلَ الْمَيِّتِ بِالْوُضُوءِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَقَلُّ مَا فِيهِ الْوُضُوءُ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْغَاسِلَ غَالِبًا لَا يَسْلَمُ مِنْ مَسِّ عَوْرَةِ الْمَيِّتِ، فَأُقِيمَ مَقَامَهُ كَالنَّوْمِ مَعَ الْحَدَثِ، (أَوْ) غُسْلُ (بَعْضِهِ) الْمُتَّصِلِ بِهِ أَوْ الْمُنْفَصِلِ، فَلَوْ غَسَلَ يَدَ مَيِّتٍ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لَا إنْ غَسَلَ يَدَ سَارِقٍ، لِأَنَّهَا بَعْضُ حَيٍّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 (وَلَوْ) كَانَ الْمَيِّتُ (كَافِرًا) مَعَ تَحْرِيمِ غُسْلِهِ، (أَوْ) كَانَ (فِي قَمِيصٍ) فَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ غَاسِلِهِ، (لَا بِتَيَمُّمِهِ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - لِعُذْرٍ اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ (وَغَاسِلُهُ) - أَيْ: الْمَيِّتِ -: (مَنْ يُقَلِّبُهُ وَيُبَاشِرُهُ وَلَوْ مَرَّةً لَا مَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ) وَنَحْوَهُ. . (السَّابِعُ) مِنْ النَّوَاقِضِ: (أَكْلُ لَحْمِ إبِلٍ) عَلِمَهُ أَوْ جَهِلَهُ، (وَلَوْ) كَانَ (نِيئًا) ، لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: لَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ أَحْمَدُ: فِيهِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ: حَدِيثُ الْبَرَاءِ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ الْخَطَّابِيِّ: ذَهَبَ إلَى هَذَا عَامَّةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَدَعْوَى النَّسْخِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مَرْدُودَةٌ، وَقَدْ أَطَالَ فِيهِ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ". وَإِبِلٌ بِكِسْرَتَيْنِ، وَتُسْكَنُ الْبَاءُ قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": وَاحِدٌ يَقَعُ عَلَى الْجَمْعِ لَيْسَ بِجَمْعٍ وَلَا اسْمِ جَمْعٍ، وَجَمْعُهُ: آبَالٌ. (تَعَبُّدًا) ، أَيْ: لَا عَنْ حَدَثٍ - فَلَا يُعَلَّلُ وَلَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ، وَقَفَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ قَالَهُ الدَّنَوْشَرِيُّ. (فَلَا نَقْضَ بِ) تَنَاوُلِ (بَقِيَّةِ أَجْزَائِهَا) - أَيْ: الْإِبِلِ - (كَسَنَامٍ وَكَبِدٍ) وَقَلْبٍ (وَكِرْشٍ) وَطِحَالٍ وَمُصْرَانٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا، (وَلَا) نَقْضَ (بِشُرْبِ لَبَنٍ وَ) شُرْبِ (مَرَقِ لَحْمٍ) لِأَنَّ الْأَخْبَارَ الصَّحِيحَةَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي اللَّحْمِ. (الثَّامِنُ) مِنْ النَّوَاقِضِ: (الرِّدَّةُ) عَنْ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطَّهُورُ شَطْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الْإِيمَانِ» وَالرِّدَّةُ تُبْطِلُ الْإِيمَانَ. (وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ غُسْلًا) أَوْجَبَ وُضُوءًا (إلَّا الْمَوْتَ) فَلَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ بَلْ يُسَنُّ لَهُ. (فِيمَا مَرَّ) مِنْ الْمَسَائِلِ (نَوَاقِضُ مُشْتَرَكَةٌ) بَيْنَ الْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَغَيْرِهِ، (وَ) أَمَّا النَّوَاقِضُ (الْمُخْتَصَّةُ: كَزَوَالِ عُذْرٍ نَحْوِ مُسْتَحَاضَةٍ، وَخُرُوجِ وَقْتِ تَيَمُّمٍ، وَبُطْلَانِ مَسْحٍ) عَلَى الْخُفَّيْنِ وَنَحْوِهِمَا (بِفَرَاغِ مُدَّةٍ أَوْ خَلْعِ مَمْسُوحٍ، وَبُرْءِ جَبِيرَةٍ، وَقُدْرَةٍ عَلَى مَاءٍ بَعْدَ عَدَمِهَا) - أَيْ: الْقُدْرَةِ - (وَوُجُودُهُ) - أَيْ: الْمَاءِ - (لِعَادِمِهِ وَغَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ ذَلِكَ - (فَمَذْكُورٌ فِي أَبْوَابِهِ) فَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْحِ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ وَنَحْوُهُ يَأْتِي فِي بَابِ الْحَيْضِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّيَمُّمِ يَأْتِي فِي بَابِهِ. . (وَلَا نَقْضَ بِكَلَامٍ) مُحَرَّمٍ: كَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالْقَذْفِ وَالسَّبِّ وَنَحْوِهَا بَلْ يُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ الْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ، (وَ) لَا بِأَكْلِ (طَعَامٍ) مُحَرَّمٍ، (وَ) لَا بِأَكْلِ (لَحْمٍ مُحَرَّمٍ بَلْ يُسَنُّ) الْوُضُوءُ لِذَلِكَ، (وَلَا) نَقْضَ (بِإِزَالَةِ نَحْوِ شَعْرٍ) كَسِنٍّ (وَظُفْرٍ) ، خِلَافًا لِمَا حُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ، لِأَنَّ غَسْلَهُ أَوْ مَسْحَهُ أَصْلٌ لَا بَدَلٌ عَمَّا تَحْتَهُ، بِخِلَافِ الْخُفِّ. (وَلَا) نَقْضَ (بِقَهْقَهَةٍ) وَلَوْ (فِي صَلَاةٍ) ، وَهِيَ: أَنْ يَضْحَكَ حَتَّى يَحْصُلَ مِنْ ضَحِكِهِ حَرْفَانِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. (وَلَا) نَقْضَ (بِ) أَكْلِ (مَا مَسَّتْهُ نَارٌ) لِقَوْلِ جَابِرٍ «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ (وَلَا يُسْتَحَبُّ وُضُوءٌ لِذَلِكَ) ، أَيْ: لِإِزَالَةِ نَحْوِ الشَّعْرِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 [فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ] (فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ (وَمَنْ شَكَّ) - أَيْ: تَرَدَّدَ، قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": الشَّكُّ: خِلَافُ الْيَقِينِ - (فِي طَهَارَةٍ) بَعْدَ يَقِينِ حَدَثٍ (أَوْ) شَكَّ فِي (حَدَثٍ) بَعْدَ يَقِينِ طَهَارَةٍ، (وَلَوْ) كَانَ شَكُّهُ (فِي غَيْرِ صَلَاةٍ) (بَنَى عَلَى يَقِينِهِ) ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ فِي الْأُولَى، وَالْحَدَثُ فِي الثَّانِيَةِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: «شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ إذَا شَكَّ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ فَيَجِبُ سُقُوطُهُمَا كَالْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا، وَيَرْجِعُ إلَى الْيَقِينِ (وَلَوْ عَارَضَهُ ظَنٌّ) ، لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ضَابِطٌ فِي الشَّرْعِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا كَظَنِّ صِدْقِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ، هَذَا اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ إنْ تَسَاوَى الِاحْتِمَالَانِ فَهُوَ شَكٌّ، وَإِلَّا فَالرَّاجِحُ ظَنٌّ، وَالْمَرْجُوحُ وَهْمٌ، وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ كَمَا فِي " الْقَامُوسِ " قَالَ فِي مُقَدِّمَةِ الرَّوْضَةِ: الْيَقِينُ مَا أَذْعَنَتْ النَّفْسُ لِلتَّصْدِيقِ بِهِ، وَقَطَعَتْ بِهِ، وَقَطَعَتْ بِأَنَّ قَطْعَهَا صَحِيحٌ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: فِي تَسْمِيَتِهِ مَا هُنَا يَقِينًا بَعْدَ وُرُودِ الشَّكِّ عَلَيْهِ نَظَرٌ، نَعَمْ كَانَ يَقِينًا ثُمَّ صَارَ الْآنَ شَكًّا، فَاعْتُبِرَتْ صِفَتُهُ السَّابِقَةُ، وَقُدِّمَتْ عَلَى صِفَتِهِ اللَّاحِقَةِ، لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ السَّابِقِ لِمَا قَارَنَهُ مِنْ الْيَقِينِ، وَتَقْدِيمًا لَهُ عَلَى الْوَصْفِ اللَّاحِقِ لِنُزُولِهِ عَنْ دَرَجَتِهِ. (وَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا) - أَيْ: الْحَدَثَ وَالطَّهَارَةَ - بِالْمَعْنَى الْوَصْفِيِّ لَا الْفِعْلِيِّ، لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ مَا سَيَأْتِي، أَيْ: تَيَقَّنَ كَوْنَهُ اتَّصَفَ بِالْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ بَعْدَ الشُّرُوقِ مَثَلًا، (وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا) بِأَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 لَمْ يَدْرِ الْحَدَثَ قَبْلَ الطَّهَارَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ، (فَإِنْ جَهِلَ قَبْلَهُمَا) ، بِأَنْ لَمْ يَدْرِ هَلْ كَانَ مُحْدِثًا، أَوْ مُتَطَهِّرًا قَبْلَ الشُّرُوقِ، (تَطَهَّرَ) وُجُوبًا إذَا أَرَادَ فِعْلَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا، لِتَيَقُّنِهِ الْحَدَثَ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، لِأَنَّ وُجُودَ يَقِينِ الطَّهَارَةِ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى مَشْكُوكٌ فِيهِ أَكَانَ قَبْلَ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَصْحَبَةٍ، وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ هُنَا، (وَإِلَّا) : بِأَنْ لَمْ يَجْهَلْ قَبْلَهُمَا بَلْ عَلِمَهَا (فَهُوَ عَلَى ضِدِّهَا) : فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَمُحْدِثٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَمُتَطَهِّرٌ، لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ زَوَالَ تِلْكَ الْحَالِ إلَى ضِدِّهَا، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُهُ مَشْكُوكٌ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، (وَإِنْ عَلِمَهَا) - أَيْ: قَبْلَهُمَا (لَكِنْ تَيَقَّنَ فِعْلَهُمَا) - أَيْ: الطَّهَارَةَ وَالْحَدَثَ - حَالَ كَوْنِ فِعْلِ الطَّهَارَةِ (رَفْعًا لِلْحَدَثِ، وَ) حَالَ كَوْنِ فِعْلِ الْحَدَثِ (نَقْضًا لِطَهَارَةٍ) ، فَهُوَ عَلَى مِثْلِهَا: فَإِنْ كَانَ قَبْلُ مُتَطَهِّرًا فَمُتَطَهِّرٌ، لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَقَضَ تِلْكَ الطَّهَارَةَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مَعَ بَقَاءِ تِلْكَ الطَّهَارَةِ لِتَيَقُّنِ كَوْنِ طَهَارَتِهِ عَنْ حَدَثٍ، وَنَقْضُ هَذِهِ الطَّهَارَةِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَزُولُ بِهِ الْيَقِينُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلُ مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى طَهَارَةٍ، ثُمَّ أَحْدَثَ عَنْهَا وَلَمْ يَتَيَقَّنْ بَعْدَ الْحَدَثِ الثَّانِي طَهَارَةً، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَهُمَا تَطَهَّرَ لِمَا سَبَقَ، (أَوْ عَيَّنَ) لِفِعْلِ طَهَارَةٍ وَحَدَثٍ (وَقْتًا لَا يَسَعُهُمَا فَهُوَ عَلَى مِثْلِهَا) ، أَيْ: مِثْلِ حَالِهِ قَبْلَهَا، لِسُقُوطِ هَذَا الْيَقِينِ لِلتَّعَارُضِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَهُمَا تَطَهَّرَ، (فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمَا) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ أَوْ لَا، وَلَمْ يَدْرِ الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ أَوْ لَا (وَ) جَهِلَ أَيْضًا (أَسْبَقَهُمَا) ، فَعَلَى ضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا إنْ عَلِمَهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَمُقْتَضَى صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فَمُتَطَهِّرٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ صَرِيحَةٌ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الصُّورَةِ مُوَافَقَةً لَهُ فِيمَا بَعْدَهَا، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَجَوَابُ قَوْلِهِ: فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمَا وَأَسْبَقَهُمَا فَعَلَى ضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا: كَمَا ذَكَرْنَا، فَلْيَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ. وَإِنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةً وَفِعْلَ حَدَثٍ فَقَطْ، أَيْ: دُونَ كَوْنِهَا عَنْ حَدَثٍ أَوْ لَا، فَعَلَى ضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا، أَوْ تَيَقَّنَ حَدَثًا وَفِعْلَ طَهَارَةٍ فَقَطْ بِأَنْ لَمْ يَدْرِ الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ أَوْ لَا، فَهُوَ عَلَى ضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا تَيَقَّنَهُ كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَنَّ ضِدَّ ذَلِكَ هُوَ الطَّارِئُ، (أَوْ) أَيْ: وَإِنْ (تَيَقَّنَ أَنْ الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ، وَلَمْ يَدْرِ الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ أَوْ لَا) وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا، (فَمُتَطَهِّرٌ مُطْلَقًا) مُحْدِثًا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ مُتَطَهِّرًا، لِتَيَقُّنِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ بِالطَّهَارَةِ، وَشَكِّهِ فِي وُجُودِهِ بَعْدَهَا، (وَعَكْسُ هَذِهِ) الصُّورَةِ: بِأَنَّ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ، وَلَمْ يَدْرِ الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ أَوْ لَا (بِعَكْسِهَا) ، فَيَكُونُ مُحْدِثًا مُطْلَقًا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْدِثًا أَوْ مُتَطَهِّرًا، لِتَيَقُّنِهِ نَقْضَ الطَّهَارَةِ بِالْحَدَثِ، وَشَكِّهِ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الشَّكُّ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا مُطْلَقًا. (وَلَا وُضُوءَ عَلَى سَامِعَيْ صَوْتِ) رِيحٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، (أَوْ شَامَّيْ رِيحٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَتَحَقَّقْهُ مِنْهُ فَهُوَ مُتَيَقِّنُ الطَّهَارَةِ شَاكٌّ فِي الْحَدَثِ، (وَلَا) وُضُوءَ (إنْ مَسَّ وَاحِدٌ ذَكَرَ خُنْثَى وَ) مَسَّ (آخَرُ فَرْجَهُ) ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَسَّ الْأَصْلِيَّ مِنْ الْفَرْجَيْنِ، (وَإِنْ أَمَّ أَحَدُهُمَا) - أَيْ: أَحَدُ اثْنَيْنِ وَجَبَتْ الطَّهَارَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ - (الْآخَرَ، أَوْ صَافَّهُ وَحْدَهُ؛ أَعَادَا) صَلَاتَهُمَا، لِتَيَقُّنِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُحْدِثٌ، فَإِنْ صَافَّهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا إعَادَةَ لِانْتِفَاءِ الْفَذِّيَّةِ، وَإِنْ أَمَّهُ مَعَ آخَرَ أَعَادَ الْمُؤْتَمُّ مِنْهُمَا صَلَاتَهُ، (وَلَا) يُعِيدَا صَلَاتَهُمَا (إنْ تَوَضَّأَ) ، أَيْ: إنْ تَوَضَّأَ كُلٌّ مِنْهُمَا، لِزَوَالِ الِاعْتِقَادِ الَّذِي بَطَلَتْ صَلَاتُهُمَا لِأَجْلِهِ (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ، أَيْ: وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّأَ (أَحَدُهُمَا) ، وَأَمَّ الْآخَرَ أَوْ ائْتَمَّ بِهِ صَحَّ ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ وُضُوءُ أَحَدِهِمَا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَحْدَثَ مِنْهُمَا هُوَ الَّذِي لَمْ يَتَوَضَّأْ، (أَوْ صَافَّهُ) ، أَيْ: صَافَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (مَعَ) مَأْمُومٍ (ثَالِثٍ) فَلَا يُعِيدُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ صَلَاتَهُ، لِعَدَمِ تَيَقُّنِ مَا يُبْطِلُهَا (وَيَتَّجِهُ لَوْ أَمَّهُ) - أَيْ: أَمَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ - (مَعَ) مُتَطَهِّرٍ (ثَالِثٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يُعِدْ إمَامٌ) صَلَاتَهُ، لِعَدَمِ تَيَقُّنِهِ حَدَثَ نَفْسِهِ، (وَأَعَادَ صَاحِبُهُ) صَلَاتَهُ لِتَحَقُّقِ الْمُفْسِدِ، وَهُوَ إمَّا حَدَثُهُ، أَوْ حَدَثُ إمَامِهِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، أَوْ كَانَ خَلْفَهُ، وَوَقَفَ مَعَهُ غَيْرُهُ، لِزَوَالِ الْفَذِّيَّةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ مَا يَحْرُمُ بِالْحَدَثِ الْأَكْبَر وَالْأَصْغَر] (فَصْلٌ) (يَحْرُمُ بِحَدَثٍ) أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ (حَيْثُ لَا عُذْرَ) مَنَعَهُ مِنْ الطَّهَارَةِ (صَلَاةٌ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ. وَسَوَاءٌ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَلَا كُفْرَ بِالصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ، لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ كَسَائِرِ الْمَعَاصِي. (وَ) يَحْرُمُ بِهِ أَيْضًا (طَوَافٌ وَلَوْ نَفْلًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ (وَ) يَحْرُمُ بِهِ أَيْضًا (مَسُّ مُصْحَفٍ) (وَبَعْضِهِ وَلَوْ لِصَغِيرٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا وَفِيهِ: لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مُتَّصِلًا، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا. (حَتَّى جِلْدَهُ) - أَيْ: الْمُصْحَفِ - (الْمُتَّصِلَ) بِهِ، (وَ) حَتَّى (حَوَاشِيَهُ) ، وَمَا فِيهِ مِنْ وَرِقٍ أَبْيَضَ، لِأَنَّهُ يَشْمَلُهُ اسْمُ الْمُصْحَفِ، وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ (بِيَدٍ وَغَيْرِهَا) كَصَدْرٍ، إذْ كُلُّ شَيْءٍ لَاقَى شَيْئًا فَقَدْ مَسَّهُ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ (حَتَّى بِظُفْرٍ وَشَعْرٍ) وَسِنٍّ قَبْلَ انْفِصَالِهَا عَنْ مَحَالِّهَا تَعْظِيمًا لَهُ، وَاحْتِرَامًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يَحْرُمُ مَسُّهُ (بِحَائِلٍ كَكِيسٍ وَكُمٍّ) ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ لِلْحَائِلِ لَا لَهُ، (وَ) لَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ (تَصَفُّحُهُ) - أَيْ: الْمُصْحَفِ - (بِهِ) - أَيْ: الْحَائِلِ - (وَبِعُودٍ) ، لِمَا تَقَدَّمَ، (وَ) لَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ (حَمْلُ) مُصْحَفٍ (بِعِلَاقَةٍ) ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْأَجْرَامِ وَفَتْحِهَا فِي الْمَعَانِي - لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الْمَسِّ، وَالْحَمْلُ لَيْسَ بِمَسٍّ، (وَلَا) يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ (مَسُّ تَفْسِيرٍ مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، وَلَا كُتُبِ فِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَرَسَائِلَ فِيهَا آيَاتٌ مِنْ قُرْآنٍ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُصْحَفًا، (وَ) لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَسُّ (مَنْسُوخٍ تِلَاوَةً) ، وَإِنْ بَقِيَ حُكْمُهُ كَ: " الشَّيْخِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وَالشَّيْخَةِ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا " (وَ) لَا يَحْرُمُ مَسُّ (نَحْوِ تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ) وَزَبُورٍ وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَشِيثٍ وُجِدَتْ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْآنًا، (وَ) لَا مَسُّ (مَأْثُورٍ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى) كَالْأَحَادِيثِ الْقُدْسِيَّةِ، (وَ) لَا مَسُّ (رُقَى وَتَعَاوِيذَ فِيهَا قُرْآنٌ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وِفَاقًا. وَلَا يَحْرُمُ مَسُّ ثَوْبٍ رُقِّمَ بِقُرْآنٍ أَوْ فِضَّةٍ نُقِشَتْ بِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْجَوَازُ قَالَ فِي النَّظْمِ عَنْ الدِّرْهَمِ الْمَنْقُوشِ: هَذَا الْمَنْصُورُ. (وَ) لَا بَأْسَ بِمَسِّ (لَوْحٍ فِيهِ قُرْآنٌ لِصَغِيرٍ) ، فَلَا يَحْرُمُ عَلَى وَلِيِّهِ تَمْكِينُهُ مِنْ مَسِّ الْمَحَلِّ الْخَالِي مِنْ الْكِتَابَةِ لِلْمَشَقَّةِ، (وَلَا) يَجُوزُ تَمْكِينُ الصَّغِيرِ مِنْ مَسِّ (الْمَحَلِّ الْمَكْتُوبِ) فِيهِ الْقُرْآنُ مِنْهُ - أَيْ: مِنْ اللَّوْحِ - بِلَا طَهَارَةٍ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِمَسِّ الْخَالِي، وَمَا حَرُمَ بِلَا وُضُوءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ حَرُمَ بِلَا غُسْلٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لَا الْعَكْسِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ تَحْرُمُ بِلَا غُسْلٍ فَقَطْ. (وَيَحْرُمُ مَسُّ مُصْحَفٍ بِعُضْوٍ مُتَنَجِّسٍ) ، لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْحَدَثِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَكَذَا ذِكْرُ اللَّهِ بِنَجِسٍ، وَ (لَا) يَحْرُمُ مَسُّهُ (بِعُضْوٍ طَاهِرٍ) إذَا (تَنَجَّسَ غَيْرُهُ) مِنْ الْأَعْضَاءِ، لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يَتَعَدَّى وُجُوبُ غُسْلِهَا غَيْرَ مَحَلِّهَا، بِخِلَافِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلِمُحْدِثٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا نَسْخُهُ) - أَيْ: الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ، لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ مَسِّهِ، وَهِيَ لَيْسَتْ مَسًّا (وَ) لَهُ (أَخْذُ أُجْرَتِهِ) - أَيْ: النَّسْخِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، (وَيَأْتِي) فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ (إنْ مَلَكَهُ) - أَيْ: الْمُصْحَفَ - بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ. (وَحَرُمَ سَفَرٌ بِهِ) - أَيْ: الْمُصْحَفِ - (لِدَارِ حَرْبٍ) «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ عُرْضَةٌ لِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ وَاسْتِهَانَتِهِ، (وَ) حَرُمَ (كَتْبُهُ) - أَيْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الْقُرْآنِ - (مَعَ ذِكْرِ) اللَّهِ (بِ) شَيْءٍ (نَجِسٍ) ، أَوْ عَلَى شَيْءٍ نَجِسٍ، (وَإِنْ قَصَدَ إهَانَتَهُ) - أَيْ: الْقُرْآنِ أَوْ الذِّكْرِ بِذَلِكَ أَيْ: بِكَتْبِهِ بِالنَّجَسِ - (فَالْوَاجِبُ) عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ (قَتْلُهُ، كَمَا) ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ (" فِي الْفُنُونِ ") وَيَجِبُ غَسْلُ الْكِتَابَةِ وَتَحْرِيقُهَا لِلصِّيَانَةِ. (وَ) حَرُمَ (تَوَسُّدُهُ) أَيْ: الْمُصْحَفِ (وَوَزْنٌ بِهِ، وَاتِّكَاءٌ عَلَيْهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ ابْتِذَالٌ لَهُ. (وَ) حَرُمَ (كَتْبُهُ) - أَيْ: الْقُرْآنِ (بِحَيْثُ يُهَانُ) ، كَعَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ يُدَاسُ أَوْ يُجْلَسُ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ: قَتْلُهُ) ، أَيْ: قَتْلُ كَاتِبِ الْقُرْآنِ عَلَى مَحَلٍّ مُبْتَذَلٍ (إنْ قَصَدَ امْتِهَانَهُ بِذَلِكَ) الْكَتْبِ، قِيَاسًا عَلَى كَتْبِهِ بِالنَّجَسِ أَوْ عَلَيْهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْفَافِهِ بِالْقُرْآنِ وَعَدَمِ مُبَالَاتِهِ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَمِثْلُهُ فِي حُرْمَةِ ذَلِكَ كُتُبُ عِلْمٍ فِيهَا قُرْآنٌ) فَيَجِبُ احْتِرَامُهَا وَصَوْنُهَا عَنْ الِامْتِهَانِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ قُرْآنٌ (كُرِهَ) تَوَسُّدُهَا، وَالْوَزْنُ بِهَا وَالِاتِّكَاءُ عَلَيْهَا، وَإِنْ خَافَ عَلَيْهَا سَرِقَةً، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَسَّدَهَا لِلْحَاجَةِ. (وَرَمَى رَجُلٌ بِكِتَابٍ عِنْدَ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ فَغَضِبَ وَقَالَ: هَكَذَا يُفْعَلُ بِكَلَامِ الْأَبْرَارِ؟ ،) انْتَهَى. فَكَيْفَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مَا هُوَ فِيهِ. (وَيُكْرَهُ كِتَابَةُ قُرْآنٍ فِي سُتُورٍ وَفِيمَا هُوَ مَظِنَّةُ بَذْلِهِ) ، وَ (لَا) تُكْرَهُ (كِتَابَةُ غَيْرِهِ مِنْ ذِكْرٍ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ فِيمَا لَمْ يُدَسْ، وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ يُدَاسُ، (كُرِهَ شَدِيدًا، وَيَحْرُمُ دَوْسُهُ) - أَيْ: الذِّكْرِ - فَالْقُرْآنُ أَوْلَى. قَالَ فِي " الْفُصُولِ " وَغَيْرِهِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى حِيطَانِ الْمَسْجِدِ ذِكْرٌ أَوْ غَيْرُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُلْهِي الْمُصَلِّيَ. (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ شِرَاءَ ثَوْبٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ يُجْلَسُ عَلَيْهِ وَيُدَاسُ) عَلَى الْمَوَاضِعِ الْخَالِيَةِ مِنْ الذِّكْرِ، وَأَمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وَطْؤُهُ مَا فِيهِ ذِكْرٌ فَيَحْرُمُ. (وَكُرِهَ) شَدِيدًا (وَيَتَّجِهُ بِلَا قَصْدِ إهَانَةٍ) أَمَّا مَعَ قَصْدِهَا فَيَحْرُمُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (مَدُّ) : نَائِبُ فَاعِلِ كُرِهَ (رِجْلٍ لِمُصْحَفٍ وَاسْتِدْبَارُهُ) - أَيْ: الْمُصْحَفِ - وَكَذَا كُتُبُ عِلْمٍ فِيهَا قُرْآنٌ تَعْظِيمًا لَهَا (وَ) كُرِهَ (تَخَطِّيهِ وَرَمْيُهُ) بِالْأَرْضِ (بِلَا) وَضْعٍ وَلَا (حَاجَةٍ) تَدْعُو إلَيْهِ (بَلْ هُوَ بِمَسْأَلَةِ التَّوَسُّدِ أَشْبَهُ) ، وَإِلَيْهَا أَقْرَبُ. (وَ) تُكْرَهُ (تَحْلِيَتُهُ) - أَيْ: الْمُصْحَفِ (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) نَصًّا، لِتَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ، (وَتَحْرُمُ فِي كُتُبِ عِلْمٍ) أَنْ تُحَلَّى، (وَ) قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ: يَحْرُمُ (كَتْبُهُ) - أَيْ: الْمُصْحَفِ - (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) ، لِأَنَّهُ مِنْ زَخْرَفَةِ الْمَصَاحِفِ، (وَيُؤْمَرُ بِحَكِّهِ، وَيُزَكَّى) مَا اجْتَمَعَ مِنْهُ (إنْ بَلَغَ نِصَابًا) ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَلَهُ حَكُّهُ وَأَخْذُهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَجَعْلُهُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَلَوْ لِلْقِرَاءَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) فَلَا يُرْتَكَبُ. ، (وَيُبَاحُ تَطْيِيبُهُ) - أَيْ: الْمُصْحَفِ - أَوْ بَعْضِهِ، وَاسْتَحَبَّهُ الْآمِدِيُّ " لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَيَّبَ الْكَعْبَةَ» وَهِيَ دُونَهُ، وَ «أَمَرَ بِتَطْيِيبِ الْمَسَاجِدِ» ، فَالْمُصْحَفُ أَوْلَى. (وَ) يُبَاحُ (تَقْبِيلُهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ ": رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ " بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ " أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ كَانَ يَضَعُ الْمُصْحَفَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَقُولُ: كِتَابُ رَبِّي كِتَابُ رَبِّي " وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْوَقْفَ فِيهِ. (وَ) فِي (جَعْلِهِ عَلَى عَيْنَيْهِ) لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِفْعَةٌ وَإِكْرَامٌ، لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْقُرْبُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَدْخَلٌ لَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْظِيمٌ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ عَنْ الْحَجَرِ: " لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْبِلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ " وَ " لَمَّا قَبَّلَ مُعَاوِيَةَ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الْأَرْكَانَ كُلَّهَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّمَا هِيَ السُّنَّةُ " وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ عَلَى فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْظِيمٌ (أَوْ) أَيْ: وَيُبَاحُ جَعْلُهُ عَلَى (كُرْسِيٍّ) تَعْظِيمًا لَهُ، (وَ) يُبَاحُ (الْقِيَامُ لَهُ) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا اعْتَادَ النَّاسُ قِيَامَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَقِيَامُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أَحَقُّ، وَفِي " الْفُرُوعِ " " وَالْمُبْدِعِ " يُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِ أَحْمَدَ الْجَوَازُ وَذَلِكَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا، وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ الصَّالِحُونَ فَنَتَّكِئَ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فَأَخَذْتُ مِنْ هَذَا حُسْنُ الْأَدَبِ فِيمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ عِنْدَ ذِكْرِ إمَامِ الْعَصْرِ مِنْ النُّهُوضِ لِسَمَاعِ تَوْقِيعَاتِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا أَوْلَى، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ كَانَ فِي الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمَّا صَارَ تَرْكُ الْقِيَامِ كَالْهَوَانِ بِالشَّخْصِ، اُسْتُحِبَّ لِمَنْ يَصْلُحُ لَهُ الْقِيَامُ. (وَ) يُبَاحُ (نَقْطُهُ) أَيْ الْمُصْحَفِ (وَشَكْلُهُ) ، بَلْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ نَقْطُهُ وَشَكْلُهُ صِيَانَةً مِنْ اللَّحْنِ فِيهِ وَالتَّصْحِيفِ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ النَّقْطَ، فَلِلْخَوْفِ مِنْ التَّغْيِيرِ فِيهِ، وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهُ مُحْدَثًا، فَإِنَّهُ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ الْحَسَنَةِ، كَنَظَائِرِهِ، مِثْلُ تَصْنِيفِ الْعِلْمِ وَبِنَاءِ الْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا، قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ ". (وَيَتَّجِهُ وُجُوبُهُمَا) - أَيْ: النَّقْطُ وَالشَّكْلُ - (مَعَ تَحَقُّقِ لَحْنٍ) ، كَفِي زَمَانِنَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) تُبَاحُ (كِتَابَةُ أَعْشَارٍ) فِي الْمُصْحَفِ (وَأَسْمَاءِ سُوَرٍ وَعَدَدِ آيَاتٍ وَأَحْزَابٍ) ، لِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْهُ (وَتَحْرُمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 مُخَالَفَةُ خَطِّ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي) رَسْمِ (وَاوٍ وَيَاءٍ وَأَلِفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ) . كَرَبْطِ تَاءٍ وَمَدِّهَا (نَصًّا) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ بَعْدِي» . . . الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ - مَا خَالَفَ الْقِيَاسَ - تَوْقِيفٌ. (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: سُورَةُ كَذَا) ، كَسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ النِّسَاءِ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ " قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَسُورَةُ الْكَهْفِ " وَغَيْرُهُمَا مِمَّا لَا يُحْصَى، وَكَذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ. قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ ". وَفِي السُّورَةِ لُغَتَانِ: الْهَمْزُ وَتَرْكُهُ، وَالتَّرْكُ أَفْصَحُ، (وَ) أَنْ يَقُولَ: (السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا) ، لِوُرُودِهِ فِي الْأَخْبَارِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَرَأَ السُّورَةَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (وَاسْتِفْتَاحُ الْفَأْلِ فِيهِ) - أَيْ: الْمُصْحَفِ (فَعَلَهُ) أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ (ابْنُ بَطَّةَ) - بِفَتْحِ الْبَاءِ - (وَلَمْ يَرَهُ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَا (غَيْرُهُ) مِنْ أَئِمَّتِنَا. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَحَكَاهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ الْمَالِكِيِّ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الْكَرَاهَةُ. . (وَلَوْ بَلِيَ مُصْحَفٌ أَوْ انْدَرَسَ دُفِنَ) ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّ أَبَا الْجَوْزَاءِ بَلِيَ لَهُ مُصْحَفٌ، فَحَفَرَ لَهُ فِي مَسْجِدٍ فَدَفَنَهُ، (وَمَا تَنَجَّسَ أَوْ كُتِبَ) مِنْ قُرْآنٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ كِتَابٍ فِيهِ ذَلِكَ (بِنَجَسٍ يَلْزَمُ غَسْلُهُ أَوْ حَرْقُهُ،) (فَإِنَّ الصَّحَابَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (حَرَّقُوهُ لَمَّا جَمَعُوهُ) . قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ (لِتَعْظِيمِهِ وَصِيَانَتِهِ) . انْتَهَى. (وَكَانَ طَاوُسٌ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ تُحَرَّقَ الْكُتُبُ صِيَانَةً) لَهَا عَنْ الِامْتِهَانِ، (وَقَالَ: إنَّ الْمَاءَ وَالنَّارَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَّجِهُ: الْمُرَادُ) بِغَسْلِ الْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ بِالْمَاءِ وَحَرْقِهِمَا بِالنَّارِ (إذَا كَانَا) - أَيْ: الْمَاءُ وَالنَّارُ - (طَاهِرَيْنِ) أَمَّا إذَا كَانَا نَجِسَيْنِ فَلَا يَجُوزُ غَسْلٌ وَلَا تَحْرِيقٌ بِهِمَا صَوْنًا لَهُمَا عَنْ النَّجَاسَةِ وَحِينَئِذٍ فَيَعْدِلُ إلَى دَفْنِهِمَا فِي مَوْضِعٍ لَا تَطَؤُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الْأَرْجُلُ، لِأَنَّ عُثْمَانَ دَفَنَ الْمَصَاحِفَ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ. هَذَا إذَا كَانَا مَكْتُوبَيْنِ بِطَاهِرٍ، أَمَّا إذَا كَانَا مَكْتُوبَيْنِ بِنَجَسٍ فَغَسْلُهُمَا أَوْ حَرْقُهُمَا بِمَاءٍ أَوْ نَارٍ طَاهِرَيْنِ أَوْلَى مِنْ دَفْنِهِمَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُبَاحُ كِتَابَةُ آيَتَيْنِ فَأَقَلَّ إلَى كُفَّارٍ) نَقَلَ الْأَثْرَمُ: يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا كَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمُشْرِكِينَ. (وَفِي النِّهَايَةِ) جَوَازُ كِتَابَةِ ذَلِكَ (لِحَاجَةِ تَبْلِيغٍ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَيَأْتِي أَدَبُ الْقِرَاءَةِ) قَبْلَ الْفَصْلِ الْآخَرِ مِنْ بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. (وَتَضْمِينُهَا) - أَيْ: الْقِرَاءَةِ - فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِيهِ قُبَيْلَ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ تَضْمِينُ الْقُرْآنِ لِمَقَاصِدَ تُضَاهِي مَقْصُودَ الْقُرْآنِ لَا بَأْسَ بِهِ تَحْسِينًا لِلْكَلَامِ، كَمَا يُضَمَّنُ فِي الرَّسَائِلِ آيَاتٌ إلَى الْكُفَّارِ مُقْتَضِيَةٌ الدَّعْوَةَ، وَلَا يَجُوزُ فِي نَحْوِ كُتُبِ الْمُبْتَدِعَةِ. وَكَتَضْمِينِهِ الشَّعْرَ لِصِحَّةِ الْقَصْدِ وَسَلَامَةِ الْوَضْعِ، وَأَمَّا تَضْمِينُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ: فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ التَّحْرِيمُ، كَمَا يَحْرُمُ جَعْلُ الْقُرْآنِ بَدَلًا عَنْ الْكَلَامِ. . [بَابُ الْغُسْلِ] (بَابُ الْغُسْلِ) بِالضَّمِّ: الِاغْتِسَالُ، وَالْمَاءُ يُغْتَسَلُ بِهِ، وبِالْفَتْحِ: مَصْدَرُ غَسَلَ. وَبِالْكَسْرِ: مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خِطْمِيٍّ وَغَيْرِهِ. وَشَرْعًا: (اسْتِعْمَالُ مَاءٍ طَهُورٍ مُبَاحٍ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ) ، أَيْ بَدَنِ الْمُغْتَسِلِ. (وَلَوْ لَمْ يَتَقَاطَرْ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، كَ: بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ) وَالْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] يُقَالُ: رَجُلٌ جُنُبٌ، وَرَجُلَانِ جُنُبٌ، وَرِجَالٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 جَنْبٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ: جُنُبَانِ وَجُنُبُونَ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «وَنَحْنُ جُنُبَانِ» سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ نَهْيٌ أَنْ يَقْرَبَ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لِمُجَانَبَتِهِ النَّاسَ حَتَّى يَتَطَهَّرَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَاءَ جَانَبَ مَحَلَّهُ، وَالْأَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ بِذَلِكَ. (وَمُوجِبُهُ) ، أَيْ: الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ (سَبْعَةُ) أَشْيَاءَ، أَيُّهَا وُجِدَ كَانَ سَبَبًا لِوُجُودِهِ: (أَحَدُهَا) : (انْتِقَالُ مَنِيٍّ) فَيَجِبُ الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِ إحْسَاسِ انْتِقَالِهِ (عَنْ صُلْبِ رَجُلٍ وَتَرَائِبِ امْرَأَةٍ) ، وَالتَّرَائِبُ جَمْعُ تَرِيبَةٍ، هِيَ مَحَلُّ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ، لِأَنَّ الْجَنَابَةَ تُبَاعِدُ الْمَاءَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) (كَمَا لَوْ حَبَسَهُ) ، لِأَنَّ الْغُسْلَ يُرَاعَى فِيهِ الشَّهْوَةُ، وَقَدْ وُجِدَتْ بِانْتِقَالِهِ كَمَا لَوْ ظَهَرَ، (وَلَا يُعَادُ غُسْلٌ لَهُ) - أَيْ: الِانْتِقَالِ - (بِخُرُوجِهِ) - أَيْ: الْمَنِيِّ - (بَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ الْغُسْلِ - (بِلَا لَذَّةٍ) ، لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِالِانْتِقَالِ، وَقَدْ اغْتَسَلَ لَهُ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُسْلٌ ثَانٍ، كَبَقِيَّةِ مَنِيٍّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْغُسْلِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْوُضُوءُ، بَالَ أَوْ لَمْ يَبُلْ (وَيَثْبُتُ بِانْتِقَالِهِ) - أَيْ: الْمَنِيِّ - (حُكْمُ بُلُوغٍ مِنْ وُجُوبِ عِبَادَةٍ) كَصَلَاةِ وَنَحْوِهَا (وَ) يَثْبُتُ بِهِ لُزُومُ (حَدٍّ وَقَبُولُ شَهَادَةٍ) وَثُبُوتُ وِلَايَةٍ فِي إيجَابِ عَقْدِ نِكَاحٍ، وَلُزُومُ (فِطْرٍ) مِنْ صَوْمٍ (بِسَبَبِ نَحْوِ لَمْسٍ) ، كَتَقْبِيلٍ وَتَكْرَارِ نَظَرٍ بِشَهْوَةٍ، (وَوُجُوبُ فِدْيَةٍ) فِي الْحَجِّ، (وَكَذَا) - أَيْ: كَانْتِقَالِ مَنِيٍّ - (انْتِقَالُ حَيْضٍ) . قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَيَثْبُتُ بِانْتِقَالِهِ مَا يَثْبُتُ بِخُرُوجِهِ، فَإِذَا أَحَسَّتْ بِانْتِقَالِ حَيْضِهَا قُبَيْلَ الْغُرُوبِ، وَهِيَ صَائِمَةٌ؛ أَفْطَرَتْ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ إلَّا بَعْدَهُ (وَيَتَّجِهُ لُزُومُ) مَنْ أَحَسَّتْ بِانْتِقَالِ مَنِيٍّ وَلَمْ يَخْرُجْ (نَحْوَ صَلَاةٍ) كَطَوَافٍ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِ ذَلِكَ رِيحًا تَحَرَّكَ فَظَنَّتْهُ انْتِقَالًا، فَلَا تَدَعُ لِذَلِكَ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا (حَتَّى يَخْرُجَ) مَا أَحَسَّتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 بِهِ، (فَلَوْ تَبَيَّنَ بَعْدَ) ذَلِكَ نَحْوُ رِيحٍ فَتَمْضِي فِي عِبَادَتِهَا، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ (حَيْضًا أُعِيدَ) وَاجِبُ عِبَادَةٍ فَعَلَتْهُ (غَيْرَ صَلَاةٍ) فَلَا، تُعِيدُهَا لِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهَا حِينَئِذٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (الثَّانِي: خُرُوجُهُ) - أَيْ: الْمَنِيِّ - (مِنْ مَخْرَجِهِ) الْمُعْتَادِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَنِيُّ (دَمًا) أَيْ: أَحْمَرَ كَالدَّمِ، لِلْعُمُومَاتِ، وَلَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَضَعَّفَهُ بِكَثْرَتِهِ جُبِرَ بِالْغُسْلِ، (بِشَرْطِ) وُجُودِ (لَذَّةٍ) عِنْدَ خُرُوجِهِ (فِي حَقِّ نَحْوِ غَيْرِ نَائِمٍ) ، كَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَسَكْرَانَ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ اللَّذَّةِ أَنْ يَكُونَ دَفْقًا، فَلِهَذَا اسْتَغْنَيْنَا عَنْ ذِكْرِ الدَّفْقِ بِاللَّذَّةِ، (فَلَوْ) خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ بِأَنْ انْكَسَرَ صُلْبُهُ فَخَرَجَ مِنْهُ، أَوْ خَرَجَ مِنْ يَقْظَانَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ، وَحُكْمُهُ كَالنَّجَاسَةِ الْمُعْتَادَةِ، أَوْ (جَامَعَ وَأَكْسَلَ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ أَنْزَلَ بِلَا لَذَّةٍ لَمْ يَجِبْ غُسْلٌ) ، لِأَنَّهَا جَنَابَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَا تُوجِبُ غُسْلَيْنِ، وَالْمَنِيُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَجِسٌ لِخُرُوجِهِ بِلَا لَذَّةٍ، وَمَعْنَى أَكْسَلَ: ضَعُفَ عَنْ الْجِمَاعِ. (وَإِنْ أَفَاقَ نَحْوُ نَائِمٍ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ (بَلَغَ أَوْ اُحْتُمِلَ) بُلُوغُهُ، كَابْنِ عَشْرٍ وَبِنْتِ تِسْعٍ مِنْ نَوْمٍ وَنَحْوِهِ، (فَوَجَدَ بَلَلًا بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ فِرَاشِهِ الَّذِي لَمْ يَنَمْ عَلَيْهِ أَوْ) كَانَ (فِيهِ غَيْرُهُ) . قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيُّ: لَا بِظَاهِرِهِ، لِاحْتِمَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ، (فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مَنِيٌّ اغْتَسَلَ) وُجُوبًا، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ احْتِلَامًا، قَالَ الْمُوَفَّقُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. (فَقَطْ) ، أَيْ: دُونَ غُسْلِ مَا أَصَابَهُ، لِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ. (وَيُعْرَفُ) الْمَنِيُّ (بِرِيحٍ) كَرِيحِ (عَجِينٍ وَ) رِيحِ (طَلْعِ نَخْلٍ) حَالَ كَوْنِهِ (رَطْبًا، أَوْ رِيحِ بَيَاضِ بِيضٍ) حَالَ كَوْنِهِ (جَافًّا وَفَسَّرَتْهُ) أَيْ: مَنِيَّ الرَّجُلِ - (عَائِشَةُ) الصِّدِّيقَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (بِأَنَّهُ أَبْيَضُ ثَخِينٌ يَنْكَسِرُ مِنْهُ الذَّكَرُ) ، وَأَمَّا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ: فَهُوَ أَصْفَرُ رَقِيقٌ، (وَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ غَيْرُ مَنِيٍّ طُهِّرَ مَا أَصَابَهُ فَقَطْ) مِنْ بَدَنٍ وَثَوْبٍ، لِأَنَّهُ نَجَسٌ، (وَإِنْ اشْتَبَهَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ الْبَلَلُ بِأَنْ لَمْ يَدْرِ أَمَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ؟ (وَتَقَدَّمَ نَوْمَهُ سَبَبٌ مِنْ بَرْدٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ أَوْ مُلَاعَبَةٍ أَوْ انْتِشَارٍ فَكَذَلِكَ) - أَيْ: طَهَّرَ مَا أَصَابَهُ - لِرُجْحَانِ كَوْنِهِ مَذْيًا بِقِيَامِ سَبَبِهِ، إقَامَةً لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ، كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي نَوْمِهِ حُلْمًا فَإِنَّا نُوجِبُ الْغُسْلَ لِرُجْحَانِ كَوْنِهِ مَنِيًّا بِقِيَامِ سَبَبِهِ، (وَإِلَّا يَتَقَدَّمْ نَوْمَهُ سَبَبٌ) ، وَوَجَدَ بَلَلًا فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ فِرَاشِهِ (اغْتَسَلَ) وُجُوبًا (وَتَوَضَّأَ مُرَتِّبًا مُتَوَالِيًا وَطَهَّرَ مَا أَصَابَهُ أَيْضًا) ظَاهِرُهُ: وُجُوبًا. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": احْتِيَاطًا، ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِيجَابِ بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ، كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَجَهِلَهَا، لِأَنَّهُ فِي الْمِثَالِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَنِيًّا أَوْ مَذْيًا، وَلَا سَبَبَ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ يُرَجَّحُ بِهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ إلَّا بِمَا ذُكِرَ. (وَمَحَلُّ ذَلِكَ) - أَيْ: مَا تَقَدَّمَ - فِيمَا إذَا وَجَدَ نَائِمٌ وَنَحْوُهُ بَلَلًا: (فِي غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَا يَحْتَلِمُ) ، لِأَنَّهُ لَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَلِأَنَّ الْحُلُمَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ مَحْفُوظٌ مِنْهُ، (وَمَنِيُّهُ وَغَيْرُهُ) مِنْ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (طَاهِرٌ) فَلَا يَلْزَمُهُ تَطْهِيرُ مَا أَصَابَهُ مِنْهَا، (وَإِنْ تَحَقَّقَ) وُجُودُ (مَنِيٍّ فِي ثَوْبٍ أَوْ فِرَاشٍ نَامَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهِ) ، أَيْ: فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ الَّذِي وَجَدَ بِهِ الْمَنِيَّ، (أَوْ) نَامَ (عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى ذَلِكَ الْفِرَاشِ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الِاحْتِلَامِ، (فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا) ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَيَقِّنُ الطَّهَارَةِ شَاكٌّ فِي الْحَدَثِ، (إلَّا إنْ أَمَّهُ أَوْ صَافَّهُ) وَحْدَهُ فَعَلَيْهِمَا الْغُسْلُ. فَإِنْ صَافَّهُ مَعَ غَيْرِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا لِزَوَالِ الْفَذِّيَّةِ. (وَلَا غُسْلَ) عَلَى مَنْ جُومِعَتْ فَاغْتَسَلَتْ (بِخُرُوجِ مَنِيِّهِ) - أَيْ: مَنِيِّ الْمُجَامِعِ لَهَا - (مِنْ فَرْجِهَا بَعْدَ غُسْلِهَا) ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا، كَخُرُوجِ بَقِيَّةِ مَنِيٍّ اغْتَسَلَ لَهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 (الثَّالِثُ) : الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ، أَيْ تَقَابُلُهُمَا وَتَحَاذِيهِمَا بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، لَا إنْ تَمَاسًّا بِلَا إيلَاجٍ، فَلِذَا قَالَ: (تَغْيِيبُ كُلِّ حَشَفَةِ) الذَّكَرِ وَيُقَالُ لَهَا: الْكَمَرَةُ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ بِذَلِكَ حَرَارَةً، (أَصْلِيَّةً) ، فَلَا غُسْلَ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ زَائِدَةٌ، أَوْ مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ، لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ. (مُتَّصِلَةً) فَلَا عِبْرَةَ بِتَغْيِيبِ الْمُنْفَصِلَةِ، (أَوْ) تَغْيِيبِ (قَدْرِهَا) - أَيْ: الْحَشَفَةِ - (مِنْ مَقْطُوعِهَا بِلَا حَائِلٍ) ، لِانْتِقَاءِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَعَ الْحَائِلِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُلَاقِي لِلْخِتَانِ، (فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ) : مُتَعَلِّقٌ بِتَغْيِيبِ. فَلَا غُسْلَ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي قُبُلٍ زَائِدٍ، أَوْ قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ، لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا: فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، زَادَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ: " وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَلَوْ) كَانَ الْفَرْجُ الْأَصْلِيُّ (دُبُرًا) ، لِأَنَّهُ فَرْجٌ أَصْلِيٌّ، أَوْ كَانَ الْفَرْجُ الْأَصْلِيُّ (لِمَيِّتٍ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ، (أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ طَيْرٍ أَوْ سَمَكَةٍ) . قَالَهُ فِي التَّعْلِيقِ " لِأَنَّهُ إيلَاجٌ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ، أَشْبَهَ الْآدَمِيَّةَ. (وَلَوْ) كَانَ ذُو الْحَشَفَةِ (نَائِمًا أَوْ مَجْنُونًا) أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، بِأَنْ أَدْخَلَتْهَا فِي فَرْجِهَا، فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِمْ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا، لِأَنَّ مُوجِبَ الطَّهَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ، كَسَبْقِ الْحَدَثِ، (أَوْ) كَانَ (مُكْرَهًا، أَوْ) أَوْلَجَ وَ (لَمْ يُنْزِلْ، أَوْ) لَمْ (يَبْلُغْ) نَصًّا، فَاعِلًا كَانَ أَوْ مَفْعُولًا، (لَكِنْ لَا غُسْلَ إلَّا عَلَى) مَنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ، وَهُوَ (ابْنُ عَشْرٍ) أَوْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا (وَ) هِيَ (بِنْتُ تِسْعٍ) . قَالَ الْإِمَامُ: يَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ إذَا وَطِئَ، وَالصَّغِيرَةُ إذَا وُطِئَتْ، مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ، (فَلَوْ وَطِئَ ابْنُ عَشْرٍ بِنْتَ ثَمَانٍ أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ وَطِئَ ابْنُ ثَمَانٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 أَوْ تِسْعٍ بِنْتَ تِسْعٍ؛ (فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ) : فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى، وَعَلَيْهَا فِي الثَّانِيَةِ (وَلَا يَلْزَمُ) الْغُسْلُ (غَيْرَ بَالِغٍ إلَّا إنْ أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غُسْلٍ وَوُضُوءٍ) كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ. (أَوْ غُسْلٍ فَقَطْ) كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، وَ (لَا) يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ (لِلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ) إذَا أَرَادَهُ، بَلْ يَكْفِيهِ الْوُضُوءُ كَالْمُكَلَّفِ وَمِثْلُ مَسْأَلَةِ الْغُسْلِ: إلْزَامُهُ بِاسْتِجْمَارٍ وَنَحْوِهِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَلَيْسَ مَعْنَى وُجُوبِ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ التَّأْثِيمَ بِتَرْكِهِ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ أَوْ الطَّوَافِ، أَوْ لِإِبَاحَةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ، أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. (وَاسْتِدْخَالِ ذَكَرِ أَحَدٍ مِنْ ذَكَرِ) نَائِمٍ وَنَحْوِ مَجْنُونٍ وَغَيْرِ بَالِغٍ وَمَيِّتٍ وَبَهِيمَةٍ (كَإِتْيَانِهِ) ، فَيَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ أَوْ صَغِيرٍ وَلَوْ طِفْلًا - أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ مَيِّتٍ وَنَحْوِهِمْ الْغُسْلُ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ» ، (وَلَا غُسْلَ بِتَغْيِيبِ بَعْضِ حَشَفَةٍ) بِلَا إنْزَالٍ (أَوْ) أَيْ: وَلَا بِإِيلَاجِ (حَشَفَةِ خُنْثَى) فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ (وَلَا بِتَغْيِيبِ) ذَكَرٍ أَصْلِيٍّ (فِي فَرْجِهِ) - أَيْ: الْخُنْثَى - (إلَّا إنْ غَيَّبَ) الْخُنْثَى ذَكَرَهُ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ. (وَغُيِّبَ) : بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ: غُيِّبَ ذَكَرٌ (فِيهِ) - أَيْ: فِي فَرْجِ الْخُنْثَى - فَعَلَى الْخُنْثَى الْغُسْلُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ غَيَّبَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ جُومِعَتْ فِي قُبُلِهَا. (وَامْرَأَةٍ وَطِئَهَا) خُنْثَى بِذَكَرِهِ، (وَرَجُلٍ وَطِئَهُ) - أَيْ: وَطِئَ الرَّجُلُ ذَلِكَ الْخُنْثَى فِي قُبُلِهِ فَعَلَى الْخُنْثَى الْغُسْلُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ غَيَّبَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِ أُنْثَى، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ جُومِعَتْ فِي قُبُلِهَا الْأَصْلِيِّ، وَأَمَّا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ: فَيَجِبُ (عَلَى أَحَدِهِمَا الْغُسْلُ لَا بِعَيْنِهِ) ، لِأَنَّ الْخُنْثَى لَا يَخْلُو عَنْ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَرْأَةِ، أَوْ يَكُونَ أُنْثَى فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الرَّجُلِ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَطَهَّرَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 أَوْ يُصَافّهُ وَحْدَهُ اغْتَسَلَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا أَخْرَجْتُ كَلَامَ الْمَتْنِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِقُصُورِهِ. [تَتِمَّةٌ أَوْلَجَ خُنْثَى مُشْكِلٌ أَوْ وَاضِحُ الْأُنُوثِيَّةِ ذَكَرَهُ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ وَلَمْ يُنْزِلْ] (تَتِمَّةٌ) : لَوْ أَوْلَجَ خُنْثَى مُشْكِلٌ أَوْ وَاضِحُ الْأُنُوثِيَّةِ ذَكَرَهُ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ، وَلَمْ يُنْزِلْ: فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِيَقِينٍ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُنْثَيَيْنِ الْمُشْكِلَيْنِ الْآخَرَ بِذَكَرِهِ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ، لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ الذَّكَرَيْنِ، أَوْ زِيَادَةِ أَحَدِهِمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَوَاطَأَ رَجُلٌ وَخُنْثَى فِي دُبُرَيْهِمَا، فَعَلَيْهِمَا الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ دُبُرَ الْخُنْثَى أَصْلِيٌّ قَطْعًا، وَقَدْ وُجِدَ تَغْيِيبُ حَشَفَةِ الرَّجُلِ فِيهِ. (وَلَا) يَجِبُ غُسْلٌ عَلَى امْرَأَةٍ (بِتَغْيِيبِ) ذَكَرٍ (مَقْطُوعٍ فِي فَرْجِهَا وَلَا بِإِيلَاجِ) ذَكَرٍ أَصْلِيٍّ (بِحَائِلٍ) ، لِعَدَمِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا غُسْلَ بِوَطْءٍ (دُونَ فَرْجٍ) بِلَا إنْزَالٍ وَلَا انْتِقَالٍ وَلَا بِتَمَاسِّ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ لِمَا سَبَقَ، (وَلَا) غُسْلَ (بِسِحَاقٍ) ، وَهُوَ: إتْيَانُ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ بِلَا إنْزَالٍ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيُعَادُ غُسْلُ مَيِّتَةٍ وُطِئَتْ) وُجُوبًا (دُونَ مَيِّتٍ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا) ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِوُجُودِ الْإِيلَاجِ مِنْ حَيٍّ، بِخِلَافِ الْمَوْلُوجِ فِيهِ فَتَجِبُ إعَادَةُ غُسْلِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. (وَفِي " الْمُبْدِعِ ") : (لَوْ غَيَّبَتْ امْرَأَةٌ) فِي فَرْجِهَا (حَشَفَةَ بَهِيمَةٍ اغْتَسَلَتْ) وُجُوبًا، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ اسْتِدْخَالَ ذَكَرِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ كَإِتْيَانِهِ. (وَلَوْ قَالَتْ) امْرَأَةٌ: (لِي جِنِّيٌّ يُجَامِعُنِي) ، كَالرَّجُلِ: (فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ) . قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن: 56] : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِنِّيَّ يَغْشَى الْمَرْأَةَ كَالْإِنْسِيِّ. (وَقِيلَ) أَيْ: قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": (لَا) غُسْلَ عَلَيْهَا، (لِعَدَمِ إيلَاجٍ وَاحْتِلَامٍ) وَإِنَّمَا هُوَ غَشَيَانٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْإِيلَاجُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إيلَاجُهُ عَنْ مُلَامَسَةٍ بِبَدَنِهِ، (ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَفِيهِ) نَظَرٌ، لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 تَعْرِفُ أَنَّهُ يُجَامِعُهَا كَالرَّجُلِ، فَكَيْف يُجَامِعُهَا وَلَا إيلَاجَ، خُصُوصًا إذَا تَصَوَّرَ بِصُورَةِ الرَّجُلِ، فَلَا رَيْبَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ: لِي جِنِّيَّةٌ أُجَامِعُهَا كَالْمَرْأَةِ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ. (وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ) أَنَّهُ (يَثْبُتُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ كَالْكُلِّ) ، أَيْ: كَمَا يَثْبُتُ بِتَغْيِيبِ كُلِّ الذَّكَرِ (أَرْبَعُمِائَةِ حُكْمٍ إلَّا ثَمَانِيَةَ) أَحْكَامٍ، ذَكَرَهَا ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " تُحْفَةِ الْوَدُودِ فِي أَحْكَامِ الْمَوْلُودِ " (مِنْ) ذَلِكَ (نَحْوُ تَحْرِيمِ طَوَافٍ) كَمَسِّ مُصْحَفٍ (وَصَلَاةٍ، وَإِفْسَادُ نَحْوِ طَهَارَةٍ وَحَجٍّ) وَوُجُوبُ الْفِدْيَةِ فِيهِ، وَفَسَادُ عُمْرَةٍ، وَوُجُوبُ الْبَدَنَةِ فِيهَا وَقَضَاؤُهُمَا (وَوُجُوبُ نَحْوِ غُسْلٍ وَحَدٍّ وَكَفَّارَةٍ، وَحُصُولُ نَحْوِ رَجْعَةٍ، وَبِرٍّ) مِنْ حَلِفٍ أَنْ يَطَأَ (وَمُصَاهَرَةٌ، وَزَوَالُ: نَحْوِ عُنَّةٍ) ، وَوُجُوبُ عِدَّةٍ، وَاسْتِقْرَارُ مُسَمًّى، وَوُجُوبُ مَهْرِ مِثْلٍ، وَثُبُوتُ إحْصَانٍ، وَجَرَيَانُ لِعَانٍ، وَفِدْيَةُ مُولٍ، وَتَحْلِيلٌ لِزَوْجٍ أَوَّلٍ، وَسُقُوطُ إجْبَارٍ فِي نِكَاحِ بِكْرٍ، وَتَحْرِيمُ رَبَائِبَ، وَتَحْرِيمُ إمَاءِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ، وَتَحْرِيمُ إمَاءِ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ، وَتَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَبِنْتِ أَخِيهَا وَبِنْتِ أُخْتِهَا، وَتَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمَةِ وَخَالَتِهَا أَوْ أُخْتِهَا فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَفَسَادُ صَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ، وَصَيْرُورَةُ الْأَمَةِ فِرَاشًا، وَإِلْحَاقُ وَلَدٍ بِسَيِّدٍ إذَا أَقَرَّ بِهِ، وَسُقُوطُ وِلَايَةِ أَبٍ فِي ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى تَبْلُغَ، وَوُجُوبُ كَفَّارَةٍ بِوَطْءِ حَائِضٍ، وَتَحْرِيمُ التَّصْرِيحِ بِخِطْبَةِ مَنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَمَنْ تَتَبَّعَ مَا يَأْتِي يَظْفَرُ بِأَكْثَرِهَا. (الرَّابِعُ: إسْلَامُ كَافِرٍ وَلَوْ مُرْتَدًّا) أَوْ مُمَيِّزًا، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ أَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبُوا بِهِ إلَى حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ، فَمُرُوهُ أَنْ يَغْتَسِلَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْعُمَرِيِّ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا، «وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وَسِدْرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالُوا: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ جَنَابَةٍ، فَأُقِيمَتْ الْمَظِنَّةُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ، كَالنَّوْمِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانِ، وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُسَاوٍ لَلْأَصْلِيِّ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَوَجَبَ مُسَاوَاتُهُ لَهُ فِي الْحُكْمِ. (أَوْ) كَانَ الْكَافِرُ (لَمْ يُوجَدْ) مِنْهُ (فِي كُفْرِهِ مَا يُوجِبُهُ) - أَيْ: الْغُسْلَ - مِنْ نَحْوِ جِمَاعٍ أَوْ إنْزَالٍ، (أَوْ) كَانَ (مُمَيِّزًا) وَأَسْلَمَ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُوجِبٌ؛ فَاسْتَوَى فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، كَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ. (غَيْرَ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ كِتَابِيَّتَيْنِ إذَا اغْتَسَلَتَا لِحِلِّ وَطْءِ زَوْجٍ مُسْلِمٍ، أَوْ سَيِّدٍ مُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَتَا) : فَلَا يَلْزَمُهُمَا إعَادَةُ الْغُسْلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِصِحَّتِهِ مِنْهُمَا، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ لِلْعُذْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اغْتَسَلَ الْكَافِرُ لِجَنَابَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْهُ، (كَذَا قِيلَ) وَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُ إعَادَةِ الْغُسْلِ عَلَيْهِمَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْحُكْمَ (فِي مُمَيِّزٍ) وَطِئَ ثُمَّ أَسْلَمَ إذَا كَانَ فِي سِنٍّ (يَطَأُ وَيُوطَأُ مِثْلُهُ) ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ وَبِنْتُ تِسْعٍ إذَا أَرَادَ فِعْلَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ سِنُّهُ دُونَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَفِيهِ بَحْثٌ، إذْ عِبَارَاتُهُمْ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وَتَقَدَّمَ. (وَوَقْتُ لُزُومِ غُسْلٍ كَمَا مَرَّ) أَيْ: إذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غُسْلٍ أَوْ وُضُوءٍ لِغَيْرِ لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ، أَوْ مَاتَ شَهِيدًا، أَمَّا إذَا أَرَادَ اللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ: فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَقَطْ. (وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ إسْلَامٍ لِغُسْلٍ أَوْ غَيْرِهِ) ، لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ. ، (وَلَوْ اسْتَشَارَ) كَافِرٌ (مُسْلِمًا) فِي الْإِسْلَامِ، (فَأَشَارَ بِعَدَمِ إسْلَامِهِ) حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (وَلَمْ يُكَفَّرْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالدُّخُولِ فِي الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا أَشَارَ عَلَيْهِ بِاسْتِدَامَتِهِ عَلَيْهِ (وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ عَرْضَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ) حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَمْ يُكَفَّرْ، خِلَافًا لِصَاحِبِ " التَّتِمَّةِ " مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. (الْخَامِسُ: خُرُوجُ دَمِ حَيْضٍ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: وَإِذَا ذَهَبْت فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَرَ بِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَسَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ، وَحَمْنَةَ وَغَيْرَهُنَّ، يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] أَيْ: إذَا اغْتَسَلْنَ. فَمَنَعَ الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا قَبْلَ غُسْلِهَا، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالْخُرُوجِ إنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِسَبَبِهِ، وَالِانْقِطَاعُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ. (وَيَصِحُّ نَدْبًا غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ زَمَنَ حَيْضٍ) تَخْفِيفًا لِلْحَدَثِ (وَيَزُولُ حُكْمُهَا) - أَيْ: الْجَنَابَةِ - لِأَنَّ بَقَاءَ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ لَا يَمْنَعُ ارْتِفَاعَ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ الْمُحْدِثُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، فَإِنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ بَاقٍ، وَبَقَاؤُهُ لَا يَمْنَعُ ارْتِفَاعَ الْأَكْبَرِ، أَفَادَهُ فِي " الشَّرْحِ ". (السَّادِسُ: خُرُوجُ دَمِ نِفَاسٍ) وَانْقِطَاعُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْغُسْلِ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِهِمَا، (فَلَا غُسْلَ بِوِلَادَةٍ بِلَا دَمٍ) ، لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، (فَيَصِحُّ صَوْمُ) مَنْ وَلَدَتْ بِلَا دَمٍ، (وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا) قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا) يَجِبُ الْغُسْلُ (بِإِلْقَاءِ عَلَقَةٍ) - قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِلَا نِزَاعٍ - (أَوْ) بِإِلْقَاءِ (مُضْغَةٍ بِلَا تَخْطِيطٍ) ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ وِلَادَةً، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِإِلْقَاءِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ، وَلَوْ خَفِيًّا. (وَالْوَلَدُ طَاهِرٌ، وَمَعَ دَمٍ يُغْسَلُ) وُجُوبًا كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَنَجِّسَةِ. (السَّابِعُ: الْمَوْتُ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اغْسِلْنَهَا» وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ، (تَعَبُّدًا) لَا عَنْ حَدَثٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَنْهُ لَمْ يَرْتَفِعْ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِهِ، وَلَا عَنْ نَجَسٍ، وَإِلَّا لَمَا طَهُرَ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِهِ (غَيْرَ شَهِيدِ مَعْرَكَةٍ وَمَقْتُولٍ ظُلْمًا) ، فَلَا يُغْسَلَانِ، وَيَأْتِي فِي مَحِلِّهِ. (وَيَتَّجِهُ زِيَادَةُ) مُوجِبٍ ثَامِنٍ (وَهُوَ) - أَيْ: الْمُوجِبُ لِإِعَادَةِ الْغُسْلِ: (خُرُوجُ نَجَاسَةٍ بَعْدَ غُسْلِ مَيِّتٍ قَبْلَ سَبْعٍ وَ) قَبْلَ (وَضْعٍ بِكَفَنٍ) وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ يَحْرُمُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا قِرَاءَةُ آيَةٍ فَأَكْثَرَ] (فَصْلٌ) (يَحْرُمُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ) مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (قِرَاءَةُ آيَةٍ) فَأَكْثَرَ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْجُبُهُ - وَرُبَّمَا قَالَ: لَا يَحْجِزُهُ - عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ» رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَاهُ. (وَلَوْ بِقَصْدِ ذِكْرٍ) سَدًّا لِلْبَابِ، وَ (لَا) يَحْرُمُ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مِنْ قِرَاءَةِ (بَعْضِهَا) - أَيْ: بَعْضِ آيَةٍ - لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِ، (وَلَوْ كَرَّرَ) قِرَاءَةَ الْبَعْضِ (مَا لَمْ يَتَحَيَّلْ) نَحْوُ الْجُنُبِ (عَلَى قِرَاءَةٍ) تَحْرُمُ، بِأَنْ يُكَرِّرَ الْإِبْعَاضَ تَحَيُّلًا عَلَى قِرَاءَةِ آيَةٍ فَأَكْثَرَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ. قَالَ الْمُنَقِّحُ: (مَا لَمْ تَكُنْ الْآيَةُ طَوِيلَةً) ، كَآيَةِ الدَّيْنِ، فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ بَعْضِهَا. (وَيَتَّجِهُ الْمُرَادُ: مَنْعُ) نَحْوِ الْجُنُبِ مِنْ قِرَاءَةِ (بَعْضٍ) مِنْ قُرْآنٍ (كَثِيرٍ عُرْفًا) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَهُ) - أَيْ: لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلُ - (تَهَجِّيهِ) - أَيْ: الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِرَاءَةٍ لَهُ، فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ لِخُرُوجِهِ عَنْ نَظْمِهِ وَإِعْجَازِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ " وَلَهُ التَّفْكِيرُ فِيهِ، (وَتَحْرِيكُ شَفَتَيْهِ بِهِ إنْ لَمْ تَبِنْ حُرُوفٌ) ، وَقِرَاءَةُ أَبْعَاضِ آيَةٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوْ آيَاتٍ سَكَتَ بَيْنَهَا سُكُوتًا طَوِيلًا قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (كَقِرَاءَةٍ لَا تُجْزِئُ فِي صَلَاةٍ لِإِسْرَارِهَا) ، نَقَلَهُ فِي " الْفُرُوعِ " عَنْ ظَاهِرِ " نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ " قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُ تَحْرِيكُ شَفَتَيْهِ بِهِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ. (وَلَهُ) تِلَاوَةُ (ذِكْرٍ) لَمْ يُوَافِقْ قُرْآنًا، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» وَيَأْتِي أَنَّهُ يُكْرَهُ أَذَانُ جُنُبٍ. (وَ) لَهُ (إزَالَةُ شَعْرٍ وَظُفْرٍ) بِلَا كَرَاهَةٍ. (وَ) لَهُ (قَوْلُ مَا وَافَقَ قُرْآنًا) مِنْ الْأَذْكَارِ، (وَلَمْ يَقْصِدْهُ) - أَيْ: الْقُرْآنَ - كَالْبَسْمَلَةِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، (وَكَآيَةِ رُكُوبٍ) {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 14] وَمِثْلُهَا آيَةُ نُزُولٍ {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [المؤمنون: 29] (وَ) كَآيَةِ (اسْتِرْجَاعٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] وَهِيَ بَعْضُ آيَةٍ، لَا آيَةٌ. (وَ) قِرَاءَةُ (آيَةٍ فِي ضِمْنِ نَحْوِ شِعْرٍ) كَقَوْلِهِ: خَاضَ الْعَوَاذِلُ فِي حَدِيثِ مَدَامِعِي ... لَمَّا رَأَوْا كَالسَّيْلِ سُرْعَةَ سَيْرِهِ فَحَبَسْتُهُ لِأَصُونَ سِرَّ هَوَاكُمْ ... حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَكَذَا لَهُ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ، وَأَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاكِتٌ، لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُنْسَبُ إلَى قِرَاءَةٍ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي (وَيُمْنَعُ كَافِرٌ مِنْ قِرَاءَتِهِ وَلَوْ رُجِيَ إسْلَامُهُ) قِيَاسًا عَلَى الْجُنُبِ وَأَوْلَى. (وَلِجُنُبٍ) وَكَافِرٍ أَسْلَمَ (وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا أَوْ لَا، مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثٍ، دُخُولُ مَسْجِدٍ لِمُرُورٍ وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] ، وَهُوَ: الطَّرِيقُ. وَعَنْ جَابِرٍ " كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا مُجْتَازًا " رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَسَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا، وَمِنْ الْحَاجَةِ كَوْنُهُ طَرِيقًا قَصِيرًا. وَ (لَا) يَجُوزُ لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ (لُبْثٌ بِهِ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ (مَعَ قَطْعِهِ) - أَيْ: الدَّمِ - (بِلَا عُذْرٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (إلَّا بِوُضُوءٍ) ، فَإِنْ تَوَضَّئُوا؛ جَازَ لَهُمْ اللُّبْثُ فِيهِ وَلَوْ انْتَقَضَ بَعْدُ، لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْأَثْرَمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ " رَأَيْتُ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ مُجْنِبُونَ، إذَا تَوَضَّئُوا وُضُوءَ الصَّلَاةِ " إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ يُخَفِّفُ الْحَدَثَ، فَيَزُولُ بَعْضُ مَا مَنَعَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ يَنَامُ غَيْرُهُ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْوُضُوءُ عَلَى الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ، (وَاحْتِيجَ لِلُّبْثِ) فِي الْمَسْجِدِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا لِحَبْسٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالٍ وَنَحْوِهِ: (جَازَ) لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 اللُّبْثُ (بِلَا تَيَمُّمٍ) نَصًّا، وَاحْتُجَّ «بِأَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَهُمْ الْمَسْجِدَ» (وَ) لُبْثُهُ (بِهِ) - أَيْ: التَّيَمُّمِ - (أَوْلَى) ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ ابْنِ قُنْدُسٍ. (وَيَتَيَمَّمُ) جُنُبٌ وَنَحْوُهُ (لِلُّبْثِ لِغُسْلٍ فِيهِ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ - إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى: " وَالظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ - أَيْ: إلَى اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ - لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا احْتَاجَ لِلُّبْثِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا تَيَمُّمٍ (وَلِذِي سَلَسٍ وَمُسْتَحَاضَةٍ لُبْثٌ بِهِ مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثٍ) . لِحَدِيثِ عَائِشَةَ " أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَتْ مَعَهُ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، وَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَإِلَّا) يَأْمَنْ ذُو السَّلَسِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ تَلْوِيثَهُ (حَرُمَ) عَلَيْهِمَا اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ، لِتَقْذِيرِهِ. (وَلَا يُكْرَهُ غُسْلٌ) فِي الْمَسْجِدِ (وَ) لَا (وُضُوءٌ بِهِ مَا لَمْ يُؤْذِ بِهِمَا) ، أَيْ: بِمَاءِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ (وَيَتَّجِهُ وَإِلَّا) - بِأَنْ آذَى الْمَسْجِدَ بِهِمَا - (حَرُمَ كَاسْتِنْجَاءٍ) بِهِ، إذْ الْمَسْجِدُ يَجِبُ احْتِرَامُهُ وَصَوْنُهُ عَنْ كُلِّ مَا يُؤْذِيهِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ جَيِّدٌ. (وَيَتَّجِهُ) أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ (فِي فَسَاقٌ وُضِعَتْ) - أَيْ: بُنِيَتْ - (مَعَ مَسْجِدٍ) إمَّا بِوَضْعِ الْوَاقِفِ لَهَا، أَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، (لَيْسَتْ بِمَسْجِدٍ) ، فَيَجُوزُ الْبَوْلُ بِإِنَاءٍ فِي غُرْفَةٍ فَوْقَهَا، لَا فِي بَالُوعَتِهَا، لِجَرَيَانِهَا فِي قَرَارِ الْمَسْجِدِ، وَيَجُوزُ لُبْثُ نَحْوِ جُنُبٍ فِيهَا بِلَا وُضُوءٍ، وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فَوْقَهَا وَلَا فِي هَوَائِهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُبْنَ لِلصَّلَاةِ، (بِخِلَافِ حَادِثَةٍ) بَعْدَ بِنَائِهِ فِيهِ، فَيَجِبُ احْتِرَامُ بُقْعَتِهَا كَاحْتِرَامِ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهَا مِنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 (وَتُكْرَهُ إرَاقَةُ مَائِهِمَا) أَيْ: الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِمَسْجِدٍ، (وَ) كَذَا إرَاقَةُ (مَاءٍ غُمِسَتْ فِيهِ يَدُ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ بِمَسْجِدٍ) صَوْنًا لَهُ عَمَّا يُقَذِّرُهُ. (وَ) كَذَلِكَ تُكْرَهُ إرَاقَةُ مَائِهِمَا (بِمَا) أَيْ: مَحَلٍّ (يُدَاسُ كَطَرِيقٍ) تَنْزِيهًا لِلْمَاءِ (وَيَتَّجِهُ) : كَرَاهَةُ إرَاقَةِ مَائِهِمَا بِمَا ذُكِرَ، (وَبِكُلِّ مَحَلٍّ قَذِرٍ) كَمَزْبَلَةِ وَحْشٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ مَاءٌ اُسْتُعْمِلَ فِي عِبَادَةٍ، فَيُصَانُ عَنْ الْقَاذُورَاتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (يَجُوزُ عَمَلٌ) - أَيْ: اتِّخَاذُ - (مَكَانٍ) وَلَوْ كَانَ الْمُتَّخِذُ غَيْرَ الْوَاقِفِ (فِيهِ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ - (لِلْوُضُوءِ) فِيهِ (لِمَصْلَحَةٍ) تَرْغِيبًا لِلْمُصَلِّينَ، وَتَكْثِيرًا لِلْجَمَاعَةِ (بِلَا مَحْذُورٍ) ، فَإِنْ كَانَ فِي اتِّخَاذِهِ مَحْذُورٌ، كَتَقْذِيرِ الْمَسْجِدِ أَوْ شَغْلِ مَوْضِعٍ يُصَلَّى فِيهِ مُنِعَ مِنْهُ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُغَسَّلُ فِيهِ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ - (مَيِّتٌ) لَتَقَذُّرِهِ. (وَمُصَلَّى عِيدٍ لَا) مُصَلَّى (جَنَائِزِ مَسْجِدٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلْيَعْتَزِلْنَ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى» وَأَمَّا صَلَاةُ الْجَنَائِزِ فَلَيْسَتْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ بِخِلَافِ الْعِيدِ (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ اعْتِبَارِ مُصَلَّى الْعِيدِ مَسْجِدًا (إنْ وُقِفَ) لِذَلِكَ، (وَلَوْ) كَانَ وَقْفُهُ (بِقَرَائِنَ) كَأَنْ يَأْذَنَ مَالِكُهُ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا بِالصَّلَاةِ فِيهِ، وَيَتَكَرَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَلَا يَشْغَلُهُ بِشَيْءٍ، وَيُجَنِّبُهُ مَا يُقَذِّرُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَحِينَئِذٍ (فَلَا يَجُوزُ لِنَحْوِ جُنُبٍ) كَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا (لُبْثٌ بِهِ) بِلَا عُذْرٍ أَوْ وُضُوءٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 (وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ اعْتِكَافٍ فِيهِ) - أَيْ مُصَلَّى الْعِيدِ - مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا، وَمِمَّنْ تَلْزَمُهُ إنْ كَانَتْ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، وَلَوْ مِنْ مُعْتَكِفِينَ، لِثُبُوتِ حُكْمِ الْمَسْجِدِيَّةِ لَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَجِبُ مَنْعُ مَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ مِنْ مَسْجِدٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] وَالْمَجْنُونُ أَوْلَى مِنْهُ. (وَ) يَجِبُ مَنْعُ (مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ تَتَعَدَّى) ، لِئَلَّا يُلَوِّثَهُ. (وَكُرِهَ اتِّخَاذُهُ) - أَيْ الْمَسْجِدِ - (طَرِيقًا) نَصًّا، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَ) كُرِهَ (تَمْكِينُ صَغِيرٍ مِنْهُ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ - قَالَ فِي " الْآدَابِ " وَالْمُرَادُ، صَغِيرٌ لَا يُمَيِّزُ، لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، (وَسُنَّ مَنْعُهُ) - أَيْ: الصَّغِيرِ - مِنْ الْمَسْجِدِ صِيَانَةً لَهُ. (وَحَرُمَ تَكَسُّبٌ بِصَنْعَةٍ فِيهِ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ - لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لِذَلِكَ، (غَيْرَ كِتَابَةٍ، لِأَنَّهَا) - أَيْ: الْكِتَابَةَ - (نَوْعٌ مِنْ) تَحْصِيلِ (الْعِلْمِ) ، وَيَحْرُمُ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَلَا يَصِحَّانِ. (وَيُبَاحُ غَلْقُ أَبْوَابِهِ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ - (خَشْيَةَ) مَا يُكْرَهُ دُخُولُهُ إلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. [فَصْلٌ الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ سِتَّةَ عَشَرَ غُسْلًا] (فَصْلٌ) (وَالْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ سِتَّةَ عَشَرَ) غُسْلًا، (آكَدُهَا) : الْغُسْلُ (لِصَلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 جُمُعَةٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَقَوْلُهُ: وَاجِبٌ، أَيْ: مُتَأَكَّدُ الِاسْتِحْبَابِ، وَيَدُلُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَمَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْهُ. وَيُعَضِّدُهُ مَجِيءُ عُثْمَانَ إلَيْهَا بِلَا غُسْلٍ (فِي يَوْمِهَا) - أَيْ: الْجُمُعَةِ - فَلَا يُجْزِئُ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِهِ، لِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ، (لِذَكَرٍ حَضَرَهَا) - أَيْ: الْجُمُعَةَ - (وَصَلَّى) ، لِخَبَرِ «مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ» وَتَقَدَّمَ، (وَلَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ) الْجُمُعَةُ كَالْعِيدِ وَالْمُسَافِرِ. وَاغْتِسَالُهُ (عِنْدَ مُضِيٍّ) إلَيْهَا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ، (وَ) اغْتِسَالُهُ (عَنْ جِمَاعٍ أَفْضَلُ) لِلْخَبَرِ، وَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، (وَلَا يَضُرُّ حَدَثٌ) أَصْغَرُ (بَعْدَ غُسْلٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يُبْطِلُ الْغُسْلَ. (ثُمَّ) يَلِيه الْغُسْلُ (لِغُسْلِ مَيِّتٍ) كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، (مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ) ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فِي ثَوْبٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. (ثُمَّ) يَلِيه بَقِيَّةُ الْأَغْسَالِ الْآتِيَةِ، وَهِيَ: الْغُسْلُ لِصَلَاةِ (عِيدٍ فِي يَوْمِهَا لِمَنْ) حَضَرَهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدِ وَالْأَضْحَى» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَمَحِلُّهُ: إنْ (صَلَّى) الْعِيدَ (وَلَوْ مُنْفَرِدًا) بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ كَالْجُمُعَةِ، فَلَا يُشْرَعُ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. (وَ) الرَّابِعُ: الْغُسْلُ (لِ) صَلَاةِ (كُسُوفٍ) . (وَ) الْخَامِسُ: الْغُسْلُ: (لِ) صَلَاةِ (اسْتِسْقَاءٍ) ، قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ بِجَامِعِ الِاجْتِمَاعِ. (وَ) السَّادِسُ: الْغُسْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 (لِجُنُونٍ) . (وَ) السَّابِعُ: الْغُسْلُ (لِإِغْمَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اغْتَسَلَ لِلْإِغْمَاءِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ احْتَلَمَ وَلَمْ يَشْعُرْ، وَالْجُنُونُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ أَبْلَغُ، فَإِنْ أَنْزَلَ؛ وَجَبَ الْغُسْلُ. (وَ) الثَّامِنُ: الْغُسْلُ (لِاسْتِحَاضَةٍ) ، فَيُسَنُّ لِلْمُسْتَحَاضَةِ أَنْ تَغْسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ «لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ لَمَّا اُسْتُحِيضَتْ» ، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. (وَ) التَّاسِعُ: الْغُسْلُ (لِإِحْرَامٍ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (حَتَّى لِحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) فَيُسَنُّ لَهُمَا الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ «؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ نَفِسَتْ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. (وَ) الْعَاشِرُ: الْغُسْلُ (لِدُخُولِ مَكَّةَ) ، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": حَتَّى لِحَائِضٍ، أَيْ: وَنُفَسَاءَ، قِيَاسًا عَلَى الْإِحْرَامِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِالْحَرَمِ، كَمَنْ بِمِنًى إذَا أَرَادَ مَكَّةَ سُنَّ لَهُ الْغُسْلُ لِدُخُولِهَا. (وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ: الْغُسْلُ (لِ) دُخُولِ (حَرَمِهَا) ، أَيْ: مَكَّةَ. (وَ) الثَّانِي عَشَرَ: الْغُسْلُ (لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ. . (وَ) الثَّالِثَ عَشَرَ: الْغُسْلُ (لِطَوَافِ زِيَارَةٍ) ، وَهُوَ: طَوَافُ الْإِفَاضَةِ. (وَ) الرَّابِعَ عَشَرَ: الْغُسْلُ (لِطَوَافِ وَدَاعٍ) . (وَ) الْخَامِسَ عَشَرَ: الْغُسْلُ (لِمَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةَ) . (وَ) السَّادِسَ عَشَرَ: الْغُسْلُ (لِرَمْيِ جِمَارٍ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا أَنْسَاكٌ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ، فَاسْتُحِبَّ لَهَا الْغُسْلُ كَالْإِحْرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَيَتَكَرَّرُ رَمْيُ الْجِمَارِ بِتَكَرُّرِهَا، فَيَكُونُ فِي يَوْمَيْ التَّشْرِيقِ لِلْمُتَعَجِّلِ، وَفِي الثَّلَاثَةِ لِغَيْرِهِ، فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ أَغْسَالٍ، وَرُبَّمَا زِيدَ فِي قَوْلِهِمْ: غُسْلُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ: يَوْمَ النَّحْرِ، فَيَكُونُ غُسْلُ رَمْيِ الْجِمَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا غُسْلَ طَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ يَغْتَسِلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَهُوَ عَقِبَ دُخُولِهِ انْتَهَى. (وَيَتَّجِهُ زِيَادَةُ) سَابِعَ عَشَرَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وَهُوَ: غُسْلُ (مَنْ وَلَدَتْ بِلَا دَمٍ، مُرَاعَاةً لِخِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " " وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ " " وَالْإِفَادَاتِ " وَاخْتَارَهُ غَيْرُهُمْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَتَيَمَّمُ) اسْتِحْبَابًا (لِلْكُلِّ) ، أَيْ: كُلِّ مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ (لِحَاجَةٍ) تُبِيحُ التَّيَمُّمَ، كَتَعَذُّرِ الْمَاءِ لِعَدَمٍ أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، (وَ) يَتَيَمَّمُ أَيْضًا اسْتِحْبَابًا (لِمَا يُسَنُّ لَهُ وُضُوءٌ) مِنْ قِرَاءَةٍ وَأَذَانٍ وَشَكٍّ وَغَضَبٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُسْتَحَبُّ غُسْلٌ لِحِجَامَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ أَشْبَهَ الرُّعَافَ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا - «يُغْتَسَلُ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ الْجُمُعَةِ، وَالْجَنَابَةِ، وَالْحِجَامَةِ، وَغَسْلِ الْمَيِّتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ فَفِيهِ مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَا بِالْحَافِظِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إنَّ أَحَادِيثَهُ مَنَاكِيرُ، وَإِنَّ هَذَا مِنْهَا (وَ) لَا (لِبُلُوغٍ) بِغَيْرِ إنْزَالٍ، (وَ) لَا (لِعَاشُورَاءَ) ، وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَوْضُوعٌ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. (وَ) لَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ (لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ) كَلِوَلِيمَةٍ وَمَشُورَةٍ وَنَحْوِهَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (وَ) لَا (لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ) ، عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. [فَصْلٌ صِفَةُ الْغُسْل وَاجِبًا كَانَ أَوْ مُسْتَحَبًّا] (فَصْلٌ) (وَصِفَةُ غُسْلٍ كَامِلٍ) وَاجِبًا كَانَ أَوْ مُسْتَحَبًّا: (أَنْ يَنْوِيَ) رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، أَوْ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ أَوْ الْجُمُعَةِ مَثَلًا، (وَيُسَمِّيَ) ، أَيْ: يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ بَعْدَ النِّيَّةِ، (وَيَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا) خَارِجَ الْمَاءِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 الْإِنَاءَ، وَيَصُبَّ الْمَاءَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَيَغْسِلَ (مَا لَوَّثَهُ مِنْ مَنِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ) كَمَذْيٍ، (ثُمَّ يَضْرِبَ بِيَدِهِ الْحَائِطَ أَوْ الْأَرْضَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ، (ثُمَّ يَتَوَضَّأَ كَامِلًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثُمَّ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» (وَيُرَوِّيَ) - بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ - (رَأْسَهُ) ، أَيْ: أُصُولَ شَعْرِهِ، (ثَلَاثًا) ، يَحْثِيَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، (ثُمَّ) يَغْسِلَ (بَقِيَّةَ جَسَدِهِ) بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ (ثَلَاثًا) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُخَلِّلَ شَعْرَهُ بِيَدَيْهِ حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ رَوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيَتَيَامَنَ) - أَيْ: يَبْدَأَ بِمَيَامِنِهِ - اسْتِحْبَابًا، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْحِلَابُ: بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَالْمِحْلَبَةُ: بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَفَتْحِ اللَّامِ؛ إنَاءٌ يُحْلَبُ فِيهِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: إنَاءٌ يَسَعُ حَلْبَ نَاقَةٍ، (وَيُدَلِّكَهُ) - أَيْ: جَسَدَهُ اسْتِحْبَابًا لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ «إنَّمَا يَكْفِيَكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ الْمَاءَ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَيَتَفَقَّدَ أُصُولَ شَعْرٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ» (وَغَضَارِيفَ أُذُنٍ وَتَحْتَ حَلْقٍ وَإِبِطٍ، وَ) تَحْتَ (خَاتَمٍ، وَعُمْقَ سُرَّةٍ وَطَيَّ رُكْبَتِهِ) ، لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَيْهَا (وَيَكْفِي الظَّنُّ فِي الْإِسْبَاغِ، وَهُوَ) : - أَيْ: الْإِسْبَاغُ - (تَعْمِيمُ عُضْوٍ بِمَاءٍ بِحَيْثُ يَجْرِي) الْمَاءُ (عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ مَسْحًا) ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْيَقِينِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ، (ثُمَّ يَتَحَوَّلَ عَنْ مَوْضِعِهِ فَيَغْسِلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 قَدَمَيْهِ، وَلَوْ) كَانَ (فِي حَمَّامٍ) وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا طِينَ فِيهِ، لِقَوْلِ مَيْمُونَةَ «ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ» (وَإِنْ أَخَّرَ غُسْلَهُمَا) - أَيْ: قَدَمَيْهِ - (فِي وُضُوءٍ لِآخِرِ غُسْلِهِ فَلَا بَأْسَ) ، لِوُرُودِهِ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ. (وَكُرِهَ إعَادَةُ وُضُوءٍ بَعْدَ غُسْلٍ لِمُتَوَضِّئٍ قَبْلَهُ) - أَيْ: قَبْلَ الْغُسْلِ -؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالُ - بَلْ يَحْرُمُ -) الْوُضُوءُ بَعْدَ الْغُسْلِ عَلَى مُتَيَقِّنٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ قَبْلَ اغْتِسَالِهِ، وَلَهُ الصَّلَاةُ بِمَا تَيَقَّنَهُ، (وَلَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ) ثَانِيًا وَإِنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (لِتَعَاطِيهِ عِبَادَةً فَاسِدَةً) ، وَيُقَوِّي الِاحْتِمَالَ إذَا كَانَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَى الْمَاءِ، أَوْ كَانَ بِكُلْفَةٍ كَمَاءِ حَمَّامٍ، (إلَّا أَنْ يُنْتَقَضَ) وُضُوءُهُ (بِنَحْوِ مَسِّ فَرْجٍ) كَخُرُوجِ رِيحٍ، (فَيَجِبُ) عَلَيْهِ إعَادَتُهُ ثَانِيًا إذَا أَرَادَ فِعْلَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُجْزِئُ) (عَصْرُ شَعْرِهِ مِنْ) مَاءِ (غَسْلَةٍ ثَانِيَةٍ عَلَى لُمْعَةٍ مِنْ جَسَدِهِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ) حِينَ إفَاضَتِهِ. (وَصِفَةُ) غُسْلٍ (مُجْزِئٍ:) (أَنْ يَنْوِيَ وَيُسَمِّيَ) كَمَا مَرَّ، (وَيُعِمَّ بِمَاءٍ جَمِيعَ بَدَنِهِ) سِوَى دَاخِلَ عَيْنٍ فَلَا يَجِبُ وَلَا يُسَنُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 (حَتَّى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ امْرَأَةٍ عِنْدَ قُعُودٍ لِحَاجَةِ) بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، (وَ) حَتَّى (حَشَفَةَ أَقْلَفَ) - أَيْ: غَيْرَ مُخْتَتَنٍ - (مَفْتُوقٍ) ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ فَيَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا، (وَ) حَتَّى (دَاخِلَ فَمٍ وَأَنْفٍ) وُجُوبًا، (وَ) حَتَّى (بَاطِنَ شَعْرٍ) خَفِيفٍ وَكَثِيفٍ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْبَدَنِ لَا مَشَقَّةَ فِي غَسْلِهِ، فَوَجَبَ كَبَاقِيهِ. وَلَا يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِ فَرْجٍ مِنْ جَنَابَةٍ، وَكَذَلِكَ حَشَفَةُ أَقْلَفَ غَيْرِ مَفْتُوقٍ. (وَ) يَتَعَيَّنُ (غَسْلُ شَعْرٍ مُسْتَرْسِلٍ مَعَ نَقْضِهِ وُجُوبًا لِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا «إذَا كُنْتِ حَائِضًا خُذِي مَاءَكِ وَسِدْرَكِ وَامْتَشِطِي» ، وَلِابْنِ مَاجَهْ «اُنْقُضِي شَعْرَكِ وَاغْتَسِلِي» وَلِتَحَقُّقِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَ (لَا) يَجِبُ نَقْضُهُ لِغُسْلٍ مِنْ (جَنَابَةٍ إذَا رَوَتْ أُصُولَهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَيَشُقُّ ذَلِكَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. (وَيَرْتَفِعُ حَدَثٌ أَكْبَرُ أَوْ أَصْغَرُ قَبْلَ زَوَالِ حُكْمِ خَبَثٍ) لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ كَطَاهِرٍ عَلَى مَحَلِّ الْحَدَثِ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ. (وَتُسَنُّ مُوَالَاةٌ) فِي غُسْلٍ، لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَجِبُ كَالتَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، (فَإِنْ فَاتَتْ) الْمُوَالَاةُ بِأَنْ أَخَّرَ بَقِيَّةَ غَسْلِ بَدَنِهِ زَمَنًا يَجِفُّ فِيهِ مَا غَسَلَهُ قَبْلَهُ (جَدَّدَ لِإِتْمَامِهِ) - أَيْ: الْغُسْلَ - نِيَّةً لِانْقِطَاعِ النِّيَّةِ بِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ، فَيَقَعُ غَسْلُ مَا بَقِيَ بِدُونِ نِيَّةٍ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا يُجَدِّدُ (تَسْمِيَةً) لِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ أَيْضًا وَلِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ فِي ابْتِدَائِهِ مُقْتَرِنَةً مَعَ النِّيَّةِ، فَلَزِمَ تَجْدِيدُهَا بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا، فَمُقْتَضَى الِاتِّجَاهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ التَّجْدِيدِ فِي كُلٍّ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ، فَيُعْتَبَرُ اسْتِمْرَارُ حُكْمِهِ إلَى آخِرِ الْعِبَادَةِ، وَلَا كَذَلِكَ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّهَا فِي الْغُسْلِ أَخَفُّ مِنْهَا فِي الْوُضُوءِ، لِتَنَاوُلِ حَدِيثِ التَّسْمِيَةِ بِصَرِيحِهِ الْوُضُوءَ فَقَطْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 (وَلَا تَرْتِيبَ) فِي الْغُسْلِ، (فَلَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ إلَّا أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ لَمْ يَجِبْ فِيهَا تَرْتِيبٌ، وَ) لَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثَيْنِ (إلَّا رِجْلَيْهِ) ثُمَّ أَحْدَثَ، فَإِنَّهُ (يَجِبُ) عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ (فِي الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ) وَهِيَ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ وَالرَّأْسُ (دُونَهُمَا) ، أَيْ: دُونَ رِجْلَيْهِ. (وَيُسَنُّ سِدْرٌ فِي غُسْلِ كَافِرٍ أَسْلَمَ) ، لِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ «أَنَّهُ أَسْلَمَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. (كَ) مَا يُسَنُّ لِكَافِرٍ أَسْلَمَ (إزَالَةُ شَعْرِهِ الْمَعْهُودِ إزَالَتُهُ) كَشَعْرِ رَأْسِ ذَكَرٍ وَعَانَةٍ وَإِبِطٍ مُطْلَقًا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ أَسْلَمَ: «أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَ) يُسَنُّ أَيْضًا سِدْرٌ (فِي غُسْلِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَأَخْذُ) مُغْتَسِلَةٍ مِنْ ذَلِكَ (غَيْرِ مُحْرِمَةٍ مِسْكًا تَجْعَلُهُ فِي فَرْجِهَا فِي نَحْوِ قُطْنَةٍ) كَخِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُمْسِكُهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ (بَعْدَ غُسْلِهَا) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لَمَّا سَأَلَتْهُ أَسْمَاءُ عَنْ غُسْلِ الْحَيْضِ «ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتُطَهِّرُ بِهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْفِرْصَةُ: بِكَسْرِ الْفَاءِ الْقِطْعَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (فَإِنْ لَمْ تَجِدْ) مِسْكًا (فَطِيبًا) ، أَيَّ طِيبٍ كَانَ، (فَإِنْ لَمْ تَجِد) طِيبًا (فَطِينًا) تَجْعَلُهُ فِي فَرْجِهَا وَلَوْ مُحْرِمَةً، (فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْمَاءُ) الطَّهُورُ (كَافٍ) ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " " وَالرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 (وَيَتَّجِهُ أَنَّ الْمُرَادَ) مِنْ قَوْلِهِمْ: وَيُسَنُّ (سِدْرٌ) فِي غُسْلٍ إلَى آخِرِهِ: أَنْ (لَا يُغَيِّرَ الْمَاءَ) تَغَيُّرًا (كَثِيرًا) لِئَلَّا يَسْلُبَهُ الطَّهُورِيَّةَ، (أَوْ أَنَّهُ يَغْسِلُ) جَسَدَهُ (عَقِبَ ذَلِكَ) - أَيْ: غُسْلِهِ بِالسِّدْرِ - (بِمَاءٍ خَالِصٍ) احْتِيَاطًا وَدَفْعًا لِلْوَسْوَسَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُسَنُّ تَوَضُّؤٌ بِمُدٍّ) مِنْ مَاءٍ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَزِنَتُهُ) - أَيْ: الْمُدَّ - (مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ) دِرْهَمًا (وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ) إسْلَامِيٍّ، (وَ) بِالْمَثَاقِيلِ: (مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، مِثْقَالًا وَ) بِالْأَرْطَالِ (رَطْلٌ وَثُلُثٌ عِرَاقِيٌّ) وَمَا وَافَقَهُ فِي زِنَتِهِ مِنْ الْبِلَادِ، (وَرَطْلٌ وَسُبُعُ) رَطْلٍ (وَثُلُثُ سُبُعِ) رَطْلٍ (مِصْرِيٍّ) وَمَا وَافَقَهُ كَالْمَكِّيِّ، وَذَلِكَ رَطْلٌ وَأُوقِيَّتَانِ وَسُبْعَا أُوقِيَّةٍ (وَثَلَاثُ أَوَاقٍ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ أُوقِيَّةٍ دِمَشْقِيَّةٍ وَأُوقِيَّتَانِ وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ) أُوقِيَّةٍ بِالْوَزْنِ (الْحَلَبِيِّ) وَمَا وَافَقَهُ، (وَأُوقِيَّتَانِ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ) أُوقِيَّةٍ بِالْوَزْنِ (الْقُدْسِيِّ) وَمَا وَافَقَهُ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمِيَاهِ بَيَانُ الْمُوَافِقِ لِمَا ذُكِرَ. (وَ) يُسَنُّ (اغْتِسَالٌ بِصَاعٍ) ، وَهُوَ: أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، (وَزِنَتُهُ: سِتُّمِائَةِ) دِرْهَمٍ (وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ) دِرْهَمًا (وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ) إسْلَامِيٍّ، (وَهِيَ) بِالْمَثَاقِيلِ: (أَرْبَعُمِائَةِ) مِثْقَالٍ (وَثَمَانُونَ مِثْقَالًا، وَ) بِالْأَرْطَالِ: (خَمْسَةٌ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ) رَطْلٍ (عِرَاقِيَّةٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَعْبٍ «أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ طَعَامٍ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَعْلَمُهُ أَنَّ الْفَرَقَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَالْفَرَقُ: بِفَتْحِ الرَّاءِ: سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ، وَيُعْتَبَرُ (بِبُرٍّ رَزِينٍ) - أَيْ: جَيِّدٍ - وَهِيَ مَا يُسَاوِي الْعَدَسَ فِي زِنَتِهِ. (وَ) الصَّاعُ: (أَرْبَعَةُ) أَرْطَالٍ (وَخَمْسَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 أَسْبَاعِ رَطْلٍ وَثُلُثُ سُبْعِ رَطْلٍ مِصْرِيٍّ) وَمَا وَافَقَهُ، أَيْ: أَرْبَعَةُ أَرْطَالِ وَتِسْعُ أَوَاقٍ وَسُبْعُ أُوقِيَّةٍ مِصْرِيَّةٍ، (وَ) ذَلِكَ (رَطْلٌ وَسُبْعُ) رَطْلٍ (دِمَشْقِيٍّ) وَمَا وَافَقَهُ، (وَ) ذَلِكَ (إحْدَى عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ) أُوقِيَّةٍ (حَلَبِيَّةٍ) وَمَا وَافَقَهَا وَذَلِكَ (عَشْرُ أَوَاقٍ وَسُبْعَانِ) مِنْ أُوقِيَّةٍ (قُدْسِيَّةٍ) وَمَا وَافَقَهَا قَالَ الْمُنَقِّحُ: (وَهَذَا يَنْفَعُكَ هُنَا وَفِي الْفِطْرَةِ) ، أَيْ: فِطْرَةِ الصَّوْمِ، (وَ) فِي (الْفِدْيَةِ) فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، (وَ) فِي (الْكَفَّارَةِ) ، أَيْ: كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَيَمِينٍ (وَغَيْرِهِمَا، وَ) فِي (غَيْرِهَا) ، كَنَذْرِ الصَّدَقَةِ بِمُدٍّ أَوْ صَاعٍ. (وَلَا يُكْرَهُ إسْبَاغٌ) فِي وُضُوءٍ وَغُسْلٍ (بِدُونِ مَا ذُكِرَ) مِنْ الْوُضُوءِ بِالْمُدِّ وَالْغُسْلِ بِالصَّاعِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَنْطُوقُ هَذَا مُقَدَّمٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ الْمُدُّ وَفِي الْغُسْلِ الصَّاعُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَثْرَمُ. (وَلَا) يُكْرَهُ (غُسْلُ) رَجُلٍ مَعَ نَحْوِ امْرَأَتِهِ (أَوْ تَوَضُّؤُ) هـ (مَعَ نَحْوِ امْرَأَتِهِ) كَسَرِيَّتِهِ (مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَكُرِهَ) (إسْرَافٌ) فِي مَاءٍ (وَلَوْ) كَانَ (عَلَى نَهْرٍ جَارٍ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى سَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ؟ ، فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إسْرَافٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَ) كُرِهَ (اغْتِسَالٌ عُرْيَانًا) إنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، وَإِلَّا حَرُمَ، لِحَدِيثِ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ الْمَاءَ إلَّا بِمِئْزَرٍ، فَإِنَّ لِلْمَاءِ عَامِرًا» وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَقَدْ دَخَلَا الْمَاءَ وَعَلَيْهِمَا بُرْدَانِ: " إنَّ لِلْمَاءِ سُكَّانًا " (بِلَا عُذْرٍ) ، وَمَعَ الْعُذْرِ لَا يُكْرَهُ. (وَ) كُرِهَ اغْتِسَالٌ (دَاخِلَ مَاءٍ كَثِيرٍ) كَالْبَحْرِ خَشْيَةَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْمَوْجُ فَيُغْرِقَهُ، (وَيَرْتَفِعُ حَدَثُ) الْمُغْتَسِلِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ (قَبْلَ انْفِصَالِهِ عَنْهُ) فَتُبَاحُ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بَعْدَ انْغِمَاسِهِ وَلَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 [فَصْلٌ نَوَى بِغُسْلٍ رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ] (فَصْلٌ) (وَمَنْ) (نَوَى بِغُسْلٍ رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ) الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ، (أَوْ) نَوَى رَفْعَ (الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ) وَاغْتَسَلَ، أَجْزَأَ عَنْهُمَا، (أَوْ) نَوَى بِغُسْلِهِ (أَمْرًا) - أَيْ: فِعْلَ أَمْرٍ - (لَا يُبَاحُ إلَّا بِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ كَطَوَافٍ) وَصَلَاةٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَاغْتَسَلَ (أَجْزَأَ) غُسْلُهُ (عَنْهُمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] جَعَلَ الْغُسْلَ غَايَةً لِلْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِذَا اغْتَسَلَ وَجَبَ أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْهَا، وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ، فَدَخَلَتْ الصُّغْرَى فِي الْكُبْرَى، كَالْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ إذَا كَانَ قَارِنًا (وَإِنْ نَوَى) الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ (أَحَدَهُمَا) - أَيْ: الْحَدَثَيْنِ - (لَمْ يَرْتَفِعْ غَيْرُهُ) لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (أَوْ) نَوَى (مَا يُبَاحُ بِأَحَدِهِمَا) كَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، (لَمْ يَرْتَفِعَا) مَعًا (بَلْ) يَرْتَفِعُ (مَا نَوَاهُ) مِنْ الْحَدَثَيْنِ فَقَطْ دُونَ مَا لَمْ يَنْوِهِ. (فَمَنْ) كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ (وَنَوَتْ) بِغُسْلِهَا (حِلَّ وَطْءٍ صَحَّ غُسْلُهَا) وَارْتَفَعَ الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ حِلَّ وَطْئِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رَفْعِهِ، (وَكَذَا) لَوْ نَوَى مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ بِالْغُسْلِ اسْتِبَاحَةَ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ ارْتَفَعَ الْأَكْبَرُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ إنَّمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى رَفْعِهِ لَا عَلَى رَفْعِ الْأَصْغَرِ، أَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ (لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ) ارْتَفَعَ الْأَكْبَرُ فَقَطْ. (وَسُنَّ لِكُلٍّ مِنْ جُنُبٍ وَلَوْ أُنْثَى وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا غَسْلُ فَرْجِهِ) لِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَذَى، (وَ) كَذَا (وُضُوءُهُ لِنَوْمٍ) ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: «أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا تَوَضَّأَ فَلْيَرْقُدْ» وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. (وَكَذَا كَافِرٌ أَسْلَمَ) فَيُسَنُّ لَهُ غَسْلُ فَرْجِهِ، وَالْوُضُوءُ لِنَوْمٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ إعَادَةِ وَطْءٍ قِيَاسًا عَلَى مَنْ ذُكِرَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 (وَكُرِهَ تَرْكُهُ) ، أَيْ: الْوُضُوءِ - (لِجُنُبٍ لِنَوْمٍ فَقَطْ) ، أَيْ: دُونَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. (وَ) سُنَّ أَيْضًا الْوُضُوءُ (لِمُعَاوَدَةِ وَطْءٍ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَاوِدَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ، وَزَادَ «فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ» (وَغُسْلٌ) لِمُعَاوَدَةِ وَطْءٍ (أَفْضَلُ) مِنْ وُضُوءٍ؛ لِأَنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ، وَيَأْتِي فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ. (وَ) سُنَّ لِمَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ أَنْ يَتَوَضَّأَ (لِ) إرَادَةِ (أَكْلٍ وَشُرْبٍ) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. (وَلَا يَضُرُّ نَقْضُهُ) - أَيْ: الْوُضُوءِ - بَعْدَ ذَلِكَ، أَيْ: إذَا تَوَضَّأَ الْجُنُبُ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَهُ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، فَلَا تُسَنُّ لَهُ إعَادَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّخْفِيفُ أَوْ النَّشَاطُ. . [فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَمَّامِ وَآدَابِ دُخُولِهِ] (فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَمَّامِ وَآدَابِ دُخُولِهِ أَجْوَدُ الْحَمَّامَاتِ مَا كَانَ شَاهِقًا عَذْبَ الْمَاءِ مُعْتَدِلَ الْحَرَارَةِ مُعْتَدِلَ الْبُيُوتِ قَدِيمَ الْبِنَاءِ. (وَيُكْرَهُ بِنَاءُ حَمَّامٍ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَإِجَارَتُهُ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا، وَدُخُولِ النِّسَاءِ إلَيْهِ، وَقَدْ قِيلَ: مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا جَعَلَهُ قَيِّمَ مَسْجِدٍ، وَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ شَرًّا جَعَلَهُ قَيِّمَ حَمَّامٍ الْمُرَادُ بِالْقَيِّمِ: الَّذِي يَكُونُ كَسْبُهُ مِنْ الْحَمَّامِ دَاخِلًا وَخَارِجًا، وَأَكْبَرُ قَيِّمٍ فِيهِ صَاحِبُهُ الَّذِي يَتَعَاطَى أُمُورَهُ لَا بَانِيهِ؛ لِأَنَّ الْبَانِيَ لَا يَكُونُ قَيِّمًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ: بَانِيًا، وَهَذِهِ الْمَقَالَةُ وَارِدَةٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ انْتَهَى. (وَكَسْبُهُ وَكَسْبُ بَلَّانٍ وَمُزَيِّنٍ) مَكْرُوهٌ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَحَمَّامِيَّةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 النِّسَاءِ أَشَدُّ كَرَاهَةً، (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِي الَّذِي يَبْنِي حَمَّامًا لِلنِّسَاءِ: لَيْسَ بِعَدْلٍ) ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ بَنَاهُ لِلنِّسَاءِ، وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي، وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى غَيْرِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ. (وَتُكْرَهُ قِرَاءَةٌ) فِي الْحَمَّامِ، وَلَوْ خَفَضَ صَوْتَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْكَشْفِ، وَيُفْعَلُ فِيهِ مَا لَا يَحْسُنُ فِي غَيْرِهِ، فَاسْتُحِبَّ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ عَنْهُ، وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ الْكَرَاهَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ. (وَ) كَذَا يُكْرَهُ (سَلَامٌ فِيهِ) - أَيْ: الْحَمَّامِ - (وَرَدُّهُ) ، أَيْ: السَّلَامِ قَالَ فِي " الْآدَابِ ": وَكَذَلِكَ لَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ عَلَى مُسَلِّمٍ. و (لَا) يُكْرَهُ (ذِكْرٌ) فِي الْحَمَّامِ لِمَا رَوَى النَّخَعِيّ " أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ دَخَلَ الْحَمَّامَ، فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ". (وَسَطْحُهُ) - أَيْ: الْحَمَّامِ - (وَنَحْوُهُ) مِمَّا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ، (كَهُوَ) ، لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ. (وَدُخُولُهُ لِرَجُلٍ بِسُتْرَةٍ مَعَ أَمْنِ وُقُوعٍ فِي مُحَرَّمٍ) مِنْ النَّظَرِ إلَى عَوْرَاتٍ وَمَسِّهَا، وَنَظَرِهِمْ إلَى عَوْرَتِهِ وَمَسِّهَا. (مُبَاحٌ) لِمَا رُوِيَ " أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ حَمَّامًا كَانَ بِالْجُحْفَةِ " وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ: «نِعْمَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُذْهِبُ الدَّرَنَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ» . (وَإِنْ خِيفَ) بِدُخُولٍ وُقُوعٌ فِي مُحَرَّمٍ (كُرِهَ) دُخُولُهُ خَشْيَةَ الْمَحْظُورِ وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ " بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ، يُبْدِي الْعَوْرَةَ وَيُذْهِبُ الْحَيَاءَ " (وَإِنْ عُلِمَ) وُقُوعٌ فِي مُحَرَّمٍ (حَرُمَ) الدُّخُولُ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ ذُكُورِ أُمَّتِي فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَتْ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا تَدْخُلْ الْحَمَّامَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ أَحْمَدُ: إنْ عَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ مَنْ - يَدْخُلُ الْحَمَّامَ عَلَيْهِ إزَارٌ فَادْخُلْهُ، وَإِلَّا فَلَا تَدْخُلْهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا) - أَيْ: كَدُخُولِ حَمَّامٍ فِي الْحُكْمِ - (تَفْصِيلٌ: تَفَرُّجٌ) عَلَى غُزَاةٍ أَوْ حُجَّاجٍ أَوْ وُلَاةٍ أَوْ عُرْسٍ أَوْ خِتَانٍ وَنَحْوِهَا، فَيُبَاحُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 مَعَ أَمْنِ سَمَاعِ أَوْ نَظَرِ مُحَرَّمٍ، وَيُكْرَهُ مَعَ خَوْفِ ذَلِكَ (وَيَحْرُمُ) مَعَ الْعِلْمِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَحْرُمُ) دُخُولُ حَمَّامٍ (عَلَى أُنْثَى مُطْلَقًا) أَمِنْتَ الْوُقُوعَ فِي مُحَرَّمٍ أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْفُرُوعِ " " وَالْمُنْتَهَى " خِلَافًا " لِلْإِقْنَاعِ " وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى ذَلِكَ (إلَّا لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفِ ضَرَرٍ) بِاغْتِسَالِهَا فِي بَيْتِهَا كَنَزْلَةٍ، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ. (أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جَنَابَةٍ أَوْ فِي حَمَّامِ دَارِهَا) ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ، وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ، فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إلَّا بِالْأُزُرِ وَامْنَعُوا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ» . (وَمِنْ) (آدَابِ) دُخُولِ (حَمَّامٍ:) (تَقْدِيمُ) رِجْلٍ (يُسْرَى فِي دُخُولِهِ) - أَيْ: الْحَمَّامِ - (وَ) فِي دُخُولِ (مُغْتَسِلٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا خَبَثٌ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَعَنْ سُفْيَانَ قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ لِمَنْ دَخَلَهُ أَنْ يَقُولَ: يَا بَرُّ يَا رَحِيمُ مُنَّ وَقِنَا عَذَابَ السَّمُومِ (وَ) تَقْدِيمُ رِجْلٍ (يُمْنَى خُرُوجًا) أَيْ: فِي خُرُوجِهِ مِنْهُ، قِيَاسًا عَلَى الْخَلَاءِ (وَقَوْلُ) دَاخِلٍ: (بِسْمِ اللَّهِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ) مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ إلَى آخِرِهِ، (كَمَا مَرَّ) فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ، (وَالْأَوْلَى غَسْلُ قَدَمَيْهِ وَإِبْطَيْهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ عِنْدَ دُخُولِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْبَخَرَ، (وَ) الْأَوْلَى لِدَاخِلِهِ (لُزُومُ حَائِطٍ) خَوْفَ السُّقُوطِ، وَقَصْدُ الِاغْتِسَالِ (بِمَوْضِعٍ خَالٍ، وَعَدَمُ الِالْتِفَاتِ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي مَحْظُورٍ، (وَ) عَدَمُ (دُخُولٍ لِبَيْتٍ حَارٍّ قَبْلَ عَرَقٍ) بِبَيْتٍ (أَوَّلَ) ؛ لِأَنَّهُ أَجْوَدُ طِبًّا، (وَيَمْكُثُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ) فَقَطْ لِئَلَّا يُنْتَهَكَ بَدَنُهُ، (وَيَتَذَكَّرُ النَّارَ بِحَرَارَتِهِ) ، وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (يَجِبُ) عَلَى دَاخِلِ حَمَّامٍ (اقْتِصَادٌ فِي) اسْتِعْمَالِ (الْمَاءِ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ) حَيْثُ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ مُسَبَّلًا، (فَإِنَّهُ) - أَيْ: قَدْرَ الْحَاجَةِ - (الْمَأْذُونُ فِيهِ) شَرْعًا وَعُرْفًا (بِقَرِينَةِ الْحَالِ، لَا سِيَّمَا) الْمَاءَ (الْحَارَّ لِمَا فِيهِ مِنْ مُؤْنَةِ التَّعَبِ) بِتَحْصِيلِ الْوَقُودِ وَأُجْرَةِ الْعَمَلَةِ (وَ) يَتَّجِهُ: أَنَّ (مِثْلَهُ كُلُّ مَاءٍ سُبِّلَ لِنَحْوِ وُضُوءٍ) كَغُسْلٍ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ، فَلَا يُزَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ عِنْدَ خُرُوجٍ) مِنْ الْحَمَّامِ (بِمَاءٍ بَارِدٍ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الصُّدَاعَ، لِخَبَرِ أَبِي نُعَيْمٍ) فِي الطِّبِّ قَالَ: " (غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ أَمَانٌ مِنْ الصُّدَاعِ) " رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ. (وَلَا يُكْرَهُ دُخُولُهُ) حَمَّامًا (قُرْبَ غُرُوبٍ وَ) لَا (بَعْدَهُ) ، لِعَدَمِ النَّهْيِ الْخَاصِّ عَنْهُ، خِلَافًا لِابْنِ الْجَوْزِيِّ. [بَابُ التَّيَمُّمِ] (بَابُ التَّيَمُّمِ) لُغَةً: الْقَصْدُ، قَالَ - تَعَالَى -: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] يُقَالُ: يَمَّمَتْ فُلَانًا وَتَيَمَّمْتُهُ وَأَمَّمْتُهُ إذَا قَصَدْتُهُ، وَمِنْهُ {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: وَمَا أَدْرِي إذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا ... أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي أَأَلْخَيْرُ الَّذِي أَنَا مُبْتَغِيهِ ... أَمْ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ مُبْتَغِينِي وَشَرْعًا: (اسْتِعْمَالُ تُرَابٍ مَخْصُوصٍ) - أَيْ: طَهُورٍ مُبَاحٍ (لِوَجْهٍ وَيَدَيْنِ) عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَسَنَدُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] الْآيَةَ وَحَدِيثُ عَمَّارٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ،؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَجْعَلْهُ طَهُورًا لِغَيْرِهَا تَوْسِعَةً عَلَيْهَا وَإِحْسَانًا إلَيْهَا، وَالتَّيَمُّمُ (بَدَلُ طَهَارَةِ مَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهَا يَجِبُ فِعْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ إلَّا لِعُذْرٍ، وَهَذَا شَأْنُ الْبَدَلِ (لِ) فِعْلِ (كُلِّ مَا يُفْعَلُ بِهِ) أَيْ: بِالْمَاءِ بِطَهَارَتِهِ، كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَقِرَاءَةٍ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ وَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ (عِنْدَ عَجْزٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِعْمَالِ، أَوْ صِفَةٌ لِبَدَلٍ - (عَنْهُ) - أَيْ: الْمَاءِ - (شَرْعًا) ، أَيْ: مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَلَوْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ حِسًّا (سِوَى نَجَاسَةٍ عَلَى غَيْرِ بَدَنٍ) كَثَوْبٍ وَبُقْعَةٍ، فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا، إذْ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِيهِ، وَسِوَى لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ إذَا تَعَذَّرَ الْوُضُوءُ عَاجِلًا وَأَرَادَ اللُّبْثَ لِلْغُسْلِ فِيهِ، فَلَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ، وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لِكُلِّ مَا يُفْعَلُ بِهِ، لَكِنْ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَهُوَ الْوُجُوبُ، لَا مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا. (وَيَتَّجِهُ: وَسِوَى غَسْلِ يَدَيْ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ) ، أَيْ: فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ، (وَ) سِوَى (غَسْلِ ذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ، لِخُرُوجِ مَذْيٍ) دُونَهُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ نَجِسٌ فَيَتَيَمَّمُ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَجَاسَةٌ عَلَى الْبَدَنِ، بِخِلَافِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ نَجَاسَةً فَيَتَيَمَّمُ لَهَا، وَلَا حَدَثًا بَلْ فِي مَعْنَاهُ، فَلَا يَجِبُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَهُوَ) - أَيْ: التَّيَمُّمَ - (عَزِيمَةٌ) كَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، (وَجَوَازُهُ) - أَيْ: التَّيَمُّمَ - (مَعَ) جَوَازِ (أَكْلِ مَيْتَةٍ لِمُضْطَرٍّ) لَيْسَ خَاصًّا بِسَفَرٍ، (وَ) جَوَازُ (صَلَاةٍ) نَافِلَةٍ (عَلَى رَاحِلَةٍ لَيْسَ خَاصًّا بِسَفَرٍ) مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ عَزِيمَةٌ. قَالَ الْقَاضِي: لَوْ خَرَجَ إلَى ضَيْعَةٍ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 فَقَارَبَ الْبُنْيَانَ وَالْمَنَازِلَ، وَلَوْ بِخَمْسِينَ خُطْوَةٍ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ لِضَرُورَةٍ انْتَهَى؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ عُرْفًا، (وَهُوَ) - أَيْ: التَّيَمُّمُ - (مُبِيحٌ) لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا (لَا رَافِعٌ) لِلْحَدَثِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكَ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَوْ رَفَعَ الْحَدَثَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْمَاءِ إذَا وَجَدَهُ. (وَيَصِحُّ) التَّيَمُّمُ (بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ) : الْأَوَّلُ: (نِيَّةٌ. وَ) الثَّانِي: (إسْلَامٌ. وَ) الثَّالِثُ: (عَقْلٌ. وَ) الرَّابِعُ: (تَمْيِيزٌ. وَ) الْخَامِسُ: (اسْتِنْجَاءٌ) بِمَاءٍ (أَوْ اسْتِجْمَارٌ) بِنَحْوِ حَجَرٍ. (وَ) السَّادِسُ: (إزَالَةُ مَا عَلَى بَدَنِ) الْمُتَيَمِّمِ (مِنْ نَجَاسَةٍ ذَاتِ جُرْمٍ. السَّابِعُ: دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ) يُرِيدُ الْمُتَيَمِّمُ لَهَا، (وَلَوْ) كَانَتْ (مَنْذُورَةً بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ) ، كَمَنْ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ بِعَشْرِ دُرْجٍ مَثَلًا، (فَلَا يَصِحُّ) التَّيَمُّمُ (لِ) صَلَاةٍ (حَاضِرَةٍ) - أَيْ: مُؤَدَّاةٍ - (وَ) لَا لِصَلَاةِ (عِيدٍ قَبْلَ) دُخُولِ (وَقْتِهِمَا، وَكَذَا) لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِصَلَاةٍ (رَاتِبَةٍ) قَبْلَ وَقْتِهَا نَصًّا، (وَ) لَا لِصَلَاةٍ (مَنْذُورَةٍ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ ذَلِكَ الزَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ دُخُولُهُ كَالْمَفْرُوضَةِ، (وَلَا لِ) صَلَاةٍ (فَائِتَةٍ إلَّا إنْ ذَكَرَهَا، وَأَرَادَ فِعْلَهَا، وَلَا لِ) صَلَاةِ (كُسُوفٍ قَبْلَ وُجُودِهِ) - أَيْ: الْكُسُوفِ، (وَلَا لِ) صَلَاةِ (اسْتِسْقَاءٍ مَا لَمْ يَجْتَمِعُوا) ، أَيْ: النَّاسُ لَهَا. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ (الْمُرَادَ) مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ: (اجْتِمَاعُ غَالِبِهِمْ) لِلصَّلَاةِ (وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّهُ يَصِحُّ) مِنْهُمْ (صَلَاةُ ذَلِكَ) الِاسْتِسْقَاءِ (بِتَيَمُّمِ) فَاعِلِهَا (لِ) أَجْلِ صَلَاةِ (فَرْضٍ) كَانَ تَيَمَّمَ لَهُ (قَبْلَ) إرَادَةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، (كَ) مَا لَوْ صَلَّى صَلَاةَ (تَرَاوِيحَ بِتَيَمُّمٍ) لِ (صَلَاةِ عِشَاءٍ) إذْ مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ، ثُمَّ أُبِيحَتْ نَافِلَةٌ بَعْدَهَا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا، كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 لَوْ دَخَلَ وَقْتُ مَنْذُورَةٍ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ لِلْفَرِيضَةِ خِلَافًا لِلْمَجْدِ، وَمِثْلُهُ مَنْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّتَهَا الْبَعْدِيَّةَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا لِ) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ إلَّا إذَا غُسِّلَ مَيِّتٌ) إنْ أَمْكَنَ (أَوْ يُمِّمَ لِعُذْرٍ) مِنْ نَحْوِ تَقَطُّعٍ، أَوْ عَدَمِ مَاءٍ (وَيَتَّجِهُ عَدَمُ بُطْلَانِ تَيَمُّمِ مُصَلِّينَ بِوُجُودِ مَاءٍ) قَدْرَ مَا (يَكْفِيهِ) أَيْ: الْمَيِّتَ (فَقَطْ) فَيُغَسَّلُ بِذَلِكَ الْمَاءِ، ثُمَّ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ، إذْ وُجُودُ الْقَدْرِ الَّذِي غُسِّلَ بِهِ الْمَيِّتُ كَعَدَمِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ وُجِدَ قَبْلَ دُخُولِهِمْ فِي الصَّلَاةِ فَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَتَيَمُّمُهُمْ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْمَاءِ وَلَوْ لَمْ يَكْفِ لِجَمِيعِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَيُغَسَّلُ الْمَيِّتُ، ثُمَّ يُجَدِّدُونَ التَّيَمُّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَعُمُومُ قَوْلِهِ: إلَّا إذَا غُسِّلَ مَيِّتٌ: يَشْمَلُ ذَلِكَ ، (وَلَا لِ) صَلَاةِ (نَفْلٍ وَقْتَ نَهْيٍ) عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةً تَتَقَيَّدُ بِالْوَقْتِ، كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَقْتِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ بِلَا عُذْرٍ (وَيَتَّجِهُ) : تَقْيِيدُهُ بِوَقْتِ نَهْيٍ عَنْهُ، أَيْ: عَنْ فِعْلِ صَلَاةٍ نَافِلَةٍ فِيهِ (بِخِلَافِ) مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ فِعْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 (نَحْوِ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ، وَسُنَّةِ فَجْرٍ قَبْلَهَا) ، وَكَذَا سُنَّةُ عَصْرٍ مَجْمُوعَةٍ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِمَا أُبِيحَ فِعْلُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . الشَّرْطُ (الثَّامِنُ:) (تَعَذُّرُ) اسْتِعْمَالِ (مَاءٍ وَلَوْ) كَانَ التَّعَذُّرُ (بِحَبْسٍ) لِلْمَاءِ بِأَنْ يُوضَعَ الْمَاءُ فِي مَكَان لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ، أَوْ الشَّخْصِ عَلَى الْخُرُوجِ فِي طَلَبِهِ، (أَوْ غَيْرِهِ) - أَيْ: الْحَبْسِ - حَضَرًا كَقَطْعِ عَدُوٍّ مَاءَ بَلَدِهِ، (أَوْ) بِسَبَبِ (عَجْزٍ عَنْ تَنَاوُلِهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - مِنْ بِئْرٍ وَنَحْوِهِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَلِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ أَشْبَهَ الْمُسَافِرَ، وَأَمَّا الْآيَةُ: فَلَعَلَّ ذِكْرَ السَّفَرِ فِيهَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَذِكْرِهِ فِي الرَّهْنِ، فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ مُعْتَبَرًا، (وَلَوْ بِفَمٍ لِفَقْدِ آلَةٍ يَتَنَاوَلُ بِهَا كَمَقْطُوعِ يَدَيْنِ) ، وَصَحِيحٍ عَدِمَ مَا يَسْتَقِي بِهِ مِنْ نَحْوِ بِئْرٍ كَحَبْلٍ وَدَلْوٍ (أَوْ) لِكَوْنِ يَدَيْهِ (نَجِسَتَيْنِ) ، وَالْمَاءُ قَلِيلٌ (فَيَأْخُذُهُ بِفِيهِ، وَيَصُبُّ عَلَى يَدَيْهِ) ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا، وَقَدَرَ عَلَى غَمْسِ أَعْضَائِهِ بِهِ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُهُ. أَوْ تَعَذَّرَ الْمَاءُ مَعَ وُجُودِهِ (لِمَرَضٍ) عَرَضَ لَهُ يَعْجِزُ مَعَهُ عَنْ الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ (مَعَ عَدَمِ مُوَضِّئٍ) لَهُ، أَوْ مَنْ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ مَعَ عَجْزِهِ عَنْهُ (أَوْ) غَيْبَتِهِ عَنْهُ مَعَ (خَوْفِهِ بِانْتِظَارِهِ) - أَيْ: الْمُوَضِّئِ، أَوْ الصَّابِّ - (فَوْتَ وَقْتٍ) (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ (لِاخْتِيَارٍ) كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 (أَوْ خَوْفِهِ) - أَيْ: الْمَرِيضِ الْقَادِرِ عَلَى الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ - (بِاسْتِعْمَالِهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - (بُطْءَ بُرْءٍ) أَيْ: طُولَ مَرَضٍ، (أَوْ) خَوْفَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ (بَقَاءَ شَيْءٍ فَاحِشٍ) - أَيْ: كَثِيرٍ - (فِي جَسَدِهِ وَلَوْ بَاطِنًا إنْ أَخْبَرَهُ بِهِ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ) . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَكَذَا لَوْ خَافَ حُدُوثَ نَزْلَةٍ (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، أَيْ: بُطْءَ الْبُرْءِ أَوْ بَقَاءَ الشَّيْنِ (بِنَفْسِهِ) مِنْ غَيْرِ إخْبَارِ طَبِيبٍ إذْ الْإِنْسَانُ غَالِبًا يَعْلَمُ مَا يَضُرُّهُ بِحَسَبِ مَا عَهِدَ مِنْ عَادَتِهِ، وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا خَافَ ذَهَابَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ مِنْ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ فَهُنَا أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) خَوْفُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ (ضَرَرَ بَدَنِهِ مِنْ جَرْحٍ) فِيهِ بَعْدَ غَسْلِ مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ، (أَوْ) مِنْ (بَرْدٍ شَدِيدٍ) ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ الْمَاءَ بِهِ. (أَوْ) خَوْفُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ (فَوْتَ رُفْقَةٍ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " أَوْ ظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا بِفَوَاتِ الرُّفْقَةِ، لِفَوَاتِ الْإِلْفِ وَالْأُنْسِ، (أَوْ) خَوْفُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوْتَ (مَالَهُ) . (أَوْ) خَوْفُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ (عَطَشَ نَفْسِهِ حَالًا أَوْ مَآلًا، أَوْ) عَطَشَ (غَيْرِهِ) كَذَلِكَ (مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ مُحْتَرَمَيْنِ، لَا) إنْ خَافَ عَطَشَ (نَحْوِ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَكَلْبٍ عَقُورٍ) أَوْ أَسْوَدَ بَهِيمٍ (وَزَانٍ مُحْصَنٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُحْتَرَمِينَ، (وَعَلَى هَذَا) - أَيْ: عَدَمِ احْتِرَامِ مَنْ ذُكِرَ - (فَيَجِبُ سَقْيُهُ) - أَيْ: الْمَاءِ - (لِكَلْبٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 مُحْتَرَمٍ) ، أَيْ: لَا عَقُورٍ، وَلَا أَسْوَدَ بَهِيمٍ، (وَتَرْكُ زَانٍ) مُحْصَنٍ (مُسْلِمٍ وَلَوْ مَاتَ) عَطَشًا، (مَا لَمْ يَتُبْ) تَوْبَةً نَصُوحًا. (أَوْ خَوْفُهُ) بِاسْتِعْمَالِهِ (احْتِيَاجَهُ) - أَيْ: الْمَاءِ - (لِعَجْنٍ أَوْ طَبْخٍ) ، فَمَنْ خَافَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَالْحَرَجِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَرَفِيقِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَخَشِيَ الْعَطَشَ أَنَّهُ يُبْقِي مَاءَهُ لِلشُّرْبِ وَيَتَيَمَّمُ. (وَلَا يَحِلُّ) لِمَنْ عِنْدَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ وَمُتَنَجِّسٌ (اسْتِعْمَالُ) الْمَاءِ (الْمُتَنَجِّسِ إذَنْ) - أَيْ: إذَا خَافَ عَطَشًا - فَيَحْبِسُ الطَّاهِرَ، وَيُرِيقُ النَّجِسَ إنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَإِلَّا حَبَسَهُ، (أَوْ) تَعَذَّرَ الْمَاءُ، (لِعَدَمِ بَذْلِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَادَةً عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ فِي مَكَانِهِ) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَحَمُّلُهُ، كَضَرَرِ النَّفْسِ (فَيَتَيَمَّمُ فِي الْكُلِّ) ، أَيْ: كُلِّ مَا مَرَّ مِنْ الْمَسَائِلِ، (وَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ حَصَلَ مَا خَافَ مِنْهُ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ عُهْدَتِهِ. (وَيَلْزَمُ) مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَاحْتَاجَهُ (شِرَاءُ مَاءٍ وَحَبْلٍ وَدَلْوٍ) احْتَاجَ إلَيْهِمَا لِيَسْتَقِيَ بِهِمَا (بِثَمَنِ مِثْلٍ أَوْ) شَيْءٍ (زَائِدٍ) عَنْهُ (يَسِيرًا) عَادَةً فِي مَكَانِهِ (فَاضِلٍ) - صِفَةٌ لِثَمَنٍ - (عَنْ حَاجَتِهِ) : كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَنَفَقَةٍ وَمُؤْنَةِ سَفَرٍ لَهُ وَلِعِيَالِهِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى ثَمَنِ الْعَيْنِ كَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فِي عَدَمِ جَوَازِ الِانْتِقَالِ إلَى الْبَدَلِ، وَالزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ لَا أَثَرَ لَهَا، إذْ الضَّرَرُ الْيَسِيرُ قَدْ اُغْتُفِرَ فِي النَّفْسِ فَفِي الْمَالِ أَحْرَى، (وَلَا) يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ (بِدَيْنٍ) وَلَوْ قَدَرَ عَلَى وَفَاءٍ بِبَلَدِهِ، (وَ) يَلْزَمُهُ أَيْضًا (تَحْصِيلُ دَلْوٍ وَحَبْلٍ عَارِيَّةً) مِمَّنْ هُمَا مَعَهُ، (وَ) قَبُولُ (مَاءٍ قَرْضًا) لَا اسْتِقْرَاضُهُ، (وَ) يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ (هِبَةً) لَا اسْتِيهَابَهُ، (وَ) يَلْزَمُهُ قَبُولُ (ثَمَنِهِ قَرْضًا وَلَهُ وَفَاءٌ) ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِي ذَلِكَ يَسِيرَةٌ فِي الْعَادَةِ فَلَا يَضُرُّ احْتِمَالُهَا، (وَ) لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ ثَمَنِهِ (هِبَةً) لِلْمِنَّةِ، وَلَا اسْتِقْرَاضُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 ثَمَنِهِ (فَإِنْ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ أَوْ تَحْصِيلُهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى) حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَ (أَعَادَ) مَا صَلَّاهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ فَاقِدٍ لِلْمَاءِ (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ (مَا لَمْ يَيْأَسْ) مَنْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ أَوْ قَبُولِ مَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ (مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ التَّحْصِيلِ أَوْ الْقَبُولِ - (بَعْدَ) ذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ مَا ذُكِرَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى أَيِسَ مِنْهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ، كَمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ - وَهُوَ مُتَّجِهٌ - (وَيَتَيَمَّمُ بَعْدَ إيَاسِهِ) مِنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. (وَيَجِبُ) عَلَى مَنْ مَعَهُ مَاءٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ شُرْبِهِ (بَذْلُهُ لِعَطْشَانَ مُحْتَرَمٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ) ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا؛ لِأَنَّهُ إنْقَاذٌ مِنْ هَلَكَةٍ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ، (فَإِنْ تَوَضَّأَ) بِفَاضِلٍ عَنْهُ (إذَنْ) - أَيْ: وَقْتَ عَطَشِ الْمُحْتَرَمِ الْمُحْتَاجِ (حَرُمَ) عَلَيْهِ، (وَصَحَّ) وُضُوءُهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ عَنْ ذَاتِ الْمَاءِ. وَ (لَا) يَلْزَمُ بَذْلُ الْمَاءِ (لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ بِحَالٍ) ، سَوَاءٌ كَانَ يَجِدُ غَيْرَهُ أَوْ لَا، طَلَبَهُ بِثَمَنِهِ أَوْ لَا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ لَا يَجِبُ بَذْلُهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا. (وَيُيَمَّمُ) وُجُوبًا (رَبُّ مَاءٍ مَاتَ) بَدَلَ غُسْلِهِ (لِعَطَشِ رَفِيقِهِ) ، كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا، (وَيَغْرَمُ) رَفِيقُهُ (ثَمَنَهُ) - أَيْ: قِيمَةَ الْمَاءِ - (مَكَانَهُ وَقْتَ إتْلَافِهِ) لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ لِانْتِقَالِهِ إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ (مَعَ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْوَرَثَةِ، إذْ الْمَاءُ لَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْحَضَرِ غَالِبًا، (وَمُقْتَضَاهُ) أَنَّ (كُلَّ مِثْلِيٍّ أُتْلِفَ حَالَ غَلَائِهِ) يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ مَكَانَهُ وَقْتَ التَّلَفِ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْوَاجِبُ الْمِثْلُ. (وَمَنْ) (أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ) - أَيْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الْمَاءِ - (ثُمَّ يَجْمَعَهُ وَيَشْرَبَهُ) بَعْدَ وُضُوئِهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ) ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ (وَيَتَّجِهُ) : عَدَمُ لُزُومِ مُتَطَهِّرٍ جَمْعُ مَاءٍ إلَّا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ (لِ) عَطَشِ (بَهِيمَةٍ) مُحْتَرَمَةٍ، فَيَجْمَعُهُ وَيَسْقِيهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا (لَا تَعَافُهُ) ، وَمَعَ خَوْفِ تَلَفِهَا (يَلْزَمُهُ) جَمْعُهُ اسْتِبْقَاءً لَهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ) (قَدَرَ عَلَى) اسْتِخْرَاجِ (مَاءِ بِئْرٍ بِثَوْبٍ) يُدْلِيهِ فِيهَا (يَبُلُّهُ،) ثُمَّ يُخْرِجُهُ (فَيَعْصِرُهُ) (لَزِمَهُ) ذَلِكَ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَاءِ (مَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ) - أَيْ: الثَّوْبِ بِذَلِكَ - (أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مَاءٍ) فَلَا يَلْزَمُهُ، كَشِرَائِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَحَيْثُ لَزِمَهُ فَعَلَ، (وَلَوْ خَافَ فَوْتَ وَقْتٍ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ آلَةُ الِاسْتِسْقَاءِ الْمُعْتَادَةُ. (وَيَتَّجِهُ: لَا إنْ كَانَ مُسَافِرًا) فَقَدِمَ، (لِمَا يَأْتِي) قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ مُسَافِرٌ إلَى مَاءٍ بِضِيقِ وَقْتٍ، أَوْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ لَكِنْ عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَهُ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي فِي الْوَقْتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ) (بِبَدَنِهِ نَحْوُ جُرْحٍ) كَقُرُوحٍ أَوْ رَمَدٍ، وَتَضَرَّرَ بِغَسْلِ ذَلِكَ، وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ مُحْدِثٌ، (وَلَا ضَرَرَ بِمَسْحِهِ، وَلَيْسَ بِنَجِسٍ:) (وَجَبَ) عَلَيْهِ الْمَسْحُ بِالْمَاءِ. قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " (وَأَجْزَأَ عَنْ تَيَمُّمٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 بِالْمَاءِ بَعْضُ الْغُسْلِ وَقَدَرَ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَكَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ، وَقَدَرَ عَلَى الْإِيمَاءِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَضَرَّرَ بِمَسْحِهِ أَيْضًا (تَيَمَّمَ لَهُ) - أَيْ: الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ - دَفْعًا لِلْحَرَجِ، (وَ) يَتَيَمَّمُ (لِمَا يَتَضَرَّرُ بِغَسْلِهِ أَوْ مَسْحِهِ مِمَّا قَرُبَ) مِنْ الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ، (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ضَبْطِهِ) أَيْ: الْجَرِيحِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُ، (وَقَدَرَ أَنْ يَسْتَنِيبَ) مَنْ يَضْبِطُهُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَنْ حَاجَتِهِ (لَزِمَهُ) أَنْ يَسْتَنِيبَ لِيُؤَدِّيَ الْفَرْضَ وَإِلَّا بِأَنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِنَابَةِ أَيْضًا (تَيَمَّمَ) وَصَلَّى وَأَجْزَأَتْهُ. (وَيَلْزَمُ مِنْ جُرْحِهِ وَنَحْوِهِ بِبَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إذَا تَوَضَّأَ لَا إنْ اغْتَسَلَ تَرْتِيبٌ) ، لِوُجُوبِهِ فِي الْوُضُوءِ (فَيَتَيَمَّمُ لَهُ) أَيْ: لِلْعُضْوِ الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ (عِنْدَ غُسْلِهِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا) حَالَ كَوْنِهِ (نَاوِيًا بِتَيَمُّمِهِ عَنْ غَسْلِهِ) ، أَيْ: الْعُضْوِ الْجَرِيحِ، (وَيُخَيَّرُ) مَنْ بِهِ جُرْحٌ فِي عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ (بَيْنَ غَسْلِ صَحِيحِهِ) ، أَيْ: ذَلِكَ الْعُضْوِ، (ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لَهُ) - أَيْ: الْجُرْحِ - (أَوْ عَكْسِهِ) : بِأَنْ يَتَيَمَّمَ أَوَّلًا لِلْجَرِيحِ، ثُمَّ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ، (مَا لَمْ يَعُمَّهُ) - أَيْ: الْعُضْوَ - (جُرْحٌ فَيَتَيَمَّمُ لَهُ) فِي مَحَلِّ غَسْلِهِ، (ثُمَّ يَغْسِلَ مَا بَعْدَهُ) مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ، (وَإِنْ كَانَ) الْجُرْحُ وَنَحْوُهُ (فِي بَعْضِ كُلِّ) عُضْوٍ (مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوءٍ، لَزِمَ) مُتَوَضِّئًا (فِي كُلِّ عُضْوٍ تَيَمُّمٌ) فِي مَحَلِّ غَسْلِهِ لِئَلَّا يُخِلَّ بِالتَّرْتِيبِ (مَا لَمْ تَعُمَّهَا) - أَيْ: أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ - (جِرَاحَةٌ) أَوْ نَحْوُهَا، (فَيَكْفِي) عَنْ جَمِيعِهَا (تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ) كَفَاقِدِ الْمَاءِ. (وَلَوْ غَسَلَ صَحِيحٌ وَجْهَهُ، ثُمَّ تَيَمَّمَ لِجَرِيحِهِ وَجَرِيحِ يَدَيْهِ تَيَمُّمًا وَاحِدًا لَمْ يُجِزْهُ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ نَائِبٌ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حِدَتِهِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يَنُوبُ عَنْهُ مِنْ التَّرْتِيبِ (بَلْ) يَجِبُ (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ (تَيَمُّمٌ) مُسْتَقِلٌّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 يَنْوِي بِهِ الْبَدَلَ عَنْ غَسْلِ الْجَرِيحِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ التَّيَمُّمَ فِي غَيْرِ الْجَرِيحِ يُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا يُعْتَبَرُ كُلُّ عُضْوٍ عَلَى حِدَتِهِ. (وَتَلْزَمُ) مَجْرُوحًا بِبَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إذَا تَوَضَّأَ (مُوَالَاةٌ) ، لِوُجُوبِهَا فِيهِ، فَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ بِرِجْلِهِ، وَتَيَمَّمَ لَهُ عِنْدَ غَسْلِهَا وَمَضَى زَمَنٌ تَفُوتُ فِيهِ الْمُوَالَاةُ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، (فَيُعِيدُ غَسْلَ الصَّحِيحِ عِنْدَ كُلِّ تَيَمُّمٍ بَطَلَ بِخُرُوجِ وَقْتٍ أَوْ غَيْرِهِ) ، كَمَا لَوْ أَخَّرَ غَسْلَهُ حَتَّى فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ لَا تَفُوتُ فِيهِ الْمُوَالَاةُ أَنَّهُ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ فَقَطْ، وَلَمْ تَبْطُلْ طَهَارَةُ الْمَاءِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْحِ الْخُفِّ مِنْ أَنَّ الْقَدَمَ إذَا وَصَلَ إلَى سَاقِ الْخُفِّ يَسْتَأْنِفُ الطَّهَارَةَ وَلَوْ لَمْ تَفُتْ الْمُوَالَاةُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَإِذَا خَلَعَهُ عَادَ الْحَدَثُ، وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي الثُّبُوتِ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُ حَدَثًا عَمَّا تَيَمَّمَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا مُبِيحٌ فَإِذَا بَطَلَ قَبْلَ فَوَاتِ الْمُوَالَاةِ أُعِيدَ فَقَطْ، قَالَهُ فِي " حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى ". (وَفِي) الْحَدَثِ (الْأَكْبَرِ لَا تَبْطُلُ طَهَارَتُهُ بِمَاءٍ بِخُرُوجِ وَقْتٍ) ، فَلَوْ اغْتَسَلَ نَحْوُ جُنُبٍ بِهِ نَحْوُ جُرْحٍ فَتَيَمَّمَ لَهُ، وَخَرَجَ الْوَقْتُ، لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَةُ الْمَاءِ (وَتَيَمَّمَ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى تَرْتِيبٌ، وَلَا مُوَالَاةٌ. (وَإِنْ) (وَجَدَ مُحْدِثٌ مُطْلَقًا) حَدَثًا أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ (مَاءً لَا يَكْفِي لِطَهَارَتِهِ) (وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ) ذَلِكَ الْمَاءَ (ثُمَّ تَيَمَّمَ لِبَاقٍ) ، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الشَّرْطِ فَلَزِمَهُ كَالسُّتْرَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَيَمَّمَ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] فَاعْتُبِرَ اسْتِعْمَالُهُ أَوَّلًا لِيَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْمَاءِ، وَلِيَتَمَيَّزَ الْمَغْسُولُ عَنْ غَيْرِهِ لِيَعْلَمَ مَا تَيَمَّمَ لَهُ. وَإِنْ تَيَمَّمَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ وَجَدَ مَاءً طَهُورًا يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ. (وَيَتَّجِهُ:) (أَوْلَوِيَّةُ تَقْدِيمِ) غُسْلِ (أَعْضَاءِ وُضُوءٍ فِي) حَدَثٍ (أَكْبَرَ) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ غَسَلَ فِيهِ مَا أَمْكَنَ غَسْلُهُ، وَتَيَمَّمَ عَنْ الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ عَنْ وُضُوئِهِ تَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَكَذَا) حُكْمُ (تُرَابٍ) يَسِيرٍ وَجَدَهُ لَا يَكْفِي اسْتَعْمَلَهُ لِلتَّيَمُّمِ وَصَلَّى، يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ، وَظَاهِرُهُ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، خِلَافًا " لِلرِّعَايَةِ " فِيهِمَا. وَيُقَدِّمُ مُحْدِثٌ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَعِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَقَطْ (غَسْلَ نَجَاسَةٍ عَلَى) التَّطَهُّرِ مِنْ (حَدَثٍ) وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بُقْعَتِهِ فَكَذَلِكَ، (وَ) إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ (فِي عُضْوِ حَدَثٍ) كَالْيَدِ مَثَلًا فَإِنَّهُ (يَسْتَعْمِلُهُ) - أَيْ: الْمَاءَ - (فِيهِ) أَيْ فِي الْعُضْوِ النَّجِسِ - (عَنْهُمَا) - أَيْ: عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجِسِ - قَالَ الْمَجْدُ قُلْتُ: وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ كَانَ الْحَدَثُ أَكْبَرَ، فَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ فَعَلَى كَلَامِهِمْ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَبْقَى لِلنَّجَاسَةِ مَا يُزِيلُهَا بَعْدَ مُرَاعَاتِهِ قَدَّمَهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ انْتَهَى وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ النَّجَاسَةِ تَحْقِيقًا لِشَرْطِهِ. (وَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ لَزِمَهُ إذَا خُوطِبَ بِصَلَاةٍ) بِأَنْ دَخَلَ وَقْتُهَا (طَلَبُهُ) - أَيْ: الْمَاءَ - (فِي رَحْلِهِ) ، أَيْ: مَسْكَنِهِ وَمَا يَسْتَصْحِبُهُ مِنْ أَثَاثٍ، (وَمَا قَرُبَ) مِنْهُ (عَادَةً) ، فَيُفَتِّشُ مِنْ رَحْلِهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ، وَيَسْعَى فِي جِهَاتِهِ الْأَرْبَعِ (فَيَنْظُرُ أَمَامَهُ) وَوَرَاءَهُ وَيَمِينَهُ (وَشِمَالَهُ) إلَى مَا قَرُبَ مِنْهُ مِمَّا عَادَةُ الْقَوَافِلِ السَّعْيُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُطْلَبُ فِيهِ الْمَاءُ عَادَةً، (فَإِنْ رَأَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - مِنْ خُضْرَةٍ أَوْ رَبْوَةٍ أَوْ شَيْءٍ قَائِمٍ، (قَصَدَهُ فَاسْتَبْرَأَهُ) لِيَتَحَقَّقَ شَرْطُ التَّيَمُّمِ، وَيَلْزَمُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 أَيْضًا طَلَبُهُ (مِنْ رَفِيقِهِ بِبَيْعٍ) بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ زَائِدٍ يَسِيرًا (أَوْ بَذْلٍ) لَهُ (وَيَسْأَلُ) ذَوِي الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ الْأَمَاكِنِ مِنْ رُفْقَتِهِ (عَنْ مَوَارِدِهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - (مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُهُ) - أَيْ: الْمَاءِ - (لَا إنْ ظَنَّ) عَدَمَهُ فَيَسْأَلَ عَنْهُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَحَيْثُ تَحَقَّقَ عَدَمُهُ (فَلَا يَلْزَمُهُ إذَنْ طَلَبٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِطَلَبِ شَيْءٍ مُتَحَقِّقِ الْعَدَمِ، (وَيَتَيَمَّمُ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ عَادِمًا لِلْمَاءِ، (وَقَبْلَ طَلَبٍ لَا يَصِحُّ) تَيَمُّمُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ. (وَيَلْزَمُهُ) طَلَبُ الْمَاءِ (لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهَا وَبِشُرُوطِهَا كُلَّمَا دَخَلَ وَقْتُهَا. (وَمَنْ) (تَيَمَّمَ) لِعَدَمِ الْمَاءِ (ثُمَّ رَأَى مَا يَشُكُّ مَعَهُ وُجُودَ مَاءٍ) كَخُضْرَةٍ وَرَكْبٍ قَادِمٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَاءٌ (بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِوُجُوبِ طَلَبِهِ) عَلَيْهِ، (لَا) إنْ كَانَ (فِي صَلَاةٍ) ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَلَا تَبْطُلُ، وَلَا تَيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ إذَنْ (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (إلَّا) إنْ رَأَى مَا يَشُكُّ مَعَهُ وُجُودَ مَاءٍ (مَعَ ظَنٍّ) فَإِنْ قَارَنَ رُؤْيَتَهُ ظَنُّ وُجُودِ مَاءٍ (فَيَبْطُلُ) تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ مَبْنَاهَا عَلَى الظَّنِّ لَكِنْ فِي " الْمُغْنِي " " وَالْكَافِي " مَا يُخَالِفُهُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ وَجَدَ رَكْبًا، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُ الْمَاءِ فِيهِ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ، نَعَمْ: إنْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ بَطَلَ. (تَنْبِيهٌ) إذَا كَانَ سَائِرًا طَلَبَهُ أَمَامَهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ فِي طَلَبِهِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ ضَرَرًا بِهِ (فَإِنْ دَلَّهُ) - أَيْ: أَرْشَدَهُ - (عَلَيْهِ ثِقَةٌ) ، وَهُوَ: الْعَدْلُ الضَّابِطُ، وَلَوْ مَسْتُورَ الْحَالِ لَزِمَهُ قَصْدُهُ (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) دَلَّهُ عَلَيْهِ (مَنْ يَثِقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 بِصِدْقِهِ) ، ظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ عَلِمَهُ قَرِيبًا عُرْفًا فَلَا اعْتِبَارَ بِمِيلٍ أَوْ أَكْثَرَ) كَمِيلَيْنِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَقِيلَ: فَرْسَخٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، (وَلَمْ يَخَفْ بِقَصْدِهِ) الْمَاءَ (فَوْتَ وَقْتٍ وَلَوْ لِاخْتِيَارٍ، أَوْ فَوْتَ رُفْقَةٍ، أَوْ) مُوَافَاةَ (عَدُوٍّ) أَوْ فَوْتَ (مَالٍ أَوْ) لَمْ يَخَفْ (عَلَى نَفْسِهِ) نَحْوَ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ، (وَلَوْ) كَانَ خَوْفُهُ (مِنْ فُسَّاقٍ) كَكَوْنِهِ أَمْرَدَ أَوْ امْرَأَةً، (أَوْ) كَانَ خَوْفُهُ مِنْ (غَرِيمٍ يَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ) ؛ (لَزِمَهُ قَصْدُهُ) ، وَلَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ إذَنْ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، (فَإِنْ خَافَ شَيْئًا مِمَّا مَرَّ لَا) إنْ كَانَ خَوْفُهُ (جَنْبًا) بِأَنْ كَانَ يَخَافُ بِلَا سَبَبٍ يَخَافُ مِنْهُ كَمَنْ يَخَافُ بِاللَّيْلِ بِلَا مُقْتَضٍ لِلْخَوْفِ، فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى خَوْفِهِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَصًّا، أَوْ خَافَ بِقَصْدِهِ الْمَاءَ شُرُودَ دَابَّتِهِ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ لِصٌّ أَوْ سَبُعٌ (تَيَمَّمَ) وَسَقَطَ عَنْهُ الطَّلَبُ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَقْتِ بِلَا ضَرَرٍ فَأَشْبَهَ عَادِمَهُ، (وَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى الْأَمْنِ. (وَلَا تَيَمُّمَ مَعَ قُرْبِ مَاءٍ كَخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) بِالْوُضُوءِ، (وَلَا) لِخَوْفِ فَوْتِ (وَقْتِ فَرْضٍ إلَّا هُنَا) أَيْ: (فِيمَا) إذَا عَلِمَ الْمُسَافِرُ الْمَاءَ أَوْ دَلَّهُ عَلَيْهِ ثِقَةٌ قَرِيبًا، وَخَافَ بِقَصْدِهِ فَوْتَ الْوَقْتِ (وَفِيمَا إذَا وَصَلَ مُسَافِرٌ إلَى مَاءٍ بِضِيقِ وَقْتٍ) عَنْ طَهَارَتِهِ (أَوْ) لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ عَنْهَا، لَكِنْ (عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ) - يَسْتَعْمِلُهُ - (إلَّا بَعْدَهُ) - أَيْ: الْوَقْتِ - وَلَوْ لِلِاخْتِيَارِ فَيَتَيَمَّمُ، لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَقْتِ فَاسْتُصْحِبَ حَالُ عَدَمِهِ لَهُ بِخِلَافِ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ، وَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ أَخَّرَ حَتَّى ضَاقَ فَكَالْحَاضِرِ، لِتَحَقُّقِ قُدْرَتِهِ. (وَمَنْ) (خَافَ لِسَبَبٍ ظَنَّهُ) يُبِيحُ لَهُ التَّيَمُّمَ (فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ، كَسَوَادٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 ظَنَّهُ عَدُوًّا أَوْ كَلْبٍ) ظَنَّهُ (نَمِرًا، فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى) (لَمْ يُعِدْ) ، لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ فِي الْأَسْفَارِ. (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ وَطَنِهِ) إلَى أَرْضٍ مِنْ أَعْمَالِ بَلَدِهِ (لِنَحْوِ حَرْثٍ) ، كَاحْتِطَابٍ (أَوْ صَيْدٍ حَمَلَهُ) - أَيْ: الْمَاءَ - مَعَهُ، ظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ الْوَقْتُ (إنْ أَمْكَنَهُ) حَمْلَهُ بِلَا مَشَقَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ إذَنْ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَمَتَى حَمَلَهُ وَفَقَدَهُ، أَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ (تَيَمَّمَ) (إنْ فَاتَتْ حَاجَتُهُ) الَّتِي خَرَجَ لَهَا (بِرُجُوعِهِ) إلَى الْمَاءِ (وَلَا يُعِيدُ) صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُسَافِرَ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى، (وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَرْضِ قَرْيَتِهِ إلَى) أَرْضٍ (غَيْرَهَا) ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَعِيدِ السَّفَرِ وَقَرِيبِهِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6] (وَأَعْجَبَ) الْإِمَامَ (أَحْمَدَ حَمْلُ تُرَابِ تَيَمُّمٍ) احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ (وَعِنْدَ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (وَغَيْرِهِ) مِنْ الْأَصْحَابِ: (لَا يَحْمِلُهُ، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَصَوَّبَهُ) فِي " الْإِنْصَافِ "، (وَ) تَبِعَهُ (فِي " الْإِقْنَاعِ ") إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ السَّلَفِ فِعْلُ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ أَسْفَارِهِمْ، (وَمَا قَالَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَظْهَرُ وَأَصْوَبُ خَشْيَةَ) فِعْلِ (صَلَاةٍ يَرَى كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ لُزُومَ إعَادَتِهَا) ، فَكَانَ الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِهِمْ أَوْلَى. (وَمَنْ فِي الْوَقْتِ) - أَيْ: وَقْتِ الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ - (أَرَاقَهُ) - أَيْ: الْمَاءَ - (عَمْدًا، أَوْ مَرَّ بِهِ) - أَيْ: الْمَاءَ - (وَأَمْكَنَهُ طُهْرٌ مِنْهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ، وَ) هُوَ (يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ) فِي الْوَقْتِ لِغَيْرِ مَنْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لَهُ، (حَرُمَ) عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ فِي (الْكُلِّ، وَلَمْ يَصِحَّ عَقْدٌ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ كَأُضْحِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ. (ثُمَّ إنْ) (تَيَمَّمَ) لِعَدَمِ غَيْرِهِ (عَاجِزًا عَنْ اسْتِرْدَادِ) مَاءٍ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ (وَصَلَّى) (لَمْ يُعِدْ) ؛ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا إثْمَ وَلَا إعَادَةَ بِالْأَوْلَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 (وَيَتَّجِهُ: بُطْلَانُ طُهْرِ مُشْتَرٍ) بِهِ (وَمُتَّهَبٍ بِهِ) ، أَيْ: بِالْمَاءِ الْمَبِيعِ أَوْ الْمَوْهُوبِ فِي الْوَقْتِ (بَعْدَ طَلَبِ) بَائِعٍ أَوْ وَاهِبٍ (اسْتِرْدَادَهُ) مِنْ مُشْتَرٍ وَمُتَّهَبٍ، فَلَا يَصِحُّ التَّطَهُّرُ بِهِ مِنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ، لِتَعَلُّقِ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - بِهِ إنْ عَلِمَ الْآخِذُ فَسَادَ الْعَقْدِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَالْمَغْصُوبِ فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى مِلْكٍ مَأْخُوذٍ مِنْهُ (مَعَ لُزُومِ) مُشْتَبِهٍ (ثَمَنُهُ) - أَيْ: الْمَاءِ - أَيْ: ثَمَنُ مِثْلِهِ فِي مَحَلِّ بَيْعٍ إذَا تَلِفَ أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ، وَ (لَا) يُؤْخَذُ ثَمَنٌ مُسَمًّى فِي عَقْدٍ (لِفَسَادِهِ) - أَيْ: الْعَقْدِ - بِخِلَافِ مَاءٍ مَوْهُوبٍ تَلِفَ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ ضَلَّ عَنْ رَحْلِهِ وَبِهِ الْمَاءُ وَقَدْ طَلَبَهُ) - أَيْ: رَحْلَهُ - فَلَمْ يَجِدْهُ، فَتَيَمَّمَ أَجْزَأَهُ، (أَوْ) ضَلَّ (عَنْ مَوْضِعِ بِئْرٍ كَانَ يَعْرِفُهَا) وَكَانَتْ بِقُرْبِهِ، وَلَوْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي نَفْسِهَا لَكِنْ أَعْلَامَهَا خَفِيَّةٌ وَضَلَّ عَنْهَا، (فَتَيَمَّمَ:) (أَجْزَأَهُ، وَ) لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ (لَوْ وَجَدَ مَا ضَلَّ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ حَالَ تَيَمُّمِهِ عَادِمٌ الْمَاءَ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ. (أَوْ بَانَ بَعْدَ) التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ (بِقُرْبِهِ بِئْرٌ خَفِيَّةٌ لَمْ يَعْرِفْهَا) فَلَا إعَادَةَ، لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، (لَا) إنْ كَانَتْ أَعْلَامُهَا (ظَاهِرَةً) ، فَيُعِيدُ (لِتَفْرِيطِهِ) ، وَكَذَا لَوْ كَانَ يَعْرِفُهَا مَعَ ظُهُورِ أَعْلَامِهَا لَكِنَّهُ ضَلَّ عَنْهَا أَوْ نَسِيَهَا أَوْ كَانَتْ أَعْلَامُهَا خَفِيَّةً وَيَعْرِفُهَا، لَكِنَّهُ نَسِيَهَا. وَ (لَا) يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ (إنْ نَسِيَهُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 أَيْ الْمَاءَ - بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ وُصُولُهُ إلَيْهِ، (أَوْ نَسِيَ مَا يُحَصِّلُهُ بِهِ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ آلَةٍ) كَحَبْلٍ أَوْ دَلْوٍ، (أَوْ جَهِلَهُ) - أَيْ الْمَاءَ - (بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ وُصُولُهُ) إلَيْهِ (كَ) كَوْنِهِ (مَعَ عَبْدِهِ، أَوْ) نَسِيَهُ (فِي رَحْلِهِ وَتَيَمَّمَ) وَصَلَّى فَلَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَجِبُ مَعَ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ فَلَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ (كَمُصَلٍّ) نَاسٍ حَدَثَهُ، وَكَمُصَلٍّ (عُرْيَانًا أَوْ مُكَفِّرٍ بِصَوْمٍ نَاسِيًا لِسُتْرَةٍ وَرَقَبَةٍ) فَلَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ صَوْمُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ. (وَيَصِحُّ تَيَمُّمٌ بِشَرْطِهِ لِكُلِّ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ؟ فَقَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِحَدِيثِ عَمَّارٍ وَحَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ انْقَطَعَ دَمُهُمَا كَجُنُبٍ (وَ) يَتَيَمَّمُ (لِ) كُلِّ جَنَابَةٍ بِبَدَنِ مُتَيَمِّمٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، لِعَدَمِ مَاءٍ وَلِضَرَرٍ بِبَدَنِهِ، وَلَوْ كَانَ الضَّرَرُ مِنْ بَرْدٍ حَضَرًا مَعَ عَدَمِ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ (بَعْدَ تَخْفِيفِهَا مَا أَمْكَنَ) بِحَكِّ يَابِسَةٍ، وَمَسْحِ رَطْبَةٍ لُزُومًا - أَيْ: وُجُوبًا - فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهَا فِي الْجُمْلَةِ، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (وَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَحَلٍّ صَحِيحٍ أَوْ جَرِيحٍ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» وَلِقَوْلِهِ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ فِي الْبَدَنِ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ، فَأَشْبَهَتْ طَهَارَةَ الْحَدَثِ. (وَإِنْ) (تَعَذَّرَ) عَلَى مُرِيدِ الصَّلَاةِ (مَاءٌ وَتُرَابٌ لِعَدَمِهِمَا) كَمَنْ حُبِسَ بِمَحَلٍّ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَا تُرَابَ، (أَوْ لِقُرُوحٍ) أَوْ جِرَاحَاتٍ (لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهَا مَسَّ الْبَشَرَةِ بِمَاءٍ) وَلَا تُرَابٍ، وَكَذَا مَرِيضٌ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَعَمَّنْ يُطَهِّرُهُ بِأَحَدِهِمَا (صَلَّى الْفَرْضَ فَقَطْ) دُونَ النَّوَافِلِ (وُجُوبًا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ) ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 شَرْطٌ فَلَمْ تُؤَخَّرْ الصَّلَاةُ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالسُّتْرَةِ، (وَلَا يَزِيدُ) عَادِمُ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ (عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي صَلَاةٍ مِنْ قِرَاءَةٍ وَغَيْرِهَا) فَلَا يَقْرَأُ زَائِدًا عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَلَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ وَلَا يُبَسْمِلُ وَلَا يُسَبِّحُ زَائِدًا عَلَى الْمَرَّةِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي طُمَأْنِينَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ جُلُوسٍ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ رَكَعَ فِي الْحَالِ، وَإِذَا فَرَغَ مِمَّا يُجْزِئُ فِي التَّشَهُّدِ نَهَضَ أَوْ سَلَّمَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ ضَرُورَةٍ فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَاجِبِ، إذْ لَا ضَرُورَةَ لِلزَّائِدِ. (وَيَتَّجِهُ) مَنْعُ مُحْدِثٍ حَدَثًا أَصْغَرَ مِنْ قِرَاءَةِ زَائِدٍ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا (نَدْبًا) إذْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَثْبُتُ مَعَ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ، (وَ) أَمَّا (فِي) قِرَاءَةِ (زَائِدٍ عَنْ الْفَاتِحَةِ لِجُنُبٍ) فَيَمْتَنِعُ (وُجُوبًا) ، لِتَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجُنُبِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَلَأَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ فِيهَا عَلَى مَا يُجْزِئُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَفِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " " وَالْفُرُوعِ " مَا يُؤَيِّدُ هَذَا الِاتِّجَاهَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 (وَلَا يَقْرَأُ) إنْ كَانَ جُنُبًا (فِي غَيْرِ صَلَاةٍ) لِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ، (وَتَبْطُلُ) صَلَاتُهُ (بِحَدَثٍ وَنَحْوِهِ) كَنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا (فِيهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لَهَا، فَأَبْطَلَهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. وَلَوْ مَاتَ إنْسَانٌ وَلَا مَاءَ وَلَا تُرَابَ؛ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنْ وُجِدَ الْمَاءُ أَوْ التُّرَابُ غُسِّلَ أَوْ يُمِّمَ وَأُعِيدَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وُجُوبًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مُتَطَهِّرًا بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِوُجُودِ أَحَدِهِمَا، مَعَ أَمْنِ تَفَسُّخِهِ، (وَلَا) تَبْطُلُ (بِخُرُوجِ وَقْتٍ) بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ. (وَلَا يَؤُمُّ عَادِمُهُمَا) أَيْ: الْمَاءِ وَالتُّرَابِ (مُتَطَهِّرًا بِأَحَدِهِمَا) - أَيْ: بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ - كَالْعَاجِزِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ لَا يَؤُمُّ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي الصَّلَاةِ فَكَالْمُتَيَمِّمِ يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ (لَا عَكْسِهِ) ، فَيَؤُمُّ مُتَطَهِّرٌ بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ عَادِمَهُمَا. (وَيَتَّجِهُ) (تَيَمُّمُهُ) - أَيْ: فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ - (عِنْدَ عَدَمِ تُرَابٍ بِكُلِّ مَا تَصَاعَدَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَحْوِ رَمْلٍ كَنَحِيتِ حِجَارَةٍ، وَجِصٍّ وَنَوْرَةِ) كُحْلٍ (أَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) ، كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. (وَإِنْ وَجَدَ) عَادِمُ مَاءٍ (ثَلْجًا) ، وَتَعَذَّرَ تَذْوِيبُهُ مَسَحَ بِهِ أَعْضَاءَهُ لُزُومًا؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ جَامِدٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إلَّا كَذَلِكَ فَوَجَبَ، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وَظَاهِرُهُ لَا يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ، (وَصَلَّى وَلَمْ يُعِدْ) صَلَاتَهُ (إنْ جَرَى الثَّلْجُ) - أَيْ: سَالَ - (بِمَسِّ) الْأَعْضَاءِ الْوَاجِبِ غَسْلُهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَسْلًا خَفِيفًا، وَإِلَّا يَجْرِ بِمَسٍّ أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى بِلَا تَيَمُّمٍ مَعَ وُجُودِ طِينٍ يَابِسٍ، لِعَدَمِ وُجُودِ مَا يَدُقُّهُ بِهِ كَحَجَرٍ وَنَحْوَهُ، لِيَصِيرَ لَهُ غُبَارٌ (وَيَتَّجِهُ: الْأَصَحُّ) أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ تَذْوِيبِ الثَّلْجِ، أَوْ دَقِّ الطِّينِ الْيَابِسِ، وَصَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَ (لَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ (لِتَعَذُّرِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِمَا كَ) مَا لَا إعَادَةَ عَلَى (سَائِرٍ بِطِينٍ) تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَره الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لَكِنَّ نُصُوصَهُمْ صَرِيحَةٌ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ احْتِيَاطًا وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. الشَّرْطُ (التَّاسِعُ: تُرَابٌ) ، فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمٌ بِرَمْلٍ أَوْ نَوْرَةٍ أَوْ جِصٍّ أَوْ نَحْتِ حِجَارَةٍ وَنَحْوِهِ (طَهُورٌ) بِخِلَافِ مَا تَنَاثَرَ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةٍ أَبَاحَتْ الصَّلَاةَ، أَشْبَهَ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي طَهَارَةٍ وَاجِبَةٍ، وَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 تَيَمَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ صَحَّ، كَمَا لَوْ تَوَضَّئُوا مِنْ حَوْضٍ يَغْتَرِفُونَ مِنْهُ، (مُبَاحٌ) فَلَا يَصِحُّ بِمَغْصُوبٍ كَالْوُضُوءِ بِهِ، (غَيْرُ مُحْتَرِقٍ) ، لِخُرُوجِهِ عَنْ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابِ، (يَعْلَقُ غُبَارُهُ) بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا (عَلَى أَيِّ لَوْنٍ كَانَ) مِنْ بَيَاضٍ أَوْ سَوَادٍ أَوْ غَيْرِهِ، (فَيُجْزِئُ لَوْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى لِبْدٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ بَرْذَعَةِ حِمَارٍ بَلْ وَ) عَلَى عَدْلِ (شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ) ، كَعَلَى بِسَاطٍ أَوْ صَخْرَةٍ (مِمَّا عَلَيْهِ غُبَارٌ) طَاهِرٌ حَتَّى مَعَ وُجُودِ تُرَابٍ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ. و (لَا) يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِضَرْبِهِ عَلَى (مَا لَا) غُبَارَ عَلَيْهِ (يَعْلَقُ) بِالْيَدِ كَالْأَرْضِ السَّبْخَةِ وَالرَّمْلِ، (أَوْ) كَانَ مَا تَيَمَّمَ بِهِ (مَعْدِنًا كَنَوْرَةٍ وَزِرْنِيخٍ وَسَحَاقَةِ خَزَفٍ، وَحَجَرٍ) دَقَّهُ حَتَّى صَارَ تُرَابًا، فَلَا يَصِحُّ، (أَوْ) كَانَ تَيَمُّمُهُ بِتُرَابٍ (طَاهِرٍ، وَهُوَ: مَا تَيَمَّمَ بِهِ) جَمَاعَةٌ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، (لَا) إنْ تَيَمَّمُوا (مِنْهُ) - أَيْ: التُّرَابِ - كَمَا لَوْ تَوَضَّئُوا مِنْ حَوْضٍ كَبِيرٍ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ (نَجِسٍ) يَقِينًا (فَلَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابٍ عَلَى ظَهْرِ كَلْبٍ لَمْ يَصِحَّ) تَيَمُّمُهُ (إنْ عَلِمَ الْتِصَاقَهُ) - أَيْ: التُّرَابِ - (بِرُطُوبَةٍ) وَإِلَّا يَعْلَمُ الْتِصَاقَهُ بِرُطُوبَةٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ طَهُورٌ. (وَلَا) يَصِحُّ التَّيَمُّمُ (بِتُرَابِ مَقْبَرَةٍ تَكَرَّرَ نَبْشُهَا) ، وَإِلَّا جَازَ، وَإِنْ شَكَّ فِي تَكْرَارِهِ؛ صَحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ (بِ) تُرَابٍ (مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ) كَمَسْرُوقٍ، لِاشْتِرَاطِ الْإِبَاحَةِ، (وَفِي " الْفُرُوعِ ": ظَاهِرُهُ: وَلَوْ تُرَابَ مَسْجِدٍ، وَالْمُرَادُ) مِنْ تُرَابِ الْمَسْجِدِ: التُّرَابُ (الدَّاخِلُ فِي وَقْفِهِ) ، كَتُرَابِ سَطْحِهِ وَأَرْضِهِ وَحِيطَانِهِ، (لَا مَا يَجْتَمِعُ مِنْ نَحْوِ رِيحٍ) فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ قَالَ: (وَلَعَلَّ هَذَا الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ) التَّيَمُّمُ (بِتُرَابِ زَمْزَمَ مَعَ أَنَّهُ مَسْجِدٌ) ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. (وَفِي " الْمُبْدِعِ " لَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابِ غَيْرِهِ جَازَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، لِلْإِذْنِ فِيهِ عَادَةً وَعُرْفًا) انْتَهَى. (وَلَا) يَصِحُّ التَّيَمُّمُ (بِ) تُرَابٍ (مُحْتَرِقٍ) لِسَحِيقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 خَزَفٍ، (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ (أَخْرَجَهُ الِاحْتِرَاقُ عَنْ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابِ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ (بِطِينٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا غُبَارَ لَهُ، (لَكِنْ إنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ وَتَيَمَّمَ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتٍ) وَلَوْ لِاخْتِيَارٍ (لَزِمَ ذَلِكَ) ، وَإِنْ دَقَّ الطِّينَ الْيَابِسَ، كَالْأَرْمَنِيِّ وَالْخُرَاسَانِيّ، جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ (وَإِنْ خَالَطَ مَا يَصِحُّ تَيَمُّمٌ بِهِ) ، وَهُوَ التُّرَابُ الطَّهُورُ، (ذُو غُبَارٍ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَصِحُّ) التَّيَمُّمُ بِهِ (كَجِصٍّ وَنَوْرَةٍ) وَسَحِيقِ كَدَانٍ وَمَرْمَرٍ (فَكَمَاءٍ طَهُورٍ خَالَطَهُ) مَاءٌ (طَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِتُرَابٍ: جَازَ، وَ) إنْ كَانَتْ (لِمُخَالِطٍ لَا) يَجُوزُ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ: الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا، وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " " وَالتَّلْخِيصِ " " وَالْوَجِيزِ " وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَغَيْرِهِمْ، (وَابْنُ عَقِيلٍ مَنَعَ) التَّيَمُّمَ بِتُرَابٍ خَالَطَهُ غَيْرُهُ، (وَإِنْ كَانَ) التُّرَابُ الطَّهُورُ كَثِيرًا، وَالْمُخَالِطُ لَهُ (قَلِيلًا) حَيْثُ كَانَ الْمُخَالِطُ ذَا غُبَارٍ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُخَالِطُ لَهُ نَجَاسَةً، وَإِنْ قَلَّتْ، (وَلَا يَضُرُّ مُخَالِطٌ لَا غُبَارَ لَهُ) يَعْلَقُ بِالْيَدِ (مُطْلَقًا) ، كَثِيرًا كَانَ الْمُخَالِطُ أَوْ قَلِيلًا (لِجَوَازِ تَيَمُّمٍ مِنْ شَعِيرٍ نَصًّا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ عَلَى الْيَدِ مِنْهُ مَا يَحُولُ بَيْنَ غُبَارِ التُّرَابِ وَبَيْنَهَا. [فَصْلٌ فَرَائِضُ التَّيَمُّم] (فَصْلٌ) (وَفَرَائِضُ تَيَمُّمٍ خَمْسَةٌ) الْأَوَّلُ: (مَسْحُ جَمِيعِ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 مُسْتَرْسِلِهَا) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة: 6] وَ (لَا) يَجِبُ مَسْحُ (مَا تَحْتَ شَعْرٍ وَلَوْ) كَانَ الشَّعْرُ (خَفِيفًا أَوْ دَاخِلَ فَمٍ وَأَنْفٍ، وَيُكْرَهُ) إدْخَالُ التُّرَابِ فَمَهُ وَأَنْفَهُ لِتَقْذِيرِهِ. (وَ) الثَّانِي: (مَسْحُ يَدَيْهِ إلَى كُوعَيْهِ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:. {وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43] وَإِذَا عُلِّقَ حُكْمٌ بِمُطْلَقِ الْيَدَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الذِّرَاعُ، كَقَطْعِ السَّارِقِ، وَمَسِّ الْفَرْجِ، وَلِحَدِيثِ عَمَّارٍ قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا: ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَوْ أَمَرَّ مَحَلَّ تَيَمُّمٍ عَلَى تُرَابٍ) وَمَسَحَ بِهِ صَحَّ، (أَوْ صَمَّدَهُ) - أَيْ: نَصَبَ الْمَحَلَّ الَّذِي يُمْسَحُ فِي التَّيَمُّمِ - (لِرِيحٍ أَثَارَهُ) - أَيْ: التُّرَابَ - (فَعَمَّهُ) التُّرَابُ (وَمَسَحَهُ بِهِ صَحَّ) تَيَمَّمَ إنْ نَوَاهُ، كَمَا لَوْ صَمَّدَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ لِمَاءٍ فَجَرَى عَلَيْهَا، (لَا إنْ سَفَتْهُ) ، أَيْ: سَفَتْ رِيحٌ التُّرَابَ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ مَسْحُهُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ غَيْرِ تَصْمِيدٍ (قَبْلَ نِيَّةٍ) أَيْ: قَصْدٍ (فَمَسَحَهُ بِهِ) فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقَصْدِ الصَّعِيدِ، وَلَمْ يُوجَدْ. (وَإِنْ) (تَيَمَّمَ بِبَعْضِ يَدِهِ، أَوْ) تَيَمَّمَ (بِحَائِلٍ) كَخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا فَكَوُضُوءٍ يَصِحُّ حَيْثُ مَسَحَ مَا يَجِبُ مَسْحُهُ لِوُجُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ، (أَوْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ وَنِيَّتُهُ فَكَوُضُوءٍ) ، يَعْنِي: أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ وَضَّأَهُ غَيْرُهُ بِاخْتِيَارِ مُوَضَّإٍ. (وَ) الثَّالِثُ، وَالرَّابِعُ: (تَرْتِيبٌ وَمُوَالَاةٌ لِحَدَثٍ أَصْغَرَ لَا) لِحَدَثٍ (أَكْبَرَ، وَ) لَا (نَجَاسَةِ) بَدَنٍ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ، وَهُمَا فَرْضَانِ فِي الْوُضُوءِ دُونَ مَا سِوَاهُ، (وَهِيَ) - أَيْ: الْمُوَالَاةُ - (هُنَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 أَيْ: فِي التَّيَمُّمِ - (بِقَدْرِهَا) زَمَنًا فِي وُضُوءٍ. وَهِيَ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ مَسْحَ عُضْوٍ حَتَّى يَجِفَّ مَا قَبْلَهُ لَوْ كَانَ مَغْسُولًا بِزَمَنٍ مُعْتَدِلٍ. (وَ) الْخَامِسُ: (تَعْيِينُ نِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ) مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ. كَصَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَوْ غَيْرَهُمَا (لَا رَفْعَ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ مِنْ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، جَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، (أَوْ نَجَاسَةٍ) بِبَدَنٍ فَإِنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثٍ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ، لِأَنَّهُ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ، لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورَةً، (فَلَا يَكْفِي) مَنْ هُوَ مُحْدِثٌ وَبِبَدَنِهِ نَجَاسَةٌ التَّيَمُّمُ (لِأَحَدِهِمَا) عَنْ الْأُخْرَى، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يَكْفِي مَنْ هُوَ مُحْدِثٌ جُنُبٌ التَّيَمُّمُ (لِأَحَدِ الْحَدَثَيْنِ عَنْ) الْحَدَثِ (الْآخَرِ) ، وَكَذَا الْجَرِيحُ فِي عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ غُسْلِهِ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَإِذَا تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ أُبِيحَ لَهُ مَا يُبَاحُ لِلْمُحْدِثِ مِنْ قِرَاءَةٍ وَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ دُونَ صَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ، وَإِنْ أَحْدَثَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي هَذَا التَّيَمُّمُ. (وَإِنْ نَوَاهُمَا) أَيْ: الْحَدَثَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَوْ نَوَى الْحَدَثَ وَنَجَاسَةً بِبَدَنٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ عَنْهُمَا، (أَوْ) نَوَى (أَحَدَ أَسْبَابِ أَحَدِهِمَا) - أَيْ: الْحَدَثَيْنِ - بِأَنْ بَالَ وَتَغَوَّطَ وَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ وَنَحْوُهُ وَنَوَى وَاحِدًا مِنْهَا وَتَيَمَّمَ (أَجْزَأَ) تَيَمُّمُهُ (عَنْ الْجَمِيعِ) ، وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مِنْهُ مُوجِبَاتُ الْغُسْلِ، وَنَوَى أَحَدَهَا، لَكِنَّ قِيَاسَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ لَا إنْ نَوَى أَنْ لَا يَسْتَبِيحَ مِنْ غَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (يُجْزِئُ عَنْ حَدَثٍ وَنَجَاسَةٍ) عَلَى بَدَنٍ (نِيَّةُ) مُتَيَمِّمِ (اسْتِبَاحَةٍ نَحْوَ صَلَاةٍ) ، كَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ، (لِأَنَّهَا) - أَيْ: الصَّلَاةَ - (لَا تُسْتَبَاحُ مَعَهُمَا) ، أَيْ: مَعَ الْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ، لِاشْتِرَاطِ إزَالَتِهِمَا بِالْمَاءِ، وَنِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ قَامَتْ مَقَامَ الْمَاءِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 (وَلَوْ) (تَيَمَّمَ لِجَنَابَةٍ) وَنَحْوِهَا (دُونَ حَدَثٍ) أَصْغَرَ (أُبِيحَ لَهُ مَا يُبَاحُ لِمُحْدِثٍ مِنْ قِرَاءَةٍ وَلُبْثٍ) فِي مَسْجِدٍ، وَ (لَا) يُبَاحُ لَهُ (طَوَافٌ) وَلَا صَلَاةٌ (وَ) لَا (مَسُّ مُصْحَفٍ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الِاسْتِبَاحَةَ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ. (وَإِنْ أَحْدَثَ) مَنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ، وَنَحْوُهُ (لَمْ يُؤَثِّرْ) ذَلِكَ (فِي تَيَمُّمِهِ) لِحَدَثٍ، لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مُبْدَلِهِ وَهُوَ الْغُسْلُ. (وَإِنْ تَيَمَّمَ لِجَنَابَةٍ وَحَدَثٍ، ثُمَّ أَحْدَثَ؛ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِحَدَثٍ لَا جَنَابَةٍ) فَلَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لَهَا حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، أَوْ يُوجَدَ مُوجِبُ الْغُسْلِ، وَكَذَا لَوْ تَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ وَالْخُبُثِ بِبَدَنِهِ وَأَحْدَثَ؛ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِلْحَدَثِ، وَبَقِيَ تَيَمُّمُهُ لِلْخُبُثِ. (وَ) لَوْ تَيَمَّمَتْ (لِحَيْضٍ) بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْهُ، ثُمَّ أَجْنَبَتْ أَوْ أَحْدَثَتْ، (لَمْ يَبْطُلْ) تَيَمُّمُهَا لِحَدَثِ الْحَيْضِ (بِجَنَابَةٍ) ، وَلَا حَدَثٍ، وَلَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا (بَلْ) يَبْطُلُ (بِنِفَاسٍ) ، فَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ لَهُ. (وَمَنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ شَيْئًا) ، أَيْ: اسْتِبَاحَةَ شَيْءٍ تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ (اسْتَبَاحَهُ) ، لِأَنَّهُ مَنْوِيٌّ، (وَ) اسْتَبَاحَ فَرْضًا (مِثْلَهُ) ، فَمَنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا فَلَهُ فِعْلُهَا وَفِعْلُ مِثْلِهَا (كَفَائِتِهِ) ، لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، (وَ) اسْتَبَاحَ (دُونَهُ) أَيْ: دُونَ مَا نَوَاهُ كَالنَّفْلِ فِي الْمِثَالِ، لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَنِيَّةُ الْفَرْضِ تَتَضَمَّنُهُ. وَ (لَا) يَسْتَبِيحُ مَنْ نَوَى شَيْئًا (أَعْلَى مِنْهُ) ؛ فَمَنْ نَوَى النَّفَلَ لَا يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْوِيًّا صَرِيحًا وَلَا ضِمْنًا، (فَأَعْلَاهُ) - أَيْ: أَعْلَى مَا يُسْتَبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ - (فَرْضُ عَيْنٍ) كَوَاحِدَةٍ مِنْ الْخَمْسِ، (فَنَذْرٌ، فَ) فَرْضُ (كِفَايَةٍ) كَصَلَاةِ عِيدٍ، (فَنَافِلَةٌ) كَرَاتِبَةٍ وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ، (فَطَوَافُ) فَرْضٍ فَطَوَافُ (نَفْلٍ فَمَسُّ مُصْحَفٍ) . قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَإِنْ نَوَى نَافِلَةً أُبِيحَ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافُ، لِأَنَّ النَّافِلَةَ آكَدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لِكَوْنِ الطَّهَارَةِ مُشْتَرَطَةً لَهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَقَالَ وَإِنْ نَوَى فَرْضَ الطَّوَافِ اسْتَبَاحَ نَفْلَهُ، وَلَا يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ مِنْهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ كَالصَّلَاةِ وَقَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَيُبَاحُ الطَّوَافُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ فِي الْأَشْهَرِ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا. خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي. (فَقِرَاءَةُ) قُرْآنٍ. (فَلُبْثٌ) بِمَسْجِدٍ. (وَيَتَّجِهُ فَوَطْءُ) حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " لَوْ كَانَ تَيَمَّمَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ كَالْمُتَيَمِّمِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَطَلَ بِزَوَالِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ أَطْلَقَهَا) ، أَيْ: نِيَّةَ الِاسْتِبَاحَةِ، (لِصَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ) بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَرْضَهُمَا، وَلَا نَفْلَهُمَا وَتَيَمَّمَ (لَمْ يَفْعَلْ إلَّا نَفْلَهُمَا) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ، وَفَارَقَ طَهَارَةَ الْمَاءِ لِأَنَّهَا تَدْفَعُ الْحَدَثَ فَيُبَاحُ لَهُ جَمِيعُ مَا يَمْنَعُهُ (وَتَسْمِيَتُهُ فِيهِ) - أَيْ: التَّيَمُّمِ - كَتَسْمِيَةِ وُضُوءٍ. فَتَجِبُ قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ التَّيَمُّمُ عَنْ نَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ كَالنِّيَّةِ، وَتَسْقُطُ سَهْوًا. [فَصْلٌ فِي مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ] (فَصْلٌ) فِي مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ (وَيَبْطُلُ كُلُّ تَيَمُّمٍ) بِخُرُوجِ وَقْتٍ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ: التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، (حَتَّى تَيَمُّمُ جُنُبٍ لِقِرَاءَةٍ وَلُبْثٍ فِي مَسْجِدٍ وَ) حَتَّى تَيَمُّمُ (حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ لِوَطْءٍ وَ) حَتَّى تَيَمُّمٌ (لِطَوَافٍ وَنَجَاسَةٍ) بِبَدَنٍ، وَلِصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَنَافِلَةٍ، فَيَبْطُلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا (بِخُرُوجِ وَقْتٍ تَيَمَّمَ فِيهِ) كَالتَّيَمُّمِ لِلْمَكْتُوبَةِ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالُ لَوْ تَيَمَّمَ عِنْدَ طُلُوعِ شَمْسٍ بُطْلَانُهُ) ، أَيْ: بُطْلَانُ تَيَمُّمِهِ، (بِخُرُوجِ وَقْتِ نَهْيٍ) وَهُوَ: ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ قَيْدَ رُمْحٍ، وَهَذَا لَا تَأْبَاهُ الْقَوَاعِدُ. (وَ) قَوْلُهُ: لَوْ تَيَمَّمَ (بَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا - تَوَجَّهَ بُطْلَانُ تَيَمُّمٍ (بِزَوَالِ شَمْسٍ) بَعِيدٍ، إذْ خُرُوجُ وَقْتِ الضُّحَى بِوُقُوفِ الشَّمْسِ لَا بِزَوَالِهَا. قَالَ الْقَاضِي: أَطْلَقَ أَحْمَدُ الْقَوْلَ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ أَبِي طَالِبٍ وَالْمَرُّوذِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى: أَنَّهُ يُتَيَمَّمُ لِكُلِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 صَلَاةٍ، وَمَعْنَاهُ: لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ. انْتَهَى. (مَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةِ جُمُعَةٍ) فَلَا يَبْطُلُ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا، لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى، (أَوْ) مَا لَمْ (يَنْوِ الْجَمْعَ بِوَقْتِ ثَانِيَةٍ) مَنْ يُبَاحُ لَهُ، (فَلَا يَبْطُلُ) التَّيَمُّمُ (بِخُرُوجِ وَقْتِ) صَلَاةٍ (أَوْلَى) ، فَإِنْ نَوَاهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ فِي وَقْتِ الْأُولَى لَهَا أَوْ لِفَائِتَةٍ لَمْ تَبْطُلْ بِخُرُوجِهِ، لِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمْعِ صَيَّرَتْ الْوَقْتَيْنِ كَالْوَقْتِ الْوَاحِدِ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَمْعُ تَقْدِيمًا أَنَّهُ يَبْطُلُ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى. (وَيَتَّجِهُ) : لَوْ تَيَمَّمَ (فِي) وَقْتِ صَلَاةِ (جُمُعَةٍ) لَهَا وَصَلَّاهَا (بَقَاؤُهُ) ، أَيْ: ذَلِكَ التَّيَمُّمُ (بَعْدَهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - فَيُصَلِّي فِيهِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَوَائِتِ وَالنَّوَافِلِ مَا دَامَ الْوَقْتُ، وَيَأْتِي أَنَّ أَوَّلَهُ ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ قَيْدَ رُمْحٍ، (وَ) بِمُجَرَّدِ خُرُوجِ وَقْتِهَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ (فَيَتَيَمَّمُ لِ) صَلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 (عَصْرٍ) تَيَمُّمًا مُسْتَقِلًّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا، (إذْ لَا يَصِحُّ) التَّيَمُّمُ (لِصَلَاةٍ قَبْلَ) دُخُولِ (وَقْتِهَا) ، لِأَنَّ دُخُولَهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي حَاشِيَةِ الْإِقْنَاعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 (وَ) يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا (بِزَوَالِ عُذْرٍ مُبِيحٍ لَهُ) - أَيْ: لِلتَّيَمُّمِ - (مِنْ نَحْوِ بَرْدٍ) زَالَ (أَوْ مَرَضٍ) عُوفِيَ مِنْهُ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ ضَرُورَةً فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا، (وَ) يَبْطُلُ أَيْضًا (بِمُبْطِلِ مَا تَيَمَّمَ لَهُ) مِنْ الطَّهَارَتَيْنِ، (فَ) يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ (لِوُضُوءٍ بِمَا يُبْطِلُهُ مِنْ نَحْوِ بَوْلٍ) كَنَوْمٍ، (وَلِجَنَابَةٍ بِمَا يُبْطِلُ غُسْلَهَا مِنْ نَحْوِ مَنِيٍّ) خَرَجَ بِلَذَّةٍ (وَتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ، وَ) يَبْطُلُ تَيَمُّمٌ (لِ) حِلِّ (وَطْءٍ مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ أَوْ النِّفَاسِ عَوْدُهُمَا ثَانِيًا) ، فَلَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ ثُمَّ أَجْنَبَتْ؛ فَلَهُ الْوَطْءُ لِبَقَاءِ حُكْمِ تَيَمُّمِ الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ، الْوَطْءُ إنَّمَا يُوجِبُ حَدَثَ جَنَابَةٍ. (وَ) يَبْطُلُ أَيْضًا (بِخَلْعِ مَا مَسَحَ) مِنْ نَحْوِ خُفٍّ وَعِمَامَةٍ وَجَبِيرَةٍ لُبِسَتْ عَلَى طَهَارَةِ مَاءٍ (إنْ تَيَمَّمَ) بَعْدَ حَدَثِهِ (وَهُوَ عَلَيْهِ) ، وَكَذَا فِي " الدَّلِيلِ " وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: بِخَلْعِ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي " الْمُنْتَهَى ": بِخَلْعِ مَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْمَسْحُ بِالْفِعْلِ كَمَا اعْتَبَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يُشِرْ إلَى خِلَافِهِمَا، لِأَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا فِي " الْكَافِي " وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَاهُ. (وَبِظُهُورِ قَدَمٍ إلَى سَاقٍ خُفٍّ، أَوْ انْتِقَاضِ بَعْضِ عِمَامَةٍ) ، سَوَاءٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 مَسَحَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَا، لِقِيَامِ تَيَمُّمِهِ مَقَامَ وُضُوئِهِ، وَهُوَ يَبْطُلُ بِخَلْعِ ذَلِكَ فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهُ، وَالتَّيَمُّمُ وَإِنْ اخْتَصَّ بِعُضْوَيْنِ صُورَةً فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَرْبَعَةِ حُكْمًا، وَكَذَا لَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحٍ. (وَ) يَبْطُلُ أَيْضًا (بِرُؤْيَةِ مَا يَشُكُّ مَعَهُ وُجُودَ مَاءٍ كَسَرَابٍ ظَنَّهُ مَاءً) ، لِزَوَالِ يَقِينِ عَدَمِ الْمَاءِ بِطُرُوِّ الشَّكِّ، (وَ) يَبْطُلُ أَيْضًا (بِوُجُودِهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - (غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِمَانِعٍ) مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، (فَلَوْ وَجَدَهُ) - أَيْ: الْمَاءَ - بَعْدَ شُرُوعِهِ (فِي صَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ بَطَلَا) - أَيْ: الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ - قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي وَجَدَ فِيهَا الْمَاءَ (جُمُعَةً خِيفَ فَوْتُهَا أَوْ انْدَفَقَ مَاءٌ وَهُوَ) مُتَلَبِّسٌ (فِيهِمَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ - فَإِنَّهُمَا يَبْطُلَانِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ انْقَضَيَا) - أَيْ: الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ - قَبْلَ وُجُودِ الْمَاءِ (لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهُمَا) ، لِوُقُوعِهِمَا الْمَوْقِعَ، وَلَكِنَّهَا تُسَنُّ، لِمَا رَوَى عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 قَالَ «خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ، فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: أَجْزَأَتْك صَلَاتُك، وَقَالَ لِلَّذِي أَعَادَ: لَك الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَ) إنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِعَدَمِ الْمَاءِ، ثُمَّ وَجَدَهُ (فِي نَحْوِ قِرَاءَةٍ وَوَطْءٍ) كَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ (يَجِبُ تَرْكُهُ) لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَك» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. (وَيُغَسَّلُ مَيِّتٌ) يُمِّمَ لِعَدَمِ مَاءٍ (وَلَوْ صُلِّيَ عَلَيْهِ) وَلَمْ يُدْفَنْ حَتَّى وُجِدَ الْمَاءُ، (وَتُعَادُ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَوْ تُيُمِّمَ وَالْأُولَى بِوُضُوءٍ (وَيَتَّجِهُ كَتَفْضِيلِ هَذَا) ، أَيْ: عَادِمِ الْمَاءِ إذَا وَجَدَهُ (عَادِمُ تُرَابٍ وَجَدَهُ) ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسُنَّ لِعَادِمٍ) وُجُودِ مَاءٍ (وَرَاجٍ وُجُودَ مَاءٍ أَوْ مُسْتَوٍ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ) - أَيْ: وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ - (تَأْخِيرُ تَيَمُّمٍ لِآخِرِ وَقْتِ اخْتِيَارٍ) ، لِأَنَّ كُلَّ كَمَالٍ اقْتَرَنَ بِالتَّأْخِيرِ وَخَلَا عَنْهُ التَّقْدِيمُ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي الْجُنُبِ: يَتَلَوَّمُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ الْوَقْتِ، فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ، وَإِلَّا تَيَمَّمَ فَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ، وَلَوْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدُ، كَمَنْ صَلَّى عُرْيَانَا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى السُّتْرَةِ، أَوْ لِمَرَضٍ جَالِسًا، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ. (وَصِفَتُهُ) - أَيْ: التَّيَمُّمِ - (أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ) مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوِهِ، مِنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ نَحْوِهِ، (ثُمَّ يُسَمِّي) وُجُوبًا فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ. لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا إنْ كَانَ (ذَاكِرًا) ، وَتَسْقُطُ سَهْوًا وَجَهْلًا، (وَيَضْرِبُ التُّرَابَ بِيَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ) لِيَصِلَ التُّرَابُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 إلَى مَا بَيْنَهَا (ضَرْبَةً بَعْدَ نَزْعِ نَحْوِ خَاتَمٍ) ، لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى مَا تَحْتَهُ، (فَإِنْ عَلِقَ) بِيَدَيْهِ (غُبَارٌ كَثِيرٌ نَفَخَهُ إنْ شَاءَ، وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ خَفِيفًا كُرِهَ نَفْخُهُ لِئَلَّا يَذْهَبَ فَيَحْتَاجَ إلَى إعَادَةِ الضَّرْبِ، (فَإِنْ ذَهَبَ) مَا عَلَى الْيَدَيْنِ بِنَفْخٍ (أَعَادَ الضَّرْبَ) ، لِيَحْصُلَ الْمَسْحُ بِتُرَابٍ، (وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ نَاعِمًا فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ فَعَلِقَ) فِيهِمَا (أَجْزَأَهُ) ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، (ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ وَكَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ) ، لِحَدِيثِ عَمَّارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي التَّيَمُّمِ «ضَرْبَةً وَاحِدَةً لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَعْنَاهُ أَيْضًا. فَيَمْسَحُ يَدَيْهِ (إلَى كُوعَيْهِ فَقَطْ) ، لِأَنَّ الْيَدَ إذَا أُطْلِقَتْ لَا يَدْخُلُ فِيهَا الذِّرَاعُ، بِدَلِيلِ السَّرِقَةِ وَالْمَسِّ، لَا يُقَالُ هِيَ مُطْلَقَةٌ فِي التَّيَمُّمِ مُقَيَّدَةٌ فِي الْوُضُوءِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الطَّهَارَةِ، لِأَنَّ الْحَمْلَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَالْعِتْقِ فِي الظِّهَارِ عَلَى الْعِتْقِ فِي الْخَطَأِ، وَالتُّرَابُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ وَهُوَ يُشْرَعُ فِيهِ التَّثْلِيثُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ هُنَا، وَالْوُضُوءُ يَغْسِلُ فِيهِ بَاطِنَ الْفَمِ وَالْأَنْفَ بِخِلَافِهِ هُنَا. (وَسُنَنُ تَيَمُّمٍ: تَرْتِيبٌ وَمُوَالَاةٌ فِي غَيْرِ حَدَثٍ أَصْغَرَ) ، وَأَمَّا فِيهِ، فَيَجِبَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: 6] . (وَتَفْرِيجُ أَصَابِعِهِ وَقْتَ ضَرْبٍ) لِيَدْخُلَ بَيْنَهَا التُّرَابُ، (وَتَقْدِيمُ) يَدٍ (يُمْنَى عَلَى يَدٍ يُسْرَى فِي مَسْحٍ) لَا فِي ضَرْبٍ، (وَ) تَقْدِيمُ مَسْحِ (أَعْلَى وَجْهٍ عَلَى أَسْفَلِهِ كَمَا فِي وُضُوءٍ، وَنَزْعِ نَحْوِ خَاتَمٍ عِنْدَ مَسْحِ وَجْهٍ لِيَمْسَحَ جَمِيعَهُ بِجَمِيعِ يَدٍ) تَحْصِيلًا لِلْكَمَالِ، (وَفِي مَسْحِ يَدٍ يَجِبُ نَزْعُهُ) - أَيْ: الْخَاتَمِ (لِيَصِلَ تُرَابٌ إلَى مَحَلِّهِ) مِنْ الْيَدِ، (وَلَا يَكْفِي تَحْرِيكُهُ) - أَيْ: الْخَاتَمِ - (بِخِلَافِ مَاءٍ، لِ) قُوَّةِ (سَرَيَانِهِ، وَإِدَامَةُ يَدٍ عَلَى عُضْوٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ مَسْحِهِ) ، فَإِنْ رَفَعَ يَدَهُ عَنْ الْعُضْوِ مَعَ بَقَاءِ الْغُبَارِ عَلَيْهَا جَازَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 إعَادَتُهَا وَتَكْمِيلُ الْمَسْحِ بِهَا، وَإِلَّا ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى، (وَالْإِتْيَانُ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ مَا بَعْدَهُمَا كَمَا فِي وُضُوءٍ، وَعِنْدَ الْقَاضِي وَالشِّيرَازِيِّ وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ وَأَبِي الْبَرَكَاتِ: وَتَجْدِيدُ ضَرْبَةٍ لِيَدَيْهِ وَمَسْحُهُمَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَهُوَ) - أَيْ: مَا قَالُوهُ - (حَسَنٌ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَنْصُوصِ) عَنْ الْإِمَامِ، (خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) . وَإِنْ مَسَحَ بِبَعْضِ يَدِهِ أَوْ بِخِرْقَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ جَازَ، لِأَنَّ الْقَصْدَ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَكَيْفَ مَا حَصَلَ جَازَ كَالْوُضُوءِ. (وَإِنْ مَسَحَ بِأَكْثَرَ مِنْ ضَرْبَتَيْنِ مَعَ اكْتِفَاءٍ بِدُونِهِ كُرِهَ) ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا تُسَنُّ الزِّيَادَةُ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ إذَا حَصَلَ الِاسْتِيعَابُ بِهِمَا. (وَإِنْ بُذِلَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ - مَاءٌ لِأَوْلَى جَمَاعَةٍ (أَوْ نُذِرَ) مَاءٌ لِأَوْلَى جَمَاعَةٍ (أَوْ وُقِفَ) مَاءٌ (أَوْ وُصِّيَ مَاءٌ لِأَوْلَى جَمَاعَةٍ) (قُدِّمَ بِهِ) مِنْهُمْ (غُسْلُ طِيبِ مُحْرِمٍ) ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ غُسْلِهِ بِلَا عُذْرٍ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ، (فَ) إنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ قُدِّمَ غَسْلُ (نَجَاسَةِ ثَوْبٍ) ، لِوُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى عَادِمِ غَيْرِهِ، فَ (إنْ) فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ قُدِّمَ غَسْلُ نَجَاسَةِ (بُقْعَةٍ) تَعَذَّرَتْ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِهَا، لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فَلَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ لَهَا، فَ (إنْ) فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ غَسْلُ نَجَاسَةِ (بَدَنٍ) لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لَهَا بِخِلَافِ حَدَثٍ (فَ) إنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ (مَيِّتٌ) فَيُغَسَّلُ بِهِ، لِأَنَّ غُسْلَهُ خَاتِمَةُ طَهَارَتِهِ وَالْأَحْيَاءُ يَرْجِعُونَ إلَى الْمَاءِ فَيَغْتَسِلُونَ، (فَ) إنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ قُدِّمَتْ بِهِ (حَائِضٌ وَنُفَسَاءُ) انْقَطَعَ دَمُهُمَا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَغْلَظُ مِنْ الْجَنَابَةِ، (فَ) إنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ بِهِ (جُنُبٌ) ، لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ مَا لَا يَسْتَفِيدُهُ الْمُحْدِثُ بِهِ، (فَ) إنْ فَضَلَ شَيْءٌ تَوَضَّأَ بِهِ (مُحْدِثٌ إلَّا إنْ كَفَاهُ) - أَيْ: الْمُحْدِثَ - الْمَاءُ لِلْوُضُوءِ (وَحْدَهُ) - أَيْ: دُونَ الْجُنُبِ - بِأَنْ كَانَ لَا يَكْفِيه لِغُسْلِهِ: (فَيُقَدَّمُ) الْمُحْدِثُ (عَلَى جُنُبٍ) ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ أَوْلَى مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضِ طَهَارَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكْفِ كُلًّا مِنْهُمَا قُدِّمَ جُنُبٌ، لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 يَسْتَفِيدُ بِهِ تَطْهُرُ بَعْضُ أَعْضَائِهِ، (وَيُقْرَعُ مَعَ تَسَاوٍ، كَمُحْدِثَيْنِ) فَأَكْثَرَ وَحَائِضَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَالْمَاءُ لَا يَكْفِي إلَّا وَاحِدًا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ قُدِّمَ بِهِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ لَهُ، (أَوْ) وُجِدَ طِيبٌ عَلَى (مُحْرِمَيْنِ) وَالْمَاءُ لَا يَكْفِي إلَّا غُسْلَ مَا عَلَى أَحَدِهِمَا فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ اسْتَعْمَلَهُ إذْ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا، (فَإِنْ تَطَهَّرَ بِهِ) - أَيْ: الْمَاءِ الْمَذْكُورِ - (غَيْرُ الْأَوْلَى) بِهِ كَمُحْدِثٍ مَعَ ذِي نَجَسٍ: (أَسَاءَ) ، لِفِعْلِهِ مَا لَيْسَ لَهُ، (وَصَحَّتْ) طَهَارَتُهُ، لِأَنَّ الْأَوْلَى لَمْ يَمْلِكْهُ لِكَوْنِهِ أَوْلَى وَإِنَّمَا رَجَحَ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَيَأْثَمُ) غَيْرُ الْأَوْلَى (بِتَعَدِّيهِ) عَلَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " غَايَةِ الْمَطْلَبِ " وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِأَحَدِ الْمُحْتَاجِينَ إلَيْهِ تَعَيَّنَ لَهُ، لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُؤْثِرَ بِهِ غَيْرَهُ، وَلَوْ أَحَدَ أَبَوَيْهِ، لِتَعَيُّنِهِ لِأَدَاءِ فَرْضِهِ وَتَعَلَّقَ حَقُّ اللَّهِ بِهِ، (وَالثَّوْبُ) الْمَبْذُولُ لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ يَحْتَاجَانِهِ (يُصَلِّي فِيهِ) الْحَيُّ (عَلَى مَيِّتٍ ثُمَّ يُكَفَّنُ بِهِ) الْمَيِّتُ، جَمْعًا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ، (وَمَعَ) احْتِيَاجِ حَيٍّ لِكَفَنِ مَيِّتٍ لِشِدَّةِ (بَرْدٍ يُخْشَى مِنْهُ تَلَفٌ يُقَدَّمُ حَيٌّ) عَلَى مَيِّتٍ (وَلَا تَكْفِينَ) ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ آكَدُ، قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. [بَابُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ] (بَابُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ) أَيْ: تَطْهُرُ مَوَارِدِ الْأَنْجَاسِ، وَذَكَرَ النَّجَاسَاتِ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْهَا. (وَهِيَ) - أَيْ: النَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ - (الطَّارِئَةُ عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ، وَالْعَيْنِيَّةُ لَا تَطْهُرُ بِحَالٍ) ، أَيْ: لَا بِغُسْلٍ وَلَا بِاسْتِحَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا يُعْقَلُ لِلنَّجَاسَةِ مَعْنًى، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. (يُشْتَرَطُ لِ) تَطْهِيرِ (كُلِّ مُتَنَجِّسٍ غَيْرُ مَا يَأْتِي) مِنْ مُتَّصِلٍ بِأَرْضٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ صَخْرَةٍ كَبِيرَةٍ، (حَتَّى أَسْفَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 خُفٍّ وَ) أَسْفَلَ (حِذَاءٍ) - بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَوَّلَهُ - أَيْ نَعْلٍ، (وَ) حَتَّى (ذَيْلِ امْرَأَةٍ سَبْعَ غَسَلَاتٍ) . لِعُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أُمِرْنَا بِغَسْلِ الْأَنْجَاسِ سَبْعًا» فَيَنْصَرِفُ إلَى أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيَاسًا عَلَى نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ. وَقِيسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ عَلَى الرِّجْلِ، وَذَيْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى بَقِيَّةِ ثَوْبِهَا، وَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ أَنْ تَسْتَوْعِبَ الْمَحَلَّ، وَيُحْسَبُ الْعَدَدُ مِنْ أَوَّلِ غَسْلَةٍ، فَيُجْزِئُ (إنْ أَنْقَتْ) السَّبْعُ غَسَلَاتٍ، (وَإِلَّا) ، بِأَنْ لَمْ تُنْقِ بِهَا، فَيَزِيدُ عَلَى السَّبْعِ (حَتَّى تُنْقِيَ) النَّجَاسَةَ (بِمَاءٍ طَهُورٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِغَسَلَاتٍ - أَيْ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ غَسْلَةٍ مِنْ السَّبْعِ بِمَاءٍ طَهُورٍ، لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ قَالَتْ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، كَيْف تَصْنَعُ؟ قَالَ: تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَ «أَمَرَ بِصَبِّ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ» . وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُشْتَرَطَةٌ فَأَشْبَهَتْ طَهَارَةَ الْحَدَثِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَاءُ الطَّهُورُ (غَيْرَ مُبَاحٍ) لِأَنَّ إزَالَتَهَا مِنْ قِسْمِ التُّرُوكِ. وَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةٌ، (مَعَ حَتٍّ) - أَيْ: قِشْرٍ وَحَكٍّ - (وَقَرْصٍ) لِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَهُوَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: الدَّلْكُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَالْأَظْفَارِ. مَعَ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ. (لِحَاجَةٍ) إلَى ذَلِكَ وَلَوْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ (إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ) الْمَحَلُّ بِالْحَتِّ أَوْ الْقَرْصِ، فَإِنْ تَضَرَّرَ سَقَطَ. (وَيُحْسَبُ عَدَدُهُ مِنْ أَوَّلِ غَسْلَةٍ) مِنْ الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ، (وَلَوْ قَبْلَ زَوَالِ عَيْنِهَا) - أَيْ: النَّجَاسَةِ - (فَلَوْ لَمْ تَزُلْ) النَّجَاسَةُ (إلَّا فِي) الْغَسْلَةِ (الْأَخِيرَةِ أَجْزَأَ) ذَلِكَ لِإِتْيَانِهِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ. (إنْ وَضَعَهُ) - أَيْ: الْمُتَنَجِّسُ - (بِإِنَاءٍ وَأَوْرَدَ) - أَيْ: صَبَّ - (عَلَيْهِ) الْمَاءَ (فَغَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ يَبْنِي عَلَيْهَا) بَعْدَ عَصْرِ الْمُتَنَجِّسِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ، (وَيَطْهُرَ) الْمَحَلُّ الْمُتَنَجِّسُ بَعْدَ ذَلِكَ (نَصًّا) لِوُرُودِ الْمَاءِ عَلَى مَحَلِّ التَّطْهِيرِ، (وَلَا) يَطْهُرَ. (إنْ أَوْرَدَهُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 أَيْ: الْمُتَنَجِّسُ - (عَلَى مَاءٍ قَلِيلٍ) ، لِأَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ يُنَجَّسُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ تَطْهِيرٌ وَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْغَسْلَةِ، (وَشُرِطَ عَصْرٌ مَعَ إمْكَانِ) الْعَصْرِ (فِيمَا تَشْرَبُ) النَّجَاسَةُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِحَيْثُ لَا يُخَافُ فَسَادُهُ (كُلَّ مَرَّةٍ) مِنْ السَّبْعِ (خَارِجَ الْمَاءِ) لِيَحْصُلَ انْفِصَالُ الْمَاءِ عَنْهُ، (وَإِلَّا يَعْصِرُهُ) خَارِجَ الْمَاءِ بَلْ عَصْرُهُ فِيهِ وَلَوْ سَبْعًا؛ (فَ) هِيَ (غَسْلَةٌ) وَاحِدَةٌ، (يَنْبَنِي عَلَيْهَا) مَا بَقِيَ مِنْ السَّبْعِ (أَوْ دَقَّهُ) - مِنْ أَيِّ: مَا تَشْرَبُ النَّجَاسَةُ - (وَتَقْلِيبُهُ) إنْ لَمْ يُمْكِنْ عَصْرُهُ، (أَوْ تَثْقِيلُهُ) كُلَّ غَسْلَةٍ حَتَّى يَذْهَبَ أَكْثَرُ مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَلَا يَكْفِي عَنْ عَصْرِهِ وَنَحْوِهِ تَجْفِيفُهُ، وَمَا لَا يَتَشَرَّبُ يَطْهُرُ بِوُرُودِ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَانْفِصَالِهِ عَنْهُ. (وَ) يُشْتَرَطُ (كَوْنُ إحْدَاهَا) - أَيْ: السَّبْعِ غَسَلَاتٍ - (وَالْأُولَى) مِنْهَا (أَوْلَى) بِجَعْلِ التُّرَابِ فِيهَا (فِي مُتَنَجِّسٍ بِكَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مُتَوَلِّدٍ) مِنْهُمَا أَوْ (مِنْ أَحَدِهِمَا) - أَيْ: الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ - (بِتُرَابٍ طَاهِرٍ) - أَيْ: طَهُورٍ - لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ وَلَا مُسْتَعْمَلٌ (يَسْتَوْعِبُ) ، أَيْ: يَعُمُّ التُّرَابُ (الْمَحَلَّ) الْمُتَنَجِّسَ، لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعُمَّهُ لَمْ تَكُنْ غَسْلَةٌ (إلَّا فِيمَا) - أَيْ: مَحَلٍّ - (يَضُرُّهُ) التُّرَابُ، (فَيَكْفِي مُسَمَّاهُ) ، أَيْ: مَا يُسَمَّى تُرَابًا دَفْعًا لِلضَّرَرِ. (وَيُعْتَبَرُ مَزْجُهُ) - أَيْ: التُّرَابِ - (بِمَائِعٍ يُوصِلُهُ إلَيْهِ) - أَيْ: الْمَحَلِّ النَّجِسِ - فَ (لَا) يَكْفِي (ذَرُّهُ) عَلَيْهِ (وَإِتْبَاعُهُ الْمَاءَ) وَالْمُرَادُ بِالْمَائِعِ هُنَا: الْمَاءُ الطَّهُورُ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ. وَجَعْلُ التُّرَابِ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ فِيمَا بَعْدَهَا، لِمُوَافَقَةِ لَفْظِ الْخَبَرِ وَلِيَأْتِيَ بَعْدَهُ فَيُنَظِّفَهُ، فَإِنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِهَا جَازَ، لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ «إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَفِي حَدِيثٍ «أُولَاهُنَّ» وَفِي حَدِيثٍ «فِي الثَّامِنَةِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ التُّرَابِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 الْغَسَلَاتِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، وَرِوَايَةُ الثَّامِنَةِ مَعْنَاهَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنْ تَكُونَ إحْدَى السَّبْعِ بِالتُّرَابِ، لَكِنْ لَمَّا أُضِيفَ الْمَاءُ فِيهَا إلَى التُّرَابِ، عُدَّ التُّرَابُ كَأَنَّهُ غَسْلَةٌ ثَامِنَةٌ. (وَيَقُومُ نَحْوُ أُشْنَانٍ وَصَابُونٍ وَنُخَالَةٍ) مِنْ كُلِّ مَا لَهُ قُوَّةُ إزَالَةٍ (مَقَامَ تُرَابٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِهِ) - أَيْ: التُّرَابِ - لِأَنَّهَا أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الْإِزَالَةِ، فَنَصُّهُ عَلَى التُّرَابِ تَنْبِيهٌ عَلَيْهَا وَلِأَنَّهُ جَامِدٌ أُمِرَ بِهِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، فَأُلْحِقَ بِهِ مَا يُمَاثِلُهُ كَالْحَجَرِ فِي الِاسْتِجْمَارِ. (وَيَضُرُّ بَقَاءُ طَعْمِ) النَّجَاسَةِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَلِسُهُولَةِ إزَالَتِهِ، فَلَا يَطْهُرُ الْمَحَلُّ مَعَ بَقَائِهِ. وَ (لَا) يَضُرُّ بَقَاءُ (لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ) بَقَاءُ (هُمَا عَجْزًا) عَنْ إزَالَتِهِمَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ، كَمَا لَوْ صُبِغَ ثَوْبٌ بِنَجَاسَةٍ، ثُمَّ غُسِلَ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ اللَّوْنِ لِأَنَّهُ عَرَضٌ، وَالنَّجَاسَةُ لَا تُخَالِطُ الْعَرَضَ، وَالْمَاءُ لَا يُخَالَطُ، فَإِذَا زَالَتْ الْعَيْنُ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ زَالَتْ النَّجَاسَةُ بِزَوَالِهَا، جَزَمَ فِي " الْفُصُولِ " بِمَعْنَى ذَلِكَ. وَيَطْهُرُ الْمَحَلُّ (وَإِنْ لَمْ يَزُولَا) - أَيْ: اللَّوْنُ وَالرِّيحُ - (إلَّا بِمِلْحٍ وَنَحْوِهِ) كَأُشْنَانٍ (مَعَ الْمَاءِ لَمْ يَجِبْ) اسْتِعْمَالُهُ مَعَهُ، قَالَ الشِّيشْنِيُّ: لَوْ خَضَّبَ يَدَهُ أَوْ شَعْرَهُ بِحِنَّاءٍ مُتَنَجِّسٍ بِبَوْلٍ أَوْ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ أَزَالَ الْحِنَّاءَ وَغَسَلَ الْمَحَلَّ وَبَقِيَ لَوْنُهُ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ، لِأَنَّهُ إذَا وَرَدَ الْمَاءُ عَلَيْهِ عَلِمْنَا أَنَّ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ النَّجَاسَةِ قَدْ زَالَ، وَإِنَّمَا يَبْقَى اللَّوْنُ، انْتَهَى. (وَحَسَنٌ) فِعْلُ ذَلِكَ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ «امْرَأَةٍ مِنْ غِفَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْدَفَهَا عَلَى حَقِيبَةٍ فَحَاضَتْ، قَالَتْ: فَنَزَلَتْ فَإِذَا بِهَا دَمٌ مِنِّي فَقَالَ: مَالَكِ لَعَلَّك نَفِسْت؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِك، ثُمَّ خُذِي إنَاءً مِنْ مَاءٍ فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا، ثُمَّ اغْسِلِي مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنْ الدَّمِ» وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمِلْحَ لَيْسَ بِقُوتٍ وَإِنَّمَا يُصْلِحُ الْقُوتَ. (وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ مَطْعُومِ آدَمِيٍّ) - كَدَقِيقٍ - (فِي إزَالَتِهَا) - أَيْ: النَّجَاسَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 (وَيَتَّجِهُ إنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ) ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ، لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا بَأْسَ) (بِاسْتِعْمَالِ نُخَالَةٍ) خَالِصَةٍ، (وَنَحْوُ دَقِيقِ بَاقِلَاءَ) كَدَقِيقِ حِمَّصٍ وَعَدَسٍ (فِي غَسْلِ) أَيْدٍ وَنَحْوِهَا لِلتَّنْظِيفِ. (وَمَا نَجِسَ) مِنْ مَحَلٍّ طَاهِرٍ (بِ) إصَابَةِ مَاءِ (غَسْلَةٍ) (يُغْسَلُ) ذَلِكَ الْمَحَلُّ (عَدَدَ مَا بَقِيَ بَعْدَهَا) ، أَيْ: تِلْكَ الْغَسْلَةِ، لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ تَطْهُرُ فِي مَحَلِّهَا بِمَا بَقِيَ مِنْ الْغَسَلَاتِ فَطَهُرَتْ بِهِ فِي مِثْلِهِ، فَمَا تَنَجَّسَ بِرَابِعَةٍ مَثَلًا غُسِلَ ثَلَاثًا إحْدَاهُنَّ (بِتُرَابٍ طَاهِرٍ حَيْثُ شُرِطَ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ) قَبْلَ تَنَجُّسِ الْمَحَلِّ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ اسْتَعْمَلَ التُّرَابَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُعِدْ. (وَيَطْهُرُ نَحْوُ آنِيَةٍ وَسِكِّينٍ) وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ (بِمُرُورِ مَاءٍ عَلَيْهِ وَانْفِصَالِهِ عَنْهُ سَبْعًا) ، وَلَا يَكْفِي مَسْحُهُ لَوْ كَانَ صَقِيلًا كَسَيْفٍ وَمِرْآةٍ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْأَنْجَاسِ، وَالْمَسْحُ لَيْسَ غَسْلًا. (وَيُغْسَلُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (بِخُرُوجِ مَذْيٍ) مِنْ (ذَكَرٍ وَأُنْثَيَانِ مَرَّةً) ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ، قِيلَ لِتَبْرِيدِهِمَا، وَقِيلَ لِتَلْوِيثِهِمَا غَالِبًا لِنُزُولِهِ مُتَسَبِّبًا. (وَ) يُغْسَلُ (مَا أَصَابَهُ) الْمَذْيُ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ بَلْ وَمِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ وَالثِّيَابِ (سَبْعًا) كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ. (وَيُجْزِئُ فِي قَيْءٍ وَبَوْلِ غُلَامٍ لَمْ يَأْكُلْ طَعَامًا لِشَهْوَةٍ نَضْحُهُ، وَهُوَ غَمْرُهُ بِمَاءٍ) وَإِنْ لَمْ يَقْطُرْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَرْسٍ وَعَصْرٍ، لِحَدِيثِ أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مِحْصَنٍ «أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَبَوْلِ صَبِيٍّ أَكَلَ الطَّعَامَ» لِشَهْوَةٍ، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ نُضِحَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَلْعَقُ الْعَسَلَ سَاعَةَ يُولَدُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 «وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَنَّكَ بِالتَّمْرَةِ» . (وَيَتَّجِهُ الْمُرَادُ بِطَعَامٍ) : أَيَّ طَعَامٍ كَانَ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا (غَيْرَ لَبَنٍ مُطْلَقًا) مِنْ آدَمِيَّةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ بِمَصٍّ مِنْ ثَدْيٍ أَوْ شُرْبٍ مِنْ إنَاءٍ وَلَوْ كَانَ تَغَذِّيهِ بِاللَّبَنِ، لِعَدَمِ غَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يُجْزِئُ (فِي نَحْوِ) (صَخْرَةٍ وَأَجْرِنَةٍ) صِغَارٍ مَبْنِيَّةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ مُطْلَقًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ " وَأَحْوَاضٍ وَحِيطَانٍ وَأَرْضٍ تَنَجَّسَتْ بِمَائِعٍ (أَوْ) بِنَجَاسَةٍ (ذَاتِ جُرْمٍ أُزِيلَ) ذَلِكَ الْجُرْمُ (عَنْهَا وَلَوْ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ مُكَاثَرَتُهَا بِمَاءٍ حَتَّى يَذْهَبَ لَوْنُ نَجَاسَةٍ وَرِيحُهَا) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَهُمْ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ» مُتَّفَقٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 عَلَيْهِ. وَالْأَعْرَابِيُّ هُوَ خُوَيْصِرَةُ التَّيْمِيُّ وَإِنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ زَجْرِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَقُومَ فَيُنَجِّسَ مَحَلًّا آخَرَ. أَوْ لِأَنَّهُ إذَا أَقَامَ انْقَطَعَ بَوْلُهُ فَيَتَأَذَّى بِالْحُقْنَةِ، أَوْ لِأَنَّهُمْ أَغْلَظُوا عَلَيْهِ وَحَقُّهُمْ الرِّفْقُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ نَهْيَهُ لَهُمْ كَانَ لِأَجْلِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ كَيْفِيَّةَ غَسْلِ النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَالرِّيحُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ تَطْهُرْ لِأَنَّهُ دَلِيلُ بَقَائِهَا، (مَا لَمْ يُعْجَزْ) عَنْ إذْهَابِهِمَا أَوْ إذْهَابِ أَحَدِهِمَا، فَيَطْهُرُ كَغَيْرِ الْأَرْضِ. (وَلَوْ) بَقِيَ الْمَاءُ (وَلَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهَا) ، أَيْ: الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا، وَعَنْ مَحَلِّ بَوْلِ الْغُلَامِ فَتَطْهُرُ مَعَ بَقَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ. وَلَا يَطْهُرُ (بِغَسْلِ دُهْنٍ تَنَجَّسَ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ السَّمْنِ تَقَعُ فِيهِ الْفَأْرَةُ، فَقَالَ: إنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلَوْ أَمْكَنَ تَطَهُّرُهُ لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ. (وَ) لَا تَطْهُرُ (أَرْضٌ اخْتَلَطَتْ بِنَجَاسَةٍ ذَاتِ أَجْزَاءٍ) مُتَفَرِّقَةٍ: (كَرَمِيمٍ وَدَمٍ جَافٍ وَرَوْثٍ) إذَا اخْتَلَطَ بِأَجْزَائِهَا، فَلَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تَنْقَلِبُ، بَلْ بِإِزَالَةِ أَجْزَاءِ الْمَكَانِ بِحَيْثُ يُتَيَقَّنُ زَوَالُ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ. (وَلَا) يَطْهُرُ (بَاطِنُ حُبٍّ وَ) لَا (إنَاءٍ) تَشَرَّبَهَا، (وَ) لَا تَطْهُرُ (سِكِّينٌ سُقِيَتْهَا) - أَيْ: النَّجَاسَة - بِأَنْ أُحْمِيَتْ وَسُقِيَتْ بِمَاءٍ نَجِسٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَلَا) يَطْهُرُ (عَجِينٌ وَلَحْمٌ تَشَرَّبَهَا) - أَيْ: النَّجَاسَةَ - بِغَسْلٍ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَأْصَلُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ مِمَّا ذُكِرَ، قَالَ أَحْمَدُ فِي الْعَجِينِ: يُطْعَمُ النَّوَاضِحَ، وَلَا يُطْعَمُ لِشَيْءٍ يُؤْكَلُ فِي الْحَالِ. وَلَا يُحْلَبُ لَبَنُهُ، لِئَلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 يَتَنَجَّسَ بِهِ وَيَصِيرَ كَالْجَلَّالَةِ. (وَلَا) يَطْهُرُ (صَقِيلٌ كَسَيْفٍ) وَمِرْآةٍ وَزُجَاجٍ (بِمَسْحٍ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ كَالْأَوَانِي (فَيُنَجَّسُ نَحْوُ بِطِّيخٍ) كَقِثَّاءٍ وَخِيَارٍ (قُطِعَ بِهِ) قَبْلَ غَسْلِهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا فِيهِ بَلَلٌ. وَ (لَا) يُنَجَّسُ (رَطْبٌ بِلَا بَلَلٍ كَجُبْنٍ) كَمَا لَوْ قُطِعَ بِهِ يَابِسًا، لِعَدَمِ تَعَدِّي النَّجَاسَةِ إلَيْهِ. (وَلَا) تَطْهُرُ (أَرْضٌ بِشَمْسٍ وَرِيحٍ وَجَفَافٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ أَنْ يُصَبَّ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ذَنُوبٌ مِنْ مَاءٍ» وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ نَجِسٌ فَلَمْ يَطْهُرْ بِغَيْرِ الْغَسْلِ كَالثِّيَابِ. (وَلَا) تَطْهُرُ (نَجَاسَةٌ بِنَارٍ فَرَمَادُهَا وَبُخَارُهَا وَدُخَّانُهَا نَجِسٌ) إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ إلَّا هَيْئَةُ جِسْمِهَا، كَالْمَيْتَةِ تَصِيرُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَنِ تُرَابًا. وَكَذَا صَابُونٌ عُمِلَ مِنْ شَيْءٍ نَجِسٍ، (وَلَا) تَطْهُرُ (بِاسْتِحَالَةٍ فَمُتَوَلِّدٌ مِنْهَا كَدُودِ جُرْحٍ وَصَرَاصِيرَ كُنُفٍ) ، جَمْعُ: كَنِيفٍ، وَكَالْكِلَابِ تُلْقَى فِي مَلَّاحَةٍ فَتَصِيرَ مِلْحًا (نَجِسٌ) ، كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ قَيْحًا وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا» لِأَكْلِ النَّجَاسَةِ، فَلَوْ كَانَتْ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ أَكْلُهَا النَّجَاسَةَ لِأَنَّهَا تَسْتَحِيلُ، (إلَّا عَلَقَةً يُخْلَقُ مِنْهَا) حَيَوَانٌ (طَاهِرٌ) فَتَطْهُرُ بِذَلِكَ. (وَ) إلَّا (خَمْرَةً انْقَلَبَتْ خَلًّا بِنَفْسِهَا) فَتَطْهُرُ. لِأَنَّ نَجَاسَتَهَا لِشِدَّتِهَا الْمُسْكِرَةِ الْحَادِثَةِ لَهَا، وَقَدْ زَالَتْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَّفَتْهَا، كَالْمَاءِ الْكَثِيرِ الْمُتَغَيِّرِ يَزُولُ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ النَّجَاسَاتِ الْعَيْنِيَّةِ، (أَوْ) انْقَلَبَتْ خَلًّا (بِنَقْلٍ) مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ، أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى غَيْرِهِ فَتَطْهُرُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَ (لَا) تَطْهُرُ بِنَقْلِ مَا ذُكِرَ (لِقَصْدِ تَخْلِيلٍ) ، لِخَبَرِ النَّهْيِ عَنْ تَخْلِيلِهَا فَلَا تَطْهُرُ، (وَدَنُّهَا) - أَيْ: الْخَمْرَةِ، وَهُوَ وِعَاؤُهَا - (كُلُّهُ مِثْلُهَا) يَطْهُرُ بِطَهَارَتِهَا، لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهَا الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ. (وَإِنْ لَمْ يُصِبْ الْخَلَّ مَا أَصَابَهُ خَمْرٌ فِي غَلَيَانِهِ كَمُحْتَفَرٍ) فِي أَرْضٍ فِيهِ مَاءٌ كَثِيرٌ تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ، ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ فَيَطْهُرُ، وَمَحَلُّهُ تَبَعًا لَهُ. وَكَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 مَا بُنِيَ فِي الْأَرْضِ كَالصَّهَارِيجِ وَالْبَحَرَاتِ. (وَلَا) يَطْهُرُ (إنَاءٌ طَهُرَ مَاؤُهُ) بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِضَافَةٍ أَوْ نَزْحٍ، لِأَنَّ الْأَوَانِيَ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً، لَا تَطْهُرُ إلَّا بِسَبْعِ غَسَلَاتٍ، فَإِنْ انْفَصَلَ عَنْهُ الْمَاءُ حَسِبَ غَسْلَةً ثُمَّ يُكْمِلُ، وَلَا يَطْهُرُ الْإِنَاءُ بِدُونِ إرَاقَةٍ. [تَنْبِيهٌ طَهُرَ مَاءٌ كَثِيرٌ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ] (تَنْبِيهٌ) : إذَا طَهُرَ مَاءٌ كَثِيرٌ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ حَتَّى يَنْقُصَ عَنْ الْقُلَّتَيْنِ، ثُمَّ يُحْكَمَ بِنَجَاسَةِ الْإِنَاءِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ بِمُجَرَّدِ نَقْصِهِ عَنْ الْقُلَّتَيْنِ، بِخِلَافِ الْحَوْضِ. (وَنَبِيذٌ) فِي الْحُكْمِ (كَخَمْرٍ) مِنْ أَنَّهُ يَطْهُرُ هُوَ وَإِنَاؤُهُ إذَا انْقَلَبَ، خَلًّا (خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي يَعْلَى، حَيْثُ جَزَمَ فِي " التَّعْلِيقِ " بِعَدَمِ طَهَارَتِهِ بِانْقِلَابِهِ خَلًّا، (مُحْتَجًّا بِأَنَّ فِيهِ) مَا قَدْ (تَنَجَّسَ) فَيَتَنَجَّسُ مَا أَصَابَهُ، وَلَوْ صَارَ خَلًّا. (وَحَرُمَ عَلَى غَيْرِ خَلَّالٍ) - أَيْ: صَانِعِ الْخَلِّ - (إمْسَاكُهَا) - أَيْ: الْخَمْرَةِ - لِتَتَخَلَّلَ - أَيْ: لِتَصِيرَ خَلًّا - لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إمْسَاكِ الْخَمْرَةِ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِرَاقَتِهَا، وَأَمَّا الْخَلَّالُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ. وَالْخَلُّ الْمُبَاحُ: أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْعِنَبِ أَوْ الْعَصِيرِ خَلٌّ قَبْلَ غَلَيَانِهِ، وَقَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ حَتَّى لَا يَغْلِيَ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ خَلٌّ مَغْلِيٌّ قَالَ يُهْرَاقُ. (ثُمَّ إنْ تَخَلَّلَتْ) الْخَمْرَةُ بِنَفْسِهَا بِيَدِ مُمْسِكِهَا وَلَوْ غَيْرَ خَلَّالٍ حَلَّتْ، (أَوْ اتَّخَذَ عَصِيرًا لِيَتَخَمَّرَ فَتَخَلَّلَ) بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ إلَيْهِ، وَلَا نُقِلَ لِقَصْدِ تَخْلِيلٍ: (حَلَّ) ، أَيْ: طَهُرَ. فَإِنْ ضُمَّ إلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يَطْهُرْ، لِأَنَّهُ اُسْتُعْجِلَ إلَى مَقْصُودِهِ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ، فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ. (وَمَنْ بَلَعَ نَحْوَ لَوْزٍ) كَبُنْدُقٍ (فِي قِشْرِهِ ثُمَّ قَاءَهُ) (وَنَحْوَهُ) ، بِأَنْ خَرَجَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ، (لَمْ يُنَجِّسْ بَاطِنَهُ) لِصَلَابَةِ الْحَائِلِ. (كَبَيْضٍ سُلِقَ فِي خَمْرٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ، فَلَا يُنَجَّسُ بَاطِنُهُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ نَحْوِ لَحْمٍ وَخُبْزٍ. (وَأَيُّ نَجَاسَةٍ خَفِيَتْ) فِي بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ (غُسِلَ) مَا احْتَمَلَ أَنَّ النَّجَاسَةَ أَصَابَتْهُ (حَتَّى تَيَقَّنَ غَسْلَهَا فَيَغْسِلُ كُمَّيْنِ تَنَجَّسَ أَحَدُهُمَا وَنَسِيَهُ) ، لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ، فَإِنْ جَهِلَ جِهَتَهَا مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ غَسَلَهُ كُلَّهُ، وَإِنْ عَلِمَهَا فِيمَا يُدْرِكُهُ بَصَرُهُ مِنْ ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ غَسَلَ مَا يُدْرِكُهُ مِنْهُمَا، فَإِنْ صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْمَانِعَ، كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ، وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ. وَ (لَا) يَلْزَمُهُ غَسْلٌ إنْ خَفِيَتْ النَّجَاسَةُ (فِي صَحْرَاءَ وَنَحْوِهَا) كَالْحَوْشِ الْوَاسِعِ. فَلَا يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ، (وَيُصَلِّي فِيهَا بِلَا تَحَرٍّ) دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا كَالْبَيْتِ وَالْحَوْشِ الصَّغِيرِ، وَخَفِيَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ، وَأَرَادَ الصَّلَاةَ فِيهِ لَزِمَهُ غَسْلُهُ كَالثَّوْبِ. [فَصْلٌ فِي ذِكْرِ النَّجَاسَاتِ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] (النَّجِسُ مَائِعٌ) لَا جَامِدٌ: (مُحَرَّمٌ) كَخَمْرٍ، (وَلَوْ غَيْرَ مُسْكِرٍ) كَنَبِيذِ تَمْرٍ أَوْ عَصِيرٍ أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَمْ يَغْلِ، أَوْ غَلَى وَلَوْ قَبْلَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] . . . إلَى قَوْله: {رِجْسٌ} [المائدة: 90] ، وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ أَشْبَهَ الدَّمَ، وَلِأَنَّ النَّبِيذَ شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ أَشْبَهَ الْخَمْرَةَ، (لَا حَشِيشَةَ مُسْكِرَةً) فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " " وَحَوَاشِي صَاحِبِ الْفُرُوعِ عَلَى الْمُقْنِعِ ". وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " - حَيْثُ جَزَمَ بِنَجَاسَتِهَا تَبَعًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " وَالْمُرَادُ بَعْدَ عِلَاجِهَا: أَيْ بِالْإِمَاعَةِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ. (وَقِيلَ: إنْ أُمِيعَتْ) الْحَشِيشَةُ؛ (فَهِيَ نَجِسَةٌ) وَإِلَّا فَلَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْغَزِّيِّ فِي مَنْظُومَتِهِ. (وَهُوَ) أَيْ: الْقَوْلُ بِنَجَاسَتِهَا إنْ أُمِيعَتْ: (حَسَنٌ) مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ، لِأَنَّهَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مَائِعٌ مُسْكِرٌ، وَهُوَ نَجِسٌ قَطْعًا. (وَمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْ طَيْرٍ وَبَهَائِمَ مِمَّا فَوْقَ هِرٍّ خِلْقَةً) نَجِسٌ: (كَصَقْرٍ وَبُومٍ) وَعُقَابٍ وَحَدَأَةٍ وَنَسْرٍ وَرَخَمٍ وَغُرَابِ الْبَيْنِ وَالْأَبْقَعِ، (وَكَبَغْلٍ وَحِمَارٍ) وَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَفَهْدٍ، وَذِئْبٍ وَكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَابْنِ آوَى وَدُبٍّ وَقِرْدٍ، وَسِمْعٍ: هُوَ وَلَدُ ضَبُعٍ مِنْ ذِئْبٍ، وَعِسْبَارُ: وَلَدُ ذِئْبَةٍ مِنْ ضِبْعَانٍ، (خِلَافًا " لِلْمُغْنِي ") ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي طَهَارَةُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى طَهَارَتِهِمَا بِرُكُوبِهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمَذْهَبُ نَجَاسَتُهُمَا إذَا كَانَا أَهْلِيَّيْنِ، وَأَمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ فِي الْخِلْقَةِ فَهُوَ طَاهِرٌ كَالنِّمْسِ وَالنَّسْنَاسِ وَابْنِ عُرْسٍ وَالْقُنْفُذِ وَالْفَأْرِ. (وَمَيْتَةُ) مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (كَضُفْدَعٍ وَحَيَّةٍ وَوَزَغٍ) نَجِسَةٌ، لِأَنَّ لَهَا نَفْسًا سَائِلَةً فَتُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ، وَ (لَا) يُنَجَّسُ (سَمَكٌ وَجَرَادٌ وَمَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ) بِمَوْتٍ (وَيَتَّجِهُ) طَهَارَتُهُ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ بِقَطْعِ عُضْوِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الدَّمُ مُقَوِّمًا لِجَسَدِهِ (أَصَالَةً) ، أَيْ: مَوْجُودًا فِيهِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، لِأَنَّهُ يَسِيرٌ نَادِرٌ. (لَا) إنْ كَانَ الدَّمُ وَنَحْوُهُ (كِسْبًا) كَمَا لَوْ انْغَمَسَ فِي دَمٍ أَوْ مَائِعٍ نَجِسٍ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ، فَمَيْتَةٌ نَجِسَةٌ بِلَا رَيْبٍ لِتَضَمُّخِهِ بِالنَّجَاسَةِ، وَمِثْلُهُ عَلَقٌ مَصَّ دَمًا لِوُجُودِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وَاَلَّذِي لَا دَمَ لَهُ سَائِلَ: (كَذُبَابٍ وَبَقٍّ وَقَمْلٍ وَبَرَاغِيثَ وَخَنَافِسَ وَعَقَارِبَ وَصَرَاصِيرَ وَسَرَطَانٍ وَنَحْلٍ) وَعَنْكَبُوتٍ وَنَمْلٍ وَزُنْبُورٍ وَدُودٍ مِنْ طَاهِرٍ وَنَحْوِهَا؛ فَمَيْتَتُهُ طَاهِرَةٌ، لِحَدِيثِ «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَمْقُلْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي لَفْظٍ «فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ» وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ بَارِدٍ وَحَارٍّ وَدُهْنٍ مِمَّا يَمُوتُ الذُّبَابُ بِغَمْسِهِ فِيهِ، فَلَوْ كَانَ يُنَجِّسُهُ كَانَ آمِرًا بِإِفْسَادِهِ. (وَ) لَا يَنْجُسُ (آدَمِيٌّ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ) كَأَطْرَافِهِ (وَمَشِيمَتِهِ) ، وَهِيَ: كِيسُ الْوَلَدِ، (وَلَوْ كَافِرًا) بِمَوْتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجَسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ " حَيًّا وَلَا مَيِّتًا. (وَلَا يَنْجُسُ مَائِعٌ وَقَعَ فِيهِ) آدَمِيٌّ أَوْ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ، (فَغَيْرُهُ) كَرِيقِهِ وَعَرَقِهِ وَبُصَاقِهِ وَمُخَاطِهِ، (وَعَلَقَةٌ وَلَوْ خُلِقَ مِنْهَا حَيَوَانٌ طَاهِرٌ كَآدَمِيٍّ) نَجِسَةٌ لِأَنَّهَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ. (وَبَيْضَةٌ صَارَتْ دَمًا أَوْ مَذِرَةً) نَجِسَةٌ كَالْعَلَقَةِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. (وَلَبَنٌ وَمَنِيٌّ لِغَيْرِ مَأْكُولٍ) كَلَبَنِ هِرٍّ وَمَنِيِّهِ نَجِسٌ، (أَوْ) غَيْرِ (آدَمِيٍّ) ، أَمَّا لَبَنُ الْآدَمِيِّ وَمَنِيُّهُ فَطَاهِرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 (وَلَوْ خَرَجَ) مَنِيُّهُ (بَعْدَ اسْتِجْمَارٍ) بِطَاهِرٍ فَلَا يَنْجُسُ مَا أَصَابَهُ مِنْ ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " سَوَاءٌ كَانَ مِنْ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ. مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ لَا يَجِبُ فِيهِ فَرْكٌ وَلَا غَسْلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَخْرَجِ نَجَاسَةٌ فَالْمَنِيُّ نَجِسٌ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (قَالَ) أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيٌّ (ابْنُ عَقِيلٍ: غَيْرُ مَنِيِّ خَصِيٍّ) فَإِنَّهُ نَجِسٌ (لِاخْتِلَاطِهِ بِمَجْرَى بَوْلِهِ) فَيُغْسَلُ مَا أَصَابَهُ وُجُوبًا. (وَعَرَقٌ وَرِيقٍ لِغَيْرِ طَاهِرٍ) نَجِسٌ (وَبَيْضٌ وَقَيْءٌ وَوَدْيٌ) لِغَيْرِ مَأْكُولٍ نَجِسٌ. وَهُوَ: مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ غَيْرُ لَزِجٍ، (وَمَذْيٌ) مِمَّا لَا يُؤْكَلُ نَجِسٌ. وَهُوَ: مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ لَزِجٌ كَمَاءِ السَّيْسَبَانِ يَخْرُجُ عِنْدَ مَبَادِئِ الشَّهْوَةِ وَالِانْتِشَارِ. (وَبَوْلٌ وَغَائِطٍ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ كَخُطَّافٍ وَخُفَّاشٍ أَوْ مِنْ آدَمِيٍّ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ) - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، نَجِسٌ. وَأَمَّا مِنْهُمْ فَطَاهِرٌ. (أَوْ) كَانَ مَا ذَكَرَ مِنْ حَيَوَانٍ (أُكِلَ) لَحْمُهُ - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - فَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِرٌ، لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ فِي الْإِبِلِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي، (وَ) أَمَّا إذَا كَانَ الْمَأْكُولُ (أَكْثَرُ عَلَفِهِ نَجَاسَةٌ) فَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ وَقَيْؤُهُ نَجِسٌ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " (وَقَيْحٌ وَصَدِيدٌ وَمَاءُ قُرُوحٍ) نَجِسٌ (وَدَمٌ لِغَيْرِ سَمَكٍ وَبَقٍّ وَقَمْلٍ وَبَرَاغِيثَ وَذُبَابٍ) نَجِسٌ، وَأَمَّا مِنْ السَّمَكِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (وَنَحْوِهِ) مِمَّا لَا يَسِيلُ دَمُهُ فَدَمُهُ طَاهِرٌ. (وَمَا) يَبْقَى (فِي خِلَالِ لَحْمٍ مَأْكُولٍ) بَعْدَ ذَبْحِهِ (وَدَمُ عُرُوقِهِ، وَلَوْ غَلَبَتْ حُمْرَتُهُ) أَيْ حُمْرَةُ دَمٍ فِي خِلَالِ لَحْمٍ مَأْكُولٍ أَوْ عُرُوقِهِ (فِي الْقِدْرِ) - بِكَسْرِ الْقَافِ - فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ (وَيُؤْكَلُ) تَبَعًا لِلَحْمٍ هُوَ مِنْهُ، وَلَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ فَظَهَرَ عَلَيْهَا، أَوْ مَسَحَهُ بِقُطْنَةٍ لَمْ يَنْجُسْ نَصًّا. (وَ) غَيْرُ (دَمِ شَهِيدٍ عَلَيْهِ) فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مَا دَامَ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ انْفَصَلَ عَنْهُ فَيَنْجُسُ. (وَكَبِدٌ وَطِحَالٌ) مِنْ مَأْكُولٍ طَاهِرٌ، لِحَدِيثِ «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» . (وَلَا يُعْفَى فِي غَيْرِ مَا يَأْتِي عَنْ يَسِيرِ نَجَاسَةٍ، وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْهَا طَرَفٌ) - أَيْ: بَصَرٌ - (كَمُتَعَلِّقٍ بِرِجْلِ ذُبَابٍ) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «أُمِرْنَا أَنْ نَغْسِلَ الْأَنْجَاسَ سَبْعًا» وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ. (وَيُعْفَى فِي غَيْرِ مَائِعٍ وَ) غَيْرِ (مَطْعُومٍ عَنْ يَسِيرٍ لَمْ يُنْقِضْ) الْوُضُوءَ خُرُوجُ قَدْرِهِ مِنْ الْبَدَنِ. وَهُوَ مَا لَا يَفْحُشُ فِي النَّفْسِ (مِنْ قَيْحٍ وَصَدِيدٍ، وَمَاءِ قُرُوحٍ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ كَهِرٍّ) ، أَيْ: يُعْفَى عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ غَالِبًا لَا يَسْلَمُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ كَأَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ، وَأَمَّا الْمَائِعُ وَالْمَطْعُومُ فَلَا يُعْفَى فِيهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ يَسِيرِ (دَمٍ، وَلَوْ حَيْضًا وَنِفَاسًا وَاسْتِحَاضَةً) ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ " مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إلَّا ثَوْبٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْهُ دَمٌ؛ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَمَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا " أَيْ: حَرَّكَتْهُ وَفَرَكَتْهُ، قَالَهُ فِي " النِّهَايَةِ " وَ (لَا) يُعْفَى عَنْ يَسِيرٍ خَرَجَ (مِنْ سَبِيلٍ) ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ. (وَيُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ بِثَوْبٍ) مِنْهُ دَمٌ وَنَحْوُهُ، فَإِنْ فَحَشَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، وَإِلَّا عُفِيَ عَنْهُ، وَ (لَا) يُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ فِي (أَكْثَرَ) مِنْ ثَوْبٍ بَلْ يُعْتَبَرُ مَا فِي كُلِّ ثَوْبٍ عَلَى حِدَتِهِ، لِأَنَّ أَحَدَهَا لَا يَتَّبِعُ الْآخَرَ، وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي شَيْءٍ صَفِيقٍ قَدْ نَفَذَتْ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَهِيَ نَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ بَلْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ لَمْ يُصِبْهُ الدَّمُ فَهُمَا نَجَاسَتَانِ إذَا بَلَغَا لَوْ جَمَعَا قَدْرًا لَا يُعْفَى عَنْهُ، لَمْ يُعْفَ عَنْهَا كَجَانِبَيْ الثَّوْبِ. (وَمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ) كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ (عُفِيَ عَنْ أَثَرِ كَثِيرِهِ عَلَى جِسْمٍ صَقِيلٍ بَعْدَ مَسْحٍ) ، لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْمَسْحِ يَسِيرٌ، وَإِنْ كَثُرَ مَحَلُّهُ فَعُفِيَ عَنْهُ كَيَسِيرِ غَيْرِهِ. (وَ) يُعْفَى (عَنْ أَثَرِ اسْتِجْمَارٍ بِمَحَلِّهِ) بَعْدَ الْإِنْقَاءِ وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ بِلَا خِلَافٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى مَحَلُّهُ إلَى الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، وَلَا يُرَدُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَنِيَّ الْمُسْتَجْمِرِ طَاهِرٌ، مَعَ أَنَّ أَثَرَ الِاسْتِجْمَارِ قَدْ تَعَدَّى مَحَلَّهُ بِسَبَبِ الْمَنِيِّ، لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 طِينِ الشَّارِعِ إذَا تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ لَا بِمَنْزِلَةِ النَّجَاسَةِ بِالْعَيْنِ إذَا تَعَدَّتْ إلَى غَيْرِهَا. (وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ (يَسِيرِ سَلَسِ بَوْلٍ مَعَ كَمَالِ تَحَفُّظٍ) لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ. (وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ (دُخَانِ نَجَاسَةٍ وَبُخَارِهَا وَغُبَارِهَا) . (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ وَلَوْ) كَانَ اخْتِلَاطُ مَا ذُكِرَ مِنْ الدُّخَّانِ وَالْبُخَارِ وَالْغُبَارِ (بِمَائِعٍ) لَمْ يُغَيِّرْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (مَا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ) - أَيْ: الدُّخَانِ وَنَحْوِهِ - (صِفَةٌ) فِي الشَّيْءِ الطَّاهِرِ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: مَا لَمْ يَتَكَاثَفْ. (وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ (يَسِيرِ مَائِعٍ تَنَجَّسَ) بِشَيْءٍ (مَعْفُوٍّ عَنْ يَسِيرِهِ) كَدَمٍ وَقَيْحٍ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ " وَعِبَارَتُهُ: وَعَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ بِمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ مِنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ، وَأَطْلَقَ الْمُنَقِّحُ الْقَوْلَ بِالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَنَجِّسَ، بَلْ وَكُلُّ مُتَنَجِّسٍ، حُكْمُهُ حُكْمُ نَجَاسَةٍ: فَإِنْ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهَا كَالدَّمِ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ، وَإِلَّا كَالْبَوْلِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ فَرْعُهَا، وَالْفَرْعُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ. (وَ) يُعْفَى أَيْضًا (عَنْ نَجَاسَةٍ بِعَيْنٍ) فَلَا يَجِبُ غَسْلُهَا لِلتَّضَرُّرِ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا يُعْفَى عَنْ نَجَاسَةٍ دَاخِلَ (أُذُنٍ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّضَرُّرِ أَيْضًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يُعْفَى أَيْضًا (عَنْ حَمْلِ كَثِيرِهَا) - أَيْ: النَّجَاسَةِ - (فِي صَلَاةِ خَوْفٍ) لِلضَّرُورَةِ. (وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ (يَسِيرِ طِينِ شَارِعٍ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ) لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ تُرَابٌ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَإِنْ هَبَّتْ رِيحٌ فَأَصَابَ شَيْئًا رَطْبًا غُبَارٌ نَجِسٌ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ. (وَعَرَقٌ وَرِيقٍ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ) مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ (طَاهِرٌ، وَبَلْغَمٌ) مِنْ صَدْرٍ أَوْ رَأْسٍ أَوْ مَعِدَةٍ طَاهِرٌ (وَلَوْ ازْرَقَّ) - بِتَشْدِيدِ الْقَافِ - لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى النُّخَامَةَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ، أَيُحِبُّ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ؟ ، فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا» وَوَصَفَهُ الْقَاسِمُ: فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ. وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمَا أَمَرَ بِمَسْحِهَا فِي ثَوْبِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَحْتَ قَدَمِهِ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَنَجَّسَ الْفَمَ، وَلِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْأَبْخِرَةِ أَشْبَهَ الْمُخَاطَ. (وَرُطُوبَةُ فَرْجِ آدَمِيَّةٍ) طَاهِرَةٌ، لِأَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ وَلَوْ عَنْ جِمَاعٍ، فَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَكَانَ نَجِسًا لِخُرُوجِهِ مِنْهُ. (وَسَائِلٌ مِنْ فَمِ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى كَبِيرٌ أَوْ صَغِيرٌ (وَقْتَ نَوْمٍ) طَاهِرٌ كَالْبُصَاقِ. (وَدُودُ قَزٍّ) وَبِزْرُهُ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ. (وَطِينُ شَارِعٍ ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ) وَتُرَابُهُ طَاهِرٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ. (وَمِسْكٌ وَفَأْرَتُهُ) طَاهِرَانِ، وَهُوَ سُرَّةُ الْغَزَالِ وَانْفِصَالُهُ بِطَبْعِهِ كَالْجَنِينِ. (وَكَذَا زَبَادٌ) طَاهِرٌ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: " لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ جَزَمَ بِنَجَاسَتِهِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الْفُرُوعِ " طَهَارَتُهُ، (لِأَنَّهُ عِرْقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ) . قَالَ الشَّرِيفُ الْإِدْرِيسِيُّ: الزَّبَادُ: نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ يُجْمَعُ مِنْ بَيْنِ أَفْخَاذِ حَيَوَانٍ مَعْرُوفٍ يَكُونُ بِالصَّحْرَاءِ، وَيُصَادُ وَيُطْعَمُ اللَّحْمَ، ثُمَّ يَعْرَقُ فَيَكُونُ مِنْ عِرْقٍ بَيْنَ فَخِذَيْهِ حِينَئِذٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْهِرِّ الْأَهْلِيِّ. انْتَهَى. وَالْعَنْبَرُ طَاهِرٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعَنْبَرُ مِنْ الطِّيبِ رَوْثُ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ أَوْ نَبْعُ عَيْنٍ فِيهِ وَيُؤَنَّثُ. (وَلَا يُكْرَهُ سُؤْرُ) حَيَوَانٍ (طَاهِرٍ وَلَوْ حَائِضًا وَهُوَ) - أَيْ: السُّؤْرُ -: (فَضْلُ طَعَامِهِ) - أَيْ: الْحَيَوَانِ - (وَشَرَابِهِ، غَيْرَ دَجَاجَةٍ مُخَلَّاةٍ) غَيْرَ مَضْبُوطَةٍ، فَيُكْرَهُ سُؤْرُهَا احْتِيَاطًا، (قِيلَ: وَ) غَيْرُ سُؤْرِ (فَأْرٍ، لِأَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ) فَيُكْرَهُ تَنَاوُلُهُ لِذَلِكَ. (وَلَا يُكْرَهُ نَحْوُ) (عَجْنٍ وَ) لَا (طَبْخٍ مِنْ حَائِضٍ) وَنُفَسَاءَ (وَلَا وَضْعُ يَدِهَا فِي مَائِعٍ) لِطَهَارَةِ بَدَنِهَا. (وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ هِرٌّ وَنَحْوُهُ) كَنِمْسٍ وَفَأْرٍ وَقُنْفُذٍ وَدَجَاجَةٍ وَبَهِيمَةٍ نَجَاسَةً فَلُعَابُهُ طَاهِرٌ، لِمَا رَوَى مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْهِرِّ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» مُشَبِّهًا بِالْخَدَمِ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} [النور: 58] وَلِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهَا كَحَشَرَاتِ الْأَرْضِ كَالْحَيَّةِ، قَالَ الْقَاضِي: فَطَهَارَتُهَا مِنْ النَّصِّ وَمِثْلُهَا وَمَا دُونَهَا مِنْ التَّعْلِيلِ. (أَوْ) أَكَلَ (طِفْلٌ نَجَاسَةً فَلُعَابُهُ طَاهِرٌ ثُمَّ شَرِبَ) الْهِرُّ وَنَحْوُهُ مِمَّا دُونَهُ فِي الْخِلْقَةِ أَوْ الطِّفْلُ (وَلَوْ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ) بَعْدَ أَكْلِ النَّجَاسَةِ (مِنْ مَائِعٍ) أَوْ مَاءٍ (يَسِيرٍ) لَمْ يُؤَثِّرْ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، (أَوْ وَقَعَ فِيهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - الْيَسِيرِ، أَوْ مَائِعٍ غَيْرِهِ (هِرٌّ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَنْضَمُّ دُبُرُهُ إذَا وَقَعَ) فِي مَائِعٍ، (وَخَرَجَ حَيًّا لَمْ يُؤَثِّرْ) ، لِعَدَمِ وُصُولِ نَجَاسَةٍ إلَيْهِ، (وَكَذَا) لَوْ وَقَعَ (فِي جَامِدٍ) وَخَرَجَ حَيًّا لَمْ يُؤَثِّرْ. (وَهُوَ) - أَيْ: الْجَامِدُ - (مَا يُمْنَعُ انْتِقَالُهَا) - أَيْ: النَّجَاسَةِ - فِيهِ لِكَثَافَتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 (وَإِنْ مَاتَ) حَيَوَانٌ يَنْجُسُ بِمَوْتٍ (أَوْ وَقَعَ مَيِّتًا رَطْبًا فِي دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ) كَسَمْنٍ جَامِدٍ (أُلْقِيَ) الْمَيِّتُ (وَمَا حَوْلَهُ) مِنْ دَقِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ لِمُلَاقَاتِهِ النَّجَاسَةَ وَاسْتُعْمِلَ الْبَاقِي. (وَإِنْ اخْتَلَطَ) النَّجِسُ بِغَيْرِهِ (وَلَمْ يَنْضَبِطْ حَرُمَ) الْكُلُّ تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَائِعًا لِلْخَبَرِ. [بَابُ الْحَيْضِ] (بَابُ الْحَيْضِ) لُغَةً: السَّيَلَانُ، مَصْدَرُ: حَاضَ، مَأْخُوذٌ مِنْ حَاضَ الْوَادِي: إذَا سَالَ، وَحَاضَتْ الشَّجَرَةُ: إذَا سَالَ مِنْهَا شِبْهُ الدَّمِ، وَهُوَ: الصَّمْغُ الْأَحْمَرُ، وَتَحَيَّضَتْ: قَعَدَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا عَنْ نَحْوِ صَلَاةٍ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الطَّمْثُ وَالْعِرَاكُ وَالضَّحِكُ وَالْإِعْصَارُ وَالْإِكْبَارُ وَالنِّفَاسُ وَالدِّرَاسُ، وَاسْتُحِيضَتْ الْمَرْأَةُ: اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا وَيُتَصَوَّرُ وُجُودُ شِبْهِ الْحَيْضِ مِنْهُ سَبْعٍ سِوَى الْمَرْأَةِ، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّ (الْإِنَاثَ) اللَّوَاتِي حِضْنَ قَدْ جُمِعَتْ ... فِي بَيْتِ شِعْرٍ فَكُنْ مِمَّنْ لَهُنَّ يَعِي (فَ) فَأْرَةٌ، نَاقَةٌ، مَعَ أَرْنَبٍ، وَزَغٌ ... وَحُجْرَةُ كَلْبَةٍ، خُفَّاشٌ، مَعَ ضَبُعِ وَشَرْعًا: (دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا، أَيْ: سَجِيَّةٍ وَخِلْقَةٍ، جَبَلَ اللَّهُ بَنَاتَ آدَمَ عَلَيْهَا، (يَخْرُجُ مَعَ صِحَّةٍ) بِخِلَافِ الِاسْتِحَاضَةِ (مِنْ غَيْرِ سَبَبِ وِلَادَةٍ) خَرَجَ النِّفَاسُ (مِنْ قَعْرِ رَحِمٍ) - أَيْ: بَيْتِ مَنْبَتِ الْوَلَدِ وَوِعَائِهِ، (يَعْتَادُ أُنْثَى إذَا بَلَغَتْ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ) ، وَلَيْسَ بِدَمِ فَسَادٍ بَلْ خَلَقَهُ اللَّهُ لِحِكْمَةِ غِذَاءِ الْوَلَدِ وَتَرْبِيَتِهِ، وَهُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِمَا، فَإِذَا حَمَلَتْ انْصَرَفَ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى غِذَائِهِ، وَلِذَلِكَ لَا تَحِيضُ الْحَامِلُ، فَإِذَا وَضَعَتْ قَلَبَهُ اللَّهُ لَبَنًا يَتَغَذَّى بِهِ، وَلِذَلِكَ قَلَّ مَا تَحِيضُ الْمُرْضِعُ فَإِذَا خَلَتْ مِنْهُمَا بَقِيَ الدَّمُ لَا مَصْرِفَ لَهُ، فَيَسْتَقِرُّ فِي مَكَان، ثُمَّ يَخْرُجُ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً، وَقَدْ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَيَقِلُّ وَيَطُولُ شَهْرُهَا وَيَقْصُرُ بِحَسَبِ مَا رَكَّبَهُ اللَّهُ فِي الطِّبَاعِ، وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِرِّ الْأُمِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَبِبِرِّ الْأَبِ مَرَّةً وَاحِدَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وَالْأَصْلُ فِي الْحَيْضِ: قَوْله تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] الْآيَةَ وَالسُّنَّةَ. قَالَ أَحْمَدُ: الْحَيْضُ يَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ: حَدِيثُ فَاطِمَةَ. وَأُمِّ حَبِيبَةَ، وَحَمْنَةَ، وَفِي رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ مَكَانَ أُمِّ حَبِيبَةَ. (وَالِاسْتِحَاضَةُ سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ) الْمُعْتَادِ (مِنْ مَرَضٍ وَفَسَادٍ مِنْ عِرْقٍ فَمُهُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ يُسَمَّى: الْعَاذِلَ) : بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ، وَالْعَاذِرُ: لُغَةً فِيهِ، حَكَاهُمَا ابْنُ سِيدَهْ. يُقَالُ: اُسْتُحِيضَتْ الْمَرْأَةُ: اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ. (وَيَأْتِي) الْكَلَامُ عَلَى (النِّفَاسِ) مُسْتَوْفًى. (وَيَمْتَنِعُ بِحَيْضٍ اثْنَا عَشَرَ) شَيْئًا: أَحَدُهَا: (غُسْلٌ لَهُ) ، فَلَا يَصِحُّ لِقِيَامِ مُوجِبِهِ، وَ (لَا) يُمْنَعُ الْغُسْلُ (لِجَنَابَةٍ وَنَحْوِ إحْرَامٍ بَلْ يُسَنُّ) الْغُسْلُ لِذَلِكَ تَخْفِيفًا لِلْحَدَثِ. (وَ) الثَّانِي: (وُضُوءٌ) ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ انْقِطَاعَ مَا يُوجِبُهُ، وَتَقَدَّمَ. (وَ) الثَّالِثُ: (وُجُوبُ صَلَاةٍ) إجْمَاعًا فَلَا تَقْضِيهَا إجْمَاعًا، قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَقْضِيَهَا؟ قَالَ: لَا هَذَا خِلَافٌ، أَيْ: بِدْعَةٌ وَتَفْعَلُ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ إذَا طَهُرَتْ لِأَنَّهَا نُسُكٌ لَا آخَرَ لِوَقْتِهِ. ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " بِمَعْنَاهُ. (وَ) الرَّابِعُ: امْتِنَاعُ (فِعْلِهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - وَلَوْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ لِمُسْتَمِعَةٍ، لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهَا. (وَ) الْخَامِسُ: (فِعْلُ طَوَافٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَوُجُوبُهُ بَاقٍ فَتَفْعَلُهُ إذَا طَهُرَتْ إذًا لِأَنَّهُ لَا آخَرَ لِوَقْتِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهَا وُجُوبُ طَوَافٍ وَوَدَاعٍ كَمَا يَأْتِي. (وَ) السَّادِسُ: فِعْلُ (صَوْمٍ) إجْمَاعًا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَيْسَتْ إحْدَاكُنَّ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى يَا رَسُولَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 اللَّهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلَا يَمْنَعُ الْحَيْضُ وُجُوبَ صَوْمٍ فَتَقْضِيهِ إجْمَاعًا، لِحَدِيثِ مُعَاذَةَ قَالَتْ: «سَأَلْت عَائِشَةَ فَقُلْت: مَا بَالُ الْحَائِضُ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ فَقُلْت: لَسْت بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ، فَقَالَتْ: كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَضَاؤُهُ بِالْأَمْرِ السَّابِقِ لَا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ. (وَ) السَّابِعُ: (مَسُّ الْمُصْحَفِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] . (وَ) الثَّامِنُ: (قِرَاءَةُ قُرْآنٍ) مُطْلَقًا خَافَتْ نِسْيَانَهُ أَوْ لَا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (إذَا ظَنَّتْ نِسْيَانَهُ وَجَبَتْ) عَلَيْهَا الْقِرَاءَةُ. وَاخْتَارَهُ فِي " الْفَائِقِ " وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. (وَ) : (لُبْثٌ بِمَسْجِدٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا أُحِلَّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَلَوْ) كَانَ اللُّبْثُ (بِوُضُوءٍ) وَمَعَ أَمْنِ التَّلَوُّثِ فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا، وَ (لَا) يَمْنَعُ الْحَيْضُ الـ (مُرُورَ) بِالْمَسْجِدِ (مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثٍ) نَصًّا، فَإِنْ لَمْ تَأْمَنْهُ مُنِعَتْ. (وَ) الْعَاشِرُ: (وَطْءٌ فِي فَرْجٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] الْآيَةَ، وَهُوَ: مَوْضِعُ الْحَيْضِ، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". وَإِنْ أَرَادَ وَطْأَهَا فَادَّعَتْهُ قُبِلَ مِنْهَا نَصًّا إنْ أَمْكَنَ كَطُهْرِهَا، (إلَّا لِمَنْ بِهِ شَبَقٌ) - مَرَضٌ مَعْرُوفٌ - فَيُبَاحُ لَهُ الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ إنْ خَافَ تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ إنْ لَمْ يَطَأْ، (وَلَا تَنْدَفِعُ شَهْوَتُهُ بِدُونِ وَطْءٍ فِي فَرْجٍ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى مَهْرِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ) وَلَا يَجِدُ غَيْرَ الْحَائِضِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ خَوْفَ عَنَتٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا) بِأَنْ لَمْ تَنْدَفِعْ الشَّهْوَةُ بِدُونِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 إيلَاجٍ فِي فَرْجِهَا، فَيُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ إزَالَةً لِلضَّرَرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ: (سُنَّةُ طَلَاقٍ) ، لِأَنَّهُ فِي الْحَيْضِ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، كَمَا يَأْتِي مُوَضَّحًا فِي بَابِهِ، (مَا لَمْ تَسْأَلْهُ) - أَيْ: الْحَائِضُ - (خُلْعًا أَوْ طَلَاقًا) فَيُبَاحُ لَهُ إجَابَتُهَا، لِأَنَّ الْمَنْعَ لِتَضَرُّرِهَا بِطُولِ الْعِدَّةِ، وَمَعَ سُؤَالِهَا قَدْ أَدْخَلَتْ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهَا. (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ سُؤَالُهَا الزَّوْجَ الْخُلْعَ أَوْ الطَّلَاقَ (بِلَا عِوَضٍ، خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " - حَيْثُ قَيَّدَا سُؤَالَهَا بِالْعِوَضِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: وَلَعَلَّ اعْتِبَارَ الْعِوَضِ لِأَنَّهَا قَدْ تُظْهِرُ خِلَافَ مَا تُبْطِنُ، فَبَذْلُ الْعِوَضِ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ، (كَمَا يَأْتِي) فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مُفَصَّلًا. (وَالْعِلَّةُ) الَّتِي ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ: أَنَّ حُرْمَةَ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ لِحَقِّهَا، فَأُبِيحَ الطَّلَاقُ بِسُؤَالِهَا مُطْلَقًا بِعِوَضٍ وَبِدُونِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، لِأَنَّهَا أَدْخَلَتْ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهَا بِسُؤَالِهَا ذَلِكَ (تَقْتَضِيهِ) ، أَيْ: تَقْتَضِي جَوَازَ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ بِسُؤَالِهَا ذَلِكَ بِعِوَضٍ وَبِدُونِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 (وَ) الثَّانِي عَشَرَ (اعْتِدَادٌ بِأَشْهُرٍ) ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَحِيضُ لَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ بَلْ بِالْحَيْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فَأَوْجَبَ الْعِدَّةَ بِالْقُرُوءِ، وَلِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ. (إلَّا) الِاعْتِدَادُ (لِوَفَاةٍ) فَبِالْأَشْهُرِ إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، وَلَوْ أَنَّهَا تَحِيضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . (وَيَجِبُ بِهِ) أَيْ: الْحَيْضِ (خَمْسَةُ) أَشْيَاءَ: (غُسْلٌ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْت تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) يَجِبُ بِهِ (بُلُوغٌ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. فَأَوْجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَتِرَ لِأَجْلِ الْحَيْضِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ حَصَلَ بِهِ. (وَ) يَجِبُ عَلَى حَائِضٍ (اعْتِدَادٌ) بِالْحَيْضِ (إلَّا لِوَفَاةٍ) ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ. (وَ) يَجِبُ (الْحُكْمُ بِبَرَاءَةِ رَحِمٍ فِي اعْتِدَادٍ) بِهِ، إذْ الْعِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةُ الْعِدَّةِ فِي الْأَصْلِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، (وَ) يَجِبُ الْحُكْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي (اسْتِبْرَاءِ) الْإِمَاءِ، إذْ فَائِدَتُهُ ذَلِكَ (وَ) تَجِبُ (كَفَّارَةٌ بِوَطْءٍ فِيهِ) - أَيْ: فِي الْحَيْضِ - قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: قَدْ يُقَالُ الْمُوجِبُ الْوَطْءُ وَالْحَيْضُ شَرْطٌ كَمَا قَالُوا فِي الزِّنَا إنَّهُ مُوجِبٌ. وَالْإِحْصَانُ شَرْطٌ، وَالْخَطْبُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ. (وَنِفَاسٌ مِثْلُهُ) - أَيْ: الْحَيْضِ - (فِي كُلِّ مَا مَرَّ) مِمَّا يَمْنَعُهُ وَيُوجِبُهُ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ اُحْتُبِسَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ، (إلَّا فِي) ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ (اعْتِدَادٌ) ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْءٍ، فَلَا تَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ. (وَوُجُوبُ بُلُوغٍ، لِحُصُولِهِ بِ) إنْزَالٍ سَابِقٍ: لِ (حَمْلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وَعَدَمُ احْتِسَابٍ بِهِ فِي مُدَّةِ إيلَاءٍ) ، أَيْ: الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الَّتِي تُضْرَبُ لِلْمُولِي لِطُولِ مُدَّتِهِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ. (وَلَا يُبَاحُ قَبْلَ غُسْلٍ أَوْ تَيَمُّمٍ بِانْقِطَاعِ دَمِ) حَيْضٍ (غَيْرِ صَوْمٍ) ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ لَا يَمْنَعُ فِعْلَهُ كَالْجَنَابَةِ، (وَ) غَيْرِ (طَلَاقٍ) ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ، (وَ) يُبَاحُ أَيْضًا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ (لُبْثٌ بِمَسْجِدٍ بِوُضُوءٍ) ، وَتَقَدَّمَ. (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ) زَوْجٌ وَسَيِّدٌ (مِنْ حَائِضٍ) زَمَنَ حَيْضٍ. (وَيَتَّجِهُ وَ) مِنْ (نُفَسَاءَ) كَذَلِكَ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِدُونِ فَرْجٍ) مِمَّا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، لِمَا " رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] أَيْ: اعْتَزِلُوا نِكَاحَ فُرُوجِهِنَّ وَلِأَنَّ الْمَحِيضَ اسْمٌ لِمَكَانِ الْحَيْضِ، كَالْمَقِيلِ وَالْمَبِيتِ، فَيَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي لَفْظٍ " إلَّا الْجِمَاعَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَحِلُّ مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: لَك مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ، وَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِالْمَفْهُومِ، وَالْمَنْطُوقُ رَاجِحٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ «إنَّهُ كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَتَّزِرَ فَيُبَاشِرَنِي وَأَنَا حَائِضٌ» فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ أَيْضًا لِلتَّحْرِيمِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُبَاحِ تَعَذُّرًا، كَتَرْكِهِ أَكْلَ الضَّبِّ. (وَيُسَنُّ سَتْرُهُ) - أَيْ: الْفَرْجِ - (إذَنْ) أَيْ: حِينِ اسْتِمْتَاعِهِ بِمَا دُونَهُ، لِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا خِرْقَةً» رَوَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 أَبُو دَاوُد. (فَإِنْ) (أَوْلَجَ) مَنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ (الْحَشَفَةَ أَوْ قَدْرَهَا) مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي فَرْجِ حَائِضٍ (قَبْلَ انْقِطَاعِهِ) أَيْ: الْحَيْضِ - (أَوْ حَاضَتْ) مُجَامَعَةً (فِي أَثْنَاءِ وَطْءِ مَنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ) وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ (وَلَوْ بِحَائِلٍ) لَفَّهُ عَلَى ذَكَرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) سَوَاءٌ كَانَ إيلَاجُهُ بِمَنْ تُبَاحُ لَهُ أَوْ بِشُبْهَةٍ (أَوْ زِنًى) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْمُولِجِ - (كَفَّارَةُ دِينَارٍ، زِنَتُهُ مِثْقَالٌ خَالٍ مِنْ غِشٍّ أَوْ نِصْفُهُ عَلَى التَّخْيِيرِ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ: «يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَتَخَيُّرُهُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَنِصْفِهِ كَتَخْيِيرِ الْمُسَافِرِ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ. (أَوْ قِيمَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ لَا) مِنْ (غَيْرِهَا) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ جَامَعَ طَاهِرًا فَحَاضَتْ، فَنَزَعَ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ. (وَلَوْ) كَانَ الْمُولِجُ (مُكْرَهًا) ، لِأَنَّ الْإِيلَاجَ لَا يَتَأَتَّى مَعَ الْإِكْرَاهِ. (وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ) (يُدْخِلْهُ) - أَيْ: ذَكَرَهُ - بِأُصْبُعِهِ (إذَنْ) أَيْ: حَالَ الْإِكْرَاهِ (بِلَا انْتِشَارٍ) فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ مُكْرَهٌ، وَالْمُكْرَهُ غَيْرُ آثِمٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 (أَوْ) كَانَ (نَاسِيًا) الْحَيْضَ. (أَوْ) كَانَ (جَاهِلَ حَيْضٍ وَتَحْرِيمٍ) ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ. وَكَالْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ، (وَكَذَا هِيَ) ، أَيْ: وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الْكَفَّارَةِ قِيَاسًا عَلَيْهِ (إنْ طَاوَعَتْهُ) عَلَى الْوَطْءِ فَإِنْ أَكْرَهَهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، وَقِيَاسُهُ لَوْ كَانَتْ نَاسِيَةً أَوْ جَاهِلَةً. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى وَاطِئٍ وَمَوْطُوءٍ اخْتِيَارًا، (وَلَوْ) كَانَا (قِنَّيْنِ) لِتَكْلِيفِهِمَا بِالْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ، فَتَتَعَلَّقُ الْكَفَّارَةُ بِرَقَبَتِهِمَا يُؤَدِّيَانِهَا بَعْدَ عِتْقِهِمَا، مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُمَا السَّيِّدُ بِالتَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ، (فَإِنْ) أَذِنَ لَهُمَا، وَأَجْزَأَهُمَا، (وَلَا يُعَزَّرَانِ لِوُجُوبِهَا) - أَيْ: الْكَفَّارَةِ - عَلَيْهِمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَسْقُطُ) الْكَفَّارَةُ (بِعَجْزٍ) عَنْهَا، كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَإِنْ كَرَّرَ الْوَطْءَ فِي حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَكَالصَّوْمِ، فَلَوْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ ثُمَّ فِي آخَرَ وَلَمْ يُكَفِّرْ، لَزِمَتْهُ ثَانِيَةٌ، كَمَنْ أَعَادَ فِي يَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ كَفَّرَ. (وَمَصْرِفُهَا) - أَيْ: هَذِهِ الْكَفَّارَةِ - (كَغَيْرِهَا) مِنْ بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ، أَيْ: لِمَنْ لَهُ أَخْذُ زَكَاةٍ لِحَاجَتِهِ، (وَتُجْزِئُ لِمِسْكِينٍ) وَاحِدٍ (كَنَذْرِ مُطْلَقٍ) ، أَيْ: كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَنْ يَتَصَدَّقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 عَلَيْهِ. (وَوَطْءُ حَائِضٍ) فِي فَرْجِهَا (كَبِيرَةٌ،) (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " (هُنَا) وَأَمَّا فِي " الشَّهَادَاتِ " فَإِنَّهُ عَدَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ. (وَلَا كَفَّارَةَ بِوَطْءِ) حَائِضٍ (بَعْدَ انْقِطَاعِ) الدَّمِ (وَقَبْلَ غُسْلِهَا) مِنْهُ، لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ «وَهِيَ حَائِضٌ» وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِحَائِضٍ (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا كَفَّارَةَ (بِوَطْءِ) الْحَائِضِ (فِي دُبُرِهَا) ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ. [فَرْعٌ أَرَادَ وَطْأَهَا فَادَّعَتْ حَيْضًا وَأَمْكَنَ] (فَرْعٌ: لَوْ أَرَادَ وَطْأَهَا فَادَّعَتْ حَيْضًا وَأَمْكَنَ) بِأَنْ كَانَتْ فِي سِنٍّ يَتَأَتَّى فِيهِ الْحَيْضُ (قُبِلَ) قَوْلُهَا (نَصًّا لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ) فَيَجِبُ الْكَفُّ عَنْهَا. (وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا) - أَيْ: الْعُلَمَاءُ - (عَلَى قَبُولِ) (قَوْلِ الْمَرْأَةِ) - أَيْ: الْمَاشِطَةِ وَنَحْوِهَا - (تَزِفُّ الْعَرُوسَ إلَى زَوْجِهَا فَتَقُولُ: هَذِهِ زَوْجَتُك) ، وَعَلَى اسْتِبَاحَةِ وَطْئِهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ، (وَ) عَلَى تَصْدِيقِ مَنْ أُرِيدَ وَطْؤُهَا (فِي قَوْلِهَا: أَنَا حَائِضٌ، أَوْ) قَوْلُهَا: (قَدْ طَهُرْت) ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا. [فَصْلٌ سِنُّ الْحَيْضِ وَقَدْره] (فَصْلٌ) (وَأَقَلُّ سِنِّ حَيْضٍ) ، أَيْ: سِنُّ امْرَأَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَحِيضَ: (تَمَامُ تِسْعِ سِنِينَ) تَحْدِيدًا لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ تَحِيضُ قَبْلَ هَذَا السِّنِّ، وَلِأَنَّهُ خُلِقَ لِحِكْمَةِ تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ، وَهَذِهِ لَا تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ، فَلَا تُوجَدُ فِيهَا حِكْمَتُهُ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ " إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ " وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَالْمُرَادُ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرْأَةِ، فَمَتَى رَأَتْ دَمًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا حُكِمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا وَبِبُلُوغِهَا. وَإِنْ رَأَتْهُ قَبْلَ. هَذَا السِّنِّ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا. (وَأَكْثَرُهُ) ، أَيْ: أَكْثَرُ سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ النِّسَاءُ: (خَمْسُونَ سَنَةً) ، هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " " وَالْمَذْهَبِ " " وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ " " وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ " " وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وَالْهَادِي " " وَالْخُلَاصَةِ " " وَالتَّرْغِيبِ " " وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ " " وَالْإِفَادَاتِ " " وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ " وَهُوَ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. قَالَ فِي " الْبُلْغَةِ " هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ " قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ " إذَا بَلَغَتْ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً خَرَجَتْ مِنْ حَدِّ الْحَيْضِ " وَعَنْهَا أَيْضًا " لَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا بَعْدَ الْخَمْسِينَ " رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّالَنْجِيُّ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِنَّ. لِاسْتِوَائِهِنَّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) ، أَيْ: سِنِّ الْحَيْضِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. (وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ) ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ الْقَاضِي فَجَعَلَ الْحَيْضَ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَقِّ ابْنِ عُمَرَ لَمَّا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ «لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» فَجَعَلَ الْحَمْلَ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ كَالطُّهْرِ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. (فَلَا يَثْبُتُ لَهَا) - أَيْ: الْحَامِلِ - (وَلَا لِمَنْ جَاوَزَتْ خَمْسِينَ سَنَةً حُكْمُ حَائِضٍ) وَلَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ حَيْضُهَا عَنْ عَادَتِهَا الَّتِي كَانَتْ تَرَاهُ فِيهَا، فَلَا تَتْرُكُ الْعِبَادَةَ (بِدَمٍ تَرَاهُ) ، لِأَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ لَا حَيْضٍ، وَلَا يُمْنَعُ زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا وَطْأَهَا. قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ ": إنْ خَافَ الْعَنَتَ، أَيْ: مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، إلَّا أَنْ تَرَاهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَهُوَ نِفَاسٌ، وَيَأْتِي. وَتَغْتَسِلُ الْحَامِلُ إذَا رَأَتْ دَمًا عِنْدَ انْقِطَاعِهِ نَصًّا اسْتِحْبَابًا لِلِاحْتِيَاطِ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (وَأَقَلُّ حَيْضٍ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ عَلَى الْحَيْضِ أَحْكَامًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ رَدَّهُ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحَرْزِ، وَقَدْ وُجِدَ حَيْضٌ مُعْتَادٌ يَوْمًا، وَلَمْ يُوجَدْ أَقَلُّ مِنْهُ، قَالَ عَطَاءٌ: رَأَيْت مَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 تَحِيضُ يَوْمًا لَا تَزِيدُهُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْدِيُّ: كَانَ فِي نِسَائِنَا مَنْ تَحِيضُ، أَيْ: بِلَيْلَتِهِ، لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ الْيَوْمِ، وَالْمُرَادُ مِقْدَارُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَيْ: أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً، (فَلَوْ انْقَطَعَ) الدَّمُ (لِأَقَلَّ) مِنْ يَوْمٍ بِلَيْلَتِهِ، (فَ) لَيْسَ بِحَيْضٍ، بَلْ هُوَ (دَمُ فَسَادٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَأَكْثَرُهُ) - أَيْ: الْحَيْضِ - (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) بِلَيَالِيِهِنَّ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ " مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ اسْتِحَاضَةٌ " وَأَقَلُّ الْحَيْضِ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، قَالَ عَطَاءٌ: رَأَيْت مَنْ تَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي سُنَنِهِ " عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ، قِيلَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ؟ ، قَالَ: تَمْكُثُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمُرِهَا لَا تُصَلِّي» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: لَا يَثْبُتُ هَذَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنَجَّى أَنَّهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (وَغَالِبُهُ) - أَيْ: الْحَيْضِ (سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ لَمَّا سَأَلَتْهُ «تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُك وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَاهُ، وَحَسَّنَهُ الْبُخَارِيُّ. (وَأَقَلُّ طُهْرٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا) ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ عَنْ عَلِيٍّ " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ: قُلْ فِيهَا، فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 يُرْجَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ، وَإِلَّا: فَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: قالون " - أَيْ: جَيِّدٌ بِالرُّومِيَّةِ - وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا تَوْقِيفًا، وَهُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ اشْتَهَرَ وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ، وَوُجُودُ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرٌ صَحِيحٌ يَقِينًا، قَالَ أَحْمَدُ: لَا نَخْتَلِفُ أَنَّ الْعِدَّةَ يَصِحُّ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي شَهْرٍ إذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ. (وَأَقَلُّهُ) - أَيْ: الطُّهْرِ - (بِزَمَنِ حَيْضٍ) - أَيْ: فِي أَثْنَائِهِ - (حُصُولُ نَقَاءٍ خَالِصٍ بِأَنْ لَا تَتَغَيَّرَ قُطْنَةٌ احْتَشَتْ بِهَا) ، طَالَ زَمَنُهُ أَوْ قَصُرَ، (وَلَا يُكْرَهُ وَطْؤُهَا) ، أَيْ: مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا وَاغْتَسَلَتْ، (زَمَنَهُ) ، أَيْ: زَمَنَ طُهْرِهَا فِي أَثْنَاءِ حَيْضِهَا، لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْحَيْضَ بِكَوْنِهِ أَذًى، فَإِذَا انْقَطَعَ وَاغْتَسَلَتْ فَقَدْ زَالَ الْأَذَى. (وَغَالِبُهُ) - أَيْ: الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ - (بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ) بَعْدَ مَا حَاضَتْهُ مِنْهُ إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً، فَمَنْ تَحِيضُ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً مِنْ الشَّهْرِ، فَغَالِبُ طُهْرِهَا: أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا. (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) - أَيْ: الطُّهْرِ - لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَحْدِيدُهُ شَرْعًا. وَمِنْ النِّسَاءِ مَنْ تَحِيضُ الشَّهْرَ وَالثَّلَاثَ وَالسِّتَّةَ فَأَكْثَرَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا. [فَرْعٌ أَحَبَّتْ حَائِضٌ قَضَاءَ الصَّلَاةِ الَّتِي تَرَكَتْهَا أَيَّامَ حَيْضِهَا] (فَرْعٌ: لَوْ أَحَبَّتْ حَائِضٌ قَضَاءَ الصَّلَاةِ) الَّتِي تَرَكَتْهَا أَيَّامَ حَيْضِهَا: (فَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمُ) عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: (الْمَنْعُ) مِنْ الْقَضَاءِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ. [فَصْلٌ الْمُبْتَدَأَةُ بِدَمٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ] (فَصْلٌ) (وَالْمُبْتَدَأَةُ بِدَمٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ) ، أَيْ: الَّتِي ابْتَدَأَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ (تَجْلِسُ) ، أَيْ: تَدَعُ نَحْوَ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وَقِرَاءَةٍ وَطَوَافٍ (بِمُجَرَّدِ مَا تَرَاهُ) ، أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ دَمٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ، لِأَنَّ الْحَيْضَ جِبِلَّةٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْفَسَادِ فَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ بُلُوغِ أَقَلِّ الْحَيْضِ لَمْ يَجِبْ لَهُ غُسْلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حَيْضًا، وَإِلَّا جَلَسَتْ (أَقَلَّهُ) : يَوْمًا وَلَيْلَةً، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهَا بِيَقِينٍ، وَمَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا نُسْقِطُهَا بِالشَّكِّ، وَلَوْ لَمْ نُجْلِسْهَا الْأَقَلَّ لَأَدَّى إلَى عَدَمِ جُلُوسِهَا أَصْلًا. (وَيَتَّجِهُ) بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ (أَنَّهُ) - أَيْ: الْأَقَلُّ (حَيْضٌ) فَلَا تُعِيدُ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْهُ نَحْوَ صَلَاةٍ تَرَكَتْهَا زَمَنَهُ، لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَيْضٌ (وَلَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (بِخِلَافِ مَا زَادَ) عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِهِ إذْ لَا يَكُونُ حَيْضًا إلَّا بِتَكَرُّرِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (ثُمَّ تَغْتَسِلُ) بَعْدَهُ سَوَاءٌ انْقَطَعَ لِذَلِكَ أَوْ لَا، (وَتُصَلِّي وَنَحْوَهُ) ، أَيْ: تَصُومُ وَتَطُوفُ، لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَقَلِّهِ يَحْتَمِلُ الِاسْتِحَاضَةَ، فَلَا تَتْرُكُ الْوَاجِبَ بِالشَّكِّ وَلَا تُصَلِّي قَبْلَ الْغُسْلِ لِوُجُوبِهِ لِلْحَيْضِ. (فَإِذَا) جَاوَزَ الدَّمُ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثُمَّ (انْقَطَعَ وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ) - أَيْ: الْحَيْضِ - بِأَنْ انْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَ، (اغْتَسَلَتْ أَيْضًا) وُجُوبًا لِصَلَاحِيَّتِهِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، تَفْعَلُهُ، أَيْ: مَا ذُكِرَ، وَهُوَ: جُلُوسُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَغُسْلُهَا عِنْدَ آخِرِهَا، وَغُسْلُهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، (تَفْعَلُهُ ثَلَاثًا) - أَيْ: فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ - لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك» وَهِيَ صِيغَةُ جَمْعٍ. وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ، (فَلَا تَثْبُتُ عَادَةٌ بِدُونِهَا) - أَيْ: الثَّلَاثِ - عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا مَا اُعْتُبِرَ لَهُ التَّكْرَارُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الثَّلَاثُ كَالْأَقْرَاءِ وَالشُّهُورِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَكَخِيَارِ الْمُصَرَّاةِ وَمُهْلَةِ الْمُرْتَدِّ. (فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 لَمْ يَخْتَلِفْ) حَيْضُهَا فِي الشُّهُورِ الثَّلَاثَةِ (صَارَ عَادَةً تَنْتَقِلُ إلَيْهِ) فَتَجْلِسُ جَمِيعَهُ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ، لِتَيَقُّنِهِ حَيْضًا، (وَتُعِيدُ نَحْوَ صَوْمِ فَرْضٍ) كَرَمَضَانَ وَقَضَائِهِ وَنَذْرٍ وَطَوَافٍ وَاعْتِكَافٍ وَاجِبِينَ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ (فِيهِ) . لِأَنَّا تَبَيَّنَّا فَسَادَهُ، لِكَوْنِهِ فِي الْحَيْضِ وَإِنْ اخْتَلَفَ، فَمَا تَكَرَّرَ مِنْهُ ثَلَاثًا: فَحَيْضٌ، مُرَتَّبًا كَانَ كَخَمْسَةٍ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ وَسِتَّةٍ فِي ثَانٍ وَسَبْعَةٍ فِي ثَالِثٍ، أَوْ غَيْرَ مُرَتَّبٍ، وَ (لَا) تُعِيدُ ذَلِكَ (إنْ أَيِسَتْ قَبْلَ تَكْرَارِهِ ثَلَاثًا) بِلَيَالِيِهَا، (أَوْ لَمْ يَعُدْ) الدَّمُ إلَيْهَا حَتَّى أَيِسَتْ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ، لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ كَوْنَهُ حَيْضًا وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا. (وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِيهِ) ، أَيْ: فِي الدَّمِ الزَّائِدِ، أَيْ: زَمَنِهِ، الْمُجَاوِزِ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ قَبْلَ تَكْرَارِهِ نَصًّا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ، وَإِنَّمَا أَمَرْنَاهَا بِالْعِبَادَةِ احْتِيَاطًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهَا، فَتَعَيَّنَ تَرْكُ وَطْئِهَا احْتِيَاطًا. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِمَا فِي وَطْءٍ. زَمَنَ حَيْضٍ مُجَاوِزٍ لِأَقَلِّهِ. (إلَّا إنْ تَكَرَّرَ) ثَلَاثًا. إذْ تَكْرَارُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَيْضٌ يَقِينًا، فَتَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ حِينَئِذٍ، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " " وَتَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يُكْرَهُ) وَطْؤُهَا بَعْدَ غُسْلِهَا (إنْ حَصَلَ نَقَاءٌ خَالِصٌ) فِي أَثْنَائِهِ، (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ النَّقَاءُ (دُونَ يَوْمٍ) ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حُصُولِهِ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، لِأَنَّهَا رَأَتْ النَّقَاءَ الْخَالِصَ، (خِلَافًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 لِلْمُنْتَهَى ") . فَإِنَّهُ قَالَ وَلَا يُكْرَهُ إنْ طَهُرَتْ يَوْمًا فَأَكْثَرَ. وَهَذَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ. وَمَا سَبَقَ فِي الْمُعْتَادَةِ فَلَا مُعَارَضَةَ. (وَإِنْ اخْتَلَفَ) الدَّمُ بِأَنْ صَارَ عَلَى أَعْدَادٍ مُخْتَلِفَةٍ. (فَعَادَتُهَا مَا تَكَرَّرَ) مِنْهُ دُونَ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ. فَإِنْ كَانَ مُرَتَّبًا (كَخَمْسَةٍ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ وَسِتَّةٍ بِ) شَهْرٍ (ثَانٍ وَسَبْعَةٍ بِ) شَهْرٍ (ثَالِثٍ: فَتَجْلِسُ الْخَمْسَةَ) لِتَكَرُّرِهَا ثَلَاثًا كَمَا لَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ. (وَكَذَا عَكْسُهُ) : كَأَنْ تَرَى فِي الْأَوَّلِ سَبْعَةً، وَفِي الثَّانِي سِتَّةً، وَفِي الثَّالِثِ خَمْسَةً: فَتَجْلِسُ الْخَمْسَةَ لِأَنَّهَا الْمُتَكَرِّرَةُ، (وَ) إنْ رَأَتْ (خَمْسَةً بِ) شَهْرٍ (أَوَّلٍ وَأَرْبَعَةً بِ) شَهْرٍ (ثَانٍ وَسِتَّةً بِ) شَهْرٍ ثَالِثٍ: (فَتَجْلِسُ الْأَرْبَعَةَ) لِتَكَرُّرِهَا، ثُمَّ كُلَّمَا تَكَرَّرَ شَيْءٌ جَلَسَتْهُ. (وَإِنْ جَاوَزَ) دَمُهَا (أَكْثَرَهُ) - أَيْ: الْحَيْضِ - (فَ) هِيَ (مُسْتَحَاضَةٌ) ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الدَّمَ كُلَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، وَالِاسْتِحَاضَةُ كَمَا تَقَدَّمَ: سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ مِنْ أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ، إذْ الْمَرْأَةُ لَهَا فَرْجَانِ: دَاخِلٌ بِمَنْزِلَةِ الدُّبُرِ مِنْهُ الْحَيْضُ، وَخَارِجٌ كَالْأَلْيَتَيْنِ مِنْهُ الِاسْتِحَاضَةُ. ثُمَّ هِيَ لَا تَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا أَوْ غَيْرَهُ، (فَمَا بَعْضُهُ ثَخِينٌ) وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ، (أَوْ) بَعْضُهُ (أَسْوَدُ) وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ (أَوْ) بَعْضُهُ (مُنْتِنٌ) وَبَعْضُهُ غَيْرُ مُنْتِنٍ، (وَصَلُحَ) : بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا، أَيْ: الثَّخِينُ أَوْ الْأَسْوَدُ أَوْ الْمُنْتِنُ (حَيْضًا، لِبُلُوغِهِ أَقَلَّهُ) : يَوْمًا وَلَيْلَةً، (وَعَدَمُ مُجَاوَزَةِ أَكْثَرِهِ) خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (تَجْلِسُهُ) ، أَيْ: تَدَعُ زَمَنَهُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ، فَإِذَا مَضَى اغْتَسَلَتْ وَفَعَلَتْ ذَلِكَ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَ: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ: «إذَا كَانَ الْحَيْضُ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ وَيُعْرَفُ، فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْآخَرَ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي، فَإِنَّمَا هُوَ دَمُ عِرْقٍ» وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ يُوجِبُ الْغُسْلَ، فَرَجَعَ إلَى صِفَتِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَالْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ، وَحَيْثُ صَلُحَ لِذَلِكَ جَلَسَتْهُ، (وَلَوْ لَمْ يَتَوَالَ) : بِأَنْ كَانَتْ تَرَى يَوْمًا أَسْوَدَ وَيَوْمًا أَحْمَرَ، إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَ، ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ: فَتَضُمُّ الْأَسْوَدَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَتَجْلِسُهُ، وَمَا عَدَاهُ اسْتِحَاضَةٌ، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا أَسْوَدَ وَسِتَّةً أَحْمَرَ، ثُمَّ يَوْمًا أَسْوَدَ ثُمَّ سِتَّةً أَحْمَرَ، ثُمَّ يَوْمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ: فَتَجْلِسُ الثَّلَاثَةَ زَمَنَ الْأَسْوَدِ. (أَوْ) لَمْ (يَتَكَرَّرْ) ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (فَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً) دَمًا (أَسْوَدَ، ثُمَّ) رَأَتْ دَمًا (أَحْمَرَ وَجَاوَزَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ) ، أَيْ: جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، (فَحَيْضُهَا زَمَنُ) الدَّمِ (الْأَسْوَدِ) فَتَجْلِسُهُ، وَمَا عَدَاهُ اسْتِحَاضَةٌ، لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حَيْضًا، (أَوْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) دَمًا (أَسْوَدَ وَفِي) الشَّهْرِ (الثَّانِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَفِي) الشَّهْرِ (الثَّالِثِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَحَيْضُهَا زَمَنُ الْأَسْوَدِ فَقَطْ) لِصَلَاحِيَّتِهِ لِذَلِكَ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) دَمُهَا (مُتَمَيِّزًا) بِأَنْ كَانَ كُلُّهُ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ وَنَحْوَهُ، (أَوْ كَانَ) مُتَمَيِّزًا (وَلَمْ يَصْلُحْ) الْأَسْوَدُ وَنَحْوُهُ أَنْ يَكُونَ (حَيْضًا) بِأَنْ نَقَصَ عَنْ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، أَوْ زَادَ عَنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا: (فَتَجْلِسُ أَقَلَّ حَيْضٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) ، لِأَنَّهُ الْيَقِينُ (حَتَّى تَتَكَرَّرَ اسْتِحَاضَتُهَا ثَلَاثًا) ، لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تَثْبُتُ بِدُونِهَا، (ثُمَّ تَجْلِسُ بَعْدَ) التَّكْرَارِ (مِنْ) مِثْلِ (أَوَّلِ وَقْتِ ابْتِدَاءٍ بِهَا) إنْ عَلِمَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ سِتًّا أَوْ سَبْعًا بِتَحَرٍّ، (أَوْ) تَجْلِسُ مِنْ (أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ هِلَالِيٍّ إنْ جَهِلَتْهُ) ، أَيْ: وَقْتَ ابْتِدَائِهَا بِالدَّمِ (سِتًّا أَوْ سَبْعًا) مِنْ الْأَيَّامِ بِلَيَالِيِهَا، (بِتَحَرٍّ) - أَيْ: بِاجْتِهَادٍ - فِي حَالِ الدَّمِ، وَعَادَةِ أَقَارِبِهَا النِّسَاءِ وَنَحْوِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 لِحَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ، فَقَالَ: تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، ثُمَّ اغْتَسِلِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَعَمَلًا بِالْغَالِبِ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وُجُوبُ قَضَاءِ) مَنْ جَهِلَتْ وَقْتَ ابْتِدَائِهَا بِالدَّمِ (نَحْوَ صَوْمٍ) كَطَوَافٍ وَاعْتِكَافٍ وَاجِبَيْنِ (فِيمَا) - أَيْ: زَمَنَ - (فَعَلَتْهُ) ، أَيْ: الصَّوْمَ وَنَحْوَهُ. (قَبْلَ) التَّحَرِّي، كَمَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ وَصَلَّى بِلَا تَحَرٍّ فَيَقْضِي وَلَوْ أَصَابَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ اُسْتُحِيضَتْ مَنْ لَهَا عَادَةٌ جَلَسَتْهَا] (فَصْلٌ) (وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ مَنْ لَهَا عَادَةٌ جَلَسَتْهَا) - أَيْ: عَادَتَهَا - (إنْ عَلِمَتْهَا بِأَنْ تَعْرِفَ شَهْرَهَا وَوَقْتَ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا وَعَدَدَ أَيَّامِهَا وَلَوْ كَانَ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا) ، لِعُمُومِ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّ حَبِيبَةَ إذْ سَأَلَتْهُ عَنْ الدَّمِ اُمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَقْوَى لِكَوْنِهَا لَا تَبْطُلُ دَلَالَتُهَا، بِخِلَافِ نَحْوِ اللَّوْنِ إذَا زَادَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ بَطَلَتْ دَلَالَتُهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً، و (لَا) تَجْلِسُ (مَا نَقَصَتْهُ عَادَتُهَا قَبْلُ) ، أَيْ: قَبْلَ اسْتِحَاضَتِهَا، فَإِذَا كَانَتْ عَادَتُهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ فَصَارَتْ أَرْبَعَةً ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ: جَلَسَتْ الْأَرْبَعَةَ فَقَطْ، (وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ) النَّقْصُ (كَمَنْ عَادَتُهَا عَشْرَةُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 أَيَّامٍ (فَرَأَتْ خَمْسَةَ) أَيَّامٍ. (ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ: فَتَجْلِسُ الْخَمْسَةَ) حَيْثُ عَلِمَتْهَا عَادَتَهَا، (وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْهَا) - أَيْ: عَادَتَهَا - بِأَنْ جَهِلَتْ شَهْرَهَا وَوَقْتَ حَيْضِهَا وَعَدَدَ أَيَّامِهَا (عَمِلَتْ) وُجُوبًا (بِتَمْيِيزٍ صَالِحٍ لِحَيْضٍ) بِأَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلَا يَزِيدَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَوْ تَنَقَّلَ) التَّمْيِيزُ بِأَنْ لَمْ يَتَوَالَ (أَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ، (فَإِنْ لَمْ يَكُ) لِدَمِهَا (تَمْيِيزٌ) بِأَنْ كَانَ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، (أَوْ كَانَ) لَهَا تَمْيِيزٌ (وَ) لَكِنَّهُ (لَيْسَ بِصَالِحٍ) بِأَنْ نَقَصَ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَوْ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ: (فَ) هِيَ (مُتَحَيِّرَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَحَيَّرَتْ فِي حَيْضِهَا بِجَهْلِ عَادَتِهَا وَعَدَمِ تَمْيِيزِهَا، (لَا تَفْتَقِرُ اسْتِحَاضَتُهَا إلَى تَكْرَارٍ) ، بِخِلَافِ الْمُبْتَدَأَةِ. وَلِلْمُتَحَيِّرَةِ أَحْوَالٌ: أَحَدُهَا: أَنْ تَنْسَى عَدَدَ أَيَّامِهَا دُونَ مَوْضِعِ حَيْضِهَا، وَقَدْ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: (فَتَجْلِسُ نَاسِيَةً عَدَدًا فَقَطْ فِي مَوْضِعِ حَيْضِهَا مِنْ أَوَّلِهِ غَالِبَ حَيْضٍ) سِتًّا أَوْ سَبْعًا بِالتَّحَرِّي (إنْ اتَّسَعَ شَهْرُهَا لَهُ) ، أَيْ: لِغَالِبِ الْحَيْضِ، (كَ) أَنْ يَكُونَ شَهْرُهَا (عِشْرِينَ) فَأَكْثَرَ، فَتَجْلِسُ فِي أَوَّلِهَا سِتًّا أَوْ سَبْعًا بِالتَّحَرِّي، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّيَ بَقِيَّةَ الْعِشْرِينَ، ثُمَّ تَعُودُ إلَى فِعْلِ ذَلِكَ أَبَدًا. (وَإِلَّا) يَتَّسِعْ شَهْرُهَا لِغَالِبِ الْحَيْضِ وَأَقَلِّ الطُّهْرِ، (فَ) إنَّهَا تَجْلِسُ (الْفَاضِلَ) مِنْ شَهْرِهَا (بَعْدَ أَقَلِّ طُهْرٍ) بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ، كَأَنْ يَكُونَ شَهْرُهَا (ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) يَوْمًا، (فَ) إنَّهَا (تَجْلِسُ) الزَّائِدَ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ، وَهُوَ (خَمْسَةُ) أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا الْبَاقِي مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ بَعْدَ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ فَتَجْلِسُهَا فَقَطْ، (لِئَلَّا يَنْقُصَ طُهْرٌ عَنْ أَقَلِّهِ) فَيَخْرُجَ عَنْ كَوْنِهِ طُهْرًا. (وَشَهْرُهَا) - أَيْ: الْمَرْأَةِ - (مَا اجْتَمَعَ لَهَا فِيهِ حَيْضٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ) ، أَيْ: تَامَّانِ (كَأَرْبَعَةَ عَشَرَ) يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا: يَوْمٌ بِلَيْلَتِهِ لِلْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّهُ، وَثَلَاثَةَ عَشَرَ بِلَيَالِيِهَا لِلطُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ تَذْكُرَ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَتَنْسَى مَوْضِعَهُ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ: (وَ) تَجْلِسُ (نَاسِيَةً وَقْتَ " فَقَطْ " الْعَدَدِ بِهِ) ، أَيْ: بِشَهْرِهَا مِنْ أَوَّلِ مُدَّةٍ عُلِمَ الْحَيْضُ فِيهَا وَضَاعَ مَوْضِعُهُ، كَنِصْفِ الشَّهْرِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ لِحَيْضِهَا مُدَّةً: بِأَنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ هَلْ كَانَ حَيْضُهَا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ؟ فَإِنَّهَا تَجْلِسُ الْعَدَدَ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ هِلَالِيٍّ حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ. الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا تَذْكُرَ عَدَدًا وَلَا وَقْتًا لِحَيْضِهَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَ) تَجْلِسُ (نَاسِيَتُهُمَا) ، أَيْ: الْعَدَدِ وَالْوَقْتِ، (غَالِبَ حَيْضٍ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ مُدَّةٍ عُلِمَ) الْحَيْضُ (فِيهَا وَضَاعَ مَوْضِعُهُ، كَنِصْفِ الشَّهْرِ الثَّانِي) أَوْ نِصْفِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ الشَّهْرِ، (فَإِنْ جَهِلَتْ) كَوْنَ مَوْضِعِهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (فَ) إنَّهَا تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ (مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ هِلَالِيٍّ كَمُبْتَدَأَةٍ) ، أَيْ: كَمَا تَفْعَلُ الْمُبْتَدَأَةُ ذَلِكَ، لِحَدِيثِ حَمْنَةَ، وَتَقَدَّمَ. (وَمَتَى ذَكَرَتْ) النَّاسِيَةُ (عَادَتَهَا رَجَعَتْ إلَيْهَا) فَجَلَسَتْهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْجُلُوسِ فِيهَا كَانَ لِعَارِضِ النِّسْيَانِ، وَقَدْ زَالَ، فَرَجَعَتْ إلَى الْأَصْلِ، (وَقَضَتْ الْوَاجِبَ زَمَنَهَا) أَيْ: زَمَنَ عَادَتِهَا - (مِنْ نَحْوِ صَوْمٍ) وَطَوَافٍ وَاعْتِكَافٍ وَاجِبٍ، لِتَبَيُّنِ فَسَادِهِ بِكَوْنِهِ صَادَفَ حَيْضَهَا. (وَلَا) يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ (صَلَاةٍ) تَرَكَتْهَا زَمَنَ عَادَتِهَا، (وَ) تَقْضِي الْوَاجِبَ أَيْضًا (زَمَنَ جُلُوسِهَا فِي غَيْرِهَا) ، أَيْ: غَيْرِ عَادَتِهَا مِنْ نَحْوِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَمَنِ حَيْضٍ. فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا سِتَّةً إلَى آخِرِ الْعَشْرِ الْأَوَّلِ، فَجَلَسَتْ سَبْعَةً مِنْ أَوَّلِهِ ثُمَّ ذَكَرَتْ: لَزِمَهَا قَضَاءُ مَا تَرَكَتْ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ الْوَاجِبِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى، وَقَضَاءُ مَا صَامَتْ مِنْ الْوَاجِبِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ. (وَمَا تَجْلِسُهُ نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا مِنْ حَيْضٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ) فَهُوَ (كَحَيْضٍ يَقِينًا) فِي أَحْكَامِهِ مِنْ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْوَطْءِ وَنَحْوِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 (وَيَتَّجِهُ: وَمَا زَادَ) عَلَى مَا تَجْلِسُهُ، وَانْتَهَتْ الزِّيَادَةُ إلَى أَكْثَرِهِ (فَ) حُكْمُهُ (كَاسْتِحَاضَةٍ يَقِينًا) ، وَيَأْتِي (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: " لِلْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " (حَيْثُ جَعَلَا مَا زَادَ) عَلَى مَا تَجْلِسُهُ، (أَيْ أَكْثَرَهُ) أَيْ: الْحَيْضَ طُهْرًا مَشْكُوكًا فِيهِ، وَحُكْمُهُ (كَطُهْرٍ مُتَيَقَّنٍ) فِي أَحْكَامِهِ، (فَيُوهِمُ) قَوْلُهُمَا (حِلَّ وَطْءٍ) فِيهِ، (وَلَيْسَ) الْحُكْمُ (كَذَلِكَ) ، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": هُوَ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الطُّهْرِ يَتَعَيَّنُ إلَّا فِي جَوَازِ وَطْئِهَا، فَإِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ انْتَهَى. وَمَا قَالَاهُ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَالْحَيْضُ وَالطُّهْرُ مَعَ الشَّكِّ فِيهِمَا كَالْيَقِينِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيُكْرَهُ وَيَجِبُ وَيُسْتَحَبُّ وَيَسْقُطُ. [فَرْعٌ جَاوَزَ الدَّمُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ] (فَرْعٌ: لَا يُعْتَبَرُ تَمْيِيزٌ إلَّا مَعَ اسْتِحَاضَةِ) الْمَرْأَةِ (فَتَجْلِسُ جَمِيعَ) مُدَّةِ (دَمٍ لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ حَيْضٍ) لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ فِي الْعَادَةِ، (وَلَوْ كَانَ) الدَّمُ (مُخْتَلِفًا) : كَكَوْنِ بَعْضِهِ أَسْوَدَ وَبَعْضِهِ أَحْمَرَ، وَبَعْضِهِ ثَخِينًا أَوْ مُنْتِنًا، (فَإِنْ جَاوَزَهُ) أَيْ: جَاوَزَ الدَّمُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ (اُعْتُبِرَ تَمْيِيزًا) لِمَا تَقَدَّمَ، (وَلَا تَبْطُلُ دَلَالَتُهُ) - أَيْ: التَّمْيِيزُ - (بِزِيَادَةِ الدَّمَيْنِ) ، أَيْ: الدَّمِ الَّذِي يَصْلُحُ حَيْضًا كَالْأَسْوَدِ أَوْ الثَّخِينِ أَوْ الْمُنْتِنِ إذَا بَلَغَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلَمْ يُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالدَّمِ الْآخَرِ (عَلَى شَهْرٍ) هِلَالِيٍّ أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، (فَلَوْ رَأَتْ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَسْوَدَ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ) يَوْمًا دَمًا (أَحْمَرَ: فَالْأَسْوَدُ كُلُّهُ حَيْضٌ لِصَلَاحِيَّتِهِ) - أَيْ: الْأَسْوَدِ - (لَهُ) - أَيْ الْحَيْضِ - وَأَمَّا الْأَحْمَرُ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الطُّهْرِ، (وَتَبْطُلُ دَلَالَتُهُ) - أَيْ: التَّمْيِيزِ - (إنْ زَادَ) الدَّمُ الْأَسْوَدُ (عَلَى أَكْثَرِهِ) ، أَيْ: الْحَيْضِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 [فَصْلٌ تَغَيَّرَتْ عَادَةُ مُعْتَادَةٍ بِزِيَادَةٍ] (فَصْلٌ) (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَادَةُ مُعْتَادَةٍ بِزِيَادَةٍ) بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ فَرَأَتْ الدَّمَ ثَمَانِيَةً، (أَوْ) تَغَيَّرَتْ عَادَتُهَا (بِتَقَدُّمٍ) ، بِأَنْ كَانَتْ تَرَى الدَّمَ مِنْ وَسَطِ الشَّهْرِ، فَرَأَتْهُ فِي أَوَّلِهِ (أَوْ) تَغَيَّرَتْ عَادَتُهَا (بِتَأَخُّرٍ) بِأَنْ كَانَتْ تَرَاهُ فِي أَوَّلِهِ فَتَأَخَّرَ إلَى آخِرِهِ: فَمَا تَغَيَّرَ (كَدَمٍ زَائِدٍ عَلَى أَقَلِّ حَيْضٍ مِنْ مُبْتَدَأَةٍ فِي إعَادَةِ صَوْمٍ وَنَحْوِهِ) : فَلَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا، فَتَصُومُ فِيهِ وَتُصَلِّي قَبْلَ التَّكْرَارِ، وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ غُسْلًا ثَانِيًا، فَإِذَا تَكَرَّرَ صَارَ عَادَةً تَجْلِسُهُ، وَتُعِيدُ صَوْمَ فَرْضٍ وَنَحْوِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّاهُ حَيْضًا، (فَلَوْ لَمْ يَعُدْ أَوْ أَيِسَتْ قَبْلَ تَكْرَارِهِ ثَلَاثًا لَمْ تَقْضِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ. (وَعَنْهُ) - أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ - (تَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ) أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، (وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَلَا يَسَعُ النِّسَاءَ الْعَمَلُ بِغَيْرِهِ) . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَشْبَهُ، قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي " الْفَائِقِ ": وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. (وَمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا وَلَوْ) كَانَ انْقِطَاعُهُ (أَقَلَّ مُدَّةٍ) فَلَا يُعْتَبَرُ بُلُوغُهُ يَوْمًا (فَ) هِيَ (طَاهِرٌ تَغْتَسِلُ) ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَّا مَا رَأَتْ الطُّهْرَ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ (وَتُصَلِّي وَنَحْوُهُ) وَتَفْعَلْ مَا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرَاتُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - وَصَفَ الْحَيْضَ بِكَوْنِهِ أَذًى، فَإِذَا ذَهَبَ الْأَذَى وَجَبَ زَوَالُ الْحَيْضِ، (وَلَا يُكْرَهُ وَطْؤُهَا) بَعْدَ الِاغْتِسَالِ كَسَائِرِ الطَّاهِرَاتِ، (فَإِنْ عَادَ) الدَّمُ (فِي عَادَتِهَا جَلَسَتْهُ) ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ عَادَتَهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَ (لَا) تَجْلِسُ (مَا جَاوَزَهَا) - أَيْ: الْعَادَةَ - (وَلَوْ لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ) - أَيْ: الْحَيْضِ - (حَتَّى يَتَكَرَّرَ) فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَتَجْلِسَهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيْضٌ، (فَإِنْ جَاوَزَهُ) - أَيْ: جَاوَزَ أَكْثَرَهُ - (فَلَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 بِحَيْضٍ) ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ، فَيَكُونُ كُلُّهُ اسْتِحَاضَةً لِاتِّصَالِهِ بِهِ وَانْفِصَالِهِ عَنْ الْحَيْضِ، (وَإِنْ عَادَ) إلَيْهَا الدَّمُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ عَنْهَا (بَعْدَ عَادَتِهَا) : فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُمْكِنَ جَعْلُهُ حَيْضًا أَوْ لَا، (وَ) حَيْثُ (أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا) : إمَّا بِضَمٍّ إلَى مَا قَبْلَهُ، أَوْ بِنَفْسِهِ بِأَنْ لَا يُجَاوِزَ أَكْثَرَهُ: (عُمِلَ بِهِ) فَيُلَفَّقُ الدَّمَانِ وَيُجْعَلَانِ حَيْضَةً وَاحِدَةً إنْ تَكَرَّرَ الدَّمُ الَّذِي بَعْدَ الْعَادَةِ ثَلَاثًا، (وَإِلَّا) يُمْكِنْ جَعْلُهُ حَيْضًا لِعُبُورِهِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ الْأَوَّلِ أَقَلُّ الطُّهْرِ، فَلَا يَكُونُ حَيْضًا بَلْ اسْتِحَاضَةً سَوَاءٌ تَكَرَّرَ أَوْ لَا لِمُجَاوَزَتِهِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْمِثَالِ: (فَلَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا، فَرَأَتْ) مِنْهَا (خَمْسَةً دَمًا وَطَهُرَتْ) الْخَمْسَةَ (الْبَاقِيَةَ ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةً) أُخْرَى (دَمًا، وَتَكَرَّرَ) ذَلِكَ ثَلَاثًا: (فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى وَ) الْخَمْسَةُ (الثَّالِثَةُ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ بِالتَّلْفِيقِ) ؛ لِأَنَّهُمَا مَعَ مَا بَيْنَهُمَا لَا يُجَاوِزَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، (وَلَوْ كَانَتْ رَأَتْ يَوْمًا) بِلَيْلَتِهِ (دَمًا، وَثَلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ) رَأَتْ (يَوْمًا) بِلَيْلَتِهِ (دَمًا وَتَكَرَّرَ) الثَّانِي (فَ) هُمَا (حَيْضَتَانِ) لِوُجُودِ طُهْرٍ صَحِيحٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، (وَلَوْ رَأَتْ فِي) الصُّورَةِ (الْأُولَى) الدَّمَ، (الثَّانِيَ سِتَّةَ) أَيَّامٍ (أَوْ سَبْعَةً: لَمْ يَكُنْ حَيْضًا) ، لِمُجَاوَزَتِهِ مَعَ الْأَوَّلِ وَمَا بَيْنَهُمَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ. (أَوْ) رَأَتْ (فِي) الصُّورَةِ (الثَّانِيَةِ يَوْمَيْنِ دَمًا وَاثْنَيْ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ) رَأَتْ (يَوْمَيْنِ دَمًا فَكَذَلِكَ) ، أَيْ: لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُمَا (حَيْضَةً) وَاحِدَةً (لِزِيَادَةِ الدَّمَيْنِ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ طُهْرٍ عَلَى أَكْثَرِ حَيْضٍ) ؛ لِأَنَّ مَجْمُوعَ ذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، (وَلَا) يُمْكِنُ جَعْلُهَا (حَيْضَتَيْنِ لِانْتِفَاءِ طُهْرٍ صَحِيحٍ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، (فَيَكُونُ الْحَيْضُ مِنْهُمَا مَا وَافَقَ الْعَادَةَ) لِتَقَوِّيهِ بِمُوَافَقَتِهَا، (وَ) يَكُونُ (الْآخَرُ اسْتِحَاضَةً) وَلَوْ تَكَرَّرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 (وَصُفْرَةٌ وَكُدْرَةٌ) - وَهِيَ: شَيْءٌ كَالصَّدِيدِ يَعْلُوهُ صُفْرَةٌ وَكُدْرَةٌ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ "، (فِي أَيَّامِ عَادَةِ) (حَيْضٍ) ، لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ النَّصِّ، وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ - وَكَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَيْهَا بِالدَّرَجَةِ فِيهَا الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ " لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ " تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ وَفِي " الْكَافِي " قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: هِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَتْبَعُ الْحَيْضَ (لَا بَعْدَهَا) ، أَيْ: لَيْسَتْ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الْعَادَةِ حَيْضًا، (وَلَوْ تَكَرَّرَ) ذَلِكَ فَلَا تَجْلِسُهُ، لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ " كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَ الطُّهْرِ. (وَمَنْ تَرَى دَمًا) مُتَفَرِّقًا (يَبْلُغُ مَجْمُوعُهُ) - أَيْ: الدَّمِ (أَقَلَّ حَيْضٍ) : يَوْمًا بِلَيْلَتِهِ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ، (وَ) تَرَى (نَقَاءً مُتَخَلِّلًا) لِذَلِكَ الدَّمِ، (وَلَمْ يُجَاوِزْ) الدَّمُ وَالنَّقَاءُ (أَكْثَرَهُ) - أَيْ: أَكْثَرَ الْحَيْضِ - خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا: (فَالدَّمُ) الَّذِي رَأَتْهُ (حَيْضٌ مُلَفَّقٌ) فَتَجْلِسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ حَيْضَةً ضَرُورَةَ كَوْنِهِ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، أَوْ كَوْنُ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ تَعَيَّنَ الضَّمُّ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ فِي زَمَنٍ يَصْلُحُ كَوْنُهُ حَيْضًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَقَصَتْ الدِّمَاءُ الْمَوْجُودَةُ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ لَمْ يَجُزْ التَّلْفِيقُ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " بِمَعْنَاهُ. (وَالْبَاقِي) - أَيْ: النَّقَاءُ - (طُهْرٌ) ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الطُّهْرَ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضَةِ صَحِيحٌ (تَغْتَسِلُ فِيهِ وَتُصَلِّي وَنَحْوُهُ) ، أَيْ: تَصُومُ وَتَطُوفُ وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ حَقِيقَةً. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا يُكْرَهُ وَطْؤُهَا) زَمَنَ طُهْرِهَا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": حُكْمُهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَفَائِدَةُ التَّلْفِيقِ أَنَّهُ مَتَى عَاوَدَهَا الدَّمُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا، وَكَانَ وَطْءُ زَوْجِهَا لَهَا مُبَاحًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ صَرَّحَ بِكَرَاهَةِ وَطْئِهَا. (وَإِنْ جَاوَزَ) زَمَنُ الدَّمِ وَزَمَنُ النَّقَاءِ (أَكْثَرَهُ) - أَيْ: أَكْثَرَ الْحَيْضِ - (كَمَنْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَثَلًا، فَ) تَكُونُ (مُسْتَحَاضَةً) ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ: (فَتَجْلِسُ عَادَتَهَا إنْ عَلِمَتْهَا وَإِلَّا) لَمْ تَعْلَمْ عَادَتَهَا (عَمِلَتْ بِتَمْيِيزٍ صَالِحٍ إنْ كَانَ) ، وَإِلَّا يَكُنْ تَمْيِيزٌ صَالِحٌ فَهِيَ مُتَحَيِّرَةٌ، (وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَلَا تَمْيِيزَ؛ جَلَسَتْ أَقَلَّهُ) - أَيْ: أَقَلَّ الْحَيْضِ - (فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ لِغَالِبِ حَيْضٍ) . قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهَلْ تُلَفَّقُ لَهَا سَبْعَةٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَوْ تَجْلِسُ أَرْبَعَةً مِنْ سَبْعَةٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَى، وَجَزَمَ فِي " الْكَافِي " بِالثَّانِي. [فَصْلٌ يَلْزَمُ مُسْتَحَاضَةً وَكُلَّ دَائِمِ حَدَثٍ صَلَاةٌ] (فَصْلٌ) (يَلْزَمُ مُسْتَحَاضَةً وَكُلَّ دَائِمِ حَدَثٍ) ، أَيْ: غَيْرَ مُنْقَطِعَةٍ. (وَيَتَّجِهُ وَيَثْبُتُ) عُذْرُ مَنْ ابْتَدَأَهُ الْحَدَثُ (بِدَوَامِهِ) - أَيْ: الْحَدَثِ وَاسْتِمْرَارِهِ - (لِآخِرِ وَقْتِ صَلَاةٍ) ، فَلَيْسَ لَهُ فِعْلُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ وَسَطِهِ، بَلْ عَلَيْهِ تَأْخِيرُهُ لَقُرْبِ وَقْتِ خُرُوجِهِ، فَلَوْ أَخَّرَهُ رَجَاءَ انْقِطَاعِ الْحَدَثِ، فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ، (فَلَهُ طُهْرٌ وَصَلَاةٌ بِأَوَّلِ) وَقْتٍ (ثَانٍ) ، لِثُبُوتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 حُكْمِ دَوَامِ الْحَدَثِ بِاسْتِمْرَارِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَلَوْ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِاسْتِقْرَارِ حُكْمِ دَوَامِ الْحَدَثِ لَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِسَلِسِ بَوْلٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِدَائِمٍ - (أَوْ مَذْيٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ جُرْحٍ لَا يَرْقَأُ دَمُهُ) وَمِثْلُهُ رُعَافٌ دَائِمٌ: (غَسْلُ) - فَاعِلُ: يَلْزَمُ - (الْمَحَلِّ) الْمُلَوَّثِ بِالْحَدَثِ لِإِزَالَتِهِ عَنْهُ، (وَتَعْصِيبُهُ مَعَ إمْكَانٍ بِطَاهِرٍ يَمْنَعُ الْخَارِجَ حَسَبَ الْإِمْكَانِ بِحَشْوِ) الْمَحَلِّ (بِقُطْنٍ، وَ) شَدِّهِ (بِخِرْقَةٍ عَرِيضَةٍ مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ لِمُسْتَحَاضَةٍ تَتَلَجَّمُ بِهَا) ، وَتُوثِقُ طَرَفَيْهَا بِشَيْءٍ آخَرَ قَدْ شَدَّتْهُ عَلَى وَسَطِهَا، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَمْنَةَ حِينَ شَكَتْ إلَيْهِ كَثْرَةَ الدَّمِ أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ» - يَعْنِي: الْقُطْنَ - تَحْشِينَ بِهِ الْمَكَانَ، «قَالَتْ: إنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: تَلَجَّمِي» فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ شَدُّهُ، كَبَاسُورٍ وَنَاصُورٍ وَجُرْحٍ لَا يُمْكِنُ شَدُّهُ، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، فَإِنْ غَلَبَ الدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَطَرَ لَمْ تَبْطُلْ الطَّهَارَةُ، لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ. (وَلَا يَلْزَمُ إعَادَةُ غُسْلٍ، وَلَا) إعَادَةُ (تَعْصِيبٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ حَيْثُ لَا تَفْرِيطَ) فِي الشَّدِّ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ مَعَ غَلَبَتِهِ وَقُوَّتِهِ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ قَالَتْ عَائِشَةُ: «اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا، وَهِيَ تُصَلِّي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَإِنْ فَرَّطَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الشَّدِّ، وَخَرَجَ الدَّمُ بَعْدَ الْوُضُوءِ لَزِمَتْ إعَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثٌ أُمْكِنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، (وَيَلْزَمُ) مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٍ (وُضُوءٌ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) إنْ خَرَجَ شَيْءٌ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «وَلِقَوْلِهِ أَيْضًا لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، فَلَا يَجُوزُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ عُذْرٍ فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ كَالتَّيَمُّمِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَا يَتَوَضَّأُ، (وَيَبْطُلُ) الْوُضُوءُ (بِخُرُوجِهِ) - أَيْ: الْوَقْتِ - كَمَا يَبْطُلُ وُضُوءُ مَنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ لِغَيْرِ فَرْضِ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِدُخُولِهِ، وَجَزَمَ النَّاظِمُ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، فَقَالَ فِي " مُفْرَدَاتِهِ ": وَبِدُخُولِ الْوَقْتِ طُهْرٌ يَبْطُلُ ... لِمَنْ بِهَا اسْتِحَاضَةٌ قَدْ نَقَلُوا لَا بِالْخُرُوجِ مِنْهُ لَوْ تَطَهَّرَتْ ... لِلْفَجْرِ لَمْ يَبْطُلْ بِشَمْسٍ ظَهَرَتْ وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ، وَالصَّحِيحُ فِيهِ: أَنَّهُ يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَبْطُلُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَبِخُرُوجِهِ أَيْضًا، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ " فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَالتَّيَمُّمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ ". (وَيَتَّجِهُ) بُطْلَانُ الْوُضُوءِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ خُرُوجِ شَيْءٍ، (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (فِي غَيْرِ صَلَاةِ جُمُعَةٍ) ، قِيَاسًا عَلَى التَّيَمُّمِ حَيْثُ قَالُوا: إنَّهُ لَا يَبْطُلُ فِيهَا، لِعَدَمِ إمْكَانِ إعَادَتِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 (وَيُصَلِّي عَقِبَ طُهْرٍ نَدْبًا) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، (فَإِنْ أَخَّرَ) الصَّلَاةَ عَنْ طُهْرِهِ، (وَلَوْ) كَانَ التَّأْخِيرُ (لِغَيْرِ حَاجَةٍ لَمْ يَضُرَّ) مَا دَامَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ كَالْمُتَيَمِّمِ، (وَيُصَلِّي) بِوُضُوئِهِ (مَا شَاءَ) مَا دَامَ الْوَقْتُ، (حَتَّى جَمَعَا بَيْنَ فَرْضَيْنِ) ، لِبَقَاءِ وُضُوئِهِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَكَالتَّيَمُّمِ وَأَوْلَى. (وَلَهَا) - أَيْ: الْمُسْتَحَاضَةِ - (الطَّوَافُ) فَرْضًا وَنَفْلًا (وَلَوْ لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 تَطُلْ اسْتِحَاضَتُهَا) ، كَالصَّلَاةِ وَأَوْلَى. (وَإِنْ اُعْتِيدَ انْقِطَاعُ حَدَثٍ) دَائِمٍ (زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْفِعْلِ) - أَيْ: الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ لَهَا - (فِيهِ) - أَيْ: الزَّمَنِ - (تَعَيَّنَ) فِعْلُ الْمَفْرُوضَةِ فِيهِ، ظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَزِمَ عَلَيْهِ خُرُوجُ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا عُذْرَ مَعَهُ وَلَا ضَرُورَةَ، فَتَعَيَّنَ كَمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، (وَإِنْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ) - أَيْ: انْقِطَاعُ الْحَدَثِ - زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْفِعْلِ (لِمَنْ عَادَتُهُ الِاتِّصَالُ) لِلْحَدَثِ، وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ؛ (بَطَلَ وُضُوءُهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ مَنْ حَدَثُهُ غَيْرُ دَائِمٍ، (فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ) لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ طَهَارَتِهِ بِالِانْقِطَاعِ، (وَ) إنْ وُجِدَ هَذَا الِانْقِطَاعُ (قَبْلَهَا) - أَيْ: قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ - فَإِنَّهُ (يَحْرُمُ شُرُوعٌ فِيهَا) حَتَّى يَتَوَضَّأَ، لِبُطْلَانِ الْوُضُوءِ بِالِانْقِطَاعِ، فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ، وَاسْتَمَرَّ الِانْقِطَاعُ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، (وَلَا أَثَرَ لِانْقِطَاعِ) حَدَثٍ دَائِمٍ زَمَنًا (لَا يَتَّسِعُ لِفِعْلِ) وُضُوءٍ وَصَلَاةٍ، لَكِنَّهُ يَمْنَعُ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُضِيَّ فِيهَا، لِاحْتِمَالِ اسْتِمْرَارُهُ (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا أَثَرَ لِانْقِطَاعٍ (مُخْتَلِفٍ بِتَقَدُّمٍ وَتَأَخُّرٍ، وَقِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ، وَوُجُودِ مَرَّةٍ وَانْعِدَامِ أُخْرَى، وَعَدَمِ عَادَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ) بِاتِّصَالٍ أَوْ انْقِطَاعٍ، فَهَذِهِ كَمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ فِي الدَّمِ فِي بُطْلَانِ الْوُضُوءِ بِالِانْقِطَاعِ الْمُتَّسَعِ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ دُونَ مَا يَتَّسِعُ لَهُمَا، وَحُكْمُهَا كَمَنْ عَادَتُهَا اتِّصَالُ الْمُتَّسَعِ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ دُونَ مَا يَتَّسِعُ لَهُمَا، وَحُكْمُهَا كَمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ فِي سَائِرِ مَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا مِنْ الْمُضِيِّ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ تَبَيُّنِ اتِّسَاعِهِ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، لِعَدَمِ انْضِبَاطِ هَذَا الِانْقِطَاعِ، فَيَقْضِي لُزُومُ اعْتِبَارِهِ إلَى الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، (وَمُجَرَّدُ الِانْقِطَاعِ يُوجِبُ الِانْصِرَافَ) مِنْ الصَّلَاةِ، لِبُطْلَانِ الطَّهَارَةِ بِهِ، (إلَّا أَنْ يَكُونَ اُعْتِيدَ) لَهَا (انْقِطَاعٌ يَسِيرٌ) فَلَا يَلْزَمُهَا الِانْصِرَافُ مِنْ الصَّلَاةِ بِمُجَرَّدٍ؛ لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 الظَّاهِرَ حَمْلُهُ عَلَى مَا اعْتَادَتْهُ وَهُوَ لَا أَثَرَ لَهُ. (وَمَنْ تَمْتَنِعُ قِرَاءَتُهُ) فِي الصَّلَاةِ قَائِمًا لَا قَاعِدًا، (أَوْ يَلْحَقُهُ السَّلَسُ) فِي الصَّلَاةِ (قَائِمًا) لَا قَاعِدًا (صَلَّى قَاعِدًا) ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا بَدَلَ لَهَا، وَالْقِيَامُ بَدَلُهُ الْقُعُودُ، وَإِنْ كَانَ لَوْ قَامَ وَقَعَدَ لَمْ يَحْبِسْهُ، وَإِنْ اسْتَلْقَى حَبَسَهُ صَلَّى قَائِمًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَلْقِيَ لَا نَظِيرَ لَهُ اخْتِيَارًا. (وَمَنْ لَمْ يَلْحَقْهُ) السَّلَسُ (إلَّا رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا رَكَعَ وَسَجَدَ) نَصًّا كَالْمَكَانِ النَّجِسِ، وَلَا يَكْفِيهِ الْإِيمَاءُ. [فَصْلٌ حَرُمَ وَطْءُ مُسْتَحَاضَةٍ] (فَصْلٌ) (وَحَرُمَ وَطْءُ مُسْتَحَاضَةٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ، (خِلَافًا لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ) الْقَائِلِينَ بِإِبَاحَتِهِ، مُحْتَجِّينَ " بِأَنَّ حَمْنَةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ وَكَانَ زَوْجُهَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُجَامِعُهَا، وَأُمُّ حَبِيبَةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَغْشَاهَا " رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد. (وَ) حَيْثُ حَرُمَ (لَا كَفَّارَةَ) فِيهِ، (بِلَا خَوْفِ عَنَتٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِحَرُمَ - (مِنْهُ أَوْ مِنْهَا) ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ " الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا " فَإِنْ خَافَهُ أَوْ خَافَتْهُ، وَطَلَبَتْهُ مِنْهُ أُبِيحَ وَطْؤُهَا. (وَأَلْحَقَ ابْنُ حَمْدَانَ بِهِ) - أَيْ: خَوْفِ الْعَنَتِ - (خَوْفَ شَبَقٍ، وَهُوَ) - أَيْ: إلْحَاقُ ابْنِ حَمْدَانَ - (حَسَنٌ) لَا تَأْبَاهُ الْقَوَاعِدُ. (وَيُبَاحُ) وَطْؤُهَا (إذَنْ) ، أَيْ: حِينَ خَوْفِ الْعَنَتِ، (وَلَوْ لِقَادِرٍ عَلَى نِكَاحِ غَيْرِهَا) خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ الْحَيْضِ وَمُدَّتُهُ تَطُولُ. (وَلِرَجُلٍ شُرْبُ دَوَاءٍ مُبَاحٍ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ) كَكَافُورٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ، (وَلِأُنْثَى شُرْبُهُ) - أَيْ: الْمُبَاحِ (لِإِلْقَاءِ نُطْفَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ بَعْدُ وَقَدْ لَا تَنْعَقِدُ وَلَدًا. (وَلَا) يَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ لِإِلْقَاءِ (عَلَقَةٍ) لِانْعِقَادِهَا، (وَ) لَهَا شُرْبُهُ (لِحُصُولِ حَيْضٍ) ، إذْ الْأَصْلُ الْحِلُّ حَتَّى يَرِدَ التَّحْرِيمُ وَلَمْ يَرِدْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ الْحَاصِلِ بِشُرْبِهَا الدَّوَاءَ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ، وَ (لَا) تَشْرَبُ مُبَاحًا لِحُصُولِ حَيْضٍ (قُرْبَ رَمَضَانَ لِتَفْطُرَهُ) كَالسَّفَرِ لِلْفِطْرِ (وَيَتَّجِهُ وَتُفْطِرُ) إذَا حَصَلَ الْحَيْضُ (وُجُوبًا) ، كَمَنْ نَفِسَتْ بِتَعَدِّيهَا بِضَرْبِ بَطْنِهَا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ مُبَاحٍ (لِقَطْعِ حَيْضٍ مَعَ أَمْنِ ضَرَرٍ نَصًّا) كَالْعَزْلِ (وَلَوْ بِلَا إذْنِ زَوْجٍ) ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِلْقَاضِي. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ جَوَازِ شُرْبِهَا الْمُبَاحِ لِقَطْعِ الْحَيْضِ (مَا لَمْ يَنْهَهَا) زَوْجُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ نَهَاهَا امْتَنَعَ عَلَيْهَا فِعْلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْوَلَدِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَحَرُمَ) عَلَى زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ إسْقَاؤُهُ إيَّاهَا دَوَاءً مُبَاحًا (لِقَطْعِهِ) - أَيْ: الْحَيْضِ - (بِلَا عِلْمِهَا) بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ حَقَّهَا مِنْ النَّسْلِ الْمَقْصُودِ. (وَ) حَرُمَ (شُرْبُ مَا يَقْطَعُ الْحَمْلَ) ، قَالَ فِي " الْفَائِقِ " ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 [فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ] (فَصْلٌ) فِي النِّفَاسِ، وَهُوَ: بَقِيَّةُ الَّذِي احْتَبَسَ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ لِأَجْلِهِ، وَأَصْلُهُ لُغَةً مِنْ التَّنَفُّسِ، وَهُوَ: الْخُرُوجُ مِنْ الْجَوْفِ، أَوْ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ، أَيْ: فَرَّجَهَا. (وَالنِّفَاسُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَحْدِيدُهُ فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ قَلِيلًا وَكَثِيرًا، وَرُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ تَرَ دَمًا فَسُمِّيَتْ ذَاتَ الْجُفُوفِ» وَلِأَنَّ الْيَسِيرَ دَمٌ وُجِدَ عَقِبَ سَبَبِهِ فَكَانَ نِفَاسًا كَالْكَثِيرِ (وَهُوَ) - أَيْ: النِّفَاسُ - فِي الْعُرْفِ: دَمٌ (تُرْخِيهِ الرَّحِمُ مَعَ وِلَادَةٍ وَقَبْلَهَا) - أَيْ: الْوِلَادَةِ - (بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِأَمَارَةٍ) - أَيْ: عَلَامَةٍ - عَلَى الْوِلَادَةِ كَالتَّأَلُّمِ، وَإِلَّا فَلَا تَجْلِسُهُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ أَعَادَتْ مَا تَرَكَتْهُ، (وَبَعْدَهَا) - أَيْ: الْوِلَادَةِ - (إلَى تَمَامِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ ابْتِدَاءِ خُرُوجِ بَعْضِ وَلَدٍ) . حَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ السُّنَّةُ الْمَجْمَعُ عَلَيْهِ. (فَلَوْ وَضَعَتْ تَوْأَمَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَأَوَّلُ نِفَاسٍ وَآخِرُهُ مِنْ) ابْتِدَاءِ خُرُوجِ بَعْضِ (الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ خَرَجَ عَقِبَ الْوِلَادَةِ، فَكَانَ نِفَاسًا وَاحِدًا كَحَمْلٍ وَاحِدٍ وَوَضْعِهِ، (فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا) - أَيْ: التَّوْأَمَيْنِ - (أَرْبَعُونَ) يَوْمًا (فَأَكْثَرُ فَلَا نِفَاسَ لِلثَّانِي) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ تَبَعٌ لِلْأَوَّلِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي آخِرِ النِّفَاسِ كَأَوَّلِهِ، بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ لَا يَصْلُحُ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا. (وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ) - أَيْ: النِّفَاسِ - (بِوَضْعِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَلَوْ خَفِيًّا نَصًّا، فَلَوْ وَضَعَتْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً لَا تَخْطِيطَ فِيهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا بِذَلِكَ حُكْمُ النِّفَاسِ، وَأَقَلُّ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا، وَغَالِبُهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ": فَمَتَى رَأَتْ دَمًا عَلَى طَلْقٍ قَبْلَهَا لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ، وَبَعْدَهَا تُمْسِكُ عَنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، ثُمَّ إنْ انْكَشَفَ الْأَمْرُ بَعْدَ الْوَضْعِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ رَجَعَتْ فَاسْتَدْرَكَتْ، وَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ، بِأَنْ دُفِنَ وَلَمْ يَفْتَقِدْ أَمْرَهُ، اسْتَمَرَّ حُكْمُ الظَّاهِرِ، إذْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ خَطَأٌ. (وَمَنْ جَاوَزَ دَمُهَا الْأَرْبَعِينَ) يَوْمًا، (وَصَادَفَ عَادَةَ حَيْضِهَا وَلَمْ يَزِدْ) عَنْ الْعَادَةِ فَالْمُجَاوِزُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ فِي عَادَتِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَّصِلْ بِنِفَاسٍ، (أَوْ زَادَ) الدَّمُ الْمُجَاوِزُ لِلْأَرْبَعَيْنِ عَنْ الْعَادَةِ، (وَتَكَرَّرَ) ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ (وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ) - أَيْ: الْحَيْضِ - (فَ) هُوَ (حَيْضٌ) ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ مُتَكَرِّرٌ صَالِحٌ لِلْحَيْضِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ نِفَاسٌ، (وَإِلَّا) بِأَنْ زَادَ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ أَوْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَتَكَرَّرَ أَوْ لَا، أَوْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةَ حَيْضٍ (فَ) هُوَ (اسْتِحَاضَةٌ) إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا، فَإِنْ تَكَرَّرَ وَصَلُحَ حَيْضًا فَحَيْضٌ. (وَلَا تَدْخُلُ اسْتِحَاضَةٌ فِي مُدَّةِ نِفَاسٍ) كَمَا لَا تَدْخُلُ فِي مُدَّةِ حَيْضٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَقْوَى، فَلَوْ وَلَدَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ عَلَيْهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهُوَ نِفَاسٌ لَا تَصُومُ فِيهِ وَلَا تُصَلِّي. (وَالنَّقَاءُ وَلَوْ دُونَ يَوْمٍ زَمَنَ نِفَاسٍ طُهْرٌ) كَالْحَيْضِ فَتَغْتَسِلُ وَتَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ الطَّاهِرَاتُ، (وَكُرِهَ وَطْءٌ فِيهِ) ، أَيْ: النَّقَاءِ زَمَنَهُ بَعْدَ الْغُسْلِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْتِيَهَا زَوْجُهَا عَلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ " أَنَّهَا أَتَتْهُ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ فَقَالَ: لَا تَقْرَبِينِي " وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْعَوْدَ زَمَنَ الْوَطْءِ. (وَإِنْ عَادَ الدَّمُ فِي الْأَرْبَعِينَ) بَعْدَ انْقِطَاعِهِ، (أَوْ لَمْ تَرَهُ) عِنْدَ الْوِلَادَةِ، (ثُمَّ رَأَتْهُ فِيهَا) أَيْ الْأَرْبَعِينَ، (فَ) هُوَ (مَشْكُوكٌ فِيهِ) - أَيْ: فِي كَوْنِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 نِفَاسًا أَوْ فَسَادًا - لِتَعَارُضِ الْأَمَارَتَيْنِ فِيهِ، (فَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَنَحْوُهُ) مَعَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ مُتَيَقَّنٌ، وَسُقُوطُهُ بِهَذَا الدَّمِ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَلَيْسَ كَالْحَيْضِ لِتَكَرُّرِهِ، (وَتَقْضِي نَحْوَ صَوْمٍ) مَفْرُوضٍ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهَا تَيَقَّنَتْ شَغْلَ ذِمَّتِهَا بِهِ، فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ (وَلَا تُوطَأُ) فِي هَذَا الدَّمِ كَالْمُبْتَدَأَةِ فِي الزَّائِدِ عَلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ قَبْلَ تَكَرُّرِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا كَفَّارَةَ) بِوَطْئِهَا زَمَنَ الدَّمِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، لِعَدَمِ تَيَقُّنِ كَوْنِهِ نِفَاسًا (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ نَدْبًا) كَالْمُسْتَحَاضَةِ (لَا وُجُوبًا) صَوَّبَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِخِلَافِ) الْوَطْءِ فِي دَمِ نِفَاسٍ (مُتَيَقَّنٍ فَ) يَجِبُ (فِيهِ مَا) يَجِبُ (فِي وَطْءِ حَائِضٍ) مِنْ الْكَفَّارَةِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (وَمَنْ صَارَتْ نُفَسَاءَ بِتَعَدِّيهَا) عَلَى نَفْسِهَا بِضَرْبٍ أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ وَنَحْوِهِمَا (لَمْ تَقْضِ الصَّلَاةَ) زَمَنَ نِفَاسِهَا، كَمَا لَوْ كَانَ التَّعَدِّي مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ وُجُودَ الدَّمِ لَيْسَ مَعْصِيَةً مِنْ جِهَتِهَا، وَلَا يُمْكِنُهَا قَطْعُهُ بِخِلَافِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ يُمْكِنُ قَطْعُهُ بِالتَّوْبَةِ، وَأَمَّا السُّكْرُ فَجُعِلَ شَرْعًا كَمَعْصِيَةٍ مُسْتَدَامَةٍ بِفِعْلِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا بِدَلِيلِ جَرَيَانِ الْإِثْمِ وَالتَّكْلِيفِ، وَالشُّرْبُ أَيْضًا يُسْكِرُ غَالِبًا فَأُضِيفَ إلَيْهِ، كَالْقَتْلِ يَحْصُلُ مَعَهُ خُرُوجُ الرُّوحِ فَأُضِيفَ إلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 [كِتَابُ الصَّلَاةِ] ِ وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الصَّلَوَيْنِ، وَاحِدُهُمَا: صَلًا كَعَصًا، وَهُمَا: عِرْقَانِ مِنْ جَانِبَيْ الذَّنَبِ، وَقِيلَ عَظْمَانِ يَنْحَنِيَانِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: مِنْ صَلَيْتُ الْعُودَ إذَا لَيَّنْتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَلِينُ وَيَخْشَعُ، وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ: بِأَنَّ لَامَ الْكَلِمَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَاوٌ، وَمِنْ صَلَّيْتُ يَاءٌ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْوَاوَ وَقَعَتْ رَابِعَةً فَقُلِبَتْ يَاءً، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ صَلَيْتُ الْمُخَفَّفَ، تَقُولُ: صَلَيْتُ اللَّحْمَ صَلْيًا إذَا شَوَيْتَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْنُ فَارِسٍ الْمُضَعَّفَ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: صَلَيْتُ الْعَصَا تَصْلِيَةً: أَدَرْتُهُ عَلَى النَّارِ لِتُقَوِّمَهُ. وَالصَّلَاةُ لُغَةً: الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ. قَالَ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ: اُدْعُ لَهُمْ، وَعُدِّيَ بِعَلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْإِنْزَالِ، أَيْ: أَنْزِلْ رَحْمَتَكَ عَلَيْهِمْ. «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» وَقَالَ الشَّاعِرُ: تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرُبْتُ مُرْتَحِلًا ... يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي ... نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعًا وَشَرْعًا: (أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مَعْلُومَةٌ مُفْتَتَحَةٌ بِتَكْبِيرٍ مُخْتَتَمَةٌ بِتَسْلِيمٍ) ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْأَقْوَالَ فِيهَا مُقَدَّرَةٌ وَالْمُقَدَّرُ كَالْمَوْجُودِ، أَوْ التَّعْرِيفُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ، فَلَا يَرِدُ أَيْضًا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ. (وَهِيَ آكَدُ فُرُوضِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَفُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ) قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِنَحْوِ خَمْسِ سِنِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ «فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَوَاتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ خَمْسِينَ، ثُمَّ نُقِصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْسًا، ثُمَّ نُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَك بِهَذِهِ الْخَمْسِ خَمْسِينَ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. (وَسُمِّيَتْ صَلَاةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ) ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا ثَانِيَةُ الشَّهَادَتَيْنِ، كَالْمُصَلِّي مِنْ خَيْلِ الْحَلَبَةِ. (وَتَجِبُ) الصَّلَوَاتُ (الْخَمْسُ) فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مُبَعَّضٍ، (مُكَلَّفٍ) - أَيْ: بَالِغٍ عَاقِلٍ - (غَيْرِ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا لَأُمِرَتَا بِقَضَائِهَا، (وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ) - أَيْ: الْمُسْلِمَ الْمَذْكُورَ - (شَرْعٌ) ، كَمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ حَرْبٍ وَلَمْ يَبْلُغْهُ أَحْكَامُ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيهَا إذَا عَلِمَ كَالنَّائِمِ، (أَوْ) كَانَ (نَائِمًا) أَوْ نَاسِيًا، لِحَدِيثِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، (أَوْ) كَانَ (مُغَطًّى عَقْلُهُ بِإِغْمَاءٍ) ، لِمَا رُوِيَ " أَنَّ عَمَّارًا غُشِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: هَلْ صَلَّيْتُ؟ قَالُوا: مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ ثَلَاثٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى تِلْكَ الثَّلَاثَ " وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ نَحْوُهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا تَطُولُ مُدَّتُهُ غَالِبًا، وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى مَنْ تَلَبَّسَ بِهِ، وَيَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَلَمْ يَسْقُطْ الصَّوْمُ، فَكَذَا الصَّلَاةُ كَالنَّوْمِ، (أَوْ) كَانَ مُغَطًّى عَقْلُهُ بِتَنَاوُلِ (سُكْرٍ مُبَاحٍ) مِنْ دَوَاءٍ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ خَاصًّا بِالْمُسْكِرِ، فَيَقْضِي كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَأَوْلَى، (أَوْ) كَانَ مُغَطًّى عَقْلُهُ بِشُرْبِ (مُحَرَّمٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 اخْتِيَارًا؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُنَاسِبُهَا إسْقَاطُ الْوَاجِبِ، أَوْ كُرْهًا إلْحَاقًا لَهُ بِمَا تَقَدَّمَ، (فَيَقْضِي) السَّكْرَانُ الصَّلَاةَ زَمَنَ سُكْرِهِ (حَتَّى زَمَنِ جُنُونٍ) . (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ لَا) إنْ اسْتَعْمَلَتْ دَوَاءً وَلَوْ مُحَرَّمًا فَاسْتُطْلِقَ دَمٌ (زَمَنَ نَحْوِ حَيْضٍ) مِنْهَا؛ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ مَانِعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ، فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ قَضَائِهَا أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (طَرَأَ) - أَيْ: الْجُنُونُ عَلَى السَّكْرَانِ - (مُتَّصِلًا بِسُكْرٍ مُحَرَّمٍ) تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَقِيَاسُهُ الصَّوْمُ وَغَيْرُهُ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ (مَا لَمْ يَرْتَدَّ) زَمَنُ سُكْرِهِ (ثُمَّ يُجَنُّ) ، فَإِنْ ارْتَدَّ فَجُنَّ فَأَفَاقَ فَلَا يَقْضِي، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (إذْ لَا تَجِبُ) الصَّلَاةُ (عَلَى مُرْتَدٍّ زَمَنَ رِدَّتِهِ) فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا حَالَ إسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقَضَاءِ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالُ عَلَى إسْقَاطِ الْعِبَادَةِ فِي حَقِّ الْأَصْلِيِّ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّ، فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حُكْمُهُ عَمَلًا بِالْمُقْتَضِي الشَّامِلِ لَهُمَا، وَأَمَّا مَا تَرَكَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَلَا) تَجِبُ الصَّلَاةُ (عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وُجُوبَ أَدَاءً) ، بِمَعْنَى أَنَّا لَا نَأْمُرُهُ بِهَا فِي كُفْرِهِ، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 بِقَضَائِهَا إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ بِقَضَائِهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ عَنْ الْإِسْلَامِ، (بَلْ) تَجِبُ عَلَيْهِ (وُجُوبَ عِقَابٍ، لِمُخَاطَبَتِهِ) - أَيْ: الْكَافِرِ - (بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ) مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ عَلَى الصَّحِيحِ كَالتَّوْحِيدِ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] الْآيَةَ [تَتِمَّةُ عِبَادَاتُ الْمُرْتَدِّ الَّتِي فَعَلَهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ] تَتِمَّةُ: لَا تَبْطُلُ عِبَادَاتُ الْمُرْتَدِّ الَّتِي فَعَلَهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا إذَا أَسْلَمَ، وَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا حَبِطَتْ وَإِنْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ عِبَادَةٍ بَطَلَتْ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وَلَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَةُ قَادِرٍ عَلَى الْحَجِّ بِهَا، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْعَوْدِ لِلْإِسْلَامِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي الرِّدَّةِ. (وَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْ مَجْنُونٍ) ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةَ، وَلَا تُمْكِنُ مِنْهُ (وَ) لَا مِنْ (سَكْرَانَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] (وَ) لَا مِنْ (أَبْلَهَ لَا يَعْقِلُ) ، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَغَيْرُهُ كَالْمَجْنُونِ يُقَالُ: بَلِهَ بَلَهًا: كَتَعِبِ تَعَبًا، وَتَبَالَهَ أَرَى نَفْسَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِهِ، وَيُقَالُ: الْأَبْلَهُ أَيْضًا لِمَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ، وَفِي الْحَدِيثِ «أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ» أَيْ: لِأَنَّهُمْ أَغْفَلُوا أَمْرَ دُنْيَاهُمْ وَجَهِلُوا حِذْقَ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَأَقْبَلُوا عَلَى آخِرَتِهِمْ فَشَغَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَا فَاسْتَحَقُّوا أَنْ يَكُونُوا أَكْثَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يَعْنِي الْبُلْهَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِهَا، وَهُمْ أَكْيَاسٌ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ. (وَيَلْزَمُ) مُسْتَيْقِظًا (إعْلَامُ نَائِمٍ بِدُخُولِ وَقْتِهَا) - أَيْ الصَّلَاةِ - (مَعَ ضِيقِهِ) أَيْ الْوَقْتِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ نَامَ قَبْلَ دُخُولِهِ (وَيَتَّجِهُ) : إنَّمَا يَلْزَمُ إعْلَامُ نَائِمٍ (إنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُصَلِّي) ، أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ إعْلَامَهُ لَا يُفِيدُ، فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا ظَنَّ امْتِثَالَ الْمَأْمُورِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِهِمْ، وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ أَفَادَ أَوْ لَمْ يُفِدْ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} [لقمان: 17] . (وَإِذَا) (صَلَّى) كَافِرٌ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «نُهِيَتْ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ بِالصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ بِدُونِ الْإِسْلَامِ وَلِقَوْلِ أَنَسٍ " مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَصَلَّى صَلَاتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ، لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مَوْقُوفًا. وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: صَلَّى صَلَاتَنَا: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُصَلِّيًا بِدُونِهَا، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَشْرُوعَةِ تَخْتَصُّ بِشَرْعِنَا أَشْبَهَتْ الْأَذَانَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِ، جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا بِمَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ، (أَوْ أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ) الصَّلَاةَ (وَلَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِ) أَذَانٍ أَوْ إقَامَةٍ (كَافِرٌ) (يَصِحُّ إسْلَامُهُ) ، وَهُوَ الْمُمَيِّزُ الَّذِي يَعْقِلُهُ (حُكِمَ بِهِ) - أَيْ: إسْلَامِهِ - لِإِتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَمَعْنَى الْحُكْمِ بِهِ: أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَقِبَ ذَلِكَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَدُفِنَ بِمَقَابِرِنَا، وَوَرِثَهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ دُونَ الْكُفَّارِ، وَلَوْ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ، وَقَالَ: صَلَّيْت مُسْتَهْزِئًا وَنَحْوُهُ: لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ، (وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ) - أَيْ: الْكَافِرِ - (ظَاهِرًا) ، فَيُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهَا لِفَقْدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 شَرْطِهَا، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ، وَاغْتَسَلَ، وَصَلَّى بِنِيَّةٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ، (وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ، (وَ) لَا (إقَامَتِهِ) ، فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي صَلَاةٍ وَفِطْرٍ، وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِهِ وَلَا حَجِّهِ وَلَا صَوْمِهِ قَاصِدًا رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَحُجُّونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وَلَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِمْ بِذَلِكَ، وَكَذَا فِي بَاقِي الْعِبَادَاتِ غَيْرِ الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ شَرْعَنَا، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كَانَ لِمَنْ قَبْلنَا مِنْ الْأُمَمِ صَلَوَاتٌ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، لَكِنْ لَيْسَتْ مُمَاثَلَةً لِصَلَاتِنَا فِي الْأَوْقَاتِ وَالْهَيْئَاتِ وَغَيْرِهَا. (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْ مُمَيِّزٍ، وَهُوَ: مَنْ بَلَغَ) - أَيْ: اسْتَكْمَلَ - (سَبْعَ سِنِينَ) وَفِي " الْمُطْلِعِ ": مَنْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ، وَيَرُدُّ الْجَوَابَ، وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ، وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَقَالَ: إنَّ الِاشْتِقَاقَ يَدُلُّ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهَا مِنْ الْمُمَيِّزِ، (وَالثَّوَابُ) - أَيْ: ثَوَابُ عَمَلِ الْمُمَيِّزِ (لَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} [فصلت: 46] (كَعَمَلِ بِرٍّ غَيْرَهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - (فَيُكْتَبُ لَهُ) ، وَ (لَا) يُكْتَبُ (عَلَيْهِ) ، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، (وَشُرِطَ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ) - أَيْ: الْمُمَيِّزِ - (مَا شُرِطَ لِ) صِحَّةِ (صَلَاةِ كَبِيرٍ) بَالِغٍ (إلَّا فِي سُتْرَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي) تَفْصِيلُهُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَ) إلَّا فِي (تَرْكِ قِيَامٍ) فِي مَفْرُوضَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ بِهَا (مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَيْهِ (لِأَنَّهَا نَفْلٌ) فِي حَقِّهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 (وَيَلْزَمُ وَلِيُّهُ) - أَيْ: الصَّغِيرِ - (أَمْرُهُ بِهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - (لِتَمَامِ سَبْعِ) سِنِينَ، (وَ) يَلْزَمُهُ (تَعْلِيمُهُ إيَّاهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - (وَ) تَعْلِيمُهُ (الطَّهَارَةَ) ، كَمَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ فِعْلُ مَا فِيهِ (إصْلَاحُ مَالِهِ) ، وَكَمَا يَلْزَمُهُ (كَفُّهُ عَنْ الْمَفَاسِدِ) لِيَنْشَأَ عَلَى الْكَمَالِ، (وَ) يَلْزَمُهُ أَيْضًا (ضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرِ) سِنِينَ تَامَّةٍ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. قَالَ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيّ: قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِعَدَدِ مَا يُضْرَبُ عَلَى التَّعْلِيمِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُضْرَبُ فَوْقَ ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ: «غَطَّ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ» وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَضْرِبَ الْمُؤَدِّبُ فَوْقَ ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ» وَالْأَمْرُ بِالتَّأْدِيبِ لِتَمْرِينِهِ عَلَيْهَا حَتَّى يَأْلَفَهَا وَيَعْتَادَهَا فَلَا يَتْرُكَهَا. وَأَمَّا وُجُوبُ تَعْلِيمِهِ إيَّاهَا وَالطَّهَارَةَ فَلِتَوَقُّفِ فِعْلِهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. (وَإِنْ بَلَغَ) الصَّغِيرُ (فِي) صَلَاةٍ (مَفْرُوضَةٍ) بِأَنْ تَمَّتْ مُدَّةُ الْبُلُوغِ، وَهُوَ فِيهَا فِي وَقْتِهَا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا، وَسُمِّيَ بُلُوغًا لِبُلُوغِهِ حَدَّ التَّكْلِيفِ (أَوْ) بَلَغَ (بَعْدَهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - (فِي وَقْتِهَا لَزِمَهُ إتْمَامُهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ، قَدَّمَهُ " أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ "، وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ دَخَلَ فِي نَفْلٍ هَلْ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الصَّوْمِ؟ ، وَالْمَذْهَبُ لَا يَلْزَمُهُ. (وَيَتَّجِهُ) : عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا (مَعَ سَعَةِ وَقْتٍ، وَعَدَمِ تَيَمُّمٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 أَمَّا لَوْ تَيَمَّمَ الصَّغِيرُ لِصَلَاةِ فَرْضٍ، ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمٍ فَرْضًا؛ لِأَنَّ مَا نَوَاهُ كَانَ نَفْلًا جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَابْنِ رَزِينٍ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَ " مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ "، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَغَ، وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ فَلَهُ إتْمَامُهَا بِذَلِكَ الْوُضُوءِ لَا لُزُومًا. (وَ) لَزِمَ مَنْ بَلَغَ فِي مَفْرُوضَةٍ أَوْ بَعْدَهَا فِي وَقْتِهَا (إعَادَتُهَا) كَالْحَجِّ، وَلِأَنَّهَا نَافِلَةٌ فِي حَقِّهِ فَلَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ الْفَرِيضَةِ، فَإِنْ بَلَغَ بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ (مَعَ مَجْمُوعَةٍ إلَيْهَا بِإِعَادَةِ تَيَمُّمٍ) لَفَرْضٍ؛ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ كَانَ لِنَافِلَةٍ فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرْضَ، وَ (لَا) يَلْزَمُهُ إعَادَةُ (وُضُوءٍ) ، وَلَا غُسْلُ جَنَابَةٍ؛ لِأَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ لِنَافِلَةٍ اسْتَبَاحَ بِهِ الْفَرِيضَةَ، لِرَفْعِهِ الْحَدَثَ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ، (وَ) لَا إعَادَةُ (إسْلَامٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الدِّينِ، فَلَا يَصِحُّ نَفْلًا، فَإِذَا وُجِدَ فَعَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ. (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَزِمَتْهُ) فَرِيضَةٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ (تَأْخِيرُهَا أَوْ) تَأْخِيرُ (بَعْضِهَا عَنْ وَقْتِ جَوَازٍ) ، أَيْ: وَقْتِ الصَّلَاةِ، إنْ كَانَ لَهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ (إلَى وَقْتِ ضَرُورَةٍ) ، أَيْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ إنْ كَانَ لَهَا وَقْتَانِ، وَمَحِلُّهُ إذَا كَانَ (ذَاكِرًا قَادِرًا عَلَى فِعْلِهَا) ، بِخِلَافِ نَائِمٍ قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": إجْمَاعًا، لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلَاةً إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 أُخْرَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إيقَاعُهَا فِي الْوَقْتِ، فَإِذَا خَرَجَ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَا كُلِّهَا كَانَ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ مُخَالِفًا لِلْأَمْرِ، وَتَأْخِيرُهَا مِنْ الْقَادِرِ عَلَى فِعْلِهَا كَبِيرَةٌ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، (لَا إنْ طَرَأَ مَانِعٌ) مِنْ فِعْلِهَا فِي وَقْتِهَا (كَحَيْضٍ) فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَى انْقِطَاعِهِ، وَالتَّطَهُّرِ مِنْهُ (إلَّا لِمَنْ لَهُ الْجَمْعُ) بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لِنَحْوِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، (وَيَنْوِيهِ) ، أَيْ: الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى الْمُتَّسِعِ لَهَا، فَيَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُؤَخِّرُ الْأُولَى فِي الْجَمْعِ، وَيُصَلِّيهَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَلِأَنَّ وَقْتَيْهِمَا يَصِيرَانِ وَقْتًا وَاحِدًا لَهُمَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَائِهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتٌ مَعْلُومٌ، فَيَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَيْهِ فَتَعَيَّنَ إخْرَاجُهُ، (أَوْ لِمُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - (الَّذِي يُحَصِّلُهُ) - أَيْ الشَّرْطَ - (قَرِيبًا كَمُشْتَغِلٍ بِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَخِيَاطَةِ سُتْرَةٍ) انْخَرَقَتْ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ غَيْرُهَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا بُدَّ لَهُ، وَ (لَا) يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِتَحْصِيلِ شَرْطِهَا حَيْثُ كَانَ (بَعِيدًا كَذَهَابِ) عُرْيَانَ لِبَلَدٍ أُخْرَى (لِشِرَاءِ سُتْرَةٍ) ، وَلَا تَحْصُلُ لَهُ إلَّا (بَعْدَ) خُرُوجِ (وَقْتٍ) فَيُصَلِّي عُرْيَانَ، (أَوْ) عَلِمَ عَدَمَ وُصُولِ (نَوْبَةِ مُسَافِرٍ) إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي كَعَادِمِ الْمَاءِ، (وَ) كَذَا (عَاجِزٌ عَنْ تَعَلُّمِ نَحْوِ تَكْبِيرٍ وَتَشَهُّدٍ) وَفَاتِحَةٍ وَأَدِلَّةِ قِبْلَةٍ خَفِيَتْ عَلَيْهِ، فَيُصَلِّي فِي الْوَقْتِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ تَقْدِيمًا لِلْوَقْتِ، لِسُقُوطِ الشَّرْطِ إذَنْ بِالْعَجْزِ عَنْهُ. (وَلَهُ) - أَيْ: لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ - (تَأْخِيرُ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ مَعَ الْعَزْمِ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْفِعْلِ - فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ مِمَّا وَقْتُهُ مُوَسَّعٌ، (مَا لَمْ يَظُنَّ مَانِعًا) مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ (كَمَوْتٍ وَقَتْلٍ وَحَيْضٍ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ نَامَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَظَنَّ أَنَّهُ لَا يُفِيقُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُهَا قَبْلَ النَّوْمِ، لِئَلَّا تَفُوتَهُ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ أَدَاؤُهَا، (أَوْ) مَا لَمْ (يُعَرْ سُتْرَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 أَوَّلَهُ) - أَيْ: أَوَّلَ الْوَقْتِ - (فَقَطْ) ، فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا إذَنْ، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا بِشَرْطِهَا، (أَوَّلًا) لَا (يَبْقَى وُضُوءُ عَادِمِ مَاءٍ لِآخِرِهِ) ، أَيْ: آخِرِ الْوَقْتِ، (وَلَا يَرْجُو وُجُودَهُ) - أَيْ: الْمَاءِ - فِي الْوَقْتِ فَيَتَعَيَّنُ أَوَّلَ الْوَقْتِ، لِئَلَّا يَفُوتَهُ شَرْطُهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ عَدَمُ الْمَاءِ (حَضَرًا) كَقَطْعِ عَدُوٍّ مَاءَ بَلَدِهِ وَنَحْوِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّفَرِ، (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ: " لِلْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " - (فِيمَا يُوهِمُ) مِنْ عِبَارَتَيْهِمَا حَيْثُ قَيَّدَا عَدَمَ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَنَحْوُ مُسْتَحَاضَةٍ) مِمَّنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ (اُعْتِيدَ انْقِطَاعُ) دَمِهَا، أَوْ حَدَثُهُ (أَوَّلَهُ) - أَيْ الْوَقْتِ - فَيَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَذَا لَوْ اُعْتِيدَ الِانْقِطَاعُ وَسَطَ الْوَقْتِ أَوْ آخِرَهُ فَيَتَعَيَّنُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ. (وَمَنْ لَهُ التَّأْخِيرُ) ، أَيْ: تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، فَأَخَّرَهَا فَإِنَّهَا (تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ فِعْلِهَا) فِيهِ، (وَلَا إثْمَ) عَلَيْهِ، بِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ (بِخِلَافِ عَكْسِهِ) ، وَهُوَ: مَنْ لَيْسَ لَهُ التَّأْخِيرُ فَلَا تَسْقُطُ هِيَ، وَلَا إثْمُ تَأْخِيرِهَا عَنْهُ بِمَوْتِهِ. [فَصْلٌ جَحَدُ وُجُوب الصَّلَاة] (فَصْلٌ) (وَمَنْ جَحَدَهَا) - أَيْ: الصَّلَاةَ - بِأَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا كَفَرَ، (أَوْ) جَحَدَ وُجُوبَ (جُمُعَةٍ كَفَرَ) إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجْهَلُهُ، كَمَنْ نَشَأَ بِدَارِ إسْلَامٍ، (وَلَوْ فَعَلَهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْحَدُهَا إلَّا تَكْذِيبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَيَصِيرُ مُرْتَدًّا، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ وُجُوبَهَا، كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ، أَوْ مَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ عُرِّفَ وُجُوبَهَا، وَلَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، فَإِنْ قَالَ أُنْسِيتُهَا، قِيلَ لَهُ: صَلِّ الْآنَ، وَإِنْ قَالَ: أَعْجَزُ عَنْهَا، لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ عَجَزَ عَنْ أَرْكَانِهَا أُعْلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطَ الصَّلَاةَ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ طَاقَتِهِ، فَإِنْ أَصَرَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 عَلَى الْجَحْدِ كَفَرَ، لِمَا سَبَقَ. (أَوْ) كَانَ جَحْدُهُ لِوُجُوبِهَا (جَهْلًا) بِهِ (وَعَرَفَ) الْوُجُوبَ، (فَعَلِمَ وَأَصَرَّ) عَلَى جُحُودِهِ كَفَرَ، لِمَا تَقَدَّمَ، (وَكَذَا تَارِكُهَا، أَوْ) تَارِكُ (شَرْطٍ) لَهَا كَالْوُضُوءِ (أَوْ رُكْنٍ لَهَا مَجْمَعٍ عَلَيْهِ) كَالرُّكُوعِ (تَهَاوُنًا أَوْ كَسَلًا إذَا دَعَاهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ لِفِعْلِهَا) ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ يَعْتَقِدُ سُقُوطَهَا بِهِ كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، (وَأَبَى) فِعْلَهَا (حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا) بِأَنْ يُدْعَى لِلظُّهْرِ مَثَلًا فَيَأْبَى حَتَّى يَتَضَايَقَ وَقْتُ الْعَصْرِ عَنْهَا فَيُقْتَلُ كُفْرًا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِقَوْلِهِ «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِقَوْلِهِ «أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمْ الْأَمَانَةُ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةُ» قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ ذَهَبَ آخِرُهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَالَ عُمَرُ: لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَقَالَ عَلِيٌّ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ كَافِرٌ. (وَيُسْتَتَابَانِ) ، أَيْ: الْجَاحِدُ لِوُجُوبِهَا، وَالتَّارِكُ لَهَا تَهَاوُنًا أَوْ كَسَلًا بَعْدَ الدِّعَايَةِ وَالْإِبَاءِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا، وَيُضِيفُ عَلَيْهِمَا، وَيُدْعَيَانِ كُلَّ وَقْتِ صَلَاةٍ إلَيْهَا، (فَإِنْ تَابَا بِفِعْلِهَا، وَرُجُوعِ جَاحِدٍ) لِوُجُوبِهَا خُلِّيَ سَبِيلُهُمَا، وَإِنْ قَالَ: أُصَلِّي بِمَنْزِلِي مَثَلًا تُرِكَ وَأُمِرَ بِهَا، وَوُكِّلَتْ إلَى أَمَانَتِهِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتُوبَا بِذَلِكَ (قُتِلَا) بِضَرْبِ عُنُقِهِمَا بِالسَّيْفِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» أَيْ: الْهَيْئَةَ مِنْ الْقَتْلِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ (كُفْرًا) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ أَحْمَدَ، وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرِثُ مُسْلِمًا وَلَا يَرِثُهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الْآجُرِّيُّ: مَنْ قُتِلَ مُرْتَدًّا يُتْرَكُ بِمَكَانِهِ وَلَا يُدْفَنُ، وَلَا كَرَامَةَ، وَلَا يُرَقُّ وَلَا يُسَمَّى لَهُ أَهْلٌ وَلَا وَلَدٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 (تَتِمَّةٌ) : قَالَ الْأَزْهَرِيُّ ": الْكُفْرُ بِاَللَّهِ أَنْوَاعٌ: إنْكَارٌ وَجُحُودٌ وَعِنَادٌ وَنِفَاقٌ، فَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِوَاحِدَةٍ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَالْإِنْكَارُ: كُفْرٌ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَالْجُحُودُ هُوَ: أَنْ يَعْرِفَ بِقَلْبِهِ وَلَا يُقِرَّ بِلِسَانِهِ، وَالْعِنَادُ هُوَ: أَنْ يَعْرِفَ بِقَلْبِهِ، وَيُقِرَّ بِلِسَانِهِ، وَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ الْإِيمَانَ بِالتَّوْحِيدِ، وَالنِّفَاقُ هُوَ: أَنْ يُقِرَّ بِلِسَانِهِ، وَيَكْفُرَ بِقَلْبِهِ. (وَلَا قَتْلَ، وَلَا تَكْفِيرَ قَبْلَ دِعَايَةٍ) مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ إلَيْهَا، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَرَكَهَا لِشَيْءٍ يَظُنُّهُ عُذْرًا فِي تَرْكِهَا. (وَمَنْ تَرَكَ زَكَاةً) تَهَاوُنًا (أَوْ) تَرَكَ (صَوْمًا أَوْ) تَرَكَ (حَجًّا تَهَاوُنًا قُتِلَ حَدًّا) لَا كُفْرًا، وَذَلِكَ (بَعْدَ اسْتِتَابَةٍ وَامْتِنَاعٍ) لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ " لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ ". (وَلَا قَتْلَ بِتَرْكِ صَلَاةٍ فَائِتَةٍ أَوْ) تَرْكِ (كَفَّارَةٍ أَوْ) تَرْكِ (نَذْرٍ تَهَاوُنًا) لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا فَوْرًا، (وَلَا كُفْرَ بِ) تَرْكِ (شَرْطٍ) مُخْتَلَفٍ فِيهِ كَالِاسْتِنْجَاءِ (أَوْ) تَرْكِ (رُكْنٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ) كَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ إذَا كَانَ التَّارِكُ لَهُ (يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ) أَيْ: وُجُوبَ فِعْلِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، أَوْ الرُّكْنِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، كَمَا لَا حَدَّ عَلَى مُتَزَوِّجٍ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ، وَمَنْ تَابَعَهُ، (خِلَافًا لَهُمَا) ، أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " وَ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ صَرَّحَا هُنَا بِكُفْرِهِ تَبَعًا لِابْنِ عَقِيلٍ، وَالدَّلِيلُ وَالتَّعْلِيلُ يَشْهَدَانِ بِصِحَّةِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَأَمَّلَ نُصُوصَ الْمَذْهَبِ عَلِمَ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ قِيَاسًا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الرِّدَّةِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَتَنْبَغِي الْإِشَاعَةُ عَنْهُ) - أَيْ: عَنْ تَارِكِ الصَّلَاةِ - (بِتَرْكِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ، وَلَا يَنْبَغِي السَّلَامُ عَلَيْهِ، وَلَا إجَابَةُ دَعْوَتِهِ) لَعَلَّهُ يَرْتَدِعُ بِذَلِكَ وَيَرْجِعُ. وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الْجُمُعَةِ كَفَرَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا، وَظُهُورِ حُكْمِهَا، فَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 [خَاتِمَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بِمَا كَفَرَ إبْلِيسُ] ُ، فَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا أَنَّهُ كَفَرَ بِتَرْكِ السُّجُودِ لَا بِجُحُودِهِ، وَقِيلَ كَفَرَ لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ الشِّفَاهِيِّ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى -، فَإِنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - خَاطَبَهُ بِذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ " فِي الِاسْتِعَاذَةِ لَهُ. وَقَالَ جُمْهُورُ النَّاسِ: كَفَرَ إبْلِيسُ؛ لِأَنَّهُ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَعَانَدَ وَطَعَنَ وَأَصَرَّ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي تَمَرُّدِهِ، وَاسْتَدَلَّ بِ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: 12] فَكَأَنَّهُ تَرَكَ السُّجُودَ لِآدَمَ تَسْفِيهًا لِأَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَحِكْمَتِهِ، وَعَنْ هَذَا الْكِبْرِ عَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: إنَّمَا أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَاسْتَكْبَرَ، وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ، وَالِاسْتِكْبَارُ كُفْرٌ، وَقَالَتْ الْخَوَارِجُ: كُفْرٌ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ كُفْرٌ، وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. . [بَابُ الْآذَانِ] (بَابُ الْآذَانِ) لُغَةً: الْإِعْلَامُ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أَيْ: أَعْلِمْهُمْ بِهِ، يُقَالُ: أَذَّنَ بِالشَّيْءِ يُؤَذِّنُ أَذَانًا وَتَأْذِينًا وَأَذِينًا كَعَلِيمٍ إذَا أَعْلَمَ بِهِ، فَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْإِذْنِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ، كَأَنَّهُ يُلْقِي فِي آذَانِ النَّاسِ مَا يُعْلِمُهُمْ بِهِ. وَشَرْعًا: (إعْلَامٌ بِدُخُولِ وَقْتٍ لِصَلَاةٍ، أَوْ:) إعْلَامٌ (بِقُرْبِهِ) - أَيْ: وَقْتِهَا - (لِفَجْرٍ) فَقَطْ (وَالْإِقَامَةُ) : مَصْدَرُ أَقَامَ، وَحَقِيقَتُهُ: إقَامَةُ الْقَاعِدِ، فَكَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ إذَا أَتَى بِأَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ أَقَامَ الْقَاعِدِينَ، وَأَزَالَهُمْ عَنْ قُعُودِهِمْ. وَشَرْعًا: (إعْلَامٌ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - (بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ فِيهِمَا) أَيْ: الْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَيُطْلَقَانِ عَلَى نَفْسِ الذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ، (وَهُوَ) - أَيْ: الْأَذَانُ - (أَفْضَلُ مِنْهَا) - أَيْ: الْإِقَامَةِ - لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 أَلْفَاظًا، وَأَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ (وَ) الْآذَانُ أَفْضَلُ أَيْضًا (مِنْ إقَامَةٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالْأَمَانَةُ أَعْلَى مِنْ الضَّمَانِ، وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ الْإِرْشَادِ؛ إذْ الْإِرْشَادُ: الْإِقَامَةُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، وَالْمَغْفِرَةُ: مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَفْرِ، وَهُوَ: السَّتْرُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا يَخْفَى. وَإِنَّمَا لَمْ يَتَوَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ الْآذَانَ لِضِيقِ وَقْتِهِمْ، قَالَ عُمَرُ ": لَوْلَا الْخِلِّيفَى لَأَذَّنْتُ " وَيَشْهَدُ لِفَضْلِ الْآذَانِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلُهُ «مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَأَحَادِيثُ الْبَابِ كَثِيرَةٌ. وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ: مَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يُعَلِّمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ، فَذَكَرُوا أَنْ يُوقِدُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا، فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ «لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ، طَافَ بِي، وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا، بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قُلْتُ: أَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: قُلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قَالَ: تَقُولُ إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: إنَّهَا لِرُؤْيَا حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهِ عَلَيْهِ فَلِيُؤَذِّنْ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ، فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ، وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بَعْضَهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهَا) - أَيْ: الْإِمَامَةَ - (أَفْضَلُ مِنْ إقَامَةٍ) لِحَدِيثِ «اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ» وَتَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) - أَيْ: بَيْنَ الْآذَانِ وَالْإِمَامَةِ - (أَفْضَلُ) ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَقَالَ: مَا صَلَحَ لَهُ فَهُوَ أَفْضَلُ. (وَسُنَّ أَذَانٌ فِي يُمْنَى أُذُنَيْ مَوْلُودٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (حِينَ يُولَدُ، وَإِقَامَةٌ بِيُسْرَاهُمَا) لِأَنَّهُ، «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِخَبَرِ ابْنِ السُّنِّيِّ «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» أَيْ: التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ. وَلِيَكُونَ التَّوْحِيدُ أَوَّلَ شَيْءٍ يَقْرَعُ سَمْعَهُ حِينَ خُرُوجِهِ إلَى الدُّنْيَا، كَمَا يُلَقَّنُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا، وَلِمَا فِيهِ مِنْ طَرْدِ الشَّيْطَانِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يُضَرُّ عِنْدَ سَمَاعِ الْآذَانِ، وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ رَزِينٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وَالْمُرَادُ: أُذُنُهُ الْيُمْنَى، قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ". وَمِمَّا جُرِّبَ أَنَّ الْأَذَانَ فِي أُذُنِ الْمَحْزُونِ يَصْرِفُ حُزْنَهُ، وَإِذَا أُذِّنَ خَلْفَ الْمُسَافِرِ رَجَعَ، وَإِذَا أُذِّنَ فِي أُذُنِ مَنْ خُلُقُهُ سَيِّئٌ حَسُنَ خُلُقُهُ، وَمِمَّا جُرِّبَ لِحَرْقِ الْجِنِّ أَوْ يُؤَذِّنُ فِي أُذُنِ الْمَصْرُوعِ سَبْعًا، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ سَبْعًا، وَيَقْرَأُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَآخِرَ الْحَشْرِ وَالصَّافَّاتِ، وَإِذَا قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ سَبْعًا عَلَى مَاءٍ، وَرَشَّهُ عَلَى وَجْهِ الْمَصْرُوعِ فَإِنَّهُ يُفِيقُ (وَهُمَا) - أَيْ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ - (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِحَدِيثِ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُؤَذَّنُ وَلَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ. وَلِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ كَالْجِهَادِ، (لِ) الصَّلَوَاتِ (الْخَمْسِ) دُونَ الْمَنْذُورَةِ وَغَيْرِهِمَا، (الْمُؤَدَّاةِ) لَا الْمَقْضِيَّاتِ، (وَالْجُمُعَةِ) : عَطْفٌ عَلَى الْخَمْسِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، لِمَزِيَّتِهَا وَفَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهَا قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِدُخُولِهَا فِي الْخَمْسِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفْرَضَا فِي غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْإِعْلَامُ بِوَقْتِ الْفَرِيضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَالْقِيَامُ إلَيْهَا، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا. (عَلَى رِجَالٍ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ لَا الْوَاحِدِ، وَلَا النِّسَاءِ، وَلَا الْخَنَاثَى (أَحْرَارٍ) لَا أَرِقَّاءَ وَمُبَعَّضِينَ، إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يَلْزَمُ رَقِيقًا لِاشْتِغَالِهِمْ بِخِدْمَةِ مُلَّاكِهِمْ، (حَضَرٍ) فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ مُسَافِرٌ أَوْ مُنْفَرِدٌ عَلَى الْإِقَامَةِ لَمْ يُكْرَهْ. (وَسُنَّا) - أَيْ الْأَذَانَ (وَ) الْإِقَامَةَ (سَفَرًا) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلِابْنِ عَمٍّ لَهُ إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) سُنَّا (لِمُنْفَرِدٍ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا «يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ الشَّظِيَّةِ لِلْجَبَلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالشَّظِيَّةُ بِالشِّينِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ: الْقِطْعَةُ الْمُرْتَفِعَةُ فِي رَأْسِ الْجَبَلِ (وَ) سُنَّا أَيْضًا (لِمَقْضِيَّتِهِ) مِنْ الْخَمْسِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَنَامَ عَنْ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: تَنَحُّوا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (بِرَفْعِ صَوْتٍ) فِي الْكُلِّ (إنْ لَمْ يَخَفْ نَحْوَ لَبْسٍ) ، كَمَا لَوْ أَذَّنَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَذَانِ، وَكُرِهَ رَفْعُ صَوْتِهِ بِالْأَذَانِ فِي بَيْتِهِ الْبَعِيدِ عَنْ الْمَسْجِدِ، لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَنْ يَقْصِدُ الْمَسْجِدَ إذَا سَمِعَهُ، وَقَصَدَ الصَّلَاةَ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ. (وَلَوْ تَرَكُوهُمَا) ، أَيْ: تَرَكَ الْمَذْكُورُونَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ، وَصَلُّوا بِدُونِهِمَا (لَمْ يُكْرَهْ) نَصًّا (وَيُؤَذَّنُ فِي) صَلَاةِ (جَمْعٍ) حَيْثُ جَازَ، (وَ) فِي (قَضَاءِ فَوَائِتَ لِ) الصَّلَاةِ (الْأُولَى) فَقَطْ، (وَيُقِيمُ لِلْكُلِّ) ، أَيْ: لِكُلِّ فَرِيضَةٍ بِمُفْرَدِهَا. (وَكُرِهَ) أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ (لِخَنَاثَى وَنِسَاءٍ وَلَوْ) كَانَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مِنْهُمَا (بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ) ، لِأَنَّهُمَا وَظِيفَةُ الرِّجَالِ، فَفِيهِ نَوْعُ تَشَبُّهٍ بِهِمْ، (وَلَا يُشْرَعَانِ) - أَيْ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ - (لِكُلِّ مَنْ بِالْمَسْجِدِ، وَتَحْصُلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 الْفَضِيلَةُ لَهُمْ بِمُتَابَعَةِ مُؤَذِّنٍ وَمُقِيمٍ) فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. (وَيَكْفِي) فِي الْمِصْرِ (مُؤَذِّنٌ) وَاحِدٌ، (بِلَا حَاجَةٍ) إلَى الزِّيَادَةِ نَصًّا، وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى اثْنَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَى أَرْبَعَةٍ، لِفِعْلِ عُثْمَانَ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، (وَيُزَادُ) مَعَ الْحَاجَةِ لِأَكْثَرَ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِعْلَامُ بِوَاحِدٍ (بِقَدْرِهَا) أَيْ: الْحَاجَةِ: كُلُّ وَاحِدٍ فِي جَانِبٍ، أَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً بِمَكَانٍ وَاحِدٍ. (وَيُقِيمُ) الصَّلَاةَ (مَنْ يَكْفِي) فِي الْإِقَامَةِ، وَيُقَدَّمُ مَنْ أَذَّنَ أَوَّلًا. (وَلَا يَلْزَمُ رَقِيقًا فَرْضُ كِفَايَةٍ) ، لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ فِي الْجُمْلَةِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الرَّقِيقَ فَرْضُ كِفَايَةٍ مِنْ (نَحْوِ أَذَانٍ) وَإِقَامَةٍ، (وَ) صَلَاةِ (عِيدٍ، لَا نَحْوِ غُسْلِ مَيِّتٍ) وَصَلَاةٍ عَلَيْهِ (وَدَفْنِهِ) ، وَرَدِّ سَلَامٍ وَتَشْمِيتِ عَاطِسٍ، فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ (مَعَ عَدَمِ حُرٍّ يَقُومُ بِهِ) ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِتَعَيُّنِ أَخْذِ اللَّقِيطِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ. (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى " فِيمَا يُوهَمُ) مِنْ عِبَارَتِهِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الرَّقِيقِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يُنَادِي) بِأَذَانٍ وَلَا غَيْرِهِ (لِجِنَازَةٍ وَتَرَاوِيحَ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ (بَلْ) يُنَادَى (نَدْبًا لِعِيدٍ) : الصَّلَاةَ جَامِعَةً، أَوْ: الصَّلَاةَ، قِيَاسًا عَلَى الْكُسُوفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ «لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ خُرُوجِ الْإِمَامِ، وَلَا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ، وَلَا إقَامَةَ وَلَا نِدَاءَ وَلَا شَيْءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) يُنَادَى لِصَلَاةِ (كُسُوفٍ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَ) يُنَادَى لِصَلَاةِ (اسْتِسْقَاءٍ) بِأَنْ يُقَالَ: (الصَّلَاةَ جَامِعَةً) بِنَصَبِ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى الْحَالِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " بِنَصَبِهِمَا وَرَفْعِهِمَا، (أَوْ) يُقَالُ: (الصَّلَاةَ) : بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَوَّلِ، أَوْ بِهِ، وَبِالرَّفْعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 عَلَى الثَّانِي. (الثَّانِي) . (وَكُرِهَ) النِّدَاءُ فِي عِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ بِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. (وَلَيْسَا) - أَيْ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ - (بِشَرْطٍ لِصَلَاةٍ فَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِدُونِهِمَا مَعَ حُرْمَةٍ) عَلَى تَارِكِهِمَا (حَيْثُ فُرِضَا) ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ " صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ " احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَقَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " تَبِعَا " لِلْخِرَقِيِّ " وَغَيْرِهِ: فَتَصِحُّ بِدُونِهِمَا مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ. (وَيُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ تَرَكُوهُمَا) - أَيْ: الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ - لِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ كَالْعِيدِ، فَيُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَإِذَا قَامَ بِهِمَا مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ غَالِبًا، وَلَوْ وَاحِدًا أَجْزَأَ عَنْ الْكُلِّ نَصًّا (وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ) عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَاِتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى آذَانِهِ أَجْرًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْإِقَامَةُ كَالْأَذَانِ مَعْنًى وَحُكْمًا. وَ (لَا) يَحْرُمُ أَخْذُ (جَعَالَةٍ عَلَيْهِمَا) - أَيْ: الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ - كَأَخْذِ رِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَوْلَى (فَإِنْ عُدِمَ مُتَطَوِّعٌ) بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (جَازَ رِزْقُ) إمَامٍ (مِنْ بَيْتِ مَالِ) مِنْ مَالِ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلْمَصَالِحِ وَالرِّزْقِ وَالْعَطَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وَالرِّزْقُ مَا يَنْفَعُ وَلَوْ مُحَرَّمًا، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْأَرْزَاقُ نَوْعَانِ: ظَاهِرَةٌ: لَلْأَبَدَانِ كَالْأَقْوَاتِ، وَبَاطِنَةٌ: لِلْقُلُوبِ وَالنُّفُوسِ، كَالْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ. (لِمَنْ يَقُومُ بِهِمَا) ؛ لِأَنَّ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةً إلَيْهِمَا، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ عَلَيْهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ الْمُتَطَوِّعَ لَمْ يُعْطِ غَيْرَهُ شَيْئًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ ". (وَلَا يَصِحَّانِ) - أَيْ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ - (إلَّا بِوَقْتٍ) أَيْ: بَعْدَ دُخُولِهِ، لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلِيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَهُوَ حَثٌّ عَلَى الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَصِحَّ فِي وَقْتٍ لَا تَصِحُّ فِيهِ. (وَ) يَصِحُّ الْأَذَانُ (لِفَجْرٍ مِنْ بَعْدِ نِصْفِ لَيْلٍ) ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَهُ قَدْ ذَهَبَ، وَبِذَلِكَ يَخْرُجُ وَقْتُ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارُ، وَيَدْخُلُ وَقْتُ الدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَيُعْتَدُّ بِالْأَذَانِ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ كَانَ بِرَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ، وَفِيهِمْ الْجُنُبُ وَالنَّائِمُ فَاسْتُحِبَّ تَقْدِيمُ أَذَانِهِ حَتَّى يَتَهَيَّئُوا لَهَا فَيُدْرِكُوا فَضِيلَةَ الْوَقْتِ. تَنْبِيهٌ: وَاللَّيْلُ هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ غُرُوبَ الشَّمْسِ، وَآخِرُهُ طُلُوعَهَا، كَمَا أَنَّ النَّهَارَ الْمُعْتَبَرَ نِصْفُهُ أَوَّلُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَآخِرُهُ غُرُوبُهَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا يُسْتَحَبُّ تَقَدُّمُ أَذَانِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ كَثِيرًا، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَ الْقَاسِمُ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ ذَا وَيَرْقَى ذَا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَجْمُوعُ مَا رُوِيَ فِي تَقَدُّمِ الْأَذَانِ قَبْلَ الْأَذَانِ لِلْفَجْرِ إنَّمَا هُوَ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ، وَأَمَّا مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الْأَذَانِ لِلْفَجْرِ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ فَخِلَافُ السُّنَّةِ إنْ سُلِّمَ جَوَازُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْ يَجْعَلَ أَذَانَهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي اللَّيَالِي كُلِّهَا، وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يُؤَذِّنُ فِي الْوَقْتِ، وَأَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ عَادَةً لِئَلَّا يَغُرَّ النَّاسَ. وَلَا يَصِحَّانِ إلَّا (مُرَتَّبَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمَا ذِكْرٌ مُعْتَدٌّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِنَظْمِهِ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ (مُتَوَالِيَيْنِ عُرْفًا) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا بِغَيْرِ مُوَالَاةٍ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا مَنْوِيَّيْنِ (مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ لَا أَكْثَرَ) ، فَلَوْ أَتَى وَاحِدٌ بِالْبَعْضِ، وَكَمَّلَ آخَرُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، كَالصَّلَاةِ (وَشُرِطَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - فِي الْمُؤَذِّنِ شُرُوطٌ: (كَوْنُهُ ذَكَرًا) : فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَالْحِكَايَةِ، وَكَوْنُهُ (عَاقِلًا) : فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَكَوْنُهُ (مُسْلِمًا) : فَلَا يَعْتَدُّ بِأَذَانِ كَافِرٍ لِعَدَمِ النِّيَّةِ، وَكَوْنُهُ (مُمَيِّزًا) ، لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ " كَانَ عُمُومَتِي يَأْمُرُونَنِي أَنْ أُؤَذِّنَ لَهُمْ وَأَنَا غُلَامٌ لَمْ أَحْتَلِمْ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ ". (نَاطِقًا) ، لِيَحْصُلَ الْإِعْلَامُ بِهِ، (نَاوِيًا) ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (عَدْلًا وَلَوْ ظَاهِرًا) : فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ،؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَصَفَ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْأَمَانَةِ " وَالْفَاسِقُ غَيْرُ أَمِينٍ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": أَمَّا مَسْتُورُ الْحَالِ فَيَصِحُّ أَذَانُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. (وَبَصِيرٌ أَوْلَى) بِالْأَذَانِ مِنْ أَعْمَى؛ لِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ عَنْ يَقِينٍ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى فَرُبَّمَا غَلِطَ فِي الْوَقْتِ، وَمِثْلُهُ عَارِفٌ بِالْوَقْتِ مَعَ جَاهِلٍ بِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ أَذَانِ الْأَعْمَى؛ لِأَنَّ «ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ حَتَّى يُقَالَ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَرَفْعُ صَوْتٍ) بِأَذَانٍ (رُكْنٌ لِيَحْصُلَ سَمَاعٌ) ؛ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ لِلْإِعْلَامِ (مَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِحَاضِرٍ) فَبِقَدْرِ مَا يَسْمَعُهُ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ صَوْتَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ، (وَتُكْرَهُ زِيَادَةٌ) فِي رَفْعِ صَوْتِهِ (فَوْقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 طَاقَتِهِ) خَشْيَةَ الضَّرَرِ، (وَإِنْ خَافَتَ بِبَعْضِهِ) - أَيْ: الْأَذَانِ - (وَجَهَرَ بِبَعْضٍ) مِنْهُ (فَلَا بَأْسَ) ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: رَفْعُ الصَّوْتِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ مَنْ تَقُومُ بِهِ الْجَمَاعَةُ رُكْنٌ. (وَإِنْ نَكَّسَ) الْأَذَانَ أَوْ الْإِقَامَةَ: بِأَنْ قَدَّمَ بَعْضَ الْجُمَلِ عَلَى بَعْضٍ بَطَلَا لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ، (أَوْ سَكَتَ فِي الْأَثْنَاءِ طَوِيلًا عُرْفًا) وَلَوْ بِسَبَبِ نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ، (أَوْ تَكَلُّمٍ) فِي أَثْنَائِهِمَا بِكَلَامٍ كَثِيرٍ بَطَلَا، لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ، أَوْ تَكَلَّمَ (بِ) كَلَامٍ (مُحَرَّمٍ: كَسَبٍّ وَقَذْفٍ) (بَطَلَا) - أَيْ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ - وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّهُ سَامِعُهُ مُتَلَاعِبًا، أَشْبَهَ الْمُسْتَهْزِئَ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. (وَكُرِهَ سُكُوتٌ يَسِيرٌ) فِي الْأَثْنَاءِ لِإِيهَامِهِ عَدَمَ الْمُوَالَاةِ. (وَ) كُرِهَ (كَلَامٌ) مُطْلَقًا (بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ. (وَلَهُ رَدُّ سَلَامٍ فِيهِمَا) - أَيْ: فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ - وَلَا يَبْطُلَانِ بِهِ، وَلَا يَجِبُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ إذْنٌ غَيْرُ مَسْنُونٍ. (وَسُنَّ كَوْنُهُ) - أَيْ: الْمُؤَذِّنِ - (صَيِّتًا) ، أَيْ: رَفِيعَ الصَّوْتِ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك» وَ " اخْتَارَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِلْأَذَانِ لِكَوْنِهِ صَيِّتًا " وَلِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي الْإِعْلَامِ (أَمِينًا) ، أَيْ: عَدْلًا؛ لِمَا رَوَى أَبُو مَحْذُورَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُمَنَاءُ النَّاسِ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَسَحُورِهِمْ: الْمُؤَذِّنُونَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَفِي إسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَفِيهِ كَلَامٌ. وَلِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يُؤْمَنُ بِأَذَانِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يَعْلُو لِلْأَذَانِ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْهُ النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَاتِ. (بَالِغًا) ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، (بَصِيرًا) لِيُؤْمَنَ خَطَؤُهُ (عَالِمًا بِالْوَقْتِ) لِيَتَحَرَّاهُ فَيُؤَذِّنَ فِي أَوَّلِهِ. (وَلَوْ) كَانَ الْمُؤَذِّنُ (عَبْدًا) فَلَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَسُنَّ كَوْنُهُ (وَاقِفًا) غَيْرَ مَاشٍ، (قَائِمًا فِيهِمَا) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 أَيْ: الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ قُمْ فَأَذِّنْ» وَكَانَ مُؤَذِّنُو رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَذِّنُونَ قِيَامًا، وَالْإِقَامَةُ أَحَدُ الْأَذَانَيْنِ (فَيُكْرَهَانِ) - أَيْ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ - (قَاعِدًا) - أَيْ: مِنْ قَاعِدٍ - (وَمَاشِيًا) أَيْ: مِنْ مَاشٍ - (لِغَيْرِ مُسَافِرٍ وَمَعْذُورٍ) لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ، وَكَذَا رَاكِبًا وَمُضْطَجِعًا. وَصَحَّا مِنْ نَحْوِ قَاعِدٍ، لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِآكَدَ مِنْ الْخُطْبَةِ. (مُتَطَهِّرًا) مِنْ الْحَدَثَيْنِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَصَحُّ. وَالْإِقَامَةُ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ، لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الصَّلَاةِ، (فَيُكْرَهُ أَذَانُ جُنُبٍ) لَا مُحْدِثٍ نَصًّا، (وَ) تُكْرَهُ (إقَامَةُ مُحْدِثٍ) ، لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ. وَسُنَّ كَوْنُ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (عَلَى عُلُوٍّ) أَيْ: مَوْضِعٍ عَالٍ كَمَنَارَةٍ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ. وَرُوِيَ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ " كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الْفَجْرَ فَيَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ فَيَنْظُرُ إلَى الْفَجْرِ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطَّى، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَعِينُكَ وَأَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا دِينَكَ، قَالَتْ: ثُمَّ يُؤَذِّنُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَسُنَّ كَوْنُهُ (رَافِعًا وَجْهَهُ) إلَى السَّمَاءِ، وَلَوْ كَانَ أَعْمَى، فِي أَذَانِهِ كُلِّهِ، وَسُنَّ أَيْضًا كَوْنُهُ (جَاعِلًا سَبَّابَتَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) ، لِقَوْلِ أَبِي جُحَيْفَةَ " إنَّ بِلَالًا وَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ " رَوَاهُ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ سَعْدٍ الْقُرَظِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَجْعَل أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَسُنَّ كَوْنُهُ أَيْضًا (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) لِفِعْلِ مُؤَذِّنِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنْ أَخَلَّ بِهِ كُرِهَ. وَسُنَّ كَوْنُهُ (يَلْتَفِتُ) بِرَأْسِهِ وَعُنُقِهِ وَصَدْرِهِ (فِي أَذَانٍ يَمِينًا لِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وَشِمَالًا لِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) فِي الْأَذَانِ لَا الْإِقَامَةِ، (وَلَا يُزِيلُ قَدَمَيْهِ) لِقَوْلِ أَبِي جُحَيْفَةَ رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ، فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَ فِي مَنَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَ (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى (وَالْمَجْدُ وَجَمْعٌ) ، مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْإِفَادَاتِ " وَ " وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ " وَالْمُنَوِّرُ وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: (إلَّا) إنْ أَذَّنَ (بِمَنَارَةٍ) وَنَحْوِهَا فَيُزِيلُ قَدَمَيْهِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي الْإِعْلَامِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ كِبَرِ الْبَلَدِ. (وَ) سُنَّ أَيْضًا (أَنْ يَقُولَهُمَا) - أَيْ: الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ - رَجُلٌ (وَاحِدٌ) ، أَيْ: أَنْ يَتَوَلَّى الْإِقَامَةَ مَنْ يَتَوَلَّى الْأَذَانَ؛ لِمَا فِي «حَدِيثِ أَبِي الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ حِينَ أَذَّنَ، قَالَ: فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُقِيمُ أَخُو صُدَاءَ، فَإِنَّهُ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَكَالْخُطْبَتَيْنِ (بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ) بِأَنْ يُقِيمَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَذَّنَ فِيهِ، «لِقَوْلِ بِلَالٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقِيمُ بِالْمَسْجِدِ لَمَا خَافَ أَنْ يَسْبِقَهُ بِهَا، كَذَا اسْتَنْبَطَهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ " كُنَّا إذَا سَمِعْنَا الْإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إلَى الصَّلَاةِ " وَلِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي الْإِعْلَامِ، وَكَالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ. (مَا لَمْ يَشُقَّ) ذَلِكَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ، كَمَنْ أَذَّنَ فِي مَنَارَةٍ، أَوْ مَكَانٍ بَعِيدٍ عَنْ الْمَسْجِدِ فَيُقِيمُ فِيهِ، لِئَلَّا يَفُوتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ، لَكِنْ لَا يُقِيمُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ إنْ أَقَامَ عِنْدَ إرَادَةِ الدُّخُولِ فِيهَا، وَيَجُوزُ الْكَلَامُ عِنْدَ الْإِقَامَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ. (وَ) سُنَّ أَيْضًا (أَنْ يَجْلِسَ) مُؤَذِّنٌ (بَعْدَ أَذَانِ مَغْرِبٍ جِلْسَةً خَفِيفَةً) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ، (ثُمَّ يُقِيمَ) - أَيْ: الصَّلَاةَ - (بِمَوْضِعِ أَذَانٍ وَ) سُنَّ (أَنْ تُؤَخَّرَ إقَامَةٌ) عَنْ أَذَانٍ (بِقَدْرِ فَرَاغٍ) مِنْ قَضَاءِ (حَاجَةٍ وَوُضُوءٍ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَفَرَاغِ) آكِلٍ مِنْ (أَكْلٍ وَنَحْوِهِ) كَشَارِبٍ مِنْ شُرْبٍ، لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «يَا بِلَالُ اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ نَفَسًا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ طَعَامِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُقْتَضِي إذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلِيَتَمَكَّنَ نَحْوُ الْآكِلِ مِنْ إدْرَاكِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ. (وَ) سُنَّ (أَنْ يُحْرِمَ إمَامٌ) بِالصَّلَاةِ (عَقِبَ فَرَاغِ إقَامَةٍ) لَا قَبْلَهُ نَصًّا (وَكُرِهَ أَذَانُ مُلَحِّنٍ) بِأَنْ يُطْرِبَ فِيهِ، يُقَالُ: لَحَّنَ فِي قِرَاءَتِهِ إذَا أَطْرَبَ بِهَا وَغَرَّدَ، قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ مُحْدَثٌ أَكْرَهُهُ، كَالتَّطَرُّبِ، وَيَصِحُّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ. (وَ) كُرِهَ أَذَانُ (مَلْحُونٍ) لَحْنًا لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى كَرَفْعِ تَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ نَصْبِهَا، أَوْ حَاءِ الْفَلَاحِ. وَكُرِهَ الْأَذَانُ أَيْضًا مِنْ (ذِي لُثْغَةٍ فَاحِشَةٍ) كَالْمَلْحُونِ، وَأَوْلَى، فَإِنْ لَمْ تَفْحُشْ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّ بِلَالًا كَانَ يُبْدِلُ الشِّينَ سِينًا، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْفَصِيحَ أَكْمَلُ. (وَيَبْطُلُ) الْأَذَانُ (إنْ أُحِيلَ مَعْنَى) بِاللَّحْنِ أَوْ اللُّثْغَةِ (نَحْوُ) مَدِّ هَمْزَةِ " اللَّهُ " أَوْ " أَكْبَرُ " أَوْ بَائِهِ، أَوْ يَقُولُ: (اللَّهُ وَأَكْبَرُ) ، أَوْ يُبَدَّلُ قَافًا أَوْ هَمْزَةً؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يُؤَذِّنُ لَكُمْ مَنْ يُدْغِمُ، قُلْنَا: كَيْفَ يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْإِفْرَادِ، وَفِيهِ إسْقَاطُ الْهَاءِ مِنْ كَلِمَةِ اللَّهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقُومَ إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ بَلْ يَصْبِرُ قَلِيلًا) إلَى أَنْ يَفْرَغَ، أَوْ يُقَارِبَ الْفَرَاغَ، (لِأَنَّ فِي التَّحَرُّكِ عِنْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ تَشَبُّهًا بِالشَّيْطَانِ) حَيْثُ يَفِرُّ عِنْدَ سَمَاعِهِ، كَمَا فِي الْخَبَرِ، قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، وَهُوَ قَائِمٌ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: وَرَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ يَخْرُجُ عِنْدَ الْمَغْرِبِ، فَحِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 انْتَهَى إلَى مَوْضِعِ الصَّفِّ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَجَلَسَ. انْتَهَى. لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ وَبِلَالٌ فِي الْإِقَامَةِ فَقَعَدَ» . [فَصْلٌ يُقَدَّمُ بِأَذَانٍ مَعَ تَشَاحٍّ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي الْأَذَانِ] (فَصْلٌ) (يُقَدَّمُ بِأَذَانٍ مَعَ تَشَاحٍّ) بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي الْأَذَانِ (أَفْضَلُ) فِي خِصَالٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْمُؤَذِّنِ، لِتَقْدِيمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، لِأَنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْهُ، وَقَدَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِصَوْتِهِ، وَقِسْ عَلَيْهِ بَاقِيَ الْخِصَالِ (فَأُدِينَ) لِحَدِيثِ «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ» ، وَلِأَنَّهُ إذَا قُدِّمَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ بِالصَّوْتِ، فَلَأَنْ يُقَدَّمَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ فِي الدِّينِ أَوْلَى، (فَأَعْقَلُ) ، لِمَا فِي الْعَاقِلِ مِنْ الْكَمَالِ وَحُسْنِ السَّمْتِ، (ثُمَّ) يُقَدَّمُ فِي التَّسَاوِي فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ (مَنْ يَخْتَارُهُ أَكْثَرُ جِيرَانٍ) مُصَلِّينَ، لِأَنَّ الْأَذَانَ لِإِعْلَامِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ يَبْلُغُهُمْ صَوْتُهُ، وَبِمِنْ هُوَ أَعَفُّ نَظَرًا. (ثُمَّ) مَعَ التَّسَاوِي أَيْضًا فِي رِضَى الْجِيرَانِ (يُقْرَعُ) فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ قُدِّمَ لِحَدِيثِ «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا» وَ " لَمَّا تَشَاحَّ النَّاسُ فِي الْأَذَانِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ " وَلِأَنَّهَا تُزِيلُ الْإِبْهَامَ. (وَلَا بَأْسَ مَعَ تَسَاوٍ) فِي الْخِصَالِ السَّابِقَةِ (بِتَقْدِيمِ مَنْ هُوَ أَعْمَرُ لِمَسْجِدٍ، وَأَتَمُّ مُرَاعَاةً لَهُ، أَوْ أَقْدَمُ تَأْذِينًا هُوَ أَوْ أَبُوهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ نَسْلِ مَنْ جَعَلَ) رَسُولُ اللَّهِ، (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ فِيهِ) ، وَعُلِمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ بِهَذِهِ الْخِصَالِ، إلَّا إذَا رَآهَا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْدِيمِ، بِخِلَافِ الْخِصَالِ الَّتِي قَبْلَهَا. (وَاخْتِيرَ أَذَانُ بِلَالِ) بْنِ رَبَاحٍ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَلَا يُشْرَعُ) - أَيْ: لَا يَصِحُّ أَذَانٌ - (بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَهُوَ) - أَيْ: الْأَذَانُ - (خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً) - أَيْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 جُمْلَةً - (بِلَا تَرْجِيعٍ - لِلشَّهَادَتَيْنِ) ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ كَذَلِكَ، وَيُقِيمُ حَضَرًا وَسَفَرًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ قِيلَ لَهُ: إنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ بَعْدَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ، لِأَنَّ حَدِيث أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ، وَأَقَرَّ بِلَالًا عَلَى أَذَانِ عَبْدِ اللَّهِ؟ وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ، قَالَ: «أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ الْبُخَارِيُّ " إلَّا الْإِقَامَةَ " وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهُ. فَإِنْ رَجَّعَ فِي الْأَذَانِ؛ بِأَنْ قَالَ الشَّهَادَتَيْنِ (سِرًّا) ، بِحَيْثُ يُسْمِعُ مَنْ بِقُرْبِهِ أَوْ أَهْلَ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ وَاقِفًا، وَالْمَسْجِدُ مُتَوَسِّطُ الْخَطِّ (قَبْلَ جَهْرٍ بِهِمَا) - أَيْ: الشَّهَادَتَيْنِ - لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّ تَرْجِيعَ الْأَذَانِ فِعْلُ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ مَكَّةَ. «وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ. وَالْحِكْمَةُ أَنْ يَأْتِيَ (بِهِمَا) بِتَدَبُّرٍ وَإِخْلَاصٍ، لِكَوْنِهِمَا الْمُنَجِّيَتَيْنِ مِنْ الْكُفْرِ الْمُدْخِلَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ. (وَالْإِقَامَةُ: إحْدَى عَشْرَةَ) جُمْلَةً (بِلَا تَثْنِيَةٍ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ (وَيُبَاحُ تَرْجِيعُهُ) - أَيْ: الْأَذَانِ - لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ (وَ) تُبَاحُ (تَثْنِيَتُهَا) - أَيْ: الْإِقَامَةِ - (كَأَذَانٍ) ، لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «كَانَ أَذَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَفْعًا فِي الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ» ، فَالِاخْتِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 (وَسُنَّ) أَذَانٌ (أَوَّلِ وَقْتٍ) لِيُصَلِّيَ الْمُتَعَجِّلُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا مَا دَامَ الْوَقْتُ، وَيَتَوَجَّهُ سُقُوطُ مَشْرُوعِيَّتِهِ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " (وَ) سُنَّ (تَرَسُّلٌ فِيهِ) ، أَيْ: تَمَهُّلٌ فِي الْأَذَانِ، وَتَأَنٍّ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَاءَ عَلَى رِسْلِهِ (وَ) سُنَّ (حَدْرُهَا) أَيْ: إسْرَاعُ إقَامَةٍ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ " إذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتُ فَاحْدُرْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ مَجْهُولٌ. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: " إذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتُ فَاحْدُرْ " وَأَصْلُ الْحَدْرِ فِي الشَّيْءِ الْإِسْرَاعُ، وَلِأَنَّ الْأَذَانَ إعْلَامُ الْغَائِبِينَ فَالتَّثَبُّتُ فِيهِ أَبْلُغُ فِي الْإِعْلَامِ، وَالْإِقَامَةُ إعْلَامُ الْحَاضِرِينَ، فَلَا حَاجَةَ فِيهَا لَهُ. (وَ) سُنَّ (الْوَقْفُ) فِيهِمَا (عَلَى كُلِّ جُمْلَةٍ) ، قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: شَيْئَانِ مَجْزُومَانِ كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ جَزْمًا، وَمَعْنَاهُ: اسْتِحْبَابُ تَقْطِيعِ الْكَلِمَاتِ بِالْوَقْفِ عَلَى كُلِّ جُمْلَةٍ. (وَ) سُنَّ (قَوْلُ) مُؤَذِّنٍ: (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ حَيْعَلَةِ أَذَانِ فَجْرٍ) ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ قَبْلَ طُلُوعِهِ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي مَحْذُورَةَ إذَا كَانَ أَذَانُ الْفَجْرِ فَقُلْ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَالْحَيْعَلَةُ: قَوْلُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. (وَيُسَمَّى التَّثْوِيبُ) ، مِنْ ثَابَ: إذَا رَجَعَ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَا إلَى الصَّلَاةِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا إلَيْهَا بِالتَّثْوِيبِ، (وَكُرِهَ) تَثْوِيبٌ (فِي غَيْرِهَا) ، أَيْ: الْفَجْرِ، أَيْ أَذَانِهَا، لِقَوْلِ بِلَالٍ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُثَوِّبَ فِي الْفَجْرِ، وَنَهَانِي أَنْ أُثَوِّبَ فِي الْعِشَاءِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. (وَ) كُرِهَ تَثْوِيبٌ أَيْضًا (بَيْنَ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) ، لِمَا رَوَى مُجَاهِدٌ " أَنَّهُ لَمَا قَدِمَ عُمَرُ مَكَّةَ أَتَاهُ أَبُو مَحْذُورَةَ، وَقَدْ أَذَّنَ فَقَالَ: الصَّلَاةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا مَجْنُونُ أَمَا كَانَ فِي دُعَائِكَ الَّذِي دَعَوْتنَا مَا نَأْتِيكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا "؟ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَى الصَّلَاةِ، فَكَانَ مَكْرُوهًا. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا (نِدَاءٌ) بِالصَّلَاةِ (بَعْدَ أَذَانٍ فِي نَحْوِ أَسْوَاقٍ) كَأَزِقَّةٍ (بِقَوْلِ: الصَّلَاةَ، أَوْ: الْإِقَامَةَ أَوْ الصَّلَاةَ رَحِمَكُمْ اللَّهُ، قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ ". (هَذَا إنْ كَانُوا قَدْ سَمِعُوا النِّدَاءَ الْأَوَّلَ) ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ الْإِمَامُ أَوْ الْبَعِيدُ مِنْ الْجِيرَانِ قَدْ سَمِعَ النِّدَاءَ: (فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ) . تَنْبِيهٌ: (قَالَ) الشَّيْخُ: (وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فَإِنْ تَأَخَّرَ إمَامٌ) أَعْظَمُ أَوْ إمَامُ (الْحَيِّ أَوْ إمَامُ الْجِيرَانِ فَلَا بَأْسَ) مِنْ (أَنْ يَمْضِيَ إلَيْهِ مُنَبِّهٌ يَقُولُ لَهُ: قَدْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ) - انْتَهَى - لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ الْأَذَانَ. (وَكُرِهَ قَبْلَ أَذَانٍ قَوْلُ) الْمُؤَذِّنِ: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111] الْآيَةَ) أَيْ: اقْرَأْهَا وَنَحْوُهُ، (وَكَذَا إنْ وَصَلَهُ) - أَيْ: الْأَذَانَ - (بَعْدَهُ بِذِكْرٍ) قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْعُمْدَةِ " لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ. (وَ) كُرِهَ (قَبْلَ إقَامَةٍ قَوْلُ) مُقِيمٍ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ: وَنَحْوُ ذَلِكَ) مِنْ الْمُحْدَثَاتِ، (وَلَا بَأْسَ بِنَحْنَحَةٍ قَبْلَهُمَا) - أَيْ: الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ - (وَ) لَا بَأْسَ بِ (أَذَانٍ وَاحِدٍ بِمَسْجِدَيْنِ لِجَمَاعَتَيْنِ) لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ فِيهِ (وَشُرِعَا) - أَيْ: الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ - (لِجَمَاعَةٍ ثَانِيَةٍ بِغَيْرِ جَوَامِعَ كِبَارٍ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي) ، وَقَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": غَيْرُ مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ (وَوَقْتُ إقَامَةٍ) مُفَوَّضٌ (لِإِمَامٍ) ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُؤَذِّنُ إقَامَةَ الصَّلَاةِ (فَبِإِذْنِهِ) - أَيْ: الْإِمَامِ - (يُقِيمُ) تَأَدُّبًا، قَالَ فِي " الْجَامِعِ ": وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ لَا يُقِيمَ حَتَّى يَحْضُرَ الْإِمَامُ، وَيَأْذَنَ لَهُ فِي الْإِقَامَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ حَدِيث عَلِيٍّ " الْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ " فَقَالَ: الْإِمَامُ يَقَعُ لَهُ الْأَمْرُ، أَوْ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ، فَإِذَا أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 يُقِيمَ أَقَامَ. انْتَهَى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ الْمُؤَذِّنَ كَانَ يَأْتِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَفِيهِ إعْلَامُ الْمُؤَذِّنِ لِلْإِمَامِ بِالصَّلَاةِ وَإِقَامَتِهَا، وَفِيهِمَا قَوْلُ عُمَرَ: «الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ» . (وَ) وَقْتُ (أَذَانٍ) مُفَوَّضٌ (لِمُؤَذِّنٍ) ، فَيُؤَذِّنُ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ، (فَيَحْرُمُ أَذَانُ غَيْرِ رَاتِبٍ بِلَا إذْنِهِ أَوْ خَوْفِ فَوْتِ) وَقْتِ التَّأْذِينِ كَالْإِمَامِ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي. وَمَتَى جَاءَ مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ وَقَدْ أَذَّنَ غَيْرُهُ قَبْلَهُ أَعَادَ الْأَذَانَ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": اسْتِحْبَابًا. (وَكُرِهَ أَذَانٌ بِرَمَضَانَ قَبْلَ فَجْرٍ ثَانٍ إنْ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَ (لَمْ يُعِدْهُ بَعْدَهُ) ، أَمَّا إنْ عَادَ أَوْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يُؤَذِّنُ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَلَا يُكْرَهُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، زَادَ الْبُخَارِيُّ: «وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» . (وَسُنَّ لِمُؤَذِّنٍ) مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا بِمِثْلِهِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ أَجْرَيْ الْأَذَانِ وَالْمُتَابَعَةِ (وَ) سُنَّ أَيْضًا لِ (مُقِيمِ) الصَّلَاةِ مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا كَذَلِكَ (وَ) سُنَّ أَيْضًا لِ (سَامِعِهِمَا) - أَيْ: الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ - مُتَابَعَةُ قَوْلِهِمَا سِرًّا؛ لِمَا رَوَى عُمَرُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، فَقَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَإِنَّمَا لَمْ يُتَابِعْهُ فِي الْحَيْعَلَةِ، لِأَنَّهَا خِطَابٌ فَإِعَادَتُهُ عَبَثٌ بَلْ سَبِيلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 الطَّاعَةُ، وَسُؤَالُ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَتَكُونُ الْإِجَابَةُ عَقِبَ كُلِّ جُمْلَةٍ لِلْخَبَرِ. وَالْأَصْلُ فِي اسْتِحْبَابِ إجَابَةِ الْمُقِيمِ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا، وَقَالَ فِي سَائِرِ أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي الْأَذَانِ» وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّتْ الْإِجَابَةُ لِلْمُؤَذِّنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِيَجْمَعَ بَيْنَ أَجْرِ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ وَالْإِجَابَةِ. وَالْحَيْعَلَةُ: هِيَ قَوْلُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، عَلَى أَخْذِ الْحَاءِ وَالْيَاءِ مِنْ حَيَّ، وَالْعَيْنِ وَاللَّامِ مِنْ عَلَى، كَمَا يُقَالُ: الْحَوْقَلَةُ فِي: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، عَلَى أَخْذِ الْحَاءِ مِنْ حَوْلَ وَالْقَافِ مِنْ قُوَّةَ، وَاللَّامِ مِنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهَا: كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ، وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إلَّا بِمَعُونَتِهِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: هَذَا أَحْسَنُ مَا جَاءَ فِيهِ. (وَلَوْ) سَمِعَ مُؤَذِّنًا (ثَانِيًا، وَ) مُؤَذِّنًا (ثَالِثًا) حَيْثُ اُسْتُحِبَّ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، فَإِنْ صَلَّى كَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَدْعُوًّا بِهَذَا الْأَذَانِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " (أَوْ) كَانَ السَّامِعُ (فِي طَوَافٍ، أَوْ قِرَاءَةٍ، أَوْ) كَانَ السَّامِعُ (امْرَأَةً) لِعُمُومِ الْخَبَرِ (أَوْ) كَانَ السَّامِعُ (دَاخِلَ مَسْجِدٍ قَبْلَ) صَلَاةِ (تَحِيَّةٍ مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ) - أَيْ: الْمُؤَذِّنِ (سِرًّا بِمِثْلِهِ) ، أَيْ: مِثْلِ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ، أَوْ قَوْلِ الْمُقِيمِ وَ (لَا) تُسَنُّ الْإِجَابَةُ (لِمُصَلٍّ) لِاشْتِغَالِهِ بِالصَّلَاةِ (وَ) لَا لِ (مُتَخَلٍّ) لِاشْتِغَالِهِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ (وَيَقْضِيَانِهِ) أَيْ: يَقْضِي الْمُصَلِّي وَالْمُتَخَلِّي مَا فَاتَهُمَا إذَا فَرَغَا، وَخَرَجَ الْمُتَخَلِّي - مِنْ الْخَلَاءِ - لِزَوَالِ الْمَانِعِ (فَإِنْ أَجَابَهُ) - أَيْ: الْمُؤَذِّنَ - (مُصَلٍّ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (بِحَيْعَلَةٍ) ، لِأَنَّهُ دُعَاءُ آدَمِيٍّ، وَصَدَقْتَ وَبَرِرْتَ فِي التَّثْوِيبِ، لِأَنَّهُ خِطَابٌ آدَمِيٍّ (فَفِيهَا) - أَيْ: الْحَيْعَلَةِ - (يَقُولُ مُتَابِعٌ: لَا حَوْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) لِلْخَبَرِ (وَ) يَقُولُ مُتَابِعٌ (فِي تَثْوِيبٍ) : - وَهُوَ قَوْلُ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فِي أَذَانِ فَجْرٍ - (صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ) - بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى - (وَ) يَقُولُ (فِي لَفْظِ إقَامَةٍ: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا) لِلْخَبَرِ، وَتَقَدَّمَ (ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَرَغَ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ) - أَيْ: دَعْوَةَ الْأَذَانِ - (التَّامَّةِ) - لِكَمَالِهَا وَعِظَمِ مَوْقِعِهَا، وَسَلَامَتِهَا مِنْ نَقْصٍ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا، وَلِأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ يُدْعَى بِهَا إلَى طَاعَتِهِ - (وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ) - أَيْ: الَّتِي سَتَقُومُ وَتُفْعَلُ - (آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ) - مَنْزِلَةً عِنْدَ الْمَلِكِ، وَهِيَ: مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ - (وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ) ، وَهُوَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ يَحْمَدُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مُحَقَّقَ الْوُقُوعِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى إظْهَارُ كَرَامَتِهِ، وَعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ مُنَكَّرًا تَأَدُّبًا مَعَ الْقُرْآنِ، فَقَوْلُهُ: الَّذِي وَعَدْتَهُ نُصِبَ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، أَوْ عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ، أَوْ رُفِعَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (ثُمَّ يَدْعُو هُنَا) - أَيْ: بَعْدَ الْأَذَانِ - لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. (وَ) يَدْعُو (عِنْدَ) فَرَاغِ (إقَامَةٍ بِمَا أَحَبَّ) ، فَعَلَهُ أَحْمَدُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ (وَيَقُولُ عِنْدَ أَذَانِ مَغْرِبٍ: «اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ لَيْلِكَ، وَإِدْبَارُ نَهَارِكَ، وَأَصْوَاتُ دُعَاتِكَ فَاغْفِرْ لِي» ) لِلْخَبَرِ وَيَدْعُو أَيْضًا عِنْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ الْمِنْبَرَ، وَبَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَعِنْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 نُزُولِ الْغَيْثِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. (وَحَرُمَ) (خُرُوجُ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ أُذِّنَ لَهَا مَعَ صِحَّتِهَا مِنْهُ إذَنْ (مِنْ مَسْجِدٍ بَعْدَ أَذَانٍ، وَقَبْلَ صَلَاةٍ بِلَا عُذْرٍ، أَوْ نِيَّةِ رُجُوعٍ) إلَى الْمَسْجِدِ، لِخَبَرِ عُثْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَهُ الْأَذَانُ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ فَهُوَ مُنَافِقٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (قَالَ: الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (إنْ كَانَ التَّأْذِينُ لِفَجْرٍ قَبْلَ وَقْتٍ) أَوْ لِعُذْرٍ أَوْ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ قَبْلَ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ (لَمْ يُكْرَهْ خُرُوجٌ) مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ (نَصًّا) ، قَالَ: فِي " الْإِنْصَافِ ": الظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. (وَيَتَّجِهُ مِثْلُهُ) ، أَيْ: مِثْلُ مَنْ خَرَجَ بَعْدَ أَذَانٍ لِلْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِهِ (لَوْ) دَخَلَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ، فَ (خَرَجَ) مِنْهُ (بَعْدَهُ) ، أَيْ: بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ (لَكِنْ) إنَّمَا خَرَجَ (لِيُصَلِّيَ جَمَاعَةً بِمَسْجِدٍ آخَرَ) إذْ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ، وَالْخُرُوجُ بَعْدَ الْوَقْتِ إمَّا مُحَرَّمٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَإِمَّا مَكْرُوهٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْوَفَاءِ وَأَبِي الْمَعَالِي؛ فَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ الْخُرُوجُ بَعْدَ الْوَقْتِ اسْتِدْرَاكًا لِلْوَاجِبِ (لَا سِيَّمَا مَعَ فَضْلِ إمَامِهِ) ، أَيْ: إمَامِ الْمَسْجِدِ الَّذِي قَصَدَهُ لِفِعْلِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا الِاتِّجَاهُ مُتَّجِهٌ عَلَى الثَّانِي لَا عَلَى الْمَذْهَبِ. [فَرْعٌ مَا يَفْعَلُهُ الْمُؤَذِّنُونَ قَبْلَ فَجْرٍ مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ] (فَرْعٌ: مَا يَفْعَلُهُ الْمُؤَذِّنُونَ قَبْلَ فَجْرٍ مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَنَشِيدٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ بِدُعَاءٍ أَوْ قِرَاءَةٍ فَمِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَهْدِ أَصْحَابِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِيمَا كَانَ عَلَى عَهْدِهِمْ يُرَدُّ إلَيْهِ (وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، فَلَا) يَسُوغُ لِأَحَدٍ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 يَأْمُرَ بِهِ، وَلَا يُنْكِرَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ، وَلَا (يُعَلِّقَ اسْتِحْقَاقَ رِزْقٍ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى بِدْعَةٍ، (وَلَا) يَلْزَمُ أَنْ (يَفْعَلَ وَلَوْ شَرَطَهُ وَاقِفٌ) لِمُخَالِفَتِهِ السُّنَّةَ (بَلْ قَالَ) عَبْدُ الرَّحْمَنِ (ابْنُ الْجَوْزِيِّ) فِي كِتَابِ تَلْبِيسِ إبْلِيسَ ": قَدْ رَأَيْتُ مَنْ يَقُومُ بِلَيْلٍ كَثِيرًا عَلَى الْمَنَارَةِ فَيَعِظُ وَيَذْكُرُ وَيَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ، و (كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ) ، لِأَنَّهُ (يَمْنَعُ النَّاسَ نَوْمَهُمْ، وَيَخْبِطُ عَلَى الْمُتَهَجِّدِينَ قِرَاءَتَهُمْ) . انْتَهَى. [بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ] (بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ) (مَا) أَيْ: أَشْيَاءُ (تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا) - أَيْ الْأَشْيَاءُ - (صِحَّتُهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - وَكَذَا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ، فَإِنَّ صِحَّتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شُرُوطِهَا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ: (إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) يَعْجِزُ بِهِ عَنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ سَقَطَ إلَّا النِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ وَالْعَقْلَ وَالتَّمْيِيزَ، وَدُخُولَ الْوَقْتِ، فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ. وَالشُّرُوطُ: جَمْعُ شَرْطٍ كَفُلُوسِ جَمْعُ فَلْسٍ، وَالشَّرَائِطُ: جَمْعُ شَرِيطَةٍ، كَفَرَائِضَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ وَالْأَشْرَاطُ: جَمْعُ شَرْطٍ كَالْأَقْمَارِ جَمْعُ قَمَرٍ وَهُوَ لُغَةً: الْعَلَامَةُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] أَيْ: عَلَامَاتُهَا، وَعُرْفًا: مَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ مَعَ عَدَمِهِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَهُوَ عَقْلِيٌّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ، وَلُغَوِيٌّ كَ: إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَشَرْعِيٌّ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ. (وَيَسْتَمِرُّ حُكْمُهَا إلَى انْقِضَائِهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - وَبِهَذَا الْمَعْنَى فَارَقَتْ الْأَرْكَانَ، (وَلَيْسَتْ) شُرُوطُ الصَّلَاةِ (مِنْهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - بِخِلَافِ أَرْكَانِهَا (بَلْ تَجِبُ) شُرُوطُ الصَّلَاةِ (لَهَا قَبْلَهَا) فَتَسْبِقُهَا، وَتَسْتَمِرُّ فِيهَا وُجُوبًا إلَى انْقِضَائِهَا. قَالَ الْمُنَقَّحُ: (إلَّا النِّيَّةَ) فَتَكْفِي مُقَارَنَتُهَا لِلتَّحْرِيمَةِ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ (وَلَا تَسْقُطُ) الشُّرُوطُ (عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 (وَهِيَ) - أَيْ: شُرُوطُ الصَّلَاةِ - تِسْعَةٌ: (إسْلَامٌ، وَعَقْلٌ، وَتَمْيِيزٌ) ، وَهَذِهِ شُرُوطٌ لِكُلِّ عِبَادَةٍ غَيْرِ الْحَجِّ فَيَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ، وَيَأْتِي (وَ) الرَّابِعُ: (طَهَارَةٌ مَعَ قُدْرَةٍ) ، لِحَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» ، و (الْخَامِسُ: دُخُولُ الْوَقْتِ) لِصَلَاةٍ مُؤَقَّتَةٍ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ هُنَا، وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِالْمَوَاقِيتِ. قَالَ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: دُلُوكُهَا: إذَا فَاءَ الْفَيْءُ، قَالَ عُمَرُ: الصَّلَاةُ لَهَا وَقْتٌ شَرَطَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ، وَهُوَ حَدِيثُ «جِبْرِيلَ حِينَ أَمَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ: هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ» فَإِنْ قِيلَ: الْخَمْسُ لَمْ تَجْتَمِعْ لِغَيْرِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْف قَالَ: هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا هِيَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا كُلُّ فَرْدٍ عَلَى حِدَتِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ كَانَ لِغَيْرِهِ، لِمَا وَرَدَ «إنَّ الصُّبْحَ كَانَ لِآدَمَ، وَالظُّهْرَ لِدَاوُدَ، وَالْعَصْرَ لِسُلَيْمَانَ، وَالْمَغْرِبَ لِيَعْقُوبَ، وَالْعِشَاءَ لِيُونُسَ» صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. (وَتَجِبُ) صَلَاةٌ (مَكْتُوبَةٌ بِدُخُولِ أَوَّلِهِ) - أَيْ: الْوَقْتِ - فِي حَقِّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا بِمَعْنَى أَنَّهَا تَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ يَفْعَلُهَا إذَا قَدَرَ، لِأَنَّ الْوَقْتَ سَبَبُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ، وَهُوَ سَبَبُ نَفْسِ الْوُجُوبِ؛ إذْ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ الْخِطَابُ، (وَهُوَ) - أَيْ: الْوَقْتُ - (لِظُهْرٍ) ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الظُّهُورِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي وَسَطِ النَّهَارِ، وَالظُّهْرُ لُغَةً: الْوَقْتُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَشَرْعًا: صَلَاةُ هَذَا الْوَقْتِ (وَهِيَ أُولَى الصَّلَوَاتِ) لِبُدَاءَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا صَلَّى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْبُدَاءَةِ بِهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ ظَهَرَ أَمْرُهُ، وَسَطَعَ نُورُهُ مِنْ غَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 خَفَاءٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ بَدَأَ بِالْفَجْرِ لَخَتَمَ بِالْعِشَاءِ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَهُوَ وَقْتُ خَفَاءٍ فَلِذَلِكَ خَتَمَ بِالْفَجْرِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ ظُهُورٍ، فِيهِ ضَعْفُ إشَارَةٍ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ يَضْعُفُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ (وَتُسَمَّى) أَيْضًا: (الْهَجِيرُ) ، لِفِعْلِهَا فِي وَقْتِ الْهَاجِرَةِ (مِنْ الزَّوَالِ) يَعْنِي: أَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ الزَّوَالِ (وَهُوَ) - أَيْ: الزَّوَالُ (ابْتِدَاءُ طُولِ الظِّلِّ بَعْدَ تَنَاهِي قِصَرِهِ) ، لِأَنَّ الظِّلَّ أَوَّلًا يَكُونُ طَوِيلًا عِنْدَ ابْتِدَاءِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَكُلَّمَا صَعِدَتْ قَصُرَ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى وَسَطِ السَّمَاءِ، وَهِيَ حَالَةُ الِاسْتِوَاءِ فَيَنْتَهِي نُقْصَانُهُ فَإِذَا أَخَذَتْ فِي النُّزُولِ مُغَرِّبَةً طَالَ الظِّلُّ لِابْتِدَاءِ الْمَسَافَةِ، وَمُحَاذَاةِ الْمُنْتَصِبِ قَدَحَهَا، فَهَذَا أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَيَقْصُرُ الظِّلُّ جِدًّا فِي كُلِّ بَلَدٍ بِحَسَبِ وَسَطِ الْفَلَكِ، فَيَقْصُرُ فِي الصَّيْفِ لِارْتِفَاعِهَا إلَى الْجَوِّ، وَيَطُولُ فِي الشِّتَاءِ (لَكِنْ لَا يَقْصُرُ) الظِّلُّ (فِي بَعْضِ بِلَادِ خُرَاسَانَ لِسَيْرِ الشَّمْسِ نَاحِيَتَهُ عَنْهَا) . قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ: فَصَيْفُهَا كَشِتَاءِ غَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ أُنِيطَ الْحُكْمُ بِالزَّوَالِ دُونَ زِيَادَةِ الظِّلِّ (أَوْ) ابْتِدَاءِ (حُدُوثِهِ) - أَيْ: الظِّلِّ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ - (إنْ فُقِدَ) مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي تَحْتَ وَسَطِ قُبَّةِ الْفَلَكِ (كَصَنْعَاءِ الْيَمَنِ) وَمَا وَالَاهَا، فَإِنَّ ظِلَّ الشَّخْصِ هُنَاكَ يَتَدَاخَلُ فِي بُنْيَانِهِ حَالَ قِيَامِ الشَّمْسِ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلشَّخْصِ ظِلٌّ، فَيُعْرَفُ الزَّوَالُ هُنَاكَ بِأَنْ يَظْهَرَ لِلشَّخْصِ فَيْءٌ مِنْ نَحْوِ الْمَشْرِقِ، فَيَعْلَمُ أَنَّ الشَّمْسَ زَالَتْ إلَى نَحْوِ الْمَغْرِبِ، وَذَلِكَ (فِي سَابِعَ عَشَرَ حُزَيْرَانَ) بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَيَخْتَلِفُ ظِلُّ) الزَّوَالِ (بِاخْتِلَافِ - شَهْرٍ وَبَلَدٍ) ، فَيَقْصُرُ فِي الصَّيْفِ، وَيَطُولُ فِي الشِّتَاءِ (فَأَقَلُّهُ) - أَيْ: أَقَلُّ ظِلِّ آدَمِيٍّ تَزُولُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ - (بِإِقْلِيمِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ: قَدَمٌ وَثُلُثٌ) تَقْرِيبًا بِقَدَمِ ذَلِكَ الْآدَمِيِّ (فِي نِصْفِ حُزَيْرَانَ) ، وَسَابِعَ عَشْرَةَ أَطْوَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ (وَقَدَمٌ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ فِي نِصْفِ تَمُّوزَ وَأَيَارَ، وَثَلَاثَةُ) أَقْدَامٍ (فِي نِصْفِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 آبَ وَنِيسَانَ، وَأَرْبَعَةُ) أَقْدَامٍ (وَنِصْفٌ فِي نِصْفِ آذَارَ) - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ - (وَأَيْلُولَ، وَسِتَّةُ) أَقْدَامٍ (فِي نِصْفِ سُبَاطَ) - بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ - (وَ) نِصْفِ (تَشْرِينَ الْأَوَّلِ وَتِسْعَةُ) أَقْدَامٍ (فِي نِصْفِ كَانُونَ الثَّانِي وَ) نِصْفِ (تِشْرِينَ الثَّانِي، وَعَشَرَةُ) أَقْدَامٍ (وَسُدُسٌ فِي نِصْفِ كَانُونَ الْأَوَّلِ) ، وَذَلِكَ مُقَارِبٌ لِأَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَأَقْصَرُهَا السَّابِعَ عَشَرَ كَانُونَ الْأَوَّلَ (وَيَكُونُ) الزَّوَالُ (عَلَى أَقَلَّ) مِنْ ذَلِكَ (وَ) عَلَى (أَكْثَرَ) مِنْهُ (فِي غَيْرِ ذَلِكَ) الْوَقْتِ وَالْإِقْلِيمِ، فَإِذَا أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فَقِفْ عَلَى مُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ، وَعَلِّمْ الْمَوْضِعَ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ ظِلُّكَ، ثُمَّ ضَعْ قَدَمَكَ الْيُمْنَى بَيْنَ يَدَيْ قَدَمِكَ الْيُسْرَى، وَأَلْصِقْ عَقِبَكَ بِإِبْهَامِكَ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِسَاحَتُكَ هَذَا الْقَدْرَ بَعْدَ انْتِهَاءِ النَّقْصِ فَهُوَ وَقْتُ زَوَالِ الشَّمْسِ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرِهِ. (وَطُولُ كُلِّ إنْسَانٍ بِقَدَمِهِ: سِتَّةُ) أَقْدَامٍ (وَثُلُثَانِ تَقْرِيبًا) ، وَقَدْ يَنْقُصُ فِي بَعْضِ النَّاسِ يَسِيرًا أَوْ يَزِيدُ يَسِيرًا. (وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا) - أَيْ: الظُّهْرِ - (مِنْ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ) ، فَإِذَا ضَبَطْت الظَّلَّ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وَبَلَغَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ قَدْرَ الشَّاخِصِ فَقَدْ انْتَهَى وَقْتُ الظُّهْرِ (وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا) - أَيْ: الظُّهْرِ - لِحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْهَجِيرَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْأُولَى حِينَ تُدْحَضُ الشَّمْسُ» وَقَالَ جَابِرٌ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا (إلَّا) لِمُتَيَمِّمٍ يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ، وَإِلَّا (مَعَ شِدَّةِ حَرٍّ فَيُسَنُّ تَأْخِيرُ) الصَّلَاةِ (حَتَّى يَنْكَسِرَ) الْحَرُّ، (وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ) صَلَّى (بِبَيْتِهِ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ» وَفَيْحُهَا: هُوَ غَلَيَانُهَا، وَانْتِشَارُ لَهَبِهَا وَوَهَجِهَا. لَا يُقَالُ: تَرَكَ الْوَاجِبَ لِأَجْلِ السُّنَّةِ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، كَمُدَافِعِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ. (وَ) إلَّا (مَعَ غَيْمٍ لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً فَيُسَنُّ) لَهُ تَأْخِيرُهَا (لِقُرْبِ وَقْتِ عَصْرٍ) طَلَبًا لِلسُّهُولَةِ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ فِيهِ الْعَوَارِضَ مِنْ مَطَرٍ وَرِيحٍ فَيَشُقُّ الْخُرُوجُ بِتَكَرُّرِهِ، فَاسْتُحِبَّ تَأْخِيرُ الْأُولَى لِيَقْرَبَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ، فَيَخْرُجَ لَهُمَا خُرُوجًا وَاحِدًا (غَيْرَ جُمُعَةٍ فَيُسَنُّ تَعْجِيلُهَا بِزَوَالٍ مُطْلَقًا) ، أَيْ: فِي الْحَرِّ وَالْغَيْمِ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ " مَا كُنَّا نُقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ. " وَقَوْلِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ: «كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. (وَتَأْخِيرُهَا) - أَيْ: الظُّهْرِ - (لِمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ) كَعَبْدٍ (أَوْ) لِمَنْ (يَرْمِي الْجَمَرَاتِ حَتَّى يُفْعَلَا) - أَيْ: تُصَلَّى الْجُمُعَةُ، وَتُرْمَى الْجَمَرَاتُ - (أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلِهَا قَبْلَهُمَا لِمَا يَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ. (ثُمَّ يَلِيهِ) - أَيْ: وَقْتَ الظُّهْرِ - (الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لِلْعَصْرِ) مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا اشْتِرَاكٍ وَالْعَصْرُ: الْعَشِيُّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْعَصْرَانِ الْغَدَاةُ وَالْعَشِيُّ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْعَصْرُ وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ مِثْلَهُ، تَقُولُ: فُلَانٌ يَأْتِي فُلَانًا الْعَصْرَيْنِ وَالْبَرْدَيْنِ: إذَا كَانَ يَأْتِيهِ طَرَفَيْ النَّهَارِ، فَكَأَنَّهَا سُمِّيَتْ بِاسْمِ وَقْتِهَا. (وَهِيَ) - أَيْ: الْعَصْرُ - الصَّلَاةُ (الْوُسْطَى) ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَلَا أَعْلَمُ عَنْهُ وَلَا عَنْهُمْ فِيهَا خِلَافًا. انْتَهَى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ» وَلِمُسْلِمٍ «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَمُرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّلَاةُ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الْعَصْرِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَالْوُسْطَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 مُؤَنَّثُ الْأَوْسَطِ، وَهُوَ وَالْوَسَطُ: الْخِيَارُ «وَفِي صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مِنْ أَوْسَطِ قَوْمِهِ» أَيْ: خِيَارِهِمْ، وَلَيْسَتْ بِمَعْنَى مُتَوَسِّطَةٍ لِكَوْنِ الظُّهْرِ هِيَ الْأُولَى، بَلْ بِمَعْنَى الْفُضْلَى. (وَيَمْتَدُّ) الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لِلْعَصْرِ (حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ) ، أَيْ: ظِلِّ الشَّاخِصِ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبَ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ: الْخِرَقِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَ " التَّلْخِيصُ " وَ " الْبُلْغَةُ " وَ " الْإِفَادَاتُ " وَ " نَظْمُ النِّهَايَةِ " وَ " الْمُحَرَّرُ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِيَيْنِ " وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ رَزِينٍ وَ " الْفَائِقُ " وَ " الْفُرُوعُ " وَ " إدْرَاكُ الْغَايَةِ " وَ " تَجْرِيدُ الْعِنَايَةِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْمَذْهَبِ " وَالنَّظْمِ "؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّاهَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَقَالَ: الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ " (ثُمَّ هُوَ) - أَيْ: الْوَقْتُ - بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ (وَقْتُ ضَرُورَةٍ إلَى الْغُرُوبِ) - مَصْدَرُ غَرَبَتْ الشَّمْسُ: بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا - فَتَكُونُ الصَّلَاةُ فِيهَا أَدَاءً، لِحَدِيثِ «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ إلَّا بِالْإِثْمِ وَعَدَمِهِ، فَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ. (وَعَنْهُ) - أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ - هُوَ (وَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى اصْفِرَارِ شَمْسٍ، اخْتَارَهُ) - أَيْ: هَذَا الْقَوْلَ - (الشَّيْخَانِ) : الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ (وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ: ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " وَ " الْمُنْتَخَبِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتُ ضَرُورَةٍ إلَى غُرُوبِهَا فَتَقَعُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَدَاءً وَيَأْثَمُ فَاعِلُهَا بِالتَّأْخِيرِ إلَيْهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ (وَتَعْجِيلُهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 أَفْضَلُ مَعَ حَرٍّ أَوْ غَيْمٍ) أَوْ غَيْرِهِمَا لِلْإِخْبَارِ. (وَسُنَّ جُلُوسُهُ بَعْدَهَا) - أَيْ: الْعَصْرِ - (فِي مُصَلَّاهُ لِغُرُوبِ) شَمْسٍ (وَبَعْدَ فَجْرٍ لِطُلُوعِ شَمْسٍ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْعُدُ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» (وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ) نَصَّ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرِهِ. (ثُمَّ يَلِيهِ) ، أَيْ: يَلِي وَقْتَ الضَّرُورَةِ لِلْعَصْرِ (وَقْتُ مَغْرِبٍ) ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ: مَصْدَرُ غَرَبَتْ الشَّمْسُ: بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، غُرُوبًا وَمَغْرِبًا، وَيُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى وَقْتِ الْغُرُوبِ وَمَكَانِهِ، فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِاسْمِ وَقْتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ (وَهِيَ الْوِتْرُ) أَيْ: وِتْرُ النَّهَارِ لِاتِّصَالِهَا بِهِ، فَكَأَنَّهَا فُعِلَتْ فِيهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْوِتْرَ الْمَشْهُورَ بَلْ إنَّهَا ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ (وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعِشَاءِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَ) تَسْمِيَتُهَا (بِمَغْرِبٍ أَوْلَى) ، قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: الْأَفْضَلُ تَسْمِيَتُهَا بِالْمَغْرِبِ (وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا لِمَغِيبِ شَفَقٍ أَحْمَرَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «وَقْتُ الْمَغْرِبِ: مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا أَيْضًا «الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ، فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَتْ الْعِشَاءُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (وَكُرِهَ تَأْخِيرُهَا لِظُهُورِ نُجُومٍ) . قَالَ الْآجُرِّيُّ: مَنْ أَخَّرَ حَتَّى يَبْدُوَ النَّجْمُ أَخْطَأَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ: وَقْتَ فَضِيلَةٍ، وَوَقْتَ جَوَازٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا) إجْمَاعًا، لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إذَا وَجَبَتْ» وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا، وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. (إلَّا لَيْلَةَ جَمْعٍ) ، أَيْ: مُزْدَلِفَةَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا، وَهِيَ لَيْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ (لِمُحْرِمٍ) يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ (قَصَدَ مُزْدَلِفَةَ) . قَالَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الْفُرُوعِ ": إجْمَاعًا (إنْ لَمْ يُوَافِهَا) - أَيْ مُزْدَلِفَةَ - (وَقْتَ غُرُوبٍ) ، فَإِنْ وَافَاهَا وَقْتُ غُرُوبِهَا صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا، وَلَا يُؤَخِّرُهَا، وَإِلَّا (فِي غَيْمٍ لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً) فَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِقُرْبِ وَقْتِ الْعِشَاءِ (وَ) إلَّا (فِي جَمْعِ) تَأْخِيرٍ (إنْ كَانَ) التَّأْخِيرُ (أَرْفَقَ) لِمَنْ يُبَاحُ لَهُ. (ثُمَّ يَلِيهِ) - أَيْ: وَقْتَ الْمَغْرِبِ - (الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لِلْعِشَاءِ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالْمَدِّ: اسْمٌ لِأَوَّلِ الظَّلَّامِ، سُمِّيَتْ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِيهِ، وَيُقَالُ لَهَا: الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، وَأَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ، وَغَلَّطُوهُ فِي إنْكَارِهِ. (وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعَتَمَةِ) ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْعَتَمَةُ فِي اللُّغَةِ: شِدَّةُ الظُّلْمَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُسَمَّى الْعِشَاءَ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَكُرِهَ نَوْمٌ قَبْلَهَا) وَلَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ (وَحَدِيثٌ بَعْدَهَا) ، لِحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ تُؤَخَّرَ الْعِشَاءُ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَلَّلَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا، وَهَذَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ (غَيْرَ) حَدِيثٍ (يَسِيرٍ أَوْ لِشُغْلٍ وَأَهْلٍ وَضَيْفٍ) ، أَوْ فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ خَيْرٌ نَاجِزٌ، فَلَا يُتْرَكُ لِتَوَهُّمِ مَفْسَدَةٍ. وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ (إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) الْأَوَّلِ، هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ «لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَعَنْهُ) - أَيْ: الْإِمَامَ أَحْمَدُ - يَمْتَدُّ وَقْتُ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارِ إلَى (نِصْفِهِ) - أَيْ: اللَّيْلِ - (اخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ) : الْمُوَفَّقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وَالْمَجْدُ (وَجَمْعٌ) ، مِنْهُمْ: الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا، لِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ قَالَ: أَلَا صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا، أَمَا إنَّكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَصَلَاتُهَا) - أَيْ: الْعِشَاءِ - (آخِرَ الثُّلُثِ) الْأَوَّلِ مِنْ اللَّيْلِ (أَفْضَلُ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. (مَا لَمْ يُؤَخِّرْ الْمَغْرِبَ) حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُهَا لِنَحْوِ جَمْعٍ، فَتُقَدَّمُ الْعِشَاءُ (وَيُكْرَهُ) التَّأْخِيرُ (إنْ شَقَّ وَلَوْ عَلَى بَعْضِ مَأْمُومِينَ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّخْفِيفِ رِفْقًا بِالْمَأْمُومِينَ» (ثُمَّ هُوَ) - أَيْ: الْوَقْتُ - بَعْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ (وَقْتُ ضَرُورَةٍ لِطُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ) ، لِحَدِيثِ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةً إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلْوِتْرِ، وَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْعِشَاءِ. (وَهُوَ) ، أَيْ: الْفَجْرُ الثَّانِي: الْمُسْتَطِيلُ (الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ بِالْمَشْرِقِ، وَلَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ) ، وَيُقَالُ لَهُ: الْفَجْرُ الصَّادِقُ، (وَ) الْفَجْرُ (الْأَوَّلُ) - وَيُقَالُ لَهُ: الْكَاذِبُ - (مُسْتَطِيلٌ) بِلَا اعْتِرَاضٍ (أَزْرَقُ لَهُ شُعَاعٌ، ثُمَّ يُظْلِمُ) ، وَلِدِقَّتِهِ يُسَمَّى: ذَنَبَ السِّرْحَانِ، وَهُوَ: الذِّئْبُ. (ثُمَّ يَلِيهِ) - أَيْ: وَقْتَ الضَّرُورَةِ لِلْعِشَاءِ - (وَقْتُ فَجْرٍ) سُمِّيَ بِهِ لِانْفِجَارِ الصُّبْحِ، وَهُوَ ضَوْءُ النَّهَارِ إذَا انْشَقَّ عَنْهُ اللَّيْلُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ كَالشَّفَقِ فِي أَوَّلِهِ، تَقُولُ: قَدْ أَفْجَرْنَا كَمَا تَقُولُ: قَدْ أَصْبَحْنَا مِنْ الصُّبْحِ: مُثَلَّثُ الصَّادِ، حَكَاهُ ابْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ مَا جَمَعَ بَيَاضًا وَحُمْرَةً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: وَجْهٌ صَبِيحٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَاضٍ وَحُمْرَةٍ. وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الْفَجْرِ (لِطُلُوعِ شَمْسٍ) ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 قَالَ: «وَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَتُسَمَّى: الصُّبْحُ، وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْغَدَاةِ) ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": فِي الْأَصَحِّ، وَهِيَ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ نَصَّ عَلَيْهِ (وَتَعْجِيلُهَا) أَوَّلَ الْوَقْتِ (أَفْضَلُ وَلَوْ قَلَّ الْجَمْعُ) فِي أَوَّلِهِ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَلَّسَ بِالصُّبْحِ ثُمَّ أَسْفَرَ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْفَارِ حَتَّى مَاتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُغْلِسُونَ، وَمُحَالٌ أَنْ يَتْرُكُوا الْأَفْضَلَ، وَهُمْ النِّهَايَةُ فِي إتْيَانِ الْفَضَائِلِ، وَحَدِيثُ «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» رَوَاهُ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ. حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّ مَعْنَى الْإِسْفَارِ أَنْ يُضِيءَ الْفَجْرُ فَلَا يُشَكُّ فِيهِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَسْفَرَ الصُّبْحُ، أَيْ: أَضَاءَ قَالَ: أَسْفَرَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ وَجْهِهَا إذَا كَشَفَتْهُ وَأَظْهَرَتْهُ. (وَكُرِهَ حَدِيثٌ بَعْدَهَا) - أَيْ: صَلَاةِ الْفَجْرِ - (بِأَمْرِ دُنْيَا حَتَّى تَطْلُعَ شَمْسٌ) ، وَيَأْتِيَ لَهُ تَتِمَّةٌ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ يَتْبَعُ النَّهَارَ، فَيَكُونُ فِي الصَّيْفِ أَطْوَلَ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ يَتْبَعُ اللَّيْلَ فَيَكُونُ فِي الشِّتَاءِ أَطْوَلَ؛ لِأَنَّ النُّورَيْنِ تَابِعَانِ لِلشَّمْسِ، هَذَا يَتَقَدَّمُهَا، وَهَذَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا، فَإِنْ كَانَ الشِّتَاءُ طَالَ زَمَنُ مَغِيبِهَا، فَيَطُولُ زَمَنُ الضَّوْءِ التَّابِعِ لَهَا، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ طَالَ زَمَنُ ظُهُورِهَا فَيَطُولُ زَمَنُ النُّورِ التَّابِعِ لَهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الْفَجْرِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا بَيِّنًا بِاتِّفَاقِ النَّاسِ. (وَتَأْخِيرُ الْكُلِّ مَعَ أَمْنِ فَوْتٍ لِمُصَلِّي كُسُوفٍ وَمَعْذُورٍ، كَحَاقِنٍ وَتَائِقٍ) حَتَّى يُزِيلَ ذَلِكَ إنْ أُمِنَ فَوْتُهَا (أَفْضَلُ) لِيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ (وَلَوْ أَمَرَهُ بِهِ) - أَيْ: بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ - (وَالِدُهُ لِيُصَلِّيَ بِهِ أَخَّرَ) نَصًّا إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ الْجَائِزِ فِعْلُهَا فِيهِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُهَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ تَأْخِيرَ مَنْ أَمَرَهُ وَالِدُهُ الصَّلَاةَ اسْتِحْبَابًا (لَا وُجُوبًا خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ) ، وَهُوَ صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " فَإِنَّهُ اسْتَظْهَرَ فِي شَرْحِهِ وُجُوبَ التَّأْخِيرِ لِطَاعَةِ وَالِدِهِ، وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِيهِ. (وَ) يُؤْخَذُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَنَّهُ (لَا يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ أَبَاهُ) ، لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ تُنَافِي مَا طُلُبَ فِعْلَهُ شَرْعًا. (وَيَجِبُ) (تَأْخِيرٌ) إلَى أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ عَلَى مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ أَوْ وَاجِبَ ذِكْرٍ (لِتَعَلُّمِ فَاتِحَةٍ، وَذِكْرٍ وَاجِبٍ) فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ لِيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ تَامَّةً مِنْ غَيْرِ مَحْذُورٍ بِالتَّأْخِيرِ (وَ) يَجِبُ تَأْخِيرُهَا كَذَلِكَ (لِذِي سَلَسٍ اُعْتِيدَ انْقِطَاعُهُ آخِرَهُ) - أَيْ: الْوَقْتِ - (وَيَجِبُ تَعْجِيلُ) الصَّلَاةِ (لِمَنْ ظَنَّ مَانِعًا) عَنْ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ (كَمَوْتٍ وَقَتْلٍ وَحَيْضٍ كَمَا هُوَ) فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. (وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ تَعْجِيلِ) الصَّلَاةِ (بِتَأَهُّبٍ) لَهَا (أَوَّلِ وَقْتٍ) بِأَنْ يَشْتَغِلَ بِالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ دُخُولِهِ، لِأَنَّهُ لَا إعْرَاضَ مِنْهُ. (وَيُقَدَّرُ لِلصَّلَاةِ أَيَّامَ الدَّجَّالِ) الطِّوَالَ (قَدْرَ) الزَّمَنِ (الْمُعْتَادِ) ، فَيُقَدَّرُ لِلصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ بِقَدْرِ مَا كَانَ فِي الْأَيَّامِ الْمُعْتَادَةِ، لَا أَنَّهُ لِلظُّهْرِ مَثَلًا بِالزَّوَالِ، وَانْتِصَافِ النَّهَارِ، وَلَا لِلْعَصْرِ بِمَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 بَلْ يُقَدَّرُ الْوَقْتُ بِزَمَنٍ يُسَاوِي الزَّمَنَ الَّذِي كَانَ فِي الْأَيَّامِ الْمُعْتَادَةِ. قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ: أَشَارَ إلَى ذَلِكَ - يَعْنِي: الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ، (مِنْ نَحْوِ لَيْلٍ وَشِتَاءٍ) فَاللَّيْلَةُ فِي ذَلِكَ كَالْيَوْمِ، فَإِذَا كَانَ الطُّولُ يَحْصُلُ فِي اللَّيْلِ كَانَ لِلصَّلَاةِ فِي اللَّيْلِ مَا يَكُونُ لَهَا فِي النَّهَارِ. (وَيَتَّجِهُ حَجٌّ وَصَوْمٌ وَزَكَاةٌ وَعِدَّةٌ) ، أَيْ: فَيُقَدِّرُ أَيَّامًا لِلْحَجِّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَيَصُومُ فِيهِ وَيُزَكِّي مَالَهُ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يُقَدَّرُ لِمُعْتَدَّةٍ صَغِيرَةٍ وَآيِسَةٍ وَمُتَوَفًّى عَنْهَا، بِخِلَافِ حَامِلٍ وَذَاتِ أَقْرَاءٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَأَيَّامُهُ) - أَيْ: الدَّجَّالِ -: (أَرْبَعُونَ) يَوْمًا، مِنْهَا (يَوْمٌ كَسَنَةٍ) ، فَيُصَلِّي فِيهِ صَلَاةَ سَنَةٍ (وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ) ، فَيُصَلِّي فِيهِ صَلَاةَ شَهْرٍ (وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ) فَيُصَلِّي فِيهِ صَلَاةَ جُمُعَةٍ (وَالْبَاقِي) مِنْ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِنَا هَذِهِ، كَمَا وَرَدَتْ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 [فَصْلٌ يُدْرَكُ الصَّلَاة وَقْتٌ بِتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ] (فَصْلٌ) (يُدْرَكُ وَقْتٌ بِتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ) فِي وَقْتِ مَكْتُوبَةٍ سَوَاءٌ أَخَّرَهَا لِعُذْرٍ كَحَائِضٍ تَطْهُرُ، وَمَجْنُونٍ يُعْتَقُ أَوْ لِغَيْرِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَوْ مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ. فَلِيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَكَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ وَإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ (فَتَقَعُ كُلُّهَا أَدَاءً، وَلَوْ) كَانَتْ الْمَكْتُوبَةُ (جُمُعَةً) ، وَأَدْرَكَ مِنْهَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فِي وَقْتِهَا فَقَدْ أَدْرَكَهَا أَدَاءً كَبَاقِي الْمَكْتُوبَاتِ (أَوْ) كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي كَبَّرَ فِيهِ لِلْإِحْرَامِ (آخِرَ وَقْتِ ثَانِيَةٍ فِي جَمْعٍ) ، فَتَكُونُ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا فِيهِ أَدَاءً، كَمَا لَوْ لَمْ يَجْمَعْ، (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا (بِخُرُوجِهِ) - أَيْ: وَقْتِهَا - (وَهُوَ فِيهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - فَيُتِمُّهَا أَدَاءً (وَلَوْ) كَانَ (أَخَّرَهَا عَمْدًا) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، (وَ) قَالَ الْمَجْدُ: (مَعْنَى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 إدْرَاكِ (أَدَائِهَا) بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (بِنَاءً مَا خَرَجَ) مِنْهَا (عَنْ وَقْتِهَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْأَدَاءَ) فِي الْوَقْتِ، وَأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بَلْ تَقَعُ الْمَوْقِعَ فِي الصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ، وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ " وَابْنُ عُبَيْدَانَ. (وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ) فَلَمْ يَدْرِ أَدَخَلَ أَوْ لَا؟ (وَلَا تُمْكِنُهُ مُشَاهَدَةُ) مَا يُعْرَفُ بِهِ الْوَقْتُ لِعَمًى أَوْ مَانِعٍ مَا، (وَلَا مُخْبِرَ عَنْ يَقِينٍ) بِدُخُولِ الْوَقْتِ: (صَلَّى إذَا ظَنَّ دُخُولَهُ) - أَيْ: الْوَقْتِ - بِدَلِيلٍ مِنْ اجْتِهَادٍ، أَوْ تَقْدِيرِ الزَّمَنِ بِصَنْعَةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ اجْتِهَادِيٌّ فَاكْتَفَى بِهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ كَغَيْرِهِ، وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. (لَا إنْ شَكَّ) فِي دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِهِ، فَإِنْ صَلَّى مَعَ الشَّكِّ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ وَافَقَ الْوَقْتَ لِعَدَمِ صِحَّةِ صَلَاتِهِ، كَمَا لَوْ صَلَّى مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ. (وَيُعِيدُ إنْ) اجْتَهَدَ، وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ (أَخْطَأَ ظَنُّهُ) الْوَقْتَ فَصَلَّى قَبْلَهُ، لِوُقُوعِهَا نَفْلًا وَبَقَاءِ فَرْضِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يُعِيدُ إنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَصَابَ الْوَقْتَ، أَيْ: صَلَّى فِيهِ (أَوْ) أَصَابَ (مَا بَعْدَهُ) ، أَيْ: الْوَقْتِ وَمَضَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصِّحَّةِ لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا (وَلَوْ نَوَى إنْ كَانَ دَخَلَ الْوَقْتُ فَ) هَذِهِ الصَّلَاةُ (فَرْضٌ وَإِلَّا) يَكُنْ دَخَلَ الْوَقْتُ (فَ) هِيَ (نَفْلٌ لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ، لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ (وَالْأَوْلَى تَأْخِيرُ) الصَّلَاةِ (احْتِيَاطًا) حَتَّى يُتَيَقَّنَ دُخُولُ الْوَقْتِ، وَيَزُولَ الشَّكُّ (إلَّا أَنْ يَخْشَى خُرُوجَ وَقْتٍ) ، أَوْ (إلَّا) فِي وَقْتِ (غَيْمٍ) لِصَلَاةِ (عَصْرٍ فَيُسَنُّ تَبْكِيرٌ) ، لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ فَقَالَ: بَكِّرُوا لِصَلَاةِ الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْغَيْمِ فَإِنَّهُ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَمَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: التَّبْكِيرُ بِهَا إذَا حَلَّ فِعْلُهَا لِيَقِينٍ أَوْ غَلَبَةِ ظَنٍّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ وَقْتَهَا الْمُخْتَارَ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ ضَيِّقٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 فَنَخْشَى خُرُوجَهُ، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ دُخُولُ الْوَقْتِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. (وَيُعِيدُ أَعْمَى عَاجِزٌ) عَنْ مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ (عَدِمَ مُقَلَّدًا) - أَيْ: مَنْ يُقَلِّدُهُ - (وَلَوْ أَصَابَ) ، لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَيَتَّجِهُ إلَّا) إذَا صَلَّى الْأَعْمَى الْعَاجِزُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ، وَهُوَ فِي (سَفَرٍ مَعَ تَحَرٍّ فَلَا) يُعِيدُ، مَنْ اجْتَهَدَ فِي (قِبْلَةٍ) وَصَلَّى، ثُمَّ ظَهَرَ خَطَؤُهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُعْمَلُ بِأَذَانٍ وَإِخْبَارِ ثِقَةٍ عَارِفٍ) بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ بِالسَّاعَاتِ، لِأَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِهِ لَمْ تَحْصُلْ فَائِدَتُهُ، وَلَمْ تَزَلْ النَّاسُ يَعْمَلُونَ بِالْأَذَانِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَكَذَا يَعْمَلُ بِأَذَانِهِ إذَا كَانَ يُقَلِّدُ عَارِفًا، قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَفِي " الْمُبْدِعِ " يُعْمَلُ بِالْأَذَانِ بِدَارِنَا، وَكَذَا بِدَارِ الْحَرْبِ إنْ عُلِمَ إسْلَامُهُ (وَلَا) يُعْمَلُ بِإِخْبَارِهِ (عَنْ ظَنٍّ) بَلْ يَجْتَهِدُ مَرِيدُ الصَّلَاةِ حَيْثُ أَمْكَنَهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ عَمِلَ بِقَوْلِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ (كَمَا) لَوْ سَمِعَ الْأَذَانَ (فِي غَيْمٍ، فَإِنْ كَانَ) الْمُؤَذِّنُ أَذَّنَ (عَنْ اجْتِهَادٍ) فَلَا يَقْبَلُهُ إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ (وَاجْتَهَدَ هُوَ) - أَيْ: مَرِيدُ الصَّلَاةِ - إنْ قَدَرَ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الْعَمَلِ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ (وَإِنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ يَعْرِفُ الْوَقْتَ بِسَاعَاتٍ) ، وَهُوَ الْعَالِمُ بِالتَّسْيِيرِ وَالسَّاعَاتِ وَالدَّقَائِقِ وَالزَّوَالِ (أَوْ) كَانَ يُؤَذِّنُ (بِتَقْلِيدِ عَارِفٍ بِالسَّاعَاتِ) عَمِلَ بِهِ - أَيْ: بِأَذَانِهِ - إنْ كَانَ ثِقَةً فِي الْغَيْمِ وَغَيْرِهِ (وَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ) مَكْتُوبَةٍ (بِقَدْرِ) تَكْبِيرَةِ (إحْرَامٍ) كَمَا لَوْ زَالَتْ الشَّمْسُ (ثُمَّ) بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ تَكْبِيرَةٍ فَأَكْثَرَ (طَرَأَ مَانِعٌ) مِنْ الصَّلَاةِ (بِجُنُونٍ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَرِدَّةٍ) ، ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ: (قُضِيَتْ) تِلْكَ الصَّلَاةُ الَّتِي أَدْرَكَ وَقْتَهَا، لِوُجُوبِهَا بِدُخُولِهِ عَلَى مُكَلَّفٍ لَا مَانِعَ بِهِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا، فَإِذَا قَامَ بِهِ مَانِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُسْقِطْهَا فَوَجَبَ قَضَاؤُهَا عِنْدَ زَوَالِهِ (فَقَطْ) ، فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا بَعْدَهَا، وَلَوْ جَمَعَ إلَيْهَا (وَإِنْ طَرَأَ) عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ (تَكْلِيفٌ كَبُلُوغِ) صَغِيرٍ (وَعَقْلِ) مَجْنُونٍ (وَزَوَالِ حَيْضٍ، وَ) رُجُوعٍ عَنْ (رِدَّةٍ وَقَدْ بَقِيَ) مِنْ وَقْتِ مَكْتُوبَةٍ (بِقَدْرِهَا) - أَيْ: التَّكْبِيرَةِ - (قُضِيَتْ) تِلْكَ الصَّلَاةُ (مَعَ مَجْمُوعَةٍ إلَيْهَا) قَبْلَهَا، فَلَوْ طَرَأَ ذَلِكَ (قَبْلَ غُرُوبِ) شَمْسٍ (تُقْضَى ظُهْرٌ وَعَصْرٌ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُمَا تُجْمَعَانِ فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا (وَ) لَوْ كَانَ طَرَيَانُهُ (قَبْلَ طُلُوعِ) شَمْسٍ (تُقْضَى فَجْرٌ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا لَا تُجْمَعُ إلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرٍ؛ لَزِمَ قَضَاءُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْحَائِضِ " تَطْهُرُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِرَكْعَةٍ تُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ " فَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَلَّتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتُ الْأُولَى حَالَ الْعُذْرِ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ الْمَعْذُورُ لَزِمَ قَضَاءُ فَرْضِهَا، كَمَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ، لِأَنَّهُ إدْرَاكِيٌّ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ كَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الرَّكْعَةُ فِي الْجُمُعَةِ لِلْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا فَاعْتُبِرَ إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ لِئَلَّا يَفُوتَ فِي مُعْظَمُهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 [فَصْلٌ قَضَاءُ مَكْتُوبَةٍ فَائِتَةٍ مِنْ الْخَمْسِ مُرَتَّبًا] (فَصْلٌ) (وَيَجِبُ) عَلَى مُكَلَّفٍ لَا مَانِعَ بِهِ (قَضَاءُ مَكْتُوبَةٍ فَائِتَةٍ) مِنْ الْخَمْسِ (مُرَتَّبًا) نَصًّا لِحَدِيثِ أَحْمَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْأَحْزَابِ صَلَّى الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنِّي صَلَّيْتُ الْعَصْرَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتَهَا، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَعَادَ الْمَغْرِبَ وَقَدْ قَالَ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَكَالْمَجْمُوعَتَيْنِ. (وَلَوْ كَثُرَتْ) الْفَوَائِتُ كَمَا لَوْ قَلَّتْ، فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهَا بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ كَتَرْتِيبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ (إلَّا إذَا خَشِيَ فَوَاتَ) صَلَاةٍ (حَاضِرَةٍ، وَلَوْ) كَانَ مَا خَشِيَ فَوَاتَهُ (بَعْضَهَا) فَيُقَدِّمُهَا؛ لِأَنَّهَا آكَدُ، وَتَرْكُ التَّرْتِيبِ أَيْسَرُ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ (أَوْ) إلَّا إذَا خَشِيَ (خُرُوجَ وَقْتِ اخْتِيَارٍ) لِصَلَاةٍ ذَاتِ وَقْتَيْنِ (فَيَجِبُ تَقْدِيمُ حَاضِرَةٍ) فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَقْتِ الْوَاحِدِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ. (وَتَصِحُّ فَائِتَةُ إذْنٍ) ، أَيْ: مَعَ خَشْيَةِ فَوَاتِ الْوَقْتِ نَصًّا (وَلَا) يَصِحُّ (نَفْلٌ) عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ (وَلَوْ) كَانَ النَّفَلُ (رَاتِبَةً) ، لِتَحْرِيمِهَا كَأَوْقَاتِ النَّهْي (أَوْ) إلَّا إذَا (نَسِيَ التَّرْتِيبَ بَيْنَ فَوَائِتَ حَالَ قَضَائِهَا) : بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرٌ وَعَصْرٌ مَثَلًا، فَنَسِيَ الظُّهْرَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْعَصْرِ سَقَطَ وُجُوبُهُ بِالنِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَمَارَةَ عَلَى الْمَنْسِيَّةِ تُعْلَمُ بِهَا فَجَازَ أَنْ يُؤْثِرَ فِيهَا النِّسْيَانَ كَالصَّائِمِ، بِخِلَافِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْجَمْعِ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ مَعَ النِّسْيَانِ (أَوْ) إلَّا إذَا نَسِيَ التَّرْتِيبَ بَيْنَ (حَاضِرَةٍ وَفَائِتَةٍ حَتَّى فَرَغَ) مِنْ الْحَاضِرَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا نَصًّا، وَأُمًّا حَدِيثُ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْأَحْزَابِ» السَّابِقُ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي الصَّلَاةِ (أَوْ) إلَّا إذَا (اعْتَقَدَ) حَالَ قَضَائِهَا (أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ) ، ثُمَّ بَانَ بِخِلَافِ اعْتِقَادِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا (فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ الْفَجْرَ) جَاهِلًا وُجُوبَ التَّرْتِيبِ (ثُمَّ) صَلَّى (الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا صَحَّتْ عَصْرُهُ) مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ ظُهْرِهِ (لِاعْتِقَادِهِ) حَالَ صَلَاةِ الْعَصْرِ (أَنْ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ، كَمَنْ صَلَّاهَا) - أَيْ: الْعَصْرَ - (ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِلَا وُضُوءٍ) ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ تَرَكَ مِنْهُ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّاسِي. وَلَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ (إنْ جُهِلَ وُجُوبُهُ) ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّعَلُّمِ فَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ لِتَقْصِيرِهِ، بِخِلَافِ النَّاسِي (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ إنْ (خَشِيَ فَوْتَ جَمَاعَةٍ) بَلْ يُصَلِّي الْفَائِتَةَ، ثُمَّ الْحَاضِرَةَ وَلَوْ وَحْدَهُ، وَيَسْقُطُ وُجُوبُ الْجَمَاعَةِ لِلْعُذْرِ (وَعَنْهُ) - أَيْ: الْإِمَامِ - (يَسْقُطُ) التَّرْتِيبُ (بِخَوْفِ فَوْتِهَا) - أَيْ: الْجَمَاعَةِ - (اخْتَارَهُ جَمْعٌ) ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ " الْحَاوِيَيْنِ " وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " (لَكِنْ عَلَيْهِ فِعْلُ الْجُمُعَةِ) فِي الْأَصَحِّ إنْ خَشِيَ فَوْتَهَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالْفَائِتَةِ فَتُتْرَكُ فَجْرُ فَائِتَةٍ لِخَوْفِ فَوْتِ الْجُمُعَةِ، إذْ خَوْفُ فَوْتِ الْجُمُعَةِ كَضِيقِ الْوَقْتِ فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ قَبْلَ الْقَضَاءِ (وَيَتَّجِهُ) سُقُوطُ التَّرْتِيبِ عَنْهُ (فِي الْكُلِّ) ، أَيْ: فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا جَاهِلًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا؛ فَلَوْ أَمَّ جَمَاعَةً فَذَكَرَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهَا أَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتَ مَضَى فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَا يَقْطَعُهَا (حَيْثُ خَافَ إمَامٌ بِقَطْعِهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - (ضَرَرًا) ، فَإِنْ أَمِنَ الضَّرَرَ، وَكَانَ الْوَقْتُ مُتَّسَعًا قَطَعَهَا كَمَا يَأْتِي وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 (وَيَجِبُ) قَضَاءُ فَائِتَةٍ فَأَكْثَرَ (فَوْرًا) ، لِحَدِيثِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلِيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (مَا لَمْ يَنْضَرَّ فِي بَدَنِهِ) بِضَعْفِهِ (أَوْ) مَا لَمْ يَنْضَرَّ فِي (مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا) لَهُ أَوْ لِعِيَالِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ. (أَوْ) مَا لَمْ (يَحْضُرْ لِصَلَاةِ عِيدٍ) فَيُكْرَهُ لَهُ قَضَاءُ الْفَوَائِتِ بِمَوْضِعِهَا لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ (وَلَا يَصِحُّ نَفْلٌ مُطْلَقٌ إذَنْ) ، أَيْ: حَيْثُ جَازَ التَّأْخِيرُ لِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، كَصَوْمِ نَفْلٍ مِمَّنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ (لِتَحْرِيمِهِ، كَ) مَا لَا يَصِحُّ فِي (أَوْقَاتِ نَهْيٍ) لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ لِلْفَائِتَةِ، وَكَمَا لَوْ ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ (وَتَصِحُّ رَوَاتِبُ) وَوِتْرٌ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ الْفَرَائِضَ فَلَهَا شَبَهٌ بِهَا (وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءٍ لِفَرْضٍ صَحِيحٍ، كَانْتِظَارِ رُفْقَةٍ أَوْ) انْتِظَارِ (جَمَاعَةٍ لَهَا) ، أَيْ: الْفَائِتَةِ «لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ بِأَصْحَابِهِ لَمَّا فَاتَتْهُمْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَتَحَوَّلُوا مِنْ مَكَانِهِمْ، فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ فَرَغَ مِنْ الْوُضُوءِ قَبْلَ غَيْرِهِ، فَإِنْ قَلَّتْ الْفَوَائِتُ قَضَى سُنَنَهَا الرَّوَاتِبَ مَعَهَا «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَضَى الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بَيْنَهَا سُنَّةً» وَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ فَالِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى، إلَّا سُنَّةَ فَجْرٍ فَيَقْضِيهَا، وَلَوْ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ، لِتَأَكُّدِهَا، وَحَثِّ الشَّارِعِ عَلَيْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 [فَرْعٌ لَا تَسْقُطُ فَائِتَةٌ بِحَجٍّ] (فَرْعٌ: وَلَا تَسْقُطُ فَائِتَةٌ بِحَجٍّ، وَ) لَا يَسْقُطُ شَيْئًا مِنْ الْفَوَائِتِ (تَضْعِيفُ صَلَاةٍ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ) : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. (وَإِنْ ذَكَرَ فَائِتَةً إمَامٌ أَحْرَمَ) بِمَكْتُوبَةٍ (حَاضِرَةٍ لَمْ يَضِقْ وَقْتُهَا) ، أَيْ: الْحَاضِرَةِ عَنْهَا، وَعَنْ الْفَائِتَةِ بِأَنْ اتَّسَعَ لَهُمَا (قَطَعَهَا) ، أَيْ: قَطَعَ الْإِمَامُ الْحَاضِرَةَ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْطَعْهَا كَانَتْ نَفْلًا، وَالْمَأْمُومُونَ مُفْتَرِضُونَ خَلْفَهُ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُهَا الْمَأْمُومُونَ (مَعَ سَعَتِهِ) - أَيْ: الْوَقْتِ - فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ أَتَمَّهَا الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ إذَنْ (وَاسْتَثْنَى جَمْعٌ الْجُمُعَةَ) ، فَلَا يَقْطَعُهَا الْإِمَامُ إذَا ذَكَرَ الْفَائِتَةَ فِي أَثْنَائِهَا، وَإِنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْفَائِتَةَ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْجُمُعَةِ اسْتَنَابَ فِيهَا، وَقَضَى الْفَائِتَةَ، فَإِنْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ مَعَ نَائِبِهِ، وَإِلَّا صَلَّى ظُهْرًا (كَغَيْرِهِ) ، أَيْ: غَيْرِ الْإِمَامِ، وَهُوَ: الْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ إذَا أَحْرَمَ بِحَاضِرَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ فَائِتَةً فَيَقْطَعُهَا (إذَا ضَاقَ) الْوَقْتُ (عَنْهَا) بِأَنْ لَمْ يَسَعْ الصَّلَاةَ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا، أَوْ ضَاقَ عَنْهَا (وَعَنْ) جَمِيعِ (الْمُسْتَأْنَفَةِ) أَيْ: صَاحِبَةِ الْوَقْتِ الَّتِي يَسْتَأْنِفُهَا بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَائِتَةَ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا، وَلَا يَصِحُّ النَّفَلُ إذَنْ (وَإِلَّا) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ عَنْ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا غَيْرُ الْإِمَامِ، وَعَنْ الْمُسْتَأْنَفَةِ بِأَنْ اتَّسَعَ لِذَلِكَ (أَتَمَّهَا) ، أَيْ: الَّتِي أَحْرَمَ أَرْبَعًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ (نَفْلًا) اسْتِحْبَابًا، لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُهَا، ثُمَّ يَقْضِي الْفَائِتَةَ، ثُمَّ يُصَلِّي الْحَاضِرَةَ. (وَمَنْ شَكَّ فِي) قَدْرِ (مَا عَلَيْهِ) مِنْ فَوَائِتَ (وَتَيَقَّنَ قَدْرَ زَمَنِهِ) الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ الصَّلَاةُ: بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَلَغَ مِنْ سُنَّةٍ كَذَا، وَصَلَّى الْبَعْضَ وَتَرَكَ الْبَعْضَ مِنْهَا (أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ) ، أَيْ: قَضَى مَا تَبْرَأُ بِهِ ذِمَّتُهُ (يَقِينًا) ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِيَقِينٍ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِمِثْلِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ قَدْرَ زَمَنِ الْوُجُوبِ بِأَنْ لَمْ يَدْرِ مَتَى بَلَغَ، وَلَا مَا صَلَّى بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ (مِمَّا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 أَيْ: مِنْ الْفَرْضِ الَّذِي - (تَيَقَّنَ وُجُوبُهُ) فَيَقْضِي مُنْذُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ بَلَغَ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ أَدَائِهِ فَضْلًا عَنْ قَضَائِهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ الْوُجُوبَ، وَشَكَّ فِي الْفِعْلِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (فَلَوْ تَرَكَ) مُكَلَّفٌ (عَشْرَ سَجَدَاتٍ مِنْ صَلَاةِ شَهْرٍ) مَكْتُوبَةٍ: (قَضَى) صَلَاةَ (عَشَرَةِ أَيَّامٍ) ، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ سَجْدَةٍ مِنْ يَوْمٍ (وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً) وَاحِدَةً مِنْ يَوْمٍ (أَوْ) نَسِيَ (سَجْدَةً) وَاحِدَةً (مِنْ يَوْمٍ) وَلَيْلَةٍ (وَجَهِلَهَا) ، أَيْ: عَيْنَ الْمَنْسِيَّةِ: (قَضَى خَمْسًا بِنِيَّةِ فَرْضٍ) ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِذَلِكَ، فَلَزِمَهُ خُرُوجًا مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَرْتِيبُ الْخَمْسِ فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَلْزَمُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا فَمَا فَعَلَهُ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا نَفْلٌ. (وَ) مَنْ نَسِيَ (ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ، وَجَهِلَ السَّابِقَةَ) مِنْهُمَا بِأَنْ لَمْ يَدْرِ الظُّهْرَ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالْعَصْرَ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ بِالْعَكْسِ (تَحَرَّى بِأَيِّهِمَا يَبْدَأُ) ، أَيْ: اجْتَهَدَ أَيَّتَهُمَا نَسِيَ أَوَّلًا؟ فَيَبْدَأُ بِهَا، ثُمَّ يَقْضِي الْأُخْرَى نَصًّا، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ (فَإِنْ اسْتَوَيَا) بِأَنْ تَحَرَّى فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ (فَ) إنَّهُ يَبْدَأُ (بِمَا شَاءَ) مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ لِلْعُذْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مِنْهُ. (وَ) لَوْ تَرَكَ (ظُهْرًا مِنْ يَوْمٍ، وَ) تَرَكَ صَلَاةً (أُخْرَى) مِنْهُ - أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ - (لَا يَعْلَمُ أَمَغْرِبٌ) هِيَ (أَمْ فَجْرٌ لَزِمَهُ أَوَّلًا صَلَاةُ فَجْرٍ فَظُهْرٍ فَمَغْرِبٍ) ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِالظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ بَرَاءَتَهُ مِمَّا قَبْلَهَا (وَلَوْ) صَلَّى مُكَلَّفٌ (ظُهْرًا) بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأَ، (ثُمَّ أَحْدَثَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ ذَكَرَ تَرْكَ فَرْضٍ، أَوْ) شَرْطٍ (مِنْ أَحَدِ الْوُضُوءَيْنِ) لَا بِعَيْنِهِ (لَزِمَهُ إعَادَةُ وُضُوءٍ) ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ مِنْ الْوُضُوءِ الثَّانِي (وَ) إعَادَةُ (صَلَاتَيْنِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ (وَلَوْ كَانَ) لَمْ يُحْدِثْ بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ بَلْ (تَوَضَّأَ لِثَانِيَةٍ تَجْدِيدًا أَعَادَ الْأُولَى فَقَطْ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ مِنْ الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُعِيدُ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ إنْ كَانَ مِنْ التَّجْدِيدِ لَمْ يَضُرَّهُ تَرْكٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْوُضُوءِ أَوَّلًا فَالْحَدَثُ ارْتَفَعَ بِالتَّجْدِيدِ (بِلَا إعَادَةِ وُضُوءٍ) لِمَا ذُكِرَ. (وَ) لَوْ صَلَّى (ظُهْرًا فَائِتَةً وَ) صَلَّى ظُهْرًا (حَاضِرَةً) ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ (تَرَكَ مِنْ إحْدَاهُمَا شَرْطًا أَوْ فَرْضًا صَلَّى ظُهْرًا وَاحِدَةً، يَنْوِي بِهَا مَا عَلَيْهِ) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ أَدَاءً وَلَا قَضَاءٍ (وَلَوْ كَانَتَا) - أَيْ: الظُّهْرَانِ - (فَائِتَتَيْنِ) وَأَرَادَ قَضَاءَهُمَا (فَنَوَى ظُهْرًا مِنْهُمَا) لَا بِعَيْنِهَا (لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ إحْدَاهُمَا حَتَّى يُعَيِّنَ سَابِقَةً لِأَجْلِ تَرْتِيبٍ، بِخِلَافِ مَنْذُورَتَيْنِ) فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ نِيَّةٌ مَنْذُورَةٌ مِنْهُ لَا بِعَيْنِهَا. (وَيَتَّجِهُ إعَادَةُ) صَلَاةِ (عَصْرٍ فَقَطْ لِمَاسِّ أَحَدِ فَرْجَيْ خُنْثَى ظُهْرًا) - أَيْ: وَقْتَ الظُّهْرِ - (وَ) فَرْجَهُ (الْآخَرَ عَصْرًا) ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَصْلِيٌّ يَقِينًا، وَاعْتِبَارُ النَّقْضِ فِي الْعَصْرِ مَعَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ اعْتِبَارُهُ فِي الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مُتَيَقَّنَةٌ، وَالنَّقْضُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَلَا يُتْرَكُ يَقِينٌ لِشَكٍّ بِخِلَافِ الْعَصْرِ، فَإِنَّ النَّقْضَ مُتَيَقَّنٌ فِيهِ، وَلَا يُؤَثِّرُ مَسُّ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ فِي الْوُضُوءِ (إنْ تَوَضَّأَ) مَاسٌّ (بَيْنَ الْمَسَّيْنِ) ، بِأَنْ كَانَ مَسَّ وَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَّ الْفَرْجَ الْآخَرَ، وَصَلَّى الْعَصْرَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِلْعَصْرِ كَمَا ذَكَرْنَا. (وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا) - أَيْ: الصَّلَاتَيْنِ - وَقَعَتْ (بِحَدَثٍ) قَطْعًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ (كَصَلَاتَيْ مُجْتَهِدٍ) أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ فَصَلَّاهُمَا (لِجِهَتَيْنِ) كُلُّ وَاحِدَةٍ لِجِهَةٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ إحْدَاهُمَا لِغَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ يَقِينًا، لَكِنْ مَجْهُولَةٌ. (وَلَوْ شَكَّ مَأْمُومٌ صَلَّى الظُّهْرَ هَلْ صَلَّى إمَامُهُ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ؟ اُعْتُبِرَ بِالْوَقْتِ) : فَإِنْ كَانَ وَقْتَ ظُهْرٍ فَهِيَ ظُهْرٌ، وَإِنْ كَانَ وَقْتَ عَصْرٍ فَهِيَ عَصْرٌ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا (فَإِنْ أَشْكَلَ) الْوَقْتُ لِنَحْوِ غَيْمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 وَلَمْ يُوجَدْ عَارِفٌ بِهِ (فَلَا إعَادَةَ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسُنَّ لِمُسَافِرٍ نَامَ) عَنْ الصَّلَاةِ (حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا انْتِقَالٌ مِنْ مَكَانِ نَوْمِهِ) ، لِحُضُورِ الشَّيْطَانِ لَهُ فِيهِ (لِيَقْضِيَ) الصَّلَاةَ (فِي غَيْرِهِ) ، أَيْ: غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي نَامَ فِيهِ " لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَامَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ". [بَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ] ِ السَّتْرُ: بِفَتْحِ السِّينِ: مَصْدَرُ سَتَرَهُ، أَيْ: غَطَّاهُ، وَبِكَسْرِهَا: مَا يُسْتَرُ بِهِ. وَالْعَوْرَةُ لُغَةً: النُّقْصَانُ، وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْبَحُ، وَمِنْهُ كَلِمَةٌ عَوْرَاءُ، أَيْ: قَبِيحَةٌ (مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَيْهِ (مِنْ أَعْلَى وَ) مِنْ (جَوَانِبَ لَا مِنْ أَسْفَلَ) ، فَلَا يَجِبُ سَتْرُهَا مِنْهُ، وَلَوْ تَيَسَّرَ النَّظَرُ إلَيْهَا بِأَنْ كَانَ يُصَلِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ تَحْتِهِ لَرَأَى عَوْرَتَهُ (بِمَا) - أَيْ: سَاتِرٍ - (لَا يَصِفُ لَوْنَ بَشَرَةٍ) مِنْ سَوَادٍ وَبَيَاضٍ (حَتَّى عَنْ نَفْسِهِ) - مُتَعَلِّقٌ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَهُوَ: مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ -: (مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ) ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَكْشُوفِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى سَتْرِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» وَحَدِيثِ «سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي أَكُونُ فِي الصَّيْدِ وَأُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَازْرُرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ فِيهِمَا: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ. فَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا خَالِيًا أَوْ فِي قَمِيصٍ، وَلَمْ يُزَرِّرْهُ، وَلَمْ يَشْدُدْ عَلَيْهِ وَسَطَهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ يَرَى عَوْرَةَ نَفْسِهِ مِنْهُ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ وَنَحْوِهِ: لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ رَآهَا غَيْرُهُ. وَهِيَ - أَيْ: الْعَوْرَةُ - شَرْعًا: (سَوْأَةُ الْإِنْسَانِ) ، أَيْ: قُبُلُهُ أَوْ دُبُرُهُ (وَكُلُّ مَا يَسْتَحْيِي مِنْهُ إذَا نُظِرَ إلَيْهِ) أَيْ: مَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُبْحِ ظُهُورِهِ (وَيَجِبُ سَتْرُهَا) - أَيْ: الْعَوْرَةِ - (حَتَّى خَارِجَهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - (وَ) حَتَّى (فِي ظُلْمَةٍ، وَ) حَتَّى فِي (خَلْوَةٍ) ، لِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، قَالَ: قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا، قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَلَوْ بِنَحْوِ نَبَاتٍ) كَوَرَقٍ وَخُوصٍ مَظْفُورٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَتْرُهَا، وَقَدْ حَصَلَ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 بِسَتْرِهَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِسَاتِرٍ، فَيَكْفِي أَيُّ سَاتِرٍ كَانَ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ ثَوْبٍ (وَ) يَكْفِي فِي سِتْرِهَا أَيْضًا (مُتَّصِلٌ بِهِ كَيْدِهِ وَلِحْيَتِهِ) ، فَإِذَا كَانَ جَيْبُهُ وَاسِعًا تُرَى مِنْهُ عَوْرَتُهُ، فَضَمَّهُ بِيَدِهِ، أَوْ غَطَّتْهُ لِحْيَتُهُ فَمَنَعَتْ رُؤْيَةَ عَوْرَتِهِ كَفَاهُ ذَلِكَ، لِحُصُولِ السَّتْرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِثَوْبِهِ وَنَحْوِهِ خَرْقٌ مُحَاذِيًا لِفَخِذِهِ وَنَحْوِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَ (لَا) يَلْزَمُهُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ (بِنَحْوِ بَارِيَةٍ) ، وَهِيَ: مَا يُصْنَعُ عَلَى هَيْئَةِ الْحَصِيرِ مِنْ قَصَبٍ (وَحَصِيرٍ) ، وَنَحْوِهِمَا (مِمَّا يَضُرُّهُ) إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَالْحَرَجِ (وَلَا) يَلْزَمُهُ أَيْضًا سَتْرُ عَوْرَتِهِ (بِحَفِيرَةٍ وَطِينٍ وَمَاءٍ كَدِرٍ لِعَدَمِ) غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ، وَفِي الْحَفِيرَةِ حَرَجٌ (وَيُبَاحُ كَشْفُهَا) - أَيْ: الْعَوْرَةِ - (لِنَحْوِ تَدَاوٍ وَتَخَلٍّ وَخِتَانٍ وَمَعْرِفَةِ بُلُوغٍ وَبَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ وَعَيْبٍ) وَوِلَادَةٍ، وَيَجُوزُ نَظَرُ الْغَيْرِ إلَيْهَا حِينَئِذٍ كَحَلْقِ عَانَةِ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ (وَ) يُبَاحُ كَشْفُهَا (لِمُبَاحٍ) كَزَوْجٍ وَسَيِّدٍ (وَمُبَاحَةٍ) كَزَوْجَةٍ وَأَمَةٍ مُبَاحَةٍ لَا مُزَوَّجَةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا كَمُعْتَدَّةٍ وَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِهِ (وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُ عَوْرَتِهِ حَيْثُ جَازَ كَشْفُهَا) لِتَدَاوٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ، لَكِنْ يُكْرَهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَنْكِحَةِ (وَعَوْرَةُ ذَكَرٍ وَخُنْثَى) حُرَّيْنِ كَانَا أَوْ رَقِيقَيْنِ أَوْ مُبَعَّضَيْنِ (بَلَغَا) - أَيْ: اسْتَكْمَلَا - (عَشْرًا) مِنْ السِّنِينَ: مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَلِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ يَرْفَعُهُ «أَسْفَلُ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ» رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ. (وَ) عَوْرَةُ (أَمَةٍ مُطْلَقًا) - أَيْ: مُدَبَّرَةً كَانَتْ أَوْ مُكَاتَبَةً - (وَأُمَّ وَلَدٍ وَمُبَعَّضَةً) - أَيْ: بَعْضُهَا حُرٌّ وَبَعْضُهَا رَقِيقٌ - مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الْحُرَّةِ فَأُلْحِقَتْ بِالرَّجُلِ. (وَ) عَوْرَةُ (حُرَّةٍ مُمَيِّزَةٍ وَمُرَاهِقَةٍ) قَارَبَتْ الْبُلُوغَ: (مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) ، لِمَفْهُومِ حَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ السُّرَّةَ وَالرُّكْبَةَ لَيْسَا مِنْ الْعَوْرَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّلَاةِ. (وَسُنَّ اسْتِتَارُهَا) ، أَيْ: الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهَا وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا عَلَى صِفَةٍ، وَالْحُرَّةِ الْمُرَاهِقَةِ وَالْمُمَيِّزَةِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (كَحُرَّةٍ بَالِغَةٍ) احْتِيَاطًا. (وَعَوْرَةُ ابْنِ سَبْعِ) سِنِينَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ خُنْثَى (إلَى عَشْرِ) سِنِينَ: (الْفَرْجَانِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْبَالِغِ (وَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى ظُفْرُ) هَا (وَشَعْرُ) هَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَلَيْسَ عَلَيْهَا إزَارٌ؟ قَالَ: إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ. (إلَّا وَجْهَهَا) ، لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ كَشْفُ وَجْهِهَا فِي الصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. (قَالَ جُمُوعٌ: وَكَفَّيْهَا) ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْعُمْدَةِ " وَ " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ: وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَخَالَفَهُمَا ابْنُ مَسْعُودٍ. (وَفِي النَّظَرِ) إلَى الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ (تَفْصِيلٌ يَأْتِي) فِي النِّكَاحِ مُسْتَوْفًى. (وَسُنَّ صَلَاةُ رَجُلٍ بَالِغٍ سِيَّمَا إمَامٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ وَبَيْنَ يَدَيْ الْمَأْمُومِينَ، وَتَتَعَلَّقُ صَلَاتُهُمْ بِصَلَاتِهِ (فِي ثَوْبَيْنِ قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ أَوْ إزَارٍ وَسَرَاوِيلَ) ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: (مَعَ سَتْرِ رَأْسِهِ) بِعِمَامَةٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ كَذَلِكَ يُصَلِّي، قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحْيُونَ إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَحَدُهُمْ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَوْبَيْنِ وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ «قُلْنَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ، وَلَا يَأْتَزِرُونَ، فَقَالَ: تَسَرْوَلُوا وَاتَّزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ» . (وَلَا تُكْرَهُ) الصَّلَاةُ (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَسْتُرُ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ) مِنْ الْعَوْرَةِ، وَأَحَدِ الْعَاتِقَيْنِ فِي الْفَرْضِ (وَالْقَمِيصُ أَوْلَى مِنْ رِدَاءٍ مَعَ اقْتِصَارٍ عَلَى ثَوْبٍ) وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْلُغُ ثُمَّ الرِّدَاءُ ثُمَّ الْمِئْزَرُ أَوْ السَّرَاوِيلُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ". (وَسُنَّ أَنْ يُزَرَّ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (جَيْبُ قَمِيصٍ وَاسِعٍ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ) ، لِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَتَقَدَّمَ (فَإِنْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْهُ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا، وَالْمُرَادُ: إنْ أَمْكَنَ رُؤْيَةُ عَوْرَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تُرَ لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ خَلْوَةٍ وَنَحْوِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَيُجْزِئُ) مَنْ لَمْ يَزُرَّ جَيْبَهُ شَدُّ وَسَطِهِ عَلَيْهِ بِمَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ، أَوْ (سَدُّهُ) - أَيْ: الْجَيْبِ - (بِلِحْيَتِهِ) لِوُجُودِ السِّتْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى عَلَى سَتْرِ عَوْرَتِهِ، وَأَعْرَى الْعَاتِقَيْنِ فِي نَفْلٍ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَلِذَلِكَ يُسَامَحُ فِيهِ بِتَرْكِ الْقِيَامِ وَالِاسْتِقْبَالِ فِي السَّفَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلِأَنَّ عَادَةَ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ وَخَلَوَاتِهِ تَخْفِيفُ اللِّبَاسِ، وَغَالِبُ نَفْلِهِ يَقَعُ فِيهِ فَسُومِحَ فِيهِ لِذَلِكَ يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ عَلَيَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالثَّوْبُ الْوَاحِدُ لَا يَتَّسِعُ لِذَلِكَ مَعَ سَتْرِ الْمَنْكِبَيْنِ. (وَشُرِطَ فِي فَرْضِ رَجُلٍ بَالِغٍ مَعَ سَتْرِ عَوْرَتِهِ سَتْرُ جَمِيعِ أَحَدِ عَاتِقَيْهِ بِلِبَاسٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالْعَاتِقِ: مَوْضِعُ الرِّدَاءِ مِنْ الْمَنْكِبِ، وَقَوْلُهُ: بِلِبَاسٍ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الثَّوْبِ الَّذِي سَتَرَ بِهِ عَوْرَتَهُ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ سَتَرَ بِهِ عَاتِقَهُ أَجْزَأَهُ (وَلَا) يُجْزِئُ سَتْرٌ (بِحَبْلٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 وَشَبَكَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى لِبَاسًا (وَلَوْ وَصَفَ) اللِّبَاسُ (الْبَشَرَةَ) لِرِقَّتِهِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» وَهُوَ يَعُمُّ مَا يَصِفُ، وَمَا لَا يَصِفُ. (وَسُنَّ صَلَاةُ حُرَّةٍ) بَالِغَةٍ (فِي دِرْعٍ، وَهُوَ: الْقَمِيصُ، وَخِمَارٍ، وَهُوَ: غِطَاءُ رَأْسِهَا) الَّذِي يُدَارُ تَحْتَ حَلْقِهَا (وَمِلْحَفَةٍ) - بِكَسْرِ الْمِيمِ - (وَهِيَ: الْجِلْبَابُ) ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّهَا كَانَتْ تَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ فِي الْخِمَارِ وَالْإِزَارِ وَالدِّرْعِ، فَتُسْبِلُ الْإِزَارَ فَتُجَلْبَبُ، وَكَانَتْ تَقُولُ: ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ لَا بُدَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ إذَا وَجَدَتْهَا: الْخِمَارُ وَالْإِزَارُ وَالدِّرْعُ " وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَوْفَى عَوْرَةً مِنْ الرَّجُلِ (وَلَا تَضُمُّ ثِيَابَهَا) ، قَالَ السَّامِرِيُّ: (حَالَ قِيَامِهَا) (وَتُكْرَهُ) صَلَاتُهَا (فِي نِقَابٍ وَبُرْقُعٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمُبَاشَرَةِ الْمُصَلَّى بِالْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَيُغَطِّي الْفَمَ، وَقَدْ " نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلَ عَنْهُ " (وَيُجْزِئُ) امْرَأَةً (سَتْرُ عَوْرَتِهَا) ، قَالَ أَحْمَدُ: اتَّفَقَ عَامَّتُهُمْ عَلَى الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ، وَمَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ وَأَسْتَرُ (وَإِذَا انْكَشَفَ لَا عَمْدًا) فِي صَلَاةٍ (مِنْ عَوْرَةِ) ذَكَرٍ أَوْ خُنْثَى أَوْ أُنْثَى (يَسِيرٌ لَا يَفْحُشُ عُرْفًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْدِيدَ فِيهِ شَرْعًا فَرَجَعَ فِيهِ لِلْعُرْفِ كَالْحِرْزِ، فَإِنْ فَحَشَ وَطَالَ الزَّمَنُ بَطَلَتْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْجَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ يُعْتَبَرُ الْفُحْشُ فِي كُلِّ عُضْوٍ بِحَسَبِهِ، إذْ يَفْحُشُ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ مَا لَا يَفْحُشُ مِنْ غَيْرِهَا (فِي النَّظَرِ) - مُتَعَلِّقٌ بِ يَفْحُشُ - أَيْ: لَوْ نُظِرَ إلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ الِانْكِشَافُ زَمَنًا (طَوِيلًا) لَمْ تَبْطُلْ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ: «انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ يُعَلِّمُهُمْ الصَّلَاةَ، وَقَالَ: يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ، فَقَدَّمُونِي فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ، وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَفْرَاءُ صَغِيرَةٌ، فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ انْكَشَفَتْ عَنِّي، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسَاءِ: وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا فَمَا فَرِحْتُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحِي بِهِ وَفِي لَفْظٍ فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ فِي بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ فِيهَا فَتْقٌ فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ فِيهَا خَرَجَتْ اسْتِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَانْتَشَرَ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْكَرَهُ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ إذْ ثِيَابُ الْفُقَرَاءِ لَا تَخْلُو غَالِبًا مِنْ خَرْقٍ، وَثِيَابُ الْأَغْنِيَاءِ مِنْ فَتْقٍ. (أَوْ) انْكَشَفَ مِنْ الْعَوْرَةِ (كَثِيرٌ فِي زَمَنٍ قَصِيرٍ لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ، (فَمَنْ كَشَفَتْ رِيحٌ كُلَّ عَوْرَتِهِ، فَسَتَرَهَا سَرِيعًا بِلَا عَمَلٍ كَثِيرٍ لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْهُ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْعَوْرَةِ، وَكَذَا لَوْ فَحَشَ، وَطَالَ الزَّمَنُ، وَلَوْ بِلَا قَصْدٍ. (وَمَنْ صَلَّى فِي غَصْبٍ) - أَيْ: مَغْصُوبًا - عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً، وَمِثْلُهُ مَسْرُوقٌ وَنَحْوُهُ (وَلَوْ) كَانَ الْمَغْصُوبُ (بَعْضُهُ) مُشَاعًا أَوْ مُعَيَّنًا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ: وَلَوْ لَمْ يَرَ الْعَوْرَةَ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ يَتْبَعُ بَعْضًا (أَوْ) صَلَّى فِيمَا (ثَمَنُهُ الْمُعَيَّنُ حَرَامٌ أَوْ بَعْضُهُ) - أَيْ: بَعْضُ ثَمَنِهِ الْمُعَيَّنِ حَرَامٌ - أَوْ الَّذِي نَوَى الِانْتِقَادَ مِنْهُ غَصْبٌ لَمْ تَصِحَّ إنْ كَانَ عَالِمًا ذَاكِرًا، وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ - إذَا كَانَ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ، وَبَذَلَهُ مِنْ الْحَرَامِ (ثَوْبًا) كَانَ الْمَغْصُوبُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ (وَلَوْ) كَانَ الثَّوْبُ (لِلْكَعْبَةِ) لَمْ تَصِحَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ (أَوْ بُقْعَةٍ) مَغْصُوبَةٍ لَمْ تَصِحَّ، وَيَلْحَقُ بِهِ لَوْ صَلَّى فِي سَابَاطٍ لَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ، أَوْ غَصَبَ رَاحِلَةً وَصَلَّى عَلَيْهَا، أَوْ لَوْحًا فَجَعَلَهُ سَفِينَةً (وَلَوْ كَانَ عَلَى مُصَلٍّ) فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ ثَوْبٌ (مُبَاحٌ غَيْرُهُ) - أَيْ: غَيْرُ الْمَغْصُوبِ - سَوَاءٌ كَانَ تَحْتَهُ أَوْ فَوْقَهُ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ الْمَغْصُوبُ لَكَانَ سَاتِرًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَمْ يُتَبَيَّنْ سَاتِرًا (وَ) صَلَّى (فِي) مَنْسُوجٍ بِ (ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ) فِي (حَرِيرٍ) كُلِّهِ (أَوْ غَالِبُهُ) حَرِيرٌ (حَيْثُ حَرُمَ) الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحَرِيرُ بِأَنْ كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 عَلَى ذَكَرٍ، (وَلَوْ) كَانَ الذَّكَرُ (صَبِيًّا) ، وَلَمْ يَكُنْ الْحَرِيرُ لِحَاجَةٍ لَمْ تَصِحَّ (أَوْ حَجَّ بِغَصْبٍ) ، أَيْ: بِمَالٍ مَغْصُوبٍ أَوْ عَلَى حَيَوَانٍ مَغْصُوبٍ (عَالِمًا) بِأَنَّ مَا صَلَّى فِيهِ أَوْ حَجَّ (بِهِ) مُحَرَّمٌ (ذَاكِرًا لَهُ وَقْتَ عِبَادَةٍ لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهُ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَلِأَحْمَدَ «مَنْ صَنَعَ أَمْرًا عَلَى غَيْرِ أَمْرِنَا فَهُوَ مَرْدُودٌ» وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ، وَقِيَامُهُ وَقُعُودُهُ وَمَسِيرُهُ بِمُحَرَّمٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَلَا يَكُونُ مُتَقَرِّبًا بِمَا هُوَ عَاصٍ بِهِ، وَلَا مَأْمُورًا بِمَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ عَالِمًا ذَاكِرًا (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ وَحَجُّهُ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا. (وَيَتَّجِهُ لَوْ تَابَ) مَنْ تَلَبَّسَ (فِي حَجٍّ) بِمَالٍ مَغْصُوبٍ، أَوْ عَلَى رَاحِلَةٍ مَغْصُوبَةٍ، وَكَانَتْ تَوْبَتُهُ عَنْ فِعْلِ الْعِبَادَةِ فِي الْمَغْصُوبِ (قَبْلَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ) - أَيْ: الدَّفْعِ - (إنْ عَادَ) إلَى عَرَفَةَ (فَوَقَفَ) بِهَا (مَعَ) بَقَاءِ وَقْتِ وُقُوفٍ (وَتَجْدِيدِ إحْرَامٍ: الصِّحَّةُ) ، أَيْ: صِحَّةُ حَجِّهِ (لِتَلَبُّسِهِ بِالْمُبَاحِ حَالَ فِعْلِ الْأَرْكَانِ) ، بِشَرْطِ بَقَائِهِ عَلَى ذَلِكَ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 (وَلَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ، وَلَوْ مَزْرُوعَةً) بِلَا غَصْبٍ أَوْ ضَرَرٍ جَازَ (أَوْ) صَلَّى (عَلَى مُصَلَّاهُ) - أَيْ: الْغَيْرِ - (بِلَا غَصْبٍ أَوْ ضَرَرٍ جَازَ وَصَحَّتْ) صَلَاتُهُ، لِرِضَاهُ بِذَلِكَ عُرْفًا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ لِكَافِرٍ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِصَلَاةِ مُسْلِمٍ فِي أَرْضِهِ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. (وَإِنْ غَيَّرَ هَيْئَةَ مَسْجِدٍ) غَصَبَهُ (فَكَغَصْبٍ) لِمَكَانِ غَيْرِهِ لِصَلَاتِهِ فِيهِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ": وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهِ، وَأَمَّا الْغَيْرُ فَصَلَاتُهُ فِيهِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَاصِبٍ لَهُ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِمَسَاجِدِ حَرِيمِ النَّهْرِ؛ إذْ الْمُصَلِّي فِيهِ غَيْرُ غَاصِبٍ لِلْبُقْعَةِ؛ إذْ لَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا لَوْ لَمْ تُبْنَ، كَمَا كَانَ لَهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يُغَيَّرَ (لَا إنْ مَنَعَهُ) أَيْ: الْمَسْجِدَ (غَيْرُهُ) بِأَنْ مَنَعَ الصَّلَاةَ فِيهِ، وَأَبْقَاهُ عَلَى هَيْئَتِهِ فَلَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 كَغَصْبِهِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَنْعُ، وَكَذَا لَوْ زَحَمَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ وَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ إذَا أَقَامَ غَيْرَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ. (وَلَا يُبْطِلُهَا) - أَيْ: الصَّلَاةَ - (لُبْسُ عِمَامَةٍ وَخَاتَمٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُمَا) كَعِمَامَةِ حَرِيرٍ وَخَاتَمِ ذَهَبٍ أَوْ غَصْبٍ (أَوْ خُفٍّ حَرِيرٍ) وَتِكَّةٍ (أَوْ وَضْعُ ثَوْبِ نَحْوِ غَصْبٍ بِنَحْوِ كُمِّهِ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا، وَيَصِحُّ الْأَذَانُ وَالصَّوْمُ وَالْوُضُوءُ وَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ بِغَصْبٍ، وَكَذَا صَلَاةُ مَنْ طُولِبَ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا قَبْلَهُ، وَعِبَادَةُ مَنْ تَقَوَّى عَلَيْهَا بِمُحَرَّمٍ. (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِلَا إعَادَةٍ فَمَنْ حُبِسَ بِغَصْبٍ) بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ حُبِسَ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِخْلَاصِ نَفْسِهِ، وَفِعْلُ الْعِبَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَحْبُوسُ هُوَ الْغَاصِبَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى رَفْعِ يَدِ نَفْسِهِ عَنْهَا، أَوْ اسْتِئْذَانِ رَبِّهَا فِي صَلَاتِهِ فِيهَا (وَكَذَا) مِمَّنْ حُبِسَ (بِ) بُقْعَةٍ (نَجِسَةٍ) وَيَرْكَعُ (وَيَسْجُدُ) بِيَابِسَةٍ (وُجُوبًا) ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ، وَمُجْمَعٌ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ، وَعَدَمِ سُقُوطِهِ، بِخِلَافِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ (وَيُومِئُ بِرَطْبَةٍ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ، وَيَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ) تَقْلِيلًا لِلنَّجَاسَةِ لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (فَلَا يَضَعُ عَلَى الْأَرْضِ) عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ الصَّلَاةِ (غَيْرَهُمَا) - أَيْ: الْقَدَمَيْنِ - لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِ شَرْطِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ إبَاحَةُ الْبُقْعَةِ وَطَهَارَتُهَا فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَالْوُضُوءِ فِي حَقِّ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ. (وَيَتَّجِهُ كَغَصْبٍ إكْرَاهٌ دَامَ لِآخِرِ وَقْتِ) الصَّلَاةِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَكَذَا كُلُّ مُكْرَهٍ عَلَى الْكَوْنِ بِالْمَكَانِ النَّجِسِ وَالْغَصْبُ بِحَيْثُ يَخَافُ ضَرَرًا مِنْ الْخُرُوجِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَحْبُوسِ مِنْ أَنَّهُ تَصِحُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 صَلَاتُهُ فِيهِ (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ إنْ سَجَدَ) الْمَحْبُوسُ بِمَحِلٍّ نَجِسٍ (بِرَطْبَةٍ تَبْطُلُ) صَلَاتُهُ لِمُخَالَفَتِهِ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُصَلِّي) عَاجِزٌ عَنْ سُتْرَةٍ مُبَاحَةٍ (عُرْيَانًا مَعَ) ثَوْبِ (غَصْبٍ) ، لِأَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ بِكُلِّ حَالٍ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهَا، لِعَدَمِ إذْنِ الشَّارِعِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مُطْلَقًا، وَلِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ، أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَاءً مَغْصُوبًا (وَ) يُصَلِّي (فِي) ثَوْبٍ (حَرِيرٍ لِعَدَمِ) غَيْرِهِ وَلَوْ مُعَارًا؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي لُبْسِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَالْحَكَّةِ، وَضَرُورَةِ الْبُرْدِ، وَعَدَمِ سُتْرَةٍ غَيْرِهِ، فَقَدْ زَالَتْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِيهِ (وَلَا إعَادَةَ) عَلَى مَنْ صَلَّى عُرْيَانًا مَعَ غَصْبٍ أَوْ فِي حَرِيرٍ لِعَدَمِ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) يُصَلِّي (فِي) ثَوْبٍ (نَجِسٍ لِعَدَمِ) غَيْرِهِ مَعَ عَجْزٍ عَنْ تَطْهِيرِهِ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ آكَدُ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ لِوُجُوبِهِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِهِ، (وَيُعِيدُ) مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ لِعَدَمٍ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ حَالَتَيْ الصَّلَاةِ عُرْيَانًا، وَالصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِ الْحَالَةِ الْأُخْرَى، وَقَدْ قَدَّمَ حَالَةَ التَّزَاحُمِ آكَدُهَا، فَإِذَا زَالَ التَّزَاحُمُ بِوُجُودِهِ ثَوْبًا طَاهِرًا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، اسْتِدْرَاكًا لِلْخَلَلِ الْحَاصِلِ بِتَرْكِ الشَّرْطِ الَّذِي كَانَ مَعْذُورًا عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ، بِخِلَافِ الْمَحْبُوسِ بِمَكَانٍ نَجِسٍ، فَإِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الِانْتِقَالِ عَنْهُ بِكُلِّ حَالٍ. (وَيُصَلِّي) مَنْ عِنْدَهُ ثَوْبَانِ نَجِسَانِ (فِي أَقَلِّ الثَّوْبَيْنِ نَجَاسَةً) ، وَإِنْ كَانَ طَرَفُ الثَّوْبِ نَجِسًا، وَأَمْكَنَهُ السِّتْرُ بِالطَّاهِرِ مِنْهُ لَزِمَهُ (وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 يَصِحُّ نَفْلُ) صَلَاةِ (آبِقٍ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ، وَلَا تَصْعَدُ لَهُمْ حَسَنَةٌ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَوَالِيهِ فَيَضَعَ يَدَهُ فِي أَيْدِيهِمْ، وَالْمَرْأَةُ السَّاخِطُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا، وَالسَّكْرَانُ حَتَّى يَصْحُوَ» وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ نَفْلُ الْآبِقِ؛ لِأَنَّ زَمَنَهُ مَغْصُوبٌ، بِخِلَافِ فَرْضِهِ، فَإِنَّ زَمَنَهُ مُسْتَثْنًى شَرْعًا. (وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ نَفْلِ نَحْوِ صَوْمٍ وَحَجٍّ) مِنْ آبِقٍ لِاخْتِصَاصِ عَدَمِ الصِّحَّةِ بِنَفْلِ الصَّلَاةِ دُونَ فَرْضِهَا، وَمَنْذُورَتِهَا، وَأَمَّا الصَّوْمُ وَالْحَجُّ، فَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ نَفْلًا كَانَ أَوْ فَرْضًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ أَوْ مَنْكِبَهُ فَقَطْ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ] (فَصْلٌ) (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ) أَوْ مَنْكِبَهُ فَقَطْ، وَأَرَادَ الصَّلَاةَ، سَتَرَهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَأْتَزِرْ، وَلْيَرْتَدِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَأْتَزِرْ، ثُمَّ لْيُصَلِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ «إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ سِتْرَ الْعَوْرَةُ وَاجِبٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَفِيهَا أَوْلَى، (أَوْ) لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ (فَرْجَيْهِ) سَتَرَهُمَا لِأَنَّهُمَا عَوْرَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَفْحَشُ فِي النَّظَرِ، (أَوْ) لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ (أَحَدَهُمَا سَتَرَهُ وَالدُّبُرُ أَوْلَى) مِنْ الْقُبُلِ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ وَيَنْفَرِجُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، (إلَّا إذَا كَفَتْ) السُّتْرَةُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ، أَوْ (مَنْكِبَهُ وَعَجُزَهُ فَقَطْ) ، بِأَنْ كَانَتْ إذَا تَرَكَهَا عَلَى كَتِفَيْهِ وَسَدَلَهَا مِنْ وَرَائِهِ تَسْتُرُ عَجُزَهُ دُونَ قُبُلِهِ، (فَيَسْتُرُهُمَا) - أَيْ: الْمَنْكِبَ وَالْعَجُزَ - وُجُوبًا؛ لِأَنَّ سِتْرَ الْمَنْكِبِ لَا بَدَلَ لَهُ، وَصَحَّ الْحَدِيثُ بِالْأَمْرِ بِهِ، فَمُرَاعَاتُهُ أَوْلَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 (وَيُصَلِّي جَالِسًا نَدْبًا) لِسِتْرِ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ. (وَيَلْزَمُ) عُرْيَانًا (تَحْصِيلُ سُتْرَةٍ بِثَمَنِ) مِثْلِهَا فِي مَكَانِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ (أَوْ) وَجَدَهَا تُؤَجَّرُ وَقَدَرَ عَلَى الْأُجْرَةِ لَزِمَهُ اسْتِئْجَارُهَا (بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا) حَيْثُ كَانَتْ فَاضِلَةً عَنْ حَاجَتِهِ، (فَإِنْ زَادَ) ثَمَنُهَا عَنْ قِيمَةِ مِثْلِهَا فِي مَكَانِهَا، (فَكَمَاءِ وُضُوءٍ) إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لَزِمَتْهُ وَإِلَّا فَلَا، (وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهَا عَارِيَّةً) إنْ بُذِلَتْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى سَتْرِ عَوْرَتِهِ بِمَا لَا تَكْثُرُ فِيهِ الْمِنَّةُ، (لَا) قَبُولُهَا (هِبَةً) لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ، (وَلَا) يَلْزَمُهُ (طَلَبُهَا عَارِيَّةً، كَذَا فِي " الْمُبْدِعِ ") ، لِأَنَّ فِيهِ عَارًا عَلَيْهِ (فَإِنْ عَدِمَ) السُّتْرَةَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا بِبَيْعٍ وَلَا إجَارَةٍ، وَلَمْ تُبْذَلْ لَهُ عَارِيَّةً (صَلَّى جَالِسًا نَدْبًا: يُومِئُ) بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ إيمَاءً، (نَدْبًا) فِي الْجُلُوسِ وَالْإِيمَاءِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ قَوْمًا انْكَسَرَ بِهِمْ مَرْكَبُهُمْ فَخَرَجُوا عُرَاةً، قَالَ: يُصَلُّونَ جُلُوسًا يُومِئُونَ إيمَاءً بِرُءُوسِهِمْ " وَلَمْ يُنْقَلُ خِلَافُهُ. وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ، (وَلَا يَتَرَبَّعُ) فِي جُلُوسِهِ (بَلْ ينضام) ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيُّ. (فَيُقِيمُ إحْدَى فَخِذَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى) ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَشْفًا، (وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا لَزِمَهُ أَنْ) يَرْكَعَ ثُمَّ (يَسْجُدَ بِالْأَرْضِ) ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلِّ قَائِمًا» وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْجُلُوسَ عَلَى الْقِيَامِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ فِيهِ سِتْرُ الْعَوْرَةِ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْقِيَامِ، فَلَوْ صَلَّى قَائِمًا لَسَقَطَ السِّتْرُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ، مَعَ أَنَّ السِّتْرَ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَسْقُطُ مَعَ الْقُدْرَةِ بِحَالٍ، وَالْقِيَامُ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ سَقَطَ عَنْهُمْ لِحِفْظِ الْعَوْرَةِ، وَهِيَ فِي السُّجُودِ أَفْحَشُ، فَكَانَ سُقُوطُهُ أَوْلَى، لَا يُقَالُ: السِّتْرُ كُلُّهُ لَا يَحْصُلُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بَعْضُهُ، فَلَا يَفِي ذَلِكَ بِتَرْكِ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ: الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؛ لِأَنَّ الْعَوْرَةَ إنْ كَانَتْ الْفَرْجَيْنِ فَقَدْ حَصَلَ سَتْرُهُمَا، وَإِلَّا حَصَلَ سِتْرُ أَغْلَظِهِمَا وَأَفْحَشِهِمَا، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَوْ جَالِسًا، وَرَكَعَ وَسَجَدَ بِالْأَرْضِ جَازَ، مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ كَالْمُصَنَّفِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى جَالِسًا يُومِئُ إيمَاءً، وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ مِنْهُ. (وَلَا يُعِيدُ) الْعُرْيَانُ إذَا قَدَرَ عَلَى السِّتْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ صَلَّى قَائِمًا أَوْ جَالِسًا كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، (وَإِنْ وَجَدَهَا) - أَيْ: السُّتْرَةَ - (مُصَلٍّ) عُرْيَانًا (قَرِيبَةً) مِنْهُ (عُرْفًا) ، أَيْ: بِحَيْثُ تُعَدُّ فِي الْعُرْفِ قَرِيبَةً، (سَتَرَ) بِهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ سِتْرُهُ، (وَبَنَى) عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاةٍ قِيَاسًا عَلَى فِعْلِ أَهْلِ قُبَاءٍ لَمَّا عَلِمُوا تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا إلَيْهَا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ. (وَإِلَّا) : بِأَنْ كَانَتْ بَعِيدَةً لَا يُمْكِنُهُ السِّتْرُ بِهَا إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ وَزَمَنٍ طَوِيلٍ، سَتَرَ (وَابْتَدَأَ) صَلَاتَهَا لِبُطْلَانِهَا. (وَكَذَا مَنْ عَتَقَتْ فِيهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - (وَاحْتَاجَتْ إلَيْهَا) - أَيْ: السُّتْرَةِ - بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَتِرَةً كَحُرَّةٍ، فَإِنْ كَانَ الْخِمَارُ قَرِيبًا تَخَمَّرَتْ وَبَنَتْ، وَإِلَّا تَخَمَّرَتْ وَابْتَدَأَتْ، وَكَذَا إنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ ثَوْبَهُ فِيهَا. (فَلَوْ جَهِلَتْ عِتْقَهَا، أَوْ) جَهِلَتْ (وُجُوبَ سِتْرٍ أَوْ) جَهِلَتْ (قُدْرَةً عَلَيْهِ) - أَيْ: السِّتْرِ - (أَعَادَتْ) صَلَاتَهَا مَعَ كَشْفِ مَا يَجِبُ سِتْرُهُ وَقُدْرَتُهَا عَلَيْهِ (وَتُصَلِّي الْعُرَاةَ جَمَاعَةً صَفًّا وَاحِدًا، وَإِمَامُهُمْ وَسَطًا) ، أَيْ: لَا يَتَقَدَّمُهُمْ (وُجُوبًا فِيهِنَّ) ، أَيْ: فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. وَكَوْنُهُمْ صَفًّا وَاحِدًا، وَكَوْنُ إمَامِهِمْ وَسَطًا لِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ أَشْبَهُوا الْمُسْتَتِرِينَ وَكَحَالِ الْخَوْفِ، وَأَوْلَى وَلَا تَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ بِفَوْتِ سُنَّةِ الْمَوْقِفِ، وَلِأَنَّهُمْ لَوْ صَلَّوْا صُفُوفًا لَنَظَرَ الْمُتَأَخِّرُ عَوْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ وُقُوفَ الْإِمَامِ وَسَطَهُمْ أَسْتَرُ مِنْ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمْ، (فَإِنْ تَقَدَّمَهُمْ) الْإِمَامُ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُمْ، (إلَّا) أَنْ يَكُونُوا (فِي ظُلْمَةٍ) ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ لِلْأَمْنِ مِنْ رُؤْيَتِهِمْ عَوْرَتَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) إلَّا أَنْ يَكُونُوا (عُمْيًا) ، فَيَجُوزُ كَذَلِكَ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِمْ، وَجَعْلُهُمْ صُفُوفًا لِعَدَمِ رُؤْيَةِ بَعْضِهِمْ عَوْرَةَ بَعْضٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَعَ ضِيقِ مَكَان يُصَلُّونَ جَمَاعَتَيْنِ) فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ مَا يَسَعُ الْمَكَانُ (وَ) إذَا كَانَ الْمُصَلُّونَ نَوْعَيْنِ (يَتَبَاعَدُ نِسَاءٌ) عُرَاةٌ (عَنْ رِجَالٍ، وَيُصَلِّي كُلُّ نَوْعٍ جَانِبًا) لِئَلَّا يَرَى بَعْضُهُمْ عَوْرَةَ بَعْضٍ، (فَإِنْ شَقَّ) ذَلِكَ لِنَحْوِ ضِيقٍ صَلَّى الْفَاضِلُ، وَهُمْ الرِّجَالُ، (وَاسْتَدْبَرَهُمْ مَفْضُولٌ) ، وَهُوَ النِّسَاءُ، (ثُمَّ عُكِسَ) ، يَعْنِي: يُصَلِّي النِّسَاءُ وَيَسْتَدْبِرهُنَّ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ إنْ وَقَفْنَ مَعَ الرِّجَالِ صَفًّا أَخْطَأْنَ سُنَّةَ الْمَوْقِفِ، وَإِنْ صَلَّيْنَ خَلْفَهُمْ شَاهَدْنَ عَوْرَاتِهِمْ، وَرُبَّمَا اُفْتُتِنَّ بِهِمْ. (وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ: (إنْ لَمْ يَضِقْ وَقْتُ) الصَّلَاةِ عَنْ فِعْلِهَا كُلِّهَا فِيهِ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّوْا عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ مَعَ التَّحَرِّي عَلَى عَدَمِ رُؤْيَةِ بَعْضِهِمْ عَوْرَةَ بَعْضٍ حَسَبَ الطَّاقَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَمَنْ أَعَارَ) وَنَحْوُهُ (سُتْرَتَهُ) لِمَنْ يُصَلِّي فِيهَا، (وَصَلَّى) - أَيْ: صَاحِبُهَا - عُرْيَانًا، (لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) ، لِتَرْكِهِ السُّتْرَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ عَدَمِ صَلَاةِ مُعِيرٍ سُتْرَتَهُ (مَعَ قُدْرَةٍ عَلَى اسْتِرْدَادِهَا) مِنْ مُسْتَعِيرٍ، أَمَّا مَعَ عَجْزِهِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ عَجْزَهُ عَنْ اسْتِرْدَادِهَا بِمَنْزِلَةِ عَادِمِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتُسَنُّ إعَارَتُهَا) - أَيْ: السُّتْرَةِ - لِلصَّلَاةِ (إذَا صَلَّى) رَبُّهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 لِتَكْمُلَ صَلَاةُ الْمُسْتَعِيرِ، (وَإِنْ صَلُحَ) رَبُّهَا أَنْ يَكُونَ (إمَامًا، صَلَّى بِهِمْ نَدْبًا) تَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةً فِي نَفْسِهَا، لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا، بَلْ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ فِعْلُهَا تَحْصِيلًا لِثَوَابِهَا. (وَإِنْ كَانَ) مَالِكُ السُّتْرَةِ (أُمِّيًّا) لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، (صَلَّى فِيهَا) - أَيْ: السُّتْرَةِ - وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لَهَا، (ثُمَّ بَذَلَهَا لَهُمْ) نَدْبًا (فَصَلَّوْا بِهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ) ؛ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ بِشُرُوطِهَا، إلَّا مَعَ ضِيقِ وَقْتٍ عَنْ فِعْلِهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، (فَيُصَلِّي بِهَا أَحَدُهُمْ إمَامًا) لِاسْتِتَارِ عَوْرَتِهِ، وَيَكُونُ وُقُوفُهُ (إمَامًا) - أَيْ: مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِمْ كَإِمَامِ الْمَسْتُورِينَ، (وَ) يُصَلِّي (الْبَاقُونَ عُرَاةً) خَشْيَةَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ. (وَيُقْرَعُ إنْ تَشَاحُّوا) ، فَيُقَدَّمُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ لِتَرَجُّحِهِ بِهَا، (وَيَتَعَيَّنُ مَنْ عَيَّنَهُ رَبُّهَا) بِالْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ خَصَّ بِهِ مَنْ عَيَّنَهُ (فَإِنْ أَعَارَهَا) لِغَيْرِ صَالِحٍ لِلْإِمَامَةِ جَازَ،؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، (وَحُكْمُهُ) - أَيْ: حُكْمُ مُعَارٍ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْإِمَامَةِ - (كَصَاحِبِهَا) - أَيْ: السُّتْرَةِ - لِمِلْكِهِ الِانْتِفَاعَ بِهَا، فَيُصَلِّي وَحْدَهُ، وَيُصَلُّونَ جَمَاعَةً لِأَنْفُسِهِمْ، (فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نِسَاءٌ فَهُنَّ أَوْلَى بِهَا) مِنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ عَوْرَتَهُنَّ أَفْحَشُ وَسَتْرُهَا أَبْعَدُ مِنْ الْفِتْنَةِ، (فَإِذَا صَلَّيْنَ فِيهَا) - أَيْ: السُّتْرَةِ - (دُفِعَتْ لَهُمْ) ، أَيْ: الرِّجَالِ، وَصَلَّوْا فِيهَا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَإِلَّا صَلَّوْا عُرَاةً، (فَإِنْ كَانَ ثُمَّ) - أَيْ: فِي الْعُرَاةِ - (مَيِّتٌ صَلَّى فِيهَا) ، أَيْ: السُّتْرَةِ الْمَبْذُولَةِ لَهُمْ (حَيٌّ) فَرَضَهُ، لَا عَلَى الْمَيِّتِ، (ثُمَّ كَفَّنَ) بِهَا الْمَيِّتِ جَمَعًا بَيْن الْحَقَّيْنِ. (وَحَرُمَ انْتِظَارُ سُتْرَةٍ) لِيُصَلِّيَ فِيهَا (مَعَ ضَيِّق وَقْتٍ) فَيُصَلِّي عُرْيَانًا إذَا خَافَ خُرُوجَهُ. (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عُرْيَانًا (لِمُسَافِرٍ) خَشِيَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْحَاضِرَ يَلْزَمهُ انْتِظَارُ السُّتْرَةِ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهَذَا أَحَد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وَجْهَيْنِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهَذَا أَقْيَسُ لَكِنْ قَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّارِحُ وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ رَزِينٍ، عَدَمَ لُزُومِ انْتِظَارِهَا، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّحِيحُ والصَّوَاب، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. [فَصْلٌ فِي جُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا] (فَصْلٌ فِي جُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا) (كُرِهَ فِي صَلَاةٍ) فَقَطْ (سَدْلٌ وَهُوَ: طَرْحُ ثَوْبٍ عَلَى كَتِفَيْهِ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي، (وَلَا يَرُدُّ طَرَفَهُ) - أَيْ: الثَّوْبِ - (عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى) سَوَاءٌ كَانَ تَحْتَهُ ثَوْبٌ أَوْ لَا، وَالنَّهْيُ فِيهِ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ وَخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، نَقْلُ مُهَنَّا: لَيْسَ بِصَحِيحٍ لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَحْمَدُ. (فَإِنْ رَدَّ) طَرَفَهُ عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى لَمْ يُكْرَهْ، لِزَوَالِ مَعْنَى السَّدْلِ، زَادَ فِي " الشَّرْحِ ": (أَوْ ضَمِّ طَرَفَيْهِ بِيَدَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ) ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى ": يُكْرَهُ لِبَقَاءِ مَعْنَى السَّدْلِ (فَإِنْ طَرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ قَبَاءً) - بِفَتْحِ الْقَافِ - (مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ كُمَّيْهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ السَّدْلِ الْمَكْرُوهِ، قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ. (وَكُرِهَ) فِي الصَّلَاةِ (اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَأَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نَهَى عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَهُوَ) - أَيْ: اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ - (أَنْ يَضْطَبِعَ بِثَوْبِ) وَاحِدٍ (لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) ، وَالِاضْطِبَاعُ: أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، وَجَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا «نُهِيَ عَنْ لُبْسَتَيْنِ، وَهُوَ: اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ.» وَالِاحْتِبَاءُ: هُوَ أَنْ يَحْتَبِيَ بِهِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ آخَرُ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّهَا لُبْسَةُ الْمُحْرِمِ، وَفَعَلَهَا النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ إلَّا أَنْ تَبْدُوَ عَوْرَتُهُ. (وَ) يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ (تَغْطِيَةُ وَجْهٍ) ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «نَهَى أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى كَرَاهَةِ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَغْطِيَةِ الْفَمِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ لَهَا تَحْلِيلٌ وَتَحْرِيمٌ، فَشُرِعَ لَهَا كَشْفُ الْوَجْهِ كَالْإِحْرَامِ (وَ) كُرِهَ فِيهَا أَيْضًا (تَلَثُّمٌ عَلَى فَمٍ وَأَنْفٍ) ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلِقَوْلِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَفُّ كُمٍّ وَتَشْمِيرُهُ) ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ " لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،: «وَلَا أَكُفُّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ تَغْطِيَةِ وَجْهٍ، وَمَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ (بِلَا سَبَبٍ) ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَقِيَاسُهُ كَفُّ الْكُمِّ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ السَّدْلُ وَمَا بَعْدَهُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لَمْ يُكْرَهْ. (وَكُرِهَ وَلَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، تَشَبُّهٌ بِكُفَّارٍ، وَحَرَّمَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وَقَالَ الشَّيْخُ: أَقَلُّ أَحْوَالِهِ - أَيْ: هَذَا الْحَدِيثِ - أَنْ يَقْتَضِيَ تَحْرِيمَ التَّشَبُّهِ، وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ كُفْرَ الْمُتَشَبِّهِ بِهِمْ، وَقَالَ: وَلَمَّا صَارَتْ الْعِمَامَةُ الصَّفْرَاءُ وَالزَّرْقَاءُ مِنْ شِعَارِهِمْ حَرُمَ لُبْسُهَا. (وَ) أَيْضًا مُطْلَقًا جَعْلُ صِفَةِ (صَلِيبٍ فِي نَحْوِ ثَوْبٍ) كَعِمَامَةٍ وَخَاتَمٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنَّصَارَى، وَظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ: تَحْرِيمُهُ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ (وَ) كُرِهَ أَيْضًا مُطْلَقًا (شَدُّ وَسَطٍ) - بِفَتْحِ السِّينِ - (بِ) شَيْءٍ (مُشْبِهٍ شَدَّ زُنَّارٍ) - بِوَزْنِ تُفَّاحٍ - لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ، وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، فَقَالَ: «لَا تَشْتَمِلُوا اشْتِمَالَ الْيَهُودِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَلَا بَأْسَ) بِشَدِّ وَسَطٍ (بِمَا لَا يُشْبِهُ) كَذَلِكَ (لِرَجُلٍ) . قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ، أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ مُحْتَزِمٌ» فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِرَجُلٍ، (بَلْ يُسْتَحَبُّ) لَهُ شَدُّ وَسَطِهِ (بِنَحْوِ مِنْدِيلٍ) ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي، وَعَلَيْهِ الْقَمِيصُ يَأْتَزِرُ بِالْمِنْدِيلِ قَالَ: نَعَمْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ. (وَكُرِهَ لِأُنْثَى) شَدُّ وَسَطٍ (وَلَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ) ، هَكَذَا أَطْلَقَهُ فِي " التَّنْقِيحُ " وَ " الْمُبْدِعِ " وَ " الْمُنْتَهَى " وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ يُبَيِّنُ بِهِ حَجْمَ عَجِيزَتِهَا، وَتُبَيَّنُ بِهِ عُكَنُهَا وَتَقَاطِيعُ بَدَنِهَا، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " - حَيْثُ حَمَلَ كَرَاهَتَهُ شَدَّ وَسَطِهَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ دُونَ خَارِجِهَا. وَكُرِهَ أَيْضًا (مَشْيٌ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ) لِقَوْلِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَنَصُّهُ: وَلَوْ يَسِيرًا لِإِصْلَاحِ الْأُخْرَى، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِي فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا» رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وَفِيهِ «وَلَا خُفٍّ وَاحِدٍ» ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشُّهْرَةِ (أَوْ) كَوْنِ النَّعْلَيْنِ (مُخْتَلِفَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَادَةِ النَّاسِ. (وَسُنَّ كَوْنُ نَعْلٍ صَفْرَاءَ وَخُفٍّ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ) ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ أَصْحَابِنَا، وَسُنَّ تَعَاهُدُ النَّعْلِ عِنْد بَابِ الْمَسْجِدِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَهُ، وَلْيَنْظُرْ فِيهِمَا، فَإِنْ رَأَى خَبَثًا فَلْيَمْسَحْهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. «وَكَانَ لِنَعْلِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قِبَالَانِ» بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهُوَ: السَّيْرُ بَيْنَ الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَاسْتَحَبَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ، الصَّلَاةَ فِي النَّعْلِ الطَّاهِرِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: «سَأَلْتُ أَنَسًا: أَكَانَ النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَكُرِهَ لُبْسُ مُعَصْفَرٍ) لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ قَالَ: «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَأَى عَلَيْهِ رَيْطَةً مُضَرَّجَةً بِالْعُصْفُرِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورَهُمْ فَقَذَفْتهَا فِيهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَلَا كَسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِك: فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلنِّسَاءِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالرَّيْطَةُ: كُلُّ ثَوْبٍ رَقِيقٍ لَيِّنٍ. وَالْمُضَرَّجَةُ: الَّتِي لَيْسَ صَبْغُهَا بِالْمُشْبِعِ (فِي غَيْرِ إحْرَامٍ) ، فَلَا يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ فِيهِ نَصًّا، وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ لِتَخْصِيصِ الرَّجُلِ بِالنَّهْيِ. (وَ) كُرِهَ لِلرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ لُبْسُ (مُزَعْفَرٍ) لِقَوْلِ أَنَسٍ " إنَّ النَّبِيَّ، «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) كُرِهَ لِلرَّجُلِ لُبْسُ (أَحْمَرَ مُصْمَتًا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «مَرَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ أَحْمَدُ: يُقَالُ أَوَّلُ مَنْ لَبِسَهُ آلُ قَارُونَ أَوْ آلُ فِرْعَوْنَ. وَ (لَا) يُكْرَهُ لُبْسُ (أَسْوَدَ وَلَوْ لِجُنْدٍ) ، لِدُخُولِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ. (وَ) كُرِهَ لِلرَّجُلِ أَيْضًا لُبْسُ (طَيْلَسَانَ، وَهُوَ: الْمُقَوَّرُ) عَلَى شَكْلِ الطَّرْحَةِ يُرْسَلُ مِنْ فَوْقِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ لُبْسَ رُهْبَانِ الْمَلَكِيِّينَ مِنْ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُرْسَلُ مِنْ وَرَاءِ الظَّهْرِ وَالْجَانِبَيْنِ مِنْ غَيْرِ إدَارَةٍ تَحْتَ الْحَنَكِ، وَلَا إلْقَاءِ طَرَفَيْهِ عَلَى الْكَتِفَيْنِ، أَوْ يُقَوَّرُ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ مَا يَخْرُجُ الرَّأْسُ مِنْهُ، وَيُرْخَى الْبَاقِي خَلْفَهُ وَفَوْقَ مَنْكِبَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شِعَارُ الْيَهُودِ. وَأَمَّا الْمُدَوَّرُ الَّذِي يُدَارُ تَحْتَ الْحَنَكِ، وَيُغَطِّي الرَّأْسَ وَأَكْثَرَ الْوَجْهِ، وَيَجْعَلُ طَرَفَيْهِ عَلَى الْكَتِفَيْنِ: فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ سُنَّةٌ. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا لُبْسُهُ (جِلْدًا مُخْتَلَفًا فِي نَجَاسَتِهِ وَافْتِرَاشِهِ) ، مَعَ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهِ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَمَعَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ يَحْرُمُ إلَّا مَا نَجِسَ بِمَوْتِهِ وَدُبِغَ، فَيُسْتَعْمَلُ فِي يَابِسٍ كَمَا سَبَقَ. وَ (لَا) يُكْرَهُ (إلْبَاسُهُ) - أَيْ: الْجِلْدِ الْمُخْتَلِفِ فِي نَجَاسَتِهِ - (دَابَّتَهُ) لِأَنَّ حُرْمَتَهَا لَيْسَ كَحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ، وَيَحْرُمُ إلْبَاسُهَا ذَهَبًا وَفِضَّةً وَحَرِيرًا، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَ) كُرِهَ (كَوْنُ ثِيَابِهِ) - أَيْ: الرَّجُلِ - (فَوْقَ نِصْفِ سَاقِهِ) نَصًّا، وَلَعَلَّهُ لِئَلَّا تَبْدُوَ عَوْرَتُهُ (أَوْ تَحْتَ كَعْبِهِ بِلَا حَاجَةٍ) ، نَصًّا لِلْخَبَرِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ، كَحُمُوشَةِ سَاقِهِ - أَيْ: دِقَّتِهِ - لَمْ يُكْرَهْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّدْلِيسَ عَلَى النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ مِنْ الْغِشِّ، وَعَنْهُ: «مَا تَحْتَهُمَا فَهُوَ فِي النَّارِ» وَ (لَا) يُكْرَهُ جَعْلُ ثَوْبِهِ (مَا بَيْنَ ذَلِكَ) ، أَيْ: بَيْنَ نِصْفِ السَّاقِ وَفَوْقَ الْكَعْبِ. (وَ) يُبَاحُ (لِامْرَأَةٍ زِيَادَةُ) ذَيْلِهَا عَلَى ذَيْلِ الرَّجُلِ (إلَى ذِرَاعٍ) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وَلَوْ مِنْ نِسَاءِ الْمُدُنِ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: يُرْخِينَ شِبْرًا، قَالَتْ إذَنْ تَنْكَشِفَ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: فَيُرْخِينَ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِذِرَاعِ الْيَدِ، وَهُوَ شِبْرَانِ؛ لِمَا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شِبْرًا، ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا» . (وَحَرُمَ) ، - وَهُوَ (كَبِيرَةٌ) لِلْوَعِيدِ الْآتِي بَيَانُهُ فِي الْخَبَرِ - (فِي غَيْرِ حَرْبٍ إسْبَالُ) شَيْءٍ مِنْ (ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ وَلَوْ عِمَامَةً وَسَرَاوِيلَ) ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَأَى بَعْضَ أَصْحَابِهِ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ قَالَ: إنَّهَا لَمِشْيَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ» وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ مَذْمُومٌ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ لِحَدِيثِ «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَإِنْ أَسْبَلَ) ثَوْبَهُ (لِحَاجَةٍ: كَسِتْرِ) سَاقٍ (قَبِيحٍ، وَلَا خُيَلَاءَ وَلَا تَدْلِيسَ) عَلَى النِّسَاءِ: (أُبِيحَ) . قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: جَرُّ الْإِزَارِ وَإِسْبَالُ الرِّدَاءِ فِي الصَّلَاةِ، إذَا لَمْ يُرِدْ الْخُيَلَاءَ فَلَا بَأْسَ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُرِدْ التَّدْلِيسَ، فَإِنْ أَرَادَهُ، (كَ) امْرَأَةٍ (قَصِيرَةٍ) لَمْ يَرْغَبْ فِيهَا، فَ (اتَّخَذَتْ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ) ، فَلَمْ تُعْرَفْ: حَرُمَ عَلَيْهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْغِشِّ، وَفِي الْخَبَرِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . (وَيَحْسُنُ) - وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ " عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُسَنُّ - (تَطْوِيلُ كُمِّ) رَجُلٍ (لِرَأْسِ أَصَابِعَ أَوْ أَكْثَرَ قَلِيلًا) لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: «كَانَتْ يَدُ كُمِّ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،، إلَى الرُّسْغِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَلْبَسُ قَمِيصًا قَصِيرَ الْيَدَيْنِ وَالطُّولِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 (وَتَوْسِيعُهُ) بِاعْتِدَالٍ مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ، فَلَا تَتَأَذَّى الْيَدُ بِحَرٍّ وَلَا بَرْدٍ، وَلَا يَمْنَعُهَا خِفَّةَ الْحَرَكَةِ وَالْبَطْشِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَأُمًّا هَذِهِ الْأَكْمَامُ الْوَاسِعَةُ الطِّوَالُ الَّتِي هِيَ كَالْأَخْرَاجِ، وَعَمَائِمُ كَالْأَبْرَاجِ، فَلَمْ يَلْبَسْهَا، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ، وَفِي جَوَازِهَا نَظَرٌ فَإِنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْخُيَلَاءِ. (وَ) يَحْسُنُ (قِصَرُ كُمِّهَا) - أَيْ: الْمَرْأَةِ - قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: دُونَ رُءُوسِ أَصَابِعِهَا، (وَتَوْسِيعُهُ بِلَا إفْرَاطٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَكُرِهَ لَهُمَا) - أَيْ: الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ - (لُبْسُ مَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ) ، أَيْ: مَعَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِمَا يَكْفِي فِي السَّتْرِ. (وَ) كُرِهَ (لَهَا) - أَيْ: الْمَرْأَةِ - لُبْسُ (مَا يَصِفُ الْحَجْمَ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَى لَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَالَكَ لَا تَلْبَسُ الْقُبْطِيَّةَ؟ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَيَتَّجِهُ تَحْرِيمُ) لُبْسِ الْمَرْأَةِ (مَا) - أَيْ: ثَوْبًا وَنَحْوَهُ كَمِنْدِيلٍ عَلَى وَجْهِهَا - (يَصِفُ الْبَشَرَةَ) ، أَيْ: يَحْكِي هَيْئَتَهَا مِنْ بَيَاضٍ أَوْ سَوَادٍ إذَا كَانَتْ يَرَاهَا أَجْنَبِيٌّ فِي الصَّلَاةِ، وَخَارِجِهَا وَكَانَ (مُفْرَدًا) عَنْ سَاتِرٍ تَحْتَهُ، (كَمَا مَرَّ) أَوَّلَ الْبَابِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 (وَحَرُمَ لُبْسُهُنَّ) - أَيْ: النِّسَاءِ - (عَصَائِبَ كِبَارًا يَتَشَبَّهْنَ) بِلُبْسِهَا (بِرِجَالٍ، بَلْ حَرُمَ تَشَبُّهُ أُنْثَى بِرَجُلٍ، كَعَكْسِهِ) - أَيْ: كَمَا يَحْرُمُ تَشَبُّهُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ - (فِي لِبَاسٍ وَغَيْرِهِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ، نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ، مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ، عَلَى رُءُوسِهِنَّ أَمْثَالُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَرَيْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَرِجَالٌ مَعَهُمْ أَسِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَكُرِهَ لِرَجُلٍ لُبْسُ ثِيَابِ الْمَرْأَةِ، وَعَكْسُهُ) - أَيْ: يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ ثِيَابِ الرَّجُلِ - (نَصًّا) ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَشَبُّهٌ وَأَمَّا مَعَهُ فَيَحْرُمُ، كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) كُرِهَ لِرَجُلٍ لَا امْرَأَةٍ (زِيقٌ عَرِيضٌ) ، وَهُوَ: لَبِنَةُ الْجَيْبِ، (وَلُبْسُ زِيِّ الْأَعَاجِمِ كَعِمَامَةٍ صَمَّاءَ وَنَعْلٍ صرارة لِزِينَةٍ) لِلنَّهْيِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ. (وَلُبْسُ مَا فِيهِ شُهْرَةٌ) ، أَيْ: مَا يُشْتَهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّاسِ، وَيُشَارُ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى حَمْلِهِمْ عَلَى غِيبَتِهِ، فَيُشَارِكُهُمْ فِي إثْمِ الْغِيبَةِ، (وَيَدْخُلُ فِيهِ) - أَيْ: فِي ثَوْبِ الشُّهْرَةِ - (خِلَافُ) زِيٍّ (مُعْتَادٍ، وَ) خِلَافُ (زِيِّ بَلَدٍ) هُوَ فِيهِ. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا (لُبْسُ ثَوْبٍ مَقْلُوبٍ كَفِعْلِ بَعْضِ أَهْلِ السَّخَافَةِ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَنْ الشُّهْرَتَيْنِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشهرتان؟ قَالَ: رِقَّةُ الثِّيَابِ وَغِلَظُهَا، وَلِينُهَا وَخُشُونَتُهَا، وَطُولُهَا وَقِصَرُهَا، وَلَكِنْ سَدَادًا بَيْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 ذَلِكَ وَاقْتِصَادًا» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: إنَّ قَوْمًا جَعَلُوا خُشُوعَهُمْ فِي لِبَاسِهِمْ، وَشَهَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِلِبَاسِ الصُّوفِ، حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ بِمَا يَلْبَسُ مِنْ الصُّوفِ، أَعْظَمُ كِبْرًا مِنْ صَاحِبِ الْمِطْرَفِ بِمِطْرَفِهِ، قَالَ فِي " الْقَامُوسِ " الْمِطْرَفُ: الْمَالُ الْمُسْتَحْدَثُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ: كَانَ الْعِلْمُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ فَانْتَقَلَ إلَى جُلُودِ الضَّأْنِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: وَالْآنَ إلَى جُلُودِ السَّمُّورِ. (فَإِنْ قَصَدَ بِهِ) - أَيْ: لُبْسِ ثَوْبِ الشُّهْرَةِ - (إظْهَارَ تَوَاضُعٍ حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ رِيَاءٌ) . وَ «مَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ» (قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ مِنْ عَادَاتِ النَّاسِ) مُرَاعَاةً لَهُمْ وَتَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ، (إلَّا فِي الْحَرَامِ إذَا) جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِفِعْلِهِ، أَوْ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ، فَتَجِبُ مُخَالَفَتُهُمْ، رَضَوَا بِذَلِكَ أَوْ سَخِطُوا. تَتِمَّةٌ: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْكِلَّةَ بِالْكَسْرِ، وَهِيَ قُبَّةٌ، أَيْ: سِتْرٌ رَقِيقٌ يُخَاطُ شَبَهُ الْبَيْتِ لَهَا بَكَرٌ تُجَرُّ بِهَا، وَقَالَ: هِيَ مِنْ الرِّيَاءِ، لَا تَرُدُّ حَرًّا وَلَا بَرْدًا انْتَهَى. وَيُشْبِهُهَا البشنخانة، والناموسية لِغَيْرِ حَاجَةٍ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ حَرِيرٍ، أَوْ مَنْسُوجٍ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، فَتَحْرُمُ. (وَسُنَّ تَوَاضُعٌ فِي لِبَاسٍ) لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «الْبَذَاذَةُ مِنْ الْإِيمَانِ» قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ التَّوَاضُعُ فِي اللِّبَاسِ. (وَ) سُنَّ (بَيَاضُهُ) - أَيْ: اللِّبَاسِ - لِحَدِيثِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبِيضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَ) سُنَّ (نَظَافَةُ نَحْوِ: ثَوْبٍ، وَبَدَنٍ وَمَجْلِسٍ) لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ» . (وَ) سُنَّ (إرْخَاءُ ذُؤَابَةٍ خَلْفَهُ) نَصًّا، (وَتَحْنِيكُهَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 أَيْ: الْعِمَامَةِ -؛ لِأَنَّ عَمَائِمَ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ كَذَلِكَ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي أَخْلَاقِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَعْتَمُّ يُدِيرُ كَوْرَ الْعِمَامَةِ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَغْرِزُهَا مِنْ وَرَائِهِ، وَيُرْخِي لَهَا ذُؤَابَةً بَيْنَ كَتِفَيْهِ» . (وَكُرِهَ تَرْكُ وَسَخٍ فِي يَدٍ وَثَوْبٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِخَبَرِ «أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ؟» (وَ) كُرِهَ (لُبْسُ سَرَاوِيلَ) قَائِمًا خَشْيَةَ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ، (وَ) لُبْسُ (خُفٍّ) قَائِمًا لِمَا قِيلَ: إنَّهُ يُورِثُ الْفَقْرَ، (وَ) لُبْسُ (إزَارٍ قَائِمًا) خَشْيَةَ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهُ مَا يَجِبُ سِتْرُهُ. وَ (لَا) يُكْرَهُ (انْتِعَالٌ) قَائِمًا جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ. (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ فِرَاءٍ طَاهِرَةٍ) بِأَنْ تَكُونَ مِنْ جِلْدٍ مُذَكَّاةٍ مَأْكُولَةٍ، (وَلَا) بَأْسَ بِلُبْسِ مَا نُسِجَ مِنْ (صُوفٍ وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ مِنْ) حَيَوَانٍ (طَاهِرٍ) حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] (وَ) تُبَاحُ (صَلَاةٌ عَلَيْهَا كَحُصْرٍ وَمَعْمُولٍ مِنْ نَحْوِ قُطْنٍ) كَلِيفٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَالْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ» وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «وَنُضِحَ بِسَاطٌ لَنَا فَصَلَّى عَلَيْهِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. قَالَ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَمْ يُرَوْا بِالصَّلَاةِ عَلَى الْبِسَاطِ، وَالطُّنْفُسَةِ بَأْسًا. [تَتِمَّةٌ الصَّلَاةُ بِجِلْدِ السِّبَاعِ غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ] تَتِمَّةٌ: وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِجِلْدِ ثَعْلَبٍ وَسِنَّوْرٍ، وَفَنَكٍ وَفَاقِمٍ، وَسَمُّورٍ وَسِنْجَابٍ، وَذِئْبٍ وَنَمِرٍ وَنَحْوِهَا مِنْ السِّبَاعِ غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ، وَلَوْ ذُكِّيَ أَوْ دُبِغَ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالتَّذْكِيَةِ كَلَحْمِهِ. (و) يُبَاحُ لُبْسُ (نَعْلٍ خَشَبٍ) لِحَاجَةٍ، قَالَ أَحْمَدُ. (وَسُنَّ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا قَوْلُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 الْحَمْدُ لِلَّهِ كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمٍ: عِمَامَةً أَوْ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. (وَ) سُنَّ (تَصَدُّقٌ بِعَتِيقٍ نَافِعٍ) . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ: يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ تَكُونَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءٍ جَدِيدَةٌ: سَرَاوِيلُهُ وَمَدَاسُهُ، وَخِرْقَةٌ يُصَلِّي عَلَيْهِ. [فَصْلٌ حَرُمَ عَلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ] (فَصْلٌ) (وَحَرُمَ عَلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ) لِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ أَوْ كَلْبٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَتَعْلِيقُهُ) أَيْ: مَا فِيهِ صُورَةٌ. (وَسِتْرٌ جُدِّرَ بِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَتَصْوِيرُهُ، وَلَوْ بِسِتْرٍ، وَسَقْفٍ وَحَائِطٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَهُوَ) - أَيْ: تَصْوِيرُ ذِي الرُّوحِ - (كَبِيرَةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» . و (لَا) يَحْرُمُ (افْتِرَاشُهُ، وَجَعْلُهُ) - أَيْ: الْمُصَوَّرِ - (مِخَدًّا) بَلْ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ "؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّكَأَ عَلَى مِخَدَّةٍ فِيهَا صُورَةٌ " رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَكُرِهَ صَلَاةٌ عَلَى مُصَوَّرٍ) وَلَوْ عَلَى مَا يُدَاسُ، (وَسُجُودٌ) عَلَيْهِ (أَشَدُّ) كَرَاهَةً لِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَ) لَا (صُورَةٌ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَالْمُرَادُ بِهِ: كَلْبٌ مَنْهِيٌّ عَنْ اقْتِنَائِهِ. (وَلَا) تَدْخُلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 بَيْتًا فِيهِ (جَرَسٌ) لِحَدِيثِ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَلَا جُنُبٌ) ، لِحَدِيثِ «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ، وَلَا جُنُبٌ» . قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": إسْنَادُهُ حَسَنٌ. (بِلَا وُضُوءٍ) ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ أَنْ يَنَامَ إذَا تَوَضَّأَ» . (وَلَا تَصْحَبُ) الْمَلَائِكَةُ (رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ) أَوْ كَلْبٌ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ فِي " الْآدَابِ ": وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الطَّرِيقِ اتِّفَاقًا بِمَنْ مَعَهُ كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ، وَلَمْ يَقْصِدْ رُفْقَتَهُ، فَلَا بَأْسَ. (وَإِنْ أُزِيلَ مِنْ صُورَةِ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ كَرَأْسٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْسٌ: فَلَا بَأْسَ) بِهِ، أَيْ: فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْمَنْصُوصِ. وَلَا بَأْسَ بِلَعِبِ الصَّغِيرَةِ بِلُعَبٍ غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ، أَوْ مَقْطُوعٍ رَأْسُهَا، أَوْ مُصَوَّرَةٍ بِلَا رَأْسٍ وَلَا بِشِرَائِهَا نَصًّا لِلتَّمْرِينِ. (وَجَازَ تَصْوِيرُ غَيْرِ حَيَوَانٍ كَشَجَرٍ) ، وَكُلِّ مَا لَا رُوحَ فِيهِ، إلَّا الصَّلِيبَ فَيُكْرَهُ تَصْوِيرُهُ فِي لِبَاسٍ، وَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وَخَوَاتِيمَ وَغَيْرِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا مِنْ تَصْلِيبٍ إلَّا فَضَّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَيُحْتَمَلُ تَحْرِيمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ، قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى. (وَحَرُمَ عَلَى ذَكَرٍ، وَلَوْ كَافِرًا) - لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، (أَوْ صَبِيًّا) ،؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ إلْبَاسُهُ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْبَالِغِ (أَوْ خُنْثَى) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ، (لَا أُنْثَى) ؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلزِّينَةِ لِأَجْلِ الزَّوْجِ، (لُبْسُ) - فَاعِلُ حَرُمَ - (مَا كُلُّهُ حَرِيرٌ أَوْ غَالِبُهُ حَرِيرٌ) (ظُهُورًا) كَالْخَالِصِ،؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مُلْحَقٌ بِالْكُلِّ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ لِحَدِيثِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَوْ) كَانَ الْحَرِيرُ (بِطَانَةً) لِعُمُومِ الْخَبَرِ، (وَ) لَوْ (تِكَّةَ) سَرَاوِيلَ (وشرابة) ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ ": وَالْمُرَادُ: شِرَابَةٌ (مُفْرَدَةٌ) كَشِرَابَةِ الْبَرِيدِ، وَهُوَ رَسُولُ السُّلْطَانِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَتَّخِذُ لَهُ شِرَابَةً لِيُعْرَفَ بِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْمُفْرَدَةِ: الْمُخَاطَةُ فِي غَيْرِهَا، وَغَيْرُ الْمُفْرَدَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ بَقِيَّةِ السُّدَى، وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (لَا تَبَعًا) فَإِنَّهَا كَزِرٍّ فَتُبَاحُ، وَمَا رُوِيَ " أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ بِمَا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَخٍ لَهُ مُشْرِكٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِلُبْسِهَا. «وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلَى عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ إبَاحَةُ لُبْسِهِ» . (وَ) حَرُمَ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ أُنْثَى (افْتِرَاشُهُ) ، أَيْ: الْحَرِيرِ لَمَا رَوَى حُذَيْفَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نَهَى أَنْ يُلْبَسَ الْحَرِيرُ وَالدِّيبَاجُ، وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَ (لَا) يَحْرُمُ افْتِرَاشُهُ (تَحْتَ) حَائِلٍ (صَفِيقٍ) فَيَجُوزُ الْجُلُوسُ عَلَى الْحَائِلِ وَحَرُمَ عَلَى غَيْرِ أُنْثَى (اسْتِنَادٌ إلَيْهِ، وَتَوَسُّدُهُ، وَتَعْلِيقُهُ) أَيْ: الْحَرِيرِ، (وَسِتْرٌ جُدِّرَ بِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) كَبَرْدٍ أَوْ حَكَّةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ قُمَّلٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ شِرَابَةُ الدَّوَاءِ، وَسِلْكُ الْمِسْبَحَةِ، كَمَا يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْمُتَعَبِّدَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ أَشْبَهَ لُبْسُهُ (غَيْرَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ) زَادَهَا اللَّهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، فَلَا يَحْرُمُ سِتْرُهَا بِالْحَرِيرِ (وِفَاقًا) . قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَتَبِعَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَ) حَرُمَ أَيْضًا (كِتَابَةُ مَهْرٍ) فِي حَرِيرٍ فِي الْأَقْيَسِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ " وَ " الْمُنْتَهَى " وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَمَنْسُوجٌ) مِنْ (مُشَاقَةِ حَرِيرٍ) ، وَسَقَطِ حَرِيرٍ، وَمَا يُلْقِيهِ الصَّانِعُ مِنْ فَمِهِ مِنْ تَقْطِيعِ الطَّاقَاتِ إذَا دُقَّ وَغُزِلَ وَنُسِجَ (كَهُوَ) ، أَيْ: كَحَرِيرٍ خَالِصٍ، وَإِنْ سُمِّيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 خَزًّا فَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ حَرِيرٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: يَحْرُمُ الْحَرِيرُ، وَلَوْ كَانَ مُبْتَذَلًا، بِحَيْثُ يَكُونُ الْقُطْنُ وَالْكَتَّانُ أَعْلَى قِيمَةً مِنْهُ لِلنَّصِّ. (وَ) حَرُمَ عَلَى غَيْرِ أُنْثَى بِلَا حَاجَةٍ (لُبْسُ مَنْسُوجٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مُمَوَّهٍ بِهِمَا) أَوْ بِأَحَدِهِمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَتَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ، وكَالْآنِيَةِ. وَ (لَا) يَحْرُمُ (مُسْتَحِيلٌ) ، أَيْ: مُتَغَيِّرٌ (لَوْنُهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ) بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ (شَيْءٌ) لِزَوَالِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ. وَ (لَا) يَحْرُمُ (حَرِيرٌ سَاوَى مَا نُسِجَ مَعَهُ) مِنْ قُطْنٍ، أَوْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ وَبَرٍ (ظُهُورًا) ؛ بِأَنْ كَانَ ظُهُورُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، (وَلَوْ كَانَ) الْحَرِيرُ (أَكْثَرَ وَزْنًا) فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ لَيْسَ بِأَغْلَبَ. وَإِذَا انْتَفَى دَلِيلُ الْحُرْمَةِ بَقِيَ أَصْلُ الْإِبَاحَةِ. (وَلَا) يَحْرُمُ (خَزٌّ) ، أَيْ: ثَوْبٌ يُسَمَّى الْخَزَّ (وَهُوَ: مَا سُدِّيَ بإبريسم) ، أَيْ حَرِيرٍ (وَأُلْحِمَ بِنَحْوِ قُطْنٍ) كَوَبَرٍ (وَصُوفٍ) وَكَتَّانٍ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمِتِ مِنْ الْحَرِيرِ، أَمَّا السَّدْيُ وَالْعَلَمُ فَلَا نَرَى بِهِ بَأْسًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ: إبَاحَةُ الْخَزِّ دُونَ الْمُلْحَمِ وَغَيْرِهِ، وَيُلْبَسُ الْخَزُّ وَلَا يُلْبَسُ الْمُلْحَمُ، وَلَا الدِّيبَاجُ انْتَهَى. وَالْمُلْحَمُ مَا سُدِّيَ بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَا نُسِجَ بِالْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: إحْدَاهَا: أَنْ يُسَدَّى بِالْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ، وَيُلْحَمَ كَذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُسَدَّى بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَيُلْحَمَ بِهِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يُسَدَّى بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَيُلْحَمَ بِهِ وَبِغَيْرِهِ. فَهَذِهِ الثَّلَاثُ صُوَرٍ يُعْتَبَرُ فِيهَا أَغْلَبِيَّةُ الظُّهُورِ؛ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ ظُهُورَ الْحَرِيرِ حَرُمَ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا الْخَزُّ، فَجَعَلَهُ الْأَصْحَابُ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الظُّهُورِ فِيهَا، بَلْ أَطْلَقُوا إبَاحَةَ مَا سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الظُّهُورُ فِيهَا مُعْتَبَرًا لَبَيَّنُوهُ، فَلَمَّا فَصَلُوا مَسْأَلَةَ الْخَزِّ وَأَخَّرُوهَا عَنْ قَيْدِ الظُّهُورِ، عَلِمْنَا أَنَّهُمْ غَيْرُ مُعْتَبِرِينَ هَذَا الْقَيْدَ، وَأَيْضًا: فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي التَّنْصِيصِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، مَعَ مُلَاحَظَةِ هَذَا الْقَيْدِ، فَإِنَّهَا لَمْ تُفِدْنَا شَيْئًا؛ إذْ هِيَ نَسْجُ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ، فَيَكُونُ ذِكْرُهَا بَعْدَ مَا ذَكَرُوهُ أَوَّلًا، تَكْرَارًا بِلَا فَائِدَةٍ، إذْ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا مَعْنًى، وَلَا حُكْمًا مَعَ اعْتِنَائِهِمْ بِالِاخْتِصَارِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ حَذَفُوا مَسْأَلَةَ الْمُلْحَمِ لِمَا شَمِلَته الْعِبَارَةُ الْأُولَى، وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ بِالْإِنْصَافِ، فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَا يَصْنَعُهُ أَهْلُ الشَّامِ وَغَيْرُهُمْ الْآنَ مِنْ الْبُرُودِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا بِالْقُطْنِيِّ والكرمسون وَالْأَطَالِيسِ وَنَحْوِهَا يَسُدُّونَهَا بِالْحَرِيرِ وَيُلْحِمُونَهَا بِنَحْوِ الْقُطْنِ، لَكِنْ يَكُونُ الظُّهُورُ لِلْحَرِيرِ دُونَ غَيْرِهِ مُبَاحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَلَا) يَحْرُمُ (خَالِصٌ) مِنْ حَرِيرٍ (لِمَرَضٍ أَوْ حِكَّةٍ وَلَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ) لُبْسُهُ (فِي زَوَالِهَا) لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ فِي قَمِيصِ الْحَرِيرِ فِي سَفْرٍ مِنْ حَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا» وَمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ صَحَابِيٍّ، ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ. (أَوْ قُمَّلٍ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ شَكَيَا إلَى النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الْقَمْلَ، فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي ثِيَابِ الْحَرِيرِ، فَرَأَيْتُهُ عَلَيْهِمَا فِي غَزَاةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (أَوْ حَرْبٍ مُبَاحٍ، وَلَوْ فِي غَيْرِ حَالَةِ قِتَالٍ) وَكَذَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ عَلَى أَرْجَحِ الرِّوَايَتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 فِي الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْإِفَادَاتِ " وَ " الْمُنْتَخَبِ " وَ " إدْرَاكِ الْغَايَةِ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ لُبْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُيَلَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ مَذْمُومٍ فِي الْحَرْبِ. (وَلَا) يَحْرُمُ (الْكُلُّ) وَهُوَ مَا فِيهِ صُورَةٌ، وَالْحَرِيرُ وَالْمَنْسُوجُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (لِحَاجَةٍ) بِأَنْ عَدِمَ غَيْرَهُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إذَا احْتَاجَ إلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ تَحَصُّنٍ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ أُبِيحَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ، مِنْ الذَّهَبِ، (كَدِرْعٍ مُمَوَّهٍ) بِهِ (اُحْتِيجَ لِلُبْسِهِ وَمَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ حَرِيرِ كُلِّهِ) أَوْ غَالِبِهِ (وَمُذَهَّبٍ) وَمُفَضَّضٍ مَنْسُوجٍ أَوْ مُمَوَّهٍ (وَمُصَوَّرٍ حَرُمَ بَيْعُهُ وَنَسْجُهُ وَخِيَاطَتُهُ وَتَمْلِيكُهُ وَتَمَلُّكُهُ وَأُجْرَتُهُ وَالْأَمْرُ بِهِ) لِذَلِكَ الِاسْتِعْمَالِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] " وَلِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، فَإِنْ بَاعَهُ أَوْ نَسَجَهُ أَوْ خَاطَهُ أَوْ مَلَكَهُ أَوْ تَمَلَّكَهُ لِتِجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ لِمَنْ يُبَاحُ لَهُ: فَلَا يَحْرُمُ. (وَيَتَّجِهُ بُطْلَانُ عَقْدِ) مَا بِيعَ وَنَحْوِهِ لِمَنْ لَا يُبَاحُ لَهُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وَكُرِهَ نَظَرُ مُلَابِسُ حَرِيرٍ وَآنِيَةِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ إنْ رَغَّبَهُ) النَّظَرُ إلَيْهَا (فِي التَّزَيُّنِ بِهَا وَالْمَفَاخِر) ذُكِرَ فِي الرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهَا. (وَ) كُرِهَ (التَّنَعُّمُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِرْفَاهِ. (وَيُبَاحُ مِنْ حَرِيرٍ كَيْسُ مُصْحَفٍ) تَعْظِيمًا لَهُ، وَلِأَنَّهُ يَسِيرٌ. (وَيُبَاحُ) أَيْضًا (أَزْرَارٌ وَخِيَاطَةٌ بِهِ) أَيْ: الْحَرِيرِ. (وَ) يُبَاحُ أَيْضًا مِنْ حَرِيرٍ: (حَشْوُ جياب وَفُرُشٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَخْرَ فِيهِ، وَلَا عَجَبَ، وَلَا خُيَلَاءَ، وَلَيْسَ لُبْسًا لَهُ، وَلَا افْتِرَاشًا. (وَ) يُبَاحُ أَيْضًا مِنْ حَرِيرٍ (عَلَمُ ثَوْبٍ وَهُوَ طِرَازُهُ) كَالْحَاشِيَةِ الَّتِي تُنْسَجُ مِنْ حَرِيرٍ فِي طَرَفِ الثَّوْبِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَقَدَّمَ. (وَ) يُبَاحُ مِنْ حَرِيرٍ أَيْضًا (لَبِنَةُ جَيْبٍ، وَهِيَ: الزِّيقُ) الْمِخْيَطُ بِالْعُنُقِ. (وَالْجَيْبُ: مَا يُفْتَحُ عَلَى نَحْرٍ، أَوْ طَوْقٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مَا قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ". وَجَيْبُ الْقَمِيصِ وَنَحْوُهُ: بِالْفَتْحِ طَوْقُهُ. وَفَسَّرَ صَاحِبُ " الْمِصْبَاحِ ": بِمَا انْفَتَحَ عَلَى النَّحْرِ. (وَ) يُبَاحُ مِنْ حَرِيرٍ أَيْضًا (رِقَاعٌ وَسَجَفٌ نَحْوُ فِرَاءٍ) وَنَحْوِهَا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ فَمَا دُونُ. (وَلَا) يُبَاحُ (مِنْ ذَلِكَ فَوْقَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَنْ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ إصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَلَوْ لَبِسَ ثِيَابًا بِكُلِّ ثَوْبٍ قَدْرٌ يَحِلُّ) مِنْ سَجَفٍ، أَوْ رِقَاعٍ وَنَحْوِهَا، (وَلَوْ جَمَعَ) مَا فِيهَا مِنْ الْحَرِيرِ (صَارَ ثَوْبًا؛ لَمْ يُكْرَهْ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ غَيْرَ تَابِعٍ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الجراعي فِي " الْغَايَةِ ": يُبَاح، وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَحَفِيدُهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَلِأَنَّهُ يَسِيرٌ أَشْبَهَ الْحَرِيرَ (وَالْإِسْرَافُ فِي الْمُبَاحِ مَكْرُوهٌ) لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَالْإِسْرَافُ هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَهُوَ مِنْ الْعُدْوَانِ الْمُحَرَّمِ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْكَرَاهَةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 [بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ فِيهَا الصَّلَاةُ] (بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ) وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ فِيهَا الصَّلَاةُ، وَمَا تَصِحُّ فِيهِ فِي بَعْضٍ، وَمَا يَصِحُّ فِيهِ النَّفَلُ دُونَ الْفَرْضِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. وَهَذَا الشَّرْطُ السَّابِعُ لِلصَّلَاةِ، وَاجْتِنَابِهَا (بَدَنَ مُصَلٍّ وَثَوْبَهُ وَبُقْعَتَهُمَا) أَيْ: الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ. (وَعَدَمَ حَمْلِهَا) ، أَيْ: النَّجَاسَةِ (شَرْطٌ) لِصِحَّةِ (الصَّلَاةِ مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَى اجْتِنَابِهَا (حَيْثُ لَمْ يُعْفَ عَنْهَا) لِقَوْلِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَامَّةِ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» «وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ مَرَّ بِالْقَبْرَيْنِ " إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لَا يَسْتَنْثِرُ مِنْ الْبَوْلِ» بِالْمُثَلَّثَةِ قَبْلَ الرَّاءِ. قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ". وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ، كَمَا فِي " نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ " وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يَسْتَنْزِهُ» . وَقَالَ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ زَيْدٍ: أَمَرَ بِتَطْهِيرِ الثِّيَابِ مِنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يَتَطَهَّرُونَ، وَلَا يُطَهِّرُونَ ثِيَابَهُمْ. وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِيهَا، وَهُوَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " لَكِنْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْهِجْرَةِ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِسَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، وَدَمِهَا وَفَرْثِهَا، فَطَرَحَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، حَتَّى أَزَالَتْهُ فَاطِمَةُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَتَى بِدَمِهَا، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ قَبْلَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ، وَلَعَلَّ الْخَمْسَ لَمْ تَكُنْ فُرِضَتْ، وَالْأَمْرُ بِتَجَنُّبِ النَّجَاسَةِ مَدَنِيٌّ مُتَأَخِّرٌ، بِدَلِيلِ خَبَرِ النَّعْلَيْنِ، وَصَاحِبِ الْقَبْرَيْنِ، وَالْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، وَحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 أُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الَّذِي آتِي فِيهِ أَهْلِي؟ قَالَ: نَعَمْ، إلَّا أَنْ تَرَى فِيهِ شَيْئًا فَتَغْسِلَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فَثَبَتَ بِهَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاجْتِنَابِهَا، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. وَكَطَهَارَةِ الْحَدَثِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَعْفُوَّ عَنْهَا: كَأَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ بِمَحِلِّهِ، وَيَسِيرِ الدَّمِ، وَنَحْوِهِ. وَنَجَاسَةٍ بِعَيْنٍ، لَيْسَ اجْتِنَابُهَا شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. (وَهِيَ) أَيْ: النَّجَاسَةُ: (كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ) عَيْنًا كَانَ؛ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، أَوْ صِفَةً، كَأَثَرِ بَوْلٍ بِمَحِلٍّ طَاهِرٍ. (يَمْنَعُ صِحَّتَهَا حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ) لِمُبَاشَرَتِهَا، أَوْ حَمْلِهَا. (فَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْ حَامِلِ مُسْتَجْمَرٍ) ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الِاسْتِجْمَارِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي مَحِلِّهِ. (وَ) مِنْ حَامِلِ (حَيَوَانٍ طَاهِرٍ) كَالْهِرِّ؛ لِأَنَّ مَا بِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ فِي مَعِدَتِهَا فَهِيَ كَالنَّجَاسَةِ فِي جَوْفِ الْمُصَلِّي «وَصَلَّى النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حَامِلًا أُمَامَةَ» . (وَ) تَصِحُّ (مِمَّنْ مَسَّ ثَوْبُهُ ثَوْبًا) نَجِسًا (أَوْ حَائِطًا نَجِسًا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِثَوْبِهِ وَلَا بَدَنِهِ. فَإِنْ اسْتَنَدَ إلَيْهِ، فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْبُقْعَةِ لَهُ: (أَوْ) أَيْ: وَتَصِحُّ مِمَّنْ (قَابَلَهَا رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَلَمْ يُلَاقِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِصَلَاتِهِ، وَلَا مَحْمُولًا فِيهَا. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، وَلَمْ يُصِبْهَا. فَإِنْ لَاقَاهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. (أَوْ سَقَطَتْ) النَّجَاسَةُ (عَلَيْهِ فَزَالَتْ أَوْ أَزَالَهَا سَرِيعًا) ، فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «بَيِّنَا رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، صَلَاتَهُ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَكَ، فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. قَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 فِيهَا قَذَرًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ مِنْ النَّجَاسَةِ مَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا، فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِ زَمَنِهَا، كَكَشْفِ الْعَوْرَةِ. (أَوْ صَلَّى عَلَى) مَحَلٍّ (طَاهِرٍ) مِنْ ثَوْبٍ، أَوْ حَصِيرٍ، أَوْ بِسَاطِ (طَرَفُهُ مُتَنَجِّسٌ) فَتَصِحُّ. (وَلَوْ تَحَرَّكَ) الْمُتَنَجِّسُ (بِحَرَكَتِهِ أَوْ) وَضَعَ (حَبْلًا تَحْتَ قَدَمِهِ بِطَرَفِهِ) الْخَالِي مِنْ مُبَاشَرَةِ قَدَمِهِ (نَجَاسَةً) فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ،؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ لِلنَّجَاسَةِ، وَلَا مُصَلٍّ عَلَيْهَا. وَإِنَّمَا اتَّصَلَ مُصَلَّاهُ بِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِأَرْضٍ نَجِسَةٍ. (غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ) بِمُصَلٍّ، وَهُوَ مَشْدُودٌ بِنَجَسٍ (يَنْجَرُّ) النَّجَسُ (بِهِ) أَيْ: مَعَهُ إذَا مَشَى، (فَإِنْ انْجَرَّ) مَعَهُ (كَحَبْلٍ بِيَدِهِ أَوْ وَسَطِهِ مَشْدُودٍ بِنَجِسٍ أَوْ بِسَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ) وَيُمْكِنُ أَنْ تَنْجَرَّ بِهِ إذَا مَشَى، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَلَوْ كَانَ مَحَلُّ التَّرَابُطِ طَاهِرًا. (أَوْ) كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ وَسَطِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ فِي (حَيَوَانٍ نَجِسٍ، كَكَلْبٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ) وَكُلِّ مَا (يَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَتْبِعٌ لِلنَّجَاسَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ حَامِلَهَا. وَكَذَا لَوْ أَمْسَكَ حَبْلًا أَوْ غَيْرَهُ مُلْقَى عَلَى نَجَاسَةٍ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ. ذَكَرَ فِي " فِي الْإِنْصَافِ " وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ " قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَمِثْلُهُ: لَوْ سَقَطَ طَرَفُ ثَوْبِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ. (وَإِنْ كَانَ) الْمَشْدُودُ فِيهِ الْحَبْلُ وَنَحْوُهُ (لَا يَنْجَرُّ) مَعَهُ إذَا مَشَى: (كَسَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ وَحَيَوَانٍ كَبِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَرِّهِ إذَا اسْتَعْصَى) عَلَيْهِ، (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الشَّدُّ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ أَوْ طَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِتْبَاعِ ذَلِكَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَمْسَكَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ عَلَى بَعْضِهَا نَجَاسَةٍ لَمْ تُلَاقِ يَدَهُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: وَإِذَا تَعَلَّقَ بِالْمُصَلِّي صَغِيرٌ بِهِ نَجَاسَةٌ لَا يُعْفَى عَنْهَا، وَكَانَ لَهُ قُوَّةٌ بِحَيْثُ إذَا مَشَى انْجَرَّ مَعَهُ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يُزِلْهُ سَرِيعًا وَإِلَّا فَلَا. (وَتَبْطُلُ) صَلَاتُهُ (بِعَجْزٍ عَنْ إزَالَةِ مَا) أَيْ: نَجَاسَةِ (سَقَطَتْ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 سَرِيعًا) لِإِفْضَائِهِ إلَى اسْتِصْحَابِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ زَمَنًا طَوِيلًا، أَوْ لِعَمَلٍ كَثِيرٍ إنْ أَخَذَ يُطَهِّرُهَا. (أَوْ جَهِلَ عَيْنَهَا) بِأَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ لَا يَعْلَمُهُ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا، ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ (أَوْ) جَهِلَ (حُكْمَهَا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ إزَالَتَهَا شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ (أَوْ نَسِيَهَا) ، أَيْ: النَّجَاسَةَ. (أَوْ) جَهِلَ (أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ عَلِمَ) فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِفَادَاتِ " وَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": إنَّهُ الْأَشْهَرُ، وَجَعَلَهُ فِي " الْحَاوِيَيْنِ " أَصَحَّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْجَهْلِ، وَلَا بِالنِّسْيَانِ، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ. (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَ: وَمَتَى وَجَدَ عَلَيْهِ نَجَاسَةً جَهِلَ كَوْنَهَا فِي الصَّلَاةِ صَحَّتْ. (أَوْ حَمَلَ قَارُورَةً) بَاطِنُهَا نَجِسٌ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ (أَوْ) حَمَلَ (آجُرَّةً) : وَاحِدَةُ الْآجُرِّ، وَهُوَ: الطُّوبُ الْمَشْوِيُّ (بَاطِنُهَا نَجِسٌ أَوْ) حَمَلَ (بَيْضَةً مَذِرَةً) أَوْ بِهَا فَرْخٌ مَيِّتٌ (أَوْ) حَمَلَ (عُنْقُودًا) مِنْ عِنَبٍ (حَبَّاتُهُ مُسْتَحِيلَةٌ خَمْرًا) لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِحَمْلِهِ نَجَاسَةً فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ حَمَلَهَا فِي كُمِّهِ. (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِكَرَاهَةٍ إنْ طِينٌ) أَرْضًا (نَجِسَةٌ) وَصَلَّى عَلَيْهَا (أَوْ بَسَطَ عَلَيْهَا) ، أَيْ: الْأَرْضِ النَّجِسَةِ، طَاهِرًا صَفِيقًا، وَلَوْ رَطْبَةً، وَلَمْ تَنْفُذْ إلَى ظَاهِرِهِ (أَوْ) بَسَطَ (عَلَى حَيَوَانٍ نَجِسٍ) طَاهِرًا صَفِيقًا (أَوْ) بَسَطَ عَلَى (حَرِيرٍ طَاهِرًا صَفِيقًا) لَا خَفِيفًا، أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 مُهَلْهَلًا (مُبَاحًا) لَا مَغْصُوبًا (أَوْ غَسَلَ وَجْهَ آجُرّ) ، مَعْجُونٍ بِالنَّجَاسَةِ (وَصَلَّى عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ النَّارَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُطَهِّرُ، لَكِنَّهَا تَأْكُلُ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ الظَّاهِرَةِ، وَيَبْقَى الْأَثَرُ فَيُطَهَّرُ بِالْغُسْلِ، كَظَاهِرِ الْأَرْضِ النَّجِسَةِ، وَيَبْقَى الْبَاطِنُ نَجِسًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ بِمَعْنَاهُ (أَوْ) صَلَّى (عَلَى بِسَاطِ بَاطِنُهُ فَقَطْ نَجِسٌ) وَظَاهِرُهُ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ طَاهِرٌ (أَوْ) صَلَّى عَلَى (عُلُوٍّ مُبَاحٍ لَهُ) بِأَنْ كَانَ بِنَاؤُهُ قَبْلَ الْغَصْبِ أَوْ بَعْدَهُ، لَكِنْ كَانَ الْبَانِي هُوَ مَالِكُ السُّفْلِ، وَصَلَّى بِالْعُلُوِّ بَعْدَ غَصْبِ السُّفْلُ مِنْهُ صَحَّتْ أَوْ كَانَ (سُفْلُهُ غَصْبٌ لِغَيْرِهِ) وَصَلَّى فِي الْعُلُوِّ؛ صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ. بِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ مَحَلًّا وَبَنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى فِي الْعُلُوِّ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ. تَابِعٌ لِلْقَرَارِ. (أَوْ) صَلَّى عَلَى (سَرِيرٍ تَحْتَهُ نَجَسٌ) كُرِهَتْ صَلَاتُهُ؛ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى مَا لَا تَصِحُّ عَلَيْهِ، وَصَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ، وَلَا مُبَاشِرًا لِمَا لَا تَصِحّ عَلَيْهِ. (وَإِنْ خِيطَ جُرْحٌ أَوْ جُبِرَ عَظْمٌ) مِنْ آدَمِيٍّ (بِخَيْطٍ) نَجِسٍ، (أَوْ عَظْمٍ نَجِسٍ، فَصَحَّ) الْجُرْحُ أَوْ الْعَظْمُ؛ (لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ) ، أَيْ: النَّجَسِ مِنْهُمَا (مَعَ) خَوْفِ (ضَرَرٍ) عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ، أَوْ حُصُولِ مَرَضٍ؛ لِأَنَّ حِرَاسَةَ النَّفْسِ وَأَطْرَافِهَا وَاجِبٌ، وَأَهَمُّ مِنْ مُرَاعَاةِ شَرْطِ الصَّلَاةِ. وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ مَاءٍ وَلَا سُتْرَةٍ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ. وَإِذَا جَازَ تَرْكُ شَرْطٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ، فَتَرْكُ شَرْطٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لِحِفْظِ بَدَنِهِ أَوْلَى. فَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا لَزِمَهُ. (وَ) حَيْثُ لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ، فَ (لَا يَتَيَمَّمُ لَهُ) أَيْ: لِلْخَطِّ أَوْ الْعَظْمِ النَّجِسِ، (إنْ غَطَّاهُ لَحْمٌ) لِإِمْكَانِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فِي جَمِيعِ مَحَلِّهَا. (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُغَطِّهِ اللَّحْمُ (تَيَمَّمَ) لَهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: وَيُشْبِهُ ذَلِكَ الْوَشْمُ إنْ غَطَّاهُ اللَّحْمُ، غَسَلَهُ بِالْمَاءِ، وَإِلَّا تَيَمَّمَ لَهُ. (وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ) ، أَيْ: مَنْ خِيطَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 جُرْحُهُ، أَوْ جُبِرَ عَظْمُهُ بِنَجِسٍ (بِمِثْلِهِ) قَطْعًا (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَ) كَذَلِكَ تَصِحُّ إمَامَتُهُ (بِغَيْرِهِ حَيْثُ صَحَّ تَيَمُّمٌ لِنَجَاسَةٍ) عَلَى بَدَنٍ لِعَدَمِ مَاءٍ، كَمَا لَوْ تَضَرَّرَ مَا وُضِعَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَعَ عَدَمِ ضَرَرٍ) بِإِزَالَتِهِ (تَجِبُ إزَالَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَلَوْ صَلَّى مَعَهُ لَمْ تَصِحَّ. (فَلَوْ مَاتَ) مَنْ تَلْزَمُهُ إزَالَتُهُ لِعَدَمِ خَوْفِ الضَّرَرِ (إذَنْ) أَيْ: قَبْلَ إزَالَتِهِ (أُزِيلَ) وُجُوبًا (إلَّا مَعَ مُثْلَةٍ) بِإِزَالَتِهِ، فَلَا تَلْزَمُ إزَالَتُهُ،؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْمَيِّتَ مَا يُؤْذِي الْحَيَّ (وَلَا يَلْزَمُ شَارِبَ خَمْرٍ قَيْءٌ) لِلْخَمْرِ،؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى مَحَلٍّ يَسْتَوِي فِيهِ الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ. وَكَذَا سَائِرُ النَّجَاسَاتِ تَحْصُلُ بِالْجَوْفِ. (وَسُؤْرُهُ) أَيْ: شَارِبِ الْخَمْرِ (نَجِسٌ) لِنَجَاسَةِ فَمِهِ (بِخِلَافِ طِفْلٍ) تَنَجَّسَ فَمُهُ فَسُؤْرُهُ طَاهِرٌ، وَتَقَدَّمَ. (وَإِنْ أُعِيدَ نَحْوُ أُذُنِ) آدَمِيٍّ قُطِعَتْ، أَوْ أُعِيدَ سِنٌّ مِنْهُ قُلِعَتْ، فَطَاهِرٌ. (وَ) كَذَا لَوْ أُعِيدَ (سِنٌّ) قُلِعَتْ (مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ) أَوْ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ فَأَعَادَهُ بِحَرَارَتِهِ (فَثَبَتَ كَمَا كَانَ فَطَاهِرٌ) ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ جُمْلَةٍ، فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا؛ (كَمَا) لَوْ كَانَ ذَلِكَ (مِنْ نَحْوِ آدَمِيٍّ) كَسَمَكٍ (وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ) لِطَهَارَتِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا. وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ مَوْضِعَ سِنٍّ قُلِعَتْ سِنُّ شَاةٍ، وَنَحْوِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 مُذَكَّاةٍ، وَصَلَّى بِهِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ سِنِّ شَاةٍ وَنَحْوِهَا، قُلِعَ وَهِيَ حَيَّةٌ أَوْ مَيِّتَةٌ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ، إذْ مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ كَمَيْتَةٍ. [فَصْلٌ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا مُطْلَقًا] (فَصْلٌ) فِي بَيَانِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا مُطْلَقًا، وَمَا يَصِحُّ فِيهِ النَّفَلُ دُونَ الْفَرْضِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. (وَلَا تَصِحُّ تَعَبُّدًا صَلَاةُ غَيْرِ جِنَازَةٍ فِي مَقْبَرَةٍ قَدِيمَةٍ، أَوْ لَا تُقُلِّبَتْ أَوَّلًا) وَهِيَ: مَدْفِنُ الْمَوْتَى، لِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا «لَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَلَا يَضُرُّ) أَيْ: لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ مَكَانٌ فِيهِ (قَبْرَانِ) فَقَطْ، (وَلَوْ كَثُرَ مَدْفُونٌ بِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْمَقْبَرَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْبَرَةُ ثَلَاثَةُ قُبُورٍ فَصَاعِدًا نَقَلَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَبُنِيَ لَفْظُهَا مِنْ الْقَبْرِ،؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَثُرَ بِمَكَانٍ جَازَ أَنْ يُبْنَى لَهُ اسْمٌ مِنْ اسْمِهِ، كَمَسْبَعَةٍ وَمَضْبَعَةٍ، لَمَّا كَثُرَ فِيهِ السِّبَاعُ وَالضِّبَاعُ. وَأَمَّا الْخَشْخَاشَةُ وَتُسَمَّى الْفَسْقِيَّةَ، فِيهَا أَمْوَاتٌ كَثِيرُونَ، فَهِيَ قَبْرٌ وَاحِدٌ، اعْتِبَارًا بِهَا لَا بِمَنْ فِيهَا. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (وَلَا) يَضُرُّ مَا أُعِدَّ لِلدَّفْنِ فِيهِ وَلَمْ يُدْفَنْ فِيهِ، وَلَا (مَا دُفِنَ بِدَارِهِ وَلَوْ) كَانَ (قُبُورًا) كَثِيرَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْبَرَةٍ (وَلَا) تَصِحُّ الصَّلَاةُ (فِي حَمَّامٍ) دَاخِلَهُ وَخَارِجَهُ وَأُتُونَهُ (وَ) كُلُّ، (مَا يَتْبَعُهُ فِي بَيْعٍ مِمَّا يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُهُ) لِشُمُولِ الِاسْمِ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا قَالَ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ أَسَانِيدُهُ صَحِيحَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: خَبَرٌ صَحِيحٌ (وَلَا) تَصِحُّ الصَّلَاةُ (فِي حَشٍّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا (وَهُوَ: مَحَلُّ قَضَاءِ حَاجَةٍ مِمَّا هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 دَاخِلُ بَابِهِ) وَلَوْ مَعَ طَهَارَتِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ لُغَةً: الْبُسْتَانُ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى مَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ فِي الْبَسَاتِينِ، وَهِيَ الْحُشُوشُ، فَسُمِّيَتْ الْأَخْلِيَةُ فِي الْحَضَرِ حُشُوشًا. (وَلَا) تَصِحُّ أَيْضًا فِي (أَعْطَانِ إبِلٍ) وَاحِدُهَا: عَطَنٌ - بِفَتْحِ الطَّاءِ - وَهِيَ: الْمَعَاطِنُ، جَمْعُ: مَعْطِنٍ، بِكَسْرِهَا. (وَهِيَ: مَا تُقِيمُ فِيهَا وَتَأْوِي إلَيْهَا) لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لَمْ نَرَ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ صَحِيحٌ. (فَلَا يَضُرُّ) فِعْلُ صَلَاةٍ (مَوْضِعَ وُرُودِهَا) أَيْ: الْإِبِلِ الْمَاءَ (وَ) : لَا مَوْضِعَ (مُنَاخِ عَلَفِهَا وَ) لَا (مَوْضِعَ نُزُولِهَا فِي سَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْأَعْطَانِ لَا يَتَنَاوَلُهَا، فَلَا تَدْخُلُ فِي النَّهْيِ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (زَوَالُ) حُكْمِ (عَطَنٍ) اُتُّخِذَ مَأْوًى لِلْإِبِلِ مُدَّةً ثُمَّ تُرِكَ، فَيَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الْعَطَنِ (بِ) مُجَرَّدِ (رَحِيلِ) نَحْوِ (عَرَبٍ) عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ لِزَوَالِ الِاسْمِ عَنْهُ بِرَحِيلِهِمْ، فَإِنْ عَادُوا لِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ عَادَ عَطَنًا مُدَّةَ اسْتِقَامَتِهِمْ،؛ لِأَنَّ الْحُكْمِ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَلَا) تَصِحُّ الصَّلَاةُ أَيْضًا (فِي مَجْزَرَةٍ، وَهِيَ مَا) أَيْ: مَكَانٌ (أُعِدَّ لِذَبْحٍ فِيهِ وَلَا) فِي (مَزْبَلَةٍ، وَهِيَ مَرْمَى الزُّبَالَةِ، وَلَوْ طَاهِرَةً، وَلَا) فِي (قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَهِيَ: مَا كَثُرَ سُلُوكُهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ سَالِكٌ أَوْ لَا) لِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 رَوَى ابْنُ عُمَرَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «سَبْعُ مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ: ظَهْرُ بَيْتِ اللَّهِ، وَالْمَقْبَرَةُ، وَالْمَزْبَلَةُ، وَالْمَجْزَرَةُ، وَالْحَمَّامُ، وَمَعْطِنُ الْإِبِلِ، وَمَحَجَّةُ الطَّرِيقِ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ. وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. (وَلَا بَأْسَ) بِالصَّلَاةِ (بِطَرِيقِ أَبْيَاتٍ قَلِيلَةٍ، وَبِمَا عَلَا عَنْ جَادَّةِ مُسَافِرٍ يَمْنَةً وَيَسْرَةً) نَصًّا فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَجَّةٍ. (وَأَسْطُحُهُ مَا مَرَّ) مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا (كَهِيَ) ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، لِمَنْعِ الْجَنْبِ مِنْ اللُّبْثِ بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ. وَحِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا بِدُخُولِ سَطْحِهَا. (فَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِسَابَاطٍ حَدَثَ عَلَى طَرِيقٍ) لِتَبَعِيَّةِ الْهَوَاءِ لِلْقَرَارِ، بِخِلَافِ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَوَاضِعِ النَّهْيِ حَدَثَ تَحْتَ مَسْجِدٍ بَعْدَ بِنَائِهِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ،؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (يَصِحُّ عَدُّ اجْتِنَابِ أَمَاكِنِ نَهْيٍ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا) لِلصَّلَاةِ، (وَكَذَا) يَصِحُّ عَدُّ اجْتِنَابِ (مَكَان) غُصِبَ، (وَثَوْبٍ غُصِبَ مَعَ الذِّكْرِ) شَرْطًا مُسْتَقِلًّا لَهَا، (كَمَا) يَصِحُّ عَدُّ (التَّسْمِيَةِ) مَعَ الذِّكْرِ شَرْطًا (لِوُضُوءٍ) كَذَا قَالَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَسْقُطُ سَهْوًا وَلَا جَهْلًا، وَالصَّلَاةُ فِيمَا ذُكِرَ تَصِحُّ مِنْ جَاهِلٍ وَنَاسٍ، فَافْتَرَقَا. . (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (عَلَى سَطْحِ نَهْرٍ) كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ، (لِعَدَمِ وُرُودِ نَهْيٍ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا غَيْرِهِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَاخْتَارَهُ (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ جَزَمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي سَطْحِ النَّهْرِ، تَبَعًا لِابْنِ عَقِيلٍ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَقَيَّدَ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ عَدَمَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى سَطْحِ نَهْرٍ تَجْرِي فِيهِ سَفِينَةٌ، وَقَالُوا: كَالطَّرِيقِ، وَعَلَّلُوهُ بِمَا يَأْتِي. (وَ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (التَّعْلِيلُ) أَيْ: تَعْلِيلُ الْقَاضِي وَمُتَابِعِيهِ (بِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ؛ يَرُدُّهُ سَفِينَةٌ، وَرَاحِلَةٌ، وَبَيْتٌ) مَبْنِيٌّ (عَلَى بِرْكَةٍ) لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِيهَا. أُجِيبُ عَنْهُ: بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ سَطْحِ النَّهْرِ وَبَيْنَ السَّفِينَةِ وَنَحْوِهَا بِأَنَّهَا مَظِنَّةُ حَاجَةٍ، وَلَا حَاجَةَ هُنَا. (وَلَوْ جَمَدَ الْمَاءُ فَكَسَطْحِهِ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنَّهُ كَالطَّرِيقِ، أَيْ: فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ. قَدَّمَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " خِلَافًا لِابْنِ تَمِيمٍ، وَصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (عَلَى ثَلْجٍ) بِحَائِلٍ أَوْ لَا، (إذَا وَجَدَ حَجْمَهُ) لِاسْتِقْرَارِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ. وَكَذَا حَشِيشٌ، وَقُطْنٌ، وَصُوفٌ مُنْتَفِشٌ إذَا وَجَدَ حَجْمُهُ. وَ (لَا) تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي بُقْعَةٍ (غُصِبَ مِنْ أَرْضٍ وَحَيَوَانٍ) بِأَنْ يُغْصَبَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَرْضِ وَالْحَيَوَانِ، وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أُتِيَ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَمْ تَصِحَّ كَصَلَاةِ الْحَائِضِ (وَغَيْرِهِ) كَمَا لَوْ غَصَبَ سَفِينَةً أَوْ لَوْحًا، فَنَجَّرَهُ سَفِينَةً لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهَا. (وَلَوْ) كَانَ الْمَغْصُوبُ (جُزْءًا مَشَاعًا) مِنْ بُقْعَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ جُزْءًا مُعَيَّنًا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ وَحْدَهُ، فَإِنْ صَلَّى فِيهِ؛ لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ صَلَّى فِي غَيْرِهِ: صَحَّتْ (أَوْ) أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى مَغْصُوبٍ، وَلَوْ (بُسِطَ عَلَيْهِ مُبَاحٌ ا) أَوْ بُسِطَ غَصْبًا عَلَى مُبَاحٍ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَسَطَ طَاهِرًا صَفِيقًا عَلَى حَرِيرٍ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا لِلْحَرِيرِ إذَنْ، بِخِلَافِ الْبُقْعَةِ، فَإِنَّهُ حَالٌّ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ مُبَاحٌ. وَلَا فَرْقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 بَيْنَ غَصْبِهِ لِرَقَبَةِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا (سَوَاءٌ غَصَبَ ذَلِكَ أَوْ ادَّعَى مِلْكَهُ) بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبَيْنَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مُدَّةً ظُلْمًا (أَوْ) غَصَبَ الْمَنَافِعَ، بِأَنْ يَدَّعِيَ (إجَارَتَهُ ظَالِمًا، أَوْ أَخْرَجَ سَابَاطًا بِمَوْضِعٍ لَا يَحِلُّ) إخْرَاجُهُ؛ كَأَنْ يُخْرِجَهُ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ بِلَا إذْنِ أَهْلِهِ، فَإِنْ أَذِنُوا، صَحَّتْ. أَوْ فِي نَافِذٍ بِغَيْرِ إذْنِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ أَيْ: فَلَا تَصِحُّ وَلَوْ أَذِنَ، كَمَا تَقَدَّمَ. . (وَيَصِحُّ وُضُوءٌ وَصَوْمٌ وَأَذَانٌ وَإِخْرَاجُ زَكَاةٍ وَعُقُودٌ) كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَغَيْرِهِمَا، وفسوخ: كَطَلَاقٍ، وَخُلْعٍ وَعِتْقٍ (بِمَكَانِ غُصِبَ) ؛ لِأَنَّ الْبُقْعَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. (وَ) تَصِحُّ (صَلَاةٌ فِي بُقْعَةٍ أَبْنِيَتُهَا غَصْبٌ، وَلَوْ اسْتَنَدَ) إلَى الْأَبْنِيَةِ لِإِبَاحَةِ الْبُقْعَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الصَّلَاةِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَتُكْرَهُ. وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ مَا يُبْنَى لِحَرِيمِ الْأَنْهَارِ مِنْ مَسَاجِدَ وَبُيُوتٍ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ الْبِنَاءُ بِهَا، وَأَمَّا الْبُقْعَةُ فَعَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، (أَوْ) أَيْ: وَتَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ (طُولِبَ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ أَوْ) رَدِّ (غَصْبٍ وَلَمْ يَفْعَلْ) وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَخْتَصُّ الصَّلَاةَ. وَتَصِحُّ صَلَاةُ (قِنٍّ خَالَفَ سَيِّدَهُ بِإِقَامَةٍ بِمَكَانٍ) أَوْ ذَهَابٍ إلَى غَيْرِهِ. وَتَصِحُّ صَلَاةٌ وَنَحْوُهَا مِنْ (مُتَقَوٍّ عَلَى أَدَاءِ عِبَادَةٍ بِأَكْلِ حَرَامٍ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إلَى الْعِبَادَةِ، وَلَا إلَى شُرُوطِهَا، بَلْ إلَى خَارِجٍ عَنْهَا، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي فَسَادَهَا. لَكِنْ لَوْ حَجَّ بِغَصْبٍ عَالِمًا ذَاكِرًا، لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَ) تَصِحُّ صَلَاةُ (نَحْوِ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ وَجِنَازَةٍ وَكُسُوفٍ) وَاسْتِسْقَاءٍ (لِضَرُورَةٍ بِطَرِيقٍ) بِأَنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ أَوْ الْمُصَلَّى، وَاضْطُرُّوا لِلصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ لِلْحَاجَةِ. (وَ) تَصِحُّ صَلَاةُ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ وَجِنَازَةٍ وَنَحْوِهَا بِمَوْضِعٍ (غُصِبَ) أَيْ: مَغْصُوبٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّاهَا الْإِمَامُ فِي الْغَصْبِ، وَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ، فَاتَتْهُمْ. وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الْخَوَارِجِ، وَالْمُبْتَدِعَةِ، وَفِي الطَّرِيقِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وَكَذَا الْأَعْيَادُ وَالْجِنَازَةُ. (بَلْ وَ) تَصِحُّ الصَّلَاةُ (فِي الْكُلِّ) أَيْ: كُلِّ الْأَمَاكِنِ الْمُتَقَدِّمَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ خَشِيَ فَوْتَ الْوَقْتِ أَوْ لَا. نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": هُوَ الْمَذْهَبُ (لِعُذْرٍ) كَمَا لَوْ حُبِسَ فِيهَا، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا، فَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ. (وَيَتَّجِهُ الْأَصَحُّ) أَنَّ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ لِلصَّلَاةِ فِي أَمَاكِنِ النَّهْيِ، (خَوْفُ خُرُوجِ وَقْتٍ) ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ نُصُوصُهُمْ تَأْبَاهُ. (وَتُكْرَهُ صَلَاةٌ إلَيْهَا) لِحَدِيثِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ مَرْفُوعًا «لَا تُصَلُّوا إلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا إلَيْهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ مَوَاضِعِ النَّهْيِ إلَّا الْكَعْبَةَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عِنْدَهُ تَعَبُّدٌ، وَشَرْطُ الْقِيَاسِ فَهْمُ الْمَعْنَى. فَإِنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ مَنَعَ صِحَّةَ الصَّلَاةِ إلَى الْمَقْبَرَةِ، وَبَعْضُهُمْ وَإِلَى الْحَشِّ، وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْإِفَادَاتِ " وَقَدَّمَهُ غَيْرُهُمَا. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ إلَى ذَلِكَ (بِلَا حَائِلٍ) فَإِنْ كَانَ حَائِلٌ لَمْ تُكْرَهْ الصَّلَاةُ، (وَلَوْ) كَانَ (كَمُؤَخِّرَةِ رَحْلٍ) كَسُتْرَةِ الْمُتَخَلِّي، لَا كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ. فَلَا يَكْفِي الْخَطُّ وَنَحْوُهُ، وَلَا مَا دُونَ مُؤَخِّرَةِ رَحْلٍ، بَلْ (وَلَا يَكْفِي حَائِطُ الْمَسْجِدِ نَصًّا) جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي " الرعايتين "، وَ " الْحَاوِيَيْنِ " وَغَيْرِهِمْ، لِكَرَاهَةِ السَّلَفِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ قِبْلَتُهُ حَشٌّ (خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 حَيْثُ اعْتَبَرَ أَنَّ حَائِطَ الْمَسْجِدِ كَافٍ فِي السُّتْرَةِ، وَتَأَوَّلَ النَّصَّ عَلَى سِرَايَةِ النَّجَاسَةِ تَحْتَ مَقَامِ الْمُصَلِّي. (وَلَوْ غُيِّرَتْ أَمَاكِنَ نَهْيٍ غَيْرَ) أَمَاكِنِ (غَصْبٍ بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا، كَجَعْلِ حَمَّامٍ دَارًا، وَمَقْبَرَةٍ مَسْجِدًا) ، أَوْ نُبِشَ الْمَوْتَى وَحُوِّلَتْ عِظَامُهُمْ، (وَصَلَّى فِيهَا) (صَحَّتْ) الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهَا مِنْ مَوَاضِعِ النَّهْيِ (وَكَمَقْبَرَةِ مَسْجِدُ حَدَثَ بِهَا) أَيْ: الْمَقْبَرَةِ، فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ سِوَى صَلَاةِ جِنَازَةٍ، أَوْ لِعُذْرٍ. قَالَ الْآمِدِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ (لَا إنْ حَدَثَتْ هِيَ) أَيْ: الْقُبُورُ، (حَوْلَهُ) أَيْ: الْمَسْجِدِ وَكَذَا (لَوْ) حَدَثَتْ (فِي قِبْلَتِهِ فَ) تُكْرَهُ (كَصَلَاةٍ إلَيْهَا) بِلَا حَائِلٍ (وَلَوْ وُضِعَ قَبْرٌ) أَيْ: مَقْبَرَةٌ، (وَمَسْجِدٌ مَعًا، لَمْ يَجُزْ) وَضْعُ ذَلِكَ، (وَلَمْ يَصِحَّ وَقْفٌ، وَ) لَا (صَلَاةٌ) بِهِ. (قَالَهُ) ابْنُ الْقَيِّمِ (فِي " الْهَدْيِ) النَّبَوِيِّ " (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِطَرِيقٍ حَدَثَتْ بِمَسْجِدٍ) وَكَذَا لَوْ حَدَثَ غَيْرُهُ مِنْ مَوَاضِعِ النَّهْيِ، كَحَشٍّ بَعْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَالصَّلَاةُ فِيهِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِمَا حَدَثَ بَعْدَهُ. (وَتُكْرَهُ) الصَّلَاةُ (بِأَرْضِ خَسْفٍ، وَمَا نَزَلَ بِهَا عَذَابٌ) مِنْ الْأَرَاضِي الْمَسْخُوطِ عَلَيْهَا، (كَ) أَرْضِ (بَابِلَ) وَأَرْضِ الْحِجْرِ (وَدِيَارِ ثَمُودَ) " لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضِ بَابِلَ وَقَالَ: إنَّهَا مَلْعُونَةٌ» وَلِأَنَّهَا مَوَاضِعُ مَسْخُوطٌ عَلَيْهَا، وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَوْمَ مَرَّ بِالْحِجْرِ " لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ» (وَ) تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ (بِمَسْجِدِ الضِّرَارِ) إذَا لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ مَغْصُوبَةً. (وَ) تَصِحُّ أَيْضًا فِي (مَدْبَغَةٍ وَرَحًى وَ) تَصِحُّ (عَلَيْهَا) أَيْ: الرَّحَى مَعَ الْكَرَاهَةِ. (وَ) تَصِحُّ أَيْضًا (بِأَرْضٍ سَبِخَةٍ) . نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": مَعَ الْكَرَاهَةِ. (وَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 تَصِحُّ أَيْضًا مَعَ الْكَرَاهَةِ وَتَصِحُّ أَيْضًا فِي (مَقْصُورَةِ مَسْجِدٍ تُحْمَى لِأَكَابِرَ) مِنْ أُمَرَاءَ (وَسَلَاطِينِ) نَصًّا. (وَلَا تُكْرَهُ) الصَّلَاةُ (بِبِيَعٍ) وَهِيَ: مَعْبَدُ النَّصَارَى (وَكَنَائِسُ) : مَعْبَدُ الْيَهُودِ، (وَلَوْ مَعَ) وُجُودِ (صُوَرٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ " لِلْإِقْنَاعِ "، وَكَانَ عَلَيْهِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَيْسَتْ) الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسُ (مِلْكًا لِأَحَدٍ، فَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيهَا؛ لِأَنَّا صَالَحْنَاهُمْ عَلَيْهِ) . نَقَلَهُ فِي " الْفُرُوعِ " فِي الْوَلِيمَةِ. (فَرْعٌ: يُثَابُ عَلَى مَا كُرِهَ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِعَارِضٍ، كَمَا مَرَّ) مِنْ الصَّلَاةِ إلَى أَمَاكِنِ النَّهْيِ، وَأَرْضِ الْخَسْفِ وَمَا نَزَلَ بِهَا عَذَابٌ، وَمَسْجِدِ الضِّرَارِ، وَالْمَدْبَغَةِ، وَالرَّحَى، وَالْأَرْضِ السَّبِخَةِ، وَالْمَقْصُورَةِ الْمَحْمِيَّةِ، (وَكَوُضُوءٍ بِمَا كُرِهَ) اسْتِعْمَالُهُ لِشِدَّةِ حَرِّهِ أَوْ بَرْدِهِ (بِخِلَافِ مَا كُرِهَ لِذَاتِهِ؛ كَسِوَاكِ صَائِمٍ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَلَا يُعَدُّ) مَا كُرِهَ لِذَاتِهِ (عِبَادَةً) ، بِخِلَافِ مَا كُرِهَ لِعَارِضٍ. [فَصْلٌ الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ] (فَصْلٌ) (وَلَا يَصِحُّ فَرْضٌ فِي الْكَعْبَةِ) الْمُشَرَّفَةِ، (وَلَا عَلَى ظَهْرِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وَالشَّطْرُ: الْجِهَةُ. وَمَنْ صَلَّى فِيهَا، أَوْ عَلَى سَطْحِهَا غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ لِجِهَتِهَا؛ وَلِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَدْبِرًا مِنْ الْكَعْبَةِ، مَا لَوْ اسْتَقْبَلَهُ مِنْهَا، وَهُوَ خَارِجُهَا، صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَلَى ظَهْرِهَا قَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ السَّابِقِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى. وَالْجِدَارُ لَا أَثَرَ لَهُ؛ إذْ الْمَقْصُودُ الْبُقْعَةُ، بِدَلِيلِ: أَنَّهُ يُصَلَّى لِلْبُقْعَةِ حَيْثُ لَا جِدَارَ، (إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى مُنْتَهَاهَا) ، أَيْ: الْكَعْبَةِ (بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 مِنْهَا، (أَوْ) وَقَفَ (خَارِجَهَا) ، أَيْ: الْكَعْبَةِ، (وَسَجَدَ فِيهَا) فَيَصِحُّ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْكَعْبَةِ، غَيْرَ مُسْتَدْبِرٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا، كَمَا لَوْ صَلَّى إلَى أَحَدِ أَرْكَانِهَا. (وَتَصِحُّ نَافِلَةٌ) فِي الْكَعْبَةِ، وَعَلَيْهَا. (وَ) تَصِحُّ (مَنْذُورَةٌ فِيهَا وَعَلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ مُتَّصِلٌ بِهَا) ، عَلَى الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ فِي " الْمُغْنِي "، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ "، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ " الْحَاوِي الْكَبِيرِ "، وَالْفَائِقُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى ". (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ صَلَّى لِغَيْرِ وَجَاهَةٍ إذَا دَخَلَ جَازَ، إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا شَاخِصٌ مُتَّصِلٌ بِهَا كَالْبِنَاءِ، وَالْبَابِ وَلَوْ مَفْتُوحًا، أَوْ عَتَبَتِهِ الْمُرْتَفِعَةِ، فَلَا اعْتِبَارَ بِالْآجُرِّ الْمُعَبَّأِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ، وَلَا بِالْخَشَبِ غَيْرِ الْمَسْمُورِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَاخِصٌ، وَسُجُودُهُ عَلَى مُنْتَهَاهَا، لَمْ تَصِحَّ. انْتَهَى. (مَا لَمْ يَسْجُدْ عَلَى مُنْتَهَاهَا) أَيْ: الْكَعْبَةِ، وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ مُتَّصِلٌ بِهَا، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْهَا فِيهِ. (وَيُسَنُّ نَفْلُهُ فِيهَا، وَالْأَفْضَلُ) أَنْ يَتَنَفَّلَ (وِجَاهَهُ، إذَا - دَخَلَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الْبَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلَالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلَالًا فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ عَنْ يَسَارِكَ إذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. وَأَمَّا مَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أُسَامَةَ أَيْضًا، وَالْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ» فَجَوَابُهُ أَنَّ الدُّخُولَ كَانَ مَرَّتَيْنِ، فَلَمْ يُصَلِّ فِي الْأُولَى، وَصَلَّى فِي الثَّانِيَةِ. كَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ "، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 (وَيَجُوزُ) التَّنَفُّلُ (لِغَيْرِ وَجَاهَةٍ) إذَا دَخَلَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِهِ قِبْلَةٌ. (وَنَفْلٌ سُنَّ جَمَاعَةً) فِعْلُهُ (خَارِجَهَا) ، أَيْ: الْكَعْبَةِ، (بِهَا) أَيْ: بِالْجَمَاعَةِ، (أَفْضَلُ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ فِعْلِهِ (دَاخِلٌ بِدُونِهَا) ، أَيْ: الْجَمَاعَةِ. (إذْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا) إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَنَفْلٌ بِبَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِمَسْجِدٍ، وَلَوْ الْحَرَامُ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبُعْدِهِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَقُرْبِهِ مِنْ الْإِخْلَاصِ. (وَسُنَّ تَنَفُّلٌ فِي الْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، (وَهُوَ) أَيْ: الْحِجْرُ (مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْكَعْبَةِ، لِخَبَرِ عَائِشَةَ (وَقَدْرُهُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ) بِذِرَاعِ الْيَدِ (وَشَيْءٌ) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْحِجْرُ جَمِيعُهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ: وَإِنَّمَا الدَّاخِلُ فِي حُدُودِ الْبَيْتِ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَشَيْءٌ، فَمَنْ اسْتَقْبَلَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ أَلْبَتَّةَ انْتَهَى. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الطَّوَافِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ جَمِيعِهِ احْتِيَاطًا، وَيَأْتِي. (وَيَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْبَيْتِ، أَشْبَهَ سَائِرَهُ (وَلَوْ لِمَكِّيٍّ) ، سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. (وَالْفَرْضُ فِيهِ) ، أَيْ: الْحِجْرِ، (كَدَاخِلِهَا) ، أَيْ: لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى مُنْتَهَاهُ، أَوْ لَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ وَقَفَ خَارِجَهُ وَسَجَدَ فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ: الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ. (وَلَوْ نُقِضَ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ) أَوْ سَقَطَ (وَجَبَ اسْتِقْبَالُ مَوْضِعِهَا، وَهَوَائِهَا دُونَ أَنْقَاضِهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْبُقْعَةُ لَا الْأَنْقَاضُ. (وَلَوْ عَلَى جَبَلٍ يَخْرُجُ عَنْ مُسَامَتَةٍ بُنْيَانُهَا) كَأَبِي قُبَيْسٍ (صَحَّتْ) الصَّلَاةُ (لِهَوَائِهَا) وَكَذَا لَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً فِي الْأَرْضِ بِحَيْثُ يَنْزِلُ عَنْ مُسَامَتَةٍ بُنْيَانُهَا صَحَّتْ إلَى هَوَائِهَا؛ إذْ الْمَقْصُودُ الْبُقْعَةُ لَا الْجِدَارُ. (وَلَا بَأْسَ بِتَغَيُّرِ حِجَارَتِهَا) ، أَيْ: الْكَعْبَةِ، وَإِبْدَالِهَا بِحِجَارَةٍ أَقْوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 مِنْهَا (إنْ احْتَاجَتْ لِمِرَمَّةٍ) ، وَلَمْ تُمَكَّنْ بِدُونِ التَّغْيِيرِ، وَإِلَّا فَلَا. (لَا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، فَيَحْرُمُ) تَغْيِيرُهُ (لِعَدَمِ قِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ) ، بَلْ يَجِبُ بَقَاؤُهُ عَلَى حَالٍ. وَلَوْ تَشَعَّثَ أَوْ تَكَسَّرَ يُلْصَقُ فِي مَحَلِّهِ، وَلَا يُنْقَلُ إلَى غَيْرِهِ. (وَلَا يَنْتَقِلُ النُّسُكُ مَعَهُ) أَيْ: الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، إذَا نُقِلَ مِنْ مَكَانِهِ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ إنَّمَا هُوَ الطَّوَافُ بِجُمْلَةِ الْبَيْتِ، لَا بِالْحِجْرِ عَلَى انْفِرَادِهِ. (وَكُرِهَ نَقْلُ حِجَارَتِهَا) ، أَيْ: الْكَعْبَةِ، (عِنْدَ عِمَارَتِهَا إلَى غَيْرِهَا) مِنْ الْأَمَاكِنِ. (وَفِي " الْفُنُونِ ": لَا يَجُوزُ أَنْ تُعَلَّى أَبْنِيَتُهَا زِيَادَةً عَلَى مَا وُجِدَ مِنْ عُلُوِّهَا) زَمَنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، (وَفِي " الْفُرُوعِ ": يَتَوَجَّهُ جَوَازُ الْبِنَاءِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ، (يَعْنِي إدْخَالَ الْحِجْرِ فِي الْبَيْتِ انْتَهَى) كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ ". (وَقَدْ فَعَلَهُ) أَيْ: الْبِنَاءَ، عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ثُمَّ أَعَادَهَا الْحَجَّاجُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ بِنَاءِ قُرَيْشٍ، وَأَخْرَجَ الْحِجْرَ مِنْهَا، وَهِيَ بَاقِيَةٌ إلَى الْآنِ. (وَرَأَى) الْإِمَامُ (الشَّافِعِيُّ، وَ) الْإِمَامُ (مَالِكٌ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (تَرْكَهُ) ، أَيْ: الْبِنَاءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ (لِئَلَّا يَصِيرَ الْبَيْتُ مِلْعَبَةً لِلْمَمْلُوكِ) فَيَسْقُطُ تَعْظِيمُهُ مِنْ أَعْيُنِ الْجُهَّالِ. [بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ] وَبَيَانُ أَدِلَّتِهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْقِبْلَةُ: الْوَجْهَةُ، وَهِيَ: الْفَعْلَةُ مِنْ الْمُقَابَلَةِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَا لَهُ قِبْلَةٌ، وَلَا دَبْرَةٌ، إذَا لَمْ يَهْتَدِ لِجِهَةِ أَمْرِهِ. وَأَصْلُ الْقِبْلَةِ فِي اللُّغَةِ: الْحَالَةُ الَّتِي يُقَابِلُ الشَّيْءُ غَيْرَهُ عَلَيْهَا، كَالْجِلْسَةِ لِلْحَالَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا، إلَّا أَنَّهَا صَارَتْ كَالْعِلْمِ لِلْجِهَةِ الَّتِي يَسْتَقْبِلُهَا. وَسُمِّيَتْ قِبْلَةً لِإِقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْهَا، أَوْ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُقَابِلُهَا، وَهِيَ تُقَابِلُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وَاسْتِقْبَالُهَا (فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ شَرْطٌ لَهَا) ، أَيْ الصَّلَاةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وَهُوَ الشَّرْطُ الثَّامِنُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. (مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَيْهِ (لَا مَعَ عُذْرٍ) كَعَجْزٍ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ؛ كَالْتِحَامِ حَرْبٍ، وَهَرَبٍ مِنْ سَيْلٍ أَوْ نَارٍ أَوْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْعُذْرُ (نَادِرًا، كَمَرِيضٍ) ، وَمَصْلُوبٍ (وَمَرْبُوطٍ عَجَزَ عَنْ اسْتِقْبَالٍ) وَعَمَّنْ يُدِيرُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، فَتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ إلَى غَيْرِهَا بِلَا إعَادَةٍ، لِعَجْزِهِمْ عَنْ الشَّرْطِ فَيَسْقُطُ، كَالْقِيَامِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ. (وَصَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ عَشْرَ سِنِينَ بِمَكَّةَ) . جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي " شَرْحِ الْخِرَقِيِّ الصَّغِيرِ " وَالسَّامِرِيُّ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي أَقَامَهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ بِنَاءً عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ» الْحَدِيثَ. وَمَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ هُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ. قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِهِ: اخْتَلَفُوا فِي صَلَاتِهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ قَوْمٌ: كَانَ بِمَكَّةَ يُصَلِّي إلَى الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا صَارَ إلَى الْمَدِينَةِ أُمِرَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ كَانَ بِمَكَّةَ يُصَلِّي إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، إلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ الْقِبْلَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ كَانَ يُصَلِّي إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَطْ بِمَكَّةَ وَبِالْمَدِينَةِ أَوَّلًا سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّلَاحِ. (وَ) صَلَّى أَيْضًا، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ (سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْمَدِينَةِ) ، وَقِيلَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا. رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَصَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 ثُمَّ إنَّهُ وَجَّهَ إلَى الْكَعْبَةِ، فَمَرَّ رَجُلٌ كَانَ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وَجَّهَ إلَى الْكَعْبَةِ، فَانْحَرَفُوا إلَى الْكَعْبَةِ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ "، وَلَمْ يُشِرْ إلَى خِلَافِهِ. وَقَدْ وَرَدَ (بِالسُّنَّةِ) قَوْلَانِ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ. (وَ) وَرَدَ فِي (الْقُرْآنِ) أَيْضًا (قَوْلَانِ) قِيلَ عَنْ أَحَدِهِمَا: إنَّهُ نَزَلَ بِهِ قُرْآنٌ وَنُسِخَ، وَالثَّانِي: قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] . (ثُمَّ أُمِرَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِالتَّوَجُّهِ لِلْكَعْبَةِ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] الْآيَةَ. (فَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (لِقَادِرٍ) عَلَى الِاسْتِقْبَالِ (بِدُونِ اسْتِقْبَالِهَا) أَيْ: الْقِبْلَةِ، (إلَّا فِي نَفْلِ وَرَاتِبَةِ مُسَافِرٍ، فَقِبْلَتُهُ جِهَةُ سَيْرِهِ) عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ لِلْخَبَرِ فِي الرَّاكِبِ، وَيَأْتِي. (وَلَوْ) كَانَ الْمُسَافِرُ (مَاشِيًا) لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي خَوْفِ الِانْقِطَاعِ عَنْ الْقَافِلَةِ فِي السَّفَرِ (سَفَرًا مُبَاحًا) كَالتِّجَارَةِ، (وَلَوْ قَصِيرًا) كَدُونِ الْمَسَافَةِ (لَا مَكْرُوهًا) كَسِيَاحَةٍ، وَلَا مُحَرَّمًا؛ لِأَنَّ نَفْلَهُ كَذَلِكَ رُخْصَةٌ، وَلَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي. (أَوْ) تَنَفَّلَ (حَضَرًا) كَالرَّاكِبِ السَّائِرِ فِي مِصْرِهِ، أَوْ قَرْيَتِهِ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ. (وَلَا) يَسْقُطُ الِاسْتِقْبَالُ فِي نَفْلِ (رَاكِبٍ تَعَاسِيفَ وَهُوَ) ، أَيْ: التَّعَاسِيفُ: (رُكُوبُ فَلَاةٍ وَقَطْعُهَا عَلَى غَيْرِ صَوْبٍ) ، وَمِنْهُ الْهَائِمُ، وَالتَّائِهُ، كَمَا لَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ بِرَمَضَانَ. (وَلَا) يَسْقُطُ الِاسْتِقْبَالُ عَنْ (رَاكِبِ مِحَفَّةٍ وَاسِعَةٍ) أَوْ عمارية وَهَوْدَجٍ، فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِلَا مَشَقَّةٍ. (وَلَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 عَنْ رَاكِبِ (نَحْوِ سَفِينَةٍ) كَزَوْرَقٍ، إذَا كَانَ (غَيْرَ مَلَّاحٍ) ، أَمَّا الْمَلَّاحُ فَمَعْذُورٌ لِانْفِرَادِهِ بِتَدْبِيرِهَا. (وَإِنْ لَمْ يُعْذَرْ مَنْ عَدَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ) إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ؛ بِأَنْ عَلِمَ بِعُدُولِهَا، وَقَدَرَ عَلَى رَدِّهَا، وَلَمْ يَفْعَلْ؛ بَطَلَتْ، (أَوْ عَدَلَ) هُوَ (إلَى غَيْرِهَا) أَيْ: الْقِبْلَةِ، (عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ مَعَ عِلْمِهِ) بِعُدُولِهِ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ قِبْلَتَهُ عَمْدًا. وَسَوَاءٌ طَالَ عُدُولُهُ، أَوْ لَا، (أَوْ عُذِرَ) مَنْ عَدَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ لِعَجْزِهِ عَنْهَا كَجِمَاحِهَا، أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ عُذِرَ مَنْ عَدَلَ إلَى غَيْرِهَا لِغَفْلَةٍ، أَوْ نَوْمٍ، أَوْ جَهْلٍ أَوْ ظَنَّهَا جِهَةَ سَيْرِهِ، (وَطَالَ) عُدُولُ دَابَّتِهِ أَوْ عُدُولُهُ عُرْفًا (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ (وَ) إنْ حَصَلَ الْعُدُولُ (بِعُذْرِ سَهْوٍ قَصِيرٍ) زَمَنَهُ، فَإِنَّهُ (يَسْجُدُ لَهُ) . فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ، بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ السَّهْوِ، بِخِلَافِ الْغَفْلَةِ النَّوْمِ. (وَإِنْ وَقَفَ) الْمُسَافِرُ الْمُتَنَفِّلُ لِجِهَةِ سَيْرِهِ (لِتَعَبِ دَابَّتِهِ، أَوْ) وَقَفَ (مُنْتَظِرًا رُفْقَةً أَوْ) وَقَفَ لِكَوْنِهِ (أَيْسَرَ لِسَيْرِهِمْ) أَيْ: الرُّفْقَةِ، اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. (أَوْ نَوَى النُّزُولَ بِبَلَدٍ دَخَلَهُ، أَوْ نَزَلَ فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ، (اسْتَقْبَلَ) الْقِبْلَةَ حَالَ كَوْنِهِ (نَازِلًا) فِي، الْأَخِيرَةِ (وَيُتِمُّهَا) لِانْقِطَاعِ سَيْرِهِ كَالْخَائِفِ يَأْمَنُ. (وَيَتَّجِهُ وُجُوبُ نُزُولِ رَاكِبٍ) وَقَفَ لِتَعَبِ دَابَّتِهِ، أَوْ مُنْتَظِرًا رُفْقَةً أَوْ لَمْ يَسِرْ لِسَيْرِهِمْ، أَوْ نَوَى النُّزُولَ بِبَلَدٍ دَخَلَهُ إنْ كَانَ (لَا يَتَمَكَّنُ) وَهُوَ رَاكِبٌ (مِنْ نَحْوِ سُجُودٍ) ، وَرُكُوعٍ وَطُمَأْنِينَةٍ، وَاعْتِدَالٍ (سِيَّمَا مُفْتَرِضٌ) وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي الْمُفْتَرِضِ ظَاهِرٌ، وَيَأْتِي. وَأَمَّا الْمُتَنَفِّلُ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْلِهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 (وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً عَلَى دَابَّةٍ، جَازَ وَصَحَّتْ) الصَّلَاةُ (عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى الدَّابَّةِ. (وَشَرْطُ طَهَارَةِ مَحَلِّ رَاكِبٍ) ، مِنْ بَرْدَعَةٍ، وَسَرْجٍ، وَنَحْوِهِ، (وَعَدَمِ مُلَاقَاتِهِ) أَيْ: الرَّاكِبِ (لِنَجِسٍ، كَحِمَارٍ) وَبَغْلٍ، وَفِيلٍ، وَنَحْوِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ طَهَارَةِ الْمَكَانِ. (وَلَا يَضُرُّ وَطْءُ دَابَّةٍ نَجَاسَةً) . قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إنْ أَمْكَنَ رَدُّهُ عَنْهَا وَلَمْ يَفْعَلْ، بَطَلَتْ. (بَلْ) يَضُرُّ (وَطْءُ مَاشٍ) نَجَاسَةً (عَمْدًا) كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَطْءُ دَابَّةٍ نَجَاسَةً إذَا كَانَتْ غَيْرَ رَطْبَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَقُ مِنْهَا بِهَا شَيْءٌ، بِخِلَافِ الرَّطْبَةِ، فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِوَطْءِ الدَّابَّةِ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ أَثَرٍ يَصْحَبُ يَدَ الدَّابَّةِ أَوْ رِجْلَهَا مِنْهَا، فَيَكُونُ كَمَنْ صَلَّى بِمَحَلٍّ نَجِسٍ وَلَا يُرَدُّ أَنَّ جَمِيعَ أَعْضَاءِ الدَّابَّةِ نَجِسَةٌ كَمَا لَوْ كَانَتْ بَغْلًا، أَوْ حِمَارًا؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا غِنَاءَ عَنْهَا فِي السَّفَرِ. وَأَمَّا النَّجَاسَةُ فَيُمْكِنُ اجْتِنَابُهَا وَالتَّحَرُّزُ مِنْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ رَكِبَ مَاشٍ) مُتَلَبِّسٌ (فِي نَفْلٍ، أَتَمَّهُ) رَاكِبًا، كَمَا لَوْ نَزَلَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الدَّابَّةِ، فَيُتِمُّهَا مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَلَا اسْتِئْنَافٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) كَذَا لَوْ رَكِبَ بَعْدَ شُرُوعِهِ (فِي فَرْضٍ) مَاشِيًا، فَلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 أَنْ يُتِمَّهُ رَاكِبًا، (حَيْثُ جَازَ) الشُّرُوعُ فِيهِ مَاشِيًا، كَخَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سَبُعٍ، أَوْ نَارٍ أَوْ مَاءٍ، أَوْ فَوْتِ وَقْتِ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَاجِبَةٌ شَرْعًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَبْطُلُ) النَّافِلَةُ (بِرُكُوبِ قَاعِدٍ وَقَائِمٍ) ؛ لِأَنَّ حَالَتَهُ حَالَةُ إقَامَةٍ، فَرُكُوبُهُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى) مُسَافِرٍ (مَاشٍ إحْرَامٌ) إلَى الْقِبْلَةِ، (وَرُكُوعٌ وَسُجُودٌ إلَيْهَا) بِالْأَرْضِ (إنْ أَمْكَنَ) لِتَيَسُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، (وَيَفْعَلُ مَا سِوَاهُ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ) . (وَكَذَا) (رَاكِبٌ) مُتَنَفِّلٌ، يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ، وَيَرْكَعُ، وَيَسْجُدُ وُجُوبًا إنْ (أَمْكَنَهُ) ذَلِكَ (بِلَا مَشَقَّةٍ) كَرَاكِبِ الْمِحَفَّةِ الْوَاسِعَةِ، وَالسَّفِينَةِ وَالرَّاحِلَةِ الْوَاقِفَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقِيمِ فِي عَدَمِ الْمَشَقَّةِ، (وَإِلَّا) يُمْكِنَهُ ذَلِكَ بِلَا مَشَقَّةٍ، كَرَاكِبٍ نَحْوِ بَعِيرٍ مَقْطُورٍ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ الِاسْتِدَارَةُ بِنَفْسِهِ، أَوْ رَاكِبٍ حَرُونَ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ إدَارَتُهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ (فَ) يُحْرِمُ (إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ، وَيُومِئُ) بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ. (وَيَلْزَمُ قَادِرًا جَعْلُ سُجُودِهِ أَخْفَضَ) مِنْ رُكُوعِهِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ «، قَالَ " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ، فَجِئْتُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَ) تَلْزَمُهُ (طُمَأْنِينَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ قَدَرَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ بِالْأَرْضِ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ اسْتِقْبَالُهُ وَأَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ] (فَصْلٌ) فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ اسْتِقْبَالُهُ، وَأَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. (وَفَرْضُ مَنْ قَرُبَ مِنْ قُرْبٍ مِنْ الْكَعْبَةِ) ، وَهُوَ مَنْ يُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ، أَوْ مَنْ يُخْبَرُهُ عَنْ يَقِينٍ، إصَابَةُ الْعَيْنِ بِبَدَنِهِ، بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْهَا. فَإِنْ كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ، فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ، فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بِنَظَرِهِ، أَوْ عِلْمِهِ، أَوْ خَبَرِ عَالَمٍ بِهِ، فَلَوْ خَرَجَ بِبَعْضِ بَدَنِهِ عَنْ مُسَامَتَتِهَا؛ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. (أَوْ) أَيْ: وَفَرْضُ مَنْ قَرُبَ (مِنْ مَسْجِدِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إصَابَةُ الْعَيْنِ بِكُلِّ بَدَنِهِ) ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. لِأَنَّ قِبْلَتَهُ مُتَيَقَّنَةُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ. وَرَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ» . قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الصَّفِّ الْمُسْتَطِيلِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، صَحِيحَةٌ، مَعَ خُرُوجِ بَعْضِهِمْ عَنْ اسْتِقْبَالِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ، لِكَوْنِ الصَّفِّ أَطْوَلَ مِنْهَا. وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ صَحِيحٌ، لَكِنْ إنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ، وَقَدْ فَعَلَهُ، وَهَذَا الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى. وَقَدْ يُجَابُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ الْعَيْنِ، أَيْ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي مَسْجِدِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَا قَرُبَ مِنْهُ، الِانْحِرَافُ عَنْهُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً، كَمَنْ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّ قِبْلَتَهُ بِالنَّصِّ، فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ. قَالَ النَّاظِمُ: وَفِي مَعْنَاهُ، أَيْ: مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كُلُّ مَوْضِعٍ ثَبَتَ أَنَّهُ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، صَلَّى فِيهِ إذَا ضُبِطَتْ جِهَتُهُ. (وَلَا يَضُرُّ عُلُوٌّ) عَنْ الْكَعْبَةِ، كَالْمُصَلِّي عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ. (وَ) لَا يَضُرُّ (نُزُولٌ) عَنْهَا، كَمَنْ فِي حَفِيرَةٍ فِي الْأَرْضِ تَنْزِلُ عَنْ مُسَامَتِهَا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْبُقْعَةِ لَا بِالْجُدْرَانِ كَمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَضُرُّ (حَائِلٌ حَادِثٌ) ، كَالْأَبْنِيَةِ (حَيْثُ أَمْكَنَ تَيَقُّنُ) إصَابَةِ عَيْنِهَا (بِنَظَرٍ أَوْ خَبَرِ ثِقَةٍ عَنْ يَقِينٍ) . فَإِنَّ مَنْ نَشَأَ بِمَكَّةَ، أَوْ أَقَامَ بِهَا كَثِيرًا تَمَكَّنَ مِنْ الْأَمْرِ الْيَقِينِيِّ فِي ذَلِكَ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَيْهِ إصَابَةُ الْعَيْنِ (بِحَائِلٍ أَصْلِيٍّ كَجَبَلٍ) صَلَّى خَلْفَهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 (اُجْتُهِدَ إلَى عَيْنِهَا) ، أَيْ: الْكَعْبَةِ؛ لِتَعَذُّرِ الْيَقِينِ عَلَيْهِ. وَمَعَ حَائِلٍ غَيْرِ أَصْلِيٍّ كَالْمَنَازِلِ، لَا بُدَّ مِنْ مُحَاذَاتِهَا بِبَدَنِهِ بِيَقِينٍ، إمَّا بِنَظَرٍ أَوْ إخْبَارِ ثِقَةٍ. وَالْأَعْمَى الْمَكِّيُّ وَالْغَرِيبُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِدَارٍ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ مَكَّةَ، فَفَرْضُهُ الْخَبَرُ عَنْ يَقِينٍ، أَوْ عَنْ مُشَاهَدَةٍ، كَكَوْنِهِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ، وَعَلَى الْحَائِلِ مَنْ يُخْبِرُهُ، أَوْ أَخْبَرَهُ أَهْلُ الدَّارِ أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ، فَيَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ كَالْحَاكِمِ إذَا وَجَدَ النَّصَّ. (وَفَرْضُ مَنْ بَعُدَ) عَنْ الْكَعْبَةِ وَمَسْجِدِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَهُوَ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُعَايَنَةِ) لِذَلِكَ، (وَلَا) يَقْدِرُ (عَلَى مَنْ يُخْبِرُهُ) بِالْعَيْنِ (عَنْ يَقِينِ إصَابَةِ الْجِهَةِ) أَيْ: جِهَةِ الْكَعْبَةِ (بِالِاجْتِهَادِ) ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الِاثْنَيْنِ الْمُتَبَاعِدَيْنِ يَسْتَقْبِلَانِ قِبْلَةً وَاحِدَةً، وَعَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ عَلَى خَطٍّ مُسْتَوٍ، لَا يُقَالُ مَعَ الْبُعْدِ يَتَّسِعُ الْمُحَاذِي،؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَّسِعُ مَعَ التَّقَوُّسِ، لَا مَعَ عَدَمِهِ. (وَيُعْفَى عَنْ انْحِرَافٍ يَسِيرٍ) يَمْنَةً وَيَسْرَةً لِلْخَبَرِ، وَإِصَابَةُ الْعَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ مُتَعَذِّرَةٌ، فَسَقَطَتْ، وَأُقِيمَتْ الْجِهَةُ مَقَامَهَا لِلضَّرُورَةِ (فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ) أَيْ: مَعْرِفَةُ فَرْضِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ جِهَةٍ (بِخَبَرِ مُكَلَّفٍ وَلَوْ أُنْثَى عَدْلٌ، ظَاهِرًا بَاطِنًا) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا (عَنْ يَقِينٍ، كَ) قَوْلِهِ: (رَأَيْتُ الْقُطْبَ هُنَا) ، أَوْ: رَأَيْتُ النَّجْمَ الَّذِي تُجَاهَهُ الْجَدْيُ، فَيَعْلَمُ الْقِبْلَةَ مِنْهُ، (أَوْ) قَوْلِهِ: رَأَيْتُ (الْجَمَّ الْغَفِيرَ يُصَلِّي إلَى كَذَا) كَخَطٍّ بِحَائِطٍ، أَوْ عَمُودٍ وَنَحْوِهِ، (لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ) ، وَلَا يَجْتَهِدُ كَالْحَاكِمِ يَقْبَلُ النَّصَّ مِنْ الثِّقَةِ وَلَا يَجْتَهِدُ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ كَافِرٌ، وَلَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَلَا فَاسِقٌ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: (وَيَصِحُّ تَوَجُّهٌ لِقِبْلَةِ فَاسِقٍ فِي بَيْتِهِ) . ذَكَرَهُ فِي " الْإِشَارَاتِ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُبْدِعِ ". فَلَوْ شَكَّ فِي حَالِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ شَكَّ فِي إسْلَامِهِ، فَلَا. وَإِنَّهُ إذَا أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ، لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِي الْأَصَحِّ. (تَتِمَّةٌ) : وَإِنْ أَمْكَنَهُ اسْتِدْلَالٌ بِمَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ، لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ، إذَا عَلِمَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، عُدُولًا كَانُوا أَوْ فُسَّاقًا؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهَا مَعَ تَكْرَارِ الْأَعْصَارِ إجْمَاعٌ عَلَيْهَا، وَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَلَا يَنْحَرِفُ؛ لِأَنَّ دَوَامَ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ كَالْقَطْعِ. انْتَهَى. قُلْتُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ كَمَحَارِيبِ غَالِبِ الصَّعِيدِ، والفيوم، فَإِنَّ قِبْلَتَهُمْ كَثِيرَةُ الِانْحِرَافِ، كَمَا شُوهِدَ بِأَخْبَارِ الثِّقَاتِ، وَامْتُحِنَ بِالْأَدِلَّةِ. فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا، لَتَحَقُّقِ خَطَئِهَا بَلْ يَجْتَهِدُ إنْ كَانَ أَهْلًا، وَإِلَّا قَلَّدَ عَدْلًا. وَإِنْ وَجَدَ مَحَارِيبَ ببلغد خَرَابٍ لَا يَعْلَمُهَا لِلْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا دَلَالَةَ فِيهَا؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا آثَارُ الْإِسْلَامِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْبَانِي لَهَا مُشْرِكًا، عَمِلَهَا لِيُغْرِ بِهَا الْمُسْلِمِينَ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَيَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ أَنَّهُ مِنْ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَسْتَقْبِلُهُ. (وَمَتَى اُشْتُبِهَتْ) الْقِبْلَةُ (سَفَرًا) ، وَحَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، اجْتَهَدَ فِي طَلَبِهَا وُجُوبًا (بِدَلَائِلِهَا) ، جَمْعُ: دَلِيلٍ بِمَعْنَى دَالٍّ. (وَسُنَّ تَعْلَمُهَا) أَيْ: أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ، (مَعَ أَدِلَّةِ وَقْتٍ) وَلَمْ يَجِبْ لِنُدْرَةِ الْتِبَاسِهِ. وَالْمُكَلَّفُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ مَا يَعُمُّ، لَا مَا يَنْدُرُ. (فَإِنْ دَخَلَ) الْوَقْتُ، (وَخَفِيَتْ عَلَيْهِ) أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ، (لَزِمَهُ) تَعَلُّمُهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ مَعَ قِصَرِ زَمَنِهِ، فَإِنْ صَلَّى قَبْلَهُ، لَمْ تَصِحَّ. ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ". (وَيُقَلِّدُ) جَاهِلٌ (غَيْرَهُ لِضِيقِهِ) ، أَيْ: الْوَقْتِ، عَنْ تَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وَلَا يُعِيدُ لِجَوَازِ تَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ لِلضَّرُورَةِ، كَشِدَّةِ الْخَوْفِ، بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ. (وَأَصَحُّ الْأَدِلَّةِ النُّجُومُ) ، قَالَ تَعَالَى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] ، وَقَالَ: {جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا} [الأنعام: 97] ، وَقَالَ عُمَرُ: " تَعَلَّمُوا مِنْ النُّجُومِ مَا تَعْرِفُونَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَالطَّرِيقَ ". وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: مَا تَرَى فِي تَعَلُّمِ هَذِهِ النُّجُومِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا كَمْ مَضَى مِنْ النَّهَارِ، وَكَمْ يَبْقَى؟ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ تَعَلُّمِهَا. (وَأَثْبَتَهَا الْقُطْبُ) بِتَثْلِيثِ الْقَافِ. حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ عَنْ مَكَانِهِ، وَيُمْكِنُ كُلَّ أَحَدٍ مَعْرِفَتُهُ، (ثُمَّ الْجَدْيُ) نَجْمٌ نَيِّرٌ مَا حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ (وَالْفَرْقَدَانِ. فَالْقُطْبُ: نَجْمٌ خَفِيٌّ حَوْلُهُ أَنْجُمٌ دَائِرَةٌ كَفَرَاشَةِ رَحًى، أَوْ كَسَمَكَةٍ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهَا أَحَدُ الْفَرْقَدَيْنِ. وَ) فِي " الشَّرْحِ " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى ": فِي أَحَدِ طَرَفَيْهَا الْفَرْقَدَانِ، (وَفِي) الطَّرَفِ (الْآخَرِ الْجَدْيُ) ، قَالُوا: وَبَيْنَ ذَلِكَ أَنْجُمٌ صِغَارٌ مَنْقُوشَةٌ كَنُقُوشِ الْفَرَاشَةِ، ثَلَاثَةٌ مِنْ فَوْقُ، وَثَلَاثَةٌ مِنْ تَحْتُ، تَدُورُ هَذِهِ الْفَرَاشَةُ حَوْلَ الْقُطْبِ دَوَرَانَ فَرَاشَةِ الرَّحَى حَوْلَ سَفُّودِهَا، فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَوْرَةً نِصْفُهَا بِاللَّيْلِ وَنِصْفُهَا بِالنَّهَارِ، فِي الزَّمَانِ الْمُعْتَدِلِ، فَيَكُونُ الْفَرْقَدَانِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي مَكَانِ الْجَدْيِ عِنْدَ غُرُوبِهَا، وَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى أَوْقَاتِ اللَّيْلِ، وَسَاعَاتِهِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَزْمِنَةِ لِمَنْ عَرَفَهَا، وَفَهِمَ كَيْفِيَّةَ دَوَرَانِهَا. (وَالْقُطْبُ وَسَطَ الْفَرَاشَةِ لَا يَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهِ دَائِمًا) . قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَفِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " إلَّا قَلِيلًا. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَقِيلَ إنَّهُ يَتَغَيَّرُ تَغَيُّرًا يَسِيرًا لَا يُؤَثِّرُ (يَنْظُرُهُ حَدِيدُ بَصَرٍ فِي غَيْرِ لَيَالِي قَمَرٍ) فَإِذَا قَوِيَ نُورُ الْقَمَرِ، خَفِيَ (وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْقُطْبِ، إذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 خَفِيَ (بِجَدْيٍ، وَفَرْقَدَيْنِ، فَإِنَّهُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَيْهِ تَدُورُ بَنَاتُ نَعْشٍ) الْكُبْرَى قَالَ الحجاوي فِي حَاشِيَتِهِ ": بَنَاتُ نَعْشٍ: أَرْبَعَةُ كَوَاكِبَ: وَثَلَاثَةٌ تَتْبَعُهَا الْأَرْبَعَةُ، وَالثَّلَاثَةُ بَنَاتٍ. (فَيَكُونُ) الْقُطْبُ (وَرَاءَ ظَهْرِ مُصَلٍّ بِشَامٍ، وَمَا حَاذَاهَا مِنْ عِرَاقٍ، وَحَرَّان) وَقِيلَ: أَعْدَلُ الْقِبَلِ قِبْلَتُهَا (وَسَائِرُ الْجَزِيرَةِ، لَكِنْ يَنْحَرِفُ بِعِرَاقٍ قَلِيلًا لِمَغْرِبٍ) لِانْحِرَافِهَا عَنْ مُسَامَتَةِ الْقِبْلَةِ لِلْقُطْبِ إلَى الْمَشْرِقِ، فَيَنْحَرِفُ الْمُصَلِّي فِيهَا إلَى الْمَغْرِبِ بِقَدْرِ انْحِرَافِهَا. (وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْ مَشْرِقٍ انْحَرَفَ أَكْثَرَ) إلَى الْمَغْرِبِ وَإِذَا جَعَلَهُ الْإِنْسَانُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، كَانَ مُسْتَقْبِلًا وَسَطَ السَّمَاءِ فِي كُلِّ بَلَدٍ. ثُمَّ إنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا انْحِرَافَ لَهُ عَنْ مُسَامَتَةِ الْقِبْلَةِ لِلْقُطْبِ مِثْلُ آمد، وَمَا كَانَ عَلَى خَطِّهَا؛ فَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ. (وَ) إنْ كَانَ الْبَلَدُ مُنْحَرِفًا عَنْهَا إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ، انْحَرَفَ الْمُصَلِّي إلَى الْمَشْرِقِ بِقَدْرِ انْحِرَافِ بَلَدِهِ. (فَفِي دِمَشْقَ وَمَا قَارَبَهَا يَنْحَرِفُ) الْمُصَلِّي (قَلِيلًا لِمَشْرِقٍ) ؛ لِأَنَّ انْحِرَافَهَا لِمَغْرِبٍ نَحْوِ نِصْفِ سُدُسِ الْفَلَكِ، يَعْرِفُ ذَلِكَ الْفَلَكِيَّةُ. (وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْ مَغْرِبٍ انْحَرَفَ أَكْثَرَ) لِمَشْرِقٍ بِقَدْرِهِ. وَعَكْسُ ذَلِكَ بِعَكْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (حَتَّى إنَّ قِبْلَةَ مِصْرَ مَطْلَعُ الشَّمْسِ شِتَاءً) لِكَثْرَةِ انْحِرَافِهَا لِجِهَةِ الْمَغْرِبِ. (وَ) يَجْعَلُ الْقُطْبَ (بِيُمْنِ قُبَالَتِهِ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ) أَيْ: الْمُصَلِّي، (الْأَيْسَرَ. وَ) يَجْعَلُهُ (بِمِصْرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ. وَ) يَجْعَلُهُ (بِمَشْرِقٍ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى) ، وَبِمَغْرِبٍ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُسْرَى. (وَإِذَا جَعَلَ الشَّامِيُّ الْقُطْبَ بَيْنَ أُذُنِهِ الْيُسْرَى وَنَقْرَةِ الْقَفَا، فَقَدْ اسْتَقْبَلَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ وَالْمِيزَابِ. قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ ". وَإِنْ جَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فِي الشَّامِ وَمَا حَاذَاهَا، وَانْحَرَفَ قَلِيلًا إلَى الْمَشْرِقِ، كَانَ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ. (وَمَطْلَعُ سُهَيْلٍ) ، وَهُوَ نَجْمٌ صَغِيرٌ مُضِيءٌ يَطْلُعُ مِنْ مَهَبِّ الْجَنُوبِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 ثُمَّ يَسِيرُ حَتَّى يَصِيرَ فِي قِبْلَةِ الْمُصَلِّي، ثُمَّ يَتَجَاوَزُهَا فَيَسِيرُ حَتَّى يَغْرُبَ بِقُرْبِ مَحَلِّ الدَّبُورِ، (قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الشَّامِ) . وَمَنْ اسْتَدْبَرَ الْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيَ فِي حَالِ عُلُوِّ أَحَدِهِمَا وَهُبُوطِ الْآخَرِ، فَهُوَ كَاسْتِدْبَارِ الْقُطْبِ، وَإِنْ اسْتَدْبَرَ أَحَدَهُمَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ لِلْجِهَةِ، لَكِنَّهُ إنْ اسْتَدْبَرَ الشَّرْقِيَّ مِنْهُمَا، انْحَرَفَ إلَى الْمَشْرِقِ قَلِيلًا، وَإِنْ اسْتَدْبَرَ الْغَرْبِيَّ، انْحَرَفَ قَلِيلًا إلَى الْمَغْرِب، لِيَتَوَسَّطَ الْجِهَةَ، وَيَكُونَ انْحِرَافُهُ الْمَذْكُورُ لِاسْتِدْبَارِ الْجَدْيِ أَقَلَّ مِنْ انْحِرَافِهِ لِاسْتِدْبَارِ الْفَرْقَدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقُطْبِ مِنْهُمَا. وَإِنْ اسْتَدْبَرَ بَنَاتِ نَعْشٍ، كَانَ مُسْتَقْبِلًا لِلْجِهَةِ أَيْضًا لَكِنَّهُ عَنْ وَسَطِهَا أَبْعَدُ، فَيَجْعَلُ انْحِرَافَهُ إلَيْهِ أَكْثَرَ. قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ ". وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ أَيْضًا الْمَجَرَّةُ، فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي الشِّتَاءِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فِي نَاحِيَةِ السَّمَاءِ، مُمْتَدَّةً شَرْقًا وَغَرْبًا عَلَى الْكَتِفِ الْأَيْسَرِ مِنْ الْإِنْسَانِ، إذَا كَانَ مُتَوَجِّهًا إلَى الْمَشْرِقِ، ثُمَّ تَصِيرُ مِنْ آخِرِهِ مُمْتَدَّةً شَرْقًا وَغَرْبًا أَيْضًا عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ، وَأَمَّا فِي الصَّيْفِ فَإِنَّهَا تَتَوَسَّطُ السَّمَاءَ. (وَمِنْهَا) أَيْ الْأَدِلَّةِ، (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَمَنَازِلُهُمَا وَمَا يَقْتَرِنُ بِهَا) ، أَيْ: بِمَنَازِلِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (وَيُقَارِبُهَا) ، كُلِّهَا (تَطْلُعُ مِنْ مَشْرِقٍ عَلَى يَسْرَةِ مُصَلٍّ بِشَامٍ، وَتَغِيبُ بِمَغْرِبٍ عَنْ يَمْنَتِهِ) . وَمَنَازِلُ الْقَمَرِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مَنْزِلًا: أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَامِيَّةً، تَطْلُعُ مِنْ وَسَطِ الْمَشْرِقِ مَائِلَةً عَنْهُ إلَى الشَّمَالِ. وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَمَانِيَّةً تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ مَائِلَةً إلَى الْيَمِينِ وَلِكُلِّ نَجْمٍ مِنْ الشَّامِيَّةِ رَقِيبٌ مِنْ الْيَمَانِيَّةِ، إذَا طَلَعَ أَحَدُهُمَا غَابَ رَقِيبُهُ. ثُمَّ يَنْتَقِلُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ إلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي يَلِيهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] ، وَالشَّمْسُ تَنْزِلُ بِكُلِّ مَنْزِلٍ مِنْهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَيَكُونُ عَوْدُهَا إلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي نَزَلَتْ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 عِنْدَ تَمَامِ حَوْلٍ كَامِلٍ مِنْ أَحْوَالِ السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ (وَالْهِلَالُ) يَبْدُو (عَنْ يَمْنَتِهِ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي (عِنْدَ غُرُوبِ شَمْسِ) أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ إلَى ثَلَاثَةٍ (وَفِي ثَامِنِ لَيْلَةٍ) مِنْ الشَّهْرِ يَكُونُ (عِنْدَ غُرُوبِ شَمْسٍ عَلَى قِبْلَتِهِ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي (وَفِي) لَيْلَةٍ (عَاشِرَةٍ) يَكُونُ (عَلَى سَمْتِ قِبْلَتِهِ) وَقْتَ الْعِشَاءِ، (بَعْدَ مَغِيبِ شَفَقٍ) أَحْمَرَ. (وَفِي) لَيْلَةِ (ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ) يَكُونُ (عَلَى سَمْتِهَا وَقْتَ طُلُوعِ فَجْرٍ) تَقْرِيبًا فِيهِنَّ بِالشَّامِ. وَالشَّمْسُ تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ، وَتَغْرُبُ فِي الْمَغْرِبِ، وَتَخْتَلِفُ مَطَالِعُهَا وَمَغَارِبُهَا. وَتَكُونُ فِي الشِّتَاءِ فِي حَالِ تَوَسُّطِهَا فِي قِبْلَةِ الْمُصَلِّي، وَفِي الصَّيْفِ مُحَاذِيَةً لِقِبْلَتِهِ. (وَمِنْهَا) ، أَيْ: الْأَدِلَّةِ، (الرِّيَاحُ. وَيَعْسُرُ اسْتِدْلَالٌ بِهَا، بِصَحَارِي، وَبَيْنَ جِبَالٍ، وَبُنْيَانٍ، تَدُورُ فَتَخْتَلِفُ، وَتَبْطُلُ) دَلَالَتُهَا، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الِاسْتِدْلَال بِهَا ضَعِيفٌ. انْتَهَى. (وَأُصُولُهَا) أَيْ: الرِّيَاحِ، (أَرْبَعٌ: الْجَنُوبُ، تَهُبُّ بِقِبْلَةِ شَامٍ مِنْ مَطْلَعِ سُهَيْلٍ لِمَطْلَعِ شَمْسٍ بِشِتَاءٍ) ، أَيْ: فِي زَمَنِهِ، (وَ) تَهُبُّ (بِعِرَاقٍ لِبَطْنِ كَتِفِ مُصَلٍّ يُسْرَى مَارَّةً لِيَمِينِهِ. وَالشَّمَالُ مُقَابِلَتُهَا: تَهُبُّ مِنْ قُطْبٍ لِمَغْرِبِ شَمْسٍ بِصَيْفٍ. وَ) رِيحُ (الصَّبَا، وَتُسَمَّى: الْقَبُولَ) ، تَهُبُّ (مِنْ يَسْرَةِ مُصَلٍّ بِشَامٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَطْلَعِ شَمْسٍ صَيْفًا لِمَطْلَعِ: عَيُّوقَ. وَ) تَهُبُّ (بِعِرَاقٍ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُسْرَى مَارَّةً لِيَمِينِهِ وَالدَّبُورُ مُقَابِلَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَهُبُّ) بِالشَّامِ، (بَيْنَ قِبْلَةٍ وَمَغْرِبٍ، وَ) تَهُبُّ (بِالْعِرَاقِ مُسْتَقْبِلَةً شَطْرَ وَجْهِ الْمُصَلِّي الْأَيْمَنِ) . وَبَيْنَ كُلِّ رِيحَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَاتِ رِيحٌ تُسَمَّى النَّكْبَاءَ لِتَنَكُّبِهَا طَرِيقَ الرِّيَاحِ الْمَعْرُوفَةِ. وَلِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ صِفَاتٌ وَخَوَاصُّ، تُمَيِّزُ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ عِنْدَ ذَوِي الْخِبْرَةِ بِهَا. (وَمِنْهَا) أَيْ: الْأَدِلَّةِ، (الْجِبَالُ الْكِبَارُ، فَكُلُّهَا مُمْتَدَّةٌ عَنْ يَمْنَةِ مُصَلٍّ لِيَسْرَتِهِ. وَدَلَالَتُهَا قَوِيَّةٌ) تُدْرَكُ بِالْحِسِّ، (لَكِنَّهَا تَضْعُفُ مِنْ حَيْثُ اشْتِبَاهٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 عَلَى مُصَلٍّ. هَلْ يَجْعَلُ مُمْتَدَّهَا خَلْفَهُ أَوْ قُدَّامَهُ؟) وَالِاشْتِبَاهُ عَلَى جِهَتَيْنِ. هَذَا (إذَا لَمْ يَعْرِفْ وَجْهَ الْجَبَلِ) . فَإِنْ عَرَفَهُ. اسْتَقْبَلَهُ (فَإِنَّ وُجُوهَهَا) أَيْ: الْجِبَالِ (لِلْقِبْلَةِ) وَهُوَ مَا فِيهِ مُصْعَده. (كَذَا) قَالَهُ (فِي " الْخُلَاصَةِ ") فَهَذَا أَصَحُّ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْقِبْلَةِ. (وَمِنْهَا) أَيْ: الْأَدِلَّةِ (الْأَنْهَارُ الْكِبَارُ) ، فَلَا اعْتِبَارَ بِالْأَنْهَارِ الْمُحْدَثَةِ فَإِنَّهَا تُحْدَثُ بِحَسَبِ الْحَاجَاتِ إلَى الْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلَا بِالسَّوَاقِي وَالْأَنْهَارِ الصِّغَارِ، فَإِنَّهَا لَا ضَابِطَ لَهَا. وَالْأَنْهَارُ الْكِبَارُ (كَدِجْلَةَ، وَالْفُرَاتِ وَالنَّهْرَوَانِ) ، وَهُوَ جَيْحُونُ، (وَغَيْرُهَا) كَالنِّيلِ؛ (فَتَجْرِي) هَذِهِ الْأَنْهَارُ (عَنْ يَمْنَةِ مُصَلٍّ لِيَسْرَتِهِ، إلَّا نَهْرًا بِخُرَاسَانَ وَهُوَ الْمَقْلُوبُ) . وَيُسَمَّى سَيَحُونَ، (وَإِلَّا نَهَرَ الْعَاصِي بِالشَّامِ فَيَجْرِيَانِ مِنْ يَسْرَتِهِ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي (لِيَمْنَتِهِ) . قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ لَا يَنْضَبِطُ بِضَابِطٍ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَنْهَارِ الشَّامِ تَجْرِي عَلَى غَيْرِ السَّمْتِ الَّذِي ذَكَرُوهُ. فَالْأُرْدُنُّ يَجْرِي نَحْوَ الْقِبْلَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا يَجْرِي نَحْوَ الْبَحْرِ، حَيْثُ كَانَ مِنْهَا، حَتَّى يَصُبَّ فِيهِ. وَإِنْ اخْتَصَّتْ الدَّلَالَةُ بِمَا ذَكَرَهُ، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي الشَّامِ " سِوَى الْعَاصِي، وَالْفُرَاتِ حَدِّ الشَّامِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْأَنْهَارِ فَرْعٌ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْجِبَالِ، فَإِنَّهَا تَجْرِي فِي الْخِلَالِ الَّتِي بَيْنَ الْجِبَالِ مُمْتَدَّةً مَعَ امْتِدَادِهَا. [فَصْلٌ لَا يَتْبَعُ مُجْتَهِدٌ مُجْتَهِدًا خَالَفَهُ فِي معرفة الْقِبْلَة] (فَصْلٌ) (وَلَا يَتْبَعُ مُجْتَهِدٌ مُجْتَهِدًا خَالَفَهُ) ، بِأَنْ ظَهَرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا جِهَةٌ غَيْرٌ الَّتِي ظَهَرَتْ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُعْتَقِدٌ خَطَأَ الْآخَرِ، فَأَشْبَهَا الْمُجْتَهِدَيْنِ فِي الْحَادِثَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِيهَا. وَالْمُجْتَهِدُ هُنَا: الْعَالِمُ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ جَهِلَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ. (يَقْتَدِي) أَيْ: لَا يَأْتَمُّ مُجْتَهِدٌ (بِهِ) أَيْ: بِمُجْتَهِدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 خَالَفَهُ جِهَةً، كَمَا لَوْ خَرَجَتْ رِيحٌ مِنْ أَحَدِ اثْنَيْنِ وَاعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْآخَرِ، (إلَّا إنْ اتَّفَقَا عَلَى جِهَةٍ) وَاحِدَةٍ. (وَلَا يَضُرُّ) بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا (انْحِرَافُ وَاحِدٍ يَمِينًا وَآخَرَ شِمَالًا) ، لِاتِّفَاقِ اجْتِهَادِهِمَا فِي الْجِهَةِ. وَالْوَاجِبُ الِاجْتِهَادُ إلَى الْجِهَةِ، وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَهَذَا الِانْحِرَافُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. (فَإِنْ اتَّفَقَا) عَلَى جِهَةٍ، وَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ (فَبَانَ يَقِينًا) ، لَا إنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ جِهَةٌ أُخْرَى، فَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ، وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى ذَلِكَ الشَّكِّ أَوْ الظَّنِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِي غَلَبَةَ الظَّنِّ الَّتِي دَخَلَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ. (لِأَحَدِهِمَا) : مُتَعَلِّقٌ بِبَانٍ (الْخَطَأَ) : فَاعِلُ بَانَ، فِي اجْتِهَادِهِ وَهُوَ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ، (انْحَرَفَ) إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَرَجَّحَتْ فِي ظَنِّهِ، فَتَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ. (وَأَتَمَّ) صَلَاتَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَنْقُضُ الِاجْتِهَادَ. وَيَتْبَعُهُ مُقَلِّدُهُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي بَانَتْ لَهُ وُجُوبًا؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ. (وَيَنْوِي مُؤْتَمٌّ مِنْهُمَا الْمُفَارَقَةَ) لِإِمَامِهِ لِلْعُذْرِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ اقْتِدَائِهِ بِهِ. (وَكَذَا إمَامٌ بَقِيَ مُنْفَرِدًا) فَيُتِمُّهَا لِنَفْسِهِ. (وَيَتْبَعُ وُجُوبًا جَاهِلٌ) بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ، عَاجِزٌ عَنْ تَعَلُّمِهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ (الْأَوْثَقَ) عِنْدَهُ. (وَ) وَيَتْبَعُ وُجُوبًا (أَعْمَى لَا يُمْكِنُهُ اجْتِهَادٌ. الْأَوْثَقَ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ (عِنْدَهُ) . لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إصَابَةً فِي نَظَرِهِ. وَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مُتَابَعَتِهِ، بِخِلَافِ تَكْلِيفِ الْعَامِّيِّ تَقْلِيدَ الْأَعْلَمِ فِي الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ فِيهِ حَرَجًا وَتَضْيِيقًا، ثُمَّ مَا زَالَ عَوَامُّ كُلِّ عَصْرٍ يُقَلِّدُ أَحَدُهُمْ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ فِي مَسْأَلَةٍ، وَلِآخَرَ فِي أُخْرَى، وَالثَّالِثُ فِي ثَالِثَةٍ، وَكَذَلِكَ إلَى مَا لَا يُحْصَى. وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَلَا أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِتَحَرِّي الْأَعْلَمِ وَالْأَفْضَلِ. فِي نَظَرِهِمْ. تَتِمَّةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقَةٍ لَهُ: اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى مَنْعِ جَوَازِ التَّقْلِيدِ، حَيْثُ أَدَّى إلَى التَّلْفِيقِ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ،؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كُلٌّ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ أَوْ الْمَذَاهِبِ يَرَى الْبُطْلَانَ، كَمَنْ تَوَضَّأَ مَثَلًا وَمَسَحَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 شَعْرَةً مِنْ رَأْسِهِ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ، ثُمَّ لَمَسَ ذَكَرَهُ بِيَدِهِ مُقَلِّدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، فَلَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ حِينَئِذٍ. وَكَذَا لَوْ مَسَحَ شَعْرَةً، وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ مُقَلِّدًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، أَوْ افْتَصَدَ مُخَالِفًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ يَقْرَأْ مُقَلِّدًا لَهُمْ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا مِنْ حَيْثُ الْعَقْلِ، وَالتَّعْلِيلُ فِيهِ وَاضِحٌ، لَكِنَّهُ فِيهِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ خُصُوصًا عَلَى الْعَوَامّ، الَّذِي نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مَذْهَبٌ مُعَيَّنٌ. وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: لَا يَلْزَمُ الْعَامِّيَّ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، كَمَا لَمْ يَلْزَمْ فِي عَصْرِ أَوَائِلِ الْأُمَّةِ. وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ وَأَخْتَارُهُ: الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي التَّلْفِيقِ، لَا بِقَصْدِ تَتَبُّعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصَ فَسَقَ، بَلْ حَيْثُ وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا، خُصُوصًا مِنْ الْعَوَامّ الَّذِينَ لَا يَسْعُهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ. فَلَوْ تَوَضَّأَ شَخْصٌ، وَمَسَحَ جُزْءًا مِنْ رَأْسِهِ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ، فَوُضُوءُهُ صَحِيحٌ بِلَا رَيْبٍ. فَلَوْ لَمَسَ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُقَلِّدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُضُوءَ هَذَا الْمُقَلِّدِ صَحِيحٌ، وَلَمْسَ الْفَرْجِ غَيْرُ نَاقِضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِذَا قَلَّدَهُ فِي عَدَمِ نَقْضِ مَا هُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، اسْتَمَرَّ الْوُضُوءُ عَلَى حَالِهِ بِتَقْلِيدِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا هُوَ فَائِدَةُ التَّقْلِيدِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَالُ: الشَّافِعِيُّ يَرَى بُطْلَانَ هَذَا الْوُضُوءِ بِسَبَبِ مَسِّ الْفَرْجِ، وَالْحَنَفِيُّ يَرَى الْبُطْلَانَ لِعَدَمِ مَسْحِ رُبْعِ الرَّأْسِ فَأَكْثَرَ،؛ لِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ مُنْفَصِلَتَانِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ قَدْ تَمَّ صَحِيحًا بِتَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ، وَيَسْتَمِرُّ صَحِيحًا بَعْدَ اللَّمْسِ بِتَقْلِيدِ الْحَنَفِيِّ، فَالتَّقْلِيدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِمْرَارِ الصِّحَّةِ لَا فِي ابْتِدَائِهَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ مِمَّنْ يَقُولُ بِصِحَّةِ وُضُوءِ هَذَا الْمُقَلِّدِ قَطْعًا، فَقَدْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ فِيمَا هُوَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ. وَكَذَا لَوْ قَلَّدَ الْعَامِّيُّ مَالِكًا وَأَحْمَدَ فِي طَهَارَةِ بَوْلِ وَرَوْثِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَكَانَ قَدْ تَرَكَ التَّدْلِيكَ فِي وُضُوئِهِ الْوَاجِبَ عِنْدَ مَالِكٍ أَوْ مَسَحَ جَمِيعَ الرَّأْسِ مَعَ الْأُذُنَيْنِ الْوَاجِبَ عِنْدَ أَحْمَدَ،؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ صَحِيحٌ عِنْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالتَّقْلِيدُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَالرَّوْثُ الْمَذْكُورُ طَاهِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَذَلِكَ فِي الْجَوَازِ نَظِيرُ مَا لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، غَايَةَ مَا هُنَاكَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ مِنْ حَيْثُ لَا يَسُوغُ لِلْمُخَالِفِ نَقْضُهُ سَدًّا لِلنِّزَاعِ، وَقَطْعًا لِلْخُصُومَاتِ. وَهُنَا التَّقْلِيدُ نَافِعٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، مُنَجٍّ لِصَاحِبِهِ، وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُ هَذَا. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّلْفِيقَ كَمَا يَتَأَتَّى فِي الْعِبَادَاتِ، كَذَلِكَ يَتَأَتَّى فِي غَيْرِهَا، فَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَكَانًا مَوْقُوفًا تِسْعِينَ سَنَةً مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ، مُقَلَّدًا فِي الْمُدَّةِ لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَفِي عَدَمِ الرُّؤْيَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذَا مِنْ حَيْثُ التَّقْلِيدِ الْمُنْجِي لِصَاحِبِهِ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ النِّزَاعِ، فَالْأَمْرُ بِحَالِهِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْأَمْرَ لَوْ رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ يَرَى الْبُطْلَانَ، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِذَلِكَ فِي مَذْهَبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ الْحُكْمَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. ثُمَّ قَالَ: فَتَدَبَّرْ مَا قُلْتُهُ فَإِنَّهُ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَيُخَيَّرُ) جَاهِلٌ وَأَعْمَى وُجِدَا مُجْتَهِدَيْنِ فَأَكْثَرَ (مَعَ تَسَاوٍ عِنْدَهُ) ، بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَفْضَلِيَّةُ وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَتْبَعُ أَيَّهُمَا شَاءَ (كَ) مَا يُخَيَّرُ (عَامِّيٌّ فِي الْفُتْيَا) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ) عَجَزَ عَنْ الِاجْتِهَادِ، (وَقَلَّدَ اثْنَيْنِ) مُجْتَهِدَيْنِ، (لَمْ يَرْجِعْ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا) عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي اتَّفَقَا عَلَيْهَا أَوَّلًا. (وَإِنْ صَلَّى بَصِيرٌ حَضَرًا فَأَخْطَأَ، أَوْ) صَلَّى (أَعْمَى مُطْلَقًا) حَضَرًا كَانَ أَوْ سَفَرًا (بِلَا دَلِيلٍ، أَعَادَا) ، أَيْ: الْبَصِيرُ الْمُخْطِئُ وَلَوْ اجْتَهَدَ، وَالْأَعْمَى وَلَوْ لَمْ يُخْطِئْ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّ الْحَضَرَ لَيْسَ مَحِلًّا لِلِاجْتِهَادِ؛ لِقُدْرَةِ مَنْ فِيهِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَحَارِيبِ وَنَحْوِهَا، لِوُجُودِ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ غَالِبًا. وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِمَا لِتَفْرِيطِهِمَا بِعَدَمِ الِاسْتِخْبَارِ أَوْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَحَارِيبِ، كَمَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. (وَ) إنْ صَلَّى الْأَعْمَى (بِدَلِيلٍ، كَلَمْسِ مِحْرَابٍ، وَبَابِ مَسْجِدٍ، فَلَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 إعَادَةَ عَلَيْهِ (إنْ أَصَابَ) . وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِلَا دَلِيلٍ وَلَا مُخْبِرٍ، يُعِيدُ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ، أَوْ الِاسْتِدْلَال، وَلَمْ يَفْعَلْ وَاحِدًا مِنْهُمَا. (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِمُجْتَهِدٍ جِهَةٌ) فِي السَّفَرِ، بِأَنْ تَعَادَلَتْ عِنْدَهُ الْأَمَارَاتُ، وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ مِنْ الِاجْتِهَادِ رَمَدٌ وَنَحْوُهُ، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَلَا إعَادَةَ، لِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ حِيَالَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَنَزَلَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] » رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَلِأَنَّ خَفَاءَ الْقِبْلَةِ فِي الْأَسْفَارِ لِوُجُودِ نَحْوِ غَيْمٍ يَكْثُرُ، فَيَشُقُّ إيجَابُ الْإِعَادَةِ. (أَوْ لَمْ يَجِدْ أَعْمَى) مَنْ يُقَلِّدُهُ، (أَوْ) لَمْ يَجِدْ (جَاهِلٌ) بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ مَنْ يُقَلِّدُهُ، (أَوْ) لَمْ يَجِدْ (مَحْبُوسٌ مَنْ يُقَلِّدُهُ، فَتَحَرَّوْا) وَصَلَّوْا، فَلَا إعَادَةَ لِإِتْيَانِهِمْ بِمَا أُمِرُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، فَسَقَطَتْ عَنْهُمْ الْإِعَادَةُ كَالْعَاجِزِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ. (أَوْ أَخْطَأَ مُجْتَهِدٌ) فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. (أَوْ قَلَّدَ) جَاهِلٌ مُجْتَهِدًا (فَأَخْطَأَ مُقَلَّدُهُ) : بِفَتْحِ اللَّامِ، (سَفَرًا) فَصَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، (فَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ قَلَّدَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَضَرًا، وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ،؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلِاجْتِهَادِ. (وَيَجِبُ) عَلَى عَالِمٍ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ (تَحَرٍّ لِكُلِّ صَلَاةٍ) مَفْرُوضَةٍ دَخَلَ وَقْتُهَا؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ، فَتَسْتَدْعِي طَلَبًا جَدِيدًا. وَهَذَا فِي الْمُجْتَهِدِ. وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُجَدِّدَ تَقْلِيدًا لِكُلِّ صَلَاةٍ (كَحَادِثَةٍ فِي فُتْيَا) لِمُفْتٍ وَمُسْتَفْتٍ، وَكَطَلَبِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ. (فَإِنْ تَغَيَّرَ) اجْتِهَادُهُ (وَلَوْ فِيهَا) ، أَيْ: فِي الصَّلَاةِ، (عَمِلَ) بِاجْتِهَادٍ (ثَانٍ) لِتَرَجُّحِهِ فِي ظَنِّهِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَيَسْتَدِيرُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا ثَانِيًا، (وَبَنَى) عَلَى مَا عَمِلَ بِالْأَوَّلِ نَصًّا، لَمْ يُعِدْ مَا صَلَّاهُ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 لِئَلَّا يُنْقَضَ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ. وَالْعَمَلُ بِالثَّانِي لَيْسَ نَقْضًا لِلْأَوَّلِ، بَلْ لَمَّا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِهَا. وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ، لَمَّا قَضَى فِي الْمُشْرِكَةِ فِي الْعَامِ الثَّانِي بِخِلَافِ مَا قَضَى بِهِ فِي الْأَوَّلِ: ذَلِكَ عَلَى مَا قَضَيْنَاهُ، وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي. (وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ (فَقَطْ) ، بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ جِهَةُ الْقِبْلَةِ، (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ جِهَةٌ يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا، فَتَعَذَّرَ إتْمَامُهَا. (وَمَنْ أُخْبِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (فِيهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (بِخَطَأٍ) لِلْقِبْلَةِ، وَكَانَ الْإِخْبَارُ (يَقِينًا لَا ظَنًّا) ، وَالْمُخْبِرُ ثِقَةً، (لَزِمَ قَبُولُهُ) ، أَيْ: الْخَبَرِ، فَيَعْمَلُ بِهِ، وَيَتْرُكُ الِاجْتِهَادَ، كَمَا لَوْ أُخْبِرَ قَبْلَهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ تَيَقَّنَ خَطَأَ نَفْسِهِ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ يَقِينًا تَرَكَ اجْتِهَادَهُ، (وَيَسْتَأْنِفُ) الصَّلَاةَ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ انْعِقَادِهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [بَابُ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاة وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] (بَابُ النِّيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا) وَهِيَ: الشَّرْطُ التَّاسِعُ، وَبِهَا تَمَّتْ شُرُوطُ الصَّلَاةِ. وَهِيَ لُغَةً: الْقَصْدُ، يُقَالُ: نَوَاك اللَّهُ بِخَيْرٍ، أَيْ: قَصَدَكَ بِهِ. وَ (حَقِيقَتُهَا) شَرْعًا: (الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ) مِنْ عِبَادَةٍ، وَغَيْرِهَا. (وَيُزَادُ فِي حَدِّ) نِيَّةِ (عِبَادَةٍ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى) بِأَنْ يَقْصِدَ بِعَمَلِهِ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ شَيْءٍ آخَرَ، مِنْ تَصَنُّعٍ لِمَخْلُوقٍ، أَوْ اكْتِسَابِ مَحْمَدَةٍ عِنْدَ النَّاسِ، أَوْ مَحَبَّةِ مَدْحٍ مِنْهُمْ، أَوْ نَحْوِهِ. وَهَذَا هُوَ الْإِخْلَاصُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ تَصْفِيَةُ الْفِعْلِ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْمَخْلُوقِينَ وَقَالَ آخَرُ: هُوَ التَّوَقِّي عَنْ مُلَاحَظَةِ الْأَشْخَاصِ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ. وَقَالَ آخَرُ: هُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفِعْلِ لِدَاعِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 مِنْ الدَّوَاعِي تَأْثِيرٌ فِي الدُّعَاءِ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ. وَفِي الْخَبَرِ: «الْإِخْلَاصُ سِرٌّ مِنْ سِرِّي أَسْتَوْدِعُهُ قَلْبَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ مِنْ عِبَادِي» . وَدَرَجَاتُ الْإِخْلَاصِ ثَلَاثَةٌ: عُلْيَا: وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ، وَقِيَامًا بِحَقِّ عُبُودِيَّتِهِ. وَوُسْطَى: أَنْ يَعْمَلَ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ. وَدُنْيَا: وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ لِلْإِكْرَامِ فِي الدُّنْيَا، وَالسَّلَامَةِ مِنْ آفَاتِهَا. وَمَا عَدَا الثَّلَاثِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ أَفْرَادُهُ، وَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: الْعِبَادَةُ مَا وَجَبَتْ لِكَوْنِهَا مُفْضِيَةً إلَى ثَوَابِ الْجَنَّةِ، أَوْ إلَى الْبُعْدِ مِنْ عِقَابِ النَّارِ، بَلْ لِأَجْلِ أَنَّكَ عَبْدٌ وَهُوَ رَبٌّ هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الشَّمْسِ العلقمي فِي حَاشِيَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ". (وَهِيَ) أَيْ: النِّيَّةُ (شَرْطٌ) لِلصَّلَاةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَهُوَ مَحْضُ النِّيَّةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْصِدَ بِعَمَلِهِ أَنَّهُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَلِقَوْلِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ؛ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ، فَاشْتُرِطَتْ لَهَا النِّيَّةُ. (لَا رُكْنٌ) أَيْ: لَيْسَتْ النِّيَّةُ رُكْنًا خِلَافًا لِلْقَاضِي وَغَيْرِهِ. (وَلَوْ) قِيلَ: إنَّ النِّيَّةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ شَرْطٌ، وَ (دَاخِلَهَا) رُكْنٌ، كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ، لَلَزِمَ أَنْ يَقُولَ فِي بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ كَذَلِكَ، وَلَا قَائِلَ بِهِ. (وَلَا تَسْقُطُ) النِّيَّةُ (بِحَالٍ) ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ، فَلَا يَتَأَتَّى الْعَجْزُ عَنْهَا (كَإِسْلَامٍ، وَعَقْلٍ، وَتَمْيِيزٍ وَدُخُولِ وَقْتٍ) ، فَلَا تَصِحُّ بِدُونِهَا (وَشَرْطُ صِحَّتِهَا إسْلَامٌ، وَعَقْلٌ وَتَمْيِيزٌ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَمَجْنُونٍ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ وَتَقَدَّمَ. (وَ) شَرْطُ صِحَّتِهَا أَيْضًا (عِلْمٌ بِمَنْوِيٍّ) ، قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": النِّيَّةُ تَتْبَعُ الْعِلْمَ، فَمَنْ عَلِمَ مَا يُرِيدُ فِعْلَهُ، قَصَدَهُ ضَرُورَةً. وَيَحْرُمُ خُرُوجُهُ لِشَكِّهِ فِي النِّيَّةِ، لِعِلْمِهِ أَنَّهُ مَا دَخَلَ إلَّا بِهَا (وَمَحَلُّهَا) أَيْ: النِّيَّةِ: (الْقَلْبُ) وُجُوبًا، وَاللِّسَانُ اسْتِحْبَابًا. (وَزَمَنُهَا أَوَّلُ عِبَادَةٍ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 قُبَيْلَهُ بِيَسِيرٍ) وَكَيْفِيَّتُهَا: الِاعْتِقَادُ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا. وَلَا يَضُرُّ سَبْقُ لِسَانِهِ بِغَيْرِ قَصْدِهِ، وَتَلَفُّظٌ بِمَا نَوَاهُ تَأْكِيدٌ (سِوَى صَوْمٍ) ، فَتَصِحُّ نِيَّةٌ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَيَأْتِي. (وَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا) ، أَيْ: صِحَّةَ الصَّلَاةِ (بَعْدَ إتْيَانٍ بِهَا) أَيْ: بِنِيَّةٍ (مُعْتَبَرَةٍ، قَصَدَ تَعْلِيمَهَا) ، أَيْ: تَعْلِيمَ الصَّلَاةِ، لِفِعْلِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَغَيْرِهِ، (أَوْ) قَصَدَ (خَلَاصًا مِنْ خَصْمٍ، أَوْ إدْمَانِ سَهَرٍ) . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": كَذَا وَجَدْتُ ابْنَ الصَّيْرَفِيِّ نَقَلَهُ. (وَيُنْقَصُ أَجْرُ) قَاصِدِ ذَلِكَ (كَنِيَّةِ هَضْمِ طَعَامٍ مَعَ صَوْمٍ) . ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. (وَ) مِثْلُهُ (رُؤْيَةُ بِلَادٍ) نَائِيَةٍ مَعَ حَجٍّ. (أَوْ) قَصْدُ (مَتْجَرٍ مَعَ حَجٍّ) ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مَا يَلْزَمُ ضَرُورَةً. (وَ) كَذَا قَصْدُ (تَبَرُّدٍ وَنَظَافَةٍ مَعَ وُضُوءٍ) ، وَتَقَدَّمَ. (وَإِنْ تَمَحَّضَتْ) الْعِبَادَةُ (لِذَلِكَ) الْمَذْكُورِ، مِنْ تَعْلِيمِهِ، أَوْ خَلَاصٍ مِنْ خَصْمٍ، وَنَحْوِهِ، (فَعِبَادَةٌ بَاطِلَةٌ كَقَصْدِ رِيَاءٍ، وَيَأْثَمُ) فَاعِلُهَا كَذَلِكَ، لِتَلَبُّسِهِ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ. (قَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ) : الرِّيَاءُ الْمَحْضُ لَا يَكَادُ يَصْدُرُ مِنْ مُؤْمِنٍ فِي فَرْضِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ، وَقَدْ يَصْدُرُ فِي نَحْوِ صَدَقَةٍ وَحَجٍّ، وَهَذَا الْعَمَلُ لَا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أَنَّهُ حَابِطٌ. وَتَارَةً تَكُونُ الْعِبَادَةُ لِلَّهِ، وَيُشَارِكُهَا الرِّيَاءُ. (فَإِنْ شَارَكَ الرِّيَاءُ الْعَمَلَ مِنْ أَصْلِهِ، فَالنُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ) تَدُلُّ عَلَى (بُطْلَانِهِ) ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. (وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، ثُمَّ) بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ (طَرَأَ عَلَيْهِ خَاطِرُ الرِّيَاءِ وَدَفَعَهُ، لَمْ يَضُرَّ) فِي عِبَادَتِهِ، وَيُتِمُّهَا صَحِيحَةً (بِلَا خِلَافٍ) بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ. (وَإِنْ اسْتَرْسَلَ) خَاطِرُ الرِّيَاءِ (مَعَهُ فَ) هَلْ يَحْبَطُ بِهِ عَمَلُهُ أَوْ لَا يَضُرُّهُ، فِي ذَلِكَ (خِلَافٌ) بَيْنَ السَّلَفِ حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. (وَرَجَّحَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَنَّ عَمَلَهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ) لِبِنَاءِ عِبَادَتِهِ عَلَى أَصْلٍ صَحِيحٍ، فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ طُرُوءُ ذَلِكَ الْخَاطِرِ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 (وَذَكَرَ غَيْرُهُ) ، أَيْ: غَيْرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: (لَا إثْمَ فِي) عَمَلٍ (مَشُوبٍ بِرِيَاءٍ، إذَا غَلَبَ قَصْدُ الطَّاعَةِ) ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ. (وَعَكْسُهُ) بِأَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ قَصْدُ الرِّيَاءِ: (يَأْثَمُ) لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ. (فَإِنْ تَسَاوَى الْبَاعِثَانِ، فَلَا) ثَوَابَ (لَهُ، وَلَا) إثْمَ (عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 102] . (وَلَا تُتْرَكُ عِبَادَةٌ خَوْفَ) نِسْبَةٍ إلَى (رِيَاءٍ) إذَا أُصْلِحَتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا لِأَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ كَمَا أَنَّ فِعْلَهَا لِأَجْلِهِمْ رِيَاءٌ. (وَنَرْجُو الثَّوَابَ لِمَنْ تَلَا) الْقُرْآنَ وَنَحْوَهُ (بِلَا نِيَّةٍ) خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي أَدْهَشَتْ نَوَائِبُهَا الْعُقُولَ. (وَفِي " الْمُبْدِعِ ": لَا ثَوَابَ فِي غَيْرِ مَنْوِيٍّ بِالْإِجْمَاعِ) مَعَ أَنَّ اخْتِيَارَ جَمَاعَةٍ خِلَافُهُ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِفَضْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَإِنَّهُ وَعَدَ أَنْ لَا يُضِيعَ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا. (وَالْأَفْضَلُ قَرْنُهَا) ، أَيْ: النِّيَّةِ (بِأَوَّلِ عِبَادَةٍ فَهُنَا) ، أَيْ: فِي الصَّلَاةِ، الْأَفْضَلُ قَرْنُهَا (بِتَكْبِيرِ) إحْرَامٍ لِتَقَارُنِ الْعِبَادَةَ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (فَإِنْ تَقَدَّمَتْهُ) ، أَيْ: تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ التَّكْبِيرَ (بِ) زَمَنٍ (يَسِيرٍ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ أَدَاءِ) مَكْتُوبَةٍ (وَرَاتِبَةٍ، صَحَّتْ) الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ نِيَّةِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَنْوِيًّا كَالصَّوْمِ، وَكَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ؛ وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْمُقَارَنَةِ حَرَجًا، وَمَشَقَّةً، فَوَجَبَ سُقُوطُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . فَإِنْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ الْوَقْتَ، لَمْ تُعْتَبَرْ لِلِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهَا رُكْنًا، وَهُوَ لَا يَتَقَدَّمُ الْوَقْتَ كَبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ وَمَحَلُّ صِحَّةِ النِّيَّةِ فِي الْوَقْتِ (مَا لَمْ يَفْسَخْهَا، أَوْ) مَا لَمْ (يَرْتَدَّ) فَإِنْ فَسَخَهَا، أَوْ ارْتَدَّ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. (وَيَجِبُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا) ، أَيْ: النِّيَّةِ (لِآخِرِ عِبَادَةٍ) ، بِأَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا دُونَ ذِكْرِهَا. فَلَوْ ذُهِلَ عَنْهَا، أَوْ عَزَبَتْ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَكَالصَّوْمِ. وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ " عَنْ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ حُصَاصٌ فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يُخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا، اُذْكُرْ كَذَا، حَتَّى يَضِلَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى» وَإِنْ أَمْكَنَهُ اسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا، فَهُوَ أَفْضَلُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ " وَالْحُصَاصُ، بِضَمِّ الْحَاءِ: شِدَّةُ الْعَدْوِ. (فَتَبْطُلُ) النِّيَّةُ أَوْ الصَّلَاةُ (بِفَسْخِ) النِّيَّةِ (فِي صَلَاةٍ) قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِهَا. كَذَلِكَ فَإِنَّ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِهَا، وَقَدْ قَطَعَهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِمَحْظُورَاتِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ فَسَخَهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، لَمْ تَبْطُلْ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِتَرَدُّدٍ فِيهِ) ، أَيْ: الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ اسْتِدَامَتَهَا، فَهُوَ كَقَطْعِهَا. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِعَزْمٍ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْفَسْخِ، (وَلَوْ) كَانَ الْعَزْمُ عَلَى الْفَسْخِ (مُعَلَّقًا) عَلَى حُدُوثِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَزْمٌ جَازِمٌ، وَمَعَ الْعَزْمِ عَلَى فَسْخِهَا، أَوْ تَعْلِيقِهَا عَلَى شَرْطٍ، لَا جَزْمٍ. (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا وُضُوءٌ) فَيَبْطُلُ بِالتَّرَدُّدِ فِي فَسْخِ نِيَّتِهِ فِي أَثْنَائِهِ، وَبِالْعَزْمِ عَلَيْهِ، مُنْجَزًا كَانَ أَوْ مُعَلَّقًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) تَبْطُلُ النِّيَّةُ (بِشَكِّهِ) أَيْ: الْمُصَلِّي، (هَلْ نَوَى) الصَّلَاةَ، (أَوْ كَبَّرَ) لَهَا؟ فَعَمِلَ مَعَهُ عَمَلًا. (أَوْ) شَكَّهُ: هَلْ (عَيَّنَ) ظُهْرًا، أَوْ عَصْرًا أَوْ مَغْرِبًا، أَوْ عِشَاءً، (فَعَمِلَ مَعَ) شَكِّهِ (عَمَلًا) فَإِنْ كَانَ قَوْلِيًّا (كَقِرَاءَةٍ) ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ نَوَى أَوْ عَيَّنَ، لَمْ تَبْطُلْ، كَتَعَمُّدِ زِيَادَتِهِ، وَلَا يَعْتَدُّ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 قَالَهُ الْمَجْدُ. وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَحِينَئِذٍ فَيُتِمُّهَا نَفْلًا (وَ) إنْ عَمِلَ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا فِعْلِيًّا (كَرُكُوعٍ ثُمَّ ذَكَرَ) أَنَّهُ كَانَ نَوَى أَوْ عَيَّنَ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ مَا عَمِلَهُ خَلَا عَنْ نِيَّةٍ جَازِمَةٍ، فَهُوَ كَتَعَمُّدِهِ عَمَلًا فِي غَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 مَوْضِعِهِ. (وَ) إنْ شَكَّ (أَنَوَى الصَّلَاةَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا؟ وَلَمْ يَعْمَلْ) عَمَلًا مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ (أَتَمَّ) ذَلِكَ (فَرْضًا) . إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِهَا عَنْ النِّيَّةِ الْجَازِمَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ عَمِلَ عَمَلًا مِنْ أَعْمَالِهَا، (فَ) يُتِمُّهَا (نَفْلًا) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى فِيهَا بِمَا يُفْسِدُ الْفَرْضَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ، فَيُتِمُّهَا نَفْلًا لِخُلُوِّ مَا عَمِلَهُ عَنْ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ الْجَازِمَةِ. وَ (لَا) تَبْطُلُ النِّيَّةُ (بِعَزْمٍ عَلَى) فِعْلِ (مَحْظُورٍ) فِي الصَّلَاةِ، (كَ) مَا لَوْ عَزَمَ عَلَى (كَلَامٍ فِيهَا) وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، (أَوْ) عَزَمَ عَلَى فِعْلِ (حَدَثٍ، أَوْ) أَيْ: وَلَا بِ (نِيَّةِ قَطْعِ قِرَاءَةٍ) وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ، لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ الْجَزْمَ الْمُتَقَدِّمَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُ الْمَحْظُورَ، وَقَدْ لَا يَفْعَلُهُ، وَلَا مُنَاقِضَ لِلْحَالِ فِي النِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَتَسْتَمِرُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مُنَاقِضٌ. (وَشُرِطَ) ، بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مَعَ نِيَّةِ صَلَاةٍ) ، أَيْ: نِيَّةِ كَوْنِ الْعِبَادَةِ صَلَاةً (تَعْيِينُ مُعَيَّنَةٍ مِنْ نَحْوِ ظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ فَرْضِ عَيْنٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ) فَرْضِ (كِفَايَةٍ) . كَعِيدٍ وَجِنَازَةٍ (أَوْ رَاتِبَةٍ، أَوْ نَحْوِ وَطَرٍ) ، كَاسْتِسْقَاءٍ (وَكُسُوفٍ) ، لِتَمْتَازَ كُلٌّ عَنْ غَيْرِهَا. فَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ، وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَنْوِيهَا مِمَّا عَلَيْهِ، لَمْ تَصِحَّ. (وَإِلَّا) تَكُنْ الصَّلَاةُ مُعَيَّنَةً، بِأَنْ كَانَتْ نَفْلًا مُطْلَقًا (أَجْزَأَتْهُ نِيَّةُ صَلَاةٍ) . وَ (لَا) تُشْتَرَطُ (نِيَّةُ قَضَاءٍ فِي فَائِتَةٍ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْآخَرِ، يُقَالُ: قَضَيْتُ الدَّيْنَ، وَأَدَّيْته. وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] أَيْ: أَدَّيْتُمُوهَا؛ وَلِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ تَعْيِينُ يَوْمِهَا. بَلْ يَكْفِيهِ كَوْنُهَا السَّابِقَةَ، أَوْ الْحَاضِرَةَ فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرَانِ: فَائِتَةً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وَحَاضِرَةً، وَصَلَّاهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ شَرْطًا مِنْ إحْدَاهُمَا وَجَهِلَهَا، لَزِمَهُ ظُهْرٌ وَاحِدَةٌ، يَنْوِي بِهَا عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرَانِ فَائِتَتَانِ، اعْتَبَرَ تَعْيِينَ السَّابِقَةِ لِلتَّرْتِيبِ، بِخِلَافِ الْمَنْذُورَتَيْنِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ السَّابِقَةِ مِنْ اللَّاحِقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا. (وَ) لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ (أَدَاءٍ فِي) صَلَاةٍ (حَاضِرَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ، أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا يَنْوِيهَا أَدَاءً، فَبَانَ أَنَّ وَقْتَهَا قَدْ خَرَجَ، أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ، وَتَقَعُ قَضَاءً. وَكَذَا لَوْ نَوَاهَا قَضَاءً، فَبَانَ فِعْلُهَا فِي وَقْتِهَا وَقَعَتْ أَدَاءً. (وَ) لَا نِيَّةٌ (فَرْضِيَّةٌ) فِي صَلَاةِ (فَرْضٍ) فَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ: أُصَلِّي الظُّهْرَ فَرْضًا (وَلَا إضَافَةُ فِعْلٍ لِلَّهِ) تَعَالَى، بِأَنْ يَقُولَ: أُصَلِّي لِلَّهِ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، (بَلْ تُسْتَحَبُّ) إضَافَتُهُ لِلَّهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ. (وَلَا) يُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ أَيْضًا تَعْيِينُ (عَدَدِ رَكَعَاتٍ) بِأَنْ يَنْوِيَ الْفَجْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالظُّهْرَ أَرْبَعًا، لَكِنْ إنْ نَوَى الظُّهْرَ مَثَلًا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، لَمْ تَصِحَّ، (أَوْ) أَيْ: وَلَا تُشْتَرَطُ (نِيَّةُ اسْتِقْبَالٍ) بِأَنْ يَقُولَ: أُصَلِّي الْعَصْرَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ إعَادَةٍ فِي مُعَادَةٍ، كَمَا فِي " مُخْتَصَرِ الْمُقْنِعِ ". (وَيَصِحُّ قَضَاءٌ بِنِيَّةِ أَدَاءٍ) إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ. (وَ) يَصِحُّ (عَكْسُهُ) ، أَيْ: الْأَدَاءِ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ، (إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ) ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَ (لَا) يَصِحُّ ذَلِكَ (إنْ عَلِمَ) أَوْ قَصَدَ مَعْنَاهُ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ، (لِتَلَاعُبِهِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. (وَإِنْ أَحْرَمَ) مُصَلٍّ (بِفَرْضٍ) ، كَظُهْرٍ (فِي وَقْتِهِ الْمُتَّسِعِ لَهُ) وَلِغَيْرِهِ، (ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا) بِأَنْ فَسَخَ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ دُونَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ، (صَحَّ) ، سَوَاءٌ كَانَ صَلَّى الْأَكْثَرَ مِنْهَا، أَوْ الْأَقَلَّ. فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ فَرْضِهِ. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ قَلْبِ الْفَرْضِ نَفْلًا: (وَلَوْ) كَانَتْ صَلَاتُهُ (بِوَقْتِ نَهْيٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْتِدَاءً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 لِلصَّلَاةِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدَامَةٌ لَهَا. وَقَدْ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا. وَمُقْتَضَى " شَرْحِ الْهِدَايَةِ " عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَيَأْتِي. (أَوْ) كَانَ قَلَبَهُ نَفْلًا (لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ) ، فَيَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ، (كَ) مَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، مِثْلُ إحْرَامِ (مُنْفَرِدٍ) ، ثُمَّ (يُرِيدُ) أَنْ يُصَلِّيَ (جَمَاعَةً) ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ النَّفْلِ تَضَمَّنَتْهَا نِيَّةُ الْفَرْضِ، فَإِذَا قَطَعَ نِيَّةَ الْفَرْضِ، بَقِيَتْ نِيَّةُ النَّفْلِ. (بَلْ هُوَ) أَيْ: قَلْبُ الْفَرْضِ مِنْ الْمُنْفَرِدِ نَفْلًا لِيُصَلِّيَهُ فِي جَمَاعَةٍ (أَفْضَلُ) مِنْ إتْمَامِهِ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ أُقِيمَتْ؛ لِأَنَّهُ إكْمَالٌ فِي الْمَعْنَى، كَنَقْضِ الْمَسْجِدِ، لِلْإِصْلَاحِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، فِيمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ فَرْضٍ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ: أَعْجَبُ إلَيَّ بِقَطْعِهِ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَهُمْ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَطْعُ النَّفْلِ أَوْلَى. (وَكُرِهَ) قَلْبُ الْفَرْضِ نَفْلًا (بِدُونِهِ) ، أَيْ: بِدُونِ غَرَضٍ صَحِيحٍ، لِكَوْنِهِ أَبْطَلَ عَمَلًا. (وَإِنْ انْتَقَلَ) مِنْ فَرْضٍ أَحْرَمَ بِهِ كَالظُّهْرِ (لِفَرْضٍ آخَرَ) كَالْعَصْرِ، بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ لِلثَّانِي، (بَطَلَ فَرْضُهُ) الْأَوَّلُ الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ، لِقَطْعِهِ نِيَّتَهُ، (وَصَارَ نَفْلًا إنْ اسْتَمَرَّ) عَلَى نِيَّةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ بِنِيَّةِ انْتِقَالِهِ عَنْ الْفَرْضِ الَّذِي نَوَاهُ أَوَّلًا دُونَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ، فَتَصِيرُ نَفْلًا. (وَ) لَا يَصِحُّ الْفَرْضُ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ إنْ (لَمْ يَنْوِ) الْفَرْضَ (الثَّانِيَ مِنْ أَوَّلٍ بِتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ) ، لِخُلُوِّ أَوَّلِهِ عَنْ نِيَّةِ تَعَيُّنِهِ. (فَإِنْ نَوَاهُ) مِنْ أَوَّلِهِ بِتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ، (صَحَّ) كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إحْرَامٌ بِغَيْرِهِ. (وَلَوْ ظَنَّ) مُصَلٍّ أَنْ عَلَيْهِ (ظُهْرًا فَائِتَةً، فَقَضَاهَا، ثُمَّ بَانَ عَدَمُهُ) ، أَيْ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ، (لَمْ تُجْزِئْهُ) الظُّهْرُ الَّتِي صَلَّاهَا (عَنْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 ظُهْرٍ (حَاضِرَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا. وَكَذَا لَوْ نَوَى ظُهْرَ الْيَوْمِ، وَعَلَيْهِ فَائِتَةٌ، لَمْ تُجْزِئْهُ عَنْهَا. (وَمَنْ أَتَى بِمُفْسِدِ فَرْضٍ فَقَطْ) ، أَيْ: دُونَ النَّفْلِ، (جَهْلًا، كَتَرْكِ) رَجُلٍ (سَتْرَ أَحَدِ عَاتِقِيهِ، وَ) كَتَرْكِ، (قِيَامٍ مَعَ قُدْرَةٍ) بِلَا عُذْرٍ يُسْقِطُهُ، (وَ) كَ (صَلَاةٍ بِكَعْبَةٍ، وَشُرْبٍ يَسِيرٍ عَمْدًا وَائْتِمَامٍ بِصَبِيٍّ، وَمُتَنَفِّلٍ انْقَلَبَ نَفْلًا) ؛ لِأَنَّهُ كَقَطْعِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ مَعَ بَقَاءِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ. وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ " جَهْلًا " أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ عَالِمًا عَدَمَ جَوَازِهِ، لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ فَرْضًا، وَلَا نَفْلًا، لِتَلَاعُبِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ إتْيَانُهُ بِمُفْسِدِ فَرْضٍ (مَعَ ضِيقِ وَقْتٍ) ، أَيْ: فَيَنْقَلِبُ فَرْضُهُ نَفْلًا؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ قَالَ فِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ ": الْمُرَادُ إذَا كَانَ النَّفَلُ يَصِحُّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. فَإِنْ كَانَ وَقْتُ كَرَاهَةٍ، كَوَقْتِ الْغُرُوبِ أَوْ الِاسْتِوَاءِ لَمْ يَصِحَّ نَفْلًا أَيْضًا، فَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ انْعِقَادِهَا مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ، لِعَدَمِ صِحَّةِ النَّفْلِ حِينَئِذٍ، (وَيَنْقَلِبُ نَفْلًا مَا) أَيْ: فَرْضٌ (بَانَ عَدَمُهُ، كَ) مَا لَوْ أَحْرَمَ بِ (فَائِتَةٍ) يَظُنُّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 عَلَيْهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ (لَمْ تَكُنْ) عَلَيْهِ فَائِتَةٌ. (أَوْ) أَحْرَمَ بِفَرْضٍ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ (لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُ النَّفَلَ. (وَإِنْ عَلِمَ) أَنْ لَا فَائِتَةَ، أَوْ أَنَّ الْفَرْضَ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ، وَنَوَاهُ (لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ، كَمَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهِ عَالِمًا. [فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ نِيَّةُ كُلٍّ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ] (فَصْلٌ) (يُشْتَرَطُ لِ) صَلَاةِ (جَمَاعَةٍ نِيَّةُ كُلٍّ) مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ () ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ مِنْ وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ، وَسُقُوطِ نَحْوِ السَّهْوِ وَالْفَاتِحَةِ عَنْ الْمَأْمُومِ، وَفَسَادِ صَلَاتِهِ بِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ الْإِمَامُ عَنْ الْمَأْمُومِ بِالنِّيَّةِ، فَكَانَتْ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ. (وَإِنْ) كَانَتْ الصَّلَاةُ (نَفْلًا) كَالتَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَالْفَرْضِ، (مِنْ أَوَّلِ صَلَاةٍ، غَيْرَ مَا يَأْتِي) مِنْ أَنَّ أَحَدَ الْمَسْبُوقِينَ لَهُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ، وَلِلْبَاقِي نِيَّةُ الِائْتِمَامِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِمْ (فَيَنْوِي إمَامٌ إمَامَةً) عِنْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ. (أَوْ) يَنْوِي إمَامٌ (أَنَّهُ مُقْتَدًى بِهِ، وَ) يَنْوِي (مَأْمُومٌ ائْتِمَامًا، أَوْ) يَنْوِي مَأْمُومٌ (أَنَّهُ مُقْتَدٍ. فَإِنْ اعْتَقَدَ كُلٌّ) مِنْ الْمُصَلِّيَيْنِ (أَنَّهُ إمَامُ الْآخَرِ، أَوْ) اعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ (مَأْمُومُهُ) - أَيْ: الْآخَرِ - لَمْ تَصِحَّ لَهُمَا نَصًّا؛ لِأَنَّهُ أَمَّ مَنْ لَمْ يُؤْتَمَّ بِهِ فِي الْأُولَى، وَائْتَمَّ بِمَنْ لَيْسَ إمَامًا فِي الثَّانِيَةِ. (أَوْ نَوَى مُصَلٍّ الِائْتِمَامَ أَوْ الْإِمَامَةَ بِمَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّهُ، كَأُمِّيٍّ) لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ (بِقَارِئٍ) يُحْسِنُهَا، (وَامْرَأَةٍ بِرَجُلٍ) ، لَمْ تَصِحَّ لَهُمَا لِفَسَادِ الْإِمَامَةِ وَالِائْتِمَامِ (أَوْ ائْتَمَّ، بِأَحَدِ إمَامَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ) ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ. (أَوْ) نَوَى الِائْتِمَامَ (بِهِمَا) ، أَيْ: بِالْإِمَامَيْنِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاقْتِدَاءِ بِهِمَا. (أَوْ) نَوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الِائْتِمَامَ (بِمَأْمُومٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ) لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِغَيْرِ إمَامٍ. (أَوْ شَكَّ) مُصَلٍّ (فِي كَوْنِهِ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا) ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ. (أَوْ عَيَّنَ إمَامًا) ، بِأَنْ نَوَى أَنَّهُ يُصَلِّي خَلْفَهُ زَيْدٌ، فَأَخْطَأَ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. (أَوْ) عَيَّنَ (مَأْمُومًا) بِأَنْ نَوَى أَنَّهُ يُصَلِّي إمَامًا بِعَمْرٍو، (وَإِنْ كَانَ) تَعْيِينُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ (غَيْرَ وَاجِبٍ) عَلَى الْأَصَحِّ، (فَأَخْطَأَ) ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: عَيَّنَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، أَنَّهُ لَوْ ظَنَّهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لَهُ، لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ (أَوْ نَوَاهَا) ، أَيْ: الْإِمَامَةَ (شَاكًّا حُضُورَ مَأْمُومٍ) يَأْتَمُّ بِهِ؛ (لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ عَلِمَ عَدَمَ مَجِيئِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. وَتَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ نَوَى الْإِمَامَةَ (فَلِأَنَّ حُضُورَهُ) أَيْ: الْمَأْمُومِ فَحَضَرَ، وَدَخَلَ مَعَهُ (وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، إنْ لَمْ يَحْضُرْ) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِمَامَةَ بِمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ، (أَوْ) أَيْ: وَكَذَلِكَ لَوْ (حَضَرَ) ، وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ، (أَوْ كَانَ حَاضِرًا وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ قَبْلَ رَفْعِهِ رُكُوعًا) قَوْلًا وَاحِدًا. وَ (لَا) تَبْطُلُ (إنْ دَخَلَ) مَعَهُ مَنْ ظَنَّ حُضُورَهُ، (ثُمَّ انْصَرَفَ) قَبْلَ إتْمَامِهِ صَلَاتَهُ وَيُتِمُّهَا الْإِمَامُ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّهَا لَا فِي ضِمْنِهَا. وَلَا مُتَعَلِّقَةٌ بِهَا، بِدَلِيلِ سَهْوِهِ وَعِلْمِهِ بِحَدَثِهِ. (وَمَنْ) أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ (نَوَى إمَامَةً) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، لَمْ يَصِحَّ. (أَوْ) أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ نَوَى (ائْتِمَامًا فِي أَثْنَاءِ) الصَّلَاةِ، (لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ) فَعَلَ ذَلِكَ فِي (إمَامَةِ نَفْلٍ) . كَالتَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ "، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِي تَصْحِيحِهِ الْقَوْلَيْنِ. وَعِبَارَتُهُ: وَإِنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ نَوَى الِائْتِمَامَ أَوْ الْإِمَامَةَ، لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا، وَالْمَنْصُوصُ صِحَّةُ الْإِمَامَةِ فِي النَّفْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى. (إلَّا إذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 أَحْرَمَ) مُصَلٍّ (إمَامًا لِغَيْبَةِ إمَامِ الْحَيِّ) ، أَيْ: الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، (ثُمَّ حَضَرَ) إمَامُ الْحَيِّ، فَأَحْرَمَ، (وَبَنَى) صَلَاتَهُ (عَلَى صَلَاةِ) الْإِمَامِ (الْأَوَّلِ) الَّذِي أَحْرَمَ لِغَيْبَتِهِ، (فَيَصِيرُ) هَذَا (الْإِمَامُ مَأْمُومًا) بِالْإِمَامِ الرَّاتِبِ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ غَيْرُهُ، لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: «ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَ (إلَّا إذَا أَمَّ مُقِيمٌ) مُقِيمًا (مِثْلَهُ) فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمَا، (إذَا سَلَّمَ إمَامٌ مُسَافِرٌ) قَصَرَ الصَّلَاةَ. وَكَانَا قَدْ ائْتَمَّا بِهِ صَحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ جَمَاعَةٍ إلَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى لِعُذْرٍ، فَجَازَ كَالِاسْتِخْلَافِ. (أَوْ) أَمَّ (مَسْبُوقٌ) مَسْبُوقًا (مِثْلَهُ) وَافَقَهُ فِي عَدَدِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمَا، أَوْ خَالَفَهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، (فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا) بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِمَا (فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ) ، صَحَّ ذَلِكَ لِعُذْرِ السَّبْقِ. فَإِنْ ائْتَمَّ مَسْبُوقٌ بِإِمَامِ جَمَاعَةٍ أُخْرَى فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُ، أَوْ كَانَا فِي جُمُعَةٍ، لَمْ يَصِحَّ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهَا إذَا أُقِيمَتْ بِمَسْجِدٍ لَمْ تَقُمْ فِيهِ مَرَّةً ثَانِيَةً. وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إقَامَةٌ ثَانِيَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ تَكْمِيلٌ لَهَا بِجَمَاعَةٍ، وَغَايَتُهُ أَنَّهَا فُعِلَتْ بِجَمَاعَتَيْنِ، وَهَذَا: لَا يَضُرُّ، كَمَا لَوْ صُلِّيَتْ الْأُولَى مِنْهَا بِسِتِّينَ، ثُمَّ فَارَقَهُ عِشْرُونَ، وَصُلِّيَتْ الثَّانِيَةُ بِأَرْبَعِينَ. وَقِيلَ: لَعَلَّهُ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ لَهَا، فَيَلْزَمُ لَوْ ائْتَمَّ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ بِالْآخَرِ، تَصِحُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 (وَيَتَّجِهُ: وَ) لَوْ ائْتَمَّ مَسْبُوقٌ بِمِثْلِهِ (فِيهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ: (لَا تَبْطُلُ) ، حَيْثُ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ (جَهْلًا) مِنْهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ مِنْ الْمَسْبُوقِ بِمِثْلِهِ، إذْ الْجَهْلُ مُفْتَقَرٌ عَنْهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ مَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ أَوَّلًا بِلَا عُذْرِ السَّبَقِ وَالْقَصْرِ السَّابِقَيْنِ، إلَّا إذَا (اسْتَخْلَفَهُ إمَامٌ لِحُدُوثِ مَرَضٍ) لِلْإِمَامِ (أَوْ) حُدُوثِ خَوْفٍ (أَوْ) حُدُوثِ (حَصْرٍ) لَهُ (عَنْ قَوْلِ وَاجِبٍ) ، كَقِرَاءَةٍ، وَتَشَهُّدٍ وَتَسْمِيعٍ، وَتَكْبِيرِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَنَحْوِهِ، لِوُجُودِ الْعُذْرِ الْحَاصِلِ لِلْإِمَامِ مَعَ بَقَاءِ صَلَاتِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ لِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْكُلِّ، (فَيَصِيرُ الْمَأْمُومُ إمَامًا، وَيَبْنِي) خَلِيفَةُ الْإِمَامِ (عَلَى تَرْتِيبِ) الْإِمَامِ (الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ؛ وَلِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ (لَكِنْ يَبْتَدِئُ الْفَاتِحَةَ مَسْبُوقٌ) اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ (يُسِرُّ مَا) كَانَ (قَرَأَهُ مُسْتَخْلِفُهُ) بِكَسْرِ اللَّامِ، (ثُمَّ يَجْهَرُ بِبَاقٍ) ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ. فَإِنْ شَكَّ كَمْ صَلَّى الْإِمَامُ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، فَإِنْ سَبَّحَ بِهِ الْمَأْمُومُ، رَجَعَ. (وَيَسْتَخْلِفُ) ذَلِكَ الْمَسْبُوقُ (مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ دَخَلُوا مَعَ الْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ. (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) ، أَيْ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ، (فَلَهُمْ سَلَامٌ، وَ) لَهُمْ (انْتِظَارٌ) لَهُ حَتَّى يُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَيُسَلِّمَ بِهِمْ نَصًّا. (وَلَا اسْتِخْلَافَ بَعْدَ بُطْلَانِ) صَلَاةِ إمَامٍ سَبَقَهُ الْحَدَثُ، أَوْ فَعَلَ مَا يُبْطِلُهَا، لِحَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ مَرْفُوعًا «إذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَحِينَئِذٍ، فَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ مَعًا، لِارْتِبَاطِهَا بِهَا. (وَصَحَّ) لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً (لِعُذْرٍ يُبِيحُ تَرْكَ جَمَاعَةٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِنِيَّةِ) الِانْفِرَادِ (إمَامٌ وَكَذَا) يَصِحُّ أَنْ يَنْفَرِدَ (مَأْمُومٌ) لِعُذْرٍ كَذَلِكَ، كَتَطْوِيلِ إمَامٍ، وَغَلَبَةِ نُعَاسٍ، وَمَرَضٍ، وَخَوْفِ فَسَادِ صَلَاتِهِ بِمُدَافَعَتِهِ أَحَدَ الْأَخْبَثَيْنِ إنْ (عَجَّلَ) أَيْ: اسْتَفَادَ بِتَعْجِيلِهِ إدْرَاكَ بُغْيَتِهِ. (فَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ انْفِرَادُهُ) أَيْ: الْمَأْمُومِ (عَنْ إمَامِهِ) أَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ انْفِرَادُ الْإِمَامِ عَنْ الْجَمَاعَةِ (بِنَوْعِ تَعْجِيلٍ لَمْ يَصِحَّ) الِانْفِرَادُ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، إلَّا إنْ عُذِرَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الصَّفِّ مَغْلُوبًا، فَلَهُ الْمُفَارَقَةُ. وَإِنَّمَا صَحَّ الِانْفِرَادُ لِلْعُذْرِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: «صَلَّى مُعَاذٌ بِقَوْمٍ: فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَتَأَخَّرَ رَجُلٌ فَصَلَّى وَحْدَهُ، فَقِيلَ لَهُ: نَافَقَتْ. فَقَالَ: مَا نَافَقَتْ، وَلَكِنْ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأُخْبِرُهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذَكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ: أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ مَرَّتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِمُفَارَقَتِهِ (فَإِنْ زَالَ عُذْرُهُ) أَيْ: الْمَأْمُومِ الْمُفَارِقِ، وَهُوَ (فِي) الـ (الصَّلَاةِ، فَلَهُ دُخُولٌ مَعَ إمَامِهِ) فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَيُتِمُّهُ مَعَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ مَعَهُ، خِلَافًا " لِلْفُصُولِ ". (وَيَقْرَأُ مَأْمُومٌ فَارَقَ فِي قِيَامٍ) قَبْلَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ الْفَاتِحَةَ، لِصَيْرُورَتِهِ مُنْفَرِدًا قَبْلَ سُقُوطِ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ، (أَوْ يُكْمِلُ) مَا بَقِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ (وَ) إنْ فَارَقَهُ (بَعْدَهَا) ، أَيْ: بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنَّهُ (يَرْكَعُ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَعَنْ الْمَأْمُومِ (وَإِنْ ظَنَّ) مَأْمُومٌ فَارَقَ إمَامَهُ (فِي صَلَاةِ سِرٍّ) كَظُهْرٍ (أَنْ إمَامَهُ قَرَأَ) الْفَاتِحَةَ (لَمْ يَقْرَأْ) أَيْ: لَمْ تَلْزَمْهُ الْقِرَاءَةُ إجْرَاءً لِلظَّنِّ مَجْرَى الْيَقِينِ. (وَ) إنْ فَارَقَ (فِي ثَانِيَةِ جُمُعَةٍ) وَأَدْرَكَ مَعَهُ الْأُولَى لِ (يُتِمَّ) مُفَارِقٌ صَلَاتَهُ (جُمُعَةً) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ إمَامِهِ مِنْهَا رَكْعَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ الْمُفَارَقَةِ لِعُذْرٍ، وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً. (لَوْ نَقَصَ بِهِ) أَيْ: بِمَنْ فَارَقَ، (الْعَدَدَ) الْمُعْتَبَرَ لِلْجُمُعَةِ (إذْ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ) الْعَدَدُ بِهَذِهِ الْمُفَارَقَةِ (حُكْمًا) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ، تَمَّتْ جُمُعَةً بِالْإِحْرَامِ، فَلَا تَبْطُلُ بِمُفَارَقَةِ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ. لَكِنْ يَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا، وَسَمَاعُهُمْ الْخُطْبَةَ، وَاسْتِمْرَارُهُمْ بَعْدَ إحْرَامِهِمْ مَعَ الْإِمَامِ إلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ نَقَصُوا قَبْلَ ذَلِكَ، بَطَلَتْ جُمُعَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ، فَاعْتُبِرَ فِي جَمِيعِهَا كَالطَّهَارَةِ. وَلَا يُرَدُّ صِحَّتُهَا مِنْ الْمَسْبُوقِ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمَّتْ بِدُونِهِ، فَصَحَّتْ مِنْهُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِمَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَسَمِعَهَا. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَا يَصِحُّ دُخُولُ مَسْبُوقٍ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ نَقْصِ الْعَدَدِ بِمُفَارَقَةِ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ، إذْ لَوْ فَرَضْنَا بَقَاءَ الْجُمُعَةِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ مُكَمِّلًا لِلْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ، وَأَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ الْجُمُعَةَ بَطَلَتْ بِمُجَرَّدِ الْمُفَارَقَةِ، وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 (وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَأْمُومٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ) فَلَا اسْتِخْلَافَ إنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ. وَ (لَا) تَبْطُلُ صَلَاةُ مَأْمُومٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ (مُطْلَقًا) ، بَلْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ (لِمَا يَأْتِي فِي) بَابِ سُجُودِ الـ (سَهْوِ) ، أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَامَ لِزَائِدَةٍ، وَنَبَّهَهُ الْمَأْمُومُونَ، فَلَمْ يَرْجِعْ؛ وَجَبَتْ مُفَارَقَتُهُ، وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ. (وَ) كَذَلِكَ يَأْتِي فِي صَلَاةِ الـ (خَوْفِ) فِي آخِرِ الْوَجْهِ الثَّانِي: أَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَرَّقَ الْمَأْمُومِينَ أَرْبَعًا، وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً؛ صَحَّتْ صَلَاةُ الْأُولَيَيْنِ لَا الْإِمَامِ، وَالْأُخْرَيَيْنِ، إلَّا إنْ جَهِلُوا الْبُطْلَانَ. وَصَرَّحَ فِي الْمُنْتَهَى " بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِمُجَرَّدِ بُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ. (لَا عَكْسِهِ) أَيْ: لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ إمَامٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ مَأْمُومٍ، مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْجُمُعَةِ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي ضِمْنِهَا، وَلَا مُتَعَلِّقَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 بِهَا. (وَيُتِمُّهَا) الْإِمَامُ (مُنْفَرِدًا بِنِيَّتِهِ) ، أَيْ: الِانْفِرَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُ مَنْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ أَحْدَثَ، فَ) ظَهَرَ أَنَّهُ (لَمْ يَكُنْ) أَحْدَثَ، (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِفَسْخِهِ نِيَّةَ الصَّلَاةِ بِخُرُوجِهِ مِنْهَا (كَ) مَا تَبْطُلُ صَلَاةٌ (رُبَاعِيَّةٌ) كَظُهْرٍ (ظَنَّهَا فَجْرًا، أَوْ) ظَنَّهَا (جُمُعَةً فَسَلَّمَ) لِمَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ: سُئِلَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ عَنْ إمَامٍ صَلَّى الْعَصْرَ، فَظَنَّ أَنَّهَا الظُّهْرُ، فَطَوَّلَ الْقِرَاءَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ) أَنَّهَا الْعَصْرُ؟ (فَقَالَ: يُعِيدُ) الْإِمَامُ صَلَاتَهُ لِبُطْلَانِ فَرْضِهِ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ مَعَ الشَّكِّ، (وَيُعِيدُونَ) ، أَيْ: الْمُقْتَدُونَ بِهِ، لِانْقِلَابِ فَرْضِ إمَامِهِمْ نَفْلًا، وَهُمْ مُفْتَرِضُونَ، وَاقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي الْفَرْضِ بَاطِلٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا وَأَرْكَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا] (بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ) وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا، وَأَرْكَانِهَا، وَوَاجِبَاتِهَا، وَسُنَنِهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا (سُنَّ خُرُوجٌ إلَيْهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ (بِسَكِينَةٍ) : بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا، وَتَخْفِيفِ الْكَافِ، أَيْ: طُمَأْنِينَةٍ، وَتَأَنٍّ فِي الْحَرَكَاتِ، وَاجْتِنَابِ الْعَبَثِ (وَوَقَارٍ) ، كَسَحَابٍ، أَيْ: رَزَانَةٍ، كَغَضِّ الطَّرْفِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ، (وَخُضُوعٍ) أَيْ: تَوَاضُعٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» . وَلِمُسْلِمٍ: «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ» . (مُقَارِبًا بَيْنَ خُطَاهُ لِتَكْثُرَ حَسَنَاتُهُ) ، فَإِنَّ كُلَّ خُطْوَةٍ يُكْتَبُ لَهُ بِهَا حَسَنَةٌ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: «أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَمْشِي وَأَنَا مَعَهُ، فَقَارَبَ فِي الْخُطَا، ثُمَّ قَالَ: تَدْرِي لِمَ فَعَلْتُ هَذَا؟ لِتَكْثُرَ خُطَايَ فِي طَلَبِ الصَّلَاةِ» . (قَائِلًا) مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ وَبِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا، فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلَا بَطِرًا) » - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْبَطِرُ: الْأَشِرُ، وَهُوَ: شِدَّةُ الْمَرَحِ، وَالْمَرَحُ: شِدَّةُ الْفَرَحِ وَالنَّشَاطِ - « (وَلَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً) » - الرِّيَاءُ: إظْهَارُ الْعَمَلِ لِلنَّاسِ لِيَرَوْهُ، وَيَظُنُّوا بِهِ خَيْرًا. وَالسُّمْعَةُ: إظْهَارُ الْعَمَلِ لِيَسْمَعَهُ النَّاسُ. - « (خَرَجْتُ اتِّقَاءَ سَخَطِكَ) » أَيْ: غَضَبِكَ « (وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُنْقِذَنِي مِنْ النَّارِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 إلَّا أَنْتَ) ؛ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَسُنَّ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْكَ، وَأَقْرَبِ مَنْ تَوَسَّلَ إلَيْكَ، وَأَفْضَلِ مَنْ سَأَلَكَ وَرَغِبَ إلَيْكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي قَبْرِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ شِمَالِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَفِي عَصَبِي نُورًا وَفِي لَحْمِي نُورًا، وَفِي دَمِي نُورًا، وَفِي شَعْرِي نُورًا، وَفِي بَشَرِي نُورًا، وَفِي نَفْسِي نُورًا، وَأَعْظِمْ لِي نُورًا، وَاجْعَلْنِي نُورًا، اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا، وَزِدْنِي نُورًا» ، رَوَى مُسْلِمٌ بَعْضَهُ. (وَ) سُنَّ أَنْ يَقُولَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ، وَلَوْ لِغَيْرِ صَلَاةٍ: " بِسْمِ اللَّهِ، آمَنْتُ بِاَللَّهِ، وَاعْتَصَمَتْ بِاَللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ " وَمَا دَعَا بِهِ مِمَّا وَرَدَ فَحَسَنٌ وَسُنَّ أَنْ يَقُولَ فِي دُخُولِ مَسْجِدٍ: " بِسْمِ اللَّهِ " مُقَدِّمًا رِجْلَهُ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّهُ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ. وَيَقُولَ مَا ذُكِرَ فِي خُرُوجٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: أَبْوَابَ فَضْلِكَ بَدَلَ أَبْوَابِ رَحْمَتِكَ، لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَغَيْرُهُ: « (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ إبْلِيسَ وَجُنُودِهِ) » لِمَا رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، تَدَاعَتْ جُنُودُ إبْلِيسَ، وَاجْتُلِبَتْ، كَمَا تَجْتَمِعُ النَّحْلُ عَلَى يَعْسُوبِهَا، فَإِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ إبْلِيسَ وَجُنُودِهِ، فَإِنَّهَا لَمْ تَضُرَّهُ» . وَالْيَعْسُوبُ: ذَكَرُ النَّحْلِ، وَقِيلَ: أَمِيرُهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وَكُرِهَ (لِمَنْ سَمِعَ) الْإِقَامَةَ إسْرَاعُ مَشْيٍ، لِأَنَّهُ يُذْهِبُ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ، إلَّا لِخَوْفِهِ فَوْتَ جَمَاعَةٍ، فَلَا يُكْرَهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنْ طَمِعَ فِي إدْرَاكِ تَكْبِيرَةٍ أُولَى، فَلَا بَأْسَ بِإِسْرَاعِهِ لِذَلِكَ، مَا لَمْ تَكُنْ عَجَلَةٌ تُقْبَحُ، فَلَا يَرْتَكِبُهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَعْثُرُ فَيَنْضَرُّ. (وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ) لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، إنْ كَانَ فِي غَيْرِ وَقْتِ نَهْيٍ، لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ جَلَسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَ (اشْتَغَلَ بِنَحْوِ ذِكْرٍ) كَقِرَاءَةٍ، (أَوْ سَكَتَ) إنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِذَلِكَ (وَكُرِهَ خَوْضٌ بِأَمْرِ دُنْيَا) ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، كَمَا فِي الْخَبَرِ. (وَ) كُرِهَ (فَرْقَعَةُ أَصَابِعَ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْطَانِ. (فَمَا دَامَ كَذَلِكَ) ، أَيْ: مُشْتَغِلًا بِالذِّكْرِ أَوْ سَاكِنًا مُنْتَظِرًا لِلصَّلَاةِ (فَهُوَ فِي صَلَاةٍ، وَالْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا لَمْ يُؤْذِ أَوْ يُحْدِثْ) ، لِلْخَبَرِ. (وَسُنَّ قِيَامُ إمَامٍ، فَ) قِيَامُ (مَأْمُومٍ) غَيْرِ مُقِيمٍ، (لِصَلَاةٍ إذَا قَالَ مُقِيمٌ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) ، " لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ "، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: وَلِأَنَّهُ دُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ، فَاسْتُحِبَّ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهَا عِنْدَهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ. (إنْ رَأَى) الْمَأْمُومُ (الْإِمَامَ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَرَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُقِيمِ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، (فَ) إنَّهُ يَقُومُ (عِنْدَ رُؤْيَتِهِ) لِإِمَامِهِ، فَلَا يَقُومُ حَتَّى يَرَى الْإِمَامَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، لِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْمُقِيمُ يَأْتِي بِالْإِقَامَةِ كُلِّهَا قَائِمًا. وَلَا يُحْرِمُ الْإِمَامُ حَتَّى تَفْرُغَ الْإِقَامَةُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُلِّ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ: قِيَامُ الْمَأْمُومِ إذَا رَأَى الْإِمَامَ مُعْتَبَرٌ (فِيمَنْ) ، أَيْ: مَأْمُومٍ (يُمْكِنُهُ رُؤْيَةُ إمَامٍ) ، بِأَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى اتِّجَاهِهِ (ثُمَّ يُسَوِّي إمَامٌ الصُّفُوفَ نَدْبًا بِمَنْكِبٍ وَكَعْبٍ) ، دُونَ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ، (فَلْيَلْتَفِتْ يَمِينًا وَشِمَالًا قَائِلًا: اعْتَدِلُوا وَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ، أَوْ) يَقُولُ كَمَا فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَتَبِعَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": (اسْتَوُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ) ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": اعْتَدِلُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ، لِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي لِمَ صُنِعَ هَذَا الْعُودُ؟ فَقُلْتُ: لَا وَاَللَّهِ، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ، فَقَالَ: اعْتَدِلُوا، وَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، قَالَ أَحْمَدُ: يَنْبَغِي أَنْ تُقَامَ الصُّفُوفُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ. (وَسُنَّ تَكْمِيلُ صَفٍّ، أَوَّلٍ فَأَوَّلٍ) ، حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الْآخِرِ، (فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ) ، أَيْ: تَرْكُ تَكْمِيلِهِ (لِقَادِرٍ) عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَى ذَلِكَ لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ» . وَظَاهِرُهُ: حَتَّى بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ كَانَ الصَّلَاةُ فِي مِحْرَابِ زِيَادَةِ عُثْمَانَ. (وَ) سُنَّ (مراصة) ، أَيْ: الْتِصَاقُ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ بِبَعْضٍ، وَسَدُّ خَلَلِ الصُّفُوفِ. (وَيَمِينُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ لِرِجَالٍ أَفْضَلُ مِنْ يَسَارِهِ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ قَرُبَ مَنْ عَلَى الْيَسَارِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ بَعُدَ. (وَ) صَفُّ (أَوَّلٍ لِرِجَالٍ) مَأْمُومِينَ (لَا نِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ أَفْضَلُ) مِمَّا بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صَفٍّ أَفْضَلُ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ صُفُوفِ الرِّجَالِ. وَصُفُوفِ النِّسَاءِ عَكْسُ ذَلِكَ، لِحَدِيثِ: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَلَهُ ثَوَابُهُ وَثَوَابُ مَنْ وَرَاءَهُ، أَيْ: لِلْإِمَامِ ثَوَابُ نَفْسِهِ وَثَوَابُ مَنْ وَرَاءَهُ، مَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ لِاقْتِدَائِهِمْ بِهِ. (وَ) الصَّفُّ (الْأَوَّلُ) : هُوَ (مَا يَقْطَعُهُ الْمِنْبَرُ) ، يَعْنِي: مَا يَلِي الْإِمَامَ وَلَوْ قَطَعَهُ الْمِنْبَرُ فَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ تَامًّا. (وَ) قَالَ (فِي " الْفُرُوعِ " ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) ، أَيْ: الْأَصْحَابِ: (أَنَّ بَعِيدًا عَنْ يَمِينِ) الْإِمَامِ (أَفْضَلُ مِنْ) مَأْمُومٍ (قَرِيبٍ عَنْ يَسَارِهِ) ، لِإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ يَمِينَهُ لِرِجَالٍ أَفْضَلُ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَهُوَ أَقْوَى عِنْدِي، لِخُصُوصِيَّةِ جِهَةِ الْيَمِينِ بِمُطْلَقِ الْفَضْلِ، كَمَا أَنَّ مَنْ وَقَفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ، وَلَوْ كَانَ فِي آخِرِ الصَّفِّ مِمَّنْ هُوَ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ مُلْتَصِقًا بِهِ. (وَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَيْضًا: (أَنَّهُ يُحَافِظُ عَلَى) الصَّفِّ (الْأَوَّلِ، وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ) ، أَيْ: بِسَبَبِ مَشْيِهِ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَيَتَوَجَّهُ مِنْ نَصِّهِ يُسْرِعُ إلَى الْأُولَى لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، لَا إنْ خَافَ فَوْتَ (جَمَاعَةٍ) . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْمُرَادُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ: إذَا لَمْ تَفُتْهُ الْجَمَاعَةُ، أَمَّا إذَا خَشِيَ مِنْ اشْتِغَالِهِ بِإِدْرَاكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ سَلَامَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 الْإِمَامِ، فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْجَمَاعَةِ مُتَعَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ إدْرَاكَهَا أَكْثَرُ فَضْلًا مِنْ إدْرَاكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ. (وَمَا قَرُبَ مِنْ) الْ (إمَامِ فَ) هُوَ (أَفْضَلُ) مِمَّا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ. وَمُقْتَضَاهُ: أَفْضَلِيَّةُ الْأَقْرَبِ مِمَّنْ عَلَى يَسَارِهِ عَلَى الْأَبْعَدِ، مِمَّنْ عَلَى يَمِينِهِ، لِمَزِيَّةِ الْقُرْبِ. وَهَذَا تَوْجِيهُ احْتِمَالٍ ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَتَقَدَّمَ أَنَّ بُعْدَ يَمِينِهِ أَفْضَلُ مِنْ قُرْبِ يَسَارِهِ، لِامْتِيَازِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ. (وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، عَكْسُ صُفُوفِ نِسَاءٍ) لِلْخَبَرِ وَتَقَدَّمَ. (فَيُسَنُّ تَأْخِيرُهُنَّ) ، أَيْ: النِّسَاءِ خَلْفَ صُفُوفِ الرِّجَالِ، لِقَوْلِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» . (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ تَأْخِيرِ نِسَاءٍ (إنْ صَلَّيْنَ خَلْفَ رِجَالٍ، لَا مَعَ بَعْضِهِنَّ) فَإِنْ صَلَّيْنَ مَعَ بَعْضِهِنَّ فَكَالرِّجَالِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتُكْرَهُ صَلَاةُ رَجُلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ امْرَأَةٌ تُصَلِّي) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ (وَإِلَّا) تَكُنْ تُصَلِّي (فَلَا) كَرَاهَةَ. (وَلَيْسَ بَيْنَ إقَامَةٍ وَتَكْبِيرٍ دُعَاءٌ مَسْنُونٌ) نَصًّا، قِيلَ لِأَحْمَدَ: قَبْلَ التَّكْبِيرِ نَقُولُ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا. إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ (وَإِنْ دَعَا) بَيْنَهُمَا؛ (فَلَا بَأْسَ، فَعَلَهُ) الْإِمَامُ، (أَحْمَدُ) ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، الْمُقَدَّمُ خِلَافُهَا. [فَصْلٌ قُولُ مُصَلٍّ إمَامًا أَوْ غَيْرَهُ قَائِمًا لِفَرْضٍ اللَّهُ أَكْبَرُ] (فَصْلٌ) (ثُمَّ يَقُولُ) : مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، (قَائِمًا مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَى قِيَامٍ (لِفَرْضٍ: اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ) ، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وَحَدِيثُ عَلِيٍّ، قَالَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرُوِيَ مُرْسَلًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَقَالَ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ: «إذَا قُمْتَ فَكَبِّرْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا) وُجُوبًا. (وَيَتَّجِهُ) : اشْتِرَاطُ التَّوَالِي بَيْنَ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ، (وَلَوْ حُكْمًا) . فَلَوْ غَلَبَهُ سُعَالٌ، أَوْ عُطَاسٌ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْ التَّوَالِي وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَإِنْ أَتَى بِهِ) ، أَيْ: بِتَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ كُلِّهِ، غَيْرَ قَائِمٍ، بِأَنْ قَالَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ، أَوْ رَاكِعٌ وَنَحْوُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، (أَوْ ابْتَدَأَهُ) ، أَيْ: التَّكْبِيرَ، غَيْرَ قَائِمٍ، كَأَنْ ابْتَدَأَهُ قَاعِدًا وَأَتَمَّهُ قَائِمًا، (أَوْ أَتَمَّهُ) ، أَيْ: التَّكْبِيرَ، (غَيْرَ قَائِمٍ) ، بِأَنْ ابْتَدَأَهُ قَائِمًا، وَأَتَمَّهُ رَاكِعًا مَثَلًا، (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ (نَفْلًا) ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ يُفْسِدُ الْفَرْضَ فَقَطْ دُونَ النَّفْلِ، فَتَنْقَلِبُ بِهِ صَلَاتُهُ نَفْلًا (إنْ اتَّسَعَ وَقْتٌ) لِإِتْمَامِ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ كُلِّهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَلَمْ يَكُنْ وَقْتَ نَهْيٍ. وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ لِمَا ذُكِرَ، اسْتَأْنَفَ الْفَرْضَ قَائِمًا. (وَإِذَا زَادَ بَعْدَ) قَوْلِهِ: اللَّهُ (أَكْبَرُ كَبِيرًا، أَوْ) قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَ (أَعْظَمُ، أَوْ) اللَّهُ أَكْبَرُ وَ (أَجَلُّ، وَنَحْوُهُ كُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ وَالْحِكْمَةُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِهَذَا اللَّفْظِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اسْتِحْضَارُ الْمُصَلِّي عَظَمَةَ مَنْ تَهَيَّأَ لِخِدْمَتِهِ، وَالْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَمْتَلِئَ هَيْبَةً، فَيَحْضُرُ قَلْبُهُ، وَيَخْشَعُ وَلَا يَغِيبُ. وَسُمِّيَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 التَّكْبِيرَةُ الَّتِي يَدْخُلُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِهَا فِي عِبَادَةٍ، يَحْرُمُ فِيهَا أُمُورٌ. وَالْإِحْرَامُ: الدُّخُولُ فِي حُرْمَةٍ لَا تُنْتَهَكُ. (وَتَنْعَقِدُ) الصَّلَاةُ (إنْ مَدَّ اللَّامَ) ، أَيْ: لَامَ الْجَلَالَةِ؛ لِأَنَّهَا مَمْدُودَةٌ، فَغَايَتُهُ زِيَادَتُهَا مِنْ غَيْرِ إتْيَانِهِ بِحَرْفٍ زَائِدٍ وَ (لَا) تَنْعَقِدُ إنْ مَدَّ (هَمْزَةَ اللَّهِ، أَوْ) مَدَّ هَمْزَةَ (أَكْبَرَ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْتِفْهَامًا، فَيَخْتَلُّ الْمَعْنَى (أَوْ قَالَ: إكْبَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ كَبْرٍ - بِفَتْحِ الْكَافِ - وَهُوَ: الطَّبْلُ، (أَوْ) قَالَ: اللَّهُ (الْأَكْبَرُ) ، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَغَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اللَّهُ الْكَبِيرُ أَوْ الْجَلِيلُ وَنَحْوُهُ، أَوْ قَالَ: اللَّهُ أَقْبَرُ أَوْ: اللَّهُ، فَقَطْ، أَوْ أَكْبَرُ فَقَطْ. (وَحَذْفُ) زِيَادَةِ (مَدِّ لَامٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَمْطِيطُهُ) أَيْ: التَّكْبِيرِ (وَيَلْزَمُ جَاهِلًا تَكْبِيرَةُ إحْرَامٍ تَعَلَّمَهَا) إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي مَكَانِهِ، أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ السَّفَرُ لِتَعَلُّمِهِ. (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ تَعَلُّمِ التَّكْبِيرِ، (أَوْ ضَاقَ وَقْتٌ) عَنْهُ، (كَبَّرَ بِلُغَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ اللَّفْظِ، فَلَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِمَعْنَاهُ، كَلَفْظَةِ النِّكَاحِ. (فَإِنْ عَرَفَ لُغَاتٍ فِيهَا أَفْضَلَ، كَبَّرَ بِهِ، فَيُقَدَّمُ سُرْيَانِيٌّ) بَعْدَ الْعَرَبِيِّ (فَفَارِسِيٌّ) بَعْدَ السُّرْيَانِيِّ (وَإِلَّا خُيِّرَ) مَنْ يَعْرِفُ لِسَانَيْنِ (كَتُرْكِيٍّ وَهِنْدِيٍّ) بِالتَّكْبِيرِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِتَسَاوِيهِمَا. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، سَقَطَ عَنْهُ كَالْأَخْرَسِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . (وَكَذَا كُلُّ ذِكْرٍ وَاجِبٍ كَتَحْمِيدٍ، وَتَسْبِيحٍ، وَتَشَهُّدٍ) فَيَلْزَمُهُ تَعَلُّمُهُ إنْ قَدَرَ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَتَى بِهِ بِلُغَتِهِ. (وَإِنْ عَلِمَ الْبَعْضَ) مِنْ التَّكْبِيرِ، أَوْ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ؛ بِأَنْ أَحْسَنَ لَفْظَ اللَّهِ، أَوْ أَكْبَرَ، أَوْ سُبْحَانَ دُونَ الْبَاقِي، (أَتَى بِهِ) لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . (وَإِنْ تَرْجَمَ) بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ (عَنْ) ذِكْرٍ (مُسْتَحَبٍّ، بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ، لَوْ تَرْجَمَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ عَنْ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ غَيْرِ الْمُسْتَحَبِّ، فَيَجِبُ اقْتِصَارُهُ عَلَى مَا يُجْزِئُ، وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَالْوَاجِبَاتِ (حَتَّى) لَوْ أَتَى (بِزَائِدٍ عَنْ مَرَّةٍ فِي وَاجِبٍ) بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، كَالْمُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَأَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَحْرُمُ أَخْرَسُ وَنَحْوُهُ) كَمَقْطُوعِ اللِّسَانِ، (بِقَلْبِهِ) لِعَجْزِهِ عَنْهُ بِلِسَانِهِ، (وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ وَلَوْ أَمْكَنَهُ) لِأَنَّهُ عَبَثٌ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، كَالْعَبَثِ بِسَائِرِ جَوَارِحِهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ الْقَادِرَ ضَرُورَةً. (وَكَذَا حُكْمُ نَحْوِ قِرَاءَةٍ) كَتَحْمِيدٍ، (وَتَسْبِيحٍ) وَتَسْمِيعٍ، وَتَشَهُّدٍ، وَسَلَامٍ، يَأْتِي بِهِ الْأَخْرَسُ وَنَحْوُهُ بِقَلْبِهِ، وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ. (وَسُنَّ جَهْرُ إمَامٍ بِتَكْبِيرٍ) ، لِيَتَمَكَّنَ الْمَأْمُومُ مِنْ مُتَابَعَتِهِ فِيهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» (وَتَسْمِيعٌ) أَيْ: قَوْلُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، (وَتَسْلِيمَةٌ أُولَى) لِيَقْتَدِيَ بِهِ الْمَأْمُومُ بِخِلَافِ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ، وَالتَّحْمِيدِ. (وَ) سُنَّ جَهْرُهُ أَيْضًا بِ (قِرَاءَةٍ فِي) صَلَاةٍ (جَهْرِيَّةٍ، بِحَيْثُ يُسْمِعُ) الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرِ، وَالتَّسْمِيعِ، وَالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى، وَالْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ (مَنْ خَلْفَهُ) لِيُتَابِعُوهُ، وَيَحْصُلَ لَهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 اسْتِمَاعُ قِرَاءَتِهِ (وَأَدْنَاهُ) أَيْ: أَدْنَى جَهْرِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ (سَمَاعُ غَيْرِهِ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا يَضُرُّ قَصْدُ جَهْرِ) مُصَلٍّ بِذِكْرٍ (وَاجِبٍ) كَتَكْبِيرٍ، وَتَسْمِيعٍ (لِ) أَجْل (تَبْلِيغِ) الْمَأْمُومِينَ، لِيُتَابِعُوا إمَامَهُمْ. وَيَجُوزُ الإخفات (إذَا الْجَهْدُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ) اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا هُوَ مَسْنُونٌ إنْ أُتِيحَ إلَيْهِ كَمَا يَأْتِي. وَهَذَا مُتَّجِهٌ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يَضُرُّ) جَهْرُهُ (إنْ قَصَدَ) بِجَهْرِهِ (بِ) الذِّكْرِ (الْوَاجِبِ التَّبْلِيغَ) فَقَطْ، أَيْ: دُونَ قَصْدِهِ بِهِ الِانْتِقَالَ، (أَوْ) أَيْ: وَيَضُرُّ لَوْ كَانَ الْقَصْدُ (وَلَوْ) ، أَيْ: الذِّكْرَ، (وَالتَّبْلِيغَ) ؛ لِأَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ بِالتَّبْلِيغِ؟ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى رِوَايَةٍ، وَقَدْ عَلَّلَ أَحْمَدُ الْفَسَادَ بِالْخِطَابِ، لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْخِطَابِ وَالتَّبْلِيغِ، بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا لِمَصْلَحَتِهَا؛ فَلَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِعْلَامَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيَاسُهُ - قَصْدُ الْإِعْلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: (كَحَمْدٍ) أَيْ: كَمَا لَوْ عَطَسَ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ جَاعِلًا حَمْدَهُ (لِعُطَاسٍ وَ) لِ (قِرَاءَةٍ) فَلَا يُجْزِئُهُ نَصًّا. وَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ الْآتِي - غَيْرُ مُسْلِمٍ: إذْ الْحَمْدُ لِلْعُطَاسِ لَيْسَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، وَالتَّبْلِيغُ لِمَصْلَحَتِهَا، فَافْتَرَقَا. (وَكُرِهَ جَهْرُ مَأْمُومٍ) فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 مِنْ أَقْوَالِهَا (إلَّا بِتَكْبِيرٍ، وَتَحْمِيدٍ، وَسَلَامٍ لِحَاجَةٍ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ أَسْمَعَ جَمِيعَهُمْ، لِنَحْوِ: بُعْدٍ، وَكَثْرَةٍ (فَيُسَنُّ) جَهْرُ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 بِذَلِكَ، لِيَسْمَعَ مَنْ لَا يَسْمَعُ الْإِمَامَ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ، فَإِذَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ، لِيُسْمِعَنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْفُرُوعِ ": إلَّا الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مَعَ الرِّجَالِ، فَلَا تَجْهَرُ هِيَ، بَلْ أَحَدُهُمْ (وَإِلَّا) تَكُنْ حَاجَةٌ لِلْجَهْرِ (سُنَّ إسْرَارُهُ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِ بِالتَّكْبِيرِ، وَنَحْوِهِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَبْلُغُ صَوْتُهُ الْمَأْمُومِينَ، لَمْ يُسْتَحَبَّ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ التَّبْلِيغُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ عَبَثٌ. (وَجَهْرُ كُلِّ مُصَلٍّ) إمَامٍ، أَوْ مَأْمُومٍ، أَوْ مُنْفَرِدٍ (فِي رُكْنٍ) كَتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ وَتَشَهُّدٍ أَخِيرٍ، وَسَلَامٍ (وَ) فِي (وَاجِبٍ) كَتَسْمِيعٍ، وَتَحْمِيدٍ، وَبَاقِي تَكْبِيرٍ، وَتَشَهُّدٍ أَوَّلٍ (فَرْضٍ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ) حَيْثُ لَا مَانِعَ. (وَمَعَ مَانِعٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ سَمَاعٌ مَعَ عَدَمِهِ) ، أَيْ: الْمَانِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ آتِيًا بِذَلِكَ بِدُونِ صَوْتٍ، وَالصَّوْتُ يُسْمَعُ، وَأَقْرَبُ السَّامِعِينَ إلَيْهِ نَفْسُهُ. (وَسُنَّ) لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِصَلَاةٍ (رَفْعُ يَدَيْهِ) مَعًا مَعَ قُدْرَةٍ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَ " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ وَذَلِكَ (إشَارَةٌ لِرَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ) كَمَا أَنَّ رَفْعَ السَّبَّابَةِ إشَارَةٌ لِلْوَحْدَانِيَّةِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ. (أَوْ) رَفْعُ (إحْدَاهُمَا عَجْزًا) عَنْ رَفْعِ الْيَدِ الْأُخْرَى لِمَرَضِهَا فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ الْكُوعِ، رَفَعَ السَّاعِدَ، أَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ، رَفَعَ الْعَضُدَ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْفُرُوعِ ": وَكَذَا لَوْ عَجَزَ عَنْ رَفْعِهِمَا لِمَانِعٍ، يَتَوَجَّهُ أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَهُمَا لَوْ كَانَا؛ لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ رَفْعٍ (مَعَ ابْتِدَاءِ تَكْبِيرٍ) . فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الرَّفْعُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ؛ رَفَعَهُمَا لِإِتْيَانِهِ بِالسُّنَّةِ وَزِيَادَةٍ هُوَ مَغْلُوبٌ عَلَيْهَا. وَالْأَفْضَلُ كَوْنُ يَدَيْهِ (مَكْشُوفَتَيْنِ هُنَا، وَفِي دُعَاءٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَأَظْهَرُ فِي الْخُضُوعِ، وَتَكُونُ الْيَدَانِ حَالَ الرَّفْعِ (مَبْسُوطَتَيْ الْأَصَابِعِ) ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَأْتِي (مَضْمُومَتَيْهَا) لِأَنَّ الْأَصَابِعَ إذَا ضُمَّتْ تَمْتَدُّ (مُسْتَقْبِلًا بِبُطُونِهَا الْقِبْلَةَ) . وَيَكُونُ الرَّفْعُ (إلَى حَذْوِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (مَنْكِبَيْهِ) ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ: مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ، (بِرُءُوسِهِمَا) ، أَيْ: يُقَابِلُ بِرُءُوسِ أَصَابِعِهِ مَنْكِبَيْهِ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ، (إنْ لَمْ يَكُنْ) لِلْمُصَلِّي (عُذْرٌ) يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ، رَفَعَ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ. (وَيُنْهِيهِ) أَيْ: الرَّفْعَ (مَعَهُ) أَيْ: التَّكْبِيرِ، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حَجَر: " أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ» ، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ» ، وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ» ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا» . وَأَمَّا خَبَرُهُ الْآخَرُ: «كَانَ يَنْشُرُ أَصَابِعَهُ لِلتَّكْبِيرِ» ، فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: خَطَأٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ الْمَدُّ. قَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا: هَذَا الضَّمُّ، وَضَمُّ أَصَابِعِهِ، وَهَذَا النَّشْرُ، وَمَدُّ أَصَابِعِهِ، وَهَذَا التَّفْرِيقُ، وَقَذْفُ أَصَابِعِهِ. وَلِأَنَّ النَّشْرَ لَا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ كَنَشْرِ الثَّوْبِ. (وَيَسْقُطُ اسْتِحْبَابُ رَفْعِهِمَا) ، أَيْ: يَدَيْهِ (بِفَرَاغِ تَكْبِيرٍ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ. فَإِنْ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرِ، رَفَعَ فِيمَا بَقِيَ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ، (وَمَنْ رَفَعَ) يَدَيْهِ، فَهُوَ (أَتَمُّ صَلَاةً مِمَّنْ لَمْ يَرْفَعْ) لِإِتْيَانِهِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ. (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِ التَّكْبِيرِ (يَحُطُّهُمَا) أَيْ: يَدَيْهِ (بِلَا ذِكْرٍ) . لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (ثُمَّ يَضَعُ كَفَّ) يَدٍ (يُمْنَى عَلَى كُوعِ) يَدٍ (يُسْرَى) ، لِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 رَوَى قَبِيصَةُ بْنُ هُلْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَؤُمُّنَا، فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَالَ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ (وَيَجْعَلُهُمَا) أَيْ: يَدَيْهِ (تَحْتَ سُرَّتِهِ) ، 9 لِقَوْلِ عَلِيٍّ " مِنْ السُّنَّةِ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ، تَحْتَ السُّرَّةِ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد. (وَمَعْنَاهُ ذُلٌّ بَيْنَ يَدَيْ عِزٌّ. وَيُكْرَهُ) جَعْلُهُمَا (عَلَى صَدْرِهِ) ، نَقَلَهُ أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى الرَّقِّيِّ (وَسُنَّ نَظَرُهُ لِمَوْضِعِ سُجُودِهِ) فِي سَائِرِ حَالَاتِ الصَّلَاةِ، لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] ، رَمَقُوا بِأَبْصَارِهِمْ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِمْ» ؛ وَلِأَنَّهُ أَخْشَعُ لِلْمُصَلِّي، وَأَكَفُّ لِبَصَرِهِ، (إلَّا) إذَا كَانَ الْمُصَلِّي (فِي نَحْوِ صَلَاةِ خَوْفٍ) إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ، فَيَنْظُرُ إلَى الْعَدُوِّ لِلْحَاجَةِ. وَكَذَا إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ، أَوْ كَانَ خَائِفًا مِنْ سَيْلٍ، أَوْ سَبُعٍ، أَوْ فَوَاتِ وَقْتِ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ، أَوْ ضَيَاعِ مَالِهِ، وَشَبَهِ ذَلِكَ مَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ ضَرَرٌ إذَا نَظَرَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَحَالَ إشَارَتِهِ فِي التَّشَهُّدِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى سَبَّابَتِهِ، لِخَبَرِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَصَلَاتُهُ تِجَاهَ الْكَعْبَةِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا. وَفِي " الْغُنْيَةِ "، يُكْرَهُ إلْصَاقُ الْحَنَكِ بِالصَّدْرِ، وَعَلَى الثَّوْبِ، وَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَرِهَتْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 [فَصْلٌ مَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ نَدْبًا لَلصَّلَاةَ] (فَصْلٌ) (ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ نَدْبًا فَيَقُولُ) مَا رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَرَوَاهُ أَنَسٌ أَيْضًا، وَعَمِلَ بِهِ عُمَرُ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ إمَامُنَا، وَجَوَّزَ الِاسْتِفْتَاحَ بِغَيْرِهِ مِمَّا وَرَدَ، وَقَوْلُ: سُبْحَانَكَ، أَيْ: تَنْزِيهًا لَكَ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِكَ مِنْ النَّقَائِصِ وَالرَّذَائِلِ وَبِحَمْدِكَ، أَيْ: وَبِحَمْدِكَ سَبَّحْتُكَ. وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، أَيْ: كَثُرَتْ بَرَكَاتُهُ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَصَرَّفْ مِنْهُ مُسْتَقْبَلٌ، وَلَا اسْمُ فَاعِلٍ، وَتَعَالَى جَدُّكَ: ارْتَفَعَ قَدْرُكَ وَعَظُمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْجَدُّ: الْغِنَى، فَالْمَعْنَى ارْتَفَعَ غِنَاك عَنْ أَنْ يُسَاوِيَ غِنَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ، أَيْ: لَا إلَهَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، وَيُرْجَى رَحْمَتُهُ، وَتُخَافُ سَطْوَته غَيْرُكَ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهَا تَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ فِي أَوَّلِ كُلِّ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ أَوْ مَنْذُورَةٍ. (وَفِي اسْتِفْتَاحِ أَوَّلِ رَاتِبَةٍ) : كَسُنَّةِ فَجْرٍ، وَظُهْرٍ، وَمَغْرِبٍ، وَعِشَاءٍ، (وَ) فِي أَوَّلِ رَكْعَتَيْ (نَفْلٍ) : كَتَرَاوِيحَ، وَضُحَى، وَوِتْرٍ أَرَادَ فِعْلَهَا كُلَّهَا؛ فَيَسْتَفْتِحُ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ مِنْهَا، وَ (لَا) يَسْتَفْتِحُ فِي (كُلِّهِ) أَيْ: النَّفْلِ، طَلَبًا لِلْيُسْرِ، وَالسُّهُولَةِ، وَعَدَمِ السَّآمَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا وَرَدَ عَنْهُ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَعَلَهُ فِي عِبَادَةٍ لَا يَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى نَوْعٍ مِنْهَا، بَلْ يُؤْتَى بِهِ فِي سَائِرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 أَنْوَاعِهَا؛ لِئَلَّا يَكُونَ تَارِكًا لِبَعْضِ السُّنَنِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ. (ثُمَّ يَسْتَعِيذُ، فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] ،، أَيْ: إذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَقُولُهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ» (وَكَيْفَمَا تَعَوَّذَ مِمَّا وَرَدَ فَحَسَنٌ) ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ أَشْهَرُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ. وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلزِّيَادَةِ، وَالْأَخْذُ بِهَا أَوْلَى، لَكِنْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. (ثُمَّ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ) ، أَيْ: يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (نَدْبًا) ، لِمَا رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى بَلَغَ: وَلَا الضَّالِّينَ. الْحَدِيثَ. ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. (وَلَيْسَتْ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (مِنْ الْفَاتِحَةِ) ، أَيْ: وَلَا مِنْ غَيْرِهَا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 الْحَدِيثَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَوْ كَانَتْ آيَةً لَعَدَّهَا وَبَدَأَ بِهَا، وَلَمَا تَحَقَّقَ التَّنْصِيفُ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ ثَنَاءٌ وَتَمْجِيدٌ أَرْبَعُ آيَاتٍ وَنِصْفٌ، وَمَا هُوَ لِآدَمِيٍّ آيَتَانِ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ إجْمَاعًا. وَنَظِيرُهُ قَوْلُ عَائِشَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ، بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» ، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا، لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» . (بَلْ) الْبَسْمَلَةُ بَعْضُ آيَةٍ مِنْ النَّمْلِ إجْمَاعًا، وَ (آيَةٌ فَاصِلَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ، سِوَى بَرَاءَةٍ، فَيُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهَا بِهَا) لِنُزُولِهَا بِالسَّيْفِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا مَعَ الْأَنْفَالِ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ. وَتُسْتَحَبُّ فِي ابْتِدَاءِ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ الْمَشْرُوعَةِ، وَكِتَابَتُهَا أَوَائِلَ الْكُتُبِ وَلَا تُكْتَبُ أَمَامَ الشِّعْرِ، وَلَا مَعَهُ، نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكِيمِ. وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ؛ قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ يَشُوبُهُ الْكَذِبُ وَالْهَجْوُ غَالِبًا. وَيَجُوزُ الْجَهْرُ بِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ. (وَلَا يُسَنُّ جَهْرٌ بِمَا مَرَّ) مِنْ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ: «كَانَ النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الَّذِي يَسْمَعُهُ مِنْهُمْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ قَتَادَةُ: «فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . وَفِي لَفْظٍ: «فَكُلُّهُمْ يُخْفِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ، وَفِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كَانَ يُسِرُّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ» . رَوَاهُ ابْنُ شَاهِينِ. (وَيَسْقُطُ) كُلُّ (أَوَّلٍ) مِنْ اسْتِفْتَاحٍ، وَتَعَوُّذٍ، وَبَسْمَلَةٍ (بِشُرُوعٍ بِثَانٍ) فَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِفْتَاحَ وَلَوْ عَمْدًا حَتَّى تَعَوَّذَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 أَوْ تَرَكَ التَّعَوُّذَ حَتَّى بَسْمَلَ، أَوْ الْبَسْمَلَةَ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا. (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) تَامَّةً بِتَشْدِيدَاتِهَا، وَهِيَ رُكْنٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا: «كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَيُطَوِّلُ الْأُولَى وَيُقَصِّرُ الثَّانِيَةَ، وَيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانَا، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ» . وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» . وَعَنْهُ، وَعَنْ عُبَادَةَ، قَالَا: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» ، رَوَاهُمَا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الشالنجي. (وَفِيهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ (إحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً) ، أَوَّلُهَا اللَّامُ فِي اللَّهِ، وَآخِرُهَا تَشْدِيدَتَا الضَّالِّينَ. وَيُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي التَّشْدِيدِ وَالْمَدِّ. (فَإِنْ تَرَكَ) غَيْرُ مَأْمُومٍ (وَاحِدَةً) مِنْ تَشْدِيدَاتِهَا، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ، لِتَرْكِهِ حَرْفًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ الْمُشَدَّدَ أُقِيمَ مَقَامَ حَرْفَيْنِ. هَذَا إذَا فَاتَهُ مَحَلُّهَا وَبَعُدَ عَنْهُ، بِحَيْثُ يُخِلُّ بِالْمُوَالَاةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَأَعَادَ الْكَلِمَةَ، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، كَمَنْ نَطَقَ بِالْكَلِمَةِ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ، ثُمَّ أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ التَّشْدِيدِ سَهْوًا أَوْ خَطَأً، أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا، فَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي بُطْلَانَ صَلَاتِهِ، إنْ انْتَقَلَ عَنْ مَحَلِّهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَرْكَانِ. أَمَّا مَا دَامَ فِي مَحَلِّهَا وَهُوَ حَرْفُهَا، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْفُرُوعِ "، قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْفَاتِحَةَ رُكْنٌ وَاحِدٌ مَحَلُّهُ الْقِيَامُ، لَا أَنَّ كُلَّ حَرْفٍ رُكْنٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ: (أَوْ) تَرَكَ (تَرْتِيبَهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ (غَيْرُ مَأْمُومٍ) ، بِأَنْ كَانَ إمَامًا، أَوْ مُنْفَرِدًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 (بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ) عُرْفًا، (أَوْ بِذِكْرٍ) كَثِيرٍ، (أَوْ دُعَاءٍ) كَثِيرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا لِقَطْعِهِ مُوَالَاتَهَا. (أَوْ) قَطَعَهَا غَيْرُ مَأْمُومٍ بِ (قُرْآنٍ كَثِيرٍ) عُرْفًا، (لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا) ، أَيْ: أَنْ يَبْتَدِئَهَا مِنْ أَوَّلِهَا (إنْ تَعَمَّدَ) الْقَطْعَ الْمُبْطِلَ (بِخِلَافِ نَحْوِ سَهْوٍ وَنَوْمٍ) فَيُعْفَى عَنْهُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ لَوْ سَكَتَ كَثِيرًا نِسْيَانًا أَوْ نَوْمًا، أَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهَا غَلَطًا، فَطَالَ، بَنَى عَلَى مَا قَرَأَ مِنْهَا، (وَكَانَ) الْقَطْعُ (غَيْرَ مَشْرُوعٍ) . فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ مَشْرُوعًا كَسُكُوتِهِ لِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ بَعْدَ شُرُوعِهِ هُوَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَكَسُجُودِهِ لِتِلَاوَةٍ، وَسُؤَالِهِ الرَّحْمَةَ عِنْدَ آيَةِ رَحْمَةٍ، وَتَعَوُّذِهِ عِنْدَ آيَةِ عَذَابٍ، فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِعْرَاضٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ. (وَلَا تَبْطُلُ) الْقِرَاءَةُ (بِنِيَّةِ قَطْعِهَا) ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْقَطْعِ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَهُوَ مَعْنَوِيٌّ. وَإِنَّمَا جَعَلْنَا نِيَّةَ قَطْعِ الصَّلَاةِ مُؤَثِّرَةً فِيهَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ تَجِبُ اسْتِدَامَتُهَا فِيهَا حُكْمًا، وَالْقِرَاءَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ خَاصَّةٍ، فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا نِيَّةُ الْقَطْعِ. (وَلَوْ سَكَتَ يَسِيرًا) فَبَنَى عَلَى مَا قَرَأَهُ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِاللِّسَانِ فَلَمْ تَنْقَطِعْ، بِخِلَافِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ. (وَلَا) تَبْطُلُ (إنْ غَلِطَ) بِانْتِقَالِهِ عَنْ الْفَاتِحَةِ إلَى قِرَاءَةِ غَيْرِهَا، وَلَوْ طَالَ (فَرَجَعَ وَأَتَمَّ) ، فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهَا لِمَا تَقَدَّمَ. (وَسُنَّ قِرَاءَتُهَا) ، أَيْ: الْفَاتِحَةِ، (مُرَتَّلَةً مُعْرَبَةً) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] ، (يَقِفُ) فِيهَا (عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ) كَقِرَاءَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، (وَلَوْ تَعَلَّقَتْ) الْآيَةُ الثَّانِيَةُ (بِمَا بَعْدَهَا) ، أَيْ: بِالْأُولَى، تَعَلُّقَ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ، كَ: " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " بَعْدَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ". أَوْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً تَعَلُّقَ الْبَدَلِ بِالْمُبْدَلِ مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 كَ: " صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ " بَعْدَ " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ". (وَيُمْكِنُ حُرُوفُ مَدٍّ وَلِينٍ) . وَهِيَ: الْأَلِفُ اللَّيِّنَةُ، وَالْوَاوُ الْمَضْمُومُ مَا قَبْلَهَا، وَالْيَاءُ الْمَكْسُورُ مَا قَبْلَهَا، (مَا لَمْ يُؤَدِّ) التَّمْكِينُ (لِتَمْطِيطٍ) فَيَتْرُكُهُ. (وَهِيَ) ، أَيْ: الْفَاتِحَةُ (أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ) . وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَفْضَلُ سُورَةٍ. وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ، لِقَوْلِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا: «أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيَهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى. (وَأَعْظَمُ آيَةٍ فِيهِ) ، أَيْ: الْقُرْآنِ: (آيَةُ الْكُرْسِيِّ) ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ، بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ مِنْ الْمَعَانِي، وَالْبَلَاغَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْجَمِيعِ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ التَّفْضِيلَ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقِ لَا بِالذَّاتِ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا - أَيْ: آيَةُ الْكُرْسِيِّ - سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ. (وَكُرِهَ إفْرَاطٌ بِتَشْدِيدٍ وَمَدٍّ) ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ لِلْقِرَاءَةِ عَنْ مَوْضُوعِهَا. (وَ) كُرِهَ (قَوْلٌ مَعَ إمَامِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] وَنَحْوُهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ. (فَإِذَا فَرَغَ) مِنْ الْفَاتِحَةِ (قَالَ: آمِينَ، بِقَصْرِ) الْهَمْزَةِ، (وَمَدُّ) هَا (أَوْلَى، بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ، لِيُعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ) ، وَإِنَّمَا هِيَ طَابَعُ الدُّعَاءِ وَمَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ، وَقِيلَ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى. (وَحَرُمَ وَبَطَلَتْ) الصَّلَاةُ (إنْ شَدَّدَ مِيمَهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَعْنَى قَاصِدِينَ (يَجْهَرُ بِهَا إمَامٌ وَمَأْمُومٌ مَعًا) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَبُو وَائِلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 أَنَّ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «كَانَ يَقُولُ: آمِينَ، يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: " كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُؤَمِّنُ وَيُؤَمِّنُونَ، حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً ". رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ. (وَ) يَجْهَرُ بِهَا (مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ) مِنْ الْقِرَاءَةِ تَبَعًا لَهَا، (فَإِنْ تَرَكَهُ) ، أَيْ: التَّأْمِينَ (إمَامٌ) فِي جَهْرِيَّةٍ، (أَوْ أَسَرَّهُ) الْإِمَامُ فِيهَا، (أَتَى مَأْمُومٌ جَهْرًا) ؛ لِأَنَّ جَهْرَ الْمَأْمُومِ بِهِ سُنَّةٌ، فَلَا يَسْقُطُ بِتَرْكِ الْإِمَامِ لَهُ، كَتَرْكِ التَّعَوُّذِ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا نَسِيَهُ الْإِمَامُ فَيَجْهَرُ بِهِ الْمَأْمُومُ لِيَذْكُرَهُ، فَيَأْتِيَ بِهِ. (وَسُنَّ سُكُوتُ إمَامٍ بَعْدَهَا) ، أَيْ: بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، (بِقَدْرِ قِرَاءَةِ مَأْمُومٍ) الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ سَمُرَةَ، لِيَتَمَكَّنَ الْمَأْمُومُ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَ الْإِنْصَاتِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَام وَ (لَا) يُسَنُّ (قَوْلُ) مُصَلٍّ: (آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي التَّكْبِيرِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (وَيَلْزَمُ جَاهِلًا تَعَلُّمُ الْفَاتِحَةِ) ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَزِمَ تَحْصِيلُهَا إذَا أَمْكَنَهُ كَشُرُوطِهَا. (فَإِنْ) لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَعَلُّمِهَا، أَوْ (ضَاقَ وَقْتٌ) عَنْ التَّعَلُّمِ، سَقَطَ كَسَائِرِ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ، وَ (لَزِمَهُ قِرَاءَةُ قَدْرِهَا حُرُوفًا وَآيَاتٍ) مِنْ غَيْرِهَا مِنْ أَيِّ سُورَةٍ شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ، لِمُشَارَكَتِهِ لَهَا فِي الْقُرْآنِيَّةِ. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ عَدَدُ الْحُرُوفِ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ، بِدَلِيلِ اعْتِبَارِ تَقْدِيرِ الْحَسَنَاتِ بِهَا، فَاعْتُبِرَتْ كَالْأُمِّيِّ. (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ) مِنْ الْقُرْآنِ (إلَّا آيَةً) وَاحِدَةً (مِنْهَا) ، أَيْ: الْفَاتِحَةِ، (كَرَّرَهَا) ، أَيْ: الْآيَةَ الَّتِي يُحْسِنُهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ (بِقَدْرِهَا) لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهَا، فَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ. وَإِنْ أَحْسَنَ آيَةً فَأَكْثَرَ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَآيَةً فَأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا كَرَّرَ الَّذِي مِنْ الْفَاتِحَةِ بِقَدْرِهَا. (وَلَا يُجْزِئُهُ آيَةٌ مِنْ غَيْرِهَا) . ذَكَرَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا، (بِخِلَافِ) مَنْ عَرَفَ (بَعْضَ آيَةٍ) فَلَا يُكَرِّرُهُ وَيَعْدِلُ إلَى الذِّكْرِ. (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ قُرْآنًا) ، أَيْ: آيَةً فِيهِ، (حَرُمَ تَرْجَمَتُهُ) ، أَيْ: تَعْبِيرٌ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى، (إذْ) التَّرْجَمَةُ (لَا تُسَمَّى قُرْآنًا) ، بَلْ هِيَ تَفْسِيرٌ لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ تَعَالَى {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195] (فَلَا تَحْرُمُ) التَّرْجَمَةُ (عَلَى جُنُبٍ، وَلَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ) . وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] وَالْإِنْذَارُ بِالتَّرْجَمَةِ يَحْصُلُ بِالْمُفَسَّرِ الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ لَا بِالتَّفْسِيرِ. (وَتَحْسُنُ) تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ (لِحَاجَةِ تَفْهِيمٍ) بِهَا، وَتَكُونُ تِلْكَ التَّرْجَمَةُ عِبَارَةً عَنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ، وَتَفْسِيرًا لَهُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ، لَا قُرْآنًا، وَلَا مُعْجِزًا (وَلَزِمَهُ) ، أَيْ: مَنْ لَمْ يُحْسِنْ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ (قَوْلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد، عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ» . الْحَدِيثَ، وَمَنْ أَسْقَطَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، اعْتَمَدَ عَلَى حَدِيثِ رِفَاعَة ابْن رَافِع «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَلَّمَ رَجُلًا الصَّلَاةَ، فَقَالَ: إنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ، ثُمَّ ارْكَعْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ. تَنْبِيهٌ: الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ السَّابِقَ يُجْزِئُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِهَا، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ حَيْثُ اعْتَمَدَ أَنْ يُكَرِّرَ الذِّكْرَ، أَوْ يُضِيفَ إلَيْهِ ذِكْرًا آخَرَ حَتَّى يَصِيرَ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَدَلٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ. (فَإِنْ عَرَفَ بَعْضَهُ) أَيْ: بَعْضَ الذِّكْرِ الْمَذْكُورِ (كَرَّرَهُ) أَيْ: ذَلِكَ الْبَعْضَ (بِقَدْرِهِ) مُرَاعِيًا لِعَدَدِ الْحُرُوفِ وَالْجُمَلِ، كَمَنْ عَرَفَ آيَةً فَأَكْثَرَ مِنْ الْفَاتِحَةِ. (وَيَتَّجِهُ جَوَازُ تَرْجَمَةٍ هُنَا) أَيْ: فِيمَا إذَا عَرَفَ بَعْضَ الذِّكْرِ، وَعَجَزَ عَنْ بَيَانِ بَاقِيهِ فَيَأْتِي بِمَا عَرَفَهُ مِنْهُ، وَيُتَرْجِمُ عَنْ الْبَاقِي بِلُغَتِهِ، لِيَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ الذِّكْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ، بَعْضُهُ بِلَفْظِهِ، وَبَعْضُهُ بِمَعْنَاهُ وَهَذَا الِاتِّجَاهُ تَمِيلُ النَّفْسُ إلَيْهِ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ الذِّكْرَ بَدَلٌ عَنْ الْقُرْآنِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ، وَالتَّرْجَمَةُ عَنْ الذِّكْرِ بَدَلٌ عَنْهُ، وَهِيَ أَضْعَفُ مِنْ الْأَضْعَفِ، فَلَا تَقُومُ مَقَامَ مُبْدِلِهَا. (وَإِلَّا) يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ الذِّكْرِ، (وَقَفَ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ) الْفَاتِحَةِ (كَأَخْرَسَ) وَمَقْطُوعِ لِسَانٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، لَمْ تُجْزِئْهُ، فَمَعَ الْقُدْرَةِ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ وَالْقِيَامُ بِقَدْرِهَا؛ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا، لَزِمَهُ الْآخَرُ، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرَتْكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 مَا اسْتَطَعْتُمْ» . (وَلَا يَلْزَمُ) عَاجِزًا عَنْ الْفَاتِحَةِ إتْيَانُهُ (بِصَلَاةٍ خَلْفَ قَارِئٍ) ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمْ يَأْمُرْ السَّائِلَ بِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ. (وَيُسَنُّ لَهُ) أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ قَارِئٍ لِتَكُونَ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةً لَهُ، وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ. (وَمَنْ صَلَّى وَتَلَقَّفَ الْقِرَاءَةَ مِنْ غَيْرِهِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ) ، لِأَنَّهُ أَتَى بِفَرْضِ الْقِرَاءَةِ، أَشْبَهَ الْقَارِئَ مِنْ حِفْظِهِ، أَوْ مِنْ مُصْحَفٍ. وَالتَّلَقُّفُ: التَّنَاوُلُ بِسُرْعَةٍ. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ سُرْعَةُ التَّنَاوُلِ لِئَلَّا تَفُوتَ الْمُوَالَاةُ. (ثُمَّ يَقْرَأُ) الْمُصَلِّي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ حَالَ كَوْنِهِ (مُبَسْمِلًا) نَصًّا (سُورَةً كَامِلَةً نَدْبًا) . قَالَ فِي " شَرْحِ الْفُرُوعِ ": لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ سُورَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ (مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ) ، أَيْ: الْمُبَيَّنِ قَالَ تَعَالَى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 3] ، أَيْ: جُعِلَتْ تَفَاصِيلَ فِي مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ حِكَمٍ، وَأَمْثَالٍ، وَمَوَاعِظَ، وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَحَلَالٍ وَحَرَامٍ. وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ فِيهِ بَيْنَ السُّوَرِ. وَقِيلَ: لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ فِيهِ. (فِي) صَلَاةِ (فَجْرٍ، وَ) مِنْ (قِصَارِهِ فِي) صَلَاةِ (مَغْرِبٍ، وَفِي الْبَاقِي) مِنْ الْخَمْسِ، وَهِيَ: الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ (مِنْ أَوْسَاطِهِ) أَيْ: الْمُفَصَّلِ، لَكِنْ يَأْتِي فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّهُ يُطِيلُ فِي الظُّهْرِ أَكْثَرَ مِنْ الْعَصْرِ، لِحَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِنْ فُلَانٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْغَدَاةِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ، وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيِّ، وَلَفْظُهُ لَهُ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 (وَلَا يُكْرَهُ) أَنْ يَقْرَأَ مُصَلٍّ (لِعُذْرٍ: كَمَرَضٍ، وَسَفَرٍ) وَخَوْفٍ، وَغَلَبَةِ نُعَاسٍ، وَلُزُومِ غَرِيمٍ (بِأَقْصَرَ مِنْ ذَلِكَ) فِي فَجْرٍ، وَغَيْرِهَا لِلْعُذْرِ (وَإِلَّا) يَكُنْ عُذْرٌ (كُرِهَ بِقِصَارِهِ فِي فَجْرٍ) . نَصَّ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ. وَ (لَا) تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ (بِطِوَالِهِ فِي مَغْرِبٍ) . نَصَّ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ. «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَرَأَ فِيهَا بِالْأَعْرَافِ» ، وَالسُّورَةُ وَإِنْ قَصُرَتْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ سُورَةٍ. (وَأَوَّلُهُ) أَيْ: الْمُفَصَّلِ: سُورَةُ (ق) ، لِحَدِيثِ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ قَالَ: «سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَيْفَ يُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ» . (وَلَا يُعْتَدُّ بِالسُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ) لِعَدَمِ وُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا. (وَتَجُوزُ) أَيْ: تُجْزِئُ (آيَةٌ) ، إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ (أَحْمَدَ اسْتَحَبَّ أَنَّ أَوَّلَ الْمُفَصَّلِ: السُّورَةُ التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ) ، لَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَهِيَ: ق. قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. (وَآخِرُ طِوَالِهِ: إلَى) سُورَةِ (عَمَّ، وَأَوْسَاطُهُ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ سُورَةِ عَمَّ (لِلضُّحَى، وَقِصَارُهُ مِنْهَا) أَيْ: الضُّحَى (لِآخِرِهِ) أَيْ: الْقُرْآنِ. (وَلَا يُعْتَدُّ بِالسُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ) لِعَدَمِ وُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا. (وَتَجُوزُ) أَيْ: تُجْزِئُ (آيَةٌ، إلَّا أَنَّ) الْإِمَامَ (أَحْمَدُ اسْتَحَبَّ: أَنْ تَكُونَ طَوِيلَةً كَآيَةِ الدَّيْنِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ) لِتُشْبِهَ بَعْضَ السُّوَرِ الْقِصَارِ قَالَ فِي: " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ: عَدَمُ إجْزَاءِ آيَةٍ لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى أَوْ حُكْمٍ، نَحْوُ: {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] ، وَ {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] . (فَإِنْ قَرَأَ مِنْ أَثْنَاءِ سُورَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَسْمِلَ نَصًّا) . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَيَجُوزُ قِرَاءَةُ آخِرِ سُورَةٍ، وَأَوْسَطِهَا، فَيُسَمِّي إذَنْ. انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ حَتَّى بَرَاءَةَ، وَلِبَعْضِ الْقُرَّاءِ فِيهِ تَرَدُّدٌ. وَإِنْ كَانَ يَقْرَأُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ؛ فَإِنْ شَاءَ جَهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ، وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ، كَمَا يُخَيَّرُ فِي الْقِرَاءَةِ. وَيُكْرَهُ اقْتِصَارُ مُصَلٍّ عَلَى سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 (وَحَرُمَ تَنْكِيسُ الْكَلِمَاتِ) الْقُرْآنِيَّةِ؛ لِإِخْلَالِهِ بِنَظْمِهَا. (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِهِ عَمْدًا) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِإِخْلَالِهِ نَظْمَهُ كَلَامًا أَجْنَبِيًّا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ. وَ (لَا) يَحْرُمُ تَنْكِيسُ (السُّوَرِ) وَلَا تَنْكِيسُ (الْآيَاتِ) ، وَلَا تَبْطُلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ، لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ يُعْتَبَرُ تَرْتِيبُهَا. (وَيُكْرَهُ) تَنْكِيسُ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تَعَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ. (كَ) مَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةِ (بِكُلِّ الْقُرْآنِ فِي) صَلَاةِ (فَرْضٍ) ، لِلْإِطَالَةِ، وَعَدَمِ نَقْلِهِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بِكُلِّهِ فِي نَفْلٍ، (أَوْ) أَيْ: وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ (بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ) ظَاهِرُهُ: فِي الْفُرُوضِ، وَالنَّفَلِ وَ (لَا) يُكْرَهُ (تَكْرَارُ سُورَةٍ) فِي رَكْعَتَيْنِ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا» رَوَاهُ سَعْدُ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُكْرَهُ (تَفْرِيقُهَا) أَيْ: السُّورَةِ (فِي رَكْعَتَيْنِ) ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «كَانَ يَقْرَأُ الْبَقَرَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَلَا) يُكْرَهُ أَيْضًا (جَمْعُ سُوَرٍ فِي رَكْعَةٍ، وَلَوْ فِي فَرْضٍ) ، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَؤُمُّهُمْ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ كُلِّ سُورَةٍ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ؟ فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ: حُبُّكَ إيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ» . وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَكْتُوبَةِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ". (وَلَا) يُكْرَهُ أَيْضًا (قِرَاءَةُ آخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا) ، لِعُمُومِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] . وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ يَقْرَأُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 الْأُولَى مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَوْله تَعَالَى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُكْرَهُ لِمُصَلٍّ (مُلَازَمَةُ) قِرَاءَةِ (سُورَةٍ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ (مَعَ اعْتِقَادِ جَوَازِ غَيْرِهَا) وَمَعَ اعْتِقَادِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِهَا لِلْخَبَرِ. وَإِلَّا حَرُمَ اعْتِقَادُهُ لِفَسَادِهِ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (تَرْتِيبُ الْآيَاتِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَهَا بِالنَّصِّ إجْمَاعًا، وَتَرْتِيبُ السُّوَرِ بِالِاجْتِهَادِ لَا بِالنَّصِّ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ: الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ) فَيَجُوزُ قِرَاءَةُ هَذِهِ السُّورَةِ قَبْلَ هَذِهِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرُهُ. وَكَذَا تَجُوزُ كِتَابَةُ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ، وَلِهَذَا تَنَوَّعَتْ مَصَاحِفُ الصَّحَابَةِ فِي كِتَابَتِهَا فَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ تَنْكِيسُ الْآيَاتِ. وَالْمَذْهَبُ يُكْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَمَّا اتَّفَقُوا) أَيْ: الصَّحَابَةُ، (عَلَى الْمُصْحَفِ زَمَنَ عُثْمَانَ) بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (صَارَ هَذَا مِمَّا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ) أَيْ: حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» . الْحَدِيثَ (أَنَّ لَهُمْ سُنَّةً يَجِبُ اتِّبَاعُهَا) لِلْخَبَرِ. (وَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِقِرَاءَةٍ تَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ) كَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ؛ لِعَدَمِ تَوَاتُرِهَا. (وَيَتَّجِهُ هُنَا) أَيْ: عَدَمُ الصِّحَّةِ، إنَّمَا يَكُونُ (فِي قِرَاءَةٍ تُبْدِلُ الْحُرُوفَ) بِغَيْرِهَا (كَقِرَاءَةِ يَعْبُدُ: بِالْيَاءِ) الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ (وَ) فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 قِرَاءَةِ (مَنْ أَنْعَمْت) بِفَتْحِ الْمِيمِ (بَدَلَ الَّذِينَ) لِأَنَّهَا مِنْ الشَّوَاذِّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى قَارِئٍ أَنْ يَقْرَأَ بِمَا خَرَجَ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ (لِعَدَمِ تَوَاتُرِهِ) (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِمَا وَافَقَ الْمُصْحَفَ) الْعُثْمَانِيَّ، (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَشَرَةِ نَصًّا) أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مُصْحَفِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ كَسُورَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَزِيَادَةِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَنَعَ الْقِرَاءَةَ بِالثَّلَاثَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى السَّبْعِ، وَلَكِنْ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا، أَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ، وَلَا أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَنْ عَلِمَ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَالْعَشَرَةُ هُمْ قُرَّاءُ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورُونَ: فَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اثْنَانِ: أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ. وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ. وَمِنْ الْبَصْرَةِ: أَبُو عَمْرٍو، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ. وَمِنْ الْكُوفَةِ: عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، وَحَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ الزَّيَّاتُ القسملي وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الْكِسَائِيُّ، وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي " الرِّعَايَةِ " قَيْدٌ آخَرُ: مَعَ مُوَافَقَةِ مُصْحَفِ عُثْمَانَ، وَهُوَ: صِحَّةُ سَنَدِهِ عَنْ صَحَابِيٍّ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ ذَلِكَ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْفُرُوعِ ": وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ، مَا وَافَقَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ، وَصَحَّ سَنَدُهُ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ قِرَاءَةِ الْعَشَرَةِ؛ فَهَذَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَالثَّانِي: مَا وَافَقَهُ، وَصَحَّ سَنَدُهُ عَنْ صَحَابِيٍّ، وَلَكِنَّهُ خَرَجَ عَنْ قِرَاءَةِ الْعَشَرَةِ، فَهَذَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ أَيْضًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قِرَاءَةِ الْعَشَرَةِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ أَيْضًا. وَالثَّالِثُ: مَا خَرَجَ عَنْ مُصْحَفِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 عُثْمَانَ، فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ. (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ قِرَاءَةَ حَمْزَةَ، وَالْكِسَائِيِّ) وَإِنْ كَانَتَا مُتَوَاتِرَتَيْنِ لِمَا يَأْتِي. وَ (لَا) تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بِقِرَاءَةِ (غَيْرِهِمَا) ، أَيْ: غَيْرِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ (مِنْ الْعَشَرَةِ) الْمَذْكُورِينَ. (وَ) عَنْهُ: يُكْرَهُ (الْإِدْغَامُ الْكَبِيرُ لِأَبِي عَمْرٍو) لِلْإِدْغَامِ الشَّدِيدِ. (وَإِنَّمَا كَرِهَ) الْإِمَامُ (قِرَاءَةَ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ لِزِيَادَةِ الْمَدِّ، وَلِلْكَسْرِ وَالْإِدْغَامِ الشَّدِيدَيْنِ، فَيَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حَرْفٍ بِعَشْرِ حَسَنَاتٍ) وَلِهَذَا يُعْتَمَدُ: أَنَّ الْحَرْفَ الَّذِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعَشْرُ حَسَنَاتٍ، هُوَ الْحَرْفُ مِنْ الْكَلِمَةِ، لَا الْكَلِمَةُ كُلُّهَا (وَاخْتَارَ) الْإِمَامُ (قِرَاءَةَ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ) ؛ لِأَنَّ إسْمَاعِيلَ قَرَأَ عَلَى شَيْبَةَ شَيْخِ نَافِعٍ. (ثُمَّ) الْمُخْتَارُ بَعْدَ قِرَاءَةِ نَافِعٍ (قِرَاءَةُ عَاصِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ) ؛ لِأَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عُثْمَانَ وَعَلَى زَيْدٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ اخْتَارَهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ مَنْ أَخَذَهَا عَنْهُ، مَعَ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَزُهْدٍ. (وَمَالِكِ أَحَبُّ إلَى) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ مِنْ مَلِكِ) . وَكُلُّ قِرَاءَةٍ فِيهَا زِيَادَةُ حَرْفٍ مِثْلُ: فَأَزَالَهُمَا، وَأَزَلَّهُمَا وَأَوْصَى وَوَصَّى، فَهِيَ أَوْلَى لِأَجْلِ زِيَادَةِ الْعَشْرِ حَسَنَاتٍ، نَقَلَهُ حَرْبٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 (وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: كَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ لَا يُدْغِمُ شَيْئًا فِي الْقُرْآنِ إلَّا اتَّخَذْتُمْ، وَبَابُهُ) لِأَنَّهَا قِرَاءَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ. (وَ) كَانَ (يَمُدُّ) الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْفَصِلَ وَالْبَدَلَ (مَدًّا مُتَوَسِّطًا) مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ فَيَجْعَلُ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْفَصِلَ ثَلَاثَ أَلِفَاتٍ وَالْبَدَلَ أَلِفًا وَاحِدًا. (وَسُنَّ جَهْرُ إمَامٍ بِقِرَاءَةِ) الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ (فِي صُبْحِ بَرُوكٍ وَعِيدٍ، وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَتَرَاوِيحَ وَوِتْرٍ بَعْدَهَا، وَفِي أُولَتَيْ مَغْرِبٍ، وَعِشَاءٍ وَيُسِرُّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ) لِثُبُوتِ ذَلِكَ بِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ عَنْهُ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ كُسُوفٍ. (وَكُرِهَ لِمَأْمُومٍ) جَهْرٌ بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ، وَالْإِنْصَاتِ لَهَا، وَإِسْمَاعُهُ الْقِرَاءَةَ لِغَيْرِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ. (وَ) كُرِهَ (لِكُلِّ مُصَلٍّ) جَهْرٌ بِقِرَاءَةٍ (نَهَارًا فِي نَفْلٍ) غَيْرِ كُسُوفٍ، وَاسْتِسْقَاءٍ (وَيُخَيَّرُ مُنْفَرِدٌ) فِي جَهْرٍ بِقِرَاءَةٍ، وإخفات فِي جَهْرِيَّةٍ. (وَ) يُخَيَّرُ أَيْضًا (قَائِمٌ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ) مِنْ صُبْحٍ، وَأُولَيَيْ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ. وَتَرْكُ الْجَهْرِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إسْمَاعُ نَفْسِهِ، وَجَازَ لَهُ الْجَهْرُ لِشَبَهِهِ بِالْإِمَامِ فِي عَدَمِ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ. (وَيُسِرُّ) مُصَلٍّ بِقِرَاءَةٍ (فِي قَضَاءِ صَلَاةِ جَهْرٍ) كَصُبْحٍ (نَهَارًا مُطْلَقًا) ، أَيْ: فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا، اعْتِبَارًا بِزَمَنِ الْقَضَاءِ (وَيَجْهَرُ بِهَا) أَيْ: الْقِرَاءَةِ، فِي صَلَاةِ جَهْرٍ قَضَاهَا (لَيْلًا فِي جَمَاعَةٍ) اعْتِبَارًا بِزَمَنِ الْقَضَاءِ وَشَبَهِهَا بِالْأَدَاءِ، لِكَوْنِهَا فِي جَمَاعَةٍ. فَإِنْ قَضَاهَا مُنْفَرِدًا أَسَرَّهَا لِفَوَاتِ شَبَهِهَا بِالْأَدَاءِ (وَفِي) قِرَاءَةِ صَلَاةِ (نَفْلٍ) لَيْلًا (يُرَاعِي الْمَصْلَحَةَ) فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، مَنْ يَتَأَذَّى بِجَهْرِهِ، أَسَرَّ وَإِنْ كَانَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِجَهْرِهِ، جَهَرَ. (قَالَ) الْمُحِبُّ (بْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْكَتَّانِيُّ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ النَّهَارَ هُنَا مِنْ طُلُوعِ شَمْسٍ) لَا مِنْ طُلُوعِ فَجْرٍ، وَاللَّيْلُ مِنْ غُرُوبِهَا إلَى طُلُوعِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْأَذَانِ مَعْنَاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 [فَصْلٌ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَام مِنْ الْقِرَاءَةِ] (فَصْلٌ) ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ يَثْبُتُ قَائِمًا، وَيَسْكُتُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ نَفَسُهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، وَلَا يَصِلُ قِرَاءَتَهُ بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ. قَالَ أَحْمَدُ، لِحَدِيثِ سَمُرَةَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: «فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ سَكَتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. ثُمَّ (يَرْكَعُ مُكَبِّرًا) أَيْ: قَائِلًا فِي هَوِيِّهِ لِرُكُوعِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، (رَافِعًا يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَائِهِ) ، أَيْ: التَّكْبِيرِ، إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ كَرَفْعِهِ الْأَوَّلِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا رَأَى رَجُلًا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَصَّبَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ " وَمَضَى عَمَلُ السَّلَفِ عَلَى هَذَا. (فَيَضَعُ) رَاكِعٌ (يَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) مُلِفًّا كُلَّ يَدٍ عَلَى رُكْبَتِهِ، لِمَا فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ عَنْ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «وَإِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَرَّجَ أَصَابِعَهُ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ» . (وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ مُسْتَوِيًا وَيَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَهُ) ، أَيْ: حِيَالَ ظَهْرِهِ، لَا يَرْفَعُهُ وَلَا يَخْفِضُهُ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذَا رَكَعَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ: «أَنَّهُ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ إذَا رَكَعَ لَوْ كَانَ قَدَحُ مَاءٍ عَلَى ظَهْرِهِ مَا تَحَرَّكَ لِاسْتِوَاءِ ظَهْرِهِ» . ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ وَابِصه بْنِ مَعْبَدٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُصَلِّي، وَكَانَ إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ» . (وَيُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ) لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكَعَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا، وَوَتَّرَ يَدَيْهِ فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. (وَالْمُجْزِئ) فِي الرُّكُوعِ انْحِنَاؤُهُ (بِحَيْثُ يُمْكِنُ) مَنْ كَانَ (وَسَطًا) فِي الْخِلْقَةِ (مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِكَفَّيْهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ) لَا يُسَمَّى رَاكِعًا بِدُونِهِ، وَ (لَا يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ قِيَامٍ لِرُكُوعٍ إلَّا بِهِ) أَيْ: بِالْمَسِّ (أَوْ قَدْرِهِ) أَيْ: قَدْرِ هَذَا الِانْحِنَاءِ (مِنْ غَيْرِ وَسَطٍ) كَطَوِيلِ الْيَدَيْنِ، وَقَصِيرِهِمَا، فَيَنْحَنِي حَتَّى يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ، لَأَمْكَنَهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ. (وَ) قَدْرُ الْمُجْزِئ (مِنْ قَاعِدٍ مُقَابَلَةُ وَجْهِهِ) بِانْحِنَائِهِ (مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ أَدْنَى) ، أَيْ: أَقَلَّ (مُقَابَلَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ قَاعِدًا مُعْتَدِلًا، لَا يَنْظُرُ مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ، فَإِذَا انْحَنَى بِحَيْثُ يَرَى مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْهَا، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ مِنْ الرُّكُوعِ. (وَتَتِمَّتُهَا) أَيْ: تَتِمَّةُ مُقَابَلَةِ مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ، (الْكَمَالُ) فِي رُكُوعِ قَاعِدٍ. وَقَالَ الْمَجْدُ: ضَابِطُ الْإِجْزَاءِ: الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ أَنْ يَكُونَ انْحِنَاؤُهُ إلَى الرُّكُوعِ الْمُعْتَدِلِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقِيَامِ الْمُعْتَدِلِ. (وَيَنْوِيهِ) ، أَيْ: الرُّكُوعَ، (أَحْدَبُ لَا يُمْكِنُهُ) رُكُوعٌ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا. فَإِنْ أَمْكَنَهُ بَعْضُهُ، كَعَاجِزٍ عَنْ الِانْحِنَاءِ الْمُجْزِئ لِلصَّحِيحِ، أَوْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الِانْحِنَاءِ إلَّا عَلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . (وَمَنْ انْحَنَى لِتَنَاوُلِ شَيْءٍ، وَلَمْ يَخْطِرْ رُكُوعٌ بِبَالِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ) لِعَدَمِ نِيَّتِهِ. (وَلَوْ سَقَطَ) رَاكِعٌ إلَى الْأَرْضِ (لِعِلَّةٍ) طَرَأَتْ عَلَيْهِ، أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 كَانَتْ بِهِ وَسَقَطَ مِنْهَا (قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْهُ) ، أَيْ: الرُّكُوعِ، (عَادَ) ، أَيْ: لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى الرُّكُوعِ، لِيَأْتِيَ بِالرَّفْعِ بَعْدَهُ، ثُمَّ يَسْجُدُ هَذَا (إنْ زَالَتْ) الْعِلَّةُ الَّتِي سَقَطَ مِنْهَا. وَ (لَا) يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الرُّكُوعِ إنْ كَانَ زَوَالُهَا (بَعْدَ سُجُودِهِ) لِفَوَاتِ مَحَلِّ الرُّكُوعِ بِالسُّجُودِ، فَتَلْغُو تِلْكَ الرَّكْعَةُ، وَتَقُومُ الَّتِي تَلِيهَا مَقَامَهَا. (فَإِنْ عَادَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ السُّجُودِ إلَى الرُّكُوعِ (عَالِمًا) عَمْدًا، (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) . وَإِنْ كَانَ سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا، وَجَبَ السُّجُودُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجْزِهِ فَهُوَ كَمَنْ تَرَكَهُ. وَلَوْ سَقَطَ عَلَى جَنْبِهِ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ، وَانْقَلَبَ سَاجِدًا، لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ. فَإِنْ سَقَطَ سَاجِدًا، أَجْزَأَهُ بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَيْئَتِهِ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَيَتَّجِهُ: لَوْ سَقَطَ) مُصَلٍّ (قَبْلَ رُكُوعٍ) لِعِلَّةٍ (فَرَكَعَ جَالِسًا) ، ثُمَّ زَالَتْ الْعِلَّةُ، (لَا يَعُودُ) أَيْ: لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِيَرْكَعَ قَائِمًا، وَلَوْ كَانَ زَوَالُ عِلَّةٍ (قَبْلَ سُجُودٍ) كَذَا قَالَ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ قُنْدُسٍ: عَدَمُ سُقُوطِ الْقِيَامِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، مَا لَمْ يَتَلَبَّسْ بِالسُّجُودِ، فَتَفَطَّنَ لِذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 (وَيَقُولُ) فِي رُكُوعِهِ: (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ) لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَفِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ " فَلَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قَالَ: " اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد. وَالْأَفْضَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ: وَبِحَمْدِهِ، وَالْوَاجِبُ مَرَّةٌ كَمَا يَأْتِي. وَالسُّنَّةُ (ثَلَاثًا، وَهُوَ أَدْنَى الْكَمَالِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَذَلِكَ أَدْنَاهُ. (وَأَعْلَاهُ) أَيْ: الْكَمَالُ (لِإِمَامٍ عَشْرٌ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَا الْغُلَامِ يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ فَحَزَرْنَا فِي الرُّكُوعِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ وَفِي السُّجُودِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ» (وَ) أَعْلَى الْكَمَالِ فِي التَّسْبِيحِ (لِمُنْفَرِدٍ: الْعُرْفُ) أَيْ: الْمُتَعَارَفُ فِي مَوْضِعِهِ، وَسَكَتَ عَنْ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ (وَكَذَا: سُبْحَانَ رَبِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 الْأَعْلَى، فِي سُجُودِهِ) أَيْ: حُكْمُهَا حُكْمُ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ فِيمَا تَقَدَّمَ. (وَالْكَمَالُ فِي: رَبِّ اغْفِرْ لِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ثَلَاثٌ) ، إمَامًا كَانَ أَوْ مُنْفَرِدًا (فِي غَيْرِ صَلَاةِ كُسُوفٍ فِي الْكُلِّ) لِمَا فِيهَا مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّطْوِيلِ. (وَتُكْرَهُ قِرَاءَةٌ فِيهِ) أَيْ: الرُّكُوعِ (وَفِي سُجُودٍ) لِنَهْيِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِأَنَّهُمَا حَالُ ذُلٍّ وَانْخِفَاضٍ، وَالْقُرْآنُ أَشْرَفُ الْكَلَامِ. (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مَعَ يَدَيْهِ) إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ (قَائِلًا إمَامٌ وَمُنْفَرِدٌ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَمَعْنَاهُ: أَجَابَ) حَالَ كَوْنِهِ (مُرَتَّبًا وُجُوبًا) لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ يَا بُرَيْدَةُ إذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنْ الرُّكُوعِ، فَقُلْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَلَوْ قَالَ: مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ، لِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْأَوَّلَ صِيغَةٌ تَصْلُحُ لِلدُّعَاءِ، وَالثَّانِيَ صِيغَةُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ، فَافْتَرَقَا. وَمَعْنَى سَمِعَ، أَيْ: تَقَبَّلَهُ وَجَازَاهُ عَلَيْهِ. (ثُمَّ إنْ شَاءَ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا) بِجَانِبِهِ، فَيُخَيَّرُ نَصًّا. (فَإِذَا قَامَ) أَيْ: اسْتَوَى قَائِمًا، حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى مَوْضِعِهِ، لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى قَائِمًا حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ» . (قَالَ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) بِلَا وَاوٍ، لِوُرُودِ الْخَبَرِ بِهِ (وَبِوَاوٍ أَفْضَلُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» . وَلِكَوْنِهِ أَكْثَرَ حُرُوفًا، وَيَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ مُقَدَّرًا وَمُظْهَرًا، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ حَمِدْنَاكَ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الظَّاهِرِ مَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي الْكَلَامِ مُقَدَّرًا (وَمَعَ تَرْكِهَا) أَيْ: الْوَاوِ؛ (فَالْأَفْضَلُ) قَوْلُ: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ لِوُرُودِهِ فِي خَبَرِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 (ثُمَّ يَزِيدُ غَيْرُ مَأْمُومٍ نَدْبًا بَعْدَ رَفْعٍ) مِنْ رُكُوعٍ، وَقَوْلُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ أَوْ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ (مِلْءُ السَّمَاءِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) أَيْ: بَعْدَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَالْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَعْلَمُ سَعَتَهُ إلَّا اللَّهُ، لِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: «أَنَّ النَّبِيَّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاءِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْمَعْنَى حَمْدًا لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ ذَلِكَ. (وَ) نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: (إنْ شَاءَ زَادَ) عَلَى ذَلِكَ (أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ) قَالَ أَحْمَدُ: وَأَنَا أَقُولُهُ، فَظَاهِرُهُ يُسْتَحَبُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِمَا. وَأَهْلَ مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ: أَنْتَ أَهْلُهُمَا (أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: «ذُكِرَتْ - الْحُدُودُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الْخَيْلِ، وَقَالَ آخَرُ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الْإِبِلِ، وَقَالَ آخَرُ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الْغَنَمِ، وَقَالَ آخَرُ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الرَّقِيقِ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، صَلَاتَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ الرَّكْعَةِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، قَالَ " وَطَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، صَوْتَهُ بِالْجَدِّ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ " هَكَذَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ السَّمَاوَاتِ بِالْجَمْعِ، وَالْجَدُّ: الْحَظُّ، أَيْ: لَا يَنْفَعُ ذَا الْحَظِّ حَظُّهُ مِنْ الدُّنْيَا بِذَلِكَ، أَيْ: بَدَلُ طَاعَتِكَ أَوْ بَدَلُ حَظِّكَ، أَيْ: بَدَلُ حَظِّهِ مِنْكَ، قَالَهُ، فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ " (أَوْ) يَقُولُ (غَيْرُهُ مِمَّا وَرَدَ) ، وَمِنْهُ: " اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْوَسَخِ ". (وَمَأْمُومٌ يُحَمِّدُ) بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ: يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَنَحْوُهُ (فَقَطْ حَالَ رَفْعِهِ) مِنْ الرُّكُوعِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَأَمَّا قَوْلُ: مِلْءُ السَّمَاءِ وَمَا بَعْدَهُ فَلَا يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ (وَإِنْ عَطَسَ) الْمُصَلِّي (إذَنْ) أَيْ: طَالَ رَفْعُهُ مِنْ الرُّكُوعِ (فَحَمِدَ) اللَّهَ (لَهُمَا جَمِيعًا) بِأَنْ قَالَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا وَرَدَ نَاوِيًا الْعُطَاسَ وَذِكْرَ الِانْتِقَالِ (لَمْ يُجْزِهِ، نَصًّا) هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ جَوَابًا عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ التَّحْمِيدِ؛ لِأَنَّ الْإِجْزَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ وَالْحَمْدُ لِلْعَاطِسِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِهِ) أَيْ الْحَمْدِ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ، وَالْأَذْكَارُ الْوَاجِبَةُ فِي الصَّلَاةِ إذَا قَصَدَ بِهَا مَعَ وَاجِبِ الصَّلَاةِ أَمْرًا آخَرَ مَشْرُوعًا، أَوْ غَيْرَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الْوَاجِبِ فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي مَسْأَلَتِنَا يُعِيدُ الْحَمْدَ ثَانِيًا قَبْلَ هَوِيِّهِ إلَى السُّجُودِ، وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ (وَمِثْلُهُ) لَوْ عَطَسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ لِعُطَاسِهِ، وَ (لِشُرُوعٍ) فِي (فَاتِحَةٍ) لَمْ يُجْزِهِ لِمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُسَبِّحْ فِي رُكُوعِهِ، لَمْ يَعُدْ إلَى الرُّكُوعِ إذَا ذَكَرَهُ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى رُكْنٍ مَقْصُودٍ، فَلَا يَعُودُ إلَى وَاجِبٍ. فَإِنْ عَادَ إلَى التَّسْبِيحِ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ، فَقَدْ زَادَ رُكُوعًا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ، فَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ. (ثُمَّ) بَعْدَ الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ (يَخِرُّ) سَاجِدًا (مُكَبِّرًا وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو حُمَيْدٍ فِي وَصْفِ صَلَاتِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ) أَوَّلًا بِالْأَرْضِ، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا " وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ " قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْ: الَّذِي فِيهِ وَضْعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ، وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْهُ «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ، وَلَا يَبْرُكْ بُرُوكَ الْبَعِيرِ» . وَعَنْ سَعْدٍ قَالَ: «كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ، فَأَمَرَنَا بِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ» لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ. (ثُمَّ) يَضَعُ (يَدَيْهِ) ، أَيْ: كَفَّيْهِ (ثُمَّ) يَضَعُ (جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَيَكُونُ) فِي سُجُودِهِ (عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ) أَيْ: أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ، مَثْنِيَّةً إلَى الْقِبْلَةِ، لِحَدِيثِ «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَجَدَ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ، وَلَا قَابِضَهُمَا» (وَيُسَبِّحُ) فِي سُجُودِهِ فَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى (وَالسُّجُودُ بِالْمُصَلَّى عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ) السَّبْعَةِ أَيْ: مَعَ الْأَنْفِ: (فَرْضٌ لِقَادِرٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَمَرَ النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنْ يُسْجَدَ عَلَى سَبْعَةٍ، وَلَا يَكْفِ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا: الْجَبْهَةَ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْأَثْرَمِ، وَسَعِيدٍ فِي سُنَنِهِمَا " عَنْ عِكْرِمَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُصِيبُ الْأَنْفَ مِنْهَا مَا يُصِيبُ الْجَبْهَةَ» . وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَضَعْ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ» . (وَيَتَّجِهُ) وُجُوبُ السُّجُودِ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ (فِي آنٍ وَاحِدٍ) ، بِحَيْثُ لَا يَجْعَلُ بَيْنَ وَضْعِ عُضْوٍ وَآخَرَ فَاصِلًا طَوِيلًا، فَلَوْ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ صَبَرَ مِقْدَارَ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، ثُمَّ وَضَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 يَدَيْهِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَ (لَا) تَجِبُ (مُبَاشَرَتُهَا لَهُ) أَيْ: لِلْمُصَلِّي، (بِشَيْءٍ مِنْهَا) ، أَيْ: مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ. أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي الْقَدَمَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَيَشْهَدُ لَهُ فِي الْجَبْهَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ فِي الْأَرْضِ، بَسَطَ ثَوْبَهُ مِنْ الْأَرْضِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ» ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كُوَرِ عِمَامَتِهِ» ، (وَكُرِهَ تَرْكُهَا) أَيْ: مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِالْيَدَيْنِ وَالْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ، (بِلَا عُذْرٍ) مِنْ (نَحْوِ حَرٍّ) ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ مَرَضٍ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَأَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ (سِوَى رُكْبَتَيْنِ، فَيُكْرَهُ كَشْفُهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، (فَلَوْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ، غَيْرِ أَعْضَاءِ، سُجُودٍ كَكُوَرِ عِمَامَتِهِ، وَكُمِّهِ وَذَيْلِهِ، صَحَّتْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 صَلَاتُهُ. (وَيُجْزِئُ بَعْضُ كُلِّ عُضْوٍ) فِي السُّجُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيَّدْ فِي الْحَدِيثِ فِي الْكُلِّ. وَيُجْزِئُهُ (وَلَوْ) كَانَ سُجُودُهُ عَلَى (ظَهْرِ كَفٍّ، وَ) ظَهْرِ (قَدَمٍ) ، وَأَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْنِ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ «أَنَّهُ قَدْ سَجَدَ عَلَى يَدَيْهِ، أَوْ قَدَمِهِ» وَ (لَا) يُجْزِئُهُ السُّجُودُ (إنْ كَانَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) كَوَضْعِ يَدَيْهِ تَحْتَ رُكْبَتَيْهِ، أَوْ جَبْهَتِهِ عَلَى يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَدَاخُلِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ. (وَمَنْ عَجَزَ) عَنْ السُّجُودِ (بِجَبْهَتِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ) سُجُودٌ (بِغَيْرِهَا) مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهَا أَصْلًا فِي وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَيْهَا، وَجَعَلُوا غَيْرَهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ (تَبَعًا لَهَا) ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَفَعَهُ: «أَنَّ الْيَدَيْنِ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ، فَإِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ وَإِذَا رَفَعَهُ فَلْيَرْفَعْهُمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْيَدَيْنِ يُوضَعَانِ بَعْدَ وَضْعِ الْوَجْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ السُّجُودَ بِهِمَا تَبَعٌ لِلسُّجُودِ بِهِ. وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْيَدَيْنِ، فَبَقِيَّةُ أَعْضَاءِ السُّجُودِ مِثْلُهُمَا لِعَدَمِ الْفَارِقِ. (وَيُومِئُ) عَاجِزٌ عَنْ السُّجُودِ عَلَى جَبْهَتِهِ، غَايَةَ (مَا يُمْكِنُهُ) وُجُوبًا، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . (وَسُنَّ أَنْ يُجَافِيَ) رَجُلٌ فِي سُجُودِهِ (عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَ) أَنْ يُجَافِيَ (بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَهُمَا) أَيْ: فَخِذَاهُ (عَنْ سَاقَيْهِ) ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذَا سَجَدَ تَجَنَّحَ فِي سُجُودِهِ حَتَّى يُرَى وَضَحُ إبْطَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (مَا لَمْ يُؤْذِ جَارَهُ) بِذَلِكَ، (فَ) يَجِبُ تَرْكُهُ، وَ (يَحْرُمُ) عَلَيْهِ فِعْلُهُ لِحُصُولِ الْإِيذَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. (وَ) سُنَّ لَهُ أَنْ يَضَعَ (يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مَرْفُوعًا: «كَانَ إذَا سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. (وَلَهُ) أَيْ: الْمُصَلِّي، (أَنْ يَعْتَمِدَ بِمِرْفَقَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ إنْ طَالَ) سُجُودُهُ لِيَسْتَرِيحَ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ شَكَوْا إلَيْهِ مَشَقَّةَ السُّجُودِ عَلَيْهِمْ: «اسْتَعِينُوا بِالرُّكَبِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَ) سُنَّ لَهُ أَنْ (يُفَرِّقَ رُكْبَتَيْهِ) لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ: «وَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ» (وَ) سُنَّ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ (أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ) إنْ أَمْكَنَ، وَ (لَا) يُفَرِّقُهَا (إنْ تَعَذَّرَ) عَلَيْهِ تَفْرِيقُهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ (بِنَحْوِ خُفٍّ) كَجَوْرَبٍ (وَيُوَجِّهُهَا لِقِبْلَةٍ) لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ، وَلَا قَابِضَهُمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «وَفَتَخَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ» . يُقَالُ: فَتَخَ: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَأَصْلُ الْفَتْخِ: اللِّينُ، أَيْ: نَصَبَهُمَا، وَغَمَزَ الْمَفَاصِلَ مِنْهُمَا، وَثَنَاهَا إلَى بَاطِنِ الرِّجْلِ. (وَإِنْ عَلَا مَوْضِعُ رَأْسِهِ عَلَى) مَوْضِعِ (قَدَمَيْهِ، فَلَمْ تَسْتَعْلِ أَسَافِلُهُ بِلَا حَاجَةٍ فَلَا بَأْسَ بِيَسِيرِهِ) صَحَّحَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرِهِ، (وَكُرِهَ كَثِيرُهُ) أَيْ: يُكْرَهُ الْكَثِيرُ مِنْ ذَلِكَ. (وَلَا يُجْزِئُ) سُجُودُهُ مَعَ عَدَمِ اسْتِعْلَاءِ الْأَسَافِلِ (إنْ خَرَجَ عَنْ صِفَةِ سُجُودٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاجِدًا. [فَصْلٌ رَفْعُ الرَّأْسِ مِنْ السُّجُود وصفة الْجُلُوس فِي الصَّلَاة] (فَصْلٌ) (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ) مِنْ سُجُودِهِ (مُكَبِّرًا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ «ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ» مُتَّفَقٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 عَلَيْهِ. (وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا عَلَى يُسْرَاهُ) ، بِأَنْ يَبْسُطَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسَ عَلَيْهَا (وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ) أَيْ: يُمْنَى رِجْلَيْهِ، وَيُخْرِجُهَا مِنْ تَحْتِهِ، (وَيُثْنِي أَصَابِعَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ) فَيَجْعَلُ بُطُونَ أَصَابِعِهَا عَلَى الْأَرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا، لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ: «ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ إلَى مَوْضِعِهِ» قَالَ الْأَثْرَمُ: تَفَقَّدْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَوَجَدْتُهُ يَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَيَسْتَقْبِلُ بِهَا الْقِبْلَةَ. (وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ) كَجُلُوسِ التَّشَهُّدِ، وَلِفِعْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ، (ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي) وَإِنْ قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لَنَا، أَوْ: اللَّهُمَّ رَبِّ اغْفِرْ لِي، فَلَا بَأْسَ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ، لِمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي، وَعَافِنِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (ثُمَّ يَسْجُدُ) سَجْدَةً أُخْرَى (كَالْأُولَى) فِي الْهَيْئَةِ وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّسْبِيحِ (ثُمَّ يَرْفَعُ) مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ (مُكَبِّرًا قَائِمًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ) بِيَدَيْهِ نَصًّا، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُ أَشَقُّ، فَكَانَ أَفْضَلَ كَالتَّجَافِي. (فَإِنَّهُ شَقَّ) عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِكِبَرٍ أَوْ ضَعْفٍ، أَوْ سِمَنٍ، وَنَحْوِهِ (فَ) يَعْتَمِدُ (بِالْأَرْضِ) ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ إذَا نَهَضَ أَلَّا يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ ". (وَكُرِهَ إذَنْ) أَيْ: حِينَ قِيَامِهِ، (تَقْدِيمُ إحْدَى رِجْلَيْهِ) . ذَكَرَهُ فِي " الْغُنْيَةِ "، وَكَذَا فِي " رِسَالَةِ أَحْمَدَ " (وَلَا تُسَنُّ جَلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ، وَهِيَ جَلْسَةٌ يَسِيرَةٌ) صِفَتُهَا (كَجُلُوسٍ بَيْنَ سَجْدَتَيْنِ) بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ بَعْدَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 قِيَامٌ. وَالِاسْتِرَاحَةُ: طَلَبُ الرَّاحَةِ، كَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ إعْيَاءٌ فَيَجْلِسُ لِيَزُولَ عَنْهُ. وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهَا مُطْلَقًا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ عِنْدَ كِبَرِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ. (ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ كَالْأُولَى) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَصَفَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» . (إلَّا فِي تَجْدِيدِ نِيَّةٍ) فَيَكْفِي اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا، قَالَ جَمْعٌ: وَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ. (وَ) إلَّا فِي (تَحْرِيمِهِ) فَلَا تُعَادُ (وَ) إلَّا فِي (اسْتِفْتَاحٍ) فَلَا يَشْرَعُ فِي غَيْرِ الْأُولَى، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَهَضَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَمْ يَسْكُتْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِفَوَاتِ مَحَلِّهِ. (وَ) إلَّا فِي (تَعَوُّذٍ إنْ) كَانَ (تَعَوَّذَ فِي الْأُولَى) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ، فَاكْتَفَى بِالِاسْتِعَاذَةِ فِي أَوَّلِهَا. وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ فَيَأْتِي بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ بِهَا السُّورَةَ، فَأَشْبَهَ أَوَّلَ رَكْعَةٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَوَّذَ فِي الْأُولَى وَلَوْ عَمْدًا، أَتَى بِهِ فِيمَا بَعْدَهَا. (ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهَا) أَيْ: الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا) كَجُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) وَلَا يُلْقِمُهُمَا رُكْبَتَيْهِ، (وَيَقْبِضُ مِنْ) أَصَابِعِ (يُمْنَاهُ خِنْصَرًا، فَبِنْصِرًا وَيُحَلِّقُ إبْهَامَهَا بِوُسْطَى، بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رَأْسَيْهِمَا) فَشَبَهُ الْحَلْقَةِ مِنْ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ (وَيَبْسُطُ أَصَابِعَ يُسْرَاهُ مَضْمُومَةً لِقِبْلَةٍ) لِيَسْتَقْبِلَهَا بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ إذَا صَلَّى اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ بِكُلِّ شَيْءٍ حَتَّى بِنَعْلِهِ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ وَضَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ عَقَدَ مِنْ أَصَابِعِهِ الْخِنْصَرَ، وَاَلَّتِي تَلِيهَا، وَحَلَّقَ حَلْقَةً بِأُصْبُعِهِ الْوُسْطَى عَلَى الْإِبْهَامِ، وَرَفَعَ السَّبَّابَةَ يُشِيرُ بِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. (ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وُجُوبًا سِرًّا وَنَدْبًا) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " مِنْ السُّنَّةِ إخْفَاءُ التَّشَهُّدِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (كَتَسْبِيحِ) رُكُوعٍ وَسُجُودٍ (وَسُؤَالِ مَغْفِرَةٍ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِعَدَمِ الدَّاعِي لِلْجَهْرِ بِهِ. (وَلَا تُكْرَهُ تَسْمِيَةُ أَوَّلِهِ) أَيْ: التَّشَهُّدِ. (وَتَرْكُ) التَّسْمِيَةِ (أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ فَانْتَهَرَهُ. (فَيَقُولُ: التَّحِيَّاتُ) جَمْعُ: تَحِيَّةٍ، أَيْ: الْعَظَمَةُ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَوْ: الْمُلْكُ، أَوْ: الْبَقَاءُ. وَعَنْ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ: السَّلَامُ وَجُمَعِ؛ لِأَنَّ مُلُوكَ الْأَرْضِ يُحَيُّونَ بِتَحِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ (لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ) قِيلَ: الْخَمْسُ، وَقِيلَ: الْمَعْلُومَةُ فِي الشَّرْعِ، وَقِيلَ الرَّحْمَةُ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا، وَقَبْلَ الْأَدْعِيَةُ، أَيْ: هُوَ الْمَعْبُودُ بِهَا، (وَالطَّيِّبَاتُ) أَيْ: الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَوْ: مِنْ الْكَلَامِ، قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ. (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيءُ) بِالْهَمْزِ: مِنْ النَّبَأِ، وَهُوَ: الْخَبَرُ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ النَّاسَ بِالْوَحْيِ، وَبِتَرْكِ الْهَمْزَةِ تَسْهِيلًا، أَوْ مِنْ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ: الرِّفْعَةُ، لِرِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ عَنْ الْخَلْقِ. (وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) جَمْعُ: بَرَكَةٍ، وَهِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ. (السَّلَامُ عَلَيْنَا) أَيْ: الْحَاضِرِينَ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمَلَائِكَةٍ، (وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) الصَّالِحُ: الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ، وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، أَوْ الْإِكْثَارُ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ مِنْهُ غَيْرُهُ. وَيَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ وَمَنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي صَلَاتِهِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّكُمْ إذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ لِلَّهِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ: لَيْسَ شَيْءٌ أَشْرَفَ، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 اسْمٌ أَتَمَّ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْوَصْفِ بِالْعُبُودِيَّةِ. (أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) ، أَيْ: أُخْبِرُ بِأَنِّي قَاطِعٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَمِنْ خَوَاصِّ الْهَيْلَلَةِ أَنَّ حُرُوفَهَا كُلَّهَا جَوْفِيَّةٌ لَيْسَ فِيهَا حَرْفٌ شَفَوِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْإِخْلَاصُ، فَيَأْتِي بِهَا مِنْ خَالِصِ جَوْفِهِ، وَهُوَ الْقَلْبُ، لَا مِنْ الشَّفَتَيْنِ وَكُلُّ حُرُوفِهَا مُهْمَلَةٌ دَالَّةٌ عَلَى التَّجَرُّدِ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى. (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كُنَّا إذَا جَلَسْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ. فَسَمِعَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ، قَالَ: ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُوَ» ، وَفِي لَفْظِ «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّشَهُّدَ، كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَيْسَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حَدِيثٌ غَيْرُهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا: ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ، وَيُرَجَّحُ بِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَبِأَيِّ تَشَهُّدٍ تَشَهَّدَ بِمَا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَازَ) كَتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ: " التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ. إلَخْ " وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: " وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ". وَكَتَشَهُّدِ عُمَرَ: " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ إلَخْ ". (وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: وَلَا بَأْسَ وَبِزِيَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ. (وَالْأَوْلَى تَخْفِيفُ) التَّشَهُّدِ (وَعَدَمُ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ) ، لِحَدِيثِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِقَوْلِ مَسْرُوقٍ: " كُنَّا إذَا جَلَسْنَا إلَى أَبِي بَكْرٍ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ، حَتَّى يَقُومَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ حَنْبَلٌ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُصَلِّي، فَإِذَا جَلَسَ فِي الْجَلْسَةِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ أَخَفَّ الْجُلُوسَ، ثُمَّ يَقُومُ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ. أَيْ: الْحِجَارَةِ الْمُحْمَاةِ بِالنَّارِ. قَالَ: وَإِنَّمَا قَصَدَ الِاقْتِدَاءَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبِهِ. (وَيُشِيرُ بِسَبَّابَةٍ يُمْنَى لَا غَيْرِهَا) مِنْ الْأَصَابِعِ. (وَلَوْ عُدِمَتْ) فَيُرْفَعَا (مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ) لَهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا يُشَارُ بِهَا لِلسَّبِّ، وَسَبَّاحَةً؛ لِأَنَّهَا يُشَارُ بِهَا لِلتَّوْحِيدِ، (فِي تَشَهُّدِهِ، وَدُعَائِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا: «كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ وَلَا يُحَرِّكُهَا إذَا دَعَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: «مَرَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أَدْعُو بِأَصَابِعِي، فَقَالَ: أَحَدٌ أَحَدٌ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. (ثُمَّ يَنْهَضُ) قَائِمًا فِي صَلَاةِ (مَغْرِبٍ، وَرُبَاعِيَّةٍ) كَظُهْرٍ (مُكَبِّرًا) ؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ إلَى قِيَامٍ، فَأَشْبَهَ الْقِيَامَ مِنْ سُجُودِ الْأُولَى. (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَلَكِنَّهُ صَحَّ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ. (وَيُصَلِّي الْبَاقِيَ) مِنْ صَلَاتِهِ، وَهُوَ رَكْعَةٌ مِنْ مَغْرِبٍ، وَرَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ (كَذَلِكَ) أَيْ: كَالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (إلَّا أَنَّهُ يُسِرُّ) الْقِرَاءَةَ إجْمَاعًا. (وَلَا يَزِيدُ عَلَى الْفَاتِحَةِ) ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ، وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى شُرَيْحٍ يَأْمُرُهُ بِهِ. وَرَوَى الشَّالَنْجِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ (فَإِنْ زَادَ) عَلَيْهَا (لَمْ يُكْرَهْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 إلَّا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، إذَا قُلْنَا يَنْتَظِرُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، فَيَقْرَأُ سُورَةً مَعَهَا. (ثُمَّ يَجْلِسُ) لِلتَّشَهُّدِ الثَّانِي (مُتَوَرِّكًا، وَلَا يَتَوَرَّكُ فِي ثُنَائِيَّةٍ) بَلْ يَفْتَرِشُ، وَالتَّوَرُّكُ: هُوَ أَنْ (يَفْرِشَ) رِجْلَهُ (الْيُسْرَى، وَيَنْصِبَ) رِجْلَهُ (الْيُمْنَى وَيُخْرِجَهُمَا) أَيْ: رِجْلَيْهِ مِنْ تَحْتِهِ (عَنْ يَمِينِهِ، وَيَجْعَلَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إلَى الْأَرْضِ، وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَخَصَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ بِالِافْتِرَاشِ، وَالثَّانِي بِالتَّوَرُّكِ؛ خَوْفَ السَّهْوِ؛ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ خَفِيفٌ، وَالْمُصَلِّي بَعْدَهُ يُبَادِرُ لِلْقِيَامِ، بِخِلَافِ الثَّانِي فَلَيْسَ بَعْدَهُ عَمَلٌ، بَلْ يُسَنُّ مُكْنَةٌ لِنَحْوِ تَسْبِيحٍ وَدُعَاءٍ. (ثُمَّ يَتَشَهَّدُ) سِرًّا (التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ يَقُولُ) سِرًّا: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ) أَيْ: إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ (إنَّكَ حَمِيدٌ) أَيْ: مَحْمُودٌ وَمُسْتَحِقٌّ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالشِّدَّةِ، وَالرَّخَاءِ (مَجِيدٌ) أَيْ: كَامِلٌ فِي الشَّرَفِ وَالْكَرَمِ (وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ) أَيْ: أَثْبِتْ لَهُ دَوَامَ مَا أَعْطَيْتَهُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَفِيكَ وَعَلَيْكَ، وَبَارَكَكَ. (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا، أَوْ عَرَفْنَا كَيْفَ السَّلَامُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: قُولُوا: فَذَكَرَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ) يَقُولُ: (كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ، وَكَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ) لِوُرُودِهِ أَيْضًا. (وَ) الْوَجْهُ (الْأَوَّلُ أَوْلَى) لِكَوْنِ حَدِيثِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ. وَقَدْ يُضَافُ آلُ الشَّخْصِ إلَيْهِ وَيَكُونُ دَاخِلًا فِيهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] ، {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [البقرة: 49] ، {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} [البقرة: 50] . فَإِنَّ فِرْعَوْنَ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَيُرَجَّحُ أَيْضًا بِأَنَّ تَشْبِيهَ الصَّلَاةِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ بِالصَّلَاةِ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ أَوْلَى مِنْ تَشْبِيهِهَا بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ، إذْ لَا يَلِيقُ كَوْنُ آلِ مُحَمَّدٍ مُسَاوِينَ لِإِبْرَاهِيمَ فِي ذَلِكَ لِجَلَالَةِ رُتْبَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَوْلَوِيَّةُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ (لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إشْعَارًا بِتَشْبِيهِ صَلَاةِ الْآلِ بِالْآلِ) ، أَيْ: اجْعَلْ صَلَاةً مِنْكَ وَبَرَكَةً عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا جَعَلْتَهَا عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ فَالتَّشْبِيهُ لِلصَّلَاةِ الْمَطْلُوبَةِ لِلْآلِ، لَا الْمَطْلُوبَةِ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقَاعِدَةُ: أَنَّ الْمُشَبَّهَ أَدْنَى مِنْ الْمُشَبَّهِ بِهِ، أَوْ مُسَاوٍ لَهُ. فَالتَّشْبِيهُ بَيْنَ الْآلِ وَالْآلِ فَقَطْ، وَآلُ إبْرَاهِيمَ أَنْبِيَاءُ، بِخِلَافِ آلِ مُحَمَّدٍ (وَأَلَّا) نَجْعَلُ التَّشْبِيهَ بَيْنَ الْآلِ وَالْآلِ، بَلْ قَابَلْنَا الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ. (فَمُحَمَّدٌ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَفْضَلُ) مِنْ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ وَمِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ، فَلَا يُطْلَبُ لَهُ صَلَاةٌ كَالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ. وَقَدْ أَجَابَ الْقَرَافِيُّ عَنْ تَشْبِيهِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ: أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ بَيْنَ عَطِيَّةٍ تَحْصُلُ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ تَكُنْ حَصَلَتْ لَهُ قَبْلَ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَهُمَا كَرَجُلَيْنِ، أُعْطِيَ أَحَدُهُمَا أَلْفًا، وَالْآخَرُ أَلْفَيْنِ، ثُمَّ طَلَبَ لِصَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ مِثْلَ مَا أُعْطِيَ صَاحِبُ الْأَلْفِ، فَيَحْصُلُ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَلَا يُرَدُّ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 (وَآلُهُ: أَتْبَاعُهُ عَلَى دِينِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَقَارِبِهِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِيهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَاتِ. (وَلَا يُجْزِئُ إبْدَالُ آلِ بِأَهْلٍ) ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الرَّجُلِ أَقَارِبُهُ، أَوْ زَوْجَتُهُ، وَآلُ أَتْبَاعُهُ عَلَى دِينِهِ، فَتَغَايَرَا (وَلَا) يُجْزِئُهُ التَّشَهُّدُ (إنْ لَمْ يُرَتِّبْهُ) ، كَمَا لَوْ قَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، لِفَوَاتِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا. (وَتَجُوزُ صَلَاةٌ عَلَى غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْفَرِدًا، نَصًّا) ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ لِعُمَرَ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ " وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَعَبْدُ الْقَادِرِ. قَالَ: وَإِذَا جَازَتْ، جَازَتْ أَحْيَانًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَمَّا أَنْ يُتَّخَذَ شِعَارًا لِذِكْرِ بَعْضِ النَّاسِ، أَوْ يَقْصِدَ الصَّلَاةَ عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ دُونَ بَعْضٍ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَالسَّلَامُ عَلَى غَيْرِهِ بِاسْمِهِ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ. (وَتُسَنُّ صَلَاةٌ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ صَلَاةٍ) فَإِنَّهَا رُكْنٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَكَذَا فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، (بِتَأَكُّدٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] . الْآيَةَ، وَالْأَحَادِيثُ بِهَا شَهِيرَةٌ. (وَتَتَأَكَّدُ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ (عِنْدَ ذِكْرِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَوْجَبَهَا ابْنُ بَطَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، وَالْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَاللَّخْمِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. (وَ) فِي (يَوْمِ جُمُعَةٍ وَلَيْلَتِهَا) لِلْخَبَرِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؛ فَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي جِلَاءِ الْأَفْهَامِ ": هِيَ مَشْرُوعَةٌ. وَقَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ: النَّوَوِيُّ، وَغَيْرُهُ، ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ ". وَذَكَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ اسْتِقْلَالًا، وَذَكَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ مُسْتَحَبَّةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 [فَرْعٌ وَقَعَ خُلْفٌ كَبِيرٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ الدُّعَاءِ لِلنَّبِيِّ بِالرَّحْمَةِ] (فَرْعٌ: وَقَعَ خُلْفٌ كَبِيرٌ) بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (فِي جَوَازِ الدُّعَاءِ لَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِالرَّحْمَةِ، وَاخْتَارَ) الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ (السُّيُوطِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْجَوَازَ تَبَعًا لِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ) كَقَوْلِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُهُ فِي التَّشَهُّدِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَ (لَا) يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالرَّحْمَةِ (انْفِرَادًا كَ: قَالَ النَّبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ) أَيْ: اخْتِيَارُ السُّيُوطِيّ: (حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ: انْفِرَادَ التَّرَحُّمِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (خِلَافُ الْأَدَبِ) فِي مَقَامِهِ الرَّفِيعِ (وَغَيْرُ الْمَأْمُورِ بِهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ) إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ الصَّلَاةُ، لَا الدُّعَاءُ بِالرَّحْمَةِ. (ثُمَّ يَقُولُ نَدْبًا: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ) أَيْ: الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. وَأَصْلُ الْفِتْنَةِ: الِاخْتِبَارُ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا أَخْرَجَتْهُ الْأَخْبَارُ إلَى الْمَكْرُوهِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَكْرُوهِ، فَجَاءَتْ بِمَعْنَى الْكُفْرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] ، وَبِمَعْنَى الْإِثْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49] ، وَبِمَعْنَى الْإِحْرَاقِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج: 10] ، وَمِنْهُ: أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ، وَبِمَعْنَى: الْإِزَالَةِ وَالصَّرْفِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء: 73] وَفِتْنَةُ الْمَحْيَا كَثِيرَةٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ مَعَ الْعَامِّ. (وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ) : بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ: فَعِيلٌ، بِمَعْنَى مَفْعُولٌ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 مَمْسُوحُ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ، وَالْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: بِمَعْنَى: فَاعِلٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إذَا مَسَحَ ذَا عَاهَةٍ عُوفِيَ، (الدَّجَّالِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ. (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ) لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ. (وَلَا بَأْسَ إنْ دَعَا بِمَا وَرَدَ فِي كِتَابٍ) نَحْوُ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] ، (أَوْ) دَعَا بِمَا وَرَدَ فِي (سُنَّةٍ) نَحْوُ: «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ) دَعَا بِمَا وَرَدَ (عَنْ صَحَابَةٍ) كَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا، وَذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: " اللَّهُمَّ كَمَا صُنْتَ وَجْهِي عَنْ السُّجُودِ لِغَيْرِكَ، فَصُنْ وَجْهِي عَنْ الْمَسْأَلَةِ لِغَيْرِكَ "، (أَوْ) دَعَا بِمَا وَرَدَ عَنْ (سَلَفٍ) صَالِحٍ، (أَوْ) دَعَا (بِأَمْرِ آخِرَةٍ) كَ: اللَّهُمَّ أَحْسِنْ خَاتِمَتِي، (وَلَوْ لَمْ يُشْبِهْ مَا وَرَدَ) مِمَّا سَبَقَ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ» . (كَدُعَاءٍ بِرِزْقٍ حَلَالٍ، وَرَحْمَةٍ، وَعِصْمَةٍ مِنْ فَوَاحِشَ) وَكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ آخِرَتِهِ، وَحَوَائِجِ دُنْيَاهُ أَيْضًا: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» . (أَوْ عَوَّذَ نَفْسَهُ بِقُرْآنٍ لِنَحْوِ حُمَّى) فَلَا بَأْسَ. لِمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قُرْآنٌ قَصَدَ بِهِ مَعْنًى يَلِيقُ بِهِ لَا يُنَافِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 الصَّلَاةَ، فَلَمْ يُبْطِلْهَا، كَمَنْ قَصَدَ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَرْضَهَا فِي الصَّلَاةِ مَعَ التَّبَرُّكِ بِهَا؛ وَلِأَنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَةٍ، فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ مُفْسِدَهَا اللَّفْظُ، لَا الْقَصْدُ وَالْعَزْمُ، إذْ لَوْ تَفَكَّرَ فَتَذَكَّرَ كَلَامًا مُرَتَّبًا، لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِلِسَانِهِ، (أَوْ لَدَغَتْهُ) : بِمُهْمَلَةٍ فَمُعْجَمَةٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْن مُعْجَمَتَيْنِ، (عَقْرَبٌ) وَنَحْوُهَا، (فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ) ، وَوَافَقَ أَكْثَرُهُمْ عَلَى قَوْلِ: بِسْمِ اللَّهِ، لِوَجَعِ مَرِيضٍ عِنْدَ قِيَامٍ وَانْحِطَاطٍ. (أَوْ) دَعَا (لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ) فِي النَّفْلِ وَالْفَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لِابْنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَا أَدْعُو لِقَوْمٍ مُنْذُ سِنِينَ فِي صَلَاتِي، أَبُوكَ أَحَدُهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قُنُوتِهِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» . وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِبَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ. (وَيَتَّجِهُ، أَوْ) أَيْ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ (عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، (حَيْثُ جَازَ) كَدُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قُنُوتِهِ عَلَى الْكُفَّارِ الْمُعَيَّنِينَ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (بِغَيْرِ كَافِ خِطَابٍ) نَحْوُ: عَافَاكَ اللَّهُ، وَغَفَرَ لَكَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ. (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِهِ) أَيْ: بِالدُّعَاءِ بِكَافِ الْخِطَابِ، كَمَا لَوْ خَاطَبَ آدَمِيًّا بِغَيْرِ دُعَاءٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَإِبْلِيسَ: «أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ» ؛ فَمُؤَوَّلٌ، أَوْ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَمَحَلُّ بُطْلَانِهَا بِالدُّعَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 بِكَافِ الْخِطَابِ، حَيْثُ كَانَ (فِي غَيْرِ اللَّهِ) كَ: إيَّاكَ نَعْبُدُ (وَرَسُولِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، فَلَا تَبْطُلُ بِهِ. (وَ) تَبْطُلُ الصَّلَاةُ (بِدُعَاءٍ بِأَمْرِ دُنْيَا) وَمَلَاذِهَا (كَ) قَوْلِ مُصَلٍّ: اللَّهُمَّ (اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ وَحُلَّةً خَضْرَاءَ، أَوْ دَابَّةً هِمْلَاجَةً) ، أَوْ دَارًا وَسِيعَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ (مَا لَمْ يَشُقَّ) إمَامٌ بِالدُّعَاءِ (عَلَى مَأْمُومٍ) ، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ يَخْشَى فَوَاتَ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ بِتَطْوِيلِهِ، (أَوْ) مَا لَمْ (يَخَفْ سَهْوًا) بِإِطَالَةِ دُعَائِهِ، فَيَتْرُكُهُ، وَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا. (وَكَذَا) أَيْ: الدُّعَاءُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، (دُعَاءٌ فِي رُكُوعٍ، وَسُجُودٍ) ، وَاعْتِدَالٍ، وَجُلُوسٍ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ الدُّعَاءَ» (وَقُنُوتٌ) لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ. [فَصْلٌ كَيْفِيَّة التَّسْلِيم مِنْ التَّشَهُّد] (فَصْلٌ) (ثُمَّ يَلْتَفِتُ نَدْبًا) وَهُوَ جَالِسٌ بِلَا نِزَاعٍ، (عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ) . وَيَلْتَفِتُ (أَكْثَرَ) مِنْ الْتِفَاتِهِ عَنْ يَمِينِهِ، لِحَدِيثِ عُمَارَةَ مَرْفُوعًا: «كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَإِذَا سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ» رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ بِإِسْنَادِهِ. (قَائِلًا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ. وَابْنِ مَسْعُودٍ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ. وَعَنْ يَسَارِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدَّيْهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (مُرَتَّبًا، مُعَرَّفًا بِأَلْ وُجُوبًا) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ صَحَّتْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُهُ كَذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ خِلَافُهُ، وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . (فَإِنْ نَكَّرَهُ) بِأَنْ قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، (أَوْ نَكَّسَهُ) بِأَنْ قَالَ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ، (أَوْ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِإِسْقَاطِ مِيمٍ) بِأَنْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك، (لَمْ يُجْزِهِ) وَكَذَا لَوْ قَالَ: سَلَامِي عَلَيْكُمْ، أَوْ: سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، أَوْ: السَّلَامُ عَلَيْهِمْ، (وَكَذَا تَنْكِيسُهُ) أَيْ: السَّلَامُ (فِي تَشَهُّدٍ) كَقَوْلِهِ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَإِنْ تَعَمَّدَ قَوْلًا مِمَّا ذُكِرَ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَلَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِ) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ إنْ لَمْ يَقُلْ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُهُ، وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، وَهُوَ سَلَامٌ فِي صَلَاةٍ وَرُدَّ مَقْرُونًا بِالرَّحْمَةِ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ بِدُونِهَا، كَالسَّلَامِ فِي التَّشَهُّدِ، (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَزِيدَ: وَبَرَكَاتُهُ) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ، لَكِنْ لَا يَضُرُّ: " لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَسُنَّ) أَيْضًا (حَذْفُ سَلَامٍ) لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ» وَرُوِيَ مَرْفُوعًا، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. (وَهُوَ) أَيْ: حَذْفُ السَّلَامِ: (أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ، وَلَا يَمُدَّهُ، لَا فِي الصَّلَاةِ؛ وَلَا عَلَى النَّاسِ) إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ. (وَ) سُنَّ أَيْضًا (جَزْمُهُ) أَيْ: السَّلَامِ، بِأَنْ يَقْطَعَ إعْرَابَ آخِرِ الْجَلَالَةِ بِحَذْفِ الْحَرَكَةِ مِنْ الْهَاءِ، وَمِنْ رَاءِ أَكْبَرَ فِي التَّكْبِيرِ، لِقَوْلِ النَّخَعِيّ: السَّلَامُ جَزْمٌ، وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ (بِأَنْ يَقِفَ عَلَى آخِرِ كُلِّ تَسْلِيمَةٍ) وَالْمُرَادُ بِالْجَزْمِ هُنَا: مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ: قَطْعُ الْإِعْرَابِ. (وَ) سُنَّ (نِيَّتُهُ بِهِ) ، أَيْ: السَّلَامِ (الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ) ، لِتَكُونَ النِّيَّةُ شَامِلَةً لِطَرَفَيْ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ قَدْ شَمَلَتْ جَمِيعَهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وَالسَّلَامُ مِنْ جُمْلَتِهَا كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (فَإِنْ نَوَى مَعَهُ) أَيْ: مَعَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، السَّلَامَ (عَلَى حَفَظَةٍ وَإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ، جَازَ) . نُصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. (وَأُنْثَى كَرَجُلٍ فِيمَا مَرَّ) فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، لِشُمُولِ الْخِطَابِ لَهَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . (حَتَّى فِي رَفْعِ يَدَيْنِ) قَبْلَ رُكُوعٍ، وَبَعْدَهُ. (لَكِنْ تَجْمَعُ نَفْسَهَا فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، فَلَا تَتَجَافَى) ، لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ، فَقَالَ: إذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إلَى بَعْضٍ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ. وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، فَكَانَ الْأَلْيَقُ بِهَا الِانْضِمَامَ. (وَتَجْلِسُ مُسْدِلَةً رِجْلَيْهَا عَنْ يَمِينِهَا، وَهُوَ أَفْضَلُ) مِنْ تَرَبُّعِهَا؛ لِأَنَّهُ غَالِبُ جُلُوسِ عَائِشَةَ، وَأَشْبَهُ بِجِلْسَةِ الرَّجُلِ، وَأَبْلُغُ فِي الْإِكْمَالِ وَالضَّمِّ، وَأَسْهَلُ عَلَيْهَا. (أَوْ) تَجْلِسُ (مُتَرَبِّعَةً) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَتَرَبَّعْنَ فِي الصَّلَاةِ (وَتُسِرُّ بِقِرَاءَةٍ وُجُوبًا إنْ سَمِعَهَا أَجْنَبِيٌّ) خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ بِهَا. (وَإِلَّا) يَسْمَعْهَا أَجْنَبِيٌّ، (فَلَا بَأْسَ بِجَهْرِهَا) لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ (وَخُنْثَى كَأُنْثَى) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً. (ثُمَّ يُسَنُّ بَعْدَ تَسْلِيمٍ) مِنْ مَكْتُوبَةٍ (أَنْ يَسْتَغْفِرَ ثَلَاثًا، وَيَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ) السَّلَامُ: مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ: سَلَامَتُهُ مِمَّا يَلْحَقُ الْخَلْقَ مِنْ الْعَيْبِ وَالْفَنَاءِ، (وَمِنْك السَّلَامُ) أَيْ: وَمِنْكَ حُصُولُ السَّلَامِ لِلْخَلْقِ. وَلَعَلَّ مُنَاسَبَةَ ذِكْرِ السَّلَامِ عَقِبَ الصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 إشَارَةٌ إلَى أَنَّ سَلَامَةَ الْمُصَلِّي مِنْ نَقْصِ صَلَاتِهِ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْهُ تَعَالَى (تَبَارَكْتَ) مِنْ: الْبَرَكَةِ، أَوْ: مِنْ الْبُرُوكِ، وَهُوَ: الدَّوَامُ وَالثُّبُوتُ. (يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) ، الْجَلَالُ: الْعَظَمَةُ، وَالْإِكْرَامُ: الْإِعْزَازُ، وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِالْعَظَمَةِ وَالْعِزَّةِ اتِّصَافًا ذَاتِيًّا لَا انْفِكَاكَ لَهُ، وَلَا نَقْصَ فِيهِ. رَوَى ثَوْبَانُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَلَّمَ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَلَوْ قَالَهُ بَعْدَ قِيَامِهِ، وَفِي ذَهَابِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُصِيبٌ لِلسُّنَّةِ أَيْضًا، إذْ لَا تَحْجِيرَ فِي ذَلِكَ. وَلَوْ شُغِلَ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَذَكَّرُهُ، فَذَكَرُهُ، فَالظَّاهِرُ: حُصُولُ أَجْرِهِ الْخَاصِّ لَهُ أَيْضًا إذَا كَانَ قَرِيبًا لِلْعُذْرِ. أَمَّا لَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا، ثُمَّ اسْتَدْرَكَهُ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَالظَّاهِرُ فَوَاتُ أَجْرِهِ الْخَالِصِ، وَبَقَاءِ أَجْرِ الذِّكْرِ الْمُطْلَقِ لَهُ. انْتَهَى. وَمِمَّا وَرَدَ مِنْ الذِّكْرِ: مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالتَّهْلِيلُ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِمَا تَقَدَّمَ. وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ: سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ - أَيْ: بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ -: «اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْجَدُّ: بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 الْمَشْهُورِ هُوَ الْغِنَى، وَالْحَظُّ، أَيْ: لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى وَالْحَظِّ مِنْ الدُّنْيَا بِذَلِكَ، أَيْ: بَدَلَ طَاعَتِكَ، أَوْ بَدَلَ حَظِّكَ، أَيْ: بَدَلَ حَظِّهِ مِنْكَ. قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ. وَبِكَسْرِ الْجِيم ضَعِيفٌ، وَعَلَيْهِ: لَا يَنْفَعُ ذَا الِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ مِنْك اجْتِهَادُهُ، إنَّمَا يَنْفَعُهُ رَحْمَتُكَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْجَدُّ وَالسَّعْيُ التَّامُّ فِي الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: الْإِسْرَاعُ فِي الْهَرَبِ، أَيْ: ذَا الْإِسْرَاعِ فِي الْهَرَبِ مِنْكَ هَرَبُهُ، فَإِنَّهُ فِي قَبْضَتِكَ وَسُلْطَانِكَ. (وَ) يَقُولُ: (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ» (فَإِنْ زَادَ فِي الْعَدِّ؛ فَلَا بَأْسَ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ نَهْيٌ عَنْ الزِّيَادَةِ هُنَا كَالزَّكَاةِ، (وَيَفْرُغُ مِنْ عَدَدِ الْكُلِّ مَعًا) لِقَوْلِ أَبِي صَالِحٍ رَاوِي الْحَدِيثِ: «تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَتَّى تَبْلُغَ مِنْ جَمِيعِهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ» (وَيَعْقِدُهُ) ، أَيْ: الْعَدَدَ الْمُتَقَدِّمَ بِيَدِهِ، وَيَعْقِدُ (الِاسْتِغْفَارَ بِيَدِهِ) ، أَيْ: يَضْبِطُ عَدَدَهُ بِأَصَابِعِهِ، لِحَدِيثِ بُسْرَةَ مَرْفُوعًا: «وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ؛ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. (وَتَمَامُ الْمِائَةِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِذَلِكَ) ، أَيْ: بِالتَّسْبِيحِ، وَالتَّحْمِيدِ، وَالتَّكْبِيرِ عَقِبَ الصَّلَاةِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كُنْتُ أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إذَا سَمِعْتُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «كُنْت أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّكْبِيرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: (وَ) يَقُولُ (بَعْدَ كُلٍّ مِنْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 صَلَاتَيْ (صُبْحٍ وَمَغْرِبٍ، وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ، قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ) بِمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ (عَشْرَ مَرَّاتٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، لِخَبَرِ أَحْمَدَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ مَرْفُوعًا. وَلِهَذَا مُنَاسَبَةٌ، وَيَكُونُ الشَّارِعُ شَرَعَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ لِتَحْتَرِسَ بِهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فِيهِمَا، وَالْخَبَرُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَغْرِبَ، فَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْفَجْرِ فَقَطْ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَشَهْرٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ جِدًّا انْتَهَى. وَيَقُولُ أَيْضًا: وَهُوَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ: (اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَقِيلَ: الْحَارِثُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسَرَّ إلَيْهِ فَقَالَ: إذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقُلْ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ وَفِي رِوَايَةٍ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا، فَإِنَّكَ إذَا قُلْتَ ذَلِكَ، ثُمَّ مِتَّ فِي لَيْلَتِكَ؛ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهَا، وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّكَ إذَا مِتَّ فِي يَوْمِكَ، كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهَا. قَالَ الْحَارِثُ: أَسَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَخُصُّ بِهَا إخْوَانَنَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ تَفَرَّدَ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ؛ فَلِهَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يَعْرَفُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِي لَفْظِهِ: " قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ ". (وَ) يَقْرَأُ (بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ) مَكْتُوبَةٍ (آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْإِخْلَاصِ) ، لِخَبَرِ أَبِي أُمَامَةَ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلَّا الْمَوْتُ» . إسْنَادُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 جَيِّدٌ. وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ". (وَ) يَقْرَأُ (الْمُعَوِّذَتَيْنِ) ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقْرَأَ الْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ» . لَهُ طُرُقٌ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَوْ صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَفِي هَذَا سِرٌّ عَظِيمٌ فِي دَفْعِ الشَّرِّ مِنْ الصَّلَاةِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَيَدْعُوَ) مُصَلٍّ اسْتِحْبَابًا (بَعْدَ كُلِّ) صَلَاةٍ (مَكْتُوبَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] (سِيَّمَا) بَعْدَ (فَجْرٍ وَعَصْرٍ، لِحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمَا) ، فَيُؤَمِّنُونَ عَلَى الدُّعَاءِ، فَيَكُونُ أَقْرَبَ لِلْإِجَابَةِ، (سِيَّمَا الْإِمَامُ) لِيَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ. (وَلَا يُكْرَهُ) لِلْإِمَامِ (أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِدُعَاءٍ نَصًّا) لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَلِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ؛ إذْ أَوَّلُهَا: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ، وَأَسْأَلُكَ» وَذَلِكَ يَخُصُّ نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ الَّذِي لَا يُكْرَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ نَفْسَهُ (إنْ لَمْ يُؤَمِّنْ مَأْمُومٌ) كَدُعَاءِ الْمُنْفَرِدِ، وَفِي التَّشَهُّدِ وَالسُّجُودِ، وَنَحْوِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَمَّنَ مَأْمُومٌ عَلَى دُعَائِهِ (فَيَعُمُّ) بِالدُّعَاءِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ يُؤَمِّنُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ، وَلَمْ يَعُمَّ، فَقَدْ (خَانَهُ وَكَدُعَاءِ قُنُوتٍ) ، فَإِذَا لَمْ يَعُمَّ بِهِ؛ كَانَ خَائِنًا لِلْمَأْمُومِ، لِخَبَرِ ثَوْبَانَ، فَإِنَّ فِيهِ: «لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ؛ فَقَدْ خَانَهُمْ» . (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَفِّفَهُ) أَيْ: الدُّعَاءَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْإِفْرَاطِ فِي الدُّعَاءِ» ، وَالْإِفْرَاطُ: كَثْرَةُ الْأَسْئِلَةِ. (وَيَبْدَأُ) الدُّعَاءَ (بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. (وَيَخْتِمُ) دُعَاءَهُ (بِهِ) أَيْ: بِالْحَمْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] . (كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ) . قَالَ الْآجُرِّيُّ: وَوَسَطَهُ، لِخَبَرِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ، يَمْلَأُ قَدَحَهُ ثُمَّ يَضَعُهُ، وَيَرْفَعُ مَتَاعَهُ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَرَابٍ شَرِبَهُ، أَوْ الْوُضُوءِ تَوَضَّأَ، وَإِلَّا أَهْرَاقَهُ، وَلَكِنْ اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ، وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ» . (وَلَا يُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ فِيهِ) ، أَيْ: فِي الدُّعَاءِ، خِلَافًا لِلْغُنْيَةِ " لِحَدِيثِ الْمِقْدَادِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَاسْقِ مَنْ سَقَانِي» . (وَكُرِهَ رَفْعُ صَوْتٍ بِهِ) ، أَيْ: الدُّعَاءِ (فِي صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا) لِحَدِيثِ: «إنَّكُمْ لَا تُنَادُونَ أَصَمَّ» ، (لِغَيْرِ حَاجٍّ) أَمَّا لَهُ فَيُسَنُّ، لِحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الْحَجِّ: الْعَجُّ، وَالثَّجُّ» . (وَ) كُرِهَ الدُّعَاءُ (لِإِمَامٍ) حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَقْبِلَ قِبْلَةٍ بَلْ يَسْتَقْبِلُ مَأْمُومًا) حَالَ دُعَائِهِ، لِأَنَّ انْحِرَافَهُ إلَى الْمُصَلِّينَ مَطْلُوبٌ إذَا سَلَّمَ (وَيَلِحُّ) الدَّاعِي فِي الدُّعَاءِ (رَافِعًا يَدَيْهِ إلَى صَدْرِهِ مَبْسُوطَتَيْنِ، وَيَدْعُو بِدُعَاءٍ مَعْهُودٍ) ، أَيْ: مَأْثُورٍ مِنْ الْكِتَابِ، أَوْ السُّنَّةِ، أَوْ عَنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَيُكَرِّرُهُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِلْحَاحِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» . (وَيَجْتَنِبُ السَّجْعَ) فِي الدُّعَاءِ، كَمَا يَدْعُو بَعْضُ جَهَلَةِ الْمُتَعَبِّدَةِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 يَلْتَزِمُونَ السَّجْعَ غَالِبًا وَالْأَدْعِيَةَ غَيْرَ الْمَأْثُورَةِ كَ: اللَّهُمَّ اكْشِفْ غَبْنَ قَلْبِي، وَافْتَحْ عَيْنَ بَصِيرَتِي وَلُبِّي، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْهُودٍ، وَلَا مَأْثُورٍ. وَأَمَّا الَّذِي وَرَدَ مُسَجَّعًا، كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ وَنَحْوِهِ، فَالدُّعَاءُ بِهِ مَطْلُوبٌ. وَيَكُونُ الدُّعَاءُ جَامِعًا (بِتَأَدُّبٍ) فِي هَيْئَتِهِ وَأَلْفَاظِهِ، فَيَكُونُ جُلُوسُهُ إنْ كَانَ جَالِسًا كَجُلُوسِ أَقَلِّ الْعَبِيدِ بَيْنَ يَدَيْ أَعْظَمِ الْمَوَالِي (وَخُشُوعٌ) وَخُضُوعٌ (وَعَزْمٌ وَرَغْبَةٌ، وَحُضُورُ قَلْبٍ وَرَجَاءٍ) لِحَدِيثِ «لَا يُسْتَجَابُ مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. وَيَتَمَلَّقُ، وَيَتَوَسَّلُ إلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَيُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْ دُعَائِهِ صَدَقَةً. (وَشُرِطَ) فِي الدُّعَاءِ (إخْلَاصٌ، وَاجْتِنَابُ حَرَامٍ) مِنْ مَطْعَمٍ، وَمَشْرَبٍ، وَمَلْبَسٍ، وَغَيْرِهِ. وَيَتَحَرَّى أَوْقَاتَ الْإِجَابَةِ، وَهِيَ: الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ، وَعِنْدَ الْأَذَانِ، وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَأَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَعِنْدَ صُعُودِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ، وَآخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. (وَيَنْتَظِرُ الْإِجَابَةَ) ، لِحَدِيثِ: «اُدْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ» . (وَلَا يَعْجِزُ فَيَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) ، لِمَا فِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، قَالُوا: وَكَيْفَ يَعْجَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يُسْتَجَبْ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ» . وَيَدْعُو الدُّعَاءَ وَيَنْتَظِرُ الْفَرَجَ، فَهُوَ عِبَادَةٌ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَسْأَلَةِ إلَّا لِيُعْطَى. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ: «مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إلَّا آتَاهُ اللَّهُ إيَّاهَا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: إذَنْ نُكْثِرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ» . وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ، وَفِيهِ: «إمَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا، أَوْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا» . وَيَبْدَأُ فِي دُعَائِهِ بِنَفْسِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 [فَصْلٌ فِيمَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ وَمَا يُبَاحُ وَمَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] (فَصْلٌ) فِيمَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَمَا يُبَاحُ، وَمَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ (يُكْرَهُ فِي صَلَاةٍ الْتِفَاتٌ) يَسِيرٌ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (بِلَا حَاجَةٍ) فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ (كَخَوْفٍ) عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ: نَحْوِ الْخَوْفِ، كَمَرَضٍ، لَمْ يُكْرَهْ، لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ: «ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْتَفِتُ إلَى الشُّعَبِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ: وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إلَى الشُّعَبِ يَحْرُسُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ بِالْتِفَاتٍ، (وَلَوْ الْتَفَتَ بِصَدْرِهِ وَوَجْهِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدِرْ بِجُمْلَتِهِ. (وَتَبْطُلُ إنْ اسْتَدَارَ) عَنْ الْقِبْلَةِ (بِجُمْلَتِهِ أَوْ اسْتَدْبَرَهَا) أَيْ: الْقِبْلَةَ، لِتَرْكِهِ الِاسْتِقْبَالَ بِلَا عُذْرٍ. وَ (لَا) تَبْطُلُ الصَّلَاةُ لَوْ اسْتَدْبَرَ تُجَاهَهُ (فِي الْكَعْبَةِ) لِأَنَّهُ إذَا اسْتَدْبَرَ جِهَةً، فَقَدْ اسْتَقْبَلَ أُخْرَى (أَوْ) فِي (شِدَّةِ خَوْفٍ) ، فَلَا تَبْطُلُ إنْ الْتَفَتَ بِجُمْلَتِهِ أَوْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ لِسُقُوطِ الِاسْتِقْبَالِ إذَنْ (وَ) كَذَا لَا تَبْطُلُ (إذَا تَغَيَّرَ اتِّجَاهُهُ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ، بَلْ اسْتَدَارَ إلَيْهَا، لِأَنَّهَا صَارَتْ قِبْلَتَهُ. (وَ) يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ (رَفْعُ بَصَرِهِ) إلَى السَّمَاءِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ؟ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ أَوْ لَتُخَطَّفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَ (لَا) يُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ (حَالَ جُشَاءٍ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فِي غَيْرِ جَمَاعَتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَيَّدَ كَرَاهَةَ الْجُشَاءِ، حَيْثُ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": إذَا تَجَشَّأَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ وَجْهَهُ إلَى فَوْقٍ، لِئَلَّا يُؤْذِيَ مَنْ حَوْلَهُ بِالرَّائِحَةِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا تَجَشَّأَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَرْفَعْ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ حَتَّى يَذْهَبَ الرِّيحُ، وَإِذَا لَمْ يَرْفَعْ آذَى مَنْ حَوْلَهُ مِنْ رِيحِهِ. انْتَهَى. فَمُقْتَضَى تَعْلِيلِ " الْإِنْصَافِ " وَصَنِيعُ غَيْرِهِ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ " الْإِقْنَاعِ ". (وَ) يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ (تَغْمِيضُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ، وَمَظِنَّةُ النَّوْمِ (بِلَا حَاجَةٍ، كَخَوْفِ) مَحْذُورٍ (مِنْ نَظَرِ عَوْرَةٍ) يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَيْهَا. وَأَمَّا نَظَرُهُ لِمُبَاحَةٍ لَهُ، فَيُكْرَهُ. نَقَلَ أَبُو دَاوُد: إنْ نَظَرَ امْرَأَتَهُ عُرْيَانَةً غَمَّضَ. (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا فِيهَا (حَمْلُ مُشْغِلٍ) عَنْهَا، لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (افْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ سَاجِدًا) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَعْتَدِلْ، وَلَا يَفْرِشْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ " حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَ) يُكْرَهُ (إقْعَاؤُهُ) فِي جُلُوسِهِ (بِأَنْ يَفْرِشَ قَدَمَيْهِ وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ) كَذَا فَسَّرَهُ بِهِ أَحْمَدُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، (أَوْ) أَنْ يَجْلِسَ (بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ عَقِبَيْهِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ، (نَاصِبًا قَدَمَيْهِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا الْإِقْعَاءُ عِنْدَ الْعَرَبِ، فَهُوَ جُلُوسُ الرَّجُلِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ نَاصِبًا فَخِذَيْهِ مِثْلَ إقْعَاءِ الْكَلْبِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَكُلٌّ مِنْ الْجِنْسَيْنِ مَكْرُوهٌ، لِمَا رَوَى الْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُقْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» . وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «إذَا رَفَعْت رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ، فَلَا تُقْعِ كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ» رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ. (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا فِيهَا (عَبَثٌ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 رَجُلًا يَعْبَثُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ» . (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (مَسُّ لِحْيَتِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْعَبَثِ. (وَ) كَذَا (عَقْصُ شَعْرٍ) أَيْ: لَيِّهِ وَإِدْخَالِ أَطْرَافِهِ فِي أُصُولِهِ، (وَكَفُّ ثَوْبٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا أَكُفُّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا» (وَجَمْعُهُ بِيَدِهِ إذَا سَجَدَ) ، لِأَنَّ أَحْمَدَ نَهَى رَجُلًا كَانَ إذَا سَجَدَ جَمَعَ ثَوْبَهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ ثِيَابَهُ، وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُكْرَهُ أَنْ يُشَمِّرَ عَنْ ثِيَابِهِ، لِقَوْلِهِ: «تَرِّبْ تَرِّبْ» ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حِكْمَةَ النَّهْيِ أَنَّ الشَّعْرَ وَنَحْوَهُ يَسْجُدُ مَعَهُ (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (تَشْمِيرُ كُمٍّ) قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ". (وَلَوْ) كَانَ عَقْصُ الشَّعْرِ، وَكَفُّ الثَّوْبِ، وَتَشْمِيرُ الْكُمِّ، قَدْ فَعَلَهُ لِأَجْلِ عَمَلٍ (قَبْلَ دُخُولٍ فِيهَا) ، فَيُكْرَهُ لَهُ إبْقَاؤُهُ كَذَلِكَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي، وَرَأْسَهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلِرَأْسِي؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (مَسُّ حَصًى) وَتَقْلِيبُهُ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَمْسَحْ الْحَصَى، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَتَسْوِيَةُ تُرَابٍ بِلَا عُذْرٍ) لِحَدِيثِ مُعَيْقِيبٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ، قَالَ: إنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَنَفْخُهُ) ، أَيْ: التُّرَابِ لِأَنَّهُ عَبَثٌ. (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (تَرُوحُ بِمِرْوَحَةٍ بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ، كَغَمٍّ شَدِيدٍ، فَلَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ. (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (فَرْقَعَةُ أَصَابِعً، وَتَشْبِيكُهَا) ، أَيْ: الْأَصَابِعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (إنْ كَثُرَ) فِعْلُ (ذَلِكَ) فِيهَا. وَكَانَ (مُتَوَالِيًا عُرْفًا) لِمَا رَوَى الْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ يَرْفَعُهُ، قَالَ: «لَا تُقَعْقِعْ أَصَابِعَكَ وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا قَدْ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الَّذِي يُصَلِّي وَقَدْ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ: " تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَ) يُكْرَهُ (تَخَصُّرٌ وَتَمَطٍّ) لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَخَصِّرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". (وَ) يُكْرَهُ فِيهَا: (إخْرَاجُ لِسَانٍ) لِأَنَّهُ عَبَثٌ. (وَ) يُكْرَهُ فِيهَا (فَتْحُ فَمِ) هـ (وَوَضْعُ شَيْءٍ فِيهِ) لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ، وَيَمْنَعُ إكْمَالَ الْحُرُوفِ. وَ (لَا) يُكْرَهُ وَضْعُ شَيْءٍ (فِي يَدٍ) نَصًّا، وَلَا فِي كُمٍّ. (وَ) يُكْرَهُ فِيهَا (اسْتِقْبَالُ صُورَةِ) حَيَوَانٍ مُحَرَّمَةٍ إذَا كَانَتْ مَنْصُوبَةً، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ صَغِيرَةً لَا تَبْدُو لِنَاظِرٍ إلَيْهَا، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَى غَيْرِ مَنْصُوبَةٍ، وَلَا كَوْنِهَا خَلْفَهُ فِي الْبَيْتِ، وَلَا فَوْقَ رَأْسِهِ فِي سَقْفٍ، أَوْ عَنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ. (وَ) يُكْرَهُ (سُجُودٌ عَلَيْهَا) أَيْ: الصُّورَةِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ ". (وَ) يُكْرَهُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ (وَجْهِ آدَمِيٍّ) نَصًّا، وَإِلَى امْرَأَةٍ تُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْهِ، لَا حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ، «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ وَيُصَلِّي إلَيْهَا» . وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ النَّجِسِ كَالْبَغْلِ، وَالطَّاهِرِ كَالْبَعِيرِ (وَ) تُكْرَهُ الصَّلَاةُ إلَى (كَافِرٍ) ، لِأَنَّهُ نَجِسُ الِاعْتِقَادِ، (وَ) إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 (مُتَحَدِّثٍ وَ) إلَى (نَائِمٍ) «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ إلَى النَّائِمِ وَالْمُتَحَدِّثِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا اسْتِقْبَالُهُ (مَا يُلْهِيهِ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ، فَنَظَرَ إلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إلَى أَبِي جَهْمٍ، وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْخَمِيصَةُ: كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ. وَالْأَنْبِجَانِيَّة: كِسَاءٌ غَلِيظٌ. (وَ) يُكْرَهُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ (نَارٍ مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ نَارَ حَطَبٍ أَوْ سِرَاجٍ، أَوْ قِنْدِيلٍ أَوْ شَمْعَةٍ، نَصًّا؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْمَجُوسِ. (أَوْ) ، أَيْ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَ (بَيْنَ يَدَيْهِ نَجَاسَةٌ) خَشْيَةَ أَنْ يُلَاقِيَهَا طَرَفُ ثَوْبِهِ، فَتَبْطُلَ صَلَاتُهُ. (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (تَعْلِيقُ، وَكِتَابَةُ شَيْءٍ فِي قِبْلَتِهِ) ، لَا وَضْعُهُ بِالْأَرْضِ، قَالَ أَحْمَدُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْعَلُوا فِي الْقِبْلَةِ شَيْئًا حَتَّى الْمُصْحَفَ (وَ) تُكْرَهُ (صَلَاتُهُ مَكْتُوفًا) ، لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَفْعَالِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ. (وَ) يُكْرَهُ فِيهَا (اعْتِمَادُهُ عَلَى يَدِهِ جَالِسًا) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا لِمُصَلٍّ (حَمْلُ فَصٍّ أَوْ ثَوْبٍ) وَنَحْوِهِ (فِيهِ صُورَةٌ) وِفَاقًا. (وَيَتَّجِهُ: الْمُرَادُ) إنَّمَا يُكْرَهُ حَمْلُ مَا فِيهِ صُورَةٌ حَيْثُ كَانَ (بِلَا لُبْسٍ، وَإِلَّا) فَلَوْ لَبِسَ خَاتَمًا فِي فَصِّهِ صُورَةٌ، أَوْ لَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ يَعِيشُ، (حَرُمَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ التَّامِّ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِحَدِيثِ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 (وَ) يَكْرَهُ لِمُصَلٍّ (خَصَّ جَبْهَتَهُ بِمَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ، مِنْ شِعَارِ رَوَافِضَ) أَوْ جُلُّهُمْ، فَيُجْتَنَبُ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَمَلٌ قَلِيلٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ فِي بِدْعَةٍ» (وَ) يُكْرَهُ لَهُ فِيهَا (مَسْحُ أَثَرِ سُجُودٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ مِنْ الْجَفَاءِ أَنْ يُكْثِرَ الرَّجُلُ مَسْحَ جَبْهَتِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاتِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي ": يُكْرَهُ إكْثَارُهُ مِنْهُ، وَلَوْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ. (وَتَكْرَارُ) الـ (فَاتِحَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَخُرُوجًا مَنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهَا بِهِ؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ وَالْفِعْلِيِّ: أَنَّ تَكْرَارَ الْقَوْلِيِّ لَا يَخِلُّ بِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ. (وَاقْتِصَارٌ عَلَيْهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ. (وَ) يُكْرَهُ لِمُصَلٍّ فِيهَا (حَمْدُهُ) لَفْظًا (إذَا عَطَسَ أَوْ) إذَا (وَجَدَ مَا يَسُرُّهُ وَ) مِثْلُهُ (اسْتِرْجَاعُهُ) ، أَيْ: قَوْلُ: إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ (إذَا وَجَدَ مَا يَغُمُّهُ) وَكَذَا قَوْلُ: بِسْمِ اللَّهِ إذَا لُسِعَ، أَوْ: سُبْحَانَ اللَّهِ إذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ، وَنَحْوُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِهِ. وَكَذَا لَوْ خَاطَبَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ لِمَنْ دَقَّ عَلَيْهِ: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] وَلِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] (وَ) يُكْرَهُ (لِإِمَامٍ قِرَاءَةٌ مُخَالِفَةٌ عُرْفَ بَلَدِهِ) لِمَا فِي حَصْرِهِ بِهَا مِنْ التَّنْفِيرِ لِلْجَمَاعَةِ. (وَ) يُكْرَهُ لِمُصَلٍّ (اسْتِنَادُهُ) إلَى نَحْوِ جِدَارٍ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ مَشَقَّةَ الْقِيَامِ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَسَنَّ، وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلَّاهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَاللَّخْمُ الْفُتُورُ. (فَإِنْ سَقَطَ) مُسْتَنِدٌ (لَوْ أُزِيلَ) مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ، (لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 تَصِحَّ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَغَيْرِ قَائِمٍ. (وَ) يُكْرَهُ (ابْتِدَاؤُهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ، (فِيمَا) أَيْ: حَالَ (يَمْنَعُ كَمَالَهَا، كَحَرٍّ) مُفْرِطٍ، (وَبَرْدٍ) مُفْرِطٍ، (وَعَطَشٍ مُفْرِطٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُقْلِقُهُ، وَيَشْغَلُهُ عَنْ حُضُورِ قَلْبِهِ فِيهَا. (أَوْ) أَنْ يَبْتَدِئَهَا (حَاقِنًا) : بِالنُّونِ، أَيْ: مُحْتَبِسَ بَوْلٍ، (أَوْ حَاقِبًا) : بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ: مُحْتَبِسَ غَائِطٍ، (أَوْ) يَبْتَدِئُهَا (مَعَ رِيحٍ مُحْتَبَسَةٍ أَوْ تَائِقًا) ، أَيْ: مُشْتَاقًا (لِطَعَامٍ وَنَحْوِهِ) كَجِمَاعٍ، وَشَرَابٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ، لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلَاةُ، فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ ". (مَا لَمْ يَضِقْ وَقْتٌ) عَنْ فِعْلِ جَمِيعِ الْمَكْتُوبَةِ فِيهِ، (فَتَجِبُ) الْمَكْتُوبَةُ (وَحَرُمَ إذَنْ) أَيْ: إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا (اشْتِغَالٌ بِغَيْرِهَا) ، لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَهَا (وَمَنْ صَلَّى عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ سُنَّ) لَهُ (إعَادَتُهَا عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ، مَا دَامَ بَقَاءُ وَقْتٍ) . وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ مُنْفَرِدًا (لِأَنَّ الْإِعَادَةَ مَشْرُوعَةٌ لِخَلَلٍ فِي) فِعْلِ الصَّلَاةِ (الْأُولَى) ، وَالْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ خَلَلٌ فِي كَمَالِهَا، وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ لِغَيْرِ ذَاتِهَا، كَالصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا سَدْلٌ، أَوْ مِنْ حَاقِنٍ وَنَحْوِهِ، فِيهَا ثَوَابٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَكْرُوهَةً لِذَاتِهَا، كَالسِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ، فَإِنَّهُ نَفْسَهُ مَكْرُوهٌ، فَلَا ثَوَابَ فِيهِ، بَلْ يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ " فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ. (وَسُنَّ) لِمُصَلٍّ (تَفْرِقَتُهُ) بَيْنَ قَدَمَيْهِ، (وَمُرَاوَحَتُهُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ) بِأَنْ يَقُومَ عَلَى إحْدَاهُمَا مَرَّةً، وَعَلَى الْأُخْرَى أُخْرَى إذَا طَالَ قِيَامُهُ، قَالَ الْأَثْرَمُ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُفَرِّجُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ، وَرَأَيْتُهُ يُرَاوِحُ بَيْنَهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي صَافًّا بَيْنَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: لَوْ رَاوَحَ هَذَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ كَانَ أَفْضَلَ " وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَفِيهِ قَالَ: " أَخْطَأَ السُّنَّةَ لَوْ رَاوَحَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَعْجَبَ ". وَ (لَا) تُسَنُّ مُرَاوَحَتُهُ (كَثِيرًا) بَلْ تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَمَايُلَ الْيَهُودِ وَرَوَى النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ مَرْفُوعًا: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسْكِنْ أَطْرَافَهُ، وَلَا يَمِيلُ مَيْلَ الْيَهُودِ» . (وَ) سُنَّ (صَلَاتُهُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ قِرَاءَتِهِ ذِكْرَهُ) نَحْوَ: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " لِتَأَكُّدِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذُكِرَ اسْمُهُ (فِي نَفْلٍ) نَصَّ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) إذَا قَرَأَ مُصَلٍّ (فِي) صَلَاةِ (فَرْضٍ) آيَةً فِيهَا ذِكْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ} [آل عمران: 144] . فَإِنَّهَا (تُبَاحُ) صَلَاتُهُ عَلَيْهِ، لِإِطْلَاقِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذُكِرَ. قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ ": وَلَا يَبْطُلُ الْفَرْضُ بِهِ، أَيْ: بِذَكَرِهِ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) سُنَّ (كَظْمٌ عِنْدَ غَلَبَةِ تَثَاؤُبٍ، وَإِلَّا) يَقْدِرْ عَلَى الْكَظْمِ (وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ) لِحَدِيثِ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِي فَمِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَ) سُنَّ (رَدُّ مَارٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ) كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا فَرْضًا كَانَتْ الصَّلَاةُ، أَوْ نَفْلًا. (وَلَوْ) كَانَ الْمَارُّ (غَيْرَ آدَمِيٍّ) ، فَيَرُدُّهُ بِلَا عُنْفٍ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى إلَى جِدَارٍ اتَّخَذَهُ قِبْلَةً، وَنَحْنُ خَلْفَهُ، فَجَاءَتْ بَهِيمَةٌ تَمْرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا زَالَ يُدَارِيهَا حَتَّى لَصَقَ بَطْنُهُ بِالْجِدَارِ، فَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ» . (مَا لَمْ يَغْلِبْهُ) الْمَارُّ، لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، أَوْ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ فَرَجَعَ، فَمَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَمَضَتْ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هُنَّ أَغْلَبُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (أَوْ يَكُنْ الْمَارُّ مُحْتَاجًا) إلَى الْمُرُورِ لِضِيقِ الطَّرِيقِ، (أَوْ) يَكُنْ (بِمَكَّةَ) الْمُشَرَّفَةِ، فَلَا يَرُدُّ الْمَارَّ بَيْنَ يَدَيْهِ نَصًّا. قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّ مَكَّةَ لَيْسَتْ كَغَيْرِهَا، أَيْ: لِأَنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ بِهَا وَيَزْدَحِمُونَ، فَمَنْعُهُمْ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِمْ «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِمَكَّةَ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ (وَأَلْحَقَ بِهَا) ، أَيْ: بِمَكَّةَ (الْمُوَفَّقُ سَائِرَ الْحَرَمِ) . قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَالْحَرَمُ كَهِيَ لِمُشَارَكَتِهِ لَهَا فِي الْحُرْمَةِ (وَيَتَّجِهُ) : إنَّمَا يَتَمَشَّى كَلَامُ الْمُوَفَّقِ (فِي زَمَنِ حَاجٍّ) لِكَثْرَةِ النَّاسِ وَاضْطِرَارِهِمْ إلَى الْمُرُورِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَجِّ، فَلَا حَاجَةَ لِلْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ. وَكَلَامُ أَحْمَدَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَطَافِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ أَبَى الْمَارُّ) إلَّا الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي (دَفَعَهُ بِعُنْفٍ وَتُنْقَضُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَرُدَّهُ) ، أَيْ: الْمَارَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. (مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَى رَدِّهِ. رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " إنَّ مَمَرَّ الرَّجُلِ لَيَضَعُ نِصْفَ الصَّلَاةِ " وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَمْكَنَهُ الرَّدُّ، أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّدُّ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُنْقِصُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا ذَنْبُ غَيْرِهِ. (فَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى إرَادَةِ الْمُرُورِ، وَلَمْ يَنْدَفِعْ بِالدَّفْعِ، (فَلَهُ) أَيْ: الْمُصَلِّي: (قِتَالُهُ) لَا بِسَيْفٍ، وَلَا بِمَا يُهْلِكُهُ، (وَلَوْ مَشَى) لَهُ قَلِيلًا، وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلِيَدْرَأْ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» ، أَيْ: فِعْلُهُ فِعْلُ الشَّيْطَانِ، أَوْ: هُوَ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَعَهُ شَيْطَانٌ. (بِدَفْعٍ، وَوَكْزٍ بِيَدِهِ) ، وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَا يَضْمَنُهُ) لِفِعْلِهِ مَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ؛ فَدَمُهُ هَدَرٌ. (وَلَا يُكَرِّرُهُ) ، أَيْ: الدَّفْع (إنْ خَافَ فَسَادَهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إفْسَادِهَا. (وَيَحْرُمُ) عَلَيْهِ التَّكْرَارُ الْمُؤَدِّي إلَى إفْسَادِ الصَّلَاةِ. (وَيَضْمَنُهُ) أَيْ: يَضْمَنُ مُصَلٍّ مَارًّا بَيْنَ يَدَيْهِ إنْ قَتَلَهُ (إذَنْ) ، أَيْ: مَعَ تَكْرَارِ الدَّفْعِ، مَعَ خَوْفِ الْفَسَادِ، لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ حِينَئِذٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ بِدُونِهِ. (وَتُكْرَهُ صَلَاةٌ بِمَوْضِعٍ يُحْتَاجُ فِيهِ لِمُرُورٍ) ذَكَرَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ. (وَلَهُ) أَيْ: الْمُصَلِّي (عَدُّ آيٍ، وَ) عَدُّ (تَسْبِيحٍ بِأَصَابِعِهِ) بِلَا كَرَاهَةٍ فِيهِمَا، لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْقِدُ الْآيَ بِأَصَابِعِهِ» رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ. وَعَدُّ التَّسْبِيحِ فِي مَعْنَى عَدِّ الْآيِ. (كَ) عَدِّ (تَكْبِيرِ عِيدٍ) وَصَلَاةِ اسْتِسْقَاءٍ، فَيُبَاحُ. (وَ) لِمُصَلٍّ (قِرَاءَةٌ بِمُصْحَفٍ، وَنَظَرٌ فِيهِ) ، أَيْ: الْمُصْحَفِ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الْقِيَامَ، وَهُوَ يَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ قِيلَ لَهُ: الْفَرِيضَةُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهَا شَيْئًا. وَسُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ يَقْرَأُ فِي رَمَضَانَ فِي الْمُصْحَفِ، فَقَالَ: كَانَ خِيَارُنَا يَقْرَءُونَ فِي الْمَصَاحِفِ. (وَ) لِمُصَلٍّ (سُؤَالُ) اللَّهِ الرَّحْمَةَ (عِنْدَ) قِرَاءَتِهِ أَوْ سَمَاعِهِ (آيَةَ رَحْمَةٍ، وَ) لَهُ (تَعَوُّذٌ) ، أَيْ: أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ (عِنْدَ) مُرُورِهِ عَلَى (آيَةِ عَذَابٍ) لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، إلَى أَنْ قَالَ: إذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ، سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ؛ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ، تَعَوَّذَ» . مُخْتَصَرٌ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِخَيْرٍ فَاسْتَوَى فِيهِ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ. (وَ) لِمُصَلٍّ (قَوْلُ: سُبْحَانَك فَبَلَى) ، إذَا قَرَأَ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] نَصًّا، فَرْضًا كَانَتْ، أَوْ نَفْلًا، لِلْخَبَرِ. وَأَمَّا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] ، فَفِي الْخَبَرِ فِيهَا نَظَرٌ ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَلَهُ رَدُّ سَلَامٍ إشَارَةً) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ» . حَدِيث أَنَسٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وأَبُو دَاوُد وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ رَدَّهُ لَفْظًا؛ بَطَلَتْ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إشَارَةً، فَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ السَّلَامِ، فَحَسَنٌ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَلَا يَرُدُّهُ فِي نَفْسِهِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ بَعْدَهَا، «لِرَدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ السَّلَامِ» . (وَلَهُ) أَيْضًا (قَتْلُ حَيَّةٍ، وَعَقْرَبٍ، وَقَمْلَةٍ) ، «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ: الْحَيَّةُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 وَالْعَقْرَبُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسٌ، كَانَا يَقْتُلَانِ الْقَمْلَةَ فِيهَا. (وَيُبَاحُ) قَتْلُهَا، وَ (دَفْنُهَا بِمَسْجِدٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُبَلَّطًا، لِأَنَّهُ لَا تَقْذِيرَ فِيهِ، وَهِيَ طَاهِرَةٌ، وَفِي مَعْنَاهَا الْبُرْغُوثُ. (وَ) لَهُ أَيْضًا (لُبْسُ ثَوْبٍ وَعِمَامَةٍ) ، وَلَفُّهَا، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْتَحَفَ بِإِزَارِهِ فِي الصَّلَاةِ» . (وَ) لَهُ (إشَارَةٌ بِنَحْوِ يَدٍ، كَوَجْهٍ) ، وَعَيْنٍ، وَحَكِّ جَسَدِهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَأَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (مَا لَمْ يُطِلْ) . قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: وَلَهُ رَدُّ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، إلَى آخِرِهِ. وَلَا يَتَقَدَّرُ الْجَائِزُ مِنْهُ بِثَلَاثٍ، وَلَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْعَدَدِ، بَلْ الْيَسِيرُ مَا عَدَّهُ الْعُرْفُ يَسِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ، فَيَرْجِعُ لِلْعُرْفِ كَالْحِرْزِ، وَالْقَبْضِ، «وَمَا شَابَهَ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَمْلِ أُمَامَةَ، وَفَتْحِهِ الْبَابَ لِعَائِشَةَ، وَتَأَخُّرِهِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَتَقَدُّمِهِ» فَهُوَ يَسِيرٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ. (وَ) لِمَأْمُومٍ (فَتْحٌ عَلَى إمَامِهِ) إذَا (أُرْتِجَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ: أُلْبِسَ، وَأُغْلِقَ (عَلَيْهِ) تَقُولُ: أَرْتَجْتُ الْبَابَ إذَا أَغْلَقْتَهُ، (أَوْ غَلِطَ) فِي الْفَرْضِ، وَالنَّفَلِ. رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ لِحَدِيثِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةً، فَلُبِسَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِأُبَيٍّ: أَصَلَّيْتَ مَعَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تُنَبِّهَ عَلَيْنَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَكَالتَّنْبِيهِ بِالتَّسْبِيحِ، (وَيَجِبُ) فَتْحُهُ عَلَى إمَامِهِ إذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ، أَوْ غَلِطَ (بِفَاتِحَةٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 كَنِسْيَانِ) إمَامِهِ (سَجْدَةً) ، فَيَلْزَمُهُ تَنْبِيهُهُ عَلَيْهَا، لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ صَلَاتِهِ عَلَيْهَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ، فَسَدَتْ صَلَاتُهُ - صَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ - لِقُدْرَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ بِهَا، كَأُمِّيٍّ يَقْدِرُ عَلَى تَعَلُّمِهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ. فَإِنْ كَانَ إمَامًا، فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ، وَإِنْ عَجَزَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ رُكْنٍ يَمْنَعُ الِائْتِمَامَ بِهِ، كَالرُّكُوعِ، فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ وَكَذَا لَوْ حُصِرَ عَنْ قَوْلٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ. (وَكُرِهَ) لِمُصَلٍّ (افْتِتَاحُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ) مُصَلِّيًا كَانَ الْمُرْتَجُّ عَلَيْهِ أَوْ لَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَشْرُوعٌ فِيهَا. (وَإِذَا نَابَهُ) ، أَيْ: عَرَضَ (لَهُ شَيْءٌ) وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ (كَاسْتِئْذَانِ) إنْسَانٍ (عَلَيْهِ، أَوْ سَهْوِ إمَامِهِ) عَنْ وَاجِبٍ، أَوْ بِفِعْلٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، (سَبَّحَ رَجُلٌ، وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ بِالتَّسْبِيحِ (إنْ كَثُرَ) ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا لَوْ كَلَّمَهُ إنْسَانٌ بِشَيْءٍ فَسَبَّحَ لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ، أَوْ خَشِيَ عَلَى إنْسَانٍ الْوُقُوعَ فِي شَيْءٍ، وَأَنْ يُتْلِفَ شَيْئًا، فَسَبَّحَ بِهِ لِيَتْرُكَهُ، أَوْ تَرَكَ إمَامُهُ ذِكْرًا فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِهِ لِيُذَكِّرَهُ، أَوْ نَحْوَهُ، لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي صَلَاتِكُمْ فَلْتُسَبِّحْ الرِّجَالُ، وَلْتُصَفِّقْ النِّسَاءُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «كُنْتُ إذَا اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ سَبَّحَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ أَذِنَ» . (وَصَفَّقَتْ امْرَأَةٌ بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ أُخْرَى) ، لِمَا تَقَدَّمَ. وَالْخُنْثَى كَامْرَأَةٍ. (وَتَبْطُلُ بِهِ) ، أَيْ: التَّصْفِيقِ (إنْ كَثُرَ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ، فَأَبْطَلَهَا كَثِيرُهُ، عَمْدًا كَانَ، أَوْ سَهْوًا. (وَكُرِهَ) تَنْبِيهُهُ (بِنَحْنَحَةٍ) ، لِلِاخْتِلَافِ فِي الْإِبْطَالِ بِهَا، وَهَذَا إذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 لَمْ يَبِنْ حَرْفَانِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ. (وَ) كُرِهَ بِ (صَفِيرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35] . وَالْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ. (وَ) كُرِهَ (تَصْفِيقُهُ) لِتَنْبِيهٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِلْآيَةِ. (وَ) كُرِهَ (تَسْبِيحُهَا) لِلتَّنْبِيهِ، لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أُمِرَتْ بِهِ. وَ (لَا) يُكْرَهُ التَّنْبِيهُ (بِقِرَاءَةٍ، وَتَكْبِيرٍ، وَتَهْلِيلٍ، وَنَحْوِهِ) ، كَتَحْمِيدٍ، وَاسْتِغْفَارٍ، كَمَا لَوْ أَتَى بِهِ لِغَيْرِ تَنْبِيهٍ. (وَمَنْ بَدَرَهُ بُصَاقٌ، أَوْ مُخَاطٌ) وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، (أَوْ نُخَامَةٌ؛ أَزَالَهُ فِي ثَوْبِهِ) ، وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضِ، إذْهَابًا لِصُورَتِهِ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلَا يَبْزُقَنَّ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، لَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ، فَبَزَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الْمَسْجِدِ عَنْ الْبُصَاقِ فِيهِ. (وَيُبَاحُ) بُصَاقٌ وَنَحْوُهُ (بِغَيْرِ مَسْجِدٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَتَحْتَ قَدَمِهِ) . قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْيُسْرَى؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ. وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَإِكْرَامًا لِلْقَدَمِ الْيُمْنَى، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَتَقَدَّمَ. (وَ) بَصْقُهُ (فِي ثَوْبٍ أَوْلَى) إنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ. (وَيُكْرَهُ) بَصْقُهُ وَنَحْوُهُ (يَمْنَةً وَأَمَامًا) لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَلَزِمَ) مَنْ رَأَى نَحْوَ بُصَاقٍ فِي مَسْجِدٍ (حَتَّى غَيْرَ بَاصِقٍ، إزَالَتُهُ مِنْ مَسْجِدٍ) ، لِخَبَرِ أَبِي ذَرٍّ: «وَجَدْتُ فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِنَا النُّخَامَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَالْبُصَاقُ فِيهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ (خَطِيئَةٌ؛ فَيَأْثَمُ) لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ تَفَلَ تِجَاهَ الْقِبْلَةِ؛ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 وَتَفْلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. (وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» . (قَالَ بَعْضُهُمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ. (فَإِنْ قَصَدَ الْبَاصِقُ) فِي الْمَسْجِدِ (الدَّفْنَ ابْتِدَاءً؛ فَلَا إثْمَ) عَلَيْهِ، أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ ". (وَسُنَّ تَخْلِيقُ مَحَلِّ بُصَاقٍ) ، أَيْ: طَلْيِ مَحَلِّ الْبُصَاقِ وَنَحْوِهِ بِالْخَلُوقِ، وَهُوَ: نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ، لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَسُنَّ لِغَيْرِ مَأْمُومٍ صَلَاةٌ إلَى سُتْرَةٍ) مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (مُرْتَفِعَةٍ قَرِيبَ ذِرَاعٍ فَأَقَلَّ) ، وَلَوْ لَمْ يَخْشَ مَارًّا، أَيْ: حَضَرًا كَانَ أَوْ سَفَرًا، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ يَرْفَعُهُ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالسُّتْرَةُ: مَا يُسْتَتَرُ بِهِ (مِنْ جِدَارٍ، أَوْ بَهِيمٍ) ، أَوْ شَيْءٍ شَاخِصٍ، كَحَرْبَةٍ وَنَحْوِهَا، يَعْرِضُهُ، وَيُصَلِّي إلَيْهِمْ. (أَوْ آدَمِيٍّ غَيْرِ كَافِرٍ) ، لِأَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهُ (وَ) يُسْتَحَبُّ (قُرْبُهُ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي (مِنْهَا) ، أَيْ: السُّتْرَةِ، (نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ قَدَمَيْهِ) لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: «كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ السُّتْرَةِ مَمَرُّ الشَّاةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. «وَصَلَّى فِي الْكَعْبَةِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْجِدَارُ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ» ، وَلِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِصَلَاتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ قَرُبَ مِنْ الْجِدَارِ، أَوْ السَّارِيَةِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفَضَاءِ، فَإِلَى شَيْءٍ شَاخِصٍ مِمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 سَبَقَ (وَ) يُسْتَحَبُّ (انْحِرَافُهُ عَنْهَا) أَيْ: السُّتْرَةِ (يَسِيرًا) ؛ «لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ، لَكِنْ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (وَيَحْرُمُ مُرُورٌ بَيْنَهُ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي، (وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ، وَلَوْ) كَانَتْ السُّتْرَةُ (بَعِيدَةً) مِنْ الْمُصَلِّي، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ، وَهُوَ يُصَلِّي» . (وَإِلَّا) تَكُنْ سُتْرَةٌ، فَيَحْرُمُ الْمُرُورُ (فِي) مِقْدَارِ (ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ يَدٍ مِنْ قَدَمِ مُصَلٍّ) ، لِمَا رَوَى أَبُو جَهْمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ يَقِفُ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» . قَالَ أَبُو النَّصْرِ - أَحَدُ رُوَاتِهِ -: لَا أَدْرِي، أَقَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً؟ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَيْسَ وُقُوفُهُ) بَيْنَ يَدَيْ مُصَلٍّ (كَمُرُورِهِ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ الْمُرُورِ لَا عَنْ الْوُقُوفِ. (وَعَرْضُ سُتْرَةٍ أَعْجَبُ إلَى) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ) ، قَالَ: مَا كَانَ أَعْرَضَ فَهُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ. انْتَهَى. لِحَدِيثِ سَمُرَةَ: «اسْتَتِرُوا فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ بِسَهْمٍ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ فَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِسَهْمٍ؛ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى مِنْهُ، وَلَا حَدَّ لِغِلَظِهَا، فَقَدْ تَكُونُ غَلِيظَةً، كَالْحَائِطِ، أَوْ دَقِيقَةً، كَالسَّهْمِ وَرُوِيَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا «إذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ، فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُبَالِي مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى مُصَلٍّ (غَرْزُ عَصًا؛ وَضَعَهَا) بَيْنَ يَدَيْهِ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ. (وَيَصِحُّ) تَسَتُّرٌ (وَلَوْ بِخَيْطٍ، أَوْ مَا يَعْتَقِدُهُ سُتْرَةً) ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَاضِعُ لَهَا الْمُصَلِّي، أَوْ غَيْرُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ صَلَّى لِشَاخِصٍ) بَيْنَ يَدَيْهِ؛ (صَحَّ) اعْتِبَارُ ذَلِكَ الشَّاخِصِ (سُتْرَةً بِلَا نِيَّةٍ) مِنْ الْمُصَلِّي، فَعَلَيْهِ: لَوْ مَرَّ مِنْ وَرَائِهِ حَيَوَانٌ؛ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي صَلَاتِهِ، لَكِنْ قَوَاعِدُهُمْ تَأْبَاهُ. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُصَلِّي شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ؛ (خَطَّ) خَطًّا. نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا، وَلَا يَضُرُّ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ فِيهِ رَجُلًا مَجْهُولًا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا وَصِفَتُهُ (كَالْهِلَالِ) لَا طُولًا، لَكِنْ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَكَيْفَ مَا خَطَّ أَجْزَأَهُ. (فَإِذَا مَرَّ مِنْ وَرَائِهَا) ، أَيْ: السُّتْرَةِ (شَيْءٌ؛ لَمْ يُكْرَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لَهُ سُتْرَةٌ (فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) قَرِيبًا مِنْهُ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ (كَلْبٌ أَسْوَدُ بَهِيمٌ) ، أَيْ: لَا يُخَالِطُهُ لَوْنٌ آخَرُ؛ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ. وَكَذَا لَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ، وَلَوْ بَعِيدًا؛ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ، مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ، مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ يَا ابْن أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُمَا. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ (لَا) يَقْطَعُ الصَّلَاةَ (امْرَأَةٌ، وَحِمَارٌ أَهْلِيٌّ، وَشَيْطَانٌ) ، «لِأَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَعَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ: «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ، فَصَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، وَحِمَارَةٌ لَنَا، وَكَلْبَةٌ، يَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا بَالَى بِذَلِكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَلَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ: «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَيَرْوِيهِ مُجَاهِدٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. (وَتُجْزِئُ سُتْرَةٌ نَجِسَةٌ) صَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَ (لَا) تُجْزِئُ سُتْرَةٌ (مَغْصُوبَةٌ) ؛ فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ إلَيْهَا، كَمَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ إلَى الْقَبْرِ؛ لِأَنَّهَا كَالْبُقْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ، وَسُتْرَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَذَلِكَ، قِيَاسًا عَلَى السُّتْرَةِ الْمَغْصُوبَةِ. (وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ) رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، سَوَاءٌ صَلَّوْا خَلْفَ الْإِمَامِ، كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ، أَوْ قُدَّامَهُ حَيْثُ صَحَّتْ. وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ مَرَّ الْكَلْبُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَسُتْرَتِهِ، وَكَانَ لَا يَرَى بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِهِ، وَالْمَأْمُومُ يَرَاهُ؛ فَإِنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ صَحِيحَةً، كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ سَتْرَ أَحَدِ عَاتِقَيْهِ، أَوْ مَسْحَ جَمِيعِ رَأْسِهِ نَظَرًا إلَى اعْتِقَادِ الْإِمَامِ، (فَلَا يَضُرُّ صَلَاتَهُمْ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِينَ (مُرُورُ شَيْءٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) لِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «هَبَطْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ثَنِيَّةٍ إلَى أُخْرَى، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَعَمَدَ إلَى جِدَارٍ فَاِتَّخَذَهُ قِبْلَةً، وَنَحْنُ خَلْفَهُ، فَجَاءَتْهُ بَهِيمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا زَالَ يُدَارِيهَا حَتَّى لَصِقَ بَطْنُهُ بِالْجِدَارِ، فَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَلَوْلَا أَنَّ سُتْرَتَهُ سُتْرَةٌ لَهُمْ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مُرُورِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفِهِ فَرْقٌ. (وَإِنْ مَرَّ مَا يَقْطَعُهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةَ؛ وَهُوَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ (بَيْنَ إمَامٍ وَسُتْرَتِهِ؛ قَطَعَ صَلَاتَهُ وَصَلَاتَهُمْ) ، لِأَنَّهُ مَرَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِمْ (وَهَلْ لَهُمْ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِينَ (رَدُّ مَارٍّ) بَيْنَ أَيْدِيهِمْ؟ (وَهَلْ يَأْثَمُ) الْمَارُّ، أَوْ لَا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ: (مَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ " إلَى أَنَّ لَهُمْ رَدَّهُ، وَأَنَّهُ يَأْثَمُ، وَتَبِعَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ") . وَقَالَ صَاحِبُ " النَّظْمِ ": لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لِجَوَازِ مُرُورِ الْإِنْسَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَأْمُومِينَ، فَيُحْتَمَلُ جَوَازُهُ اعْتِبَارًا بِسُتْرَةِ الْإِمَامِ لَهُ حُكْمًا، وَيُحْتَمَلُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْإِبْطَالِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْجَمِيعِ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْمَأْمُومِينَ رَدُّهُ إنْ كَانَ مُرُورُهُ (فِي) مَمَرٍّ (قَرِيبٍ مِنْهُمْ) ، كَثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، فَمَا دُونَهَا، أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ، أَوْ كَانَ الْمَمَرُّ بَيْنَ الصُّفُوفِ فَوْقَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُمْ رَدُّهُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ بِمُرُورِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَفِي: " الْمُسْتَوْعِبِ ": إنْ احْتَاجَ لِمُرُورٍ أَلْقَى شَيْئًا، ثُمَّ مَرَّ) مِنْ وَرَائِهِ، لِيَكُونَ مُرُورُهُ مِنْ وَرَاءِ السُّتْرَةِ، وَإِنْ وَجَدَ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ قَامَ فِيهَا إنْ كَانَتْ بِحِذَائِهِ فَإِنْ مَشَى إلَيْهَا عَرْضًا؛ كُرِهَ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 [فَصْلٌ تَنْقَسِمُ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالُهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ] (فَصْلٌ) تَنْقَسِمُ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالُهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ: مَا لَا يَسْقُطُ عَمْدًا، وَلَا سَهْوًا، وَلَا جَهْلًا، وَهِيَ: الْأَرْكَانُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِهَا، فَشُبِّهَتْ بِرُكْنِ الْبَيْتِ الَّذِي لَا يَقُومُ إلَّا بِهِ. وَبَعْضُهُمْ سَمَّاهَا فُرُوضًا، وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ. الثَّانِي: مَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا، وَيَسْقُطُ سَهْوًا، وَجَهْلًا، وَيُجْبَرُ بِالسُّجُودِ، وَسَمَّوْهُ وَاجِبًا اصْطِلَاحًا. الثَّالِثُ: مَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ وَلَوْ عَمْدًا، وَهُوَ السُّنَنُ. (أَرْكَانُ صَلَاةٍ، وَتُسَمَّى فُرُوضًا مَا كَانَ فِيهَا) احْتِرَازًا عَنْ الشُّرُوطِ، (وَلَا تَسْقُطَ عَمْدًا) ، خَرَجَ السُّنَنُ، (أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا) ، خَرَجَ الْوَاجِبَاتُ (وَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ) ، رُكْنًا بِالِاسْتِقْرَاءِ: (أَحَدُهَا: قِيَامُ قَادِرٍ فِي فَرْضٍ) ، وَلَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] «وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا» . إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَخُصَّ بِالْفَرْضِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا» . الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَالْقُدْرَةُ شَرْطٌ فِي الْجَمِيعِ) ، أَيْ: فِي جَمِيعِ الْأَرْكَانِ، (سِوَى خَائِفٍ بِهِ) ، أَيْ: بِالْقِيَامِ، كَمَنْ بِمَكَانٍ لَهُ حَائِطٌ يَسْتُرُهُ جَالِسًا لَا قَائِمًا، وَيَخَافُ بِقِيَامِهِ لِصًّا أَوْ عَدُوًّا، فَيُصَلِّي جَالِسًا لِلْعُذْرِ، (وَ) سِوَى (عُرْيَانٍ) لَا يَجِدُ سُتْرَةً؛ فَيُصَلِّي جَالِسًا نَدْبًا، وَيَنْضَمُّ (وَ) سِوَى مَرِيضٍ يُمْكِنُهُ قِيَامٌ، لَكِنْ لَا تُمْكِنُهُ مُدَاوَاتُهُ قَائِمًا، فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقِيَامُ (لِمُدَاوَاةٍ) ، وَيُصَلِّي جَالِسًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ. (وَ) كَذَا يُعْفَى عَنْ قِيَامٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 مَعَ (قِصَرِ سَقْفٍ لِعَاجِزٍ عَنْ خُرُوجٍ) لِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ، بِمَكَانٍ قَصِيرِ السَّقْفِ. (وَ) كَذَا يُصَلِّي جَالِسًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ (خَلْفَ إمَامٍ حَيٍّ) أَيْ: رَاتِبٍ، (عَاجِزٍ) عَنْ الْقِيَامِ (بِشَرْطِهِ) ، وَهُوَ أَنْ يُرْجَى زَوَالُ عِلَّتِهِ، وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْجَمَاعَةِ. (وَحَدُّ قِيَامٍ: مَا لَمْ يَصِرْ رَاكِعًا) ، أَيْ: أَنْ لَا يَصِيرَ إلَى الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ، (فَلَا يَضُرُّ) فِي الْقِيَامِ (خَفْضُ رَأْسٍ) عَلَى هَيْئَةِ الْإِطْرَاقِ (وَانْحِنَاءٌ قَلِيلًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ يُسَمَّى قَائِمًا. (وَلَوْ وَقَفَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ كُرِهَ، وَأَجْزَأَ) ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَكْثَرِ. (وَالرُّكْنُ مِنْهُ) أَيْ: الْقِيَامِ، (الِانْتِصَابُ بِقَدْرِ تَكْبِيرِ إحْرَامٍ، وَقِرَاءَةِ فَاتِحَةٍ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَفِيمَا بَعْدَهَا بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَبَدَلِهَا مِنْ الذِّكْرِ، وَقَفَ بِقَدْرِهَا. (وَقُعُودُ) ، أَوْ اضْطِجَاعُ (عَاجِزٍ) عَنْ الْقِيَامِ، أَوْ عَنْهُ وَعَنْ الْقُعُودِ رُكْنٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقِيَامِ. (وَ) كَذَلِكَ الْقُعُودُ لِ (مُتَنَفِّلٍ رُكْنٌ فِي حَقِّهِ) لِقِيَامِ الْقُعُودِ مَقَامَ الرُّكْنِ. وَإِنْ أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ، فَالرُّكْنُ مِنْ الْقِيَامِ بِقَدْرِ التَّحْرِيمَةِ. وَ (الثَّانِي: تَكْبِيرَةُ إحْرَامٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ، وَسَدِّدُوا الْفُرَجَ، وَإِذَا قَالَ إمَامُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِغَيْرِهَا. وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . (وَمَرَّ) ذِكْرُ (شُرُوطِهَا) فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ بَعْدَ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ بِشَرْطٍ بَلْ هِيَ مِنْ الصَّلَاةِ، لِحَدِيثِ: «إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَ (الثَّالِثُ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، أَوْ) قِرَاءَةُ (مَا قَامَ مَقَامَهَا) مِنْ الذِّكْرِ (لِعَاجِزٍ عَنْهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِإِمَامٍ، وَمُنْفَرِدٍ) لِحَدِيثِ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَتَحَمَّلُهَا الْإِمَامُ عَنْهُ لِلْخَبَرِ. قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ إنَّمَا تَقُومُ عَنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ، إذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةً، احْتِرَازًا عَنْ الْإِمَامِ إذَا كَانَ مُحْدِثًا أَوْ نَجِسًا، وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ. وَقُلْنَا بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ لِعَدَمِ صِحَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى رُكْنِ الصَّلَاةِ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُومِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": لَكِنْ لَمْ أَجِدْ مِنْ أَعْيَانِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ مَنْ اسْتَثْنَاهُ، نَعَمْ وَجَدْتُهُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى. وَقَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَشْيَاخِ وَالْأَخْبَارِ خِلَافُهُ، لِلْمَشَقَّةِ. (الرَّابِعُ: الرُّكُوعُ، وَهُوَ فَرْضٌ بِإِجْمَاعِ) الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا} [الحج: 77] ، وَحَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ؛ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُسَمَّاةَ فِي الْحَدِيثِ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ، فَإِنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ، لَسَقَطَتْ عَنْ الْأَعْرَابِيِّ لِجَهْلِهِ بِهَا. وَ (الْخَامِسُ: الرَّفْعُ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ الرُّكُوعِ لِلْخَبَرِ، (لَا مَا) ، أَيْ: رُكُوعًا (بَعْدَ) رُكُوعٍ، (أَوَّلٍ مِنْهُمَا) ، أَيْ: مِنْ الرُّكُوعَيْنِ (فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 صَلَاةِ كُسُوفٍ) ، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، وَكَذَا الرَّفْعُ مِنْهُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ: لَا مَا بَعْدَ إلَى آخِرِهِ، حَتَّى يَذْكُرُ الِاعْتِدَالَ، لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الرَّفْعَ، وَالِاعْتِدَالَ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ رُكْنٌ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَيْضًا، وَغَيْرُهُ سُنَّةٌ. (وَإِذَا رَفَعَ) مِنْ الرُّكُوعِ، (وَشَكَّ: هَلْ أَتَى مِنْهُ بِقَدْرِ إجْزَاءِ، أَمْ لَا؟ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ، فَيَرْكَعَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ،) لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ. وَ (السَّادِسُ: الِاعْتِدَالُ) بَعْدَ الرُّكُوعِ الرُّكْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا» . (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٌ) قَوِيٌّ (وَأَقَلُّهُ) أَيْ: الِاعْتِدَالِ (عَوْدُهُ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي (لِهَيْئَتِهِ الْمُجْزِئَةَ) أَيْ: الَّتِي تُجْزِئُهُ مِنْ الْقِيَامِ (قَبْلَ رُكُوعٍ) فَلَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ مُنْحَنِيًا يَسِيرًا حَالَ اعْتِدَالِهِ، وَاطْمِئْنَانِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قَائِمًا. وَتَقَدَّمَ أَنَّ حَدَّ الْقِيَامِ مَا لَمْ يَصِرْ رَاكِعًا، وَالْكَمَالُ مِنْهُ الِاسْتِقَامَةُ حَتَّى يَعُودَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى مَحَلِّهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِطُولِ اعْتِدَالٍ) . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ الْأَنْمَاطِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُطِيلُ الِاعْتِدَالَ، وَالْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَوَّلَهُ قَرِيبَ قِيَامِهِ، وَرُكُوعِهِ» . (وَيَتَّجِهُ الْمُرَادُ بِطُولِهِ) ، أَيْ: الْقِيَامِ (نَحْوُ قُرْبِ قِيَامِهِ) ، أَيْ: وَرُكُوعِهِ فَقَطْ، (لَا مُطْلَقًا) ، أَيْ: فَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 (وَأَدْخَلَ فِي " الْإِقْنَاعِ " الرَّفْعَ فِي الِاعْتِدَالِ) لِاسْتِلْزَامِهِ لَهُ (السَّابِعُ: السُّجُودُ) إجْمَاعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّتَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ، وَتَقَدَّمَ. (وَمَرَّ أَكْمَلُهُ، وَأَقَلُّهُ، مَعَ ذِكْرِ رُكُوعٍ) فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ. وَ (الثَّامِنُ: الرَّفْعُ مِنْهُ) ، أَيْ: السُّجُودِ. وَ (التَّاسِعُ: الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ: «ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا» . (وَشُرِطَ فِي نَحْوِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَرَفْعٍ مِنْهُمَا: أَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَهُ) . فَلَوْ رَكَعَ، أَوْ سَجَدَ أَوْ رَفَعَ خَوْفًا مِنْ شَيْءٍ، لَمْ يُجْزِئُهُ. وَ (لَا) يُشْتَرَطُ (أَنْ يَقْصِدَهُ) ، أَيْ: الْمَذْكُورَ، مِنْ نَحْوِ رُكُوعٍ إلَى آخِرِهِ، (اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَصْحَبِ حُكْمُهَا) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ ذَلِكَ وُجُوبًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 وَ (الْعَاشِرُ: الطُّمَأْنِينَةُ فِي كُلِّ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ) مِنْ الرُّكُوعِ، وَالِاعْتِدَالِ عَنْهُ، وَالسُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ «أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ، وَلَا سُجُودَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مِتَّ؛ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَهِيَ) أَيْ: الطُّمَأْنِينَةُ: (السُّكُونُ وَإِنْ قَلَّ) . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: اطْمَأَنَّ الرَّجُلُ اطْمِئْنَانًا، وَطُمَأْنِينَةً، أَيْ: سَكَنَ. (وَمَا فِيهِ) ذِكْرٌ (وَاجِبٌ) وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَنْ هَذَا السُّكُونِ، كَذِكْرٍ وَاجِبٍ مِنْ عَالِمِ ذَلِكَ، فَوَاجِبٌ. وَلَا يَبْعُدُ اجْتِمَاعُ الرُّكْنِ وَالْوَاجِبِ، كَمَا لَا يَبْعُدُ اجْتِمَاعُ أَحَدِهِمَا، أَوْ مَعَ مَسْنُونٍ. (فَ) الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ (بِقَدْرِ إتْيَانِهِ) بِهِ (لِذَاكِرٍ) إذَا ذَكَرَهُ قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ ": وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ بِقَدْرِ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ لِذَاكِرِهِ، وَلِنَاسِيهِ بِقَدْرِ أَدْنَى سُكُونِهِ. وَكَذَا لِمَأْمُومٍ بَعْدَ انْتِصَابِهِ مِنْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَا ذِكْرَ فِيهِ. قَالَ شَارِحُهُ: هَذِهِ التَّفْرِقَةُ لَمْ أَجِدْهَا فِي " الْفُرُوعِ " وَلَا " الْمُبْدِعِ " وَلَا " الْإِنْصَافِ " وَلَا غَيْرِهَا، مِمَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، وَفِيهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ لَا يَخْتَلِفُ بِالذَّاكِرِ وَالنَّاسِي، بَلْ فِي كَلَامِ " الْإِنْصَافِ " مَا يُخَالِفُهَا، فَإِنَّهُ حَكَى فِي الطُّمَأْنِينَةِ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: هِيَ السُّكُونُ وَإِنْ قَلَّ، وَقَالَ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي: بِقَدْرِ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ": وَتَبِعَهُ فِي " الْحَاوِي الْكَبِيرِ " وَهُوَ الْأَقْوَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ. ثُمَّ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 فِي " الْإِنْصَافِ ": وَفَائِدَةُ الْوَجْهَيْنِ: إذَا نَسِيَ التَّسْبِيحَ فِي رُكُوعِهِ، أَوْ سُجُودِهِ، أَوْ التَّحْمِيدَ فِي اعْتِدَالِهِ، وَسُؤَالَ الْمَغْفِرَةِ فِي جُلُوسِهِ، أَوْ عَجَزَ عَنْهُ لِعُجْمَةٍ أَوْ خَرَسٍ، أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ، وَقُلْنَا هُوَ سُنَّةٌ، وَاطْمَأَنَّ قَدْرًا لَا يَتَّسِعُ لَهُ؛ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَلَا تَصِحُّ عَلَى الثَّانِي وَ (الْحَادِيَ عَشَرَ: التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ) لِحَدِيثِ: «إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» الْخَبَرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ عُمَرُ: " لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا بِتَشَهُّدٍ " رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ. (بَعْدَ) الْإِتْيَانِ بِ (أَقَلِّ مُجْزِئٍ مِنْ) التَّشَهُّدِ (الْأَوَّلِ) ، وَتَقَدَّمَ. (وَالرُّكْنُ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) فَقَطْ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَ (الثَّانِي عَشَرَ: الْجُلُوسُ لَهُ) ، أَيْ: التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، (وَ) الْجُلُوسُ (لِلتَّسْلِيمَتَيْنِ) «لِمُدَاوَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجُلُوسِ لِذَلِكَ وَقَوْلِهِ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . (قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فَإِنْ زَحَمَ) مُصَلٍّ (عَنْ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ، أَتَى بِهِ) . أَيْ: بِالتَّشَهُّدِ (قَائِمًا، وَأَجْزَأَهُ) إتْيَانُهُ بِهِ قَائِمًا لِلْعَجْزِ، عَنْ الْقُعُودِ (وَيَتَّجِهُ) : إنَّمَا يُجْزِئُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ قَائِمًا، إنْ زَحَمَ (فِي تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ) ، لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ الثَّانِي رُكْنٌ، بِخِلَافِهِ لِلْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الرُّكْنِ، فَلَا يُعْطَى حُكْمَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 و (الثَّالِثَ عَشَرَ: التَّسْلِيمَتَانِ) لِحَدِيثِ: «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» . وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْتِمُ صَلَاتَهُ بِالتَّسْلِيمِ» ، وَثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَلِأَنَّهُمَا نُطْقٌ مَشْرُوعٌ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهَا، فَكَانَ رُكْنًا كَالطَّرَفِ الْآخَرِ. (فَلَا يَخْرُجُ مِنْ) صَلَاةِ (فَرْضٍ) . (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ نَذْرًا) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (إلَّا بِهِمَا) ، أَيْ: التَّسْلِيمَتَيْنِ، (سِوَى) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ) ، وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ، وَشُكْرٍ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَأْتِي (وَيَخْرُجُ مِنْ نَفْلٍ بِ) تَسْلِيمَةٍ (وَاحِدَةٍ، وَ) التَّسْلِيمَةُ (الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ) ، وَيَأْتِي. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ النَّفْلِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ الْقَاضِي: الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ فِي الْجِنَازَةِ، وَالنَّافِلَةِ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 وَظَاهِرُ " الْمُنْتَهَى ": أَنَّ النَّفَلَ كَالْفَرْضِ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنَّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ. وَ (الرَّابِعَ عَشَرَ: تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ كَمَا ذَكَرْنَا) هُنَا، وَفِي صِفَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّيهَا مُرَتَّبَةً، وَعَلَّمَهَا لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ مُرَتَّبًا بِثُمَّ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ، فَكَانَ التَّرْتِيبُ فِيهَا رُكْنًا كَغَيْرِهِ. (فَمَنْ سَجَدَ مَثَلًا قَبْلَ رُكُوعٍ عَمْدًا، بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ، لِإِخْلَالِهِ بِالتَّرْتِيبِ (وَسَهْوًا يَرْجِعُ) وُجُوبًا، (لِيَرْكَعَ ثُمَّ يَسْجُدَ) لِيَأْتِيَ بِالتَّرْتِيبِ عَلَى وَجْهِهِ. [فَرْعٌ اعْتَقَدَ مُصَلٍّ الْأَرْكَانَ الْمَذْكُورَةَ سُنَّةً وَأَدَّى الصَّلَاةَ بِهَذَا الِاعْتِقَادِ] (فَرْعٌ: لَوْ اعْتَقَدَ مُصَلٍّ هَذِهِ الْأَرْكَانَ) الْمَذْكُورَةَ (سُنَّةً) ، وَأَدَّى الصَّلَاةَ بِهَذَا الِاعْتِقَادِ، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، (أَوْ اعْتَقَدَ السُّنَّةَ فَرْضًا) فَصَحِيحَةٌ أَيْضًا (أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا) مَسْنُونًا، وَلَا وَاجِبًا، وَلَا غَيْرَهُ، (وَأَدَّاهَا عَالِمًا أَنْ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الصَّلَاةِ، فَ) صَلَاتُهُ (صَحِيحَةٌ) . وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الشَّرْطَ مِنْ الرُّكْنِ، وَالْفَرْضَ مِنْ السُّنَّةِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَرَدُّ الْمَجْدُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ الِائْتِمَامَ بِمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ نَفْلٌ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، مَعَ شِدَّةِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَا هُوَ الْفَرْضُ وَالسُّنَّةُ، وَلِأَنَّ اعْتِقَادَ الْفَرْضِيَّةِ وَالنَّفْلِيَّةِ يُؤَثِّرُ فِي جُمْلَةِ الصَّلَاةِ، لَا تَفَاصِيلِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى يَعْتَقِدُ الصَّلَاةَ فَرِيضَةً يَأْتِي بِأَفْعَالٍ تَصِحُّ مِنْهَا بَعْضُهَا فَرْضٌ، وَبَعْضُهَا نَفْلٌ، وَهُوَ يَجْهَلُ مِنْ السُّنَّةِ، أَوْ يَعْتَقِدُ فَرْضًا، صَحَّتْ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَيَتَّجِهُ: وَعَلَى قِيَاسِهِ) ، أَيْ: قِيَاسِ فِعْلِ الصَّلَاةِ، (نَحْوَ وُضُوءٍ) : كَغُسْلٍ، وَتَيَمُّمٍ، وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ، فَعَلَهَا مُعْتَقِدًا أَرْكَانَهَا فُرُوضًا، أَوْ سُنَنًا أَوْ فَعَلَهَا، وَلَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا، فَعِبَادَتُهُ صَحِيحَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ، اكْتِفَاءً بِعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 [فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالِهَا وَوَاجِبَاتُهَا] (فَصْلٌ) (وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ، وَأَفْعَالِهَا (وَاجِبَاتُهَا) ، وَهِيَ: (مَا كَانَ فِيهَا) خَرَجَ الشُّرُوطُ. (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِتَرْكِهَا عَمْدًا) خَرَجَ السُّنَنُ. (وَتَسْقُطُ سَهْوًا وَجَهْلًا) خَرَجَ الْأَرْكَانُ. (وَيَجِبُ السُّجُودُ لِذَلِكَ) ، أَيْ: لِتَرْكِهَا. (وَهِيَ) ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ: (تَكْبِيرٌ بَعْدَ إحْرَامٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: «فَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ وَرَكَعَ، فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا، وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ، فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. وَهَذَا أَمْرٌ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. (سِوَى تَكْبِيرَةِ رُكُوعٍ مَسْبُوقٍ أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا) ، فَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ، ثُمَّ رَكَعَ مَعَهُ، فَإِنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ رُكْنٌ، وَتَكْبِيرَةِ (الرُّكُوعِ سُنَّةٌ) ، لِلِاجْتِزَاءِ عَنْهَا بِتَكْبِيرَةٍ الْإِحْرَامِ. (فَإِنْ نَوَاهَا) ، أَيْ: تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ (مَعَ تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ. (وَ) الثَّانِي: (تَسْمِيعٌ) ، أَيْ: قَوْلُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ (لِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ لَا لِمَأْمُومٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَأْتِي بِهِ، وَقَالَ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . (وَ) الثَّالِثُ (تَحْمِيدٌ) ، أَيْ: قَوْلُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، لِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ، وَمُنْفَرِدٍ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» . (وَ) الرَّابِعُ: (تَسْبِيحَةٌ أُولَى فِي رُكُوعٍ) . (وَ) الْخَامِسُ: تَسْبِيحَةٌ أُولَى فِي (سُجُودٍ) ، وَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ. (وَ) السَّادِسُ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي) إذَا جَلَسَ (بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) مَرَّةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 (لِلْكُلِّ) ، أَيْ: الْإِمَام وَالْمَأْمُومِ، وَالْمُنْفَرِدِ، لِثُبُوتِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلِهِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . (وَمَحَلُّ تَكْبِيرِ) الِانْتِقَالِ، وَالتَّسْمِيعِ وَكَذَا، التَّحْمِيدُ لِمَأْمُومٍ (بَيْنَ ابْتِدَاءِ انْتِقَالٍ وَانْتِهَائِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَهُ، فَاخْتَصَّ بِهِ. (فَلَوْ) كَمَّلَهُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَحَلِّهِ، وَإِنْ (شَرَعَ فِيهِ) ، أَيْ: الْمَذْكُورِ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الِانْتِقَالِ، بِأَنْ كَبَّرَ لِسُجُودٍ قَبْلَ هَوِيِّهِ إلَيْهِ، أَوْ سَمَّعَ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعٍ، لَمْ يُجْزِئُهُ، (أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَ) انْتِهَائِهِ، كَأَنْ أَتَمَّ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ فِيهِ، (لَمْ يُجْزِئُهُ) ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. وَكَذَا لَوْ شَرَعَ فِي تَسْبِيحِ رُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ قَبْلَهُ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَهُ. وَكَذَا سُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ لَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْجُلُوسِ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَهُ، وَكَذَا تَحْمِيدُ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ لَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ اعْتِدَالِهِ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَ هَوِيِّهِ مِنْهُ، (كَتَكْمِيلِهِ وَاجِبَ قِرَاءَةٍ رَاكِعًا، أَوْ شُرُوعِهِ فِي تَشَهُّدٍ قَبْلَ قُعُودٍ) لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، أَوْ الْأَخِيرِ، لَمْ يُجْزِئْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَ) السَّابِعُ: (تَشَهُّدٌ أَوَّلٌ) لِمُدَاوَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فِعْلِهِ، وَأَمْرِهِ بِهِ. وَسُجُودِهِ لِلسَّهْوِ حِينَ نَسِيَهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ، لِسُقُوطِهَا بِالسَّهْوِ، وَانْجِبَارِهَا بِالسُّجُودِ، كَوَاجِبَاتِ الْحَجِّ (وَ) الثَّامِنُ (جُلُوسٌ لَهُ) ، أَيْ: لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ (عَلَى غَيْرِ مَنْ قَامَ إمَامُهُ سَهْوًا، وَلَمْ يُنَبَّهْ) : بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، فَيُتَابِعُهُ وُجُوبًا، وَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. (وَالْمُجْزِئُ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ: (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) أَوْ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَمَنْ تَرَكَ حَرْفًا مِنْ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 عَمْدًا، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ الْأَحَادِيثِ. (وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا عَمْدًا لِشَكٍّ فِي وُجُوبِهِ) ، بِأَنْ تَرَدَّدَ: أَوَاجِبٌ أَوْ لَا؟ (لَمْ يَسْقُطْ) وُجُوبُهُ، (وَأَعَادَ، لِأَنَّهُ بِتَرَدُّدِهِ فِي وُجُوبِهِ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِعْلَهُ احْتِيَاطًا) كَمَنْ تَرَدَّدَ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، فَلَمْ يَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ (بِخِلَافِ مَنْ جَهِلَهُ) ، أَيْ: جَهِلَ حُكْمَهُ، بِأَنْ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ أَنَّ عَالِمًا قَالَ بِوُجُوبِهِ، فَهُوَ كَالسَّاهِي، فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إنْ عَلِمَ قَبْلَ فَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ. [فَصْلٌ مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالِهَا سُنَنُهَا] (فَصْلٌ) (وَ) الثَّالِثُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ، وَأَفْعَالِهَا: (سُنَنُهَا) ، وَهِيَ: (مَا كَانَ فِيهَا مِمَّا سِوَى رُكْنٍ، وَوَاجِبٍ وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِتَرْكِهَا وَلَوْ عَمْدًا) بِخِلَافِ الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ. (وَيُبَاحُ سُجُودٌ لِسَهْوِهِ) ، أَيْ: تَرْكِهِ سَهْوًا، فَلَا يَجِبُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ. (وَهِيَ) ، أَيْ: السُّنَنُ ضَرْبَانِ: الْأَوَّلُ: (قَوْلِيَّةٌ: كَاسْتِفْتَاحٍ، وَتَعَوُّذٍ) قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَى، (وَقِرَاءَةِ بَسْمَلَةٍ) فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَكُلِّ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ (وَ) قِرَاءَةِ (سُورَةٍ فِي نَحْوِ فَجْرٍ وَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ، وَأُولَتَيْ مَغْرِبٍ، وَرُبَاعِيَّةٍ، وَكُلِّ تَطَوُّعٍ وَتَأْمِينٍ، وَقَوْلِ: مِلْءُ السَّمَاءِ إلَى آخِرِهِ، بَعْدَ تَحْمِيدٍ لِغَيْرِ مَأْمُومٍ) . وَأَمَّا الْمَأْمُومُ، فَلَا يَزِدْ عَلَى رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. (وَمَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ فِي تَسْبِيحِ) رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، (وَ) مَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ فِي (سُؤَالِ مَغْفِرَةٍ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، (وَدُعَاءٍ فِي تَشَهُّدٍ أَخِيرٍ، وَقُنُوتٍ) فِي (وِتْرٍ، وَمَا زَادَ عَلَى مُجْزِئٍ مِنْ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ، أَوْ أَخِيرٍ) . (وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي: (فِعْلِيَّةٌ، وَتُسَمَّى) هَذِهِ السُّنَنُ: (هَيْئَةً) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 لِأَنَّ الْهَيْئَةَ صِفَةٌ فِي غَيْرِهَا (كَجَهْرٍ) فِي مَحَلِّهِ (وَإِخْفَاتٍ وَتَرْتِيلِ قِرَاءَةٍ، وَتَخْفِيفِ صَلَاةِ) الْإِمَامِ، لِلْخَبَرِ (وَتَطْوِيلِ) الرَّكْعَةِ الْأُولَى، (وَتَقْصِيرِ) الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، (وَرَفْعِ يَدَيْنِ وَكَوْنِهِمَا مَكْشُوفَتَيْنِ) ، مَبْسُوطَتَيْنِ، (مَضْمُومَتَيْ أَصَابِعَ) ، مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ بِبُطُونِهِمَا إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ (عِنْدَ إحْرَامٍ وَ) عِنْدَ (رُكُوعٍ وَ) عِنْدَ (رَفْعٍ مِنْهُ) ، أَيْ: الرُّكُوعِ (وَحَطِّهِمَا) ، أَيْ: الْيَدَيْنِ (بَعْدَ ذَلِكَ) ، أَيْ: عَقِبَ الْفَرَاغِ مِنْ الْإِحْرَامِ، أَوْ الرُّكُوعِ، أَوْ الرَّفْعِ مِنْهُ. (وَوَضْعِ يَمِينٍ عَلَى شِمَالٍ تَحْتَ سُرَّةٍ، وَنَظَرٍ لِمَوْضِعِ سُجُودٍ) فِي غَيْرِ صَلَاةِ خَوْفٍ، (وَقَبْضِ رُكْبَتَيْنِ بِيَدَيْنِ مُفَرَّجَتَيْ أَصَابِعَ) فِي رُكُوعٍ، (وَمَدِّ ظَهْرٍ) مُسْتَوِيًا، (وَجَعْلِ رَأْسٍ حِيَالَهُ) ، فَلَا يَخْفِضُهُ، وَلَا يَرْفَعُهُ. (وَمُجَافَاةِ عَضُدَيْنِ) فِي رُكُوعٍ (عَنْ جَنْبَيْنِ، وَبُدَاءَةٍ بِوَضْعِ رُكْبَتَيْنِ فَيَدَيْنِ، فَجَبْهَةٍ فَأَنْفٍ، وَتَمْكِينِ جَبْهَةٍ وَأَنْفٍ مِنْ مَحَلِّ سُجُودٍ، وَمُجَافَاةِ عَضُدَيْنِ عَنْ جَنْبَيْنِ، وَبَطْنٍ عَنْ فَخِذَيْنِ وَفَخِذَيْنِ عَنْ سَاقَيْنِ، وَتَفْرِيقٍ بَيْنَ رُكْبَتَيْنِ، وَإِقَامَةِ قَدَمَيْنِ، وَجَعْلِ بُطُونِ أَصَابِعِهِمَا عَلَى أَرْضٍ) مُفَرَّقَةٍ فِي السُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالتَّشَهُّدِ عَلَى مَا سَبَقَ. (وَوَضْعِ يَدَيْنِ حَذْوَ مَنْكِبَيْنِ مَبْسُوطَتَيْنِ) ، أَيْ: أَصَابِعِهِمَا حَالَ السُّجُودِ، (وَتَوْجِيهِ أَصَابِعِ) يَدَيْهِ (لِقِبْلَةٍ مَضْمُومَةٍ، وَمُبَاشَرَةِ مُصَلٍّ بِأَعْضَاءِ سُجُودٍ) بِأَنْ لَا يَجْعَلَ حَائِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُصَلَّاهُ، (وَقِيَامٍ لِرَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْنِ) ، وَكَذَا إلَى الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، (وَاعْتِمَادٍ) بِيَدَيْنِ (عَلَى رُكْبَتَيْنِ فِي قِيَامٍ) إلَّا إنْ شُقَّ، فَبِالْأَرْضِ. (وَافْتِرَاشٍ فِي جُلُوسٍ بَيْنَ سَجْدَتَيْنِ، وَ) افْتِرَاشٍ (فِي تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ، وَتَوَرُّكٍ) بِتَشَهُّدٍ (ثَانٍ، وَوَضْعِ يَدٍ يُمْنَى عَلَى فَخِذٍ يُمْنَى، وَ) يَدٍ (يُسْرَى عَلَى) فَخِذٍ (يُسْرَى عَلَى صِفَةِ مَا مَرَّ) ، أَيْ: مَبْسُوطَتَيْنِ، مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ، مُسْتَقْبِلًا بِهِمَا الْقِبْلَةَ، (فِيهِمَا) ، أَيْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 بَيْنَ سَجْدَتَيْنِ، وَتَشَهُّدٍ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ قَبْضُ خِنْصَرِ وَبِنَصْرِ الْيُمْنَى، وَتَحْلِيقُ إبْهَامِهَا مَعَ الْوُسْطَى، (وَإِشَارَةٍ بِسَبَّابَةٍ) عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ، (وَإِشَارَةٍ بِوَجْهٍ لِقِبْلَةٍ فِي ابْتِدَاءِ سَلَامٍ، وَالْتِفَاتٍ يَمِينًا، فَشِمَالًا فِيهِ) ، أَيْ: فِي السَّلَامِ، (وَتَفْضِيلِ يَمِينٍ عَلَى شِمَالٍ فِي الْتِفَاتٍ) ، وَنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ، وَتَقَدَّمَ دَلِيلُ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ. (وَسُنَّ خُشُوعٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] . (وَهُوَ) ، أَيْ: الْخُشُوعُ: (حُضُورُ الْقَلْبِ، وَسُكُونُ الْجَوَارِحِ) وَفِي الْإِقْنَاعِ ": هُوَ مَعْنًى يَقُومُ فِي النَّفْسِ. يَظْهَرُ مِنْهُ سُكُونُ الْأَطْرَافِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْخُشُوعُ: الْخُضُوعُ، وَالْإِخْبَاتُ: الْخُشُوعُ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] ، أَيْ: خَائِفُونَ مِنْ اللَّهِ، مُتَذَلِّلُونَ لَهُ، مُلْزِمُونَ أَبْصَارِهِمْ مَسَاجِدَهُمْ. [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ] (بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ) قَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ سَهَا عَنْ الشَّيْءِ سَهْوًا: ذَهَلَ وَغَفَلَ قَلْبُهُ عَنْهُ حَتَّى زَالَ عَنْهُ، فَلَمْ يَتَذَكَّرْهُ. وَفَرَّقُوا بَيْنَ السَّاهِي وَالنَّاسِي: أَنَّ النَّاسِيَ إذَا ذَكَّرْتَهُ تَذَكَّرَ، بِخِلَافِ السَّاهِي انْتَهَى. وَفِي النِّهَايَةِ: السَّهْوُ فِي الشَّيْءِ: تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، وَالسَّهْوُ عَنْ الشَّيْءِ تَرْكُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ. انْتَهَى. وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ الَّذِي وَقَعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ مَا مَرَّةٍ، وَالسَّهْوِ عَنْ الصَّلَاةِ الَّذِي ذُمَّ فَاعِلُهُ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ. وَلَا مِرْيَةَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ السَّهْوِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: نَحْفَظُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَةَ أَشْيَاءَ، «سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَسَجَدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ فَسَجَدَ، وَفِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَقَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ» . وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْخَمْسُ، يَعْنِي: حَدِيثَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ بُحَيْنَةَ. (سَبَبُهُ) ، أَيْ: السَّهْوِ: (زِيَادَةٌ) فِي الصَّلَاةِ، (أَوْ نَقْصٌ) مِنْهَا سَهْوًا، (أَوْ لَحْنٌ مُحِيلٌ) لِلْمَعْنَى، (أَوْ شَكٌّ فِي الْجُمْلَةِ) ، أَيْ: فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ، فَلَا يُشْرَعُ لِكُلِّ شَكٍّ وَلَا لِكُلِّ زِيَادَةٍ، أَوْ نَقْصٍ، كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ. وَ (لَا) يُشْرَعُ سُجُودُ السَّهْوِ (إذَا كَثُرَ) الشَّكُّ، (حَتَّى صَارَ كَوِسْوَاسٍ، فَيَطْرَحُهُ وَكَذَا) لَوْ كَثُرَ الشَّكُّ (فِي وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ) ، وَتَيَمُّمٍ، فَيَطْرَحُهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ إلَى نَوْعٍ مِنْ الْمُكَابَرَةِ، فَيُفْضِي إلَى زِيَادَةٍ فِي الصَّلَاةِ مَعَ تَيَقُّنِ إتْمَامِهَا، فَوَجَبَ إطْرَاحُهُ، وَاللَّهْوُ عَنْهُ لِذَلِكَ. (وَهُوَ) ، أَيْ: سُجُودُ السَّهْوِ (مَشْرُوعٌ بِنَفْلٍ وَفَرْضٍ) ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَلِأَنَّ النَّفَلَ صَلَاةٌ ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، أَشْبَهَ الْفَرِيضَةَ. (سِوَى) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ) ، فَلَا سُجُودَ لِسَهْوٍ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا سُجُودَ فِي صُلْبِهَا، فَفِي جَبْرِهَا أَوْلَى. (وَ) سِوَى (سُجُودِ تِلَاوَةٍ، وَ) سُجُودِ (شُكْرٍ) ، لِئَلَّا يَلْزَمُ زِيَادَةُ الْجَابِرِ عَلَى الْأَصْلِ. (وَ) سِوَى سُجُودِ (سَهْوٍ) ، كَمَا لَوْ سَهَا فِي سَجْدَتَيْهِ. حَكَاهُ إِسْحَاقُ إجْمَاعًا، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى التَّسَلْسُلِ. وَكَذَا لَوْ سَهَا بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ، لَمْ يَسْجُدْ لِذَلِكَ. (وَكَذَا) لَا سُجُودَ لِسَهْوٍ فِي (صَلَاةِ خَوْفٍ قَالَهُ فِي الْفَائِقِ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. (وَهُوَ) أَيْ: سُجُودُ السَّهْوِ (إمَّا مُبَاحٌ، كَتَرْكِ سُنَّةٍ) قَوْلِيَّةٍ، كَاقْتِصَارِهِ عَلَى مَرَّةٍ فِي التَّسْبِيحِ، أَوْ فِعْلِيَّةٍ كَالْهَيْئَاتِ، (أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 مَسْنُونٌ، كَإِتْيَانِ) مُصَلٍّ (بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، سَهْوًا كَقِرَاءَتِهِ سُورَةً فِي) الرَّكْعَتَيْنِ (الْأَخِيرَتَيْنِ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، أَوْ فِي ثَالِثَةِ مَغْرِبٍ، (أَوْ) قِرَاءَتِهِ (قَاعِدًا) أَوْ رَاكِعًا، (أَوْ سَاجِدًا، وَتَشَهُّدِهِ قَائِمًا) لِعُمُومِ: «إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَكَالسَّلَامِ مِنْ نُقْصَانٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا كَ: آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا؛ لَمْ يُشْرَعْ لَهُ سُجُودٌ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى» . (أَوْ وَاجِبٌ فِيمَا إذَا زَادَ سَهْوًا فِعْلًا، وَإِنْ قَلَّ، مِنْ جِنْسِهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (قِيَامًا أَوْ قُعُودًا، رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا) وَلَوْ قَدْرَ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، فَيُسْجَدُ لَهُ وُجُوبًا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «فَإِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (أَوْ تَرَكَ وَاجِبًا) سَهْوًا (أَوْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِ) صَلَاتِهِ (أَوْ لَحَنَ) فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ (لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى سَهْوًا أَوْ جَهْلًا) ؛ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، لِيَنْجَبِرَ النَّقْصُ. (أَوْ شَكَّ فِي زِيَادَةِ وَقْتِ فِعْلِهَا) ، بِأَنْ شَكَّ فِي الْأَخِيرَةِ: هَلْ هِيَ زَائِدَةٌ أَوْ لَا؟ أَوْ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ هَلْ سُجُودُهُ زَائِدٍ أَوْ لَا؟ فَيَسْجُدُ لِذَلِكَ جَبْرًا لِلنَّقْصِ الْحَاصِلِ بِالشَّكِّ. (أَوْ) شَكَّ (فِي إدْرَاكِ رَكْعَةٍ) سَهْوًا، سَجَدَ وُجُوبًا. (أَوْ نَوَى الْقَصْرَ) حَيْثُ أُبِيحَ (فَأَتَمَّ سَهْوًا) ، سَجَدَ لِلْإِتْمَامِ اسْتِحْبَابًا؛ لِحَدِيثِ «إذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَا يَعْتَدُّ بِهِ) ، أَيْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 بِمَا زَادَهُ مَنْ نَوَى الْقَصْرَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ سَهْوًا (مَسْبُوقٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ مِنْ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ؛ لِخُلُوِّهِ عَنْ النِّيَّةِ. وَلِهَذَا: لَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ الْإِتْمَامَ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ أَيْضًا فَيَأْتِي بِمَا بَقِيَ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ سِوَى مَا سَهَا عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَلْغُو (وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا مَرَّ) ، وَكَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ (عَمْدًا؛ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَخِلُّ بِهَيْئَتِهَا (إلَّا فِي الْإِتْمَامِ) ، أَيْ: إذَا نَوَى الْقَصْرَ، فَأَتَمَّ عَمْدًا. (وَيُكْرَهُ) لَهُ الْإِتْمَامُ، لَكِنْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ: عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. وَبَعْضُهُمْ كَصَاحِبِ الْفُرُوعِ صَرَّحَ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ، فَلَا أَثَرَ لَهَا. (وَيُعْتَدُّ) بِالْإِتْمَامِ عَمْدًا (لِمَسْبُوقٍ) ، بِخِلَافِ مَنْ أَتَمَّ سَهْوًا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ وَإِلَّا) ، أَيْ: فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ (فِيمَا إذَا سَجَدَ) ، عَمْدًا (لِتِلَاوَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِفِعْلٍ مَشْرُوعٍ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. (أَوْ سُبِقَ) : بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ: تَخَلَّفَ عَنْ إمَامِهِ حَتَّى سَبَقَهُ إلَى رُكْنٍ فَأَقَلَّ، لَا بِرُكْنٍ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (فَتَابَعَ) مَسْبُوقٌ إمَامَهُ قَبْلَ انْسِلَاخِهِ عَنْ ذَلِكَ الرُّكْنِ، وَلَحِقَهُ، وَلَوْ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِغَيْرِهِ؛ فَلَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ الِائْتِمَامِ. (أَوْ تَعَمَّدَ سَبْقَ إمَامِهِ) إلَى رُكْنٍ (ثُمَّ رَجَعَ) قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُ إمَامُهُ، وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ (فَوَافَقَهُ) بِأَنْ أَتَى بِهِ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا تَبْطُلُ أَيْضًا، وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَعَمُّدَ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ، وَالسُّجُودُ لَا يُشْرَعُ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 (وَتَشَهُّدُهُ قَبْلَ سَجْدَتَيْ) رَكْعَةٍ (أَخِيرَةٍ) زِيَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ (أَوْ بَعْدَ سَجْدَتَيْ) رَكْعَةٍ (أُولَى زِيَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ) يَجِبُ السُّجُودُ لِسَهْوِهَا، وَيُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَمْدُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْجُلُوسِ. (وَ) تَشَهُّدُهُ (قَبْلَ سَجْدَةٍ ثَانِيَةٍ) زِيَادَةٌ (قَوْلِيَّةٌ) ، يُسَنُّ السُّجُودُ لَهَا سَهْوًا، وَلَا يُبْطِلُ عَمْدُهَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْجُلُوسُ لَهُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَهُوَ فِي مَحَلِّ الْجُلُوسِ. (وَمَنْ قَامَ لِرَكْعَةٍ زَائِدَةٌ) سَهْوًا كَثَالِثَةٍ فِي فَجْرٍ، أَوْ رَابِعَةٍ فِي مَغْرِبٍ، أَوْ خَامِسَةٍ فِي رُبَاعِيَّةٍ (جَلَسَ) بِلَا تَكْبِيرٍ (مَتَى ذَكَرَ) أَنَّهَا زَائِدَةٌ وُجُوبًا؛ لِئَلَّا يُغَيِّرَ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ. (وَلَا يَتَشَهَّدُ إنْ) كَانَ (تَشَهَّدَ) قَبْلَ قِيَامِهِ؛ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَهُ. وَإِنْ كَانَ تَشَهَّدَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَيْهِ (وَسَجَدَ) لِلسَّهْوِ (وَسَلَّمَ) . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ قَبْلَ قِيَامِهِ، تَشَهَّدَ، وَسَجَدَ وَسَلَّمَ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا؛ سَجَدَ لَهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسًا، فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: لَا. قَالُوا: فَإِنَّكَ صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَانْفَتَلَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَذْكُرُ كَمَا تَذْكُرُونَ، وَأَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ» . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «وَإِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» . رَوَاهُ بِطُرُقِهِ مُسْلِمٌ. (وَمَنْ نَوَى) صَلَاةَ (رَكْعَتَيْنِ) نَفْلًا (فَقَامَ لِثَالِثَةٍ نَهَارًا، فَالْأَفْضَلُ) لَهُ (أَنْ يُتِمَّ أَرْبَعًا، وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوٍ) لِإِبَاحَةِ ذَلِكَ. وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ. وَإِنْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ فَأَكْثَرَ رَجَعَ وَسَجَدَ، وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَإِنْ نَوَى صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا، فَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ (لَيْلًا، فَالْأَفْضَلُ) لَهُ (أَنْ يَرْجِعَ) ، وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ. (وَيَتَّجِهُ) : وَهُوَ (الْأَصَحُّ وَ) يَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ قَامَ سَهْوًا إلَى ثَالِثَةٍ لَيْلًا (لَا تَبْطُلُ) صَلَاتُهُ (بِعَدَمِهِ) ، أَيْ: الرُّجُوعِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَكُونُ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ، وَتَرْكُ فِعْلِ مَا هُوَ أَفْضَلُ لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ، أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ، وَالثَّانِي: لَا. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ خِلَافُ الثَّانِي، وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لَهُمَا) ، أَيْ: لِلْمُنْتَهَى وَالْإِقْنَاعِ، غَيْرَ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُمَا جَزَمَا بِمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، فَعَلَيْهِ: إنْ لَمْ يَرْجِعْ عَالِمًا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ شُرِعَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُنْتَهَى، وَغَيْرِهِ. وَلَيْلًا، فَكَقِيَامِهِ إلَى ثَالِثَةٍ فِي فَجْرٍ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: فَإِنْ قِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى اثْنَتَيْنِ لَيْلًا مَكْرُوهَةٌ فَقَطْ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا، قُلْتُ: هَذَا إذَا نَوَاهُ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يَنْوِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ لِمُجَاوَزَتِهِ زِيَادَةً غَيْرَ مَشْرُوعَةٍ. وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّ مَنْ نَوَى عَدَدًا نَفْلًا، ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ، فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ، وَإِلَّا كَانَ مُبْطِلًا لَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مِثْلَهُ) ، أَيْ: مِثْلَ مَنْ قَامَ سَهْوًا إلَى ثَالِثَةٍ لَيْلًا (نَاوٍ أَرْبَعَةً نَهَارًا، فَقَامَ) سَهْوًا (لِخَامِسَةٍ) ، أَيْ: فَالْأَفْضَلُ لَهُ الرُّجُوعُ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِعَدَمِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: بُطْلَانُهَا لِإِتْيَانِهِ بِزِيَادَةٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ. (وَمَنْ) سَهَا عَلَيْهِ (فَنَبَّهَهُ ثِقَتَانِ فَأَكْثَرُ وَلَوْ امْرَأَتَيْنِ) ، سَوَاءٌ شَارَكُوهُ فِي الْعِبَادَةِ بِأَنْ كَانُوا (مَأْمُومِينَ، أَوْ غَيْرَ مَأْمُومِينَ، وَيَلْزَمُهُمْ تَنْبِيهُهُ) لِيَرْجِعَ لِلصَّوَابِ (لَزِمَهُ الرُّجُوعُ) إلَى تَنْبِيهِهِمْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ قَوْلَ الْقَوْمِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنْ نَبَّهَهُ وَاحِدٌ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْجِعْ لِذِي الْيَدَيْنِ وَحْدَهُ. (وَلَوْ ظَنَّ) مُصَلٍّ (خَطَأَهُمَا) أَيْ: الْمُنَبِّهَيْنِ لَهُ، كَمَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ الرُّجُوعُ إلَى شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ (وَكَمَا) لَوْ نَبَّهَهُ ثِقَتَانِ فَأَكْثَرُ (فِي طَوَافٍ) ، بِأَنْ قَالَا لَهُ: طُفْتَ كَذَا، عَمِلَ بِقَوْلِهِمَا. (مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ) الْمُصَلِّي (صَوَابَ نَفْسِهِ) ، فَلَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ، كَالْحَاكِمِ إذَا عَلِمَ كَذِبَ الْبَيِّنَةِ. (أَوْ) مَا لَمْ (يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مَنْ يُنَبِّهُهُ) ، فَيَسْقُطُ قَوْلُهُمْ كَبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا وَ (لَا) يَلْزَمُ رُجُوعٌ (إلَى فِعْلِ مَأْمُومِينَ) مِنْ نَحْوِ قِيَامٍ، وَقُعُودٍ بِلَا تَنْبِيهٍ، لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِالتَّنْبِيهِ بِتَسْبِيحِ الرِّجَالِ، وَتَصْفِيقِ النِّسَاءِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا تَبْطُلُ) صَلَاةُ الْإِمَامِ (لَوْ رَجَعَ لِفِعْلِهِمْ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِينَ مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ مِنْهُمْ، اسْتِئْنَاسًا بِفِعْلِهِمْ، وَتَقْوِيَةً لِظَنِّهِ، يُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 أَبُو طَالِبٍ: إذَا صَلَّى بِقَوْمٍ تَحَرَّى وَنَظَرَ إلَى مَنْ خَلْفَهُ، فَإِنْ قَامُوا تَحَرَّى، وَقَامَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ أَبَاهُ) ، أَيْ: الرُّجُوعَ (إمَامٌ) ، وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ، وَ (قَامَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 لِ) رَكْعَةٍ (زَائِدَةٍ) ، مَثَلًا (وَجَبَتْ مُفَارَقَتُهُ، وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ) ؛ لِتَعَمُّدِهِ تَرْكَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، (كَ) صَلَاةِ (مُتَّبِعِهِ) ، أَيْ: مَأْمُومٍ تَابَعَهُ فِي الزَّائِدَةِ (عَالِمًا) بِزِيَادَتِهَا (ذَاكِرًا) لَهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ قِيلَ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، لَمْ يَجُزْ اتِّبَاعُهُ فِيهَا. وَإِنْ قِيلَ بِصِحَّتِهَا، فَهُوَ يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ. وَأَنَّ مَا قَامَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنْ تَبِعَهُ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا، أَوْ فَارَقَهُ؛ صَحَّتْ لَهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ تَابَعُوا فِي الْخَامِسَةِ لِتَوَهُّمِ النَّسْخِ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ. وَفِي الْإِقْنَاعِ: إنْ كَانَ عَمْدًا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ، قَوْلًا وَاحِدًا، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَحِينَئِذٍ لَا مُفَارَقَةَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بَطَلَتْ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (وَلَا يَعْتَدُّ) ، أَيْ: لَا يَحْسِبُ (بِهَا) أَيْ: بِالرَّكْعَةِ الزَّائِدَةِ (مَسْبُوقٌ) دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهَا، أَوْ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَا يَعْتَدُّ بِهَا الْإِمَامُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِالْحَالِ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا، فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِلْمَأْمُومِ (وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ) ، أَيْ: مَعَ الْإِمَامِ الْقَائِمِ لِزَائِدَةٍ (فِيهَا مَنْ عَلِمَ أَنَّهَا زَائِدَةٌ) ، لِأَنَّهَا سَهْوٌ، وَغَلَطٌ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ مَعَهُ فِيهَا مَسْبُوقٌ يَجْهَلُ أَنَّهَا زَائِدَةٌ أَنَّهُ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ مَتَى عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ أَنَّهَا زَائِدَةٌ، لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَكَتَرْكِ رَكْعَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي. (وَيُسَلِّمُ) مَأْمُومٌ (مُفَارِقٌ) لِإِمَامِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ لِزَائِدَةٍ، وَتَنْبِيهِهِ، وَإِبَائِهِ الرُّجُوعَ إذَا أَتَمَّ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ. (وَلَا تَبْطُلُ) صَلَاةُ إمَامٍ (إنْ أَبَى أَنْ يَرْجِعَ لِجُبْرَانِ نَقْصٍ) ، كَمَا لَوْ نَهَضَ عَنْ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ، وَنَحْوِهِ، وَنَبَّهُوهُ بَعْدَ أَنْ قَامَ، وَلَمْ يَرْجِعْ (وَمَنْ نَبَّهَهُ ثِقَةٌ لَمْ يَرْجِعْ لِقَوْلِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ وَحْدَهُ» (إلَّا إنْ غَلَبَ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 ظَنِّهِ صِدْقُهُ فَيَعْمَلُ بِ) غَلَبَةِ (ظَنِّهِ، لَا بِتَنْبِيهِهِ) . وَالْمَرْأَةُ الْمُنَبِّهَةُ كَالرَّجُلِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي تَنْبِيهِهَا فَائِدَةٌ، وَلَمَا كُرِهَ تَنْبِيهُهَا بِالتَّسْبِيحِ، وَنَحْوِهِ، وَفِي الْمُمَيِّزِ خِلَافٌ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَمَنْ نَهَضَ عَنْ تَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ مَعَ) تَرْكِ (جُلُوسٍ لَهُ، أَوْ) تَرْكِ التَّشَهُّدِ (دُونَهُ) ، أَيْ: الْجُلُوسِ، بِأَنْ جَلَسَ وَنَهَضَ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ (نَاسِيًا) لِمَا تَرَكَهُ (لَزِمَ رُجُوعُهُ) إنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِيمَ قَائِمًا لِيَتَدَارَكَ الْوَاجِبَ، وَيُتَابِعَهُ مَأْمُومٌ، وَلَوْ اعْتَدَلَ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ، وَتَبْطُلُ) صَلَاتُهُ (إنْ) ذَكَرَ ذَلِكَ حَالَ نُهُوضِهِ، وَ (لَمْ يَرْجِعْ) ، لِتَعَمُّدِهِ تَرْكَ الْجُلُوسِ الْوَاجِبِ فِي مَحَلِّهِ. وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ إذَا مَضَى فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ فِيهِ الرُّجُوعُ، أَوْ رَجَعَ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ فِيهِ الْمُضِيُّ، عَالِمًا ذَاكِرًا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَقَدْ جَزَمُوا بِوُجُوبِ رُجُوعِهِ إذَا نَهَضَ تَارِكًا لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، نَاسِيًا إذَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، فَعَلِمَ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَرْجِعْ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ جَزْمًا، فَمَا بَقِيَ لِلْبَحْثِ مَدْخَلٌ، فَضْلًا عَنْ الِاحْتِمَالِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ لَهُ تَشْحِيذًا لِلْأَذْهَانِ، فَيَكُونُ مُتَّجِهًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 (وَكُرِهَ) رُجُوعُهُ (إنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا، فَلَا يَجْلِسْ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَأَقَلُّ أَحْوَالِ النَّهْيِ: الْكَرَاهَةُ. وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ لِتَرْكِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ، لَا إلَى بَدَلٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. (وَحَرُمَ) رُجُوعُهُ (إنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ) ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي رُكْنٍ مَقْصُودٍ، وَهُوَ: الْقِرَاءَةُ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الرُّكُوعِ. (وَبَطَلَتْ) صَلَاتُهُ إنْ رَجَعَ؛ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ (وَيَتَّجِهُ: لَا) تَبْطُلُ (صَلَاةُ مَأْمُومٍ فَارَقَ) إمَامَهُ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ لِنَفْسِهِ، وَيُسَلِّمُ عَلَى قَوْلٍ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا سَبَّحَ لِإِمَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْتَدِلَ، فَلَمْ يَرْجِعْ، تَشَهَّدَ لِنَفْسِهِ وَتَبِعَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 وَ (لَا) تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ بِرُجُوعِهِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ (إنْ نَسِيَ أَوْ جَهِلَ) تَحْرِيمَ رُجُوعِهِ؛ لِحَدِيثِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ» . وَمَتَى عَلِمَ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ، نَهَضَ وَلَمْ يُتِمَّهُ. (وَحَيْثُ رَجَعَ) الْإِمَامُ (قَبْلَ شُرُوعٍ) فِي الْقِرَاءَةِ (لَزِمَ مَأْمُومًا مُتَابَعَتُهُ) ، كَمَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ فِي قِيَامِهِ نَاسِيًا؛ لِحَدِيثِ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ. وَلَمَّا قَامَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ التَّشَهُّدِ، قَامَ النَّاسُ مَعَهُ» ، وَفَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إنْ سَبَّحُوا بِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ (وَلَوْ) كَانَ رُجُوعُ الْإِمَامِ (بَعْدَ شُرُوعِهِ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِ فِي الْقِرَاءَةِ؛ لِوُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ إذَنْ، لَا إنْ رَجَعَ الْإِمَامُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ، فَلَا يُتَابَعُ لِخَطَئِهِ. (وَكَذَا) أَيْ: كَتَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ نَاسِيًا (كُلَّ وَاجِبٍ) تَرَكَهُ مُصَلٍّ نَاسِيًا (فَيَرْجِعُ لِتَسْبِيحِ رُكُوعٍ وَ) تَسْبِيحِ (سُجُودٍ قَبْلَ اعْتِدَالٍ) عَنْ رُكُوعٍ، (وَ) قَبْلَ (جُلُوسٍ) مِنْ سُجُودٍ. وَمَتَى رَجَعَ إلَى الرُّكُوعِ حَيْثُ جَازَ وَهُوَ إمَامٌ، فَأَدْرَكَهُ فِيهِ مَسْبُوقٌ (أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ) ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَكَعَ ثَانِيًا نَاسِيًا وَ (لَا) يَرْجِعُ إلَى تَسْبِيحِهِمَا (بَعْدَهُ) ، أَيْ: الِاعْتِدَالِ أَوْ الْجُلُوسِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّسْبِيحِ رُكْنٌ وَقَعَ مُجْزِئًا صَحِيحًا، وَلَوْ رَجَعَ إلَيْهِ لَكَانَ زِيَادَةً فِي الصَّلَاةِ، وَتَكْرَارًا لِلرُّكْنِ. (فَإِنْ رَجَعَ) بَعْدَ اعْتِدَالٍ، أَوْ جُلُوسٍ (عَالِمًا، عَمْدًا، بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ. وَ (لَا) تَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ (سَهْوًا أَوْ جَهْلًا) ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ (وَعَلَيْهِ السُّجُودُ) لِلسَّهْوِ (لِلْكُلِّ) مِنْ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 (وَمَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا) ، أَيْ: صَلَاتِهِ (عَمْدًا؛ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهَا، وَالْبَاقِي مِنْهَا إمَّا رُكْنٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَكِلَاهُمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ تَعَمُّدًا. وَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا (سَهْوًا) ، لَمْ تَبْطُلْ بِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي (أَوْ) سَلَّمَ (ظَنَّ أَنَّهَا قَدْ تَمَّتْ) صَلَاتُهُ؛ لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَبَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ، وَلِأَنَّ جِنْسَهُ مَشْرُوعٌ فِيهَا، أَشْبَهَ الزِّيَادَةَ فِيهَا مِنْ جِنْسِهَا. (ثُمَّ) إنْ (ذَكَرَ قَرِيبًا) عُرْفًا أَتَمَّهَا (وَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَسْجِدٍ) ، فَيُتِمُّهَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ - قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: قَدْ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ لَكِنْ نَسِيتُ أَنَا - فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَخَرَجَتْ السَّرَعَانُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالُوا: قَصُرَتْ الصَّلَاةُ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدِهِ طُولٌ، يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ الصَّلَاةُ؟ فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تَقْصُرْ. فَقَالَ: أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ. فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ، فَيَقُولُ: أُنْبِئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (أَوْ انْحَرَفَ عَنْ قِبْلَةٍ) ، أَيْ: فَيَنْفَتِلُ وَيُتِمُّهَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَصُرِّحَ بِهِ فِي حَوَاشِي الْكَافِي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْإِقْنَاعِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ، (أَوْ) لَمْ يَذْكُرْ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا حَتَّى (شَرَعَ فِي) صَلَاةٍ (أُخْرَى، فَيَقْطَعُهَا) مَعَ قُرْبِ الْفَصْلِ (وَيُتِمُّ الْأُولَى) لِتَحْصُلَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَرْكَانِهَا (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) وُجُوبًا. (وَيَتَّجِهُ) : إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا، وَيَعُودَ إلَى الْأُولَى لِيُتِمَّهَا؛ (إنْ كَانَ صَلَّى الْأُخْرَى بِدُونِ إقَامَةٍ) ؛ إذْ الْإِقَامَةُ تُبْطِلُ صَلَاتَهُ بِقَوْلِهِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءُ آدَمِيٍّ. (وَ) كَذَلِكَ يُبْطِلُ صَلَاتَهُ (تَلَفُّظٌ) بِكُلِّ كَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، حَتَّى تَلَفُّظُهُ (بِ: نَوَيْتُ) ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي الثَّانِيَةِ بِدُونِ إقَامَةٍ وَلَا تَلَفُّظٍ بِنِيَّةٍ، وَلَا غَيْرِهَا، فَيَعُودُ إلَى الْأُولَى وَيُتِمُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ لَهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَعَلَى مَنْ) سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا سَهْوًا، ثُمَّ (ذَكَرَ بَعْدَ قِيَامٍ) مِنْ مُصَلَّاهُ؛ (أَنْ يَجْلِسَ لِيَنْهَضَ) عَنْ جُلُوسٍ (لِلْإِتْيَانِ بِمَا بَقِيَ) مِنْ صَلَاتِهِ (مَعَ نِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقِيَامَ وَاجِبٌ لِلصَّلَاةِ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ لَهَا. وَإِنْ كَانَ سَلَامُهُ قَبْلَ إتْمَامِهَا (ظَانًّا) أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ انْقَضَتْ، فَيَعُودُ وَيُتِمُّهَا إذَا ذَكَرَ قَرِيبًا عُرْفًا. (وَإِنْ سَلَّمَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ) ، كَظُهْرٍ (ظَنَّهَا نَحْوَ فَجْرٍ) ، كَجُمُعَةٍ، وَتَرَاوِيحَ؛ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِتَرْكِهِ اسْتِصْحَابَ حُكْمِ النِّيَّةِ، وَهُوَ وَاجِبٌ (أَوْ طَالَ فَصْلٌ عُرْفًا) ؛ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ بِنَاءُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ؛ لِتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ مَعَهُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَالْمُقَارَبَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 كَمِثْلِ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ، إذْ لَمْ يَرِدْ بِتَحْدِيدِهِ نَصٌّ (أَوْ أَحْدَثَ) بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ الطَّهَارَةِ شَرْطٌ وَقَدْ فَاتَ. (أَوْ تَكَلَّمَ) مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ طَائِعًا، أَوْ مُكْرَهًا، فَرْضًا، أَوْ نَفْلًا (وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ) بِهَا عَمْدًا (أَوْ سَهْوًا) ، فِي صُلْبِهَا، أَوْ بَعْدَ سَلَامِهِ سَهْوًا، لِتَحْذِيرِ نَحْوِ ضَرِيرٍ، أَوْ لَا؛ بَطَلَتْ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَاسْتَظْهَرَهُ الْمَجْدُ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ لِحَدِيثِ: «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي الْإِقْنَاعِ: وَإِنْ تَكَلَّمَ يَسِيرًا لِمَصْلَحَتِهَا؛ لَمْ تَبْطُلْ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ. (أَوْ ضَحِكَ) فِي صُلْبِهَا، أَوْ بَعْدَ سَلَامِهِ سَهْوًا، وَكَانَ ضَحِكُهُ (قَهْقَهَةً؛ بَطَلَتْ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. وَلَوْ لَمْ يَبِنْ حَرْفَانِ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْقَهْقَهَةُ تَنْقُضُ الصَّلَاةَ وَلَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ. وَلِأَنَّهُ تَعَمَّدَ فِيهَا مَا يُنَافِيهَا، أَشْبَهَ خِطَابَ الْآدَمِيِّ. وَلَا تَبْطُلُ (إنْ نَامَ) يَسِيرًا قَائِمًا، أَوْ جَالِسًا (فَتَكَلَّمَ أَوْ سَبَقَ) الْكَلَامُ (عَلَى لِسَانِهِ حَالَ قِرَاءَتِهِ) لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ غَلِطَ فِي الْقِرَاءَةِ، فَأَتَى بِكَلِمَةٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ النَّائِمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ. (وَكَكَلَامٍ) . فِي الْحُكْمِ: (إنْ تَنَحْنَحَ بِلَا حَاجَةٍ) ، فَبَانَ حَرْفَانِ (أَوْ نَفَخَ فَبَانَ حَرْفَانِ) ؛ فَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ تَكَلَّمَ رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ عَنْهُمَا، وَالْمُثْبَتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي. فَإِنْ كَانَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 النَّحْنَحَةُ لِحَاجَةٍ؛ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ بَانَ حَرْفَانِ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: كُنْتُ آتِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَيَتَنَحْنَحُ فِي صَلَاتِهِ لِأَعْلَمَ أَنَّهُ يُصَلِّي. وَ (لَا) تَبْطُلُ (إنْ انْتَحَبَ) مُصَلٍّ (خَشْيَةً) مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، لِكَوْنِهِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي وُسْعِهِ. (أَوْ غَلَبَهُ نَحْوُ سُعَالٍ) ، كَبُكَاءٍ. (أَوْ عُطَاسٍ، أَوْ تَثَاؤُبٍ) ، وَلَوْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ نَصَّ عَلَيْهِ، فِيمَنْ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ. وَقَالَ مُهَنَّا: صَلَّيْتَ إلَى جَنْبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَتَثَاءَبَ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَسَمِعْتُ لِتَثَاؤُبِهِ: هَاهْ، هَاهْ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْكَلَامِ. تَقُولُ: تَثَاءَبْتُ عَلَى تَفَاعَلْتُ، وَلَا تَقُلْ تَثَاوَبْتُ. قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. وَيُكْرَهُ اسْتِدْعَاءُ بُكَاءٍ، كَضَحِكٍ؛ لِئَلَّا يَظْهَرَ حَرْفَانِ، فَتَبْطُلَ صَلَاتُهُ. تَتِمَّةٌ: عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ: أَنَّ الْكَلَامَ الْمُبْطِلَ لِلصَّلَاةِ مَا انْتَظَمَ مِنْهُ حَرْفَانِ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ الْحَرْفَيْنِ يُكَوِّنَانِ كَلِمَةً: كَأَبٍ، وَأَخٍ، وَكَذَلِكَ الْأَفْعَالُ وَالْحُرُوفُ، لَا تَنْتَظِمُ كَلِمَةً فِي أَقَلَّ مِنْ حَرْفَيْنِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ. وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ: قَ، وَ: عَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَاعَى الْمَحْذُوفُ كَالثَّابِتِ، وَيُجِيبُ مُصَلٍّ وَالِدَيْهِ فِي نَفْلٍ، وَتَبْطُلُ بِهِ، وَيَجُوزُ إخْرَاجُ زَوْجَةٍ مِنْ نَفْلٍ لِحَقِّ زَوْجِهَا. [فَصْلٌ تَرَكَ رُكْنًا غَيْرَ تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ سَهْوًا] (فَصْلٌ) (وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا غَيْرَ تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ) سَهْوًا؛ كَرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ، أَوْ رَفْعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ طُمَأْنِينَةٍ (وَ) غَيْرِ (قِيَامٍ فَذَكَرَهُ) ، أَيْ: الرُّكْنَ الْمَتْرُوكَ (بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى) ، غَيْرِ الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهَا (بَطَلَتْ) الرَّكْعَةُ (الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهَا) ، وَقَامَتْ الَّتِي تَلِيهَا مَقَامَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدْرَاكُ الْمَتْرُوكِ لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضِ قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 الْأُخْرَى، فَلَغَتْ رَكْعَتَهُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ قَامَ إلَى أُخْرَى، فَذَكَرَ أَنَّهُ سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى؛ فَقَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا قَامَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ عَمَلًا لِلثَّانِيَةِ؛ فَإِنَّهُ يَنْحَطُّ وَيَسْجُدُ وَيَعْتَدُّ بِهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْدَثَ عَمَلًا لَهَا؛ جَعَلَ هَذِهِ الْأُولَى، وَأَلْغَى مَا قَبْلَهَا. قُلْتُ: فَيَسْتَفْتِحُ، أَوْ يَجْتَزِئُ بِالِاسْتِفْتَاحِ الْأَوَّلِ؟ قَالَ: يُجْزِئُهُ الْأَوَّلُ. قُلْتُ: فَنَسِيَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: لَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَتَيْنِ. وَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ؛ فَلَا تَنْعَقِدُ بِتَرْكِهَا، وَكَذَا النِّيَّةُ إنْ قِيلَ: هِيَ رُكْنٌ (فَلَوْ رَجَعَ) مَنْ تَرَكَ رُكْنًا إلَيْهِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى (عَالِمًا) بِتَحْرِيمِ الرُّجُوعِ (عَمْدًا؛ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي مَقْصُودِ الْقِيَامِ، وَهُوَ الْقِرَاءَةُ، يَحْصُلُ بِهِ إلْغَاءُ عَمَلٍ مِنْ رَكْعَتَيْنِ. وَ (لَا) تَبْطُلُ بِرُجُوعٍ إلَى الْمَتْرُوكِ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى إنْ كَانَ رُجُوعُهُ (سَهْوًا أَوْ جَهْلًا) ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا يُعْتَدُّ بِرُجُوعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ بَطَلَ سَائِرُ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَالْبَاطِلُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا، فَلَا يُعْتَدُّ بِمَا يَفْعَلُهُ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهَا لِفَسَادِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. (وَ) إنْ ذَكَرَ مَا تَرَكَهُ (قَبْلَ شُرُوعٍ) فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى؛ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ لِيَأْتِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ لَا يَسْقُطُ بِسَهْوٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَيَأْتِيَ بِمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ الرُّكْنِ الْمَنْسِيِّ، فَلَوْ ذَكَرَ الرُّكُوعَ وَقَدْ جَلَسَ؛ عَادَ فَأَتَى بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ. وَإِنْ سَجَدَ سَجْدَةً ثُمَّ قَامَ؛ فَإِنْ جَلَسَ لِلْفَصْلِ سَجَدَ الثَّانِيَةَ وَلَمْ يَجْلِسْ، وَإِلَّا جَلَسَ، وَإِنْ كَانَ جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ جَلْسَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 الْفَصْلِ، فَ (إنْ لَمْ يَعُدْ) إلَى الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ مَنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ الْأُخْرَى (عَمْدًا؛ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي مَحَلِّهِ عَالِمًا عَمْدًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ أَخِيرَةٍ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ، وَلَمْ يَسْجُدْهَا فِي الْحَالِ (وَ) إنْ لَمْ يَعُدْ (سَهْوًا أَوْ جَهْلًا؛ بَطَلَتْ الرَّكْعَةُ) الْمَتْرُوكُ رُكْنُهَا فَقَطْ بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مُتَعَمَّدٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ مَضَى قَبْلَ ذِكْرِ الْمَتْرُوكِ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ. (وَ) إنْ لَمْ يَذْكُرْ مَا تَرَكَ إلَّا (بَعْدَ السَّلَامِ فَ) ذَلِكَ (كَتَرْكِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الَّتِي لَغَتْ بِتَرْكِ رُكْنِهَا غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهَا، فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا، فَإِذَا سَلَّمَ قَبْلَ ذِكْرِهَا فَقَدْ سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ (يَأْتِي بِهَا) ، أَيْ: بِالرَّكْعَةِ (مَعَ قُرْبِ فَصْلٍ) عُرْفًا (كَمَا مَرَّ) ، وَلَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ، أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَيَسْجُدُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ، نَقَلَهُ حَرْبٌ، بِخِلَافِ تَرْكِ الرَّكْعَةِ بِتَمَامِهَا، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ. وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ، أَوْ أَحْدَثَ بَطَلَتْ لِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ (مَا لَمْ يَكُنْ) الْمَتْرُوكُ (تَشَهُّدًا أَخِيرًا) ؛ فَيَأْتِي بِهِ، وَيَسْجُدُ وَيُسَلِّمُ. (أَوْ) مَا لَمْ يَكُنْ (سَلَامًا؛ فَيَأْتِي بِهِ وَيَسْجُدُ) لِلسَّهْوِ (وَيُسَلِّمُ) بَعْدَ التَّشَهُّدِ لِسُجُودِ السَّهْوِ كَمَا يَأْتِي، وَلَمْ يَكُنْ كَتَرْكِ رَكْعَةٍ وَظَاهِرُهُ، أَوْ صَرِيحُهُ: أَنَّ السُّجُودَ هُنَا بَعْدَ السَّلَامِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْآتِي اسْتِثْنَاؤُهُمَا. (وَإِنْ نَسِيَ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ) مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً (وَذَكَرَ وَقَدْ قَرَأَ فِي) رَكْعَةٍ (خَامِسَةٍ؛ فَهِيَ أُولَاهُ) ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ أُولَاهُ بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَتِهَا قَبْلَ تَمَامِ الْأُولَى، ثُمَّ صَارَتْ الثَّالِثَةُ أُولَاهُ أَيْضًا لِذَلِكَ، ثُمَّ الرَّابِعَةُ، ثُمَّ الْخَامِسَةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ غَيْرُ تَامَّةٍ تَبْطُلُ بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ الَّتِي بَعْدَهَا. (وَ) إنْ ذَكَرَ الْمَنْعَ مِنْ السَّجَدَاتِ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: الشُّرُوعِ فِي قِرَاءَةِ الْخَامِسَةِ، فَإِنَّهُ يَعُودُ فَ (يَسْجُدُ سَجْدَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 فَتَصِحُّ لَهُ رَكْعَةٌ) ، وَهِيَ: الرَّابِعَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي قِرَاءَةِ مَا بَعْدَهَا، وَتَصِيرُ أُولَاهُ، (وَيَأْتِي بِثَلَاثِ) رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ قَبْلَ الرَّابِعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ (بَعْدَ السَّلَامِ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ حَتَّى سَلَّمَ، كَتَارِكِ رَكْعَةٍ، فَيَكُونُ هَذَا كَتَارِكِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَبْنِي عَلَيْهِ؛ فَتَبْطُلُ. (وَ) إنْ نَسِيَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ (سَجْدَتَيْنِ، أَوْ) نَسِيَ (ثَلَاثًا) مِنْ السَّجَدَاتِ (مِنْ رَكْعَتَيْنِ جَهِلَهُمَا) فَلَمْ يَدْرِ أَهَمَّا مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، أَوْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ، أَوْ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ، أَوْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، أَوْ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ، أَوْ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ (وَقَدْ قَرَأَ؛ أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ) ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الرَّابِعَةِ، فَيَصِحُّ لَهُ رَكْعَتَانِ يَبْنِي عَلَيْهِمَا، وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ. (وَ) إنْ نَسِيَ (ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا) مِنْ السَّجَدَاتِ (مِنْ ثَلَاثِ) رَكَعَاتٍ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، وَجَهِلَهَا؛ (أَتَى بِثَلَاثِ) رَكَعَاتٍ وُجُوبًا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ، فَتَلْغُو بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ الرَّابِعَةِ، وَتَصِيرُ أُولَاهُ، فَيَبْنِي عَلَيْهَا. (وَ) إنْ نَسِيَ (خَمْسًا) مِنْ السَّجَدَاتِ (مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَوْ) نَسِيَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ مِنْ (ثَلَاثِ) رَكَعَاتٍ مِنْ أَرْبَعٍ، وَجَهِلَهَا (وَلَمْ يَقْرَأْ؛ أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ) ، فَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ (ثُمَّ أَتَى بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ) إنْ كَانَ التَّرْكُ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ (أَوْ) أَتَى (بِرَكْعَتَيْنِ) إنْ كَانَ التَّرْكُ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ. (وَ) مَنْ نَسِيَ (مِنْ) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى سَجْدَةً، وَ) نَسِيَ (مِنْ) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ سَجْدَتَيْنِ، وَ) نَسِيَ (مِنْ) الرَّكْعَةِ (الرَّابِعَةِ سَجْدَةً، وَ) أَتَى بِالثَّالِثَةِ تَامَّةً؛ جَعَلَهَا أُولَاهُ إنْ (لَمْ يَشْرَعْ فِي قِرَاءَةِ) رَكْعَةٍ (خَامِسَةٍ) ، فَإِنْ شَرَعَ فِي قِرَاءَتِهَا لَغَا مَا قَبْلَهَا، إنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي قِرَاءَتِهَا (أَتَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 بِسَجْدَةٍ) لِيَتِمَّ لَهُ رَكْعَتَانِ، وَهُمَا الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ، وَتَكُونُ الرَّابِعَةُ ثَانِيَةً (ثُمَّ) يَأْتِي (بِرَكْعَتَيْنِ) فَتَتِمُّ لَهُ الْأَرْبَعُ. (وَمَنْ ذَكَرَ) فِي صَلَاتِهِ (تَرْكَ رُكْنٍ، وَجَهِلَ) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ (أَرُكُوعٌ هُوَ) ، أَيْ: الْمَتْرُوكُ، أَمْ رَفْعٌ مِنْهُ (أَمْ سُجُودٌ) ، أَمْ رَفْعٌ مِنْهُ (أَمْ قِرَاءَةٌ، أَوْ) عَلِمَ الرُّكْنَ الْمَتْرُوكَ، لَكِنَّهُ جَهِلَ (مَحَلَّهُ) ، أَيْ: مَحَلَّ الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ (كَ) كَوْنِهِ (مِنْ) رَكْعَةٍ (أُولَى، أَوْ مِنْ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ؛ عَمِلَ) وُجُوبًا (بِأَسْوَأِ التَّقْدِيرَيْنِ، وَهُوَ) أَنْ يَجْعَلَ الرُّكْنَ الْمَجْهُولَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى رُكُوعًا، فَيَقُومَ وَيَرْكَعَ، وَيَرْفَعَ، وَيَعْتَدِلَ وَيَسْجُدَ، وَيَجْعَلَ السَّجْدَةَ الَّتِي نَسِيَ مَحَلَّهَا مِمَّا قَبْلَ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ سُجُودًا، فَيَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ (قِرَاءَةً) ؛ فَيَقُومُ، وَيَأْتِي بِهَا (وَ) يَجْعَلُهَا (مِنْ) رَكْعَةٍ (أُولَى) ، فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَدَلَهَا؛ لِيَحْصُلَ لَهُ تَأْدِيَةُ فَرْضِهِ يَقِينًا. وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا يَأْتِي بِكُلِّ مَا تَيَقَّنَ بِهِ إتْمَامَ صَلَاتِهِ؛ لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْهَا وَهُوَ شَاكٌّ فِيهَا، فَيَكُونُ مُغَرَّرًا بِهَا. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا؛ فَأَرَى أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا إلَّا عَلَى يَقِينٍ أَنَّهَا قَدْ تَمَّتْ. (وَإِنْ) ذَكَرَ أَنَّهُ (تَرَكَ آيَتَيْنِ) مُتَوَالِيَتَيْنِ (مِنْ الْفَاتِحَةِ، فَ) يَجْعَلُهُمَا (مِنْ رَكْعَةٍ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ. (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَوَالِيَهُمَا) ، فَيَجْعَلُهُمَا (مِنْ رَكْعَتَيْنِ) احْتِيَاطًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَيْهِ السُّجُودُ لِلْكُلِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 [فَصْلٌ مُصَلٍّ شَاكٌّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ بِأَنْ تَرَدَّدَ فِي فِعْلِهِ] (فَصْلٌ) (وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، وَهُوَ الْأَقَلُّ) مُصَلٍّ شَاكٌّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ، بِأَنْ تَرَدَّدَ فِي فِعْلِهِ، فَيُجْعَلُ كَمَنْ تَيَقَّنَ تَرْكَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. وَكَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلَ الصَّلَاةِ (أَوْ) شَكَّ فِي (عَدَدِ رَكَعَاتٍ) ، كَمَا لَوْ شَكَّ: أَصَلَّى رَكْعَةً، أَوْ رَكْعَتَيْنِ؛ بَنَى عَلَى رَكْعَةٍ، وَاثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؛ بَنَى عَلَى اثْنَتَيْنِ، وَهَكَذَا (وَلَوْ) كَانَ الشَّاكُّ (إمَامًا) ، رُوِيَ عَنْ. عُمَرَ، وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؛ فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَكَطَهَارَةٍ وَطَوَافٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا شَكَّ فِيهِ، وَكَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ، وَسَوَاءٌ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، أَوْ لَا. (فَمَنْ شَكَّ) فِي أَثْنَاءِ صَلَاةٍ (فِي تَرْكِ رَكْعَةٍ) فَهُوَ كَتَرْكِهَا، (أَوْ) شَكَّ فِي تَرْكِ (رُكْنٍ فَهُوَ كَتَرْكِهِ) ، أَيْ: الرُّكْنِ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ وَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّم، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. فَتَحَرِّي الصَّوَابِ فِيهِ هُوَ اسْتِعْمَالُ الْيَقِينِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ. (وَلَا أَثَرَ لِشَكٍّ بَعْدَ سَلَامٍ، أَوْ) بَعْدَ (فَرَاغِ كُلِّ عِبَادَةٍ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِهَا. (وَيَأْخُذُ مَأْمُومٌ عِنْدَ شَكِّهِ بِفِعْلِ إمَامِهِ مَعَ تَعَدُّدِ مَأْمُومٍ غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ خَطَأُ اثْنَيْنِ، وَإِصَابَةُ وَاحِدٍ. قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَتْبَعُ إمَامَهُ مَعَ عَدَمِ الْجَزْمِ بِخَطَئِهِ. (وَ) الْمَأْمُومُ (فِي فِعْلِ نَفْسِهِ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ) لِمَا تَقَدَّمَ. (فَلَوْ شَكَّ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 الْمَأْمُومُ؛ (هَلْ دَخَلَ مَعَهُ) ، أَيْ: مَعَ الْإِمَامِ (بِ) رَكْعَةٍ (أُولَى، أَوْ ثَانِيَةٍ؛ جَعَلَهُ) ، أَيْ: الدُّخُولَ مَعَهُ (بِثَانِيَةٍ) ؛ فَيَقْضِي رَكْعَةً إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ احْتِيَاطًا. (وَلَوْ أَدْرَكَ) الْمَأْمُومُ (الْإِمَامَ رَاكِعًا، فَشَكَّ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ، هَلْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ رَاكِعًا؛ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ) ، لِاحْتِمَالِ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ فِيهِ. (وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا، لَمْ يَرْجِعْ لِفِعْلِ إمَامِهِ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ لَا يَكْفِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ شَكَّ إمَامٌ، فَسَبَّحَ بِهِ وَاحِدٌ، بَلْ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ كَالْمُنْفَرِدِ، وَلَا يُفَارِقُهُ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ خَطَأَهُ. (فَإِذَا سَلَّمَ إمَامُهُ أَتَى) مَأْمُومٌ (بِمَا شَكَّ فِيهِ) مَعَ إمَامِهِ، لِيَخْرُجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِيَقِينٍ (وَسَجَدَ) لِلسَّهْوِ (وَسَلَّمَ) . فَإِنْ كَانَ مَعَ إمَامٍ غَيْرِهِ، وَشَكَّ؛ رَجَعَ إلَى فِعْلِ إمَامِهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ، كَمَنْ نَبَّهَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ. (وَيَتَّجِهُ وُجُوبُ مُفَارَقَتِهِ) ، أَيْ: مُفَارِقَةِ الْمَأْمُومِ؛ لِإِمَامِهِ (مَعَ تَيَقُّنِ خَطَأِ إمَامِهِ) ، كَذَا قَالَ. وَفِي الْمُبْدِعِ وَإِنْ جَزَمَ بِخَطَئِهِ لَمْ يَتْبَعْهُ، وَلَمْ يُسَلِّمْ قَبْلَهُ. انْتَهَى، وَذَكَرَ مِثْلَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْكَافِي وَالْمَجْدِ وَابْنِ تَمِيمٍ؛ فَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ لَا يُفَارِقُهُ، وَإِنَّمَا يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ إمَامُهُ، وَيُسَلِّمَ مَعَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 (وَلَا) يُشْرَعُ (سُجُودُ) سَهْوٍ (لِشَكٍّ فِي) تَرْكِ (وَاجِبٍ) ؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ فِي سَبَبِ وُجُوبِ السُّجُودِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يُشْرَعُ سُجُودٌ لِشَكٍّ فِي (سَهْوٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (أَوْ زِيَادَةٍ) فَلَا يُشْرَعُ سُجُودٌ؛ لِشَكِّهِ فِي حُصُولِهَا، كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ زَادَ رُكُوعًا، أَوْ سُجُودًا؟ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ؛ فَلَحِقَ بِالْمَعْدُومِ يَقِينًا. (إلَّا إذَا شَكَّ) فِي الزِّيَادَةِ (وَقْتَ فِعْلِهَا) كَمَا لَوْ شَكَّ فِي سَجْدَةٍ، وَهُوَ فِيهَا، هَلْ هِيَ زَائِدَةٌ، أَوْ لَا. أَوْ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ كَذَلِكَ؛ فَيَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ، مُتَرَدِّدًا فِي كَوْنِهِ مِنْهَا، أَوْ زَائِدًا عَلَيْهَا، فَضَعُفَتْ النِّيَّةُ، وَاحْتَاجَتْ لِلْجَبْرِ بِالسُّجُودِ. وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ أَوْ غَيْرِهِ، فَبَنَى عَلَى يَقِينِهِ، ثُمَّ زَالَ شَكُّهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ مُصِيبٌ فِيمَا فَعَلَهُ؛ لَمْ يَسْجُدْ، إمَامًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ. صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ خِلَافًا لِشَرْحِ الْمُنْتَهَى. (فَلَوْ شَكَّ فِي تَشَهُّدٍ) أَخِيرٍ؛ (هَلْ صَلَّى أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا؛ لَمْ يَسْجُدْ) لِذَلِكَ الشَّكِّ؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ فِي زِيَادَةٍ فِي غَيْرِ وَقْتِ فِعْلِهَا، فَلَا أَثَرَ لَهُ. (وَمَنْ سَجَدَ لِشَكٍّ) ظَنَّا أَنَّهُ يَسْجُدُ لَهُ (ثُمَّ تَبَيَّنَ) لَهُ (أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سُجُودٌ) لِذَلِكَ الشَّكِّ؛ (سَجَدَ) وُجُوبًا (لِذَلِكَ) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 أَيْ: لِكَوْنِهِ زَادَ فِي صَلَاتِهِ سَجْدَتَيْنِ غَيْرَ مَشْرُوعَتَيْنِ. وَمَنْ عَلِمَ سَهْوًا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَيَسْجُدُ لَهُ، أَمْ لَا؛ لَمْ يَسْجُدْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ سَبَبُهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. (وَمَنْ شَكَّ؛ هَلْ سَجَدَ لِسَهْوِهِ) الْمُتَيَقَّنِ (أَوْ لَا) ، أَيْ: أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ؛ (سَجَدَ) لِلسَّهْوِ وُجُوبًا، وَكَفَاهُ سَجْدَتَانِ. (وَلَيْسَ عَلَى مَأْمُومٍ غَيْرِ مَسْبُوقٍ سُجُودُ سَهْوٍ) سَهَاهُ الْمَأْمُومُ دُونَ إمَامِهِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ سَهْوٌ، فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ، فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَتَى بِمَا مَحَلُّ سُجُودِهِ بَعْدَ السَّلَامِ (إلَّا أَنْ يَسْهُوَ إمَامُهُ؛ فَيَسْجُدَ) الْمَأْمُومُ (مَعَهُ) ، سَوَاءٌ سَهَا الْمَأْمُومُ، أَوْ لَا. حَكَاهُ إِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا» . (وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ) الْمَأْمُومُ (مَا عَلَيْهِ مِنْ) وَاجِبٍ؛ (تَشَهَّدَ، ثُمَّ يُتِمُّهُ) بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَوْ) كَانَ الْمَأْمُومُ (مَسْبُوقًا) ، وَسَهَا الْإِمَامُ (فِيمَا لَمْ يُدْرِكْهُ) الْمَسْبُوقُ فِيهِ، بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ سَهَا عَلَيْهِ فِي الْأُولَى، وَأَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَةِ مَثَلًا؛ فَيَسْجُدُ مَعَهُ مُتَابَعَةً لَهُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَقَصَتْ حَيْثُ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِيمَا لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ فِي السُّجُودِ، كَمَا لَمْ يَمْنَعْهُ فِي بَقِيَّةِ الرَّكْعَةِ. (فَلَوْ قَامَ) مَسْبُوقٌ (بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ) ظَانًّا عَدَمَ سَهْوِ إمَامِهِ، فَسَجَدَ إمَامُهُ؛ (رَجَعَ) الْمَسْبُوقُ (فَسَجَدَ مَعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، أَشْبَهَ السُّجُودَ مَعَهُ قَبْلَ السَّلَامِ، فَيَرْجِعُ وُجُوبًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ، فَإِنْ اسْتَتَمَّ فَالْأَوْلَى أَلَّا يَرْجِعَ، كَمَنْ قَامَ عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ. وَ (لَا) يَرْجِعُ (إنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ) ؛ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ، فَلَا يَرْجِعُ إلَى وَاجِبٍ. (وَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 أَدْرَكَهُ) ، أَيْ: أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ إمَامَهُ (فِي آخَرِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ؛ سَجَدَ) مَسْبُوقٌ (مَعَهُ) ، أَيْ: مَعَ إمَامِهِ السَّجْدَةَ الَّتِي أَدْرَكَهُ فِيهَا مُتَابَعَةً لَهُ (فَإِذَا سَلَّمَ) الْإِمَامُ؛ (أَتَى) الْمَسْبُوقُ (بِ) السَّجْدَةِ (الثَّانِيَةِ) ، لِيُوَالِيَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (ثُمَّ قَضَى صَلَاتَهُ) نَصًّا؛ لِعُمُومِ «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» . (وَإِنْ أَدْرَكَهُ) الْمَسْبُوقُ (بَعْدَهُمَا) ، أَيْ: سَجْدَتَيْ السَّهْوِ (وَقَبْلَ السَّلَامِ؛ لَمْ يَسْجُدْ) الْمَسْبُوقُ لِسَهْوِ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ بَعْضًا، فَيَقْضِي الْفَائِتَ، وَبَعْدَ السَّلَامِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ. (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا مَسْبُوقٌ) نَوَى الْإِمَامَةَ بِمِثْلِهِ، فَجَاءَ مَسْبُوقٌ آخَرُ، وَ (دَخَلَ مَعَهُ) ، أَيْ: مَعَ الْمَسْبُوقِ الَّذِي أَدْرَكَ إمَامَهُ (إذَنْ) ، أَيْ: بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، وَقَبْلَ السَّلَامِ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إذَنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ، وَلَا مِنْ إمَامِهِ سَهْوٌ، وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ انْجَبَرَتْ صَلَاتُهُ بِسُجُودِهِ قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْبُوقِ الْأَوَّلِ مَعَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 (وَيَسْجُدُ مَسْبُوقٌ إنْ سَلَّمَ مَعَهُ) ، أَيْ: مَعَ إمَامِهِ (سَهْوًا) بَعْدَ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْفَرِدًا. (وَ) يَسْجُدُ أَيْضًا مَسْبُوقٌ (لِسَهْوِهِ) ، أَيْ: الْمَسْبُوقِ، دُونَ إمَامِهِ (مَعَهُ) ، أَيْ: مَعَ إمَامِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 فِيمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ، وَلَوْ فَارَقَهُ لِعُذْرٍ. (وَ) يَسْجُدُ مَسْبُوقٌ أَيْضًا إذَا سَهَا (فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ) ، وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْفَرِدًا، فَلَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ سُجُودَهُ. (فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ إمَامٌ) سَهَا سَهْوًا يَجِبُ، السُّجُودُ لَهُ؛ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْمَأْمُومِ، مَسْبُوقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَسْبُوقٍ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَقَصَتْ بِنُقْصَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ. وَ (سَجَدَ مَسْبُوقٌ إذَا فَرَغَ) مِنْ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ (وَ) يَسْجُدُ (غَيْرُهُ) ، أَيْ: غَيْرُ الْمَسْبُوقِ، وَهُوَ مَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ (بَعْدَ إيَاسِهِ) ، أَيْ: إيَاسِ الْمَأْمُومِ (مِنْ سُجُودِهِ) ، أَيْ: سُجُودِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ذَكَرَ قَرِيبًا فَسَجَدَ، وَرُبَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ يَرَى السُّجُودَ بَعْدَ السَّلَامِ، فَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ تَارِكٌ لِلسُّجُودِ إلَّا بَعْدَ الْإِيَاسِ مِنْهُ، وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ لَا يَرَى وُجُوبَهُ، أَوْ تَرَكَ السُّجُودَ سَهْوًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ، وَتَرَكَ مَا قَبْلَ السَّلَامِ مِنْهُ عَمْدًا؛ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ. [فَصْلٌ سُنَّ سُجُودٌ لِكُلِّ سَهْوٍ قَبْلَ سَلَامٍ بِشَرْطِ فَرَاغِ تَشَهُّدٍ] (فَصْلٌ) (وَسُنَّ سُجُودٌ لِكُلِّ سَهْوٍ قَبْلَ سَلَامٍ بِشَرْطِ فَرَاغِ تَشَهُّدٍ) ، وَفَرَاغِ دُعَاءٍ بَعْدَهُ (إلَّا إذَا سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ سَلَامُهُ عَنْ نَقْصِ رَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ (فَ) يَسْجُدُ (بَعْدَ سَلَامٍ) ؛ لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ. وَقَوْلُهُ: وَسُنَّ سُجُودٌ. . . إلَخْ، هَذِهِ السُّنِّيَّةُ فِي مَحَلِّهِ لَا فِي ذَاتِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِمَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ، وَلِلَحْنٍ يُحِيلُ الْمَعْنَى سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا؛ وَاجِبٌ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ؛ هَلْ مَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ أَوْ فِيهِ التَّفْصِيلُ؟ . قَالَ الْقَاضِي: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَبَعْدَهُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْأَوْلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 وَالْأَفْضَلِ، فَلَا مَعْنَى لِادِّعَاءِ النَّسْخِ، وَقَالَ فِي الْمُقْنِعِ: وَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، إلَّا فِي السَّلَامِ قَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ، وَفِيمَا إذَا بَنَى الْإِمَامُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ. قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِتَعَمُّدِ تَرْكِهِ) ، أَيْ: السُّجُودِ الَّذِي مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ جَبْرٌ لِلصَّلَاةِ، خَارِجٌ عَنْهَا، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إبْطَالِهَا. (كَ) مَا لَا تَبْطُلُ (بِتَرْكِ) سُجُودٍ (غَيْرِ وَاجِبٍ) ؛ كَمَسْنُونٍ (لِأَنَّهُ) ، أَيْ: السُّجُودَ الَّذِي مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ (مُنْفَرِدٌ عَنْهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ، فَلَمْ تَبْطُلْ بِتَرْكِهِ، كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ، وَلِأَنَّهُ (وَاجِبٌ لَهَا كَأَذَانٍ) ، يَعْنِي: أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْوَاجِبِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ وَاجِبٌ لِلصَّلَاةِ كَالْجَمَاعَةِ، وَلَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ، بِخِلَافِ الْوَاجِبَاتِ فِي الصَّلَاةِ إذَا تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا. (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِتَعَمُّدِ تَرْكِ) سُجُودٍ (وَاجِبٍ سُنَّ) فِعْلُهُ (قَبْلَ سَلَامٍ) ، لِتَعَمُّدِ تَرْكِ وَاجِبٍ فِي الصَّلَاةِ. (وَيَتَّجِهُ لَا) تَبْطُلُ (صَلَاةُ مَأْمُومٍ سَجَدَ) بَعْدَ سَلَامِ إمَامٍ تَرَكَ السُّجُودَ عَمْدًا؛ لِكَوْنِهِ لَا يَرَى وُجُوبَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرَى وُجُوبَهُ، وَتَرَكَهُ عَمْدًا، فَلَا رَيْبَ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ الْمَأْمُومِ؛ لِارْتِبَاطِهَا بِهَا صِحَّةً وَفَسَادًا كَمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ الْفَصْلِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 (وَإِنْ نَسِيَهُ) أَيْ السُّجُودَ، وَقَدْ نُدِبَ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ؛ أَتَى بِهِ بَعْدَهُ مَا لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (أَوْ) نَسِيَهُ (بَعْدَهُ) ، أَيْ: بَعْدَ السَّلَامِ، (ثُمَّ ذَكَرَ، أَتَى بِهِ مَعَ قَصْرِ فَصْلٍ) عُرْفًا (وَلَوْ تَكَلَّمَ أَوْ انْحَرَفَ عَنْ قِبْلَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) ، أَيْ: وَلَوْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ، وَ (شَرَعَ فِي) صَلَاةٍ (أُخْرَى) ، ثُمَّ ذَكَرَهُ (فَ) يَقْضِيهِ (بَعْدَ فَرَاغِهَا) إذَا سَلَّمَ مِنْهَا إنْ لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ (وَلَا يَصِيرُ بِهِ) ، أَيْ السُّجُودِ الْمَقْضِيِّ (عَائِدَ الصَّلَاةِ) ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِحُصُولِ التَّحَلُّلِ بِالسَّلَامِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْعَوْدِ لِلصَّلَاةِ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ الْمَنْسِيُّ سُجُودُهَا (بِوُجُودِ مُفَسِّرٍ فِيهِ) أَيْ: السُّجُودِ مِنْ حَدَثٍ، أَوْ غَيْرِهِ. وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَسْبُوقٍ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيهِ (وَإِنْ طَالَ فَصْلٌ عُرْفًا، أَوْ أَحْدَثَ أَوْ خَرَجَ مِنْ مَسْجِدٍ، سَقَطَ) عَنْهُ السُّجُودُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (وَصَحَّتْ) صَلَاتُهُ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ إذَا تَرَكَهَا سَهْوًا. (وَيَكْفِي لِجَمِيعِ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ مَحَلُّهُمَا) ، أَيْ: السَّهْوَيْنِ، بِأَنْ كَانَ مَحَلُّ أَحَدِهِمَا قَبْلَ السَّلَامِ، كَتَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ، وَالْآخَرِ بَعْدَهُ، كَمَا لَوْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَرِيبًا، وَأَتَمَّهَا وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَمَاعَةً، وَالْآخَرُ مُنْفَرِدًا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَهُوَ يَتَنَاوَلُ السَّهْوَ فِي مَوْضِعَيْنِ فَأَكْثَرَ، كَمَا لَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ: وَأَمَّا حَدِيثُ «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ» فَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ. ثُمَّ الْمُرَادُ لِكُلِّ سَهْوٍ فِي صَلَاةٍ. وَالسَّهْوُ وَإِنْ كَثُرَ دَاخِلٌ فِي لَفْظِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، فَالتَّقْدِيرُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ فِيهَا سَهْوٌ سَجْدَتَانِ. (وَ) إذَا اجْتَمَعَ مَا مَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 مَحَلُّهُ بَعْدَهُ (يَغْلِبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ) فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ وَآكَدُ، وَقَدْ وُجِدَ سَبَبُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، فَإِذَا سَجَدَ لَهُ سَقَطَ الثَّانِي (وَإِنْ شَكَّ فِي مَحَلِّهِ) هَلْ السُّجُودُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ؟ (فَ) يَجْعَلُهُ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ؟ (فَ) يَجْعَلُهُ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. (وَمَتَى سَجَدَ) لِسَهْوٍ (بَعْدَ سَلَامٍ لَا قَبْلَهُ، جَلَسَ) بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ (فَتَشَهَّدَ وُجُوبًا التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ ثُمَّ سَلَّمَ) سَوَاءٌ كَانَ مَحَلُّ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ، فَسَهَا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ سَلَّمَ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَلِأَنَّ السُّجُودَ بَعْدَ السَّلَامِ فِي حُكْمِ الْمُسْتَقِلِّ بِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ، فَاحْتَاجَ إلَى التَّشَهُّدِ، كَمَا احْتَاجَ إلَى السَّلَامِ إلْحَاقًا لَهُ بِمَا قَبْلَهُ، بِخِلَافِ سُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ، فَلَيْسَ قَبْلَهُمَا مَا يَلْحَقَانِ بِهِ، وَبِخِلَافِ مَا قَبْلَ السَّلَامِ، فَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَتَابِعٌ، فَلَمْ يُفْرَدْ لَهُ تَشَهُّدٌ، كَمَا لَا يُفْرَدُ بِسَلَامٍ. (وَلَا يَتَوَرَّكُ فِيهِ) ، أَيْ: فِي التَّشَهُّدِ الَّذِي بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ (فِي) صَلَاةٍ (ثُنَائِيَّةٍ) ، بَلْ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا كَتَشَهُّدِ نَفْسِ الصَّلَاةِ. فَإِنْ كَانَتْ ثُلَاثِيَّةً، أَوْ رُبَاعِيَّةً؛ تَوَرَّكَ لِمَا ذُكِرَ، (وَهُوَ) ، أَيْ: سُجُودُ السَّهْوِ، قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ. (وَمَا يُقَالُ فِيهِ) مِنْ تَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحٍ (وَ) مَا يُقَالُ فِيهِ مِنْ تَكْبِيرٍ (عِنْدَ هُوِيٍّ) إلَيْهِ (وَ) بَعْدَ (رَفْعٍ) مِنْهُ، كَقَوْلِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (كَسُجُودِ صُلْبِ) الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي الْإِخْبَارِ، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْمَعْرُوفِ لَبَيَّنَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 [بَابُ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ] (بَابُ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ) (تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِمُبْطِلِ طَهَارَةٍ) مِنْ حَدَثٍ وَنَحْوِهِ: (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِتَرْكِ وَاجِبٍ) مِنْ تَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَسْمِيعٍ وَتَحْمِيدٍ، وَطَلَبِ مَغْفِرَةٍ، وَنَحْوِهَا، (عَمْدًا) لَا سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِتَرْكِ (رُكْنٍ) ، كَتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ وَرُكُوعٍ، وَسُجُودٍ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِ (اتِّصَالِ نَجَاسَةٍ) غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا (بِهِ) ، أَيْ: بِالْمُصَلِّي (إنْ) قَدَرَ عَلَى إزَالَتِهَا، وَ (لَمْ يُزِلْهَا حَالًا) ، وَإِلَّا فَلَا. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِاسْتِدْبَارِ قِبْلَةٍ حَيْثُ شَرْطُ اسْتِقْبَالِهَا) بِأَنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ رَاحِلَةٍ، وَلَا تَبْطُلُ فِي نَحْوِ خَوْفٍ. وَالِاسْتِدْبَارُ حَقِيقَةً: أَنْ يَجْعَلَ الْقِبْلَةَ خَلْفَ دُبُرِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ بَلْ الْمُرَادُ عَدَمُ الِاسْتِقْبَالِ؛ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ مُجَانِبًا لَهَا. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِكَشْفِ) كَثِيرٍ مِنْ (عَوْرَةٍ) إنْ لَمْ يَسْتُرْهُ فِي الْحَالِ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِ (زِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ) ؛ كَرُكُوعٍ، وَسُجُودٍ عَمْدًا (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِ (تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأَرْكَانِ عَلَى بَعْضٍ) ، كَسُجُودٍ قَبْلَ رُكُوعٍ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِ (سَلَامٍ قَبْلَ إتْمَامِهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِ (إحَالَةِ مَعْنَى قِرَاءَةٍ) ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 كَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْتَ، أَوْ كَسْرِهَا. وَإِنَّمَا تَبْطُلُ بِفِعْلِ ذَلِكَ (عَمْدًا فِي الْكُلِّ) ، أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِوُجُودِ سُتْرَةٍ بَعِيدَةٍ لِعُرْيَانٍ وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِ (اسْتِنَادِ) مُصَلٍّ اسْتِنَادًا (قَوِيًّا بِلَا عُذْرٍ وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِ (رُجُوعِهِ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي (عَالِمًا ذَاكِرًا لِتَشَهُّدٍ أَوَّلٍ بَعْدَ) اسْتِوَاءٍ قَائِمًا (وَشُرُوعٍ فِي قِرَاءَةٍ) لَا قَبْلَهُ وَتَقَدَّمَ مُفَصَّلًا. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِرُجُوعِ مُصَلٍّ لِ (تَسْبِيحِ رُكُوعٍ وَ) تَسْبِيحِ (سُجُودٍ بَعْدَ اعْتِدَالٍ) مِنْ رُكُوعٍ (وَ) بَعْدَ (جُلُوسٍ) مِنْ سُجُودٍ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِرُجُوعِهِ (لِسُؤَالِ مَغْفِرَةٍ بَعْدَ سُجُودٍ) ثَانٍ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِفَسْخِ نِيَّةٍ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ (وَتَرَدُّدٍ فِيهِ) ، أَيْ: الْفَسْخِ لِاشْتِرَاطِ اسْتِدَامَةِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا اسْتِدَامَةَ مَعَ التَّرَدُّدِ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِ (عَزْمٍ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْفَسْخِ وَتَقَدَّمَ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِشَكِّهِ؛ هَلْ نَوَى، أَوْ) هَلْ (عَيَّنَ) صَلَاةً بِعَيْنِهَا، أَوْ لَا؟ (فَعَمِلَ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا) مِنْ أَعْمَالِهَا؛ كَرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ تَسْبِيحٍ، وَنَحْوِهِ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِمُرُورِ كَلْبٍ أَسْوَدَ بَهِيمٍ) ؛ لَا لَوْنَ فِيهِ سِوَى السَّوَادِ (بَيْنَ يَدَيْهِ) فِي ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَمَا دُونَهَا. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِدُعَاءٍ بِمَلَاذِّ الدُّنْيَا) ؛ كَ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِنُطْقِ) مُصَلٍّ (بِكَافِ الْخِطَابِ لِغَيْرِ اللَّهِ) ؛ كَ: إيَّاكَ نَعْبُدُ (وَ) لِغَيْرِ (رَسُولِهِ أَحْمَدَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 كَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِقَهْقَهَةٍ وَ) بِ (كَلَامٍ، وَلَوْ قَلَّ) الْكَلَامُ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ (أَوْ) كَانَ تَكَلَّمَ وَهُوَ فِيهَا (سَهْوًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ لِتَحْذِيرٍ) عَنْ (مَهْلَكَةٍ) وَتَقَدَّمَ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِتَقَدُّمِ مَأْمُومٍ عَلَى إمَامِهِ) عَمْدًا مُطْلَقًا وَسَهْوًا إنْ بَقِيَ إلَى رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعٍ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ) فِي الْجُمْلَةِ (لَا مُطْلَقًا) إذْ قَدْ تَبْطُلُ صَلَاةِ الْإِمَامِ مَعَ بَقَاءِ صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، مِنْهَا لَوْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ سَهْوًا فَنَبَّهُوهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ، فَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ؛ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ إنْ فَارَقُوهُ وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِسَلَامِهِ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِ (عَمْدًا قَبْلَ) سَلَامِ (إمَامِهِ أَوْ سَهْوًا، وَلَمْ يُعِدْهُ) ، أَيْ: السَّلَامَ (بَعْدَهُ) ، أَيْ: بَعْدَ إمَامِهِ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ) فِي فَرْضٍ عَمْدًا قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ، لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّلَاةَ. وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الشُّرْبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطِيلُ الْقِيَامَ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى جُرْعَةِ مَاءٍ. وَ (لَا) تَبْطُلُ بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ (يَسِيرٍ عُرْفًا لِسَاهٍ وَجَاهِلٍ) فَرْضًا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ نَفْلًا، فَيَسْجُدُ لَهُ، لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِتَعَمُّدِهِ. فَتَلَخَّصَ أَنَّ كَثِيرَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا، وَأَنَّ يَسِيرَهُمَا عَمْدًا يُبْطِلُ الْفَرْضَ، وَأَنَّ يَسِيرَ الْأَكْلِ عَمْدًا يُبْطِلُ النَّفَلَ وَالْفَرْضَ، خِلَافًا لِلْإِقْنَاعِ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ يَسِيرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 الشُّرْبِ وَيَأْتِي. وَإِنَّ يَسِيرَهُمَا سَهْوًا لَا يُبْطِلُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا. (وَ) يُبْطِلُهَا أَيْضًا (بَلْعُ نَحْوِ سُكَّرٍ ذُوِّبَ) كَفَالُوذَج، وَحَلْوَى (بِفَمٍ كَأَكْلٍ) لِحُصُولِ التَّغْذِيَةِ، أَوْ التَّلَذُّذِ فِي كُلٍّ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِعَمَلِ مُتَوَالٍ مُسْتَكْثَرٍ عَادَةً مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، وَلَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا) لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ، وَيَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ، وَيَمْنَعُ الْمُتَابَعَةَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُنَافٍ لَهَا (إنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ كَخَوْفٍ وَهَرَبٍ مِنْ عَدُوٍّ، وَنَحْوِهِ) ، كَسَيْلٍ وَسَبْعٍ وَنَارٍ، فَإِنْ كَانَتْ ضَرُورَةٌ لَمْ تَبْطُلْ. (وَمَنْ عَلِمَ بِبُطْلَانِهَا وَمَضَى فِيهَا أُدِّبَ) لِاسْتِخْفَافِهِ بِحُرْمَتِهَا. (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِعَمَلٍ يَسِيرٍ) مُطْلَقًا (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا بِعَمَلٍ (كَثِيرٍ غَيْرِ مُتَوَالٍ) عُرْفًا. (وَكُرِهَ) الْعَمَلُ الْيَسِيرُ أَوْ الْكَثِيرُ غَيْرُ الْمُتَوَالِي (بِلَا حَاجَةٍ) ، كَحَكَّةٍ وَنَحْوِهَا. (وَلَا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودُ) سَهْوٍ، وَلَوْ فَعَلَهُ سَهْوًا. (وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ) مَفْهُومَةٌ، أَوْ لَا (كَفِعْلِهِ) ، فَلَا تَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ إلَّا إذَا كَثُرَتْ عُرْفًا. (وَلَا يُقَدَّرُ) عَمَلٌ (يَسِيرٌ بِثَلَاثِ) حَرَكَاتٍ (وَلَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْعَدَدِ) إذْ الِاعْتِبَارُ بِالْعُرْفِ قِلَّةً وَكَثْرَةً. (وَلَا) تَبْطُلُ (بِبَلْعِ مَا بَيْنَ أَسْنَانٍ) مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ (عَمْدًا بِلَا مَضْغٍ وَلَوْ لَمْ يَجْرِ بِهِ رِيقٌ) ، جُزِمَ فِي التَّنْقِيحِ وَالْإِنْصَافِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَا لَا يَجْرِي بِهِ رِيقُهُ بَلْ يَجْرِي بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مَا لَهُ جَرْمٌ، تَبْطُلُ بِهِ. انْتَهَى. (وَلَا) يَبْطُلُ (نَفْلٌ بِيَسِيرِ شُرْبٍ عَمْدًا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا بِإِطَالَةِ نَظَرٍ لِشَيْءٍ وَلَوْ) كَانَتْ إطَالَةُ النَّظَرِ (لِكِتَابٍ) أَوْ مُصْحَفٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 (وَقَرَأَ مَا فِيهِ) ، أَيْ: الْكِتَابِ (بِقَلْبِهِ) دُونَ لِسَانِهِ، رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ فَعَلَهُ. (وَلَا) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِعَمَلِ قَلْبٍ وَلَوْ طَالَ) ؛ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ؛ (فَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ غَلَبَ وَسْوَاسٌ عَلَى أَكْثَرِهَا) فَيَجْتَهِدُ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ عَلَى رَفْضِهِ حَسْبَ الْإِمْكَانِ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى إفْسَادِ عِبَادَتِهِ. [بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] وَالتَّطَوُّعُ فِي الْأَصْلِ: فِعْلُ الطَّاعَةِ، وَشَرْعًا، وَعُرْفًا: طَاعَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ. وَالنَّفَلُ، وَالنَّافِلَةُ: الزِّيَادَةُ، وَالتَّنَفُّلُ: التَّطَوُّعُ. (صَلَاةُ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ تَطَوُّعِ بَدَنٍ لَا قَلْبٍ) . لِمَا رَوَى سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ إلَى سَالِمٍ. قَالَ أَحْمَدُ: سَالِمٌ لَمْ يَلْقَ ثَوْبَانَ، بَيْنَهُمَا شَعْبَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَلَهُ طُرُقٌ فِيهَا ضَعْفٌ. وَلِأَنَّ فَرْضَهَا آكَدُ الْفُرُوضِ، فَتَطَوُّعُهَا آكَدُ التَّطَوُّعَاتِ، وَلِأَنَّهَا تَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنْ الْعِبَادَةِ: الْإِخْلَاصُ وَالْقِرَاءَةُ، وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَمُنَاجَاةُ الرَّبِّ، وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: التَّطَوُّعُ تَكْمُلُ بِهِ صَلَاةُ الْفَرْضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا. وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ، وَبَقِيَّةُ الْأَعْمَالِ. انْتَهَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ تَطَوُّعَاتِ الْبَدَنِ (بَعْدَ جِهَادٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} [النساء: 95] وَحَدِيثُ: «وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ» . وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلَ مِنْ الْجِهَادِ (فَتَوَابِعُهُ مِنْ نَحْوِ نَفَقَةٍ فِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 261] الْآيَةَ. وَحَدِيثُ: «مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَتْ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. (فَعُلِمَ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ مِنْ نَحْوِ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ) كَتَفْسِيرٍ وَأُصُولٍ لِحَدِيثِ: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ» الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ، وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (تَعَلُّمُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ نَوْعٌ مِنْ الْجِهَادِ) ، أَيْ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ إقَامَةُ الْحُجَجِ عَلَى الْمُعَانِدِ، وَإِقَامَةُ الْأَدِلَّةِ فَهُوَ كَالْجِهَادِ بِالرَّأْيِ. (وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ. وَ) نَقَلَ مُهَنَّا: (طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ) قِيلَ: فَأَيُّ شَيْءٍ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ؟ قَالَ: يُطْلَبُ (بِنِيَّةِ تَوَاضُعٍ بِهِ وَنَفْيِ جَهْلٍ: عَنْهُ) . وَقَالَ لِأَبِي دَاوُد: شَرْطُ النِّيَّةِ شَدِيدٌ، حُبِّبَ إلَيَّ فَجَمَعْتُهُ. وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ: يُطْلَبُ الْحَدِيثُ بِقَدْرِ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ قَدْ اُنْتُفِعَ بِهِ؛ قَالَ: الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ. (وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: أَنَّ تَذَاكُرَ بَعْضِ لَيْلَةٍ) فِي مَسَائِلِ الْعِلْمِ (أَحَبُّ إلَى) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ مِنْ إحْيَائِهَا) ، وَأَنَّهُ الْعِلْمُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ قُلْتُ: الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالطَّلَاقُ، وَنَحْوُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ فَعَلَ هَذَا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا هُوَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَحَبَّةِ لَهُ، لَا لِلَّهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرَكَاءِ لَيْسَ مَذْمُومًا، بَلْ قَدْ يُثَابُ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الثَّوَابِ، إمَّا بِزِيَادَةٍ فِيهَا وَفِي أَمْثَالِهَا فَيَتَنَعَّمُ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ مِنْ فَوَائِدِ ذَلِكَ وَثَوَابِهِ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ إلَى أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهَا إلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إلَّا لِلَّهِ. وَقَوْلِ الْآخَرِ: طَلَبُهُمْ لَهُ نِيَّةٌ، يَعْنِي: نَفْسُ طَلَبِهِ حَسَنٌ يَنْفَعُهُمْ. قَالَ أَحْمَدُ: وَيَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ، قِيلَ لَهُ: فَكُلُّ الْعِلْمِ يَقُومُ بِهِ دِينُهُ، قَالَ: الْفَرْضُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِهِ. قِيلَ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ: صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَمُرَادُ أَحْمَدَ: مَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. فَمَتَى قَامَتْ طَائِفَةٌ بِعِلْمٍ لَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ قَامَتْ بِفَرْضِ كِفَايَةٍ، ثُمَّ مَنْ تَلَبَّسَ بِهِ فَنَفْلٌ فِي حَقِّهِ وَوُجُوبُهُ، مَعَ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ، دَعْوَى تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ، وَلْيَحْذَرْ الْعَالَمُ وَيَجْتَهِدْ، فَإِنَّ ذَنْبَهُ أَشَدُّ. نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: الْعَالِمُ يُقْتَدَى بِهِ، لَيْسَ الْعَالِمُ مِثْلَ الْجَاهِلِ، وَمَعْنَاهُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: يُغْفَرُ لِسَبْعِينَ جَاهِلًا قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِعَالِمٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، فَذَنْبُهُ مِنْ جِنْسِ ذَنْبِ الْيَهُودِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ: الْعِلْمُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، وَأَقْرَبُ الْعُلَمَاءِ إلَى اللَّهِ وَأَوْلَاهُمْ بِهِ، أَكْثَرُهُمْ لَهُ خَشْيَةً. (وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَفْضَلُ الْعِلْمِ: الْعِلْمُ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ) فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْعِلْمَ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. قَالَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 الْفُرُوعِ: (لِأَنَّ الْعِلْمَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَعْلُومِهِ) وَثَمَرَاتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنَّمَا تَشْرُفُ الْعُلُومِ بِحَسْبِ مُؤَدِّيَاتِهَا، وَلَا أَعْظَمَ مِنْ الْبَارِئِ، فَيَكُونُ الْعِلْمُ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَمَا يَجِبُ لَهُ، وَمَا يَجُوزُ، أَجَلَّ الْعُلُومِ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (اسْتِيعَابُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْعِبَادَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا أَفْضَلُ مِنْ جِهَادٍ لَمْ تَذْهَبْ فِيهِ نَفْسُهُ وَمَالُهُ، وَهِيَ) ، أَيْ: الْعِبَادَةُ (فِي غَيْرِ الْعَشْرِ تَعْدِلُ الْجِهَادَ انْتَهَى) . لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَحْسَبُهُ قَالَ -: وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: «وَكَاَلَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ» . (وَنَصَّ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَنَّ الطَّوَافَ لِغَرِيبٍ أَفْضَلُ مِنْهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) . نَقَلَ حَنْبَلٌ: نَرَى لِمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ يَطُوفَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالصَّلَاةِ لِأَهْلِ مَكَّةَ. وَكَذَا عَطَاءٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْتَصُّ بِمَكَانٍ، فَيُمْكِنُ التَّنَفُّلُ بِهَا فِي أَيِّ مَكَان أَرَادَ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ. (قَالَ الْمُنَقِّحُ: وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى سِوَى مَرَّةٍ فِي السَّنَةِ. وَلَا كَذَلِكَ الطَّوَافُ (خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ) هُوَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، حَيْثُ جَعَلَ الطَّوَافَ أَفْضَلَ مِنْ الْوُقُوفِ. (ثُمَّ سَائِرُ مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ مِنْ نَحْوِ عِيَادَةِ مَرِيضٍ) ، وَذَبٍّ عَنْ مَعْصُومٍ، وَتَخْلِيصٍ مِنْ مَظْلِمَةٍ (وَقَضَاءِ حَاجَةِ مُسْلِمٍ، وَإِصْلَاحٍ) بَيْنَ النَّاسِ، وَإِبْلَاغِ حَاجَةِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إبْلَاغَهَا إلَى ذِي سُلْطَانٍ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ، أَشْبَهَ الصَّدَقَةَ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 وَصَحَّحَهُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا حَمَلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ أَفْضَلِيَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّافِعِ الْقَاصِرِ كَالْحَجِّ، وَإِلَّا فَالْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ. (وَيَتَفَاوَتُ) مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ (فَصَدَقَةٌ عَلَى قَرِيبٍ مُحْتَاجٍ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ) أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَصِلَةُ (وَهُوَ) ، أَيْ: الْعِتْقُ (أَفْضَلُ مِنْهَا) ، أَيْ: الصَّدَقَةِ (عَلَى أَجْنَبِيٍّ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِهِ مِنْ أَسْرِ الرِّقِّ (إلَّا زَمَنُ غَلَاءٍ وَحَاجَةٍ) فَالصَّدَقَةُ حَتَّى عَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ؛ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا. (ثُمَّ حَجٌّ) ؛ لِحَدِيثِ: «الْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُ. وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَمِنْ الْعِتْقِ، وَمِنْ الْأُضْحِيَّةِ. قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ؛ إنْ مَاتَ فِي الْحَجِّ مَاتَ شَهِيدًا. قَالَ: وَعَلَى هَذَا؛ فَالْمَوْتُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَوْلَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ» . وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ، وَبَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي اسْتِحْبَابِ التَّطَوُّعِ بِالْحَجِّ لِمَا سَبَقَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَيْسَ يُشْبِهُ الْحَجَّ شَيْءٌ؛ لِلتَّعَبِ الَّذِي فِيهِ، وَلِتِلْكَ الْمَشَاعِرِ، وَفِيهِ مَشْهَدٌ لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَفِيهِ إنْهَاكُ الْمَالِ وَالْبَدَنِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ عَرَفَةَ؛ فَقَدْ طَهُرَ مِنْ ذُنُوبِهِ. (فَصَوْمٌ) ؛ لِحَدِيثِ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ؛ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَإِنَّمَا أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّوْمَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ بِهِ غَيْرُهُ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَإِضَافَةُ عِبَادَةٍ إلَى غَيْرِ اللَّهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ أَفْضَلِيَّتِهَا فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ قُرَى الشَّامِ إجْمَاعًا، وَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 كَانَ ذَلِكَ الْمَسْجِدُ مَا عُبِدَ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ قَطُّ، وَقَدْ أَضَافَهُ اللَّهُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] ، فَكَذَا الصَّلَاةُ مَعَ الصَّوْمِ، وَقِيلَ: أَضَافَ الصَّوْمَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَفْضَلِيَّتَهُ. «وَسَأَلَهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ رَجُلٌ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ» . إسْنَادُهُ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ فَإِنْ صَحَّ؛ فَمَا سَبَقَ أَصَحُّ، ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الصَّلَاةِ، أَوْ بِحَسَبِ السَّائِلِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَكَذَا اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِحَسَبِهِ، وَقَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ. وَقَدْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ أَفْضَلَ فِي حَالٍ، كَفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِحَسْبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ أَحْمَدَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ: اُنْظُرْ مَا هُوَ أَصْلُحُ لِقَلْبِكَ فَافْعَلْهُ. (وَأَفْضَلُ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ مَا سُنَّ) أَنْ يُصَلَّى (جَمَاعَةً) ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْفَرَائِضِ، ثُمَّ الرَّوَاتِبُ (وَآكَدُهَا) ، أَيْ: آكَدُ مَا يُسَنُّ جَمَاعَةً: كُسُوفٌ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا، وَأَمَرَ بِهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَاسْتِسْقَاءٌ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَسْقِي تَارَةً، وَيَتْرُكُ أُخْرَى، بِخِلَافِ الْكُسُوفِ؛ فَلَمْ يَتْرُكْ صَلَاتَهُ عِنْدَهُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ، لَكِنْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِالِاسْتِسْقَاءِ، كَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ: «أَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ» . (فَتَرَاوِيحُ) لِأَنَّهَا تُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ (فَوِتْرٌ لِأَنَّهُ يُسَنُّ) فِعْلُهُ (جَمَاعَةً بَعْدَ تَرَاوِيحَ) وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: مَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ عَمْدًا فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ، لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ. (وَلَيْسَ) الْوِتْرُ (بِوَاجِبٍ) . قَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: الْوِتْرُ لَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 بِمَنْزِلَةِ الْفَرْضِ، فَإِنْ شَاءَ قَضَى الْوِتْرَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْضِهِ؛ وَذَلِكَ لِحَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ «قَالَ: الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَهَيْئَةِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ؛ وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَشْبَهَ السُّنَنَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مَرْفُوعًا: «مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» فَفِيهِ ضَعْفٌ. وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ: «الْوِتْرُ حَقٌّ؛ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ: الْمَوْقُوفُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، فَمَحْمُولٌ عَلَى تَأْكِيدِ الِاسْتِحْبَابِ. (إلَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَكَانَ الْوِتْرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ: «ثَلَاثٌ كُتِبْنَ عَلَيَّ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ: الضُّحَى، وَالْأَضْحَى، وَالْوِتْرُ» وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ عُذْرٍ، أَوْ خَصَائِصِهِ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ، جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى أُمَّتِهِ لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الْمُتَقَدِّمِ. (وَأَفْضَلُ رَوَاتِبَ سُنَّةُ فَجْرٍ) ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد. (وَسُنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 تَخْفِيفُهَا) ، أَيْ: رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ. حَتَّى إنِّي لَأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ؟» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَاضْطِجَاعٌ بَعْدَهَا عَلَى جَنْبٍ أَيْمَنَ) قَبْلَ صَلَاةِ الْفَرْضِ نَصًّا لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَيَلِي سُنَّةَ فَجْرٍ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ سُنَّةُ مَغْرِبٍ) . لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ: «أَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِصَلَاةٍ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ سِوَى الْمَكْتُوبَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» . (ثُمَّ) بَاقِي الرَّوَاتِبِ (سَوَاءٌ) فِي الْفَضِيلَةِ. (وَالرَّوَاتِبُ الْمُؤَكَّدَةُ عَشْرُ) رَكَعَاتٍ: (رَكْعَتَانِ قَبْلَ فَجْرٍ، وَ) رَكْعَتَانِ قَبْلَ (ظُهْرٍ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ ظُهْرٍ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ مَغْرِبٍ، وَ) رَكْعَتَانِ بَعْدَ (عِشَاءٍ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «حَفِظْتُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ. وَكَانَتْ سَاعَةً لَا يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فِيهَا أَحَدٌ» . حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ «أَنَّهُ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ. وَطَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: صَحِيحٌ. (وَسُنَّ قِرَاءَةُ) : {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] فِي) رَكْعَةٍ (أُولَى) مِنْ (رَاتِبَةِ فَجْرٍ، وَ) فِي رَكْعَةٍ أُولَى مِنْ رَاتِبَةِ (مَغْرِبٍ وَ) قِرَاءَةُ (الْإِخْلَاصِ فِي ثَانِيَتِهِمَا) ، أَيْ: الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ. لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وَفِي الثَّانِيَةِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] » رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 (وَكُرِهَ تَرْكُ رَوَاتِبَ بِلَا عُذْرٍ وَتَسْقُطُ عَدَالَةُ) مُوَاظِبٍ عَلَى تَرْكِهَا (إلَّا فِي سَفَرٍ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلٍ وَتَرْكٍ) لِلْمَشَقَّةِ (إلَّا سُنَّةَ فَجْرٍ وَوِتْرٍ فَيُفْعَلَانِ) ، أَيْ: فَيُحَافَظُ عَلَى فِعْلِهِمَا حَضَرًا وَسَفَرًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَبِّحُ عَلَى رَاحِلَتِهِ قَبْلَ أَيِّ وِجْهَةٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَسُنَّ قَضَاؤُهَا) ، أَيْ: الرَّوَاتِبِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَعَ الْفَجْرِ حِينَ نَامَ عَنْهُمَا، وَقَضَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ» ، وَقِيسَ الْبَاقِي. (وَ) سُنَّ أَيْضًا قَضَاءُ (وِتْرٍ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: «مَنْ نَامَ عَنْ الْوِتْرِ أَوْ نَسِيَهُ؛ فَلْيُصَلِّهِ إذَا أَصْبَحَ، أَوْ ذَكَرَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. (إلَّا مَا فَاتَ) مِنْ رَوَاتِبَ (مَعَ فَرْضِهِ وَكَثُرَ، فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ) لِحُصُولِ الْمَشَقَّةِ بِهِ (إلَّا سُنَّةَ فَجْرٍ) ، فَيَقْضِيهَا مُطْلَقًا، لِتَأَكُّدِهَا (وَهِيَ) ، أَيْ: سُنَّةُ الْفَجْرِ (وَسُنَّةُ ظُهْرٍ أُولَى بَعْدَهُمَا) ، أَيْ: بَعْدَ الْفَجْرِ، وَالظُّهْرِ (قَضَاءً) ، فَيَبْدَأُ بِسُنَّةِ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا إذَا قَضَاهَا قَبْلَ السُّنَّةِ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ نَدْبًا؛ مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ، وَلِأَنَّ السُّنَّةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَقْتُهَا مِنْ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَى فِعْلِ تِلْكَ الصَّلَاةِ، فَإِذَا فُعِلَتْ، بَعْدَهَا كَانَتْ قَضَاءً، وَأَمَّا السُّنَّةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ فَوَقْتُهَا مِنْ فِعْلِ تِلْكَ الصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ وَقْتِهَا. (وَلِزَوْجَةٍ، وَأَجِيرٍ) خَاصٍّ (وَوَلَدٍ) صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ (وَقِنٍّ) بِسَائِرِ أَحْوَالِهِ (فِعْلُ رَوَاتِبَ مَعَ فَرْضٍ) لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ. (وَحَرُمَ مَنْعُهُمْ) مِنْ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّ زَمَنَهَا مُسْتَثْنًى شَرْعًا كَالْفَرَائِضِ. (وَالسُّنَنُ غَيْرُ الرَّوَاتِبِ) أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ رَكْعَةً، وَهِيَ: (أَرْبَعٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 قَبْلَ ظُهْرٍ، وَ) أَرْبَعٌ قَبْلَ (عَصْرٍ، وَ) أَرْبَعٌ قَبْلَ (جُمُعَةٍ، وَأَرْبَعٌ بَعْدَ ظُهْرٍ، وَ) أَرْبَعٌ بَعْدَ (مَغْرِبٍ وَ) أَرْبَعٌ بَعْدَ عِشَاءٍ لِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا؛ حَرَّمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى النَّارِ» . صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَحَدِيثِ عَلِيٍّ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِنَّ بِسُوءٍ عَدَلْنَ لَهُ عِبَادَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ أَبِي خَثْعَمَ، وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ عَائِشَةَ: «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ إلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَيُبَاحُ اثْنَتَانِ بَعْدَ أَذَانِ مَغْرِبٍ) قَبْلَ صَلَاتِهَا لِحَدِيثِ أَنَسٍ: «كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. قَالَ الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ: فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهُمَا؟ قَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَكَذَا) يُبَاحُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ (بَعْدَ وِتْرٍ جَالِسًا) . قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ، فَقَالَ: أَرْجُو إنْ فَعَلَهُ إنْسَانٌ أَنْ لَا يَضِيقَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ تَكُونُ وَهُوَ جَالِسٌ كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ. قُلْتُ: تَفْعَلُهُ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، مَا أَفْعَلُهُ، أَيْ: لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ الْوَاصِفِينَ لِتَهَجُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَفِعْلُ) السُّنَنِ (الْكُلِّ) الرَّوَاتِبِ، وَالْوِتْرِ وَغَيْرِهَا (بِبَيْتٍ أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلِهَا بِالْمَسْجِدِ، وَلَوْ الْحَرَامَ (كَصَلَاةِ تَطَوُّعٍ) ؛ لِحَدِيثِ: «عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 الْمَكْتُوبَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. لَكِنْ مَا تُشْرَعُ لَهُ الْجَمَاعَةُ مُسْتَثْنًى أَيْضًا، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى نَفْلُ الْمُعْتَكِفِ. (وَإِنْ فَعَلَهَا) ، أَيْ: الرَّوَاتِبَ (بِمَسْجِدٍ، فَ) فِعْلُهَا بِ (مَكَانِهِ) مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ (أَفْضَلُ) نَصًّا، وَفِيهِ نَظَرٌ مَعَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْإِقْنَاعِ، وَلَا فِي الْمُنْتَهَى، وَرُبَّمَا سَرَى إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَةِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: وَفِعْلُهَا، أَيْ: سُنَّةِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ مَكَانَهُ أَفْضَلُ نَصًّا. وَجَعَلَ فِي الْمُبْدِعِ رَكْعَتَيْ الْجُمُعَةِ كَغَيْرِهَا مِنْ صَلَاةِ الْبُيُوتِ. (وَسُنَّ فَصْلٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَسُنَّةٍ بِقِيَامٍ) ، أَيْ: انْتِقَالٍ (أَوْ كَلَامٍ) ؛ لِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً حَتَّى نَخْرُجَ، أَوْ نَتَكَلَّمَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَتُجَزِّئُ سُنَّةُ) صَلَاةٍ (عَنْ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُمَا أَنْ يَبْدَأَ لدَّاخِلُ بِالصَّلَاةِ، وَقَدْ وُجِدَ. (وَلَا عَكْسُ) ؛ فَلَا تُجْزِئُ تَحِيَّةٌ عَنْ سُنَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. (وَإِنْ نَوَى بِرَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ وَالسُّنَّةَ) حَصَلَا؛ لِأَنَّهُ نَوَاهُمَا. (أَوْ نَوَى) بِصَلَاةٍ (التَّحِيَّةَ وَالْفَرْضَ حَصَلَا) ، أَيْ: التَّحِيَّةُ، وَمَا نَوَاهُ مَعَهَا، أَمَّا التَّحِيَّةُ؛ فَلِبَدْئِهِ بِالصَّلَاةِ مَعَ نِيَّتِهَا، وَأَمَّا مَا نَوَاهُ مَعَهَا: فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ، كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ يَنْوِي الْجَنَابَةَ وَالْجُمُعَةَ. (لَا إنْ نَوَى نَفْلًا غَيْرَهَا) ، أَيْ: التَّحِيَّةِ (مَعَ فَرْضٍ) ؛ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ التَّحِيَّةُ، وَلَا يَصِحُّ فَرْضُهُ، وَلَا تَحْصُلُ تَحِيَّةٌ بِرَكْعَةٍ، وَلَا بِصَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ، وَشُكْرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 [فَصْلٌ وَقْتُ الْوِتْرِ] (فَصْلٌ) (وَوَقْتُ وِتْرٍ: مَا بَيْنَ صَلَاةِ عِشَاءٍ وَلَوْ) كَانَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ (مَعَ جَمْعِ تَقْدِيمٍ) بِأَنْ جَمَعَهَا مَعَ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتِهَا (وَ) بَيْنَ (طُلُوعِ فَجْرٍ) ثَانٍ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ؛ هِيَ: الْوِتْرُ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ ضَعْفٌ. وَقَوْلُهُ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَا يَصِحُّ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ. لِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِهِ. (وَ) فِعْلُهُ (آخِرَ لَيْلٍ لِمَنْ يَثِقُ بِنَفْسِهِ أَنْ يَقُومَ فِيهِ أَفْضَلُ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّكُمْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ؛ فَلْيُوتِرْ، ثُمَّ لْيَرْقُدْ. وَمَنْ وَثِقَ بِقِيَامٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ؛ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ» . وَذَلِكَ أَفْضَلُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَأَقَلُّهُ رَكْعَةً، وَلَا يُكْرَهُ) الْإِيتَارُ (بِهَا) مُفْرَدَةً (وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ) مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ نَحْوِهَا. وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. (وَأَكْثَرُهُ) ، أَيْ: الْوِتْرِ، (إحْدَى عَشْرَةَ: يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ عَقِبَ الشَّفْعِ بِلَا تَأْخِيرٍ) لَهَا عَنْهُ (نَدْبًا) . نَصَّ عَلَيْهِ. لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى. فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَائِشَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ تَفْرُغَ الْعِشَاءُ إلَى الْفَجْرِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَإِنْ صَلَّى الْكُلَّ) ، أَيْ: كُلَّ الْوِتْرِ الْإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 (بِسَلَامٍ وَاحِدٍ) ، بِأَنْ سَرَدَ عَشْرًا (وَجَلَسَ بَعْدَ عَاشِرَةٍ فَتَشَهَّدَ) التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، (ثُمَّ قَامَ) فَأَتَى بِرَكْعَةٍ؛ جَازَ. (أَوْ) سَرَدَ الْإِحْدَى عَشْرَةَ، وَ (لَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي أَخِيرَةٍ؛ جَازَ) ، لَكِنَّ الصِّفَةَ الْأُولَى أَوْلَى، لِأَنَّهَا فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَكَذَا مَا دُونَهَا) ، أَيْ: دُونَ الْإِحْدَى عَشْرَةَ؛ بِأَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ أَوْ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ. (وَإِنْ أَوْتَرَ بِتِسْعٍ، تَشَهَّدَ بَعْدَ ثَامِنَةٍ) التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، (ثُمَّ) قَامَ وَصَلَّى (تَاسِعَةً) وَتَشَهَّدَ (وَسَلَّمَ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَ) إنْ أَوْتَرَ (بِسَبْعٍ أَوْ خَمْسٍ؛ سَرَدَهُنَّ، فَلَا يَجْلِسُ نَدْبًا إلَّا فِي آخِرِهِنَّ) ، لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِسَبْعٍ، أَوْ خَمْسٍ، لَا يَفْصِلُ بِتَسْلِيمٍ» ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي آخِرِهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَأَدْنَى الْكَمَالِ: ثَلَاثُ) رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ اُخْتُلِفَ فِي كَرَاهَتِهَا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا شَفْعٌ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ الثَّلَاثُ أَدْنَى الْكَمَالِ. (بِسَلَامَيْنِ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «أَفْصِلُ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. (وَهُوَ) ، أَيْ: جَعْلُ الثَّلَاثِ بِسَلَامَيْنِ (أَفْضَلُ) مِنْ جَعْلِهَا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ لِمَا سَبَقَ. (وَسُنَّ كَلَامٌ بَيْنَ شَفْعٍ وَوِتْرٍ) لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا. (وَتَجُوزُ) أَنْ تُصَلَّى الثَّلَاثُ رَكَعَاتٍ (بِ) سَلَامٍ (وَاحِدٍ سَرْدًا) فَلَا يَجْلِسُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ. (وَتَجُوزُ كَمَغْرِبٍ) جُزِمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. (وَقِيلَ:) إذَا جَلَسَ عَقِبَ الثَّانِيَةِ (لَا) يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ وِتْرًا، وَهُوَ وَجْهٌ لِلْأَصْحَابِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 ، (وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ إمَامٍ رَكْعَةً) مِنْ الثَّلَاثِ، (فَإِنْ كَانَ) الْإِمَامُ (يُسَلِّمُ مِنْ ثِنْتَيْنِ؛ أَجْزَأَ) هـ مَا أَدْرَكَهُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْوِتْرِ رَكْعَةٌ، (وَإِلَّا) يَكُنْ الْإِمَامُ يُسَلِّمُ مِنْ ثِنْتَيْنِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحْرَمَ بِثَلَاثٍ، وَأَدْرَكَهُ فِي الْأَخِيرَةِ؛ (قَضَى) كَصَلَاةِ الْإِمَامِ، لِحَدِيثِ: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ نَوَى) الْمَأْمُومُ رَكْعَةً (وَاحِدَةً هُنَا) ، أَيْ: فِيمَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ أَحْرَمَ بِثَلَاثٍ، وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى دَخَلَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ نَاوِيًا وَاحِدَةً؛ قَضَى الْمَأْمُومُ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ تَتِمَّةَ الثَّلَاثِ. (وَ) كَذَلِكَ لَوْ نَوَى الْمَأْمُومُ (ثَلَاثًا فِي) الصُّورَةِ (الْأُولَى) ، وَهِيَ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ أَحْرَمَ بِثِنْتَيْنِ وَسَلَّمَ مِنْهُمَا؛ فَيَقْضِي الْمَأْمُومُ الْبَاقِيَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. (وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِعَدَدٍ فَلَهُ زِيَادَتُهُ وَنَقْصُهُ بِالنِّيَّةِ) ، أَمَّا النَّقْصُ فِي النَّفْلِ؛ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ؛ فَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ فِيمَنْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ لَيْلًا، فَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ عَمْدًا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 (وَسُنَّ) لِمَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ (قِرَاءَةُ: سَبِّحْ بِأُولَى، وَ:) {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، بِثَانِيَةٍ، وَ) سُورَةِ: (الصَّمَدِ، بِثَالِثَةٍ) ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. (وَيَقْنُتُ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ (بَعْدَ) رَفْعٍ مِنْ (رُكُوعٍ نَدْبًا) فِي جَمِيعِ السُّنَّةِ، لِأَنَّ مَا شُرِعَ فِي رَمَضَانَ شُرِعَ فِي غَيْرِهِ كَعَدَدِهِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْبَيْهَقِيُّ: أَنَّ أُبَيًّا كَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حِينَ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ؛ فَفِيهِ انْقِطَاعٌ، ثُمَّ هُوَ رَأْيُ أُبَيٍّ. وَمَحَلُّهُ (إذَا فَرَغَ مِنْ تَحْمِيدٍ وَاعْتِدَالٍ) ، رُوِيَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَنَتَ قَبْلَ رُكُوعٍ؛ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. قَالَ الْخَطِيبُ: الْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ. (وَسُنَّ رَفْعُ يَدَيْهِ لِصَدْرِهِ، يَبْسُطُهُمَا وَبُطُونُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ، وَلَوْ) كَانَ (مَأْمُومًا) ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دَعَوْتَ اللَّهَ، فَادْعُ بِبُطُونِ كَفَّيْكَ، وَلَا تَدْعُ بِظُهُورِهِمَا، فَإِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 فَرَغْت فَامْسَحْ بِهِمَا وَجْهَكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَيَدْعُو جَهْرًا وَلَوْ مُنْفَرِدًا) نَصًّا، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يُخَيَّرُ الْمُنْفَرِدُ بِالْجَهْرِ وَعَدَمِهِ كَالْقِرَاءَةِ، وَظَاهِرِ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَنَّ الْجَهْرَ يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ فَقَطْ. قَالَ فِي الْخِلَافِ، وَهُوَ أَظْهَرُ (بِسُورَتَيْ الْقُنُوتِ وَكَانَتَا) ، أَيْ: سُورَتَا الْقُنُوتِ (فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ) بْنِ كَعْبٍ. (الْأُولَى) مِنْهُمَا: (اللَّهُمَّ) : أَصْلُهُ: يَا اللَّهُ، حُذِفَتْ يَا مِنْ أَوَّلِهِ، وَعُوِّضَ عَنْهَا الْمِيمُ فِي آخِرِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وَلَحَظُوا فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى تَبَرُّكًا وَتَعْظِيمًا، أَوْ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ بِتَصْيِيرِ اللَّفْظَيْنِ لَفْظًا وَاحِدًا. (إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَهْدِيكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ) ، أَيْ: نَطْلُبُ مِنْك الْمَعُونَةَ وَالْهِدَايَةَ وَالْمَغْفِرَةَ. (وَنَتُوبُ إلَيْكَ) . التَّوْبَةُ لُغَةً: الرُّجُوعُ عَنْ الذَّنْبِ، وَشَرْعًا: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الذَّنْبِ، وَالْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يُحَلِّلَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ. (وَنُؤْمِنُ بِكَ) . أَيْ: نُصَدِّقُ بِوَحْدَانِيِّتِكَ، (وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ) . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: التَّوْكِيلُ: إظْهَارُ الْعَجْزِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْغَيْرِ، وَالِاسْمُ: التُّكْلَانُ. وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ هُوَ تَرْكُ تَدْبِيرِ النَّفْسِ، وَالِانْخِلَاعُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: هُوَ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ اللَّهِ عَلَى مَا يُرِيدُ. (وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ) ، أَيْ: نَمْدَحُكَ وَنَصِفُكَ بِالْخَيْرِ. وَالثَّنَاءُ: بِالْخَيْرِ خَاصَّةً، وَالنَّثَاءُ بِتَقْدِيمِ النُّونِ: فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، (وَنَشْكُرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ) أَصْلُ الْكُفْرِ: الْجُحُودُ وَالسَّتْرُ. قَالَ فِي الْمَطَالِعِ وَالْمُرَادُ هُنَا: كُفْرُ النِّعْمَةِ، لِاقْتِرَانِهِ بِالشُّكْرِ. (وَ) السُّورَةُ (الثَّانِيَةُ: اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ) . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 مَعْنَى الْعِبَادَةِ: الطَّاعَةُ وَالْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ، وَلَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ، وَأَبُو الْبَقَاءِ: الْعِبَادَةُ: مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ، وَلَا اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ، وَسُمِّيَ الْعَبْدُ عَبْدًا لِذِلَّتِهِ، وَانْقِيَادِهِ لِمَوْلَاهُ. (وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ) لَا لِغَيْرِكَ، (وَإِلَيْك نَسْعَى) يُقَالُ: سَعَى يَسْعَى سَعْيًا: إذَا عَدَا. وَقِيلَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْجَرْي؛ عُدِّيَ بِإِلَى، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْعَمَلِ؛ فَبِاللَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19] . (وَنَحْفِدُ) : بِفَتْحِ النُّونِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، يُقَالُ: حَفَدَ بِمَعْنَى: أَسْرَعَ، وَأَحْفَدَ لُغَةٌ فِيهِ، فَمَعْنَى نَحْفِدُ نُسْرِعُ، أَيْ: نُبَادِرُ بِالْعَمَلِ وَالْخِدْمَةِ. (نَرْجُوَ) ، أَيْ: نُؤَمِّلُ (رَحْمَتَكَ) ، أَيْ: سَعَةَ عَطَائِكَ (وَنَخْشَى) : نَخَافُ، (عَذَابَكَ) ، أَيْ: عُقُوبَتَكَ، (إنَّ عَذَابَكَ الْجِدُّ) : بِكَسْرِ الْجِيمِ: الْحَقُّ، لَا اللَّعِبُ، (بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ) : بِكَسْرِ الْحَاءِ، أَيْ: لَاحِقٌ بِهِمْ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا لُغَةً، عَلَى مَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلْحِقُهُ بِهِمْ، وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ. قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: غَيْرَ أَنَّ الرِّوَايَةَ هِيَ الْأُولَى، وَهَذَا الدُّعَاءُ قَنَتَ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي أَوَّلِهِ: بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم، وَفِي آخِرِهِ: اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِك. وَهَاتَانِ سُورَتَانِ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَتَبَهُمَا أُبَيٌّ فِي مُصْحَفِهِ إلَى قَوْلِهِ: مُلْحِقٌ. زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ: وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ. (وَيَزِيدُ) مُصَلٍّ فِي قُنُوتِهِ: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ) أَصْلُ الْهُدَى: الرَّشَادُ وَالْبَيَانُ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] فَهِيَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْإِرْشَادُ. وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ كَوْنِهِمْ مُهْتَدِينَ بِمَعْنَى طَلَبِ التَّثَبُّتِ عَلَيْهَا. أَوْ بِمَعْنَى الْمَزِيدِ مِنْهَا (وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ) مِنْ الْأَسْقَامِ وَالْبَلَايَا. وَالْمُعَافَاةُ: أَنْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ مِنْ النَّاسِ وَيُعَافِيَهُمْ مِنْكَ (وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ) الْوَلِيُّ: ضِدُّ الْعَدُوِّ مِنْ تَلَيْتُ الشَّيْءَ: إذَا اعْتَنَيْتَ بِهِ، وَنَظَرْتَ إلَيْهِ، كَمَا يَنْظُرُ الْوَلِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْظُرُ فِي أَمْرِ وَلِيِّهِ بِالْعِنَايَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ: وَلَيْتَ الشَّيْءَ: إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَاسِطَةٌ، بِمَعْنَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَقْطَعُ الْوَسَائِطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَصِيرَ فِي مَقَامِ الْمُرَاقَبَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ، وَهُوَ مَقَامُ الْإِحْسَانِ (وَبَارِكْ لَنَا) الْبَرَكَةُ: الزِّيَادَةُ، وَقِيلَ: هِيَ حُلُولُ الْخَيْرِ الْإِلَهِيِّ فِي الشَّيْءِ (فِيمَا أَعْطَيْتَ) ، أَيْ: أَنْعَمْتَ بِهِ (وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ إنَّكَ) سُبْحَانَكَ (تَقْضِي، وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ) لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيْحُكُمْ مَا يُرِيدُ (إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكَتْ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ لَهُ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: «عَلَّمَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي. . . إلَى وَتَعَالَيْت وَلَيْسَ فِيهِ: وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَثْبَتَهَا فِيهِ، وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ. وَالرِّوَايَةُ إفْرَادُ الضَّمِيرِ، وَجَمَعَهَا الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمَأْمُومَ فِي الدُّعَاءِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ، نَسْتَغْفِرُكَ اللَّهُمَّ وَنَتُوبُ إلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْك إلَّا إلَيْكَ، (اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ) قَالَ الْخَطَّابِيِّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 فِي هَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ. وَذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُجِيرَهُ بِرِضَاهُ مِنْ سَخَطِهِ. وَهُمَا ضِدَّانِ وَمُتَقَابِلَانِ. وَكَذَلِكَ الْمُعَافَاةُ وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْعُقُوبَةِ لَجَأَ إلَى مَا لَا ضِدَّ لَهُ، وَهُوَ اللَّهُ أَظْهَرَ الْعَجْزَ وَالِانْقِطَاعَ، وَفَرَغَ مِنْهُ إلَيْهِ. فَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ: أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ؛ إذْ حَاصِلُهُ أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ اللَّهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْخَبَرِ (لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ) ، أَيْ: لَا نُحْصِي نِعَمَكَ، وَالثَّنَاءُ بِهَا عَلَيْكَ. وَلَا نَبْلُغُهُ، وَلَا نُطِيقُهُ، وَلَا تَنْتَهِي غَايَتُهُ. وَالْإِحْصَاءُ: الْعَدُّ وَالضَّبْطُ وَالْحِفْظُ. قَالَ تَعَالَى {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] . أَيْ: تُطِيقُوهُ. (أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ) : اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنْ تَفْصِيلِ الثَّنَاءِ. وَرَدٌّ إلَى الْمُحِيطِ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى لَا نِهَايَةَ لِسُلْطَانِهِ وَعَظَمَتِهِ. لَا نِهَايَةَ لِلثَّنَاءِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُثْنَى عَلَيْهِ. رَوَى عَلِيٌّ أَنَّ النَّبِيَّ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ. وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيَقُولُ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ، مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ. وَهُوَ مَعْنَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ: يَدْعُو بِمَا شَاءَ. وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى دُعَاءِ: اللَّهُمَّ اهْدِنَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ. وَاخْتَارَهُ أَحْمَدُ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ أَنَّهُ كَانَ يُسْتَحَبُّ بِالسُّورَتَيْنِ. وَأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ. (ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَلَا بَأْسَ) أَنْ يَقُولَ: وَ (عَلَى آلِهِ) ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ فِي قُنُوتِهِ بِمَا شَاءَ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ نَصًّا. (وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ) عَلَى قُنُوتِ إمَامِهِ إنْ سَمِعَهُ، وَإِلَّا فَيَقْنُتُ لِنَفْسِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 (وَيُفْرِدُ مُنْفَرِدٌ) ، أَيْ: مُصَلٍّ وَحْدَهُ (الضَّمِيرَ) فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَعِينُكَ، اللَّهُمَّ اهْدِنِي إلَى آخِرِهِ. (وَتَحْصُلُ سُنَّةُ قُنُوتٍ بِكُلِّ دُعَاءٍ) ، كَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي (وَبِآيَةٍ فِيهَا دُعَاءٌ) ، كَ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} [آل عمران: 147] الْآيَةَ. (إنْ قَصَدَهُ) ، أَيْ: الدُّعَاءَ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ) فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: (مَهْمَا دَعَا بِهِ؛ جَازَ) مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَلَاذِ الدُّنْيَا، (ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ هُنَا) ، أَيْ: بَعْدَ قُنُوتِهِ، لَمَا رَوَى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا دَعَا رَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ. وَ (كَخَارِجِ صَلَاةٍ) إذَا دَعَا، لِعُمُومِ حَدِيثِ عُمَرَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَإِذَا فَرَغْتَ فَامْسَحْ بِهِمَا وَجْهَكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي الْقِيَامِ، فَهُوَ كَالْقِرَاءَةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (وَكُرِهَ قُنُوتٌ فِي غَيْرِ وِتْرٍ) حَتَّى فَجْرٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ: ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ» وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا. وَعَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: «قُلْتُ لِأُبَيٍّ: إنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَخَلْفَ عَلِيٍّ هَهُنَا بِالْكُوفَةِ نَحْوَ خَمْسِ سِنِينَ؛ أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؟ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَيْسَ فِيهِ فِي الْفَجْرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ - «مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ - فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ طُولَ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى قُنُوتًا، أَوْ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ إذَا دَعَا لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَا عَلَيْهِمْ، لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى سَعْدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ إلَّا إذَا دَعَا لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَا عَلَيْهِمْ» وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ - يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي أَوْقَاتِ النَّوَازِلِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ، فَلَمْ يُسَنَّ فِيهَا كَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ (إلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ) ، أَيْ: شِدَّةٌ مِنْ الشَّدَائِدِ، (غَيْرِ طَاعُونٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقُنُوتُ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِلْإِخْبَارِ، فَلَا يُسْأَلُ رَفْعَهُ، (فَيُسَنُّ لِإِمَامِ الْوَقْتِ خَاصَّةً) الْقُنُوتُ، هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي قَنَتَ، فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَيُبَاحُ) الْقُنُوتُ فِي النَّازِلَةِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْإِمَامِ، كَنُوَّابِهِ، عَلَى مَا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ فَيَقْنُتُونَ بِمَا يُنَاسِبُ تِلْكَ النَّازِلَةَ فِي كُلِّ مَكْتُوبَةٍ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد. وَعَلَيْهِ: فَيَقُولُ فِي قُنُوتِهِ: نَحْوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ، اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ. (فِيمَا عَدَا الْجُمُعَةِ) مِنْ الصَّلَوَاتِ، لِرَفْعِ تِلْكَ النَّازِلَةِ، وَأَمَّا الْجُمُعَةُ؛ فَيَكْفِي الدُّعَاءُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ (وَيَجْهَرُ بِهِ) ، أَيْ: الْقُنُوتِ لِلنَّازِلَةِ (فِي) صَلَاةٍ (جَهْرِيَّةٍ) كَالْقِرَاءَةِ، وَإِنْ قَنَتَ فِي النَّازِلَةِ كُلُّ إمَامِ جَمَاعَةٍ، أَوْ كُلُّ مُصَلٍّ؛ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (وَاسْتَحَبَّ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَنْ يَدَعَ) ، أَيْ: يَتْرُكَ (الْإِمَامُ) فِعْلَ (الْأَفْضَلِ عِنْدَهُ) أَيْ: فِي مَذْهَبِهِ (تَأَلُّفًا لِلْمَأْمُومِ) (كَ) مَا لَوْ أَمَّ جَمَاعَةً فِي تَرَاوِيحَ، وَكَانُوا لَا يَرَوْنَ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ كَالشَّافِعِيَّةِ، فَيَتْرُكُ (قُنُوتَ وِتْرٍ) اسْتِعْطَافًا لَهُمْ، (وَقَالَهُ) ، أَيْ: قَالَ (الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَّ جَمَاعَةً يَرَوْنَ الْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ قَنَتَ بِهِمْ أَوْ أَمَّ بِمَنْ يَرَى الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَيَقْنُتُ بِهِمْ كَذَلِكَ تَأْلِيفًا لَهُمْ (وَقَالَ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُطَاعًا) كَالسُّلْطَانِ وَالْأَمِيرِ (فَ) إتْيَانُهُ بِمَا هُوَ (السُّنَّةُ) عِنْدَهُ (أَوْلَى -) ، سَوَاءٌ رَآهُ الْمَأْمُومُونَ أَمْ لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 (وَمَنْ ائْتَمَّ) وَهُوَ لَا يَرَى الْقُنُوتَ فِي فَجْرٍ (بِقَانِتٍ فِي فَجْرٍ، تَابَعَ) إمَامَهُ، لِحَدِيثِ. «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» (وَأَمَّنَ) عَلَى دُعَاءِ إمَامِهِ (إنْ سَمِعَ) صَوْتَهُ كَمَا لَوْ قَنَتَ لِنَازِلَةٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَالصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ؛ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. (وَإِلَّا) يَسْمَعْ صَوْتَ إمَامِهِ (دَعَا) كَقِرَاءَةٍ. (وَسُنَّ قَوْلُهُ إذَا سَلَّمَ مِنْ وِتْرٍ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ؛ ثَلَاثًا) زَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: رَبِّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، (وَيَرْفَعُ صَوْتُهُ بِثَالِثَةٍ) لِلْخَبَرِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى. [فَصْلٌ وَقْتُ التَّرَاوِيح وَعَدَدُهَا] (فَصْلٌ) (وَوَقْتُ) الـ (تَرَاوِيحِ: مَا بَيْنَ صَلَاةِ عِشَاءٍ وَوِتْرٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَالْأَفْضَلُ) فِعْلُ التَّرَاوِيحِ (بَعْدَ سُنَّتِهَا) أَيْ: الْعِشَاءِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّ سُنَّةَ الْعِشَاءِ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارِ فَكَانَ إتْبَاعُهَا لَهَا أَوْلَى، وَأَمَّا التَّرَاوِيحُ؛ فَلَا يُكْرَهُ مَدُّهَا وَتَأْخِيرُهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَهِيَ بِالْوِتْرِ أَشْبَهُ. فَلَا تَصِحُّ التَّرَاوِيحُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، فَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ التَّرَاوِيحَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ مُحْدِثًا؛ أَعَادَ التَّرَاوِيحَ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ تُفْعَلُ بَعْدَ مَكْتُوبَةٍ، فَلَمْ تَصِحُّ قَبْلَهَا كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ، وَإِنْ طَلَعَ الْفَجْرُ فَاتَ وَقْتُهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا تُقْضَى. وَإِنْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَقَبْلَ سُنَّتِهَا. صَحَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 جَزْمًا. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوِتْرِ، وَقَبْلَ الْفَجْرِ. (وَهِيَ) سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَتْ مُحْدَثَةٌ لِعُمَرَ، فَفِي الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا بِأَصْحَابِهِ، ثُمَّ تَرَكَهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ» وَهِيَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ الظَّاهِرَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعٍ يَسْتَرِيحُونَ، وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُرَاوَحَةِ، وَهِيَ: التَّكْرَارُ فِي الْفِعْلِ. (عِشْرُونَ رَكْعَةً بِرَمَضَانَ) ، لِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالسِّرُّ فِيهِ؛ أَنَّ الرَّاتِبَةَ عَشْرٌ، فَضُوعِفَتْ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِدٍّ وَهَذَا فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا. وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِهِ الشَّافِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً» (وَلَا بَأْسَ بِزِيَادَةٍ) عَلَى الْعِشْرِينَ نَصًّا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: رَأَيْتُ أَبِي يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ مَا لَا أُحْصِي، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ يَقُومُ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً، وَيُوتِرُ بَعْدَهَا بِسَبْعٍ. (وَتُسَنُّ) صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ (جَمَاعَةً) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَصَلَّى بِهِمْ التَّرَاوِيحَ، (يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْنِ) بِنِيَّةِ التَّرَاوِيحِ فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. (وَفِي رِوَايَةٍ لِ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ تُشْعِرُ بِالْوُجُوبِ) ، أَيْ: وُجُوبِ نِيَّةِ التَّرَاوِيحِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (بِنِيَّتِهَا) ، أَيْ: التَّرَاوِيحِ (فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 لِحَدِيثِ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» فَيَنْوِيَ أَنَّهُمَا مِنْ التَّرَاوِيحِ، أَوْ مِنْ قِيَامِ رَمَضَانَ، (وَيُسْتَرَاحُ بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعِ) رَكَعَاتٍ بِجِلْسَةٍ يَسِيرَةٍ، (وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ اسْتِرَاحَةٍ) بَيْنَهَا، (وَلَا يُسَنُّ دُعَاءٌ إذَا اسْتَرَاحَ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَلَا يُكْرَهُ الدُّعَاءُ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ، لِعُمُومِ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] (وَفِعْلُهَا بِمَسْجِدٍ) أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا مَرَّةً ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَةٍ، كَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، وَمَرَّةً ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ، وَقَالَ: مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْزَاعًا فِي جَمَاعَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي عَهْدِهِ، وَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أُبَيٍّ، وَتَابَعَهُ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. (وَ) فِعْلُهَا (أَوَّلَ لَيْلٍ أَفْضَلُ) ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ أَوَّلَهُ (وَيُوتِرُ بَعْدَهَا) ، أَيْ: التَّرَاوِيحِ (فِي الْجَمَاعَةِ نَدْبًا) ، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَتَقَدَّمَ. (وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ غَيْرَ إمَامٍ) كَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ (أَنْ يُوتِرَ بَعْدَهُ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَحَبَّ) مَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ (مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ) فِي وِتْرِهِ؛ (قَامَ إذَا سَلَّمَ) الْإِمَامُ (فَشَفَعَهَا) أَيْ: الرَّكْعَةَ الْوِتْرَ (بِأُخْرَى) ثُمَّ إذَا تَهَجَّدَ أَوْتَرَ، فَيَنَالُ فَضِيلَةَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، وَفَضِيلَةَ جَعْلِ وِتْرِهِ آخِرَ صَلَاةٍ. (وَإِنْ أَوْتَرَ) وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْإِمَامِ (ثُمَّ أَرَادَ التَّهَجُّدَ لَمْ يُنْقِضْ) ، أَيْ: لَمْ يَشْفَعْ (وِتْرُهُ بِرَكْعَةٍ وَصَلَّى) تَهَجُّدَهُ، (وَلَمْ يُوتِرْ) ، لِحَدِيثِ «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ» وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 الَّذِي يَنْقُضُ وِتْرَهُ. فَقَالَتْ: ذَاكَ الَّذِي يَلْعَبُ بِوِتْرِهِ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ. (وَكُرِهَ تَطَوُّعٌ بَيْنَ تَرَاوِيحَ) نَصَّ عَلَيْهِ. رُوِيَ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَذُكِرَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رُخْصَةٌ فِيهِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ. فَقَالَ: هَذَا بَاطِلٌ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ أَبْصَرَ قَوْمًا يُصَلُّونَ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ أَتُصَلِّي وَإِمَامُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ؟ ، لَيْسَ مِنَّا مَنْ رَغِبَ عَنَّا. وَ (لَا) يُكْرَهُ (طَوَافٌ) بَيْنَ التَّرَاوِيحِ. وَلَا بَعْدَهَا وَسُكَّانُ أَهْلِ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ أُسْبُوعًا. وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ. (وَلَا) يُكْرَهُ (تَعْقِيبٌ. وَهُوَ صَلَاتُهُ بَعْدَهَا) . أَيْ: التَّرَاوِيحِ (وَبَعْدَ وِتْرِ جَمَاعَةٍ) سَوَاءٌ طَالَ الْفَصْلُ أَوْ قَصُرَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ رَجَعُوا إلَى ذَلِكَ قَبْلَ النَّوْمِ، أَوْ لَمْ يُؤَخِّرُوهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، لِقَوْلِ أَنَسٍ: لَا تَرْجِعُوا إلَّا لِخَيْرٍ تُرْجُونَهُ، وَكَانَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا. وَلِأَنَّهُ خَيْرٌ وَطَاعَةٌ فَلَمْ يُكْرَهْ. كَمَا لَوْ أَخَّرُوهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ. (وَسُنَّ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ خَتْمَةٍ فِي تَرَاوِيحَ) لِيَسْمَعَ النَّاسُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ. (وَلَا) يَسُنُّ أَنْ (يَزِيدَ) الْإِمَامُ عَلَى خَتْمَةٍ، كَرَاهِيَةِ الْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ، نَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ عَنْ الْقَاضِي. وَقَالَ أَحْمَدُ: يَقْرَأُ بِالْقَوْمِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَا يَخِفُّ عَلَيْهِمْ وَلَا يَشُقُّ. سِيَّمَا فِي اللَّيَالِي الْقِصَارِ. (إلَّا أَنْ يُوتِرُوا) زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ. (وَ) سُنَّ أَنْ (يَبْتَدِئَهَا) . أَيْ: التَّرَاوِيحَ (أَوَّلَ لَيْلَةٍ بِسُورَةِ الْقَلَمِ) يَعْنِي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] بَعْدَ الْفَاتِحَةِ. لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ، (فَإِذَا سَجَدَ) لِلتِّلَاوَةِ (قَامَ فَقَرَأَ مِنْ الْبَقَرَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَثَرٌ فِي ذَلِكَ، (وَيَخْتِمُ آخِرَ رَكْعَةٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ وَيَدْعُو عَقِبَهَا) بِدُعَاءِ الْقُرْآنِ (قَبْلَ رُكُوعِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ رَأَى أَهْلَ مَكَّةَ وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَفْعَلُونَهُ. قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ بِالْبَصْرَةِ يَفْعَلُونَهُ وَبِمَكَّةَ. وَذُكِرَ عَنْ عُثْمَانَ، وَهُوَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِالْقُرْآنِ وَاجْعَلْهُ لِي إمَامًا وَنُورًا وَهُدًى وَرَحْمَةً، اللَّهُمَّ ذَكِّرْنِي مِنْهُ مَا نَسِيتُ وَعَلِّمْنِي مِنْهُ مَا جَهِلْتُ، وَارْزُقْنِي تِلَاوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَاجْعَلْهُ لِي حُجَّةً يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ رَوَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمُظَفَّرُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَأَبُو بَكْرٍ الضَّحَّاكُ فِي الشَّمَائِلِ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: حَدِيثٌ مُعْضِلٌ. وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَتْمِ الْقُرْآنِ حَدِيثٌ غَيْرَهُ. انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا قِيلَ بِدُعَاءِ الْقُرْآنِ، بَلْ نَقَلُوا عَنْ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْإِمَامَ: بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: بِمَا شِئْتَ. لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: قَدْ تَسَاهَلَ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي قَبُولِ مَا وَرَدَ مِنْ الدَّعَوَاتِ، وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي رِوَايَةِ مَنْ يُعْرَفُ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَالْكَذِبِ فِي الرِّوَايَةِ. انْتَهَى. وَالْمُخْتَارُ: الدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ» وَلَمْ يَدْعُ حَاجَةً إلَى غَيْرِهِ، (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) إذَا دَعَا، لِمَا سَبَقَ، (وَيُطِيلُ) الْقِيَامَ، نَصَّ عَلَيْهِ. فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ، وَيَعِظُ بَعْدَ الْخَتْمِ نَصًّا. وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: يَخْتِمُ فِي الْوِتْرِ وَيَدْعُو؟ فَسَهَّلَ فِيهِ. وَقِرَاءَةُ الْأَنْعَامِ فِي رَكْعَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ؛ بِدْعَةٌ إجْمَاعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 [فَصْلٌ صَلَاةُ اللَّيْلِ] (فَصْلٌ) (وَصَلَاةُ اللَّيْلِ) أَيْ: النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِيهِ (أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ) نَفْلٍ مُطْلَقٍ بِ (نَهَارٍ) ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ الْغَفْلَةِ، وَعَمَلُ السِّرِّ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ. (وَوَقْتُهُ) أَيْ: النَّفْلِ (مِنْ غُرُوبِ) شَمْسٍ (لِطُلُوعِ فَجْرٍ) ثَانٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَ) فِعْلُهُ (بَعْدَ نَوْمٍ أَفْضَلُ) مِنْهُ قَبْلَهُ، (وَالتَّهَجُّدُ: مَا) كَانَ (بَعْدَ نَوْمٍ، وَالنَّاشِئَةُ) : مَا كَانَ (بَعْدَ رَقْدَةٍ) . قَالَ أَحْمَدُ: النَّاشِئَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ رَقْدَةٍ، وَمَنْ لَمْ يَرْقُدْ فَلَا نَاشِئَةَ لَهُ، وَقَالَ: هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا، أَيْ: تَثَبُّتًا، تَفْهَمُ مَا تَقْرَأُ، وَتَعِي ذَلِكَ. (وَنِصْفُهُ) ، أَيْ: اللَّيْلِ (الْآخِرُ: أَفْضَلُ مِنْ) نِصْفِهِ (الْأَوَّلِ) ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا إذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟» وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَصَلِّ مَا شِئْتَ وَفِي رِوَايَةٍ: حِين يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِيِ هَكَذَا، وَفِي بَعْضِهَا هَكَذَا، أَوْ نِصْفُهُ الْآخِرُ أَفْضَلُ (مِنْ الثُّلُثِ الْأَوْسَطِ) ، لِلْخَبَرِ. (وَالثُّلُثُ بَعْدَ النِّصْفِ) ، أَيْ: الَّذِي يَلِي النِّصْفَ الْأَوَّلَ (أَفْضَلُ مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ ضَمَّ إلَيْهِ السُّدُسَ السَّادِسَ أَوْ لَا، لِحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ دَاوُد؛ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ» وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ - وَقَدْ سُئِلَ: «أَيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 اللَّيْلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ؛ قِيلَ لَهُ: وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَنْ خَافَ أَدْلَجَ» رَوَاهُ سَعِيدٌ -؛ فَغَيْرُهُ أَصَحُّ مِنْهُ، وَهَذَا مَوْقُوفٌ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ تَهَجُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلَ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَوَصَفَ تَهَجُّدَهُ، وَقَالَ: ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ» . (وَسُنَّ قِيَامُ اللَّيْلِ) لِحَدِيثِ «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمُنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. (وَ) سُنَّ (افْتِتَاحُهُ) ، أَيْ: قِيَامِ اللَّيْلِ (بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَسْتَفْتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وأَبُو دَاوُد. (وَ) سُنَّ (نِيَّتُهُ) ، أَيْ: قِيَامِ اللَّيْلِ (عِنْدَ) إرَادَةِ (نَوْمِهِ) ، لِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «مَنْ نَامَ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَقُومَ؛ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ» حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. (وَكَانَ) قِيَامُ اللَّيْلِ (وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] الْآيَةَ، (وَلَمْ يُنْسَخْ) وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. انْتَهَى. وَالْوِتْرُ غَيْرُ قِيَامِ اللَّيْلِ، اسْتَظْهَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ فِي فَصْلِ الْخَصَائِصِ. (وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ قِيَامِهِ) ، أَيْ: اللَّيْلِ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي قِيَامِهِ كُلِّهِ مِنْ ضَرَرٍ أَوْ تَفْوِيتِ حَقٍّ. وَعَنْ أَنَسٍ: «لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ» كَسِلَ: بِكَسْرِ السِّينِ. وَعَنْ عَائِشَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 مَرْفُوعًا «خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاَللَّهِ لَا يَسْأَمُ اللَّهُ حَتَّى تَسْأَمُوا» مُتَّفَقٌ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَلَا: تَفْعَلْ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَا يَقُومُهُ) أَيْ: اللَّيْلَ (كُلَّهُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: مَا عَلِمْتُ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ» وَظَاهِرُهُ حَتَّى لَيَالِيَ الْعَشْرِ، وَاسْتَحَبَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: قِيَامُ بَعْضِ اللَّيَالِيِ كُلِّهَا؛ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، (إلَّا لَيْلَةَ عِيدِ) فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، وَفِي مَعْنَاهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، لِلْخَبَرِ. (وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ) مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ غَيْرِهَا (فَفَعَلَهَا) أَيْ: تِلْكَ الْعِبَادَةَ؛ (فَهُوَ) أَيْ: فِعْلُهَا مَعَ الْمَشَقَّةِ، (أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلِهَا (مِمَّنْ لَا تَشُقُّ عَلَيْهِ، لِاعْتِيَادِهَا) إذْ مَنْ اعْتَادَ شَيْئًا يَسْهُلُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، وَإِنْ كَانَ عَسِرًا عَلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ لِلْمُكْرِهِ نَفْسِهِ عَمَلَيْنِ: جِهَادٌ وَطَاعَةٌ، وَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، وَهُوَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْهِ؛ فَلَهُ أَجْرَانِ» وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ. (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْ أَصْحَابِنَا (عَكْسَهُ) مِنْهُمْ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُنَيْدِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ عُبَّادِ الْبَصْرَةِ، فَالْبَاذِلُ لِذَلِكَ طَاعَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ مَقَامَهُ فِي طُمَأْنِينَةِ النَّفْسِ أَفْضَلُ مِنْ أَعْمَالٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلِأَنَّهُ مِنْ أَرْبَابِ الْمَنَازِلِ وَالْمَقَامَاتِ، وَالْآخَرُ مِنْ أَرْبَابِ السُّلُوكِ وَالْبِدَايَاتِ. (وَسُنَّ تَنَفُّلٌ بَيْنَ الْعِشَائَيْنِ) ، وَهُوَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 الْمَغْرِبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي، لِقَوْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] الْآيَةَ. قَالَ: كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلُّونَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَانَ أَبِي سَاعَةَ يُصَلِّي عِشَاءَ الْآخِرَةِ يَنَامُ نَوْمَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يَقُومُ إلَى الصَّبَاحِ يُصَلِّي وَيَدْعُو، وَقَالَ: مَا سَمِعْتُ بِصَاحِبِ حَدِيثٍ لَا يَقُومُ بِاللَّيْلِ. (وَ) سُنَّ (أَنْ يَكُونَ لَهُ تَطَوُّعَاتٌ يُدَاوِمُ عَلَيْهَا، وَيَقْضِيَهَا بِفَوْتٍ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إذَا نَامَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ؛ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَاسْتَحَبَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ رَكَعَاتٌ مَعْلُومَاتٌ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (إذَا نَشِطَ طَوَّلَهَا، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَنْشَطْ؛ (خَفَّفَهَا) ، لِحَدِيثِ: «أَحَبُّ الْعَمَلِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ» . (وَ) سُنَّ أَنْ (يَقْضِيَ تَهَجُّدَهُ قَبْلَ ظُهْرٍ) ، لِمَا رَوَى: أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَهْلُ السُّنَنِ، عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنْ اللَّيْلِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ؛ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ» . (وَ) سُنَّ (أَنْ يَقُولَ عِنْدَ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ) مَا وَرَدَ، قَالَ الْمُوَفَّقُ الْبَغْدَادِيُّ فِي ذَيْلِ فَصِيحِ ثَعْلَبٍ: الصَّبَاحُ عِنْدَ الْعَرَبِ: مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ إلَى الزَّوَالِ، ثُمَّ الْمَسَاءُ: إلَى آخِرِ نِصْفِ اللَّيْلِ. انْتَهَى. وَمِنْ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ؛ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ، وَأَنَّهُ يَكْفِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَعَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ، وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَالَ إذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: رَضِيتُ، بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا؛ إلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرْضِيَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَزَادَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ؛ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَكَ الشُّكْرُ؛ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي؛ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ» ` رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَ) سُنَّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ (نَوْمٍ وَانْتِبَاهٍ) مِنْهُ مَا وَرَدَ، وَمِنْهُ: حَدِيثُ حُذَيْفَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ النَّوْمِ؛ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا. وَاذَا اسْتَيْقَظَ؛ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَ) سُنَّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ (سَفَرٍ مَا وَرَدَ) ، وَمِنْهُ: حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلَى سَفَرٍ؛ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ فِي سَفَرِي هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ، وَإِذَا رَجَعَ؛ قَالَهُنَّ، وَزَادَ فِيهِنَّ: آيِبُونَ تَائِبُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» وَمَعْنَى مُقْرِنِينَ: مُطِيقِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 (وَمِنْهُ) أَيْ: الْوَارِدِ (بَعْدَ انْتِبَاهٍ) مِنْ نَوْمٍ: «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ إنْ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا؛ اُسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى؛ قُبِلَتْ صَلَاتُهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيِّ. وَمِنْهُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانِي بَعْدَ مَا أَمَاتَنِي وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ. وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، لَا شَرِيكَ لَكَ، سُبْحَانَكَ، أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمًا، وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ» . تَتِمَّةٌ: سُنَّ أَنْ يُقَالَ لِمُسَافِرٍ سَفَرًا مُبَاحًا: أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَك، وَأَمَانَتَكَ، وَخَوَاتِيمَ عَمَلِك، وَزَوَّدَك اللَّهُ التَّقْوَى. [فَرْعٌ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ] (فَرْعٌ: أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ؛ فَإِنْ صَلَحَتْ أَفْلَحَ) وَنَجَا، (وَإِلَّا) تَصْلُحْ خَابَ وَخَسِرَ، (وَإِذَا نَقَصَ فَرْضُهُ) بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، كَعَدَمِ خُشُوعٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ عَبَثٍ (كَمَّلَ) نَقْصَهُ (مِنْ نَفْلِهِ) ، وَلِذَلِكَ شُرِعَتْ النَّوَافِلُ، وَنُدِبَ الْإِكْثَارُ مِنْهَا، (وَكَذَا بَاقِي أَعْمَالِهِ) مِنْ زَكَاةٍ وَحَجٍّ إذَا نَقَصَ مِنْ فَرْضِ ذَلِكَ كَمَّلَ مِنْ نَفْلِهِ بِمَحْضِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى. [فَصْلٌ صَلَاةُ اللَّيْل وَالنَّهَار مَثْنَى مَثْنَى] (فَصْلٌ) (وَصَلَاةُ لَيْلٍ وَنَهَارٍ مَثْنَى) أَيْ: يُسَلِّمُ فِيهَا مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدَ. وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ «صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالِ سَائِلٍ عَيَّنَهُ فِي سُؤَالِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ حُجَّةً بِاتِّفَاقِنَا، وَلِأَنَّهُ سِيقَ لِبَيَانِ حُكْمِ الْوِتْرِ، فَلِذَلِكَ خَصَّهُ بِاللَّيْلِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ نَفْلٍ فَكَانَتْ سُنَّتَهَا بِرَكْعَتَيْنِ، كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَالتَّرَاوِيحِ، وَلِأَنَّ تَجَاوُزَ الرَّكْعَتَيْنِ يَتَعَرَّضُ بِهِ لِكَثْرَةِ السَّهْوِ، وَالِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا أَبْعَدُ مِنْهُ فَكَانَ أَوْلَى، وَالنُّصُوصُ الْوَارِدَةُ بِمُطْلَقِ الْأَرْبَعِ سَرْدًا: سُنَّةُ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةُ، وَسُنَّةُ الْعَصْرِ، لَا تَنْفِي فَضْلَ الْفَصْلِ بِالسَّلَامِ. (وَإِنْ تَطَوَّعَ بِأَرْبَعٍ نَهَارًا؛ فَلَا بَأْسَ) لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَ) كَوْنُ الْأَرْبَعِ (بِتَشَهُّدَيْنِ) كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ (أَوْلَى مِنْ سَرْدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا. (وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْ أَرْبَعٍ تَطَوَّعَ بِهَا نَهَارًا (مَعَ الْفَاتِحَةِ سُورَةٌ) كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ. (وَإِنْ زَادَ عَلَى أَرْبَعِ) رَكَعَاتٍ (نَهَارًا) ؛ صَحَّ، وَكُرِهَ (أَوْ) زَادَ عَلَى (ثِنْتَيْنِ لَيْلًا وَلَوْ جَاوَزَ ثَمَانِيَا) نَهَارًا أَوْ لَيْلًا (بِسَلَامٍ وَاحِدٍ؛ صَحَّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدْ صَلَّى الْوِتْرَ خَمْسًا وَسَبْعًا وَتِسْعًا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ» وَهُوَ، تَطَوُّعٌ، فَأُلْحِقَ بِهِ سَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ. وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ مَرْفُوعًا «صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُنَّ» وَلَا يُنَافِيهِ مَا رُوِيَ عَنْهَا أَيْضًا «أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ» لِإِمْكَانِ التَّعَدُّدِ (وَكُرِهَ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، إلَّا فِي الْوِتْرِ وَالضُّحَى لِوُرُودِهِ. (وَيَصِحُّ تَطَوُّعٌ بِرَكْعَةٍ وَنَحْوِهَا) كَثَلَاثِ وَخَمْسٍ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مَوْضُوعٌ اسْتَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَةً، فَتَبِعَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَةً، قَالَ: هُوَ تَطَوُّعٌ، فَمَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 شَاءَ زَادَ، وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ وَصَحَّ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ تَقْصِيرُ الْوِتْرِ رَكْعَةً، (وَكُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ لِحَدِيثِ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْوِتْرِ. (وَ) يَصِحُّ تَطَوُّعٌ (جَالِسًا) وَلَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ، وَ (لَا) يَصِحُّ تَنَفُّلُهُ (مُضْطَجِعًا) . قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْإِفَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَدَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى افْتِرَاضِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَنْهُمَا، (غَيْرَ مَعْذُورٍ) ، فَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا، صَحَّتْ صَلَاتُهُ مُضْطَجِعًا. (وَأَجْرُ) صَلَاةِ (قَاعِدٍ غَيْرِ مَعْذُورٍ نِصْفُ) أَجْرِ (صَلَاةِ قَائِمٍ) ، لِحَدِيثِ «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ أَجْرُ نِصْفِ الْقَائِمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمَعْذُورُ؛ فَأَجْرُهُ قَاعِدًا كَأَجْرِهِ قَائِمًا لِلْعُذْرِ. (وَسُنَّ تَرَبُّعُهُ) أَيْ: الْمُصَلِّي جَالِسًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِمَحَلِّ قِيَامٍ) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. (وَ) إذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ (إنْ شَاءَ) رَكَعَ مِنْ قُعُودٍ، وَإِنْ شَاءَ (قَامَ فَرَكَعَ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ. (وَ) سُنَّ لَهُ أَيْضًا (ثَنْيُ رِجْلَيْهِ بِرُكُوعٍ) أَيْ: فِي حَالِ رُكُوعٍ (وَسُجُودٍ) ، رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، (وَكَثْرَتُهُمَا) ، أَيْ: الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (أَفْضَلُ مِنْ طُولِ قِيَامٍ) ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ ذِكْرَ الْقِيَامِ، وَهُوَ: الْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهُوَ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ، وَأَمَّا نَفْسُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ فَأَفْضَلُ مِنْ نَفْسِ الْقِيَامِ، فَاعْتَدَلَا، وَكَهَذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْتَدِلَةً، فَكَانَ إذَا أَطَالَ الْقِيَامَ أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ بِحَسَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 ذَلِكَ حَتَّى يَتَقَارَبَا (إلَّا مَا وَرَدَ) عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (تَطْوِيلُهُ) كَصَلَاةِ كُسُوفٍ، (فَاتِّبَاعُهُ أَفْضَلُ) ، لِحَدِيثِ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» وَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاسْتِكْثَارِ مِنْ السُّجُودِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ، وَلِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ آكَدُ وَأَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَلَا يُبَاحُ بِحَالٍ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْعَالِمِ وَسَيِّدِ الْقَوْمِ. (وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ تَطَوُّعٍ جَمَاعَةً) كَمَا تُفْعَلُ فُرَادَى لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ كِلَيْهِمَا، وَكَانَ أَكْثَرُ تَطَوُّعَاتِهِ مُنْفَرِدًا، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَمَا سُنَّ فِعْلُهُ مُنْفَرِدًا، كَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ إنْ فَعَلَهُ جَمَاعَةً فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ؛ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، لَكِنْ لَا يُتَّخَذُ سُنَّةً رَاتِبَةً. (وَإِسْرَارُهُ) ، أَيْ: التَّطَوُّعِ (أَفْضَلُ) ، وَيُكْرَهُ الْجَهْرُ بِهِ نَهَارًا، لِحَدِيثِ «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» وَالْمُرَادُ: غَيْرُ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فِي بَابِهِمَا. (سِيَّمَا لِخَائِفٍ) بِجَهْرِهِ بِالتَّطَوُّعِ (رِيَاءً) فَيُسِرُّهُ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ. (وَجَازَ جُلُوسٌ لِمُبْتَدِئٍ نَفْلًا قَائِمًا كَعَكْسِهِ) ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ كَثِيرًا مِنْ صَلَاتِهِ، وَهُوَ جَالِسٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَسُومِحَ فِي التَّطَوُّعِ تَرْكُ الْقِيَامِ تَرْغِيبًا فِي تَكْثِيرِهِ. (وَسُنَّ اسْتِغْفَارٌ بِسَحَرٍ وَإِكْثَارٌ مِنْهُ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18] وَسَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذ بِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ. أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي: فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ» قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ: يَقُولُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَقُولُ الْمَرْأَةُ أَمَتُكَ بِنْتُ عَبْدِكَ، أَوْ بِنْتُ أَمَتِكَ: وَإِنْ كَانَ قَوْلُهَا عَبْدُكَ لَهُ مَخْرَجٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِتَأْوِيلِ شَخْصٍ. [فَصْلٌ صَلَاةُ الضُّحَى] (فَصْلٌ) (تُسَنُّ صَلَاةُ الضُّحَى) ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (غَبًّا) بِأَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دُونَ بَعْضٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لَا تُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «كَانَ النَّبِيُّ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ: لَا يَدَعُهَا، وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ: لَا يُصَلِّيهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَلِأَنَّهَا دُونَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، فَلَا تُشَبَّهُ بِهِمَا. (وَاسْتَحَبَّ جُمُوعٌ مُحَقِّقُونَ) . مِنْهُمْ: الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمَجْدُ وَابْنُ حَمْدَانَ وَابْنِ تَمِيمٍ (فِعْلَهَا كُلَّ يَوْمٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (لِمَنْ لَمْ يَقُمْ لَيْلًا) حَتَّى لَا يَفُوتُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَلَهُ قَاعِدَةٌ فِي ذَلِكَ. (وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ) . لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 صَلَّاهَا دُونَهَا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَرَكْعَتِي الضُّحَى» وَصَلَّاهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعًا كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَسِتًّا كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ. (وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٍ) لِحَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ، صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. (وَوَقْتُهَا) ، أَيْ: صَلَاةِ الضُّحَى: (مِنْ خُرُوجِ) وَقْتِ (نَهْيٍ) أَيْ: ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَيْدَ رُمْحٍ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ. (إلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ) أَيْ: إلَى دُخُولِ وَقْتِ النَّهْيِ بِقِيَامِ الشَّمْسِ. (وَأَفْضَلُهُ) أَيْ: وَقْتِ صَلَاةِ الضُّحَى (إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ) ، لِحَدِيثِ «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَصَلَّى الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا) بِسَلَامٍ (سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَيُرْوَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، «أَنَّهُ صَلَّاهَا كَذَلِكَ سَرْدًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهَا بِسَلَامٍ» . (وَيَتَّجِهُ عَلَى هَذَا) أَيْ: فِعْلُ سَعْدٍ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (جَوَازُ صَلَاةِ الضُّحَى) بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ (وَ) جَوَازُ صَلَاةِ (التَّرَاوِيحِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يُعَضِّدُهُ (عِبَارَةُ شَرْحِ الْهِدَايَةِ صَلَّى) رَسُولُ اللَّهِ، (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوِتْرَ خَمْسًا وَسَبْعًا وَتِسْعًا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ) أَيْ: الْوِتْرُ (تَطَوُّعٌ؛ فَأَلْحَقْنَا بِهِ سَائِرَ التَّطَوُّعَاتِ) ، لِعَدَمِ الْفَارِقِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 [تَتِمَّةٌ فَضَائِلُ صَلَاة الضُّحَى] تَتِمَّةٌ: لِصَلَاةِ الضُّحَى فَضَائِلُ لَا تُحْصَى، مِنْهَا: حَدِيثُ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَعَدَ فِي مُصَلَّاهُ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ الصُّبْحِ حَتَّى يُسَبِّحَ رَكْعَتَيْ الضُّحَى، لَا يَقُولُ إلَّا خَيْرًا؛ غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ. (وَتُسَنُّ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ) إذَا هَمَّ بِأَمْرٍ، أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ. (وَلَوْ فِي خَيْرٍ كَحَجٍّ وَجِهَادٍ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا (وَيُبَادِرُ بِهِ) ، أَيْ: الْخَيْرِ (بَعْدَهَا) ، أَيْ: الِاسْتِخَارَةِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ؛ يَقُولُ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ؛ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ وَهِيَ، أَيْ: صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ: رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَهُمَا: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ - وَيُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ - خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي، وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ؛ فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي، وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ؛ فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ لَهُ. (وَيَقُولُ فِيهِ: مَعَ الْعَافِيَةِ وَلَا يَكُونُ مَعَ الِاسْتِخَارَةِ عَازِمًا عَلَى الْأَمْرِ) الَّذِي يَسْتَخِيرُ فِيهِ، (أَوْ) عَلَى (عَدَمِهِ؛ فَإِنَّهُ خِيَانَةٌ فِي التَّوَكُّلِ ثُمَّ يَسْتَشِيرُ، فَإِذَا ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي شَيْءٍ؛ فَعَلَهُ) ، فَيَنْجَحُ مَطْلُوبُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 (وَتُسَنُّ صَلَاةُ الْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ) لِ (آدَمِيٍّ، وَهُمَا) أَيْ: صَلَاةُ الْحَاجَةِ: (رَكْعَتَانِ) يَرْكَعُهُمَا، ثُمَّ (يُثْنِي عَلَى اللَّهِ بَعْدَهَا، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ، لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إلَّا غَفَرَتْهُ، وَلَا هَمًّا إلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًى إلَّا قَضَيْتَهَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ) . لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ. (وَتُسَنُّ صَلَاةُ التَّوْبَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى) ، لِحَدِيثِ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ إلَّا غُفِرَ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 135] . . . إلَى آخِرِ الْآيَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ. (وَكَذَا) تُسَنُّ (رَكْعَتَا سُنَّةِ وُضُوءٍ عَقِبَهُ) أَيْ: الْوُضُوءِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَقْتَ نَهْيٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: يَا بِلَالُ: حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ؛ فَقَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَّيْتُ فِي ذَلِكَ الطَّهُورِ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي أَنْ أُصَلِّيَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. (وَلَا تُسَنُّ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) : مَا يُعْجِبُنِي؛ قِيلَ لِمَ؟ قَالَ: (لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَصِحُّ) ، وَنَفَضَ يَدَهُ، كَالْمُنْكِرِ، وَلَمْ يَرَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 مُسْتَحَبَّةً. قَالَ الْمُوَفَّقُ: (وَإِنْ فَعَلَهَا) إنْسَانٌ؛ (فَلَا بَأْسَ، لِجَوَازِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَمَلُ بِالْخَبَرِ الضَّعِيفِ، بِمَعْنَى: أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو ذَلِكَ الثَّوَابَ، أَوْ تَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ. وَمِثْلُهُ: التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ وَالْمَنَامَاتِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، لَا اسْتِحْبَابَ وَلَا غَيْرَهُ؛ لَكِنْ يَجُوزُ ذِكْرُهُ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِيمَا عُلِمَ حُسْنُهُ، وَقُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ، فَإِنَّهُ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ، وَاعْتِقَادُ مُوجِبِهِ مِنْ قَدْرِ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ. (وَاسْتَحَبَّهَا جَمَاعَةٌ) لِلْخَبَرِ، وَيَأْتِي. (وَهِيَ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ، ثُمَّ يُسَبِّحُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ خَمْسَ عَشَرَةَ مَرَّةً قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، ثُمَّ يَقُولُهَا) ، أَيْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدِ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، (فِي رُكُوعِهِ عَشْرًا، ثُمَّ) يَقُولُهَا (بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ) أَيْ: الرُّكُوعِ (عَشْرًا، ثُمَّ) يَقُولَهَا (كَذَلِكَ) أَيْ: عَشْرًا (فِي سُجُودِهِ ثُمَّ) يَقُولَهَا (بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ عَشْرًا ثُمَّ) يَقُولَهَا (فِي سُجُودِهِ ثَانِيًا، ثُمَّ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ قَبْلَ قِيَامِهِ) ، ثُمَّ يَأْتِي بِذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ. (يَفْعَلُهَا) أَيْ: صَلَاةَ التَّسْبِيحِ، عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهَا، (كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً؛ (فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً؛ (فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً؛ (فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً؛ (فَفِي الْعُمْرِ مَرَّةً) ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: «يَا عَمَّاهُ: أَلَا أُعْطِيكَ؟ أَلَا أَمْنَحُكَ؟ أَلَا أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ، إذَا أَنْتَ فَعَلَتْ ذَلِكَ؛ غُفِرَ لَكَ ذَنْبُكَ: أَوَّلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 وَآخِرُهُ، وَقَدِيمُهُ وَحَدِيثُهُ، خَطَؤُهُ وَعَمْدُهُ، صَغِيرُهُ وَكَبِيرُهُ، سِرُّهُ وَعَلَانِيَتُهُ؟ عَشْرُ خِصَالٍ: أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ.» ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ. (وَأَمَّا صَلَاةُ الرَّغَائِبِ) الَّتِي تُفْعَلُ فِي لَيْلَةِ أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، (وَصَلَاةُ لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ) الشَّهِيرَةُ: بِالْأَلْفِيَّةِ؛ (فَبِدْعَةٌ لَا أَصْلَ لَهُمَا قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، (وَقَالَ: لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فِيهَا فَضْلٌ، وَكَانَ فِي السَّلَفِ مَنْ يُصَلِّي فِيهَا، لَكِنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا لِإِحْيَائِهَا فِي الْمَسَاجِدِ بِدْعَةٌ انْتَهَى وَاسْتِحْبَابُ قِيَامِهَا كَلَيْلَةِ الْعِيدِ مَيْلُ) زَيْنِ الدِّينِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَجَبٍ الْبَغْدَادِيِّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِ (اللَّطَائِفِ) فِيمَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ الْوَظَائِفِ، وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ «مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ، وَلَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ أَحْيَا اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبِ» رَوَاهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَارِيخِهِ، بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ كَرْدُوسٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَيْلَةِ عَاشُورَاءَ، وَأَوَّلِ لَيْلَةِ رَجَبٍ، وَلَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ. وَفِي الرِّعَايَةِ: وَلَيْلَةِ نِصْفِ رَجَبٍ، وَفِي الْغُنْيَةِ وَبَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِضَعْفِ الْأَخْبَارِ، وَهُوَ قِيَاسُ نَصِّهِ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ وَأَوْلَى. وَفِي آدَابِ الْقَاضِي صَلَاةُ الْقَادِمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُهُمْ صَلَاةَ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. [فَصْلٌ يُسَنُّ بِتَأَكُّدِ سُجُود تِلَاوَة عَقِبَ سَجْدَة التِّلَاوَة] (فَصْلٌ) (يُسَنُّ بِتَأَكُّدِ سُجُودِ تِلَاوَةٍ عَقِبَهَا) أَيْ: عَقِبَ تِلَاوَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107] وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ، وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعًا لِجَبْهَتِهِ وَلِمُسْلِمٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ» وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّجْمِ، فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ «فَلَمْ يَسْجُدْ مِنَّا أَحَدٌ» ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ، حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ؛ نَزَلَ فَسَجَدَ، فَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ؛ قَرَأَ بِهَا، حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَسْجُدْ عُمُرُ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ " وَقَالَ فِيهِ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا السُّجُودَ إلَّا أَنْ نَشَاءَ وَلَمْ يَسْجُدْ، وَمَنَعَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا، وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ؛ فَكَانَ إجْمَاعًا وَالْأَوَامِرُ بِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ. وَقَوْلُهُ {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا} [السجدة: 15] الْمُرَادُ بِهِ: الْتِزَامُ السُّجُودِ وَاعْتِقَادُهُ، فَإِنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْإِيمَانِ إجْمَاعًا، وَلِذَلِكَ قَرَنَهُ بِالتَّسْبِيحِ. (لِقَارِئٍ وَمُسْتَمِعٍ) لَهُ (وَهُوَ مَنْ يَقْصِدُ السَّمَاعَ) فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، حَتَّى فِي طَوَافٍ. وَ (لَا) يُسَنُّ السُّجُودُ لِ (سَامِعٍ) مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الِاسْتِمَاعِ، رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ عُثْمَانُ: إنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانُ: مَا جَلَسْنَا لَهَا وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا؛ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ. (وَشُرِطَ) لِاسْتِحْبَابِ السُّجُودِ (كَوْنُ قَارِئٍ يَصْلُحُ إمَامًا لِلْمُسْتَمِعِ) أَيْ: يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَلَوْ فِي نَفْلٍ، (فَلَا يَسْجُدُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 مُسْتَمِعٌ (إنْ لَمْ يَسْجُدْ) تَالٍ، لِمَا رَوَى عَطَاءٌ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ قَرَأَ سَجْدَةً، ثُمَّ نَظَرَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّكَ كُنْتَ إمَامَنَا، وَلَوْ سَجَدْتَ سَجَدْنَا مَعَكَ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا، وَفِيهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى، وَفِيهِ كَلَامٌ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمٍ وَهُوَ غُلَامٌ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً، فَقَالَ: اُسْجُدْ فَإِنَّكَ إمَامُنَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. (وَلَا) يَسْجُدُ مُسْتَمِعٌ (قُدَّامَهُ) أَيْ: الْقَارِئِ، (أَوْ عَنْ يَسَارِهِ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ) ، أَيْ: التَّالِي عَنْ سَاجِدٍ مَعَهُ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِائْتِمَامِ بِهِ إذَنْ، فَإِنْ سَجَدَ عَنْ يَمِينِهِ مَعَهُ جَازَ، وَكَذَا عَنْ يَسَارِهِ مَعَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا) يَسْجُدُ مُسْتَمِعٌ إذَا كَانَ (خَلْفَهُ) ، أَيْ: الْقَارِئُ فَذًّا أَوْ خَلْفَ الصَّفِّ (فَذًّا) قِيَاسًا عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يَسْجُدُ (رَجُلٌ) مُسْتَمِعٌ وَلَا خُنْثَى (لِتِلَاوَةِ امْرَأَةٍ وَ) تِلَاوَةِ (خُنْثَى) ، لِعَدَمِ صِحَّةِ ائْتِمَامِهِ بِهِمَا. (وَيَسْجُدُ) مُسْتَمِعٌ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى، (لِتِلَاوَةِ) رَجُلٍ أُمِّيٍّ وَلِتِلَاوَةِ (زَمِنٍ) ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَالْقِيَامَ لَيْسَا رُكْنًا فِي السُّجُودِ وَلِتِلَاوَةِ مُمَيِّزٍ، لِصِحَّةِ إمَامَتَهُ فِي النَّفْلِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَسْجُدُ مُسْتَمِعٌ لِتِلَاوَةِ (فَاسِقٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، لَكِنَّ قُوَّةَ التَّعْلِيلِ فِيمَا يَأْتِي آنِفًا تَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ فِي الْقَارِئِ، لِعَدَمِ تَأْثِيرِ خِيَانَتِهِ فِي شَيْءٍ، فَهُوَ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ فِي هَذَا السُّجُودِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 (وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ رَأْسِ مُسْتَمِعٍ) قَبْلَ رَفْعِ قَارِئٍ، (وَ) كَذَا لَا يَضُرُّ (سَلَامُهُ) ، أَيْ: الْمُسْتَمِعُ (قَبْلَ) سَلَامِ (قَارِئٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إمَامًا لَهُ حَقِيقَةً، بَلْ بِمَنْزِلَتِهِ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَرْفَعُ قَبْلَ إمَامِهِ كَسُجُودِ الصُّلْبِ. (وَسُنَّ تَكَرُّرُ سُجُودٍ بِتَكْرَارِ تِلَاوَةٍ) لِأَنَّهَا سَبَبُهُ، فَتُكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا كَرَكْعَتِي الطَّوَافِ. وَإِنْ سَمِعَ سَجْدَتَيْنِ مَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا يَتَوَجَّهُ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ غَيْرُ قِيمَةٍ، وَمِثْلُهُ مَنْ يُكَرِّرُ التِّلَاوَةَ لِلْحِفْظِ. وَيُسَنُّ السُّجُودُ لِلتِّلَاوَةِ (حَتَّى فِي طَوَافٍ وَصَلَاةٍ مَعَ قَصْرٍ فَصَلَ) بَيْنَ التِّلَاوَةِ أَوْ الِاسْتِمَاعِ وَالسُّجُودِ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ لَمْ يَسْجُدْ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، (فَيَتَيَمَّمُ مُحْدِثٌ) تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ أَوْ اسْتَمَعَهَا (بِشَرْطٍ) وَهُوَ تَعَذُّرُ الْمَاءِ لِعَدَمٍ أَوْ ضَرَرٍ. (وَيُومِئُ رَاكِبٌ) بِالسُّجُودِ لِلتِّلَاوَةِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ، (وَيَسْجُدُ مَاشٍ) مُسَافِرٍ بِالْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ كَمَا يَسْجُدُ لِلنَّافِلَةِ. (وَكُرِهَ جَمْعُ آيَاتِ سُجُودٍ) فِي وَقْتٍ لِيَسْجُدَ لَهَا، (وَ) كُرِهَ (حَذْفُهَا) ، أَيْ: آيَاتِ السُّجُودِ بِأَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى لَا يَسْجُدَ لَهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ، بَلْ نُقِلَتْ كَرَاهَتُهُ، وَسَوَاءٌ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا (وَهِيَ) أَيْ: سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ (أَرْبَعَ عَشْرَةَ) سَجْدَةً فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ، وَفِي الرَّعْدِ عِنْدَ {بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الأعراف: 205] وَفِي النَّحْلِ، وَفِي الْإِسْرَاءِ عِنْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] وَفِي مَرْيَمَ {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] وَ (فِي الْحَجِّ ثِنْتَانِ) الْأُولَى عِنْدَ {يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] وَالثَّانِيَةُ {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وَفِي الْفُرْقَانِ {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60] وَفِي النَّمْلِ {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] وَفِي الم السَّجْدَةِ {لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] وَفِي فُصِّلَتْ {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] وَفِي آخَرِ النَّجْمِ، وَفِي الِانْشِقَاقِ {لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] وَآخِرِ اقْرَأْ. رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وأَبُو دَاوُد، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، مَعَ أَنَّ فِي إسْنَادِهِ ابْنَ لَهِيعَةَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ. «وَسَجَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي: الِانْشِقَاقِ، وَفِي: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَسَجْدَةُ ص) لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، بَلْ (سَجْدَةُ شُكْرٍ) ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «ص لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُ فِيهَا» . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَجَدَهَا دَاوُد تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا» ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ. فَعَلَى هَذَا يَسْجُدُ لَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ. (تَبْطُلُ بِهَا صَلَاةُ غَيْرِ جَاهِلٍ وَنَاسٍ) كَسَائِرِ سَجَدَاتِ الشُّكْرِ. (وَسُجُودُ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ كَ) صَلَاةِ (نَافِلَةٍ فِيمَا يُعْتَبَرُ لَهَا مِنْ شَرْطٍ) كَطَهَارَةٍ وَاجْتِنَابِ نَجَاسَةٍ، وَاسْتِقْبَالِ قِبْلَةٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ (وَ) مِنْ (رُكْنٍ) وَكَسُجُودٍ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ، وَطُمَأْنِينَةٍ وَرَفْعٍ مِنْهُ (وَ) مِنْ (وَاجِبٍ) كَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ، لِأَنَّهُ سُجُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَيْهِ لَهُ تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ، فَكَانَ صَلَاةً، كَسُجُودِ الصَّلَاةِ وَالسَّهْوِ، (سِوَى تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ) ؛ فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، (وَتَشَهُّدٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا صَلَاةٌ لَا رُكُوعَ فِيهَا، فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِمَا التَّشَهُّدُ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. (وَكَذَا جُلُوسٌ) فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، أَيْ: إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ (لِ) أَجْلِ (تَسْلِيمٍ) ، بَلْ يُنْدَبُ لَهُ الْجُلُوسُ (عَلَى مَا بَحَثَهُ فِي الْإِقْنَاعِ) تَبَعًا لِلْإِنْصَافِ، لَكِنَّ أَصْلَ الْبَحْثِ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ وَعِبَارَتُهُ: قَالَ جَمَاعَةٌ: وَيَجْلِسُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: النَّدْبُ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ يُعْقِبُهُ، فَشُرِعَ لِيَكُونَ سَلَامُهُ فِي حَالِ جُلُوسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ. (وَالْأَفْضَلُ سُجُودٌ عَنْ قِيَامٍ) ، لِمَا رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ، فَإِذَا انْتَهَتْ، إلَى السَّجْدَةِ، قَامَتْ، فَسَجَدَتْ وَتَشْبِيهًا لَهَا بِصَلَاةِ النَّفْلِ. (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) نَدْبًا إذَا أَرَادَ السُّجُودَ، (وَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ) نَصًّا (وَإِنْ زَادَ فِي سُجُودِهِ عَلَى قَوْلِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، مِمَّا وَرَدَ؛ فَحَسَنٌ، وَمِنْهُ) ، أَيْ: الْوَارِدِ: (اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ) ، أَيْ: اُمْحُ (عَنِّي بِهَا وِزْرًا: أَوْ اجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذِكْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْت مِنْ عَبْدِكَ دَاوُد) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ. وَمِنْهُ أَيْضًا: سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ. (وَلَا يَسْجُدُ مَأْمُومٌ إلَّا لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ إنْ سَجَدَ) إمَامُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَتِهِ فَلَا تَكُونُ قِرَاءَةٌ غَيْرُ قِرَاءَةِ إمَامِهِ سَبَبًا لِاسْتِحْبَابِ السُّجُودِ فِي حَقِّهِ. وَ (لَا) يَسْجُدُ مَأْمُومٌ (لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ عَلَى الْإِمَامِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَسْجُدُ مَأْمُومٌ لِقِرَاءَةِ (غَيْرِ إمَامِهِ) سَوَاءٌ كَانَ التَّالِي فِي صَلَاةٍ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ غَيْرَ الْمَأْمُومِ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ نَفْسِهِ، وَالِاشْتِغَالِ بِصَلَاتِهِ، وَالْمَأْمُومَ مُشْتَغِلٌ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ. (وَلَا) يَسْجُدُ (إمَامٌ) أَوْ مُنْفَرِدٌ (لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ) ، لِمَا تَقَدَّمَ، (فَإِنْ فَعَلَ) عَمْدًا (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِيهَا سُجُودًا. (وَيَتَّجِهُ: لَا) تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ سَجَدَ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ وَهُوَ (نَاسٍ) أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، (وَكَذَا) لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ (جَاهِلٍ) الْحُكْمَ سَوَاءٌ، كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا، كَمَا لَوْ زَادَ فِيهَا رُكْنًا، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْعِبَادَةِ وَفَسَادَهَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الذِّكْرِ وَالْعَمْدِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مَقِيسٌ عَلَى مَا لَوْ سَجَدَ لِلشُّكْرِ فِي الصَّلَاةِ كَذَلِكَ بِجَامِعِ عَدَمِ إبَاحَتِهِ لَهُمَا، وَنَصُّهُمْ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِ صَلَاةِ جَاهِلٍ وَنَاسٍ سَجَدَ لِشُكْرٍ فِيهَا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَلْزَمُ مَأْمُومًا مُتَابَعَةُ إمَامِهِ) فِي سُجُودِ تِلَاوَةٍ (فِي صَلَاةِ جَهْرٍ) ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» (وَيَتَّجِهُ) مَحَلَّ لُزُومِ الْمَأْمُومِ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ: (إنْ سَمِعَ) قِرَاءَتَهُ، لَوْلَا الْمَانِعُ مِنْ السَّمَاعِ؛ كَبُعْدٍ وَطَرَشٍ، لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ، وَكَذَا لَوْ أَحَسَّ بِهَوِيِّهِ إلَى السُّجُودِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 وَ (لَا) يَلْزَمُ مَأْمُومًا مُتَابَعَةُ إمَامِهِ إذَا سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي صَلَاةِ سِرٍّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا بِتَالٍ وَلَا مُسْتَمِعٍ، بِخِلَافِ الْجَهْرِيَّةِ، (فَلَوْ تَرَكَهَا) ، أَيْ: تَرَكَ الْمَأْمُومُ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ (عَمْدًا؛ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ، لِتَعَمُّدِهِ تَرْكَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَلِغَيْرِ مُصَلٍّ أَنْ يَسْجُدَ لِسُجُودِ تَالٍ مُصَلٍّ، إذَا اسْتَمَعَ لَهُ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ. (وَكُرِهَ قِرَاءَةُ إمَامٍ) آيَةَ (سَجْدَةٍ بِصَلَاةِ سِرٍّ) كَظُهْرٍ وَعَصْرٍ، لِأَنَّهُ إنْ سَجَدَ لَهَا خَلَطَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَإِلَّا تَرَكَ السُّنَّةَ. (وَ) كُرِهَ (سُجُودُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (لَهَا) ، أَيْ: التِّلَاوَةِ لِصَلَاةِ سِرٍّ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْلِيطِ عَلَى مَنْ مَعَهُ. (وَيُخَيَّرُ مَأْمُومٌ) سَجَدَ إمَامُهُ فِي صَلَاةٍ سِرِّيَّةٍ بَيْنَ الْمُتَابَعَةِ وَتَرْكِهَا، (وَ) كَوْنُ الْمَأْمُومِ (يُتَابِعُ) إمَامَهُ (أَوْلَى) ، لِعُمُومِ «وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا» . (وَإِذَا سَجَدَ مُصَلٍّ) لِلتِّلَاوَةِ، (ثُمَّ قَامَ؛ فَإِنْ شَاءَ رَكَعَ فِي الْحَالِ) مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ قَدْ تَقَدَّمَتْ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، (وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ) ، لِيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ. (وَلَا يُجْزِئُ رُكُوعُ صَلَاةٍ وَلَا سُجُودِهَا عَنْ سُجُودِ تِلَاوَةٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ سُجُودٌ مَشْرُوعٌ، أَشْبَهَ سُجُودَ الصَّلَاةِ. (وَيَتَّجِهُ: وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ بِسُجُودٍ لَهَا وَلِسُجُودِ التِّلَاوَةِ (لِعَالِمٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 بِالْحُكْمِ (إنْ نَوَاهُمَا) ، أَيْ: سُجُودَ الصَّلَاةِ مَعَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ، لِأَنَّهُ شَرَكَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ مَكَانَ السُّجُودِ رُكُوعًا، فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، قَالَهُ فِي الْمَذْهَبِ. (وَ) يَتَّجِهُ: أَنَّهَا (لَا تُجْزِئُ) سَجْدَةً نَوَى بِهَا ذَلِكَ (لِنَاسٍ وَ) لَا (جَاهِلٍ) فَيُعِيدُ سُجُودَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسُنَّ سُجُودُ شُكْرٍ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعَمٍ) عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ، (وَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 عِنْدَ (انْدِفَاعِ نِقَمٍ عَامَّةٍ) لَهُ وَلِلنَّاسِ، (أَوْ خَاصَّةٍ بِهِ ظَاهِرَةٍ) ؛ كَتَجَدُّدِ وَلَدٍ أَوْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ نُصْرَةٍ عَلَى عَدُوٍّ، لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يُسَرُّ بِهِ؛ خَرَّ سَاجِدًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. «وَسَجَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْت عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ سَلَّمْت عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَرَوَى الْبَرَاءُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَّ سَاجِدًا حِينَ جَاءَهُ كِتَابُ عَلِيٍّ مِنْ الْيَمَنِ بِإِسْلَامِ هَمْدَانَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَفِي السُّنَنِ وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ. «وَسَجَدَ حِينَ شَفَعَ فِي أُمَّتِهِ فَأُجِيبَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وسَجَدَ الصِّدِّيقُ حِينَ جَاءَهُ قَتْلُ مُسَيْلِمَةَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وسَجَدَ عَلِيٌّ حِينَ رَأَى ذَا الثُّدَيَّةِ مِنْ الْخَوَارِجِ رَوَاهُ أَحْمَدُ. وسَجَدَ كَعْبٌ حِينَ بُشِّرَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقِصَّتُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا. (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ نَشْتَرِطْ فِي النِّعْمَةِ الظُّهُورَ؛ (فَنِعَمُ اللَّهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا تُحْصَى) ، وَالْعُقَلَاءُ يُهَنِّئُونَ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْعَارِضِ وَلَا يَفْعَلُونَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ. (وَإِنْ سَجَدَ لِشُكْرٍ فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ، لَا) مِنْ (جَاهِلٍ وَنَاسٍ) ، كَمَا لَوْ زَادَ فِيهَا سُجُودًا (وَصِفَتُهُ) ، أَيْ: سُجُودِ الشُّكْرِ. (وَأَحْكَامُهُ كَسُجُودِ تِلَاوَةٍ) ، فَيُكَبِّرُ إذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ، وَيَقُولُ فِيهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَيُسَلِّمُ؛ وَتُجْزِئُ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ. (وَمَنْ رَأَى مُبْتَلًى فِي دِينِهِ) ؛ سَجَدَ نَدْبًا بِحُضُورِهِ وَغَيْرِهِ، أَيْ: وَبِغَيْرِ حُضُورِهِ، (وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ، تَفْضِيلًا وَإِنْ كَانَ) مُبْتَلًى (فِي بَدَنِهِ؛ سَجَدَ، وَقَالَ ذَلِكَ، وَكَتَمَهُ مِنْهُ، وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ) ، قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ بِحَضْرَةِ الْمُبْتَلَى، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَرَوَى الْحَاكِمُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ لِرُؤْيَةِ زَمِنٍ، وَأُخْرَى لِرُؤْيَةِ قِرْدٍ، وَأُخْرَى لِرُؤْيَةِ نُغَاشٍ» - بِالنُّونِ، وَالْغَيْنِ، وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ - قِيلَ: نَاقِصُ الْخِلْقَةِ، وَقِيلَ: الْمُبْتَلَى، وَقِيلَ: مُخْتَلِطُ الْعَقْلِ. (وَلَا يُكْرَهُ سُجُودٌ) لِلَّهِ تَعَالَى، (وَتَعْفِيرُ وَجْهٍ بِتُرَابٍ، لِدُعَاءٍ) ، أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ، فَهَذَا سُجُودٌ لِأَجْلِ الدُّعَاءِ، وَلَا شَيْءَ يَمْنَعُهُ، (وَالْمَكْرُوهُ) هُوَ (السُّجُودُ بِلَا سَبَبٍ قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ. [فَصْلٌ أَوْقَاتُ النَّهْي عَنْ الصَّلَاةِ] (فَصْلٌ) (أَوْقَاتِ النَّهْي) عَنْ الصَّلَاةِ: (خَمْسَةٌ) ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ: بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَهُوَ يَشْمَلُ وَقْتَيْنِ، وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ، وَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى أَحَادِيثِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ؛ فَالْأَوْقَاتُ الْخَمْسَةُ: أَحَدُهَا: (مِنْ طُلُوعِ فَجْرٍ) ثَانٍ (لِطُلُوعِ شَمْسٍ) ، لِحَدِيثِ «إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ؛ فَلَا صَلَاةَ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ هُوَ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ. وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ «وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ خِطَابٍ، فَالْمَنْطُوقُ أَوْلَى مِنْهُ. (وَ) الثَّانِي: (مِنْ طُلُوعِهَا) ، أَيْ: الشَّمْسِ (لِارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ) فِي رَأْيِ الْعَيْنِ. (وَ) الثَّالِثُ: (عِنْدَ قِيَامِهَا) ، أَيْ: الشَّمْسِ (حَتَّى تَزُولَ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 (وَ) الرَّابِعُ: (مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَلَوْ) كَانَتْ (مَجْمُوعَةً) مَعَ ظُهْرٍ فِي (وَقْتِ ظُهْرٍ، لِ) شُرُوعِهَا فِي (غُرُوبٍ) ، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نُقْبِرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، حِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالظَّهِيرَةُ: شِدَّةُ الْحَرِّ، وَقَائِمُهَا: الْبَعِيرُ يَكُونُ بَارِكًا فَيَقُومُ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الْأَرْضِ، وَتَضَيُّفُ: بِمُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقٍ مَفْتُوحَةٍ، ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ، ثُمَّ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ، أَيْ: تَمِيلُ، وَمِنْهُ: الضَّيْفُ، تَقُولُ: أَضَفْتُ فُلَانًا إذَا أَمَلْتَهُ إلَيْكَ وَأَنْزَلْتَهُ عِنْدَكَ. (وَلَا اعْتِبَارَ) لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ (بِصَلَاةِ غَيْرِهِ) ، بَلْ الِاعْتِبَارُ بِصَلَاتِهِ نَفْسِهِ، فَيَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ وَلَوْ صَلَّى غَيْرَهُ، وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عِنْد مَنْ مَنَعَ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ، (وَ) الِاعْتِبَارُ بِفَرَاغِ صَلَاةِ الْعَصْرِ، (لَا بِشُرُوعِهِ) فِيهَا، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا ثُمَّ قَلَبَهَا نَفْلًا (قَبْلَ فَرَاغِهَا) ؛ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّطَوُّعِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ» وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِفَرَاغِهَا. (وَ) الْخَامِسُ: (عِنْدَ غُرُوبِ) شَمْسٍ (حَتَّى يَتِمَّ) ، لِمَا تَقَدَّمَ، (فَيَحْرُمُ إيقَاعُ) صَلَاةِ (تَطَوُّعٍ أَوْ) إيقَاعُ (بَعْضِهِ) ، أَيْ: التَّطَوُّعِ بِغَيْرِ مَا اُسْتُثْنِيَ (فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ) الْخَمْسَةِ، كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعٍ، فَدَخَلَ وَقْتُ النَّهْي وَهُوَ فِيهَا؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَتُهَا، قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (حَتَّى صَلَاةٍ عَلَى قَبْرٍ) ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دُونَ شَهْرٍ، (وَ) حَتَّى صَلَاةٍ عَلَى مَيِّتٍ (غَائِبٍ) ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ إنَّمَا أُبِيحَتْ وَقْتَ النَّهْيِ خَشْيَةَ الِانْفِجَارِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ، وَالْغَائِبُ. (وَلَا يَقْطَعُهَا) ، أَيْ: صَلَاةَ التَّطَوُّعِ (إنْ دَخَلَ وَقْتُ نَهْيٍ وَهُوَ) أَيْ: الْمُتَطَوِّعُ (فِيهَا) ، أَيْ: فِي الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ، (قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ) . وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ إتْمَامَ النَّفْلِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ لَا بَأْسَ بِهِ، بَلْ يُخَفِّفُهُ. (وَيَتَّجِهُ) : حَيْثُ جَازَ لِلْمُتَطَوِّعِ إتْمَامُ مَا شَرَعَ فِيهِ مَعَ التَّخْفِيفِ؛ فَيَجِبُ (جُلُوسُهُ) إنْ دَخَلَ وَقْتُ النَّهْيِ حَالَ تَلَبُّسِهِ فِي سُجُودِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (فَوْرًا، لِيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ) ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَشَهُّدٍ، لِيَصْدُقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَتَمَّ نَفْلَهُ مَعَ التَّخْفِيفِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَأْثَمُ بِاسْتِدَامَتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 (وَلَا يَنْعَقِدُ) التَّطَوُّعُ (إنْ ابْتَدَأَهُ) مُصَلٍّ (فِيهَا) ، أَيْ: أَوْقَاتِ النَّهْيِ، (وَلَوْ) كَانَ (جَاهِلًا) بِالتَّحْرِيمِ أَوْ بِكَوْنِهِ وَقْتَ نَهْيٍ، لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. (أَوْ) كَانَ مَا تَطَوَّعَ بِهِ (لَهُ سَبَبٌ، كَسُجُودِ تِلَاوَةٍ) وَشُكْرٍ، (وَصَلَاةِ كُسُوفٍ) وَاسْتِسْقَاءٍ، (وَقَضَاءِ) سُنَّةٍ (رَاتِبَةٍ) كَسُنَّةِ صُبْحٍ إذَا صَلَّاهَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، أَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ، (وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ) ، وَسُنَّةِ وُضُوءٍ وَاسْتِخَارَةٍ، لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَإِنَّمَا تَرَجَّحَ عُمُومُهَا عَلَى أَحَادِيثِ التَّحِيَّةِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهَا حَاضِرَةٌ، وَتِلْكَ مُبِيحَةٌ، وَالصَّلَاةُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَ (لَا) يَحْرُمُ إيقَاعُ نَافِلَةٍ (تَبَعًا) كَرَكْعَتَيْ طَوَافٍ بَعْدَهُ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِيهَا بِقَوْلِهِ: (إلَّا) تَحِيَّةَ مَسْجِدٍ مِمَّنْ دَخَلَهُ (حَالَ خُطْبَةِ جُمُعَةٍ) ؛ فَيَفْعَلُهَا وَلَوْ حَالَ قِيَامِ الشَّمْسِ قَبْلَ زَوَالِهَا، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ، إلَّا يَوْمَ جُمُعَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَ) إلَّا (سُنَّةَ فَجْرٍ حَاضِرَةٍ قَبْلَهَا) ، أَيْ: صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ فَلَا تُفْعَلُ بَعْدَهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ. (وَ) إلَّا (سُنَّةَ ظُهْرٍ مَجْمُوعَةٍ) مَعَ عَصْرٍ. (وَلَوْ جَمْعَ تَأْخِيرٍ بَعْدَهَا) ، أَيْ: بَعْدَ الْعَصْرِ، لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، «قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ صَلَّيْتَ صَلَاةً لَمْ أَكُنْ أَرَاك تُصَلِّيهَا، فَقَالَ: إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَإِنَّهُ قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ فَشَغَلُونِي عَنْهُمَا؛ فَهُمَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ جَمْعٌ، فَلِذَلِكَ صَحَّحَ الشَّارِحُ أَنَّ الرَّاتِبَةَ تُقْضَى بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 (وَ) إلَّا (رَكْعَتَيْ طَوَافٍ) ، لِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ؛ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِيهِ فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. (وَ) إلَّا (إعَادَةَ جَمَاعَةٍ أُقِيمَتْ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ بِشَرْطِهِ) ، وَهُوَ أَنْ لَا يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ لِأَجْلِ الْإِعَادَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أُقِيمَتْ وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَصَلِّ، وَلَا تَقُلْ: إنِّي صَلَّيْتُ، فَلَا أُصَلِّي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ. (وَيَجُوزُ فِعْلُ) صَلَاةٍ (مَنْذُورَةٍ) نَذْرًا مُطْلَقًا فِيهَا، (وَ) يَجُوزُ (نَذْرُهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (فِيهَا) ، أَيْ: فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ، أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ، (وَ) يَجُوزُ فِيهَا أَيْضًا (قَضَاءُ فَوَائِتَ) لِحَدِيثِ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا؛ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِحَدِيثِ «إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ؛ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ؛ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَ (لَا) تَجُوزُ (صَلَاةُ جِنَازَةٍ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا إلَّا بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ) ، لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَتَقَدَّمَ. وَذِكْرُهُ لِلصَّلَاةِ فِي الْحَدِيثِ مَقْرُونًا بِالدَّفْنِ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ غَيْرِ الْخَمْسِ، أَشْبَهَتْ النَّوَافِلَ، وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ فِي الْوَقْتَيْنِ الطَّوِيلَيْنِ لِطُولِ مُدَّتِهِمَا، فَالِانْتِظَارُ يُخَافُ مِنْهُ عَلَيْهَا، وَكَذَا إنْ خِيفَ عَلَيْهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْقَصِيرَةِ لِلْعُذْرِ. (وَمَكَّةَ كَغَيْرِهَا فِي النَّهْيِ) عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، إلَّا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ. (وَإِنْ) أَرَادَ التَّطَوُّعَ، وَ (شَكَّ فِي دُخُولِهِ) ، أَيْ: وَقْتِ النَّهْيِ؛ (فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ) ، أَيْ: إبَاحَةُ الصَّلَاةِ إلَى أَنْ يُتَيَقَّنَ دُخُولُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 (وَيَتَّجِهُ: وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ) ، أَيْ: إذَا تَيَقَّنَ دُخُولَ وَقْتِ النَّهْيِ. وَشَكَّ فِي خُرُوجِهِ، فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ] (فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ) (الْقِرَاءَةُ تُبَاحُ بِكُلِّ زَمَانٍ) مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَقْتِ نَهْيٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَمَكَانٍ) فِي الْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ وَالصَّحَارَى وَغَيْرِهَا، (وَ) بِكُلِّ (حَالٍ) ، أَيْ: قَائِمًا كَانَ أَوْ جَالِسًا، مُضْطَجِعًا أَوْ عَلَى جَنْبٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: إنِّي لَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ عَلَى سَرِيرِي رَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ. (وَلَوْ مَعَ نَجَاسَةِ فَمٍ) أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمَنْعِ، (لِسِوَى مُتَخَلٍّ وَمَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ) ؛ فَتُحْرَمُ عَلَيْهِمَا. (وَتُسَنُّ) الْقِرَاءَةُ (عَلَى أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ مِنْ طَهَارَةِ) الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، (وَاسْتِقْبَالِ) قِبْلَةٍ، (وَلَا بَأْسَ بِهَا لِمُضْطَجِعٍ، وَمَاشٍ وَنَحْوِهِ) كَرَاكِبٍ، (وَلَا تُكْرَهُ بِطَرِيقٍ) . قَالَ إبْرَاهِيمُ التَّمِيمِيُّ: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ. (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا بَأْسَ بِهَا (مَعَ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ مَعَ نَجَاسَةِ بَدَنٍ وَثَوْبٍ، وَلَا حَالَ مَسِّ ذَكَرٍ وَ) ، حَالَ مَسِّ (نَحْوِ زَوْجَةٍ) وَجَارِيَةٍ مُبَاحَةٍ لَهُ. (وَتُكْرَهُ) الْقِرَاءَةُ (بِمَوَاضِعَ قَذِرَةٍ) تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ. (وَ) تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ (حَالَ خُرُوجِ رِيحٍ) مِنْ قَارِئٍ، فَإِذَا غَلَبَهُ الرِّيحُ؛ أَمْسَكَ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يُخْرِجَهُ، ثُمَّ يَشْرَعُ بِهَا. (وَ) يُكْرَهُ (جَهْرٌ بِهَا) ، أَيْ: الْقِرَاءَةِ (مَعَ جِنَازَةٍ) ، وَيَأْتِي. (وَكَرِهَهَا) ، أَيْ: الْقِرَاءَةَ (ابْنُ عَقِيلٍ بِأَسْوَاقٍ يُنَادَى فِيهَا بِبَيْعٍ. وَحَرُمَ رَفْعُ صَوْتِ) الْقَارِئ (بِهَا) ، أَيْ: بِالْقِرَاءَةِ بِأَسْوَاقٍ (مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 اشْتِغَالِهِمْ) أَيْ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ (بِتِجَارَةٍ وَعَدَمُ اسْتِمَاعِهِمْ لَهُ) قَالَ فِي الْفُنُونِ، قَالَ حَنْبَلٌ: كَثِيرٌ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ يَخْرُجُ مَخْرَجَ الطَّاعَةِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَهِيَ مَأْثَمٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مِثْلُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَسْوَاقِ، يَصِيحُ فِيهَا أَهْلُ السُّوقِ بِالنِّدَاءِ وَالْبَيْعِ، وَلَا أَهْلَ السُّوقِ يُمْكِنُهُمْ الِاسْتِمَاعَ، وَذَلِكَ (لِمَا فِيهِ مِنْ الِامْتِنَانِ) ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: لَا يَجُوزُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ فِي الْأَسْوَاقِ مَعَ اشْتِغَالِ أَهْلِهَا بِتِجَارَتِهِمْ، وَعَدَمِ اسْتِمَاعِهِمْ لَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ الِامْتِنَانِ. (وَكُرِهَ رَفْعُ صَوْتٍ بِقِرَاءَةِ تُغَلِّطُ الْمُصَلِّينَ) لِاشْتِغَالِهِمْ. (وَيَتَّجِهُ التَّحْرِيمُ) : أَيْ: تَحْرِيمُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةٍ تُغَلِّطُ الْمُصَلِّينَ (لِلْإِيذَاءِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ لَهُمْ الْقِرَاءَةُ إذَنْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ السُّرْعَةَ فِي الْقِرَاءَةِ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى: (إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ وَتَرْكُهَا) ، أَيْ: السُّرْعَةِ (أَكْمَلُ) ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيلَ مُسْتَحَبٌّ. (وَكَرِهَ أَصْحَابُنَا قِرَاءَةَ الْإِدَارَةِ) ، وَقَالَ حَرْبٌ: حَسَنَةٌ، وَهِيَ: (بِأَنْ يَقْرَأَ قَارِئٌ، ثُمَّ يَقْطَعَ، ثُمَّ يَقْرَأَ غَيْرُهُ) بِمَا بَعْدَ قِرَاءَتِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَعَادَ مَا قَرَأَهُ الْأَوَّلُ، وَهَكَذَا؛ فَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُدَارِسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنَ بِرَمَضَانَ. (وَحَكَى الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا) أَيْ: قِرَاءَةَ الْإِدَارَةِ (حَسَنَةٌ، كَالْقِرَاءَةِ مُجْتَمَعِينَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ) . وَلَوْ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِقِرَاءَةٍ وَدُعَاءٍ وَذِكْرٍ؛ فَعَنْهُ: وَأَيُّ شَيْءٍ أَحْسَنُ مِنْهُ، كَمَا قَالَتْ الْأَنْصَارُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: مَا أَكْرَهَهُ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى عَمَلٍ إلَّا أَنْ يُكْثِرُوا، قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: يَعْنِي: يَتَّخِذُوهُ عَادَةً. قَالَ فِي الْفُنُونِ: أَبْرَأُ إلَى اللَّهِ مِنْ جُمُوعِ أَهْلِ وَقْتِنَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ لَيَالِيَ يُسَمُّونَهَا إحْيَاءً. (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) وَالْأَصْحَابُ (قِرَاءَةَ الْأَلْحَانِ، وَقَالَ: هِيَ بِدْعَةٌ) ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُتَّخَذَ الْقُرْآنُ مَزَامِيرَ، يُقَدِّمُونَ أَحَدَهُمْ لَيْسَ بِأَقْرَئِهِمْ وَلَا أَفْضَلِهِمْ، إلَّا لِيُغَنِّيَهُمْ غِنَاءً» وَلِأَنَّ الْإِعْجَازَ فِي لَفْظِ الْقُرْآنِ وَنَظْمِهِ، وَالْأَلْحَانُ تُغَيِّرُهُ. (فَإِنْ حَصَلَ مَعَهَا) ، أَيْ: الْأَلْحَانِ (تَغْيِيرُ نَظْمِ الْقُرْآنِ، كَجَعْلِ الْحَرَكَاتِ حُرُوفًا: حَرُمَ) ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ عَنْ ذَلِكَ) ، أَيْ: عَنْ تَغْيِيرِ نَظْمِ الْقُرْآنِ، (فَقَالَ لِلسَّائِلِ: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ، فَقَالَ: أَيَسُرُّكَ أَنْ يُقَالَ لَكَ: يَا مو حَامِدُ؟) فَقَالَ: لَا (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (التَّلْحِينُ الَّذِي يُشْبِهُ الْغِنَاءَ مَكْرُوهٌ) . وَلَا يُكْرَهُ التَّرْجِيعُ، وَتَحْسِينُ الْقِرَاءَةِ، بَلْ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ. يَجْهَرُ بِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» وَقَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» قَالَ طَائِفَةٌ: مَعْنَاهُ: تَحْسِينُ قِرَاءَتِهِ وَالتَّرَنُّمُ، وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَجَمَاعَةٌ: يَتَغَنَّى بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 (وَسُنَّ تَعَوُّذٌ قَبْلَ قِرَاءَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] . (وَ) سُنَّ (حَمْدُ اللَّهِ) تَعَالَى (عِنْدَ قَطْعِهَا) ، أَيْ: الْفَرَاغِ مِنْ الْقِرَاءَةِ، (عَلَى تَوْفِيقِهِ وَنِعْمَتِهِ) عَلَيْهِ، لِجَعْلِهِ مِنْ آلِ الْقُرْآنِ. (وَ) سُنَّ (سُؤَالُ ثَبَاتٍ) عَلَيْهَا، (وَ) إلْهَامِ قَصْدٍ (إخْلَاصٌ) فِي الْقِرَاءَةِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ. (وَإِنْ قَطَعَهَا) ، أَيْ: الْقِرَاءَةَ (قَطْعَ تَرْكٍ) وَإِهْمَالٍ، (ثُمَّ أَرَادَهَا؛ أَعَادَ التَّعَوُّذَ، وَ) إنْ قَطَعَهَا (قَطْعًا لِعُذْرٍ، عَازِمًا عَلَى إتْمَامِهَا إذَا زَالَ) الْعُذْرُ (كَتَنَاوُلِ شَيْءٍ) أَوْ إعْطَائِهِ، أَوْ أَجَابَ سَائِلًا أَوْ عَطَسَ وَنَحْوِهِ؛ (فَلَا) يُعِيدُ التَّعَوُّذَ؛ لِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ - قَالَ فِي الْآدَابِ -: فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا، ثُمَّ يَقْرَأَ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لِلِاسْتِحْبَابِ، فَلَا تَسْقُطُ بِتَرْكِهَا إذَنْ، لِأَنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي ذَلِكَ، أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا حَتَّى فَرَغَ؛ سَقَطَتْ. (وَتَفَهُّمٌ فِيهِ) ، أَيْ: الْقُرْآنِ (وَتَدَبُّرٌ بِقَلْبٍ أَفْضَلُ مِنْ إدْرَاجِهِ كَثِيرًا بِغَيْرِ تَفَهُّمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: يُحَسِّنُ الْقَارِئُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، وَيَقْرَؤُهُ بِحُزْنٍ وَتَدَبُّرٍ) ، «لِقَوْلِ أَبِي مُوسَى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْمَعُ قِرَاءَتِي لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا» وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَتَحْسِينُ الصَّوْتِ وَالتَّرَنُّمُ مُسْتَحَبٌّ إذَا لَمْ يُفِضْ إلَى زِيَادَةِ حَرْفٍ فِيهِ أَوْ تَغْيِيرِ لَفْظِهِ. وَمِنْ الْآدَابِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو مُوسَى: الْبُكَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَبْكِ فَلْيَتَبَاكَ وَأَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ عِنْدَ آيَةِ الرَّحْمَةِ، وَيَتَعَوَّذَ عِنْدَ آيَةِ الْعَذَابِ، وَلَا يَقْطَعَهَا لِحَدِيثِ النَّاسِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: إلَّا مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 حَاجَةٍ، وَأَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُ عَلَى الْعُدُولِ الصَّالِحِينَ الْعَارِفِينَ بِمَعْنَاهَا، وَأَنْ يَتَطَهَّرَ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ إذَا قَرَأَ قَاعِدًا، وَيَتَحَرَّى أَنْ يَعْرِضَهُ كُلَّ عَامٍ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ، وَيَفْصِلَ كُلَّ سُورَةٍ مِمَّا قَبْلَهَا بِالْوَقْفِ أَوْ التَّسْمِيَةِ، وَيَتْرُكَ الْمُبَاهَاةَ، وَلَا يَطْلُبَ بِهِ الدُّنْيَا، بَلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَا سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَقَنَاعَةٍ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ. زَادَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى وَغَيْرُهُ: وَأَنْ لَا يَجْهَرَ بَيْنَ مُصَلِّينَ، أَوْ نِيَامٍ، أَوْ تَالِينَ جَهْرًا يُؤْذِيهِمْ. (وَيُمَكِّنَ حُرُوفَ مَدٍّ وَلِينٍ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ) ، لِقَوْلِهِ: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] . (وَذَكَرَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ مَا جَاءَ فِي الْفِكْرِ) مِنْ الثَّوَابِ؛ فَقَالَ: (وَتَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ جَمْعِ الْهِمَّةِ وَتَرْكِ الْمُثَبِّطَاتِ عَنْ السَّيْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، (وَعَنْهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (الْإِسْرَاعُ) بِالْقِرَاءَةِ (أَفْضَلُ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْقِرَاءَةِ، (وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ جَاءَ: بِكُلِّ حَرْفٍ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً) ؛ يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَأَعْرَبَهُ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عِشْرُونَ حَسَنَةً» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوَّلُ النَّهَارِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِهِ آخِرِهِ) ، وَلَعَلَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] (وَقِرَاءَةُ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ، يَعْنِي: مِنْ الْقُرَّاءِ) السَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ (- رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) تَعَالَى، (وَ) قِرَاءَةُ (الْأُخْرَى بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ آخَرَ) (جَائِزٌ وَلَوْ بِصَلَاةٍ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إحَالَةٌ) ، أَيْ: تَغْيِيرٌ (لِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ) فَيَمْتَنِعُ، وَالْأَوْلَى بَقَاؤُهُ عَلَى الْأَوْلَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: إنْ كَانَتْ إحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ مُرَتَّبَةً عَلَى الْأُخْرَى؛ فَالْمَنْعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 تَحْرِيمٌ، كَقِرَاءَةٍ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] بِرَفْعِهِمَا، أَوْ نَصْبِهِمَا، وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا تُجِيزُهُ الْعَرَبِيَّةُ، وَلَا يَصْلُحُ فِي اللُّغَةِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ مَقَامِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ قَرَأَ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الرِّوَايَةِ؛ لَا يَجُوزُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَذِبٌ فِي الرِّوَايَةِ، وَتَخْلِيطٌ عَلَى أَهْلِ الدِّرَايَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التِّلَاوَةِ وَالْقِرَاءَةِ؛ فَإِنَّهُ جَائِزٌ صَحِيحٌ مَقْبُولٌ لَا مَنْعَ فِيهِ، وَإِنْ كُنَّا نَعِيبُهُ عَلَى أَئِمَّةِ الْقِرَاءَاتِ، الْعَارِفِينَ بِالرِّوَايَاتِ، لَكِنْ مِنْ وَجْهِ تَسَاوِي الْعُلَمَاءِ بِالْعَوَامِّ، لَا مِنْ وَجْهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ؛ إذْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ تَخْفِيفًا عَلَى الْأُمَّةِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِمْ قِرَاءَةَ كُلِّ رِوَايَةٍ عَلَى حِدَةٍ، لَشَقَّ عَلَيْهِمْ تَمْيِيزُ الْقِرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ. (وَسُنَّ تَحْسِينُ الْقِرَاءَةِ وَتَرْتِيلُهَا) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا، يَعْنِي: إنَّ التَّرْتِيلَ وَالتَّدَبُّرَ، مَعَ قِلَّةِ الْقِرَاءَةِ، أَفْضَلُ مِنْ السُّرْعَةِ مَعَ كَثْرَتِهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقُرْآنِ فَهْمُهُ وَتَدَبُّرُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْمُرَتِّلُ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِجَوْهَرَةٍ عَظِيمَةٍ، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ نَفِيسَةٌ جِدًّا، وَالْمُسْرِعُ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَأَعْتَقَ عَدَدًا مِنْ الْعَبِيدِ قِيمَتَهُمْ رَخِيصَةٌ. (وَ) سُنَّ (إعْرَابُهَا) ، أَيْ: الْقِرَاءَةِ، لِحَدِيثِ: «أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ، وَالْتَمِسُوا فِي إعْرَابِهِ» ، (وَهُوَ) ، أَيْ: الْإِعْرَابُ هُنَا: (مَعْرِفَةُ مَعَانِي أَلْفَاظِهَا) ، أَيْ: الْقِرَاءَةِ. (وَأَمَّا الْإِعْرَابُ النَّحْوِيُّ؛ فَيَجِبُ، وَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ عَمْدًا، وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ لِتَغْيِيرِهِ الْقِرَاءَةَ) ، ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 (وَتُسَنُّ) الْقِرَاءَةُ (بِمُصْحَفٍ) لِإِشْغَالِ حَاسَّةِ الْبَصَرِ بِالْعِبَادَةِ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَكَادُ يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعًا. (وَ) يُسَنُّ (اسْتِمَاعٌ لَهَا) ، أَيْ: الْقِرَاءَةِ، لِيُشَارِكَ الْقَارِئَ فِي أَجْرِهِ. (وَكُرِهَ حَدِيثٌ عِنْدَهَا) ، أَيْ: الْقِرَاءَةِ (بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَلِأَنَّهُ إعْرَاضٌ عَنْ الِاسْتِمَاعِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ. (وَسُنَّ حِفْظُ الْقُرْآنِ إجْمَاعًا، وَحِفْظُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إجْمَاعًا) قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كَرَامَةٌ أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا بَنِي آدَمَ، وَالْمَلَائِكَةُ لَمْ يُعْطَوْا هَذِهِ الْفَضِيلَةَ، وَهِيَ حَرِيصَةٌ عَلَى اسْتِمَاعِهِ مِنْ الْإِنْسِ. انْتَهَى. قَالَ الدَّمِيرِيِّ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ جِبْرِيلَ أَنَّهُ هُوَ النَّازِلُ بِالْقُرْآنِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} [الصافات: 3] ، أَيْ: تَتْلُو الْقُرْآنَ. انْتَهَى. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ ابْنِ الصَّلَاحِ الْمَلَائِكَةُ غَيْرَ جِبْرِيلَ، أَوْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ نُزُولِهِ بَقَاءُ حِفْظِهِ لَهُ جُمْلَةً؛ لَكِنْ يُبْعِدُهُ حَدِيثُ مُدَارَسَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ الْقُرْآنَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: كَانَ يُلْهِمُهُ إلْهَامًا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى تَبْلِيغِهِ، وَأَمَّا تِلَاوَةُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ؛ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا حِفْظُهُ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: أَنَّهُ يَحْصُلُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِحِفْظِ جَمِيعِ الْقُرْآنِ (مِنْ شَخْصٍ) وَاحِدٍ (لَا أَنْ كُلًّا) مِنْ جَمَاعَةٍ (يَحْفَظُ بَعْضًا) مِنْ الْقُرْآنِ، بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ مَا مَعَهُمْ لَاجْتَمَعَ جَمِيعُهُ؛ فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 يَسْقُطُ بِهِمْ الْفَرْضُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَيَجِبُ حِفْظُ مَا) أَيْ: قَدْرِ (يَجِبُ فِي صَلَاةٍ، كَفَاتِحَةٍ) ، لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا. (وَهُوَ) ، أَيْ: الْقُرْآنُ (أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الذِّكْرِ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي؛ أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ. وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. لَكِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْمَأْثُورِ مِنْ الذِّكْرِ فِي مَحَلِّهِ، كَأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ؛ أَفْضَلُ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ. (وَ) الْقُرْآنُ (أَفْضَلُ مِنْ تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ) وَزَبُورٍ، وَسَائِرِ الصُّحُفِ، (وَبَعْضُهُ) ، أَيْ: الْقُرْآنِ (أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ) إمَّا بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وَالْفَاتِحَةِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ صَرْفَ الزَّمَانِ فِي (مَا وَرَدَ) أَنْ يُتْلَى (فِيهِ) مِنْ الْأَوْقَاتِ (ذِكْرٌ خَاصٌّ) ، كَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ، وَالْمُقِيمِ، وَمَا يُقَالُ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ، وَفِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْجُمُعَةِ (أَفْضَلُ مِنْ) صَرْفِهِ فِي (قِرَاءَةِ) الْقُرْآنِ تَأَدُّبًا أَنْ يُفَضَّلَ شَيْءٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ، بَلْ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِهِمْ. (وَيُقَدَّمُ صَبِيٌّ بِتَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ كُلَّهُ قَبْلَ الْعِلْمِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَرَأَ أَوَّلًا؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 تَعَوَّدَ الْقِرَاءَةَ، ثُمَّ لَزِمَهَا (إلَّا أَنْ يَعْسَرَ) عَلَيْهِ حِفْظُهُ كُلِّهِ؛ فَيَقْرَأُ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ. (وَيُقَدَّمُ مُكَلَّفُ الْعِلْمِ بَعْدَ قِرَاءَةِ مَا يَجِبُ فِي صَلَاةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، (كَمَا يُقَدَّمُ كَبِيرُ نَفْلِ عِلْمٍ عَلَى نَفْلِ قِرَاءَةٍ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ. (وَسُنَّ خَتْمُهُ) فِي (كُلِّ أُسْبُوعٍ) ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي النَّهَارِ كُلَّ أُسْبُوعٍ، يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعًا، لَا يَكَادُ يَتْرُكُهُ نَظَرًا، أَيْ: فِي الْمُصْحَفِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، وَلَا تَزِيدَنَّ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَإِنْ قَرَأَهُ فِي ثَلَاثٍ؛ فَحَسَنٌ) ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنَّ لِي قُوَّةً، قَالَ: اقْرَأْهُ فِي ثَلَاثٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَلَا بَأْسَ بِهِ) ، أَيْ: بِالْخَتْمِ (فِيمَا دُونَهَا) ، أَيْ: الثَّلَاثِ (أَحْيَانَا) . (وَسُنَّ إكْثَارُ قِرَاءَةٍ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ فَاضِلٍ، كَرَمَضَانَ وَمَكَّةَ، اغْتِنَامًا لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) . قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ بِالنَّشَاطِ وَعَدَمِ الْمَشَقَّةِ؛ فَمَنْ وَجَدَ نَشَاطًا فِي خَتْمِهِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ؛ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا؛ كُرِهَ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَخْتِمُهُ فِي لَيْلَةٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمْعٍ مِنْ السَّلَفِ. (وَكُرِهَ تَأْخِيرُ خَتْمِ) الْقُرْآنِ (فَوْقَ أَرْبَعِينَ) يَوْمًا (بِلَا عُذْرٍ) ، قَالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ مَا سَمِعْتُ؛ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ فِي أَرْبَعِينَ. وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى نِسْيَانِهِ وَالتَّهَاوُنِ بِهِ. (وَحَرُمَ) تَأْخِيرُ الْخَتْمِ فَوْقَ أَرْبَعِينَ (إنْ خَافَ نِسْيَانَهُ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: مَا أَشَدُّ مَا جَاءَ فِيمَنْ حَفِظَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ) ، صَاحِبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ (فِي مَعْنَى حَدِيثِ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ: الْمُرَادُ بِالنِّسْيَانِ: أَنْ لَا يُمْكِنَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 الْمُصْحَفِ) ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ. (وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ نَسِيَ الْقُرْآنَ لِاشْتِغَالِهِ بِعِلْمٍ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ، فَهُوَ غَيْرُ مَأْثُومٍ) . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ (يَخْتِمَ بِشِتَاءٍ أَوَّلَ لَيْلٍ) لِطُولِهِ، (وَبِصَيْفٍ أَوَّلَ نَهَارٍ) لِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَكَانَ يُعْجِبُ أَحْمَدَ، لِمَا رَوَى طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ؛ قَالَ: أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْخَيْرِ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَيَسْتَحِبُّونَ الْخَتْمَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَأَوَّلَ النَّهَارِ؛ يَقُولُونَ: إذَا خَتَمَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ؛ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِذَا خَتَمَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ؛ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. (وَيَجْمَعُ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ عِنْدَ خَتْمِهِ) رَجَاءَ عَوْدِ نَفْعِ ذَلِكَ وَثَوَابِهِ إلَيْهِمْ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ رَجُلًا يُرَاقِبُ رَجُلًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْتِمَ؛ أَعْلَمَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَيَشْهَدُ ذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: كَانَ أَنَسٌ إذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ، وَدَعَا " وَيُسْتَحَبُّ إذَا فَرَغَ مِنْ الْخَتْمَةِ أَنْ يَشْرَعَ فِي أُخْرَى، لِحَدِيثِ أَنَسٍ «خَيْرُ الْأَعْمَالِ: الْحِلُّ وَالرِّحْلَةُ؛ قِيلَ وَمَا هُمَا؟ قَالَ: افْتِتَاحُ الْقُرْآنِ، وَخَتْمُهُ» . (وَيَدْعُوَ) عَقِبَ الْخَتْمِ نَصًّا، لِفِعْلِ أَنَسٍ، وَتَقَدَّمَ. (وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُكَبِّرَ فَقَطْ) ، فَلَا يُسْتَحَبُّ التَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ (لِخَتْمِهِ آخِرَ كُلِّ سُورَةٍ مِنْ آخِرِ الضُّحَى) إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ " رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ " رَوَاهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " بِإِسْنَادِهِ. (وَلَا يُكَرِّرُ سُورَةَ الصَّمَدِ، وَلَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، وَخَمْسًا) ، أَيْ: خَمْسَ آيَاتٍ (مِنْ) أَوَّلِ (الْبَقَرَةِ عَقِبَ الْخَتْمِ نَصًّا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ فِيهِ أَثَرٌ صَحِيحٌ، (فَإِنْ فَعَلَ) ذَلِكَ؛ (فَلَا بَأْسَ) ، لَكِنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 [فَصْلٌ يُسَنُّ تَعَلُّمُ التَّأْوِيلِ] (فَصْلٌ) (يُسَنُّ تَعَلُّمُ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ) أَيْ: التَّأْوِيلُ (هُنَا: التَّفْسِيرُ) لَا إخْرَاجُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ. (وَيَجُوزُ تَفْسِيرُ) الْقُرْآنِ (بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ) الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ نَزَلَ بِهَا، وَ (لَا) يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ (بِالرَّأْيِ) مِنْ غَيْرِ لُغَةٍ وَلَا نَقْلٍ، (فَمَنْ قَالَ فِيهِ) ، أَيْ: الْقُرْآنِ، أَيْ: فَسَّرَهُ (بِرَأْيِهِ أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ) ، أَيْ: لِيَنْزِلْ مَنْزِلَهُ (مِنْ النَّارِ، وَأَخْطَأَ وَلَوْ أَصَابَ) ، لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجُوَيْنِيِّ عَنْ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ؛ فَقَدْ أَخْطَأَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَسُهَيْلٌ ضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. (وَيَلْزَمُ الرُّجُوعُ لِتَفْسِيرِ صَحَابِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ، وَحَضَرُوا التَّأْوِيلَ، فَهُوَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ. وَ (لَا) يَلْزَمُ الرُّجُوعُ لِتَفْسِيرِ (تَابِعِيٍّ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يُنْقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَا يُعَارِضُهُ مَا نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ: تَنْظُرُ مَا كَانَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ التَّابِعِينَ، لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى إجْمَاعِهِمْ، لَا عَلَى مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمْ. قَالَهُ الْقَاضِي (وَإِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ، فَهُوَ تَوْقِيفٌ) مِنْهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ اجْتِهَادٍ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 (وَحَرُمَ جَعْلُ الْقُرْآنِ بَدَلًا مِنْ الْكَلَامِ، مِثْلُ أَنْ يَرَى رَجُلًا جَاءَ فِي وَقْتِهِ. فَيَقُولُ {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طه: 40] فَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُسْتَعْمَلَ) الْقُرْآنُ (فِي غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّهَاوُنِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِتَعْظِيمِهِ وَاحْتِرَامِهِ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (إنْ قَرَأَ عِنْدَمَا يُنَاسِبُهُ فَحَسَنٌ، كَقَوْلِ مَنْ دُعِيَ لِذَنْبٍ تَابَ مِنْهُ: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور: 16] ، وَكَقَوْلِهِ عِنْدَ إصَابَتِهِ (وَعِنْدَ) مَا (أَهَمَّهُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] ، وَ) كَقَوْلِهِ (لِمَنْ اسْتَعْجَلَهُ) : {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا هُوَ مُنَاسِبٌ لِمُقْتَضَى الْحَالِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنْقِيصَ فِيهِ. (وَلَا يَجُوزُ نَظَرٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ نَصًّا) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «غَضِبَ حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ صَحِيفَةً مِنْ التَّوْرَاةِ. وَقَالَ: أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» . . .؟ ، " الْحَدِيثَ. (وَلَا) النَّظَرُ فِي (كُتُبِ أَهْلِ بِدَعٍ، وَ) لَا النَّظَرُ فِي (كُتُبٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ، وَلَا رِوَايَتُهَا) . لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ ضَرَرِ إفْسَادِ الْعَقَائِدِ. (وَيَتَّجِهُ جَوَازُ نَظَرٍ) فِي كُتُبِ أَهْلِ الْبِدَعِ: لِمَنْ كَانَ مُتَضَلِّعًا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعَ شِدَّةِ تَثَبُّتٍ. وَصَلَابَةِ دِينٍ، وَجَوْدَةِ فِطْنَةٍ، وَقُوَّةِ ذَكَاءٍ وَاقْتِدَارٍ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْأَدِلَّةِ، (لِرَدٍّ عَلَيْهِمْ) وَكَشْفِ أَسْرَارِهِمْ، وَهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ، لِئَلَّا يَغْتَرَّ أَهْلُ الْجَهَالَةِ بِتَمْوِيهَاتِهِمْ الْفَاسِدَةِ؛ فَتَخْتَلَّ عَقَائِدُهُمْ الْجَامِدَةُ. وَقَدْ فَعَلَهُ أَئِمَّةٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَلْزَمُوا أَهْلَهَا بِمَا لَمْ يُفْصِحُوا عَنْهُ جَوَابًا. وَكَذَلِكَ نَظَرُوا فِي التَّوْرَاةِ، وَاسْتَخْرَجُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 مِنْهَا ذِكْرَ نَبِيِّنَا مِنْ مَحَلَّاتٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمُصْحَفِ) فِي بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. [تَتِمَّةٌ يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ وَأَكْرَمِ الشَّمَائِلِ] ِ، قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: حَامِلُ الْقُرْآنِ حَامِلُ رَايَةِ الْإِسْلَامِ، لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَلْهُوَ مَعَ مَنْ يَلْهُو، وَلَا يَسْهُوَ مَعَ مَنْ يَسْهُو، وَلَا يَلْغُوَ مَعَ مَنْ يَلْغُو تَعْظِيمًا لِحَقِّ الْقُرْآنِ. [بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] (بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ) وَمَنْ تَجُوزُ إمَامَتُهُ، وَمَنْ الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ، وَمَوْقِفُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَمَا يُبِيحُ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْأَعْذَارِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. وَهِيَ (وَاجِبَةٌ) وُجُوبَ عَيْنٍ، (لِلْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] فَأَمَرَ بِالْجَمَاعَةِ حَالَ الْخَوْفِ، فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى، يُؤَكِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَثْقَلُ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا. وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ؛ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ أَيْضًا «أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّي فِي بَيْتِهِ؛ فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ: فَأَجِبْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " لَقَدْ رَأَيْتُنَا، وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنَّا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ. وَيُعَضِّدُ وُجُوبَ الْجَمَاعَةِ أَنَّ الشَّارِعَ شَرَعَهَا حَالَ الْخَوْفِ عَلَى صِفَةٍ لَا تَجُوزُ فِي الْأَمْنِ، وَأَبَاحَ الْجَمْعَ لِأَجْلِ الْمَطَرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا مُحَافَظَةً عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً؛ لَمَا جَازَ ذَلِكَ (عَلَى رِجَالٍ) لَا النِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى (أَحْرَارٍ) دُونَ الْعَبِيدِ وَالْمُبَعَّضِينَ، (قَادِرِينَ) عَلَيْهَا دُونَ ذَوِي الْأَعْذَارِ، (وَلَوْ سَفَرًا فِي شِدَّةِ خَوْفٍ) ، لِعُمُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ. (وَيُقَاتَلُ تَارِكُهَا) ، أَيْ: الْجَمَاعَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. (كَأَذَانٍ) ، أَيْ: كَمَا يُقَاتَلُ تَارِكُ الْأَذَانِ؛ لَكِنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا يُقَاتَلُ عَلَى تَرْكِهِ إذَا تَرَكَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ كُلُّهُمْ، بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّهُ يُقَاتَلُ تَارِكُهَا وَإِنْ أَقَامَهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى الْأَعْيَانِ بِخِلَافِهِ، (لَا شَرْطًا) ، أَيْ: لَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ نَصًّا، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَأَبَا دَاوُد. وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْذُورِ؛ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ لَوْلَا الْعُذْرُ لِلْخَبَرِ. وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجِبَ لِلْعِبَادَةِ شَيْءٌ، وَتَصِحُّ بِدُونِهِ كَوَاجِبَاتِ الْحَجِّ، وَكَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ؛ (فَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْ مُنْفَرِدٍ) لَا عُذْرَ لَهُ. (وَيَأْثَمُ، وَفِي صَلَاتِهِ فَضْلٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النِّسْبَةِ بَيْنَهُمَا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ ثُبُوتُ الْأَجْرِ فِيهِمَا، وَإِلَّا فَلَا نِسْبَةَ وَلَا تَقْدِيرَ. (وَتَفْضُلُ الْجَمَاعَةُ) عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ (بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 لِمَا تَقَدَّمَ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: لَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ الْفَذِّ مُفْرَدَةً؛ أَشْبَهَتْ الْعَدَدَ الْمُفْرَدَ، فَلَمَّا جُمِعَتْ مَعَ غَيْرِهَا أَشْبَهَتْ ضَرْبَ الْعَدَدِ، وَكَانَتْ خَمْسًا، فَضُرِبَتْ فِي خَمْسٍ؛ فَصَارَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَهِيَ غَايَةُ مَا يَرْتَفِعُ إلَيْهِ ضَرْبُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، وَأُدْخِلَتْ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ مَعَ الْمُضَاعَفَةِ، فِي الْحِسَابِ. (وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا (مَعَ عُذْرٍ) ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ؛ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ، صَحِيحًا مُقِيمًا» . (وَتَنْعَقِدُ) الْجَمَاعَةُ (بِاثْنَيْنِ) ، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: «وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» (فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ) ، لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِيهِمَا، (وَلَوْ) كَانَتْ الْجَمَاعَةُ (بِأُنْثَى) وَالْإِمَامُ رَجُلٌ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، (أَوْ) كَانَتْ بِ (عَبْدٍ) ، وَالْإِمَامُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ، لِمَا سَبَقَ. وَ (لَا) تَنْعَقِدُ (بِصَبِيٍّ) ، وَالْإِمَامُ بَالِغٌ (فِي فَرْضٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إمَامًا فِي الْفَرْضِ، وَيَصِحُّ فِي النَّفْلِ،؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ صَبِيٌّ فِي التَّهَجُّدِ» وَيَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ رَجُلٌ رَجُلًا مُتَنَفِّلًا. (وَتَحْصُلُ) الْجَمَاعَةُ (بِبَيْتِهِ وَصَحْرَاءَ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَطَهُورًا؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ؛ فَلْيُصَلِّ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَتُسَنُّ) الْجَمَاعَةُ (بِمَسْجِدٍ) ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ؛ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الشِّعَارِ، وَكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ إقَامَتُهَا بِالرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا، قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 أَدَّى ذَهَابُهُ إلَى الْمَسْجِدِ إلَى انْفِرَادِ أَهْلِهِ؛ فَالْمُتَّجِهُ إقَامَتُهَا فِي بَيْتِهِ تَحْصِيلًا لِلْوَاجِبِ. وَلَوْ كَانَ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى مُنْفَرِدًا، وَفِي بَيْتِهِ صَلَّى جَمَاعَةً؛ تَعَيَّنَ فِعْلُهَا فِي بَيْتِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ فِي جَمَاعَةٍ يَسِيرَةٍ، وَفِعْلِهَا فِي الْبَيْتِ فِي جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ؛ كَانَ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى (وَتُسَنُّ الْجَمَاعَةُ لِمَقْضِيَّةٍ وَكُسُوفٍ، وَاسْتِسْقَاءٍ، وَتَرَاوِيحَ) ، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ. (وَ) تُسَنُّ لِ (عَبِيدٍ وَصِبْيَانٍ وَخَنَاثَى) تَحْصِيلًا لِلْفَضِيلَةِ. (وَ) تُسَنُّ أَيْضًا (لِنِسَاءٍ مُنْفَرِدَاتٍ عَنْ رِجَالٍ فِي دُورِهِنَّ) ، لِفِعْلِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيّ. «وَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ وَرَقَةَ بِأَنْ تَجْعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَسَوَاءٌ كَانَ (مِنْهُنَّ إمَامُهُنَّ أَوْ لَا) ؛ لِأَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ، أَشْبَهْنَ الرِّجَالَ. (وَيُكْرَهُ لِحَسْنَاءَ) وَلَوْ غَيْرَ شَابَّةٍ (حُضُورُ جَمَاعَةٍ مَعَ رِجَالٍ) ، خَشْيَةَ الِافْتِتَانِ بِهَا، (وَيُبَاحُ الْحُضُورُ لِغَيْرِهَا) ، أَيْ: غَيْرِ الْحَسْنَاءِ، كَعَجَائِزَ لَا حُسْنَ لَهُنَّ، فَيَحْضُرْنَ الْجَمَاعَةَ (تَفِلَاتٍ، أَيْ: غَيْرَ مُطَيَّبَاتٍ) وَلَا مُزَيَّنَاتٍ يُقَالُ: تَفِلَتْ الْمَرْأَةُ تَفَلًا، مِنْ بَابِ، تَعِبَ؛ إذَا أَنْتَنَ رِيحُهَا لِتَرْكِ التَّطَيُّبِ وَالِادِّهَانِ، وَتَفِلَتْ: إذَا تَطَيَّبَتْ؛ فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، ذَكَرَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي " حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ "، (بِإِذْنِ أَزْوَاجِ) هِنَّ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَحْضُرْنَ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَأْتِي أَنَّهُ يَحْرُمُ خُرُوجُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا. (وَكَذَا مَجَالِسُ وَعْظٍ) وَأَوْلَى، لَكِنَّ بَيْتَهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ، لِلْخَبَرِ. (وَحَرُمَ عَلَيْهِنَّ) ، أَيْ: النِّسَاءِ (تَطَيُّبٌ لِحُضُورِ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِمَّا تَجْتَمِعُ فِيهِ الرِّجَالُ، كَصَلَاةِ عِيدٍ أَوْ اسْتِسْقَاءٍ، لِئَلَّا يُفْتَتَنَ بِهِنَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 (وَمَنْ اسْتَأْذَنَتْهُ امْرَأَتُهُ) إلَى الْمَسْجِدِ، (أَوْ اسْتَأْذَنَتْهُ أَمَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ، لَيْلًا أَوْ نَهَارًا؛ كُرِهَ) لَهُ (مَنْعُهَا) مِنْهُ، لِحَدِيثِ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» . (وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا، وَلَوْ) كُنَّ (بِمَكَّةَ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. (وَلِأَبٍ ثُمَّ وَلِيٍّ مَحْرَمٍ) لِامْرَأَةٍ كَأُمٍّ وَعَمٍّ (مَنْعُ مُوَلِّيَتِهِ) مِنْ خُرُوجٍ مِنْ بَيْتِهَا (إنْ خَشِيَ) بِخُرُوجِهَا (فِتْنَةً أَوْ ضَرَرًا) اسْتِصْحَابًا لِلْحَضَانَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: الزَّوْجُ أَمْلَكُ مِنْ الْأَبِ، (وَ) لِمَنْ ذُكِرَ مَنْعُهَا (مِنْ الِانْفِرَادِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ دُخُولُ مَنْ يُفْسِدُهَا، وَيُلْحِقُ الْعَارَ بِهَا وَبِأَهْلِهَا. (وَمَنْ بِطَرِيقِ مَسْجِدِهِ مُنْكَرٌ، كَغِنَاءٍ) ، لَمْ يَدَعْ الْمَسْجِدَ، بَلْ (يَمُرُّ وَيُنْكِرُهُ) بِحَسَبِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُنْكَرُ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَيَحْضُرُ؛ وَيُنْكِرُهُ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ) إتْيَانُ الْمَسْجِدِ (إلَّا بِمَشْيِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ؛ فَعَلَ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَتُسَنُّ لِأَهْلِ كُلِّ ثَغْرٍ) مِنْ ثُغُورِ الْإِسْلَامِ (اجْتِمَاعٌ بِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى لِلْكَلِمَةِ، وَأَوْقَعُ لِلْهَيْبَةِ، فَإِذَا جَاءَهُمْ خَبَرٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ؛ سَمِعَهُ جَمِيعُهُمْ وَتَشَاوَرُوا فِي أَمْرِهِمْ، وَإِنْ جَاءَهُمْ عَيْنٌ لِلْكُفَّارِ؛ رَأَى كَثْرَتَهُمْ، فَأَخْبَرَ بِهَا. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ إلَيَّ لَسَمَّرْت أَبْوَابَ الْمَسَاجِدِ الَّتِي لِلثُّغُورِ لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ. (وَالْأَفْضَلُ لِوَجِيهِ غَيْرِهِمْ) ، أَيْ: غَيْرِ أَهْلِ الثَّغْرِ (الْمَسْجِدُ الَّذِي لَا تُقَامُ فِيهِ) الْجَمَاعَةُ (إلَّا بِحُضُورِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَعْمُرُهُ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ، وَيُحَصِّلُهَا لِمَنْ يُصَلِّي فِيهِ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي غَيْرِهِ، (أَوْ تُقَامُ) فِيهِ الْجَمَاعَةُ (بِدُونِهِ) ، أَيْ: حُضُورِهِ؛ (لَكِنْ فِي قَصْدِهِ غَيْرَهُ كَسْرُ قَلْبِ إمَامِهِ أَوْ جَمَاعَتِهِ) ، فَجَبْرُ قُلُوبِهِمْ أَوْلَى، (قَالَهُ جَمْعٌ) ، مِنْهُمْ: الْمُوَفَّقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 وَالشَّارِحُ وَابْنُ تَمِيمٍ. (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَى حُضُورُهُ وَعَدَمُهُ، فَالْمَسْجِدُ (الْأَقْدَمُ) ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ فِيهِ أَسْبَقُ، (فَالْأَكْثَرُ جَمَاعَةً) ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْرًا، (وَأَبْعَدُ) مَسْجِدَيْنِ قَدِيمَيْنِ أَوْ جَدِيدَيْنِ (أَوْلَى مِنْ أَقْرَبَ، وَلَوْ كَثُرَ جَمْعُهُ) ، أَيْ: الْأَقْرَبِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْمُنَوِّرِ " لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: «إنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ أَجْرًا أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِكَثْرَةِ حَسَنَاتِهِ بِكَثْرَةِ خُطَاهُ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ اُعْتُبِرَ تَقْدِيمُ مَا كَانَ أَكْثَرَ جَمْعًا عَلَى الْأَبْعَدِ. (وَفَضِيلَةُ أَوَّلِ وَقْتٍ أَفْضَلُ مِنْ انْتِظَارِ كَثْرَةِ جَمْعٍ) ، قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: إنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَلَوْ قَلَّ الْجَمْعُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَتُقَدَّمُ جَمَاعَةٌ مُطْلَقًا عَلَى أَوَّلِ وَقْتٍ) ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَأَوَّلُ الْوَقْتِ سُنَّةٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَسْنُونٍ. (وَحَرُمَ أَنْ يَؤُمَّ بِمَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ) ، وَهُوَ (أَهْلٌ لَهَا) ، أَيْ: الْإِمَامَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَتَبْطُلُ فَائِدَةُ اخْتِصَاصِهِ بِالتَّقَدُّمِ، وَمَعَ الْإِذْنِ هُوَ نَائِبٌ عَنْهُ؛ (فَلَا تَصِحُّ) إمَامَةُ غَيْرِ الرَّاتِبِ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: الرَّاتِبِ بِلَا إذْنِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " الْمُبْدِعِ "، وَمَعْنَاهُ فِي " التَّنْقِيحِ "، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى "، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا تَصِحُّ (مَعَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ) ؛ فَيُبَاحُ لِلْمَأْذُونِ أَنْ يَؤُمَّ، وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ. (وَ) قُدِّمَ (فِي الرِّعَايَةِ ") أَنَّهَا (تَصِحُّ) مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَا يَحْرُمُ أَنْ يَؤُمَّ بَعْدَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 فَلَا افْتِئَاتَ عَلَيْهِ. وَفِي " الْإِقْنَاعِ ": إلَّا لِمَنْ يُعَادِي الْإِمَامَ، أَيْ: فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَؤُمَّ بَعْدَهُ لِقَصْدِهِ إيذَاءَهُ بِذَلِكَ فَيُشْبِهُ مَا لَوْ تَقَدَّمَهُ. (وَيُرَاسَلُ) رَاتِبٌ (إنْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتٍ مُعْتَادٍ مَعَ) سَعَةِ وَقْتٍ وَ (قُرْبِ) مَحَلِّهِ (وَعَدَمِ مَشَقَّةٍ) ، لِيَحْضُرَ أَوْ يَأْذَنَ أَوْ يُعْلَمَ عُذْرُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ (فَإِنْ تَأَخَّرَ) حُضُورُهُ، (وَضَاقَ وَقْتٌ) ؛ صَلَّوْا، (أَوْ بَعُدَ) مَحَلُّهُ، (أَوْ شَقَّ) الذَّهَابُ، إلَيْهِ، (أَوْ لَمْ يُظَنَّ حُضُورُهُ أَوْ ظُنَّ) حُضُورُهُ. (وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ) ، أَيْ: أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرُهُ مَعَ غَيْبَتِهِ؛ (صَلَّوْا) ، «لِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ حِينَ غَابَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفَعَلَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مَرَّةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَحْسَنْتُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَيَتَّجِهُ: وَصَاحِبُ بَيْتٍ أَهْلٌ لَهَا) ، أَيْ: الْإِمَامَةِ (كَرَاتِبٍ) ، فَيَحْرُمُ أَنْ يُؤَمَّ أَحَدٌ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِلْخَبَرِ، وَتَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ صَلَّى) فَرْضَهُ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: مُنْفَرِدًا، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، (ثُمَّ أُقِيمَتْ) الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 وَقْتَ نَهْيٍ أَوْ لَا؛ (سُنَّ) لَهُ (أَنْ يُعِيدَ) مَعَ الْجَمَاعَةِ ثَانِيًا مَعَ إمَامِ الْحَيِّ وَغَيْرِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أُقِيمَتْ وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَصَلِّ وَلَا تَقُلْ: إنِّي صَلَّيْتُ فَلَا أُصَلِّي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. (غَيْرَ مَغْرِبٍ) ، فَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهَا؛ لِأَنَّ الْمُعَادَ تَطَوُّعٌ، وَلَا يَكُونُ بِوِتْرٍ، وَلَوْ كَانَ صَلَّى وَحْدَهُ - ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ - فَيُعِيدُ غَيْرَ الْمَغْرِبِ، (وَلَوْ) كَانَ (مَسْبُوقًا، وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ) ، فَلَوْ أَدْرَكَ مِنْ رُبَاعِيَّتِهِ رَكْعَتَيْنِ؛ قَضَى مَا فَاتَهُ مِنْهَا، وَلَا يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ نَصًّا، لِعُمُومِ: «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» (وَالْأَوْلَى فَرْضُهُ) ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْخَبَرِ؛ (فَيَنْوِي الثَّانِيَةَ نَفْلًا أَوْ ظُهْرًا مُعَادَةً مَثَلًا، وَلَا) يَنْوِي الثَّانِيَةَ (فَرْضًا) ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْأُولَى أَسْقَطَتْ فَرْضَهُ. (وَيَتَّجِهُ: الْأَوْلَى: التَّفْوِيضُ) فِي النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنَفْلٍ وَلَا فَرْضٍ، وَإِنْ نَوَاهَا نَفْلًا مُطْلَقًا؛ صَحَّ، لِمُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا إنْ جَاءَ مَسْجِدًا) وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا، (وَلَوْ) كَانَ مَجِيئُهُ الْمَسْجِدَ (بِوَقْتِ نَهْيٍ، خِلَافًا لَهُمَا) ، أَيْ " لِلْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ ": وَإِنْ أُقِيمَتْ وَهُوَ خَارِجُ الْمَسْجِدِ: فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ نَهْيٍ، لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 الدُّخُولُ، وَقَالَ فِي " الْمُنْتَهَى ": وَكَذَا إنْ جَاءَ مَسْجِدًا غَيْرَ وَقْتِ نَهْيٍ، فَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ؛ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ جَاءَ إلَى الْمَسْجِدِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ؛ لَا يُعِيدُ، وَلَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إذَنْ حَتَّى يُصَلُّوا. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ فِعْلِ مَا لَهُ سَبَبٌ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ، مَعَ أَنَّهُ مَشَى هُنَاكَ عَلَى مَنْعِهِ مُوَافَقَةً لِلْكِتَابَيْنِ، وَمَا قَالَاهُ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ: إنْ جَاءَ الْمَسْجِدَ (لِغَيْرِ قَصْدِهَا) ، أَيْ: الْإِعَادَةِ، (وَ) إنْ كَانَ مَجِيئُهُ الْمَسْجِدَ (لِقَصْدِهَا) ؛ فَإِنَّهُ (يُكْرَهُ) ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ كَانَ صَلَّى فَرْضَهُ وَحْدَهُ. (وَ) جَاءَ الْمَسْجِدَ (بِوَقْتِ نَهْيٍ، وَقَصَدَ) الْإِعَادَةَ؛ (فَكَفِعْلِ مَا لَهُ سَبَبٌ) فِي وَقْتِ النَّهْيِ، وَالْمَذْهَبُ: لَا يَجُوزُ، فَلَا إعَادَةَ. قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْإِعَادَةَ. (وَلَا تُكْرَهُ إعَادَةُ جَمَاعَةٍ فِي) مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ كَغَيْرِهِ، (غَيْرِ مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ) فَقَطْ، فَالْأَقْصَى كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 وَفِيهِمَا تُكْرَهُ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ أَرْغَبُ فِي تَوْفِيرِ الْجَمَاعَةِ؛ أَيْ: لِئَلَّا يَتَوَانَى النَّاسُ فِي حُضُورِ الْجَمَاعَةِ، مَعَ الرَّاتِبِ فِي الْمَسْجِدَيْنِ إذَا أَمْكَنَتْهُمْ الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ تَعَدُّدُ الْأَئِمَّةِ الرَّاتِبِينَ بِالْمَسْجِدَيْنِ، لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِمَنْ يَتَأَخَّرُ، وَفَوَاتِ كَثْرَةِ الْجَمْعِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَذَاهِبُ. (وَلَا) تُكْرَهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ (فِيهِمَا) ، أَيْ: مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، (لِعُذْرٍ) فِي إقَامَتِهَا ثَانِيًا؛ لِأَنَّ إقَامَتَهَا إذَنْ أَخَفُّ مِنْ تَرْكِهَا. (وَلَيْسَ لِإِمَامٍ اعْتِيَادُ صَلَاةٍ مَرَّتَيْنِ، وَجَعْلُ ثَانِيَةٍ عَنْ فَائِتَةٍ) أَوْ غَيْرِهَا، (وَالْأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ. وَفِي " وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ ": لَا يَجُوزُ فِعْلُ ظُهْرَيْنِ فِي يَوْمٍ، أَيْ: عَلَى اعْتِقَادِ فَرْضِيَّتِهِمَا، وَإِلَّا فَإِذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُعَادَةً أَوْ فَائِتَةً؛ فَلَا مَانِعَ. وَمَنْ نَذَرَ أَنَّهُ مَتَى حَفِظَ الْقُرْآنَ؛ صَلَّى مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَحَفِظَهُ؛ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَهُ، فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَيُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. (وَسُنَّ لِمَنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ صَلَاةٌ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) جَمَاعَةً أُخْرَى؛ (سُنَّ لِبَعْضِهِمْ) ، أَيْ: الْحَاضِرِينَ (أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ) ، لِحَدِيثِ «مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا؟» . (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ (هَذَا) الْفِعْلَ مَسْنُونٌ إذَا أَرَادَ فِعْلَ الصَّلَاةِ (فِي) مَوْضِعٍ (غَيْرِ مَسْجِدٍ اُعْتِيدَ بِإِقَامَةِ جَمَاعَةٍ بَعْدَ) جَمَاعَةٍ (أُخْرَى) ، كَمَسْجِدِ دِمَشْقَ، وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ الْمَعْمُورَةِ بِالْعِبَادَةِ، (وَإِلَّا) يُرِدْ فِعْلَهَا فِي مَسْجِدٍ هُوَ كَذَلِكَ، بَلْ أَرَادَ فِعْلَهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ (فَيَلْزَمُ) تَحَرِّي الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ، لِئَلَّا تَفُوتَهُ فَيَأْثَمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 (فَرْعٌ: مَنْ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فِي الْأَثْنَاءِ) ، أَيْ: أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، (وَ) يَعْلَمُ أَنْ (بَعْدَهَا) تُقَامُ (جَمَاعَةٌ أُخْرَى؛ فَهِيَ) ، أَيْ: الْجَمَاعَةُ الَّتِي سَتُقَامُ (أَفْضَلُ) ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهَا مِنْ أَوَّلِهَا، فَيَحُوزُ فَضِيلَتَهَا عَلَى الْكَمَالِ، (إلَّا أَنْ تَتَمَيَّزَ) الْجَمَاعَةُ (الْأُولَى بِكَثْرَةِ جَمْعٍ أَوْ فَضْلِ إمَامٍ أَوْ رَاتِبَةٍ) ، أَيْ: إمَامُهَا رَاتِبٌ، (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، (وَقَالَ: مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) ، أَيْ: مَسْأَلَةِ تَعَدُّدِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ وَقْتٍ (لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ فِي السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إمَامَانِ رَاتِبَانِ وَكَانَتْ الْجَمَاعَةُ تَتَوَفَّرُ مَعَ) الْإِمَامِ (الرَّاتِبِ) ، فَلَا يَتَخَلَّفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. [فَصْلٌ الشُّرُوعُ فِي نَافِلَةٍ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ] فَصْلٌ (وَيَمْنَعُ شُرُوعٌ فِي إقَامَةِ) صَلَاةٍ (انْعِقَادَ نَافِلَةٍ وَرَاتِبَةٍ) مِنْ (مُرِيدِ صَلَاةٍ) لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا (مَعَ إمَامِهَا) ، لِحَدِيثِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ؛ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَكَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ، فَلَوْ شَرَعَ فِي نَافِلَةٍ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ، (وَلَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 بِبَيْتِهِ) ؛ لَمْ تَنْعَقِدْ، (أَوْ) شَرَعَ فِيهَا حَالَ كَوْنِهِ (جَاهِلًا) الْإِقَامَةَ، فَوَافَقَ أَنَّهُ كَانَ الشُّرُوعُ فِيهَا؛ لَمْ تَنْعَقِدْ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّهُ (لَا يَضُرُّ) مَنْ أَحْرَمَ بِنَافِلَةٍ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ يُرِدْ الدُّخُولَ فِيهَا (طُرُوءُ إرَادَةِ) الصَّلَاةِ مَعَ مَنْ أَقَامَهَا (فِي أَثْنَاءِ) تِلْكَ النَّافِلَةِ، أَيْ: فَلَا تَبْطُلُ نَافِلَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ) شَرَعَ (فِيهَا) أَيْ: فِي النَّافِلَةِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ (وَلَوْ) كَانَ (خَارِجَ مَسْجِدٍ، يُتِمُّ) مَا ابْتَدَأَ وَلَوْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] هَذَا (مَعَ أَمْنِ فَوْتِ جَمَاعَةٍ، وَيُخَفِّفُ) صَلَاتَهُ حَسَبَ إمْكَانِهِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ شَرَعَ فِي ثَالِثَةٍ أَتَمَّ نَافِلَتَهُ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الثَّلَاثِ. (فَإِنْ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثِ) رَكَعَاتٍ (مَنْ نَوَى أَرْبَعًا؛ جَازَ نَصًّا) ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعُ ": وَلَعَلَّ عَدَمُ كَرَاهَةِ الثَّلَاثِ هُنَا لِلْعُذْرِ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) إنْ سَلَّمَ مَرِيدُ الِاقْتِدَاءِ بِجَمَاعَةٍ أُقِيمَتْ (مِنْ) رَكْعَةٍ (وَاحِدَةٍ) ، وَهُوَ (نَاوٍ ثِنْتَيْنِ) ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّفْلِ لَا يُوجِبُ إتْمَامَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَعَ خَوْفِ) مَنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي نَافِلَةٍ (فَوْتَ) مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ أَوْ الْجَمَاعَةُ (يَقْطَعُهَا) ، أَيْ: النَّافِلَةَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ، (قَالَهُ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 (وَفَضِيلَةُ تَكْبِيرَةٍ أَوْلَى) ، أَيْ: تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (لَا تَحْصُلُ إلَّا بِشُهُودِ تَحْرِيمِ إمَامٍ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرِهِ. (وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ تَسْلِيمَةِ إمَامٍ أَوْلَى، أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ، وَلَوْ لَمْ يَجْلِسْ) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً، وَكَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَنْوِيَ الصِّفَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، وَهُوَ كَوْنُهُ مَأْمُومًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُدْرِكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ. (وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ) مَعَ الْإِمَامِ (بِانْتِهَائِهِ لِحَدٍّ أَجْزَأَ قَبْلَ رَفْعِ) رَأْسِ (إمَامٍ) مِنْ الرُّكُوعِ عَنْ حَدِّ الْإِجْزَاءِ (غَيْرَ شَاكٍّ) فِي إدْرَاكِ الْإِمَامِ رَاكِعًا (دُونَ طُمَأْنِينَتِهِ) أَيْ: وَلَوْ لَمْ يَطْمَئِنَّ مَعَهُ (اطْمَأَنَّ) الْمَسْبُوقُ، (ثُمَّ تَابَعَ) ، إمَامَهُ (وَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ؛ فَاسْجُدُوا وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا، وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَلِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ مِنْ الْأَرْكَانِ غَيْرُ الْقِيَامِ؛ وَهُوَ يَأْتِي بِهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ، ثُمَّ يُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ بَقِيَّةَ الرَّكْعَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ: هَلْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَوْ لَا؛ لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، (وَأَجْزَأَتْهُ) أَيْ: مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا (تَكْبِيرَةُ إحْرَامٍ عَنْ وَاجِبِ تَكْبِيرِ رُكُوعٍ نَصًّا) ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ فِعْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَأَجْزَأَ الرُّكْنُ عَنْ الْوَاجِبِ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ تُجْزِئُ فِي حَالِ الْقِيَامِ خِلَافَ مَا يَقُولُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ. (وَإِنْ) كَبَّرَ مَسْبُوقٌ وَالْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ؛ ثُمَّ لَمْ يَرْكَعْ حَتَّى (رَفَعَ إمَامٌ رَأْسَهُ) عَنْ قَدْرِ الْإِجْزَاءِ فِي الرُّكُوعِ؛ (فَاتَتْ الرَّكْعَةُ) . وَلَوْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْمَأْمُومِينَ، وَإِنْ أَتَمَّ التَّكْبِيرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 فِي أَثْنَاءِ رُكُوعِهِ؛ انْقَلَبَتْ نَفْلًا. وَإِنْ نَوَى الْمُدْرِكُ فِي الرُّكُوعِ الْإِحْرَامَ وَالرُّكُوعَ بِالتَّكْبِيرَةِ؛ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرَّكَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ فِي النِّيَّةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَطَسَ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ، فَقَالَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ عَنْهُمَا، وَإِنْ نَوَى بِتَكْبِيرِهِ الرُّكُوعَ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ رُكْنٌ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا. (وَسُنَّ دُخُولُ مَأْمُومٍ مَعَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ (كَيْفَ أَدْرَكَهُ) ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ لَهُ بِمَا أَدْرَكَهُ فِيهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَقَدَّمَ. (وَيَنْحَطُّ) مَأْمُومٌ أَدْرَكَ إمَامَهُ غَيْرَ رَاكِعٍ (بِلَا تَكْبِيرٍ) نَصًّا، (وَلَوْ أَدْرَكَهُ سَاجِدًا) ، لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ وَقَدْ فَاتَهُ مَحَلُّ التَّكْبِيرِ. (وَيَقُومُ مَسْبُوقٌ) سَلَّمَ إمَامُهُ (بِهِ) أَيْ: بِالتَّكْبِيرِ (وُجُوبًا) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ يُعْتَدُّ بِهِ، أَشْبَهَ سَائِرَ الِانْتِقَالَاتِ. (وَ) تَجِبُ (عَلَيْهِ الْمُتَابَعَةُ) لِإِمَامِهِ (قَوْلًا وَفِعْلًا) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ؛ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا» وَالْمُرَادُ بِمُتَابَعَتِهِ فِي الْأَقْوَالِ: أَنْ يَأْتِيَ بِتَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ عَمَّا أَدْرَكَهُ فِيهِ، وَمَا فِي السُّجُودِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَأَمَّا التَّشَهُّدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِتَشَهُّدِهِ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَتَبْطُلُ) صَلَاةُ الْمَأْمُومِ (بِتَرْكِ مُتَابَعَةِ) إمَامِهِ فِي (فِعْلٍ) ، كَرُكُوعٍ (لِعَالِمٍ) عَمْدًا، وَ (لَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِتَرْكِهِ مُتَابَعَتَهُ فِي (قَوْلٍ، كَتَسْبِيحٍ) ، أَيْ: كَمَا لَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ مَعَ إمَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ، ثُمَّ سَبَّحَ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، لِتَعَسُّرِ الْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَيَأْتِي، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 (وَإِنْ قَامَ مَسْبُوقٌ) لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ (قَبْلَ تَسْلِيمِهِ ثَانِيَةً وَلَمْ يَرْجِعْ) ، لِيَقُومَ بَعْدَ سَلَامِهَا، (وَيَلْزَمُهُ) الرُّجُوعُ؛ (انْقَلَبَتْ) صَلَاتُهُ (نَفْلًا) ، لِتَرْكِهِ الْعَوْدَ الْوَاجِبَ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ بِلَا عُذْرٍ، فَيَخْرُجُ مِنْ الِائْتِمَامِ، وَيَبْطُلُ فَرْضُهُ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّ صَلَاةَ الْمَسْبُوقِ تَنْقَلِبُ نَفْلًا بِمُجَرَّدِ قِيَامِهِ قَبْلَ تَسْلِيمَةِ إمَامِهِ الثَّانِيَةِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَسْبُوقُ (جَاهِلًا) أَنَّ قِيَامَهُ مُضِرٌّ فِي فَرْضِهِ. (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ) أَيْ: الْمَسْبُوقُ، لَهُ أَنْ (يَقُومَ بِإِيَاسٍ) مِنْ تَسْلِيمَةٍ (ثَانِيَةٍ) مِمَّنْ لَا يَرَى وُجُوبَهَا (مِنْ نَحْوِ شَافِعِيٍّ) ، كَمَالِكِيٍّ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى. (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا: (أَنَّهُ يَقُومُ) وُجُوبًا (فَوْرًا بَعْدَ) تَسْلِيمَةٍ (ثَانِيَةٍ) ، هَذَا (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْمَسْبُوقُ (بِمَوْضِعِ جُلُوسٍ) لِأَجْلِ (تَشَهُّدِهِ) ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ مَثَلًا، ثُمَّ سَلَّمَ إمَامُهُ؛ فَلَهُ الْبَقَاءُ جَالِسًا إلَى أَنْ يُتِمَّ تَشَهُّدَهُ الْوَاجِبَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ جُلُوسِهِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، (وَإِلَّا يَكُنْ) فَرَاغُ إمَامِهِ مِنْ ثَانِيَةٍ بِمَوْضِعِ جُلُوسِ الْمَسْبُوقِ، كَكَوْنِهِ سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، ثُمَّ سَلَّمَ الثَّانِيَةَ؛ فَعَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 الْمَسْبُوقِ أَنْ يَقُومَ فَوْرًا، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ تَشَهُّدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ فَوْرًا؛ (بَطَلَتْ لِعَامِدٍ) عَدَمَ الْقِيَامِ لَا جَاهِلٍ أَوْ نَاسٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَا أَدْرَكَ) مَسْبُوقٌ مَعَ إمَامِهِ (فَأَخَّرَهَا) ، أَيْ: أَخَّرَ صَلَاتَهُ، (فَلَا اسْتِفْتَاحَ لَهُ) ، أَيْ: لِمَا أَدْرَكَهُ، سَوَاءٌ قَرَأَ، أَوْ لَمْ يَقْرَأْ، (ولَا اسْتِعَاذَةَ إنْ لَمْ يَقْرَأْ) ، فَإِنْ أَرَادَ الْقِرَاءَةَ؛ اسْتَعَاذَ وَسَمَّى، وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَقَطْ، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ. وَفِي " الْإِقْنَاعُ ": فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِيمَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى؛ لَمْ يَسْتَفْتِحْ، وَلَمْ يَسْتَعِذْ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ. (وَيَتَوَرَّكُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 الْمَسْبُوقُ (فِيهِ) ، أَيْ: فِي تَشَهُّدِهِ الَّذِي أَدْرَكَهُ (مَعَ إمَامِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ صَلَاتَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ لَهُ بِهِ، كَمَا يَتَوَرَّكُ لِلتَّشَهُّدِ الثَّانِي فِيمَا يَقْضِيهِ، فَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ؛ جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ مُتَوَرِّكًا لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُتَابَعَةً لَهُ، وَجَلَسَ بَعْدَ قَضَاءِ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا مُتَوَرِّكًا؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُهُ سَلَامُهُ، (مُكَرِّرًا التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ نَدْبًا حَتَّى يُسَلِّمَ إمَامُهُ) التَّسْلِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَشَهُّدٌ وَاقِعٌ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ تُشْرَعْ فِيهِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ إتْمَامِ مَسْبُوقٍ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ؛ قَامَ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ، وَلَمْ يُتِمَّ التَّشَهُّدَ الَّذِي يُكَرِّرُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ. (وَمَا يَقْضِي) مَسْبُوقٌ (أَوَّلَهَا) ، أَيْ: أَوَّلُ صَلَاتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ (يَسْتَفْتِحُ لَهُ) ، أَيْ: لِمَا يَقْضِيهِ، (وَيَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ سُورَةً) ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أَدْرَكْتُمْ الصَّلَاةَ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " وَاقْضِ مَا سَبَقَك " وَالْمَقْضِيُّ هُوَ الْفَائِتُ، فَيَكُونُ عَلَى صِفَتِهِ. (وَيَأْتِي) مَسْبُوقٌ (بِعَدَدٍ مَا فِي أُولَى) صَلَاةِ (عِيدٍ مِنْ تَكْبِيرٍ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) كَذَلِكَ مَسْبُوقٌ (بِ) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ يَقْرَأُ) بَعْدَ صَلَاةِ إمَامِهِ (الْفَاتِحَةَ، فَمَا بَعْدُ مِمَّا فَاتَهُ) ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ثَانِي تَكْبِيرَةٍ، وَيَدْعُو بَعْدَ الثَّالِثَةِ، (وَيُطَوِّلُ أُولَى) الرَّكْعَتَيْنِ الْمَقْضِيَّتَيْنِ (عَلَى ثَانِيَةٍ) . (لَكِنْ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ مَغْرِبٍ؛ تَشَهَّدَ) التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ (عَقِبَ) قَضَاءِ رَكْعَةٍ (أُخْرَى) نَصًّا كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ مَا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ آخِرُهَا، لِحَدِيثِ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 فَأَتِمُّوا قَضَاءً لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَتَشَهَّدُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً عَقِبَ أُخْرَى؛ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَغْيِيرُ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَشَهَّدَ عَقِبَ رَكْعَتَيْنِ؛ لَزِمَ عَلَيْهِ قَطْعُ الرُّبَاعِيَّةِ عَلَى وِتْرِ الثَّلَاثَةِ شَفْعًا، وَمُرَاعَاةُ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ مُمْكِنَةٌ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَرْكِهَا، فَلَزِمَ الْإِتْيَانُ بِهِ. (وَيَتَوَرَّكُ) مَسْبُوقٌ (فِي) التَّشَهُّدِ (الْأَخِيرِ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ وَمَغْرِبٍ. (وَيَتَحَمَّلُ إمَامٌ عَنْ مَأْمُومٍ قِرَاءَةَ) فَاتِحَةٍ (وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ) أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، (وَ) سُجُودَ (سَهْوٍ بِشَرْطٍ) ، وَهُوَ إذَا كَانَ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (وَسُتْرَةٍ) ؛ لِأَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، (وَدُعَاءٍ قُنُوتٍ) فَيُؤَمِّنُ إذَا سَمِعَ الْإِمَامَ، وَإِلَّا فَيَقْنُتُ. (وَ) يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ (عَنْ) الْمَأْمُومِ أَيْضًا (تَسْمِيعًا) ، أَيْ: قَوْلَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، (وَ) قَوْلَ (مِلْءُ السَّمَاءِ إلَى آخِرِهِ) بَعْدَ التَّحْمِيدِ، (وَكَذَا تَشَهُّدٌ أَوَّلٌ) وَجُلُوسُهُ لَهُ (إذَا سَبَقَ بِرَكْعَةٍ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ. (وَيَتَّجِهُ: فِي غَيْرِ مَغْرِبٍ) ، وَأَمَّا فِي الْمَغْرِبِ، فَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ هُوَ مَحَلُّ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ الْأَخِيرِ، فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي تَرْكِهِ، (خِلَافًا لَهُمَا) ، أَيْ " لِلْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " (فِيمَا يُوهِمُ) مِنْ إطْلَاقِهِمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) سُنَّ (لِمَأْمُومٍ اسْتِفْتَاحٌ وَتَعَوُّذٌ فِي) صَلَاةٍ (جَهْرِيَّةٍ) كَالصُّبْحِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ لَا يَحْصُلُ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، لِعَدَمِ جَهْرِهِ بِهِمَا، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ. (وَ) سُنَّ لِمَأْمُومٍ أَيْضًا (قِرَاءَةُ فَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ حَيْثُ شُرِعَتْ) السُّورَةُ (فِي سَكَتَاتِهِ) يَعْنِي: أَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ وَيَتَعَوَّذُ فِي السَّكْتَةِ الْأُولَى عَقِبَ إحْرَامِهِ، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الثَّانِيَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 عَقِبَ فَرَاغِهِ لَهَا، وَيَقْرَأُ السُّورَةَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، (وَهِيَ) أَيْ: سَكَتَاتُ الْإِمَامِ ثَلَاثٌ (قَبْلَ فَاتِحَةٍ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقَطْ، (وَبَعْدَهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. (وَتُسَنُّ) أَنْ: تَكُونَ (هُنَا) أَيْ: بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (بِقَدْرِهَا) ، لِيَقْرَأَهَا الْمَأْمُومُ فِيهَا، (وَبَعْدَ فَرَاغِ قِرَاءَةٍ) لِيَتَمَكَّنَ الْمَأْمُومُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةٍ فِيهَا. (وَ) يُسَنُّ لِمَأْمُومٍ أَيْضًا أَنْ يَسْتَفْتِحَ وَيَتَعَوَّذَ وَيَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً حَيْثُ شُرِعَتْ (فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ) إمَامُهُ كَالظُّهْرِ، وَكَذَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ مَغْرِبٍ، وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ " كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ. (أَوْ) ، أَيْ: وَيُسَنُّ لِمَأْمُومٍ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا تَقَدَّمَ حَيْثُ كَانَ (لَا يَسْمَعُهُ) أَيْ: الْإِمَامَ (لِبُعْدٍ) عَنْهُ (أَوْ لِطَرَشٍ إنْ لَمْ يُشْغَلْ) مَأْمُومٌ بِقِرَاءَتِهِ (مَنْ بِجَنْبِهِ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ فَإِذَا شَغَلَهُ تَرَكَهُ. (وَيَتَّجِهُ التَّحْرِيمُ) : لِإِيذَائِهِ مَنْ بِجَنْبِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (سَكَتَاتٌ) يَتَمَكَّنُ الْمَأْمُومُ فِيهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ؛ (كُرِهَ) لَهُ (أَنْ يَقْرَأَ نَصًّا) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (فَلَوْ سَمِعَ) الْمَأْمُومُ (هَمْهَمَتَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ، (وَلَمْ يَفْهَمْ قَوْلَهُ؛ لَمْ يَقْرَأْ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ سَامِعٌ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 [تَتِمَّةٌ أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَةً] تَتِمَّةٌ: لَوْ أَدْرَكَ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَةً؛ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ بِالْحَمْدُ وَسُورَةٍ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِالْحَمْدُ فَقَطْ، وَإِذَا فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ مِنْ الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ؛ جَهَرَ فِي قَضَائِهِمَا. [فَصْلٌ الْأَوْلَى لِمَأْمُومٍ شُرُوعٌ فِي فِعْلِ صَلَاةٍ بَعْدَ شُرُوعِ إمَامٍ فَوْرًا] (فَصْلٌ) (وَالْأَوْلَى لِمَأْمُومٍ شُرُوعٌ فِي فِعْلِ) صَلَاةٍ (بَعْدَ) شُرُوعِ (إمَامٍ فَوْرًا) وَالْمُرَادُ: بَعْدَ فَرَاغِ إمَامِهِ مِمَّا كَانَ فِيهِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، لِحَدِيثِ «فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ا» إذْ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، فَلَوْ سَبَقَ الْإِمَامُ الْمَأْمُومَ بِالْقِرَاءَةِ وَرَكَعَ، تَبِعَهُ الْمَأْمُومُ، وَ (يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ) الَّتِي شَرَعَ بِهَا، (وَيَرْكَعُ عَقِبَهُ) ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مِنْ الْمَأْمُومِ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْمُتَابَعَةَ وَاجِبَةٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ، (بِخِلَافِ تَشَهُّدٍ) إذَا سَبَقَ بِهِ الْإِمَامُ وَسَلَّمَ، (فَ) لَا يُتَابِعُهُ الْمَأْمُومُ بَلْ (يُتِمُّهُ) إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ لِعُمُومِ الْأَوَامِرِ بِالتَّشَهُّدِ. (فَإِنْ وَافَقَهُ) ، أَيْ: وَافَقَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي الْأَفْعَالِ؛ (كُرِهَ) لِمُخَالِفَةِ السُّنَّةِ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَ) أَمَّا مُوَافَقَةُ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ فِي أَقْوَالِ الصَّلَاةِ (إنْ كَبَّرَ لِإِحْرَامٍ مَعَهُ) أَيْ: مَعَ إمَامِهِ، (أَوْ) كَبَّرَ (قَبْلَ إتْمَامِهِ) الْإِحْرَامَ؛ (لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ إمَامِهِ وَقَدْ فَاتَهُ. (وَإِنْ سَلَّمَ) مَأْمُومٌ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ إمَامِهِ (عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ) لِلْمَأْمُومِ؛ بَطَلَتْ لِتَرْكِهِ فَرْضَ الْمُتَابَعَةِ عَمْدًا، (أَوْ) سَلَّمَ مَأْمُومٌ قَبْلَهُ (سَهْوًا، وَلَمْ يُعِدْهُ) ، أَيْ: السَّلَامَ (بَعْدَهُ) ، أَيْ: بَعْدَ إمَامِهِ أَوْ مَعَهُ، إذْ الْبَعْدِيَّةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ صَلَاتِهِ قَبْلَ إمَامِهِ، فَإِذَا لَمْ يُعِدْهُ بَعْدَهُ؛ فَقَدْ تَرَكَ فَرْضَ الْمُتَابَعَةِ. (وَ) سَلَّمَ مَأْمُومٌ (مَعَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ فَإِنَّهُ (يُكْرَهُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 لَهُ ذَلِكَ، (وَلَا يُكْرَهُ سَبْقُ) مَأْمُومٍ إمَامَهُ (بِقَوْلٍ) مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ (غَيْرِهِمَا) ، أَيْ: غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَسُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ وَالتَّشَهُّدِ، وِفَاقًا، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، (وَالْأَوْلَى تَسْلِيمُهُ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِ (عَقِبَ فَرَاغِ إمَامِهِ مِنْ تَسْلِيمَتَيْهِ) ، فَلَوْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ الْأُولَى بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ الْأُولَى، وَقَبْلَ سَلَامِهِ الثَّانِيَةَ، وَسَلَّمَ الْمَأْمُومُ الثَّانِيَةَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ الثَّانِيَةَ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ مُتَابَعَةِ إمَامِهِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَبْلَغُ فِي الْمُتَابَعَةِ لَا إنْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ الثَّانِيَةَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ الثَّانِيَةَ حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا؛ فَلَا يَجُوزُ، لِتَرْكِهِ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ بِلَا عُذْرٍ كَالْأُولَى. [تَتِمَّةٌ سَبَقَ مَأْمُومُ إمَامٌ بِفِعْلٍ] تَتِمَّةٌ: فَإِنْ سَبَقَ إمَامٌ بِالسَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ مَأْمُومٌ دُعَاءَ التَّشَهُّدِ؛ أَتَمَّهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا، ثُمَّ سَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا تَابَعَهُ بِالسَّلَامِ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِإِتْمَامِ ذَلِكَ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد. (وَمَنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ وَنَحْوَهُ) ، كَأَنْ رَفَعَ مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ (قَبْلَ إمَامِهِ) وَلَا يُعَدُّ سَابِقًا بِرُكْنٍ حَتَّى يَتَخَلَّصَ مِنْهُ؛ فَلَا يُعَدُّ سَابِقًا بِالرُّكُوعِ حَتَّى يَرْفَعَ، وَلَا بِالرَّفْعِ حَتَّى يَهْوِيَ إلَى السُّجُودِ (عَالِمًا عَمْدًا حَرُمَ) ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا» وَقَالَ الْبَرَاءُ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ» وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ. (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَأْمُومٍ تَعَمَّدَ السَّبْقَ، (وَعَلَى جَاهِلٍ وَنَاسٍ ذَكَرَ أَنْ يَرْجِعَ لِيَأْتِيَ بِهِ) أَيْ: بِمَا سَبَقَ بِهِ إمَامَهُ (مَعَهُ) أَيْ: عَقِبَهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 وَإِلَّا فَتَقَدَّمَ تُكْرَهُ مُوَافَقَتُهُ فِي الْأَفْعَالِ، (فَإِنْ أَبَى) الرُّجُوعَ لِيَأْتِيَ بِهِ مَعَ إمَامِهِ عَالِمًا عَمْدًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى حَالِهِ (حَتَّى أَدْرَكَهُ) إمَامُهُ (فِيهِ) أَيْ: فِي الرُّكْنِ الَّذِي سَبَقَ إلَيْهِ، (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَمْدًا، وَ (لَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِرُكُوعِهِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ إمَامِهِ (جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، وَيَعْتَدُّ) لَهُ (بِهِ) أَيْ: بِاَلَّذِي سَبَقَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَبْقٌ يَسِيرٌ يَعْسُرُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَ إمَامِهِ فِيهِ، فَلَمْ يُخِلَّ ذَلِكَ بِاقْتِدَائِهِ لِلْعُذْرِ. (وَمَنْ سَبَقَ بِرُكْنٍ) فَصَلَّى (بِأَنْ رَكَعَ) قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ (وَرَفَعَ لَا لِيَأْتِيَ بِهِ مَعَ إمَامِهِ) أَيْ: عَقِبَهُ (قَبْلَ رُكُوعِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ عَالِمًا عَمْدًا؛ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ كَامِلٍ: هُوَ مُعْظَمُ الرَّكْعَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَبَقَهُ بِالسَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ رُكُوعُهُ وَرَفْعُهُ قَبْلَ إمَامِهِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا بَطَلَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِمَا فَاتَهُ عَقِبَ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِإِمَامِهِ فِي الرُّكُوعِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، لِحَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ» . [تَنْبِيهٌ تَعَمُّدُ الْمَأْمُومِ السَّبْقَ بِرُكْنٍ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ] تَنْبِيهٌ: لَا فَرْقَ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا فِي السَّبْقِ بِرُكْنٍ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ فِي أَنَّ تَعَمُّدَهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الْكَافِي " وَ " الْمُجَرَّدِ " وَ " غَايَةِ الْمَطْلَبِ " وَ " الْإِنْصَافِ " وَ " شَرْحِ الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمْ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِمْ بِالْبُطْلَانِ بِالسَّبْقِ إلَيْهِ عَمْدًا حَتَّى أَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ، وَالسَّبْقُ بِالرُّكْنِ يَسْتَلْزِمُ السَّبْقَ إلَيْهِ وَزِيَادَةً، وَعَدَمُ الْعُذْرِ مَفْرُوضٌ فَمَا بَقِيَ لِعَدَمِ الْبُطْلَانِ مُسَوِّغٌ، قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَإِنْ سَبَقَهُ بِالرُّكْنِ عَمْدًا، وَلَمْ يُدْرِكْهُ فِيهِ، فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقُدِّمَ فِي " الشَّرْحِ ": تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِأَيِّ رُكْنٍ مِنْ الْأَرْكَانِ رُكُوعًا كَانَ أَوْ سُجُودًا أَوْ قِيَامًا أَوْ قُعُودًا، وَهَذَا ظَاهِرُ " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِمَا. وَالْقَوْلُ، بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ بِالسَّبْقِ بِالرُّكْنِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الرُّكُوعِ، وَلَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 عَمْدًا، ضَعِيفٌ مَرْجُوحٌ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ وَلِصَنِيعِهِمْ. (أَوْ) سَبَقَ مَأْمُومٌ إمَامَهُ (بِرُكْنَيْنِ بِأَنْ رَكَعَ) الْمَأْمُومُ (وَرَفَعَ وَاعْتَدَلَ) وَهَوَى إلَى السُّجُودِ، إذْ الرَّفْعُ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْهَوِيِّ لَا بِالِاعْتِدَالِ، كَمَا هُوَ صَرِيحُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 كَلَامِهِمْ، (قَبْلَ رُكُوعِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ (أَوْ رَفَعَ) الْمَأْمُومُ (وَاعْتَدَلَ وَهَوَى إلَى السُّجُودِ قَبْلَ رَفْعِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (عَالِمًا عَمْدًا، بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ عَادَ وَأَتَى بِهِ عَقِبَ إمَامِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِإِمَامِهِ فِي أَكْثَرِ الرَّكْعَةِ. (وَ) سَبَقَهُ بِرُكْنٍ أَوْ رُكْنَيْنِ (جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، بَطَلَتْ) تِلْكَ (الرَّكْعَةُ) الَّتِي وَقَعَ السَّبْقُ فِيهَا (مَا لَمْ يَأْتِ بِهَا مَعَ إمَامِهِ) ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، قَالَهُ جَمْعٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " وَ (لَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 تَبْطُلُ (رَكْعَتُهُ) سَبَقَ إمَامَهُ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا (بِرُكْنٍ) غَيْرِ رُكُوعٍ كَقِيَامٍ وَهَوِيٍّ إلَى السُّجُودِ، وَأَمَّا الرُّكُوعُ، فَتَبْطُلُ الرَّكْعَةُ بِالسَّبْقِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ وَقَوْلُهُ: (وَيَتَّجِهُ) : لَا تَبْطُلُ رَكْعَةُ مَنْ سَبَقَ إمَامَهُ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا بِرُكْنٍ، (أَوْ بِرُكْنَيْنِ غَيْرَ رُكُوعٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الرَّكْعَةِ، فَالسَّبْقُ بِهِ كَالسَّبْقِ بِرُكْنَيْنِ مُخَالِفٌ لِصَحِيحِ الْمَذْهَبِ، بَلْ لَمْ يَحْكِ فِي " الْإِنْصَافِ " فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَعِبَارَتُهُ: الْجَاهِلُ وَالنَّاسِي تَصِحُّ صَلَاتُهُمَا، وَتَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ لِعَدَمِ اقْتِدَائِهِ بِإِمَامِهِ فِيهَا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَتَبْطُلُ الرَّكْعَةُ مَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ مَعَ إمَامِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 (وَإِنْ تَخَلَّفَ) مَأْمُومٌ (عَنْهُ) أَيْ: عَنْ إمَامِهِ (بِرُكْنٍ) فَعَلَى أَيْ: رُكْنٍ كَانَ (فَأَكْثَرَ بِلَا عُذْرٍ) مِنْ نَوْمٍ وَسَهْوٍ وَزِحَامٍ وَعَجَلَةٍ، (فَكَسَبْقٍ، فَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ بِهِ (لِعَامِدٍ، وَتَصِحُّ لِجَاهِلٍ وَنَاسٍ) ، وَقَوْلُهُ: (وَتَبْطُلُ رَكْعَةُ) جَاهِلٍ وَنَاسٍ (بِرُكُوعِ) إمَامِهِ، (لِتَخَلُّفِهِ) عَنْهُ بِمَا هُوَ مُعْظَمُ الرَّكْعَةِ، فِيهِ نَظَرٌ. إذْ لَوْ أَتَى بِمَا تَخَلَّفَ بِهِ عَنْ إمَامِهِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ، (وَ) إنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ (لِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَسَهْوٍ وَزِحَامٍ، إنْ أَتَى بِمَا تَرَكَهُ فِي غَيْرِ رُكُوعٍ) ، صَوَابُهُ: وَإِنْ كَانَ رُكُوعًا، (خِلَافًا لِجَمْعٍ) ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " وَغَيْرُهُمَا، بَلْ مَا قَالَهُ الْجَمْعُ هُوَ الْمَذْهَبُ. (مَعَ أَمْنِ فَوْتِ آتِيَةٍ وَلَحِقَهُ، صَحَّتْ) رَكْعَتُهُ، وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ حَيْثُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 أَمْكَنَهُ اسْتِدْرَاكُهُ مِنْ غَيْرِ مَحْذُورٍ، (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا فَاتَهُ مَعَ إمَامِهِ، وَيَلْحَقُهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ. (أَوْ خَافَ فَوْتَ) رَكْعَةٍ (آتِيَةٍ لَغَتْ الرَّكْعَةُ) الَّتِي تَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنِهَا (وَتَابَعَ إمَامَهُ، وَاَلَّتِي تَلِيهَا عِوَضُهَا) ، فَيَبْنِي عَلَيْهَا وَيُتِمُّ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ. (فَإِنْ ظَنَّ) مَنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ فَأَكْثَرَ لِعُذْرٍ، ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ قَبْلَ رَفْعِ إمَامِهِ مِنْ الرُّكُوعِ (تَحْرِيمَ مُتَابَعَتِهِ إذَنْ) أَيْ: حَالَ خَوْفِ فَوْتِ آتِيَةٍ، (فَسَجَدَ جَهْلًا، اُعْتُدَّ بِهِ) أَيْ: السُّجُودِ لِعُذْرِ الْجَهْلِ (كَسُجُودِهِ) أَيْ: الْمَأْمُومِ (يَظُنُّ لُحُوقَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ فَلَمْ يَلْحَقْهُ. [تَنْبِيهٌ تَخَلَّفَ الْمَأْمُوم عَنْهُ بِرُكْنٍ فَأَكْثَرَ بِلَا عُذْرٍ] تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَعْنِي فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنٍ فَأَكْثَرَ بِلَا عُذْرٍ، فَكَسَبْقٍ، فَتَبْطُلُ لِعَامِدٍ، وَتَصِحُّ لِجَاهِلٍ وَنَاسٍ، وَتَبْطُلُ رَكْعَتُهُ بِرُكُوعٍ، وَلِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَسَهْوٍ إلَى آخِرِهِ، مَعَ كَوْنِهَا مُخَالِفَةً لِلْمَذْهَبِ غَيْرَ مُحَرَّرَةٍ، فَلْيَتَفَطَّنْ لَهَا، وَكَذَلِكَ الْبُهُوتِيُّ وَهُمْ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 بِحِلِّهِ قَوْلُهُ: لَا بِرُكْنٍ غَيْرِ رُكُوعٍ، وَتَبِعَهُ النَّجْدِيُّ، فَلْيُرَاجَعَا. (وَإِنْ زَالَ عُذْرُ مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ) رَكْعَةٍ (أَوْلَى وَقَدْ رَفَعَ إمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ تَابَعَهُ فِي سُجُودِهَا، وَتَصِحُّ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رَكْعَتَيْ إمَامِهِ تُدْرَكُ بِهَا الْجُمُعَةُ) إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ جُمُعَةً، وَلَمْ نَقُلْ بِالتَّلْفِيقِ فِيمَنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، لِتَحْصُلَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ مُعْتَبَرٍ. (وَلَوْ أَدْرَكَهُ) الْمَأْمُومُ بَعْدَ أَنْ فَعَلَ مَا تَخَلَّفَ بِهِ عَنْهُ (فِي رُكُوعِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ؛ تَبِعَهُ فِيهِ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالرَّكْعَتَيْنِ. (وَ) إنْ أَدْرَكَهُ (بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، (تَبِعَهُ) فِي سُجُودِهَا (وَقَضَى) أَيْ: أَتَى بِرَكْعَةٍ، وَتَتِمُّ جُمُعَتُهُ. (وَإِنْ تَخَلَّفَ) مَأْمُومٌ (بِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ لِعُذْرٍ، تَابَعَ) إمَامَهُ، وَقَضَى مَا تَخَلَّفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 بِهِ (كَمَسْبُوقٍ) ، فِي مُجَرَّدِ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ مَا تَخَلَّفَ بِهِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ؛ فَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلَهَا، وَإِنْ كَانَ آخِرَهَا فَهُوَ آخِرُهَا، قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ نَعَسَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى صَلَّى رَكْعَتَيْنِ: كَأَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ؛ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 [فَصْلٌ يُسَنُّ لِإِمَامٍ تَخْفِيفُ صَلَاتِهِ] (فَصْلٌ) (يُسَنُّ لِإِمَامٍ تَخْفِيفُ) صَلَاتِهِ (مَعَ إتْمَامِ) هَا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ؛ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» رَوَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 الْجَمَاعَةُ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا؛ قَالَ: فَمَا رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ؛ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ إنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ بِالنَّاسِ: فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَمَعْنَاهُ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 يَقْتَصِرَ عَلَى أَدْنَى الْكَمَالِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَسَائِرِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ، (مَا لَمْ يُؤْثِرْ مَأْمُومٌ التَّطْوِيلَ، فَإِنْ آثَرُوا كُلُّهُمْ) التَّطْوِيلَ، (اُسْتُحِبَّ) ، لِزَوَالِ عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ، وَهِيَ: التَّنْفِيرُ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَعَدَدُهُمْ مُنْحَصِرٌ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ، مَعَ أَنَّهُ سَبَقَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ. (وَتُكْرَهُ) لِلْإِمَامِ (سُرْعَةٌ تَمْنَعُ مَأْمُومًا فِعْلَ مَا يُسَنُّ) لَهُ فِعْلُهُ، (بَلْ يُرَتِّلُ نَحْوَ قِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحِ) رُكُوعٍ وَسُجُودٍ (بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ مَنْ يَثْقُلُ لِسَانُهُ قَدْ أَتَى بِهِ) ، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، لِئَلَّا يَفُوتَ عَلَى الْمَأْمُومِ مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ فِعْلُهُ مِنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ، وَالْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مِنْ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَقَوْلِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَإِتْمَامِ مَا تُسَنُّ لَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. (وَيُسَنُّ) لِإِمَامٍ (تَخْفِيفُ) الصَّلَاةِ (إذَا عَرَضَ لِبَعْضِ مَأْمُومِينَ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ (مَا يَقْتَضِي خُرُوجَهُ) مِنْهَا (كَسَمَاعِ بُكَاءِ صَبِيٍّ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِيهَا مَخَافَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ الْمَأْمُومِ إنْ تَضَرَّرَ بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ آخِرَهُ وَنَحْوَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ غَالِبًا مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ غَالِبًا، (يَزِيدُ وَيَنْقُصُ لِلْمَصْلَحَةِ) كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ أَحْيَانًا. (وَ) سُنَّ لِإِمَامٍ (انْتِظَارُ دَاخِلٍ) مَعَهُ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ ذَا حُرْمَةٍ أَوْ لَا (فِي رُكُوعٍ وَغَيْرِهِ) . وَسُنَّ كَوْنُ انْتِظَارِهِ لَهُ (بِنِيَّةِ تَقَرُّبٍ) إلَى اللَّهِ تَعَالَى (لَا) بِنِيَّةِ (تَوَدُّدٍ) ؛ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ ثَبَتَ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هُنَا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةٍ بِلَا مَضَرَّةٍ، فَكَانَ مُسْتَحَبًّا كَرَفْعِ الصَّوْتِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (إنْ لَمْ يَشُقَّ) انْتِظَارُهُ (عَلَى مَأْمُومٍ) بِأَنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ يَسِيرَةً، وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَى بَعْضِهِمْ، وَإِلَّا (فَيُكْرَهُ) ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَأْمُومِ الَّذِي مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ، فَلَا يَشُقُّ عَلَى مَنْ مَعَهُ لِنَفْعِ الدَّاخِلِ، (وَكَذَا لَوْ كَثُرَتْ جَمَاعَةٌ) أَوْ كَانَ الدَّاخِلُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ، فَيُكْرَهُ انْتِظَارُهُ، (لِأَنَّهُ) ، أَيْ: الْحَالَ وَالشَّأْنَ (يَبْعُدُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ) ذَلِكَ، زَادَ جَمَاعَةٌ أَوْ طَالَ ذَلِكَ. (وَسُنَّ تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ) رَكْعَةٍ (أَوْلَى) لِإِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ (عَنْ) قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ) ، لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْبَقِيعِ، فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِمَّا يُطَوِّلُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلْيَلْحَقْهُ الْقَاصِدُ إلَيْهَا، لِئَلَّا يَفُوتَهُ مِنْ الْجَمَاعَةِ شَيْءٌ (إلَّا فِي صَلَاةِ خَوْفٍ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي) كَمَا يَأْتِي فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، (فَثَانِيَةٌ أَطْوَلُ) مِنْ أُولَى، لِتُتِمَّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى صَلَاتَهَا، ثُمَّ تَذْهَبَ لِتَحْرُسَ، ثُمَّ تَأْتِيَ الْأُخْرَى، فَتَدْخُلَ مَعَهُ، (أَوْ) إلَّا إذَا كَانَ تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى (بِيَسِيرٍ، كَ) مَا إذَا قَرَأَ بِ: (سَبِّحْ، وَالْغَاشِيَةِ) لِوُرُودِهِ فِي نَحْوِ الْجُمُعَةِ (وَفِي " الْإِقْنَاعِ ":) وَ (لَعَلَّ الْمُرَادَ: لَا أَثَرَ لِتَفَاوُتٍ يَسِيرٍ، وَهُوَ) ، أَيْ: تَرَجِّي صَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " (حَسَنٌ) ؛ فَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ، لِمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 [فَصْلٌ مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْجِنِّ] (فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ (الْجِنِّ) مُنَزَّلُونَ عَلَى مَرَاتِبَ: فَإِذَا أُرِيدَ ذِكْرُ الْجِنِّ خَاصَّةً؛ قِيلَ: جِنِّيٌّ، فَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَعَ النَّاسِ؛ قِيلَ: عَامِرٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْرِضُ لِلصِّبْيَانِ؛ قِيلَ: أَرْوَاحٌ، فَإِنْ خَبُثَ وَتَعَزَّمَ؛ قِيلَ: شَيْطَانٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ؛ قِيلَ: مَارِدٌ، فَإِنْ قَوِيَ عَلَى نَقْلِ الصُّخُورِ وَالْأَحْجَارِ وَتَفَرْعَنَ؛ قِيلَ: عِفْرِيتٌ. وَهُمْ (مُكَلَّفُونَ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] (يَدْخُلُ كَافِرُهُمْ النَّارَ، إجْمَاعًا، وَ) يَدْخُلُ (مُؤْمِنُهُمْ الْجَنَّةَ) ، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، (وَلَا يَصِيرُ تُرَابًا، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَاللَّيْثِ) ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، فِي أَنَّهُ يَصِيرُ تُرَابًا، وَأَنَّ ثَوَابَهُ النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ كَالْبَهَائِمِ، (وَهُمْ) ، أَيْ: مُؤْمِنُو الْجِنِّ (فِيهَا كَغَيْرِهِمْ) مِنْ الْآدَمِيِّينَ (عَلَى قَدْرِ ثَوَابِهِمْ) ، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، (لَا أَنَّهُمْ حَوْلَهَا) ، أَيْ: الْجَنَّةِ (خِلَافًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ فِيهَا، خِلَافًا لِمُجَاهِدٍ) ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْجِنُّ أَجْسَامٌ هَوَائِيَّةٌ أَوْ نَارِيَّةٌ، أَيْ: يَغْلِبُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَهُمْ مُرَكَّبُونَ مِنْ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ كَالْمَلَائِكَةِ عَلَى قَوْلٍ، وَقِيلَ: أَرْوَاحٌ مُجَرَّدَةٌ، وَقِيلَ: نُفُوسٌ بَشَرِيَّةٌ مُفَارِقَةٌ عَنْ أَبْدَانِهَا، وَعَلَى كُلٍّ؛ فَلَهُمْ عَقْلٌ وَفَهْمٌ، يَقْدِرُونَ عَلَى التَّشَكُّلِ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَعَلَى الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ فِي أَسْرَعِ زَمَنٍ، وَصَحَّ خَبَرُ أَنَّهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ ذُو أَجْنِحَةٍ يَطِيرُونَ بِهَا، وَحَيَّاتٌ، وَآخَرُونَ يَحِلُّونَ وَيَرْحَلُونَ، وَنُوَزِّعُ فِي قُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّشَكُّلِ بِاسْتِلْزَامِهِ رَفْعَ الثِّقَةِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ رَأَى وَلَوْ وَلَدَهُ؛ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ جِنِّيٌّ تَشَكَّلَ بِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 وَيُرَدُّ بِأَنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِعِصْمَتِهَا عَنْ أَنْ يَقَعَ فِيهَا مَا يُؤْذِي، كَمِثْلِ ذَلِكَ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ الرِّيبَةِ فِي الدِّينِ وَرَفْعِ الثِّقَةِ بِعَالِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَاسْتَحَالَ شَرْعًا الِاسْتِلْزَامُ الْمَذْكُورُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَآهُمْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَعُزِّرَ، لِمُخَالَفَتِهِ الْقُرْآنَ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ عَلَى زَعْمِ رُؤْيَةِ صُوَرِهِمْ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَيَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى هُمْ) ، أَيْ: الْجِنُّ (وَالْمَلَائِكَةُ، قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ يَرَى اللَّهَ؟ قَالَ: نَعَمْ) وَحَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ مُؤْمِنَهُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ؛ فَلَا مَانِعَ مِنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ اللَّائِقُ بِفَضْلِهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَنْ لَا يَحْرِمَ مَنْ أَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ النَّظَرَ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ تَتْمِيمًا لِلْمِنَّةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ". (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَنَرَاهُمْ فِيهَا) ، أَيْ: الْجَنَّةِ (وَلَا يَرَوْنَنَا) عَكْسُ مَا فِي الدُّنْيَا، (وتَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجَمَاعَةُ) ، عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَفِي " النَّوَادِرِ ": وَ) تَنْعَقِدُ بِهِمْ (الْجُمُعَةُ) ، وَهُوَ مَوْجُودٌ زَمَنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 النُّبُوَّةِ. (وَفِي " الْفُرُوعِ ": الْمُرَادُ) بِالْجُمُعَةِ: (مَنْ لَزِمَتْهُ، وَ) تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا (بِالْمَلَائِكَةِ) كَانْعِقَادِهَا بِالْجِنِّ وَأَوْلَى، لِمَا رُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ مَرْفُوعًا، قَالَ: «إذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضٍ - أَيْ: قَفْرٍ -، فَحَانَتْ الصَّلَاةُ؛ فَلْيَتَوَضَّأْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؛ فَلْيَتَيَمَّمْ، فَإِنْ أَقَامَ؛ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مَا لَا يَرَى طَرْفَاهُ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ شَيْخُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَهُ، فَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ نَوَى الْإِمَامَةَ أَوْ لَا. فَإِنْ قِيلَ: هَلْ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ أَوْ لَا؟ قُلْت: إنْ كُشِفَ لَهُ أَنْ ثَمَّةَ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ مِنْ جِنٍّ أَوْ مَلَائِكَةٍ؛ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْوِيَهَا تَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَإِلَّا فَلَا. (وَلَمْ يُبْعَثْ لَهُمْ) ، أَيْ: لِلْجِنِّ (نَبِيٌّ قَبْلَ نَبِيِّنَا) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَلَيْسَ مِنْهُمْ مِنْ رَسُولٍ) ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] ، فَهِيَ كَقَوْلِهِ {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وَإِنَّمَا يَخْرُجَانِ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَكَقَوْلِهِ {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 16] ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي سَمَاءٍ وَاحِدَةٍ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا) ، أَيْ: وَلَيْسَ مِنْ الْجِنِّ (نَبِيٌّ) ، أَيْ: لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ، وَلَوْ وُجِدَ لَنُقِلَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْجِنُّ كَالْإِنْسِ فِي التَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَاتِ، قَالَ: وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ: إخْرَاجُ الْمَلَائِكَةِ مِنْ التَّكْلِيفِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ الْجِنُّ كَالْإِنْسِ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ، فَلَا يَكُونُ مَا أُمِرُوا بِهِ، وَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 نُهُوا عَنْهُ مُسَاوِيًا لِمَا عَلَى الْإِنْسِ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ، لَكِنَّهُمْ شَارَكُوهُمْ فِي جِنْسِ التَّكْلِيفِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ: إنَّ مَا بِيَدِهِمْ مِلْكُهُمْ مَعَ إسْلَامِهِمْ) ؛ فَتَصِحُّ مُعَامَلَتُهُمْ، إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمَنْعِ. قَالَ فِي مُغْنِي ذَوِي الْأَفْهَامِ ": وَيُبَاحُ فِعْلُ دَوَاءٍ لِرُؤْيَةِ أَرْوَاحِ الْجِنِّ وَطَرْدِهِمْ مَعَ أَمْنِ ضَرَرِهِمْ، وَكَذَا طَاعَتُهُمْ لَهُ. (وَكَافِرُهُمْ كَحَرْبِيٍّ) يَجُوزُ قَتْلُهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ. (وَظَاهِرُهُ) ، أَيْ: ظَاهِرُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمْ: أَنَّهُ (يُجْزِئُ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمْ) ، وَيَجُوزُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ كَمَا يَجُوزُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إنْسِيٍّ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى إنْسِيٍّ، وَتُقْبَلُ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَشَهَادَةُ إنْسِيٍّ عَلَيْهِمْ. (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ ظُلْمُ آدَمِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ التَّعَدِّي عَلَى الْإِنْسِ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرَرٍ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ فِيمَا أَفْسَدُوهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ. (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ (ظُلْمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا) . لِحَدِيثِ «يَا عِبَادِي؛ إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا» فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ سَرِقَةُ مَالِ بَعْضِهِمْ، وَلَا سَرِقَةُ مَالِ إنْسِيٍّ، وَلَا يَجُوزُ تَسْلِيطُهُمْ عَلَى إنْسِيٍّ فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ، وَيَضْمَنُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الزِّنَى بِإِنْسِيَّةٍ، كَمَا يَحْرُمُ بِبَعْضِهِمْ، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى نِسَائِهِمْ بِإِنْسِيٍّ، وَيُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ بِسُكْرٍ وَقَذْفٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَى إنْسِيٍّ غَلَبَهُ جِنِّيٌّ عَلَى ذَلِكَ. وَيَحْرُمُ تَعَدِّي إنْسِيٍّ عَلَيْهِمْ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ إفْسَادِ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ لِذَلِكَ. وَيَحْرُمُ زِنًى بِجِنِّيَّةٍ وَلِوَاطٌ، وَلَا يَجِبُ بِهِمْ قِصَاصٌ. (وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ) ، وَأَمَّا مَا يَذْبَحُهُ الْآدَمِيُّ، لِئَلَّا يُصِيبَهُ أَذًى مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 الْجِنِّ؛ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ. (وَبَوْلُهُمْ وَقَيْؤُهُمْ طَاهِرَانِ) ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِحَدِيثِ «لَمَّا سَمَّى الرَّجُلُ فِي أَثْنَاءِ طَعَامِهِ، قَالَ: قَاءَ الشَّيْطَانُ كُلَّ شَيْءٍ أَكَلَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. (وَيَتَّجِهُ: لَا رَوْثُهُمْ) ، وُقُوفًا مَعَ مَوْرِدِ النَّصِّ، لَكِنْ قَالَ الْخَلْوَتِيُّ: قَوْلُهُ: وَبَوْلُهُمْ وَقَيْؤُهُمْ، وَكَذَا غَائِطُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا مَا بَوْلُهُ وَقَيْؤُهُ طَاهِرَانِ وَغَائِطُهُ نَجِسٌ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِمَا لِمَحَلِّ الْوُرُودِ، ثُمَّ رَأَيْت فِيمَا عَلَّقَهُ الْفَارِضِيُّ عَلَى مَتْنِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مَا نَصُّهُ: وَمَنْ جَعَلَ بَوْلَ الشَّيْطَانِ فِي الْأُذُنِ حَقِيقَةً اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ الْجِنِّ وَغَائِطِهِمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِغَسْلِ الْأُذُنِ انْتَهَى. (وَجَرَى فِي جَوَازِ مُنَاكَحَتِهِمْ لَنَا) مَعْشَرَ الْإِنْسِ (خِلَافٌ) بَيْنَ عُلَمَائِنَا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ، وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ جَوَازِ مُنَاكَحَتِهِمْ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ: وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِجِنِّيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ كَالْهِبَةِ وَالزَّكَاةِ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْ انْتِفَاءِ التَّمْلِيكِ انْتِفَاءُ مَنَافِعِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] ، وَقَالَ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 21] ، وَالْجِنُّ لَيْسُوا مِنْ أَنْفُسِنَا، فَلَا يَأْمَنُ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ قُدْرَةً عَلَى النُّفُوذِ فِي بَوَاطِنِ الْبَشَرِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ» وَكَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إذَا أُتِيَ بِالْمَصْرُوعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 وَعَظَ مَنْ صَرَعَهُ وَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَإِنْ انْتَهَى وَفَارَقَ الْمَصْرُوعَ؛ أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ أَنْ لَا يَعُودَ، وَإِنْ لَمْ يَأْتَمِرْ وَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يُفَارِقْهُ؛ ضَرَبَهُ حَتَّى يُفَارِقَهُ، وَالضَّرْبُ فِي الظَّاهِرِ يَقَعُ عَلَى الْمَصْرُوعِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَنْ صَرَعَهُ، وَلِهَذَا يَتَأَلَّمْ مَنْ صَرَعَهُ وَيَصِيحُ، وَيُخْبِرُ الْمَصْرُوعُ إذَا أَفَاقَ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. (وَفِي الْجَنَّةِ يَتَزَوَّجُونَ بِحُورٍ مِنْ جِنْسِهِمْ) ، لِحَدِيثِ «وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ» . (وَقَدْ أَشْبَعْتُ الْكَلَامَ فِيهِمْ فِي كِتَابِي بَهْجَةِ النَّاظِرِينَ ") فَلْيُرَاجَعْ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ وُجُودَ الْجِنِّ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاتِّفَاقِ السَّلَفِ مِنْ الْأُمَّةِ، وَدُخُولُ الْجِنِّيِّ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ ثَابِتٌ: بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ أَمْرٌ مَشْهُودٌ مَحْسُوسٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ يَدْخُلُ فِي الْمَصْرُوعِ، وَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَا يَعْرِفُهُ، بَلْ وَلَا يَدْرِي بِهِ، بَلْ يُضْرَبُ ضَرْبًا لَوْ ضَرَبَهُ جَمَلٌ لَمَاتَ، وَلَا يُحِسُّ بِهِ الْمَصْرُوعُ، وَمُعَالَجَتُهُ بِالرَّقْيِ، وَالتَّعَوُّذِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا غَيْرَ شِرْكٍ جَائِزٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي " الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ ". [بَابُ الْإِمَامَةِ] (بَابُ الْإِمَامَةِ) (الْأَوْلَى بِهَا الْأَجْوَدُ قِرَاءَةً الْأَفْقَهُ) لِجَمْعِهِ بَيْن الْمَزِيَّتَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفِقْهِ، (ثُمَّ) يَلِيهِ (الْأَجْوَدُ قِرَاءَةً الْفَقِيهُ) ، لِحَدِيثِ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» (ثُمَّ) يَلِيهِ (الْأَقْرَأُ) جَوْدَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا إنْ كَانَ يَعْرِفُ فِقْهَ صَلَاتِهِ، حَافِظًا لِلْفَاتِحَةِ، لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ. وَلْيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَأَجَابَ أَحْمَدُ عَنْ قَضِيَّةِ تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَهُ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ، لِتَفْهَمَ الصَّحَابَةُ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 تَقْدِيمِهِ فِي الْإِمَامَةِ الصُّغْرَى اسْتِحْقَاقَهُ لِلْإِمَامَةِ الْكُبْرَى، وَتَقْدِيمَهُ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَقُدِّمَ الْأَقْرَأُ جَوْدَةً عَلَى الْأَكْثَرِ قُرْآنًا؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْرًا، لِحَدِيثِ «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ؛ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ؛ وَمَنْ قَرَأَهُ وَلَحَنَ فِيهِ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ حَسَنَةٌ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ: إعْرَابُ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ حِفْظِ بَعْضِ حُرُوفِهِ. (ثُمَّ) مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْجَوْدَةِ يُقَدَّمُ (الْأَكْثَرُ قُرْآنًا الْأَفْقَهُ) ، لِجَمْعِهِ الْفَضِيلَتَيْنِ، (ثُمَّ) يَلِيهِ (الْأَكْثَرُ قُرْآنًا الْفَقِيهُ، ثُمَّ) مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْأَكْثَرِيَّةِ يُقَدَّمُ (قَارِئٌ أَفْقَهُ، ثُمَّ) يَلِيهِ (قَارِئٌ فَقِيهٌ، ثُمَّ) قَارِئٌ (عَالِمٌ فِقْهَ صَلَاتِهِ) مِنْ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَمُبْطِلَاتِهَا وَنَحْوِهَا، (ثُمَّ قَارِئٌ لَا يَعْلَمُ) ، أَيْ: فِقْهَ صَلَاتِهِ، بَلْ يَأْتِي بِهَا عَادَةً، فَتَصِحُّ إمَامَتُهُ، (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَوْا فِي عَدَمِ الْقِرَاءَةِ؛ قُدِّمَ (أَفْقَهُ وَأَعْلَمُ بِأَحْكَامِ صَلَاةٍ) لِمَزِيَّةِ الْفِقْهِ. (وَمِنْ شَرْطِ تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فِقْهَ صَلَاتِهِ) ، وَمَا يَحْتَاجُهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِمَّا يُعْتَبَرُ فِيهَا (حَافِظًا لِلْفَاتِحَةِ) ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ. (وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْفَقِيهَيْنِ) الْمُسْتَوِيَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ (أَفْقَهَ أَوْ أَعْلَمَ بِأَحْكَامِ صَلَاةٍ قُدِّمَ) ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُؤَثِّرُ فِي تَكْمِيلِ الصَّلَاةِ. (وَيُقَدَّمُ قَارِئٌ لَا يَعْلَمُ فِقْهَ صَلَاتِهِ بِأَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ نَحْوِ فَرْضٍ) كَوَاجِبٍ (وَسُنَّةٍ عَلَى فَقِيهٍ) أُمِّيٍّ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا. (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ: ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ " الْمُحَدِّدِ " وَ " الْوَجِيزِ ": (أَنَّ الْفَقِيهَ إذَا أَقَامَ الْفَاتِحَةَ، يُقَدَّمُ) عَلَى قَارِئٍ لَا يَعْلَمُ فِقْهَ صَلَاتِهِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 (ثُمَّ مَعَ تَسَاوٍ فِي قِرَاءَةٍ وَفِقْهٍ) يُقَدَّمُ (أَسَنُّ) ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ وَإِجَابَةِ الدُّعَاءِ، ثُمَّ إنْ اسْتَوَوْا، (فَ) الْأَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ (أَشْرَفُ، وَهُوَ: الْقُرَشِيُّ) إلْحَاقًا لِلْإِمَامَةِ الصُّغْرَى بِالْكُبْرَى، لِحَدِيثِ «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَحَدِيثِ «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» وَالشَّرَفُ يَكُونُ بِعُلُوِّ النَّسَبِ، (فَيُقَدَّمُ) مِنْهُمْ (بَنُو هَاشِمٍ) ، لِقُرْبِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ثُمَّ) بَاقِي (قُرَيْشٍ، ثُمَّ) مَعَ اسْتِوَاءٍ فِي الشَّرَفِ أَيْضًا (الْأَقْدَمُ هِجْرَةً بِنَفْسِهِ) لَا بِآبَائِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ مَرْفُوعًا «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَسَبْقٌ بِإِسْلَامٍ كَ) سَبْقٍ بِ (هِجْرَةٍ) ، فَيُقَدَّمُ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ السَّابِقُ إسْلَامًا مِمَّنْ أَسْلَمَ بِدَارِ إسْلَامٍ، وَإِلَّا فَالسَّابِقُ إلَيْنَا هِجْرَةً كَمَا فِي " الشَّرْحِ " وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ مَسْبُوقًا فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ إلَى الطَّاعَةِ. (وَحُكْمُهَا) أَيْ: الْهِجْرَةِ (بَاقٍ لِيَوْمِنَا) ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» ، فَالْمَعْنَى: لَا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ. (وَفِي " الْمُغْنِي ": يُقَدَّمُ سَابِقٌ بِإِسْلَامٍ عَلَى سَابِقٍ بِهِجْرَةٍ) ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، أَيْ: إسْلَامًا» وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ كَالْهِجْرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 (ثُمَّ) مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ (الْأَتْقَى وَالْأَوْرَعُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الصَّلَاةِ الْخُضُوعُ وَرَجَاءُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَالْأَتْقَى وَالْأَوْرَعُ أَقْرَبُ إلَى ذَلِكَ، لَا سِيَّمَا وَالدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَابِ الشَّفَاعَةِ الْمُسْتَدْعِيَةِ كَرَامَةَ الشَّافِعِ عِنْدَ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ، قَالَ الْقُشَيْرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ ": الْوَرَعُ: اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ، زَادَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي " الْمَشَارِقِ ": خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، (وَهُمَا) أَيْ: الْأَتْقَى وَالْأَوْرَعُ (سَوَاءٌ ثُمَّ) إنْ اسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ يُقَدَّمُ (مَنْ يَخْتَارُهُ جِيرَانٌ مُصَلُّونَ، أَوْ كَانَ أَعْمَرَ لِمَسْجِدٍ) هَذِهِ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُصُولِ " وَالشَّارِحُ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا فِي " الْمُقْنِعِ " " وَالْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِمَا: يُقْرَعُ (ثُمَّ يُقْرَعُ) مَعَ التَّشَاحِّ،؛ لِأَنَّ سَعْدًا أَقْرَعَ بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فِي الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. (وَتُكْرَهُ إمَامَةُ غَيْرِ الْأَوْلَى بِلَا إذْنِهِ) لِلِافْتِئَاتِ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، لَمْ يَزَالُوا فِي سَفَالٍ» ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ. وَ (لَا) يُكْرَهُ (أَذَانُ) غَيْرِ الْأَوْلَى مَعَ حُضُورِهِ بِلَا إذْنِهِ (نَصًّا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي التَّقَدُّمِ لَهُ وَقَدْ أَسْقَطَهُ. (وَصَاحِبُ بَيْتٍ وَإِمَامُ مَسْجِدٍ وَلَوْ عَبْدًا، أَحَقُّ) مِنْ غَيْرِهِ، (فَتَحْرُمُ) إمَامَةُ غَيْرِهِمَا (بِلَا إذْنِهِمَا بِشَرْطِهِ) ، وَهُوَ كَوْنُهُمَا أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُمَا أَفْضَلَ مِنْهُمَا. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِمَا رُوِيَ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَتَى أَرْضًا لَهُ عِنْدَهَا مَسْجِدٌ يُصَلِّي فِيهِ مَوْلًى لَهُ، فَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ مَعَهُمْ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ، فَأَبَى، وَقَالَ: صَاحِبُ الْمَسْجِدِ أَحَقُّ " وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ غَيْرِهِ افْتِئَاتًا، وَكَسْرًا لِقَلْبِهِ، (لِغَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ) ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، ثُمَّ نُوَّابُهُ، كَالْقَاضِي (فِيهِمَا) ، أَيْ: فِي صَاحِبِ الْبَيْتِ وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 فَيُقَدَّمُ ذُو سُلْطَانٍ عَلَيْهِمَا "؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَّ عِتْبَانُ بْنِ مَالِكٍ وَأَنَسًا فِي بُيُوتِهِمَا» وَلِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَامَّةٌ. (وَ) لِغَيْرِ الْعَبْدِ، فَلَيْسَ أَوْلَى مِنْ (سَيِّدِهِ بِبَيْتِهِ) بَلْ السَّيِّدُ أَوْلَى، لِوِلَايَتِهِ عَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ. (وَكُلُّ ذِي سُلْطَانٍ أَوْلَى مِنْ جَمِيعِ نُوَّابِهِ) ، لِحَدِيثِ «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ» (وَيُسْتَحَبُّ لِصَاحِبِ بَيْتٍ وَإِمَامِ مَسْجِدٍ تَقْدِيمُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا) مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْفَضْلِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. (وَحُرٌّ أَوْلَى مِنْ عَبْدٍ وَ) مِنْ (مُبَعَّضٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي أَحْكَامِهِ وَأَشْرَفُ، وَيَصْلُحُ إمَامًا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ (وَلَا تُكْرَهُ إمَامَتُهُمَا) ، أَيْ: الْعَبْدِ وَالْمُبَعَّضِ، (بِحُرٍّ) إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا إمَامَ مَسْجِدٍ، أَوْ صَاحِبَ بَيْتٍ. جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ "؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبَا ذَرٍّ صَلَّوْا خَلْفَ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيد وَهُوَ عَبْدٌ " رَوَاهُ صَالِحٌ فِي مَسَائِلِهِ. (وَمُبَعَّضٌ وَمُكَاتَبٌ أَوْلَى مِنْ عَبْدٍ) لِحُصُولِ بَعْضِ الْأَكْمَلِيَّةِ وَالْأَشْرَفِيَّةِ فِيهِمَا. (وَحَاضِرٌ) ، أَيْ مُقِيمٌ أَوْلَى مِنْ مُسَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَرَ، فَيُفَوِّتُ بَعْضَ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ عَلَى الْمَأْمُومِينَ. (وَحَضَرِيٌّ) وَهُوَ: النَّاشِئُ فِي الْمُدُنِ وَالْقُرَى، أَوْلَى مِنْ بَدْوِيٍّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْجَفَاءُ، وَقِلَّةُ الْمَعْرِفَةِ بِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِ الصَّلَاةِ، لِبُعْدِهِمْ عَمَّنْ يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْأَعْرَابِ: {وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: 97] . (وَبَصِيرٌ) أَوْلَى مِنْ أَعْمَى؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى اجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ، وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِاجْتِهَادِهِ. (وَمُتَوَضِّئٌ) أَوْلَى مِنْ مُتَيَمِّمٍ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ مُبِيحٌ. (وَمُعِيرٌ) فِي الْبَيْتِ الْمُعَارِ أَوْلَى مِنْ مُسْتَعِيرٍ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَالْمُسْتَعِيرُ إنَّمَا يَمْلِكُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 الِانْتِفَاعَ. (وَمُسْتَأْجِرٌ أَوْلَى مِنْ ضِدِّهِمْ) كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ، وَقَادِرٌ عَلَى مَنْعِ الْمُؤَجِّرِ مِنْ دُخُولِهِ. (وَكُرِهَ أَنْ يُتِمَّ مُسَافِرٌ) صَلَّى إمَامًا (بِمُقِيمٍ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَهَا، نَظَرًا إلَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ نَفْلٌ. فَيَلْزَمُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَجَوَابُهُ الْمَنْعُ، وَأَنَّ الْكُلَّ فَرْضٌ، فَلَوْ تَابَعَهُ الْمُقِيمُ، وَكَانَ نَوَى الْإِتْمَامَ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا نَوَى الْإِتْمَامَ، لَزِمَهُ، فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ فَرْضًا. وَ (لَا) يُكْرَهُ لِلْمُسَافِرِ (قَصْرُهُ) الصَّلَاةَ (بِهِ) ، أَيْ: بِالْمُقِيمِ، وَيُتِمُّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ كَمَسْبُوقٍ. [فَصْلٌ إمَامَةُ الْفَاسِق] (فَصْلٌ) (وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ فَاسِقٍ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ بِالِاعْتِقَادِ أَوْ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلَوْ كَانَ مَسْتُورًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وَلِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلَا فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ يَخَافُ سَوْطَهُ وَسَيْفَهُ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ خِيَارَكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ» لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَذَا: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ؛ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ لِمَعْنًى فِي دِينِهِ، فَأَشْبَهَ الْكَافِرَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى شَرَائِطَ. (وَإِنْ) صَلَّى (ب) فَاسِقٍ (مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ رَفْعُ مَا عَلَيْهِ مِنْ النَّقْصِ بِالتَّوْبَةِ، (أَوْ) صَلَّى الْفَاسِقُ إمَامًا (فِي نَفْلٍ) ، فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، (إلَّا فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ تَعَذُّرًا خَلْفَ غَيْرِهِ) ، أَيْ: الْفَاسِقِ بِأَنْ تَعَذَّرَ أُخْرَى خَلْفَ عَدْلٍ لِلضَّرُورَةِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 الْجُمُعَةَ ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا. قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا، فَلَا تَضُرُّ صَلَاتِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ، كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ ظُهْرًا أَرْبَعًا. (وَإِنْ خَافَ) إنْ لَمْ يَصِلْ خَلْفَ فَاسِقٍ (أَذًى، صَلَّى خَلْفَهُ،) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ» . . . إلَى آخِرِهِ، (وَأَعَادَ) نَصًّا. (فَإِنْ وَافَقَهُ) ، أَيْ: الْفَاسِقَ (فِي فِعْلٍ مُنْفَرِدًا) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، (أَوْ) وَافَقَهُ فِي الْأَفْعَالِ (فِي جَمَاعَةٍ خَلْفَهُ بِإِمَامٍ) عَدْلٍ، (لَمْ يُعِدْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِفَاسِقٍ. (وَمَنْ صَلَّى بِأُجْرَةٍ لَا جُعْلٍ، لَمْ يُصَلِّ خَلْفَهُ) ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَسَمِعْت أَحْمَدَ يُسْأَلُ عَنْ إمَامٍ قَالَ: أُصَلِّي بِكُمْ رَمَضَانَ بِكَذَا وَكَذَا؟ ؟ قَالَ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، مَنْ يُصَلِّي خَلْفَ هَذَا؟ (وَيَتَّجِهُ) : صِحَّةُ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ ظَاهِرُهُ الصَّلَاحُ، ل (أَنَّ الْأَصْلَ هُنَا) ، أَيْ: فِي الْإِمَامَةِ (الْعَدَالَةُ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَتَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِأَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا لَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ، إذْ لَوْ اعْتَبَرْنَا الْعَدَالَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَضَاقَ بِنَا الْمَجَالُ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْنَا مَعْرِفَةُ مَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الْحَالِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَحِينَئِذٍ (فَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (خَلْفَ إمَامٍ لَا يَعْرِفُهُ) أَيْ: يَجْهَلُ عَدَالَتَهُ وَفِسْقَهُ، إذْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الِائْتِمَامَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ السَّلَامَةُ، (فَإِنْ عَلِمَ فِسْقَهُ بَعْدَ) فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، (أَعَادَ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَالِاسْتِحْبَابُ) أَنْ يُصَلِّيَ (خَلْفَ مَنْ يَعْرِفُهُ) عَدْلًا لِيَتَحَقَّقَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 (وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ سَكْرَانَ) ، لِأَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَصِحُّ لِنَفْسِهِ، فَلَا تَصِحُّ لِغَيْرِهِ، (فَإِنْ سَكِرَ فِي أَثْنَائِهَا) ، أَيْ الصَّلَاةِ، (بَطَلَتْ) لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ. (وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ أَخْرَسَ وَلَوْ بِمِثْلِهِ نَصًّا) ؛ لِأَنَّهُ يَتْرُكُ رُكْنًا، وَهُوَ الْقِرَاءَةُ وَالتَّحْرِيمَةُ وَغَيْرُهُمَا، فَلَا يَأْتِي بِهِ وَلَا بِبَدَلِهِ، بِخِلَافِ الْأُمِّيِّ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْبَدَلِ. و (لَا) تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ (كَافِرٍ) ، وَلَوْ كَانَ كُفْرُهُ بِبِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ، سَوَاءٌ عَلِمَ كُفْرَهُ أَوْ جَهِلَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِنَفْسِهِ، فَلَا تَصِحُّ لِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا. (وَإِنْ قَالَ) إمَامٌ (مَجْهُولٌ حَالُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ: هُوَ كَافِرٌ) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ. (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (أَوْ) قَالَ لِمَنْ صَلَّى خَلْفَهُ: هُوَ (فَاسِقٌ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَإِنَّمَا صَلَّى تَهَزِّيًّا، أَعَادَ مَأْمُومٌ) صَلَاتَهُ كَمَنْ ظَنَّ كُفْرَهُ أَوْ حَدَثَهُ، فَبَانَ بِخِلَافِهِ، لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ. (وَإِنْ عُلِمَ لَهُ) ، أَيْ: لِلْإِمَامِ (حَالَا رِدَّةٍ وَإِسْلَامٍ، أَوْ) حَالَا (عَدَالَةٍ وَفِسْقٍ، أَوْ) حَالَا (إفَاقَةٍ وَجُنُونٍ، وَأَمَّ) فِي كُلٍّ مِنْ الْحَالَيْنِ (وَلَمْ يَدْرِ مَأْمُومٌ فِي أَيِّهِمَا) ، أَيْ الْحَالَيْنِ (ائْتَمَّ) بِهِ، (فَإِنْ عَلِمَ) مَأْمُومٌ (قَبْلَ صَلَاةٍ) ائْتَمَّ بِهِ فِيهَا (إسْلَامَهُ، أَوْ) عَلِمَ قَبْلَهَا (إفَاقَتَهُ، وَشَكَّ) مَأْمُومٌ (فِي رِدَّتِهِ أَوْ جُنُونِهِ، لَمْ يُعِدْ) مَأْمُومٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ الْإِفَاقَةِ (وَإِلَّا) يَعْلَمْ قَبْلَ اقْتِدَائِهِ بِهِ إسْلَامَهُ أَوْ إفَاقَتَهُ، وَصَلَّى خَلْفَهُ، (أَعَادَ) مَا صَلَّاهُ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِالْوُجُوبِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَا يَبْرَأُ بِهِ، فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ. (وَإِنْ) (صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَعْرِفُ كُفْرَهُ) قَبْلَ ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) يَعْرِفُ (فِسْقَهُ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَقَالَ) مَعْرُوفٌ بِذَلِكَ (بَعْدَ صَلَاةٍ: كُنْت أَسْلَمْت، أَوْ) كُنْت (تُبْت وَفَعَلْت مَا يَجِبُ لِصَلَاةٍ) (أَعَادَ) مَأْمُومٌ، لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ. (وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ مَنْ بِهِ حَدَثٌ مُسْتَمِرٌّ) كَرُعَافٍ وَسَلَسٍ، وَجُرْحٍ لَا يَرْقَأُ دَمُهُ، أَوْ دُودُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ فِي صَلَاتِهِ خَلَلًا غَيْرَ مَجْبُورٍ بِبَدَلٍ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِنَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ (عَاجِزٍ عَنْ نَحْوِ رُكُوعٍ) كَرَفْعٍ مِنْهُ (أَوْ سُجُودٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ قَوْلٍ وَاجِبٍ أَوْ شَرْطٍ) كَاسْتِقْبَالٍ، وَاجْتِنَابِ نَجَاسَةٍ، وَعَادِمِ الطَّهُورَيْنِ (إلَّا بِمِثْلِهِ) فِي الْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ الرُّكْنِ أَوْ الْوَاجِبِ أَوْ الشَّرْطِ، (وَكَذَا) لِعَاجِزٍ (عَنْ قِيَامٍ) لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ فِي الْفَرْضِ إلَّا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ رُكْنِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاءُ الْقَادِرِ عَلَيْهِ بِهِ، كَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ. (إلَّا الرَّاتِبَ بِمَسْجِدٍ) إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ لِعِلَّةٍ (الْمَرْجُوَّ زَوَالُ عِلَّتِهِ وَيَجْلِسُونَ) أَيْ: الْمَأْمُومُونَ، وَلَوْ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الْقِيَامِ (خَلْفَهُ) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنْ صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ. (وَتَصِحُّ) صَلَاتُهُمْ خَلْفَهُ (قِيَامًا) ، لِأَنَّ الْقِيَامَ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَمْ يَأْمُرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ قَائِمًا بِالْإِعَادَةِ. (وَمِثْلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ) إذَا مَرِضَ وَرُجِيَ زَوَالُ عِلَّتِهِ وَصَلَّى جَالِسًا، فَيُصَلُّونَ خَلْفَهُ جُلُوسًا، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَرْكِ الْقِيَامِ عَلَى الدَّوَامِ، أَوْ مُخَالَفَةِ الْخَبَرِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُرْجَى زَوَالُ عِلَّتِهِ. قَالَ فِي " الْخِلَافِ ": هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا» ، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَأَجَابَ أَحْمَدُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ابْتَدَأَ بِهِمْ قَائِمًا، فَيُتِمُّهَا كَذَلِكَ، وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ هُوَ الْإِمَامَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ فِي ثَوْبٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ» وَرَوَاهُ أَيْضًا أَنَسٌ، وَصَحَّحَهُمَا التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: وَلَا نَعْرِفُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ مَالِكٌ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَإِنْ ابْتَدَأَ إمَامٌ بِهِمْ الصَّلَاةَ قَائِمًا، ثُمَّ (اعْتَلَّ، ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ: وَلَوْ غَيْرَ إمَامِ حَيٍّ) ، أَيْ: رَاتِبٍ حَصَلَ لَهُ عِلَّةٌ (فِي أَثْنَائِهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (فَجَلَسَ) عَجْزًا، (أَتَمُّوا) خَلْفَهُ (قِيَامًا وُجُوبًا) ، لِقِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ هُوَ الْأَصْلُ، فَإِذَا بَدَأَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، لَزِمَهُ فِي جَمِيعِهَا إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، كَمَنْ أَحْرَمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ". (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (أَنَّهُ لَوْ صَلَّى) إمَامٌ (رَاتِبٌ بِغَيْرِ مَسْجِدِهِ لَا يَثْبُتُ مَا مَرَّ) مِنْ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ وَصَلَّى جَالِسًا يُصَلُّونَ خَلْفَهُ جُلُوسًا؛ لِأَنَّ إمَامَ الْحَيِّ لَا غِنَاءَ لَهُمْ عَنْهُ، فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 (وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّ رَاتِبَ أَعْرَابٍ) ، أَيْ: سُكَّانِ بَادِيَةٍ كَانُوا أَوْ عَجَمًا (لَا مَسْجِدَ لَهُمْ) حُكْمُهُ (كَرَاتِبِ مَسْجِدٍ) فِيمَا مَرَّ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ مُحْدِثٍ) أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ يَعْلَمُ ذَلِكَ (وَلَا) إمَامَةُ (نَجِسٍ) ، أَيْ: مَنْ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ بُقْعَتِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا (يَعْلَمُ ذَلِكَ) ، أَيْ: حَدَثَهُ أَوْ نَجَسَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، أَشْبَهَ الْمُتَلَاعِبَ. (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ (دَعْوَى عِلْمِهِ) إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا، أَوْ بِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، وَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ، لِاقْتِدَائِهِ بِمَنْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِنَفْسِهِ. (فَإِنْ جَهِلَ) إمَامٌ حَدَثَهُ أَوْ نَجَسَهُ (مَعَ) جَهْلِ (مَأْمُومِينَ كُلِّهِمْ) بِذَلِكَ، (خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ) وَهُوَ ابْنُ قُنْدُسٍ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي " حَوَاشِي الْفُرُوعِ " بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ إنْ قَرَأَ (حَتَّى انْقَضَتْ) الصَّلَاةُ، (صَحَّتْ لِمَأْمُومٍ وَحْدَهُ) ، أَيْ: دُونَ إمَامِهِ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) الْمَأْمُومُ (يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) ، لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ: " إذَا صَلَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 الْجُنُبُ بِالْقَوْمِ أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَتَمَّتْ لِلْقَوْمِ صَلَاتُهُمْ " رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَرَّانِيِّ، وَلِمَا رُوِيَ " أَنَّ عُمَرَ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْجَرْفِ، فَأَهْرَقَ الْمَاءَ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا، فَأَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ تُعِدْ النَّاسُ " وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ. وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " إذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالْقَوْمِ، فَأَتَمَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ، آمُرُهُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُعِيدَ، وَلَا آمُرُهُمْ أَنْ يُعِيدُوا " رَوَاهُمَا الْأَثْرَمِ. وَهَذَا فِي مَحَلِّ الشُّهْرَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الْحَدَثَ مِمَّا يَخْفَى، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ الْإِمَامِ لِلْمَأْمُومِ، فَكَانَ مَعْذُورًا فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ. (وَمَعَ عِلْمِ مَأْمُومٍ وَاحِدٍ فَقَطْ) بِأَنَّ إمَامَهُ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ نَجِسًا حِينَ الصَّلَاةِ (وَادِّعَائِهِ) ، أَيْ: الْعِلْمَ بِذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ، (لَا يَلْزَمُ رُجُوعُ) بَقِيَّةِ الْمَأْمُومِينَ (لِقَوْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فَسَقَ بِتَلَبُّسِهِ بِعِبَادَةٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَهَا، وَالْفَاسِقُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، (إلَّا إنْ) جَهِلَ إمَامٌ وَمَأْمُومُونَ و (كَانُوا بِجُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ وَهُمْ بِإِمَامٍ) مُحْدِثٍ أَوْ نَجِسٍ أَرْبَعُونَ، فَيُعِيدُ الْكُلُّ (أَوْ) كَانُوا (بِمَأْمُومٍ كَذَلِكَ) ، أَيْ: مُحْدِثٍ، أَوْ نَجِسٍ (أَرْبَعُونَ فَيُعِيدُ الْكُلُّ) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 أَيْ: الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ؛ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ أَوْ النَّجِسَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَيَنْقُصُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ (نِسْيَانَ) الْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ أَنَّ الْحَدَثَ أَوْ النَّجَسَ كَانَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا (كَجَهْلٍ) ، أَيْ: فَلَا تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَةُ، مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ فِي بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي النِّسْيَانِ وَفِي الْإِنْصَافِ ": فِي هَذِهِ الْإِعَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَطَعُوا بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 (وَيَضُرُّ) فِي الصَّلَاةِ (تَرْكُ بَقِيَّةِ شُرُوطٍ) كَنِيَّةٍ وَاسْتِقْبَالٍ وَطَهَارَةِ حَدَثٍ وَنَحْوِهَا، (وَ) كَذَلِكَ يَضُرُّ تَرْكُ بَعْضٍ مِنْ (جَمِيعِ أَرْكَانِ) الصَّلَاةِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَام وَنَحْوِهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ مُخْتَلَفًا فِيهِ، كَالِاسْتِنْجَاءِ وَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ. (وَنَصَّ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (عَلَيْهِ فِيمَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ) ، أَيْ: قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ (يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ) ، لِتَعَمُّدِهِمْ تَرْكَ رُكْنٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ. (وَكَذَا) نَصَّ الْإِمَامُ (فِيمَنْ تَرَكَ التَّحْرِيمَةَ) أَنَّهُ يُعِيدُ صَلَاتَهُ، لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ فَعَلَ الْإِمَامُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ الْمَأْمُومِ دُونَهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ. (وَيُثَابُ مَنْ) ، أَيْ: مُصَلٍّ (جَهِلَ الْبُطْلَانَ) ، أَيْ: بُطْلَانَ صَلَاتِهِ، كَمَا لَوْ صَلَّى مُحْدِثًا أَوْ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، أَوْ خَلْفَ كَافِرٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا لَا تُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ الطَّهَارَةُ وَلَا الْوَقْتُ، كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَالدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ، وَمُلَاحَظَةِ مَعَانِي الْأَذْكَارِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْمَهَابَةِ وَالْإِجْلَالِ صَحِيحٌ يُثَابُ عَلَيْهِ، (وَإِنْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ) كَمَا لَوْ فَعَلَهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 غَيْرِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا مَا يَقِفُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَدُخُولِ الْوَقْتِ، فَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ وَلَوْ عَمِلَهُ عَالِمًا بِهِ، حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ. (وَإِنْ تَرَكَ إمَامٌ رُكْنًا) مُخْتَلَفًا فِيهِ، كَطُمَأْنِينَةٍ بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ تَقْلِيدٍ، أَعَادَ هُوَ وَمَأْمُومٌ (أَوْ) تَرَكَ إمَامٌ (شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ) كَسَتْرِ أَحَدِ الْعَاتِقَيْنِ فِي فَرْضٍ (بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ تَقْلِيدٍ) لِمُجْتَهِدٍ، أَعَادَا، (أَوْ) تَرَكَ إمَامٌ (رُكْنًا) عِنْدَهُ وَحْدَهُ، (أَوْ) تَرَكَ (شَرْطًا عِنْدَهُ وَحْدَهُ عَالِمًا) بِأَنَّهُ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ، (أَعَادَا) أَيْ: الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ، أَمَّا الْإِمَامُ، فَلِتَرْكِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ، فَلِاقْتِدَائِهِ بِمَنْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ. وَقَوْلُهُ عَالِمًا: لَا مَفْهُومَ لَهُ إلَّا إذَا نَسِيَ حَدَثَهُ أَوْ نَجَسَهُ كَمَا مَرَّ، إذْ الشُّرُوطُ لَا تَسْقُطُ سَهْوًا وَلَا عَمْدًا كَالْأَرْكَانِ. (وَ) إنْ تَرَكَ إمَامٌ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا أَوْ وَاجِبًا (عِنْدَ مَأْمُومٍ وَحْدَهُ) كَحَنَفِيٍّ صَلَّى بِحَنْبَلِيٍّ وَكَشَفَ عَاتِقَيْهِ، أَوْ لَمْ يَطْمَئِنَّ، (لَمْ يُعِيدَا) أَيْ: الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ إمَامٍ) ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَ يُصَلِّي بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْفُرُوعِ. (وَيَتَّجِهُ: وَالْمُرَادُ) بِقَوْلِهِمْ: الِاعْتِبَارُ بِعَقِيدَةِ الْإِمَامِ: (فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَرْكَانِ صَلَاةٍ) ، كَتَرْكِ طُمَأْنِينَةٍ عِنْدَ مَنْ يَرَاهَا، (وَشُرُوطِهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ: كَتَرْكِ اسْتِنْجَاءٍ أَوْ اسْتِجْمَارٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَاهُ شَرْطًا (بَعْدَ تَوَفُّرِ شُرُوطِ إمَامَةٍ) مِنْ عَدَالَةٍ وَغَسْلِ رِجْلَيْنِ، إذْ هُمَا شَرْطَانِ لِصِحَّةِ الْإِمَامَةِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 وَإِنْ كَانَتْ الْعَدَالَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا عِنْدَ الْغَيْرِ، وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ لَيْسَ شَرْطًا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، بَلْ يَكْتَفُونَ بِالْمَسْحِ، فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ حَالُهُ كَذَلِكَ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ جَيِّدٌ. (وَإِنْ اعْتَقَدَهُ) أَيْ: الْمَتْرُوكَ مِنْ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ وَاجِبٍ (مَأْمُومٌ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَبَانَ خِلَافُهُ) أَيْ: بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ، وَلَا وَاجِبٍ عِنْدَ الْإِمَامِ، (أَعَادَ) مَأْمُومٌ وَحْدَهُ لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاةِ إمَامِهِ، (كَمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَعْلَمُهُ خُنْثَى، وَيَجْهَلُ إشْكَالَهُ فَبَانَ رَجُلًا) ، فَيُعِيدُ صَلَاتَهُ لِتَلَبُّسِهِ بِعِبَادَةٍ يَعْتَقِدُ فَسَادَهَا، وَكَمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَظُنُّهُ مُحْدِثًا فَبَانَ مُتَطَهِّرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (خَلْفَ مَنْ خَالَفَ) مَأْمُومَهُ (فِي فَرْعٍ لَمْ يَفْسُقْ بِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ) ، كَالصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يَرَى صِحَّةَ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ بِلَا شُهُودٍ، لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ذَلِكَ، فَإِنْ خَالَفَ فِي أَصْلٍ، كَمُعْتَزِلَةٍ، أَوْ فَرْعٍ فَسَقَ بِهِ، كَمَنْ شَرِبَ مِنْ النَّبِيذِ مَا يُسْكِرُهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ تَحْرِيمَهُ، لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، لِفِسْقِهِ. وَالنَّبِيذُ: هُوَ عَصِيرُ الْعِنَبِ، وَنَقِيعُ التِّينِ وَالتَّمْرِ، وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَالذُّرَةِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ يَغْلِ بِنَفْسِهِ وَيَشْتَدَّ، أَوْ يَمْضِي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ إجْمَاعًا، وَإِذَا غَلَى وَاشْتَدَّ، أَوْ مَضَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلَوْ لَمْ يَغْلِ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَإِذَا طُبِخَ عَصِيرُ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ، وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَا يُسْكِرُ بِخِلَافِ كَثِيرِهِ. (وَلَا إنْكَارَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ) . قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " السِّرِّ الْمَصُونِ ": رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ يَعْمَلُونَ عَمَلَ الْعَوَامّ، فَإِذَا صَلَّى الْحَنْبَلِيُّ فِي مَسْجِدِ شَافِعِيٍّ، تَعَصَّبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَإِذَا صَلَّى الشَّافِعِيُّ فِي مَسْجِدِ حَنْبَلِيٍّ، وَجَهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ، تَعَصَّبَ الْحَنَابِلَةُ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَالْعَصَبِيَّةُ فِيهَا مُجَرَّدُ أَهْوَاءٍ يَمْنَعُ مِنْهَا الْعِلْمُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: رَأَيْت النَّاسَ لَا يَعْصِمُهُمْ مِنْ الظُّلْمِ إلَّا الْعَجْزُ وَلَا أَقُولُ: الْعَوَامُّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 بَلْ الْعُلَمَاءُ كَانَتْ أَيْدِي الْحَنَابِلَةِ مَبْسُوطَةً فِي أَيَّامِ ابْنِ يُوسُفَ، وَكَانُوا يَسْتَطِيلُونَ بِالْبَغْيِ عَلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي الْفُرُوعِ حَتَّى مَا يُمَكِّنُونَهُمْ مِنْ الْجَهْرِ وَالْقُنُوتِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ، فَلَمَّا جَاءَتْ أَيَّامُ النَّظَّامِ، وَمَاتَ ابْنُ يُوسُفَ، وَزَالَتْ شَوْكَةُ الْحَنَابِلَةِ، اسْتَطَالَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ اسْتِطَالَةَ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ، فَاسْتَعْدُوا عَلَيْهِمْ بِالسِّجْنِ، وَآذَوْا الْعَوَامَّ بِالسِّعَايَاتِ وَالْفُقَهَاءَ بِالنَّبْذِ بِالتَّجْسِيمِ. قَالَ: فَتَدَبَّرْتُ أَمَرَ الْفَرِيقَيْنِ، فَإِذَا هُمْ لَمْ تَعْمَلْ بِهِمْ آدَابُ الْعِلْمِ، وَهَلْ هَذِهِ إلَّا أَفْعَالُ الْأَجْنَادِ يَصُولُونَ فِي دَوْلَتِهِمْ، وَيَلْزَمُونَ الْمَسَاجِدَ فِي بَطَالَتِهِمْ. (وَمَنْ أَنْكَرَ) شَيْئًا مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، (فَلِجَهْلِهِ بِمَقَامِ الْمُجْتَهِدِينَ) وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ أَسْهَرُوا أَجْفَانَهُمْ، وَبَذَلُوا جُهْدَهُمْ وَنَفَائِسَ أَوْقَاتِهِمْ فِي طَلَبِ الْحَقِّ، وَهُمْ مَأْجُورُونَ لَا مَحَالَةَ أَخْطَئُوا أَوْ أَصَابُوا، وَمُتَّبِعُهُمْ نَاجٍ لِأَنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَجَعَلَهُ شَرْعًا مُقَرَّرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، كَمَا جَعَلَ الْحِلَّ فِي الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَتَحْرِيمَهَا عَلَى الْمُخْتَارِ حُكْمَيْنِ ثَابِتَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِلْفَرِيقَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، فَأَيُّ شَيْءٍ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ، فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ. (وَحُرِّمَ قَوْلٌ بِإِيجَابِ تَقْلِيدِ مُجْتَهِدٍ) مِنْ الْأَئِمَّةِ (بِعَيْنِهِ) بِأَنْ تُلْتَزَمَ أَقْوَالُهُ فَقَطْ، (بَلْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (إنْ تَابَ) قَائِلُ ذَلِكَ، (وَإِلَّا قُتِلَ) . قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ رَجُلٌ وَاحِدٌ اتَّخَذَ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَلِّدُهُ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ بِحَيْثُ لَمْ يُسْقِطْ مِنْهَا شَيْئًا، وَأَسْقَطَ أَقْوَالَ غَيْرِهِ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَنَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ، فَلْيُكَذِّبْنَا الْمُقَلِّدُونَ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ الْوَخِيمَةَ فِي الْقُرُونِ الْفَضِيلَةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا حَدَثَتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 الْمَذْمُومِ عَلَى لِسَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (لَكِنْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: يَتَعَيَّنُ الْآنَ تَقْلِيدُ أَحَدِ) الْأَئِمَّةِ: (الْأَرْبَعَةِ) : مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، (لِعَدَمِ حِفْظِ مَذَاهِبِ غَيْرِهِمْ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَرَدَّ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " وَخَطَّأَهُ مِنْ نَحْوِ خَمْسِينَ وَجْهًا، مِنْهَا: مَا الَّذِي خَصَّ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا أَوْلَى بِالتَّقْلِيدِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ أَهْلِ أَعْصَارِهِمْ؛ قِيلَ: وَمَا يُدْرِيك أَنَّهُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ؟ فَإِنَّ هَذَا يَعْرِفُهُ مَنْ عَرَفَ الْمَذَاهِبَ وَأَدَوَاتِهَا وَرَاجِحَهَا، فَمَا لِلْأَعْمَى وَنَقْدُ الدَّرَاهِمِ، وَهَذَا بَابٌ آخَرُ مِنْ الْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، وَيُقَالُ ثَانِيًا: فَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبْلٍ، وَعَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَعْلَمُ مِنْ صَاحِبِك بِلَا شَكٍّ فَهَلَّا قَلَّدْتَهُمْ وَتَرَكْتَهُ. بَلْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَأَمْثَالُهُمْ أَعْلَمُ وَأَفْضَلُ بِلَا شَكٍّ، فَلِمَ تَرَكْت تَقْلِيدَ الْأَعْلَمِ الْأَفْضَلِ الْأَجْمَعِ لِأَدَوَاتِ الْخَيْرِ وَالْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَرَغِبْت عَنْ أَقْوَالِهِ وَمَذْهَبِهِ إلَى مَنْ دُونَهُ؟ وَأَطَالَ مِنْ إقَامَةِ الدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ، فَلْيُرَاجَعْ، وَمُحَصَّلُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى أَحَدٍ قَوْلُ إمَامٍ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ، جَازَ لَهُ تَقْلِيدُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 (وَمَنْ فَعَلَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَشُرْبِ يَسِيرِ نَبِيذٍ، فَإِنْ دَاوَمَ عَلَيْهِ فَسَقَ) بِالْمُدَاوَمَةِ، (وَلَمْ يُصَلَّ خَلْفَهُ) لِفِسْقِهِ (وَإِنْ لَمْ يُدَاوِمْ) عَلَيْهِ، (فَقَالَ الْمُوَفَّقُ) وَالشَّارِحُ: (هُوَ مِنْ الصَّغَائِرِ، وَلَا بَأْسَ بِهَا) أَيْ: بِالصَّلَاةِ (خَلْفَهُ) ، لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَحْصُلُ بِالصَّغِيرَةِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 بَلْ بِالْمُدَاوَمَةِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] . (وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ امْرَأَةٍ) بِرِجَالٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا» وَلِأَنَّهَا لَا تُؤَذِّنُ لِلرِّجَالِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَؤُمَّهُمْ كَالْمَجْنُونِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ خُنْثَى مُشْكِلًا لِاحْتِمَالِ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 يَكُونَ رَجُلًا. (وَ) لَا تَصِحُّ أَيْضًا إمَامَةُ (خُنْثَى) مُشْكِلٍ (بِرِجَالٍ) ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً (أَوْ) أَيْ: وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ خُنْثَى ب (خَنَاثَى) ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً وَهُمْ رِجَالٌ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: فِي فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى بِالنِّسَاءِ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً وَإِمَامَتُهَا بِالنِّسَاءِ صَحِيحَةٌ، لَكِنْ تَقِفُ الْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 (وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ مُمَيِّزٍ بِبَالِغٍ فِي فَرْضٍ) ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " وَلَا يَؤُمَّنَّ الْغُلَامُ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ " وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَا يَؤُمَّنَّ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ " رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ. وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِفُهُ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَةَ حَالُ كَمَالٍ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْإِمَامُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 ضَامِنٌ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ. (وَتَصِحُّ) إمَامَةُ صَبِيٍّ لِبَالِغٍ (فِي نَفْلٍ) ، كَتَرَاوِيحَ وَوِتْرٍ وَصَلَاةِ كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ يَؤُمُّ مُتَنَفِّلًا. (وَ) تَصِحُّ إمَامَةُ صَبِيٍّ (فِي فَرْضٍ بِمِثْلِهِ) ، أَيْ: صَبِيٍّ؛ لِأَنَّهَا نَفْلٌ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 (وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ أُمِّيٍّ) نِسْبَةً إلَى الْأُمِّ، كَأَنَّهُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي وَلَدَتْهُ أُمُّهُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: إلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ، وَأَصْلُهُ لُغَةً: مَنْ لَا يَكْتُبُ، (وَهُوَ) عُرْفًا: (مَنْ لَا يُحْسِنُ) ، أَيْ: يَحْفَظُ (الْفَاتِحَةَ، أَوْ يُدْغِمُ فِيهَا مَا) أَيْ: حَرْفًا (لَا يُدْغَمُ) كَإِدْغَامِ هَاءِ لِلَّهِ فِي رَاءِ رَبِّ، وَهُوَ: الْأَرَتُّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ. (أَوْ يُبْدِلُ مِنْهَا حَرْفًا) لَا يُبْدَلُ، وَهُوَ: الْأَلْثَغِيُّ، لِحَدِيثِ «لِيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَؤُمَّ النَّاسَ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؛ وَلِأَنَّهُ بِصَدَدِ تَحَمُّلِ الْقِرَاءَةِ عَنْ الْمَأْمُومِ. (إلَّا ضَادَ الْمَغْضُوبِ وَضَادَ الضَّالِّينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 بِظَاءٍ) فَتَصِحُّ إمَامَتُهُ بِمَنْ لَا يُبْدِلُهَا ظَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ أُمِّيًّا بِهَذَا الْإِبْدَالِ، سَوَاءٌ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَمَعْنًى، أَوْ لَا. قَالَ فِي " حَاشِيَتِهِ " وَالْمُرَادُ بِمَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا: أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ النُّطْقِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَخْرَجِهِ، لَا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ مَعْنَى أَحَدِهِمَا غَيْرُ الْآخَرِ، فَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، لَا مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 الْعَجْزِ عَنْهُ. (أَوْ يَلْحَنُ) عَطْفٌ عَلَى يُبْدِلُ (فِيهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ (لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى) ، أَيْ: يُغَيِّرُ الْمَعْنَى (عَجْزًا عَنْ إصْلَاحِهِ) كَكَسْرِ كَافِ إيَّاكَ، وَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْت أَوْ كَسْرِهَا؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ، فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ (إلَّا بِمِثْلِهِ) ، فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ عَاجِزٍ عَنْ نِصْفِ الْفَاتِحَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 الْأَوَّلِ بِعَاجِزٍ عَنْ نِصْفِهَا الْأَخِيرِ، وَلَا عَكْسُهُ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا، لَكِنْ أَحْسَنَ بِقَدْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْتَمَّ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا اقْتِدَاءُ قَادِرٍ عَلَى الْأَقْوَالِ بِعَاجِزٍ عَنْهَا. و (لَا) يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ (مَنْ يُبْدِلُ مِنْهَا حَرْفًا) ، أَيْ: الْفَاتِحَةِ (بِمَنْ يُبْدِلُ) حَرْفًا (غَيْرَهُ) ، لِعَدَمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 الْمُسَاوَاةِ (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ (مَنْ لَا يُحْسِنُ) الْفَاتِحَةَ وَلَا يُحْسِنُ (قُرْآنًا غَيْرَهَا بِمَنْ يُحْسِنُهُ) ، أَيْ: يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ. (وَإِنْ تَعَمَّدَ) غَيْرُ الْأُمِّيِّ إدْغَامَ مَا لَا يُدْغَمُ، أَوْ إبْدَالَ مَا لَا يُبْدَلُ، أَوْ اللَّحْنَ الْمُحِيلَ لِلْمَعْنَى (أَوْ قَدَرَ) أُمِّيٌّ (عَلَى إصْلَاحِهِ) ، فَتَرَكَهُ (أَوْ زَادَ) مَنْ يُبْدِلُ أَوْ يُدْغِمُ أَوْ يَلْحَنُ كَذَلِكَ (عَلَى فَرْضِ قِرَاءَةٍ) بِأَنْ زَادَ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَهُوَ (عَاجِزٌ عَنْ إصْلَاحِهِ عَمْدًا، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا، فَهُوَ كَسَائِرِ الْكَلَامِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 وَحُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الْكَلَامِ. (وَإِنْ أَحَالَهُ) ، أَيْ أَحَالَ اللَّحْنُ الْمَعْنَى (فِيمَا زَادَ) عَلَى فَرْضِ الْقِرَاءَةِ (سَهْوًا أَوْ جَهْلًا أَوْ لِآفَةٍ صَحَّتْ) صَلَاتُهُ (وَ) إنْ أَحَالَهُ (عَمْدًا، بَطَلَتْ) جَعْلًا لَهُ كَالْمَعْدُومِ. (وَيَكْفُرُ مُعْتَقِدُ حِلٍّ) أَيْ: حِلِّ اللَّحْنِ الْمُحِيلِ الْمَعْنَى، لِإِدْخَالِهِ فِي الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. (وَإِنْ أَحَالَهُ) ، أَيْ: الْمَعْنَى (فِي فَرْضِ قِرَاءَةٍ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا) وَمَضَى فِيهَا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. و (لَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ أَحَالَهُ (عَجْزًا) لِأَنَّ الْعَاجِزَ تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِنَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ. وَإِنْ ذَكَرَ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَحَنَ فِي فَرْضِ الْقِرَاءَةِ لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى (وَلَمْ يُصِحَّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (مَا أَحَالَهُ) ، أَيْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَوْرًا بِلَفْظٍ صَحِيحٍ، (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ، لِتَعَمُّدِهِ إحَالَةَ الْمَعْنَى الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ، وَحَيْثُ أَتَى بِهِ فَوْرًا، تَمَّمَ صَلَاتَهُ، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وُجُوبًا، وَسَلَّمَ. (وَمِنْ) اللَّحْنِ (الْمُحِيلِ) لِلْمَعْنَى (فَتْحُ هَمْزَةِ اهْدِنَا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْدَى الْهَدِيَّةَ، لَا مِنْ طَلَبَ الْهِدَايَةَ. (وَ) مِنْهُ (ضَمُّ تَاءِ: أَنْعَمْت، وَكَسْرُهَا، وَ) مِنْهُ (كَسْرُ كَافِ إيَّاكَ) ، وَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ. (وَلَا يَلْزَمُ) مَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ (بَحْثٌ عَنْ كَوْنِ إمَامٍ قَارِئًا) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ تَقَدَّمَ لِلْإِمَامَةِ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا قَارِئًا. (فَإِنْ قَالَ) إمَامٌ (بَعْدَ سَلَامٍ سَهَوْت) عَنْ الْفَاتِحَةِ، (أَوْ) قَالَ (نَسِيت أَنْ أَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ، لَزِمَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامَ (مَعَ مَأْمُومٍ الْإِعَادَةُ) ، لِحَدِيثِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَإِنْ أَسَرَّ فِي جَهْرِيَّةٍ سَهْوًا، فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا سُجُودَ. (وَإِنْ أُقِيمَتْ) الصَّلَاةُ (وَهُوَ بِمَسْجِدٍ، وَالْإِمَامُ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ) لِلْإِمَامَةِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 (صَلَّى خَلْفَهُ إنْ شَاءَ وَأَعَادَ، كَذَا) فِي " الشَّرْحِ "، وَتَبِعَهُ (فِي " الْإِقْنَاعِ " وَفِيهِ نَظَرٌ) . قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: وَلَعَلَّ الْمُرَادُ إنْ خَافَ فِتْنَةً أَوْ أَذًى كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَاسِقِ. [تَنْبِيهٌ شُرُوطُ صِحَّةِ إمَامَةٍ ثَمَانِيَةٌ] (تَنْبِيهٌ: شُرُوطُ) صِحَّةِ (إمَامَةٍ ثَمَانِيَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ: (إسْلَامٌ وَعَدَالَةٌ وَعَقْلٌ وَنُطْقٌ وَتَمْيِيزٌ، وَكَذَا بُلُوغٌ إنْ أَمَّ بَالِغًا فِي فَرْضٍ، وَذُكُورِيَّةٌ إنْ أَمَّ ذَكَرًا، وَقُدْرَةٌ عَلَى شَرْطٍ وَرُكْنٍ وَوَاجِبٍ إنْ أَمَّ بِقَادِرٍ، وَمَرَّتْ) هَذِهِ الشُّرُوطُ (مُفَصَّلَةً) ، فَلَا نُطِيلُ بِشَرْحِهَا. (وَحَيْثُ أَمَّ مَنْ لَا يَصْلُحُ) مِمَّا تَقَدَّمَ مَنْ يَصْلُحُ، (أَعَادَا) ، أَيْ: الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (وَلَوْ جَهِلَا) هَذِهِ الشُّرُوطَ. [فَصْلٌ إمَامَةُ كَثِيرِ لَحْنٍ غَيْرِ مُحِيلٍ لِلْمَعْنَى] (فَصْلٌ) (تُكْرَهُ إمَامَةُ كَثِيرِ لَحْنٍ غَيْرِ مُحِيلٍ) لِلْمَعْنَى، كَجَرِّ دَالِ: الْحَمْدِ، وَضَمِّ هَاءِ: لِلَّهِ وَنَحْوِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُؤْتَمُّ بِهِ مِثْلَهُ، أَوْ لَا. وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ بَاقٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَثِيرَ اللَّحْنِ، لَمْ يُكْرَهْ، كَمَنْ سَبَقَ لِسَانَهُ بِيَسِيرٍ، إذْ قَلَّ مَنْ يَخْلُو مِنْ ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ تَعَمُّدُهُ. (وَ) تُكْرَهُ إمَامَةُ (الْفَأْفَاءِ) بِالْمَدِّ: (الَّذِي يُكَرِّرُ الْفَاءَ، وَالتَّمْتَامِ: الَّذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ وَ) كَذَلِكَ (مَنْ لَا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ) كَالْقَافِ وَالضَّادِ (أَوْ) كَانَ (يُصْرَعُ) فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ (أَوْ) كَانَ مِمَّنْ (تُضْحِكُ رُؤْيَتُهُ) أَوْ صُورَتُهُ، (وَ) مِثْلُهُ (أَعْمَى أَصَمُّ) ؛ لِأَنَّ فَقْدَهُ تِلْكَ الْحَاسَّتَيْنِ لَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَلَا شُرُوطِهَا، كَمَا لَوْ كَانَ أَعْمَى فَاقِدَ الشَّمِّ. (وَ) تُكْرَهُ وَتَصِحُّ إمَامَةُ (أَقْلَفَ) ، أَمَّا الصِّحَّةُ، فَلِأَنَّهُ ذَكَرٌ مُسْلِمٌ عَدْلٌ قَارِئٌ، فَصَحَّتْ إمَامَتُهُ كَالْمُخْتَتَنِ، وَالنَّجَاسَةُ تَحْتَ الْقُلْفَةِ بِمَحَلٍّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 لَا تُمْكِنُهُ إزَالَتُهَا مِنْهُ مَعْفُوٌّ عَنْهَا لِعَدَمِ إمْكَانِ إزَالَتِهَا ب. وَكُلُّ نَجَاسَةٍ مَعْفُوٍّ عَنْهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ، فَلِلِاخْتِلَافِ فِي صِحَّةِ إمَامَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ) : صِحَّةُ إمَامَةِ الْأَقْلَفِ مَعَ الْكَرَاهَةِ إنْ عُذِرَ بِإِبْقَاءِ قُلْفَتِهِ، (لَا إنْ تَرَكَ الْخِتَانَ) إلَى أَنْ صَارَ (بَالِغًا، مُصِرًّا) عَلَى تَرْكِهِ (بِلَا عُذْرٍ) ؛ فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ حِينَئِذٍ (لِفِسْقِهِ) بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) تُكْرَهُ وَتَصِحُّ إمَامَةُ (أَقْطَعَ يَدَيْنِ) أَوْ أَقْطَعَ إحْدَاهُمَا، (أَوْ) أَقْطَعَ (رِجْلَيْنِ أَوْ) أَقْطَعَ (إحْدَاهُمَا) ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الصِّحَّةِ مَا إذَا أَمْكَنَ أَقْطَعَ الرِّجْلَيْنِ الْقِيَامُ بِأَنْ يَتَّخِذَ لَهُ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ، فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ (أَوْ أَنْفٍ) ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، أَيْ: تُكْرَهُ إمَامَةُ أَقْطَعَ أَنْفٍ وَتَصِحُّ. (وَكُرِهَ أَنْ يَؤُمَّ أَجْنَبِيَّةً فَأَكْثَرَ لَا رَجُلَ فِيهِنَّ) ، «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ» ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَطَةِ الْوَسْوَاسِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ بِذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، أَوْ أَجْنَبِيَّاتٍ مَعَهُنَّ رَجُلٌ فَأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ «النِّسَاءَ كُنَّ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ» (أَوْ) أَيْ: وَكُرِهَ أَنْ يَؤُمَّ (قَوْمًا أَكْثَرَهُمْ لَا نِصْفَهُمْ يَكْرَهُهُ بِحَقٍّ) نَصًّا (كَخَلَلٍ فِي دِينِهِ أَوْ فَضْلِهِ) ، لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: «ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ لَيِّنٌ. «وَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تُقْبَلُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ الْأَفْرِيقِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. قَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 لَا يَؤُمَّهُمْ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ. (وَلَا يُكْرَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ) حَيْثُ صَلُحَ لِلْإِمَامَةِ (لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي حَقِّهِ) دُونَهُمْ لِلْأَخْبَارِ. (وَإِنْ كَرِهُوهُ لِدِينِهِ وَسُنَّتِهِ. فَلَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهِ) وَإِنْ كَرِهَهُ نِصْفُهُمْ بِحَقٍّ، لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَؤُمَّهُمْ. لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَؤُمَّهُمْ إزَالَةً لِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ. ذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ ": قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ مُعَادَاةٌ مِنْ جِنْسِ مُعَادَاةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْمَذَاهِبِ، لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ، لِعَدَمِ الِائْتِلَافِ. (وَلَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ وَلَدِ زِنًى وَلَقِيطٍ، وَمُنَفَّرٍ بِلِعَانٍ وَخَصِيٍّ وَجُنْدِيٍّ) بِضَمِّ الْجِيمِ (وَأَعْرَابِيٍّ) ، (إذَا سَلِمَ دِينُهُمْ وَصَلَحُوا لَهَا) ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ» وَصَلَّى التَّابِعُونَ خَلْفَ ابْنِ زِيَادٍ، وَهُوَ مِمَّنْ فِي نَسَبِهِ نَظَرٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ " لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ وِزْرِ أَبَوَيْهِ شَيْءٌ. قَالَتْ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ حُرٌّ مَرْضِيٌّ فِي دِينِهِ يَصْلُحُ لَهَا كَغَيْرِهِ. (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْتَمَّ مُتَوَضِّئٌ بِمُتَيَمِّمٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالطَّهَارَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ، وَالْعَكْسُ أَوْلَى. (وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ مُؤَدِّي صَلَاةٍ بِقَاضِيهَا) رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ الْخَلَّالُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْوَقْتُ (وَعَكْسُهُ) ، أَيْ: يَصْلُحُ ائْتِمَامُ مَنْ يَقْضِي الصَّلَاةَ بِمَنْ يُؤَدِّيهَا. (وَ) يَصْلُحُ ائْتِمَامُ (قَاضِيهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (مَنْ يَؤُمُّ) كَقَاضٍ ظُهْرَ يَوْمٍ (بِقَاضِيهَا) ، أَيْ: بِقَاضِي ظُهْرٍ (مِنْ) يَوْمٍ (غَيْرِهِ) و (لَا) يَصِحُّ ائْتِمَامُ مُصَلِّي ظُهْرٍ (بِمُصَلٍّ غَيْرَهَا) كَعَصْرٍ، لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ. (وَلَا) يَصِحُّ ائْتِمَامُ (مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَوْنُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ غَيْرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ اخْتِلَافٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ. لَكِنْ تَصِحُّ الْعِيدُ خَلْفَ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا سُنَّةٌ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْمَأْمُومُ أَنَّهَا فَرْضُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 كِفَايَةٍ، لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ، (إلَّا إذَا صَلَّى) إمَامٌ (بِهِمْ فِي صَلَاةِ خَوْفٍ صَلَاتَيْنِ) فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ الْآتِي فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَيَصِحُّ عَكْسُهُ) أَيْ: ائْتِمَامُ مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ؛ لِأَنَّ فِي نِيَّةِ الْإِمَامِ مَا فِي نِيَّةِ الْمَأْمُومِ، وَهُوَ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ، وَزِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي نِيَّةِ الْمَأْمُومِ وَهِيَ الْوُجُوبُ، فَلَا وَجْهَ لِعَدَمِ صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّيَ مَعَهُ» . [تَتِمَّةٌ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْ لَا] تَتِمَّةٌ: لَوْ صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ شَكَّ: هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْ لَا؛ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ وَلَهُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا مَنْ لَمْ يُصَلِّ. صَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصَّلَاةِ فِي ذِمَّتِهِ، وَوُجُوبُ فِعْلِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَكَّ: هَلْ صَلَّى، أَوْ لَا. [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ] (فَصْلٌ) فِي أَحْكَامِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ (يَصِحُّ بِلَا بَأْسٍ وُقُوفُ إمَامٍ وَسْطَ مَأْمُومِينَ، وَالسُّنَّةُ وُقُوفُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِمْ) وَوُقُوفُهُمْ خَلْفَهُ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ تَقَدَّمَ، وَقَامَ أَصْحَابُهُ خَلْفَهُ» وَرُوِيَ «أَنَّ جَابِرًا وَجَبَّارًا وَقَفَ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِأَيْدِيهِمَا حَتَّى أَقَامَهُمَا خَلْفَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد. وَلَا يَنْقُلُهُمَا إلَّا إلَى الْأَكْمَلِ، (وَلَوْ بَعُدَ) الْإِمَامُ (عَنْهُمْ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِينَ، (وَقُرْبُهُ) مِنْهُمْ (أَفْضَلُ) مِنْ بُعْدِهِ. (إلَّا الْعُرَاةَ) إذَا صَلَّوْا جَمَاعَةً (ف) إنَّ إمَامَهُمْ يَقِفُ (وَسْطًا وُجُوبًا) ، وَيَقِفُ الْمَأْمُومُونَ عَنْ جَانِبَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يَجِبُ وُقُوفُ إمَامِ عُرَاةٍ وَسْطَهُمْ إذَا كَانُوا عُمْيًا، أَوْ (بِظُلْمَةٍ) لِأَمْنِ رُؤْيَتِهِمْ عَوْرَتَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إلَّا (امْرَأَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 أَمَّتْ نِسَاءً، ف) إنَّهَا تَقِفُ بَيْنَهُنَّ (وَسْطًا نَدْبًا) فِي حَقِّ جَمِيعِهِنَّ. (وَإِنْ تَقَدَّمَهُ) ، أَيْ: تَقَدَّمَ الْإِمَامَ (مَأْمُومٌ وَلَوْ) كَانَ تَقَدُّمُهُ (بِإِحْرَامٍ) ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ إحْرَامِهِ مُتَقَهْقِرًا حَتَّى وَقَفَ فِي مَوْقِفِهِ؛ (لَمْ تَصِحَّ) الصَّلَاةُ (لَهُ) ، أَيْ: لِلْمَأْمُومِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ إلَى الِالْتِفَاتِ فِي صَلَاتِهِ، فَيَكُونُ فِي حَالِ الْتِفَاتِهِ مُسْتَدْبِرًا لِلْقِبْلَةِ عَمْدًا، وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ، وَإِلَّا أَدَّى إلَى مُخَالَفَتِهِ لِإِمَامِهِ فِي أَفْعَالِهِ، وَهُوَ مُبْطِلٌ أَيْضًا. وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ بِتَقَدُّمِ مَأْمُومِهِ، فَلَوْ جَاءَ غَيْرُهُ فَنَوَى الِائْتِمَامَ، وَوَقَفَ فِي مَوْقِفِهِ الْمَشْرُوعِ لَهُ؛ صَحَّتْ جَمَاعَةً، وَإِنْ تَقَدَّمَ بَعْدَ دُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ؛ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ دُونَ الْإِمَامِ، وَجَازَ أَنْ يُتِمَّهَا الْإِمَامُ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ لَيْسَتْ مُتَضَمِّنَةً لِصَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَلَا مُتَعَلِّقَةً بِهَا. (وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُ رِجْلِهِ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ (بِلَا اعْتِمَادٍ عَلَيْهَا) ، أَيْ: حَيْثُ كَانَتْ رِجْلُهُ مَرْفُوعَةً عَنْ الْأَرْضِ. (وَيَتَّجِهُ: لَوْ تَقَدَّمَ) الْمَأْمُومُ عَلَى إمَامِهِ (فِي أَثْنَاءِ) صَلَاةٍ (قَهْرًا، ثُمَّ رَجَعَ فَوْرًا لَا يَضُرُّ) تَقَدُّمُهُ فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (كَمَا لَوْ) أَمَّ غَيْرَهُ فِي صَلَاةِ نَفْلٍ، و (تَقَابَلَا) ، أَيْ: الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِي الْكَعْبَةِ، (أَوْ تَدَابَرَا فِي الْكَعْبَةِ) بِأَنْ جَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا ظَهْرَهُ لِلْآخَرِ، فَلَا يَضُرُّ فِي صَلَاتِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ. و (لَا) تَصِحُّ صَلَاةُ مَأْمُومٍ (إنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ لِوَجْهِ إمَامِهِ) دَاخِلَ الْكَعْبَةِ كَخَارِجِهَا، لِتَحَقُّقِ التَّقَدُّمِ، (أَوْ اسْتَدَارَ صَفٌّ حَوْلَهَا) ، أَيْ: الْكَعْبَةِ (وَالْإِمَامُ عَنْهَا) ، أَيْ: الْكَعْبَةِ، (أَبْعَدُ مِمَّنْ) أَيْ: مِنْ الْمُؤْتَمِّ بِهِ الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 682 (هُوَ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ) بِأَنْ كَانَ الْمَأْمُومُ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ مِنْ الْإِمَامِ فِي الْجِهَةِ الَّتِي عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ شِمَالِهِ، أَوْ مُقَابِلَةِ الْجِهَةِ الَّتِي يُصَلِّي الْإِمَامُ إلَيْهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) الْمَأْمُومُ مُتَقَدِّمًا (فِي الْجِهَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْإِمَامِ) ، أَيْ: الْجِهَةِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ. أَمَّا إذَا تَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَيْهِ فِيهَا؛ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِتَحَقُّقِ التَّقَدُّمِ، بِخِلَافِ تَقَدُّمِهِ فِي الْجِهَةِ الْمُقَابِلَةِ لِمَا بِإِزَاءِ الْإِمَامِ، فَهَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَمْنَةِ الْإِمَامِ وَيَسْرَتِهِ، فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ، وَلَوْ كَانَ إلَى الْكَعْبَةِ أَقْرَبَ مِنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ أَقْرَبَ فِي جِهَتِهِ؛ جَازَ، فَإِنْ كَانَ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ بَطَلَتْ. وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": إذَا اسْتَدَارَ الصَّفُّ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَالْإِمَامُ مِنْهَا عَلَى ذِرَاعَيْنِ، وَالْمُقَابِلُونَ مِنْهُ عَلَى ذِرَاعٍ؛ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ": لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي ابْنُ مُنَجَّى: صَحَّتْ إجْمَاعًا، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَ: وَفِيمَا إذَا اسْتَدَارَ الصَّفُّ حَوْلَهَا؛ فَلَا بَأْسَ بِتَقْدِيمِ الْمَأْمُومِ إذَا كَانَ فِي الْجِهَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْإِمَامِ فَقَطْ. (أَوْ فِي شِدَّةِ خَوْفٍ إذَا أَمْكَنَتْ مُتَابَعَتُهُ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 لِإِمَامِهِ، فَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ نَصًّا، لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ الْمُتَابَعَةُ؛ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ. (وَالِاعْتِبَارُ حَالَ قِيَامٍ فِي تَقَدُّمٍ وَمُسَاوَاةٍ فِي مُؤَخَّرِ قَدَمٍ وَهُوَ الْعَقِبُ) وَتَقَدَّمَ فِي تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ. (فَلَوْ اسْتَوَيَا) ، أَيْ: الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (بِعَقِبٍ، وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ مَأْمُومٍ) لِطُولِ قَدَمِهِ، (أَوْ تَقَدَّمَ) الْمَأْمُومُ (عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْإِمَامِ (بِرَأْسِهِ فِي سُجُودٍ) لِطُولِهِ؛ (لَمْ يَضُرَّ) اعْتِبَارًا بِالْعَقِبِ. (وَعَكْسُهُ) ، أَيْ: لَوْ اسْتَوَيَا بِالْأَصَابِعِ، وَتَقَدَّمَ عَقِبُ الْمَأْمُومِ عَلَى عَقِبِ إمَامِهِ؛ (يَضُرُّ) ، أَيْ: فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ. (وَفِي جُلُوسٍ الِاعْتِبَارُ بِمَحَلِّ قُعُودٍ وَهُوَ الْأَلْيَةُ) حَتَّى لَوْ مَدَّ رِجْلَيْهِ وَقَدَّمَهُمَا عَلَى إمَامِهِ لَمْ يَضُرَّ، كَمَا لَوْ قَدَّمَ الْقَائِمُ رِجْلَهُ مَرْفُوعَةً عَلَى الْأَرْضِ وَلَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهَا، وَتَقَدَّمَ؛ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَائِمًا وَالْآخَرُ قَاعِدًا؛ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ: فَلَا يُقَدِّمُ الْقَائِمُ عَقِبَهُ عَلَى مُؤَخَّرِ أَلْيَةِ الْجَالِسِ. (وَيَقِفُ) مَأْمُومٌ (وَاحِدٌ) رَجُلٌ أَوْ خُنْثَى (عَنْ يَمِينِهِ) ، أَيْ: الْإِمَامِ «لِإِدَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَابِرًا إلَى يَمِينِهِ لَمَّا وَقَفَا عَنْ يَسَارِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ وَالْخُنْثَى رَجُلٌ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، وَالْخُنْثَى عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ يَمِينِ الرَّجُلِ، وَلَا يَقِفَانِ خَلْفَهُ لِجَوَازِ كَوْنِ الْخُنْثَى امْرَأَةً. (وَيَنْدُرُ تَخَلُّفُهُ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِ الْوَاحِدِ (قَلِيلًا) بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُصَافًّا لَهُ، (قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ") ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " حَوَاشِي الْفُرُوعِ "، وَ " غَايَةِ الْمَطْلَبِ "، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَيَتَّجِهُ: فَلَا يَضُرُّ) فِي صَلَاةِ مَأْمُومٍ (عَدَمُ مُسَاوَاةٍ) ، أَيْ: مُسَامَتَتِهِ لِإِمَامِهِ (بِتَأَخُّرِهِ) عَنْهُ قَلِيلًا، بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِلرَّائِي أَنَّهُ مَأْمُومٌ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِيمَا يُوهِمُ مِنْ عِبَارَتِهِ عَدَمَ الصِّحَّةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَإِنْ تَقَدَّمَ عَقِبُ الْمَأْمُومِ عَقِبَ الْإِمَامِ مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 تَأَخُّرِ أَصَابِعِهِ عَنْ أَصَابِعِ الْإِمَامِ: لَمْ تَصِحَّ، وَكَذَا تَأَخُّرُ عَقِبِ الْمَأْمُومِ، انْتَهَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. و (لَا) يَصِحُّ أَنْ يَقِفَ مَأْمُومٌ (وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ عَنْ يَسَارِهِ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ) إنْ صَلَّى رَكْعَةً فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَوْقِفَهُ (ك) مَا لَا يَصِحُّ وُقُوفُ مَأْمُومٍ (وَاحِدٍ خَلْفَهُ) لِأَنَّهُ فَذٌّ. (وَإِنْ وَقَفَ) أَحَدٌ (عَنْ يَسَارِهِ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (أَحْرَمَ) بِالصَّلَاةِ (أَوْ لَا؛ أَدَارَهُ) الْإِمَامُ (نَدْبًا مِنْ وَرَائِهِ إلَى يَمِينِهِ مَعَ بَقَاءِ تَحْرِيمَتِهِ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ. (وَ) مَحَلُّ إدَارَتِهِ مِنْ وَرَائِهِ حَيْثُ (لَا عَمَلَ) كَثِيرٌ، فَإِنْ عَمِلَ فِي إدَارَتِهِ عَمَلًا كَثِيرًا. بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. (فَإِنْ جَاءَ) مَأْمُومٌ (آخَرُ) فَوَقَفَ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ خَلْفَ الْإِمَامِ؛ أَصَابَا السُّنَّةَ، (وَ) إنْ (لَمْ يَقِفَا خَلْفَهُ أَدَارَهُمَا) الْإِمَامُ (خَلْفَهُ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي، فَجِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَابِرُ بْنُ صَخْرٍ. فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا، فَدَفَعْنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد. (فَإِنْ شَقَّ) عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِمَا الْإِدَارَةُ: (تَقَدَّمَ) الْإِمَامُ (عَلَيْهِمَا) لِيَصِيرَا خَلْفَهُ وَيُصِيبُوا السُّنَّةَ. (وَإِنَّ أَمَّ رَجُلًا وَصَبِيًّا: سُنَّ وُقُوفُ رَجُلٍ يَمِينًا) لِكَمَالِهِ. (وَصَبِيٌّ شِمَالًا) . (وَ) لَوْ أَمَّ (رَجُلًا وَامْرَأَةً؛ فَرَجُلٌ) يَقِفُ (يَمِينًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 وَ) تَقِفُ (امْرَأَةٌ خَلْفًا) ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ، «فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَهُ» . (وَمَنْ صَلَّى وَلَوْ نَفْلًا يَسَارَ إمَامِهِ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ) وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ جَمَاعَةً؛ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إذَا صَلَّى رَكْعَةً كَامِلَةً، لِمُخَالَفَتِهِ مَوْقِفَهُ. (وَلَوْ كَانَ وَرَاءَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (صَفٌّ، أَوْ) صَلَّى (فَذًّا، وَلَوْ) كَانَ الْفَذُّ (امْرَأَةً خَلْفَ امْرَأَةٍ رَكْعَةً كَامِلَةً؛ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا، نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا، لِحَدِيثِ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَثْبَتَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ هَذَا الْحَدِيثَ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ مَرْفُوعًا: «لَا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ؛ وَلِأَنَّهُ خَالَفَ مَوْقِفَهُ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ زُحِمَ فِي ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ، فَخَرَجَ مِنْ الصَّفِّ، وَبَقِيَ مُنْفَرِدًا؛ فَيَنْوِي الْمُفَارَقَةَ وَيُتِمُّ لِنَفْسِهِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ. صَحَّحَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " (وَإِنْ رَكَعَ فَذًّا لِعُذْرٍ، كَخَوْفِ فَوْتِ رَكْعَةٍ، ثُمَّ دَخَلَ الصَّفَّ) قَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ؛ صَحَّتْ، (أَوْ) رَكَعَ فَذًّا لِعُذْرٍ، ثُمَّ (وَقَفَ مَعَهُ آخَرُ قَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ؛ صَحَّتْ) صَلَاتُهُ «لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ وَاسْمُهُ نُفَيْعٌ، رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ مَشَى حَتَّى دَخَلَ الصَّفَّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَادَك اللَّهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفَعَلَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَكَمَا لَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرُّكُوعَ (وَ) إنْ رَكَعَ فَذًّا (لِغَيْرِ عُذْرٍ) بِأَنْ كَانَ لَا يَخَافُ فَوْتَ الرَّكْعَةِ، فَإِنْ دَخَلَ الصَّفَّ، أَوْ وَقَفَ مَعَهُ آخَرُ قَبْلَ رَفْعِهِ وَقَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ؛ صَحَّتْ. وَإِلَّا (فَلَا) ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي الْمَعْذُورِ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 (وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ أَحَدِ اثْنَيْنِ صَفَّا) بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا الْحَدَثُ وَنَحْوُهُ، (تَقَدَّمَ الْآخَرُ) الَّذِي لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ (إلَى يَمِينِهِ) ، أَيْ: الْإِمَامِ، (أَوْ) انْضَمَّ إلَى (صَفٍّ) آخَرَ إنْ كَانَ حَذِرًا مِنْ أَنْ يَصِيرَ فَذًّا، أَوْ جَاءَ مَأْمُومٌ آخَرُ فَوَقَفَ مَعَهُ، صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا، (وَإِلَّا) يُمْكِنْهُ التَّقَدُّمُ، وَلَمْ يَقِفْ مَعَهُ غَيْرُهُ؛ (نَوَى الْمُفَارَقَةَ) لِلْعُذْرِ، وَأَتَمَّهَا مُنْفَرِدًا، وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ: فِي (غَيْرِ أُولَى جُمُعَةٍ) أَمَّا فِي أُولَى رَكْعَتَيْهَا؛ فَلَيْسَ لَهُ الْمُفَارَقَةُ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُدْرَكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ مُصَافِّهِ (بِثَانِيَةِ جُمُعَةٍ، أَوْ زُحِمَ فِيهَا) ، أَيْ: الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، (فَأُخْرِجَ مِنْ الصَّفِّ وَبَقِيَ فَذًّا) ؛ فَإِنَّهُ (يَنْوِي الْمُفَارَقَةَ) لِلْعُذْرِ، (وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً) لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ. (وَإِنْ لَمْ يُفَارِقْ) إمَامَهُ، (وَأَتَمَّهَا) مَعَهُ (جُمُعَةً) وَهُوَ فَذٌّ؛ (صَحَّتْ جُمُعَةً) فِي وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى، فَاغْتُفِرَ فِيهَا ذَلِكَ. وَصَحَّحَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " عَدَمَ الصِّحَّةِ. ذَكَرَهُ فِي الْجُمُعَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَمَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ. (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ (لِجَاهِلٍ) لَمْ يُفَارِقْ إمَامَهُ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا يَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ مِنْ أَنَّهُ مَتَى رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَذًّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 (وَمَنْ) (وَجَدَ فُرْجَةً) بِضَمِّ الْفَاءِ وَهِيَ الْخَلَلُ فِي الصَّفِّ، دَخَلَ فِيهَا، (أَوْ) وَجَدَ (الصَّفَّ غَيْرَ مَرْصُوصٍ وَقَفَ فِيهِ) نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصَّفَّ» . (وَكُرِهَ مَشْيُهُ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي إلَى الْفُرْجَةِ (عَرْضًا بَيْنَ يَدَيْ مَأْمُومِينَ) ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي.» الْحَدِيثَ. وَلَعَلَّ عَدَمَ التَّحْرِيمِ هُنَا، إمَّا لِأَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، أَوْ لِلْحَاجَةِ. (وَإِلَّا) يَجِدْ مَوْضِعًا فِي الصَّفِّ يَقِفُ فِيهِ؛ (ف) يَقِفْ (عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ) إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَوْقِفُ الْوَاحِدِ، (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) الْوُقُوفُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ؛ (نَبَّهَ بِنَحْوِ كَلَامٍ) كَنَحْنَحَةٍ (أَوْ إشَارَةٍ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ) ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اجْتِنَابِ الْفَذِّيَّةِ، (وَيَتْبَعُهُ) مَنْ نَبَّهَهُ (وُجُوبًا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ. (وَكُرِهَ) تَنْبِيهُهُ (بِجَذْبِهِ) نَصًّا، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، (وَلَوْ) كَانَ (عَبْدَهُ) أَوْ ابْنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ حَالَ الْعِبَادَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى صُنْعِهِ الْمَعْرُوفَ بِإِجَابَتِهِ مَنْ نَبَّهَهُ، وَتَحْصِيلِهِ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ (وَلَا يَفُوتُهُ) ، أَيْ: الْمُجِيبَ لِلْمُنَبِّهِ (ثَوَابُ صَفٍّ كَانَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ أَمَّ رَجُلٌ امْرَأَةً؛ ف) تَقِفُ (خَلْفَهُ) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا لِأُصَلِّيَ لَكُمْ، فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِثَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُمْت أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَقَامَتْ الْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ. (وَإِنْ وَقَفَتْ) الْمَرْأَةُ (بِجَانِبِهِ، فَكَرَجُلٍ) ، فَإِنْ وَقَفَتْ عَنْ يَمِينِهِ، صَحَّ، لَا عَنْ يَسَارِهِ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا يَصِحُّ وُقُوفُهَا) ، أَيْ: الْمَرْأَةِ (خَلْفَ خُنْثَى) مُشْكِلٍ، (خِلَافًا لَهُمَا) ، أَيْ: " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " حَيْثُ جَزَمَا بِوُقُوفِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ الْخُنْثَى. وَوَجْهُ عَدَمِ الصِّحَّةِ: (لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ) ، أَيْ: الْخُنْثَى (امْرَأَةً) ، وَحِينَئِذٍ فَتَقِفُ الْمَرْأَةُ بِجَنْبِ الْخُنْثَى احْتِيَاطًا (وَلَا يَصِحُّ وُقُوفُهُ) ، أَيْ: الْخُنْثَى (خَلْفَ رَجُلٍ) قَطْعًا، (لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ) ، أَيْ: الْخُنْثَى (رَجُلًا) ، خِلَافًا لِلْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ": وَالصَّحِيحُ عِنْدِي عَلَى أَصْلِنَا: أَنَّهُ يَقِفُ الْخُنْثَى عَنْ يَمِينِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ وُقُوفَ الْمَرْأَةِ جَنْبَ الرَّجُلِ غَيْرُ مُبْطِلٍ، وَوُقُوفُهُ خَلْفَهُ فِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ رَجُلًا فَذًّا، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي الْبُطْلَانِ بِهِ. قَالَ: وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا بِفَهْمٍ؛ عَلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ سَهْوٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (وَإِنْ) (وَقَفَ الْخَنَاثَى صَفًّا) ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا، وَالْبَاقِي نِسَاءً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) وَقَفُوا صَفًّا، (وَمَعَهُمْ رَجُلٌ فَقَطْ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ؛ (لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ) ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِمْ نِسَاءً. ، وَوُجُودُ الرَّجُلِ مَعَهُمْ كَعَدَمِهِ. (وَإِنْ وَقَفَتْ امْرَأَةٌ بِصَفِّ رِجَالٍ، كُرِهَ لَهَا) ذَلِكَ، وَصَحَّتْ صَلَاتُهَا، (وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا) مِنْ الرِّجَالِ، (وَ) لَا صَلَاةُ مَنْ (خَلْفَهَا) مِنْهُمْ، كَمَا لَوْ وَقَفَتْ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ. (وَصَفٌّ تَامٌّ مِنْ نِسَاءٍ لَا يَمْنَعُ اقْتِدَاءَ مَنْ خَلْفَهُنَّ مِنْ رِجَالٍ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَسُنَّ أَنْ يُقَدَّمَ) إلَى الْإِمَامِ (مِنْ أَنْوَاعٍ) مَأْمُومِينَ رِجَالٌ (أَحْرَارٌ بَالِغُونَ) الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ، (فَعَبِيدٌ) بَالِغُونَ (الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ) ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي الْحُرِّيَّةِ فَضْلٌ عَلَى الرِّقِّ؛ قُدِّمَتْ الْأَحْرَارُ عَلَى الْعَبِيدِ. (وَيَتَّجِهُ: فَإِنْ اسْتَوَيَا) فِي الصِّفَةِ؛ (ف) يُقَدَّمُ (أَسَنُّ) ، لِمَزِيَّتِهِ عَلَى مَنْ دُونَهُ فِي السِّنِّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَصِبْيَانٌ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَفَّ الرِّجَالَ، ثُمَّ صَفَّ خَلْفَهُمْ الْغِلْمَانَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (فَنِسَاءٌ كَذَلِكَ) ، أَيْ: الْبَالِغَاتُ الْأَحْرَارُ، ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ، ثُمَّ غَيْرُ الْبَالِغَاتِ الْأَحْرَارِ، ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ. الْفُضْلَى فَالْفُضْلَى، وَقَدَّمَ الصِّبْيَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 عَلَى النِّسَاءِ لِفَضْلِهِمْ عَلَيْهِنَّ بِالذُّكُورِيَّةِ. (فَمَنْ انْفَرَدَتْ) مِنْ النِّسَاءِ عَنْ الصَّفِّ وَصَلَّتْ وَحْدَهَا (إذَنْ) ، أَيْ: مَعَ وُجُودِ مَنْ يُصَافُّهَا، (لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهَا، (كَذَا فِي " الْمُبْدِعِ ") . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ "، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. (وَفِي " الْكَافِي " تَصِحُّ) صَلَاةُ مَنْ انْفَرَدَتْ مِنْ النِّسَاءِ عَنْ الصَّفِّ، صَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَالْمَذْهَبُ مَا فِي " الْمُبْدِعِ ". وَأَمَّا إذَا وَقَفَتْ الْمَرْأَةُ خَلْفَ الرَّجُلِ، أَوْ خَلْفَ صَفِّ الرِّجَالِ، فَتَصِحُّ صَلَاتُهَا حَتَّى مَعَ وُجُودِ امْرَأَةٍ أُخْرَى فَأَكْثَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 و (لَا) يَصِحُّ وُقُوفُ (خَنَاثَى صَفًّا) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا، وَالْبَاقِي نِسَاءً، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ صِبْيَانٌ كَذَلِكَ، ثُمَّ خَنَاثَى. (وَ) يُقَدَّمُ (مِنْ جَنَائِزَ إلَى إمَامٍ وَإِلَى قِبْلَةٍ فِي قَبْرٍ حَيْثُ جَازَ حُرٌّ بَالِغٌ، فَعَبْدٌ، فَصَبِيٌّ) حُرٌّ، فَصَبِيٌّ عَبْدٌ (فَخُنْثَى فَامْرَأَةٌ كَذَلِكَ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ) فِي صَفِّهِ (إلَّا كَافِرٌ) ، فَفَذٌّ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْكَافِرِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ. (أَوْ) لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا (امْرَأَةٌ أَوْ خُنْثَى) وَهُوَ ذَكَرٌ فَفَذٌّ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوُقُوفِ مَعَهُ. (أَوْ) لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا (مَنْ يَعْلَمُ حَدَثَهُ أَوْ نَجَاسَتَهُ أَوْ مَجْنُونٌ) ، فَفَذٌّ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى، لِأَنَّ وُجُودَهُمْ كَعَدَمِهِمْ، وَكَذَا سَائِرُ مَنْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ. (أَوْ) لَمْ يَقِفْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 مَعَ رَجُلٍ (فِي فَرْضٍ) إلَّا (صَبِيٌّ، فَفَذٌّ) أَيْ: فَرْدٌ، لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِالرَّجُلِ فِي الْفَرْضِ، فَلَا تَصِحُّ مُصَافَّتُهُ لَهُ. (وَتَصِحُّ) مُصَافَّتُهُ (إنْ وَقَفَ مَعَهُ مُتَنَفِّلٌ أَوْ) وَقَفَ مَعَهُ (مَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّهُ، كَأُمِّيٍّ وَأَخْرَسَ وَفَاسِقٍ وَعَاجِزٍ عَنْ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ) بِلَا خِلَافٍ. [فَصْلٌ فِي الِاقْتِدَاءِ فِي الصَّلَاةِ] (فَصْلٌ فِي الِاقْتِدَاءِ) (يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ يُمْكِنُهُ) الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامٍ أَيْ: مُتَابَعَتُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ، (وَلَوْ) كَانَ (بَيْنَهُ وَبَيْنَ إمَامِهِ فَوْقَ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ) . قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ. (وَلَوْ لَمْ تَتَّصِلْ صُفُوفٌ) عُرْفًا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلْجَمَاعَةِ، فَكُلُّ مَنْ حَصَلَ فِيهِ حَصَلَ فِي مَحَلِّ الْجَمَاعَةِ، بِخِلَافِ خَارِجِ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مُعَدًّا لِلِاجْتِمَاعِ فِيهِ، فَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ الِاتِّصَالُ فِيهِ. (فَإِنْ كَانَا) ، أَيْ: الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (بِغَيْرِ مَسْجِدٍ، أَوْ) كَانَ (مَأْمُومٌ وَحْدَهُ خَارِجَهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ (شُرِطَ عَدَمُ حَائِلٍ) ، أَيْ: مَانِعٍ؛ كَحَائِطٍ وَطَرِيقٍ (بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ وَقَفَ قَوْمٌ فِي طَرِيقٍ وَرَاءَ الْمَسْجِدِ، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ مَا يُمْكِنُهُمْ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ، وَلَا ضَرُورَةَ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ (وَ) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ مَأْمُومٍ خَارِجَ الْمَسْجِدِ (أَنْ يَرَى الْإِمَامَ أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ) ، فَإِنْ لَمْ يَرَهُ وَلَا بَعْضَ مَنْ وَرَاءَهُ؛ لَمْ تَصِحَّ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ. (وَلَوْ) كَانَتْ الرُّؤْيَةُ (فِي بَعْضِهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ، كَحَالِ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأَى النَّاسُ مِنْ شَخْصِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ أُنَاسٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ» . الْحَدِيثَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (أَوْ) كَانَتْ الرُّؤْيَةُ (مِنْ شُبَّاكٍ) ، لِتَمَكُّنِهِ إذَنْ مِنْ مُتَابَعَتِهِ. وَلَا يَكْتَفِي إذَنْ بِسَمَاعِ التَّكْبِيرِ. (وَلَا يَضُرُّ حَائِلٌ) مِنْ نَحْوِ (ظُلْمَةٍ أَوْ عَمًى) ، وَكَانَ يَرَى بِحَيْثُ لَوْلَا ذَلِكَ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ حَيْثُ أَمْكَنَتْهُ الْمُتَابَعَةُ وَلَوْ بِسَمَاعِ التَّكْبِيرِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَفِي " حَوَاشِي ابْنِ قُنْدُسٍ " عَلَيْهِ، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِمْ. (وَإِنْ كَانَا) ، أَيْ: الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (بِهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ؛ (فَلَا) تُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ، (وَكَفَى سَمَاعُ تَكْبِيرٍ) ، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ مُتَابَعَتِهِ إذَنْ. (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ (نَهْرٌ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي:) إنْ كَانَ النَّهْرُ (فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ) ؛ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ؛ صَحَّتْ. (أَوْ) كَانَ بَيْنَهُمَا (طَرِيقٌ، وَلَمْ تَتَّصِلْ فِيهِ صُفُوفٌ) عُرْفًا (حَيْثُ صَحَّتْ) الصَّلَاةُ (فِيهِ) ، أَيْ: الطَّرِيقِ (كَجِنَازَةٍ وَكُسُوفٍ وَجُمُعَةٍ) وَعِيدٍ وَاسْتِسْقَاءٍ لِضَرُورَةٍ؛ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلصَّلَاةِ، أَشْبَهَ مَا يَمْنَعُ الِاتِّصَالَ، فَإِنْ اتَّصَلَتْ إذَنْ صَحَّتْ. (أَوْ كَانَا) ، أَيْ: الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (فِي غَيْرِ شِدَّةٍ وَخَوْفٍ بِسَفِينَتَيْنِ غَيْرِ مَقْرُونَتَيْنِ، لَمْ تَصِحَّ) ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ طَرِيقٌ، وَلَيْسَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً. وَأَمَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ؛ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِلْحَاجَةِ. (وَكُرِهَ عُلُوُّ إمَامٍ عَنْ مَأْمُومٍ ذِرَاعًا فَأَكْثَرَ) ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ؛ فَلَا يَقُومَنَّ فِي مَكَان أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِهِمْ» وَمَحَلُّ ذَلِكَ: مَا لَمْ يَكُنْ الْعُلُوُّ يَسِيرًا، كَدَرَجَةِ مِنْبَرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ، فَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ، وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ. فَلَمَّا انْصَرَفَ: قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّمَا فَعَلْت ذَلِكَ لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَا بَأْسَ بِعُلُوِّ مَأْمُومٍ) وَلَوْ كَثِيرًا نَصًّا، كَمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ، لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّهُ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ " وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أَنَسٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاقْتِدَاءُ فَأَشْبَهَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِقَطْعِ صَفٍّ مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ وَرَاءَ الْإِمَامِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ قَطْعُ الصَّفِّ (عَنْ يَسَارِهِ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (إذَا بَعُدَ) الْمُنْقَطِعُ (بِقَدْرِ مَقَامِ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ) ؛ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى (وَيَتَّجِهُ: أَنَّ الْمُرَادَ) بِبُطْلَانِ صَلَاةِ صَفٍّ انْقَطَعَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ بِقَدْرِ مَقَامِ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ (مَا لَمْ تَنْوِ) ، أَيْ: مَا لَمْ تَنْوِ الطَّائِفَةُ الْمُنْقَطِعَةُ (مُفَارَقَةَ) الْإِمَامِ، فَإِنْ نَوَتْ مُفَارَقَتَهُ؛ صَحَّتْ، أَوْ اتَّصَلَ الصَّفُّ. أَوْ أَمْكَنَ انْتِقَالُهَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ كَثِيرٍ؛ صَحَّتْ، وَهَذَا مُتَّجِهٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا: (أَنَّهُ مَنْ بَعُدَ عَنْ الصَّفِّ) مَعَ مُحَاذَاتِهِ لَهُ، وَكَانَ بُعْدُهُ عَنْهُ (قَدْرَ ذَلِكَ) ، أَيْ: مَقَامَ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ (فَفَذٌّ) ، أَيْ: فَرْدٌ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ. وَهَذَا لَيْسَ بِوَجِيهٍ، إذْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِقَطْعِ الصَّفِّ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ. (وَيُبَاحُ اتِّخَاذُ مِحْرَابٍ) نَصًّا، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، لِيَسْتَدِلَّ بِهِ الْجَاهِلُ. (وَتُكْرَهُ صَلَاةُ إمَامٍ فِيهِ) ، أَيْ: الْمِحْرَابِ (بِلَا حَاجَةٍ) كَضِيقِ مَسْجِدٍ، وَكَثْرَةِ جَمْعٍ؛ فَلَا يُكْرَهُ، لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ (إنْ مَنَعَ مَأْمُومًا مُشَاهَدَتَهُ) ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَتِرُ بِهِ عَنْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حِجَابٌ، (بَلْ يَقِفُ) الْإِمَامُ (عَنْ يَمِينِ مِحْرَابٍ) إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ وَاسِعًا نَصًّا، لِتَمَيُّزِ جَانِبِ الْيَمِينِ. (وَكُرِهَ لَهُ) ، أَيْ: لِإِمَامٍ، وَ (لَا) يُكْرَهُ (لِمَأْمُومٍ تَطَوُّعُهُ بِلَا حَاجَةٍ بَعْدَ مَكْتُوبَةٍ مَوْضِعَهَا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: كَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «لَا يُصَلِّيَنَّ الْإِمَامُ فِي مَقَامِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ حَتَّى يَتَنَحَّى عَنْهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: لَا أَعْرِفُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّ فِي تَحَوُّلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 مِنْ مَكَانِهِ إعْلَامًا لِمَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ أَنَّهُ قَدْ صَلَّى، فَلَا يَنْتَظِرُ وَيَطْلُبُ جَمَاعَةً أُخْرَى. (وَ) كُرِهَ (مُكْثُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (كَثِيرًا) بَعْدَ الصَّلَاةِ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَلَيْسَ ثَمَّ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (نِسَاءٌ) ، وَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى إطَالَةِ الْجُلُوسِ مُسْتَقْبِلًا، كَمَا إذَا لَمْ يَجِدْ مُنْصَرَفًا، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِانْحِرَافُ. (فَإِنْ كُنَّ) نِسَاءً (سُنَّ لَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ، (وَلِمَأْمُومٍ أَنْ يَثْبُتُوا) فِي مَوَاضِعِهِمْ (بِقَدْرِ مَا يَرَوْنَ انْصِرَافَهُنَّ) ، " لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ " قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَنَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِكَيْ يَنْفَدَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنْ النِّسَاءِ - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. وَلِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِذَلِكَ يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. (وَسُنَّ لَهُنَّ) ، أَيْ: النِّسَاءِ انْصِرَافٌ (عَقِبَ سَلَامِ إمَامٍ، وَ) سُنَّ (لِمَأْمُومٍ) أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إلَّا (بَعْدَ انْصِرَافِ إمَامٍ) إنْ (اسْتَقْبَلَهُ) بَعْدَ سَلَامِهِ (وَلَمْ يُطِلْ الْجُلُوسَ) ، فَإِنْ أَطَالَهُ؛ انْصَرَفَ مَأْمُومٌ إذَنْ، لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ بِإِطَالَتِهِ. (وَيَنْحَرِفُ إمَامٌ) اسْتِحْبَابًا بَعْدَ سَلَامِهِ إلَى مَأْمُومٍ، لِحَدِيثِ سَمُرَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَيَكُونُ انْحِرَافُهُ (جِهَةَ قَصْدِهِ) لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَيْهِ، (وَإِلَّا) يَقْصِدْ جِهَةً (فَ) يَنْحَرِفْ (عَنْ يَمِينِهِ) ، أَيْ: الْإِمَامُ (فَتَلِي يَسَارُهُ الْقِبْلَةَ) تَمْيِيزًا لِجَانِبِ الْيَمِينِ. (وَكُرِهَ وُقُوفُ مَأْمُومٍ بَيْنَ سَوَارٍ تَقْطَعُ الصُّفُوفَ عُرْفًا) ، رَوَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُصَفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ لِينٌ. وَقَالَ أَنَسٌ: " كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّفَّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فَتَكُونُ سَارِيَةٌ عَرْضُهَا مَقَامَ ثَلَاثَةٍ. وَلَا يُكْرَهُ وُقُوفُ الْإِمَامِ بَيْنَ السَّوَارِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ صَفٌّ يُقْطَعُ. (وَ) كُرِهَ (اتِّخَاذُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (بِمَسْجِدٍ مَكَانًا لَا يُصَلِّي فَرْضَهُ إلَّا بِهِ) . قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ لَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ، وَيَكْرَهُ إيطَانَهَا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَوْ كَانَتْ فَاضِلَةً، ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا وَأَيَّدَهُ بِأَنَّ «سَلَمَةَ كَانَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَهَا الْمُصْحَفُ، وَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَظَاهِرُهُ أَيْضًا: وَلَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ، كَإِسْمَاعِ حَدِيثٍ، وَتَدْرِيسٍ وَإِفْتَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَيَتَوَجَّهُ: لَا. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ. وَ (لَا) يُكْرَهُ اتِّخَاذُهُ لِصَلَاةِ (نَفْلِهِ) لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَخْبَارِ. (وَحَرُمَ بِنَاءُ مَسْجِدٍ يُرَادُ بِهِ الضَّرَرُ لِمَسْجِدٍ بِقُرْبِهِ فَيُهْدَمُ) مَا بُنِيَ ضَرَرًا وُجُوبًا، لِحَدِيثِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الضَّرَرُ؛ جَازَ وَإِنْ قَرُبَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إذَا بَعُدَ يَجُوزُ، وَلَوْ قُصِدَ بِهِ الضَّرَرُ لِغَيْرِهِ (وَيَتَّجِهُ: وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ) مَسْجِدٍ أُرِيدَ بِهِ الضَّرَرُ، وَلَا الْوَقْفُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 (وَكُرِهَ حُضُورُ مَسْجِدٍ وَجَمَاعَتِهِ لِآكِلِ نَحْوِ بَصَلٍ أَوْ فُجْلٍ) أَوْ كُرَّاثٍ، وَكُلِّ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، (حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ) لِلْخَبَرِ، وَلِإِيذَائِهِ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ أَحَدٌ، لِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ. (وَكَذَا نَحْوُ مَنْ بِهِ بَخَرٌ وَصُنَانٌ، وَجَزَّارٌ لَهُ رَائِحَةٌ مُنْتِنَةٌ) ، وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُمْ دَفْعًا لِلْأَذَى. (وَيُمْنَعُ أَبْرَصُ وَمَجْذُومٌ يُتَأَذَّى بِهِ) مِنْ حُضُورِ مَسْجِدٍ وَجَمَاعَةٍ؛ (فَلَا يَحِلُّ لِمَجْذُومٍ مُخَالَطَةُ صَحِيحٍ بِلَا إذْنِهِ) ، أَيْ: الصَّحِيحِ. فَإِنْ أَذِنَ بِذَلِكَ؛ جَازَ لَهُ مُخَالَطَتُهُ، لِحَدِيثِ «لَا طِيَرَةَ وَلَا عَدْوَى.» الْحَدِيثَ. (وَعَلَى وَلِيِّ أَمْرٍ مَنْعُهُ) ، أَيْ: الْمَجْذُومِ مِنْ مُخَالَطَةِ الْأَصِحَّاءِ، لِحَدِيثِ «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» . قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ حَدِيثِ «لَا عَدْوَى» ؛ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ، وَالْمَعْمُولُ عَلَيْهِ. وَحَدِيثِ: «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ» ، وَنَحْوِهِ؛ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ مُخَالَطَتِهِ، لِئَلَّا يَكُونَ قَدَرُ اللَّهِ عَلَى الْمُخْتَلِطِ بِهِ مِثْلَ دَائِهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ الْعَدْوَى، فَرُبَّمَا نَسَبَ لَهُ تَأْثِيرًا. (وَمِنْ الْأَدَبِ وَضْعُ إمَامٍ نَعْلَهُ عَنْ يَسَارِهِ) فِي حَالِ صَلَاتِهِ إكْرَامًا لِجِهَةِ يَمِينِهِ، (وَ) وَضْعُ (مَأْمُومٍ) نَعْلَهُ (بَيْنَ يَدَيْهِ) ، أَيْ: قُدَّامَهُ (لِئَلَّا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ) . وَيُسْتَحَبُّ تَفَقُّدُهُ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَالْأَوْلَى تَنَاوُلُهُ بِيَسَارِهِ. [تَنْبِيهٌ شُرُوطُ قُدْوَةٍ فِي الصَّلَاةِ عَشْرَةٌ] (تَنْبِيهٌ: شُرُوطُ قُدْوَةٍ عَشْرَةٌ) : أَحَدُهَا: (عَدَمُ تَقَدُّمِ مَأْمُومٍ) عَلَى إمَامِهِ (وَ) الثَّانِي: عَدَمُ (تَأَخُّرِهِ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِ عَنْ إمَامِهِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ مُصَافَّتِهِ وَيَصِيرُ (فَذًّا، أَوْ) كَوْنُ الْمَأْمُومِ (عَنْ يَسَارِهِ) . أَيْ: الْإِمَامِ (بِشَرْطٍ) ، وَهُوَ شَغْلُ يَمِينِهِ بِآخَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 (وَ) الثَّالِثُ: (نِيَّةُ كُلٍّ) مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ () ؛ بِأَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ وَالْمَأْمُومُ الِاقْتِدَاءَ. (وَ) الرَّابِعُ: (عِلْمُ مَأْمُومٍ بِانْتِقَالَاتِ إمَامِهِ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ. (وَ) الْخَامِسُ: (مُتَابَعَةُ) مَأْمُومٍ (إمَامَهُ بِتَحْرِيمَةٍ) ، أَيْ: تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ بِأَنْ يَشْرَعَ فِيهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، فَلَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، أَوْ ابْتَدَأَ قَبْلَ إتْمَامِهِ؛ لَا تَصِحُّ. (وَ) السَّادِسُ: (رُؤْيَتُهُ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِ (لَهُ) ، أَيْ: لِإِمَامِهِ، (أَوْ) رُؤْيَتَهُ لِ (مَنْ وَرَاءَهُ إنْ كَانَ) الْمَأْمُومُ (خَارِجَ الْمَسْجِدِ) . (وَ) السَّابِعُ: (عَدَمُ حَاجِزٍ بَيْنَهُمَا مِنْ طَرِيقٍ أَوْ نَهْرٍ) تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ (وَ) الثَّامِنُ: (تَوَافُقُ صَلَاتَيْهِمَا اسْمًا فِي فَرْضٍ) كَظُهْرٍ خَلْفَ ظُهْرٍ، وَمَغْرِبٍ خَلْفَ مَغْرِبٍ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَوَافُقُهُمَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً. وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَلَا يَضُرُّ التَّخَالُفَ فِي الِاسْمِ، فَتَصِحُّ التَّرَاوِيحُ خَلْفَ الْوِتْرِ وَنَحْوِهَا. (وَ) التَّاسِعُ: (عَدَمُ اعْتِقَادِ) الْمَأْمُومِ (بُطْلَانَ صَلَاةِ إمَامِهِ) ، لِكَوْنِهِ فَاسِقًا أَوْ مُحْدِثًا وَنَحْوَهُ. (وَ) الْعَاشِرُ: (تَعْيِينُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامُ، (فَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (خَلْفَ أَحَدِ إمَامَيْنِ لَا يُعَيِّنُهُ وَمَرَّتْ) هَذِهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا (مُفَصَّلَةً) ، فَلَا فَائِدَةَ بِإِطَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا هُنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 [فَصْلٌ فِي الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ] (فَصْلٌ فِي الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ) (يُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ مَرِيضٌ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ) "؛ لِأَنَّهُ، «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَرِضَ تَخَلَّفَ عَنْ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) يُعْذَرُ بِذَلِكَ (خَائِفُ حُدُوثِ مَرَضٍ) . لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَّرَ الْعُذْرَ بِالْخَوْفِ وَالْمَرَضِ» (أَوْ) خَائِفُ (زِيَادَتِهِ) ، أَيْ: الْمَرَضِ (أَوْ بُطْءِ بُرْءٍ) مِنْ مَرَضٍ بِهِ. (وَتَلْزَمُ جُمُعَةٌ) لِعَدَمِ تَكَرُّرِهَا (لَا جَمَاعَةُ مَنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِإِتْيَانِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ (رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا) ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: فِي الْجُمُعَةِ يَكْتَرِي وَيَرْكَبُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى ضَعْفٍ عَقِبَ الْمَرَضِ، فَأَمَّا مَعَ الْمَرَضِ فَلَا يَلْزَمُهُ، لِبَقَاءِ الْعُذْرِ. وَمَحَلُّ سُقُوطِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ عَنْ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ: إنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ؛ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ، وَكَذَا مَنْ مُنِعَهُمَا لِنَحْوِ حَبْسٍ (أَوْ تَبَرَّعَ) لَهُ (أَحَدٌ بِهِ) ، أَيْ: بِأَنْ يُرْكِبَهُ أَوْ يَحْمِلَهُ، (أَوْ) تَبَرَّعَ أَحَدٌ (بِقَوْدِ أَعْمَى لَهَا) ؛ أَيْ: لِلْجُمُعَةِ؛ فَتَلْزَمُهُ دُونَ الْجَمَاعَةِ لِتَكَرُّرِهَا، فَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ أَوْ الْمِنَّةُ. (أَوْ قَدَرَ) عَلَى إتْيَانِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ (مِنْ نَفْسِهِ) ، أَيْ: بِلَا قَائِدٍ، فَيَلْزَمُهُ إتْيَانُهَا؛ لِأَنَّ الْعَمَى لَيْسَ عُذْرًا مَعَ الْقُدْرَةِ. (وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ (مَحْبُوسٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . (وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (مُدَافِعُ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ) : الْبَوْلُ أَوْ الْغَائِطُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ إكْمَالِ الصَّلَاةِ وَخُشُوعِهَا، (وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (مُحْتَاجٌ) ، أَيْ: تَائِقٌ (لِطَعَامٍ بِحَضْرَتِهِ وَلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 الشِّبَعُ) نَصًّا، لِخَبَرِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَلَا تَعْجَلَنَّ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْهُ» . وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، وَقَامَ يُصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ؛ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. (وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (خَائِفُ ضَيَاعِ مَالِهِ) كَغَلَّةٍ بِبَيَادِرِهَا، (أَوْ) خَائِفُ (فَوَاتِهِ) كَشُرُودِ دَابَّتِهِ، أَوْ إبَاقِ عَبْدِهِ، (أَوْ) خَائِفُ (تَلَفِهِ) كَإِطْلَاقِ مَاءٍ عَلَى نَحْوِ زَرْعِهِ بِغَيْبَتِهِ. (وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (رَاجٍ وُجُودَ ضَائِعٍ) ؛ كَمَنْ ضَاعَ لَهُ كَبْشٌ، أَوْ أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ، وَهُوَ يَرْجُو وُجُودَهُ، أَوْ قَدِمَ بِهِ مِنْ سَفَرٍ إنْ لَمْ يَقِفْ لِأَخْذِهِ ضَاعَ، لَكِنْ (قَالَ الْمَجْدُ) عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ تَيْمِيَّةَ: (وَالْأَفْضَلُ تَرْكُ مَا يَرْجُو وُجُودَهُ وَيُصَلِّي) الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى، وَرُبَّمَا لَا يَنْفَعُهُ حَذَرُهُ. وَ (لَا) يَتْرُكُ (مَا يَخَافُ تَلَفُهُ، كَخُبْزٍ بِتَنُّورٍ) وَطَبِيخٍ عَلَى نَارٍ، بَلْ يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَيُبَاشِرُ ذَلِكَ حِفْظًا لِمَالِيَّتِهِ. (وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (خَائِفُ ضَرَرٍ بِمَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا، أَوْ نَحْوِ بُسْتَانٍ) كَزَرْعٍ (أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ) ، وَإِنْ تَرَكَهُ فَسَدَ، (أَوْ) خَائِفُ ضَرَرٍ فِي (مَالٍ اُسْتُؤْجِرَ لِحِفْظِهِ؛ كَنِطَارَةِ بُسْتَانٍ) ، وَالنَّاطِرُ وَالنَّاطُورُ: حَافِظُ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ؛ أَعْجَمِيٌّ، الْجَمْعُ: نُطَّارُ وَنُطَرَاءُ وَنَوَاطِيرُ وَنَطَرَةٌ، وَالْفِعْلُ: النَّظَرُ وَالنِّطَارَةُ بِالْكَسْرِ، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ". (وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (عُرْيَانٌ) لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً، أَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ (فِي غَيْرِ) جَمَاعَةِ (عُرَاةٍ، أَوْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ) دُونَ بَاقِي جَسَدِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْخَجَلِ، فَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ عُرَاةً؛ صَلُّوا جَمَاعَةً وُجُوبًا. (وَ) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (خَائِفُ مَوْتِ قَرِيبِهِ أَوْ رَفِيقِهِ أَوْ تَمْرِيضِهِمَا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 يُقَالُ: مَرَّضْتُهُ تَمْرِيضًا: قُمْت بِمُدَاوَاتِهِ، قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ ". (وَلَيْسَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) "؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَصْرَخَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ يَتَجَمَّرُ لِلْجُمُعَةِ، فَأَتَاهُ بِالْعَقِيقِ، وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ " قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. (أَوْ) خَائِفٌ (عَلَى حَرِيمِهِ) . (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) خَائِفٌ عَلَى (مَنْ يَلْزَمُهُ ذَبٌّ عَنْهُ) ، كَحَرِيمِ غَيْرِهِ وَمَالِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) عَلَى (نَفْسِهِ مِنْ ضَرَرِ) لِصٍّ أَوْ سَبْعٍ يَغْتَالُهُ، (أَوْ سُلْطَانٍ) يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، (أَوْ مُلَازَمَةِ غَرِيمٍ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ) يُعْطِيهِ، أَوْ خَائِفٌ مِنْ حَبْسٍ بِحَقٍّ لَا وَفَاءَ لَهُ؛ لِأَنَّ حَبْسَ الْمُعْسِرِ ظُلْمٌ. وَكَذَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَخَشِيَ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى أَدَاءِ دَيْنِهِ؛ فَلَا عُذْرَ لَهُ لِلنَّصِّ. (أَوْ) خَائِفٌ (فَوْتَ رُفْقَةٍ بِسَفَرٍ مُبَاحٍ أَنْشَأَهُ أَوْ اسْتَدَامَهُ) ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ. (أَوْ غَلَبَهُ نُعَاسٌ يَخَافُ بِهِ فَوْتَهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (بِوَقْتٍ، أَوْ) يَخَافُ بِالنُّعَاسِ فَوْتَهَا (مَعَ إمَامٍ) «لِأَنَّ رَجُلًا صَلَّى مَعَ مُعَاذٍ، ثُمَّ انْفَرَدَ، فَصَلَّى وَحْدَهُ عِنْدَ تَطْوِيلِ مُعَاذٍ، وَخَوْفِ النُّعَاسِ وَالْمَشَقَّةِ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَخْبَرَهُ» ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَالْمُبْدِعِ "، وَفِي الْمَذْهَبِ وَالْوَجِيزِ ": يُعْذَرُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ بِخَوْفِهِ نَقْضَ الْوُضُوءِ بِانْتِظَارِهِمَا (وَمُدَافَعَةُ نُعَاسٍ) وَالصَّبْرُ وَالتَّجَلُّدُ عَلَيْهِ لِيُصَلِّيَ جَمَاعَةً (أَفْضَلُ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ نَيْلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ (أَوْ) خَائِفُ (أَذًى بِمَطَرٍ وَوَحَلٍ) بِتَحْرِيكِ الْحَاءِ، وَالتَّسْكِينُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، (وَثَلْجٍ وَجَلِيدٍ وَرِيحٍ بَارِدَةٍ بِلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ) ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَادِي مُنَادِيهِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلَمْ يَقُلْ فِي السَّفَرِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ - زَادَ مُسْلِمٌ: فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ - إذَا قُلْت: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ،؟ فَقَدْ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي: النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الْجُمُعَةَ عَزِيمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْت أَنْ أُخْرِجَكُمْ فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالدَّحَضُ هُوَ: الزَّلِقُ وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ وَالْجَلِيدُ كَذَلِكَ. (أَوْ) خَائِفُ (تَطْوِيلِ إمَامٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ عَلَيْهِ قَوَدٌ يَرْجُو الْعَفْوَ عَنْهُ) ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ عَلَى مَالٍ حَتَّى يُصَالِحَ وَ (لَا) يُعْذَرُ بِتَرْكِهِمَا (مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ) لِلَّهِ تَعَالَى: كَحَدِّ الزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَطْعِ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَا تَدْخُلُهَا الْمُصَالَحَةُ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ. (أَوْ) كَانَ (بِطَرِيقِهِ) إلَى الْمَسْجِدِ (مُنْكَرٌ أَوْ) كَانَ بِ (مَسْجِدِهِ) الَّذِي يُرِيدُ الصَّلَاةَ بِهِ (مُنْكَرٌ) كَبُغَاةٍ يَدْعُونَهُ لِيُقَاتِلَ مَعَهُمْ أَهْلَ الْعَدْلِ، فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَلَا جَمَاعَةٍ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ لِنَفْسِهِ لَا قَضَاءِ حَقٍّ لِغَيْرِهِ، (وَيُنْكِرُهُ) أَيْ: الْمُنْكَرَ (بِحَسْبِهِ) ، أَيْ: بِقَدْرِ مَا يُطِيقُهُ، لِلْخَبَرِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مَنْ جَهِلَ الطَّرِيقَ لِلْمَسْجِدِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَهْدِيهِ، وَلَا أَعْمَى وَجَدَ لَهُ مَنْ يَقُودُهُ بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ وَفِي " الْخِلَافِ " وَغَيْرِهِ: وَيَلْزَمُهُ إنْ وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَائِدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 كَمَدِّ الْحَبْلِ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (وَزَلْزَلَةٍ؛ عُذْرٌ عِنْدَ أَبِي الْمَعَالِي) لِأَنَّهَا نَوْعُ خَوْفٍ (وَعَرُوسٌ تُجَلَّى عَلَيْهِ) عُذْرٌ (عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ) . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فِي آخِرِ الْجُمُعَةِ، كَذَا قَالَ. (وَيَتَّجِهُ مِنْ كَلَامِهِمْ: وَكَذَا) يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ (آكِلُ نَحْوِ بَصَلٍ) كَثُومٍ وَكُرَّاثٍ وَفُجْلٍ وَكُلِّ مَا لَهُ رَائِحَةٌ مُنْكَرَةٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَرْعٌ لَا يَنْقُصُ أَجْرُ تَارِكِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ لِعُذْرٍ شَيْئًا] (فَرْعٌ: لَا يَنْقُصُ أَجْرُ تَارِكِ) جُمُعَةٍ وَ (جَمَاعَةٍ لِعُذْرٍ شَيْئًا) ، وَثَوَابُهُ بِمَحْضِ فَضْلِ اللَّهِ. (وَمَنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا أَوْ مُقِيمًا) ، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى: «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا، أَعْطَاهُ اللَّهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ نَوَى الْخَيْرَ وَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْهُ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْفَاعِلِ، وَاحْتَجَّ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ. تَتِمَّةٌ: جَمِيعُ مَا سَبَقَ إنَّمَا يَتَّجِهُ عَدُّهُ مِنْ الْأَعْذَارِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَتَأَتَّى لَهُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي بَيْتِهِ، فَإِنْ تَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ كَانَ مَأْمُورًا بِإِقَامَتِهَا فِي بَيْتِهِ، لِأَنَّ الِانْفِرَادَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ مَعَ إمْكَانِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ مَعْصِيَةٌ (وَمُخَالَطَةُ النَّاسِ) وَتَحَمُّلُ أَذَاهُمْ (أَوْلَى مِنْ اعْتِزَالِهِمْ) خُصُوصًا إذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ قَضَاءُ حَوَائِجِهِمْ (مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ) فِي دِينِهِ، وَفِي مُخَالَطَتِهِمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 (لِاكْتِسَابِ فَضَائِلَ دِينِيَّةً) كَتَعَلُّمِ عِلْمٍ مُبَاحٍ (أَوْ) لِاكْتِسَابِ فَضَائِلَ (دُنْيَوِيَّةٍ) كَتَعَلُّمِ الصِّنَاعَاتِ الْمُبَاحَةِ، فَضْلٌ عَظِيمٌ، وَثَوَابٌ جَسِيمٌ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْكَمَالِ، وَصَوْنِ مَاءِ الْوَجْهِ عَنْ الِابْتِذَالِ. [بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ] (بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ) وَهُمْ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَالْخَائِفُ وَنَحْوُهُمْ وَالْأَعْذَارُ: جَمْعُ عُذْرٍ، كَأَقْفَالٍ: جَمْعُ قُفْلٍ (يَلْزَمُ فَرْضُ) الصَّلَاةِ (الْمَرِيضَ قَائِمًا) إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، (وَلَوْ) كَانَ (كَرَاكِعٍ أَوْ) كَانَ (مُعْتَمِدًا) فِي قِيَامِهِ عَلَى شَيْءٍ، (أَوْ) كَانَ (مُسْتَنِدًا) إلَى شَيْءٍ (أَوْ) كَانَ (بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا) ، لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. زَادَ النَّسَائِيّ «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا» . وَحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ؛ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْقِيَامِ كَذَلِكَ (أَوْ شَقَّ) عَلَيْهِ الْقِيَامُ (لِضَرَرٍ شَدِيدٍ) يَلْحَقُهُ بِهِ (أَوْ) لِ (زِيَادَةِ مَرَضٍ أَوْ بُطْءِ بُرْءٍ وَنَحْوِهِ) كَمَا لَوْ كَانَ الْقِيَامُ يُوهِنُهُ حَيْثُ جَازَ، تَرْكُ الْقِيَامِ، (فَ) إنَّهُ يُصَلِّي (قَاعِدًا) لِلْخَبَرِ. (مُتَرَبِّعًا نَدْبًا، وَيَثْنِي رِجْلَيْهِ فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمُتَنَفِّلٍ) ، وَكَيْفَ قَعَدَ جَازَ، وَأَسْقَطَ الْقَاضِي بِضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ وَأَنَّهُ لَوْ تَحَمَّلَ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ حَتَّى ازْدَادَ مَرَضُهُ، أَثِمَ. (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْقُعُودِ، (أَوْ شَقَّ) عَلَيْهِ الْقُعُودُ (وَلَوْ بِتَعَدِّيهِ بِضَرْبِ سَاقِهِ) أَوْ تَعَدِّي الْحَامِلِ بِضَرْبِ بَطْنِهَا حَتَّى نَفِسَتْ، (فَ) إنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 يُصَلِّي (عَلَى جَنْبٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) الْجَنْبُ (الْأَيْمَنُ أَفْضَلُ) ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ، أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، صَلَّى مُسْتَلْقِيًا رِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنْ صَلَّى عَلَى الْأَيْسَرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ جَوَازُهُ، لِظَاهِرِ خَبَرِ عِمْرَانَ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يُكْرَهُ مَعَ قُدْرَةٍ عَلَى الْأَيْمَنِ. (وَتُكْرَهُ) صَلَاةُ مَرِيضٍ عَجَزَ عَنْ قِيَامٍ وَقُعُودٍ (عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ) أَنْ يُصَلِّيَ (عَلَى جَنْبِهِ) ، وَتَصِحُّ، (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ مَرِيضٌ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنْبِهِ، (تَعَيَّنَ) أَنْ يُصَلِّيَ (عَلَى ظَهْرِهِ) وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ، وَتَقَدَّمَ. (وَيُومِئُ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) عَاجِزٍ عَنْهُمَا مَا أَمْكَنَهُ نَصًّا، (وَيَجْعَلُهُ) ، أَيْ: السُّجُودَ (أَخْفَضَ) لِلْخَبَرِ وَلِلتَّمَيُّزِ، (وَإِنْ سَجَدَ مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) السُّجُودَ بِالْأَرْضِ (عَلَى شَيْءٍ رُفِعَ) لَهُ، وَانْفَصَلَ عَنْ الْأَرْضِ، (كُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ فِي إجْزَائِهِ، (وَأَجْزَأَ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْمَأَ (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: الْإِيمَاءُ أَحَبُّ إلَيَّ) مِنْ رَفْعِ شَيْءٍ يَسْجُدُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ رَفَعَ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا فَسَجَدَ عَلَيْهِ، أَجْزَأَهُ) . انْتَهَى. (وَلَا بَأْسَ بِهِ) ، أَيْ: السُّجُودِ (عَلَى نَحْوِ وِسَادَةٍ) مَوْضُوعَةٍ بِالْأَرْضِ لَمْ تُرْفَعْ عَنْهَا، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِفِعْلِ أُمِّ سَلَمَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ: وَنَهَى عَنْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ، وَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا، وَيُومِئُ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ. (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ إيمَاءٍ بِرَأْسِهِ (أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ) ، أَيْ: عَيْنِهِ (نَاوِيًا مُسْتَحْضِرًا) تَفْسِيرٌ لَهُ (الْفِعْلَ) عِنْدَ إيمَائِهِ (بِقَلْبِهِ، وَكَذَا) نَاوِيًا (الْقَوْلَ) إذَا أَوْمَأَ لَهُ (إنْ عَجَزَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ) ، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 مَا اسْتَطَعْتُمْ» (يُجَدِّدُ لِكُلِّ فِعْلٍ وَرُكْنٍ قَصْدًا) ، لِتَمْيِيزِ الْأَفْعَالِ وَالْأَرْكَانِ (كَأَسِيرٍ خَائِفٍ) أَنْ يَعْلَمُوا بِصَلَاتِهِ. قَالَ أَحْمَدُ لَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ مَعَ عَقْلِهِ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ ": صَلَّى بِقَلْبِهِ أَوْ طَرْفِهِ، وَفِي " الْخِلَافِ ": أَوْمَأَ بِعَيْنِهِ وَحَاجِبِهِ أَوْ قَلْبِهِ. (وَلَا تَسْقُطُ) الصَّلَاةُ عَنْ مُكَلَّفٍ (مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا) ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيمَاءِ مَعَ النِّيَّةِ بِقَلْبِهِ، وَلِعُمُومِ أَدِلَّةِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ. (وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُ نَحْوِ مُضْطَجِعٍ عَنْ أَجْرِ صَحِيحٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَتَقَدَّمَ. (وَمَنْ قَدَرَ عَلَى وَاجِبٍ أَوْ رُكْنٍ مِنْ نَحْوِ قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، (انْتَقَلَ إلَيْهِ) لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ - وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ - وَأَتَمَّهَا. ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ الْعَجْزُ وَقَدْ زَالَ، وَمَا صَلَّاهُ قَبْلُ كَانَ الْعُذْرُ مَوْجُودًا فِيهِ. وَمَا بَقِيَ يَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاجِبِ فِيهِ، (فَيَقُومُ) الْعَاجِزُ عَنْ الْقِيَامِ، (أَوْ يَقْعُدُ) مَنْ كَانَ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ، (وَيَرْكَعُ بِلَا قِرَاءَةٍ مَنْ) كَانَ (قَرَأَ) حَالَ عَجْزِهِ لِحُصُولِهَا فِي مَحَلِّهَا، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْرَأْ حَالَ عَجْزِهِ؛ (قَرَأَ) بَعْدَ قِيَامِهِ أَوْ قُعُودِهِ، لِيَأْتِيَ بِفَرْضِهَا. وَإِنْ كَانَ قَرَأَ الْبَعْضَ، أَتَى بِالْبَاقِي. (وَإِنْ أَبْطَأَ مُتَثَاقِلًا) حَالٌ مِنْ (مَنْ) فَاعِلُ أَبْطَأَ (أَطَاقَ الْقِيَامَ) فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْهُ (فَعَادَ الْعَجْزُ) فِي الصَّلَاةِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ لَمْ يَعُدْ) ، شُمُولُ الْحُكْمِ لِمَنْ لَمْ يَعُدْ عَجْزُهُ (أَوْلَى) مِمَّنْ عَادَ عَجْزُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ كَانَ) إبْطَاؤُهُ (بِمَحَلِّ قُعُودٍ) مِنْ صَلَاتِهِ (كَتَشَهُّدٍ، صَحَّتْ) صَلَاتُهُ، لِأَنَّ جُلُوسَهُ بِمَحَلِّهِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِمَحَلِّ قُعُودٍ: (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِزِيَادَتِهِ فِعْلًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، (وَ) بَطَلَتْ (صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 وَلَوْ جَهِلُوا) ، لِارْتِبَاطِ صَلَاتِهِمْ بِصَلَاتِهِ، وَكَمَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ. (وَيَتَّجِهُ: وَمُصَلٍّ مُضْطَجِعًا) أَبْطَأَ مُتَثَاقِلًا بَعْدَ أَنْ أَطَاقَ الْجُلُوسَ أَوْ الْقِيَامَ (تَبْطُلُ) صَلَاتُهُ (بِلَا تَفْصِيلٍ) ؛ لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ لَيْسَ لَهُ مَحَلٌّ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَبْنِي مَنْ) ابْتَدَأَهَا قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، ثُمَّ (عَجَزَ فِيهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ عَلَى مَا فَعَلَهُ، لِوُقُوعِهِ صَحِيحًا كَالْآمِنِ يَخَافُ. (وَتُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ) مَنْ كَانَ يُصَلِّي قَائِمًا، ثُمَّ عَجَزَ عَنْهُ، (إنْ أَتَمَّهَا فِي) حَالِ (انْحِطَاطِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْ الْقُعُودِ الَّذِي صَارَ فَرْضَهُ، وَ (لَا) تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ (مَنْ) صَلَّى قَاعِدًا عَجْزًا، ثُمَّ (صَحَّ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، (فَأَتَمَّهَا) ، أَيْ: الْفَاتِحَةَ (فِي) حَالِ (ارْتِفَاعِهِ) ، أَيْ: نُهُوضِهِ، كَقِرَاءَةِ الصَّحِيحِ حَالَ نُهُوضِهِ. (وَمَنْ قَدَرَ عَلَى قِيَامٍ وَقُعُودٍ دُونَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَوْمَأَ وُجُوبًا بِرُكُوعٍ قَائِمًا) ؛ لِأَنَّ الرَّاكِعَ كَالْقَائِمِ فِي نَصْبِ رِجْلَيْهِ، (وَ) أَوْمَأَ بِ (سُجُودٍ قَاعِدًا) ؛ لِأَنَّ السَّاجِدَ كَالْجَالِسِ فِي جَمْعِ رِجْلَيْهِ، وَلِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِيمَاءَيْنِ. وَمَنْ قَدَرَ أَنْ يَحْنِيَ رَقَبَتَهُ دُونَ ظَهْرِهِ حَنَاهَا، وَإِذَا سَجَدَ قَرَّبَ وَجْهَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى سُجُودٍ عَلَى صُدْغَيْهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ. (وَمَنْ قَدَرَ) أَنْ (يَقُومَ) فِي الصَّلَاةِ (مُنْفَرِدًا، وَ) قَدَرَ أَنْ (يَجْلِسَ فِي جَمَاعَةٍ؛ خُيِّرَ) بَيْنَ الصَّلَاةِ قَائِمًا مُنْفَرِدًا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ جَالِسًا فِي جَمَاعَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَطَعَ بِهِ فِي " الْكَافِي "، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ " وَ " مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ " وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لِأَنَّهُ يَفْعَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَاجِبًا وَيَتْرُكُ وَاجِبًا (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ أَبُو الْمَعَالِي (يُصَلِّي مُنْفَرِدًا قَائِمًا، وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ") وَقَالَ: لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَادِرٌ، وَالْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا، وَقُعُودُهُمْ خَلْفَ إمَامِ الْحَيِّ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ. انْتَهَى. (وَلِمَرِيضٍ وَأَرْمَدَ يُطِيقُ قِيَامًا الصَّلَاةُ مُسْتَلْقِيًا لِمُدَاوَاةٍ بِقَوْلِ طَبِيبٍ) سُمِّيَ بِهِ لِحِذْقِهِ وَفِطْنَتِهِ (مُسْلِمٍ ثِقَةٍ) وَهُوَ: الْعَدْلُ الضَّابِطُ (حَاذِقٍ فَطِنٍ) ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ، فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ كَافِرٌ، وَلَا فَاسِقٌ كَغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى جَالِسًا حِينَ جُحِشَ شِقُّهُ» وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ، بَلْ فَعَلَهُ إمَّا لِلْمَشَقَّةِ، أَوْ لِوُجُودِ الضَّرَرِ، وَكِلَاهُمَا حُجَّةٌ. وَأُمُّ سَلَمَةَ تَرَكَتْ السُّجُودَ لِرَمَدٍ بِهَا. (وَيَكْفِي مِنْهُ) ، أَيْ: الطَّبِيبِ (غَلَبَةُ ظَنٍّ) لِتَعَذُّرِ الْيَقِينِ. (وَ) لِلْمَرِيضِ أَنْ (يُفْطِرَ بِقَوْلِهِ) ، أَيْ: الطَّبِيبِ الْمُسْلِمِ الثِّقَةِ (إنَّ الصَّوْمَ مِمَّا يُمَكِّنُ الْعِلَّةَ) ، أَيْ: الْمَرَضَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . (وَلَا تَصِحُّ مَكْتُوبَةٌ بِسَفِينَةٍ قَاعِدًا لِقَادِرٍ عَلَى قِيَامٍ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى رُكْنِ الصَّلَاةِ، كَمَنْ بِغَيْرِ سَفِينَةٍ. (وَيَدُورُ) رَاكِبُ السَّفِينَةِ (لِقِبْلَةٍ كُلَّمَا انْحَرَفَتْ، وَيُصَلُّونَ بِهَا) ، أَيْ: السَّفِينَةِ (جَمَاعَةً، وَلَوْ عَجَزُوا عَنْ قِيَامٍ) بِهَا وَخُرُوجٍ مِنْهَا، صَلُّوا جُلُوسًا، وَدَارُوا إلَى الْقِبْلَةِ كُلَّمَا انْحَرَفَتْ. (وَتَصِحُّ) الْمَكْتُوبَةُ (عَلَى رَاحِلَتِهِ) وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً (لِتَأَذٍّ بِوَحَلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 وَمَطَرٍ وَنَحْوِهِ) كَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، لِمَا رَوَى يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى إلَى مَضِيقٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَالْبَلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ؛ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِهِمْ، يُومِئُ إيمَاءً، يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفَعَلَهُ أَنَسٌ. ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافُهُ. (وَ) تَصِحُّ عَلَيْهَا أَيْضًا لِ (خَوْفِ انْقِطَاعٍ عَنْ رُفْقَةٍ) بِنُزُولِهِ، (أَوْ) خَوْفٍ (عَلَى نَفْسِهِ) إنْ نَزَلَ (مِنْ نَحْوِ عَدُوٍّ) كَسَيْلٍ وَسَبُعٍ، (أَوْ عَجَزَ عَنْ رُكُوبِهِ إنْ نَزَلَ) لِلصَّلَاةِ، فَإِنْ قَدَرَ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا؛ نَزَلَ. وَالْمَرْأَةُ إنْ خَافَتْ تَبَرُّزًا وَهِيَ خَفِرَةٌ؛ صَلَّتْ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَكَذَا مَنْ خَافَ حُصُولَ ضَرَرٍ بِالْمَشْيِ، ذَكَرَهُمَا فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ". (وَعَلَيْهِ) ، أَيْ: يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِعُذْرِ (الِاسْتِقْبَالِ) ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] ، (وَ) عَلَيْهِ فِعْلُ (مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ) مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَإِيمَاءٍ بِهِمَا وَطُمَأْنِينَةٍ، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . (وَلَا تَصِحُّ) مَكْتُوبَةٌ عَلَى رَاحِلَةٍ (لِمَرَضٍ فَقَطْ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ ضَرَرُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ؛ لَكِنْ إنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوبٍ إنْ نَزَلَ، أَوْ خَافَ انْقِطَاعًا وَنَحْوَهُ، جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا كَالصَّحِيحِ وَأَوْلَى. (وَمَنْ أَتَى بِكُلِّ فَرْضٍ وَشَرْطٍ) لِمَكْتُوبَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ (وَصَلَّى عَلَيْهَا) ، أَيْ: عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَوْ صَلَّى (بِنَحْوِ سَفِينَةٍ) كَهَوْدَجٍ وَمِحَفَّةٍ (سَائِرَةٍ أَوْ وَاقِفَةٍ) وَلَوْ (بِلَا عُذْرٍ) مِنْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 مَطَرٍ، أَوْ مَعَ إمْكَانِ خُرُوجٍ مِنْ نَحْوِ سَفِينَةٍ؛ (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ لِاسْتِيفَائِهَا مَا يُعْتَبَرُ لَهَا. (وَمَنْ بِمَاءٍ وَطِينٍ) لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ (يُومِئُ) بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ (كَمَصْلُوبٍ وَمَرْبُوطٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ إمْكَانِهِ (وَيَسْجُدُ غَرِيقٌ عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ) ، أَيْ: ظَهْرِهِ، (وَلَا إعَادَةَ فِي الْكُلِّ) لِلْخَبَرِ، وَتَقَدَّمَ. (وَيُعْتَبَرُ الْمَقَرُّ لِأَعْضَاءِ السُّجُودِ) لِحَدِيثِ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» (فَلَوْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ مَثَلًا عَلَى نَحْوِ قُطْنٍ) ، كَصُوفٍ (مَنْفُوشٍ) وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ (وَلَمْ يَنْكَبِسْ) ؛ لَمْ تَصِحَّ. (أَوْ صَلَّى مُعَلَّقًا) أَوْ فِي أُرْجُوحَةٍ (بِلَا ضَرُورَةٍ) تَمْنَعُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأَرْضِ؛ (لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهُ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ عُرْفًا، وَعَدَمِ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ. (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (إنْ حَاذَى صَدْرَهُ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي (نَحْوَ رَوْزَنَةٍ) وَهِيَ: الْكُوَّةُ، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ". وَنَحْوُ الرَّوْزَنَةِ: الشُّبَّاكُ وَمَا لَا يُجْزِئُ سُجُودُهُ عَلَيْهِ. (وَ) تَصِحُّ أَيْضًا (عَلَى نَحْوِ صُوفٍ حَائِلٍ) كَشَعْرٍ وَوَبَرٍ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ، وَلَا كَرَاهَةَ، لِحَدِيثِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى فَرْوٍ مَدْبُوغَةٍ» . (وَ) تَصِحُّ أَيْضًا عَلَى (مَا مَنَعَ صَلَاتُهُ الْأَرْضَ) كَفِرَاشٍ مَحْشُوٍّ بِنَحْوِ قُطْنٍ، (وَ) عَلَى (مَا تُنْبِتُهُ) الْأَرْضُ لِاسْتِقْرَارِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ عَلَيْهِ. [فَصْلٌ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ] (فَصْلٌ فِي الْقَصْرِ) (قَصْرُ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّة) جَائِزٌ إجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] الْآيَةَ، عَلَّقَ الْقَصْرَ عَلَى الْخَوْفِ؛ «لِأَنَّ غَالِبَ أَسْفَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَخْلُ مِنْهُ. وَقَالَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 مَا لَنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا؟ فَقَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «صَحِبْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إنَّ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] ؛ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، مَعْنَاهُ: وَإِنْ خِفْتُمْ. وَهُوَ (أَفْضَلُ) مِنْ الْإِتْمَامِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاءَهُ دَاوَمُوا عَلَيْهِ وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» . (وَلَا يُكْرَهُ إتْمَامُ) مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ، لِحَدِيثِ يَعْلَى؛ قَالَتْ عَائِشَةُ: «أَتَمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَصَرَ» قَالَ الشَّافِعِيُّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ. وَيَجُوزُ الْقَصْرُ (لِمَنْ نَوَى سَفَرًا) ، أَيْ: شَرَعَ فِيهِ، وَاجِبًا كَانَ أَوْ مُسْتَحَبًّا، كَسَفَرِ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْهِجْرَةِ وَالْعُمْرَةِ، فَالسَّفَرُ لِلْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَلِلْمَنْدُوبِ مِنْهُ مَنْدُوبٌ، وَكَالسَّفَرِ لِزِيَارَةِ الْإِخْوَانِ وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَزِيَارَةِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَالْوَالِدَيْنِ، أَوْ ابْتَدَأَ سَفَرًا (مُبَاحًا) ، أَيْ: لَيْسَ حَرَامًا وَلَا مَكْرُوهًا، (وَلَوْ عَصَى فِيهِ) ، أَيْ: السَّفَرِ الْمُبَاحِ، (أَوْ) كَانَ لِ (زِيَارَةِ قُبُورٍ وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ) ، أَيْ: السَّفَرَ لِزِيَارَتِهَا (قُرْبَةً) ، فَإِنْ اعْتَقَدَهُ قُرْبَةً؛ فَلَا يَقْصُرُ، لِحَدِيثِ «لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ» . . . إلَى آخِرِهِ. (أَوْ) كَانَ (نُزْهَةً أَوْ فُرْجَةً) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 بِتَثْلِيثِ الْفَاءِ: الرَّاحَةُ مِنْ الْغَمِّ، (أَوْ) كَانَ الْمُسَافِرُ (تَاجِرًا مُكَاثِرًا) فِي الدُّنْيَا. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا أَنَّ الِاتِّسَاعَ فِي الْمَكَانِ وَالْمَبَانِي مِنْ حِلٍّ إذَا أَدَّى جَمِيعَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ؛ مُبَاحٌ، وَبَعْضُهُمْ كَرِهَ التَّكَاثُرَ. (أَوْ) كَانَ السَّفَرُ (الْمُبَاحُ أَكْثَرَ قَصْدِهِ) ، كَتَاجِرٍ قَصَدَ التِّجَارَةَ، وَقَصَدَ مَعَهَا أَنْ يَشْرَبَ مِنْ خَمْرِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ؛ فَإِنْ تَسَاوَى الْقَصْدَانِ، أَوْ غَلَبَ الْحَظْرُ، أَوْ سَافَرَ لِيَقْصُرَ فَقَطْ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ. (يَبْلُغُ) ، أَيْ: السَّفَرُ (سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا تَقْرِيبًا) لَا تَحْدِيدًا، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " (يَقِينًا) لَا ظَنًّا. (بَرًّا أَوْ بَحْرًا) لِلْعُمُومَاتِ. (وَهِيَ) ، أَيْ: السِّتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا (يَوْمَانِ قَاصِدَانِ) ، أَيْ: مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ طُولًا وَقِصَرًا (فِي زَمَنٍ مُعْتَدِلِ) الْحَرِّ وَالْبَرْدِ (بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ، وَهِيَ: أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) جَمْعُ: بَرِيدٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «يَا أَهْلَ مَكَّةَ؛ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ، خُصُوصًا إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ. (وَالْبَرِيدُ: أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ) جَمْعُ: فَرْسَخٍ. (وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٍ) نِسْبَةً إلَى هَاشِمٍ جَدِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 714 النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَبِأَمْيَالِ بَنِي أُمَيَّةَ: مِيلَانِ وَنِصْفُ) مِيلٍ. (وَ) الْمِيلُ (الْهَاشِمِيُّ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ) ، وَهِيَ: (سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ) بِذِرَاعِ الْيَدِ، وَهِيَ: (أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ، وَالذِّرَاعُ: أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا مُعْتَرِضَةً مُعْتَدِلَةً، كُلُّ إصْبَعٍ) مِنْهَا عَرْضُهَا (سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ بُطُونُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، عَرْضُ كُلِّ شَعِيرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتٍ بِرْذَوْنَ) : بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَرُبَّمَا قَالُوا فِي الْأُنْثَى بِرْذَوْنَةُ. قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: الْبِرْذَوْنُ: التُّرْكِيُّ مِنْ الْخَيْلِ، وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ نَبَطِيَّانِ عَكْسُ الْعِرَابِ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ": الذِّرَاعُ الَّذِي ذُكِرَ قَدْ حُرِّرَ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ الْآنَ فِي مِصْرَ وَالْحِجَازِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ، يَنْقُصُ عَنْ ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَدْرِ الثُّمُنِ، فَعَلَى هَذَا؛ فَالْمِيلُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا. قَالَ: وَهَذِهِ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ قَلَّ مَنْ يُنَبِّهُ عَلَيْهَا. (أَوْ تَابَ فِيهِ) ، أَيْ: فِي سَفَرٍ غَيْرِ مُبَاحٍ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ أَفَاقَ) مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَقَدْ بَقِيَتْ) الْمَسَافَةُ قَصَرَ خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ أَبَاحَ الْقَصْرَ وَلَوْ بَقِيَ دُونَ الْمَسَافَةِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 فَإِنْ لَمْ تَبْقَ لَمْ يَقْصُرْ. (أَوْ أُكْرِهَ) عَلَى سَفَرٍ (كَأَسِيرٍ، أَوْ غُرِّبَ) زَانٍ حُرٌّ غَيْرُ مُحْصَنٍ، (أَوْ شُرِّدَ) إذَا أَخَافَ السَّبِيلَ، وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 يَأْخُذْ مَالًا، لِأَنَّ سَفَرَهُمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبِهَا. وَ (لَا) يَقْصُرُ (هَائِمٌ) ، أَيْ: خَارِجٌ عَلَى وَجْهِهِ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ، (وَ) لَا (تَائِهٌ) وَهُوَ: مَنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ، (وَ) لَا (سَائِحٌ) لَا يَقْصِدُ مَكَانًا مُعَيَّنًا، لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ قَصْدُ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِيهِ. (وَتُكْرَهُ سِيَاحَةٌ لِغَيْرِ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ قَطَعَهَا فِي سَاعَةٍ) ، لِحَدِيثِ «لَا سِيَاحَةَ فِي الْإِسْلَامِ» . وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَتْ السِّيَاحَةُ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ، وَلَا هِيَ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصَّالِحِينَ. وَقَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": السِّيَاحَةُ فِي الْبِلَادِ لِغَيْرِ قَصْدٍ شَرْعِيٍّ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَمْرٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَأَمَّا السِّيَاحَةُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ؛ فَهِيَ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا. (إذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ) مُسَافِرًا (وَلَوْ) كَانَتْ (خَارِجَ سُورٍ وَقَبْلَهَا خَرَابٌ) قَائِمَةٌ حِيطَانُهُ أَوْ لَا (أَوْ اجْتَمَعُوا) ، أَيْ: الْمُسَافِرُونَ بِمَكَانٍ (لِانْتِظَارِ بَعْضِهِمْ) يُنْشِئُونَ السَّفَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ فَلَهُمْ الْقَصْرُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ، لِأَنَّهُمْ ابْتَدَءُوا السَّفَرَ وَفَارَقُوا قَرْيَتَهُمْ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: إنْ لَمْ يَنْوُوا الْإِقَامَةَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةٍ، أَوْ تَكُونُ الْعَادَةُ عَدَمَ اجْتِمَاعِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ (بَعْدَ فُرْقَةِ عَامِرٍ) ، أَيْ: فَيَقْصُرُ مَنْ فَارَقَ ذَلِكَ، سَوَاءٌ وَلِيَهَا بُيُوتٌ خَارِبَةٌ أَوْ الْبَرِّيَّةُ، فَإِنْ وَلِيَهَا بُيُوتٌ خَارِبَةٌ، ثُمَّ بُيُوتٌ عَامِرَةٌ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ الْعَامِرَةِ الَّتِي تَلِي الْخَارِبَةَ. (أَوْ) إذَا فَارَقَ (خِيَامَ قَوْمِهِ) إنْ اسْتَوْطَنُوا الْخِيَامَ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُفَارَقَةِ بِنَوْعٍ مِنْ الْبُعْدِ عُرْفًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْقَصْرَ لِمَنْ ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ، وَقَبْلَ مُفَارَقَتِهِ مَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ ضَارِبًا فِيهَا، وَلَا مُسَافِرًا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَحَدُ طَرَفَيْ السَّفَرِ، أَشْبَهَ حَالَةَ الِانْتِهَاءِ. (أَوْ) إذَا فَارَقَ مُسْتَوْطِنٌ قُصُورَ وَبَسَاتِينَ. (مَا) ، أَيْ: مَحَلًّا (نُسِبَ إلَيْهِ) ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 الْمَحَلُّ (عُرْفًا كَسُكَّانِ قُصُورٍ وَبَسَاتِينَ) يَسْكُنُهُ أَهْلُهُ، وَلَوْ فِي فَصْلٍ مِنْ الْفُصُولِ لِلنُّزْهَةِ. (وَمَحَلَّتُهُ بِبَلَدٍ لَهُ مَحَالٌّ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِبَعْضِهَا، وَبُقْعَةٌ لِمُقِيمٍ بِمَفَازَةٍ) وَأَهْلِ عِزَبٍ مِنْ نَحْوِ قَصَبٍ، فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُفَارِقَهَا. ذَكَرَ مَعْنَاهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْعَامِرَةِ. وَلَوْ كَانَتْ قَرْيَتَانِ مُتَدَانِيَتَيْنِ، وَاتَّصَلَ بِنَاءُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى؛ فَهُمَا كَالْوَاحِدَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ؛ فَلِكُلِّ قَرْيَةٍ حُكْمُ نَفْسِهَا. وَمَحَلُّ إبَاحَةِ الْقَصْرِ: (إنْ لَمْ يَنْوِ عَوْدًا) قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الْمَسَافَةِ، (أَوْ) لَمْ (يَعُدْ قَبْلَ) بُلُوغِ (مَسَافَةٍ) إلَى وَطَنِهِ، (فَإِنْ نَوَاهُ) ، أَيْ: الْعَوْدَ عِنْدَ خُرُوجِهِ (أَوْ) لَمْ يَنْوِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ، بَلْ (تَجَدَّدَتْ نِيَّتُهُ) لِلْعَوْدِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ (لِحَاجَةٍ بَدَتْ) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، (فَلَا) قَصْرَ إنْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعُهُ سَفَرًا طَوِيلًا (حَتَّى يَرْجِعَ) إلَى وَطَنِهِ. (وَيُفَارِقُ بِشَرْطِهِ) ، وَهُوَ: أَنْ لَا يَنْوِيَ الْعَوْدَ، (أَوْ تَنْثَنِيَ نِيَّتُهُ) عَنْ الْعَوْدِ، (وَيَسِيرُ) فِي سَفَرِهِ، فَلَهُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ، وَنِيَّتُهُ لَا تَكْفِي بِدُونِ وُجُودِهِ، بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، (إلَّا إنْ كَانَ مَا رَجَعَ إلَيْهِ غَيْرَ وَطَنٍ) لَهُ (وَلَا أَهْلَ) لَهُ بِهِ (وَلَا مَالَ لَهُ بِهِ وَلَمْ يَنْوِ فِي عَوْدَةٍ) إلَيْهِ (أَنْ يُقِيمَ مَا) ، أَيْ: زَمَنًا (يَمْنَعُ الْقَصْرَ) ، وَهُوَ فَرْضُ عِشْرِينَ صَلَاةٍ فَأَكْثَرَ. (قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي ") وَهُوَ الْمَذْهَبُ، (وَفِي " التَّلْخِيصِ " وَإِنْ رَجَعَ لِأَجْلِ شَيْءٍ نَسِيَهُ؛ لَمْ يَقْصُرْ فِي رُجُوعِهِ لِوَطَنِهِ إلَّا إذَا رَجَعَ لِبَلَدٍ كَانَ بِهِ غَرِيبًا، فَيَتَرَخَّصُ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى) كَلَامُ " التَّلْخِيصِ ". وَأَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْهَا إذَا ذَهَبُوا إلَى عَرَفَةَ، فَلَيْسَ لَهُمْ قَصْرٌ وَلَا جَمْعٌ لِلسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُسَافِرِينَ، لِعَدَمِ الْمَسَافَةِ، فَهُمْ فِي اعْتِبَارِ الْمَسَافَةِ كَغَيْرِهِمْ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَمِثْلُهُمْ مَنْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 بِمَكَّةَ فَوْقَ عِشْرِينَ صَلَاةٍ، كَأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ، فَلَيْسَ لَهُمْ قَصْرٌ وَلَا جَمْعٌ بِمَكَّةَ وَلَا مِنًى وَلَا مُزْدَلِفَةَ، لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِمْ بِدُخُولِ مَكَّةَ، إذْ الْحَجُّ: قَصْدُ مَكَّةَ لِعَمَلٍ مَخْصُوصٍ كَمَا يَأْتِي. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَإِنْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ إذَا رَجَعَ؛ لَمْ يَقْصُرْ بِعَرَفَةَ. (وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِيمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ لِلْحَجِّ، وَيُرِيدُ) أَنْ (يَرْجِعَ لِمَكَّةَ فَلَا يُقِيمُ بِهَا) ، أَيْ: أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ: (فَهَذَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِعَرَفَةَ) ، أَيْ: وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى؛ (لِأَنَّهُ حِينَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ أَنْشَأَ السَّفَرَ لِبَلَدِهِ) بِخُرُوجِهِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِ، (وَلَا يُعِيدُ مَنْ قَصَرَ) بِشَرْطِهِ (ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ) اسْتِكْمَالِ (الْمَسَافَةِ) ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ الْمَسَافَةِ لَا حَقِيقَتُهَا. (وَ) يَجُوزُ أَنْ (يَقْصُرَ مَنْ أَسْلَمَ) بِسَفَرٍ مُبِيحٍ (أَوْ بَلَغَ) بِسَفَرٍ مُبِيحٍ، (أَوْ طَهُرَتْ) مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ (بِسَفَرٍ مُبِيحٍ) لِلْقَصْرِ (وَيَتَّجِهُ أَوْ أَفَاقَ مَنْ جُنَّ) ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ (بِأَثْنَائِهِ) أَيْ: السَّفَرِ الْمُبِيحِ لِلْقَصْرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ بَقِيَ) بَعْدَ إسْلَامٍ أَوْ بُلُوغٍ أَوْ عَقْلٍ أَوْ طُهْرٍ (دُونَ الْمَسَافَةِ) ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَكْلِيفِهِ فِي أَوَّلِ السَّفَرِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَرْكِ الْقَصْرِ فِي آخِرِهِ، إذْ عَدَمُ التَّكْلِيفِ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ الْقَصْرِ، بِخِلَافِ مَنْ أَنْشَأَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ تَابَ، وَقَدْ بَقِيَ دُونَهَا كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْقَصْرِ فِي ابْتِدَائِهِ، (كَجَاهِلِ الْمَسَافَةِ ثُمَّ عَلِمَهَا) فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ، فَيَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ، (أَوْ) كَجَاهِلِ (جَوَازِ الْقَصْرِ ابْتِدَاءً ثُمَّ عَلِمَهُ) ، فَيَقْصُرُ. (وَمَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ ضَالٍّ) كَآبِقٍ وَشَارِدٍ، (نَاوِيًا أَنْ يَرْجِعَ أَيْنَ وَجَدَهُ، لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ الْمَسَافَةَ) ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ الْمُبِيحَ لِلْقَصْرِ، قَالَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 فِي الْإِقْنَاعِ " وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَفِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": فِي أَوَّلِ الْقَصْرِ مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ ضَالَّةٍ أَوْ آبِقٍ حَتَّى جَاوَزَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ، لِعَدَمِ نِيَّتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. انْتَهَى. وَفِي " الشَّرْحِ ": وَلَوْ خَرَجَ طَالِبًا لِعَبْدٍ آبِقٍ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ، أَوْ مُنْتَجِعًا عُشْبًا أَوْ كَلَأً مَتَى وَجَدَهُ أَقَامَ، أَوْ سِلْكِيًّا فِي الْأَرْضِ لَا يَقْصِدُ مَكَانًا، لَمْ يُبَحْ لَهُ الْقَصْرُ، وَإِنْ سَارَ أَيَّامًا. (وَ) يَجُوزُ أَنْ (يَقْصُرَ مَنْ) نَوَى بَلَدًا بِعَيْنِهِ يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ، وَ (عَلِمَهَا) ابْتِدَاءً، (ثُمَّ نَوَى) فِي سَفَرِهِ (إنْ وَجَدَ عَزِيمَةً) فِي طَرِيقِهِ (رَجَعَ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ انْعَقَدَ، فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالنِّيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ. (وَقِنٌّ) سَافَرَ مَعَ سَيِّدِهِ (وَزَوْجَةٌ) سَافَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا (وَجُنْدِيٌّ) بِضَمِّ الْجِيمِ، سَافَرَ مَعَ أَمِيرِهِ، يَكُونُونَ (تَبَعًا لِسَيِّدٍ وَزَوْجٍ وَأَمِيرٍ فِي سَفَرٍ وَنِيَّتِهِ) ، أَيْ: السَّفَرِ فَإِنْ نَوَى سَيِّدٌ وَزَوْجٌ وَأَمِيرٌ سَفَرًا مُبَاحًا يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ، جَازَ لِلْقِنِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْجُنْدِيِّ الْقَصْرُ، وَإِلَّا فَلَا لِتَبَعِيَّتِهِمْ لَهُ. (وَ) عَبْدٌ (مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ مُسَافِرٍ وَمُقِيمٍ، (فَلَا) يَقْصُرُ (إنْ لَمْ يُسَافِرْ سَيِّدَاهُ) لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، (أَوْ يَنْوِي) الْمُقِيمُ فِيهِمَا السَّفَرَ، وَلَوْ لَمْ يُسَافِرْ مَعَ شَرِيكِهِ، فَلِلْعَبْدِ حِينَئِذٍ الْقَصْرُ تَبَعًا لِمَنْ سَافَرَ مَعَهُ، وَتَغْلِيبًا لِجَانِبِ السَّفَرِ. (وَشُرِطَ مَعَ مَسَافَةٍ نِيَّةُ قَصْرٍ عِنْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 إحْرَامٍ) بِمَقْصُورَةٍ، لِأَنَّ الْإِتْمَامَ الْأَصْلُ، وَإِطْلَاقُ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ. كَمَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ مُطْلَقًا انْصَرَفَ إلَى الِانْفِرَادِ. (وَ) شُرِطَ أَيْضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 (عِلْمُهُ بِهَا) ، أَيْ: النِّيَّةِ (إذَنْ) ، أَيْ: عِنْدَ الْإِحْرَامِ، هَكَذَا فِي " الْفُرُوعِ ". قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَلَمْ نَعْلَمْ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَالْعِلْمُ بِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَعْنَاهُ الْعِلْمُ بِالنِّيَّةِ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَتْ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَقْصُورَةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ حُكْمًا لَا ذِكْرًا عِنْدَ التَّكْبِيرِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ نَوَى الْقَصْرَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ بِأَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَيْهِ شَكٌّ، هَلْ نَوَاهُ؟ فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ. (وَ) شُرِطَ أَيْضًا عِلْمُهُ حَالَ الصَّلَاةِ (بِسَفَرِ إمَامِهِ وَلَوْ بِأَمَارَةٍ) وَعَلَامَةٍ كَهَيْئَةِ لِبَاسٍ إقَامَةً لِلظَّنِّ مَجْرَى الْعِلْمِ، لَا عِلْمُهُ أَنَّ إمَامَهُ نَوَى الْقَصْرَ، لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ. (وَسُنَّ قَوْلُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ الْمُسَافِرِ (لِمُقِيمِينَ: أَتِمُّوا فَأَنَا سَفْرٌ) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْفَاءِ، لِلْحَدِيثِ، وَلِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَى الْجَاهِلِ عَدَدُ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ. (فَإِنْ أَتَمَّ) إمَامُ مُسَافِرِينَ بِهِمْ (سَهْوًا وَعَلِمُوا ذَلِكَ سَبَّحُوا بِهِ وَلَمْ يُتَابِعُوهُ) لِنِيَّتِهِمْ الْقَصْرَ وَلِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ سَهْوًا لَغْوٌ. (فَإِنْ) لَمْ يَرْجِعْ عَالِمًا عَمْدًا وَ (تَابَعُوهُ، فَوَجْهَانِ) ، أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ بِمُتَابَعَتِهِ قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَالْإِنْصَافِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ " وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ. (وَإِنْ شَكُّوا أَقَامَ) إمَامُهُمْ إلَى ثَالِثَةٍ (سَهْوًا أَمْ عَمْدًا لَزِمَ) الْمَأْمُومِينَ (مُتَابَعَتُهُ) ، لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ، وَلِحَدِيثِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» . (وَلَا يَقْصُرُ مَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ) سَوَاءٌ كَانَ وَطَنَهُ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ، غَيْرَ أَنَّهُ طَرِيقُهُ إلَى بَلَدٍ يَطْلُبُهُ، بِخِلَافِ مَنْ أَقَامَ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ إقَامَةً تَمْنَعُ الْقَصْرَ بِمَوْضِعٍ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَلَمْ يَقْصِدْ إقَامَةً بِهِ تَمْنَعُهُ. (أَوْ) مَرَّ بِ (بَلَدٍ لَهُ بِهِ امْرَأَةٌ) وَلَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 722 لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ حَتَّى يُفَارِقَهُ، (أَوْ) مَرَّ بِبَلَدٍ (تَزَوَّجَ فِيهِ) ، فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُفَارِقَ الْبَلَدَ الَّذِي تَزَوَّجَ فِيهِ، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلَدٍ، فَلِيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ بِهِ أَقَارِبُ كَأُمٍّ وَأَبٍ وَمَاشِيَةٍ أَوْ مَالٍ، لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ الْقَصْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا سَبَقَ. (أَوْ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ عَلَيْهِ حَضَرًا) ثُمَّ سَافَرَ، فَلَا يَقْصُرُ تِلْكَ الصَّلَاةَ، لِأَنَّهَا صَلَاةُ حَضَرٍ وَجَبَتْ تَامَّةً، (أَوْ دَخَلَهُ) ، أَيْ: وَطَنَهُ أَوْ مَكَانًا نَوَى إقَامَةً فِيهِ تَمْنَعُ الْقَصْرَ (قَبْلَ إتْمَامِ) صَلَاةٍ أَحْرَمَ بِهَا (كَرَاكِبِ سَفِينَةٍ) أَحْرَمَ فِيهَا بِصَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ، فَوَصَلَتْ إلَى وَطَنِهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ اجْتَمَعَ فِيهَا حُكْمُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَغَلَبَ حُكْمُ الْحَضَرِ. (أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ بِسَفَرٍ وَعَكْسَهُ) بِأَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ بِحَضَرٍ، فَلَا يَقْصُرُ. (أَوْ ائْتَمَّ) مُسَافِرٌ (بِمُقِيمٍ فِي غَيْرِ صَلَاةِ خَوْفٍ، أَوْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ) ، فَيُتِمُّ نَصًّا. لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «تِلْكَ السُّنَّةُ» . وَسَوَاءٌ ائْتَمَّ بِهِ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْضِهَا عَلِمَهُ مُقِيمًا أَوْ لَا، وَيَشْمَلُ كَلَامُهُ لَوْ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ فَاسْتَخْلَفَ لِعُذْرٍ مُقِيمًا، لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِتْمَامُ دُونَ الْإِمَامِ الْمُسْتَخْلَفِ. (أَوْ) ائْتَمَّ مُسَافِرٌ (بِمَنْ يَشُكُّ فِيهِ) أَيْ: فِي كَوْنِهِ مُسَافِرًا (بِلَا قَرِينَةٍ) ، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، (وَإِنْ تَبَيَّنَ قَصْرَهُ) ، أَيْ: وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ، لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِكَوْنِهِ مُسَافِرًا عِنْدَ الْإِحْرَامِ (وَيَكْفِي عِلْمُهُ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِ (بِسَفَرِهِ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (بِعَلَامَةِ) سَفَرٍ كَلِبَاسٍ، (فَيَنْوِيهِ) ، أَيْ: الْقَصْرَ وَيَأْتِي، (فَإِنْ قَصَرَ إمَامُهُ قَصَرَ مَعَهُ) ، لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ (أَوْ) ، أَيْ: وَإِنْ (أَتَمَّ) الْإِمَامُ (تَابَعَهُ) الْمَأْمُومُ وَلَغَتْ نِيَّةُ الْقَصْرِ. (وَصَحَّ لَوْ نَوَى) مَأْمُومٌ عِنْدَ اقْتِدَائِهِ بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا (إنْ قَصَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 قَصَرْت، وَ) إنْ (أَتَمَّ أَتْمَمْت وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ) ، أَيْ: الْمُسَافِرِ (أَنَّ إمَامَهُ نَوَاهُ) ، أَيْ: الْقَصْرَ (إذَنْ) أَيْ: حِينَ اقْتِدَائِهِ بِهِ (عَمَلًا بِالظَّنِّ) لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ، (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى " فِيمَا يُوهِمُ) مِنْ عِبَارَتِهِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: أَوْ جَهِلَ أَنَّ إمَامَهُ نَوَاهُ، أَيْ: فَيُتِمُّ. وَتَفْسِيرُ الْبُهُوتِيِّ فِي شَرْحِهِ " الْجَهْلُ بِالشَّكِّ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْجَهْلَ لَا يَضُرُّ فِي النِّيَّةِ، فَيَقْصُرُ مَعَهُ إنْ قَصَرَ، وَيُتِمُّ إنْ أَتَمَّ، (أَوْ شَكَّ) إمَامٌ أَوْ غَيْرُهُ (فِي أَثْنَائِهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (أَنَّهُ نَوَاهُ) أَيْ: الْقَصْرَ (عِنْدَ إحْرَامِهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ، (ثُمَّ ذَكَرَ) بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ نَوَاهُ، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، وَإِطْلَاقُ النِّيَّةِ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ (وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ) مَعَ الشَّكِّ (عَمَلًا) ، فَإِنْ عَمِلَ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا، لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَسُجُودُ السَّهْوِ أَيْضًا، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَمْ يَنْوِهِ) ، أَيْ: الْقَصْرَ (عِنْدَ إحْرَامٍ) ؛ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، فَإِطْلَاقُ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، (أَوْ نَوَاهُ) ، أَيْ: الْقَصْرَ عِنْدَ إحْرَامٍ (ثُمَّ، رَفَضَهُ فِيهَا) وَنَوَى الْإِتْمَامَ، لَزِمَ أَنْ يُتِمَّ لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 إلَى التَّعْيِينِ فَبَقِيَتْ النِّيَّةُ مُطْلَقَةً. (وَإِنْ) نَوَى مُسَافِرٌ الْقَصْرَ ثُمَّ (أَتَمَّ سَهْوًا؛ فَفَرْضُهُ الرَّكْعَتَانِ وَسَجَدَ لَهُ) ، أَيْ: لِسَهْوِهِ (وُجُوبًا) ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (لَا نَدْبًا خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ صَرَّحَ بِنَدْبِيَّةِ السُّجُودِ لِلزِّيَادَةِ. (وَإِنْ ذَكَرَ) مَنْ سُهَى أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ رَكْعَةً (ثَالِثَةً؛ عَادَ) إلَى التَّشَهُّدِ، (وَسَلَّمَ إنْ شَاءَ) وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، (أَوْ نَهَضَ بِنِيَّةِ إتْمَامٍ) ؛ أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَرْبَعًا وَصَحَّتْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ عَمْدًا، فَكَانَ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ عَمْدًا؛ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ . (أَوْ نَوَى) الْمُسَافِرُ (إقَامَةً مُطْلَقَةً) ، أَيْ: غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِزَمَنٍ، وَلَوْ بِمَفَازَةٍ لَا تُقَامُ بِهَا، أَوْ دَارِ حَرْبٍ لَا تُقَامُ فِيهَا الصَّلَاةُ، أَتَمَّ لِزَوَالِ السَّفَرِ الْمُبِيحِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ. (أَوْ) نَوَى إقَامَةً (أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةٍ) ؛ أَتَمَّ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ مَكَّةَ صَبِيحَةَ رَابِعَةِ ذِي الْحِجَّةِ، فَأَقَامَ بِهَا الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالسَّابِعَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 وَصَلَّى الصُّبْحَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِنًى» ، وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى إقَامَتِهَا، وَقَالَ أَنَسٌ: أَقَمْنَا بِمَكَّةَ عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ كَلَامٌ لَيْسَ يَفْقَهُهُ كُلُّ أَحَدٍ، أَيْ: لِأَنَّهُ حَسَبَ مُقَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ وَمِنًى، وَيُحْسَبُ يَوْمُ الدُّخُولِ وَيَوْمُ الْخُرُوجِ مِنْ الْمُدَّةِ. (وَلَوْ) نَوَى الْإِقَامَةَ (بِبَادِيَةٍ) أَتَمَّ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. (وَلَوْ بَدَا لَهُ السَّفَرُ وَلَمْ يَشْرَعْ فِيهِ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ فِي مَوْضِعِ إقَامَتِهِ، لِأَنَّهُ مَحَلٌّ ثَبَتَ لَهُ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ، أَشْبَهَ وَطَنَهُ، فَيُتِمُّ إلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي السَّفَرِ، وَيُفَارِقَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ كَمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ) نَوَى إقَامَةً (لِحَاجَةٍ، وَظَنَّ أَنْ لَا تَنْقَضِيَ) الْحَاجَةُ (قَبْلَهَا) ، أَيْ: الْأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بَلْ بَعْدَهَا؛ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ. (أَوْ شَكَّ) مُسَافِرٌ (فِي نِيَّةِ مُدَّةِ إقَامَةٍ) ، أَيْ: فِي كَوْنِهِ نَوَى إقَامَةً أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةٍ، أَوْ لَا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ مَعَ الشَّكِّ فِي مُبِيحِ الرُّخْصَةِ. (أَوْ نَوَى) مُسَافِرٌ (فِي صَلَاتِهِ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ) بِأَنْ قَلَبَ السَّفَرَ لِلْمَعْصِيَةِ؛ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ تَغْلِيبًا لَهُ، لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ. وَ (لَا) يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إنْ نَوَى فِي صَلَاتِهِ فِعْلَ (مَعْصِيَةٍ) فِي ذَلِكَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي السَّفَرِ لَا تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ، بِخِلَافِ الْمَعْصِيَةِ بِهِ. (أَوْ) نَوَى (الْإِقَامَةَ) بِأَنْ عَزَمَ عَلَيْهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ قَبْلَهَا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، وَكَذَا لَوْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَمُدَّةُ رُجُوعِهِ لَا يُبَاحُ فِيهَا الْقَصْرُ. (أَوْ أَعَادَ) صَلَاةً (فَاسِدَةً) ، أَيْ: فَسَدَتْ (فِي أَثْنَاءِ) هَا (لَزِمَ إتْمَامُهَا) لِفَسَادِهَا، (كَ) مَا لَوْ صَلَّى (خَلْفَ مُقِيمٍ) فَأَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ؛ فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا تَامَّةً بِلَا خِلَافٍ. (وَ) كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِ (نِيَّةِ إتْمَامٍ) فَأَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ؛ فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا تَامَّةً، لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً تَامَّةً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُعَادَ مَقْصُورَةً. وَ (لَا) يَلْزَمُهُ إتْمَامُ صَلَاةٍ (فَاسِدَةٍ ابْتِدَاءً كَمُحْدِثٍ) جَهِلَ حَدَثَ نَفْسِهِ، فَائْتَمَّ بِمُقِيمٍ، وَنَوَى الْقَصْرَ، ثُمَّ عَلِمَ حَدَثَ نَفْسِهِ، فَلَهُ الْقَصْرُ فِي الْمُعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَنْعَقِدْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ، وَنَوَى الْقَصْرَ، ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ كَمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ أَخَّرَهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةَ (بِلَا عُذْرٍ) مِنْ نَحْوِ نَوْمٍ (حَتَّى ضَاقَ وَقْتُهَا عَنْهَا) ، أَيْ: عَنْ فِعْلِهَا كُلِّهَا مَقْصُورَةً، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَاصِيًا بِتَأْخِيرِهَا مُتَعَمِّدًا بِلَا عُذْرٍ. (أَوْ تَابَ) مِنْ مَعْصِيَةٍ سَافَرَ لِأَجْلِهَا وَهُوَ (فِيهَا) ، أَيْ الصَّلَاةِ (وَنَوَاهُ) ، أَيْ: الْقَصْرَ (فِي أَثْنَاءِ) تِلْكَ الصَّلَاةِ؛ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ تَامَّةً. (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (مِنْ جَاهِلٍ) تَابَ فِي أَثْنَائِهَا وَمَضَى فِيهَا مَقْصُورَةً، وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ، بَلْ تَقَعُ نَفْلًا فِي حَقِّهِ، لِأَنَّهُ أَتَى بِهَا مَقْصُورَةً، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا، وَلَمْ يَفْعَلْهُ جَهْلًا مِنْهُ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إنْ عَلِمَ قَرِيبًا لِتَرْكِهِ وَاجِبًا. فَهَذِهِ إحْدَى وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً يَجِبُ فِيهَا عَلَى الْمُسَافِرِ الْإِتْمَامُ. (وَمَنْ نَوَاهُ) ، أَيْ: الْقَصْرَ (عِنْدَ إحْرَامٍ حَيْثُ لَمْ يُبَحْ) لَهُ الْقَصْرُ (كَ) مَا لَوْ صَلَّى (خَلْفَ مُقِيمٍ، وَمُعْتَقِدٍ تَحْرِيمَ) الْقَصْرِ كَمَا لَوْ نَوَاهُ بِسَفَرِ مَعْصِيَةٍ، أَوْ سَفَرٍ لَا يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ (عَالِمًا) عَدَمَ إبَاحَتِهِ لَهُ؛ (لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ، (كَمَا نَوَاهُ) ، أَيْ: الْقَصْرَ (مُقِيمٌ) لِتَلَاعُبِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 (وَيَتَّجِهُ: وَ) لَوْ نَوَى الْقَصْرَ مَنْ لَمْ يُبَحْ لَهُ الْقَصْرُ (جَهْلًا) مِنْهُ عَدَمَ جَوَازِهِ؛ (تَنْعَقِدُ) صَلَاتُهُ، وَتَقَعُ (نَفْلًا) ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إنْ عَلِمَ قَرِيبًا، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. (وَيَقْصُرُ مَنْ) ، أَيْ: مُسَافِرٌ (سَلَكَ أَبْعَدَ طَرِيقَيْنِ) إلَى بَلَدٍ قَصَدَهُ يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ، وَالْقَرِيبُ لَا يَبْلُغُهَا، وَلَوْ لَمْ يَسْلُكْ الْبَعِيدَ إلَّا (لِيَقْصُرَ) الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرًا يَبْلُغُهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهَا، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ مَخُوفًا، أَوْ مُشِقًّا، فَعَدَمُ الْحِكْمَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَا يَضُرُّ. (أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ) فِي ذَلِكَ السَّفَرِ، أَوْ (فِي) سَفَرٍ، (آخَرَ وَلَمْ يَذْكُرْهَا حَضَرًا) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا وَفِعْلَهَا وُجِدَا فِي السَّفَرِ، فَأَشْبَهَ أَدَاءَهَا فَإِنْ ذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ، أَوْ قَضَى بَعْضَهَا فِي الْحَضَرِ أَتَمَّ ، (أَوْ أَقَامَ لِحَاجَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ إقَامَتُهُ لَهَا (بِمُنْتَهَى قَصْدِهِ بِلَا نِيَّةِ إقَامَةِ عِشْرِينَ صَلَاةٍ) فَأَكْثَرَ (لَا يَدْرِي مَتَى تَنْقَضِي) ، فَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تَنْقَضِي فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ أَتَمَّ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَإِنْ ظَنَّ أَنْ الْحَاجَةَ لَا تَنْقَضِي إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْقَصْرِ؛ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ. (أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا، أَوْ) حُبِسَ (بِنَحْوِ مَرَضٍ) كَثَلْجٍ وَجَلِيدٍ (وَمَطَرٍ) ، أَيْ: فَيَقْصُرُ أَبَدًا؛؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ مَعْمَرٌ بِرِوَايَتِهِ مُسْنَدًا، وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ مُرْسَلًا. «وَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ أَقَامَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 بِهَا تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ أَنَسٌ: «أَقَامَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَامِ هُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ مَا لَمْ يُجْمِعْ إقَامَةً، وَلَوْ أَتَى عَلَيْهِ سُنُونَ، وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يُجْمِعْ، أَيْ: مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْإِقَامَةِ وَيَنْوِيهَا. وَرَوَى الْأَثْرَمُ " عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَان سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَقَدْ حَالَ الثَّلْجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ "، فَإِنْ حُبِسَ بِحَقٍّ؛ لَمْ يَقْصُرْ. وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " يَقْصُرُ الَّذِي يَقُولُ: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، أَخْرُجُ غَدًا، شَهْرًا " وَ " عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ أَقَامَ فِي بَعْضِ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ " رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. وَ (لَا) يَقْصُرُ مَنْ حُبِسَ (بِأَسْرٍ) عِنْدَ الْعَدُوِّ تَبَعًا لِإِقَامَتِهِمْ كَسَفَرِهِمْ، (أَوْ نَوَى إقَامَةً بِشَرْطِ لُقِيِّ غَرِيمِهِ) ، كَأَنْ يَقُولَ: إنْ لَقِيت فُلَانًا بِهَذَا الْبَلَدِ؛ أَقَمْت فِيهِ، (وَإِلَّا فَلَا) ، فَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ؛ فَلَهُ حُكْمُ السَّفَرِ، لِعَدَمِ الشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الْإِقَامَةَ، وَإِنْ لَقِيَهُ بِهِ: صَارَ مُقِيمًا لِاسْتِصْحَابِهِ حُكْمَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ، إنْ لَمْ يَكُنْ فَسَخَ نِيَّةَ الْأَوَّلِ قَبْلَ لِقَائِهِ، أَوْ حَالَ لِقَائِهِ، فَإِنْ فَسَخَهَا إذَنْ، فَلَهُ الْقَصْرُ، وَإِنْ فَسَخَهَا بَعْدَ لِقَائِهِ، فَهُوَ كَمُسَافِرٍ نَوَى إقَامَةً مَانِعَةً مِنْ الْقَصْرِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ السَّفَرُ قَبْلَ إتْمَامِهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ فِي مَوْضِعِ إقَامَتِهِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي السَّفَرِ. (أَوْ) نَوَى إقَامَةً لَا تَمْنَعُ الْقَصْرَ (بِبَلَدٍ دُونَ مَقْصِدِهِ بِنِيَّةٍ) ، أَيْ: بَلَدِ إقَامَتِهِ الْمَذْكُورَةِ (وَبَيْنَ بَلَدِ نِيَّتِهِ الْأُولَى دُونَ الْمَسَافَةِ) ، فَلَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرًا طَوِيلًا، وَتِلْكَ الْإِقَامَةُ لَا أَثَرَ لَهَا. (وَلَا يَتَرَخَّصُ مَلَّاحٌ) ، أَيْ: صَاحِبُ سَفِينَةٍ (مَعَهُ أَهْلُهُ) فِي السَّفِينَةِ (أَوْ لَا أَهْلَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ إقَامَةٍ بِبَلَدٍ) نَصًّا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاعِنٍ عَنْ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ، أَشْبَهَ الْمُقِيمَ، فَلَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ بِرَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِيهِ فِي السَّفَرِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي فِطْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَهْلُهُ، جَازَ لَهُ التَّرَخُّصُ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَمِثْلُهُ) ، أَيْ: الْمَلَّاحِ (مُكَارٍ) يَحْمِلُ النَّاسَ وَالْمَتَاعَ عَلَى دَوَابِّهِ بِأُجْرَتِهِ، (وَرَاعٍ) يَرْعَى الْبَهَائِمَ (مَعَهُمَا أَهْلُهُمَا، وَفَيْجٌ: بِالْجِيمِ، وَهُوَ رَسُولُ السُّلْطَانِ وَنَحْوُهُمْ) كَسَاعٍ وَبَرِيدٍ، فَلَا يَتَرَخَّصُونَ إذَا كَانَ مَعَهُمْ أَهْلُهُمْ، وَلَمْ يَنْوُوا الْإِقَامَةَ بِبَلَدٍ نَصًّا. وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَهْلٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَهْلٌ وَلَيْسُوا مَعَهُمْ، فَلَهُمْ التَّرَخُّصُ [فَرْعٌ لَا يُتَرَخَّصُ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ وَمَكْرُوهٍ بِقَصْرٍ وَلَا فِطْرٍ] (فَرْعٌ: لَا يُتَرَخَّصُ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ وَمَكْرُوهٍ بِقَصْرٍ وَ) لَا (فِطْرٍ) ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا) يُتَرَخَّصُ بِ (أَكْلِ مَيْتَةٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهَا رُخَصٌ، فَلَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي (فَإِنْ خَافَ) مُسَافِرٌ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ (عَلَى نَفْسِهِ) الْهَلَاكَ إنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الْمَيْتَةِ، (قِيلَ لَهُ تُبْ وَكُلْ) ، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّوْبَةِ كُلَّ وَقْتٍ، فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِهَا ، (وَكُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَالْفِطْرُ) لِوُجُودِ مُبِيحِهَا، وَهُوَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ، (وَلَا عَكْسَ) ، أَيْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ، وَالْجَمْعُ أُبِيحَ لَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ وَالْجَمْعُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي إتْمَامِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ. وَقَدْ يَنْوِي الْمُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَيَقْطَعُهَا مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ مَثَلًا، فَيُفْطِرُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ، إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَلَاةٌ يَقْصُرُهَا أَوْ يُتِمُّهَا. (وَالْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِطَوِيلِ سَفَرٍ مُبَاحٍ) خَمْسَةٌ: (جَمْعٌ وَقَصْرٌ وَمَسْحٌ) عَلَى خُفٍّ وَنَحْوِهِ (ثَلَاثَةَ) أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، (وَفِطْرٌ) بِرَمَضَانَ، (وَسُقُوطُ جُمُعَةٍ) ، وَأَمَّا أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ، فَلَا تَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 تَتِمَّةٌ: مَنْ عَزَمَ عَلَى إقَامَةٍ طَوِيلَةٍ فِي رُسْتَاقٍ يَنْتَقِلُ فِيهِ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ لَا يَعْزِمُ عَلَى الْإِقَامَةِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا مُدَّةً تُبْطِلُ حُكْمُ السَّفَرِ، فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ، «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ عَشْرًا بِمَكَّةَ وَعَرَفَةَ وَمِنًى يَقْصُرُ» وَتَقَدَّمَ [فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ] (فَصْلٌ) فِي حُكْمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (الْجَمْعُ بَيْنَ ظُهْرٍ وَعَصْرٍ) بِوَقْتِ إحْدَاهُمَا، (وَ) بَيْنَ (مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ بِوَقْتِ إحْدَاهُمَا) ، أَيْ: إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ (جَائِزٌ) ؛ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ، (وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلِهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، (غَيْرَ جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ) ، فَيُسَنُّ بِشَرْطِهِ فَفِي عَرَفَةَ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِوَقْتِ الظُّهْرِ، وَفِي مُزْدَلِفَةَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِوَقْتِ الْعِشَاءِ. أَمَّا الْمَكِّيُّ وَمَنْ نَوَى إقَامَةً بِمَكَّةَ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَلَا يَجْمَعُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) غَيْرُ (خَائِفٍ فَوْتَ جَمَاعَةٍ بِتَرْكِهِ) أَيْ: الْجَمْعِ، فَيُسَنُّ لَهُ الْجَمْعُ حِينَئِذٍ مُحَافَظَةً عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، عَبَّرَ عَنْهُ صَاحِبُ الْفَرْعِ " بِ: قِيلَ؛ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِهِ. (وَيُحْتَمَلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 وُجُوبُهُ) ، أَيْ: الْجَمْعِ (لِمَنْ لَمْ يَبْقَ وُضُوءُهُ لِوَقْتِ) صَلَاةٍ (ثَانِيَةٍ، وَلَا يَجِدُ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ) ، كَذَا قَالَ، وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، إذْ لَا يُخَاطَبُ الْمُكَلَّفُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُهَا وَوَجَدَ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ اسْتَعْمَلَهُ، وَإِلَّا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. وَأَمَّا فِعْلُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ خَشْيَةَ عَدَمِ مُطَهِّرٍ؛ فَلَا قَائِلَ بِهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " بَعْدَ عَدِّهِ الْمَسَائِلَ الْآتِيَةَ: فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (وَإِنَّمَا يُبَاحُ) الْجَمْعُ فِي ثَمَانِ حَالَاتٍ. إحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ (بِسَفَرٍ جَازَ فِيهِ قَصْرُ) رُبَاعِيَّةٍ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَكْرُوهٍ وَلَا حَرَامٍ، وَيَبْلُغَ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ، لِمَا رَوَى مُعَاذٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ «إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إلَى الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَنْ أَنَسٍ مَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَازِلًا أَوْ سَائِرًا فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَوْ التَّأْخِيرِ. (فَلَا جَمْعَ لِمَكِّيٍّ بِعَرَفَةَ) وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": أَمَّا الْمَكِّيُّ وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ عَرَفَةَ وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ وَاَلَّذِي يَنْوِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ فَوْقَ عِشْرِينَ صَلَاةٍ؛ فَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَمْعُ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُسَافِرِينَ سَفَرَ قَصْرٍ. (إنْ لَمْ يُخَلِّفْهُ) ، أَيْ: الْمَكِّيَّ عُذْرٌ (غَيْرُهُ) ، أَيْ: غَيْرُ السَّفَرِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِيَةِ، فَإِنْ حَدَثَ لَهُ عُذْرٌ غَيْرُهُ؛ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ. (وَ) الثَّانِيَةُ: (لِمَرِيضٍ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ) ، أَيْ: الْجَمْعِ (مَشَقَّةٌ) وَضَعْفٌ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلَا عُذْرَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْمَرَضُ، وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الْجَمْعِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَهِيَ نَوْعُ مَرَضٍ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ الْمَرَضَ أَشَدُّ مِنْ السَّفَرِ «وَاحْتَجَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْغُرُوبِ، ثُمَّ تَعَشَّى، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا» . (وَ) الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: لِ (مُرْضِعٍ لِمَشَقَّةِ كَثْرَةِ نَجَاسَةٍ) ، أَيْ: مَشَقَّةِ تَطْهِيرِهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هِيَ كَمَرِيضٍ. (وَ) الرَّابِعَةُ: ل (نَحْوِ مُسْتَحَاضَةٍ) كَذِي سَلَسٍ وَجُرْحٍ لَا يَرْقَأُ دَمُهُ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَمْنَةَ حِينَ اسْتَفْتَتْهُ فِي الِاسْتِحَاضَةِ: وَإِنْ قَوِيت عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ، وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ، ثُمَّ تُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِي الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِي الْعِشَاءَ. ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؛ فَافْعَلِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَيُقَاسُ عَلَيْهِ صَاحِبُ السَّلَسِ وَنَحْوُهُ. (وَ) الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ: لِ (عَاجِزٍ عَنْ طَهَارَةٍ) بِمَاءٍ (أَوْ تَيَمُّمٍ) بِتُرَابٍ (لِكُلِّ صَلَاةٍ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 وَالْحَالَةُ السَّادِسَةُ: الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (أَوْ) عَاجِزٌ عَنْ (مَعْرِفَةِ وَقْتٍ كَأَعْمَى) وَمَطْمُورٍ، أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ. (وَ) الْحَالَةُ السَّابِعَةُ: (لِعُذْرٍ) يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ، كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ وَالْحَالَةُ الثَّامِنَةُ: ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (أَوْ شُغْلٍ يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ) ؛ كَمَنْ يَخَافُ بِتَرْكِهِ ضَرَرًا بِمَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا. (وَاسْتَثْنَى جَمْعٌ) ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ " الْوَجِيزِ ": (النُّعَاسَ) وَفِعْلُ الْجَمْعِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً أَوْلَى مِنْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ، لِعُمُومِ حَدِيثِ «خَيْرُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» بَلْ تَرْكُ الْجَمْعِ مَعَ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ بِدْعَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ، إذْ السُّنَّةُ أَنْ تُصَلَّى الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي الْمَسَاجِدِ جَمَاعَةً، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ مُفَرَّقَةً بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ الْجَمْعَ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْذَارَ السَّابِقَةَ تُبِيحُ الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ. ثُمَّ أَشَارَ لِلْأَعْذَارِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْعِشَاءَيْنِ وَهِيَ سِتَّةٌ فَقَالَ: (وَيَخْتَصُّ جَمْعٌ) بَيْنَ (مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ بِثَلْجٍ وَبَرَدٍ وَجَلِيدٍ وَوَحَلٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ) ظَاهِرَةٍ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ اللَّيْلَةُ مُظْلِمَةً، وَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ كَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ شَدِيدَةً بِلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَارِدَةً. (وَمَطَرٍ يَبُلُّ الثِّيَابَ وَتُوجَدُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ) ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَرِدْ بِالْجَمْعِ لِذَلِكَ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَرَوَى النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ. وَفَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَأَمَرَ عُمَرُ مُنَادِيهِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَنَادَى: الصَّلَاةَ فِي الرِّحَالِ» وَالْوَحَلُ أَعْظَمُ مَشَقَّةً مِنْ الْبَرَدِ؛ فَيَكُونُ أَوْلَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 «جَمَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» وَلَا وَجْهَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْمَرَضِ إلَّا الْوَحَلُ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ الْعُذْرِ وَالنَّسْخِ، لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى فَائِدَةٍ، فَإِنْ بَلَّ الْمَطَرُ النَّعْلَ فَقَطْ، أَوْ الْبَدَنَ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ مَعَهُ مَشَقَّةٌ؛ فَلَا، وَلَهُ الْجَمْعُ لِمَا سَبَقَ. (وَلَوْ صَلَّى بِبَيْتِهِ، أَوْ) صَلَّى (بِمَسْجِدٍ طَرِيقُهُ تَحْتَ سَابَاطٍ وَنَحْوِهِ) كَمُجَاوِرٍ بِالْمَسْجِدِ؛ فَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، لَا لِكُلِّ فَرْدِ مِنْ الْمُصَلِّينَ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ الْعَامَّةَ يَسْتَوِي فِيهَا حَالُ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِهَا كَالسَّفَرِ. (وَالْأَفْضَلُ) لِمَنْ يَجْمَعُ (فِعْلُ الْأَرْفَقِ) (مِنْ تَأْخِيرِ) الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ، أَوْ الْمَغْرِبِ إلَى الْعِشَاءِ (أَوْ تَقْدِيمٍ) ، أَيْ: تَقْدِيمِ الْعَصْرِ وَقْتَ الظُّهْرِ، أَوْ الْعِشَاءِ وَقْتَ الْمَغْرِبِ، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ، (حَتَّى جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ) ، فَيُفْعَلُ فِيهِمَا الْأَرْفَقُ أَيْضًا مِنْ تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ، (خِلَافًا لَهُمَا) ، أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " وَالْإِقْنَاعِ " (فِيمَا يُوهِمُ) مِنْ قَوْلَيْهِمَا: سِوَى جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، لَكِنَّ صَاحِبَ: " الْمُنْتَهَى " قَالَ: إنْ عُدِمَ - يَعْنِي: الْأَرْفَقُ - فَلَا وَهْمَ فِي عِبَارَتِهِ، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ " فَهِيَ صَرِيحَةٌ بِالْمُخَالَفَةِ، فَلَوْ أَشَارَ إلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى، مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْإِقْنَاعِ مُوَافِقَةٌ لِعِبَارَاتِ مُعْظَمِ أَصْحَابِنَا، وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَحَقُّ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا، لِتَفَرُّدِهِ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ. وَقَوْلُ " الْمُنْتَهَى " إنْ عُدِمَ؛ تَبِعَ فِيهِ الْمُنَقِّحَ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ " وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي جَمْعِ عَرَفَةَ التَّقْدِيمُ، وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ فِيهِ أَرْفَقُ، وَفِي جَمْعِ مُزْدَلِفَةَ التَّأْخِيرُ، وَإِنْ كَانَ التَّقْدِيمُ فِيهِ أَرْفَقَ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَاقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 (فَإِنْ اسْتَوَيَا) ، أَيْ: التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْأَرْفَقِيَّةِ، (فَتَأْخِيرٌ أَفْضَلُ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، (سِوَى جَمْعِ عَرَفَةَ) ؛ فَالتَّقْدِيمُ فِيهِ مُطْلَقًا أَفْضَلُ اتِّبَاعًا لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَشُرِطَ لِصِحَّةِ جَمْعٍ مُطْلَقًا) تَقْدِيمًا كَانَ أَوْ تَأْخِيرًا (تَرْتِيبٌ) بَيْنَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ، (وَلَا يَسْقُطُ) التَّرْتِيبُ (بِنِسْيَانٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: فَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا كَالتَّرْتِيبِ فِي الْفَوَائِتِ، فَيَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ. (وَ) شُرِطَ (لِجَمْعٍ بِوَقْتِ أُولَى) الْمَجْمُوعَتَيْنِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: (نِيَّةٌ) ، أَيْ: الْجَمْعِ (عِنْدَ إحْرَامِهَا) ، أَيْ: الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّيَّةِ كَنِيَّةِ الْجَمَاعَةِ. (وَ) الثَّانِي: (أَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: الْمَجْمُوعَتَيْنِ (وَلَوْ سَهْوًا وَنَحْوَهُ) كَالْجَهْلِ، فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا سَهْوًا أَوْ جَهْلًا؛ بَطَلَ الْجَمْعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (إلَّا بِقَدْرِ إقَامَةٍ وَوُضُوءٍ خَفِيفٍ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمُقَارَنَةُ وَالْمُتَابَعَةُ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ تَفْرِيقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ كَلَامٌ يَسِيرٌ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَكْبِيرٍ عِيدًا وَغَيْرَهُ، وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْأُولَى (فَيَبْطُلُ) جَمْعٌ (بِرَاتِبَةٍ) صَلَّاهَا (بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: الْمَجْمُوعَتَيْنِ. (وَ) الثَّالِثُ: (وُجُودُ عُذْرٍ) مُبِيحٍ لِلْجَمْعِ (عِنْدَ افْتِتَاحِهِمَا) ، أَيْ: الْمَجْمُوعَتَيْنِ (وَ) عِنْدَ (سَلَامِ أُولَى) ، لِأَنَّ افْتِتَاحَ الْأُولَى مَوْضِعُ النِّيَّةِ وَسَلَامِهَا، وَافْتِتَاحُ الثَّانِيَةِ مَوْضِعُ الْجَمْعِ. (وَ) الرَّابِعُ: (اسْتِمْرَارُهُ فِي غَيْرِ جَمْعِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ) كَبَرَدٍ، (لِفَرَاغِ ثَانِيَةٍ) مِنْ مَجْمُوعَتَيْنِ، (فَلَوْ أَحْرَمَ بِأُولَى) نَاوِيًا الْجَمْعَ (لِمَطَرٍ، فَانْقَطَعَ) الْمَطَرُ (وَلَمْ يَعُدْ؛ فَإِنْ حَصَلَ وَحَلَّ؛ صَحَّ) الْجَمْعُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 لِأَنَّهُ نَشَأَ عَنْ الْمَطَرِ، وَهُوَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْمَطَرُ. (وَإِلَّا) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَحَلَّ؛ (بَطَلَ) الْجَمْعُ؛ وَلَوْ خَلَّفَهُ مَرَضٌ أَوْ نَحْوُهُ لِزَوَالِ مُبِيحِهِ، فَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا. (وَيَتَّجِهُ: كَوَحَلٍ) فِي صِحَّةِ الْجَمْعِ حُدُوثُ (نَحْوِ ثَلْجٍ) كَبَرَدٍ (وَرِيحٍ) بَارِدَةٍ شَدِيدَةٍ؛ لِأَنَّ مَشَقَّةَ ذَلِكَ كَمَشَقَّةِ الْوَحَلِ وَأَبْلَغُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ انْقَطَعَ سَفَرٌ بِأُولَى) الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِأَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ، أَوْ أَرْسَتْ بِهِ السَّفِينَةُ عَلَى وَطَنِهِ؛ (بَطَلَ جَمْعٌ وَقَصْرٌ) ، لِانْقِطَاعِ السَّفَرِ (وَلَوْ خَلَّفَهُ نَحْوُ مَرَضٍ) ؛ كَثَلْجٍ (وَمَطَرٍ) وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ الْمُتَجَدِّدَ غَيْرُ الْأَوَّلِ، فَلَا يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، (وَيُتِمُّهَا) ، أَيْ: الْأُولَى (وَتَصِحُّ فَرْضًا) ، لِأَنَّهَا فِي وَقْتِهَا، وَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا (وَ) إنْ انْقَطَعَ سَفَرٌ (بِثَانِيَةٍ؛ بَطَلَ جَمْعٌ وَقَصْرٌ فِي حَقِّهَا) ، أَيْ: الثَّانِيَةِ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيُتِمُّهَا) ، أَيْ: الثَّانِيَةَ (نَفْلًا) لَكِنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ ظَانًّا دُخُولَ وَقْتِهَا فَبَانَ عَدَمُهُ، وَالْأُولَى وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا، وَإِنْ انْقَطَعَ بَعْدَهُمَا؛ فَلَا إعَادَةَ. (وَمَرِضَ فِي جَمْعٍ كَسَفَرٍ إذَا بَرِئَ) الْمَرِيضُ (بِأُولَى) الْمَجْمُوعَتَيْنِ؛ أَتَمَّهَا وَصَحَّتْ فَرْضًا، (أَوْ) بَرِئَ (بِثَانِيَةٍ) ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 صَحَّتْ نَفْلًا، لِوُقُوعِ الْأُولَى مَوْقِعَهَا. وَإِنْ بَرِئَ بَعْدَهُمَا؛ أَجْزَأَتَا. (وَشُرِطَ لِجَمْعٍ بِوَقْتِ ثَانِيَةٍ) وَهُوَ جَمْعُ التَّأْخِيرِ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: (نِيَّةٌ) ، أَيْ: الْجَمْعِ (بِوَقْتِ أُولَى) الْمَجْمُوعَتَيْنِ مَعَ وُجُودِ مُبِيحِهِ، (مَا لَمْ يَضِقْ) ، وَقْتُ الْأُولَى (فَعَلَهَا) ، فَإِنْ ضَاقَ، عَنْهُ؛ (فَلَا يَصِحُّ) الْجَمْعُ لِفَوَاتِ فَائِدَتِهِ، وَهِيَ التَّخْفِيفُ بِالْمُقَارَنَةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، (وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا) إلَى أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ، وَيُنَافِيَ تَأْخِيرُهَا الرُّخْصَةَ، وَهِيَ: الْجَمْعُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) ضَعِيفٍ: إنَّمَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ جَمْعٍ ثَانِيَةٍ بِوَقْتِ أُولَى إنْ كَانَتْ النِّيَّةُ مِنْ (غَيْرِ نَحْوِ نَائِمٍ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ بِوَقْتٍ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يُفِقْ مِنْ نَوْمِهِ وَنَحْوِهِ حَتَّى ضَاقَ وَقْتُ الْأُولَى عَنْ فِعْلِهَا فَلَهُ فِعْلُهَا، مَجْمُوعَةً؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِذَلِكَ، كَذَا قَالَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَا يَسَعُ التَّكْبِيرَةَ لِلْإِحْرَامِ، وَهُوَ وَاهٍ جِدًّا؛ نَعَمْ قَيَّدَ الْمَجْدُ بِبَقَاءِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ كُلَّهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 738 (وَ) الثَّانِي: (بَقَاءُ عُذْرٍ) مِنْ نِيَّةِ جَمْعٍ بِوَقْتِ أُولَى، (لِدُخُولِ وَقْتِ ثَانِيَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلْجَمْعِ الْعُذْرُ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ، زَالَ الْمُقْتَضِي لِلْجَمْعِ فَامْتَنَعَ، كَمَرِيضٍ بَرِئَ وَمُسَافِرٍ قَدِمَ. وَ (لَا) يُشْتَرَطُ (غَيْرُ) مَا مَرَّ مِنْ الشُّرُوطِ، كَنِيَّةِ الْجَمْعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا اسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُمَا صَارَتَا وَاجِبَتَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِمَا، ولَا اتِّحَادُ إمَامٍ أَوْ مَأْمُومٍ. (وَلَا أَثَرَ لِزَوَالِهِ) ، أَيْ: الْعُذْرِ (بَعْدَ) دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ، (وَلَا بَأْسَ بِتَطَوُّعٍ بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: الْمَجْمُوعَتَيْنِ جَمْعَ تَأْخِيرٍ (نَصًّا) ، بِخِلَافِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ، فَتُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُوَالَاةُ. (وَصَحَّ إنْ صَلَّاهُمَا) ، أَيْ: الْمَجْمُوعَتَيْنِ (خَلْفَ إمَامَيْنِ، أَوْ) صَلَّاهُمَا خَلْفَ (مَنْ لَمْ يَجْمَعْ، أَوْ) أَمَّ فِيهِمَا أَوْ إحْدَاهُمَا (بِمَنْ لَمْ يَجْمَعْ، أَوْ) صَلَّى (إحْدَاهُمَا مُنْفَرِدًا، وَ) صَلَّى (الْأُخْرَى جَمَاعَةً، أَوْ) صَلَّى (بِمَأْمُومٍ الْأُولَى وَ) صَلَّى (بِ) مَأْمُومٍ (آخَرَ الثَّانِيَةَ) ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ كَانَ إمَامًا بِإِحْدَاهُمَا وَمَأْمُومًا بِالْأُخْرَى) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ ". [فَرْعٌ بَانَ فَسَادُ الصَّلَاةِ الْأُولَى بَعْدَ الْجَمْعِ] (فَرْعٌ) : إذَا بَانَ فَسَادُ الْأُولَى بَعْدَ الْجَمْعِ، كَمَا (لَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ الْأُولَى رُكْنًا) أَوْ شَرْطًا، بَطَلَ الْجَمْعُ وَأَعَادَهُمَا مُرَتَّبَتَيْنِ، (أَوْ) ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ رُكْنًا (مِنْ إحْدَاهُمَا وَنَسِيَهَا) ، فَلَا يَدْرِي أَهُوَ مِنْ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ: (أَعَادَهُمَا مُرَتِّبًا) فِي الْوَقْتِ إنْ بَقِيَ، وَإِلَّا قَضَاهُمَا مُرَتِّبًا. (وَ) لَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا (مِنْ ثَانِيَةٍ، أَعَادَهَا فَقَطْ) ، وَلَا يَبْطُلُ جَمْعُ تَأْخِيرٍ مُطْلَقًا، وَلَا جَمْعُ تَقْدِيمٍ إنْ أَعَادَهَا قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا تَفُوتُهُ الْمُوَالَاةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 [فَصْلٌ صَلَاةِ الْخَوْفِ] (فَصْلٌ) فِي (صَلَاةِ الْخَوْفِ) وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] . . . الْآيَةَ. وَمَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ ثَبَتَ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ، وَتَخْصِيصُهُ بِالْخِطَابِ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالْحُكْمِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] . وَبِالنِّسْبَةِ، فَقَدْ ثَبَتَ وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا، وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى فِعْلِهَا وَصَلَّاهَا، عَلِيٌّ وَأَبُو مُوسَى وَحُذَيْفَةُ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يُصَلِّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ، أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ. (تَصِحُّ) صَلَاةُ الْخَوْفِ (بِقِتَالٍ مُبَاحٍ) ؛ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ، فَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْقِتَالِ الْمُحَرَّمِ، كَقِتَالٍ مِنْ أَهْلِ بَغْيٍ وَقُطَّاعِ طَرِيقٍ (وَلَوْ حَضَرًا) ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ الْخَوْفُ لَا السَّفَرُ. (مَعَ خَوْفِ هَجْمِ عَدُوٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] . (وَتَأْثِيرُهُ) ، أَيْ: الْخَوْفِ (فِي تَغْيِيرِ هَيْأَتِهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (وَصِفَاتِهَا لَا فِي) تَغْيِيرِ (عَدَدِ رَكَعَاتِهَا) ، فَلَا يُغَيِّرُهُ الْخَوْفُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ فِي مَنْعِ الْوَجْهِ السَّابِعِ الْآتِي: وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ، فَيُؤَثِّرُ أَيْضًا فِي عَدَدِهَا كَمَا فِي الْوَجْهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (وَتَصِحُّ) صَلَاةُ الْخَوْفِ (سَفَرًا عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: صَحَّتْ) صَلَاةُ الْخَوْفِ (عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ أَوْ سِتَّةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى (مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٍ، كُلُّهَا جَائِزَةٌ) ، قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَقُولُ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 أَوْ تَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهَا؟ قَالَ: أَنَا أَقُولُ: كُلُّ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهَا كُلِّهَا فَحَسَنٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلٍ، فَأَنَا أَخْتَارُهُ. (أَحَدُهَا) ، أَيْ: الْوُجُوهِ: (إذَا كَانَ الْعَدُوُّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ يُرَى) لِلْمُسْلِمِينَ (وَلَمْ يُخَفْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، فِيهِمَا (كَمِينٌ) يَأْتِي مِنْ خَلْفِ الْمُسْلِمِينَ، أَيْ: قَوْمٌ يَكْمُنُونَ فِي الْحَرْبِ، (صَلَّى بِهِمْ الْإِمَامُ صَلَاةَ) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي (عُسْفَانَ) : بَلَدٌ تَبْعُدُ عَنْ مَكَّةَ نَحْوَ مَرْحَلَتَيْنِ، (فَيَصُفُّهُمْ) الْإِمَامُ (خَلْفَهُ صَفَّيْنِ فَأَكْثَرَ حَضَرًا) كَانَ الْخَوْفُ (أَوْ سَفَرًا، وَيُحْرِمُ بِالْجَمِيعِ) مِنْ الصُّفُوفِ، (فَإِذَا سَجَدَ) الْإِمَامُ (سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، وَحَرَسَ) الصَّفُّ (الْآخَرُ حَتَّى يَقُومَ إمَامٌ لِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ، فَيَسْجُدُ) الصَّفُّ الْحَارِسُ (وَيَلْحَقُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامَ، (ثُمَّ الْأُولَى تَأَخُّرُ) الصَّفِّ (الْمُقَدَّمِ) السَّاجِدُ مَعَ الْإِمَامِ (وَتَقَدُّمُ) الصَّفُّ (الْمُؤَخَّرُ) السَّاجِدُ بَعْدَهُ، لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ بَيْنَهُمَا فِي فَضِيلَةِ الْمَوْقِفِ. (ثُمَّ بِثَانِيَةٍ) يَسْجُدُ فِيهَا الْحَارِسُ فِي الْأُولَى، وَ (يَحْرُسُ سَاجِدًا مَعَهُ أَوَّلًا) ، أَيْ: فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، (ثُمَّ يَلْحَقُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامَ (بِتَشَهُّدٍ، فَيُسَلِّمُ) الْإِمَامُ (بِجَمِيعِهِمْ) . هَذِهِ الصِّفَةُ رَوَاهَا جَابِرٌ، قَالَ: «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَفَّنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْآخَرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّجُودَ وَقَامَ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَقَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ، وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّجُودَ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَسَجَدَ، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ، وَرَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: «فَصَلَّاهَا النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً بِعُسْفَانَ، وَمَرَّةً بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ» . (وَيَجُوزُ جَعْلُهُمْ) ، أَيْ: الْمُسْلِمِينَ (صَفًّا) وَاحِدًا، (وَحَرَسَ بَعْضُهُ) فِي الْأُولَى، وَالْبَاقِي فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الصَّفِّ لَا أَثَرَ لَهُ فِي حِرَاسَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا فِي إنْكَارِ الْعَدُوِّ. وَ (لَا) يَجُوزُ (حَرَسُ صَفٍّ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ بِتَرْكِهِمْ السُّجُودَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَلَوْ حَرَسَ الصَّفُّ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لِتَخَلُّفِهِ عَنْ الْإِمَامِ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ. الْوَجْهُ (الثَّانِي: إذَا كَانَ الْعَدُوُّ بِغَيْرِ جِهَتِهَا) ، أَيْ: جِهَةِ الْقِبْلَةِ، (أَوْ كَانَ بِهَا) ، أَيْ: جِهَةِ الْقِبْلَةِ (وَلَمْ يُرَ) ، أَيْ: لَمْ يَرَهُ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ، أَوْ بِهَا وَيُرَى وَخِيفَ كَمِينٌ، (قَسَمَهُمْ) ، أَيْ: الْمُسْلِمِينَ الْإِمَامُ (طَائِفَتَيْنِ، وَيُحْرِمُ بِهِمَا) جَمِيعًا، (وَهِيَ صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ شَدُّوا الْخِرَقَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ لِفَقْدِ النِّعَالِ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ جَبَلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَدِينَةِ فِيهِ حُمْرَةٌ وَسَوَادٌ وَبَيَاضٌ كَأَنَّهَا خِرَقٌ، وَقِيلَ: هِيَ غَزْوَةُ غَطَفَانَ، وَقِيلَ: كَانَتْ نَحْوَ نَجْدٍ. (تَكْفِي كُلُّ طَائِفَةٍ الْعَدُوَّ) زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: بِحَيْثُ يَحْرُمُ فِرَارُهَا، وَمَتَى خَشِيَ اخْتِلَالَ حَالِهِمْ، وَاحْتِيجَ إلَى مَعُونَتِهِمْ بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَنْهَضَ إلَيْهِمْ بِمَنْ مَعَهُ، وَيَبْنُوا عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِمْ. (فَإِنْ فَرَّطَ) الْإِمَامُ (فِي ذَلِكَ) بِأَنْ كَانَتْ الطَّائِفَةُ لَا تَكْفِي الْعَدُوَّ، (أَوْ) فَرَّطَ (فِيمَا فِيهِ حَظٌّ لَنَا، أَثِمَ) وَيَكُونُ إثْمُهُ صَغِيرَةً لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ إنْ قَارَنَهَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ شَرْطَ الصَّلَاةِ. (وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَسَقَ وَلَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ) ، قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ " وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ": الْمَذْهَبُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَعُدْ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ، بَلْ إلَى الْمُخَاطَرَةِ، كَتَرْكِ حَمْلِ السِّلَاحِ مَعَ حَاجَةٍ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: وَفِي الْفِسْقِ مَعَ التَّعَمُّدِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُبْدِعِ ". وَالصَّغِيرَةُ لَا يَفْسُقُ بِتَعَمُّدِهَا بَلْ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَفْسُقُ، فَيَكُونُ (كَوَصِيٍّ وَأَمِينٍ فَرَّطَا فِي أَمَانَةٍ) ، أَيْ: فَيَفْسُقَانِ، وَتَصِيرُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِمَا كَمَا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، (طَائِفَةٌ) تَذْهَبُ (تَحْرُسُ) الْمُسْلِمِينَ (وَهِيَ) ، أَيْ: الطَّائِفَةُ الْحَارِسَةُ (مُؤْتَمَّةٌ بِهِ) ، أَيْ: الْإِمَامِ حُكْمًا (فِي كُلِّ صَلَاتِهِ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حِينَ تَرْجِعُ مِنْ الْحِرَاسَةِ وَتُحْرِمُ لَا تُفَارِقُ الْإِمَامَ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهَا، وَالْمُرَادُ: بَعْدَ دُخُولِهَا مَعَهُ لَا قَبْلَهُ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ " فَ (تَسْجُدُ مَعَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (لِسَهْوِهِ) وَلَوْ فِي الْأُولَى قَبْلَ دُخُولِهَا، وَ (لَا) تَسْجُدُ هِيَ (لِسَهْوِهَا) إنْ سَهَتْ، لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهُ (وَطَائِفَةٌ) يُحْرِمُ بِهَا، وَ (يُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً) وَهِيَ الْأُولَى مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ تُفَارِقُهُ كَمَا يَأْتِي. (وَهِيَ) ، أَيْ: الطَّائِفَةُ الَّتِي يُصَلِّي بِهَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى (مُؤْتَمَّةٌ) بِهِ (فِيهَا) ، أَيْ: الرَّكْعَةِ الْأُولَى (فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهَا تُفَارِقُهُ بَعْدَهَا، فَ (تَسْجُدُ لِسَهْوِهِ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (فِيهَا) ، أَيْ: الرَّكْعَةِ الْأُولَى (إذَا فَرَغَتْ) ، أَيْ: أَتَمَّتْ صَلَاتَهَا، (فَإِذَا اسْتَتَمَّ) الْإِمَامُ (قَائِمًا لِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ نَوَتْ) الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّى بِهَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى (الْمُفَارَقَةَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 743 لَهُ (وُجُوبًا؛ لِبُطْلَانِ صَلَاةِ تَارِكِ مُتَابَعَةِ) الْإِمَامِ (بِلَا نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ، وَأَتَمَّتْ) صَلَاتَهَا (لِنَفْسِهَا) مُنْفَرِدَةً، (وَسَلَّمَتْ وَمَضَتْ تَحْرُسُ) مَكَانَ الطَّائِفَةِ الْحَارِسَةِ قَبْلَهَا. (وَيُبْطِلُهَا) ، أَيْ: صَلَاةَ الطَّائِفَةِ الَّتِي صَلَّى بِهَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى (مُفَارَقَتُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (قَبْلَ قِيَامِهِ) إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (بِلَا عُذْرٍ) ، لِتَرْكِهَا الْمُتَابَعَةَ. (وَيُطِيلُ) الْإِمَامُ (قِرَاءَتَهُ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (حَتَّى تَحْضُرَ) الطَّائِفَةُ (الْأُخْرَى) الَّتِي كَانَتْ تَحْرُسُ، (فَتُصَلِّي مَعَهُ) بَعْدَ إحْرَامِهِ الرَّكْعَةَ (الثَّانِيَةَ) ، وَلَا يَرْكَعُ بَعْدَ إحْرَامِهَا حَتَّى تَقْرَأَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ، وَيَكْفِي إدْرَاكُهَا الرُّكُوعَ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْقِرَاءَةِ إلَى مَجِيئِهَا، (وَ) إذَا فَرَغَ مِنْهَا وَجَلَسَ، انْتَظَرَهَا، (يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ حَتَّى تَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ، وَ) حَتَّى (تَشَهَّدَ، فَيُسَلِّمَ بِهَا) وَلَا يُسَلِّمُ قَبْلَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُمْ كُلَّهَا مَعَهُ، وَتَحْصُلُ الْمُعَادَلَةُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ، وَالثَّانِيَةَ فَضِيلَةَ السَّلَامِ. وَهَذَا الْوَجْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ «حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ بْنِ جُبَيْرٍ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِاَلَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» وَصَحَّ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَثْمَةَ مَرْفُوعًا. وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ أَنَّهُ اخْتَارَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْكَاءٌ لِلْعَدُوِّ، وَأَقَلُّ فِي الْأَفْعَالِ، وَأَشْبَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَالْحَرْبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 744 (وَإِنْ أَحَبَّ) الْإِمَامُ (ذَا الْفِعْلِ) ، أَيْ: الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ (مَعَ رُؤْيَةِ الْعَدُوِّ، جَازَ) نَصًّا، لِعُمُومِ الْآيَةِ. (وَإِنْ انْتَظَرَهَا) ، أَيْ: الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ الْإِمَامُ (جَالِسًا بِلَا عُذْرٍ) فِي الْجُلُوسِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ جُلُوسًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. (وَ) إنْ (ائْتَمَّتْ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ) بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ) ، أَيْ: لَمْ تَنْعَقِدْ؛ لِاقْتِدَائِهِمْ فِي صَلَاةٍ بَاطِلَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَظَاهِرُهُ تَصِحُّ لَهُمْ لِلْعُذْرِ. (وَيَجُوزُ تَرْكُ) طَائِفَةٍ (حَارِسَةٍ الْحِرَاسَةَ) بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ، وَتَأْتِي تُصَلِّي مَعَهُ (لِمَدَدٍ تَحَقَّقَتْ غِنَاهُ) ، أَيْ: أَجْزَأَهُ عَنْهَا لِحُصُولِ الْغَرَضِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا الْغَنَاءُ أَوْ شَكَّ فِيهِ، لَمْ يَجُزْ، قَالَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " (وَلَوْ خَاطَرَ أَقَلُّ مِمَّنْ شَرَطْنَا) بِأَنْ كَانَتْ طَائِفَةٌ لَا تَكْفِي الْعَدُوَّ (وَتَعَمَّدُوا الصَّلَاةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، صَحَّتْ) صَلَاتُهُمْ. (وَحَرُمَ مُخَاطَرَةٌ) قَوْله تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَإِنَّمَا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ مَعَ تَحْرِيمِ الْمُخَاطَرَةِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَعُدْ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ، بَلْ إلَى الْمُخَاطَرَةِ بِهِمْ، كَتَرْكِ حَمْلِ السِّلَاحِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. (وَيُصَلِّي) إمَامُ (الْمَغْرِبَ بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَ) (بِ) الطَّائِفَةِ (الْأُخْرَى رَكْعَةً) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَفْضِيلٍ، فَالْأُولَى أَحَقُّ بِهِ، وَمَا فَاتَ الثَّانِيَةَ يَنْجَبِرُ بِإِدْرَاكِهَا مَعَهُ بِالسَّلَامِ. (وَلَا تَتَشَهَّدُ) الثَّانِيَةُ بَعْدَ صَلَاتِهَا (مَعَهُ) الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ (عَقِبَهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ تَشَهُّدِهَا، بَلْ تَقُومُ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهَا. (وَيَصِحُّ عَكْسُهَا) ، أَيْ: أَنْ يُصَلِّيَ (بِالْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ) نَصًّا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ، فَيُجْبِرُ الثَّانِيَةَ بِزِيَادَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 الرَّكَعَاتِ، لَكِنَّ الْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَفْعَلُ جَمِيعَ صَلَاتِهَا فِي حُكْمِ الِائْتِمَامِ، وَالْأُولَى فِي حُكْمِ الِانْفِرَادِ. (وَ) يُصَلِّي إمَامٌ (الرُّبَاعِيَّةَ التَّامَّةَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ) تَعْدِيلًا بَيْنَهُمَا، مَعَ إتْيَانِ كُلِّ طَائِفَةٍ بِرَكْعَتَيْنِ، فَتَكُونُ تَامَّةً فِي حَقِّ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْوَجْهِ الْخَامِسِ. (وَيَصِحُّ) أَنْ يُصَلِّيَ الرُّبَاعِيَّةَ التَّامَّةَ (بِطَائِفَةٍ) مِنْهُمْ (رَكْعَةً، وَبِ) طَائِفَةٍ (أُخْرَى ثَلَاثًا) ، لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالطَّائِفَتَيْنِ. (وَتُفَارِقُهُ) الطَّائِفَةُ (الْأُولَى) إنْ صَلَّى بِهَا رَكْعَتَيْنِ مَغْرِبًا أَوْ رُبَاعِيَّةً تَامَّةً (بَعْدَ فَرَاغِ تَشَهُّدِهِ) الْأَوَّلِ (وَتُتِمُّ لِنَفْسِهَا) الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ فِي الْمَغْرِبِ، وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ التَّامَّةِ وَتُسَلِّمُ. (وَيَنْتَظِرُ) الطَّائِفَةَ (الثَّانِيَةَ جَالِسًا يُكَرِّرُهُ) - أَيْ: التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ - إلَى أَنْ تَحْضُرَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، (فَإِذَا أَتَتْ قَامَ) لِتُدْرِكَ مَعَهُ جَمِيعَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ؛ وَلِأَنَّ الْجُلُوسَ أَخَفُّ عَلَى الْإِمَامِ؛ وَلِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الثَّالِثَةِ وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُحْرِمُ بِهِمْ، ثُمَّ تَنْهَضُ مَعَهُ. (وَيَصِحُّ انْتِظَارُهَا) ، أَيْ: الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ (قَائِمًا) ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُ؛ وَلِأَنَّ ثَوَابَ الْقَائِمِ أَكْثَرُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ. (فَإِذَا صَلَّتْ) الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ (مَعَهُ) ، أَيْ: مَعَ الْإِمَامِ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، (وَجَلَسَ لِتَشَهُّدٍ أَخِيرٍ) تَشَهَّدَتْ مَعَهُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ كَالْمَسْبُوقِ، ثُمَّ قَامَتْ (وَ) هُوَ جَالِسٌ (يُكَرِّرُهُ) فَاسْتَفْتَحَتْ وَتَعَوَّذَتْ (وَأَتَتْ بِمَا بَقِيَ، وَ) تَقْرَأُ (سُورَةً مَعَ الْفَاتِحَةِ) ؛ لِأَنَّ مَا تَقْضِيهِ أَوَّلُ صَلَاتِهَا، فَإِذَا أَدْرَكَتْهُ فِي التَّشَهُّدِ تَشَهَّدَتْ، وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَلَا يُسَلِّمُ قَبْلَهُمْ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ فَرَّقَهُمْ) الْإِمَامُ، أَيْ: الْمُصَلِّينَ (أَرْبَعًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 وَصَلَّى) الرُّبَاعِيَّةَ التَّامَّةَ (بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً) أَوْ فَرَّقَهُمْ ثَلَاثًا، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، أَوْ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ رَكْعَةً رَكْعَةً مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، (صَحَّتْ صَلَاةُ) الطَّائِفَتَيْنِ (الْأُولَيَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمَا فَارَقَتَاهُ قَبْلَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِالِانْتِظَارِ الثَّالِثِ لِلطَّائِفَةِ الثَّالِثَةِ لِتَدْخُلَ مَعَهُ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَ (لَا) تَصِحُّ صَلَاةُ (الْإِمَامِ) ؛ لِأَنَّهُ زَادَ انْتِظَارًا ثَالِثًا لَمْ يَرِدْ بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ خَوْفٍ. (وَ) لَا صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ (الْأُخْرَيَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمَا ائْتَمَّتَا بِمَنْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، (إلَّا إنْ جَهِلُوا) ، أَيْ: الْإِمَامُ وَالطَّائِفَتَانِ (الْبُطْلَانَ) ، أَيْ: بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِنْ جَهِلَ الْمَأْمُومُونَ، صَحَّتْ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى. وَكَمَنْ ائْتَمَّ بِمُحْدِثٍ لَا يَعْلَمُ حَدَثَهُ، وَيَجُوزُ خَفَاؤُهُ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا. الْوَجْهُ (الثَّالِثُ: أَنْ) يَقْسِمَهُمْ طَائِفَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، طَائِفَةٌ تَحْرُسُ، وَ (يُصَلِّي) الْإِمَامُ (بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، ثُمَّ تَمْضِي) فَتَحْرُسُ مَكَانَ الْأُخْرَى، (ثُمَّ) يُصَلِّي (بِالْأُخْرَى) الْحَارِسَةِ إذَا أَتَتْ (رَكْعَةً، ثُمَّ تَمْضِي) فَتَحْرُسُ، (وَيُسَلِّمُ) إمَامٌ (وَحْدَهُ، ثُمَّ تَأْتِي) الطَّائِفَةُ (الْأُولَى) الَّتِي صَلَّتْ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى، (فَتُتِمُّ صَلَاتَهَا بِقِرَاءَةِ) سُورَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَتُسَلِّمُ وَتَمْضِي لِتَحْرُسَ. (ثُمَّ) تَأْتِي (الْأُخْرَى) ، فَتَفْعَلُ (كَذَلِكَ وَإِنْ أَتَمَّتْهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةَ الطَّائِفَةُ (الثَّانِيَةُ عَقِبَ مُفَارَقَتِهَا) إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ (وَمَضَتْ) تَحْرُسُ، (ثُمَّ أَتَتْ الْأُولَى فَأَتَمَّتْ) صَلَاتَهَا، (كَانَ) ذَلِكَ (أَوْلَى) ، لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوَّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ، فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 الْوَجْهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يُصَلِّيَ) الْإِمَامُ (بِكُلِّ طَائِفَةٍ) مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ (صَلَاةً مَقْصُورَةً أَوْ تَامَّةً وَيُسَلِّمُ بِهَا) ، أَيْ: بِكُلِّ طَائِفَةٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا، وَالشَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا. (وَهُنَا صَحَّ) صَلَاةُ (فَرْضٍ خَلْفَ نَفْلٍ) وَهُوَ مُغْتَفَرٌ هُنَا، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. الْوَجْهُ (الْخَامِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ) الْإِمَامُ (الرُّبَاعِيَّةَ الْجَائِزَ قَصْرُهَا) ، لِكَوْنِهِمْ مُسَافِرِينَ، (تَامَّةً بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ بِلَا قَضَاءٍ) مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ (فَتَكُونُ لَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (تَامَّةً، وَلَهُمْ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِينَ (مَقْصُورَةً) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ قَالَ، فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الْوَجْهُ (السَّادِسُ:) " صَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ نَجْدٍ. (وَ) كَيْفِيَّتُهَا: (أَنْ يُحْرِمَ) الْإِمَامُ (بِالطَّائِفَتَيْنِ) مَعًا، وَتَقُومَ طَائِفَةٌ (وَاحِدَةٌ تِجَاهَ الْعَدُوِّ وَظُهْرُهَا لِلْقِبْلَةِ، وَ) تَقُومَ الطَّائِفَةُ (الْأُخْرَى مَعَهُ يُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً) وَاحِدَةً (فَإِذَا قَامَ لِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ ذَهَبَتْ) الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ لِتَقِفَ (لِلْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ) الطَّائِفَةُ (الْأُخْرَى، فَرَكَعَتْ وَسَجَدَتْ) لِأَنْفُسِهَا، (وَلَحِقَتْهُ) بِالرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ، فَإِذَا جَلَسَ بِهَا لِتَشَهُّدٍ أَتَتْ) الطَّائِفَةُ (الَّتِي) وَقَفَتْ (تِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَرَكَعَتْ وَسَجَدَتْ) وَتَشَهَّدَتْ، (وَسَلَّمَ بِالْجَمِيعِ) " أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَنَقَلَهُ الْأَصْحَابُ مُقِرِّينَ لَهُ. الْوَجْهُ (السَّابِعُ: وَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُ) مِنْ الْأَصْحَابِ (أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 طَائِفَةٍ رَكْعَةً بِلَا قَضَاءٍ) عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ كَصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ. صَحَّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهَا صِحَاحٌ، ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: رَكْعَةً رَكْعَةً، إلَّا أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَانِ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافِهِ. وَلِلْخَوْفِ وَالسَّفَرِ اجْتِمَاعُ مُبِيحَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الْخَوْفُ، وَالْآخَرُ: السَّفَرُ. قَالَ فِي " الْكَافِي ": كَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوُجُوهِ الْجَائِزَةِ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا: لَا تَأْثِيرَ لِلْخَوْفِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَحَمَلُوا هَذِهِ الصِّفَةَ عَلَى شِدَّةِ الْخَوْفِ. [فَصْلٌ تَصِحُّ جُمُعَةٌ بِخَوْفٍ حَضَرًا] (فَصْلٌ) (وَتَصِحُّ جُمُعَةٌ بِخَوْفٍ حَضَرًا) لَا سَفَرًا (بِشَرْطِ كَوْنِ كُلِّ طَائِفَةٍ أَرْبَعِينَ) رَجُلًا (فَأَكْثَرَ) مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا، لِاشْتِرَاطِ الْعَدُوِّ وَالِاسْتِيطَانِ، (وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا (أَنْ يُحْرِمَ بِمَنْ حَضَرَتْ الْخُطْبَةَ) مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ، لِاشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِمَنْ لَمْ تَحْضُرْ الْخُطْبَةَ، لَمْ تَصِحَّ حَتَّى يَخْطُبَ لَهَا كَغَيْرِ الْخَوْفِ. (وَيُسِرَّانِ) ، أَيْ: الطَّائِفَتَانِ (الْقِرَاءَةَ بِقَضَاءٍ) ، أَيْ: قَضَاءِ الرَّكْعَةِ كَالْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ مِنْهَا. (وَيُصَلَّى اسْتِسْقَاءً) فِي الْخَوْفِ إذَا ضَرَّ الْجَدْبُ (كَمَكْتُوبَةٍ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَ) صَلَاةَ (كُسُوفٍ وَ) صَلَاةَ (عِيدٍ) مَعَ خَوْفٍ (آكَدَ مِنْ اسْتِسْقَاءٍ، لِمَا تَقَدَّمَ) أَنَّ الْكُسُوفَ آكَدُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ. وَأَمَّا الْعِيدُ، فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَسُنَّ) فِي صَلَاةِ خَوْفٍ (حَمْلُ) مُصَلٍّ (مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُثْقِلُهُ، كَسَيْفٍ وَسِكِّينٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 749 وَلِمَفْهُومِ قَوْلِهِ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} [النساء: 102] ، وَالْأَمْرُ بِهِ لِلرِّفْقِ بِهِمْ وَالصِّيَانَةِ لَهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْإِيجَابِ. وَلَا يُكْرَهُ حَمْلُ السِّلَاحِ بِلَا حَاجَةٍ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَكُرْهِ) لِمُصَلٍّ حَمْلُ (مَا مَنَعَ إكْمَالَهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (كَمِغْفَرٍ) بِوَزْنِ مِنْبَرٍ، (وَهُوَ زَرَدٌ مِنْ الدِّرْعِ يُلْبَسُ تَحْتَ الْقَلَنْسُوَةِ) ، أَوْ حِلَقٌ يَتَقَنَّعُ بِهَا الْمُتَسَلِّحُ، ذَكَرَهُ فِي " الْقَامُوسِ ". (أَوْ) ، أَيْ: وَيُكْرَهُ حَمْلُ مَا (ضَرَّ غَيْرَهُ) ، أَيْ: غَيْرَ حَامِلِهِ (كَرُمْحٍ مُتَوَسِّطٍ) صَاحِبُهُ (بَيْنَهُمْ) ، أَيْ: بَيْنَ الْقَوْمِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَاشِيَةِ لَمْ يُكْرَهْ. (أَوْ) ، أَيْ: وَيُكْرَهُ حَمْلُ مَا (أَثْقَلَهُ كَجَوْشَنٍ، وَهُوَ: الدِّرْعُ) وَالصَّدْرُ قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ". (وَجَازَ) فِي صَلَاةِ خَوْفٍ (لِحَاجَةٍ حَمْلُ نَجَسٍ) لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي غَيْرِهَا، (وَلَا يُعِيدُ) مَا صَلَّاهُ فِي الْخَوْفِ مَعَ النَّجَسِ الْكَثِيرِ لِلْعُذْرِ. (وَإِذَا اشْتَدَّ خَوْفٌ) ، أَيْ: تَوَاصَلَ الطَّعْنُ وَالضَّرْبُ وَالْكَرُّ وَالْفَرُّ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَفْرِيقُ الْقَوْمِ وَصَلَاتُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ، (صَلَّوْا رِجَالًا وَرُكْبَانًا لِلْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَرُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ نَافِعٌ: " لَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا. (وَلَا يَلْزَمُ) مُصَلَّيَا إذَنْ (افْتِتَاحُهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (إلَيْهَا) ، أَيْ: الْقِبْلَةِ (وَلَوْ أَمْكَنَ) الْمُصَلِّي ذَلِكَ كَبَقِيَّةِ الصَّلَاةِ (وَلَا) يَلْزَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 750 (سُجُودٌ) عَلَى ظَهْرِ (دَابَّةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُؤَخِّرَهَا) ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ قَادِرٌ. (وَتَجِبُ جَمَاعَةٌ) فِي شِدَّةِ خَوْفٍ كَغَيْرِهَا نَصًّا (مَعَ إمْكَانِ مُتَابَعَةٍ) ، فَإِنْ لَمْ تَتَمَكَّنْ الْمُتَابَعَةَ، لَمْ تَجِبْ، بَلْ وَلَا تَنْعَقِدُ. (وَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمُ مَأْمُومٍ) عَلَى إمَامِهِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، (وَلَا) يَضُرُّ (تَلْوِيثُ سِلَاحٍ بِدَمٍ) ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا، (وَلَا) يَضُرُّ (كَرٌّ) عَلَى عَدُوٍّ (وَ) لَا (فَرٌّ) مِنْهُ (لِمَصْلَحَةٍ وَلَوْ كَثُرَ) الْكَرُّ وَالْفَرُّ. (وَكَذَا) ، أَيْ: كَشِدَّةِ الْخَوْفِ فِيمَا تَقَدَّمَ (حَالَةُ هَرَبٍ مِنْ عَدُوٍّ هَرَبًا مُبَاحًا) بِأَنْ كَانَ الْكُفَّارُ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ، (أَوْ) هَرَبٍ مِنْ (سَيْلٍ أَوْ سَبُعٍ) : حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ مُفْتَرِسٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، (أَوْ) هَرَبٍ مِنْ (نَارٍ أَوْ غَرِيمٍ ظَالِمٍ) ، فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ، لَمْ يَجُزْ، (أَوْ) لَمْ يَكُنْ هَرَبٌ، لَكِنْ صَلَّى كَذَلِكَ (خَوْفُ فَوْتِ عَدُوٍّ) يَطْلُبُهُ، لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ، قَالَ اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ، فَرَأَيْتُهُ وَقَدْ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَقُلْتُ: إنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا أُصَلِّي، أُومِئُ إيمَاءً نَحْوَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ فَوْتَ عَدُوِّهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، فَأُبِيحَتْ لَهُ صَلَاةُ الْخَوْفِ كَحَالِ لِقَائِهِ. (أَوْ) خَوْفُ فَوْتِ (وَقْتِ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ) إنْ صَلَّى آمِنًا فَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ مَاشِيًا حِرْصًا عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ، لِمَا يَلْحَقُهُ بِفَوَاتِهِ مِنْ الضَّرَرِ. (أَوْ) خَوْفٌ (عَلَى نَفْسِهِ) صَلَّى صَلَاةَ أَمْنٍ، (أَوْ) خَوْفٌ عَلَى (أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ، أَوْ ذَبُّهُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (عَنْ ذَلِكَ) ، أَيْ: دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ، فَيُصَلِّي صَلَاةَ خَائِفٍ. (وَ) كَذَا ذَبُّهُ (عَنْ نَفْسِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 غَيْرِهِ (وَأَهْلِ) غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَ) أَمَّا مَنْ ذَبَّ عَنْ (مَالِ غَيْرِهِ) ، فَيُصَلِّي صَلَاةَ خَائِفٍ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ. وَذَكَرَ الْبُهُوتِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ". أَنَّهُ إذَا ذَبَّ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ يُصَلِّي صَلَاةَ خَائِفٍ، وَقَالَ: صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ، إذْ صَاحِبُ " الْإِنْصَافِ " لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ. (فَإِنْ كَانَتْ) صَلَاةُ الْخَوْفِ صَلَّيْت (لِسَوَادٍ) ، أَيْ: شَخْصٍ (ظَنَّهُ عَدُوًّا) فَتَبَيَّنَ عَدَمَهُ، أَعَادَ، (أَوْ) صَلَّاهَا لِعَدُوٍّ، ثُمَّ تَبَيَّنَ (دُونَهُ مَانِعٌ) كَبَحْرٍ يَحُولُ بَيْنَهُمَا، (أَعَادَ) ، لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُبِيحِ، وَنُدْرَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، بِخِلَافِ مَنْ تَيَمَّمَ لِذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ، لِعُمُومِ الْبَلْوَى فِي الْأَسْفَارِ. وَ (لَا) يُعِيدُ (إنْ) صَلَّى صَلَاةَ خَوْفٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 لِعَدُوٍّ، ثُمَّ (بَانَ يَقْصِدُ غَيْرَهُ) لِوُجُودِ سَبَبِ الْخَوْفِ، وَهُوَ الْعَدُوُّ يَخْشَى هَجْمَهُ (كَ) مَا لَا يُعِيدُ (مَنْ خَافَ عَدُوًّا إنْ تَخَلَّفَ عَنْ رُفْقَتِهِ) ، وَصَلَّى صَلَاةَ آمِنٍ (فَصَلَّاهَا) ، أَيْ: صَلَاةَ الْخَوْفِ (ثُمَّ بَانَ أَمْنِ طَرِيقٍ) ، لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ. (أَوْ خَافَ بِتَرْكِهَا) ، أَيْ: صَلَاةِ الْخَوْفِ (كَمِينًا) يَكْمُنُ لَهُ فِي طَرِيقِهِ، (أَوْ) خَافَ بِتَرْكِهَا (مَكِيدَةً أَوْ مَكْرُوهًا، كَهَدْمِ سُورٍ أَوْ طَمِّ خَنْدَقٍ) إنْ اشْتَغَلَ بِصَلَاةِ آمِنٍ، صَلَّى صَلَاةَ خَائِفٍ. قَالَ الْقَاضِي: فَإِنْ عَلِمُوا أَنَّ الطَّمَّ وَالْهَدْمَ لَا يَتِمُّ لِلْعَدُوِّ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، صَلَّوْا صَلَاةَ آمِنٍ. (وَمَنْ خَافَ) فِي صَلَاةٍ شَرَعَ فِيهَا آمِنًا، انْتَقَلَ وَبَنَى لِوُجُودِ الْمُبِيحِ (أَوْ أَمِنَ فِي صَلَاةٍ) ابْتَدَأَهَا خَائِفًا، (انْتَقَلَ) ، لِزَوَالِ الْمُبِيحِ (وَبَنَى) عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ، كَعُرْيَانَ وَجَدَ سُتْرَةً قَرِيبَةً. (وَلَا يَزُولُ خَوْفٌ إلَّا بِانْهِزَامِ) الْعَدُوِّ (الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّ انْهِزَامَ بَعْضِهِ قَدْ يَكُونُ خَدِيعَةً. (وَكَفَرْضِ تَنَفُّلٍ) شَرَعَتْ لَهُ الْجَمَاعَةُ أَوَّلًا، فَيُصَلِّي كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ مُنْفَرِدًا) ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ. (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِطُولِ كَرٍّ وَفَرٍّ) ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ. (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِفِعْلٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِقِتَالٍ) كَنُزُولٍ عَنْ دَابَّةٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَأَخْذِ مَالٍ لَقِيَهُ، وَسَلْبِ كَافِرٍ ثِيَابَهُ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِ (كَلَامٍ) أَجْنَبِيٍّ مِنْهَا، كَصِيَاحٍ عَلَى عَدُوٍّ، أَوْ تَحْرِيضِ أَقْرَانِهِ عَلَى الْقِتَالِ، فَمَتَى صَاحَ فَبَانَ حَرْفَانِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إذْ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ، بَلْ السُّكُوتُ أَهْيَبُ فِي نُفُوسِ الْأَقْرَانِ. [تَتِمَّةٌ إذَا خَافَ الْأَسِيرُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُخْتَفِي بِمَوْضِعٍ يَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ] ِ صَلَّى كُلٌّ مِنْهُمَا كَيْفَ مَا أَمْكَنَهُ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا وَمُسْتَلْقِيًا إلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا بِالْإِيمَاءِ حَضَرًا وَسَفَرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 753 [بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] ِ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ، حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ، وَالْأَصْلُ الضَّمُّ. وَاشْتِقَاقُهَا: مِنْ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لِجَمْعِهَا الْجَمَاعَاتِ، وَقِيلَ: لِجَمْعِ طِينِ آدَمَ فِيهَا. وَقِيلَ: " لِأَنَّ آدَمَ جُمِعَ فِيهَا خَلْقُهُ " رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ جُمِعَ مَعَ حَوَّاءَ فِي الْأَرْضِ فِيهَا، وَفِيهِ خَبَرٌ مَرْفُوعٌ، وَقِيلَ: لِمَا جُمِعَ فِيهَا مِنْ الْخَيْرِ. قِيلَ أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ، وَاسْمُهُ الْقَدِيمُ: يَوْمُ الْعُرُوبَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ. وَهِيَ (أَفْضَلُ مِنْ الظُّهْرِ) ، أَيْ: مِنْ ظُهْرِ يَوْمِهَا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ بِلَا نِزَاعٍ، قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَفُرِضَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ) ، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أُذِنَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَجْمَعَ بِمَكَّةَ، فَكَتَبَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَانْظُرْ إلَى الْيَوْمِ الَّذِي تَجْهَرُ فِيهِ الْيَهُودُ بِالزَّبُورِ لِسَبْتِهِمْ، فَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، فَإِذَا مَالَ النَّهَارُ عَنْ شَطْرِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَتَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ بِرَكْعَتَيْنِ» . فَأَوَّلُ مَنْ جَمَعَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ، فَجَمَعَ عِنْدَ الزَّوَالِ مِنْ الظُّهْرِ. وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَهُوَ: أَنَّ أَسْعَدَ جَمَعَ النَّاسَ، فَإِنَّ مُصْعَبًا كَانَ نَزِيلَهُمْ، وَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ وَيُقَرِّبُهُمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ يُسَمَّى الْمُقْرِيَ. فَأَسْعَدُ دَعَاهُمْ، وَمُصْعَبُ صَلَّى بِهِمْ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " إنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُمُعَةٌ بِجُوَاثَى: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (فُعِلَتْ بِمَكَّةَ عَلَى صِفَةِ الْجَوَازِ، وَفُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ) ؛ لِأَنَّ سُورَةَ الْجُمُعَةِ مَدَنِيَّةٌ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: فُعِلَتْ بِمَكَّةَ، أَيْ: قَبْلَ الْهِجْرَةِ، أَيْ: فُعِلَتْ الْجُمُعَةُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْوُجُوبِ، إذْ آيَةُ الْجُمُعَةِ بَلْ سُورَتُهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، (وَهِيَ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ) لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْ الظُّهْرِ (لَا ظُهْرَ مَقْصُورَةً، فَلَا تَجُوزُ أَرْبَعًا) ، لِمَا يَأْتِي أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهَا أَكْثَرَ مِنْهُمَا. (وَلَا تَنْعَقِدُ) الْجُمُعَةُ (بِنِيَّتِهَا لِظُهْرٍ) مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَعَبْدٍ وَمُسَافِرٍ، لِجَوَازِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ. (وَلَا تُقْصَرُ) الظُّهْرُ (خَلْفَهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ، (بَلْ إنْ أَدْرَكَ) مِنْهَا (رَكْعَةً، نَوَى جُمُعَةً) ، وَأَتَمَّهَا وَسَلَّمَ، (وَإِلَّا) يُدْرِكُ مِنْهَا رَكْعَةً، بِأَنْ أَدْرَكَ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، (فَ) يَنْوِي الظُّهْرَ، وَيُصَلِّيهَا (ظُهْرًا تَامَّةً) ، وَلَا يَقْصُرُهَا، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَتَصِحُّ) صَلَاةُ الْجُمُعَةِ (قَبْلَ الزَّوَالِ) ، وَيَأْتِي. (وَلَا يَؤُمُّ مَنْ قَلَّدَهَا) ، أَيْ: قَلَّدَهُ الْإِمَامُ إمَامَةَ الْجُمُعَةِ (فِي غَيْرِهَا) مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَيْ: لَا يَسْتَفِيدُ ذَلِكَ بِتَقْلِيدِ الْإِمَامِ، لَا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْإِمَامَةُ، إذَا قَامَتْ الصَّلَوَاتُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ. وَلَا لِمَنْ قُلِّدَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ بِالتَّقْلِيدِ، لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْخَمْسِ لَهَا، وَلَا مَنْ قُلِّدَ أَحَدَهُمَا أَنْ يَؤُمَّ فِي عِيدٍ وَكُسُوفٍ بِهَذَا التَّقْلِيدِ؛ لِعَدَمِ شُمُولِ وِلَايَتِهِ لِذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُقَلِّدَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ، فَتَدْخُلَ الْمَذْكُورَاتُ فِي عُمُومِهَا؛ لِلْإِتْيَانِ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ. (وَلَا تُجْمَعُ) جُمُعَةٌ إلَى عَصْرٍ وَلَا غَيْرِهَا (حَيْثُ أُبِيحَ الْجَمْعُ) ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (وَ) صَلَاةُ الْجُمُعَةِ (فَرْضُ الْوَقْتِ) ، أَيْ: وَقْتِهَا، (فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ أَهْلُ بَلَدٍ، تَلْزَمُهُمْ) الْجُمُعَةُ بِأَنْ كَانُوا أَرْبَعِينَ فَأَكْثَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 755 (مَعَ بَقَاءِ وَقْتِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ، (لَمْ تَصِحَّ) ظُهْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا مَا لَمْ يُخَاطَبُوا بِهِ، وَتَرَكُوا مَا خُوطِبُوا بِهِ، كَمَا لَوْ صَلَّوْا الْعَصْرَ مَكَانَ الظُّهْرِ. (وَيَتَّجِهُ: إلَّا إنْ أَيِسَ) مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَهَا (مِنْ فِعْلِهَا) فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُ جُمُعَةٍ فِي بَلَدٍ آخَرَ، فَتَصِحُّ الظُّهْرُ مِنْهُ حِينَئِذٍ لِلْعُذْرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتُتْرَكُ) ، أَيْ: تُؤَخَّرُ (فَجْرٌ فَائِتَةٌ) وَغَيْرُهَا مِثْلُهَا (لِخَوْفِ فَوْتِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ. (وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ (إذَا فَاتَتْ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى. (وَتَجِبُ) الْجُمُعَةُ (عَيْنًا عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْحُضُورِ فِي مَجَامِعِ الرِّجَالِ (مُسْلِمٍ) لَا كَافِرٍ وَلَوْ مُرْتَدًّا، (مُكَلَّفٍ) ، فَلَا تَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ إجْمَاعًا، وَلَا عَلَى صَبِيٍّ، لِمَا رَوَى طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ مَرْفُوعًا: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ، إلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: طَارِقٌ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (حُرٍّ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكُ الْمَنْفَعَةِ، مَحْبُوسٌ عَلَى سَيِّدِهِ، أَشْبَهَ الْمَحْبُوسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 756 بِالدَّيْنِ. (لَا عُذْرَ لَهُ) مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِتَرْكِهَا، وَتَقَدَّمَتْ فِي بَابِهَا. فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ، سَقَطَ عَنْهُ الْحُضُورُ لَا الْوُجُوبُ. (مُسْتَوْطِنٍ بِبِنَاءٍ) مُعْتَادًا (وَلَوْ مِنْ قَصَبٍ) لَا يَرْتَحِلُ عَنْهُ صَيْفًا وَلَا شِتَاءً، (وَلَوْ تَفَرَّقَ) الْبِنَاءُ (وَشَمِلَهُ اسْمٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ) كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ (فَوْقَ فَرَاسِخَ) نَصًّا، (أَوْ تَفَرَّقَ) تَفَرُّقًا (كَثِيرًا) . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": سَوَاءٌ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ بُنْيَانُهُ مُتَّصِلًا أَوْ مُتَفَرِّقًا فَإِذَا شَمِلَهُ اسْمٌ وَاحِدٌ، أَيْ: لِأَنَّهُ بَلَدٌ وَاحِدٌ، فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَيَّدَ التَّفَرُّقَ بِالْيَسِيرِ. وَإِنْ تَفَرَّقَ مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ، لَمْ تَصِحَّ فِيهَا، صَحَّحَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ مِنْهَا مَا يَسْكُنُهُ أَرْبَعُونَ، فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ، وَيَتْبَعُهُمْ الْبَاقُونَ. وَرَبْضُ الْبَلَدِ، وَهُوَ: مَا حَوْلَهَا، لَهُ حُكْمُهُ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ بَعْضِ الْبُنْيَانِ بِبَعْضٍ (إنْ بَلَغُوا) ، أَيْ: أَهْلُ الْقَرْيَةِ (أَرْبَعِينَ) مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا. (أَوْ) ، أَيْ: وَتَلْزَمُ الْجُمُعَةُ مُسْتَوْطِنِي (قَرْيَةٍ خَرَابًا عَزَمُوا عَلَى إصْلَاحِهَا وَالْإِقَامَةِ بِهَا صَيْفًا وَشِتَاءً) حَيْثُ بَلَغُوا الْعَدَدَ لِاسْتِيطَانِهِمْ بِهَا قَبْلَ إصْلَاحِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانُوا مُسْتَوْطِنِينَ، وَانْهَدَمَتْ دُورُهُمْ، وَأَرَادُوا إصْلَاحَهَا. (وَ) تَجِبُ الْجُمُعَةُ أَيْضًا (عَلَى خَارِجٍ عَنْ بَلَدٍ تُقَامُ بِهِ) الْجُمُعَةُ (وَ) الْحَالُ أَنَّ (بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْجِدِهِ) ، أَيْ: مَسْجِدِ التَّجْمِيعِ مِنْ بَلَدٍ (وَقْتَ فِعْلِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ (فَرْسَخٌ) نَصًّا تَقْرِيبًا (فَأَقَلَّ) مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 757 ذَلِكَ، (كَمَنْ بِقُرَى صَغِيرَةٍ) لَا يَبْلُغُ عَدَدُ كُلِّ قَرْيَةٍ أَرْبَعِينَ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تُقَامُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ. (وَ) كَمَنْ بِ (خِيَامٍ) جَمْعُ: خَيْمَةٍ، وَهُوَ: بَيْتٌ تَبْنِيهِ الْعَرَبُ مِنْ عِيدَانِ الشَّجَرِ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: لَا تَكُونُ الْخَيْمَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ ثِيَابٍ، بَلْ مِنْ أَرْبَعَةِ عِيدَانِ، وَتُسَقَّفُ بِالثُّمَامِ، وَخَيَّمْت بِالْمَكَانِ، بِالتَّشْدِيدِ: أَقَمْتَ فِيهِ. (وَمُسَافِرٍ لَا يَقْصُرُ) بِأَنْ كَانَ سَفَرُهُ دُونَ الْمَسَافَةِ، أَوْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ، (فَتَلْزَمُهُمْ) ، أَيْ: الْمَذْكُورِينَ مِنْ سُكَّانِ قُرَى صَغِيرَةٍ أَوْ خِيَامٍ وَنَحْوِهَا، كَمَنْ بِبُيُوتِ الشَّعْرِ وَمُسَافِرِينَ، لَا يَقْصُرُونَ (بِغَيْرِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ كَأَهْلِ الْمِصْرِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «: الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلَفْظُهُ «إنَّمَا الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ الْجُمُعَةَ» ، وَالْعِبْرَةُ بِسَمَاعِهِ مِنْ الْمَنَارَةِ، لَا بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ نَصًّا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ اعْتِبَارُ سَمَاعِ النِّدَاءِ غَيْرَ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِيهِمْ الْأَصَمُّ وَثَقِيلُ السَّمْعِ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ، فَيَخْتَصُّ بِسَمَاعِهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، اُعْتُبِرَ بِمَظِنَّتِهِ. وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُسْمَعُ فِيهِ النِّدَاءُ غَالِبًا إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ صِيتًا وَالرِّيَاحُ سَاكِنَةٌ، وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ، وَالْعَوَارِضُ مُنْتَفِيَةٌ، وَهُوَ فَرْسَخٌ. فَلَوْ سَمِعَهُ أَهْلُ قَرْيَةٍ مِنْ فَوْقِ فَرْسَخٍ لِعُلُوِّ مَكَانِهَا، أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَبَلٍ، أَوْ كَانَ فِي انْخِفَاضٍ لَمْ تَجِبْ فِي الْأُولَى، وَوَجَبَتْ فِيمَا عَدَاهَا اعْتِبَارًا بِالْمَظِنَّةِ. (وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ أُبِيحَ لَهُ الْقَصْرُ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُسَافِرُونَ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْجُمُعَةَ فِيهِ، مَعَ اجْتِمَاعِ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ. وَكَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، لَا تَلْزَمُهُ بِغَيْرِهِ - نَصَّ عَلَيْهِ - فَلَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ مَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 لِشُغْلٍ أَوْ عِلْمٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَنْوِ اسْتِيطَانًا لَزِمَتْهُ بِغَيْرِهِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ (وَلَا) تَجِبُ أَيْضًا عَلَى (مَنْ هُوَ خَارِجُ الْبَلَدِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَقْتَ فِعْلِهَا فَوْقَ فَرْسَخٍ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا) تَجِبُ (عَلَى عَبْدٍ) ، سَوَاءٌ كَانَ مُكَاتَبًا، أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلِّقًا عِتْقَهُ بِصِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا، (وَ) لَا عَلَى (مُبَعَّضٍ مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَالْجُمُعَةُ فِي نَوْبَتِهِ، أَوْ لَا. (وَ) لَا عَلَى (امْرَأَةٍ، وَ) لَا عَلَى (خُنْثَى) مُشْكِلٍ، لِحَدِيثِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ. وَالْخُنْثَى لَمْ تَتَحَقَّقْ ذُكُورِيَّتُهُ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ حُضُورُهَا احْتِيَاطًا. (وَمَنْ حَضَرَهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ (مِنْهُمْ) ، أَيْ: مِنْ مُسَافِرٍ وَعَبْدٍ وَمُبَعَّضٍ وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى، (أَجْزَأَتْهُ) عَنْ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْجُمُعَةِ عَنْهُمْ تَخْفِيفٌ، فَإِذَا صَلَّاهَا، فَكَالْمَرِيضِ تَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ. (وَلَمْ تَنْعَقِدْ) الْجُمُعَةُ (بِهِ) ، فَلَا يُحْسَبُ مِنْ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا، وَإِنَّمَا صَحَّتْ مِنْهُ تَبَعًا. (وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا) ؛ لِئَلَّا يَصِيرَ التَّابِعُ مَتْبُوعًا. [فَائِدَةٌ مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ] ُ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِهَا إلَّا بَعْدَ إحْرَامِ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمْ فَلَا يَتَقَدَّمُهُمْ، قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ. (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا (مَنْ لَزِمَتْهُ) الْجُمُعَةُ (بِغَيْرِهِ) كَمُسَافِرٍ أَقَامَ لِطَلَبِ عِلْمٍ أَوْ تِجَارَةٍ، وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِهَا أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَتَجِبُ) الْجُمُعَةُ (عَلَى مَرِيضٍ وَمَعْذُورٍ) بِشَغْلٍ أَوْ عُذْرٍ يُبِيحُ تَرْكُهَا إذَا (حَضَرَهَا، وَتَنْعَقِدُ بِهِ) ، وَجَازَ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ عِنْدَ الْحُضُورِ لِلْمَشَقَّةِ فَإِذَا تَكَلَّفَهَا وَحَضَرَ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ كَمَرِيضٍ بِالْمَسْجِدِ. (وَلَا تَصِحُّ) صَلَاةُ (ظُهْرِ) يَوْمِ الْجُمُعَةِ (مِمَّنْ يَلْزَمُهُ حُضُورُ جُمُعَةٍ) بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ (قَبْلَ فَرَاغِهَا يَقِينًا) ، فَلَوْ شَكَّ هَلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 759 صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَرَاغِ مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ أَوْ بَعْدَهُ، لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ الْوَقْتِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ، فَيُعِيدُهَا ظُهْرًا إنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ سَعَى إلَيْهَا، وَإِلَّا انْتَظَرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ انْقِضَاءَهَا لَكِنْ لَوْ أَخَّرَ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ تَأْخِيرًا مُنْكَرًا فَلِلْغَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرًا وَتُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ. (وَتَصِحُّ) الظُّهْرُ (مِنْ نَحْوِ مَعْذُورٍ) كَخَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ قَبْلَ تَجْمِيعِ إمَامٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُهُ وَقَدْ أَدَّاهُ. (وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرَ) الظُّهْرِ، إلَى أَنْ تُصَلَّى الْجُمُعَةُ (أَفْضَلُ) ، فَإِنَّهُ قَدْ زَالَ عُذْرُهُ، فَتَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، لَكِنْ مَنْ دَامَ عُذْرَهُ كَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى فَالتَّقْدِيمُ فِي حَقِّهِمَا أَفْضَلُ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَهُ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَلَوْ زَالَ عُذْرُهُ قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ تَجْمِيعِ الْإِمَامِ كَمَغْصُوبٍ حُجَّ عَنْهُ ثُمَّ عُوفِيَ. (فَإِنْ حَضَرَهَا) ، أَيْ: حَضَرَ الْمَعْذُورُ الْجُمُعَةَ (بَعْدَ) أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ لِلْعُذْرِ (كَانَتْ) الْجُمُعَةُ (نَفْلًا) ؛ لِأَنَّ الْأُولَى أَسْقَطَتْ فَرْضَهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ) الْجُمُعَةُ، أَيْ: لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعَدَدِ، لِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَ (لَا) يَسْقُطُ فَرْضُ (صَبِيٍّ بَلَغَ) بَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ، وَلَوْ بَعْدَ تَجْمِيعِ الْإِمَامِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ صَلَاةَ ظُهْرٍ بِبُلُوغِهِ فِي وَقْتِهَا، أَوْ وَقْتِ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ نَفْلًا، وَقَدْ صَارَتْ فَرْضًا. (وَحُضُورُهَا) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 760 أَيْ: الْجُمُعَةِ (لِمَعْذُورٍ) تَسْقُطُ عَنْهُ أَفْضَلُ، (وَ) حُضُورُهَا (لِمَنْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ كَعَبْدٍ بِإِذْنِ) سَيِّدِهِ (وَصَبِيٍّ أَفْضَلُ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (وَنُدِبَ تَصَدُّقٌ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ) عَلَى التَّخْيِيرِ (لِتَارِكِهَا) أَيْ: الْجُمُعَةِ (بِلَا عُذْرٍ) لِلْخَبَرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ وَرَدَّ تَصْحِيحَ الْحَاكِمِ لَهُ. (وَلَا يُكْرَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ) الْجُمُعَةُ صَلَاةُ الظُّهْرِ جَمَاعَةً. (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يُكْرَهُ لِ (مَنْ لَمْ تَلْزَمْهُ) الْجُمُعَةُ كَالْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ (صَلَاةُ الظُّهْرِ جَمَاعَةً مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ) ، لِحَدِيثِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَفِعْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَكَذَا لَوْ تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ وَقُلْنَا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ فَلَا بَأْسَ بِالْجَمَاعَةِ، بَلْ مُقْتَضَى مَا سَبَقَ وُجُوبُهَا، لَكِنْ إنْ خَافَ فِتْنَتَهُ أَخْفَاهَا، وَصَلَّى حَيْثُ يَأْمَنُ ذَلِكَ (وَحَرُمَ سَفَرُ مَنْ تَلْزَمُهُ) الْجُمُعَةُ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ (بَعْدَ زَوَالِ) الشَّمْسِ فِي يَوْمِهَا. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) ، أَيْ: وَحَرُمَ سَفَرُهُ إذَا أُرِيدَ فِعْلُهَا (قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ الزَّوَالِ (بَعْدَ نِدَائِهَا) الثَّانِي قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ السَّفَرَ حَرَامٌ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إذَا نُودِيَ لَهَا؛ لِوُجُوبِ حُضُورِهَا عَلَيْهِ بِالنِّدَاءِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (حَتَّى يُصَلِّيَ) ، الْجُمُعَةَ؛ لِاسْتِقْرَارِهَا فِي ذِمَّتِهِ بِدُخُولِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَفْوِيتُهَا بِالسَّفَرِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ لِإِمْكَانِ فِعْلِهَا حَالَ السَّفَرِ، (إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ رُفْقَتِهِ) بِسَفَرٍ مُبَاحٍ، فَإِنْ خَافَهُ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُهَا، وَجَازَ لَهُ السَّفَرُ. (وَكُرْهِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 761 السَّفَرُ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: " لَا تَحْبِسُ الْجُمُعَةُ عَنْ سَفَرٍ " وَكَمَا لَوْ سَافَرَ مِنْ اللَّيْلِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالزَّوَالِ، وَمَا قَبْلَهُ وَقْتُ رُخْصَةٍ. وَإِنَّمَا كُرِهَ السَّفَرُ قَبْلَ الزَّوَالِ، لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ سَافَرَ مِنْ دَارِ إقَامَةٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ دَعَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا يُصْحَبَ فِي سَفَرِهِ وَأَنْ لَا يُعَانَ عَلَى حَاجَتِهِ» وَقَالَ يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ: قَلَّمَا خَرَجَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا رَأَى مَا يَكْرَهُ، وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. (مَا لَمْ يَأْتِ) مُسَافِرٌ (بِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ (فِي طَرِيقِهِ فِيهِمَا) ، أَيْ: فِيمَا إذَا سَافَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَهُ، فَإِنْ أَتَى بِهَا فِي طَرِيقِهِ لَمْ يَحْرُمْ وَلَمْ يُكْرَهْ لِأَدَاءِ فَرْضِهِ. [فَصْلٌ شُرُوطٌ صِحَّة الْجُمُعَةِ] (فَصْلٌ) (وَلِصِحَّتِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ (شُرُوطٌ) أَرْبَعَةٌ، (لَيْسَ مِنْهَا) ، أَيْ: الشُّرُوطِ: (إذْنُ إمَامٍ، وَ) لَا (مِصْرُ) ، فَتَصِحُّ فِي الْقُرَى (كَعِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ) ؛ " لِأَنَّ عَلِيًّا صَلَّى بِالنَّاسِ، وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، وَصَوَّبَهُ عُثْمَانُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ بِالشَّامِ تِسْعَ سِنِينَ، وَكَانُوا يَجْمَعُونَ (أَحَدُهَا) اأَيْ: شُرُوطُ الْجُمُعَةِ: (الْوَقْتُ) ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ، فَاعْتُبِرَ لَهَا الْوَقْتُ كَبَقِيَّةِ الْمَفْرُوضَاتِ، (وَهُوَ) ، أَيْ: وَقْتُ الْجُمُعَةِ (مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ عِيدٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ السُّلَمِيُّ قَالَ: " شَهِدْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُمَرَ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ إلَى أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 762 أَقُولَ: قَدْ انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُثْمَانَ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ: زَالَ النَّهَارُ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَابَ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَهُ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَسَعِيدٍ وَمُعَاوِيَةَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إجْمَاعًا. (لِآخِرِ وَقْتِ ظُهْرٍ) إلْحَاقًا بِهَا لِوُقُوعِهَا مَوْضِعِهَا. (وَتَلْزَمُ) الْجُمُعَةُ (بِزَوَالٍ) لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ وَقْتُ جَوَازٍ، (وَ) فِعْلُهَا (بَعْدَهُ) ، أَيْ: الزَّوَالِ (أَفْضَلُ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ؛ وَلِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهَا فِيهِ فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِ، وَالْأَوْلَى فِعْلُهَا عَقِبَ الزَّوَالِ صَيْفًا وَشِتَاءً (وَلَا تَسْقُطُ) الْجُمُعَةُ (بِشَكٍّ فِي خُرُوجِهِ) ، أَيْ: الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَالْوُجُوبُ مُحَقَّقٌ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ فَعَلُوهَا، (فَإِنْ تَحَقَّقَ) خُرُوجُهُ (قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ صَلَّوْا ظُهْرًا) ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى، (وَإِلَّا) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ خُرُوجُهُ قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ، (فَ) يُصَلُّونَ (جُمُعَةً) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَهِيَ تُدْرَكُ بِالتَّحْرِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، فَإِنْ عَلِمُوا إحْرَامَهُمْ بَعْدَ الْوَقْتِ، قَضَوْا ظُهْرًا لِبُطْلَانِ جُمُعَتِهِمْ. (الثَّانِي: اسْتِيطَانُ أَرْبَعِينَ) رَجُلًا (وَلَوْ بِالْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " أَوَّلُ مَنْ صَلَّى بِنَا الْجُمُعَةَ فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَكُنَّا أَرْبَعِينَ " صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَلَمْ يُنْقَلْ عَمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَنَّهَا صُلِّيَتْ بِدُونِ ذَلِكَ، وَالْخَضِمَاتُ: بِخَاءٍ وَضَادٍ مُعْجَمَتَيْنِ: بَطْنٌ مِنْ الْأَرْضِ يَمْكُثُ فِيهِ الْمَاءُ مُدَّةً، فَإِذَا نَضَبَ يَصِيرُ الْكَلَأَ. (بَقَرِيَّةٍ) مَبْنِيَّةٍ بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 763 آجُرٍّ أَوْ لَبِنٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهَا، مُقِيمِينَ بِهَا صَيْفًا وَشِتَاءً، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِهَا الْمِصْرُ، وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ الْخُرْسِ وَنَحْوِهَا اسْتِقْلَالًا، وَأَمَّا تَبَعًا، فَتَصِحُّ، بَلْ تَجِبُ كَمَا تَقَدَّمَ. (اسْتِيطَانُ إقَامَةٍ لَا يَظْعَنُونَ) ، أَيْ: يَرْحَلُونَ (عَنْهَا صَيْفًا وَ) لَا (شِتَاءً) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الِاسْتِيطَانُ، (فَلَا) تَجِبُ. وَلَا تَصِحُّ (جُمُعَةٌ بِبَلْدَةٍ يَسْكُنُهَا أَهْلُهَا بَعْضَ السَّنَةِ دُونَ بَعْضٍ) ، لِعَدَمِ الْإِقَامَةِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَكَذَا لَوْ دَخَلَ قَوْمٌ بَلَدًا لَا سَاكِنَ بِهِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ سَنَةً، فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدِ مَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ، وَأَهْلُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَلَا جُمُعَةَ أَيْضًا. (وَلَا) تَجِبُ الْجُمُعَةُ (بِغَيْرِ بِنَاءٍ، كَبُيُوتِ شَعْرٍ وَخِيَامٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُقْصَدْ لِلِاسْتِيطَانِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ قَبَائِلُ الْعَرَبِ حَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهَا. (وَتَصِحُّ) الْجُمُعَةُ (فِيمَا قَارَبَ الْبُنْيَانَ مِنْ الصَّحْرَاءِ) وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا الْبُنْيَانُ، لِصَلَاةِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ، وَهُوَ عَلَى مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إذَا صَلَّى بِالصَّحْرَاءِ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ. وَ (لَا) تَصِحُّ الْجُمُعَةُ (فِيمَا بَعُدَ) عَنْ الْبُنْيَانِ، (وَيَتَّجِهُ: عُرْفًا) ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " لِشَبَهِهِمْ حِينَئِذٍ بِالْمُسَافِرِينَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 764 (وَلَا يُتَمَّمُ عَدَدُ) الْجُمُعَةِ (مِنْ بَلَدَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ أَرْبَعِينَ، لِفَقْدِ شَرْطِهَا. (وَلَا يَصِحُّ تَجَمُّعُ أَهْلِ بَلَدٍ كَامِلٍ) فِيهِ الْعَدَدُ (فِي) بَلَدٍ (نَاقِصٍ) فِيهِ الْعَدَدُ، فَيَلْزَمُ التَّجْمِيعُ فِي الْكَامِلِ، لِئَلَّا يَصِيرَ التَّابِعُ مَتْبُوعًا، (وَالْأَوْلَى مَعَ تَتِمَّةِ الْعَدَدِ) فِي بَلَدَيْنِ فَأَكْثَرَ مُتَقَارِبَةً (تَجْمِيعُ كُلِّ قَوْمٍ وَحْدَهُمْ) فِي بَلَدِهِمْ، إظْهَارًا لِشِعَارِ الْإِسْلَامِ. (الثَّالِثُ حُضُورُهُ) ، أَيْ: الْأَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا، الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ (وَلَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ عَجَمًا، أَوْ خُرْسًا أَوْ صُمًّا سِوَى الْإِمَامِ) وَأَمَّا لَوْ كَانُوا كَذَلِكَ مَعَ الْإِمَامِ، فَلَا تَصِحُّ، لِفَوَاتِ الْخُطْبَةِ صُورَةً وَمَعْنًى، فَيُصَلُّونَ ظُهْرًا (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) كَانَ (بِهِ) ، أَيْ: الْإِمَامِ صَمَمٌ، وَصَلَّى (فِي) جَمَاعَةٍ (صُمٍّ) كُلِّهِمْ، أَيْ: فَتَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ، إذْ لَوْلَا الصَّمَمُ لَمَا فَاتَهُمْ مِنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ شَيْءٌ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ ضَعِيفٌ، لِمُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ، وَمُنَاقَضَتِهِ لِمَا بَعْدَهُ. (وَإِنْ قَرُبَ أَصَمُّ) مِنْ الْخَطِيبِ (وَبَعُدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 765 سَمِيعٌ) مِنْهُ، (وَلَمْ يَسْمَعْ) كَلَامَهُ وَلَا هَمْهَمَتَهُ، (لَمْ تَصِحَّ) ، لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ. (وَإِنْ نَقَصُوا) ، أَيْ: الْأَرْبَعُونَ (قَبْلَ إتْمَامِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ، (اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا) نَصَّا؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ، فَاعْتُبِرَ فِي جَمِيعِهَا كَالطَّهَارَةِ، وَالْمَسْبُوقُ وَإِنَّمَا صَحَّتْ مِنْهُ تَبَعًا كَصِحَّتِهَا مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ، (إنْ لَمْ تُمْكِنْ إعَادَتُهَا) جُمُعَةً بِشُرُوطِهَا، فَإِنْ أَمْكَنَتْ، وَجَبَتْ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ (وَمَرَّ) فِي بَابِ النِّيَّةِ: (لَوْ فَارَقَ) الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ (لِعُذْرٍ بِثَانِيَةِ) جُمُعَةٍ، (فَنَقَصُوا) عَنْ الْأَرْبَعِينَ، لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُفَارِقِ. (وَذَكَرَهُ) هُنَاكَ اتِّجَاهًا، وَبَيَّنَّا مَا فِيهِ. (وَإِنْ بَقِيَ الْعَدَدُ) ، أَيْ: الْأَرْبَعُونَ، وَبَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ حَضَرَ عَشَرَةٌ، فَأَحْرَمَ بِالْجَمِيعِ، ثُمَّ انْفَضَّ عَشَرَةٌ مِمَّنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ) كَانَ الْبَاقُونَ (مِمَّنْ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ وَلَحِقُوا بِهِمْ) ، أَيْ: بِمَنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ (قَبْلَ نَقْصِهِمْ) عَنْ الْأَرْبَعِينَ. (وَيَتَّجِهُ) : وَكَانَ لَحْقُهُمْ بِهِمْ (فِيمَا تُدْرَكُ بِهِ) الْجُمُعَةُ، بِأَنْ كَانَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ - وَهُوَ مُتَّجِهٌ - (أَتَمُّوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 766 جُمُعَةً) ، لِوُجُودِ الشُّرُوطِ كَبَقَاءِ الْعَدَدِ مِنْ السَّامِعِينَ، وَإِنْ لَحِقُوا بَعْدَ النَّقْصِ، فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِئْنَافُ الْجُمُعَةِ، وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا. (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ وَحْدَهُ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِينَ اعْتِبَارَ (الْعَدَدِ، فَنَقَصَ) الْعَدَدُ، (لَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّهُمْ) ، لِاعْتِقَادِهِ الْبُطْلَانَ، (وَلَزِمَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ أَحَدَهُمْ) لِيُصَلِّيَ بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ لَا يَتِمُّ إلَّا بِذَلِكَ. (وَبِالْعَكْسِ) ، بِأَنْ رَأَى الْمَأْمُومُونَ الْعَدَدَ وَحْدَهُمْ (لَا تَلْزَمُ) الْجُمُعَةُ (وَاحِدًا مِنْهُمَا) ، أَيْ: لَا مِنْ الْإِمَامِ وَلَا مِنْ الْمَأْمُومِينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهَا. (وَلَوْ أَمَرَهُ) ، أَيْ: إمَامَ الْجُمُعَةِ (السُّلْطَانُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا بِأَرْبَعِينَ، لَمْ يَجُزْ) لَهُ مِنْ حَيْثُ الْوِلَايَةُ أَنْ يُصَلِّيَ (بِأَقَلَّ) مِنْ أَرْبَعِينَ. (وَلَوْ لَمْ يَرَ الْعَدَدَ) ، بِأَنْ اعْتَقَدَ صِحَّتَهَا بِدُونِهَا (وَلَا) يَمْلِكُ (أَنْ يَسْتَخْلِفَ) لِقِصَرِ وِلَايَتِهِ، بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ الزَّائِدِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ. (وَبِالْعَكْسِ) ، بِأَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ بِأَرْبَعِينَ (الْوِلَايَةُ بَاطِلَةٌ) ، لِتَعَذُّرِهَا مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ. (وَلَوْ لَمْ يَرَهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةَ، أَيْ: وُجُوبَهَا (قَوْمٌ بِوَطَنٍ مَسْكُونٍ) لِنَقْصِهِمْ عَنْ الْأَرْبَعِينَ مَثَلًا، (فَلِلْمُحْتَسِبِ أَمْرُهُمْ بِهَا بِرَأْيِهِ) ، لِئَلَّا يَظُنَّ الصَّغِيرُ أَنَّهَا تَسْقُطُ مَعَ زِيَادَةِ الْعَدَدِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ أَحْمَدُ: يُصَلِّيهَا مَعَ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، مَعَ اعْتِبَارِهِ عَدَالَةَ الْإِمَامِ. (وَمَنْ فِي وَقْتِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ (أَحْرَمَ) بِهَا (وَأَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا أَتَمَّ جُمُعَةً) . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. (وَ) إنْ أَحْرَمَ (بَعْدَهُ) ، أَيْ: بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ، (وَلَوْ) أَدْرَكَ (رَكْعَتَيْنِ) ، فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا (أَوْ) أَحْرَمَ (فِيهِ) ، أَيْ: الْوَقْتِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 فَأَدْرَكَ (أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ فَ) يُتِمُّهَا (ظُهْرًا) لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى. (إنْ نَوَاهُ) عِنْدَ إحْرَامِهِ (بِوَقْتِهِ) ، أَيْ: الظُّهْرِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الظُّهْرِ، أَوْ دَخَلَ وَلَمْ يَنْوِهِ بِأَنْ نَوَى جُمُعَةً، (فَ) يُتِمُّ صَلَاتَهُ (نَفْلًا) ، أَمَّا فِي الْأُولَى، فَكَمَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ، فَبَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ، فَلِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ؛ وَلِأَنَّ الظُّهْرَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ ابْتِدَاءً، فَكَذَا اسْتِدَامَةٌ، وَكَالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ. (وَمَنْ) أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ بِالْجُمُعَةِ وَ (رَكَعَ مَعَهُ، ثُمَّ زُحِمَ عَنْ سُجُودٍ) بِأَرْضٍ، (لَزِمَهُ) السُّجُودُ مَعَ إمَامِهِ وَلَوْ (عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ) ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ " إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ، فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَسَعِيدٌ، وَكَالْمَرِيضِ يَأْتِي بِمَا يُمْكِنُهُ، وَلَا يَصِحُّ. وَ (لَا) يَجُوزُ (وَضْعُ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ عَلَى ظَهْرِ أَوْ رِجْلِ غَيْرِهِ، وَيَحْرُمُ) لِلْإِيذَاءِ، بِخِلَافِ الْجَبْهَةِ. (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) السُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ، (فَبِزَوَالِ زِحَامٍ) يَسْجُدُ بِالْأَرْضِ وَيَتْبَعُ إمَامَهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ فِي صَلَاةِ عُسْفَانَ لِلْعُذْرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا» ، وَالْمُفَارَقَةُ وَقَعَتْ صُورَةً لَا حُكْمًا، فَلَمْ تُؤَثِّرْ. (مَا لَمْ يَخَفْ) بِسُجُودِهِ بِالْأَرْضِ بَعْدَ زَوَالِ الزِّحَامِ (فَوْتَ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ) مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ خَافَهُ، (فَ) إنَّهُ (يُتَابِعُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامَ (فِيهَا) ، أَيْ: فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (وُجُوبًا) كَالْمَسْبُوقِ، (وَتَصِيرُ) ثَانِيَةُ الْإِمَامِ (أُولَاهُ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِ فَيَبْنِي عَلَيْهَا (وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً، وَتَقَدَّمَ لَوْ زَالَ عُذْرُهُ وَقَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، تَابَعَهُ، وَتَتِمُّ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ. (فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ) الْمَأْمُومُ الْمَزْحُومُ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ خَوْفِ فَوْتِهَا (عَالِمًا تَحْرِيمَهُ، بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ، لِتَرْكِهِ وَاجِبَ الْمُتَابَعَةِ بِلَا عُذْرٍ. (وَ) إنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 كَانَ عَدَمُ مُتَابَعَتِهِ (جَهْلًا) مِنْهُ (فَسَجَدَ) سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، (وَأَدْرَكَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامَ (بِتَشَهُّدٍ، أَتَى بِرَكْعَةٍ) ثَانِيَةٍ (بَعْدَ سَلَامِهِ) ، أَيْ: الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِسُجُودٍ مُعْتَدٍّ بِهِ لِلْعُذْرِ، (وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَهُوَ رَكْعَةٌ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَهَذَا الْمَذْهَبُ، أَيْ: لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ إلَّا بَعْدَ رَكْعَةٍ، وَسُجُودُهُ لِنَفْسِهِ فِي حُكْمِ مَا أَتَى بِهِ مَعَ إمَامِهِ، لِبَقَائِهِ عَلَى نِيَّةِ الِائْتِمَامِ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ فِي الْخَوْفِ (وَ) إنْ لَمْ يُدْرِكْ بَعْدَ أَنْ سَجَدَ لِنَفْسِهِ إلَّا بَعْدَ (سَلَامِ) الْإِمَام، (اسْتَأْنَفَ ظُهْرًا) سَوَاءٌ زُحِمَ عَنْ سُجُودِهَا أَوْ رُكُوعِهَا أَوْ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ. (وَكَذَا) ، أَيْ: كَالتَّخَلُّفِ عَنْ الْإِمَامِ لِزِحَامٍ (لَوْ تَخَلَّفَ) عَنْهُ (لِنَحْوِ مَرَضٍ) كَغَفْلَةٍ (وَنَوْمٍ وَسَهْوٍ) وَجَهِلَ وُجُوبَ مُتَابَعَةٍ. وَإِنْ زُحِمَ عَنْ جُلُوسِ تَشَهُّدٍ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَأْتِي بِهِ قَائِمًا وَيُجْزِئُهُ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْأَوْلَى انْتِظَارُهُ زَوَالَ الزِّحَامِ، قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ "، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ". (وَإِنْ خَافَ) مَزْحُومٌ (فَوْتَهُ) ، أَيْ: فَوْتَ إدْرَاكِ الثَّانِيَةِ إنْ سَجَدَ لِنَفْسِهِ (فَتَابَعَهَا) ، أَيْ: تَابَعَ إمَامَهُ فِيهَا، (فَطُولُ) الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ سَجَدَ لِنَفْسِهِ لَلَحِقَهُ، (أَوْ لَمْ يَخَفْ) مَزْحُومٌ فَوْتَ الثَّانِيَةِ. (فَسَجَدَ) لِنَفْسِهِ، فَبَادَرَ الْإِمَامُ فِي الْحَالِ، (فَرَكَعَ إمَامٌ) فَلَمْ يُدْرِكْهُ، (لَمْ يَضُرَّ فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ ظَنَّا مِنْهُ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ فَلَمْ يُدْرِكْهُ، وَالظَّنُّ يَجْرِي مَجْرَى الْيَقِينِ فِيمَا يَتَعَذَّرُ فِيهِ. (وَمَرَّ ذِكْرُ الرَّكْعَةِ الْمُلَفَّقَةِ) فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهِيَ مَا إذَا زَالَ عُذْرُ مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْأُولَى وَقَدْ رَفَعَ إمَامَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ، فَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رَكْعَتَيْ إمَامِهِ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 (الرَّابِعُ: تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] : وَالذِّكْرُ: هُوَ الْخُطْبَةُ، وَالْأَمْرُ بِالسَّعْيِ إلَيْهِ دَلِيلُ وُجُوبِهِ. وَلِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَعَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ: " قَصُرَتْ الصَّلَاةُ مِنْ أَجْلِ الْخُطْبَةِ " وَاشْتُرِطَ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى الصَّلَاةِ، لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ، وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ. أَوْ لِاشْتِغَالِ النَّاسِ بِمَعَايِشِهِمْ، فَقُدِّمَا لِأَجْلِ التَّدَارُكِ. (بَدَلُ رَكْعَتَيْنِ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، وَ (لَا) يُقَالُ: إنَّهُمَا بَدَلُ رَكْعَتَيْنِ (مِنْ الظُّهْرِ) ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْ الظُّهْرِ، بَلْ الظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا إذَا فَاتَتْ، (وَقِيلَ لَا بَدَلِيَّةَ) ، أَيْ: لَيْسَتْ الْخُطْبَتَانِ بَدَلَ رَكْعَتَيْنِ، (وَهُوَ أَظْهَرُ) . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ": وَهَاتَانِ الْخُطْبَتَانِ بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، قُلْتُ: هَذَا إنْ قُلْنَا: إنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا تَامَّةٌ فَلَا، انْتَهَى. (وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِمَا) ، أَيْ: خُطْبَتَيْنِ (مِنْ صَحِيفَةٍ) ، وَلَوْ مِمَّنْ يُحْسِنُهُمَا، كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مِنْ مُصْحَفٍ، وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. (وَشَرْطُهُمَا) ، أَيْ: الْخُطْبَتَيْنِ: (وَقْتٌ) ، وَالْمُرَادُ بِالشَّرْطِ هُنَا: مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ، أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا أَوْ خَارِجًا. (وَنِيَّتُهُ) : لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَوُقُوعُهَا حَضَرًا) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيطَانَ شَرْطٌ لِلْخُطْبَتَيْنِ، فَلَوْ كَانَ أَرْبَعُونَ مُسَافِرِينَ فِي سَفِينَةٍ، فَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ قَرْيَتِهِمْ خَطَبَهُمْ أَحَدُهُمْ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ، وَوَصَلُوا الْقَرْيَةَ عِنْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ، اسْتَأْنَفَهَا بِهِمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 770 ظُهْرًا. (وَحُضُورُ الْعَدَدِ) الْمُعْتَبَرِ لِلْجُمُعَةِ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ فَأَكْثَرُ لِسَمَاعِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ اُشْتُرِطَ لِلصَّلَاةِ، فَاشْتُرِطَ لَهُ الْعَدَدُ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (وَكَوْنُهُمَا) ، أَيْ: الْخُطْبَتَيْنِ (مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ فِيهِمَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ: فَلَا تَصِحُّ خُطْبَةُ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَعَبْدٍ وَمُسَافِرٍ، وَلَوْ أَقَامَ لِعِلْمٍ أَوْ شُغْلٍ بِلَا اسْتِيطَانٍ. لِمَا تَقَدَّمَ. (وَأَرْكَانُهُمَا) ، أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ: (حَمْدُ اللَّهِ) تَعَالَى (بِلَفْظِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، فَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ، بِلَا خِلَافٍ، قَالَهُ فِي " النُّكَتِ " لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ: فَهُوَ أَجْذَمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مُرْسَلًا. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَشَهَّدَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ رَسُولِهِ، كَالْأَذَانِ قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الصَّلَاةِ، أَوْ يَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَأَوْجَبَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ إيمَانٌ بِهِ، وَالصَّلَاةُ دُعَاءٌ لَهُ، وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ. (وَلَا يَجِبُ مَعَهَا) أَيْ: مَعَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (سَلَامٌ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ. (وَقِرَاءَةُ آيَةٍ كَامِلَةٍ) . لِقَوْلِ جَابِرٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ آيَاتٍ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُمَا أُقِيمَا مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ. وَالْخُطْبَةُ فَرْضٌ. فَوَجَبَتْ فِيهِمَا الْقِرَاءَةُ كَالصَّلَاةِ. وَلَا تَتَعَيَّنُ آيَةٌ. قَالَ أَحْمَدُ: يَقْرَأُ مَا شَاءَ وَلَا يُجْزِئُ بَعْضُ آيَةٍ. لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا دُونَهَا حُكْمٌ بِدَلِيلِ عَدَمِ مَنْعِ الْجُنُبِ مِنْهُ، (وَلَوْ) كَانَ وَقْتَ قِرَاءَتِهَا (جُنُبًا، وَيَحْرُمُ) عَلَيْهِ ذَلِكَ. (وَلَا بَأْسَ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهَا) ، أَيْ: الْآيَةِ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ فِي الْخُطْبَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 771 (وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ) كَأَسْعَدَ أَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِ (كَوْنَ الْآيَةِ مُسْتَقِلَّةً بِمَعْنًى أَوْ حُكْمٍ، فَلَا يُجْزِئُ) قِرَاءَةُ: {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] ، أَوْ: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِمَا. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا تَحْرُمُ) قِرَاءَتُهُمَا (لِجُنُبٍ) كَآيَةِ الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ وَالِاسْتِرْجَاعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ) تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْخُطْبَةِ (بِنَحْوِ: اتَّقُوا اللَّهَ، أَوْ: أَطِيعُوهُ) قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": فَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": لَوْ قَرَأَ مَا تَضَمَّنَ الْحَمْدَ وَالْمَوْعِظَةَ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَى عَلَى الصَّحِيحِ. (كُلُّ ذَلِكَ) مِنْ الشُّرُوطِ مَطْلُوبٌ (فِي كُلِّ خُطْبَةٍ) مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ. (وَمُوَالَاةُ جَمِيعِ الْخُطْبَتَيْنِ مَعَ الصَّلَاةِ) ، فَتُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْخُطْبَتَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافُهُ، وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . (وَالْجَهْرُ بِهِمَا) ، أَيْ: الْخُطْبَتَيْنِ (بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ) لِلْجُمُعَةِ، (حَيْثُ لَا مَانِعَ) لَهُمْ مِنْ سَمَاعِهِ (مِنْ نَحْوِ نَوْمٍ) كَغَفْلَةٍ. أَوْ صَمَمِ بَعْضِهِمْ (وَمَطَرٍ) وَرَعْدٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا، لِخَفْضِ صَوْتِهِ أَوْ بُعْدِهِمْ عَنْهُ وَنَحْوِهِ، لَمْ تَصِحَّ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ. (وَكَوْنُهُمَا) ، أَيْ: الْخُطْبَتَيْنِ (بِالْعَرَبِيَّةِ) مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا كَالْقِرَاءَةِ (وَاخْتَارَ فِي الْإِقْنَاعِ ": يُتَرْجِمُ عَاجِزٌ عَنْهَا) ، أَيْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 الْعَرَبِيَّةِ بِلُغَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الْوَعْظُ وَالتَّذْكِيرُ، وَحَمْدُ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ لَفْظِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ دَلِيلُ النُّبُوَّةِ وَعَلَامَةُ الرِّسَالَةِ، وَلَا يَحْصُلُ بِالْعَجَمِيَّةِ. (عَمَّا عَدَا الْقِرَاءَةِ) ، فَلَا تُجْزِئُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَهُوَ) ، أَيْ: اخْتِيَارُ صَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " (حَسَنٌ) مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ، (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا) ، أَيْ: عَنْ الْقِرَاءَةِ، (وَجَبَ ذِكْرُ بَدَلِهَا) قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ. (وَسُنَّ بُدَاءَةُ) خَطِيبٍ (بِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ بِالثَّنَاءِ) عَلَيْهِ (وَهُوَ) ، أَيْ: الثَّنَاءُ (مُسْتَحَبٌّ) عَلَى الْمَذْهَبِ، (ثُمَّ بِالصَّلَاةِ) عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ثُمَّ بِالْمَوْعِظَةِ) ثُمَّ يَقْرَأُ آيَةً. (فَإِنْ نَكَّسَ) بِأَنْ بَدَأَ بِالْمَوْعِظَةِ أَوْ غَيْرِهَا، (أَجْزَأَهُ) ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ انْفَضُّوا) ، أَيْ: الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ أَوْ بَعْضُهُمْ (عَنْهُ) وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، (سَكَتَ) ، لِفَوَاتِ الشَّرْطِ. (فَإِنْ عَادُوا قَرِيبًا عُرْفًا، بَنَى) عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعُودُوا قَرِيبًا (أَوْ فَاتَ رُكْنٌ مِنْهَا) ، أَيْ: مِنْ الْخُطْبَةِ (اسْتَأْنَفَ) الْخُطْبَةَ، لِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ لَكِنْ لَوْ فَاتَ رُكْنٌ، وَلَمْ يَطُلْ التَّفْرِيقُ، كَفَاهُ إعَادَتُهُ. (وَتَبْطُلُ) الْخُطْبَةُ (بِكَلَامٍ مُحَرَّمٍ) فِي أَثْنَائِهَا (وَلَوْ يَسِيرًا) كَالْأَذَانِ وَأَوْلَى. (وَسُنَّ لَهُمَا) ، أَيْ: الْخُطْبَتَيْنِ (طَهَارَةٌ مِنْ حَدَثٍ وَجَنَابَةٍ) ، وَتُجْزِئُ مَعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ذِكْرٌ تَقَدَّمَ الصَّلَاةَ، أَشْبَهَ الْأَذَانَ وَنَصُّهُ: تُجْزِئُ خُطْبَةُ الْجُنُبِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ لُبْثِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِوَاجِبِ الْعِبَادَةِ، كَمَنْ صَلَّى وَمَعَهُ دِرْهَمٌ غَصْبٌ. (وَ) سُنَّ لَهُمَا (سَتْرُ) الـ (عَوْرَةِ وَاجْتِنَابُ) الـ (نَّجَاسَةِ) كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَأَوْلَى. (وَ) سُنَّ (وُقُوعُهُمَا مَعَ صَلَاةٍ مِنْ وَاحِدٍ) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 فَلَوْ خَطَبَ وَاحِدٌ وَصَلَّى آخَرُ: أَجْزَأَ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ، لِانْفِصَالِ الصَّلَاةِ عَنْهَا، (فَإِنْ صَلَّى غَيْرُهُ) ، أَيْ: غَيْرُ الْخَطِيبِ، (سُنَّ حُضُورُهُ الْخُطْبَةَ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ. (وَسُنَّ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ) ، لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنْ مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلُ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهَا إذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي الصَّحِيحِ " أَنَّهُ عُمِلَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ، فَكَانَ يَرْتَقِي عَلَيْهِ " وَكَانَ اتِّخَاذُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ: سَنَةُ ثَمَانٍ، وَكَانَ ثَلَاثَ دَرَجٍ. وَسُمِّيَ مِنْبَرًا لِارْتِفَاعِهِ، مِنْ النَّبْرِ، وَهُوَ: الِارْتِفَاعُ، وَاِتِّخَاذُهُ سُنَّةً مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، قَالَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ": وَيَكُونُ صُعُودُهُ فِيهِ عَلَى تُؤَدَةٍ إلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي السَّطْحَ، (أَوْ) عَلَى (مَوْضِعٍ عَالٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرًا. وَيَكُونُ الْمِنْبَرُ أَوْ الْمَوْضِعُ الْعَالِي (عَنْ يَمِينِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ) بِالْمِحْرَابِ؛ لِأَنَّ مِنْبَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا كَانَ، وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي تَلِي مَكَانَ الِاسْتِرَاحَةِ، ثُمَّ وَقَفَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الثَّانِيَةِ، ثُمَّ عُمَرُ عَلَى الْأُولَى تَأَدُّبًا، ثُمَّ وَقَفَ عُثْمَانُ مَكَانَ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عَلِيٌّ مَوْقِفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ زَمَنُ مُعَاوِيَةَ قَلَعَهُ مَرْوَانُ وَزَادَ فِيهِ سِتَّ دَرَجٍ، فَكَانَ الْخُلَفَاءُ يَرْتَقُونَ سِتًّا يَقِفُونَ مَكَانَ عُمَرَ، أَيْ: عَلَى السَّابِعَةِ، وَلَا يَتَجَاوَزُونَ ذَلِكَ تَأَدُّبًا. (وَإِنْ وَقَفَ بِالْأَرْضِ فَ) يَقِفُ (عَنْ يَسَارِهِمْ) ، أَيْ: مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، بِخِلَافِ الْمِنْبَرِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي. (وَ) سُنَّ (سَلَامُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ (إذَا خَرَجَ) عَلَيْهِمْ، (أَوْ) ، أَيْ: وَكَذَا إذَا (أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ) ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 سَلَّمَ» وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: لِأَنَّهُ اسْتِقْبَالٌ بَعْدَ اسْتِدْبَارٍ، أَشْبَهَ مَنْ فَارَقَ قَوْمًا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ، وَعَكْسُهُ الْمُؤَذِّنُ، قَالَهُ الْمَجْدُ. (وَرَدُّهُ) ، أَيْ: رَدُّ هَذَا السَّلَامِ وَكُلُّ سَلَامٍ مَشْرُوعٌ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) عَلَى الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ. (وَ) سُنَّ (جُلُوسُهُ) عَلَى الْمِنْبَرِ (حَتَّى يُؤَذَّنَ) ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ مُخْتَصِرًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَرِيحُ بِذَلِكَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْكَلَامِ التَّمَكُّنَ التَّامَّ. (وَ) سُنَّ جُلُوسُهُ (بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ جَلْسَةً خَفِيفَةً جِدًّا، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (قَالَ جَمَاعَةٌ) ، مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ ": (بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، فَإِنْ أَبَى) أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا، (أَوْ خَطَبَ جَالِسًا) لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَصَلَ بِسَكْتَةٍ) . وَلَا يَجِبُ الْجُلُوسُ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ سَرَدُوا الْخُطْبَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَلْسَةِ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ. (وَ) سُنَّ (أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا) اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الِاسْتِقْبَالُ، فَلَمْ يَجِبْ الْقِيَامُ كَالْأَذَانِ (مُعْتَمِدًا عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصًى بِإِحْدَى يَدَيْهِ) . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ بِالْيُسْرَى (وَ) يَدِهِ (الْأُخْرَى بِحَرْفِ مِنْبَرٍ، أَوْ يُرْسِلُهُمَا) ، لِمَا رَوَى الْحَكَمُ بْنُ حَزْنٍ قَالَ: «وَفَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَهِدْنَا مَعَهُ الْجُمُعَةَ، فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى سَيْفٍ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 775 قَوْسٍ أَوْ عَصًى» مُخْتَصَرٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ لَهُ، وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى شَيْءٍ، أَمْسَكَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا) عِنْدَ جَنْبَيْهِ وَسَكَّنَهُمَا، فَلَا يُحَرِّكُهُمَا، وَلَا يَرْفَعُهُمَا فِي دُعَائِهِ حَالَ الْخُطْبَةِ (وَسُنَّ أَنْ يَقْصِدَ) الْخَطِيبُ (تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا) ، لَفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّ فِي الْتِفَاتِهِ عَنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ إعْرَاضًا عَنْهُ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا الْتَفَتَ أَوْ اسْتَدْبَرَ النَّاسَ أَنَّهُ يُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، صَرَّحُوا بِهِ فِي الِاسْتِدْبَارِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. (وَ) سُنَّ (قَصْرُهُمَا) ، أَيْ: الْخُطْبَتَيْنِ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَمَّارٍ مَرْفُوعًا «إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَقَصِّرُوا الْخُطْبَةَ» . (وَ) سُنَّ كَوْنُ خُطْبَةٍ (ثَانِيَةٍ أَقْصَرَ) مِنْ الْأُولَى كَالْإِقَامَةِ مَعَ الْأَذَانِ. (وَ) سُنَّ (رَفْعُ صَوْتِهِ) فِي الْخُطْبَةِ (حَسَبَ طَاقَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ (وَيُعَرِّبُهُمَا بِلَا تَمْطِيطٍ) كَالْأَذَانِ. (وَيُتَّعَظُ بِمَا يَعِظُ النَّاسَ بِهِ) ، لِيَحْصُلَ الِانْتِفَاعُ بِوَعْظِهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «عُرِضَ عَلَيَّ قَوْمٌ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقِيلَ لِي: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ» . (وَ) سُنَّ كَوْنُهُ حَالَ الْخُطْبَةِ (مُسْتَقْبِلًا لَهُمْ) ، أَيْ: الْمَأْمُومِينَ (وَيَسْتَقْبِلُونَهُ) وَيَنْحَرِفُونَ إلَيْهِ وَيَتَرَبَّعُونَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ كَالْإِجْمَاعِ، (فَإِنْ اسْتَدْبَرَهُمْ فِيهَا) ، أَيْ: فِي حَالِ الْخُطْبَةِ، (كُرِهَ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ وَمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ. (كَ) مَا يُكْرَهُ لَهُ (رَفْعُ يَدَيْهِ بِدُعَاءٍ حَالَ خُطْبَةٍ) ، قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ بِدْعَةٌ، وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. (وَدُعَاؤُهُ عَقِبَ صُعُودِهِ لَا أَصْلَ لَهُ) وَكَذَا مَا يَقُولُهُ مَنْ يَقِفَ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ مِنْ ذِكْرِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 776 (وَسُنَّ دُعَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا بَأْسَ) بِالدُّعَاءِ (لِمُعَيَّنٍ كَالسُّلْطَانِ، وَسُنَّ دُعَاءٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ) . قَالَ أَحْمَدُ، أَوْ غَيْرُهُ: لَوْ كَانَ لَنَا دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ لَدَعَوْنَا بِهَا لِإِمَامٍ عَادِلٍ؛ وَلِأَنَّ فِي صَلَاحِهِ صَلَاحَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلِأَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَدْعُو فِي خُطْبَتِهِ لِعُمَرَ. وَرَوَى الْبَزَّارُ: " أَرْفَعُ النَّاسِ دَرَجَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ إمَامٌ عَادِلٌ " قَالَ أَحْمَدُ: إنِّي لَأَدْعُو لَهُ بِالتَّسْدِيدِ وَالتَّوْفِيقِ. (وَإِذَا فَرَغَتْ الْخُطْبَةُ نَزَلَ مُسْرِعًا) مِنْ غَيْرِ عَجَلَةٍ تَقْبُحُ، بِخِلَافِ صُعُودِهِ، فَيَكُونُ عَلَى تُؤَدَةٍ (عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) كَمَا يَقُومُ إلَيْهَا مَنْ لَيْسَ بِخَطِيبٍ إذَنْ. [فَصْلٌ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ] (فَصْلٌ) (وَالْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ) إجْمَاعًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. قَالَ عُمَرُ: " صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ، {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61] رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. (يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ) فِيهِمَا جَهْرًا، لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ إلَّا الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ» فَيَقْرَأُ: سُورَةَ (" الْجُمُعَةِ " بِ) رَكْعَةٍ (أُولَى) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، (وَ) سُورَةَ: (" الْمُنَافِقِينَ " بِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) " لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (أَوْ) " يَقْرَأُ: (" سَبِّحْ ") فِي الْأُولَى، (ثُمَّ: " الْغَاشِيَةَ ") فِي الثَّانِيَةِ "؛ (فَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِهِمَا) ، أَيْ: بِالصِّفَتَيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ (وَ) يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ (فِي فَجْرِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ بِرَكْعَةٍ أُولَى: (" الم السَّجْدَةَ "، وَبِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ: " هَلْ أَتَى ") نَصَّ عَلَيْهِ " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَاسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِتَضَمُّنِهِمَا ابْتِدَاءَ خَلْقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَخَلْقِ الْإِنْسَانِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ. فَإِنْ سَهَا عَنْ السَّجْدَةِ، فَنَصَّ أَحْمَدُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. قَالَ الْقَاضِي: كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا، لَا يَلْزَمُ بَقِيَّةُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَثَّ وَالتَّرْغِيبَ وُجِدَ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ أَكْثَرَ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهُمَا) نَصًّا لِئَلَّا يُظَنّ أَنَّهَا مُفَضَّلَةٌ بِسَجْدَةٍ أَوْ الْوُجُوبُ (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا) تُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ (كُلِّ سُنَّةٍ) غَيْرِ رَاتِبَةٍ (خِيفَ اعْتِقَادُ وُجُوبِهَا) خُصُوصًا إذَا كَانَ مُدَاوِمُ ذَلِكَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ (أَوْ) تَرْكُ مُدَاوَمَةِ سُنَّةٍ خِيفَ (إنْكَارُهَا، كَجَهْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) فَإِنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهَا أَحْيَانَا لِئَلَّا يَظُنَّ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وُجُوبَ الْإِخْفَاتِ بِهَا. (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ (يَجْهَرُ) الْمُصَلِّي (بِالْبَسْمَلَةِ) أَحْيَانَا تَأَلُّفًا لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. (وَ) يَجْهَرُ (بِالتَّعَوُّذِ وَالْفَاتِحَةِ فِي) صَلَاةِ (الْجِنَازَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَالْقُنُوتِ فِي الْوَتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ (أَحْيَانًا) ، فَلَا يُدَاوِمُ عَلَيْهِ (فَإِنَّهُ) ، أَيْ: فِعْلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا (الْمَنْصُوصُ عَنْ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ) ، وَيَكُونُ قَصْدُهُ بِذَلِكَ (تَعْلِيمًا لِلسُّنَّةِ وَلِلتَّأْلِيفِ) وَاسْتِعْطَافِ الْقُلُوبِ وَعَدَمِ النَّفْرَةِ، فَإِنَّ الْمُخَالِفَ فِي فَرْعٍ إذَا رَأَى شَخْصًا مُثَابِرًا عَلَى فِعْلٍ لَا يَرَاهُ، رُبَّمَا يَصِيرُ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْمُو ذَلِكَ الشَّيْءُ وَيُزَادُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى النَّفْرَةِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي النَّفْسِ، فَيَنْشَأُ مِنْهَا مَا لَا خَيْرَ فِيهِ. وَهُوَ اتِّجَاهٌ وَجِيهٌ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَيُكْرَهُ تَحَرِّيهِ سَجْدَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 غَيْرَهَا) ، أَيْ: غَيْرَ الم السَّجْدَةِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَعَمُّدَ قِرَاءَةِ سُورَةٍ غَيْرِ الم تَنْزِيلُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ، قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَ) تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ (فِي عِشَاءِ لَيْلَتِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ (بِسُورَةِ: الْجُمُعَةِ وَ) زَادَ (فِي الرِّعَايَةِ " وَ: " الْمُنَافِقِينَ ") ، لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ. (وَحَرُمَ إقَامَتُهَا) ، أَيْ: صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، (وَ) إقَامَةِ صَلَاةِ (عِيدٍ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ) وَاحِدٍ (مِنْ الْبَلَدِ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا يُفْعَلَانِ فِي عَهْدِهِ وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ إلَّا كَذَلِكَ، وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (إلَّا لِحَاجَةٍ كَضِيقِ) مَسْجِدِ الْبَلَدِ عَنْ أَهْلِهِ، (وَ) كَ (بُعْدٍ) بِأَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ وَاسِعًا وَتَتَبَاعَدُ أَقْطَارُهُ، فَيَشُقُّ عَلَى مَنْ مَنْزِلُهُ بَعِيدٌ عَنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ الْمَجِيءُ إلَيْهِ (وَخَوْفِ فِتْنَةٍ) ، بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَهْلِ الْبَلَدِ عَدَاوَةٌ. فَتُخْشَى إثَارَةُ الْفِتْنَةِ بِاجْتِمَاعِهِمْ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، فَتَصِحُّ حِينَئِذٍ السَّابِقَةُ وَاللَّاحِقَةُ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ بِالْأَمْصَارِ الْعَظِيمَةِ فِي أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا. وَأَمَّا كَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُمْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ؛ فَلِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُؤْثِرُونَ سَمَاعَ خُطْبَتِهِ وَشُهُودَ جُمُعَتِهِ. وَإِنْ بَعُدَتْ مَنَازِلُهُمْ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغُ عَنْ اللَّهِ. (وَحَرُمَ) إقَامَتُهَا (بِ) مَوْضِعٍ (ثَالِثٍ إنْ حَصَلَ غِنًى) بِإِقَامَتِهَا (بِمَوْضِعَيْنِ) ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، (وَكَذَا مَا زَادَ) ، أَيْ: إذَا حَصَلَ الْغِنَى بِثَلَاثٍ، لَمْ تَجُزْ الرَّابِعَةُ، أَوْ بِأَرْبَعٍ، لَمْ تَجُزْ الْخَامِسَةُ، وَهَكَذَا، (فَإِنْ عُدِمَتْ) الْحَاجَةُ وَتَعَدَّدَتْ. (صَحَّ) مِنْ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ (مَا بَاشَرَهَا) الْإِمَامُ، (أَوْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ) وَلَوْ مَسْبُوقَةً؛ لِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ غَيْرِهَا افْتِئَاتًا عَلَيْهِ، وَتَفْوِيتًا لِجُمُعَتِهِ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا: إذْنُهُ شَرْطٌ أَوْ لَا، (فَإِنْ اسْتَوَتَا) ، أَيْ: الْجُمُعَتَانِ أَوْ الْعِيدَانِ (فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 إذْنِ) إمَامٍ (أَوْ عَدَمِهِ) فِي إقَامَتِهِمَا، (فَ) الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا (السَّابِقَةُ بِالْإِحْرَامِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ حَصَلَ بِهَا، فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ، أَوْ مَكَان يَخْتَصُّ بِهِ جُنْدُ السُّلْطَانِ، أَوْ قَصَبَةِ الْبَلَدِ وَغَيْرِهَا. (فَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا) ، بِأَنْ أَحْرَمَ إمَامَاهُمَا فِي آنٍ وَاحِدٍ، بَطَلَتَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا، وَلَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَتُرَجَّحُ بِهَا. (وَوَجَبَتْ إعَادَتُهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ (إنْ أَمْكَنَ) اجْتِمَاعُهُمْ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُهُ، وَلَمْ تَقُمْ صَحِيحَةٌ، فَوَجَبَ تَدَارُكُهَا. (وَإِلَّا) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إقَامَتُهَا لِفَقْدِ شَيْءٍ مِنْ شُرُوطِهَا، (فَ) إنَّهُمْ يُصَلُّونَ (ظُهْرًا) ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْجُمُعَةِ إذَا فَاتَتْ. (وَإِنْ جَهِلَ كَيْفَ وَقَعَتَا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ سَبْقَ إحْدَاهُمَا وَلَا مَعِيَّتَهُمَا (صَلَّوْا ظُهْرًا) ؛ لِاحْتِمَالِ سَبْقِ إحْدَاهُمَا، فَتَصِحُّ وَلَا تُعَادُ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَتْ جُمَعٌ فِي بَلَدٍ، وَجُهِلَ الْحَالُ أَوْ السَّابِقَةُ. (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْ أَصْحَابِنَا (الصِّحَّةَ مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ التَّعَدُّدُ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَطْلَقَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَغَيْرِهِ الصِّحَّةَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدَيْنِ، فَقَالَ: صَلِّ. وَسُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي جَامِعِ قَلْعَةِ دِمَشْقَ: أَجَائِزَةٌ مَعَ كَوْنِ فِي الْبَلَدِ خُطْبَةٌ أُخْرَى مَعَ وُجُودِ سُورِهَا وَغَلْقِ أَبْوَابِهَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا جُمُعَةً أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا مَدِينَةٌ أُخْرَى كَمِصْرِ وَالْقَاهِرَةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ كَمَدِينَةٍ أُخْرَى، فَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْمَدِينَةِ الْكَبِيرَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ لِلْحَاجَةِ تَجُوزُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَلِهَذَا لَمَّا بُنِيَتْ بَغْدَادُ وَلَهَا جَانِبَانِ، أَقَامُوا فِيهَا جُمُعَةً فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، وَجُمُعَةً فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ (وَإِذَا وَقَعَ عِيدٌ) فِي (يَوْمِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ، (سَقَطَتْ) الْجُمُعَةُ (عَمَّنْ حَضَرَهُ) ، أَيْ: الْعِيدَ (خَاصَّةً مَعَ الْإِمَامِ) ذَلِكَ الْيَوْمَ " لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى الْعِيدَ وَقَالَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 780 فَلْيُجَمِّعْ» رَوَاهُ أَحْمَد مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. (سُقُوطُ حُضُورٍ لَا) سُقُوطُ (وُجُوبٍ) ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ (كَمَرِيضٍ) لَا كَمُسَافِرٍ، فَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَانْعَقَدَتْ بِهِ، وَصَحَّ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ، أَوْ صَلَّاهُ بَعْدَ الْإِمَامِ، فَيَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، أُقِيمَتْ وَإِلَّا، صَلَّوْا ظُهْرًا لِتَحَقُّقِ عُذْرِهِمْ، (إلَّا الْإِمَامَ) ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «قَدْ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ، أَجْزَأَهُ عَنْ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» . (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: عَدَمُ سُقُوطِهَا عَنْ إمَامٍ أَوْ (مُصَلٍّ) صَلَاةَ الْعِيدِ (مُنْفَرِدًا) ، فَيَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ) لِلْجُمُعَةِ، وَلَوْ مِمَّنْ حَضَرَ الْعِيدَ، (أَقَامَهَا) لِعَدَمِ الْمَانِعِ، (وَإِلَّا) يَجْتَمِعُ مَعَهُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، (صَلَّوْا ظُهْرًا) لِلْعُذْرِ. (وَكَذَا يَسْقُطُ عِيدٌ بِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ، عَمَّنْ حَضَرَهَا مَعَ الْإِمَامِ سُقُوطَ حُضُورٍ، (فَيُعْتَبَرُ عَزْمٌ عَلَيْهَا) أَيْ: الْجُمُعَةِ، لِجَوَازِ تَرْكِ الْعَدَدِ اكْتِفَاءً بِهَا. (وَلَوْ فُعِلَتْ) الْجُمُعَةُ (قَبْلَ الزَّوَالِ) قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ ": أَوْ بَعْدَهُ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: " اجْتَمَعَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: عِيدَانِ قَدْ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَجَمَعَهُمْ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً، فَلَمْ يَزِدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ. فَيُرْوَى أَنَّ فِعْلَهُ بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ " فَمَا صَلَّاهُ الْجُمُعَةَ فَتَسْقُط بِهِ الْعِيدُ وَالظُّهْرُ. (وَأَقَلُّ السُّنَّةِ) الرَّاتِبَةِ (بَعْدَهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ: (رَكْعَتَانِ) " «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَأَكْثَرُهَا) ، أَيْ: السُّنَّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ: (سِتُّ) رَكَعَاتٍ نَصًّا، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَلَا رَاتِبَةَ لَهَا قَبْلَهَا) نَصًّا، (بَلْ) يُسَنُّ صَلَاةُ (أَرْبَعِ) رَكَعَاتٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْكَعُ مِنْ قَبْلِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا» وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَبَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ " قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْتُ أَبِي يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، (وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. (وَسُنَّ قِرَاءَةُ) سُورَةِ (الْكَهْفِ بِيَوْمِهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. (وَ) سُنَّ قِرَاءَتُهَا أَيْضًا فِي (لَيْلَتِهَا) ، لِحَدِيثِ «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَتِهَا وُقِيَ فِتْنَةَ الدَّجَّالِ» وَفِي شُعَبِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «سُورَةُ الْكَهْفِ فِي التَّوْرَاةِ تُدْعَى الْحَائِلَةَ تَحُولُ بَيْنَ قَارِئِهَا وَبَيْنَ النَّارِ» وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ الْقِرَاءَةَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ وَقْتٍ، فَظَاهِرُهُ: لَا أَفْضَلِيَّةَ فِي وَقْتٍ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا: لَا عَدَدَ فِي الْقِرَاءَةِ، وَأَنَّهُ يَكْفِي مَرَّةٌ فِي يَوْمِهَا، وَمَرَّةٌ فِي لَيْلَتِهَا، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ فِي أَحَدِهِمَا: فَالْأَوْلَى قِرَاءَتُهَا نَهَارًا. قِيلَ: وَالْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَتِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ فِيهَا أَهْوَالَ يَوْمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 782 الْقِيَامَةِ وَالْجُمُعَةُ تُشْبِهُهَا، لِمَا فِيهَا مِنْ اجْتِمَاعِ الْخَلْقِ، وَقِيَامِ الْخَطِيبِ؛ وَلِأَنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا قُرِئَتْ فِي نَهَارِهَا تَذَكَّرَ بِهَا، وَإِذَا قُرِئَتْ فِي لَيْلَتِهَا تَذَكَّرَ بِهَا لَيْلَةً لَيْسَ بَعْدَهَا إلَّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ. (وَ) سُنَّ (كَثْرَةُ دُعَاءٍ رَجَاءَ إصَابَةِ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَأَفْضَلُهُ) ، أَيْ: الدُّعَاءِ (بَعْدَ الْعَصْرِ) " وَأَرْجَاهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَفِي أَوَّلِهِ أَنَّ النَّهَارَ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً. وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، لَكِنْ لَمْ يَحْكِ فِي " الْإِنْصَافِ " وَ " الْمُبْدِعِ " هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْإِمَامِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، بَلْ ذَكَرَا قَوْلَ الْإِمَامِ: أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ. وَقَدْ ذَكَرَ دَلِيلَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ، وَهِيَ: اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ قَوْلًا فِي " فَتْحِ الْبَارِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ " وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ: إنَّهُ أَثْبَتُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ. (وَأَرْجَاهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ) ، لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الصَّحَابَةِ اجْتَمَعُوا، فَتَذَاكَرُوا سَاعَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ افْتَرَقُوا، فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ " وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. (فَيَكُونُ مُتَطَهِّرًا مُنْتَظِرًا صَلَاةَ مَغْرِبٍ) ، فَإِنَّ مَنْ انْتَظَرَ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ. وَفِي الدَّعَوَاتِ لِلْمُسْتَغْفِرَيَّ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 783 فِي الْبَابِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ، وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ، وَانْتَشَرَتْ لِمَا أَمَرْتَنِي، فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. (وَ) سُنَّ (إكْثَارُ صَلَاةٍ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَيْلَتَهَا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَقَدْ رُوِيَ الْحَثُّ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. (وَ) سُنَّ (تَنَظُّفٌ بِقَصِّ شَارِبٍ وَتَقْلِيمِ ظُفْرٍ وَقَطْعِ رَوَائِحَ كَرِيهَةٍ بِسِوَاكٍ وَغَيْرِهِ وَتَطَيُّبٌ) بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (وَلَوْ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ) ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ وَيَمَسُّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ. ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ، إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» وَقَوْلُهُ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ، أَيْ: مَا خَفِيَ رِيحُهُ وَظَهَرَ لَوْنُهُ لِتَأَكُّدِ الطِّيبِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ. (وَ) سُنَّ لَهُ أَيْضًا (لُبْسُ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ) ، لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ، (وَأَفْضَلُهَا: الْبَيَاضُ) ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ". (وَ) سُنَّ أَيْضًا (تَبْكِيرُ غَيْرِ إمَامٍ وَ) غَيْرِ (مُعْتَكِفٍ وَ) غَيْرِ (أَجِيرٍ) إلَى الْجُمُعَةِ. وَلَوْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ (مَاشِيًا) بِسَكِينَةٍ، لِحَدِيثِ «وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ» . (بَعْدَ فَجْرٍ) . لِحَدِيثِ «مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً» . الْحَدِيثَ، (قَائِلًا: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْكَ، وَأَقْرَبِ مَنْ تَوَسَّلَ إلَيْكَ، وَأَفْضَلِ مَنْ سَأَلَكَ وَرَغِبَ إلَيْكَ. . .) إلَى آخِرِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي آدَابِ الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ. (وَلَا بَأْسَ بِرُكُوبِهِ لِعُذْرٍ) كَمَرَضٍ وَبُعْدٍ وَكِبَرٍ، (وَ) بِرُكُوبِهِ عِنْدَ (عَوْدٍ) وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ. (وَيَجِبُ سَعْيٌ) لِلْجُمُعَةِ (بِنِدَاءٍ ثَانٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] الْآيَةَ. وَخُصَّ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، بِخِلَافِ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ سُنَّةُ عُثْمَانَ وَعَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ. (إلَّا بَعِيدَ مَنْزِلٍ) عَنْ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ، (فَ) يَجِبُ سَعْيُهُ (فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا) إذَا سَعَى فِيهِ إلَيْهَا، وَالْمُرَادُ: بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَبْلَهُ. ذَكَرَهُ فِي " الْخِلَافِ " وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلسَّعْيِ قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". (إذَا عَلِمَ حُضُورَ الْعَدَدِ) الْمُعْتَبَرِ لِلْجُمُعَةِ، وَإِلَّا، فَلَا فَائِدَةَ لِسَعْيِهِ. (وَتَحْرُمُ الصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا إذَنْ) ، أَيْ: حِينَ وُجُوبِ السَّعْيِ، وَيَسْتَمِرُّ التَّحْرِيمُ (إلَى انْقِضَائِهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ. (وَسُنَّ اشْتِغَالٌ بِذِكْرِ) اللَّهِ تَعَالَى، تَحْصِيلًا لِلْأَجْرِ (وَأَفْضَلُهُ) ، أَيْ: أَفْضَلُ الذِّكْرِ: (الْقُرْآنُ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْحَسَنَاتِ بِتِلَاوَةِ حُرُوفِهِ. (وَ) سُنَّ اشْتِغَالُهُ بِ (صَلَاةٍ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ) لِلْخُطْبَةِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْصِيلِ الْأَجْرِ (فَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ) نَافِلَةٍ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ (غَيْرِ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ) ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ. وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ، أَوْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهَا. (وَيُخَفِّفُ مَا) كَانَ (ابْتَدَأَهُ) مِنْ نَفْلٍ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ إذَا خَرَجَ قَبْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 785 فَرَاغِهِ، (وَلَوْ) كَانَ (نَوَى أَرْبَعًا صَلَّى ثِنْتَيْنِ) . لِيَسْتَمِعَ الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ. (وَكُرِهَ لِغَيْرِ إمَامٍ تَخَطِّي الرِّقَابِ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ لِرَجُلٍ رَآهُ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَأَمَّا الْإِمَامُ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ. وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ الْمُؤَذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ (إلَّا إنْ رَأَى فُرْجَةً لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِهِ) ، أَيْ: بِتَخَطِّي الرِّقَابِ، فَيُبَاحُ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا لِإِسْقَاطِهِمْ حَقَّهُمْ بِتَأَخُّرِهِمْ عَنْهَا. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا (إيثَارُهُ) غَيْرَهُ (بِمَكَانٍ أَفْضَلَ) وَيَجْلِسُ فِيمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ رَغْبَةٌ عَنْ الْخَيْرِ. وَ (لَا) يُكْرَهُ لِلْمُؤْثَرِ (قَبُولُهُ) وَلَا رَدُّهُ. قَالَ مُسْنَدِي: رَأَيْتُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَوْضِعِهِ، فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ، وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى مَوْضِعِكَ، فَرَجَعَ إلَيْهِ. (وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ) ، أَيْ: الْمُؤْثَرِ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (سَبْقُهُ إلَيْهِ) ، أَيْ: الْمَكَانِ الْأَفْضَلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَهُ، أَشْبَهَ مَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا فَآثَرَ بِهِ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَسَّعَ لِشَخْصٍ فِي طَرِيقٍ، فَمَرَّ غَيْرُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِلْمُرُورِ فِيهَا، وَالْمَسْجِدُ لِلْإِقَامَةِ فِيهِ. (وَالْعَائِدُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ لِعَارِضٍ) لَحِقَهُ كَتَطَهُّرٍ (أَحَقُّ بِمَكَانِهِ) الَّذِي كَانَ سَبَقَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ. فَلَوْ جَلَسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَلَهُ إقَامَتُهُ، مَا لَمْ يَكُنْ الْقَائِمُ لِعَارِضٍ صَبِيًّا، فَيُؤَخَّرُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقُمْ مِنْهُ بِالْأَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْعَائِدُ إلَى مَكَانِهِ قَرِيبًا بَعْدَ قِيَامِهِ مِنْهُ لِعَارِضٍ إلَّا بِالتَّخَطِّي، جَازَ، كَمَنْ رَأَى فُرْجَةً لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِهِ. (وَكَذَا جَالِسٌ لِإِفْتَاءٍ أَوْ إقْرَاءٍ) قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ قَرِيبًا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 786 وَقَيَّدَهُ فِي " الْوَجِيزِ " بِمَا إذَا عَادَ وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بِغَيْرِهِ. (وَحَرُمَ أَنْ يُقِيمَ) إنْسَانٌ (غَيْرَهُ) مِنْ مَكَان سَبَقَهُ إلَيْهِ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ. (وَلَوْ) كَانَ (عَبْدَهُ) الْكَبِيرَ (أَوْ) كَانَ (وَلَدَهُ) الْكَبِيرَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «نَهَى أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ، وَلَكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا» لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ، فَاسْتَوَى فِيهِ السَّيِّدُ وَالْوَالِدُ وَغَيْرُهُمَا (أَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا) كَالتَّعْلِيمِ وَالتَّدْرِيسِ وَالتَّحْدِيثِ (فِيهِ) ، وَكَذَلِكَ الْجُلُوسُ لِلْمُذَاكَرَةِ فِي الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، إذَا جَلَسَ إنْسَانٌ مَوْضِعَ حَلْقَتِهِ، حَرُمَ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ بَيْتُ اللَّهِ، وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ (إلَّا الصَّغِيرَ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، فَيُؤَخَّرُ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ أَحَقُّ مِنْهُ بِالتَّقَدُّمِ لِلْفَضْلِ. (قَالَ الْمُنَقِّحُ: وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ) ، أَيْ: صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ أَقَامَ مُكَلَّفًا وَجَلَسَ مَكَانَهُ، لِشَبَهِهِ بِالْغَاصِبِ. (وَيَتَّجِهُ: بَلْ) قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ (تَقْتَضِي الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْصِبْ مِنْهُ مَا) ، أَيْ: مَكَانًا (يَمْلِكُهُ) ، بَلْ صَلَّى فِي مَكَان هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ، غَيْرَ أَنَّ مَنْ سَبَقَهُ أَحَقُّ مِنْهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ حَقِّهِ، (أَشْبَهَ مَا لَوْ مَنَعَ الْمَسْجِدَ غَيْرَهُ) مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ. فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) لَهُ أَنْ (يُقِيمَ مَنْ جَلَسَ بِمَوْضِعِهِ) مِنْ الْمَسْجِدِ (لِيَحْفَظَهُ) لَهُ، وَيَجْلِسَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَنَائِبِهِ فِي حِفْظِهِ، سَوَاءٌ حَفِظَهُ لَهُ (بِإِذْنِهِ أَوْ دُونَهُ) ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ يَقُومُ بِاخْتِيَارِهِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ وَلِأَنَّهُ قَعَدَ فِيهِ لِحِفْظِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِإِقَامَةٍ، لَكِنْ إنْ جَلَسَ فِي مَكَانِ الْإِمَامِ أَوْ طَرِيقِ الْمَارَّةِ أَوْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّينَ فِي مَكَان ضَيِّقٍ، أُقِيمَ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. (وَحَرُمَ رَفْعُ مُصَلَّى مَفْرُوشٍ) لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَبُّهُ إذَا جَاءَ؛ لِأَنَّهُ افْتِئَاتٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 عَلَى رَبِّهِ، وَتَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَيَجُوزُ فَرْشُهُ (مَا لَمْ تَحْضُرْ) ، أَيْ: تَقُمْ (الصَّلَاةُ) وَلَا يَحْضُرُ رَبُّهُ، فَلِغَيْرِهِ رَفْعُهُ وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوشَ لَا حُرْمَةَ لَهُ بِنَفْسِهِ، وَرَبُّهُ لَمْ يَحْضُرْ. (وَ) حَرُمَ (صَلَاةٌ) عَلَيْهِ، (وَجُلُوسٌ عَلَيْهِ) . قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَعَهُ مَفْرُوشًا وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ "، فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ: وَلَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضِهِ أَوْ مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ، صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. (وَلَهُ) ، أَيْ: مَرِيدِ الصَّلَاةِ (فَرْشُهُ) ، أَيْ: الْمُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ إنْ حَرُمَ رَفْعُهُ، وَإِلَّا كُرِهَ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، تَوْجِيهًا. (وَمَنَعَ مِنْهُ) ، أَيْ: الْفَرْشِ (الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، (لِتَحَجُّرِهِ) بِفَرْشِهِ مَكَانًا مِنْ (الْمَسْجِدِ) كَحُفْرَةٍ فِي التُّرْبَةِ الْمُسَبَّلَةِ قَبْلَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. (وَحَرُمَ كَلَامٌ وَلَوْ) كَانَ الْكَلَامُ (لِتَسْكِيتِ غَيْرِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَلَوْ حَالَ تَنَفُّسِهِ) ، أَيْ: الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْخُطْبَةِ. (وَهُوَ) ، أَيْ: الْمُتَكَلِّمُ (مِنْهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] ، قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ. وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا، لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ» وَاللَّغْوُ: الْإِثْمُ. وَحَدِيثِ: «مَنْ قَالَ: صَهٍ فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ لَغَا، فَلَا جُمُعَةَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَمَعْنَى لَا جُمُعَةَ لَهُ، أَيْ: كَامِلَةً. (وَإِلَّا) يَسْمَعُ الْخَطِيبَ وَلَا هَمْهَمَتَهُ لِبُعْدِهِ عَنْهُ، (فَلَا) يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، وَحِينَئِذٍ فَاشْتِغَالُهُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 788 مِنْ سُكُوتِهِ نَصًّا. (وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ مَفْهُومَةٌ كَكَلَامٍ) ، لِقِيَامِهَا مَقَامَهُ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. (وَحَلَّ) كَلَامٌ (لِخَطِيبٍ) وَهُوَ يَخْطُبُ. (وَ) حَلَّ كَلَامٌ أَيْضًا (لِمَنْ كَلَّمَهُ) الْخَطِيبُ (لِمَصْلَحَةٍ) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَأَشَارَ إلَيْهِ النَّاسُ أَنْ اُسْكُتْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الثَّالِثَةِ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: إنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. «وَكَلَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُلَيْكًا وَكَلَّمَهُ هُوَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. " وَسَأَلَ عُمَرُ عُثْمَانَ فَأَجَابَهُ " وَ " سَأَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الِاسْتِسْقَاءَ " وَلِأَنَّهُ حَالَ كَلَامِهِ الْإِمَامَ، وَكَلَامِ الْإِمَامِ إيَّاهُ لَا يَشْغَلُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ. (وَوَجَبَ) الْكَلَامُ حَالَ الْخُطْبَةِ، (لِتَحْذِيرِ ضَرِيرٍ وَغَافِلٍ عَنْ هَلَكَةٍ كَنَارٍ وَبِئْرٍ) وَوَطْءِ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَكُلِّ مَا يُؤْذِي أَوْ تَقْتُلُ، لِإِبَاحَةِ قَطْعِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ (وَيُبَاحُ) الْكَلَامُ (إذَا سَكَتَ) الْخَطِيبُ (بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: الْخُطْبَتَيْنِ (أَوْ شَرَعَ فِي دُعَاءٍ) وَلَوْ غَيْرَ مَأْثُورٍ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهُ. (وَيَتَّجِهُ: أَنَّ التَّحْرِيمَ) لِلْكَلَامِ (مَحَلَّهُ) حَالُ (أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ) ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ أَرْكَانِهَا وَاشْتَغَلَ بِالتَّرَضِّي عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ أُبِيحَ الْكَلَامُ لِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْهُ حِينَئِذٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَرَفْعُ الصَّوْتِ قُدَّامَ الْخُطَبَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 مَكْرُوهٌ أَوْ مُحَرَّمٌ اتِّفَاقًا، فَلَا يَرْفَعُ مُؤَذِّنٌ وَ) لَا (غَيْرُهُ صَوْتَهُ بِصَلَاةٍ) عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) لَا (غَيْرِهَا) مِنْ الْأَدْعِيَةِ اللَّائِقَةِ بِالْحَالِ، (وَلَا يُسَلِّمُ مَنْ دَخَلَ) عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْخُطْبَةِ وَاسْتِمَاعِهَا. (وَلَيْسَ لَهُ إقْرَاءُ قُرْآنٍ وَ) لَا (مُذَاكَرَةٌ فِي فِقْهٍ) ، لِئَلَّا يَشْغَلَ غَيْرَهُ عَنْ الِاسْتِمَاعِ، (وَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَى سَائِلٍ وَقْتَ خُطْبَةٍ؛ لِأَنَّهُ) ، أَيْ: السَّائِلَ (فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ) لَهُ فِعْلُهُ، وَهُوَ: الْكَلَامُ حَالَ الْخُطْبَةِ، (فَلَا يُعِينُهُ) عَلَى مَا لَا يَجُوزُ. (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: إنْ حَصَبَ السَّائِلَ كَانَ أَعْجَبَ إلَيَّ) " لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَائِلٍ سَأَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ " وَلَا يُنَاوِلُ السَّائِلُ حَالَ الْخُطْبَةِ الصَّدَقَةَ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مُحَرَّمٍ، فَإِنْ سَأَلَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ جَلَسَ لِاسْتِمَاعِهَا؛ جَازَ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ وَمُنَاوَلَتُهُ. قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا إذَا لَمْ يَسْأَلْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. (وَ) لَهُ أَنْ (يَتَصَدَّقَ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْأَلْ) وَعَلَى مَنْ سَأَلَهَا الْإِمَامُ لَهُ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ أَوْ خُرُوجِهِ أَوْلَى. (وَكُرِهَ عَبَثٌ حَالَ خُطْبَةٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى؛ فَقَدْ لَغَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّ الْعَبَثَ يَمْنَعُ الْخُشُوعَ، (وَ) كَذَا (شُرْبٌ) لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَشْتَغِلُ بِهِ، أَشْبَهَ مَسَّ الْحَصَى (بِلَا حَاجَةٍ) كَاشْتِدَادِ عَطَشٍ؛ فَلَا يُكْرَهُ شُرْبُهُ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِالْخُشُوعِ. (وَ) سُنَّ (دُنُوٌّ مِنْ إمَامٍ وَاسْتِمَاعُ) خُطْبَتِهِ لَعَلَّهُ يَتَّعِظُ بِهَا. (وَ) (صَلَاةٌ سِرًّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَمِعَهَا) ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (كَدُعَاءٍ) اتِّفَاقًا (وَتَأْمِينٍ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الدُّعَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 (وَ) سُنَّ (انْتِقَالُهُ إنْ نَعَسَ مِنْ مَكَانِهِ) الَّذِي نَعَسَ فِيهِ، (وَلَهُ الْحَمْدُ خُفْيَةً إذَا عَطَسَ) نَصًّا، (وَرَدُّ سَلَامٍ) نُطْقًا، (وَتَشْمِيتُ عَاطِسٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ لِحَقِّ آدَمِيٍّ. (وَيَتَّجِهُ: أَنَّ تَشْمِيتَ عَاطِسٍ لَا يَلْزَمُ مُشْتَغِلًا) بِنَحْوِ قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُ (لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ سَلَامٍ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ مَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ بِمَسْجِدٍ] (فَصْلٌ) (وَمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ بِمَسْجِدٍ؛ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) وَلَوْ وَقْتَ نَهْيٍ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. (وَحَرُمَ زِيَادَةٌ عَلَيْهِمَا) ، لِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ حَالَ الْخُطْبَةِ، فَإِنْ خَطَبَ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ لَمْ يُصَلِّ الدَّاخِلُ شَيْئًا. (وَتُسَنُّ تَحِيَّتُهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ (رَكْعَتَانِ فَأَكْثَرُ لِمَنْ دَخَلَهُ بِشَرْطِهِ) بِأَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا وَفِي غَيْرِ وَقْتِ نَهْيٍ، إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَنْ لَا يُطِيلَ الْجُلُوسَ سَوَاءٌ (قَصَدَ الْجُلُوسَ أَوْ لَا) ، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ (غَيْرُ خَطِيبٍ دَخَلَهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدَ، (لَهَا) ، أَيْ: لِلْخُطْبَةِ (وَ) غَيْرُ (دَاخِلِهِ لِصَلَاةِ عِيدٍ، أَوْ) دَاخِلِهِ (وَقَدْ شَرَعَ فِي إقَامَةٍ بِشَرْطِهِ) بِأَنْ كَانَ قَصْدُهُ الصَّلَاةَ مَعَ إمَامِهَا (وَدَاخِلُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) ؛ لِأَنَّ تَحِيَّتَهُ الطَّوَافُ، فَيُسَنُّ كُلَّمَا دَخَلَ. (وَقَيِّمُهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، (لِتَكْرَارِ دُخُولِهِ) . فَلَا تُسَنُّ لَهُ التَّحِيَّةُ لِلْمَشَقَّةِ، وَأَمَّا غَيْرُ قَيِّمِهِ إذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهُ، فَتُسَنُّ لَهُ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " تَوْجِيهًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 791 (وَيَتَّجِهُ: مِثْلُهُ) ، أَيْ: مِثْلُ الْقَيِّمِ (مُجَاوِرٌ يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُ) لِلْمَشَقَّةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَنْتَظِرُ) مَنْ دَخَلَ حَالَ الْأَذَانِ (فَرَاغَ مُؤَذِّنٍ لِتَحِيَّةِ) مَسْجِدٍ، لِيُجِيبَ الْمُؤَذِّنَ، ثُمَّ يُصَلِّيَهَا، فَيَجْمَعَ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ أَذَانِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أَهَمُّ. (وَإِنْ جَلَسَ) مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ (قَامَ فَأَتَى بِهَا) ، أَيْ: التَّحِيَّةَ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ جَلَسَ قَبْلَهَا: قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي رِوَايَةٍ " فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ " (مَا لَمْ يَطُلْ فَصْلٌ) بَيْنَ جُلُوسِهِ وَقِيَامِهِ فَيَفُوتُ مَحَلُّهَا، وَلَا تُقْضَى. (وَتَقَدَّمَ) فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ: (تُجْزِئُ رَاتِبَةٌ تَحِيَّةً) وَكَذَا فَرِيضَةٌ وَلَوْ مَقْضِيَّةً. (وَلَا) تَحْصُلُ (تَحِيَّةُ) الْمَسْجِدِ (بِرَكْعَةٍ، وَ) لَا بِ (صَلَاةِ جِنَازَةٍ) ، لِعَدَمِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِيهَا (وَ) لَا بِ (سُجُودِ تُلَاوَةٍ، وَ) لَا سُجُودِ (شُكْرٍ قَالَ بَعْضُهُمْ) ، أَيْ: الْأَصْحَابِ: (وَسُنَّ لِمَنْ دَخَلَهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدَ (غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ قَوْلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا، قِيلَ: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: الْمَسَاجِدُ قِيلَ: وَمَا الرَّتْعُ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. (وَكُرِهَ إسْنَادُ ظَهْرٍ) هـ (لِلْقِبْلَةِ) نَصًّا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 وَفِي مَعْنَاهُ مَدُّ الرِّجْلِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ، وَمَدُّ رِجْلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، ذَكَرَهُ فِي " الْآدَابِ ". (وَاسْتِقْبَالُهَا) ، أَيْ: الْقِبْلَةِ (مُتَّجِهٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ) كَحَالِ الْخُطْبَةِ، وَبَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ. (وَلَا بَأْسَ بِالْحَبْوَةِ نَصًّا، وَلَوْ حَالَ الْخُطْبَةِ) مَعَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَفَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. (وَ) لَا (بِالْقُرْفُصَاءِ، وَهِيَ: الْجُلُوسُ عَلَى أَلْيَتَيْهِ رَافِعًا رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ، مُفْضِيًا بِأَخْمَصِ قَدَمَيْهِ إلَى الْأَرْضِ، وَكَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يَقْصِدُ هَذِهِ الْجِلْسَةَ، وَلَا جَلْسَةَ أَخْشَعُ مِنْهَا) . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحْمَدَ جَالِسًا إلَّا الْقُرْفُصَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاةٍ. (وَلَوْ اجْتَمَعَ قَوْمٌ لِقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ وَدُعَاءٍ، فَعَنْ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا؟) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «مَنْ شَغَلَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْ دُعَائِي وَمَسْأَلَتِي، أُعْطِيهِ أَفْضَلَ ثَوَابِ الشَّاكِرِينَ، وَإِنَّ فَضْلَ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ تَعَالَى {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ» وَعَنْهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا «أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ بِالدُّعَاءِ، وَأَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ وَغَيْرُهُ. (وَعَنْهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ لِذَلِكَ (مُحْدَثٌ) لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ. (وَعَنْهُ) رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّهُ قَالَ: (مَا أَكْرَهُهُ) ، أَيْ: الِاجْتِمَاعَ لِذَلِكَ (إلَّا أَنْ يَكْثُرُوا) أَيْ: الْمُجْتَمِعُونَ، (أَيْ: يَتَّخِذُوهُ عَادَةً وَ) قَالَ الْمُنَقِّحُ (فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " الصَّوَابُ أَنْ يُرْجَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 فِي ذَلِكَ لِحَالِ الْإِنْسَانِ، فَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ) الِاجْتِمَاعِ (مَا لَا يَحْصُلُ لَهُ بِالِانْفِرَادِ مِنْ الِاتِّعَاظِ وَالْخُشُوعِ، كَانَ) حُضُورُهُ لِذَلِكَ (أَوْلَى) لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ، (وَإِلَّا) يَحْصُلُ لَهُ اتِّعَاظٌ وَلَا خُشُوعٌ، (فَلَا) يَحْضُرُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَجَامِعِ إذْ حُضُورُهُ ضَيَاعُ وَقْتٍ بِلَا فَائِدَةٍ، وَاشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِي، وَ " مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ ". خَاتِمَةٌ: رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَرَأَ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ. وَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ سَبْعًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ» . [بَابُ أَحْكَامِ صَلَاةِ الْعِيدِ] ِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. سُمِّيَ الْيَوْمُ الْمَعْرُوفُ عِيدًا؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ وَيَتَكَرَّرُ لِأَوْقَاتِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَعُودُ بِالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، وَقِيلَ: تَفَاؤُلًا، لِيَعُودَ ثَانِيَةً كَالْقَافِلَةِ. وَهُوَ مِنْ: عَادَ يَعُودُ، فَهُوَ الِاسْمُ مِنْهُ، كَالْقِيلِ مِنْ الْقَوْلِ، وَصَارَ عَلَمًا عَلَى الْيَوْمِ الْمَخْصُوصِ، لِمَا تَقَدَّمَ. وَجُمِعَ عَلَى أَعْيَادٍ، بِالْيَاءِ، وَأَصْلُهُ الْوَاوُ، لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ، وَقِيلَ: لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ. (صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) " لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ " وَ " رُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ صَلَاةِ عِيدٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيدُ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ " (إذَا اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ) مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا (عَلَى تَرْكِهَا) ، أَيْ: إذَا تَرَكُوهَا (قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ، وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 تَرْكِهَا تَهَاوُنٌ بِالدِّينِ. (وَكُرِهَ أَنْ يَنْصَرِفَ مَنْ حَضَرَ) مُصَلَّاهَا (وَيَتْرُكَهَا) ، لِتَفْوِيتِهِ أَجْرَهَا بِلَا عُذْرٍ. (وَيَتَّجِهُ) : إنَّمَا يُكْرَهُ انْصِرَافُ مَنْ حَضَرَ مُصَلَّاهَا قَبْلَ فِعْلِهَا (إنْ لَمْ يَنْقُصْ بِهِ) ، أَيْ: الْمُنْصَرِفِ (عَدَدُ) الْمُصَلِّينَ عَنْ الْأَرْبَعِينَ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ يَنْقُصُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ بِانْصِرَافِهِ، (فَيَحْرُمُ) عَلَيْهِ الِانْصِرَافُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَوَقْتُهَا كَ) وَقْتِ (صَلَاةِ الضُّحَى) مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَيْدَ رُمْحٍ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُ لَمْ يُصَلُّوهَا إلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ، بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى فِعْلِهَا ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ إلَّا الْأَفْضَلَ. وَ (لَا) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِطُلُوعِ شَمْسٍ) قَبْلَ ارْتِفَاعِهَا قَيْدَ رُمْحٍ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ وَقْتًا لِلْعِيدِ، كَمَا قَبْلَ طُلُوعِهَا، (فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِالْعِيدِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، صَلَّوْا) الْعِيدَ (مِنْ الْغَدِ قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ الزَّوَالِ (قَضَاءً) ، وَلَوْ أَمْكَنَ قَضَاؤُهَا فِي يَوْمِهَا، لِمَا رَوَى أَبُو عُمَيْرِ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ: «غُمَّ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ، فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ فِي آخِرِ النَّهَارِ، فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ، وَأَنْ يَخْرُجُوا غَدًا لِعِيدِهِمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَحَسَّنَهُ. (وَكَذَا لَوْ مَضَى أَيَّامٌ) ، وَلَمْ يَعْلَمُوا بِالْعِيدِ، أَوْ لَمْ يُصَلُّوا لِفِتْنَةٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ أَخَّرُوهَا وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 (وَتُسَنُّ) صَلَاةُ عِيدٍ (حَيْثُ لَا مَشَقَّةَ) فِي فِعْلِهَا مِنْ نَحْوِ مَطَرٍ، وَمَعَهَا تُفْعَلُ بِالْمَسْجِدِ، (بِصَحْرَاءَ قَرِيبَةٍ عُرْفًا) مِنْ بُنْيَانٍ، لِحَدِيثِ أُبَيٍّ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلَى الْمُصَلَّى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّهُ أَوْقَعُ هَيْبَةً وَأَظْهَرُ شِعَارًا، (فَلَا تَصِحُّ) صَلَاةُ الْعِيدِ بِصَحْرَاءَ (بَعِيدَةٍ) مِنْ بُنْيَانٍ عُرْفًا لِلْمَشَقَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُهَا بَعْضُ النَّاسِ فَيَفُوتُهُ فَضْلُهَا، (إلَّا بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ، فَ) تُصَلَّى (بِالْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ، لِفَضِيلَةِ الْبُقْعَةِ، وَمُشَاهَدَةِ الْكَعْبَةِ. وَلَمْ تَزَلْ الْأَئِمَّةُ يُصَلُّونَهَا بِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ وَالْأَقْصَى كَبَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ. (وَ) يُسَنُّ (تَقْدِيمُ الْأَضْحَى بِحَيْثُ يُوَافِقُ مَنْ بِمِنًى فِي ذَبْحِهِمْ، وَتَأْخِيرُ) صَلَاةِ (الْفِطْرِ) ، لِحَدِيثِ الشَّافِعِيِّ مُرْسَلًا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ: عَجِّلْ الْأَضْحَى وَأَخِّرْ الْفِطْرَ، وَذَكِّرْ النَّاسَ» وَلِيَتَّسِعَ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةَ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ (وَ) يُسَنُّ (أَكْلٌ فِيهِ) ، أَيْ: عِيدِ الْفِطْرِ (قَبْلَ خُرُوجٍ) إلَى الصَّلَاةِ، لِقَوْلِ بُرَيْدَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يُفْطِرَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يُصَلِّيَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. (تَمَرَاتٍ وِتْرًا) لِحَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ مُنْقَطِعَةٍ: «وَيَأْكُلَهُنَّ وِتْرًا» . (وَ) يُسَنُّ (إمْسَاكٌ) عَنْ أَكْلٍ (بِأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ) الْعِيدَ لِلْخَبَرِ، (لِيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ إنْ ضَحَّى) يَوْمَهُ. (وَالْأَوْلَى) بَدْءُ أَكْلٍ (مِنْ كَبِدِهَا) ، لِسُرْعَةِ تَنَاوُلِهِ وَهَضْمِهِ. (وَإِلَّا) يُضَحِّ (خُيِّرَ) بَيْنَ أَكْلٍ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَتَرْكِهِ نَصًّا (وَ) يُسَنُّ (غُسْلٌ لَهَا) ، أَيْ: صَلَاةِ عِيدٍ (فِي يَوْمِهِ) ، أَيْ: الْعِيدِ، لِمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يُجْزِئُهُ لَيْلًا، وَلَا بَعْدَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 (وَ) يُسَنُّ (تَنَظُّفُ) بَدَنٍ وَثِيَابٍ (كَجُمُعَةٍ وَتَبْكِيرُ مَأْمُومٍ) لِيَدْنُوَ مِنْ الْإِمَامِ، وَيَنْتَظِرَ الصَّلَاةَ، فَيَكْثُرُ أَجْرُهُ (بَعْدَ صَلَاةِ صُبْحٍ) مِنْ يَوْمِ عِيدٍ (مَاشِيًا) إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ: «مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا» (عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «كَانَ يَعْتَمُّ وَيَلْبَسُ بُرْدَهُ الْأَحْمَرَ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ» رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَ " عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ فِي الْعِيدَيْنِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَأَفْضَلُ أَلْوَانِ الثِّيَابِ الْبَيَاضُ، فَإِنْ اسْتَوَى الثَّوْبَانِ فِي الْحُسْنِ وَغَيْرِهِ، فَالْأَبْيَضُ أَفْضَلُ، فَإِنْ كَانَ الْأَحْسَنُ لَيْسَ بِأَبْيَضَ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَبْيَضِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَحِينَئِذٍ، فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْخَارِجُ إلَى الصَّلَاةِ وَالْقَاعِدُ فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ، (إلَّا الْمُعْتَكِفَ وَلَوْ) كَانَ الْمُعْتَكِفُ (إمَامًا، فَ) يَخْرُجُ إلَى الْعِيدِ (فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ) إبْقَاءً لِأَثَرِ الْعِبَادَةِ. (وَ) يُسَنُّ (تَأْخِيرُ إمَامٍ لِ) دُخُولِ وَقْتِ (صَلَاةٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يُنْتَظَرُ وَلَا يَنْتَظِرُ. (وَ) تُسَنُّ (تَوْسِعَةٌ عَلَى أَهْلٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ سُرُورٍ (وَ) تُسَنُّ (صَدَقَةٌ) فِي يَوْمِ الْعِيدَيْنِ إغْنَاءً لِلْفُقَرَاءِ عَنْ السُّؤَالِ. (وَ) يُسَنُّ (رُجُوعُهُ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي (فِي غَيْرِ طَرِيقِ غُدُوِّهِ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ إلَى الْعِيدِ خَالَفَ إلَى الطَّرِيقِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَلَيْهِ شَهَادَةُ الطَّرِيقَيْنِ، أَوْ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا فِي التَّبَرُّكِ لِمُرُورِهِ وَسُرُورِهِمَا بِمُرُورِهِ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى فُقَرَائِهِمَا وَنَحْوُهُ؛ فَلِذَا قَالَ: (وَكَذَا جُمُعَةٌ) ، وَلَا يَمْتَنِعُ فِي غَيْرِهَا. (وَكُرِهَ تَنَفُّلٌ) بِمَوْضِعِ صَلَاةِ الْعِيدِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا قَبْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 797 مُفَارَقَتِهِ نَصًّا، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عِيدٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا (قَضَاءُ فَائِتَةٍ قَبْلَ صَلَاةِ عِيدٍ بِمَوْضِعِهَا وَبَعْدَهَا قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ) الْمُصَلَّى، إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا، (بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ. (وَ) كُرِهَ (أَنْ تُصَلَّى) الْعِيدُ (بِالْجَامِعِ) ، لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ (بِغَيْرِ مَكَّةَ) ، فَتُسَنُّ فِيهَا بِهِ وَتَقَدَّمَ، (إلَّا لِعُذْرٍ) كَمَطَرٍ وَنَحْوِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أَصَابَنَا مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَسُنَّ لِإِمَامٍ اسْتِخْلَافُ مَنْ يُصَلِّي بِضَعَفَةِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ) نَصًّا لِفِعْلِ عَلِيٍّ. (وَيَخْطُبُ بِهِمْ نَدْبًا إنْ شَاءُوا) ، وَلَهُ فِعْلُهَا قَبْلَ الْإِمَامِ وَبَعْدَهُ، (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُصَلُّوا قَبْلَ الْإِمَامِ) ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. (فَإِنْ صَلَّوْا) قَبْلَهُ، (فَلَا بَأْسَ) ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، (وَأَيُّهُمَا سَبَقَ) بِالصَّلَاةِ، (سَقَطَ الْفَرْضُ بِهِ وَأَجْزَأَ) بَعْدَ أَوَّلِ صَلَاةٍ مِنْهُمَا (أُضْحِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ. (وَتَنْوِيهِ طَائِفَةٌ مَسْبُوقَةٌ نَفْلًا) ، لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِالسَّابِقَةِ. (وَلَا بَأْسَ بِحُضُورِهَا) ، أَيْ: صَلَاةِ الْعِيدِ (لِنِسَاءٍ غَيْرِ مُطَيَّبَاتٍ، وَ) غَيْرِ (مُزَيَّنَاتٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» (وَيَعْتَزِلْنَ الرِّجَالَ) ، فَلَا يَخْتَلِطْنَ بِهِمْ خَشْيَةَ الِافْتِتَانِ بِهِنَّ. (وَتَعْتَزِلُ حَائِضٌ الْمُصَلَّى) لِلْخَبَرِ (بِحَيْثُ تَسْمَعُ) الْخُطْبَةَ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 [فَصْلٌ شُرُوطَ صَلَاةِ الْعِيدِ] (فَصْلٌ) (وَشُرِطَ لَهَا) ، أَيْ: صَلَاةِ الْعِيدِ (غَيْرَ خُطْبَةٍ مَا) شُرِطَ (لِجُمُعَةٍ مِنْ وَقْتٍ) كَسَائِرِ الْمُؤَقَّتَاتِ، (وَاسْتِيطَانِ) أَرْبَعِينَ، (وَعَدَدِ) الْجُمُعَةِ (وَحُضُورِهِمْ) ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ لَهَا خُطْبَةٌ رَاتِبَةٌ، أَشْبَهَتْ الْجُمُعَةَ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَافَقَ الْعِيدَ فِي حَجَّتِهِ وَلَمْ يُصَلِّ، (فَلَا تُقَامُ) الْعِيدُ (إلَّا حَيْثُ تُقَامُ) الْجُمُعَةُ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَهِيَ) ، أَيْ: صَلَاةُ الْعِيدِ: (رَكْعَتَانِ) تُفْعَلُ (قَبْلَ الْخُطْبَةِ) . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا) ، أَيْ: الْخُطْبَةِ (قَبْلَهُمَا) ، أَيْ: رَكْعَتَيْ الْعِيدِ (عَكْسَ جُمُعَةٍ) ، أَيْ: كَمَا لَوْ خَطَبَ فِي الْجُمُعَةِ بَعْدَهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَنِي أُمَيَّةَ تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ. قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ عُثْمَانَ. (وَلَا أَذَانَ لَهُمَا) ، أَيْ: صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ، (وَلَا إقَامَةَ) أَيْضًا، (يُكَبِّرُ بِ) رَكْعَةٍ (أُولَى نَدْبًا بَعْدَ) تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ، وَبَعْدَ (اسْتِفْتَاحٍ وَقَبْلَ تَعَوُّذٍ سِتًّا) زَوَائِدَ، (وَ) يُكَبِّرُ (بِثَانِيَةٍ قَبْلَ قِرَاءَةٍ خَمْسًا) زَوَائِدَ نَصًّا، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، سَبْعًا فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ» ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ أَبِي: أَنَا أَذْهَبُ إلَى هَذَا وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ. وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ التَّكْبِيرُ سَبْعٌ فِي الْأُولَى، وَخَمْسٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّكْبِيرِ، وَكُلُّهُ جَائِزٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 799 (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ) نَصًّا، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ» فَأَدَّى أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ هَذَا كُلُّهُ. (وَيَقُولُ نَدْبًا بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا) ، لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: " سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَمَّا يَقُولُهُ بَعْدَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، قَالَ: يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْعُو أَوْ يُكَبِّرُ. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَقَالَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مُوسَى: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَحَرْبٌ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. وَلِأَنَّهَا تَكْبِيرَاتٌ حَالَ الْقِيَامِ، فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا ذِكْرٌ كَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ. (وَإِنْ أَحَبَّ) مُصَلٍّ (قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ) مِنْ الْأَذْكَارِ (إذْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ مُؤَقَّتٌ) ، أَيْ: مَخْصُوصٌ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (وَلَا يَأْتِي بِذِكْرٍ بَعْدَ تَكْبِيرَةٍ أَخِيرَةٍ) فِي الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ فَقَطْ، (بَلْ يَسْتَعِيذُ وَيَقْرَأُ جَهْرًا الْفَاتِحَةَ، فَسَبِّحْ بِ) رَكْعَةٍ (أُولَى، فَغَاشِيَةً بِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ) ، لِحَدِيثِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا «كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ: بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى، وَ: هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَأَنَسٍ. (وَإِنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَسِيَ الِاسْتِفْتَاحَ أَوْ التَّعَوُّذَ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، أَوْ نَسِيَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ حَتَّى رَكَعَ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ أَتَى بِالتَّكْبِيرَاتِ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْقِرَاءَةِ، فَقَدْ أَلْغَى فَرْضًا يَصِحُّ أَنْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْقِرَاءَةَ، فَقَدْ حَصَلَتْ التَّكْبِيرَاتُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا. (وَكَذَا مَسْبُوقٌ أَدْرَكَهُ) -، أَيْ: الْإِمَامَ - قَائِمًا (بَعْدَهُ) - أَيْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 بَعْدَ التَّكْبِيرِ الزَّائِدِ أَوْ بَعْضَهُ - لَمْ يَأْتِ بِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَكَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا، (لَكِنْ يُكَبِّرُ فِيمَا يَقْضِيهِ) وَلَوْ بِنَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ (بِمَذْهَبِهِ) لَا بِمَذْهَبِ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالسَّهْوِ، فَكَذَا فِي التَّكْبِيرِ. (وَسُنَّ لِمَنْ فَاتَتْهُ) صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ (قَضَاؤُهَا فِي يَوْمِهَا) قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ (عَلَى صِفَتِهَا) ، لِفِعْلِ أَنَسٍ؛ وَلِأَنَّهُ قَضَاءُ صَلَاةٍ، فَكَانَ عَلَى صِفَتِهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، (كَمُدْرِكِ) إمَامٍ (فِي) الـ (تَّشَهُّدِ) ، لِعُمُومِ: «وَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» (فَإِذَا سَلَّمَ إمَامٌ، خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَهُمَا) ، أَيْ: الْخُطْبَتَانِ: (سُنَّةٌ، وَلَا يَجِبُ حُضُورُهُمَا وَلَا اسْتِمَاعُهُمَا) ، لِمَا رَوَى عَطَاءٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: «شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِيدَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: إنَّا نَخْطُبُ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ، فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ، فَلْيَذْهَبْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. وَلَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَ حُضُورُهَا وَاسْتِمَاعُهَا كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ. (وَأَحْكَامُهُمَا) ، أَيْ: الْخُطْبَتَيْنِ (كَخُطْبَتَيْ جُمُعَةٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا (حَتَّى فِي) تَحْرِيمِ (كَلَامٍ) حَالَ الْخُطْبَةِ نَصًّا (إلَّا التَّكْبِيرَ مَعَ الْخَاطِبِ) ، فَيُسَنُّ كَمَا فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَمَعْنَاهُ فِي " الشَّرْحِ " وَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ، جَلَسَ نَصًّا نَدْبًا، لِيَسْتَرِيحَ، وَيَتَرَادَّ إلَيْهِ نَفْسُهُ، وَيَتَأَهَّبَ النَّاسُ لِلِاسْتِمَاعِ. (وَيَجْلِسُ يَسْمَعُ) الْخُطْبَةَ (مَنْ فَاتَتْهُ) صَلَاةُ الْعِيدِ (ثُمَّ يَقْضِيهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةَ (إنْ شَاءَ) قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ، مُنْفَرِدًا كَانَ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ تَطَوُّعًا فِي حَقِّهِ. (وَسُنَّ لِخَطِيبٍ اسْتِفْتَاحُ) خُطْبَةٍ (أُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ) نَسَقًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 801 (وَ) يَسْتَفْتِحُ خُطْبَةً (ثَانِيَةً بِسَبْعِ) تَكْبِيرَاتٍ (نَسَقًا) ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ قَالَ: " يُكَبِّرُ الْإِمَامُ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ "، وَيَكُونُ (قَائِمًا) حَالَ تَكْبِيرِهِ كَسَائِرِ أَذْكَارِ الْخُطْبَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ: إنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ. (يَحُثُّهُمْ فِي خُطْبَةِ) عِيدِ فِطْرٍ (عَلَى صَدَقَةٍ) ، لِحَدِيثِ «أَغْنُوهُمْ عَنْ السُّؤَالِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» (وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يُخْرِجُونَ) جِنْسًا وَقَدْرًا، وَوَقْتَ الْوُجُوبِ وَالْإِخْرَاجِ، (وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ) الْفِطْرَةُ، وَمَنْ يُسَنُّ إخْرَاجُهَا عَنْهُ، (وَ) مَنْ (تُدْفَعُ لَهُ) مِنْ الْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ، (وَيُرَغِّبُهُمْ) بِخُطْبَةِ (أَضْحَى فِي أُضْحِيَّةٍ) وَمَا أُعِدَّ لِفَاعِلِهَا مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ، (وَيُبَيِّنُ لَهُمْ حُكْمَهَا) ، أَيْ: مَا يُجْزِئُ وَمَا لَا يُجْزِئُ، وَمَا الْأَفْضَلُ مِنْهَا، وَوَقْتُهَا، وَمَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا " لِأَنَّهُ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ فِي خُطْبَةِ الْأَضْحَى كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ» مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَالْبَرَاءِ وَغَيْرِهِمَا. [فَصْلٌ سُنَّ تَكْبِيرٌ مُطْلَقٌ وَإِظْهَارُهُ فِي صَلَاة الْعِيد] (فَصْلٌ) (سُنَّ تَكْبِيرٌ مُطْلَقٌ وَإِظْهَارُهُ، وَ) سُنَّ (جَهْرُ غَيْرِ أُنْثَى بِهِ) ، أَيْ: التَّكْبِيرِ (فِي لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ) قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ جَمِيعًا. (وَ) تَكْبِيرُ عِيدِ (فِطْرٍ آكَدُ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة: 185] ، أَيْ: عِدَّةَ رَمَضَانَ {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] (وَ) سُنَّ التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ (مِنْ خُرُوجٍ إلَيْهِمَا) ، أَيْ: الْعِيدَيْنِ (إلَى فَرَاغِ خُطْبَةٍ) ، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ إذَا غَدَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى، ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 (وَ) سُنَّ التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ (فِي كُلِّ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) وَلَوْ لَمْ يَرَ بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ. وَسُنَّ التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ (بِكُلِّ مَكَان) فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ (مِنْ مَسْجِدٍ وَمَنْزِلٍ وَطَرِيقٍ لِمُسَافِرٍ وَمُقِيمٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ) ذَكَرٍ (أَوْ أُنْثَى) مِنْ أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ. (وَ) سُنَّ تَكْبِيرٌ (مُقَيَّدٌ فِي) عِيدِ (الْأَضْحَى) خَاصَّةً (عَقِبَ كُلِّ) صَلَاةِ (فَرِيضَةٍ صَلَّاهَا جَمَاعَةً حَتَّى الْفَائِتَةِ فِي عَامِهِ) ، أَيْ: ذَلِكَ الْعِيدِ إذَا صَلَّاهَا جَمَاعَةً، (مِنْ صَلَاةِ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) ، لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حِينَ يُسَلِّمُ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. (إلَّا الْمُحْرِمَ، فَ) يُكَبِّرُ إدْبَارَ الْمَكْتُوبَاتِ جَمَاعَةً (مِنْ صَلَاةِ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) إلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ تَنْقَطِعُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَإِنَّ وَقْتَهَا مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ كَمَا يَأْتِي، فَعُمُومُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَرْمِ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ فِي رَمْيِ الْجَمْرَةِ، إذْ هُوَ بَعْدَ الشُّرُوقِ، يُؤَيِّدُهُ لَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ إلَى بَعْدِ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي حَقِّهِ التَّكْبِيرُ وَالتَّلْبِيَةُ. (وَيُكَبِّرُ ثُمَّ يُلَبِّي مَنْ لَمْ يَرْمِ) جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ تُقْطَعُ بَعْدَ رَمْيِهَا. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ. إلَى آخِرِهِ، فَيَكُونُ تَكْبِيرُ الْمُحِلِّ عَقِبَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَرِيضَةً، وَتَكْبِيرُ الْمُحْرِمِ عَقِبَ سَبْعَ عَشْرَةَ. (وَمُسَافِرٌ وَمُمَيِّزٌ وَأُنْثَى كَمُقِيمٍ وَبَالِغٍ وَرَجُلٍ) فِي التَّكْبِيرِ عَقِبَ الْمَكْتُوبَاتِ جَمَاعَةً، لِلْعُمُومَاتِ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " إنَّمَا التَّكْبِيرُ عَلَى مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً " وَتُكَبِّرُ الْمَرْأَةُ إنْ صَلَّتْ جَمَاعَةً مَعَ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ وَتَخْفِضُ صَوْتَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 803 (وَيُكَبِّرُ إمَامٌ مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ) ، فَيَلْتَفِتُ إلَى الْمَأْمُومِينَ إذَا سَلَّمَ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ، أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ: عَلَى مَكَانِكُمْ، وَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. (وَمَنْ نَسِيَهُ) ، أَيْ: التَّكْبِيرَ، (قَضَاهُ) إذَا ذَكَرَهُ (مَكَانَهُ، فَإِنْ قَامَ) مِنْهُ (أَوْ ذَهَبَ) نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا، (عَادَ فَجَلَسَ) فِيهِ وَكَبَّرَ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَهُ جَالِسًا فِي مُصَلَّاهُ سُنَّةٌ لِمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يَتْرُكُهَا مَعَ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ كَبَّرَ مَاشِيًا، فَلَا بَأْسَ، (مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَخْرُجْ مِنْ) الـ (مَسْجِدِ أَوْ يَطُلْ فَصْلٌ) بَيْنَ سَلَامِهِ وَتَذَكُّرِهِ، فَلَا يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا. (وَيُكَبِّرُ مَنْ نَسِيَهُ إمَامُهُ) لِيَحُوزَ الْفَضِيلَةَ، وَمَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ، سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ كَبَّرَ. (وَ) يُكَبِّرُ (مَسْبُوقٌ إذَا قَضَى) مَا فَاتَهُ وَسَلَّمَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْمَسْبُوقُ وَغَيْرُهُ. (وَلَا يُسَنُّ) التَّكْبِيرُ (عَقِبَ صَلَاةِ عِيدٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا جَاءَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ. (وَصِفَتُهُ) ، أَيْ: التَّكْبِيرِ: (شَفْعًا: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَهُ عَلِيٌّ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: اخْتِيَارِي تَكْبِيرُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَيُجْزِئُ (مَرَّةٌ) وَاحِدَةٌ، (وَإِنْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا، فَحَسَنٌ) ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَأَمَّا تَكْرِيرُهُ ثَلَاثًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِهِمْ، وَلَعَلَّهُ يُقَاسُ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَعَلَى قَوْلِ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ بَعْدَ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ. (وَلَا بَأْسَ بِتَهْنِئَةِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِمَا هُوَ مُسْتَفِيضٌ بَيْنَهُمْ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 804 الْأَدْعِيَةِ، وَمِنْهُ بَعْدَ فَرَاغِ خُطْبَةٍ: قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ بِرِوَايَةِ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: قِيلَ: وَوَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ؟ قَالَ: نَعَمْ، (كَالْجَوَابِ) ، وَقَالَ: لَا أَبْتَدِئُ بِهِ. وَعَنْهُ: الْكُلُّ حَسَنٌ. [فَرْعٌ سُنَّ اجْتِهَادٌ فِي عَمَلِ خَيْرٍ مِنْ نَحْوِ ذِكْرٍ وَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ] (فَرْعٌ: سُنَّ اجْتِهَادٌ فِي عَمَلِ خَيْرٍ مِنْ نَحْوِ ذِكْرٍ وَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ) وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ (فِي أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْأَيَّامِ) ، لِحَدِيثِ «مَا مِنْ أَيَّامٍ، الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ» (وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيفِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْأَمْصَارِ) مِنْ غَيْرِ تَلْبِيَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَذِكْرٌ، قِيلَ: تَفْعَلُهُ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا. وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ. انْتَهَى. (وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَشْرِيقِ اللَّحْمِ، أَيْ: تَقْدِيدِهِ فِيهَا. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْهَدْيَ لَا يُنْحَرُ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. (وَ) الْأَيَّامُ (الْمَعْلُومَاتُ هِيَ) : أَيَّامُ التَّشْرِيقِ (بِزِيَادَةِ) يَوْمِ (النَّحْرِ) ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ ": وَأَيَّامُ الْعَشْرِ: الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: (أَوْ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَالْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) أَرْبَعَةٌ: (ذُو الْقَعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ، (وَذُو الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ (وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ) وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الصَّوَابَ الْبُدَاءَةُ بِالْمُحَرَّمِ لِتَقَعَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالصَّوَابُ فِي عَدِّهَا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وِفَاقًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 805 [بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ] (بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) (وَهُوَ ذَهَابُ ضَوْءِ أَحَدِ النَّيِّرَيْنِ) : الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، (أَوْ) ذَهَابُ (بَعْضِهِ) ، أَيْ: الضَّوْءِ. يُقَالُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ، بِفَتْحِ الْكَافِ، وَضَمِّهَا، وَكَذَا: خَسَفَتْ. وَقِيلَ: الْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ. وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ. وَرُدَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8] وَقِيلَ: الْكُسُوفُ فِي أَوَّلِهِ، وَالْخُسُوفُ فِي آخِرِهِ. وَقِيلَ: الْكُسُوفُ لِذَهَابِ بَعْضِ ضَوْئِهِ، وَالْخُسُوفُ لِذَهَابِ كُلِّهِ. وَفِعْلُهَا ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ، وَاسْتَنْبَطَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: 37] . وَهِيَ (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ، حَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالنَّوَوِيُّ إجْمَاعًا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَصَلُّوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (حَتَّى لِنِسَاءٍ) عَجَائِزَ وَصِبْيَانٍ، قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ. (وَ) حَتَّى (سَفَرًا) ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ، (بِلَا خُطْبَةٍ) ، لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ دُونَ الْخُطْبَةِ. (وَفِعْلُهَا جَمَاعَةً بِمَسْجِدِ جُمُعَةٍ أَفْضَلُ) ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ وَكَبَّرَ، وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: «خَسَفَ الْقَمَرُ، فَجَعَلَتْ الْيَهُودُ يَرْمُونَ بِالشُّهُبِ، وَيَضْرِبُونَ بِالطَّاسَاتِ، وَيَقُولُونَ: سُحِرَ الْقَمَرُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكُسُوفَ مُخَالَفَةً لَهُمْ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 806 (وَ) يَجُوزُ (لِلصِّبْيَانِ حُضُورُهَا) كَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ. (وَسُنَّ أَيْضًا ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ وَتَكْبِيرٌ وَتَقَرُّبٌ إلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَاعَ) مِنْ الْقُرَبِ، كَصَدَقَةٍ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا» الْحَدِيثَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) سُنَّ (عِتْقٌ فِي كُسُوفِهَا) ، أَيْ: الشَّمْسِ، لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ «إنَّا كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْعِتْقِ فِي الْكُسُوفِ» وَلِيَحُوزَ فَضِيلَةَ ذَلِكَ، وَيَكُونَ عَامِلًا بِمُقْتَضَى التَّخْوِيفِ. (وَ) سُنَّ (غُسْلٌ لَهَا) ، أَيْ: لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ. (وَوَقْتُهَا: مِنْ ابْتِدَاءِ كُسُوفٍ إلَى التَّجَلِّي) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَلَا تُقْضَى) صَلَاةُ الْكُسُوفِ (بِفَوْتٍ) بِالتَّجَلِّي، لِمَا تَقَدَّمَ. وَلَمْ يُنْقَلْ الْأَمْرُ بِهَا بَعْدَ التَّجَلِّي، وَلَا قَضَاؤُهَا؛ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ رَاتِبَةٍ وَلَا تَابِعَةٍ لِفَرْضٍ، فَلَمْ تُقْضَ، (كَاسْتِسْقَاءٍ، وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ، وَسُنَّةِ وُضُوءٍ، وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ) ، لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا. (وَهِيَ) ، أَيْ: صَلَاةُ الْكُسُوفِ: (رَكْعَتَانِ، يَقْرَأُ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى بَعْدَ اسْتِفْتَاحٍ وَتَعَوُّذٍ جَهْرًا، وَلَوْ) كَانَتْ الصَّلَاةُ (فِي كُسُوفِ شَمْسٍ) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ، فَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً طَوِيلَةً كَالْبَقَرَةِ) وَنَحْوِهَا، (ثُمَّ يَرْكَعُ طَوِيلًا قَالَ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ الْقَاضِي وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ: (نَحْوَ مِائَةِ آيَةٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ) مِنْ رُكُوعِهِ (فَيُسَمِّعُ) ، أَيْ: يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فِي رَفْعِهِ، (وَيُحَمِّدُ) فِي اعْتِدَالِهِ، فَيَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ. (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً، وَيُطِيلُ) قِيَامَهُ (وَهُوَ دُونَ) الْقِيَامِ (الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيلُ) رُكُوعَهُ، (وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 807 دُونَ) الرُّكُوعِ (الْأَوَّلِ) ، نِسْبَةُ الرُّكُوعِ الثَّانِي إلَى الْقِرَاءَةِ، كَنِسْبَةِ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرِهِ. (ثُمَّ يَرْفَعُ) مِنْ الرُّكُوعِ وَيُسَمِّعُ وَيُحَمِّدُ، (وَلَا يُطِيلُ اعْتِدَالَهُ) ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الرِّوَايَاتِ (ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ وَلَا يَزِيدُ وُجُوبًا عَلَيْهِمَا) ، أَيْ: السَّجْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ الزَّائِدَ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّ السُّجُودَ مُتَكَرِّرٌ، بِخِلَافِ الرُّكُوعِ، فَإِنَّهُ مُتَّحِدٌ. (وَلَا يُطِيلُ الْجُلُوسَ بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (ثُمَّ يُصَلِّي) الرَّكْعَةَ (الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى) مِنْ إتْيَانِهِ بِهَا بِرُكُوعَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، (لَكِنْ) تَكُونُ (دُونَهَا فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُ) فِيهَا، وَمَهْمَا قَرَأَ بِهِ مِنْ السُّوَرِ، جَازَ، لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْقِرَاءَةِ، (ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ) ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ، فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا أَدْنَى مِنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَمَّعَ وَحَمَّدَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ» وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ: «ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ» وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» ، (وَإِنْ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ (بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ أَوْ أَرْبَعِ) رُكُوعَاتٍ (أَوْ خَمْسِ) رُكُوعَاتٍ، (فَلَا بَأْسَ) ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «صَلَّى سِتَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 808 رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «صَلَّى فِي كُسُوفٍ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، وَالْأُخْرَى مِثْلُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ، فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ، ثُمَّ رَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ كَمَا هُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو حَتَّى انْجَلَى كُسُوفُهَا» . (وَيَتَّجِهُ: مَنْعُ زِيَادَةٍ) عَلَى خَمْسِ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَا بَعْدَ رُكُوعٍ أَوَّلٍ) كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ (سُنَّةٌ لَا تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ) لِلْمَسْبُوقِ، وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي السُّنَنِ " عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ صَلَّاهَا بِرُكُوعٍ وَاحِدً " (وَ) لِهَذَا (يَصِحُّ فِعْلُهَا كَنَافِلَةٍ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا تُعَادُ) الصَّلَاةُ (إنْ فَرَغَتْ قَبْلَ التَّجَلِّي، بَلْ يَذْكُرُ) اللَّهَ (وَيَدْعُوَ) ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ، فَلَا يَتَعَدَّدُ مُسَبَّبُهُ، (كَ) مَا لَوْ وَقَعَ (كُسُوفٌ بِوَقْتِ نَهْيٍ) ، فَلَا يُصَلِّي لَهُ، لِحَدِيثِ قَتَادَةَ، قَالَ: " انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَنَحْنُ بِمَكَّةَ، فَقَامُوا يَدْعُونَ قِيَامًا، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ: هَكَذَا كَانُوا يَصْنَعُونَ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَمِثْلُ هَذَا فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. (وَإِنْ تَجَلَّى) كُسُوفٌ وَهُوَ (فِيهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (أَتَمَّهَا خَفِيفَةً) عَلَى صِفَتِهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّجَلِّي، وَقَدْ حَصَلَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 809 (وَ) إنْ تَجَلَّى الْكُسُوفُ (قَبْلَهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ، (لَمْ يُصَلِّ) ، لِحَدِيثِ: «إذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» فَجَعَلَهُ غَايَةً لِلصَّلَاةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا زَوَالُ الْعَارِضِ، وَإِعَادَةُ النِّعْمَةِ بِالنُّورِ، وَقَدْ حَصَلَ. وَإِنْ خَفَّ قَبْلَهَا، شَرَعَ وَأَوْجَزَ. (وَإِنْ شَكَّ فِي التَّجَلِّي) لِنَحْوِ غَيْمٍ، (فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ) ، أَيْ: الْكُسُوفِ، فَيُتِمُّهَا مِنْ غَيْرِ تَخْفِيفٍ. (أَوْ ذَهَبَ) الْكُسُوفُ (عَنْ بَعْضِهِ) ، أَيْ: الْقَمَرِ، وَكَذَا الشَّمْسُ، (فَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَهَابِ الْبَاقِي) مِنْ الْكُسُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ، (كَ) مَا لَوْ شَكَّ فِي وُجُودِ كُسُوفٍ مَا غَطَّاهُ السَّحَابُ، ثُمَّ ذَهَبَ عَنْ بَعْضِهِ فَرُئِيَ صَافِيًا، فَلَا يُصَلِّي لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ (عَدَمُ وُجُودِهِ) فَيُعْمَلُ بِهِ. (وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ) فِي كُسُوفٍ وَلَا غَيْرِهِ مِمَّا يُخْبِرُونَ بِهِ، (وَلَا يَجُوزُ عَمَلٌ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الرَّجْمِ بِالْغَيْبِ، فَلَا يَجُوزُ تَصْدِيقُهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِهِمْ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ. " رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ أَنْ يُسَافِرَ لِقِتَالِ الْخَوَارِجِ، اعْتَرَضَهُ مُنَجِّمٌ وَقْتَ الرُّكُوبِ، وَقَالَ: لَا تَسِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، فَإِنَّ الْقَمَرَ فِي الْعَقْرَبِ، فَقَالَ لَهُ: إنْ كَانَ الَّذِي فِي الْعَقْرَبِ قَمَرُ الْقَوْمِ، فَأَيْنَ قَمَرُنَا؟ وَإِنْ كَانَ قَمَرُنَا، فَأَيْنَ قَمَرُهُمْ؟ ثُمَّ قَالَ: مَا كَانَ لِمُحَمَّدٍ مُنَجِّمٌ، وَلَا لَنَا مِنْ بَعْدِهِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ لِلْمُنَجِّمِ: نُخَالِفُكَ وَنَسِيرُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ الَّتِي نَهَيْتَنَا عَنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ: إيَّاكُمْ وَتَعَلُّمَ النُّجُومِ، إلَّا مَا تَهْتَدُونَ بِهِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، إنَّمَا الْمُنَجِّمُ كَالْكَافِرِ، وَالْكَافِرُ فِي النَّارِ. ثُمَّ سَافَرَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، وَلَقِيَ الْقَوْمَ وَقَتَلَهُمْ، وَهِيَ وَقْعَةُ النَّهْرَوَانُ الثَّانِيَةُ " وَمُرَادُهُ بِالْمُنَجِّمِ: الَّذِي كَالْكَافِرِ: إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ النُّجُومَ فَعَّالَةٌ بِنَفْسِهَا، لِقَوْلِهِمْ: إضَافَةُ الْمَطَرِ إلَى النَّوْءِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ إجْمَاعًا، وَأَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 810 يَخْلُقُ، عِنْدَ اقْتِرَانِ الْكَوْكَبِ الْفُلَانِيِّ بِالْكَوْكَبِ الْفُلَانِيِّ، لَا أَنَّهُمَا يَفْعَلَانِهِ، فَلَا. (وَإِنْ غَابَتْ شَمْسٌ كَاسِفَةٌ) ، لَمْ يُصَلِّ، (أَوْ طَلَعَ فَجْرٌ وَقَمَرٌ خَاسِفٌ، لَمْ يُصَلِّ) لِأَنَّهُ ذَهَبَ وَقْتُ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا. (وَإِنْ غَابَ) الْقَمَرُ (خَاسِفًا لَيْلًا، صَلَّى) ، لِبَقَاءِ وَقْتِ الِانْتِفَاعِ بِنُورِهِ. (وَمَتَى اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ، قُدِّمَتْ) جِنَازَةٌ عَلَى كُسُوفٍ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَيُخْشَى عَلَى الْمَيِّتِ بِالِانْتِظَارِ، (فَتُقَدَّمُ) صَلَاةُ جِنَازَةٍ (عَلَى مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ كُسُوفٌ مِنْ جُمُعَةٍ أَمِنَ فَوْتَهَا وَلَمْ يَشْرَعْ فِي خُطْبَتِهَا، وَ) تُقَدَّمُ أَيْضًا عَلَى صَلَاةِ (عِيدٍ) أَمِنَ فَوْتَهَا، (وَ) عَلَى (مَكْتُوبَةٍ وَ) قَدْ (أُمِنَ فَوْتٌ) ، فَيُقَدَّمُ الْكُسُوفُ عَلَى ذَلِكَ خَشْيَةَ تَجَلِّيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ خِيفَ فَوْتُ الْجُمُعَةِ، أَوْ كَانَ شَرَعَ فِي خُطْبَتِهَا، أَوْ خِيفَ فَوْتُ عِيدٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ، قُدِّمَتْ لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَهَا، إذْ السُّنَّةُ لَا تُعَارِضُ فَرْضًا. (أَوْ) ، أَيْ: وَيُقَدَّمُ كُسُوفٌ عَلَى (وِتْرٍ وَلَوْ خِيفَ فَوْتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ يُقْضَى بِخِلَافِهَا، وَأَيْضًا هِيَ آكَدُ مِنْ الْوِتْرِ. (وَيُقَدَّمُ تَرَاوِيحُ عَلَى كُسُوفٍ إنْ تَعَذَّرَ فِعْلُهُمَا) فِي وَقْتِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّرَاوِيحَ تَخْتَصُّ بِرَمَضَانَ، بِخِلَافِ الْكُسُوفِ، فَتَفُوتُ بِفَوَاتِهِ. (وَإِنْ وَقَعَ) كُسُوفٌ (بِعَرَفَةَ، صَلَّى) صَلَاةَ الْكُسُوفِ، (ثُمَّ دَفَعَ) مِنْهَا. (وَذَهَبَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ إلَى (أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ كُسُوفُ) الشَّمْسِ إلَّا فِي الِاسْتِسْرَارِ آخِرَ الشَّهْرِ إذَا اجْتَمَعَ النِّيرَانُ، فَلَا يَكُونُ (إلَّا فِي ثَامِنِ) عِشْرِينَ (أَوْ) فِي (تَاسِعِ عِشْرِينَ) مِنْ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ. (وَلَا) يُتَصَوَّرُ (خُسُوفٌ إلَّا فِي إبْدَارِ الْقَمَرِ) وَهُوَ إذَا تَقَابَلَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ أَنَّ الشَّمْسَ لَا تَنْكَسِفُ إلَّا وَقْتَ الِاسْتِسْرَارِ، وَأَنَّ الْقَمَرَ لَا يَنْخَسِفُ إلَّا وَقْتَ الْإِبْدَارِ. وَقَالَ: مَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 811 قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الشَّمْسَ تَنْكَسِفُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الِاسْتِسْرَارِ، فَقَدْ غَلِطَ، وَقَالَ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ. وَأَخْطَأَ الْوَاقِدِيُّ فِي قَوْلِهِ: إنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ يَوْمَ الْعَاشِرِ، وَهُوَ الَّذِي انْكَسَفَتْ فِيهِ الشَّمْسُ. (وَاخْتَارَهُ) ، أَيْ: اخْتَارَ قَوْلَ الشَّيْخِ (فِي " الْإِقْنَاعِ ") قَائِلًا: وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ، فَعَلَى هَذَا يَسْتَحِيلُ كُسُوفُ الشَّمْسِ بِعَرَفَةَ وَيَوْمِ الْعِيدِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَغِيبَ الْقَمَرُ لَيْلًا وَهُوَ خَاسِفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَرَدَّهُ) ، أَيْ: رَدَّ قَوْلَ الشَّيْخِ (تِلْمِيذُهُ) ابْنُ مُفْلِحٍ (فِي " الْفُرُوعِ ") فَقَالَ: ذَكَرَ أَبُو شَامَةَ فِي تَارِيخِهِ ": أَنَّ الْقَمَرَ خَسَفَ لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشْرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي غَدِهِ (وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) . قَالَ: وَاتَّضَحَ بِذَلِكَ مَا صَوَّرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْكُسُوفِ وَالْعِيدِ، وَاسْتَبْعَدَهُ أَهْلُ النَّجَّامَةِ انْتَهَى. قَالَ فِي " الْفُصُولِ " لَا يَخْتَلِفُ النَّقْلُ فِي ذَلِكَ، نَقَلَهُ الْوَاقِدِيُّ وَالزُّبَيْرِيُّ. وَإِنَّ الْفُقَهَاءَ فَرَّعُوا وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ إذَا اتَّفَقَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا سِيَّمَا إذَا اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ، فَتَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا [فَرْعٌ لَا يُصَلَّى لِآيَةٍ مِنْ سَائِرِ الْآيَاتِ غَيْرُ كُسُوفٍ] (فَرْعٌ: لَا يُصَلَّى لِآيَةٍ) مِنْ سَائِرِ الْآيَاتِ (غَيْرُ كُسُوفٍ، كَ) وُقُوعِ (ظُلْمَةٍ نَهَارًا، وَضِيَاءٍ لَيْلًا وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ وَصَوَاعِقَ) ، لِعَدَمِ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، مَعَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي زَمَانِهِمْ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ، وَهُبُوبُ الرِّيَاحِ وَالصَّوَاعِقِ، (إلَّا لِزَلْزَلَةٍ دَائِمَةٍ، فَيُصَلَّى لَهَا كَصَلَاةِ كُسُوفٍ) نَصًّا " لِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 812 رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ ، وَقَالَ: لَوْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ لَقُلْنَا بِهِ. وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ صَلَاةُ رَهْبَةٍ وَخَوْفٍ، كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةُ رَحْمَةٍ وَرَجَاءٍ. [بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] أَيْ: بَابُ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ الِاسْتِسْقَاءِ (وَهُوَ) ، أَيْ: الِاسْتِسْقَاءُ (الدُّعَاءُ بِطَلَبِ السُّقْيَا عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) . وَالسُّقْيَا: بِضَمِّ السِّينِ: الِاسْمُ مِنْ السَّقْيِ. وَهِيَ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ حَتَّى بِسَفَرٍ) ، لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَتُفْعَلُ جَمَاعَةً وَفُرَادَى، وَالْأَفْضَلُ جَمَاعَةً. (إذَا ضَرَّ) النَّاسَ (إجْدَابُ أَرْضٍ) ، يُقَالُ: أَجْدَبَ الْقَوْمُ، إذَا أَمْحَلُوا (أَوْ) ضَرَّهُمْ (قَحْطُ مَطَرٍ) ، أَيْ: احْتِبَاسُهُ (عَنْ أَرْضٍ مَسْكُونَةٍ أَوْ مَسْلُوكَةٍ) لِعَدَمِ الضَّرَرِ فِي غَيْرِهِمَا (وَلَوْ) ضَرَّ (غَيْرَ أَرْضِهِمْ) ، لِحُصُولِ الضَّرَرِ بِهِ (أَوْ) ضَرَّهُمْ (غَوْرُ مَاءِ عُيُونٍ) فِي الْأَرْضِ، (أَوْ) ضَرَّهُمْ غَوْرُ مَاءِ (أَنْهَارٍ) جَمْعُ: نَهْرٍ، بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا: مَجْرَى الْمَاءِ. (أَوْ) ضَرَّهُمْ (نَقْصُهَا) ، أَيْ: نَقْصُ مَائِهَا (وَضَرَّ) ذَلِكَ بِهِمْ، فَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ لَهُ كَقَحْطِ الْمَطَرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 813 وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ الْإِمَامُ أَوْ الْمُطَاعُ فِي قَوْمِهِ زَمَنَ جَدْبٍ، لَزِمَهُ الِاسْتِسْقَاءُ فِي نَفْسِهِ. وَلَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ غَيْرَهُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ نَافِلَةٌ فِي حَقِّهِمْ، فَلَا يُجْبِرُهُمْ عَلَيْهِ. وَإِنْ نَذَرَهَا غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ الْمُطَاعِ، انْعَقَدَ نَذْرُهُ أَيْضًا، وَلَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ، لِحَدِيثِ «وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (وَإِنْ نُذِرَتْ) صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ (زَمَنَ خِصْبٍ، لَمْ تَنْعَقِدْ) . صَوَّبَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ إذَنْ. (وَيَتَّجِهُ: بَلْ) مَنْ نَذَرَ الِاسْتِسْقَاءَ مِنْ خِصْبٍ، فَنَذْرُهُ (كَ) نَذْرٍ (مُبَاحٍ) ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ تَرْكِهَا، وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ". (وَوَقْتُهَا) ، أَيْ: صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ (وَصِفَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا وَأَحْكَامُهَا كَصَلَاةِ عِيدٍ مِنْ تَكْبِيرَاتٍ زَوَائِدَ وَخُطْبَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " سُنَّةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةُ الْعِيدَيْنِ " فَعَلَى هَذَا تُسَنُّ فِي الصَّحْرَاءِ، وَأَنْ تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُقِمْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 814 إلَّا فِي الصَّحْرَاءِ، وَهِيَ أَوْسَعُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي الْعِيدَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَسُنَّ فِعْلُهَا) ، أَيْ: صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ (أَوَّلَ النَّهَارِ) وَقْتَ صَلَاةِ الْعِيدِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلَا تَتَقَيَّدُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ، فَيَجُوزُ فِعْلُهَا بَعْدَهُ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، إلَّا أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. (وَيَقْرَأُ فِيهَا) : بِسَبِّحْ وَ: الْغَاشِيَةِ، (كَصَلَاةِ عِيدٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ شَاءَ) قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: 1] لِمُنَاسَبَتِهَا الْحَالَ، (فَ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (سُورَةً أُخْرَى) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ. (وَإِذَا أَرَادَ إمَامٌ الْخُرُوجَ لَهَا، وَعَظَ النَّاسَ) ، أَيْ: خَوَّفَهُمْ، وَذَكَّرَهُمْ بِالْخَيْرِ لِتَرِقَّ بِهِ قُلُوبُهُمْ، وَيَنْصَحُهُمْ وَيُذَكِّرُهُمْ بِالْعَوَاقِبِ (وَأَمَرَهُمْ بِتَوْبَةٍ) مِنْ الْمَعَاصِي (وَرَدِّ مَظَالِمَ) بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ سَبَبُ الْقَحْطِ، وَالتَّقْوَى سَبَبُ الْبَرَكَاتِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: 96] الْآيَةَ. (وَ) أَمَرَهُمْ بِ (تَرْكِ تَشَاحُنٍ) ، مِنْ الشَّحْنَاءِ وَهِيَ: الْعَدَاوَةُ؛ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْبَهْتِ، وَتَمْنَعُ نُزُولَ الْخَيْرِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ» (وَ) أَمَرَهُمْ (بِصَدَقَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِلرَّحْمَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى رَحْمَتِهِمْ بِنُزُولِ الْغَيْثِ. (وَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 815 أَمَرَهُمْ بِ (صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، يَخْرُجُونَ آخِرَهَا صِيَامًا) ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى نُزُولِ الْغَيْثِ. وَقَدْ رُوِيَ: «دَعْوَةُ الصَّائِمِ لَا تُرَدُّ» وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ الشَّهْوَةِ، وَحُضُورِ الْقَلْبِ، وَالتَّذَلُّلِ لِلرَّبِّ. (وَلَا يَلْزَمَانِ) ، أَيْ: الصَّدَقَةُ وَالصَّوْمُ (بِأَمْرِهِ) مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِوُجُوبِ طَاعَتِهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا. (وَلَيْسَ لَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (إلْزَامُ غَيْرِهِ بِخُرُوجٍ مَعَهُ) إلَى الْمُصَلَّى (وَقَوْلُهُمْ: تَجِبُ طَاعَتُهُ، الْمُرَادُ بِهِ: فِي السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْأُمُورِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا) لَا مُطْلَقًا، وَلِهَذَا جَزَمَ بَعْضُهُمْ: تَجِبُ فِي الطَّاعَةِ، وَتُسَنُّ فِي الْمَسْنُونِ، وَتُكْرَهُ فِي الْمَكْرُوهِ. (وَيَعِدُهُمْ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ) لِلِاسْتِسْقَاءِ، لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَيَتَنَظَّفُ لَهَا بِغُسْلٍ وَسِوَاكٍ وَإِزَالَةِ رَائِحَةٍ) كَرِيهَةٍ وَتَقْلِيمِ أَظْفَارٍ وَنَحْوِهِ، لِئَلَّا يُؤْذِيَ النَّاسَ، وَهُوَ يَوْمٌ يَجْتَمِعُونَ لَهُ، أَشْبَهَ الْجُمُعَةَ. (وَلَا يَتَطَيَّبُ) ، وِفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ اسْتِكَانَةٍ وَخُضُوعٍ، (وَيَخْرُجُ) إلَى الْمُصَلَّى (فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ مُتَوَاضِعًا، مُتَخَشِّعًا) ، أَيْ: خَاضِعًا (مُتَذَلِّلًا) مِنْ الذُّلِّ، وَهُوَ: الْهَوَانُ، (مُتَضَرِّعًا) ، أَيْ: مُسْتَكِينًا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلِاسْتِسْقَاءِ مُتَذَلِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَالْخُشُوعُ: سُكُونُ الْقَلْبِ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى غَيْرِهِ، وَسُكُونُ الْجَوَارِحِ عَنْ التَّقَلُّبِ فِي غَيْرِ الْمَفْعُولِ عَلَى قَصْدِ الْقُرْبَةِ. (وَمَعَهُ أَهْلُ دِينٍ وَصَلَاحٍ وَشُيُوخٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ لِإِجَابَتِهِمْ. " وَقَدْ اسْتَسْقَى عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ، وَمُعَاوِيَةُ بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَاسْتَسْقَى بِهِ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ مَرَّةً أُخْرَى " ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَقَالَ السَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ ": لَا بَأْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 816 بِالتَّوَسُّلِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ بِالشُّيُوخِ وَالْعُلَمَاءِ الْمُتَّقِينَ. وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَشْفِعَ إلَى اللَّهِ بِرَجُلٍ صَالِحٍ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ» : الِاسْتِعَاذَةُ لَا تَكُونُ بِمَخْلُوقٍ (وَسُنَّ خُرُوجُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ، فَتُرْجَى إجَابَةُ دُعَائِهِ. (وَأُبِيحَ خُرُوجُ طِفْلٍ وَعَجُوزٍ وَبَهِيمَةٍ) ؛ لِأَنَّ الرِّزْقَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْكُلِّ. وَرَوَى الْبَزَّارُ مَرْفُوعًا: «لَوْلَا أَطْفَالٌ رُضَّعٌ، وَعِبَادٌ رُكَّعٌ، وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ، لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا» وَرُوِيَ «أَنَّ سُلَيْمَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَرَأَى نَمْلَةً مُسْتَلْقِيَةً، وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، لَيْسَ بِنَا غِنًى عَنْ رِزْقِكَ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: ارْجِعُوا، فَقَدْ سُقِيتُمْ بِدَعْوَةِ غَيْرِكُمْ» (وَكَذَا) أُبِيحَ (تَوَسُّلٌ بِصَالِحِينَ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَقِيلَ: يُسَنُّ) ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مَنْسَكِهِ الَّذِي كَتَبَهُ لِلْمَرُّوذِيِّ: يُتَوَسَّلُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دُعَائِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالتَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَطَاعَتِهِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَبِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي حَقِّهِ مَشْرُوعٌ إجْمَاعًا، وَهُوَ مِنْ الْوَسِيلَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35] (وَكُرِهَ) خُرُوجٌ (لِنِسَاءٍ ذَوَاتِ هَيْئَةٍ) خَوْفَ الْفِتْنَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 817 (وَ) كُرِهَ (إخْرَاجُنَا لِأَهْلِ ذِمَّةٍ) وَمَنْ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ، فَهُمْ بَعِيدُونَ مِنْ الْإِجَابَةِ. وَإِنْ أُغِيثَ الْمُسْلِمُونَ، فَرُبَّمَا ظَنُّوهُ بِدُعَائِهِمْ. (وَلَا يُمْنَعُونَ إنْ خَرَجُوا) مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِطَلَبِ الرِّزْقِ، وَاَللَّهُ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ كَمَا ضَمِنَ أَرْزَاقَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَكُونُ خُرُوجُهُمْ (مُنْفَرِدِينَ بِمَكَانٍ) عَنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَخْتَلِطُونَ بِهِمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ عَذَابٌ، فَيَعُمَّ مَنْ حَضَرَ. وَ (لَا) يَنْفَرِدُونَ (بِيَوْمٍ) لِئَلَّا يَتَّفِقَ نُزُولُ غَيْثٍ يَوْمَ خُرُوجِهِمْ وَحْدَهُمْ، فَيَكُونُ أَعْظَمَ لِفِتْنَتِهِمْ، وَرُبَّمَا افْتَتَنَ بِهِمْ غَيْرُهُمْ. وَحُكْمُ نِسَائِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ وَعَجَائِزِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ كَحُكْمِهِمْ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْخُرُوجِ مُنْفَرِدِينَ بِيَوْمٍ. (وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُمْ شَابَّةٌ كَالْمُسْلِمِينَ) وَالْمُرَادُ: حَسْنَاءُ وَلَوْ عَجُوزًا خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ (وَيُؤْمَرُ سَادَةُ أَرِقَّاءَ بِإِخْرَاجِهِمْ) رَجَاءَ اسْتِجَابَةِ دُعَائِهِمْ، لِانْكِسَارِهِمْ بِالرِّقِّ. (وَإِذَا صَلَّى بِهِمْ) رَكْعَتَيْنِ كَالْعِيدِ (خَطَبَ) بَعْدَ ذَلِكَ (خُطْبَةً وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ خَطَبَنَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَكَالْعِيدِ يَجْلِسُ قَبْلَهَا إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ، لِيَتَرَادَّ إلَيْهِ نَفَسُهُ، ثُمَّ (يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ تِسْعًا) نَسَقًا (كَعِيدٍ) ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «صَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدِ» (وَيُكْثِرُ فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 818 نَدْبًا مِنْ اسْتِغْفَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ نُزُولِ الْغَيْثِ. رَوَى سَعِيدٌ " أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَاكَ اسْتَسْقَيْتَ، فَقَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْغَيْثَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّذِي يُسْتَنْزَلُ بِهِ الْمَطَرُ، ثُمَّ قَرَأَ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": مَجَادِيحُ السَّمَاءِ: أَنْوَاؤُهَا. (وَ) يُكْثِرُ أَيْضًا مِنْ (قِرَاءَةِ آيَاتٍ فِيهَا الْأَمْرُ بِهِ) ، أَيْ: بِالِاسْتِغْفَارِ (نَحْوُ) قَوْله تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] وَ {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3] (وَ) مِنْ (صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لِأَنَّهَا مَعُونَةٌ عَلَى الْإِجَابَةِ. وَعَنْ عُمَرَ، قَالَ: " الدُّعَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) وَقْتَ الدُّعَاءِ، لِقَوْلِ أَنَسٍ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَكَانَ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَظُهُورُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ) ، لِحَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (فَيَدْعُو قَائِمًا) كَسَائِرِ الْخُطْبَةِ، (وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ جَالِسًا) رَافِعًا يَدَيْهِ كَالْإِمَامِ، (وَمَهْمَا دَعَا بِهِ، جَازَ) ، لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ، (وَالْأَفْضَلُ) الدُّعَاءُ (بِدُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] (وَهُوَ: " اللَّهُمَّ) - أَيْ: يَا اللَّهُ - (اسْقِنَا) - بِوَصْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 819 الْهَمْزَةِ وَقَطْعِهَا - (غَيْثًا) هُوَ مَصْدَرٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الْمَطَرُ، وَيُسَمَّى: الْكَلَأُ، غَيْثًا (مُغِيثًا) ، أَيْ: مُنْقِذًا مِنْ الشِّدَّةِ، يُقَالُ: غَاثَهُ، وَأَغَاثَهُ، وَغِيثَتْ الْأَرْضُ، فَهِيَ مُغِيثَةٌ وَمَغْيُوثَةٌ. (هَنِيئًا) بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ: حَاصِلًا بِلَا مَشَقَّةٍ. (مَرِيئًا) : السَّهْلُ النَّافِعُ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةَ، وَهُوَ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ، (مَرِيعًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، أَيْ: مُخْصِبًا كَثِيرَ النَّبَاتِ، يُقَالُ: أَمْرَعَ الْمَكَانُ وَمُرْعٍ بِالضَّمِّ: إذَا أَخْصَبَ. (غَدَقًا) بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا، وَالْمُغْدِقُ: الْكَثِيرُ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ. (مُجَلَّلًا) : السَّحَابَ الَّذِي يَعُمُّ الْبِلَادَ نَفْعُهُ. (سَحًّا) : الصَّبُّ يُقَالُ: سَحَّ الْمَاءُ، يَسِحُّ: إذَا سَالَ مِنْ فَوْقٍ إلَى أَسْفَلَ، وَسَاحَ يَسِيحُ إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. (عَامًّا) شَامِلًا (طَبَقًا) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْبَاءِ: الَّذِي طَبَقَ الْبِلَادَ مَطَرُهُ (دَائِمًا) ، أَيْ: مُتَّصِلًا إلَى أَنْ يَحْصُلَ الْخِصْبُ. (نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ ") رَوَى ذَلِكَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: " أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَاكِي فَقَالَ: فَذَكَرَهُ. قَالَ: فَأَطْبَقَتْ السَّمَاءُ عَلَيْهِمْ " «اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اسْتَسْقَى قَالَ، فَذَكَرَهُ " ( «اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ» ) ، أَيْ: الْآيِسِينَ، قَالَ تَعَالَى: {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] ، أَيْ: لَا تَيْأَسُوا. «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ، اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ مِنْ اللَّأْوَاءِ» ، أَيْ: الشِّدَّةِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: شِدَّةُ الْمَجَاعَةِ. (وَالْجَهْدِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ: الْمَشَقَّةُ، وَضَمِّهَا: الطَّاقَةُ، قَالَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 820 الْجَوْهَرِيُّ. (وَالضَّنْكِ) : الضِّيقُ (مَا لَا نَشْكُوهُ إلَّا إلَيْكَ اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ) . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الضَّرْعُ لِكُلِّ ذَاتِ خُفٍّ أَوْ ظِلْفٍ (وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ) ، أَيْ: الْمَطَرِ الْكَثِيرِ النَّافِعِ. وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ هُنَا: السَّحَابُ (وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجُوعَ وَالْجَهْدَ وَالْعُرْيَ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا ") ، أَيْ: دَائِمًا زَمَنَ الْحَاجَةِ. وَهَذَا الدُّعَاءُ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ: «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ " عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ، وَهُوَ مُرْسَلٌ. (وَسُنَّ اسْتِقْبَالُ إمَامٍ الْقِبْلَةَ أَثْنَاءَ خُطْبَةٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (قَائِلًا سِرًّا: اللَّهُمَّ إنَّكَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ وَوَعَدْتَنَا إجَابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتَنَا، فَاسْتَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدْتَنَا) قَوْله تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] وَإِنْ دَعَا بِغَيْرِهِ، فَلَا بَأْسَ. (ثُمَّ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ فَيَجْعَلُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ) وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ وَدَعَا اللَّهَ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ، ثُمَّ قَلَبَ رِدَاءَهُ، فَجَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ» (وَكَذَا النَّاسُ) يُحَوِّلُونَ أَرْدِيَتَهُمْ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 821 فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ، كَيْفَ وَقَدْ عُقِلَ الْمَعْنَى، وَهُوَ التَّفَاؤُلُ بِقَلْبِ مَا بِهِمْ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ. بَلْ رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. (وَيَتْرُكُونَهُ) ، أَيْ: الرِّدَاءَ مُحَوَّلًا (حَتَّى يَنْزِعُوهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ) لِعَدَمِ نَقْلِ إعَادَتِهِ. وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: لَا تَحْوِيلَ فِي كُسُوفٍ، وَلَا حَالَةَ الْأَمْطَارِ وَالزَّلْزَلَةِ. (وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ اسْتَقْبَلَهُمْ، ثُمَّ حَثَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْخَيْرِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَيَقْرَأُ مَا تَيَسَّرَ) مِنْ الْقُرْآنِ (ثُمَّ يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَمَّتْ الْخُطْبَةُ) . ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ. (فَإِنْ سُقُوا) ، فَذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ، (وَإِلَّا عَادُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا) وَأَلَحُّوا فِي الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّضَرُّعِ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ فَاسْتُحِبَّ كَالْأَوَّلِ. قَالَ أَصْبَغُ: اُسْتُسْقِيَ لِلنِّيلِ بِمِصْرَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مَرَّةً مُتَوَالِيَةً، وَحَضَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ وَابْنُ وَهْبٍ وَجَمْعٌ. (وَإِنْ سُقُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ، فَإِنْ) كَانُوا (تَأَهَّبُوا) لِلْخُرُوجِ (خَرَجُوا وَصَلَّوْهَا شُكْرًا لِلَّهِ) تَعَالَى، (وَإِلَّا) يَكُونُوا تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ (لَمْ يَخْرُجُوا) ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، (وَشَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَسَأَلُوهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ) ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ شُرِعَتْ لِأَجْلِ الْعَارِضِ مِنْ الْجَدْبِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النُّزُولِ. وَإِنْ سُقُوا بَعْدَ خُرُوجِهِمْ، صَلَّوْا وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " (وَإِنْ اسْتَسْقَوْا عَقِبَ صَلَوَاتِهِمْ أَوْ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، أَصَابُوا السُّنَّةَ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 822 ذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمْعٌ: أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: مَا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ، وَهُوَ أَكْمَلُهَا. الثَّانِي: " اسْتِسْقَاءُ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي خُطْبَتِهَا، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. الثَّالِثُ: دُعَاؤُهُمْ عَقِبَ صَلَوَاتِهِمْ وَفِي خَلَوَاتِهِمْ. (وَسُنَّ وُقُوفٌ فِي أَوَّلِ مَطَرٍ وَتَوَضُّؤٌ وَاغْتِسَالٌ مِنْهُ وَإِخْرَاجُ رَحْلِهِ) ، أَيْ: مَا يُسْتَصْحَبُ مِنْ أَثَاثٍ، (وَ) إخْرَاجُ (ثِيَابِهِ لِيُصِيبَهَا) الْمَطَرُ، لِقَوْلِ أَنَسٍ: «أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَطَرٌ، فَحَسَرَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ فَقُلْنَا: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْزِعُ ثِيَابَهُ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ إلَّا الْإِزَارَ يَتَّزِرُ بِهِ» وَ " عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ قَالَ لِغُلَامِهِ: أَخْرِجْ رَحْلِي وَفِرَاشِي يُصِيبُهُ الْمَطَرُ " (وَيَغْتَسِلُ فِي الْوَادِي إذَا سَالَ) . وَاقْتَصَرَ فِي " الشَّرْحِ " عَلَى الْوُضُوءِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ إذَا سَالَ الْوَادِي: اُخْرُجُوا بِنَا إلَى الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرُ بِهِ» (وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا) لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَأَى الْمَطَرَ، قَالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. وَعِبَارَةُ " الْآدَابِ الْكُبْرَى " بِالسِّينِ. قَالَ: السَّيِّبُ: الْعَطَاءُ. (وَإِنْ كَثُرَ مَطَرٌ حَتَّى خِيفَ مِنْهُ، سُنَّ قَوْلُ: " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا ") ، أَيْ: أَنْزِلْهُ حَوَالَيْ الْمَدِينَةِ مَوَاضِعَ النَّبَاتِ، وَلَا عَلَيْنَا فِي الْمَدِينَةِ، وَلَا غَيْرِهَا مِنْ الْمَبَانِي (اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ تَلِيهَا مَدَّةٌ عَلَى وَزْنِ آصَالٍ، وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ بِغَيْرِ مَدٍّ عَلَى وَزْنِ جِبَالٍ، فَالْأَوَّلُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 823 جَمْعُ أُكُمٍ، كَعُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ، وَأُكُمٌ جَمْعُ إكَامٍ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ، وَإِكَامٌ جَمْعُ أَكَمٍ، كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ. وَأَكَمٌ وَاحِدُهُ أَكَمَةٌ، فَهُوَ مُفْرَدٌ جُمِعَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ مَا غَلُظَ مِنْ الْأَرْضِ وَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَبَلًا، وَكَانَ أَكْثَرَ ارْتِفَاعًا مِمَّا حَوْلَهُ كَالتُّلُولِ وَنَحْوِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ الْجِبَالُ الصِّغَارُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ حَجَرٌ وَاحِدٌ. (وَالظِّرَابُ) ، أَيْ: الرَّوَابِي الصِّغَارُ، جَمْعُ ظَرِبٍ، بِكَسْرِ الرَّاءِ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ. (وَبُطُونُ الْأَوْدِيَةِ) ، أَيْ: الْأَمْكِنَةُ الْمُنْخَفِضَةُ (وَمَنَابِتُ الشَّجَرِ) ، أَيْ: أُصُولُهَا؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهَا. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي لِذَلِكَ، بَلْ يَدْعُو؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الضَّرَرَيْنِ، فَاسْتُحِبَّ لِانْقِطَاعِهِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ. وَلَا يُشْرَعُ لَهُ الِاجْتِمَاعُ فِي الصَّحْرَاءِ، وَيَقْرَأُ {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] إلَى آخِرِهِ (الْآيَةَ) ؛ لِأَنَّهَا لَائِقَةٌ بِالْحَالِ، فَاسْتُحِبَّ قَوْلُهَا، كَسَائِرِ الْأَقْوَالِ اللَّائِقَةِ بِمَحَالِّهَا: وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] ، أَيْ: لَا تُكَلِّفْنَا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ، وَقِيلَ: هُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ وَالْوَسْوَسَةُ. وَعَنْ مَكْحُولٍ: هُوَ الْغِلْمَةُ، أَيْ: الشَّهْوَةُ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ: هُوَ الْحُبُّ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ: هُوَ الْعِشْقُ. وَقِيلَ: شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ. وَقِيلَ هُوَ الْفُرْقَةُ وَالْقَطِيعَةُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا. " وَاعْفُ عَنَّا "، أَيْ: تَجَاوَزْ عَنَّا ذُنُوبَنَا. " وَاغْفِرْ لَنَا "، أَيْ: اُسْتُرْ عَلَيْنَا ذُنُوبَنَا وَلَا تَفْضَحْنَا. " وَارْحَمْنَا " فَإِنَّنَا لَا نَنَالُ الْعَمَلَ بِطَاعَتِكَ وَلَا تَرْكِ مَعَاصِيكَ إلَّا بِرَحْمَتِكَ. " أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا " وَحَافِظُنَا. (وَكَذَلِكَ إذَا زَادَ مَاءُ نَهْرٍ بِحَيْثُ يَضُرُّ، اُسْتُحِبَّ دُعَاءٌ لَيُخَفَّفَ عَنْهُمْ، وَيُصْرَفَ إلَى أَمَاكِنَ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى زِيَادَةِ الْأَمْطَارِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 824 (وَسُنَّ دُعَاءٌ عِنْدَ نُزُولِ غَيْثٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ عِنْدَ ثَلَاثٍ: الْتِقَاءُ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ، وَنُزُولُ الْغَيْثِ» (وَ) سُنَّ (قَوْلُ: " مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ " وَيَحْرُمُ) قَوْلُ: مُطِرْنَا (بِنَوْءِ كَذَا) ، لِخَبَرِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «أَلَمْ تَرَوْا إلَى مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ: مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ، يَنْزِلُ الْغَيْثُ فَيَقُولُونَ: الْكَوْكَبُ كَذَا وَكَذَا» وَفِي رِوَايَةٍ " بِكَوْكَبِ كَذَا وَكَذَا " فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كُفْرُ النِّعْمَةِ. (وَإِضَافَةُ مَطَرٍ إلَى نَوْءٍ دُونَ اللَّهِ اعْتِقَادًا كُفْرٌ إجْمَاعًا) ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ، لِاعْتِقَادِهِ خَالِقًا غَيْرَ اللَّهِ. (وَلَا يُكْرَهُ) قَوْلُ: مُطِرْنَا (فِي نَوْءِ كَذَا) ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ: بِرَحْمَةِ اللَّهِ، خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ. وَالنَّوْءُ: النَّجْمُ مَالَ لِلْغُرُوبِ، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ". وَالْأَنْوَاءُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مَنْزِلَةً، وَهِيَ مَنَازِلُ الْقَمَرِ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس: 39] . [فَصْلٌ مَنْ رَأَى سَحَابًا أَوْ هَبَّتْ رِيحٌ] (فَصْلٌ) (وَمَنْ رَأَى سَحَابًا أَوْ هَبَّتْ رِيحٌ سَأَلَ اللَّهَ خَيْرَهُ، وَتَعَوَّذَ مِنْ شَرِّهِ، وَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَلَا يَسُبُّ الرِّيحَ إذَا عَصَفَتْ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، يَأْتِي بِالرَّحْمَةِ، وَيَأْتِي بِالْعَذَابِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا، فَلَا تَسُبُّوهَا، وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا، وَاسْتَعِيذُوا مِنْ شَرِّهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. (بَلْ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 825 مَا أُرْسِلَتْ بِهِ» ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ. «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا» ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ " قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57] وَقَالَ تَعَالَى: {فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ} [الحاقة: 6] . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا لَقْحًا لَا عَقِيمًا» وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ وَأَبُو يَعْلَى: وَيُكَبِّرُ، «وَيَقُولُ إذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ: اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ، سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. فِيمَا إذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ مُقَدَّمًا: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ إلَى آخِرِهِ، عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا نَقَلَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ عَنْهُ فِي " الْكَلِمِ الطَّيِّبِ ". (وَلَا يُتْبِعُ بَصَرَهُ الْبَرْقَ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) . فَائِدَةٌ: رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الْحِلْيَةِ " بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي زَكَرِيَّا قَالَ: مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عِنْدَ الْبَرْقِ، لَمْ تُصِبْهُ صَاعِقَةٌ. (وَيَقُولُ إذَا انْقَضَّ كَوْكَبٌ: " مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ") لِلْخَبَرِ رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ". (وَإِذَا سَمِعَ نَهِيقَ حِمَارٍ) اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ. (أَوْ) سَمِعَ (نُبَاحَ) بِضَمِّ النُّونِ، أَيْ: صَوْتَ (كَلْبٍ، اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد. (وَإِذَا سَمِعَ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ، سَأَلَ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) ، لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ، قَالَ فِي " الْآدَابِ ": يُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ لِذَلِكَ، كَمَا ذَكَرُوا أَنَّهُ يَقْطَعُهَا لِلْأَذَانِ، ظَاهِرُهُ: وَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 826 (وَ) وَرَدَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ (قَوْسَ قُزَحَ) أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ الْغَرَقِ، وَهُوَ (مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَدَعْوَى الْعَامَّةِ: إنْ غَلَبَتْ حُمْرَتُهُ كَانَتْ الْفِتَنُ وَالدِّمَاءُ، وَإِنْ غَلَبَتْ خُضْرَتُهُ كَانَ الرَّخَاءُ وَالسُّرُورُ، هَذَيَانٌ) ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ. (فَرْعٌ: وَرَدَ: " لَا تَقُولُوا: قَوْسُ قُزَحَ، فَإِنَّ قُزَحَ شَيْطَانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: قَوْسُ اللَّهِ، فَهُوَ أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ الْغَرَقِ ") وَقُزَحُ: كَزُفَرَ، سُمِّيَتْ لِتَلَوُّنِهَا، مِنْ الْقُزْحَةِ: بِالضَّمِّ لِلطَّرِيقَةِ مِنْ صُفْرَةٍ، وَحُمْرَةٍ وَخُضْرَةٍ، أَوْ مِنْ ارْتِفَاعِهَا، مِنْ: قَزَحَ إذَا ارْتَفَعَ، وَمِنْهُ: شَعْرٌ قَازِحٌ عَالٍ، أَوْ قُزَحُ: اسْمُ مَلَكٍ مُوَكَّلٍ بِالسَّحَابِ، أَوْ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ، أُضِيفَتْ قَوْسُ لِأَحَدِهِمَا، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 827 [كِتَابُ الْجَنَائِزِ] ِ بِفَتْحِ الْجِيمِ: جَمْعُ جِنَازَةٍ، بِكَسْرِهَا، وَالْفَتْحُ لُغَةٌ، وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ: لِلْمَيِّتِ، وَبِالْكَسْرِ: لِلنَّعْشِ عَلَيْهِ مَيِّتٌ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَيِّتٌ، فَلَا يُقَالُ: نَعْشٌ، وَلَا جِنَازَةٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: سَرِيرٌ. وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَنَزَ، مِنْ بَابِ: ضَرَبَ إذَا سَتَرَ. وَكَانَ مِنْ حَقِّ هَذَا الْكِتَابِ أَنْ يُذْكَرَ بَيْنَ الْوَصَايَا وَالْفَرَائِضِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَهَمَّ مَا يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، أَعْقَبَهُ لِلصَّلَاةِ. (يُشْرَعُ) ، أَيْ: يُسَنُّ (الِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ بِتَوْبَةٍ مِنْ مَعَاصٍ وَخُرُوجٍ مِنْ مَظَالِمِ) الْعِبَادِ، إمَّا بِرَدِّهَا، أَوْ الِاسْتِحْلَالِ مِنْ أَرْبَابِهَا، (وَزِيَادَةِ عَمَلٍ صَالِحٍ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا} [الكهف: 110] . (وَمَنْ عَرَفَ الْمَوْتَ هَانَتْ عَلَيْهِ مَصَائِبُ الدُّنْيَا) ، إذْ لَا مُصِيبَةَ أَعْظَمُ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى: {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106] . (وَسُنَّ إكْثَارٌ مِنْ ذِكْرِهِ) ، أَيْ: الْمَوْتِ، لِحَدِيثِ: «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ، فَمَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ إلَّا قَلَّلَهُ، وَلَا فِي قَلِيلٍ إلَّا كَثَّرَهُ» قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَعْنَاهُ: مَتَى ذُكِرَ فِي قَلِيلِ الرِّزْقِ، اسْتَكْثَرَهُ الْإِنْسَانُ، لِاسْتِقْلَالِ مَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ، وَمَتَى ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ قَلَّلَهُ، لِأَنَّ كَثِيرَ الدُّنْيَا إذَا عُلِمَ انْقِطَاعُهُ بِالْمَوْتِ، قَلَّ عِنْدَهُ. وَهَاذِمُ اللَّذَّاتِ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: الْمَوْتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 828 (وَ) سُنَّ (عِيَادَةُ) مَرِيضٍ (مُسْلِمٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (غَيْرِ مُبْتَدِعٍ يَجِبُ هَجْرُهُ، كَرَافِضِي) دَاعِيَةٍ أَوْ لَا، قَالَ فِي " النَّوَادِرِ ": تَحْرُمُ عِيَادَتُهُ. (أَوْ يُسَنُّ) هَجْرُهُ، (كَمُتَجَاهِرٍ بِمَعْصِيَةٍ) ، فَلَا تُسَنُّ عِيَادَتُهُ إذَا مَرِضَ، لِيَرْتَدِعَ وَيَتُوبَ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا عَلِمَ مِنْ رَجُلٍ أَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، لَمْ يَأْثَمْ إنْ هُوَ جَفَاهُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَإِلَّا، كَيْفَ يُبَيِّنُ لِلرَّجُلِ مَا هُوَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُرَ مُنْكِرًا عَلَيْهِ وَلَا جَفْوَةً مِنْ صَدِيقٍ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَجَاهِرِ بِمَعْصِيَةٍ يُعَادُ، (قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَتُكْرَهُ عِيَادَةُ رَجُلٍ لِامْرَأَةٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ) لَهُ، (أَوْ تَعُودُهُ) هِيَ، (وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ) جَوَازَ (عِيَادَتِهَا) إذَا كَانَتْ مُسْتَتِرَةً، (وَحَمَلَ) هَذَا الْإِطْلَاقَ (عَلَى مَنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً) ، وَهُوَ مَحْمَلٌ حَسَنٌ. (وَيُعَادُ مِنْ وَجَعِ ضِرْسٍ، وَرَمَدٍ، وَدُمَّلٍ) لِحَدِيثِ «زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَهُ لِمَرَضٍ كَانَ بِعَيْنِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. (قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: عِيَادَةُ الْمَرِيضِ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّصُّ وُجُوبُ ذَلِكَ) ، كَرَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، (وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ) ، مِنْهُمْ: الشِّيرَازِيُّ، كَمَا فِي " الْمُبْدِعِ " وَقَالَ: تَبَعًا لِجَدِّهِ، (وَالْمُرَادُ: مَرَّةً) ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. (وَسُنَّ كَوْنُ عِيَادَتِهِ) ، أَيْ: الْمَرِيضِ (غِبًّا) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْعَمَلُ بِالْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ. وَتَكُونُ الْعِيَادَةُ (مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ) ، لِحَدِيثِ: " وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ". وَتَكُونُ (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) ، لِلْخَبَرِ قَالَ أَحْمَدُ عَنْ قُرْبِ وَسَطِ النَّهَارِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 829 لَيْسَ هَذَا وَقْتَ عِيَادَةٍ. (وَ) تَكُونُ (فِي رَمَضَانَ لَيْلًا) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْعَائِدِ. (وَ) سُنَّ لِعَائِدٍ (تَذْكِيرُهُ) - أَيْ: الْمَرِيضِ، مَخُوفًا كَانَ مَرَضُهُ أَوْ لَا - (تَوْبَةً) ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ، (وَ) تَذْكِيرُهُ (وَصِيَّةً، وَلَوْ) كَانَ (بِ) مَرَضٍ (غَيْرِ مَخُوفٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي بِهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيَدْعُو لَهُ) ، أَيْ: لِلْمَرِيضِ، (بِعَافِيَةٍ وَصَلَاحٍ، وَيَسْأَلُهُ عَنْ حَالِهِ) ، نَحْوَ: كَيْفَ أَجِدُكَ؟ (وَيُنَفِّسُ لَهُ فِي الْأَجَلِ بِمَا يُطَيِّبُ نَفْسَهُ) إدْخَالًا لِلسُّرُورِ عَلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ، فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ» لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، كَمَا قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". تَتِمَّةٌ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ، مَرْفُوعًا: «سَلُوهُ الدُّعَاءَ، فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ» . (وَلَا يُطِيلُ) الْعَائِدُ (الْجُلُوسَ) عِنْدَ الْمَرِيضِ خَوْفًا مِنْ الضَّجَرِ، (إلَّا إنْ أَنِسَ بِهِ) ، أَيْ: الْعَائِدِ (مَرِيضٌ) ، فَلَا بَأْسَ بِتَطْوِيلِهِ عِنْدَهُ جَبْرًا لِقَلْبِهِ، (وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ) ، أَيْ: يَتْرُكُ (سَقَمًا وَيَقُولُ: " أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ، رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، أَنْ يَشْفِيَكَ وَيُعَافِيك " سَبْعَ مَرَّاتٍ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إسْقَاطُ: " وَيُعَافِيك ". وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ " وَأَنْ يَقْرَأَ عِنْدَهُ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 830 وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا جَاءَ رَجُلٌ يَعُودُ مَرِيضًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ يَنْكَأُ لَكَ عَدُوًّا، أَوْ يَمْشِي لَكَ إلَى صَلَاةٍ» وَصَحَّ «أَنَّ جِبْرِيلَ عَادَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيَكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيَكَ، بِاسْمِهِ أَرْقِيَكَ» «وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَى مَنْ يَعُودُهُ، قَالَ: لَا بَأْسَ طَهُورًا إنْ شَاءَ اللَّهُ» . (وَلَا بَأْسَ بِوَضْعِ) الْعَائِدِ (يَدَهُ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْمَرِيضِ. وَفِي " الْفُنُونِ ": إنْ سَأَلَكَ وَضْعَ يَدِكَ عَلَى رَأْسِهِ لِلتَّشَفِّي، فَجَدِّدْ تَوْبَةً، لَعَلَّهُ يَتَحَقَّقُ ظَنُّهُ فِيكَ، وَقَبِيحٌ تَعَاطِيكَ مَا لَيْسَ لَكَ، وَإِهْمَالُ هَذَا وَأَمْثَالِهِ يُعْمِي الْقُلُوبَ، وَيُخَمِّرُ الْعُيُونَ، وَيَعُودُ بِالرِّيَاءِ. (وَ) لَا بَأْسَ بِ (إخْبَارِ مَرِيضٍ بِمَا يَجِدُ بِلَا شَكْوَى بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ) ، لِحَدِيثِ: «إذَا كَانَ الشُّكْرُ قَبْلَ الشَّكْوَى، فَلَيْسَ بِشَاكٍ» وقَوْله تَعَالَى: حِكَايَةً عَنْ مُوسَى: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ: أَجِدُنِي مَغْمُومًا أَجِدُنِي مَكْرُوبًا» وَلَا بَأْسَ بِشَكْوَاهُ لِخَالِقِهِ. (وَسُنَّ لَهُ) ، أَيْ: الْمَرِيضِ (صَبْرٌ) ، وَكَذَا كُلُّ مُبْتَلًى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ} [النحل: 127] وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] وَحَدِيثُ: «الصَّبْرُ ضِيَاءٌ» . (وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ: صَبْرٌ بِلَا شَكْوَى لِمَخْلُوقٍ) قَالَ الزَّجَّاجُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 831 إنَّ الصَّبْرَ الْجَمِيلَ لَا جَزَعَ فِيهِ وَلَا شَكْوَى لِلنَّاسِ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84] مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ شَكَا إلَى اللَّهِ لَا مِنْهُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الدُّعَاءَ، بِمَعْنَى: يَا رَبِّ ارْحَمْ أَسَفِي عَلَى يُوسُفَ، وَمِنْ الشَّكْوَى إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُ أَيُّوبَ: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83] وَقَوْلُ يَعْقُوبَ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَكَا إلَى النَّاسِ، وَهُوَ فِي شَكْوَاهُ رَاضٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَزَعًا، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجِبْرِيلَ: أَجِدُنِي مَغْمُومًا، أَجِدُنِي مَكْرُوبًا وَقَوْلِهِ: بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهْ» . (وَيَنْبَغِي) لِلْمَرِيضِ (أَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي " زَادَ أَحْمَدُ: «إنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا، فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ بِي شَرًّا، فَلَهُ» وَعَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» . (وَيُغَلِّبُ) مَرِيضٌ (الرَّجَاءَ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] (وَقِيلَ: يَجِبُ) تَغْلِيبُ الرَّجَاءِ طَمَعًا بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى. (وَنَصَّ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: (يَكُونُ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ وَاحِدًا، فَأَيُّهُمَا غَلَبَ صَاحِبَهُ، هَلَكَ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (هَذَا الْعَدْلُ) ؛ لِأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الْخَوْفِ، أَوْقَعَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ، إمَّا فِي نَفْسِهِ، وَإِمَّا فِي أُمُورِ النَّاسِ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الرَّجَاءِ بِلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 832 خَوْفٍ، أَوْقَعَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَمْنِ لِمَكْرِ اللَّهِ، إمَّا فِي نَفْسِهِ، وَإِمَّا فِي النَّاسِ. وَالرَّجَاءُ بِحَسَبِ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي سَبَقَتْ غَضَبَهُ يَجِبُ تَرْجِيحُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي خَيْرًا» وَأَمَّا الْخَوْفُ فَيَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى تَفْرِيطِ الْعَبْدِ وَتَعَدِّيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَدْلٌ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِالذَّنْبِ. (وَكُرِهَ أَنِينٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُتَرْجِمُ عَنْ الشَّكْوَى، مَا لَمْ يَغْلِبْهُ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الصَّبْرُ وَالرِّضَى بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ الثَّوَابَ فِي الْمَصَائِبِ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا، لَا عَلَى الْمُصِيبَةِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّمَا يُثَابُ عَلَى كَسْبِهِ، وَالرِّضَى بِالْقَضَاءِ فَوْقَ الصَّبْرِ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ رِضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى. (وَ) كُرِهَ (تَمَنِّي الْمَوْتِ) ، نَزَلَ بِهِ ضَرَرٌ أَوْ لَا، وَحَدِيثُ: «لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ. (إلَّا لِخَوْفِ فِتْنَةٍ) فِي دِينِهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً، فَاقْبِضْنِي إلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ» (أَوْ) إلَّا (لِ) تَمَنِّي (شَهَادَةٍ) ، فَلَا يُكْرَهُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ حُضُورِ أَسْبَابِهَا، لِمَا فِي الصَّحِيحِ: «مَنْ تَمَنَّى الشَّهَادَةَ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَعْطَاهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاء» . (وَ) كُرِهَ (كَيٌّ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَلَا أَفْعَلُهُ " (وَحَرَّمَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (لِغَيْرِ تَدَاوٍ) ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ شِعَارِ الْفُسَّاقِ. (وَ) كُرِهَ (قَطْعُ بَاسُورٍ) : دَاءٌ مَعْرُوفٌ، (وَمَعَ خَوْفِ تَلَفٍ بِقَطْعِهِ، يَحْرُمُ) قَطْعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِنَفْسِهِ لِلْهَلَكَةِ، (وَمَعَ خَوْفِ تَلَفٍ بِتَرْكِهِ) بِلَا قَطْعٍ، (يُبَاحُ) قَطْعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَدَاوٍ. (وَلَا يَجِبُ تَدَاوٍ) مِنْ مَرَضٍ، (وَلَوْ ظَنَّ نَفْعَهُ) ، إذْ النَّافِعُ فِي الْحَقِيقَةِ وَالضَّارُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالدَّوَاءُ لَا يَنْجَحُ بِذَاتِهِ، وَلَيْسَ فِعْلُهُ مُنَافِيًا لِلتَّوَكُّلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ. (وَتَرَكَهُ) ، أَيْ: التَّدَاوِي (فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لَا رَقِيقِهِ، فَيُسَنُّ، (أَفْضَلُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ، وَلِخَبَرِ الصِّدِّيقِ، وَحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَتَدَاوَوْا بِالْحَرَامِ» الْأَمْرُ فِيهِ لِلْإِرْشَادِ. (وَيَحْرُمُ) تَدَاوٍ (بِمُحَرَّمٍ أَكْلًا وَشُرْبًا وَسَمَاعًا) لِصَوْتِ مَلْهَاةٍ وَغِنَاءٍ مُحَرَّمٍ، لِعُمُومِ «وَلَا تَتَدَاوَوْا بِالْحَرَامِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَالرَّبِيعِ، وَأَبِي حَارِثَةَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ كَتَبَ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُدَلِّكُ بِالْخَمْرِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ظَاهِرَ الْخَمْرِ وَبَاطِنَهَا، وَقَدْ حَرَّمَ مَسَّ الْخَمْرِ، كَمَا حَرَّمَ شُرْبَهَا، فَلَا تُمِسُّوهَا أَجْسَادَكُمْ فَإِنَّهَا نَجَسٌ ". تَتِمَّةٌ: لَوْ أَمَرَهُ أَبُوهُ بِشُرْبِ دَوَاءٍ بِخَمْرٍ، وَقَالَ: أُمَّكَ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ تَشْرَبْهُ، حَرُمَ شُرْبُهُ. نَقَلَهُ هَارُونُ الْحَمَّالُ، لِحَدِيثِ «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» . (وَ) يَحْرُمُ تَدَاوٍ (بِسُمٍّ) لِإِفْضَائِهِ إلَى الْهَلَاكِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] . (وَ) تَحْرُمُ (تَمِيمَةٌ، وَهِيَ: خَرَزَةٌ أَوْ خَيْطٌ وَنَحْوُهُ) ، كَعُوذَةٍ (يَتَعَلَّقُهَا) ، فَنَهَى الشَّارِعُ عَنْهُ، وَدَعَا عَلَى فَاعِلِهِ، وَقَالَ «لَا يَزِيدُكَ إلَّا وَهْنًا، انْبِذْهَا عَنْكَ، لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ، مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا» رَوَى ذَلِكَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَالْإِسْنَادُ حَسَنٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ حَمْلُ الْأَخْبَارِ عَلَى حَالَيْنِ: فَنَهْيٌ، إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا النَّافِعَةُ لَهُ، وَالدَّافِعَةُ عَنْهُ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّافِعَ هُوَ اللَّهُ. وَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَجَازَهُ: إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ النَّافِعُ الدَّافِعُ، وَلَعَلَّ هَذَا خَرَجَ عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَمَا تَعْتَقِدُ أَنَّ الدَّهْرَ يُغَيِّرُهُمْ، فَكَانُوا يَسُبُّونَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 834 (وَكُرِهَ أَنْ يَسْتَطِبَّ) مُسْلِمٌ (ذِمِّيًّا بِلَا ضَرُورَةٍ) . وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ دَوَاءً لَمْ يُبَيِّنْ مُفْرَدَاتِهِ الْمُبَاحَةَ. (وَ) كُرِهَ (نَفْخٌ) فِي رُقْيَةٍ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (وَتَفْلٌ فِي رُقْيَةٍ) نَصًّا، لِمَا فِيهِ مِنْ نَفْرَةِ نَفْسِ الْمَنْفُولِ لَهُ، (وَاسْتَحَبَّهُ) ، أَيْ: النَّفْخَ وَالتَّفْلَ (بَعْضُهُمْ) فِي رُقْيَةٍ بِقُرْآنٍ. لِقِصَّةِ اللَّدِيغِ الَّذِي رَقَاهُ الصَّحَابِيُّ، وَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ. (وَيَجُوزُ تَدَاوٍ بِبَوْلِ إبِلٍ نَصًّا) ، لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ. (وَكَذَا) يَجُوزُ تَدَاوٍ بِ (بَوْلِ مَأْكُولِ لَحْمٍ) ، لِطَهَارَتِهِ، وَقِيَاسًا عَلَى بَوْلِ الْإِبِلِ. (وَ) يَجُوزُ تَدَاوٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 835 (بِمَا فِيهِ سُمٌّ مِنْ نَبَاتٍ، إنْ غَلَبَتْ سَلَامَتُهُ) ، وَرُجِيَ نَفْعُهُ لِدَفْعِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ. (وَلَا بَأْسَ بِحِمْيَةٍ) نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ: أَنَّهَا مَسْأَلَةُ التَّدَاوِي، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا عَلِيُّ لَا تَأْكُلْ مِنْ هَذَا وَكُلْ مِنْ هَذَا، فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ» وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُ مَا ظُنَّ ضَرَرُهُ وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " التَّرْغِيبِ ": يَجُوزُ بِدِفْلَى وَنَحْوِهَا لَا تَضُرُّ، نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ وَالْفَضْلُ فِي حَشِيشَةٍ تُسْكِرُ: تُسْحَقُ وَتُطْرَحُ مَعَ دَوَاءٍ لَا بَأْسَ، أَمَّا مَعَ الْمَاءِ، فَلَا. (وَ) لَا بَأْسَ بِ (كَتْبِ قُرْآنٍ وَذِكْرٍ بِإِنَاءٍ لِحَامِلٍ، لِعُسْرِ وِلَادَةٍ وَمَرِيضٍ، وَيُسْقَيَانِهِ) ، أَيْ: الْحَامِلُ وَالْمَرِيضُ، نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. [فَصْلٌ إذَا اُحْتُضِرَ إنْسَانٌ فَمَا الْحُكْمُ] (فَصْلٌ) (وَإِذَا اُحْتُضِرَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - أَيْ: حَضَرَ الْمَلَكُ لِقَبْضِ رُوحِ الْمَرِيضِ، (سُنَّ تَعَاهُدُ بَلِّ حَلْقِهِ بِمَاءٍ أَوْ شَرَابٍ، وَ) تَعَاهُدُ (تَنْدِيَةِ شَفَتَيْهِ بِقُطْنَةٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُطْفِئُ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ الشِّدَّةِ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِ النُّطْقَ، بِالشَّهَادَةِ، (وَتَوْلِيَةُ أَرْفَقِ أَهْلِهِ بِهِ، وَأَعْرَفِهِمْ بِمُدَارَاتِهِ، وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ) تَعَالَى. (وَ) سُنَّ (تَلْقِينُهُ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " مَرَّةً نَصًّا) ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَأُطْلِقَ عَلَى الْمُحْتَضَرِ مَيِّتًا بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ. وَعَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَاقْتُصِرَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا إقْرَارٌ بِالْأُخْرَى، وَفِيهِ شَيْءٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُلَقَّنُ الشَّهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَبَعٌ، فَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْأُولَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 836 وَلَمَّا حَضَرَ ابْنَ الْمُبَارَكِ الْمَوْتُ، لَقَّنَهُ رَجُلٌ الشَّهَادَةَ فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إذَا قُلْتُ مَرَّةً، فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ أَتَكَلَّمْ. (وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ) ، أَيْ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ تَلْقِينَهُ ذَلِكَ (ثَلَاثًا) ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُلَقَّنُ ثَلَاثًا. (وَلَمْ يَزِدْ) عَلَى ثَلَاثٍ (إلَّا إنْ تَكَلَّمَ) بَعْدَهَا، (فَيُعَادُ) التَّلْقِينُ، لِيَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. وَيَكُونُ (بِرِفْقٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَهَذَا أَوْلَى بِهِ. (وَكُرِهَ تَلْقِينُ وَرَثَةٍ) ، أَيْ: أَحَدِهِمْ لِلْمُحْتَضَرِ، (بِلَا عُذْرٍ) ، بِأَنْ حَضَرَهُ غَيْرُهُ، (قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي) ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تُهْمَةِ الِاسْتِعْجَالِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى ثَلَاثٍ؛ لِئَلَّا يُضْجِرَهُ، مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، كَمَا تَقَدَّمَ. (وَسُنَّ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَ " يَاسِينَ " عِنْدَهُ) ، أَيْ: الْمُحْتَضَرِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ سُورَةَ: يَاسِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِمَا فِيهَا مِنْ التَّوْحِيدِ وَالْمَعَادِ، وَالْبُشْرَى بِالْجَنَّةِ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَغِبْطَةِ مَنْ مَاتَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس: 26] {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} [يس: 27] فَتَسْتَبْشِرُ الرُّوحُ بِذَلِكَ، فَيُحِبُّ لِقَاءَ اللَّهِ، فَيُحِبُّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ قَلْبُ الْقُرْآنِ، وَلَهَا خَاصِّيَّةٌ عَجِيبَةٌ فِي قِرَاءَتِهَا عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ. قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": وَيَقْرَأُ: " تَبَارَكَ " وَلِأَنَّهُ يُسَهِّلُ خُرُوجَ الرُّوحِ. (وَ) سُنَّ (تَوْجِيهُهُ لِلْقِبْلَةِ) قَبْلَ النُّزُولِ بِهِ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَيْتِ الْحَرَامِ: قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَيَكُونُ تَوْجِيهُهُ (عَلَى جَنْبٍ أَيْمَنَ مَعَ سَعَةِ مَكَان) ، رُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 837 بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ لِأُمِّ رَافِعٍ: " اسْتَقْبِلِي بِي الْقِبْلَةَ، ثُمَّ قَامَتْ فَاغْتَسَلَتْ أَحْسَنَ مَا تَغْتَسِلُ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا جُدُدًا. وَقَالَتْ: إنِّي الْآنَ مَقْبُوضَةٌ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْقِبْلَةَ مُتَوَسِّدَةً يَمِينَهَا ". (وَيَتَّجِهُ) : الْأَفْضَلُ تَوْجِيهُهُ لِلْقِبْلَةِ مَعَ سِعَةِ مَكَان (وَعَدَمِ مَشَقَّةٍ) ، فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ ضَيِّقًا، أَوْ كَانَ فِي تَوْجِيهِهِ مَشَقَّةٌ، فَلَا يُوَجَّهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) يَكُنْ الْمَكَانُ وَاسِعًا، (فَ) يُوَجَّهُ (عَلَى ظَهْرِهِ) ، أَيْ: مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ، وَأَخْمَصَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ، كَالْمَوْضُوعِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ، (قَالَ جَمَاعَةٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ: (وَيُرْفَعُ رَأْسُهُ) إذَا كَانَ مُسْتَلْقِيًا (قَلِيلًا) لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ. (وَاسْتَحَبَّ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ تَطْهِيرَ ثِيَابِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ؛ «لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الْمَيِّتُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: الْمُرَادُ بِثِيَابِهِ: عَمَلُهُ، قَالَ: وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ الْأَكْثَرُ. (وَيَنْبَغِي) لِلْمَرِيضِ (اشْتِغَالُهُ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي نَفْسِهِ بِأَنَّهُ حَقِيرٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ عِبَادَاتِهِ وَطَاعَاتِهِ، وَأَنْ لَا يَطْلُبَ الْعَفْوَ وَالْإِحْسَانَ إلَّا مِنْهُ، وَأَنْ يُكْثِرَ مَا دَامَ حَاضِرَ الذِّهْنِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ، وَأَنْ يُبَادِرَ إلَى أَدَاءِ الْحُقُوقِ بِرَدِّ الْمَظَالِمِ وَالْوَدَائِعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 838 وَالْعَوَارِيِّ: وَاسْتِحْلَالُ نَحْوِ زَوْجَةٍ وَوَلَدٍ، وَقَرِيبٍ وَجَارٍ وَصَاحِبٍ، وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُعَامَلَةٌ، وَيُحَافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ. وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ. وَيَصْبِرُ عَلَى مَشَقَّةِ ذَلِكَ، (وَيَجْتَهِدُ فِي خَتْمِ عُمُرِهِ بِأَكْمَلِ حَالٍ) وَيَتَعَاهَدُ نَفْسَهُ بِتَقْلِيمِ ظُفْرٍ وَأَخْذِ عَانَةٍ وَشَارِبٍ وَإِبْطٍ، (وَيَعْتَمِدُ عَلَى اللَّهِ) تَعَالَى (فِيمَنْ يُحِبُّ) مِنْ بَنِيهِ وَغَيْرِهِمْ، (وَيُوصِي) بِقَضَاءِ دُيُونِهِ، وَتَفْرِيقِ وَصِيَّتِهِ وَنَحْوِ غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِ بَالِغٍ رَشِيدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ (لِلْأَرْجَحِ فِي نَظَرِهِ) مِنْ قَرِيبٍ وَأَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لِلْمَصْلَحَةِ ، (فَإِذَا مَاتَ: سُنَّ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَغْمَضَ أَبَا سَلَمَةَ، وَقَالَ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِئَلَّا يَنْفَتِحَ نَظَرُهُ، وَيُسَاءَ بِهِ الظَّنُّ. (وَلَهُ تَغْمِيضُ ذَاتِ مَحْرَمٍ) كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَأُمِّ زَوْجَتِهِ وَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ. (وَلَهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ (تَغْمِيضُ مَحْرَمِ) هَا، كَأَبِيهَا وَأَخِيهَا، وَتَغْمِيضُ مِثْلِهَا وَصَبِيٍّ (وَكُرِهَ) التَّغْمِيضُ (مِنْ حَائِضٍ وَجُنُبٍ، وَأَنْ يَقْرَبَاهُ) ، أَيْ: الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ، لِحَدِيثِ «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جُنُبٌ» . (وَ) سُنَّ عِنْدَ تَغْمِيضٍ (قَوْلُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ وَلَفْظُهُ: " وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ". (وَ) سُنَّ (شَدُّ لَحْيَيْهِ) بِعِصَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا تَجْمَعُ لَحْيَيْهِ، وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ، لِئَلَّا يَبْقَى فَمُهُ مَفْتُوحًا، فَتَدْخُلُهُ الْهَوَامُّ وَيَتَشَوَّهُ خَلْقُهُ. (وَ) سُنَّ (تَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ) بِرَدِّ ذِرَاعَيْهِ إلَى عَضُدَيْهِ. ثُمَّ رَدِّهِمَا، وَرَدِّ أَصَابِعِ يَدَيْهِ إلَى كَفَّيْهِ، ثُمَّ يَبْسُطُهُمَا، وَرَدُّ فَخِذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ، وَسَاقَيْهِ إلَى فَخْذَيْهِ، ثُمَّ يَمُدُّهُمَا لِسُهُولَةِ الْغُسْلِ، لِبَقَاءِ الْحَرَارَةِ فِي الْبَدَنِ عَقِبَ الْمَوْتِ، وَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا بَعْدَ بُرُودَتِهِ. (وَ) سُنَّ (خَلْعُ ثِيَابِهِ) ، لِئَلَّا يُحْمَى جَسَدُهُ، فَيُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 839 وَرُبَّمَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَوَّثَهَا. (وَ) سُنَّ (سَتْرُهُ بِثَوْبٍ) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَ، سُجِّيَ بِثَوْبٍ حِبَرَةٍ» وَاحْتِرَامًا لَهُ، وَصَوْنًا عَنْ الْهَوَامِّ، وَيَنْبَغِي جَعْلُ أَحَدِ طَرَفَيْهِ تَحْتَ رَأْسِهِ، وَالْآخَرِ تَحْتَ رِجْلَيْهِ، لِئَلَّا يَنْكَشِفَ. (وَ) سُنَّ (وَضْعُ حَدِيدَةٍ أَوْ نَحْوِهَا) ، كَمِرْآةٍ وَسَيْفٍ وَسِكِّينٍ وَقِطْعَةِ طِينٍ (عَلَى بَطْنِهِ) ، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّهُ مَاتَ مَوْلًى لِأَنَسٍ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ أَنَسٌ: ضَعُوا عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدًا " وَلِئَلَّا يَنْتَفِخَ بَطْنُهُ، وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِنَحْوِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. وَيُصَانُ عَنْهُ مُصْحَفٌ، وَكُتُبُ فِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَعِلْمٍ نَافِعٍ. (وَ) سُنَّ (وَضْعُهُ عَلَى سَرِيرِ غُسْلِهِ) بُعْدًا لَهُ عَنْ الْهَوَامِّ وَنَدَاوَةِ الْأَرْضِ، (مُتَوَجِّهًا) إلَى الْقِبْلَةِ، (مُنْحَدِرًا نَحْوَ رِجْلَيْهِ) ، فَيَكُونُ رَأْسُهُ أَعْلَى، لِيَنْصَبَّ عَنْهُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَمَاءُ غُسْلِهِ. (وَ) سُنَّ (إسْرَاعُ تَجْهِيزِهِ) ، لِحَدِيثِ «لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَصَوْنًا لَهُ عَنْ التَّغْيِيرِ (إنْ مَاتَ غَيْرَ فُجَاءَةٍ) أَيْ: بَغْتَةً. (وَ) سُنَّ إسْرَاعُ (تَفْرِيقِ وَصِيَّتِهِ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْجِيلِ أَجْرِهِ (وَيَجِبُ إسْرَاعٌ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ لِلَّهِ) تَعَالَى لِحَجٍّ، (أَوْ آدَمِيٍّ) كَرَدِّ غَصْبٍ وَعَارِيَّةٍ الْوَدِيعَةٍ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ ظُلْمٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» وَأَمَّا تَقْدِيمُهَا فِي الْآيَةِ عَلَى الدَّيْنِ؛ فَلِأَنَّهَا لَمَّا أَشْبَهَتْ الْمِيرَاثَ بِكَوْنِهَا بِلَا عِوَضٍ، كَانَ فِي إخْرَاجِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْوَارِثِ، فَقُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إخْرَاجِهَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَلِذَلِكَ جِيءَ بِكَلِمَةِ " أَوْ " الَّتِي تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، أَيْ: فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاهْتِمَامِ وَعَدَمِ التَّضْيِيعِ، وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا، وَيَكُونُ قَضَاءُ دَيْنِهِ، وَإِبْرَاءُ ذِمَّتِهِ، وَتَفْرِيقُ وَصِيَّتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 840 (قَبْلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّجْهِيزِ، يُؤَيِّدُهُ «عَدَمُ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» . (فَإِنْ تَعَذَّرَ وَفَاءُ) دَيْنِهِ فِي الْحَالِ، لِغَيْبَةِ الْمَالِ وَنَحْوِهَا، (اُسْتُحِبَّ لِوَارِثِهِ أَوْ غَيْرِهِ تَكَفُّلٌ بِهِ) عَنْهُ لِرَبِّهِ، بِأَنْ يَضْمَنَهُ عَنْهُ أَوْ يَدْفَعَ بِهِ رَهْنًا، لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَخْذِ فِي أَسْبَابِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، وَإِلَّا، فَلَا تَبْرَأُ قَبْلَ وَفَائِهِ، كَمَا يَأْتِي. (وَلَا بَأْسَ بِانْتِظَارِ مَنْ يُحْضِرُهُ مِنْ وَلِيٍّ) ، أَيْ: وَارِثٍ، (وَكَثْرَةِ جَمْعٍ إنْ قَرُبَ وَلَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (أَوْ يَشُقُّ عَلَى الْحَاضِرِينَ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا يُؤْمَلُ مِنْ الدُّعَاءِ لَهُ إذَا صَلَّى عَلَيْهِ. (وَيُنْتَظَرُ مَنْ مَاتَ فُجَاءَةً) ، أَيْ: بَغْتَةً (بِنَحْوِ صَعْقَةٍ) أَوْ خَوْفٍ مِنْ حَرْبٍ، أَوْ سَبُعٍ أَوْ تَرَدٍّ مِنْ جَبَلٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، (أَوْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ حَتَّى يُعْلَمَ) مَوْتُهُ يَقِينًا (بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ وَمَيْلِ أَنْفِهِ، وَغَيْبُوبَةِ سَوَادِ عَيْنَيْهِ) فِي الْبَالِغِينَ، وَهُوَ أَقْوَاهَا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَرَضَ لَهُ سَكْتَةٌ، وَقَدْ يُفِيقُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا. (وَيُعْلَمُ مَوْتُ غَيْرِهِ) ، أَيْ: غَيْرِ مَنْ مَاتَ فُجَاءَةً أَوْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ (بِذَلِكَ) الْمَذْكُورِ، (وَ) يُعْلَمُ (بِغَيْرِهِ، كَانْفِصَالِ كَفَّيْهِ) ، أَيْ: انْخِلَاعِهِمَا عَنْ ذِرَاعَيْهِ بِأَنْ تَسْتَرْخِيَ عَصَبَةُ الْيَدِ، فَتَبْقَى كَأَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ فِي جِلْدِهَا عَنْ عَظْمَةِ الزَّنْدِ، (وَاسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ) كَذَلِكَ، وَكَذَا امْتِدَادُ جِلْدَةِ وَجْهِهِ، وَتَقَلُّصُ خُصْيَتَيْهِ إلَى فَوْقُ، مَعَ تَدَلِّي الْجِلْدَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ دَالَّةٌ عَلَى الْمَوْتِ تَعْيِينًا. (وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (وَالنَّظَرِ إلَيْهِ) مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْحَيَاةِ، (وَلَوْ بَعْدَ تَكْفِينِهِ) نَصًّا، «لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ، حَتَّى رَأَيْتُ الدُّمُوعَ تَسِيلُ» صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ ". (وَكُرِهَ نَعْيٌ، وَهُوَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 841 النِّدَاءُ بِمَوْتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا يُعْجِبُنِي، لِحَدِيثِ «إيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ، فَإِنَّ النَّعْيَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا. وَالنَّعْيُ الْمَعْرُوفُ تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. (وَ) كُرِهَ (تَرْكُهُ فِي بَيْتٍ يَبِيتُ وَحْدَهُ) بَلْ يَبِيتُ مَعَهُ أَهْلُهُ، (قَالَ الْآجُرِّيُّ) قَالَ النَّخَعِيّ: كَانُوا لَا يَتْرُكُونَهُ فِي بَيْتٍ وَحْدَهُ خَشْيَةَ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِهِ. [فَائِدَةٌ عَرْضُ الْأَدْيَانِ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ الْمَوْتِ] ِ لَيْسَ عَامًّا لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلَا مَنْفِيًّا عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، بَلْ مِنْ النَّاسِ مَنْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ الْأَدْيَانُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِتْنَةُ الْمَحْيَا، وَالشَّيْطَانُ أَحْرَصُ مَا يَكُونُ عَلَى إغْرَاءِ بَنِي آدَمَ وَقْتَ الْمَوْتِ، ذَكَرَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " (وَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ أَقَارِبِهِ وَإِخْوَانِهِ مِنْ غَيْرِ نِدَاءٍ) «لِإِعْلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِالنَّجَاشِيِّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَفِيهِ كَثْرَةُ الْمُصَلِّينَ، فَيَحْصُلُ لَهُمْ ثَوَابٌ وَنَفْعٌ لِلْمَيِّتِ. [فَرْعٌ مَوْتُ الْفُجَاءَةِ] (فَرْعٌ: مَوْتُ الْفُجَاءَةِ رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَأَخْذَةُ أَسَفٍ لِلْفَاجِرِ) ، لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ. (وَالرُّوحُ: جِسْمٌ لَطِيفٌ لَا يَفْنَى أَبَدًا) قَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ ": مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الرُّوحَ هِيَ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ الْمُسْتَعِدَّةُ لِلْبَيَانِ وَفَهْمِ الْخِطَابِ، وَلَا تَفْنَى بِفَنَاءِ الْجَسَدِ، وَهِيَ جَوْهَرٌ لَا عَرَضٌ. انْتَهَى. وَتَجْتَمِعُ أَرْوَاحُ الْمَوْتَى، فَيَنْزِلُ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى، وَلَا عَكْسَ. وَمَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا: أَنَّ الْعَذَابَ وَالنَّعِيمَ يَحْصُلُ لِرُوحِ الْمَيِّتِ وَبَدَنِهِ، وَأَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ فِرَاقِ الْبَدَنِ مُنَعَّمَةً أَوْ مُعَذَّبَةً، وَأَيْضًا تَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَحْيَانًا، فَيَحْصُلُ لَهُ مَعَهَا النَّعِيمُ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 842 الْعَذَابُ، هَذَا فِي أَرْوَاحِ الْمُكَلَّفِينَ، وَأَمَّا الْبَهَائِمُ فَإِنَّهَا تُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهَا: " كُونِي تُرَابًا " فَالظَّاهِرُ فَنَاءُ أَرْوَاحِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ غُسْلُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ] (فَصْلٌ) (وَغُسْلُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ) كَانَ (مَجْهُولَ إسْلَامٍ بِدَارِنَا، أَوْ) كَانَ مَجْهُولَ إسْلَامٍ (لَا) بِدَارِنَا، (وَ) لَكِنْ (عَلَيْهِ عَلَامَتُنَا) مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ خِتَانٍ وَلِبَاسٍ (مَرَّةً) ، بِحَيْثُ يَجْرِي الْمَاءُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ بَعْدَ إزَالَةِ مَا يَمْنَعُ وُصُولَهُ، (أَوْ يُيَمَّمُ لِعُذْرٍ) مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّيَمُّمِ، (فَرْضُ كِفَايَةٍ) إجْمَاعًا عَلَى مَنْ أَمْكَنَهُ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهُوَ حَقٌّ لِلَّهِ، فَلَوْ أَوْصَى بِإِسْقَاطِهِ لَمْ يَسْقُطْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا وَاحِدٌ. تَعَيَّنَ عَلَيْهِ. (وَيَلْزَمُ الْوَارِثَ) أَوْ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ غُسْلُهُ (قَبُولُ مَاءٍ وُهِبَ لِ) غُسْلِ (مَيِّتٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِنَّةَ عَلَى قَابِلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَهُ لِغَيْرِهِ، وَ (لَا) يَلْزَمُهُ قَبُولُ (ثَمَنِهِ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ، (وَيَنْتَقِلُ) ثَوَابُ غُسْلِهِ (لِثَوَابِ فَرْضِ عَيْنٍ مَعَ جَنَابَةِ) مَيِّتٍ (أَوْ حَيْضٍ) ، أَوْ نِفَاسٍ وَنَحْوِهِ كَانَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَاَلَّذِي يَتَوَلَّى غَسْلَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ، فَيَكُونُ ثَوَابُهُ كَثَوَابِهِ، هَكَذَا حَمَلَ صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " قَوْلَ " التَّنْقِيحِ "، وَيَتَعَيَّنُ مَعَ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى تَعْيِينِ غُسْلِهِ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ لِسُقُوطِهِ بِوَاحِدٍ. (وَيَسْقُطَانِ) ، أَيْ: غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ (بِهِ) ؛ أَيْ: بِغُسْلِ الْمَيِّتِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يَسْقُطُ (هُوَ) ، أَيْ: غُسْلُ الْمَيِّتِ (بِهِمَا) ، أَيْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مُسَلَّمٌ إذَا نَوَى الْغَاسِلُ رَفْعَ حَدَثِ الْجَنَابَةِ أَوْ الْحَيْضِ فَقَطْ، دُونَ غُسْلِ الْمَوْتِ، وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ النِّيَّةَ، أَوْ اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ تُوجِبُ وُضُوءًا أَوْ غُسْلًا، وَنَوَى أَحَدَهَا لَا عَلَى أَنْ لَا يَرْتَفِعَ غَيْرُهُ؛ ارْتَفَعَ سَائِرُهَا، وَتَقَدَّمَ. (وَكُرِهَ أَخْذُ أُجْرَةٍ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى غُسْلِ الْمَيِّتِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا، فَيُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أُعْطِيَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ. (وَ) كَذَا يُكْرَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ (عَلَى صَلَاةٍ وَتَكْفِينٍ وَحَمْلٍ وَدَفْنٍ) ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ (يَحْرُمُ أَخْذُهَا) أَيْ: الْأُجْرَةِ (فِي غُسْلِ) مَيِّتٍ (وَصَلَاةٍ) عَلَيْهِ، لِمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْإِجَارَةِ: أَنَّ مَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَهَذَا مِنْهُ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ. (وَكُرِهَ، وَلَا يَحْرُمُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 844 جَزَمَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ "، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " تَبَعًا لِلتَّبْصِرَةِ " - (غُسْلُ شَهِيدِ مَعْرَكَةٍ) ، وَهُوَ: الْمَقْتُولُ بِأَيْدِي الْكُفَّارِ وَقْتَ قِيَامِ الْقِتَالِ، فَلَا يُغَسَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] وَالْحَيُّ لَا يُغَسَّلُ، «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلَى أُحُدٍ: لَا تُغَسِّلُوهُمْ، فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ، أَوْ كُلَّ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ، فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ خَاصٌّ بِهِمْ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ، أَوْ لِقِيَامِهِ بِشَهَادَةِ الْحَقِّ حَتَّى قُتِلَ، وَنَحْوُهُ مِمَّا قِيلَ فِيهِ. (وَمَقْتُولٌ ظُلْمًا) ، كَمَنْ قَتَلَهُ نَحْوُ لِصٍّ، أَوْ أُرِيدَ مِنْهُ الْكُفْرُ فَقُتِلَ دُونَهُ، أَوْ أُرِيدَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ، فَقَاتَلَ دُونَ ذَلِكَ فَقُتِلَ، لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا «مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. وَلِأَنَّهُمْ مَقْتُولُونَ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَشْبَهُوا قَتْلَ الْكُفَّارِ؛ فَلَا يُغَسَّلُونَ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَطْعُونِ وَالْمَبْطُونِ وَالْغَرِيقِ وَنَحْوِهِمْ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يُكْرَهُ غُسْلُ مَقْتُولٍ (خَطَأً) ، فَيُغَسَّلُ، سَوَاءٌ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ أَوْ الْمُسْلِمُونَ خَطَأً، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. (وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّهُ مَعَ) وُجُودِ (دَمٍ عَلَيْهِمَا) ، أَيْ: الشَّهِيدِ وَالْمَقْتُولِ ظُلْمًا (يَحْرُمُ) تَغْسِيلُهُمَا، (لِزَوَالِهِ) ، أَيْ: الدَّمَ عَنْهُمَا، لِعُمُومِ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِدَفْنِ قَتْلَى أُحُدٍ بِدِمَائِهِمْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ. وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُغَسَّلَانِ) . أَيْ: شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ. وَالْمَقْتُولُ ظُلْمًا وُجُوبًا. (كَغَيْرِهِمَا) مِمَّنْ لَمْ يَمُتْ شَهِيدًا (مَعَ وُجُوبِ غُسْلٍ عَلَيْهِمَا، قَبْلَ مَوْتٍ بِجَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ) ، سَوَاءٌ انْقَطَعَ دَمُهُمَا، أَوْ لَا؛ فَيُغَسَّلُ مَنْ ذُكِرَ غُسْلًا وَاحِدًا، لِمَا تَقَدَّمَ، فِي الْجُنُبِ؛ وَلِأَنَّهُ غُسْلٌ وَاجِبٌ لِغَيْرِ الْمَوْتِ، فَلَمْ يَسْقُطْ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ. (وَكَذَا) لَوْ طَرَأَ (إسْلَامٌ) عَلَى شَخْصِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَاسْتُشْهِدَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَجَبَ غُسْلُهُ كَالْجُنُبِ وَنَحْوِهِ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " الْإِنْصَافِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ أَسْلَمَ، ثُمَّ اُسْتُشْهِدَ قَبْلَ غُسْلِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُغَسَّلْ. (وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ غُسْلِهِ: (طَهُورِيَّةُ مَاءٍ وَإِبَاحَتُهُ) ، كَبَاقِي الْأَغْسَالِ (وَتَمْيِيزُ غَاسِلٍ) ، لِاعْتِبَارِ نِيَّتِهِ إذْ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ لَا نِيَّةَ لَهُ، (وَعَقْلُهُ) لِتَأَهُّلِهِ لِلنِّيَّةِ، (وَنِيَّتُهُ) ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، (وَإِسْلَامُهُ) ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ. وَلَيْسَ الْكَافِرُ مِنْ أَهْلِهَا. (غَيْرُ نَائِبٍ عَنْ مُسْلِمٍ نَوَاهُ) . أَيْ: الْمُسْلِمُ، فَيَصِحُّ. لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْ أَهْلِهَا، كَمَنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثِهِ، وَأَمَرَ كَافِرًا بِغَسْلِ أَعْضَائِهِ، (وَلَوْ) كَانَ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ (جُنُبًا، أَوْ حَائِضًا أَوْ فَاسِقًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْغَاسِلِ الطَّهَارَةُ، وَلَا الْعَدَالَةُ. (وَالْأَفْضَلُ) أَنْ يُخْتَارَ لِغُسْلِهِ (ثِقَةٌ عَارِفٌ بِأَحْكَامِ غُسْلٍ) احْتِيَاطًا لَهُ. (وَالْأَوْلَى بِهِ) ، أَيْ: غُسْلِهِ (وَصِيُّهُ الْحُرُّ الْعَدْلُ) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 "؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ تُغَسِّلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ وَأَنَسٌ أَوْصَى أَنْ يُغَسِّلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ "؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ، فَقُدِّمَ فِيهِ وَصِيُّهُ عَلَى غَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ وَصِيُّهُ (مُمَيِّزًا) ، لِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، فَصَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى غُسْلَ غَيْرِهِ، لِاعْتِبَارِ نِيَّتِهِ، وَقَوْلُهُمْ: يُكْرَهُ الْغُسْلُ مِنْ مُمَيِّزٍ؛ مَحَلُّهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَأَبُوهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيٌّ، لِاخْتِصَاصِهِ بِالْحُنُوِّ وَالشَّفَقَةِ، (وَإِنْ عَلَا) ، لِمُشَارَكَةِ الْجَدِّ الْأَبَ فِي الْمَعْنَى، (فَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ) لِقُرْبِهِ، (ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ عِصَابَةً نَسَبًا) ، فَيُقَدَّمُ الْأَخُ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ عَمٌّ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ عَمٌّ لِأَبٍ، وَهَكَذَا، (ثُمَّ) الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَاتِهِ (فَعَمَّةٌ) ، فَيُقَدَّمُ الْمُعْتَقُ، ثُمَّ عَصَبَاتُهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، (ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ) ، كَالْأَخِ لِأُمِّ، وَالْجَدِّ لَهَا، وَالْعَمِّ لَهَا، وَابْنِ الْأُخْتِ وَنَحْوِهِمْ، (كَمِيرَاثِ الْأَحْرَارِ فِي الْجَمِيعِ) ، أَيْ: جَمِيعِ مَنْ تَقَدَّمَ. فَلَا تَقْدِيمَ لِرَقِيقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ، (ثُمَّ الْأَجَانِبُ) مِنْ الرِّجَالِ. (فَيُقَدَّمُ صَدِيقٌ) عَلَى غَيْرِهِ. قَالَهُ بَعْضُهُمْ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ".: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْجَارِ عَلَى غَيْرِهِ، (فَأُدِينَ) حَيْثُ كَانَ أَعْرَفَ مِنْ غَيْرِهِ، لِحَدِيثِ «لِيَلِهِ أَقْرَبُكُمْ إنْ كَانَ يَعْلَمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ؛ فَمَنْ تَرَوْنَ عِنْدَهُ حَظًّا مِنْ وَرَعٍ وَأَمَانَةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَالْأَوْلَى (بِ) غُسْلِ (أُنْثَى وَصِيَّتُهَا) ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّجُلِ، (فَأُمُّهَا، وَإِنْ عَلَتْ) أَيْ: ثُمَّ أُمُّ أُمِّهَا، ثُمَّ أُمُّ أُمِّ أُمِّهَا. وَهَكَذَا. (فَبِنْتُهَا، وَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 نَزَلَتْ) ، أَيْ: فَبِنْتُ بِنْتِهَا، فَبِنْتُ بِنْتِ بِنْتِهَا، وَهَكَذَا. (فَبِنْتُ ابْنِهَا وَإِنْ نَزَلَ) ، أَيْ: بِنْتَ ابْنِ ابْنِهَا، وَهَكَذَا. (ثُمَّ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، كَمِيرَاثٍ) ، فَتُقَدَّمُ أُخْتُ شَقِيقَتِهِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ لِأُمٍّ وَهَكَذَا. (وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ) سَوَاءٌ، (أَوْ بِنْتَا أَخٍ وَأُخْتٌ سَوَاءٌ) ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ، أَشْبَهَا الْعَمَّتَيْنِ أَوْ الْخَالَتَيْنِ، وَحُكْمُ تَقَدُّمِهِنَّ كَرِجَالٍ، فَيُقَدَّمُ مِنْهُنَّ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْ رِجَالٍ لَوْ كُنَّ رِجَالًا. (وَأَجْنَبِيٌّ وَأَجْنَبِيَّةٌ أَوْلَى مِنْ زَوْجَةٍ وَزَوْجٍ) ، أَيْ: إذَا مَاتَ رَجُلٌ؛ فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى بِغُسْلِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ، أَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ فَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى بِغُسْلِهَا مِنْ زَوْجِهَا، لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ. (وَزَوْجٌ وَزَوْجَةٌ أَوْلَى مِنْ سَيِّدٍ وَأُمِّ وَلَدٍ) ، أَيْ: إذَا مَاتَتْ رَقِيقَةٌ مُزَوَّجَةٌ؛ فَزَوْجُهَا أَوْلَى بِغُسْلِهَا مِنْ سَيِّدِهَا، لِإِبَاحَةِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا إلَى حِينِ مَوْتِهَا، بِخِلَافِ سَيِّدِهَا. أَوْ مَاتَ رَجُلٌ لَهُ زَوْجَةٌ وَأُمُّ وَلَدٍ؛ فَزَوْجَتُهُ أَوْلَى بِغُسْلِهِ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ، لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ الِاعْتِدَادِ وَالْإِحْدَادِ وَعُلِمَ مِنْهُ جَوَازُ تَغْسِيلِ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: " لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا نِسَاؤُهُ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. " وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ تُغَسِّلَهُ زَوْجَتُهُ أَسْمَاءُ، فَغَسَّلَتْهُ ". وَ " غَسَّلَ أَبُو مُوسَى زَوْجَتَهُ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ " ذَكَرُهُمَا أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَ " أَوْصَى جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَنْ تُغَسِّلَهُ امْرَأَتُهُ " وَ " أَوْصَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ امْرَأَتَهُ أَنْ تُغَسِّلَهُ " رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. فَلَهَا تَغْسِيلُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ ذِمِّيَّةً. (وَلَوْ) كَانَتْ (غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، أَوْ مُطَلَّقَةً رَجْعِيًّا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا عَقِبَ مَوْتِهِ بِوَضْعٍ، وَلَمْ تَتَزَوَّجْ) الْمَرْأَةُ الَّتِي وَضَعَتْ عَقِبَ مَوْتِ زَوْجِهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ؛ فَلَا تُغَسِّلُهُ؛ لِأَنَّهَا بِالتَّزَوُّجِ صَارَتْ صَالِحَةً لَأَنْ تُغَسِّلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 848 الثَّانِيَ لَوْ مَاتَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ غَاسِلَةً لِزَوْجَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَكَذَا لَوْ وُطِئَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشُبْهَةٍ، أَوْ وَطِئَ أُخْتَهَا بِشُبْهَةٍ، ثُمَّ مَاتَ لَمْ تُغَسِّلْهُ، إلَّا أَنْ تَضَعَ عَقِبَ مَوْتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُبَانَةُ، وَلَوْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ فِرَارًا، لِانْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِنَّمَا وَرِثَتْ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا. وَيُنْظَرُ مَنْ غَسَّلَ مِنْ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ غَيْرَ الْعَوْرَةِ وِفَاقًا لِجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (وَلِسَيِّدٍ غَسْلُ أَمَتِهِ وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ غَيْرَ مُبَاحَةٍ لَهُ، كَمُزَوَّجَةٍ وَمُعْتَدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ وَمُسْتَبْرَأَةٍ) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ، وَلَا الْمُعْتَدَّةَ مِنْ زَوْجٍ، إلَى أَنْ قَالَ: وَلَا مَنْ هِيَ فِي اسْتِبْرَاءٍ وَاجِبٍ وَمَا قَالَهُ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْفُرُوعِ " وَاسْتَشْكَلَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَيَتَّجِهُ: لَا) يُبَاحُ لِسَيِّدٍ غُسْلُ أَمَةٍ (مُشْتَرَكَةٍ) ، لِحُرْمَتِهَا قَبْلَ مَوْتِهَا، وَمِثْلُهَا الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا، وَلَا تُغَسِّلُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُغَسِّلُ) السَّيِّدُ (مُكَاتَبَتَهُ مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءً شَرَطَ وَطْأَهَا فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَنُهَا وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهَا وَدَفْنِهَا، (وَتُغَسِّلُهُ) هِيَ (إنْ شَرَطَ وَطْأَهَا) لِإِبَاحَتِهَا لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ؛ لَمْ تُغَسِّلْهُ، لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ. (وَلَيْسَ لِآثِمٍ بِقَتْلٍ حَقٌّ فِي غُسْلِ) مَقْتُولٍ، (وَ) لَا فِي (صَلَاةٍ) عَلَى مَقْتُولٍ، (وَ) لَا فِي (دَفْنِ مَقْتُولٍ) ، وَلَوْ كَانَ أَبًا أَوْ ابْنًا لَهُ، كَمَا لَا يَرِثُهُ، وَ (لَا) يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ غُسْلٍ إنْ كَانَ غَيْرَ آثِمٍ، وَلَوْ لَمْ يَرِثْ؛ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ (خَطَأً، خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 حَيْثُ سَوَّى بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ تَبَعًا لِأَبِي الْمَعَالِي، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَذْهَبُ. (وَلَيْسَ لَرَجُلٍ غُسْلُ ابْنَةِ سَبْعِ) سِنِينَ فَأَكْثَرَ إنْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ؛ لِأَنَّ لِعَوْرَتِهَا حُكْمًا. (وَلَا لَهَا) ، أَيْ: الْمَرْأَةِ، (غُسْلُ ابْنِ سَبْعِ) سِنِينَ فَأَكْثَرَ، غَيْرَ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَهُمَا) ، أَيْ: الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، (غُسْلُ مَنْ دُونَ ذَلِكَ) ، أَيْ: السَّبْعِ سِنِينَ، (وَلَوْ بِلَحْظَةٍ) مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى؛ لِأَنَّهُ: لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِ، وَابْنُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إبْرَاهِيمُ غَسَّلَهُ النِّسَاءُ (مَعَ حِلِّ نَظَرٍ وَمَسِّ عَوْرَتِهِ) ، أَيْ: مَنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَسِّلُ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ، وَتَمَسُّ عَوْرَتَهُ وَتَنْظُرُ إلَيْهَا. (وَحَرُمَ ذَلِكَ) ، أَيْ: نَظَرٌ وَمَسُّ عَوْرَةٍ (مِمَّنْ بَلَغَ سَبْعًا) مِنْ السِّنِينَ، (وَلَوْ لِزَوْجٍ وَزَوْجَةٍ) ، وِفَاقًا. (وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسَاءٍ) لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ، مِمَّنْ (لَا يُبَاحُ لَهُنَّ غُسْلُهُ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ زَوْجَةٌ، وَلَا أَمَةٌ لَهُ: يُيَمَّمُ، (أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ مِمَّنْ لَا يُبَاحُ لَهُمْ غُسْلُهَا، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ زَوْجُهَا وَلَا سَيِّدُهَا؛ يُمِّمَتْ، لِمَا رَوَى تَمَّامٌ فِي فَوَائِدِهِ عَنْ وَاثِلَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ مَحْرَمٌ؛ تُيَمَّمُ كَمَا يُيَمَّمُ الرِّجَالُ» . (أَوْ) مَاتَ (خُنْثَى مُشْكِلٌ) لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرَ، (وَلَمْ تَحْضُرْ أَمَةٌ لَهُ؛ يُمِّمَ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِالْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ تَنْظِيفٌ وَلَا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ، بَلْ رُبَّمَا كَثُرَتْ. (وَحَرُمَ) أَنْ يُيَمِّمَ مَنْ ذُكِرَ (بِدُونِ حَائِلٍ عَلَى غَيْرِ مَحْرَمٍ) فَيَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً عَلَيْهَا تُرَابٌ، فَيُيَمِّمُهُ بِهَا، فَإِنْ كَانَ مَحْرَمٌ، فَلَهُ أَنْ يُيَمِّمَهُ بِلَا حَائِلٍ. (وَرَجُلٌ أَوْلَى بِتَيَمُّمِ خُنْثَى) مُشْكِلٍ مِنْ امْرَأَةٍ، فَيُيَمِّمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 إذَا كَانَ ثَمَّةَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ، وَلِفَضْلِهِ بِالذُّكُورِيَّةِ. (وَمُمَيِّزٌ وَمُمَيِّزَةٌ بِلَا شَهْوَةٍ، يَحِلُّ لَهُمَا غُسْلُ ذَلِكَ) . أَيْ مَنْ مَاتَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى حَيْثُ أَطَاقَا ذَلِكَ. وَعَلَّمَهُمَا مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلْغُسْلِ. وَبَاشَرَاهُ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: وَكَذَا الْخُنْثَى يَمُوتُ مَعَ رِجَالٍ أَوْ نِسْوَةٍ فِيهِنَّ صَغِيرٌ أَوْ صَغِيرَةٌ تُطِيقُهُ. (وَيَتَّجِهُ) : لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ. أَوْ رَجُلٌ بَيْنَ نِسَاءٍ (مَعَ) وُجُودِ مَحْرَمٍ فِيهِمْ أَوْ فِيهِنَّ. وَ (عَدَمِ تُرَابٍ " صَالِحٍ لِلتَّيَمُّمِ) وُجُوبُ غُسْلِ ذَلِكَ الْمَيِّتِ (فِي حَائِلٍ) ، لِقَوْلِ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يُغَسِّلُ أُخْتَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ نِسَاءً؟ قَالَ: لَا. قُلْت: فَكَيْف يَصْنَعُ؟ قَالَ: تُغَسَّلُ وَعَلَيْهَا ثِيَابُهَا؟ يُصَبُّ الْمَاءُ صَبًّا. انْتَهَى. فَظَاهِرُ نَصِّ الْإِمَامِ: جَوَازُ الْغُسْلِ بِحَائِلٍ إنْ أُمِنَ مَسُّ الْبَشَرَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسُنَّ بَدَاءَةٌ بِتَجْهِيزِ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ) الْفَسَادُ بِتَأْخِيرِهِ إذَا مَاتَ جَمَاعَةٌ، بِنَحْوِ هَدْمٍ أَوْ حَرِيقٍ. (ثُمَّ بِذِي أَقَارِبَ) مَاتُوا بِهَدْمٍ أَوْ طَاعُونٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً: فَيُبْدَأُ بِمَنْ يُخْشَى فَسَادُهُ. فَإِنْ اسْتَوَوْا: سُنَّ بَدَاءَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 851 (بِأَبٍ، ثُمَّ بِأَقْرَبَ، ثُمَّ بِأَفْضَلَ، ثُمَّ) بِ (أَسَنَّ، ثُمَّ فَرْعِهِ) إنْ تُسَاوَوْا؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ إذَنْ غَيْرُهَا. [فَرْعٌ تَغْسِيل الْكَافِر وَتَكْفِينَهُ وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَاتِّبَاعَ جِنَازَته] (فَرْعٌ: حَرُمَ أَنْ يَعُودَ) مُسْلِمٌ كَافِرًا كَبُدَاءَتِهِ بِالسَّلَامِ. لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمٍ، (أَوْ يُغَسِّلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا، أَوْ يُكَفِّنَهُ أَوْ يُصَلِّي عَلَيْهِ. أَوْ يَتْبَعَ جِنَازَتَهُ، وَلَوْ ذِمِّيًّا قَرِيبًا) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13] . (بَلْ يُوَارِي وُجُوبًا، لِعَدَمِ) مَنْ يُوَارِيهِ مِنْ الْكُفَّارِ. كَمَا فُعِلَ بِكُفَّارِ بَدْرٍ، وَارَوْهُمْ فِي الْقَلِيبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ. وَالْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُرْتَدِّ فِي ذَلِكَ. ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُوَارَاةِ مُثْلَةٌ بِهِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا. (وَكَذَا كُلُّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ) كَالْجَهْمِيَّةِ. أَصْحَابِ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ. وَالْجَبْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ: لَا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَعْلَمُ الشَّيْءَ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَعِلْمُهُ تَعَالَى حَادِثٌ لَا فِي مَحَلٍّ، وَلَا يُوصَفُ بِمَا يُوصَفُ بِهِ غَيْرُهُ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ يَفْنَيَانِ. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالَاتِ أَهْلِ الْإِفْكِ وَالضَّلَالِ. وَلِهَذَا. (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: الْجَهْمِيَّةُ) لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: لَيْسَتْ الْجَهْمِيَّةُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ: إنَّا لَنَحْكِي قَوْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ. فَإِنَّهُمْ تَارَةً يَقُولُونَ بِالْحُلُولِ، وَتَارَةً يَقُولُونَ بِالتَّعْطِيلِ. (وَ) غُلَاةُ (الرَّافِضَةِ) عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِمْ الْمُقَرَّرَةِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ (لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ) . وَلَا تُتَّبَعُ جَنَائِزُهُمْ. (قَالَ) . الْإِمَامُ أَحْمَدُ: (أَهْلُ الْبِدَعِ) . وَهُمْ: الِاثْنَانِ وَسَبْعُونَ فِرْقَةً (إنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ) لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ وَأَوْلِيَائِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 852 [فَصْلٌ إذَا شُرِعَ فِي غُسْلِهِ وَجَبَ سَتْرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ] (فَصْلٌ) (وَإِذَا أُخِذَ) ، أَيْ: شُرِعَ (فِي غُسْلِهِ؛ وَجَبَ سَتْرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ) ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرِهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ: «لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (فِي غَيْرِ مَنْ) سِنُّهُ (دُونَ سَبْعِ) سِنِينَ، فَلَا بَأْسَ بِغُسْلِهِ مُجَرَّدًا. (وَسُنَّ تَجْرِيدُهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (مِنْ ثِيَابِهِ) لِلْغُسْلِ. لِأَنَّهُ أَمْكَنُ فِي تَغْسِيلِهِ، وَأَصْوَنُ لَهُ مِنْ التَّنْجِيسِ، وَلِفِعْلِ الصَّحَابَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: " أَنُجَرِّدُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ لَا؟ " (إلَّا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَإِنَّهُمْ " لَمَّا اخْتَلَفُوا: هَلْ يُجَرِّدُونَهُ أَوْ لَا؟ أَوْقَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ النَّوْمَ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلَّا وَذَقَنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ: أَنْ غَسِّلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. فَقَامُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَسَّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ. يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ، وَيُدَلِّكُونَ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهَا طَاهِرَةٌ. فَلَمْ يُخْشَ تَنْجِيسُ قَمِيصِهِ. (وَ) سُنَّ (سَتْرُهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ حَالَ الْغُسْلِ (عَنْ الْعُيُونِ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ بِهِ عَيْبٌ يَسْتُرُهُ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ تَظْهَرُ عَوْرَتُهُ (تَحْتَ سِتْرٍ أَوْ سَقْفٍ) فِي خَيْمَةٍ أَوْ بَيْتٍ إنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَلِئَلَّا يَسْتَقْبِلَ بِعَوْرَتِهِ السَّمَاءَ. (وَكُرِهَ حُضُورُ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فِي غُسْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ بِالْمَيِّتِ مَا يُكْرَهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ، وَالْحَاجَةُ غَيْرُ دَاعِيَةٍ إلَى حُضُورِهِ (غَيْرَ وَلِيٍّ) ، فَلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 853 الدُّخُولُ عَلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ. قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ. (وَ) كُرِهَ (تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ) نَصًّا وِفَاقًا. (وَ) كُرِهَ (نَظَرٌ) إلَى (بَقِيَّةِ بَدَنِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَلَوْ غَاسِلًا) فَلَا يُنْظَرُ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، (قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لِأَنَّ جَمِيعَهُ صَارَ عَوْرَةً) إكْرَامًا لَهُ، (فَلِذَا شُرِعَ سَتْرُ جَمِيعِهِ) بِالْكَفَنِ. (انْتَهَى) . قَالَ: فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْضُرَهُ إلَّا مَنْ يُعِينُ فِي أَمْرِهِ، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (ثُمَّ يَرْفَعُ) غَاسِلٌ (فِي أَوَّلِ غُسْلِ رَأْسِ) مَيِّتٍ، (غَيْرِ حَامِلٍ إلَى قُرْبِ جُلُوسِهِ) ، بِحَيْثُ يَكُونُ كَالْمُحْتَضَنِ فِي صَدْرِ غَيْرِهِ. (وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ بِرِفْقٍ) لِيَخْرُجَ الْمُسْتَعِدُّ لِلْخُرُوجِ، لِئَلَّا يَخْرُجَ بَعْدَ الْأَخْذِ فِي الْغُسْلِ، فَتَكْثُرُ النَّجَاسَةُ، (وَيَكُونُ ثَمَّ) ، أَيْ: هُنَاكَ (بَخُورٌ) - بِوَزْنِ رَسُولٍ - دَفْعًا لِلتَّأَذِّي بِرَائِحَةِ الْخَارِجِ، (وَيَكْثُرُ صَبُّ مَاءٍ حِينَئِذٍ) ، لِيَدْفَعَ مَا يَخْرُجُ بِالْعَصْرِ، وَالْحَامِلُ لَا يُعْصَرُ بَطْنُهَا، لِئَلَّا يَتَأَذَّى الْوَلَدُ، وَلِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ مَرْفُوعًا «إذَا تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ، فَأَرَادُوا غُسْلَهَا: فَلْيُبْدَأْ بِبَطْنِهَا، فَلْتُمْسَحْ مَسْحًا رَفِيقًا إنْ لَمْ تَكُنْ حُبْلَى. وَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى فَلَا تُحَرِّكْهَا» رَوَاهُ الْخَلَّالُ. (ثُمَّ يَلُفُّ) الْغَاسِلُ (عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً خَشِنَةً، فَيُنْجِيهِ بِهَا) أَيْ: الْخِرْقَةِ. كَمَا تُسَنُّ بَدَاءَةُ الْحَيِّ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، (وَالْأَوْلَى لِكُلِّ فَرْجٍ خِرْقَةٌ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ خِرْقَةٍ خَرَجَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ، لَا يُعْتَدُّ بِهَا إلَّا أَنْ تُغْسَلَ. (وَيَجِبُ غُسْلُ نَجَاسَةٍ بِهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِغُسْلِهِ تَطْهِيرُهُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بِالْمُخْرَجِ، فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا الِاسْتِجْمَارُ. (وَ) يَجِبُ (أَنْ لَا يَمَسَّ عَوْرَةُ مَنْ بَلَغَ سَبْعًا) مِنْ السِّنِينَ، لِأَنَّ الْمَسَّ أَعْظَمُ مِنْ النَّظَرِ. كَحَالِ الْحَيَاةِ. وَرُوِيَ " أَنَّ عَلِيًّا حِينَ غَسَّلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَفَّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً حِينَ غَسَلَ فَرْجَهُ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 854 ذَكَرَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ. (وَإِنْ) كَانَ (مَحْرَمًا) مِنْ الْمَيِّتِ. كَابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ التَّطْهِيرَ يُمْكِنُ بِدُونِ مَسٍّ وَلَا نَظَرٍ. (وَسُنَّ أَنْ لَا يُمَسَّ) الْغَاسِلُ (سَائِرُهُ) ، أَيْ: بَاقِي بَدَنِ الْمَيِّتِ (إلَّا بِخِرْقَةٍ) ، لِفِعْلِ عَلِيٍّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحِينَئِذٍ يَعُدُّ الْغَاسِلُ ثَلَاثَ خِرَقٍ: خِرْقَتَيْنِ لِلسَّبِيلَيْنِ، وَخِرْقَةٍ لِبَقِيَّةِ بَدَنِهِ، (ثُمَّ يَنْوِي) الْغَاسِلُ (غُسْلَهُ) فَقَطْ، أَيْ: دُونَ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُ، أَوْ رَفْعِ حَدَثِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ تَعَبُّدِيٌّ، فَإِنْ عَلِمَ الْغَاسِلُ بِجَنَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا: نَوَاهُمَا جَمِيعًا، (وَيُسَمِّي) وُجُوبًا، وَتَسْقُطُ سَهْوًا كَغُسْلِ الْحَيِّ. (وَسُنَّ أَنْ يُدْخِلَ) الْغَاسِلُ بَعْدَ غُسْلِ كَفَّيْ الْمَيِّتِ نَصًّا ثَلَاثًا (إبْهَامَهُ وَسَبَّابَتَهُ، عَلَيْهِمَا خِرْقَةٌ مَبْلُولَةٌ بِمَا بَيْنَ شَفَتَيْهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (فَيَمْسَحُ) بِهَا (أَسْنَانَهُ، وَ) يُدْخِلُهُمَا (فِي مَنْخِرَيْهِ فَيُنَظِّفُهُمَا) ، فَيَقُومُ مَقَامَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ، (ثُمَّ يُوَضِّئُهُ) اسْتِحْبَابًا كَامِلًا، لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ مَرْفُوعًا فِي غُسْلِ ابْنَتِهِ: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَكَغُسْلِ الْجَنَابَةِ. (وَلَا يُدْخِلُ) غَاسِلٌ (مَاءً فِي أَنْفِهِ وَ) لَا (فَمِهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ خَشْيَةَ تَحْرِيكِ النَّجَاسَةِ بِدُخُولِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ، (ثُمَّ يُضْرَبُ نَدْبًا نَحْوَ سِدْرٍ) ، كَخِطْمِيٍّ، (فَيُغْسَلُ بِرَغْوَتِهِ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ فَقَطْ، فِي كُلِّ غَسْلَةٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ، وَلِهَذَا جُعِلَ كَشْفُهُ شِعَارَ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ الشَّرِيفَةِ. وَالرَّغْوَةُ تُزِيلُ الدَّرَنَ. وَلَا تَتَعَلَّقُ بِالشَّعْرِ، فَنَاسَبَ أَنْ تُغْسَلَ بِهَا اللِّحْيَةُ، لِتَزُولَ الرَّغْوَةُ بِمُجَرَّدِ جَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ تَفْلِ السِّدْرِ، (ثُمَّ يُغْسَلُ بِمَاءٍ بَارِدٍ، فَيُكْرَهُ) مَاءٌ (حَارٌّ) ؛ لِأَنَّهُ يُرْخِي الْجَسَدَ، فَيُسْرِعُ الْفَسَادُ إلَيْهِ، وَالْمَاءُ الْبَارِدُ يُصْلِبُهُ، وَيُبْعِدُهُ عَنْ الْفَسَادِ. (شِقَّهُ الْأَيْمَنَ بِتَفْلِ) السِّدْرِ (مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 855 رَأْسِهِ لِرِجْلِهِ) ، يُبْدَأُ بِصَفْحَةِ عُنُقِهِ إلَى الرِّجْلِ، (ثُمَّ) يُغْسَلُ شِقَّهُ (الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ) ، لِحَدِيثِ: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا» وَكَغُسْلِ الْحَيِّ، وَلَا يَكُبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَيُغْسَلُ ظَهْرُهُ وَوَرِكُهُ، وَهُوَ عَلَى جَنْبِهِ، (ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ) لِيَعُمَّهُ الْغُسْلُ، (وَيُثَلِّثُ ذَلِكَ) ، أَيْ: يُكَرِّرُهُ ثَلَاثًا (نَدْبًا) كَغُسْلِ الْحَيِّ، (فَيُكْرَهُ اقْتِصَارٌ فِي غُسْلٍ عَلَى مَرَّةٍ) ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنِّسَاءِ اللَّاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» ، (وَلَا يُعَادُ وُضُوءٌ لِكُلِّ مَرَّةٍ) ، إنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ، (يُمِرُّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَدَهُ عَلَى بَطْنِهِ) بِرِفْقٍ إخْرَاجًا لِمَا تَخَلَّفَ، وَأَمْنًا مِنْ فَسَادِ الْغُسْلِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ بَعْدُ، (وَلَا يَجِبُ فِعْلُ ذَلِكَ) ، أَيْ: مُبَاشَرَةُ الْغُسْلِ كَالْحَيِّ، (فَلَوْ تُرِكَ) الْمَيِّتُ (تَحْتَ نَحْوِ مِيزَابٍ، وَحَضَرَ أَهْلٌ) يَصْلُحُ (لِغُسْلِهِ) وَهُوَ: الْمُسْلِمُ الْمُمَيِّزُ، (وَنَوَى) غُسْلَهُ وَسَمَّى، (وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ غُسْلُهُ فِيهِ) ، بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمَاءَ عَمَّهُ؛ (كَفَى) فِي أَدَاءِ فَرْضِ الْغُسْلِ. (فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ) الْمَيِّتُ (بِثَلَاثِ) غَسَلَاتٍ؛ (زَادَ إلَى سَبْعِ) غَسَلَاتٍ، (فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ) بِسَبْعِ غَسَلَاتٍ، (فَالْأَوْلَى غَسْلُهُ حَتَّى يُنَقَّى) ، لِلْخَبَرِ، وَتَقَدَّمَ (مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ وُضُوءٍ) ، فَإِنَّهُ فِي الْأُولَى خَاصَّةً، (وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ) مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا (بَعْدَ الثَّلَاثِ؛ أُعِيدَ وُضُوءُهُ) وُجُوبًا، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَتَبِعَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": لِتَكُونَ طَهَارَتُهُ كَامِلَةً. (وَوَجَبَ غُسْلُهُ كُلَّمَا خَرَجَ) مِنْهُ شَيْءٌ (إلَى سَبْعٍ) لِمَا سَبَقَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا كَرَّرَ الْأَمْرَ بِغُسْلِهَا مِنْ أَجْلِ تَوَقُّعِ النَّجَاسَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنْ يَكُونَ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ الطَّهَارَةَ الْكَامِلَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْتَ جَرَى مَجْرَى زَوَالِ الْعَقْلِ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ وُجُوبُ إعَادَةِ غُسْلِهِ، (وَلَوْ خَرَجَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 856 شَيْءٌ (مِنْ غَيْرِ سَبِيلٍ) ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَهَا) ، أَيْ: السَّبْعِ شَيْءٌ؛ (حُشِيَ) مَحَلُّ الْخُرُوجِ (بِقُطْنٍ) أَوْ مُلْجَمٍ بِهِ. كَمَا تَفْعَلُ الْمُسْتَحَاضَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ) بِالْحَشْوِ بِقُطْنٍ وَنَحْوِهِ؛ (فَ) يُحْشَى (بِطِينٍ حَرٍّ) خَالِصٍ، يَكُونُ لَهُ قُوَّةٌ تَمْسِكُ الْمَحَلِّ لِيَمْنَعَ الْخَارِجَ، (ثُمَّ يَغْسِلُ الْمَحَلَّ) الْمُتَنَجِّسَ بِالْخَارِجِ وُجُوبًا، (وَيُوَضَّأُ وُجُوبًا) ، كَجُنُبٍ أَحْدَثَ بَعْدَ غُسْلِهِ، (وَلَا غُسْلَ) بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ. (وَإِنْ خِيفَ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ مَنَافِذِ وَجْهِهِ) كَفَمِهِ وَأَنْفِهِ وَأُذُنِهِ؛ (فَلَا بَأْسَ أَنْ تُحْشَى بِقُطْنٍ) وَنَحْوِهِ، (وَإِنْ خَرَجَ) مِنْهُ (شَيْءٌ) قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ (بَعْدَ تَكْفِينِهِ وَلَفِّهِ؛ لَمْ يُعَدْ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّابِعَةِ أَوْ قَبْلَهَا، قَلِيلًا كَانَ الْخَارِجُ أَوْ كَثِيرًا، دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِهِ وَإِعَادَةِ غُسْلِهِ، وَتَطْهِيرِ اللِّفَافَةِ وَتَجْفِيفِهَا أَوْ إبْدَالِهَا، فَيَتَأَخَّرُ دَفْنُهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، ثُمَّ لَا يُؤْمَنُ مِثْلٌ بَعَدِهِ، وَإِنْ وُضِعَ عَلَى الْكَفَنِ، وَلَمْ يُلَفَّ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ؛ أُعِيدَ غُسْلُهُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ (وَسُنَّ قَطْعُ) عَدَدِ غَسَلَاتِهِ (عَلَى وِتْرٍ) ، لِحَدِيثِ «اغْسِلْنَهَا وِتْرًا» ، (وَ) سُنَّ (جَعْلُ كَافُورٍ وَسِدْرٍ فِي غَسْلَةٍ أَخِيرَةٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْكَافُورَ يَصْلُبُ الْجَسَدَ، وَيُبَرِّدُهُ وَتَطْرُدُ رَائِحَتُهُ الْهَوَامَّ، وَلِحَدِيثِ «اجْعَلْنَ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لَا إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُحْرِمًا، فَيُجَنَّبُ الْكَافُورُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطِّيبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 857 (وَ) سُنَّ (خِضَابُ لِحْيَةِ رَجُلٍ وَرَأْسِ امْرَأَةٍ بِحِنَّاءٍ وَقَصُّ شَارِبِ غَيْرِ مُحْرِمٍ، وَتَقْلِيمُ أَظْفَارِهِ إنْ طَالَا) ، أَيْ: الشَّارِبُ وَالْأَظْفَارُ (وَأَخْذُ شَعْرِ إبِطَيْهِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ تَنْظِيفٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ عُضْوٍ، أَشْبَهَ إزَالَةَ الْوَسَخِ وَالدَّرَنِ، وَيُعَضِّدُهُ عُمُومَاتُ سُنَنِ الْفِطْرَةِ. (وَجَعَلَهُ) ، أَيْ: الْمَأْخُوذَ مِنْ شَعْرٍ وَظُفْرٍ (مَعَهُ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - فِي كَفَنِهِ بَعْدَ إعَادَةِ غُسْلِهِ (نَدْبًا كَعُضْوٍ أَصْلِيٍّ سَقَطَ) ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي مَسَائِلِ صَالِحٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: " تُغْسَلُ رَأْسُ الْمَيِّتَةِ؛ فَمَا سَقَطَ مِنْ شَعْرِهَا فِي أَيْدِيهِمْ غَسَلُوهُ؛ ثُمَّ رَدُّوهُ فِي رَأْسِهَا "؛ وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ دَفْنُ ذَلِكَ مِنْ الْحَيِّ، فَالْمَيِّتُ أَوْلَى، وَتُلَفَّقُ أَعْضَاؤُهُ إنْ قُطِعَتْ بِالتَّغْمِيطِ وَالطِّينِ الْحُرِّ حَتَّى لَا يَتَبَيَّنَ تَشْوِيهُهُ، وَمَا فُقِدَ مِنْهَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ شَكْلٌ مِنْ طِينٍ وَلَا غَيْرِهِ. (وَحَرُمَ حَلْقُ رَأْسِ) مَيِّتٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ لِنُسُكٍ أَوْ زِينَةٍ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مَحَلًّا لَهُمَا. (وَ) حَرُمَ (أَخْذُ) شَعْرِ (عَانَةٍ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ مَسِّ الْعَوْرَةِ وَنَظَرِهَا، وَهُوَ مُحَرَّمٌ، فَلَا يُرْتَكَبُ لِمَنْدُوبٍ. (كَ) مَا يَحْرُمُ (خَتْنُ) مَيِّتٍ أَقْلَفَ؛ لِأَنَّهُ قَطْعُ بَعْضِ عُضْوٍ مِنْهُ، وَقَدْ زَالَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ. (وَكُرِهَ خِلَالٌ) إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لِشَيْءٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ، (وَ) كُرِهَ (إشْنَانٌ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ) لِوَسَخٍ كَثِيرٍ بِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يُكْرَهْ، وَيَكُونُ الْخِلَالُ إذَنْ مِنْ شَجَرَةٍ لَيِّنَةٍ كَالصَّفْصَافِ. (وَ) كُرِهَ (تَسْرِيحُ شَعْرِهِ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - رَأْسًا كَانَ أَوْ لِحْيَةً، نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ، وَعَنْ عَائِشَةَ " أَنَّهَا مَرَّتْ بِقَوْمٍ يُسَرِّحُونَ شَعْرَ مَيِّتٍ فَنَهَتْهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَتْ: عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ؟ " أَيْ: تُسَرِّحُونَهُ. (وَسُنَّ أَنْ يُظَفَّرَ، شَعْرُ أُنْثَى ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَسَدْلُهُ) ، أَيْ: إلْقَاؤُهُ (وَرَاءَهَا) نَصًّا، لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ: " فَظَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَأَلْقَيْنَاهُ خَلْفَهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 858 (وَ) سُنَّ (تَنْشِيفُ) مَيِّتٍ بِثَوْبٍ. كَمَا فُعِلَ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِئَلَّا يَبْتَلَّ كَفَنُهُ فَيَفْسُدَ. وَلَا يُنَجِّسُ مَا نُشِّفَ بِهِ. (وَقِيلَ لِ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ: الْعَرُوسُ تَمُوتُ فَتُجْلَى، فَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا) ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ تُهَيِّجُ الْمُصِيبَةِ. (وَلَا بَأْسَ بِغُسْلِهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (فِي حَمَّامٍ) نَصًّا كَحَيٍّ (وَ) لَا بَأْسَ بِ (مُخَاطَبَةِ غَاسِلٍ لَهُ حَالَ غُسْلِهِ بِنَحْوِ: انْقَلِبْ يَرْحَمْكَ اللَّهُ) ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ لَمَّا لَمْ يَجِدْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَجِدُهُ مِنْ سَائِرِ الْمَوْتَى: " يَا رَسُولَ اللَّهِ طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا " وَقَوْلِ الْفَضْلِ وَهُوَ مُحْتَضِنُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " أَرْضِي أَرْضِي، فَقَدْ قَطَعْت وَتِينِي، إنِّي أَجِدُ شَيْئًا يَنْزِلُ عَلَيَّ " وَالْوَتِينُ: عِرْقٌ فِي الْقَلْبِ إذَا انْقَطَعَ مَاتَ صَاحِبُهُ. (وَمُحْرِمٌ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (مَيِّتٌ كَ) مُحْرِمٍ (حَيٍّ) فِيمَا يُمْنَعُ مِنْهُ، (يُغَسَّلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ لَا طِيبَ فِيهِ) وَلَا كَافُورَ، (وَلَا يَلْبَسُ ذَكَرٌ الْمِخْيَطَ) نَحْوَ قَمِيصٍ، (وَلَا يُغَطَّى رَأْسُهُ) ، أَيْ: الْمُحْرِمِ، (وَلَا) يُغَطَّى (وَجْهُ أُنْثَى) مُحْرِمَةٍ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا ظُفْرِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا فِي مُحْرِمٍ مَاتَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَا فِدْيَةَ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ بِهِ) . أَيْ: الْمَيِّتِ الْمُحْرِمِ، كَتَطْيِيبِهِ وَإِلْبَاسِهِ الْمِخْيَطَ وَنَحْوَهُ، (وَلَا تُمْنَعُ مُعْتَدَّةٌ) مَاتَتْ غَيْرَ مُحْرِمَةٍ (مِنْ طِيبٍ) ، لِسُقُوطِ الْإِحْدَادِ بِمَوْتِهَا. (وَتُزَالُ اللَّصُوقُ) بِفَتْحِ اللَّام - أَيْ: مَا يُلْصَقُ عَلَى الْبَدَنِ، يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ لِيَصِلَ إلَى الْبَشَرَةِ كَالْحَيِّ. (وَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (شَيْءٌ) بِإِزَالَةِ لَصُوقٍ، (بَقِيَتْ وَمُسِحَ عَلَيْهَا) كَجَبِيرَةِ حَيٍّ. (وَيُزَالُ نَحْوُ خَاتَمٍ) كَسِوَارٍ وَحَلْقَةٍ (وَلَوْ بِبُرْدِهِ) ، لِأَنَّ تَرْكَهُ مَعَهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ، وَ (لَا) يُزَالُ (أَنْفٌ مِنْ ذَهَبٍ) . لِمَا فِيهِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 الْمُثْلَةِ، (وَيُحَطُّ ثَمَنُهُ، إنْ لَمْ يُؤْخَذْ) ، أَيْ: إنْ لَمْ يَكُنْ بَائِعُهُ أَخَذَهُ مِنْ الْمَيِّتِ (مِنْ تَرِكَتِهِ) كَسَائِرِ دُيُونِهِ، (فَإِنْ عُدِمَتْ) تَرِكَةُ الْمَيِّتِ (أُخِذَ) الْأَنْفُ (إذَا بُلِيَ مَيِّتٌ) ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ إذَنْ. [فَرْعٌ فَرْضُ الْكِفَايَةِ] (فَرْعٌ: فَرْضُ الْكِفَايَةِ) مِنْ حَيْثُ هُوَ مُهِمٌّ يُقْصَدُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ، حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ، فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ فَرْضُ الْعَيْنِ، وَسُنَّةُ الْعَيْنِ، وَيَدْخُلُ نَحْوُ الْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا؛ فَفَرْضُ الْكِفَايَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْجَمِيعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، (إذَا قَامَ بِهِ وَاحِدٌ) مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، (سَقَطَ) الطَّلَبُ الْجَازِمُ عَنْ الْجَمِيعِ، فَلَا يُطْلَبُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ فِعْلُهُ، (فَإِنْ فَعَلَهُ جَمْعٌ) مِنْ النَّاسِ (مَعًا؛ كَانَ كُلُّهُ فَرْضًا) ، أَيْ: أُثِيبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى فِعْلِهِ ثَوَابَ الْفَرْضِ، لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي تَمْيِيزَ بَعْضِهِمْ، (وَذَكَرَهُ) عَلِيُّ (بْنُ عَقِيلٍ مَحَلَّ وِفَاقٍ) مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ،، (وَفِي فِعْلِ بَعْضٍ) لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ (بَعْدَ بَعْضٍ وَجْهَانِ) : أَصَحُّهُمَا: أَنَّ فَاعِلَهُ الْأَوَّلَ قَامَ بِالْفَرْضِيَّةِ، وَأُثِيبَ عَلَيْهَا، وَمَنْ فَعَلَهُ بَعْدَهُ، وَقَعَ مِنْهُ نَفْلًا، وَأُثِيبَ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّفْلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 860 [فَصْلٌ الشَّهِيدُ يَجِبُ بَقَاءُ دَمِهِ عَلَيْهِ] ِ) لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ بِدِمَائِهِمْ. (فَإِنْ خَالَطَتْهُ) ، أَيْ: دَمَ الشَّهِيدِ (نَجَاسَةٌ؛ غُسِلَ) الدَّمُ (مَعَهَا) - أَيْ: النَّجَاسَةِ - لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ، وَمِنْهُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ، مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ، وَمِنْهُ إبْقَاءُ دَمِ الشَّهِيدِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ. (وَ) يَجِبُ (دَفْنُهُ) ، أَيْ: الشَّهِيدِ (بِثِيَابِهِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا) فَقَطْ، وَظَاهِرُهُ: (وَلَوْ) كَانَتْ (حَرِيرًا) ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ. (وَيَتَّجِهُ) : لَا بَأْسَ بِدَفْنِهِ فِي الثِّيَابِ الْحَرِيرِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا، (إنْ كَانَ لُبْسُهُ) إيَّاهَا (فِي حَالٍ يُبَاحُ) كَإِرْهَابِ الْعَدُوِّ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بَعْدَ نَزْعٍ لَأْمَةِ حَرْبٍ، وَنَحْوِ فَرْوٍ وَخُفٍّ) نَصًّا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «أُمِرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَأَنْ يُدْفَنُوا بِثِيَابِهِمْ بِدِمَائِهِمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. فَإِنْ سُلِبَ ثِيَابُهُ؛ كُفِّنَ فِي غَيْرِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 861 (وَيَتَّجِهُ) : نَزْعُ مَا عَلَى الشَّهِيدِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَالْفَرْوَ وَالْجُلُودِ (وُجُوبًا) ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يُزَادُ فِي ثِيَابِهِ) ، أَيْ: الشَّهِيدِ (وَلَا يُنْقَصُ) مِنْهَا (وَلَوْ لَمْ يَحْصُلُ الْمَسْنُونُ) بِهَا لِنَقْصِهَا أَوْ زِيَادَتِهَا، (فَإِنْ كَانَ) الشَّهِيدُ (قَدْ سَلَبَهَا) أَيْ: الثِّيَابَ (دُفِنَ) بَعْدَ تَكْفِينِهِ (بِغَيْرِهَا) بِلَا خِلَافٍ. (وَيَتَّجِهُ) : تَكْفِينُهُ بِغَيْرِهَا (نَدْبًا، وَسِتْرُ عَوْرَتِهِ وُجُوبًا) قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَشَرْحِهِ: كُفِّنَ بِغَيْرِهَا وُجُوبًا كَغَيْرِهِ. انْتَهَى. وَهُوَ أَظْهَرُ كَمَا لَا يَخْفَى. (وَإِنْ سَقَطَ) حَاضِرُ صَفِّ الْقِتَالِ (مِنْ شَاهِقٍ) ، أَيْ: مَكَان مُرْتَفَعٍ كَجَبَلٍ وَنَحْوِهِ، (أَوْ) سَقَطَ مِنْ (دَابَّةٍ لَا بِفِعْلِ عَدُوٍّ) ، فَمَاتَ (أَوْ مَاتَ بِرَفْسَةِ) دَابَّةٍ، (أَوْ) مَاتَ (حَتْفَ أَنْفِهِ) ، أَيْ: لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ، (أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا، وَلَا أَثَرَ) قَتْلٍ (بِهِ) ، فَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرٌ؛ لَمْ يُغَسَّلْ، (أَوْ عَادَ سِلَاحُهُ عَلَيْهِ) فَقُتِلَ، فَكَغَيْرِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ بِفِعْلِ الْعَدُوِّ مُبَاشَرَةً، وَلَا تَسَبُّبًا، أَشْبَهَ مَنْ مَاتَ مَرِيضًا، وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ، فَلَا يَسْقُطُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 862 بِالشَّكِّ فِي مَسْقَطِهِ. (أَوْ حُمِلَ) بَعْدَ جُرْحِهِ (فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ بَالَ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَطَسَ أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ عُرْفًا؛ فَ) هُوَ (كَغَيْرِهِ مِنْ وُجُوبِ غُسْلٍ وَتَكْفِينٍ وَصَلَاةٍ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ ذِي حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَظَاهِرُهُ: أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمُورُ بَعْدَ حَمْلِهِ، فَأَمَّا إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ بَعْدَ جُرْحِهِ، وَهُوَ فِي الْمَعْرَكَةِ، ثُمَّ مَاتَ فِيهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، فَلَا يُغَسَّلُ، إلَّا أَنْ يَطُولَ مُكْثُهُ فِيهَا؛ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُغَسَّلَ كَمَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ أَقَامَ فِيهَا إلَى اللَّيْلِ، أَيْ: فَحُكْمُهُ (كَشَهِيدٍ مَطْعُونٍ وَمَبْطُونٍ وَغَرِيقٍ وَشَرِيقٍ وَحَرِيقٍ وَصَاحِبِ هَدْمٍ وَذَاتِ الْجَنْبِ وَالسُّلِّ) بِضَمِّ السِّين وَكَسْرِهَا (وَاللَّقْوَةِ) : دَاءٌ فِي الْوَجْهِ (وَصَابِرٍ بِطَاعُونٍ، وَمُتَرَدٍّ بِشَاهِقٍ) لَا بِفِعْلِ كُفَّارٍ (وَدَابَّةٍ وَمَيِّتٍ بِسَبِيلِ اللَّهِ، وَمُرَابِطٍ وَطَالِبِ شَهَادَةٍ بِصِدْقِ نِيَّةٍ، وَمَجْنُونٍ وَنُفَسَاءَ وَلَدِيغٍ وَفَرِيسِ سَبُعٍ) ، وَمَنْ بَاتَ عَلَى طَهَارَةٍ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَطَالِبُ عِلْمٍ) مُعَلِّمًا كَانَ أَوْ مُتَعَلِّمًا؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أُمَنَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ. (وَمِنْ أَغْرَبِهَا) ، أَيْ: الشَّهَادَةِ: (مَوْتُ غَرِيبٍ) ، لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ» : (وَأَغْرَبُ مِنْهُ) مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ الْمُنَجَّا وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: (عَاشِقُ عَفٍّ وَكَتْمٍ) أَشَارَ إلَى الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ: «مَنْ عَشِقَ وَعَفَّ وَكَتَمَ فَمَاتَ، مَاتَ شَهِيدًا» ، وَهَذَا الْخَبَرُ مَذْكُورٌ فِي تَرْجَمَةِ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ فِيمَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ. قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ كِتْمَانَ الْعَاشِقِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُطَالِبِ الْمُفْضِيَةِ إلَى بُلُوغِ الْمَأْرَبِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَذَاعَ سِرَّهُ كَثُرَتْ عُذَّالُهُ، وَبَاءَ بِالْحِرْمَانِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 فَيَنْبَغِي لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَتَدَرَّعَ مِنْ الصَّبْرِ جِلْبَابًا، وَيَلْبَسَ مِنْ الْعِفَّةِ وَالْكِتْمَانِ ثِيَابًا، وَيَكُونَ عِشْقُهُ لِلَّهِ، لَا يَشُوبَهُ بِشَهْوَةٍ حَيَوَانِيَّةٍ. وَ (لَا) يَلْزَمُ كِتْمَانُهُ (عَنْ مَعْشُوقِهِ) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَلَا يَخْلُو مَعَهُ، لِئَلَّا يَتَلَاعَبَ بِهِ الشَّيْطَانُ فَيُوقِعَهُ فِي غَضَبِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ جَيِّدٌ. (وَسَقَطَ) - بِتَثْلِيثِ السِّينِ - (لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) فَأَكْثَرَ (كَمَوْلُودٍ حَيًّا) ، يُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ نَصًّا، لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ مَرْفُوعًا «وَالسَّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: «وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ» وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَذَكَرُهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ نَسَمَةٌ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ وَ (لَا) يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لَوْ سَقَطَ (قَبْلَهَا) ، أَيْ: الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، (وَلَوْ بَانَ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ) إذْ الْمُعْتَبَرُ نَفْخُ الرُّوحِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ قَبْلَ ذَلِكَ. (وَسُنَّ تَسْمِيَتُهُ) ، أَيْ: الطِّفْلِ (وَإِنْ) وُلِدَ (لِدُونِ ذَلِكَ) ، أَيْ: الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ يَبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، فَيُسَمَّى لِيُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاسْمِهِ. (وَمَعَ جَهْلِ ذُكُورَةٍ وَأُنُوثَةٍ يُسَمَّى بِصَالِحٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 864 لَهُمَا كَطَلْحَةَ وَهِبَةِ اللَّهِ) . قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ. (وَسَقَطَ مِنْ كَافِرَيْنِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) بِأَنْ مَاتَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ بِدَارِنَا، (كَمُسْلِمٍ) يُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا وُلِدَ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ. وَإِلَّا فَلَا. وَيُصَلَّى عَلَى طِفْلٍ مِنْ كَافِرَيْنِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ بِدَارِنَا. أَوْ سَبْيِهِ مُنْفَرِدًا عَنْهُمَا، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا. وَكَذَا مَجْنُونٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ. (وَعَلَى غَاسِلٍ سَتْرُ شَرٍّ) رَآهُ؛ لِأَنَّ فِي إظْهَارِهِ إذَاعَةً لِلْفَاحِشَةِ، وَفِي الْخَبَرِ مَرْفُوعًا: «لِيُغَسِّلْ مَوْتَاكُمْ الْمَأْمُونُونَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، وَأَدَّى فِيهِ الْأَمَانَةَ، وَلَمْ يُفْشِ عَيْبَهُ؛ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ. (كَطَبِيبٍ فِي سَتْرِ عَيْبٍ) رَآهُ بِجَسَدٍ مَطْبُوبٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُهُ. فَلَا يُحَدِّثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِيهِ، وَمِثْلُهُ الْجَرَائِحِيُّ. (وَسُنَّ) لِلْغَاسِلِ (إظْهَارُ خَيْرٍ) رَآهُ مِنْ الْمَيِّتِ لِيُتَرَحَّمَ عَلَيْهِ (قَالَ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ: إلَّا عَلَى مَشْهُورٍ بِبِدْعَةٍ أَوْ فُجُورٍ وَنَحْوِهِ) . كَكَذِبٍ، (فَيُسَنُّ إظْهَارُ شَرِّهِ وَسَتْرُ خَيْرِهِ) لِيَرْتَدِعَ نَظِيرُهُ. (وَنَرْجُو لِلْمُحْسِنِ، وَنَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ وَلَا نَشْهَدُ) بِجَنَّةٍ أَوْ نَارٍ (إلَّا لِمَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَالْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ، وَكَحَاتِمٍ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ ذُكِرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ فِي النَّارِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (أَوْ تَتَّفِقُ الْأُمَّةِ عَلَى الثَّنَاءِ) عَلَيْهِ: كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، (أَوْ) تَتَّفِقُ الْأُمَّةِ عَلَى (الْإِسَاءَةِ عَلَيْهِ) كَالْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، وَالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ مُرَادَهُ الْأَكْثَرُ، وَأَنَّهُ الْأَكْثَرُ دِيَانَةً، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ أَفْعَالُ الْمَيِّتِ مُوَافِقَةً لِقَوْلِهِمْ. وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ عَلَامَةً مُسْتَقِلَّةً. انْتَهَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 865 وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ، وَوُجِدَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ؛ وَجَبَ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ أَقْلَفَ بِدَارِنَا لَا بِدَارِ حَرْبٍ. وَلَا عَلَامَةَ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. وَنَقَلَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ يُسْتَدَلُّ بِثِيَابٍ وَخِتَانٍ. [فَرْعٌ سُوءُ الظَّنِّ بِمُسْلِمٍ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ] (فَرْعٌ: يَحْرُمُ سُوءُ) الـ (ظَّنِّ) بِاَللَّهِ تَعَالَى وَ (بِمُسْلِمٍ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ) ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (وَيُسْتَحَبُّ ظَنُّ الْخَيْرِ بِالْأَخِ الْمُسْلِمِ) وَيَجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، (وَحُسْنُ الظَّنِّ بِأَهْلِ الدِّينِ حَسَنٌ) . وَلَا يَنْبَغِي تَحْقِيقُ ظَنِّهِ بِرِيبَةٍ. (وَلَا حَرَجَ بِظَنِّ السُّوءِ لِمَنْ ظَاهِرُهُ الشَّرُّ) . وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» - مَحْمُولٌ عَلَى الظَّنِّ الْمُجَرَّدِ الَّذِي لَمْ يُعَضِّدْهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ. وَحَدِيثُ «احْتَرِسُوا مِنْ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ» ، الْمُرَادُ بِهِ الِاحْتِرَاسُ فِي حِفْظِ الْمَالِ، كَغَلْقِ الْبَابِ خَوْفَ السُّرَّاقِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي. [فَصْلٌ تَكْفِينُ مَنْ يُغَسِّلُ] (فَصْلٌ) (وَتَكْفِينُ مَنْ فَرْضُ كِفَايَةٍ) عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ. لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» (وَيَجِبُ لِحَقِّهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ثَوْبٌ) وَاحِدٌ (لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ، لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، (فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِدُونِهِ) ، أَيْ: لَوْ وَصَّى بِثَوْبٍ لَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ، لَمْ تُسْمَعْ وَصِيَّتُهُ لِتَضَمُّنِهَا إسْقَاطَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (مِنْ مَلْبُوسٍ مِثْلَهُ فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ) . لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِتَحْسِينِهِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِأَنَّهُ لَا إجْحَافَ فِيهِ عَلَى الْمَيِّتِ. وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِ، (مَا لَمْ يُوصِ بِدُونِهِ) . أَيْ: مَلْبُوسِ مِثْلِهِ فَتُتْبَعُ وَصِيَّتُهُ لِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ مِمَّا زَادَ. (وَيُكْرَهُ) أَنْ يُكَفَّنَ فِي (أَعْلَى) مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 866 مَلْبُوسِ مِثْلِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ، وَلِلنَّهْيِ عَنْ التَّغَالِي فِي الْكَفَنِ. (وَيَتَّجِهُ) كَرَاهَةُ تَكْفِينِهِ بِالْأَعْلَى (إنْ كَانَ مِنْ تَرِكَتِهِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إجْحَافًا عَلَى الْوَرَثَةِ، أَمَّا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ مُتَبَرِّعٌ أَوْ رَضُوا كُلُّهُمْ صَرِيحًا؛ فَلَا يُكْرَهُ. (وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّهُ لَوْ وَرِثَهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتَ (غَيْرُ مُكَلَّفٍ حَرُمَ) تَكْفِينُهُ بِأَعْلَى مِنْ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ، وَهَذَا مُتَّجِهٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةٌ بِهِ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ فِيهِ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْتَنَعُ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ لِفَاسِقٍ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْمَعْصِيَةِ. (وَتَجِبُ مُؤْنَةُ تَجْهِيزٍ) مِنْ أُجْرَةِ مُغَسِّلٍ وَحَمَّالٍ وَحَفَّارٍ وَنَحْوِهِ (بِمَعْرُوفٍ) لِمِثْلِهِ، وَ (لَا) يَجِبُ (حَنُوطٌ وَطِيبٌ) كَحَالِ الْحَيَاةِ، (بَلْ يُسَنُّ) لِلْخَبَرِ وَيَأْتِي. (وَلَا بَأْسَ بِ) جَعْلِ (مِسْكٍ فِيهِ) - أَيْ: الْكَفَنِ - نَصًّا. (وَمَنْ أَخْرَجَ فَوْقَ) مَا جَرَتْ (عَادَةٌ) بِإِخْرَاجِهِ عَلَى طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ (مِنْ طِيبٍ وَحَوَائِجَ، وَفَوْقَ أُجْرَةِ حَمَّالٍ وَحَفَّارٍ، أَوْ أَعْطَى قَارِئًا بَيْنَ يَدَيْ جِنَازَةٍ؛ فَمُتَبَرِّعٌ) إنْ كَانَ مِنْ مَالِهِ، (وَإِنْ كَانَ مِنْ تَرِكَةٍ فَمِنْ نَصِيبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ شَرْعًا، ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ ". وَكَذَا مَا يُعْطَى لِمَنْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ مَعَ الْجِنَازَةِ بِالذِّكْرِ وَنَحْوِهِ، وَمَا يُصْرَفُ فِي طَعَامٍ وَنَحْوِهِ لَيَالِي جَمْعٌ، وَمَا يُصْنَعُ فِي أَيَّامِهَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُسْتَحْدَثَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 خُصُوصًا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. (وَيُقَدَّمُ مَا وَجَبَ لِلْمَيِّتِ) مِنْ ثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ. وَمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ بِمَعْرُوفٍ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ (عَلَى دَيْنٍ بِرَهْنٍ وَأَرْشِ جِنَايَةِ وَارِثٍ وَنَحْوِ كَفَّارَةٍ) كَزَكَاةٍ وَحَجٍّ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ سُتْرَتَهُ وَاجِبَةٌ فِي الْحَيَاةِ. فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلِأَنَّ حَمْزَةَ وَمُصْعَبًا لَمْ يُوجَدْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا ثَوْبٌ، فَكُفِّنَ فِيهِ. وَلِأَنَّ لِبَاسَ الْمُفْلِسِ يُقَدَّمُ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ. فَكَذَا كَفَنُ الْمَيِّتِ، وَلَا يُنْتَقَلُ لِوَارِثٍ مِنْ مَالِ مَيِّتٍ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ. (فَإِنْ عُدِمَ مَالُهُ) - أَيْ الْمَيِّتِ - بِأَنْ لَمْ يَخْلُفْ تِرْكَةً. أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ تَجْهِيزِهِ. (فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) - أَيْ الْمَيِّتِ - حَالَ حَيَاتِهِ (بِقَدْرِهَا) - أَيْ: النَّفَقَةِ - فَمَنْ لَهُ أَخَوَانِ تَلْزَمُهُمَا نَفَقَتُهُ. فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ (إلَّا الزَّوْجُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) مِنْ الْكَفَنِ وَمُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ. وَلَوْ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ فِي النِّكَاحِ وَجَبَتْ لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ. وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ وَالْبَيْنُونَةِ. وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ. فَأَشْبَهَتْ الْأَجْنَبِيَّةَ. وَفَارَقَتْ الْعَبْدَ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِالْمِلْكِ لَا بِالِانْتِفَاعِ. وَلِذَلِكَ تَجِبُ نَفَقَةُ الْآبِقِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ؛ فَعَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا مِنْ أَقَارِبِهَا أَوْ مُعْتَقِيهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً. (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ: وَجَبَ كَفَنُهُ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا. لِأَنَّهُ لِلْمَصَالِحِ وَهَذَا مِنْ أَهَمِّهَا. فَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَلَوْ ذِمِّيًّا فَلَا؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ إنَّمَا أَوْجَبَتْ عِصْمَتَهُمْ. فَلَا نُؤْذِيهِمْ لِلْإِرْفَاقِ بِهِمْ. (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ أَوْ تَعَذَّرَ الْأَخْذُ مِنْهُ. فَكَفَنُهُ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ (عَلَى مُسْلِمٍ عَالِمٍ بِهِ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - كَكِسْوَةِ الْحَيِّ. (وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ بَعْضُ وَرَثَةٍ: لَمْ يَلْزَمْ بَقِيَّتَهُمْ قَبُولُهُ) . لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمَيِّتِ، وَكَذَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ، فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 868 بَعْضُهُمْ؛ (لَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ) ، أَيْ: الْوَرَثَةِ، (سَلْبُهُ) ، أَيْ: الْكَفَنِ الَّذِي تَبَرَّعَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَوْ غَيْرُهُمْ (مِنْهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ، (بَعْدَ دَفْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا إسْقَاطَ لِحَقِّ أَحَدٍ فِي تَبْقِيَتِهِ. (وَمَنْ نُبِشَ وَسُرِقَ كَفَنُهُ؛ كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ) نَصًّا (ثَانِيًا وَثَالِثًا فَقَطْ، وَلَوْ قُسِّمَتْ) تِرْكَتُهُ كَمَا لَوْ قُسِّمَتْ قَبْلَ تَكْفِينِهِ الْأَوَّلِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَارِثٍ لِلْكَفَنِ بِنِسْبَةِ حِصَّتِهِ مِنْ التَّرِكَةِ (مَا لَمْ تُصْرَفْ) تِرْكَتُهُ (فِي دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ) ، فَإِنْ صُرِفَتْ فِي ذَلِكَ، أَوْ لَمْ تَكُنْ؛ (فَيُتْرَكُ) الْمَيِّتُ (بِحَالِهِ حَيْثُ لَا مُتَبَرِّعَ) ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُتَبَرِّعٌ فَعَلَ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا مِنْ الْوَرَثَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ، (وَإِنْ أُكِلَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - أَيْ: أَكَلَ الْمَيِّتَ سَبُعٌ وَنَحْوُهُ، (أَوْ بَلِيَ) بِأَنْ صَارَ تُرَابًا (وَبَقِيَ كَفَنُهُ فَمَا) ، أَيْ: الْكَفَنُ الَّذِي (مِنْ مَالِهِ تِرْكَةٌ) يُقَسَّمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، (وَمَا تَبَرَّعَ بِهِ) مِنْ وَارِثٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، (فَ) هُوَ (لِمُتَبَرِّعٍ) ؛ لِأَنَّ تَكْفِينَهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ بَلْ إبَاحَةٍ. بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَهُ لِلْوَرَثَةِ فَكَفَّنُوهُ بِهِ فَيَكُونُ لَهُمْ. (وَمِمَّا فَضَلَ مِمَّا جُنِيَ) مِنْ أَجْلِ تَكْفِينٍ بَعْدَ صَرْفِ مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ؛ فَهُوَ لِرَبِّهِ إنْ عَلِمَ؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ فَيُرَدُّ إلَيْهِ، (فَإِنْ جُهِلَ) رَبُّهُ أَوْ اخْتَلَطَ مَا جُبِيَ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ مَا لِكُلِّ إنْسَانٍ؛ (فَفِي كَفَنٍ آخَرَ) يُصْرَفُ إنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا بُذِلَ لَهُ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) صَرْفُهُ فِي كَفَنٍ آخَرَ؛ (تَصَدَّقَ بِهِ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا بَذَلَهُ فِيهِ. (وَلَا يُجْبَى كَفَنٌ، لِعَدَمِ) يُكَفَّنُ بِهِ مَيِّتٌ (إنْ سُتِرَ) . أَيْ: أَمْكَنَ سَتْرُهُ (بِحَشِيشٍ وَنَحْوِهِ) كَوَرَقِ شَجَرٍ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِلَا إهَانَةٍ. (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ (مَا يَسْتُرُ جَمِيعَهُ؛ سَتَرَ عَوْرَتَهُ) لِتَقَدُّمِهَا عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، (ثُمَّ) إنْ بَقِيَ شَيْءٌ سُتِرَ بِهِ (رَأْسُهُ) وَمَا يَلِيَهُ، (وَجُعِلَ عَلَى بَاقِيهِ حَشِيشٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 أَوْ وَرَقٌ) . لِمَا رُوِيَ «أَنَّ مُصْعَبًا قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا نَمِرَةٌ، فَكَانَتْ إذَا وُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ بَدَتْ رِجْلَاهُ. وَإِذَا وُضِعَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُغَطَّى رَأْسُهُ، وَيُجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَإِنْ وُجِدَ ثَوْبٌ) وَاحِدٌ (فَقَطْ وَ) ثَمَّ جَمَاعَةٌ (مَوْتَى؛ جُمِعَ فِيهِ مِنْهُمْ مَا يُمْكِنُ جَمْعُهُ) ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْإِفَادَاتِ " فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ حَاجِزًا مِنْ عُشْبٍ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ هَذَا. (وَكُرِهَ) التَّكْفِينُ بِثَوْبٍ (رَقِيقٍ يَحْكِي الْهَيْئَةَ) لِرِقَّتِهِ نَصًّا، وَلَا يُجْزِئُ مَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ. (وَ) كُرِهَ كَفَنٌ (مِنْ شَعْرٍ وَ) مِنْ (صُوفٍ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ فِعْلِ السَّلَفِ (وَ) كُرِهَ كَفَنٌ (مُزَعْفَرٌ وَمُعَصْفَرٌ وَمَنْقُوشٌ وَلَوْ لِأُنْثَى) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْحَالِ. (وَحَرُمَ بِجِلْدٍ) ، «لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَزْعِ الْجُلُودِ عَنْ الشُّهَدَاءِ» . (وَكَذَا) يَحْرُمُ تَكْفِينٌ (بِحَرِيرٍ وَمُذَهَّبٍ) وَمُفَضَّضٍ (وَلَوْ لِأُنْثَى بِلَا ضَرُورَةٍ) ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ، بِأَنْ عُدِمَ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ: جَازَ التَّكْفِينُ بِنَحْوِ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِهِ، وَالْأُنْثَى إنَّمَا أُبِيحَ لَهَا ذَلِكَ حَالَ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ زِينَةٍ وَشَهْوَةٍ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا. (وَسُنَّ تَكْفِينُ رَجُلٍ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ، وَ) كَوْنُهَا (مِنْ قُطْنٍ وَجَدِيدٍ أَفْضَلُ) ، لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ قَالَتْ: كُفِّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، جُدُدٍ يَمَانِيَّةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ أُدْرِجَ فِيهَا إدْرَاجًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: " وَأَمَّا الْحُلَّةُ فَاشْتَبَهَ عَلَى النَّاسِ أَنَّهَا اُشْتُرِيَتْ لِيُكَفَّنَ فِيهَا، فَتُرِكَتْ الْحُلَّةُ، وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولِيَّةٍ ". (وَكُرِهَ) تَكْفِينُ رَجُلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 870 (فِي أَكْثَرَ) مِنْ ثَلَاثٍ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِمَا مَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. (وَ) كُرِهَ (تَعْمِيمُهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ. صَوَّبَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " (تُبْسَطُ) ، أَيْ: الثَّلَاثُ لَفَائِفَ (عَلَى بَعْضِهَا) وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى لِيُوضَعَ الْمَيِّتُ عَلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً (بَعْدَ تَبْخِيرِهَا) بِعُودٍ وَنَحْوِهِ ثَلَاثًا، قَالَهُ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ بَعْدَ رَشِّهَا بِنَحْوِ مَاءِ وَرْدٍ، وَلِتَعْلَقَ رَائِحَةُ الْبَخُورِ بِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُحْرِمًا. (وَتُجْعَلُ) اللِّفَافَةُ (الظَّاهِرَةُ) وَهِيَ السُّفْلَى مِنْ الثَّلَاثِ (أَحْسَنَهَا كَعَادَةِ حَيٍّ) ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْحَيِّ جَعْلُ الظَّاهِرِ مِنْ ثِيَابِهِ أَفْخَرَهَا، فَكَذَا الْمَيِّتُ. (وَ) يُجْعَلُ (الْحَنُوطُ، وَهُوَ: أَخْلَاطٌ مِنْ طِيبٍ) ، وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِ طِيبِ الْمَيِّتِ (فِيمَا بَيْنَهَا) ، أَيْ: يَذَرُ بَيْنَ اللَّفَائِفِ، (ثُمَّ يُوضَعُ) الْمَيِّتُ (عَلَيْهَا) ، أَيْ: اللَّفَائِفِ مَبْسُوطَةً (مُسْتَلْقِيًا) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِإِدْرَاجِهِ فِيهَا، وَيَجِبُ سَتْرُهُ حَالَ حَمْلِهِ بِثَوْبٍ، وَيُوضَعُ مُتَوَجِّهًا نَدْبًا، (وَيَحُطُّ مِنْ قُطْنٍ مُحَنَّطٍ) ، أَيْ: فِيهِ حَنُوطٌ (بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (وَيُشَدُّ فَوْقَهُ) ، أَيْ: الْقُطْنِ (خِرْقَةٌ مَشْقُوقَةُ الطَّرَفِ كَالتُّبَّانِ) ، وَهُوَ السَّرَاوِيلُ بِلَا أَكْمَامٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: التُّبَّانُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: سِرْوَالٌ صَغِيرٌ مِقْدَارُ شِبْرٍ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ فَقَطْ، يَكُونُ لِلْمَلَّاحِينَ (تَجْمَعُ) الْخِرْقَةُ (أَلْيَتَيْهِ وَمَثَانَتَهُ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - لِرَدِّ الْخَارِجِ، وَإِخْفَاءِ مَا ظَهَرَ مِنْ الرَّوَائِحِ، (وَيُجْعَلُ الْبَاقِي) مِنْ قُطْنٍ مُحَنَّطٍ (عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ) كَعَيْنَيْهِ وَفَمِهِ وَأَنْفِهِ وَعَلَى أُذُنَيْهِ، (وَ) يُجْعَلُ مِنْهُ عَلَى (مَوَاضِعِ سُجُودِهِ) جَبْهَتِهِ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافِ قَدَمَيْهِ تَشْرِيفًا لَهَا، وَكَذَا مَغَابِنُهُ كَطَيِّ رُكْبَتَيْهِ، وَتَحْتَ إبِطَيْهِ وَسُرَّتِهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَتَبَّعُ مَغَابِنَ الْمَيِّتِ وَمَرَافِقَهُ بِالْمِسْكِ (وَ) بِطِيبِ (رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَإِنْ طُيِّبَ) الْمَيِّتُ (كُلُّهُ فَحَسَنٌ) ؛ لِأَنَّ أَنَسًا طُلِيَ بِالْمِسْكِ، وَطَلَى ابْنُ عُمَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 871 مَيِّتًا بِالْمِسْكِ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ: يُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِالصَّنْدَلِ وَالْكَافُورِ لِدَفْعِ الْهَوَامِّ. (وَكُرِهَ) تَطْيِيبٌ (دَاخِلَ عَيْنَيْهِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُمَا، (كَ) مَا يُكْرَهُ تَطْيِيبُهُ (بِوَرْسٍ وَزَعْفَرَانٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ غَيْرُ جَارِيَةٍ بِالتَّطَيُّبِ بِهِ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ لِغِذَاءٍ أَوْ زِينَةٍ، (وَ) كُرِهَ (طَلْيُهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (بِمَا يُمْسِكُهُ كَصَبِرٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَتُسَكَّنُ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ (مَا لَمْ يُنْقَلْ) الْمَيِّتُ لِحَاجَةٍ دَعَتْ إلَيْهِ، فَيُبَاحُ لِلْحَاجَةِ، (ثُمَّ يُرَدُّ طَرَفُ) اللِّفَافَةِ (الْعُلْيَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ) لِلْمَيِّتِ (عَلَى شِقٍّ أَيْمَنَ، ثُمَّ) يُرَدُّ (طَرَفُهَا الْأَيْمَنُ عَلَى الْأَيْسَرِ) كَعَادَةِ الْحَيِّ، (ثُمَّ) يُرَدُّ لِفَافَةٌ (ثَانِيَةٌ) كَذَلِكَ، (ثُمَّ) يُرَدُّ " (ثَالِثَةٌ كَذَلِكَ) فَيُدْرِجُهُ فِيهَا إدْرَاجًا، (وَيُجْعَلُ أَكْثَرُ فَاضِلٍ) مِنْ اللَّفَائِفِ (مِمَّا عِنْدَ رَأْسِهِ) لِشَرَفِهِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ، (ثُمَّ يَعْقِدُهَا إنْ خِيفَ انْتِشَارٌ، وَتُحَلُّ) الْعُقَدُ (بِقَبْرٍ) ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إذَا أَدْخَلْتُمْ الْمَيِّتَ اللَّحْدَ فَحُلُّوا الْعُقَدَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَلِأَمْنِ انْتِشَارِهَا، فَإِنْ نَسِيَ الْمُلْحِدُ أَنْ يَحِلَّهَا نُبِشَ، وَلَوْ بَعْدَ تَسْوِيَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ قَرِيبًا وَحُلَّتْ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ. (وَكُرِهَ تَخْرِيقُهَا) ، أَيْ: اللَّفَائِفِ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ وَتَقْبِيحٌ لِلْكَفَنِ مَعَ الْأَمْرِ بِتَحْسِينِهِ. قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: (وَلَوْ خِيفَ نَبْشُهُ، خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي) . وَ (لَا) يُكْرَهُ (تَكْفِينُهُ) ، أَيْ: الرَّجُلِ (فِي قَمِيصٍ وَمِئْزَرٍ وَلِفَافَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَمِيصَهُ لَمَّا مَاتَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ الْمَيِّتَ يُؤَزَّرُ، وَيُقَمَّصُ وَيُلَفُّ بِالثَّالِثَةِ. (وَيُجْعَلُ نَدْبًا مِئْزَرٌ مِمَّا يَلِي جَسَدَهُ) ، ثُمَّ يُلْبَسُ الْقَمِيصَ، ثُمَّ يُلَفُّ كَمَا يَفْعَلُ الْحَيُّ، وَأَنْ يَكُونَ الْقَمِيصُ بِكُمَّيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 وَدَخَارِيصَ كَقَمِيصِ الْحَيِّ نَصًّا، وَلَا يَحِلُّ الْإِزَارُ فِي الْقَبْرِ، وَلَا يُكْرَهُ تَكْفِينُ رَجُلٍ فِي ثَوْبَيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحْرِمِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» (وَلَا يُزَرُّ قَمِيصٌ) عَلَى الْمَيِّتِ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، (وَ) لَا تُزَرُّ (لِفَافَةٌ فَوْقَهُ) ، أَيْ: الْقَمِيصِ، بَلْ تُعْقَدُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَسُنَّ لِأُنْثَى وَخُنْثَى) بَالِغَيْنِ (خَمْسَةُ أَثْوَابٍ بِيضٍ مِنْ قُطْنٍ) تُكَفَّنُ فِيهَا: (إزَارٍ وَخِمَارٍ وَقَمِيصٍ) ، وَهُوَ: الدِّرْعُ، (وَلِفَافَتَيْنِ) ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى أَنْ تُكَفَّنَ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ. (وَلَا بَأْسَ بِنِقَابِ) الْمَرْأَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ (وَ) سُنَّ (لِصَبِيٍّ ثَوْبٌ) وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الرَّجُلِ، (وَيُبَاحُ) أَنْ يُكَفَّنَ صَبِيٌّ (فِي ثَلَاثَةٍ مَا لَمْ يَرِثْهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) رَشِيدٍ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ فَلَا، وَسُنَّ لِصَغِيرَةٍ قَمِيصٌ وَلِفَافَتَانِ نَصًّا. (وَسُنَّ تَغْطِيَةُ نَعْشٍ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي سَتْرِ الْمَيِّتِ (وَكُرِهَ) تَغْطِيَتُهُ (بِغَيْرِ أَبْيَضَ) كَأَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَأَصْفَرَ، وَيَحْرُمُ بِحَرِيرٍ وَمُذَهَّبٍ وَنَحْوِهِ، (وَيُسْتَحَبُّ إنْ كَانَ) الْمَيِّتُ (امْرَأَةً أَنْ يُسْتَرَ) النَّعْشُ (بِمِكَبَّةٍ تُعْمَلُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ جَرِيدٍ أَوْ قَصَبٍ مِثْلِ قُبَّةٍ) ، وَيُجْعَلُ (فَوْقَهَا) ، أَيْ: الْمِكَبَّةِ (ثَوْبٌ) أَبْيَضُ، لَكِنْ يُكْشَفُ جَانِبُهَا فِي مَحَلِّ الصَّلَاةِ، لِيَظْهَرَ بَعْضُ الْمَيِّتِ، لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى مَيِّتٍ فِي نَحْوِ صُنْدُوقٍ لَا تَصِحُّ. (وَ) سُنَّ أَنْ (يُوضَعَ مَيِّتٌ عَلَى نَعْشٍ مُسْتَلْقِيًا) عَلَى قَفَاهُ. [فَرْعٌ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْدَادِ كَفَنٍ لِحَلٍّ مِنْ إحْرَامٍ فِيهِ أَوْ عِبَادَةٍ فِيهِ] (فَرْعٌ: لَا بَأْسَ بِاسْتِعْدَادِ كَفَنٍ لِحَلٍّ) مِنْ إحْرَامٍ فِيهِ (أَوْ عِبَادَةٍ فِيهِ) ، أَيْ: الْكَفَنِ، كَمَا لَوْ صَلَّى أَوْ اعْتَكَفَ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ أَعَدَّهُ لِلتَّكْفِينِ، (قِيلَ لِأَحْمَدَ: يُصَلِّي فِيهِ) ، أَيْ: الثَّوْبِ، (ثُمَّ يَغْسِلُهُ وَيَضَعُهُ لِكَفَنِهِ؟ فَرَآهُ حَسَنًا) ، لِمَا فِيهِ مِنْ أَثَرِ الْعِبَادَةِ، (وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِتَحْرِيمِ كِتَابَةِ قُرْآنٍ عَلَى كَفَنِ) الْمَيِّتِ (خَوْفَ تَنْجِيسٍ) بِتَفَسُّخِ الْمَيِّتِ (وَقَوَاعِدُنَا) مَعْشَرَ الْحَنَابِلَةِ (تَقْتَضِيهِ) ، أَيْ: تَحْرِيمَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْكَفَنِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّنْجِيسِ الْمُؤَدِّي لِامْتِهَانِ الْقُرْآنِ (وَحَيٌّ مُضْطَرٌّ لِكَفَنِ مَيِّتٍ مِنْ نَحْوِ بَرْدٍ) مُزْعِجٍ أَوْ حَرٍّ (أَحَقُّ بِهِ) ، أَيْ: كَفَنِ الْمَيِّتِ، فَيَأْخُذُهُ (بِثَمَنِهِ) ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ آكَدُ. (قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ) : لِلْحَيِّ أَخْذُ الْكَفَنِ بِثَمَنِهِ (إنْ خَشِيَ التَّلَفَ) ، وَإِلَّا فَلَا، (وَ) إنْ كَانَ الْحَيُّ مُحْتَاجًا لِكَفَنِ الْمَيِّتِ (لِحَاجَةِ صَلَاةٍ) فِيهِ؛ (فَالْمَيِّتُ أَحَقُّ بِكَفَنِهِ) ، وَلَوْ كَانَ لِفَافَتَيْهِ، وَيُصَلِّي الْحَيُّ عُرْيَانًا عَلَى الْمَيِّتِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُصَلِّي عَلَيْهِ عَادِمٌ فِي إحْدَى لِفَافَتَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. [تَتِمَّةٌ إذَا مَاتَ مُسَافِرٌ فَلِرَفِيقِهِ تَكْفِينُهُ مِنْ مَالِهِ] ِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ؛ فَمِنْهُ، وَيَأْخُذُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ وَلَا حَاكِمَ، فَإِنْ وُجِدَ حَاكِمٌ وَأَذِنَ فِيهِ؛ رَجَعَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ وَنَوَى الرُّجُوعَ رَجَعَ. [فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ] (فَصْلٌ) فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ: (وَالصَّلَاةُ عَلَى مَنْ قُلْنَا يُغَسَّلُ) مِنْ الْمَوْتَى (أَوْ يُيَمَّمُ) مِنْهُمْ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) ، لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا فِي غَيْرِ حَدِيثٍ كَقَوْلِهِ: «صَلُّوا عَلَى أَطْفَالِكُمْ فَإِنَّهُمْ أَفْرَاطُكُمْ» ، وَقَوْلُهُ فِي الْغَالِّ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» ، وَقَوْلُهُ: «إنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ» ، وَقَوْلُهُ: «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِالْمَيِّتِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَنْ يَعْلَمُ بِهِ مَعْذُورٌ، (فَتُكْرَهُ) الصَّلَاةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 874 (عَلَى شَهِيدِ) مَعْرَكَةٍ. وَمَقْتُولٍ ظُلْمًا فِي حَالٍ لَا يُغَسَّلَانِ فِيهَا، (وَتَسْقُطُ) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ، أَيْ: يَسْقُطُ وُجُوبُهَا (بِ) صَلَاةِ (مُكَلَّفٍ، وَلَوْ) كَانَ (أُنْثَى) أَوْ خُنْثَى، وَظَاهِرُهُ: لَا تَسْقُطُ بِمُمَيِّزٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ. (وَيُقَدَّمُ مِنْهُنَّ) - أَيْ: النِّسَاءِ - لِلْإِمَامَةِ (مَنْ يُقَدَّمُ مِنْ رِجَالٍ) عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي، (وَتَقِفُ) إمَامَتُهُنَّ (فِي وَسَطِهِنَّ، كَ) وُقُوفِهَا فِي صَلَاةٍ (مَكْتُوبَةٍ) بِلَا فَرْقٍ. (وَتُسَنُّ) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ (جَمَاعَةً) ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ، (إلَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَلَا) ، أَيْ: فَلَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ (تَعْظِيمًا لَهُ وَاحْتِرَامًا) . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " دَخَلَ النَّاسُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَالًا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا فَرَغُوا أَدْخَلُوا النِّسَاءَ، حَتَّى إذَا فَرَغُوا أَدْخَلُوا الصِّبْيَانِ، وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ " أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِوَصِيَّةٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَ) سُنَّ (أَنْ لَا تَنْقُصُ الصُّفُوفُ عَنْ ثَلَاثَةٍ) ، لِحَدِيثِ «مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ: كَانَ إذَا صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ جَزَّأَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنْ النَّاسِ فَقَدْ أُوجِبَتْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَ فِي " النِّهَايَةِ ": يُقَالُ: أَوْجَبَ الرَّجُلُ؛ إذَا فَعَلَ فِعْلًا وَجَبَتْ لَهُ بِهِ الْجَنَّةُ أَوْ النَّارُ. انْتَهَى. فَإِنْ كَانُوا سِتَّةً فَأَكْثَرَ جَعَلَ كُلَّ اثْنَيْنِ صَفًّا، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً؛ جَعَلَهُمْ صَفَّيْنِ. (وَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (لِفَذٍّ) ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 875 (وَيَتَّجِهُ: فَإِنْ كَبَّرَ) مَأْمُومٌ خَارِجَ الصَّفِّ تَكْبِيرَةً (وَاحِدَةً) بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ دَخَلَ الصَّفَّ (فَ) هُوَ (فَذٌّ) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ صَلَاةَ رَكْعَةٍ مِمَّا تُشْرَعُ لَهُ الْجَمَاعَةُ خَلْفَ الصَّفِّ، ثُمَّ دَخَلَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يُطَافُ بِجِنَازَةٍ) عَلَى أَهْلِ الْأَمَاكِنِ (لِيُصَلَّى عَلَيْهَا، بَلْ هِيَ) أَيْ: الْجِنَازَةُ (كَإِمَامٍ يُقْصَدُ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، (وَلَا يَقْصِدُ) ، بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ. (وَالْأَوْلَى بِهَا) ، أَيْ: بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ إمَامًا (وَصِيُّهُ الْعَدْلُ) ، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ مَا زَالُوا يُوصُونَ بِذَلِكَ، وَيُقَدِّمُونَ الْوَصِيَّ؛ فَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عُمَرُ، وَأَوْصَى عُمَرُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ، وَأَوْصَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَوْصَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَبُو بَرْزَةَ، حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ أَحْمَدُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: عَائِشَةُ أَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ؛ وَلِأَنَّهَا وِلَايَةٌ تُسْتَفَادُ بِالنَّسَبِ، فَصَحَّ الْإِيصَاءُ بِهَا كَالْمَالِ وَتَفْرِقَتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ فَاسِقًا لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ. (وَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (لِاثْنَيْنِ) مُكَلَّفَيْنِ. (وَيَتَّجِهُ: وَيُقَدَّمُ) مِنْهُمَا (أَفْضَلُ) ، أَيْ: مَنْ كَانَ أَوْلَى بِإِمَامَةٍ (وَيَقْتَرِعَانِ مَعَ تَسَاوٍ) فِي الْفَضِيلَةِ، فَمَنْ قَرَعَ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ قُدِّمَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 876 وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَسَيِّدٌ بِرَقِيقِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ، (فَالسُّلْطَانُ) ، لِحَدِيثِ: «لَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ.» الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. خَرَجَ مِنْهُ الْوَصِيُّ وَالسَّيِّدُ لِمَا تَقَدَّمَ، فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُمَا عَلَى الْعُمُومِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاءَهُ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْمَوْتَى، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ الْوَصِيَّ. وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: شَهِدْت حُسَيْنًا حِينَ مَاتَ الْحَسَنُ، وَهُوَ يَدْفَعُ فِي قَفَاءِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَمِيرِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: لَوْلَا السُّنَّةُ مَا قَدَّمْتُكَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ يُسَنُّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ، فَإِذَا حَضَرَهَا السُّلْطَانُ كَانَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، (فَنَائِبُهُ الْأَمِيرُ) فِي بَلَدِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، (فَ) نَائِبُهُ (الْحَاكِمُ) وَهُوَ: الْقَاضِي، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ (فَالْأَوْلَى) بِالْإِمَامَةِ عَلَيْهِ الْأَوْلَى (بِغُسْلِ رَجُلٍ) ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى فَيُقَدَّمُ أَبٌ فَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ ابْنٌ، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ، ثُمَّ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ، (فَزَوْجٌ) يُقَدَّمُ (بَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَامِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ مَزِيَّةً عَلَى بَاقِي الْأَجَانِبِ، وَيُقَدَّمُ حُرٌّ بَعِيدٌ عَلَى عَبْدٍ قَرِيبٍ، وَيُقَدَّمُ عَبْدٌ مُكَلَّفٌ عَلَى صَبِيٍّ حُرٍّ، لِعَدَمِ صِحَّةِ إمَامَتِهِ لِلْبَالِغِينَ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا لِعَدَمِ صِحَّةِ إمَامَتِهَا لِلرِّجَالِ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيمَ وَاجِبٌ.، (ثُمَّ مَعَ تَسَاوٍ) فِي الْقُرْبِ كَابْنَيْنِ وَشَقِيقَيْنِ، يُقَدَّمُ (الْأَوْلَى) مِنْهُمَا (بِإِمَامَةٍ) لِمَزِيَّةِ فَضِيلَتِهِ، (ثُمَّ) مَعَ تُسَاوِيهِمَا فِي كُلِّ شَيْءٍ (يُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا، لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ غَيْرِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 877 (وَتُكْرَهُ إمَامَةُ غَيْرِ الْأَوْلَى بِلَا إذْنِهِ مَعَ حُضُورِهِ) ؛ لِأَنَّهُ افْتِئَاتٌ عَلَيْهِ، (وَيَسْقُطُ بِهِ) - أَيْ: بِمَنْ كَانَ غَيْرَ الْأَوْلَى، وَصَلَّى بِلَا إذْنِ الْأَوْلَى - (فَرْضٌ، وَ) يَسْقُطُ بِهِ (حُكْمُ تَقْدِيمٍ) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَقَدْ حَصَلَ، وَلَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ افْتِئَاتٍ تَشُحُّ بِهِ الْأَنْفُسُ عَادَةً، بِخِلَافِ النِّكَاحِ، (فَإِنْ صَلَّى) الْوَلِيُّ (خَلْفَهُ صَارَ إذْنًا) لِدَلَالَتِهِ عَلَى رِضَاهُ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَدَّمَهُ لِلصَّلَاةِ، (وَإِلَّا) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الْوَلِيُّ وَرَاءَهُ، (فَلَهُ أَنْ يُعِيدَهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةَ (لِأَنَّهَا حَقُّهُ) ، وَيُسَنُّ لِمَنْ صَلَّى أَنْ يُعِيدَ تَبَعًا لَهُ، وَلَوْ مَاتَ بِأَرْضِ فَلَاةٍ؛ فَقَالَ فِي " الْفُصُولِ ": يُقَدَّمُ أَقْرَبُ أَهْلِ الْقَافِلَةِ إلَى الْخَيْرِ وَالْأَشْفَقُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْمُرَادُ كَالْإِمَامَةِ. (وَمَنْ قَدَّمَهُ وَلِيٌّ) بِمَنْزِلَتِهِ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَ (لَا) يَكُونُ مَنْ قَدَّمَهُ (وَصِيٌّ بِمَنْزِلَتِهِ) ، أَيْ: الْوَصِيِّ، لِتَفْوِيتِهِ عَلَى الْمُوصِي مَا أَمَّلَهُ فِي الْوَصِيِّ مِنْ الْخَيْرِ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الْوَصِيُّ (انْتَقَلَتْ إلَى مَنْ بَعْدَهُ) . (وَتُبَاحُ) صَلَاةٌ عَلَى مَيِّتٍ (بِمَسْجِدٍ مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثٍ) «لِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَهْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِيهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَجَاءَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَكَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، فَإِنْ خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ بِنَحْوِ انْفِجَارِهِ؛ حَرُمَ إدْخَالُهُ إيَّاهُ صِيَانَةً لَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ. (وَسُنَّ قِيَامُ إمَامٍ وَ) قِيَامُ (مُنْفَرِدٍ عِنْدَ صَدْرِ رَجُلٍ) ، أَيْ: ذَكَرٍ، (وَوَسَطِ امْرَأَةٍ) - أَيْ: أُنْثَى - نَصًّا (وَ) قِيَامُهُمَا (بَيْنَ ذَلِكَ) ، أَيْ: الصَّدْرِ وَالْوَسَطِ (مِنْ خُنْثَى) مُشْكِلٍ، لِتَسَاوِي الِاحْتِمَالَيْنِ فِيهِ (وَ) سُنَّ (أَنْ يَلِيَ إمَامًا) إذَا اجْتَمَعَ مَوْتَى (مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَفْضَلُ) أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ لِفَضِيلَتِهِ «لِتَقْدِيمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 الْقَبْرِ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ قُرْآنًا» فَيُقَدَّمُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ. فَعَبْدٌ كَذَلِكَ. فَصَبِيٌّ كَذَلِكَ، ثُمَّ خُنْثَى ثُمَّ امْرَأَةٌ كَذَلِكَ، وَتُقَدَّمُ. (فَأَسُنُّ فَأَسْبَقُ) إنْ اسْتَوَوْا، (ثُمَّ يُقْرَعُ) مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْكُلِّ. وَإِذَا سَقَطَ فَرْضُهَا؛ سَقَطَ التَّقْدِيمُ. (وَجَمْعُهُمْ) ، أَيْ: الْمَوْتَى مَعَ التَّعَدُّدِ (بِصَلَاةٍ) وَاحِدَةٍ (أَفْضَلُ) مِنْ إفْرَادِ كُلٍّ بِصَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ وَأَبْلُغُ فِي تَوْفِيرِ الْجَمْعِ. (وَيُقَدَّمُ مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ) لِلْإِمَامَةِ عَلَيْهِمْ (أَوْلَاهُمْ) بِإِمَامَةٍ (كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ) ، وَكَمَا لَوْ اسْتَوَى وَلِيَّانِ لِوَاحِدٍ، (وَلِوَلِيِّ كُلٍّ) مِنْهُمْ (أَنْ يَنْفَرِدَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ) ، أَيْ: مَيِّتِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي تَوَلِّيهِ. (وَيُجْعَلُ وَسَطُ أُنْثَى حِذَاءَ صَدْرِ رَجُلٍ، وَ) يُجْعَلُ (خُنْثَى) بَيْنَهُمَا (لِيَقِفَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ مَوْقِفَهُ) مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، (وَيُسَوَّى بَيْنَ رُءُوسِ كُلِّ نَوْعٍ) ؛ لِأَنَّ مَوْقِفَ النَّوْعِ وَاحِدٌ. (وَلَا يَجِبُ أَنْ يُسَامِتَ الْإِمَامُ الْمَيِّتَ) بَلْ يُسْتَحَبُّ اقْتِدَاءٌ بِفِعْلِ السَّلَفِ، (فَإِنْ لَمْ يُسَامِتْهُ) الْإِمَامُ، بِأَنْ تَأَخَّرَ، وَتَحَوَّلَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً، (كُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ فَحُشَ تَحَوُّلُهُ عَنْهُ بِحَيْثُ غَابَ عَنْ نَظَرِهِ، أَوْ جَعَلَهُ عَلَى عُلُوٍّ: أَوْ فِي بِئْرٍ لَمْ تَصِحَّ لِاشْتِرَاطِ حُضُورِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ. (وَالْأَوْلَى) لِمُصَلٍّ (مَعْرِفَةُ ذُكُورَةِ مَيِّتٍ وَأُنُوثَتِهِ) وَاسْمِهِ (وَتَسْمِيَتُهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ (فِي دُعَائِهِ) لَهُ (وَلَا بَأْسَ بِإِشَارَةٍ إلَيْهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (حَالَ دُعَاءٍ) نَصًّا. (وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ عَيْنِ مَيِّتٍ) ، لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْمَقْصُودِ عَلَى ذَلِكَ، (فَيَنْوِي) الصَّلَاةَ عَلَى (الْحَاضِرِ) أَوْ الْجِنَازَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَإِنْ نَوَى أَحَدَ الْمَوْتَى اُعْتُبِرَ تَعْيِينُهُ) إزَالَةً لِلْجَهَالَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 (فَإِنْ) عَيَّنَ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى زَيْدٍ. فَ (بَانَ) الْمَيِّتُ (غَيْرَهُ، لَمْ تَصِحَّ) الصَّلَاةُ. (جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي وَقَالَ: إنْ نَوَى عَلَى هَذَا الرَّجُلِ. فَبَانَ امْرَأَةً أَوْ عَكَسَ) ، بِأَنْ نَوَى عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ، فَبَانَتْ رَجُلًا: (فَالْقِيَاسُ الْإِجْزَاءُ) لِقُوَّةٍ التَّعْيِينِ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ: لَوْ) نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى جَمَاعَةٍ (ظَنَّهُمْ سَبْعًا) فَقَطْ (فَبَانُوا تِسْعًا؛ لَا) تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَيْهِمْ لِاقْتِصَارِهِ فِي النِّيَّةِ عَلَى سَبْعٍ، وَخُرُوجِ الِاثْنَيْنِ مَعَ ظَنِّهِ دُخُولَهُمَا، (وَعَكْسُهُ) : بِأَنْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى مَوْتَى ظَنَّهُمْ تِسْعًا فَبَانُوا سَبْعًا، (نَعَمْ) تُجْزِئُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ التِّسْعَ سَبْعٌ وَزِيَادَةٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (ثُمَّ يُكَبِّرُ) مُصَلٍّ (أَرْبَعًا يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ) يُحْرِمُ بِ التَّكْبِيرَةِ (الْأُولَى) بَعْدَ النِّيَّةِ، فَيَقُولُ قَائِمًا مَعَ الْقُدْرَةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ. لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى النِّيَّةِ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ. لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ. وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ، (وَلَا يَسْتَفْتِحُ) لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ (وَيَتَعَوَّذُ وَيُسَمِّي وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فَقَطْ) ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ سُورَةٍ (سِرًّا، وَلَوْ لَيْلًا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 880 لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ «السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُخَافَتَةً. ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَالسَّلَامُ» وَلَا تُقَاسُ عَلَى الْمَكْتُوبَةِ. ؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ، وَالْجِنَازَةَ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ. (وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِ) تَكْبِيرَةٍ (ثَانِيَةٍ) سِرًّا، لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِمَا «عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ، ثُمَّ يَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى سِرًّا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُخْلِصَ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ يُسَلِّمَ» . وَتَكُونُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ (كَفِي تَشَهُّدٍ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سَأَلُوهُ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ عَلَّمَهُمْ ذَلِكَ. (وَيَدْعُوَ) لِلْمَيِّتِ (بِ) تَكْبِيرَةٍ (ثَالِثَةٍ) ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَلَا يَتَعَيَّنُ) دُعَاءٌ (فِيهَا) . أَيْ: الثَّالِثَةِ. (فَيُجْزِئُ بَعْدَ) تَكْبِيرَةٍ (رَابِعَةٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَيَدْعُو بِأَحْسَنِ مَا يَحْضُرُهُ وَسُنَّ) دُعَاؤُهُ (بِمَا) وَرَدَ. (وَمِنْهُ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا) - أَيْ: حَاضِرِنَا (وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا إنَّك تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا) - أَيْ مُنْصَرَفَنَا - (وَمَثْوَانَا) - أَيْ: مَأْوَانَا - (وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِمَا ") رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: " اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ " وَفِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ. قَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، لَكِنْ زَادَ فِيهِ الْمُوَفَّقُ: " وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " وَلَفْظُ السُّنَّةِ: (" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ) - بِضَمِّ الزَّايِ، وَقَدْ تُسَكَّنُ قِرَاءَةُ - (وَأَوْسِعْ مَدْخَلَهُ) - بِفَتْحِ الْمِيمِ: مَوْضِعَ الدُّخُولِ، وَبِضَمِّهَا، الْإِدْخَالَ - (وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ) - بِالتَّحْرِيكِ: الْمَطَرُ الْمُنْعَقِدُ - (وَنَقِّهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ) - يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ - (وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ ") رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ «سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى جِنَازَةٍ حَتَّى تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَيِّتَ، وَفِيهِ: وَأَبْدِلْهُ أَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ» وَزَادَ الْمُوَفَّقُ لَفْظَ " مِنْ الذُّنُوبِ " وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. (وَأَفْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْحَالِ. زَادَ الْخِرَقِيِّ وَالْمَجْدُ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ: (اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ) ، إنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا، فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً؛ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّهَا أَمَتُكَ ابْنَةُ أَمَتِكِ، نَزَلَتْ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ. زَادَ بَعْضُهُمْ: وَلَا أَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: وَلَا يَقُولُ إلَّا إنْ عَلِمَ خَيْرًا، وَإِلَّا أَمْسَكَ عَنْهُ حِذَارًا مِنْ الْكَذِبِ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَشْهَدُ لَهُ ثَلَاثُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الْأَدْنَيْنَ؛ إلَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي فِيمَا عَلِمُوا، وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. (اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَجَازِهِ بِإِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ) زَادَ فِي " الْمُبْدِعِ ": اللَّهُمَّ إنَّا جِئْنَا شُفَعَاءَ لَهُ فَشَفِّعْنَا فِيهِ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ، إنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. (وَإِنْ كَانَ) الْمَيِّتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 (صَغِيرًا، أَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَاسْتَمَرَّ) عَلَى جُنُونِهِ حَتَّى مَاتَ (قَالَ) بَعْدُ: وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِمَا، (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ وَفَرَطًا) أَيْ: سَابِقًا لِمَصَالِحِ أَبَوَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، سَوَاءٌ مَاتَ فِي حَيَاتِهِمَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمَا (وَأَجْرًا وَشَفِيعًا مُجَابًا، اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا، وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إبْرَاهِيمَ، وَقِه بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ الْجَحِيمِ) ، لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا: «السَّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ» وَفِي لَفْظٍ: " بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ " رَوَاهُمَا أَحْمَدُ. وَإِنَّمَا لَمْ يُسَنَّ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ شَافِعٌ غَيْرُ مَشْفُوعٍ فِيهِ، وَلَا جَرَى عَلَيْهِ قَلَمٌ، فَالْعُدُولُ إلَى الدُّعَاءِ لِوَالِدَيْهِ أَوْلَى مِنْ الدُّعَاءِ لَهُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الدُّعَاءِ لَائِقٌ بِالْمَحَلِّ، مُنَاسِبٌ لِمَا هُوَ فِيهِ، فَشَرَعَ فِيهِ كَالِاسْتِغْفَارِ لِلْبَالِغِ، وَقَوْلُهُ: فِي كَفَالَةِ إبْرَاهِيمَ؛ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ قَالَ: إنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةٌ يُقَالُ لَهَا: طُوبَى، كُلُّهَا ضُرُوعٌ، فَمَنْ مَاتَ مِنْ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ يَرْضَعُونَ رَضَعَ مِنْ طُوبَى، وَحَاضِنُهُمْ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إسْلَامَ وَالِدَيْهِ دَعَا لِمَوَالِيهِ) ، فَيَقُولُ: ذُخْرًا لِمَوَالِيهِ. إلَى آخِرِهِ. (وَيُؤَنَّثُ الضَّمِيرُ عَلَى أُنْثَى، وَلَا يَقُولُ: وَأَبْدِلْهَا زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهَا) فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَيُشِيرُ بِمَا يَصْلُحُ لَهُمَا) ، أَيْ: الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي صَلَاةٍ (عَلَى خُنْثَى) ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِهَذَا الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ. (وَيَقِفُ بَعْدَ) تَكْبِيرَةٍ (رَابِعَةٍ قَلِيلًا، وَلَا يَدْعُوَ) بَعْدَهَا (حَيْثُ دَعَا أَوَّلًا) لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَيُسَلِّمُ بِلَا تَشَهُّدٍ) وَلَا تَسْبِيحٍ - نَصَّ عَلَيْهِ - تَسْلِيمَةً (وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ) نَصًّا، وَقَالَ: عَنْ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمَ» فَيَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ كَالْمَكْتُوبَةِ، (وَيَجُوزُ) أَنْ يُسَلِّمَ (تِلْقَاءَ وَجْهِهِ) مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ نَصًّا. (وَ) يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَةً (ثَانِيَةً) عَنْ يَسَارِهِ، لِمَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى تَسْلِيمَتَيْنِ، وَاسْتَحَبَّهُ الْقَاضِي، وَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ؛ لَكِنْ ذِكْرُ الرَّحْمَةِ أَوْلَى، (وَسُنَّ وُقُوفُهُ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي (حَتَّى تُرْفَعَ) الْجِنَازَةُ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا تَنْفَضُّ الصُّفُوفُ حَتَّى تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ. (وَأَرْكَانُهَا) ، أَيْ: صَلَاةِ الْجِنَازَةِ سَبْعَةٌ: أَحَدُهَا: (قِيَامُ قَادِرٍ فِي فَرْضِهَا) ، فَلَا تَصِحُّ مِنْ قَاعِدٍ، وَلَا رَاكِبٍ رَاحِلَةً بِلَا عُذْرٍ، لِفَوَاتِ رُكْنِهَا، وَهُوَ الْقِيَامُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ نَفْلَهَا يَصِحُّ مِنْ الْقَاعِدِ كَنَفْلِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَمِنْ الرَّاكِبِ وَالْمُسَافِرِ. (وَ) الثَّانِي: (تَكْبِيرَاتٌ أَرْبَعٌ) ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَبَّرَ أَرْبَعًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، (فَإِنْ تَرَكَ غَيْرُ مَسْبُوقٍ تَكْبِيرَةً) مِنْ الْأَرْبَعِ (عَمْدًا؛ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِتَرْكِهِ رُكْنًا، (وَ) إنْ تَرَكَهَا (سَهْوًا يُكَبِّرُهَا) كَمَا لَوْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا سَهْوًا (مَا لَمْ يُطِلْ فَصْلٌ، فَإِنْ طَالَ) فَصْلٌ عُرْفًا؛ اسْتَأْنَفَهَا (أَوْ وَجَدَ مُنَافٍ) لِلصَّلَاةِ مِنْ كَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ (اسْتَأْنَفَ) الصَّلَاةَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا " صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا ثَلَاثًا، وَتَكَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّمَا كَبَّرْت ثَلَاثًا؛ فَرَجَعَ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا رَوَاهُ حَرْبٌ فِي مَسَائِلِهِ وَالْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ، وَعَوْدُهُ إلَى ذَلِكَ لَمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ. (وَ) الثَّالِثُ: (قِرَاءَةُ) الـ (فَاتِحَةِ عَلَى غَيْرِ مَأْمُومٍ) وَهُوَ الْإِمَامُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 وَالْمُنْفَرِدُ، وَلِحَدِيثِ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَيَتَحَمَّلُهَا الْإِمَامُ عَنْ الْمَأْمُومِ. (وَ) الرَّابِعُ: الـ (صَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى نَبِيِّهِ» ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَ) الْخَامِسُ: (أَدْنَى دُعَاءٍ لِمَيِّتٍ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ (يَخُصَّهُ) ، أَيْ: يَخُصَّ الْمُصَلِّي الْمَيِّتَ (بِهِ) ، أَيْ: الدُّعَاءِ، فَلَا يَكْفِي قَوْلُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَإِنْ دَخَلَ فِي الْعُمُومِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ (بِنَحْوِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) لِتَتِمَّ فَائِدَةُ الصَّلَاةِ. (وَ) السَّادِسُ: الـ (سَلَّامٍ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى الْجِنَازَةِ. (وَ) السَّابِعُ: الـ (تَّرْتِيبُ) عَلَى هَذَا النَّمَطِ، (لَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ) الـ (دُعَاءُ) لِلْمَيِّتِ (بِ) تَكْبِيرَةٍ (ثَالِثَةٍ لِجَوَازِهِ بَعْدَ) تَكْبِيرَةٍ (رَابِعَةٍ) ، نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ. (وَشُرُوطُهَا) ، أَيْ: صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَمَكْتُوبَةٍ: (إسْلَامُ) مُصَلٍّ وَمُصَلًّى عَلَيْهِ، وَعَقْلُ مُصَلٍّ، (وَطَهَارَةٌ) وَلَوْ بِتُرَابٍ لِعُذْرٍ، (وَسَتْرُ عَوْرَةِ مُصَلٍّ، وَمُصَلًّى عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَى ذَلِكَ (وَنِيَّةٌ وَتَكْلِيفُ مُصَلٍّ) شَرْطٌ لِسُقُوطِهَا، بِخِلَافِ الْمُمَيِّزِ فَتَصِحُّ مِنْهُ، وَلَا تَسْقُطُ بِهِ (وَاجْتِنَابُهُ) ، أَيْ: الْمُصَلِّي (النَّجَاسَةَ وَاسْتِقْبَالُهُ الْقِبْلَةَ) ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَحُضُورُ) الـ (مَيِّتِ بَيْنَ يَدَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُصَلِّي (فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (عَلَى جِنَازَةٍ مَحْمُولَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا كَالْإِمَامِ، (وَلَا) تَصِحُّ (مِنْ وَرَاءَ حَائِلٍ قَبْلَ دَفْنِ) الْمَيِّتِ (كَحَائِطٍ) وَنَحْوِهِ، (وَلَا) تَصِحُّ الصَّلَاةُ (عَلَى مَنْ فِي تَابُوتٍ مُغَطًّى) ، فَيَكْشِفُهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهَا، (وَقَالَ: ابْنُ حَامِدٍ: يَصِحُّ) أَنْ يُصَلَّى عَلَى مَنْ فِي التَّابُوتِ (كَالْمُكِبَّةِ) وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ صِحَّتِهَا فِي التَّابُوتِ، وَتَحْتَ الْمُكِبَّةِ، وَفِي النَّعْشِ الْمُغَطَّى، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَيُصَلَّى عَلَى غَائِبٍ عَنْ) الـ (بَلَدِ وَلَوْ) كَانَ (دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ فِي غَيْرِ قِبْلَتِهِ) - أَيْ: الْمُصَلِّي - فَتَصِحُّ مِنْ الْإِمَامِ وَالْآحَادِ نَصًّا، لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي «صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّجَاشِيِّ وَأَمْرِهِ أَصْحَابَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) يُصَلَّى (عَلَى غَرِيقٍ وَأَسِيرٍ وَنَحْوِهِ) ، وَيَسْقُطُ شَرْطُ الْحُضُورِ وَالْغُسْلِ لِلْحَاجَةِ (إلَى شَهْرٍ) مِنْ مَوْتِهِ (بِالنِّيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بَقَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ تَلَاشٍ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْبَلَدِ وَالْمُصَلِّي فِي الْآخَرِ؛ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، لِإِمْكَانِ الْحُضُورِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى قَبْرِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَا فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ عَلَى قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِئَلَّا يُتَّخَذَ مَسْجِدًا. (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُزَادَ) فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ (عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ) لِجَمْعِ عُمَرَ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ تَدُلُّ عَلَى الْفَضِيلَةِ، وَغَيْرِهَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ. (وَيُتَابَعُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (إمَامٌ زَادَ) عَلَى تَكْبِيرَةٍ رَابِعَةٍ (إلَى سَبْعِ) تَكْبِيرَاتٍ (فَقَطْ) ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ، قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَكْثَرُ مَا جَاءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى حَمْزَةَ سَبْعًا» رَوَاهُ ابْنُ شَاهِينِ. «وَكَبَّرَ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ سَبْعًا، وَعَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 886 سِتًّا» ، وَقَالَ: إنَّهُ يُرْوَى أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرْبَعًا، فَجَمَعَ النَّاسَ عُمَرُ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَقَالَ: هُوَ أَطْوَلُ الصَّلَاةِ يَعْنِي: أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ عَلَى الْجِنَازَةِ مِقْدَارُ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ ذَاتِ الرُّكُوعِ، وَأَطْوَلُ الْمَكْتُوبَاتِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، (مَا لَمْ تُظَنَّ بِدْعَتُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامُ (أَوْ) يُظَنَّ (رَفْضُهُ، فَلَا يُتَابَعَ) فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ، لِمَا فِي مُتَابَعَتِهِ مِنْ إظْهَارِ شَعَائِرِهِمْ، (وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَبَّحَ بِهِ) - أَيْ: الْإِمَامِ - إذَا جَاوَزَ السَّبْعَ (بَعْدَ) تَكْبِيرَةٍ (سَابِعَةٍ) ، لِاحْتِمَالِ سَهْوِهِ، وَقَبْلَهَا لَا يُسَبَّحُ بِهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَلَا يَدْعُو مَأْمُومٌ فِي مُتَابَعَةِ) إمَامِهِ (بَعْدَ) تَكْبِيرَةٍ (رَابِعَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لَهُ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ. (وَلَا تَبْطُلُ) صَلَاةُ الْجِنَازَةِ (بِمُجَاوَزَةِ سَبْعِ) تَكْبِيرَاتٍ، وَلَوْ (عَمْدًا) ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ قَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي أَصْلِهِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدِ، وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ، أَوْ نَقُولُ: تَكْرَارُ تَكْبِيرَةٍ أَشْبَهَ تَكْبِيرَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَعَكْسُهُ زِيَادَةُ الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ أَفْعَالٍ، وَلِهَذَا لَوْ زَادَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا أَبْطَلَ الصَّلَاةَ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى مَأْمُومٍ أَنْ يُتَابَعَ فِيمَا زَادَ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ (سَلَامٌ قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ إمَامِهِ نَصًّا، (وَإِنْ جَاوَزَ سَبْعًا) ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَلَا يُقْطَعُ مِنْ أَجْلِهِ الْمُتَابَعَةُ كَإِطَالَةِ الدُّعَاءِ. (وَيُخَيَّرُ مَسْبُوقٌ) سَلَّمَ إمَامُهُ (بَيْنَ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ، وَ) بَيْنَ (سَلَامٍ مَعَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ، لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُ التَّكْبِيرِ، قَالَ: مَا سَمِعْتِ فَكَبِّرِي، وَمَا فَاتَكِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْكِ» وَيُسْتَحَبُّ إحْرَامُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 مَسْبُوقٍ مَعَهُ فِي أَيِّ حَالٍ صَادَفَهُ، وَلَا يُنْتَظَرُ تَكْبِيرُهُ كَبَاقِي الصَّلَوَاتِ (وَلَوْ كَبَّرَ) إمَامٌ أَوْ مُنْفَرِدٌ عَلَى جِنَازَةٍ (فَجِيءَ بِ) جِنَازَةٍ (أُخْرَى كَبَّرَ) تَكْبِيرَةً (ثَانِيَةً وَنَوَاهُمَا) ، أَيْ: الْجِنَازَتَيْنِ، (فَإِنْ جِيءَ بِ) جِنَازَةٍ (ثَالِثَةٍ كَبَّرَ) تَكْبِيرَةً (ثَالِثَةً وَنَوَى الْجَنَائِزَ الثَّلَاثَ، فَإِنْ جِيءَ بِ) جِنَازَةٍ (رَابِعَةٍ كَبَّرَ) تَكْبِيرَةً (رَابِعَةً وَنَوَى) الْجَنَائِزَ (الْكُلَّ، فَيَصِيرُ مُكَبِّرًا عَلَى الْأُولَى أَرْبَعًا وَعَلَى ثَانِيَةٍ ثَلَاثًا وَعَلَى ثَالِثَةٍ ثِنْتَيْنِ، وَعَلَى الرَّابِعَةِ وَاحِدَةً، فَيَأْتِي بِثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ أُخَرَ) تَتِمَّةَ السَّبْعِ، (فَيُتِمُّ) تَكْبِيرَهُ (سَبْعًا يَقْرَأُ) الْفَاتِحَةَ (فِي خَامِسَةٍ، وَيُصَلِّي) عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِسَادِسَةٍ، وَيَدْعُوَ) لِلْمَوْتَى (بِسَابِعَةٍ) ، ثُمَّ يُسَلِّمُ (فَيَصِيرُ مُكَبِّرًا عَلَى) الْجِنَازَةِ (الْأُولَى سَبْعًا، وَ) عَلَى (ثَانِيَةٍ سِتًّا، وَ) عَلَى (ثَالِثَةٍ خَمْسًا، وَ) عَلَى (رَابِعَةٍ أَرْبَعًا، فَإِنْ جِيءَ) بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ (بِ) جِنَازَةٍ (خَامِسَةٍ لَمْ يَنْوِهَا، بَلْ يُصَلِّي عَلَيْهَا بَعْدَ سَلَامِهِ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ تَنْقِيصُهَا عَنْ أَرْبَعِ أَوْ زِيَادَةُ مَا قَبْلَهَا عَلَى سَبْعٍ، وَكِلَاهُمَا مَحْظُورٌ، (وَكَذَا لَوْ جِيءَ بِ) جِنَازَةٍ (ثَانِيَةٍ عَقِبَ تَكْبِيرَةٍ رَابِعَةٍ) لَمْ يَجُزْ إدْخَالُهَا فِي الصَّلَاةِ (لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ) التَّكْبِيرَاتِ (السَّبْعِ أَرْبَعٌ) بَلْ ثَلَاثٌ فَيُؤَدِّي إلَى مَا سَبَقَ (وَيَقْضِي مَسْبُوقٌ نَدْبًا) إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ (مَا فَاتَهُ عَلَى صِفَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ كَبَاقِي الصَّلَوَاتِ، فَيُتَابِعُ إمَامَهُ فِيمَا أَدْرَكَهُ فِيهِ، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ كَبَّرَ، وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا، (وَإِنْ) كَانَ الْمَقْضِيُّ (بَعْدَ) تَكْبِيرَةٍ (رَابِعَةٍ) ، بِأَنْ زَادَ الْإِمَامُ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ، فَيُقْضَى عَلَى صِفَةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، (فَإِنْ أَدْرَكَهُ) الْمَسْبُوقُ (بِدُعَاءٍ تَابَعَهُ فِيهِ) ، أَيْ: الدُّعَاءِ، (فَإِذَا سَلَّمَ إمَامٌ كَبَّرَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ) بَعْدَ التَّعَوُّذِ وَالْبَسْمَلَةِ، (ثُمَّ كَبَّرَ وَصَلَّى) عَلَى النَّبِيِّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ثُمَّ كَبَّرَ وَسَلَّمَ) ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فَيَأْتِي فِيهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ، لِعُمُومِ حَدِيثِ: «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ الدُّعَاءُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ، أَوْ بَعْدَ الثَّالِثَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا لِنَوْمٍ أَوْ سَهْوٍ وَنَحْوِهِ، وَإِلَّا لِزَامٌ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ، وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ، فَإِنْ كَانَ أَدْرَكَهُ فِي الدُّعَاءِ، وَكَبَّرَ الْأَخِيرَةَ مَعَهُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ كَبَّرَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ تَمَّتْ. تَتِمَّةٌ: مَتَى أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، فَكَبَّرَ وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ كَبَّرَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهَا؛ تَابَعَهُ وَقَطَعَ الْقِرَاءَةَ، كَالْمَسْبُوقِ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَبْلَ إتْمَامِهِ الْقِرَاءَةَ، (فَإِنْ خَشِيَ) الْمَسْبُوقُ (رَفْعَهَا) ، أَيْ: الْجِنَازَةِ (تَابَعَ) ، أَيْ: وَالَى بَيْنَ (التَّكْبِيرِ) مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ وَصَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا دُعَاءٍ، (رُفِعَتْ) الْجِنَازَةُ (أَوْ لَا) ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَحَكَاهُ نَصًّا. (وَإِنْ سَلَّمَ) مَسْبُوقٌ عَقِبَ إمَامِهِ (وَلَمْ يَقْضِ) مَا فَاتَهُ؛ (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا تُوضَعُ) الْجِنَازَةُ بَعْدَ أَنْ صُلِّيَ عَلَيْهَا (لِصَلَاةِ أَحَدٍ بَعْدَ رَفْعِهَا) عَنْ الْأَرْضِ تَحْقِيقًا لِلْمُبَادَرَةِ إلَى مُوَارَاةِ الْمَيِّتِ. [فَصْلٌ إعَادَة صَلَاة الْجِنَازَةِ] (فَصْلٌ) (وَكُرِهَ لِمَنْ صَلَّى) عَلَى الْجِنَازَةِ (إعَادَتُهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ، قَالَ فِي " الْفُصُولِ ": لَا يُصَلِّيهَا مَرَّتَيْنِ كَالْعِيدِ (إلَّا إذَا صُلِّيَ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (بِلَا إذْنِ الْأَوْلَى بِهَا) ، أَيْ: بِالصَّلَاةِ مِنْ الْمُصَلِّي (مَعَ حُضُورِهِ) - أَيْ: الْأَوْلَى - وَعَدَمِ إذْنِهِ، وَلَمْ يُصَلِّ خَلْفَهُ، (فَتُعَادُ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ (تَبَعًا) لِلْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 (وَتُسَنُّ إعَادَتُهَا لِمَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ غَائِبًا) بِالنِّيَّةِ (ثُمَّ حَضَرَ) فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ ثَانِيًا. (وَ) تُسَنُّ الصَّلَاةُ (عَلَى بَعْضِ مَيِّتٍ) بِشَرْطِهِ الْآتِي (صُلِّيَ عَلَى جُمْلَتِهِ دُونَهُ) ، أَيْ: دُونَ ذَلِكَ الْبَعْضِ، فَتُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ بَعْدَ تَغْسِيلِهِ وَتَكْفِينِهِ وُجُوبًا. (وَلِمَنْ فَاتَتْهُ) صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ الصَّلَاةُ اسْتِحْبَابًا (وَلَوْ جَمَاعَةً قَبْلَ دَفْنِ) الْمَيِّتِ (وَبَعْدَهُ، فَيُصَلِّي عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (بِقَبْرِهِ) - أَيْ: عَلَى قَبْرِهِ - جَاعِلًا لَهُ (بَيْنَ يَدَيْهِ) كَالْإِمَامِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، أَوْ شَابًّا، فَفَقَدَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فَقَدَهُ، فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ؛ فَقَالُوا: مَاتَتْ، أَوْ: مَاتَ، فَقَالَ: أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ، فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا، أَوْ عَلَى قَبْرِهِ فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى قَبْرٍ رَطْبٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَصَفُّوا خَلْفَهُ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. قَالَ أَحْمَدُ: وَمَنْ يَشُكُّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ؟ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سِتَّةِ وُجُوهٍ كُلُّهَا حِسَانٌ. (إلَى شَهْرٍ مِنْ دَفْنِهِ، لَا) مِنْ (مَوْتِهِ) ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا، وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ» وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، قَالَ أَحْمَدُ: أَكْثُرُ مَا سَمِعْتُ هَذَا؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بَقَاؤُهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَتَقَيَّدَ بِهِ (وَ) إلَى (زِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ) عَلَى الشَّهْرِ قَالَ الْقَاضِي: (كَيَوْمَيْنِ) فَقَطْ، (وَيَحْرُمُ) أَنْ يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ (بَعْدَهَا) ، أَيْ: بَعْدَ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": فَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْفَنْ؛ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ مَضَى أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ (وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ مَيِّتٍ تَحْقِيقًا) بِأَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 890 تَحَقَّقَ الْمَوْتُ، وَكَانَ الْمَيِّتُ (لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) ، وَهُوَ (غَيْرُ شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَسِنٍّ) فَحُكْمُهُ (كَكُلِّهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (مِنْ وُجُوبِ غُسْلٍ وَتَكْفِينٍ وَصَلَاةٍ) عَلَيْهِ "؛ لِأَنَّ أَبَا أَيُّوبَ صَلَّى عَلَى رِجْلِ إنْسَانٍ " قَالَهُ أَحْمَدُ. " وَصَلَّى عُمَرُ عَلَى عِظَامٍ بِالشَّامِ، وَصَلَّى أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى رُءُوسٍ " رَوَاهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَلْقَى طَائِرٌ يَدًا بِمَكَّةَ مِنْ وَقْعَةِ الْجَمَلِ عُرِفَتْ بِالْخَاتَمِ، وَكَانَتْ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيد، فَصَلَّى عَلَيْهَا أَهْلُ مَكَّةَ. وَلِأَنَّهُ بَعْضٌ مِنْ مَيِّتٍ، فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْجُمْلَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ صُلِّيَ عَلَيْهِ؛ غُسِّلَ مَا وُجِدَ، وَكُفِّنَ وُجُوبًا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ نَدْبًا، وَإِنْ كَانَ مَا وُجِدَ شَعْرًا أَوْ سِنًّا أَوْ ظُفْرًا؛ فَلَا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ حَالَ الْحَيَاةِ، (وَيَنْوِي بِهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ عَلَى (ذَلِكَ الْبَعْضِ) الْمَوْجُودِ (فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ الْحَاضِرُ (وَكَذَا إنْ وُجِدَ الْبَاقِي) مِنْ الْمَيِّتِ فَيُغَسَّلُ، وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، (وَيُدْفَنُ بِجَنْبِهِ) ، أَيْ: الْقَبْرِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": أَوْ نُبِشَ بَعْضُ الْقَبْرِ، وَدُفِنَ فِيهِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى كَشْفِ الْمَيِّت. (وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَى جُمْلَتِهِ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - دُونَ مَا وُجِدَ؛ (وَجَبَ غُسْلُ وَتَكْفِينُ) ذَلِكَ الْبَعْضِ، (وَسُنَّ صَلَاةٌ) عَلَيْهِ، (وَتَقَدَّمَ) فِي قَوْلِهِ: عَلَى بَعْضِ مَيِّتٍ صُلِّيَ عَلَى جُمْلَتِهِ دُونَهُ. (وَلَا يُصَلَّى عَلَى بَعْضِ حَيٍّ) كَيَدٍ قُطِعَتْ فِي سَرِقَةٍ أَوْ أُكْلَةٍ (فِي وَقْتٍ لَوْ وُجِدَتْ فِيهِ الْجُمْلَةُ) - أَيْ: الْبَقِيَّةُ - لَمْ تُغَسَّلْ، وَ (لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا) لِبَقَاءِ حَيَاتِهَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ دُعَاءٌ وَشَفَاعَةٌ لِيَخِفَّ عَنْهُ، وَهَذَا عُضْوٌ لَا حُكْمَ لَهُ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَكَذَا إنْ شَكَّ فِي مَوْتِ الْبَقِيَّةِ. (وَلَا) يُصَلَّى (عَلَى مَأْكُولٍ بِبَطْنِ آكِلٍ) مِنْ سَبُعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ مَعَ مُشَاهَدَةِ الْآكِلِ، (وَ) لَا عَلَى (مُسْتَحِيلٍ بِنَحْوِ إحْرَاقٍ) كَمُصَبَّنَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 891 وَمُمَلَّحَةٍ بِأَنْ صَارَ رَمَادًا أَوْ صَابُونًا أَوْ مِلْحًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ شَرْطَ الصَّلَاةِ مِنْ الْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ مَفْقُودٌ فِي الْمُسْتَحِيلِ. (وَلَا يُسَنُّ لِلْإِمَامِ، الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَ) لَا لِ (إمَامِ كُلِّ قَرْيَةٍ، وَهُوَ وَالِيهَا فِي الْقَضَاءِ الصَّلَاةُ عَلَى غَالٍّ) نَصًّا، وَهُوَ مَنْ كَتَمَ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا لِيَخْتَصَّ بِهِ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْقَوْمِ، فَقَالَ: إنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا فِيهِ خَرَزًا مِنْ خَرَزِ الْيَهُودِ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ.» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. (وَ) لَا عَلَى (قَاتِلِ نَفْسِهِ عَمْدًا) ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَمَّا أَنَا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ " وَالْمَشَاقِصُ: جَمْعُ مِشْقَصٍ، قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": وَالْمِشْقَصُ: كَمِنْبَرٍ: نَصْلٌ عَرِيضٌ أَوْ سَهْمٌ فِيهِ ذَلِكَ النَّصْلُ الطَّوِيلُ، أَوْ سَهْمٌ فِيهِ ذَلِكَ يُرْمَى بِهِ الْوَحْشُ. انْتَهَى. فَامْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَالِّ، وَقَاتِلِ نَفْسِهِ، وَهُوَ الْإِمَامُ، وَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمَا، وَأَلْحَقَ بِهِ مَنْ سَاوَاهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ دَلِيلٌ. (وَإِنْ صَلَّى) الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ (عَلَيْهِمَا) ، أَيْ: عَلَى الْغَالِّ وَقَاتِلِ نَفْسِهِ عَمْدًا، (فَلَا بَأْسَ) ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ ذَلِكَ رَدْعٌ وَزَجْرٌ لَا لِتَحْرِيمِهِ (وَيُصَلَّى عَلَى كُلِّ عَاصٍ؛ كَسَارِقٍ وَشَارِبِ خَمْرٍ) وَمَقْتُولٍ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا، (وَعَلَى مَدِينٍ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً) . وَتَرْكُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ. (وَإِنْ اخْتَلَطَ) مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ (أَوْ اشْتَبَهَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 بِغَيْرِهِ) كَأَنْ اخْتَلَطَ مَوْتَى مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ، وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا بِانْهِدَامِ سَقْفٍ بِهِمْ وَنَحْوِهِ؛ (صُلِّيَ عَلَى الْجَمِيعِ، يَنْوِي) بِالصَّلَاةِ (مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ) مِنْهُمْ، وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، وَلَا طَرِيقَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ (وَغُسِّلُوا وَكُفِّنُوا) كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ لَا تُمْكِنُ إلَّا بِذَلِكَ، إذْ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ لَا تَصِحُّ حَتَّى يُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَسَوَاءٌ كَانُوا بِدَارِ إسْلَامٍ أَوْ حَرْبٍ، قَلَّ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ أَوْ كَثُرُوا، (وَإِنْ) (أَمْكَنَ عَزْلُهُمْ) عَنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ دُفِنُوا مُنْفَرِدِينَ، (وَإِلَّا) يُمْكِنُ عَزْلُهُمْ (فَ) يُدْفَنُونَ (مَعَنَا) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ مَنْ يُعْهَدُ ذِمِّيًّا، فَشَهِدَ عَدْلٌ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا؛ حُكِمَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ دُونَ تَوْرِيثِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ. [فَرْعٌ لِمُصَلٍّ عَلَى جِنَازَةٍ قِيرَاطٌ مِنْ أَجْرٍ] (فَرْعٌ: لِمُصَلٍّ عَلَى جِنَازَةٍ قِيرَاطٌ) مِنْ (أَجْرِ وَهُوَ) ، أَيْ: الْقِيرَاطُ: (أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى) ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ قِيرَاطُ نِسْبَةٍ مِنْ أَجْرِ صَاحِبِ الْمُصِيبَةِ، (وَلَهُ بِتَمَامِ دَفْنِهَا) قِيرَاطٌ (آخَرُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُفَارِقَهَا) بَلْ يَكُونَ مَعَهَا (حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا مِنْ الصَّلَاةِ) عَلَيْهَا (حَتَّى تُدْفَنَ) ، لِحَدِيثِ: «فَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا» (وَفِي الْحَدِيثِ) : «مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ؛ فَلَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ: (وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» وَفِي) صَحِيحِ (مُسْلِمٍ: " أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ " قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَا يُصَلَّى كُلَّ يَوْمٍ عَلَى غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ) وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَمَّنْ يَذْهَبُ إلَى مُصَلَّى الْجَنَائِزِ فَيَجْلِسُ فِيهِ مُتَصَدِّيًا لِلصَّلَاةِ عَلَى مَنْ يَحْضُرُ مِنْ الْجَنَائِزِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَكَأَنَّهُ يَرَى إذَا تَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَهُوَ أَفْضَلُ، قَالَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ صَعْدَةَ: وَمَنْ تَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا - يَعْنِي: مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَتَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا - فَلَهُ قِيرَاطٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 893 [فَصْلٌ حَمْلُ الْجِنَازَةِ] (فَصْلٌ) (وَحَمْلُهَا) - أَيْ: الْجِنَازَةِ إلَى مَحَلِّ دَفْنِهَا (فَرْضُ كِفَايَةٍ) إجْمَاعًا، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَيُكْرَهُ أَخَذَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْغُسْلِ وَنَحْوِهِ. (وَسُنَّ تَرْبِيعٌ فِيهِ) ، أَيْ: الْحَمْلِ (بِحَمْلِ أَرْبَعَةٍ) ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةً فَلْيَحْمِلْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، ثُمَّ إنْ شَاءَ فَلْيَتَطَوَّعْ وَإِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ» إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ. (بِأَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ نَعْشٍ يُسْرَى مُقَدَّمَةً) حَالَ السَّيْرِ، لِأَنَّهَا تَلِي يَمِينَ الْمَيِّتِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ (عَلَى كَتِفٍ يُمْنَى، ثُمَّ) يَدَعُهَا لِغَيْرِهِ وَ (يَنْتَقِلُ لِمُؤَخِّرَةِ) الْقَوَائِمِ، فَيَضَعُهَا عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى أَيْضًا ثُمَّ يَدَعُهَا لِغَيْرِهِ، (ثُمَّ) يَنْتَقِلُ إلَى (يُمْنَى مُقَدَّمَةٍ) مِنْ الْقَوَائِمِ، وَهِيَ الَّتِي عَلَى يَسَارِ الْمَيِّتِ، فَيَضَعُهَا (عَلَى كَتِفٍ يُسْرَى، ثُمَّ) يَدَعُهَا لِغَيْرِهِ، وَ (يَنْتَقِلُ لِمُؤَخِّرَةِ) قَوَائِمِ السَّرِيرِ الْيُمْنَى، فَيَضَعُهَا عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى أَيْضًا، فَيَكُونُ الْبَدْءُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِالرَّأْسِ وَالْخَتْمُ مِنْهُمَا بِالرِّجْلَيْنِ، كَغُسْلِهِ، وَلَا يَقُولُ فِي حَمْلِ السَّرِيرِ مُسْلِمٌ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ؛ بَلْ بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَيَذْكُرُ اللَّهَ إذَا نَاوَلَ السَّرِيرَ نَصًّا. (وَكَرِهَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ التَّرْبِيعَ) فِي الْحَمْلِ (مَعَ زِحَامٍ) عَلَى الْجِنَازَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ. (وَلَا يُكْرَهُ) الـ (حَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ) ، أَيْ: قَائِمَتَيْ السَّرِيرِ، (كُلِّ) عَمُودٍ (عَلَى عَاتِقٍ) نَصًّا، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ» وَأَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ حَمَلَ جِنَازَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَيَبْدَأُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ، كَمَا فِي الرِّعَايَةِ " (وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: بَيْنَ التَّرْبِيعِ وَالْحَمْلِ بَيْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 894 الْعَمُودَيْنِ (أَوْلَى) قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " التَّنْقِيحِ " وَقَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ: وَلَيْسَ هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا هَذَا إذَا قُلْنَا: لَيْسَ التَّرْبِيعُ أَفْضَلَ، وَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ أَفْضَلِيَّةَ التَّرْبِيعِ عَلَى الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ لَا تَمْنَعُ أَفْضَلَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّرْبِيعِ، كَمَا ذَكَرُوا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجَرِ، وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْمَاءِ وَلِهَذَا تَبِعَ الْمُصَنِّفُ صَاحِبَ الْفُرُوعِ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ. (وَلَا) بَأْسَ بِحَمْلِ الْمَيِّتِ (بِأَعْمِدَةٍ لِحَاجَةٍ) كَجِنَازَةِ ابْنِ عُمَرَ (وَلَا) بَأْسَ بِحَمْلِهِ (عَلَى دَابَّةٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) كَبُعْدِ قَبْرِهِ، وَسِمَنِ جُثَّتِهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " الْمُبْدِعِ ": وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَحْرُمُ عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ أَوْ هَيْئَةٍ يُخَافُ مَعَهَا سُقُوطُهَا. (وَلَا) يُكْرَهُ حَمْلُ (طِفْلٍ عَلَى يَدَيْهِ) وَيُسْتَحَبُّ سَتْرُ نَعْشِ الْمَرْأَةِ بِالْمِكَبَّةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَكَذَا مَنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ عَلَى نَعْشٍ إلَّا بِمُثْلَةٍ كَحَدَبٍ وَفِي " الْفُصُولِ ": الْمُقَطَّعُ تُلَفَّقُ أَعْضَاؤُهُ بِطِينِ حَرٍّ وَنَفْطٍ حَتَّى لَا يَتَبَيَّنَ تَشْوِيهُهُ، فَإِنْ ضَاعَتْ؛ لَمْ يُعْمَلْ شَكْلُهَا مِنْ طِينٍ، قَالَ: وَالْوَاجِبُ جَمْعُ أَعْضَائِهِ فِي كَفَنٍ وَاحِدٍ وَقَبْرٍ وَاحِدٍ. (وَسُنَّ مَعَ تَعَدُّدِ جَنَائِزَ تَقْدِيمُ أَفْضَلِهَا إمَامًا بِمَسِيرٍ) ، فَيَكُونُ مَتْبُوعًا لَا تَابِعًا. (وَ) سُنَّ (إسْرَاعٌ بِهَا) ، أَيْ: الْجِنَازَةِ، لِحَدِيثِ: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُنْ صَالِحَةً؛ فَخَيْرٌ تَقْدَمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيَكُونُ الْإِسْرَاعُ (دُونَ الْخَبَبِ) نَصًّا، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «أَنَّهُ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ تُمْخَضُ مَخْضًا، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي جَنَائِزِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِأَنَّهُ يَمْخُضُهَا وَيُؤْذِي حَامِلَهَا وَمُتَّبِعَهَا، وَالْخَبَبُ، خَطْوٌ فَسِيحٌ دُونَ الْعَنَقِ، وَفَوْقَ الرَّمَلِ. (مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 (مِنْهُ) ، أَيْ: الْإِسْرَاعِ، فَيَمْشِي بِهِ الْهُوَيْنَا. (وَ) سُنَّ اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَكَوْنُ مَاشٍ) مَعَهَا (أَمَامَهَا) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَعَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّهُمْ شُفَعَاؤُهُ. (وَ) سُنَّ كَوْنُ (رَاكِبٍ وَلَوْ سَفِينَةً خَلْفَهَا) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا: «الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَكُرِهَ لَهُ) ، أَيْ: لِمُتَّبِعِ الْجِنَازَةِ رَاكِبًا أَنْ يَكُونَ (أَمَامَهَا) ، قَالَ الْمَجْدُ: (كَ) كَرَاهَتِهِ لِحَدِيثِ «ثَوْبَانَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا رُكْبَانًا، فَقَالَ: أَلَا تَسْتَحْيُونَ، إنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظَهْرِ الدَّوَابِّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. (لِغَيْرِ حَاجَةٍ) كَمَرَضٍ (وَ) لِغَيْرِ (عَوْدٍ) فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ عَائِدًا مُطْلَقًا لَمْ يُكْرَهْ، لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبِعَ جِنَازَةَ ابْنِ الدَّحْدَاحِ مَاشِيًا، وَرَجَعَ عَلَى فَرَسٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ. (وَقُرْبُ) مُتَّبِعِ الْجِنَازَةِ (مِنْهَا أَفْضَلُ) ، لِأَنَّهَا كَالْإِمَامِ (وَكُرِهَ تَقَدُّمُهَا لِمَوْضِعِ صَلَاةٍ) عَلَيْهَا. وَ (لَا) يُكْرَهُ تَقَدُّمُهَا (لِمَقْبَرَةٍ، وَ) كُرِهَ (جُلُوسُ تَابِعِهَا حَتَّى تُوضَعَ بِأَرْضٍ لِدَفْنٍ) نَصًّا، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «إذَا تَبِعْتُمْ الْجِنَازَةَ فَلَا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ» قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فِيهِ: " حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ " (إلَّا لِمَنْ بَعُدَ) ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ وَضْعِهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ. (وَ) كُرِهَ (قِيَامٌ لَهَا) ، أَيْ: الْجِنَازَةِ (إنْ جَاءَتْ أَوْ مَرَّتْ بِهِ وَهُوَ جَالِسٌ) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 896 لِحَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ: «رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُمْنَا تَبَعًا لَهُ، وَقَعَدَ فَقَعَدْنَا تَبَعًا لَهُ، يَعْنِي: فِي الْجِنَازَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " قَامَ ثُمَّ قَعَدَ " رَوَاهُ النَّسَائِيّ. (وَ) كُرِهَ (مَسْحُهُ بِيَدِهِ) عَلَى الْجِنَازَةِ، (أَوْ) مَسْحُهُ (بِشَيْءٍ عَلَيْهَا تَبَرُّكًا) ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هُوَ بِدْعَةٌ يُخَافُ مِنْهُ عَلَى الْمَيِّتِ، قَالَ: وَهُوَ قَبِيحٌ فِي الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ، لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ فِي أَخْلَاقِ أَحْمَدَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى أَحْمَدَ، ثُمَّ مَسَحَهَا عَلَى يَدَيْهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ، فَغَضِبَ شَدِيدًا، وَجَعَلَ يَنْفُضُ يَدَهُ، وَيَقُولُ: عَمَّنْ أَخَذْتُمْ هَذَا؟ وَأَنْكَرَهُ. (وَ) كُرِهَ (رَفْعُ صَوْتٍ) عِنْدَ رَفْعِهَا وَ (مَعَهَا) ، أَيْ: الْجِنَازَةِ، (وَلَوْ بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ) ، لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ. (وَسُنَّ) لِمُتَّبِعِيهَا قِرَاءَةُ قُرْآنٍ وَذِكْرُ اللَّهِ (سِرًّا) . (وَ) كُرِهَ (أَنْ تَتَّبِعَهَا امْرَأَةٌ) ، لِحَدِيثِ «أُمِّ عَطِيَّةَ نَهَانَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. أَيْ: لَمْ يُحَتِّمْ عَلَيْنَا تَرْكَ اتِّبَاعِهَا، (أَوْ تُتَّبَعَ بِمَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِ) كَمَطْعُومٍ وَمَشْرُوبٍ، (أَوْ) تُتَّبَعَ (بِنَارٍ) لِلْخَبَرِ، قِيلَ: سَبَبُ الْكَرَاهَةِ: كَوْنُهُ مِنْ شِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ: تَفَاؤُلًا بِالنَّارِ (إلَّا لِحَاجَةِ ضَوْءٍ) كَمَا لَوْ دُفِنَتْ بِاللَّيْلِ، فَلَا يُكْرَهُ وَلِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا. (وَمِثْلُهُ تَبْخِيرٌ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ) ، فَيُكْرَهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، (وَحَرُمَ أَنْ يَتَّبِعَهَا مَعَ مُنْكَرٍ نَحْوَ صُرَاخٍ وَنَوْحٍ عَاجِزٌ عَنْ إزَالَتِهِ) ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِمَاعِ مَحْظُورٍ وَرُؤْيَتِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ، (وَيَلْزَمُ الْقَادِرَ إزَالَتُهُ) لِلْخَبَرِ. (وَضَرْبُهُنَّ) ، أَيْ: النِّسَاءِ (بِدُفٍّ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَلْقٌ وَلَا صُنُوجٌ (مُنْكَرٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ اتِّفَاقًا) (وَقَوْلُ الْقَائِلِ مَعَهَا) ، أَيْ: الْجِنَازَةِ: (اسْتَغْفِرُوا لَهُ، وَنَحْوُهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 بِدْعَةٌ) عِنْدَ أَحْمَدَ، وَكَرِهَهُ (وَحَرَّمَهُ أَبُو حَفْصٍ) نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: وَمَا يُعْجِبُنِي، وَرَوَى سَعِيدٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَا لِقَائِلِ ذَلِكَ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ. (وَسُنَّ كَوْنُ تَابِعِهَا) ، أَيْ: الْجِنَازَةِ (مُتَخَشِّعًا مُتَفَكِّرًا فِي مَآلِهِ) أَيْ: أَمْرِهِ الَّذِي يَئُولُ إلَيْهِ وَيَرْجِعُ (مُتَّعِظًا بِالْمَوْتِ وَبِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ الْمَيِّتُ) ، قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: مَا اتَّبَعْتُ جِنَازَةً فَحَدَّثْتُ نَفْسِي بِغَيْرِ مَا هُوَ مَفْعُولٌ بِهَا. [فَرْعٌ اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ] (فَرْعٌ: اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ سُنَّةٌ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَحَدِيثِ الْبَرَاءِ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَهُوَ) ، أَيْ: اتِّبَاعُهَا (حَقٌّ لِلْمَيِّتِ وَأَهْلِهِ) ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ قَدَّرَ لَوْ انْفَرَدَ الْمَيِّتُ لَمْ يَسْتَحِقَّ هَذَا الْحَقَّ لِمُزَاحِمٍ أَوْ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ تَبِعَهُ، لِأَجْلِ أَهْلِهِ إحْسَانًا إلَيْهِمْ لِتَأَلُّفٍ أَوْ مُكَافَأَةٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ. (وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ مِنْ الْخَيْرِ أَنْ يَتَّبِعَهَا لِقَضَاءِ حَقِّ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ) ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفَ. وَالثَّانِي: أَنْ يَتَّبِعَهَا إلَى الْقَبْرِ، ثُمَّ يَقِفَ حَتَّى تُدْفَنَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقِفَ بَعْدَ الدَّفْنِ فَيَسْتَغْفِرَ لَهُ وَيَسْأَلَ اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ، وَيَدْعُوَ لَهُ بِالرَّحْمَةِ. (وَنَقَلَ حَنْبَلٌ) ، وَهُوَ عَمُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: (لَا بَأْسَ بِقِيَامِهِ عَلَى الْقَبْرِ حَتَّى تُدْفَنَ جَبْرًا وَإِلْزَامًا) وَوَقَفَ عَلِيٌّ عَلَى قَبْرٍ، فَقِيلَ: أَلَا تَجْلِسُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: قَلِيلٌ عَلَى أَخِينَا قِيَامُنَا عَلَى قَبْرِهِ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ مُحْتَجًّا بِهِ. (وَكَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ إذَا حَضَرَ جِنَازَةً هُوَ وَلِيُّهَا لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى تُدْفَنَ) ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 898 [فَصْلٌ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ] (فَصْلٌ) فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ (وَدَفْنُهُ بِ) مَحَلٍّ (مَحْفُورٍ) مِنْ نَحْوِ أَرْضٍ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) وَقَدْ أَرْشَدَ اللَّهُ قَابِيلَ إلَى دَفْنِ أَخِيهِ هَابِيلَ، وَأَبَانَ ذَلِكَ بِبَعْثِ غُرَابٍ يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْف يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات: 25] {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: 26] ، أَيْ: جَامِعَةً لِلْأَحْيَاءِ فِي ظَهْرِهَا بِالْمَسَاكِنِ، وَالْأَمْوَاتِ فِي بَطْنِهَا فِي الْقُبُورِ، وَالْكَفْتُ: الْجَمْعُ، وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ أَكْرَمَهُ بِدَفْنِهِ. (وَيَسْقُطُ هُوَ) ، أَيْ: الدَّفْنُ (وَتَكْفِينٌ وَحَمْلٌ) لِمَيِّتٍ (بِ) فِعْلِ (كَافِرٍ) ، لِأَنَّ فَاعِلَهَا لَا يَخْتَصُّ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ. (وَ) يَسْقُطُ أَيْضًا بِ (غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَيُقَدَّمُ بِتَكْفِينِ) ذَكَرٍ وَأُنْثَى (مَنْ يُقَدَّمُ بِغُسْلِ) هَا، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ، (وَنَائِبُهُ كَهُوَ) فَيُقَدَّمُ النَّائِبُ عَلَى مَنْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسْتَنِيبُهُ. (وَيَتَّجِهُ: غَيْرُ وَصِيٍّ) ، أَيْ: فَلَيْسَ نَائِبُ الْوَصِيِّ كَهُوَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْمُوصِي غَرَضٌ فِي تَغْسِيلِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَكَذَا فِي صَلَاةٍ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ قَدْ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْأَوْلَى) لِغَاسِلٍ (تَوَلِّيهِ) ، أَيْ: التَّكْفِينِ (بِنَفْسِهِ) دُونَ نَائِبِهِ مُحَافَظَةً عَلَى تَقْلِيلِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْمَيِّتِ. (وَ) يُقَدَّمُ (بِدَفْنِ رَجُلٍ) ، أَيْ: ذَكَرٍ (مَنْ يُقَدَّمُ بِغُسْلِهِ) " لِأَنَّهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَدَهُ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَأُسَامَةُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى سَتْرِ أَحْوَالِهِ، وَقِلَّةِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، (فَالْأَجَانِبُ) مِنْ الرِّجَالِ يَقُومُونَ بِدَفْنِهِ عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ النِّسَاءِ، لِأَنَّهُنَّ يَضْعُفْنَ عَنْ إدْخَالِهِ الْقَبْرَ، وَلِأَنَّ الْجِنَازَةَ يَحْضُرُهَا جُمُوعُ الرِّجَالِ غَالِبًا، وَفِي نُزُولِ النِّسَاءِ الْقَبْرَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ تَعْرِيضٌ لَهُنَّ بِالْهَتْكِ وَالْكَشْفِ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ، (فَمَحَارِمُهُ) مِنْ (النِّسَاءِ، فَالْأَجْنَبِيَّاتُ) لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْنِهِ، وَعَدَمِ غَيْرِهِنَّ. (وَ) الْأَوْلَى (بِدَفْنِ امْرَأَةٍ مَحَارِمُهَا الرِّجَالُ) الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، لِأَنَّ امْرَأَةَ عُمَرَ لَمَّا تُوُفِّيَتْ قَالَ لِأَهْلِهَا: أَنْتُمْ أَحَقُّ بِهَا، وَلِأَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِوِلَايَتِهَا حَالَ الْحَيَاةِ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ، (فَزَوْجٌ) ، لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِمَحْرَمِهَا مِنْ النَّسَبِ مِنْ الْأَجَانِبِ، (فَأَجَانِبُ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ مَاتَتْ ابْنَتُهُ أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ، فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا» وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَارِمَهَا كُنَّ هُنَاكَ كَأُخْتِهَا فَاطِمَةَ، وَلِأَنَّ تَوَلِّيَ النِّسَاءِ لِذَلِكَ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَفُعِلَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَصْرِ خُلَفَائِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ، (فَمَحَارِمُهَا النِّسَاءُ) الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى مِنْهُنَّ كَالرِّجَالِ، (وَيُقَدَّمُ مِنْ رِجَالٍ) فِي دَفْنِ امْرَأَةٍ (خَصِيٌّ، فَشَيْخٌ، فَأَفْضَلُ دِينًا وَمَعْرِفَةً، وَمَنْ بَعُدَ عَهْدُهُ بِجِمَاعٍ أَوْلَى مِمَّنْ قَرُبَ) عَهْدُهُ بِهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: وَالْخُنْثَى كَامْرَأَةٍ فِي ذَلِكَ احْتِيَاطًا. (وَلَا يُكْرَهُ لِرِجَالٍ) أَجَانِبَ (دَفْنُ امْرَأَةٍ وَثَمَّ مَحْرَمٌ) لَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ أَبِي طَلْحَةَ. (وَكُرِهَ دَفْنٌ عِنْدَ طُلُوعِ شَمْسٍ وَقِيَامِهَا وَعِنْدَ غُرُوبِهَا) وَتَقَدَّمَ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ. وَ (لَا) يُكْرَهُ الدَّفْنُ (لَيْلًا) قَالَ أَحْمَدُ فِي الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ أَبُو بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلًا، وَعَلِيٌّ دَفَنَ فَاطِمَةَ لَيْلًا، وَالدَّفْنُ نَهَارًا أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى مُتَّبِعِهَا، وَأَكْثَرُ لِلْمُصَلِّينَ، وَأَمْكَنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 900 لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ فِي دَفْنِهِ. (وَلَحْدٌ) أَفْضَلُ مِنْ شَقٍّ، وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ؛ أَنْ يَحْفِرَ فِي أَسْفَلِ حَائِطِ الْقَبْرِ حُفْرَةً تَسَعُ الْمَيِّتَ، وَأَصْلُهُ: الْمَيْلُ. (وَكَوْنُهُ) ، أَيْ: اللَّحْدِ (مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) أَفْضَلُ، فَيَكُونُ ظَهْرُهُ إلَى جِهَةِ مُلْحِدِهِ. (وَنَصْبُ لَبِنٍ) ، أَيْ: طُوبٍ غَيْرِ مَشْوِيٍّ (عَلَيْهِ) ، أَيْ: اللَّحْدِ (أَفْضَلُ) مِنْ نَصْبِ حِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ «سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَيَجُوزُ بِبَلَاطٍ، (وَكُرِهَ شَقُّ قَبْرٍ) قَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّ الشَّقَّ لِحَدِيثِ: «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ. (وَهُوَ) ، أَيْ: الشَّقُّ (حَفْرُ وَسَطِهِ) ، أَيْ: الْقَبْرِ (كَحَوْضٍ، أَوْ بِنَاءُ جَانِبَيْهِ بِنَحْوِ لَبِنٍ لِيُوضَعَ مَيِّتٌ فِيهِ) ، وَيُسْقَفُ عَلَيْهِ بِبَلَاطٍ وَنَحْوِهِ (بِلَا عُذْرٍ) كَرَخَاوَةِ أَرْضٍ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ وَاحْتِيجَ إلَى الشَّقِّ لِكَوْنِ التُّرَابِ يَنْهَالُ، وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِنَصْبِ لَبِنٍ وَلَا حِجَارَةٍ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يُكْرَهْ الشَّقُّ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَجْعَلَ شِبْهَ اللَّحْدِ مِنْ الْجَنَادِلِ وَالْحِجَارَةِ وَاللَّبِنِ، جَعَلَ نَصًّا، وَلَمْ يَعْدِلْ إلَى الشَّقِّ. (وَ) كُرِهَ (إدْخَالُهُ) إلَى الْقَبْرِ (خَشَبًا إلَّا لِضَرُورَةٍ وَ) إدْخَالُهُ (مَا مَسَّتْهُ نَارٌ) كَآجُرٍّ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ. (وَ) كُرِهَ (دَفْنٌ بِتَابُوتٍ وَلَوْ امْرَأَةً) ، قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ اللَّبِنَ، وَيَكْرَهُونَ الْخَشَبَ، وَلَا يَسْتَحِبُّونَ الدَّفْنَ فِي تَابُوتٍ، لِأَنَّهُ خَشَبٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَرْضُ أَنْشَفُ لِفَضَلَاتِهِ، وَتَفَاؤُلًا أَنْ لَا يَمَسَّ الْمَيِّتَ نَارٌ. (وَسُنَّ أَنْ يُعَمَّقَ) قَبْرٌ (وَيُوَسَّعَ قَبْرٌ بِلَا حَدٍّ) ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلَى أُحُدٍ: احْفِرُوا، وَأَوْسِعُوا، وَأَعْمِقُوا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّ التَّعْمِيقَ أَبْعَدُ لِظُهُورِ الرَّائِحَةِ، وَأَمْنَعُ لِلْوُحُوشِ، وَالتَّوْسِيعُ: الزِّيَادَةُ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَالتَّعْمِيقُ: بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: الزِّيَادَةُ فِي النُّزُولِ. (وَيَكْفِي مَا) ، أَيْ: تَعْمِيقٌ (يَمْنَعُ السِّبَاعَ وَالرَّائِحَةَ) ، لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ. (وَ) سُنَّ (أَنْ يُسْجَى) ، أَيْ: يُغَطَّى قَبْرٌ حِينَ الدَّفْنِ (لِأُنْثَى) وَلَوْ صَغِيرَةً، لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ (وَ) لِ (خُنْثَى) ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً. (وَكُرِهَ) أَنْ يُسْجَى قَبْرٌ (لِرَجُلٍ إلَّا لِعُذْرٍ) مِنْ (نَحْوِ مَطَرٍ) ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ " أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ وَقَدْ دَفَنُوا مَيِّتًا وَبَسَطُوا عَلَى قَبْرِهِ الثَّوْبَ، فَجَذَبَهُ وَقَالَ: إنَّمَا يُصْنَعُ هَذَا إلَى النِّسَاءِ " وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَفِي فِعْلِ ذَلِكَ لَهُ تَشَبُّهٌ بِالنِّسَاءِ. (وَسُنَّ أَنْ يُدْخَلَ) ، أَيْ: الْقَبْرَ (مَيِّتٌ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ) ، أَيْ: الْقَبْرِ بِأَنْ يُوضَعَ النَّعْشُ آخِرَ الْقَبْرِ، فَيَكُونُ رَأْسُ الْمَيِّتِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ رِجْلَاهُ إذَا دُفِنَ، ثُمَّ يُسَلُّ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ سَلًّا رَفِيقًا، فَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ بِرَأْسِهِ (لَا بِرِجْلَيْهِ) ، لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي " الْأُمِّ " وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ» (إنْ كَانَ) ذَلِكَ (أَسْهَلَ) بِالْمَيِّتِ (وَإِلَّا) يَكُنْ إدْخَالُهُ، مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ أَسْهَلُ (فَ) يُدْخِلُهُ (مِنْ حَيْثُ سَهُلَ) إدْخَالُهُ مِنْهُ، إذْ الْمَقْصُودُ الرِّفْقُ بِالْمَيِّتِ، (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَتْ الْكَيْفِيَّاتُ فِي السُّهُولَةِ؛ فَهُوَ (سَوَاءٌ) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ عِنْدِ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَقَالَ: هَذَا مِنْ السُّنَّةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ. (وَمَنْ) مَاتَ (بِسَفِينَةٍ وَخِيفَ) بِإِبْقَائِهِ (فَسَادُهُ، يُلْقَى بِبَحْرٍ بَعْدَ) غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَ (تَثْقِيلِهِ بِشَيْءٍ) لِيَسْتَقِرَّ فِي قَرَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 902 الْبَحْرِ، وَيَكُونُ إلْقَاؤُهُ فِي الْبَحْرِ (كَإِدْخَالِهِ الْقَبْرَ) ، وَإِنْ كَانُوا بِقُرْبِ السَّاحِلِ وَأَمْكَنَهُمْ دَفْنُهُ فِيهِ وَجَبَ. (وَ) سُنَّ (قَوْلُ مُدْخِلِهِ) الْقَبْرَ: (بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «إذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقَبْرِ، فَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ (وَإِنْ أَتَى) عِنْدَ إلْحَادِهِ (بِذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ يَلِيقُ) ، أَوْ قَرَأَ آيَةً نَحْوَ {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] الْآيَةَ (فَلَا بَأْسَ) ، لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْحَالِ. (وَ) سُنَّ (أَنْ يُلْحَدَ) مَيِّتٌ (عَلَى شِقٍّ أَيْمَنَ) ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّائِمَ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ، (وَيُفْضَى بِخَدِّهِ لِلْأَرْضِ) ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِاسْتِكَانَةِ، (فَيُرْفَعُ الْكَفَنُ لِيُلْصَقَ) خَدُّهُ (بِهَا) ، أَيْ: الْأَرْضِ، لِقَوْلِ عُمَرَ: إذَا أَنَا مِتَّ فَأَفْضُوا بِخَدِّي إلَى الْأَرْضِ. (وَ) سُنَّ أَنْ (يُسْنَدُ خَلْفَهُ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - بِتُرَابٍ، لِئَلَّا يَسْقُطَ عَلَى قَفَاهُ، (وَ) يُسْنَدَ (أَمَامُهُ بِتُرَابٍ، لِئَلَّا يَسْقُطَ) فَيَنْكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُدْنَى مِنْ الْحَائِطِ. (وَ) سُنَّ: أَنْ يُجْعَلَ (تَحْتَ رَأْسِهِ) شَيْءٌ لِيَرْتَفِعَ عَنْ الْأَرْضِ، (وَأَفْضَلُهُ لَبِنَةٌ) ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ (فَحَجَرٌ) ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ (فَتُرَابٌ) ، لِأَنَّهُ شِبْهُ الْمِخَدَّةِ لِلنَّائِمِ، وَلِئَلَّا يَمِيلَ رَأْسُهُ، (وَتُكْرَهُ مِخَدَّةٌ) تُجْعَلُ تَحْتَ رَأْسِهِ نَصًّا، لِأَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِالْحَالِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ. (وَ) تُكْرَهُ (مِضْرَبَةٌ وَقَطِيفَةٌ تَحْتَهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُلْقَى تَحْتَ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ. ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى: لَا تَجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَ الْأَرْضِ شَيْئًا، وَالْقَطِيفَةُ الَّتِي وُضِعَتْ تَحْتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا وَضَعَهَا شُقْرَانُ، وَلَمْ يَكُنْ عَنْ اتِّفَاقٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. (وَ) يُكْرَهُ (جَعْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 903 حَدِيدٍ فِيهِ) ، أَيْ: اللَّحْدِ (وَلَوْ أَنَّ الْأَرْضَ رِخْوَةٌ) تَفَاؤُلًا بِأَنْ لَا يُصِيبَهُ عَذَابٌ، لِأَنَّهُ آلَتُهُ. (وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - (الْقِبْلَةَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَةِ: " قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا " وَلِأَنَّهُ طَرِيقَةُ الْمُسْلِمِينَ بِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ. (وَيَتَعَاهَدُ) مُلْحِدُهُ (خِلَالَ اللَّبِنِ بِسَدِّهِ بِمَدَرٍ وَنَحْوِهِ) كَأَحْجَارٍ صِغَارٍ، (ثُمَّ يُطَيِّنُ فَوْقَهُ) لِئَلَّا يُنْتَخَلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ. (وَسُنَّ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ حَثْوُ تُرَابٍ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (ثَلَاثًا بِالْيَدِ ثُمَّ يُهَالُ) عَلَيْهِ التُّرَابُ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ فِيهِ: " فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثًا " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَى مَعْنَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَزَادَ: " وَهُوَ قَائِمٌ ". وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ الْمَيِّتُ عَلَى الْأَرْضِ، وَيُوضَعَ عَلَيْهِ جِبَالٌ مِنْ تُرَابٍ، أَوْ يُبْنَى عَلَيْهِ بِنَاءٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَفْنٍ. (وَ) سُنَّ (رَشُّهُ) ، أَيْ: الْقَبْرِ (بِمَاءٍ) ، لِمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ مَاءً، وَوَضَعَ عَلَيْهِ الْحَصْبَاءَ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ. (وَ) سُنَّ (رَفْعُهُ) ، أَيْ: الْقَبْرِ عَنْ الْأَرْضِ (قَدْرَ شِبْرٍ) لِيُعْرَفَ أَنَّهُ قَبْرٌ، فَيُتَوَقَّى وَيُتَرَحَّمَ عَلَى صَاحِبِهِ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُفِعَ قَبْرُهُ عَنْ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ» (وَ) سُنَّ (وَضْعُ حَصًى صِغَارٍ عَلَيْهِ لِحِفْظِ تُرَابِهِ) - أَيْ: الْقَبْرِ - لِئَلَّا يَنْدَرِسَ فَيُوطَأَ بِالْأَقْدَامِ. (وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ) : أَيْ: مَنْ حَثَى التُّرَابَ حِينَ فِعْلِهِ (أَوَّلَ حَثْيَةٍ: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] وَبِثَانِيَةٍ: {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] وَبِثَالِثَةٍ: {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ} [طه: 55] الْآيَةَ) ، أَيْ: يَقُولُ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 904 إلَى آخِرِ الْآيَةِ، لِأَنَّهَا تُنَاسِبُ الْحَالَ. (وَلَا) بَأْسَ (بِتَطْيِينِهِ) - أَيْ: الْقَبْرِ - لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: «قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّهْ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ، لَا مُشْرِفَةٍ، وَلَا لَاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ» ، أَيْ مَجْعُولٍ عَلَيْهَا الْحَصْبَاءُ. (وَ) لَا بَأْسَ بِ (تَعْلِيمِهِ بِنَحْوِ حَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ وَكَلَوْحٍ) " لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَلَّمَهُ بِحَجَرٍ وُضِعَ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَقَالَ: أُعَلِّمُ قَبْرَ أَخِي حَتَّى أَدْفِنَ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَتَسْنِيمُ) الْقَبْرِ (أَفْضَلُ) مِنْ تَسْطِيحِهِ، لِقَوْلِ سُفْيَانَ التَّمَّارِ: رَأَيْتُ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ، وَلِأَنَّ التَّسْطِيحَ أَشْبَهَ بِبِنَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا، (إلَّا) مَنْ دُفِنَ (بِدَارِ حَرْبٍ) إنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) إلَّا إذَا دُفِنَ بِدَارِ (عَدُوٍّ) وَخِيفَ نَبْشُهُ، وَالتَّمْثِيلُ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (إنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهُ) مِنْهَا، (فَتَسْوِيَتُهُ) ، أَيْ: الْقَبْرِ (بِأَرْضٍ وَإِخْفَاؤُهُ أَوْلَى) مِنْ إظْهَارِهِ وَتَسْنِيمِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: (وَيَتَّجِهُ: وَمَعَ عِلْمِ) دَافِنِيهِ (بِأَنَّ الْعَدُوَّ يَنْبُشُهُ) ، أَيْ: الْقَبْرَ (يَجِبُ تَسْوِيَتُهُ وَإِخْفَاؤُهُ) صَوْنًا لَهُ عَنْ هَتْكِ الْحُرْمَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 (وَيُسْتَحَبُّ جَمْعُ الْأَقَارِبِ) الْمَوْتَى فِي مَقْبَرَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي تَعْلِيمِ قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ. وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِزِيَارَتِهِمْ. (وَ) يُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ فِي (الْبِقَاعِ الشَّرِيفَةِ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَنَّ مُوسَى - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةَ حَجَرٍ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» وَقَالَ عُمَرُ: " اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. (وَمُجَاوَرَةُ الصَّالِحِينَ) لِتَنَالَهُ بَرَكَتُهُمْ. (وَدَفْنٌ بِصَحْرَاءَ أَفْضَلُ) مِنْ دَفْنٍ بِعُمْرَانٍ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْفِنُ أَصْحَابَهُ بِالْبَقِيعِ، وَلَمْ تَزَلْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يُقْبِرُونَ فِي الصَّحَارَى، وَلِأَنَّهُ أَشْبَهَ بِمَسَاكِنِ الْآخِرَةِ (سِوَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَدُفِنَ بِبَيْتِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ: " لِئَلَّا يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِمَا رُوِيَ: " دَفْنُ الْأَنْبِيَاءِ حَيْثُ يَمُوتُونَ " وَصِيَانَةً لَهُ عَنْ كَثْرَةِ الطُّرَّاقِ، وَتَمْيِيزًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ. (وَاخْتَارَ صَاحِبَاهُ) أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ (الدَّفْنَ عِنْدَهُ تَشَرُّفًا وَتَبَرُّكًا) بِهِ. (وَلَمْ يُزَدْ) عَلَيْهِمَا (لِأَنَّ الْخَرْقَ) بِدَفْنِ غَيْرِهِمَا عِنْدَهُ (يَتَّسِعُ وَالْمَكَانُ ضَيِّقٌ، وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ تَدُلُّ عَلَى دَفْنِهِمْ كَمَا وَقَعَ) فَلَا يُنْكِرُهُ إلَّا بِدْعِيٌّ ضَالٌّ. (فَمَنْ وَصَّى بِدَفْنِهِ بِدَارٍ) فِي مِلْكِهِ، (أَوْ) فِي (أَرْضٍ بِمِلْكِهِ؛ دُفِنَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ) . لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْوَرَثَةِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، أَيْ: بِسَبَبِ تَذَكُّرِهِ كُلَّمَا رَأَوْا الْقَبْرَ. لَا بِسَبَبِ تَصَرُّفِهِمْ، إذْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِمْ كَيْفَ شَاءُوا. (وَيُدْفَنُ) مَيِّتٌ (بِمُسَبَّلَةٍ وَلَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 بِقَوْلِ بَعْضِ وَرَثَتِهِ) . لِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا، وَلَا مِنَّةَ فِيهِ. (وَعَكْسُهُ الْكَفَنُ) . أَيْ فَيُكَفَّنُ مِنْ تَرِكَتِهِ. وَلَوْ كَانَ ثَمَّ أَكْفَانُ وَقْفٍ. (وَيُقَدَّمُ فِيهَا) ، أَيْ: الْمُسَبَّلَةِ عِنْدَ ضِيقٍ (بِسَبْقٍ) . لِأَنَّهُ سَبْقٌ إلَى مُبَاحٍ، (ثُمَّ) مَعَ تَسَاوٍ فِي سَبْقٍ؛ يُقَدَّمُ بِ (قُرْعَةٍ) ، لِأَنَّهَا لِتَمْيِيزِ مَا أُبْهِمَ. (وَحَرُمَ حَفْرٌ فِيهَا) ، أَيْ: الْمُسَبَّلَةِ (قَبْلَ حَاجَةٍ) إلَيْهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ هُنَا مَا فِي الْمُصَلَّى الْمَفْرُوشِ. (وَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ مَوْضِعَ قَبْرِهِ وَيُوصِي بِدَفْنِهِ فِيهِ) فَعَلَهُ عُثْمَانُ وَعَائِشَةُ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ) وَارِثٍ (مَا دُفِنَ فِيهِ) الْمَيِّتُ (مِنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ يُجْعَلْ) ، أَيْ: يَصِيرُ (مَقْبَرَةً) نَصًّا، لِبَقَاءِ مِلْكِهِمْ، فَإِنْ جُعِلَتْ مَقْبَرَةً: صَارَتْ وَقْفًا. [فَرْعٌ الدُّعَاءُ لِمَيِّتٍ عِنْدَ الْقَبْر بَعْدَ دَفْنِهِ] (فَرْعٌ: يُسَنُّ دُعَاءٌ لِمَيِّتٍ عِنْدَ قَبْرٍ بَعْدَ دَفْنِهِ وَاقِفًا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: قَدْ فَعَلَهُ عَلِيُّ وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقِفُ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَمَا يُسَوِّي عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ نَزَلَ بِكَ صَاحِبُنَا، وَخَلَّفَ الدُّنْيَا خَلْفَ ظَهْرِهِ اللَّهُمَّ ثَبِّتْ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ مَنْطِقَهُ، وَلَا تَبْتَلِهِ فِي قَبْرِهِ بِمَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ. وَالْأَخْبَارُ بِنَحْوِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] مَعْنَاهُ بِالدُّعَاءِ لَهُ وَالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ دَفْنِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَادَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُسْلِمِينَ. وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبِ النَّجَّارُ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 907 جِنَازَةٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَقُمْنَا نَاحِيَتَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ النَّاسُ مِنْ دَفْنِهِ، وَانْقَضَى الدَّفْنُ؛ جَاءَ إلَى الْقَبْرِ، وَأَخَذَ بِيَدِي، وَجَلَسَ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْقَبْرِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّك قُلْتَ فِي كِتَابِكَ: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الواقعة: 88] {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الواقعة: 89] وَقَرَأَ إلَى آخِرِ السُّورَةِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ وَإِنَّا نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مَا كَذَّبَ بِكَ، وَلَقَدْ كَانَ يُؤْمِنُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، فَاقْبَلْ شَهَادَتَنَا لَهُ، وَدَعَا لَهُ وَانْصَرَفَ. (وَاسْتَحَبَّ الْأَكْثَرُ تَلْقِينَهُ إذَنْ فَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِهِ بَعْدَ تَسْوِيَةِ تُرَابٍ) عَلَيْهِ، (فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانَةَ، ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَ أُمِّهِ نَسَبَهُ إلَى حَوَّاءَ، ثُمَّ يَقُولُ: اُذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا، وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً، وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ، لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَسَوَّيْتُمْ عَلَيْهِ التُّرَابَ؛ فَلْيَقُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ وَلَا يُجِيبُ، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ ثَانِيَةً، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَرْشِدْنِي يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلَكِنْ لَا تَسْمَعُونَ، فَيَقُولُ: اُذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا، فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَقُولَانِ: مَا يُقْعِدُنَا عِنْدَهُ وَقَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَ أُمِّهِ؟ قَالَ: فَلْيَنْسُبْهُ إلَى حَوَّاءَ» قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي الشَّافِعِيِّ " وَلِلطَّبَرَانِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 أَوْ لِغَيْرِهِ فِيهِ: " وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ " وَفِيهِ: " وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً، وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا " وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا الَّذِي يَصْنَعُونَ إذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ يَقِفُ الرَّجُلُ وَيَقُولُ: يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانَةَ اُذْكُرْ مَا فَارَقْتَ عَلَيْهِ: شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا فَعَلَ هَذَا إلَّا أَهْلُ الشَّامِ حِينَ مَاتَ أَبُو الْمُغِيرَةِ؛ جَاءَ إنْسَانٌ فَقَالَ ذَاكَ، وَكَانَ أَبُو الْمُغِيرَةِ يَرْوِي فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مَرْيَمَ عَنْ أَشْيَاخِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ (قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فَلَوْ انْصَرَفُوا قَبْلَهُ لَمْ يَعُودُوا) ، لِأَنَّ الْخَبَرَ يُلْقُونَهُ قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ لِيَتَذَكَّرَ حُجَّتَهُ. (وَهَلْ يُلَقَّنُ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ؟) وَجْهَانِ: وَهَذَا الْخِلَافُ (مَبْنِيٌّ عَلَى نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ إلَيْهِ وَمَيْلُ جَمْعٍ) مِنْهُمْ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ: (لَا) يَنْزِلُ الْمَلَكَانِ لِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ فَلَا يُلَقَّنُ، (وَفِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ": وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْأَمْصَارِ. انْتَهَى. وَرَجَحَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ أَبُو حَكِيمٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ الْأَصْحَابِ النُّزُولَ، وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ " أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُنْتَهَى " (وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى طِفْلٍ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ قِه عَذَابَ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةَ الْقَبْرِ» قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْجَزْمِ بِنَفْيِ التَّعْذِيبِ، فَقَدْ يَكُونُ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرَى الْوَقْفَ فِيهِمْ. انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَجَابَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ فِيهِ عُقُوبَةَ الطِّفْلِ قَطْعًا، لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِلَا ذَنْبٍ عَمِلَهُ، بَلْ الْمُرَادُ: الْأَلَمُ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْمَيِّتِ بِسَبَبِ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُقُوبَةً عَلَى عَمَلٍ عَمِلَهُ، قَالَ: وَقَالَ الْآخَرُونَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ: السُّؤَالُ إنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 909 يَكُونُ لِمَنْ يَعْقِلُ الرَّسُولَ وَالْمُرْسِلَ، فَيُسْأَلُ: هَلْ آمَنَ بِالرَّسُولِ وَصَدَّقَ بِهِ أَمْ لَا؟ فَأَمَّا الطِّفْلُ الَّذِي لَا تَمْيِيزَ لَهُ بِوَجْهٍ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ وَلَوْ رُدَّ إلَيْهِ عَقْلُهُ فِي الْقَبْرِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَالْعِلْمِ بِهِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا السُّؤَالِ. (قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: يُسْأَلُ الْأَطْفَالُ عَنْ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ حِينَ الذُّرِّيَّةِ) ، يُشِيرُ بِهِ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ سُؤَالُ تَكْرِيمٍ، وَسُؤَالُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنْ ثَبَتَ فَهُوَ سُؤَالُ تَشْرِيفٍ وَتَعْظِيمٍ، كَمَا أَنَّ التَّكَالِيفَ فِي دَارِ الدُّنْيَا الْبَعْضُ تَكْرِيمٌ، وَالْبَعْضُ امْتِحَانٌ وَنَكَالٌ. (وَالْكِبَارُ يُسْأَلُونَ عَنْ مُعْتَقِدِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَ) عَنْ (إقْرَارِهِمْ الْأَوَّلِ) حِينَ الذُّرِّيَّةِ، (وَاَللَّهُ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَعْلَمُ) [فَصْلٌ رَفْعُ الْقَبْر فَوْقَ شِبْرٍ] (كُرِهَ رَفْعُ قَبْرٍ فَوْقَ شِبْرٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ: «لَا تَدَعْ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَالْمُشْرِفُ: مَا رُفِعَ كَثِيرًا، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ " لَا مُشْرِفَةٍ، وَلَا لَاطِئَةٍ ". (وَ) كُرِهَ (زِيَادَةُ تُرَابِهِ) ، أَيْ: الْقَبْرِ (بِلَا حَاجَةٍ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «نُهِيَ أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ، أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. (وَ) كُرِهَ (تَزْوِيقُهُ) ، أَيْ: الْقَبْرِ (وَتَخْلِيقُهُ وَنَحْوُهُ) كَطَلْيِهِ بِمَغْرَةٍ وَزَعْفَرَانٍ. (وَتَجْصِيصُهُ وَتَقْبِيلُهُ وَتَبْحِيرُهُ وَكِتَابَةُ رِقَاعٍ) وَإِرْسَالُهَا (إلَيْهِ وَدَسُّهَا فِيهِ، وَاسْتِشْفَاءٌ بِهِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 سَقَمٍ) ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْبِدَعِ (وَاتِّكَاءٌ إلَيْهِ وَمَبِيتٌ) عِنْدَهُ، (وَحَدِيثٌ) عِنْدَهُ (بِأَمْرِ دُنْيَا وَتَبَسُّمٌ عِنْدَهُ، وَضَحِكٌ أَشَدُّ) مِنْهُ كَرَاهَةً، (وَكِتَابَةٌ) عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. (وَجُلُوسٌ) عَلَيْهِ لِمَا رَوَى أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ؛ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَ) كُرِهَ (وَطْءٌ) عَلَيْهِ، لِقَوْلِ الْخَطَّابِيِّ: ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ تُوطَأَ الْقُبُورُ» (وَ) كُرِهَ (مَشْيٌ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْقَبْرِ، يَعْنِي: الْمَشْيَ بَيْنَ الْقُبُورِ (بِنَعْلٍ) ، لِلْخَبَرِ (حَتَّى بِالتُّمُشْكِ: بِضَمِّ تَاءٍ فَمِيمٍ) مَضْمُومَةٍ، (فَسُكُونِ شِينٍ) مُعْجَمَةٍ: نَوْعٌ مِنْ النِّعَالِ. وَ (لَا) يُكْرَهُ الْمَشْيُ بَيْنَهَا (بِخُفٍّ) لِمَشَقَّةِ نَزْعِهِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَعْلٍ، رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ لِلْجِنَازَةِ لَبِسَ خُفَّيْهِ. (وَسُنَّ خَلْعُهُ) ، أَيْ: النَّعْلِ إذَا دَخَلَ الْمَقْبَرَةَ، لِحَدِيثِ «بَشِيرِ ابْنِ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُمَاشِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلَانِ فَقَالَ: يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ، فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمَّا عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلَعَهُمَا فَرَمَى بِهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ أَحْمَدُ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَاحْتِرَامًا لِأَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ (إلَّا خَوْفَ نَحْوِ نَجَاسَةٍ وَشَوْكٍ) وَحَرَارَةِ أَرْضٍ وَبُرُودَتِهَا، فَلَا يُكْرَهُ لِلْعُذْرِ. (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ الْفُسْطَاطَ وَالْخَيْمَةَ عَلَى الْقَبْرِ) ، لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَوْصَى حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ " أَنْ لَا تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطًا " رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: " وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 911 فُسْطَاطًا عَلَى قَبْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: انْزِعْهُ يَا غُلَامُ؛ فَإِنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ "، وَلِأَنَّ الْخِيَامَ بُيُوتُ أَهْلِ الْبَرِّ، فَكُرِهَتْ كَمَا كُرِهَتْ بُيُوتُ أَهْلِ الْمُدُنِ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (فِي كِسْوَةِ الْقَبْرِ بِالثِّيَابِ: اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ هَذَا مُنْكَرٌ إذَا فُعِلَ بِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ؟ ،) وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: تَغْشِيَةُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لَيْسَ مَشْرُوعًا فِي الدِّينِ. (وَيَتَّجِهُ: وَيَحْرُمُ) أَنْ يُكْسَى الْقَبْرُ (بِحَرِيرٍ) لِأَنَّهُ سَرَفٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ تَعُودُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُكْرَهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْقَبْرِ (سَوَاءٌ لَاصَقَ الْأَرْضَ أَوْ لَا، وَلَوْ فِي مِلْكِهِ مِنْ قُبَّةٍ وَغَيْرِهَا، لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ: " وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ " وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي) كِتَابِهِ (إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ) فِي مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ ": (يَجِبُ هَدْمُ الْقِبَابِ الَّتِي عَلَى الْقُبُورِ، لِأَنَّهَا أُسِّسَتْ عَلَى مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ. انْتَهَى) . (وَهُوَ) ، أَيْ: الْبِنَاءُ (بِ) مَقْبَرَةٍ (مُسَبَّلَةٍ أَشَدُّ كَرَاهَةً) ، لِأَنَّهُ تَضْيِيقٌ بِلَا فَائِدَةٍ، وَاسْتِعْمَالٌ لِلْمُسَبَّلَةِ فِيمَا لَمْ تُوضَعْ لَهُ، (وَعَنْهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (مَنْعُ الْبِنَاءِ فِي وَقْفٍ عَامٍّ) ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ: رَأَيْتُ الْأَئِمَّةَ بِمَكَّةَ يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا يُبْنَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 912 أَنَّ الْأَشْهَرَ لَا يُمْنَعُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَنْقُولَ فِي هَذَا مَا سَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَمَّنْ اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَقْبَرَةِ قَالَ: لَا يُدْفَنُ فِيهَا، وَالْمُرَادُ: لَا تَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ كَغَيْرِهِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ بَنَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ فَ (هُوَ غَاصِبٌ) ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فِيهِ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ: فِي مِلْكِهِ إسْرَافٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ، وَكُلٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَ (قَالَ أَبُو حَفْصٍ: تَحْرُمُ الْحُجْرَةُ بَلْ تُهْدَمُ، وَهُوَ) ، أَيْ: الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِ الْبِنَاءِ فِي الْمُسَبَّلَةِ (الصَّوَابُ) ، لِمَا يَأْتِي فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ يَجِبُ صَرْفُهُ لِلْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ. (وَحَرُمَ إسْرَاجُ قُبُورٍ) ، لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذَاتِ عَلَيْهِنَّ الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِلَا فَائِدَةٍ وَمُغَالَاةٌ فِي تَعْظِيمِ الْأَمْوَاتِ، يُشْبِهُ تَعْظِيمَ الْأَصْنَامِ. (وَكَذَا) يَحْرُمُ (طَوَافٌ بِهَا) ، أَيْ: الْقُبُورِ، (خِلَافًا لَهُ) ، لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " (هُنَا) حَيْثُ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ صَرَّحَ بِالْحُرْمَةِ. (وَحَرُمَ تَخَلٍّ) عَلَى قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهَا، لِحَدِيثِ: «لَأَنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ، وَلَا أُبَالِي أَوَسْطَ الْقَبْرِ قَضَيْتُ حَاجَتِي أَوْ وَسْطَ السُّوقِ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَابْنُ مَاجَهْ. (وَ) حَرُمَ (جَعْلُ مَسْجِدٍ عَلَيْهَا وَبَيْنَهَا) ، أَيْ: الْقُبُورِ، لِلْخَبَرِ، (وَتَتَعَيَّنُ إزَالَتُهُ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ - قَالَ فِي " الْهَدْيِ ": لَوْ وَضَعَ الْمَسْجِدَ وَالْقَبْرَ مَعًا؛ لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ، وَلَا الصَّلَاةُ. (وَ) حَرُمَ (حَفْرُ) قَبْرٍ فَأَكْثَرَ (بِمُسَبَّلَةٍ قَبْلَ حَاجَةٍ) إلَيْهِ. (وَ) حَرُمَ (دَفْنُ حُلِيٍّ أَوْ ثِيَابٍ مَعَ مَيِّتٍ) ، لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِلَا فَائِدَةٍ. (وَ) حَرُمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 913 (حَرْقُ مَالَهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (وَتَكْسِيرُ نَحْوِ آنِيَةٍ) لَهُ كَآلَةِ صِنَاعَةٍ، وَتَعْطِيلُ مَحَلٍّ كَانَ يَسْكُنُهُ بِتَسْكِيرِهِ، أَوْ هَدْمِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ. (وَ) حَرُمَ (قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ أَطْرَافِهِ) كَيَدِهِ وَنَحْوِهَا (وَإِحْرَاقُهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ) ، أَيْ: بِفِعْلِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ، (وَلَا ضَمَانَ فِيهِ) عَلَى فَاعِلِهِ، لِامْتِثَالِهِ أَمْرَ الْمُوصِي؛ لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْوَارِثِ، (وَلِوَلِيِّهِ) ، أَيْ: وَلِيِّ الْمَيِّتِ (الدَّفْعُ عَنْهُ) ، أَيْ: دَفْعُ مُرِيدِ فِعْلِ ذَلِكَ بِأَطْرَافِ الْمَيِّتِ أَوْ مَالِهِ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، (وَإِنْ آلَ) الدَّفْعُ (لِإِتْلَافِ طَالِبِ) شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَأَتْلَفَهُ؛ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْوَلِيِّ كَمَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ. (وَحَرُمَ دَفْنُ غَيْرِهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (مَعَهُ أَوْ عَلَيْهِ) وَلَوْ كَانَ مَحْرَمًا لَهُ (حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهُ) ، أَيْ: الْأَوَّلَ (صَارَ تُرَابًا) ، فَيَجُوزُ نَبْشُهُ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِقَاعِ وَالْبِلَادِ وَالْهَوَاءِ، وَهُوَ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ أَسْرَعُ مِنْهُ فِي الْبَارِدَةِ، وَإِنْ شَكَّ فِي أَنَّهُ بَلِيَ وَصَارَ تُرَابًا رَجَعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهِ، ثُمَّ إنْ وُجِدَ فِيهِ عِظَامٌ لَمْ يَجُزْ دَفْنُ آخَرَ عَلَيْهِ نَصًّا، (إلَّا لِحَاجَةٍ) ، كَكَثْرَةِ مَوْتَى بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَجُوزُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِلْعُذْرِ، (وَسُنَّ حَجْزٌ بَيْنَهُمَا بِتُرَابٍ) يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَكْفِي الْكَفَنُ. (وَ) سُنَّ (أَنْ يُقَدَّمَ لِلْقِبْلَةِ مَنْ يُقَدَّمُ لِإِمَامٍ) لَوْ جُمِعَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 914 جَنَائِزُهُمْ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، لِحَدِيثِ «هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: شُكِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثْرَةُ الْجِرَاحَاتِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: احْفِرُوا وَوَسِّعُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ، وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ أَحْمَدُ: وَلَوْ جَعَلَ لَهُمْ شِبْهَ النَّهْرِ، وَجَعَلَ رَأْسَ أَحَدِهِمْ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزًا مِنْ تُرَابٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ. (وَحَرُمَ عِمَارَةُ قَبْرٍ دَثَرَ) وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بِلَى صَاحِبِهِ، (لِمَنْعِ دَفْنِ) النَّاسِ (فِيهِ) خُصُوصًا مَعَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، (وَلَعَلَّ الْمُرَادَ) مِنْ تَحْرِيمِ عِمَارَةِ قَبْرٍ دَثَرَ إذَا كَانَ (بِمُسَبَّلَةٍ) ، لِئَلَّا يُتَصَوَّرَ بِصُورَةِ الْجَدِيدِ قِيَاسًا عَلَى تَحْرِيمِ الْحَفْرِ فِيهَا قَبْلَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. (وَإِذَا صَارَ الْمَيِّتُ تُرَابًا؛ جَازَ حَرْثُ قَبْرِهِ لِزَرْعٍ وَغَيْرِهِ) كَبِنَاءٍ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. (وَالْمُرَادُ) بِقَوْلِ أَبِي الْمَعَالِي: إذَا كَانَ الْقَبْرُ (بِغَيْرِ مُسَبَّلَةٍ) أَمَّا فِيهَا؛ فَلَا. (وَحَرُمَ دَفْنٌ بِمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لَهُ، (وَيُنْبَشُ) مَنْ دُفِنَ بِهِ، وَيُخْرَجُ نَصًّا. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ يُنْبَشُ (وُجُوبًا) وَيُدْفَنُ فِي مُسَبَّلَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ إنْ أَذِنَ مَالِكُهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَجِبُ نَبْشُ مَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ) وَقَدْ (أَمْكَنَ) تَغْسِيلُهُ قَبْلَ دَفْنِهِ تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ، فَيُخْرَجُ وَيُغَسِّلُهُ، مَا لَمْ يُخْشَ تَفَسُّخُهُ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) ، أَيْ: وَيَجِبُ نَبْشُ مَيِّتٍ إنْ كَانَ أَمْكَنَ تَيَمُّمُهُ وَدُفِنَ بِلَا (تَيَمُّمٍ) ، كَمَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) دُفِنَ بِلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 915 (صَلَاةٍ) عَلَيْهِ فَيُخْرَجُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ يُرَدُّ إلَى مَضْجَعِهِ نَصًّا مَا لَمْ يُخْشَ تَفْسَخُهُ، لِأَنَّ مُشَاهَدَتَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَقْصُودَةٌ. (أَوْ) دُفِنَ بِلَا (كَفَنٍ) ، فَيُخْرَجُ وَيُكَفَّنُ نَصًّا اسْتِدْرَاكًا لِلْوَاجِبِ، وَتُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وُجُوبًا، لِعَدَمِ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ عُرْيَانًا. (أَوْ) دُفِنَ (لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ) ، فَيُنْبَشُ وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ (مَعَ أَمْنِ تَفَسُّخِهِ، أَوْ) أَمْنِ (تَغَيُّرِهِ فِي الْجَمِيعِ) ، أَيْ: جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ. (وَيَتَّجِهُ: وَإِلَّا) يُؤْمَنْ تَفَسُّخُهُ أَوْ تَغَيُّرُهُ؛ (صُلِّيَ عَلَيْهِ بِقَبْرٍ كَ) مَا يُصَلَّى (عَلَى غَرِيقٍ) ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ جَيِّدٌ. (وَكَذَا) يُنْبَشُ وُجُوبًا (إنْ كُفِّنَ بِغَصْبٍ) وَيُرَدُّ الْكَفَنُ إلَى مَالِكِهِ إنْ تَعَذَّرَ غُرْمُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِلَّا لَمْ يُنْبَشْ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ مَعَ إمْكَانِ دَفْعِ التَّضَرُّرِ بِدُونِهَا، (أَوْ) كَانَ الْمَيِّتُ (بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ وَتَبْقَى مَالِيَّتُهُ) كَالذَّهَبِ وَنَحْوِهِ، (وَطَلَبَهُ رَبُّهُ) لَمْ يُنْبَشْ، وَغَرِمَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ صَوْنًا لِحُرْمَتِهِ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ، كَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبِقَ؛ تَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَرَبِّهِ، (وَ) إنْ (تَعَذَّرَ غُرْمُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ) لِعَدَمِهَا؛ فَيُنْبَشُ (وَيُشَقُّ جَوْفُهُ) وَيُدْفَعُ الْمَالُ لِرَبِّهِ تَخْلِيصًا لِلْمَيِّتِ مِنْ إثْمِهِ. (قَالَ الْمَجْدُ: يَضْمَنُهُ) ، أَيْ: الْكَفَنَ (مَنْ كَفَّنَهُ) بِهِ (عَالِمًا) أَنَّهُ مَغْصُوبٌ، لِمُبَاشَرَتِهِ الْإِتْلَافَ، (وَ) إنْ كَانَ كَفَّنَهُ بِهِ (جَهْلًا) بِكَوْنِهِ مَغْصُوبًا؛ (فَالْقَرَارُ) ، أَيْ: قَرَارُ الضَّمَانِ (عَلَى الْغَاصِبِ) جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ " وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " وَ " الْحَاوِيَيْنِ " (وَ) إنْ بَلَعَهُ (بِإِذْنِهِ) ، أَيْ: إذْنِ مَالِكِهِ أَخَذَهُ (إذَا بَلِيَ) الْمَيِّتُ، لِأَنَّ مَالِكَهُ هُوَ الْمُسَلَّطُ لَهُ عَلَى مَالِهِ بِالْإِذْنِ لَهُ، (أَوْ بَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ) لَمْ يُنْبَشْ قَبْلَ أَنْ يَبْلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ لِمَالِ نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ، إلَّا أَنْ يَمُوتَ (وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) ، فَيُنْبَشُ وَيُشَقُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 916 جَوْفُهُ، فَيُخْرَجُ وَيُوَفَّى دَيْنُهُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى تَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ. (أَوْ وَقَعَ وَلَوْ بِفِعْلِ رَبِّهِ فِي الْقَبْرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ عُرْفًا، وَطَلَبَهُ) رَبُّهُ؛ نُبِشَ وَأُخِذَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ وَضَعَ خَاتَمَهُ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: خَاتَمِي، فَدَخَلَ وَأَخَذَهُ، وَكَانَ يَقُولُ: أَنَا أَقْرَبُكُمْ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا نَسِيَ الْحَفَّارُ مِسْحَاتَهُ فِي الْقَبْرِ؛ جَازَ أَنْ يَنْبُشَ. (وَيَجُوزُ نَبْشُ) مَيِّتٍ (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَتَحْسِينِ كَفَنٍ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَأَخْرَجَهُ فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) لِ (إبْدَالِ كَفَنٍ حَرِيرٍ) أَوْ مَنْسُوجٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِتَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِهِ. (وَ) يَجُوزُ نَبْشُهُ (لِإِفْرَادِ مَدْفُونٍ مَعَ غَيْرِهِ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: " دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَ) يُنْبَشُ (مَدْفُونٌ لِعُذْرٍ بِلَا غُسْلٍ وَحَنُوطٍ) ، فَيُغْسَلُ وَيُحَنَّطُ وَتُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) يُنْبَشُ مَيِّتٌ (مَدْفُونٌ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ) ، لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ (أَوْ لَحِقَتْهُ نَدَاوَةُ) الْأَرْضِ فَيُنْبَشُ، لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَهَذَا مُتَّجِهٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (أَوْ بَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ وَلَهُ وَارِثٌ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 فَفِيهِ مَا فِيهِ، بِدَلِيلِ تَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ لِلْوَارِثِ أَخْذَ الْمَالِ إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ لَا قَبْلَهُ ، (وَ) يَجُوزُ نَبْشُهُ (لِنَقْلِهِ لِبُقْعَةٍ شَرِيفَةٍ وَمُجَاوَرَةِ صَالِحٍ) ، لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ " لِمَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَ وَاحِدٍ يَقُولُ: إنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ مَاتَا بِالْعَقِيقِ فَحُمِلَا إلَى الْمَدِينَةِ، وَدُفِنَا بِهَا. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَاتَ ابْنُ عُمَرَ هَهُنَا، وَأَوْصَى أَنْ لَا يُدْفَنَ هَا هُنَا، وَأَنْ يُدْفَنَ بِسَرِفٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يَجُوزُ نَبْشُهُ (فِي زَمَنِ تَغَيُّرِهِ، بَلْ) يُنْبَشُ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: التَّغْيِيرِ (أَوْ بَعْدَهُ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (إلَّا شَهِيدًا دُفِنَ بِمَصْرَعِهِ، فَيَحْرُمُ نَبْشُهُ لِنَقْلِهِ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «ادْفِنُوا الْقَتْلَى فِي مَصَارِعِهِمْ» . (وَدَفْنُهُ) ، أَيْ: الشَّهِيدِ (بِهِ) ، أَيْ: بِمَصْرَعِهِ (سُنَّةٌ) ، لِلْخَبَرِ (فَيُرَدُّ) الشَّهِيدُ (إلَيْهِ) ، أَيْ: إلَى مَصْرَعِهِ (لَوْ نُقِلَ) مُوَافَقَةً لِلسُّنَّةِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يَجِبُ نَقْلُهُ لِضَرُورَةٍ نَحْوِ كَوْنِهِ بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ مَكَان يُخَافُ نَبْشُهُ وَتَحْرِيقُهُ، أَوْ الْمُثْلَةُ بِهِ، (وَلِمَالِكٍ نَبْشُ مَنْ دُفِنَ تَعَدِّيًا بِمِلْكِهِ، وَلَهُ إلْزَامُ دَافِنِهِ بِنَقْلِهِ) لِتَفْرِيغِ مِلْكِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 918 (وَالْأَوْلَى) لَهُ (تَرْكُهُ) لِئَلَّا يَهْتِكَ حُرْمَتَهُ. (وَ) الْمَيِّتُ (الْمُتَعَذَّرُ إخْرَاجُهُ مِنْ بِئْرٍ إلَّا مُتَقَطِّعًا وَنَحْوُهُ) كَمُمَثَّلٍ بِهِ (وَثَمَّ حَاجَةٌ إلَيْهَا) . أَيْ: الْبِئْرِ (أُخْرِجَ) مُتَقَطِّعًا، لِأَنَّهُ أَخَفُّ ضَرَرًا مِنْ طَمِّهَا، (وَإِلَّا) يَكُنْ ثَمَّ حَاجَةٌ إلَى الْبِئْرِ؛ (طُمَّتْ) عَلَيْهِ، فَتَصِيرُ قَبْرَهُ دَفْعًا لِلتَّمْثِيلِ بِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ إخْرَاجُهُ بِلَا تَقَطُّعٍ بِمُعَالَجَةٍ بِأَكْسِيَةٍ وَنَحْوِهَا تُدَارُ فِيهَا تَجْتَذِبُ الْبُخَارَ أَوْ بِكَلَالِيبَ وَنَحْوِهَا بِلَا مُثْلَةٍ؛ وَجَبَ لِتَأْدِيَةِ فَرْضِ غُسْلِهِ، وَيُعْرَفُ زَوَالُ بُخَارِهَا بِبَقَاءِ السِّرَاجِ وَنَحْوِهِ بِهَا، فَإِنَّ النَّارَ لَا تَبْقَى عَادَةً إلَّا فِيمَا يَعِيشُ فِيهِ الْحَيَوَانُ. (وَيَتَّجِهُ: وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِهَا) كَغَرِيقٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَحَرُمَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ) الْمُتَقَدِّمَ (نَبْشُ) مَيِّتٍ (مُسْلِمٍ مَعَ بَقَاءِ رِمَّتِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ) ، كَظُهُورِ مَوْضِعِ الْقَبْرِ مُسْتَحَقًّا لِلْغَيْرِ. (وَيَتَّجِهُ) (وَكَذَا) يَحْرُمُ نَبْشُ مَيِّتٍ (ذِمِّيٍّ) دُفِنَ (بِ) أَرْضٍ مُنْفَكَّةٍ عَنْ الِاخْتِصَاصَاتِ (غَيْرِ) أَرْضِ (الْحَرَمِ) ، فَلَا يُنْبَشُ مَعَ بَقَاءِ رِمَّتِهِ، (لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ) ، وَأَمَّا إذَا دُفِنَ بِالْحَرَمِ فَيُنْبَشُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُبَاحُ نَبْشُ قَبْرِ حَرْبِيٍّ لِمَصْلَحَةٍ كَجَعْلِهِ) ، أَيْ: قَبْرِ الْحَرْبِيِّ (مَسْجِدًا) ، لِأَنَّ مَوْضِعَ مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قُبُورًا لِلْمُشْرِكِينَ فَأَمَرَ بِنَبْشِهَا وَجَعْلِهَا مَسْجِدًا، (وَلِمَالٍ فِيهِ) ، أَيْ: قَبْرِ الْحَرْبِيِّ، لِحَدِيثِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 919 هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَعَهُ غُصْنًا مِنْ ذَهَبٍ، إنْ رَأَيْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ أَصَبْتُمُوهُ، فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَاسْتَخْرَجُوا الْغُصْنَ ". [فَصْلٌ مَاتَتْ حَامِلٌ بِمَنْ تُرْجَى حَيَاتُهُ] (فَصْلٌ) (وَإِنْ مَاتَتْ حَامِلٌ) بِمَنْ تُرْجَى حَيَاتُهُ (حَرُمَ شَقُّ بَطْنِهَا) مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ، مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً، لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ، لِإِبْقَاءِ حَيَاةٍ مَوْهُومَةٍ، إذْ الْغَالِبُ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَزَادَ: " فِي الْإِثْمِ ". (وَأَخْرَجَ نِسَاءٌ لَا رِجَالٌ مَنْ تُرْجَى حَيَاتُهُ) ، بِأَنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ حَرَكَةً قَوِيَّةً، وَانْتَفَخَتْ الْمَخَارِجُ، وَلَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَيْهِنَّ إخْرَاجُهُ (لَمْ تُدْفَنْ حَتَّى يَمُوتَ) الْحَمْلُ لِحُرْمَةٍ، وَلَا يُشَقُّ بَطْنُهَا، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. (وَيَتَّجِهُ: إلَّا مَعَ حَرَكَةٍ يُظَنُّ بِهَا حَيَاتُهُ بَعْدَ شَقِّهِ) ، أَيْ: بَطْنِهَا فَيُشَقُّ، وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ، اخْتَارَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَجَعَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: وَهُوَ أَوْلَى، فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُتْرَكُ، وَلَا تُدْفَنُ حَتَّى يَمُوتَ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": هَذَا الْأَشْهَرُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقِ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرُهُمْ. (وَلَا يُوضَعُ عَلَيْهِ مَا يُمَوِّتُهُ) ، لِعُمُومِ النَّوَاهِي عَنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلَا يُخْرِجُهُ الرِّجَالُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 920 لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهَا. (وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ) ، أَيْ: الْحَمْلِ (حَيًّا؛ شُقَّ) بَطْنُهَا (لِ) خُرُوجِ (بَاقٍ) ، لِتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَوْهُومَةً، (فَلَوْ مَاتَ) الْحَمْلُ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: شَقِّ بَطْنِهَا (أُخْرِجَ) لِيُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ، وَلَا يُشَقُّ بَطْنُهَا، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) إخْرَاجُهُ؛ (غُسِّلَ مَا خَرَجَ) مِنْهُ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ السَّقْطِ، (وَلَا يُيَمَّمُ لِبَاقٍ) ، لِأَنَّهُ حَمْلٌ، (وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْحَمْلِ - خَرَجَ بَعْضُهُ أَوْ لَا (مَعَهَا) - أَيْ: أُمِّهِ الْمُسْلِمَةِ - بِأَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا (إنْ تَمَّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) فَأَكْثَرُ، وَإِلَّا فَيُصَلَّى عَلَيْهَا دُونَهُ، (فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْلُودٍ، وَلَا سَقْطٍ. (وَيَتَّجِهُ) : لَا يُصَلَّى عَلَى حَمْلٍ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، (وَلَوْ تَخَلَّقَ الْحَمْلُ) بِأَنْ مَضَى لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، (أَوْ) كَانَ (بِبَطْنِ مُسْلِمَةٍ) لِلشَّكِّ فِي وُجُودِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَ: وَيُصَلَّى عَلَى مُسْلِمَةٍ حَامِلٍ وَحَمْلِهَا بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنِ تَصْوِيرِهِ وَإِلَّا عَلَيْهَا دُونَهُ. انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ " هُوَ الْمَذْهَبُ الْأَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ. (وَإِنْ مَاتَتْ كَافِرَةٌ) ذِمِّيَّةٌ أَوْ حَرْبِيَّةٌ (حَامِلٌ بِمُسْلِمٍ؛ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) بِبَطْنِهَا، كَمَبْلُوعٍ بِبَطْنِ بَالِعِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِهَا، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُهَا وَمَوْتُ وَلَدِهَا فِي بَطْنِهَا مَعًا فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مُسْلِمٍ لَمْ يُحْكَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 921 بِإِسْلَامِهِ، (مَا لَمْ يَخْرُجْ بَعْضُهُ كَمَا مَرَّ) آنِفًا، (وَدَفْنُهَا) ، أَيْ الْكَافِرَةِ الْحَامِلِ بِمُسْلِمٍ (مُسَلَّمٌ) مِنْ أَجْلِ حَمْلِهَا (مُفْرَدَةً) عَنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ نَصًّا، وَحَكَاهُ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ (إنْ أَمْكَنَ) إفْرَادُهَا، (وَإِلَّا) يُمْكِنْ إفْرَادُهَا (فَ) إنَّهَا تُدْفَنُ (مَعَنَا) ، لِئَلَّا يُدْفَنَ الْجَنِينُ الْمُسْلِمُ مَعَ الْكُفَّارِ، وَتُدْفَنُ (عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ مُسْتَدْبِرَةً الْقِبْلَةَ) ، لِيَكُونَ الْجَنِينُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، لِأَنَّ ظَهْرَهُ لِوَجْهِ أُمِّهِ. (وَلَا يَجُوزُ دَفْنُ) مَيِّتٍ (مُسْلِمٍ بِمَقْبَرَةِ كُفَّارٍ) ، لِتَأَذِّيهِ بِمُجَاوَرَتِهِمْ، (وَلَا) يَجُوزُ (عَكْسُهُ) ، أَيْ: دَفْنُ كَافِرٍ بِمَقْبَرَةِ مُسْلِمِينَ، لِئَلَّا يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْعَذَابُ فَيُصِيبُهُمْ بِسَبَبِهِ (وَيَجُوزُ جَعْلُ مَقْبَرَةِ كُفَّارٍ مُنْدَرِسَةٍ مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ بَقِيَ عَظْمٌ) مِنْ عِظَامِ الْكُفَّارِ (دُفِنَ بِمَوْضِعٍ آخَرَ، وَغَيْرُهَا) ، أَيْ: غَيْرُ مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ (أَوْلَى) مِنْهَا، لِأَنَّهَا بُقْعَةٌ مَغْضُوبٌ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ مَنْ كَانَ فِيهَا [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمُصَابِ] (فَصْلٌ) فِي أَحْكَامِ الْمُصَابِ (يُسَنُّ لِمُصَابٍ) بِمَوْتِ نَحْوِ قَرِيبٍ (قَوْلُ: إنَّا لِلَّهِ) ، أَيْ: نَحْنُ عَبِيدُهُ يَفْعَلُ بِنَا مَا يَشَاءُ، (وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ) ، أَيْ: نَحْنُ مُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ لِلْآيَةِ، (اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا) أْجُرْنِي مَقْصُورٌ، وَقِيلَ: مَمْدُودٌ، وَأَخْلِفْ: بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ قَالَ الْآجُرِّيُّ وَجَمَاعَةٌ: وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ مُتَّجِهٌ، فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة: 45] (وَ) أَنْ (يَصْبِرَ) عَلَى الْمُصِيبَةِ (نَدْبًا) وَالصَّبْرُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 922 الْحَبْسُ قَوْله تَعَالَى: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ» وَفِي الصَّبْرِ عَلَى مَوْتِ الْوَلَدِ أَجْرٌ كَبِيرٌ، وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» يُشِيرُ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ جَزَاءٌ إذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلَّا الْجَنَّةُ» قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَاعْلَمْ أَنَّ الثَّوَابَ فِي الْمَصَائِبِ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْمُصِيبَةِ نَفْسِهَا، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّمَا يُثَابُ عَلَى كَسْبِهِ، وَالصَّبْرُ مِنْ كَسْبِهِ، وَالرِّضَى بِالْقَضَاءِ فَوْقَ الصَّبْرِ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ رِضَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. (وَيَجِبُ مِنْهُ) ، أَيْ: الصَّبْرِ (مَا يَمْنَعُ عَنْ مُحَرَّمٍ) ، إذْ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، (وَلَا يَلْزَمُ الرِّضَى بِمَرَضٍ وَفَقْرٍ وَعَاهَةٍ) تُصِيبُهُ، وَهِيَ عَرَضٌ مُفْسِدٌ لِمَا أَصَابَهُ، لِأَنَّهَا مِنْ الْمَقْضِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِي الرِّضَى عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ الْجُنَيْدُ: رَفْعُ الِاخْتِيَارِ، وَقَالَ الْمُحَاسِبِيُّ: سُكُونُ النَّفْسِ تَحْتَ مَجَارِي الْقَدَرِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: السُّرُورُ بِمُرُورِ الْقَضَاءِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَالْأَوَّلَانِ: تَعْرِيفٌ لِمُبْتَدَئِهِ، وَالثَّالِثُ: تَعْرِيفٌ لِمُنْتَهَاهُ، (بَلْ يُسْتَحَبُّ) الرِّضَى بِذَلِكَ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ، لِيَنَالَ أَجْرَهُ عَلَى الْكَمَالِ. (وَيَحْرُمُ) الرِّضَى (بِفِعْلِهِ الْمَعْصِيَةَ) ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعًا، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ إذَا نَظَرَ إلَى إحْدَاثِ الرَّبِّ لِذَلِكَ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا رَضِيَ لِلَّهِ بِمَا رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 فَيَرْضَاهُ وَيُحِبُّهُ مَفْعُولًا مَخْلُوقًا لِلَّهِ وَيُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ فِعْلًا لِلْمُذْنِبِ الْمُخَالِفِ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَهَذَا كَمَا نَقُولُ فِيمَنْ خَلَقَهُ مِنْ الْأَجْسَامِ الْخَبِيثَةِ، قَالَ: فَمَنْ فَهِمَ هَذَا الْمَوْضِعَ انْكَشَفَ لَهُ حَقِيقَةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي حَارَتْ فِيهِ الْعُقُولُ. (وَكُرِهَ لِمُصَابٍ تَغْيِيرُ حَالِهِ) ، أَيْ: حَصِيلَتِهِ (مِنْ خَلْعِ رِدَاءٍ وَنَحْوِهِ) كَعِمَامَةٍ، (وَغَلْقِ حَانُوتِهِ وَتَعْطِيلِ مَعَاشِهِ) ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ الْجَزَعِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] اعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَا قُضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَهُ قَلَّ حُزْنُهُ وَفَرَحُهُ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَمَشَّ مَعَ الْقَدَرِ لَمْ يَهْنَأْ بِعَيْشٍ. وَ (لَا) يُكْرَهُ (جَعْلُ عَلَامَةٍ عَلَيْهِ لِيُعْرَفَ فَيُعَزَّى) ، أَيْ: لِتَتَيَسَّرَ التَّعْزِيَةُ الْمَسْنُونَةُ لِمَنْ أَرَادَهَا. (وَلَا) يُكْرَهُ (هَجْرُهُ) ، أَيْ: الْمُصَابِ (لِزِينَةٍ وَحُسْنِ ثِيَابٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) ، لِمَا يَأْتِي فِي الْإِحْدَادِ وَسُئِلَ أَحْمَدُ يَوْمَ مَاتَ بِشْرٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا يَوْمَ جَوَابٍ، هَذَا يَوْمُ حُزْنٍ. (وَلَا) يُكْرَهُ (بُكَاءٌ عَلَى مَيِّتٍ قَبْلَ مَوْتٍ وَبَعْدَهُ) لِلْأَخْبَارِ، وَأَخْبَارُ النَّهْيِ مَحْمُولَةٌ عَلَى بُكَاءٍ مَعَهُ نَدْبٌ وَنِيَاحَةٌ، قَالَ الْمَجْدُ: وَإِنَّهُ كُرِهَ كَثْرَةُ الْبُكَاءِ وَالدَّوَامُ عَلَيْهِ أَيَّامًا كَثِيرَةً، (بَلْ اسْتِحْبَابُ الْبُكَاءِ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ) ، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَاضَتْ عَيْنَاهُ، لَمَّا رُفِعَ لَهُ ابْنُ بِنْتِهِ، وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنَّةٍ - أَيْ: لَهَا صَوْتٌ وَحَشْرَجَةٌ كَصَوْتِ مَا أُلْقِيَ فِي قِرْبَةٍ بَالِيَةٍ - قَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 924 عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» قَالَ جَمَاعَةُ: وَالصَّبْرُ عَنْهُ أَجْمَلُ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي " التُّحْفَةِ الْعِرَاقِيَّةِ ": الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى وَجْهِ الرَّحْمَةِ حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الرِّضَى بِخِلَافِ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ لِفَوْتِ حَظِّهِ مِنْهُ، وَقَالَ فِي " الْفُرْقَانِ ": الصَّبْرُ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الرِّضَى قَوْلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى الْمُصِيبَةِ، لِمَا يَرَى مِنْ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِهَا. (وَحَرُمَ نَدْبٌ، وَهُوَ بُكَاءٌ مَعَ تَعْدِيدِ مَحَاسِنِهِ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - بِلَفْظِ النِّدَاءِ بِوَاوٍ مَعَ زِيَادَةِ أَلِفٍ وَهَاءٍ فِي آخِرِهِ، كَقَوْلِ: وَا سَيِّدَاه وَا جَبَلَاه، وَا انْقِطَاعَ ظَهْرَاه. (وَ) حَرُمَ (نَوْحٌ، وَهُوَ: رَفْعُ صَوْتٍ بِذَلِكَ بِرَنَّةٍ) ، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ» (وَ) حَرُمَ (شَقُّ ثَوْبٍ) لِمَا يَأْتِي، (وَكُرِهَ اسْتِدَامَةُ لُبْسِ) ثَوْبٍ (مَشْقُوقٍ، وَحَرُمَ لَطْمُ خَدٍّ وَخَمْشُهُ) وَتَسْوِيدُهُ (وَصُرَاخٌ وَنَتْفُ شَعْرٍ وَنَشْرُهُ وَحَلْقُهُ) ، لِحَدِيثِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِيهِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِئَ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ» فَالصَّالِقَةُ: الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَيُقَالُ: السَّالِقَةُ: بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْحَالِقَةُ: الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالشَّاقَّةُ: الَّتِي تَشُقُّ ثِيَابَهَا. وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ الْجَزَعِ، وَعَدَمِ الرِّضَى بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَالسَّخَطِ مِنْ فِعْلِهِ، وَفِي شَقِّ الْجُيُوبِ إفْسَادٌ لِلْمَالِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. (وَفِي " الْفُصُولِ " يَحْرُمُ نَحِيبٌ وَتَعْدَادُ) مَحَاسِنِ مَيِّتٍ وَمَزَايَاهُ، (وَإِظْهَارُ جَزَعٍ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّظَلُّمَ مِنْ الظَّالِمِ، وَهُوَ عَدْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي خَلْقِهِ بِمَا شَاءَ، لِأَنَّهُمْ مِلْكُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 925 (وَيَتَّجِهُ: وَمِثْلُهُ) ، أَيْ: مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحُرْمَةِ بَلْ أَفْظَعُ مِنْهُ (إلْقَاءُ تُرَابٍ عَلَى رَأْسٍ، وَ) أَقْبَحُ مِنْهُ (دُعَاءٌ بِوَيْلٍ وَثُبُورٍ) ، لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي الْخَبَرِ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: " إنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ إذَا دَعَوْا بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ؛ وَقَفَ مَلَكُ الْمَوْتِ بِعَتَبَةِ الْبَابِ، وَقَالَ: إنْ كَانَ صَيْحَتُكُمْ عَلَيَّ فَإِنِّي مَأْمُورٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَيِّتِكُمْ فَإِنَّهُ مَقْبُورٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى رَبِّكُمْ فَالْوَيْلُ لَكُمْ وَالثُّبُورُ، وَإِنَّ لِي فِيكُمْ لَعَوْدَاتٌ ثُمَّ عَوْدَاتٌ " وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُبَاحُ يَسِيرُ نُدْبَةِ) الصِّدْقِ (إذَا لَمْ تَخْرُجْ مَخْرَجَ نَوْحٍ نَحْوِ) قَوْلِهِ: (يَا أَبَتَاهُ يَا وَلَدَاهُ) ، لِفِعْلِ فَاطِمَةَ لَمَّا أَخَذَتْ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعَتْهَا عَلَى عَيْنِهَا، ثُمَّ قَالَتْ: مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَ ... أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا (وَجَاءَتْ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِنَوْحٍ وَبُكَاءٍ عَلَيْهِ) ، فَحَمَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى مَنْ أَوْصَى بِهِ، لِأَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ الْوَصِيَّةُ بِفِعْلِهِ، فَخُرِّجَ عَلَى عَادَتِهِمْ، كَقَوْلِ طَرَفَةَ: إذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا بِنْتَ مَعْبَدِ وَقَوْلِ الْآخَرِ: مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّهَاتِي بَاكِيًا أَبَدَا ... فَالْيَوْمُ إنِّي أَرَانِي الْيَوْمَ مَقْبُوضَا تُسْمِعْنَنِيهِ فَإِنِّي غَيْرُ سَامِعِهِ ... إذَا جُعِلْتُ عَلَى الْأَعْنَاقِ مَعْرُوضَا (وَالْمُرَادُ: بُكَاءٌ مُحَرَّمٌ كَنَدْبٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ لَطْمِ خَدٍّ وَشَقِّ جَيْبٍ، (وَيَنْبَغِي إيصَاءٌ بِتَرْكِهِ) لِفِعْلِ السَّلَفِ، (وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: إذَا كَانَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 926 النَّوْحُ (عَادَةَ أَهْلِهِ) ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَهُمْ بِتَرْكِهِ، فَإِنْ سَكَتَ (وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِ) مَعَ عِلْمٍ أَنَّهُ عَادَةُ أَهْلِهِ؛ فَإِنَّهُ (يُعَذَّبُ) ، لِأَنَّهُ مَتَى ظَنَّ وُقُوعَهُ وَلَمْ يُوصِ فَقَدْ رَضِيَ، وَلَمْ يَنْهَ مَعَ قُدْرَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ ": يَتَأَلَّمُ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَوَجَّعُ مِنْهُ، لَا أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِذَنْبِ الْحَيِّ، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» فَالْعَذَابُ أَعَمُّ مِنْ الْعُقُوبَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. (وَمَا هَيَّجَ الْمُصِيبَةَ مِنْ وَعْظٍ وَإِنْشَادِ شِعْرٍ؛ فَمِنْ النِّيَاحَةِ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَعْنَاهُ فِي " الْفُنُونِ " لِابْنِ عَقِيلٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُهُ عَقِيلٌ قَرَأَ قَارِئٌ: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 78] فَبَكَى ابْنُ عَقِيلٍ، وَبَكَى النَّاسُ، فَقَالَ لِلْقَارِئِ: يَا هَذَا إنْ كَانَ يُهَيِّجُ الْحُزْنَ فَهُوَ نِيَاحَةٌ بِالْقُرْآنِ، وَلَمْ يُنَزَّلْ لِلنَّوْحِ بَلْ لِتَسْكِينِ الْأَحْزَانِ. (وَسُنَّ قَبْلَ دَفْنٍ وَبَعْدَهُ: تَعْزِيَةُ مُسْلِمٍ أُصِيبَ) بِمَوْتِ قَرِيبِهِ (وَلَوْ) كَانَ (صَغِيرًا أَوْ صَدِيقًا) ، لِحَدِيثِ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَيَتَّجِهُ: مَا لَمْ يَكُنْ) الْمُصَابُ (يَجِبُ هَجْرُهُ) كَمُتَبَدِّعٍ، (أَوْ يُسَنُّ) هَجْرُهُ كَفَاسِقٍ مُتَجَاهِرٍ بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُعَزَّى؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ عَزَّى أَخَاهُ؛ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 927 مَرْفُوعًا «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ. (وَتُكْرَهُ) تَعْزِيَةُ رَجُلٍ (لِشَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ) خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ، (وَتَمْتَدُّ) التَّعْزِيَةُ (إلَى ثَلَاثِ) لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا (وَتُكْرَهُ) التَّعْزِيَةُ (بَعْدَهَا) ، أَيْ: الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْإِحْدَادِ الْمُطْلَقِ (وَاسْتَثْنَى أَبُو الْمَعَالِي) وَالْمَجْدُ (إلَّا لِغَائِبٍ) ، فَلَا بَأْسَ بِتَعْزِيَتِهِ إذَا حَضَرَ، مَا لَمْ يَنْسَ الْمُصِيبَةَ. (وَيَتَّجِهُ: وَمَعْذُورٍ) بِتَوَارٍ مِنْ خَصْمٍ ظَالِمٍ أَوْ حَبْسٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَيُقَالُ) فِي تَعْزِيَةٍ (لِمُصَابٍ بِمُسْلِمٍ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك، وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَ) لِمُسْلِمٍ مُصَابٍ (بِكَافِرٍ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ) لِأَنَّ الْغَرَضَ الدُّعَاءُ لِلْمُصَابِ وَمَيِّتِهِ، إلَّا إذَا كَانَ كَافِرًا فَيُمْسِكُ عَنْ الدُّعَاءِ لَهُ، وَالِاسْتِغْفَارِ، لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. (وَحَرُمَ تَعْزِيَةُ كَافِرٍ وَلَوْ بِمُسْلِمٍ) ، لِأَنَّ فِيهَا تَعْظِيمًا لِلْكَافِرِ كَبُدَاءَتِهِ بِالسَّلَامِ، (وَلَا تَعْيِينَ فِيمَا يَقُولُهُ مُعَزٍّ) ، لِمَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «عَزَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا عَلَى وَلَدِهِ؛ فَقَالَ: آجَرَكَ اللَّهُ، وَأَعْظَمَ لَكَ الْأَجْرَ» (وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِيَدِ مَنْ يُعَزِّيهِ) ، قَالَ أَحْمَدُ: إنْ شِئْتَ أَخَذْتَ بِيَدِ الرَّجُلِ فِي التَّعْزِيَةِ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا. (وَكُرِهَ تَكْرَارُهَا) ، أَيْ: التَّعْزِيَةِ نَصًّا، (فَلَا يُعَزِّي عِنْدَ قَبْرٍ مَنْ عَزَّى قَبْلَ) ذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ التَّعْزِيَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ، إلَّا لِمَنْ لَمْ يُعَزِّ فَيُعَزِّي إذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ أَوْ بَعْدَهُ. (وَ) كُرِهَ (جُلُوسُ مُصَابٍ لَهَا) ، أَيْ: التَّعْزِيَةِ، بِأَنْ يَجْلِسَ الْمُصَابُ بِمَكَانٍ لِيُعَزَّى، (وَمُعَزِّيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 928 كَذَلِكَ) ، أَيْ: يُكْرَهُ أَنْ يَجْلِسَ الْمُعَزِّي عِنْدَ الْمُصَابِ بَعْدَ التَّعْزِيَةِ، لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِلْحُزْنِ. وَ (لَا) يُكْرَهُ جُلُوسُ الْمُعَزِّي (بِقُرْبِ دَارِ الْمَيِّتِ) خَارِجًا عَنْهَا (لِيَتَّبِعَ الْجِنَازَةَ) إذَا خَرَجَتْ، (أَوْ لِيَخْرُجَ وَلِيُّهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (فَيُعَزِّيهِ) ، لِأَنَّهُ لِطَاعَةٍ بِلَا مَفْسَدَةٍ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْجُلُوسُ خَارِجَ مَسْجِدٍ عَلَى نَحْوِ حَصِيرٍ مِنْهُ؛ كُرِهَ نَصًّا، بَلْ مُقْتَضَى مَا فِي الْوَقْفِ: يَحْرُمُ، لِأَنَّهَا إنَّمَا وُقِفَتْ لِيُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُنْتَفَعَ بِهَا فِيهِ. (فَرْعٌ: مَعْنَى التَّعْزِيَةِ: التَّسْلِيَةُ وَالْحَثُّ) ، أَيْ: حَثُّ الْمُصَابِ (عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ) إنْ كَانَ مُسْلِمًا، (وَالْمُصَابِ) ، أَيْ: وَالدُّعَاءِ لِلْمُصَابِ. (وَمَنْ جَاءَتْهُ تَعْزِيَةٌ بِكِتَابٍ؛ رَدَّهَا عَلَى الرَّسُولِ لَفْظًا، قَالَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ.) (وَسُنَّ أَنْ يُصْنَعَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ ثَلَاثًا) مِنْ اللَّيَالِي بِأَيَّامِهَا، حَاضِرًا كَانَ الْمَيِّتُ عِنْدَهُمْ أَوْ غَائِبًا وَأَتَاهُمْ نَعْيُهُ، لِحَدِيثِ: «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، قَالَ الزُّبَيْرُ: فَعَمَدَتْ سَلْمَى مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى شَعِيرٍ وَطَحَنَتْهُ، وَأَدَمَتْهُ بِزَيْتٍ جُعِلَ عَلَيْهِ، وَبُعِثَ بِهِ إلَيْهِمْ. وَ (لَا) يُصْنَعُ الطَّعَامُ (لِمَنْ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ) ، أَيْ: أَهْلِ الْمَيِّتِ، (فَيُكْرَهُ) ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ، وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ عِنْدَهُمْ، قَالَ أَحْمَدُ: إنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا، وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، عَنْ جَرِيرٍ: " كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ " (كِ) مَا يُكْرَهُ (فِعْلُهُمْ) ، أَيْ: أَهْلِ الْمَيِّتِ (ذَلِكَ) الطَّعَامَ (لِلنَّاسِ) الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَهُمْ لِلتَّعْزِيَةِ. (وَيَتَّجِهُ: مَا لَمْ يَكُونُوا) ، أَيْ: الْمُجْتَمِعُونَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ (ضُيُوفًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 929 فِيهِمَا) ، أَيْ: فِي صُنْعِ أَهْلِ الْمَيِّتِ الطَّعَامَ، أَوْ صُنْعِ غَيْرِهِمْ لِمَنْ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ. (وَيَدُلُّ لَهُ) ، أَيْ: عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ (كَلَامُ الْمُوَفَّقِ وَغَيْرِهِ) كَابْنِ أَخِيهِ الشَّارِحِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ؛ جَازَ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا جَاءَهُمْ مَنْ يَحْضُرُ مَيِّتَهُمْ مِنْ الْقُرَى الْبَعِيدَةِ، وَيَبِيتُ عِنْدَهُمْ، فَلَا يُمْكِنُهُمْ إلَّا أَنْ يُطْعِمُوهُ. (وَالْقَوَاعِدُ) ، أَيْ: قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ (تَقْتَضِيهِ) ، أَيْ: تَقْتَضِي إطْعَامَ الضَّيْفِ، لِأَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَلَوْلَا التَّعْزِيَةُ لَكَانَ قِرَاهُ وَاجِبًا عِنْدَنَا بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكُرِهَ) لِلنَّاسِ غَيْرِ الضُّيُوفِ (أَكْلٌ مِنْ طَعَامِهِمْ) ، قَالَهُ النَّاظِمُ، (وَإِنْ كَانَ) طَعَامُهُمْ (مِنْ التَّرِكَةِ وَفِي مُسْتَحِقِّيهَا) ، أَيْ: التَّرِكَةِ (مَحْجُورٌ عَلَيْهِ) أَوْ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ؛ (حَرُمَ فِعْلُهُ) ، أَيْ: الطَّعَامِ، (وَ) حَرُمَ (أَكْلٌ مِنْهُ) ، لِأَنَّهُ مَالُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، أَوْ مَالُ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَصُنْعُ طَعَامٍ لِلنَّائِحَاتِ حَرَامٌ) قَطْعًا، (لِأَنَّهُ عَوْنٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ) ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (وَكُرِهَ ذَبْحٌ وَأُضْحِيَّةٌ عِنْدَ قَبْرٍ وَأَكْلٌ مِنْهُ) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ: «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانُوا إذَا مَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 930 لَهُمْ مَيِّتٌ نَحَرُوا جَزُورًا، فَنَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: يَحْرُمُ الذَّبْحُ وَالتَّضْحِيَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَ (لَوْ نَذَرَهُ) نَاذِرٌ (لَمْ يَفِ بِهِ) ، لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» (وَلَوْ شَرَطَهُ) ، أَيْ: الذَّبْحَ (وَاقِفٌ) حِينَ وَقَفَ عَقَارَهُ، فَقَالَ: يُؤْخَذُ مِنْ غَلَّتِهِ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ نَحْوُ شَاةٍ فَتُذْبَحُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَتُفَرَّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ (فَشَرْطُهُ فَاسِدٌ) ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. (وَمِنْ الْمُنْكَرِ) أَيْضًا (وَضْعُ طَعَامٍ) عَلَى الْقَبْرِ (أَوْ) وَضْعُ (شَرَابٍ عَلَى الْقَبْرِ لِيَأْخُذَهُ النَّاسُ، وَإِخْرَاجُ الصَّدَقَةِ مَعَ الْجِنَازَةِ) كَالْخُبْزِ يُخْرَجُ مَعَهَا وَيُفَرَّقُ عَلَى مُتَّبِعِيهَا وَغَيْرِهِمْ، وَالشَّرَابِ يَسْقُونَهُ لَهُمْ وَقْتَ دَفْنِهَا (بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ) لَمْ يَفْعَلْهَا السَّلَفُ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٌ، وَإِلَّا؛ فَحَرَامٌ. (وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ) ، أَيْ: وَضْعِ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ عَلَى الْقَبْرِ (الصَّدَقَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ) فَإِنَّهَا مُحْدَثَةٌ الْأَوْلَى تَرْكُهَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَشُوبُهَا رِيَاءٌ، (وَتَوَقَّفَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) فِي الصَّدَقَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الصَّدَقَةِ لِلْمَيِّتِ. [فَصْلٌ زِيَارَةُ الْقُبُورِ] (فَصْلٌ) (سُنَّ لِرَجُلٍ زِيَارَةُ قَبْرِ مُسْلِمٍ) نَصًّا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (بِلَا سَفَرٍ) ، لِحَدِيثِ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْمَوْتَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ: فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ» وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُرَجِّحُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَإِنْ كَانَ وَارِدًا بَعْدَ الْحَظْرِ، (وَبِهِ) ، أَيْ: السَّفَرِ (يُبَاحُ وَقِيلَ يُكْرَهُ) لِظَاهِرِ حَدِيثِ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 931 مَسَاجِدَ» الْحَدِيثَ. (وَكَرِهَ فِي الرِّعَايَةِ) الْكُبْرَى " (الْإِكْثَارَ مِنْهُ) ، وَعِبَارَتُهُ: وَيُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ زِيَارَةِ الْمَوْتَى، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِيهِ سَلَفٌ. (وَتُبَاحُ) زِيَارَةُ الْمُسْلِمِ (لِقَبْرِ كَافِرٍ) ، قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ زِيَارَةُ قَبْرِهِ لِلِاعْتِبَارِ، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَلَا يَدْعُو لَهُ، بَلْ يَقُولُ: أَبْشِرْ بِالنَّارِ وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ: الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ: وَفِي اسْتِعْمَالِ الْبِشَارَةِ تَهَكُّمٌ بِهِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49] (وَلَا يُمْنَعُ كَافِرٌ مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِ مُسْلِمٍ) ، لِعَدَمِ الْمَحْظُورِ. (وَتُكْرَهُ) زِيَارَةُ الْقُبُورِ (لِنِسَاءٍ) ، لِمَا رَوَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «نُهِينَا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَإِنْ عَلِمَ وُقُوعَ مُحَرَّمٍ مِنْهُنَّ كَنَوْحٍ؛ حُرِّمَتْ) زِيَارَتُهُنَّ الْقُبُورَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. (إلَّا لِقَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرَيْ صَاحِبَيْهِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، (فَتُسَنُّ) زِيَارَتُهُمَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ فِي طَلَبِ زِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا) تُسَنُّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ زِيَارَةُ (قَبْرِ نَبِيٍّ غَيْرِهِ) حَيْثُ ثَبَتَ؛ لَكِنْ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْكَتَّانِيُّ: لَيْسَ مِنْ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ مَا ثَبَتَ إلَّا قَبْرُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ غَيْرُهُ: وَقَبْرُ إبْرَاهِيمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 932 أَيْضًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ: مَا نَعْلَمُ قَبْرَ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ إلَّا ثَلَاثَةً: قَبْرَ إسْمَاعِيلَ، فَإِنَّهُ تَحْتَ الْمِيزَابِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَيْتِ، وَقَبْرَ هُودٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فِي كَثِيبٍ مِنْ الرَّمْلِ تَحْتَ جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ الْيَمَنِ، عَلَيْهِ شَجَرَةٌ يَبْدُو مَوْضِعُهُ أَشَدَّ الْأَرْضِ حَرًّا، وَقَبْرَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اجْتَازَتْ امْرَأَةٌ) بِقَبْرٍ (بِطَرِيقِهَا) وَلَمْ تَكُنْ خَرَجَتْ لَهُ، (فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ، وَدَعَتْ لَهُ؛ فَحَسَنٌ) لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ لِذَلِكَ. (وَسُنَّ وُقُوفُ زَائِرَةٍ أَمَامَهُ) ، أَيْ: الْقَبْرِ (قَرِيبًا مِنْهُ) عُرْفًا كَعَادَةِ الْحَيِّ (وَ) سُنَّ (قَوْلُ) مَنْ زَارَ قُبُورَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَرَّ بِهَا: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، أَوْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلَا تَفُتْنَا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ) ، لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ، مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، أَنْتُمْ سَلَفُنَا، وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ» وَقَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلتَّبَرُّكِ، أَوْ فِي الْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ، أَوْ فِي الدَّفْنِ عِنْدَهُمْ، وَنَحْوِهِ مِمَّا أُجِيبَ بِهِ إذْ الْمَوْتُ مُحَقَّقٌ، فَلَا يُعَلَّقُ بِإِنْ، وَمِمَّا وَرَدَ: " اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ، وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا، وَهِيَ بِك مُؤْمِنَةٌ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ رُوحًا مِنْكَ وَسَلَامًا مِنِّي ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 933 (وَلَا بَأْسَ بِلَمْسِ قَبْرٍ بِيَدٍ لَا سِيَّمَا مَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ) ، وَ (لَا) يُشْرَعُ (تَمَسُّحٌ بِهِ، وَصَلَاةٌ عِنْدَهُ أَوْ قَصْدُهُ لِأَجْلِ دُعَاءٍ مُعْتَقِدًا أَنَّ الدُّعَاءَ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ فِي غَيْرِهِ، أَوْ النَّذْرُ لَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، بَلْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (لَيْسَ هَذَا مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ) هُوَ (مِمَّا أُحْدِثَ مِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ شُعَبِ الشِّرْكِ) ، وَقَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِالْقَبْرِ، وَلَا يُقَبِّلُهُ بَلْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ، وَلَا يُقَبَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ. (وَيَسْمَعُ الْمَيِّتُ الْكَلَامَ مُطْلَقًا) سَلَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ يَأْمُرُ بِالسَّلَامِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْ، (وَيَعْرِفُ) الْمَيِّتُ (زَائِرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) ، قَالَهُ أَحْمَدُ. (وَفِي " الْغُنْيَةِ ": يَعْرِفُهُ كُلَّ وَقْتٍ، وَهَذَا الْوَقْتُ آكِدٌ. انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ) ، قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ البربهاري، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّائِرَ مَتَى جَاءَ عَلِمَ بِهِ الْمَزُورُ، وَسَمِعَ سَلَامَهُ، وَأَنِسَ بِهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي حَقِّ الشُّهَدَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ أَثَرِ الضَّحَّاكِ؛ الدَّالِّ عَلَى التَّوْقِيتِ. انْتَهَى. يُشِيرُ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ قَالَ: مَنْ زَارَ قَبْرًا يَوْمَ السَّبْتِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ عَلِمَ الْمَيِّتُ بِزِيَارَتِهِ، قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِمَكَانِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. وَنَحْوُهُ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ؛ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ مَنْ زَارَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا قَبْلَهُ، وَيَوْمًا بَعْدَهُ. (وَيَتَأَذَّى بِالْمُنْكَرِ عِنْدَهُ، وَيَنْتَفِعُ بِالْخَيْرِ) عِنْدَهُ لِمَجِيءِ الْآثَارِ بِذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 934 (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (اسْتَفَاضَتْ الْآثَارُ بِمَعْرِفَتِهِ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - (بِأَحْوَالِ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَجَاءَتْ الْآثَارُ بِأَنَّهُ يَرَى وَيَدْرِي بِمَا فُعِلَ عِنْدَهُ، وَيُسَرُّ بِمَا كَانَ) مَا يُفْعَلُ عِنْدَهُ (حَسَنًا، وَيَتَأَلَّمُ بِمَا كَانَ قَبِيحًا) . وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا أُخْزَى بِهِ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ. وَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ عِنْدَ عَائِشَةَ كَانَتْ تَسْتَتِرُ مِنْهُ، وَتَقُولُ: إنَّمَا كَانَ أَبِي وَزَوْجِي، وَأَمَّا عُمَرُ فَأَجْنَبِيٌّ، تَعْنِي: أَنَّهُ يَرَاهَا. (وَعَذَابُهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (فِي قَبْرِهِ وَاقِعٌ عَلَى رُوحِهِ وَبَدَنِهِ؛ لَا) عَلَى (رُوحِهِ فَقَطْ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنَّ الْعَذَابَ أَوْ النَّعِيمَ يَحْصُلُ لِرُوحِ الْمَيِّتِ وَبَدَنِهِ، وَأَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ مُنَعَّمَةً أَوْ مُعَذَّبَةً، وَأَيْضًا تَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَحْيَانَا، فَيَحْصُلُ لَهُ مَعَهَا النَّعِيمُ أَوْ الْعَذَابُ، (خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ) فِي قَوْلِهِمَا: إنَّ الْعَذَابَ وَاقِعٌ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا: مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْبَدَنِ تَعَلُّقًا بِالرُّوحِ، فَتُعَذَّبُ بِالْقَبْرِ. (وَسُنَّ) لِزَائِرِهِ (فِعْلُ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (وَلَوْ بِجَعْلِ جَرِيدَةٍ رَطْبَةٍ فِي الْقَبْرِ) لِلْخَبَرِ وَأَوْصَى بِهِ بُرَيْدَةَ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي مَعْنَاهُ غَرْسُ غَيْرِهَا، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. (وَ) فِي مَعْنَى ذَلِكَ (ذِكْرٌ وَقِرَاءَةٌ) وَتَسْبِيحٌ (عِنْدَهُ) - أَيْ: الْقَبْرِ - لِخَبَرِ الْجَرِيدَةِ، لِأَنَّهُ إذَا أُرْجِئَ التَّخْفِيفُ بِتَسْبِيحِهَا فَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى. (وَتُسْتَحَبُّ قِرَاءَةٌ بِمَقْبَرَةٍ) . قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ فَاقْرَءُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 935 بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَاجْعَلُوا ثَوَابَ ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْمَقَابِرِ؛ فَإِنَّهُ يَصِلُ إلَيْهِمْ، وَكَانَتْ هَكَذَا عَادَةُ الْأَنْصَارِ فِي التَّرَدُّدِ إلَى مَوْتَاهُمْ؛ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ. وَأَخْرَجَ السَّمَرْقَنْدِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ وَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهُ لِلْأَمْوَاتِ؛ أُعْطِي مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَأَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ، ثُمَّ قَالَ: إنِّي جَعَلْتُ ثَوَابَ مَا قَرَأْتُ مِنْ كَلَامِكَ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ كَانُوا شُفَعَاءَ لَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى» ، وَعَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَقَرَأَ عِنْدَهُ يَاسِينَ؛ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ بِعَدَدِ كُلِّ آيَةٍ أَوْ حَرْفٍ» ، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ. (وَكُلُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا مُسْلِمٌ وَجَعَلَ) الْمُسْلِمُ (بِالنِّيَّةِ، فَلَا اعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ، ثَوَابَهَا أَوْ بَعْضَهُ لِمُسْلِمٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ جَازَ، وَنَفَعَهُ ذَلِكَ بِحُصُولِ الثَّوَابِ لَهُ، وَلَوْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. (مِنْ) : بَيَانٍ لِكُلِّ قُرْبَةٍ (تَطَوُّعٍ وَوَاجِبٍ تَدْخُلُهُ نِيَابَةٌ كَحَجٍّ) أَوْ صَوْمٍ نَذَرَهُ مَيِّتٌ (أَوْ لَا) تَدْخُلُهُ نِيَابَةٌ، (كَصَلَاةٍ وَدُعَاءٍ وَاسْتِغْفَارٍ وَصَدَقَةٍ) وَعِتْقٍ (وَأُضْحِيَّةٍ وَأَدَاءِ دَيْنٍ وَصَوْمٍ) غَيْرِ مَنْذُورٍ، (وَكَذَا قِرَاءَةٌ وَغَيْرُهَا) . قَالَ أَحْمَدُ: الْمَيِّتُ يَصِلُ إلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَيَقْرَءُونَ وَيُهْدُونَ لِمَوْتَاهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ؛ فَكَانَ إجْمَاعًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 936 وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَوْ لَا كَصَلَاةٍ؛ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي: إذَا صَلَّى فَرْضًا وَأَهْدَى ثَوَابَهُ؛ صَحَّتْ الْهَدِيَّةُ وَأَجْزَأَ مَا عَلَيْهِ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَفِيهِ بُعْدٌ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا جَعَلَهَا لِغَيْرِ مُسْلِمٍ لَا تَنْفَعُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ لِنَصٍّ وَرَدَ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُفْتَقَرُ أَنْ يَنْوِيَهُ حَالَ الْقِرَاءَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَاعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ) فِي حُصُولِ الثَّوَابِ لِلْمَجْعُولِ لَهُ (إذَا نَوَاهُ حَالَ الْفِعْلِ) ، أَيْ: الْقِرَاءَةِ أَوْ الِاسْتِغْفَارِ وَنَحْوِهِ، (أَوْ) نَوَاهُ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ الْفِعْلِ دُونَ مَا نَوَاهُ بَعْدَهُ، نَقَلَهُ فِي " الْفُرُوعِ " عَنْ " مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ وَرَدَّهُ. (وَسُنَّ إهْدَاء الْقُرَبِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ ذَلِكَ لِفُلَانٍ) وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ أَثَبْتَنِي عَلَى هَذَا؛ فَاجْعَلْهُ أَوْ مَا تَشَاءُ مِنْهُ لِفُلَانٍ، وَ (قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْأَلَ الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ) تَعَالَى، (ثُمَّ يَجْعَلَهُ) لِلْمُهْدَى (لَهُ، فَيَقُولَ: اللَّهُمَّ أَثِبْنِي عَلَى ذَلِكَ، وَاجْعَلْهُ ثَوَابًا لِفُلَانٍ) وَلِلْمُهْدِي ثَوَابُ الْمُهْدَى، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُثَابُ كُلٌّ مِنْ الْمُهْدِي وَالْمُهْدَى لَهُ، وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ. [فَصْلٌ السَّلَامُ عَلَى الْمَيِّت] (فَصْلٌ) (السَّلَامُ عَلَى مَيِّتٍ. الْأَفْضَلُ تَعْرِيفُهُ كَمَا مَرَّ، وَيُخَيَّرُ فِيهِ) ، أَيْ: السَّلَامِ (عَلَى حَيٍّ بَيْنَ تَعْرِيفٍ وَتَنْكِيرٍ. وَابْتِدَاؤُهُ) ، أَيْ: السَّلَامِ (مِنْ وَاحِدٍ: سُنَّةُ عَيْنٍ، وَمِنْ جَمْعٍ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ: (سُنَّةُ كِفَايَةٍ) ، لِحَدِيثِ «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» . (وَيَتَّجِهُ: وَمَعَ سَلَامِ جَمْعٍ) وَقَعَ (تَعَاقُبًا) بِأَنْ سَلَّمَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ (يَكْفِي رَدُّ وَاحِدٍ) ، لِحُصُولِ (الْمَأْمُورِ بِهِ) ، قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ ": فَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، فَقَالَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، وَقَصَدَ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 937 جَمِيعًا جَازَ، وَسَقَطَ الْفَرْضُ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) الرَّادُّ (رَدَّ عَلَى) الْمُسَلِّمِ (الْأَوَّلِ) ، فَإِنْ كَانَ رَدَّ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّهِ عَلَى الْبَاقِينَ إمَّا جُمْلَةً؛ بِأَنْ يَقُولَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، أَوْ فُرَادَى؛ بِأَنْ يَرُدَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ. (وَمِثْلُهُ تَشْمِيتُ) عَاطِسٍ - أَيْ: لَوْ شَمَّتَ جَمَاعَةٌ عَاطِسًا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ - فَتَكْفِي إجَابَةُ وَاحِدٍ، فَيَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَجَابَ الْأَوَّلَ حَيْثُ قَصَدَ الرَّدَّ عَلَى الْجَمِيعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْأَفْضَلُ) إيقَاعُ (السَّلَامِ) مِنْ (جَمِيعِهِمْ) ، لِحَدِيثِ «أَفْشُوا السَّلَامَ» وَغَيْرِهِ، (وَرَدُّهُ فَوْرًا مِنْ وَاحِدٍ فَرْضُ عَيْنٍ) عَلَى الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ الْمُنْفَرِدِ، (وَ) رَدُّ السَّلَامِ (مِنْ جَمِيعٍ) سَلَّمَ عَلَيْهِمْ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) ، فَيَسْقُطُ بِرَدِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، (وَرَفْعُ صَوْتٍ بِهِ) ، أَيْ: بِرَدِّ السَّلَامِ (بِقَدْرِ الْإِبْلَاغِ) ، أَيْ: إبْلَاغِ الْمُسَلِّمِ (وَاجِبٌ فِي رَدِّ) السَّلَامِ (وَمَنْدُوبٌ فِي ابْتِدَاءِ) هـ، (وَلَا يَسْقُطُ) إثْمُ عَدَمِ الرَّدِّ (بِرَدِّ غَيْرِ مُسَلَّمٍ عَلَيْهِ) وَلَوْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ، لِأَنَّ قَصْدَهُ بِالسَّلَامِ دُونَ غَيْرِهِ، (وَلَا) يَسْقُطُ الرَّدُّ (بِرَدِّ مُمَيِّزٍ عَنْ بَالِغِينَ) ، لِعَدَمِ حُصُولِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِهِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي فِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ ". (وَلَا يَجِبُ زِيَادَةُ وَاوٍ فِي رَدِّ) سَلَامٍ، قَالَ فِي " الْآدَابِ الْكُبْرَى "، وَهُوَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَ: وَتُزَادُ الْوَاوُ فِي رَدِّ السَّلَامِ وُجُوبًا. قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: يُكْرَهُ الِانْحِنَاءُ فِي السَّلَامِ، (وَلَا) تَجِبُ (مُسَاوَاةُ رَدٍّ لِابْتِدَاءٍ) ، فَلَوْ قَالَ الْمُسَلِّمُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 938 وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ الرَّادُّ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ؛ كَفَى (وَيَجُوزُ رَدٌّ بِلَفْظِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) فَقَطْ. (وَلَا يُسَنُّ زِيَادَةٌ) عَلَى: (وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فِي ابْتِدَاءِ) السَّلَامِ، لِأَنَّ زِيَادَتَهَا مَنْدُوبَةٌ، كَمَا صَحَّتْ الْأَخْبَارُ، وَإِلَيْهَا انْتَهَى السَّلَامُ، (وَ) لَا فِي (رَدِّ) هـ، وَسَلَامُ النِّسَاءِ عَلَى النِّسَاءِ كَسَلَامِ الرِّجَالِ عَلَى الرِّجَالِ. (وَسُنَّ قَوْلُ) مُسَلِّمٍ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ) شَخْصًا (وَاحِدًا) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَإِنْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ؛ أَجْزَأَ، (وَلَا يَلْزَمُ رَدُّ سَلَامٍ ابْتِدَاؤُهُ مَكْرُوهٌ كَمُسَلِّمٍ عَلَى مُشْتَغِلٍ بِنَحْوِ أَكْلٍ) وَشُرْبٍ، (وَقِتَالٍ وَذِكْرٍ، وَتَلْبِيَةٍ وَقِرَاءَةِ عِلْمٍ وَوَعْظٍ، وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاسْتِمَاعٍ لَهُمْ) ، أَيْ: الْمَذْكُورِينَ مِنْ الْقَارِئِ وَمَا بَعْدَهُ، (وَمُتَخَلٍّ وَمُتَمَتِّعٍ بِأَهْلِهِ، وَمَنْ فِي حَمَّامٍ وَأَجْنَبِيَّةٍ غَيْرِ عَجُوزٍ) ، أَيْ: غَيْرِ جَمِيلَةٍ؛ فَلَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهَا، (وَ) لَا عَلَى (بَرْزَةٍ) ، لِأَمْنِ الِافْتِتَانِ بِهَا غَالِبًا، وَكَذَا كُلُّ مَنْ سَلَّمَ فِي حَالَةٍ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا السَّلَامُ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا، (وَكُرِهَ تَخْصِيصُ بَعْضِ مَنْ لَقِيَهُمْ) أَوْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ (بِهِ) ، أَيْ: بِالسَّلَامِ، لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِلسُّنَّةِ فِي إفْشَاءِ السَّلَامِ، وَكَسْرًا لِقَلْبِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ، (وَ) كُرِهَ (قَوْلُ: سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) ، لِمُخَالَفَةِ الصِّفَةِ الْوَارِدَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 939 (وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ، ثُمَّ لَقِيَهُ عَلَى قُرْبٍ؛ سُنَّ سَلَامٌ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَأَكْثَرَ) ، لِعُمُومِ: «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» (وَمَنْ دَخَلَ عَلَى جَمْعٍ فِيهِ عُلَمَاءُ سَلَّمَ عَلَى الْكُلِّ، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى الْعُلَمَاءِ سَلَامًا ثَانِيًا) تَمْيِيزًا لِمَرْتَبَتِهِمْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِمْ عَالِمٌ وَاحِدٌ. (وَتُسَنُّ بُدَاءَةٌ بِسَلَامٍ قَبْلَ كُلِّ كَلَامٍ) لِلْخَبَرِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى السَّلَامِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَمَعْنَاهُ: اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ، أَيْ: أَنْتَ فِي حِفْظِهِ، كَمَا يُقَالُ: اللَّهُ يَصْحَبُكَ، اللَّهُ مَعَكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ، أَيْ: السَّلَامَةُ مُلَازِمَةٌ لَكَ (وَلَا يَتْرُكُهُ) - أَيْ: السَّلَامَ - (وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ) السَّلَامَ كَالْجَبَابِرَةِ، لِعُمُومِ: «أَفْشُوا السَّلَامَ» (وَالْهَجْرُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ) هَجْرُ الْمُسْلِمِ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هُوَ (تَرْكُ كَلَامٍ مَعَ مَنْ لَقِيَ لَا عَدَمُهُ) ، أَيْ: لَا عَدَمُ اللُّقَى فَهَذَا (يَزُولُ بِالسَّلَامِ) لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّحَابُبِ، لِلْخَبَرِ، فَيَقْطَعُ الْهَجْرَ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا: «السَّلَامُ يَقْطَعُ الْهِجْرَانَ» . (وَسُنَّ سَلَامٌ عِنْدَ انْصِرَافٍ) عَنْ الْقَوْمِ، (وَعِنْدَ دُخُولِ بَيْتِهِ عَلَى أَهْلِهِ) لِلْخَبَرِ، (فَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا) خَالِيًا، (أَوْ) دَخَلَ (مَسْجِدًا خَالِيًا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) لِلْخَبَرِ، (وَلَا بَأْسَ بِهِ) . أَيْ: السَّلَامِ (عَلَى صِبْيَانٍ تَأْدِيبًا لَهُمْ) هَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ. (وَلَا يَلْزَمُهُمْ رَدٌّ) لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى صَبِيٍّ وَبَالِغٍ؛ رَدَّ الْبَالِغُ، وَلَمْ يَكْفِ رَدُّ الصَّبِيِّ، لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَحْصُلُ بِهِ. (وَيَلْزَمُ) مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ الصِّبْيَانُ (رَدُّ) السَّلَامِ (عَلَيْهِمْ) ، لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ، (كَشَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ سَلَّمَتْ) عَلَى رَجُلٍ فَيَجِبُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ". وَإِنْ سَلَّمَ الرَّجُلُ غَيْرُ الْمَحْرَمِ عَلَيْهَا؛ لَمْ يَلْزَمْهَا الرَّدُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 940 دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ، (وَإِرْسَالُهَا) ، أَيْ: الْأَجْنَبِيَّةِ (بِهِ) ، أَيْ: بِالسَّلَامِ (لِأَجْنَبِيٍّ) لَا بَأْسَ بِهِ (وَإِرْسَالُهُ) ، أَيْ: الْأَجْنَبِيِّ (إلَيْهَا) بِالسَّلَامِ (لَا بَأْسَ بِهِ لِمَصْلَحَةٍ، وَعَدَمِ مَحْذُورٍ) ، أَيْ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ مَعَ عَدَمِ الْمَحْذُورِ، (وَحَيْثُ سَلَّمَ عَلَى غَائِبٍ) عَنْ الْبَلَدِ (بِرِسَالَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ؛ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ عِنْدَ الْإِبْلَاغِ، وَنُدِبَتْ) الْإِجَابَةُ (عَلَى الرَّسُولِ فَيَقُولُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ) ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَبِي يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السَّلَامُ» وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: إنَّ فُلَانًا يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ. (وَجَبَ تَبْلِيغُهُ) ، أَيْ: السَّلَامِ (عَلَى رَسُولٍ تَحَمَّلَهُ) ، لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَمَّلْهُ؛ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ التَّبْلِيغُ. (وَسُنَّ حِرْصُ مُتَلَاقِيَيْنِ عَلَى بُدَاءَةٍ بِسَلَامٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. (فَإِنْ بَدَأَ كُلٌّ) مِنْ الْمُتَلَاقِيَيْنِ (صَاحِبَهُ مَعًا؛ وَجَبَ الرَّدُّ عَلَى كُلٍّ) مِنْهُمَا، لِعُمُومِ الْأَوَامِرِ بِرَدِّ السَّلَامِ. (وَسُنَّ لِمَنْ تَلَاقَوْا بِطَرِيقٍ أَنْ يُسَلِّمَ صَغِيرٌ وَقَلِيلٌ وَمَاشٍ وَرَاكِبٌ) كَذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) يُسَلِّمُ (مُنْحَدِرٌ) - وَهُوَ مُتَّجِهٌ - (عَلَى ضِدِّهِمْ) ، فَيُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَالْمَاشِي عَلَى الْجَالِسِ، وَالرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمُنْحَدِرُ عَلَى الصَّاعِدِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 941 وَالْكَثِيرُ عَلَى الْقَلِيلِ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ. فَإِنْ عَكَسَ، حَصَلَتْ السُّنَّةُ، (وَيُسَلِّمُ وَارِدٌ عَلَى ضِدِّهِ مُطْلَقًا) صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا. (وَمَنْ سَلَّمَ أَوْ رَدَّ عَلَى أَصَمَّ جَمَعَ بَيْنَ لَفْظٍ وَإِشَارَةٍ) ، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا مَنْ يُسَلِّمُ عَلَى الْأَصَمِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ، (وَسَلَامُ أَخْرَسَ) بِالْإِشَارَةِ (وَجَوَابُهُ) ، أَيْ: الْأَخْرَسِ (بِالْإِشَارَةِ) ، لِقِيَامِهَا مَقَامَ نُطْقِهِ، وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ كَانَ رُبَّمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجًا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، فَيَرُدُّ بِيَدِهِ. (وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى أَيْقَاظٍ بَيْنَ نِيَامٍ) ، أَوْ لَا يَعْلَمُ هَلْ هُمْ أَيْقَاظٌ أَوْ نِيَامٌ؟ (خَفَضَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يُسْمِعُهُمْ) ، أَيْ: الْأَيْقَاظَ (وَلَا يُوقِظُهُمْ) ، أَيْ: النِّيَامَ، جَمْعًا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ. [فَرْعٌ مُصَافَحَةُ الرَّجُل لِلرَّجُلِ] (فَرْعٌ: تُسَنُّ مُصَافَحَةُ رَجُلٍ لِرَجُلٍ، وَ) مُصَافَحَةُ (امْرَأَةٍ لِامْرَأَةٍ) ، لِحَدِيثِ قَتَادَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: " أَكَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَتَصَافَحَا؛ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ وَرُوِيَ تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُمَا، وَكَانَ أَحَقُّهُمَا بِالْأَجْرِ أَبَشَّهُمَا بِصَاحِبِهِ» (وَلَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِ مُصَافِحِهِ حَتَّى يَنْزِعَهَا) ، أَيْ: يَدَهُ مِنْ يَدِهِ لِمَا فِي نَزْعِ يَدِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ (إلَّا لِحَاجَةٍ كَحَيَاءِ) هـ مِنْهُ (وَنَحْوِهِ) كَمَضَرَّةٍ بِالتَّأْخِيرِ. (وَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَةِ مُرْدٍ لِمَنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ) عَدَمَ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورٍ، (وَقَصَدَ تَعْلِيمَهُمْ) ، أَيْ: الْمُرْدِ (حُسْنَ الْخُلُقِ) ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ " وَالرِّعَايَةِ " لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَاتِّقَاءِ الْمَفْسَدَةِ. (وَحَرُمَ مُصَافَحَةُ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ شَابَّةٍ) ، أَيْ: حَسْنَاءَ، لِأَنَّهَا شَرٌّ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 942 النَّظَرِ إلَيْهَا، أَمَّا الْعَجُوزُ غَيْرُ الْحَسْنَاءِ فَلِلرَّجُلِ مُصَافَحَتُهَا، لِعَدَمِ الْمَحْظُورِ. (وَلَا بَأْسَ بِمُعَانَقَةٍ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقَادِمِ، وَمُعَانَقَتُهُ، وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَإِكْرَامُ الْعُلَمَاءِ، وَأَشْرَافِ الْقَوْمِ بِالْقِيَامِ لَهُمْ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، قَالَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَطْمَعَ فِي قِيَامِ النَّاسِ لَهُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إلَّا لِلْإِمَامِ الْعَادِلِ وَالْوَالِدَيْنِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ وَالْكَرَمِ وَالنَّسَبِ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " الْمُجَرَّدِ " وَ " الْفُصُولِ "، وَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ، وَقَاسَهُ عَلَى الْمُهَادَاةِ لَهُمْ، قَالَ: وَيُكْرَهُ لِأَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ، وَاَلَّذِي يُقَامُ إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَسْتَكْبِرَ نَفْسُهُ إلَيْهِ، وَلَا تَطْلُبَهُ، وَالنَّهْيُ قَدْ وَقَعَ عَلَى السُّرُورِ بِذَلِكَ الْحَالِ، فَإِذَا لَمْ يُسَرَّ بِالْقِيَامِ إلَيْهِ، وَقَامُوا إلَيْهِ؛ فَغَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ، ذَكَرَهُ فِي الْآدَابِ ". (وَ) لَا بَأْسَ بِ (تَقْبِيلِ رَأْسِ وَيَدِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَنَحْوِهِمْ) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي حَدِيثِ «ابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّةٍ قَالَ فِيهَا فَدَنَوْنَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَبَّلْنَا يَدَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: «قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إلَى هَذَا النَّبِيِّ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ. . . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ: فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ، وَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. فَيُبَاحُ تَقْبِيلُ الْيَدِ وَالرَّأْسِ تَدَيُّنًا وَإِكْرَامًا وَاحْتِرَامًا مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ إبَاحَتِهِ لِأَمْرِ الدُّنْيَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّهْيُ، قَالَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ ". (وَ) لَا بَأْسَ بِ (الْقِيَامِ لَهُمْ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِحَدِيثِ: «قُومُوا لِسَيِّدِكُمْ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 943 (وَكُرِهَ تَقْبِيلُ فَمِ غَيْرِ زَوْجَةٍ وَسُرِّيَّةٍ) مُبَاحَةٍ لَهُ لِأَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَقَعَ كَرَامَةً. (وَيَتَّجِهُ: هَذَا) ، أَيْ: تَقْبِيلُ الْفَمِ مَكْرُوهٌ فِعْلُهُ: (فِي مَحَارِمِهِ) خَشْيَةَ تَحَرُّكِ الشَّهْوَةِ الْمُفْضِيَةِ لِلْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ، (وَإِلَّا؛ فَ) تَقْبِيلُ فَمِ (الْأَجْنَبِيَّةِ) الْمُشْتَهَاةِ (حَرَامٌ) بِشَهْوَةٍ. وَدُونَهَا. وَأُمًّا تَقْبِيلُ الرَّجُلِ فَمَ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ فَمَ الْمَرْأَةِ؛ فَمَكْرُوهٌ مَعَ أَمْنِ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ، وَإِلَّا فَحَرَامٌ بِلَا رَيْبٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ تَشْمِيتُ الْعَاطِس] (فَصْلٌ) (تَشْمِيتُ عَاطِسٍ مُسْلِمٍ حَمِدَ) فَرْضُ عَيْنٍ مِنْ وَاحِدٍ، (وَإِجَابَتُهُ) مَنْ شَمَّتَهُ (فَرْضُ) عَيْنٍ، (وَ) تَشْمِيتُهُ (مِنْ جَمْعٍ) فَرْضُ (كِفَايَةٍ) كَرَدِّ السَّلَامِ، (فَتَشْمِيتُهُ) ، أَيْ: الْعَاطِسِ: قَوْلُ سَامِعِهِ لَهُ: (يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَوْ: يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ) ، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَحَمِدَ اللَّهَ؛ فَشَمِّتُوهُ، فَإِذَا لَمْ يَحْمَدْ؛ فَلَا تُشَمِّتُوهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. (وَجَوَابُهُ) ، أَيْ: الْعَاطِسِ: (يُهْدِيكُمْ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 944 وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وُجُوهٍ (زَادَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَيُدْخِلُكُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَكُمْ) ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": أَوْ يَقُولُ: غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ. (وَكُرِهَ تَشْمِيتُ مَنْ لَمْ يَحْمَدْ) ، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا يُذَكَّرُ نَاسٍ) ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، (وَلَا بَأْسَ بِتَذْكِيرِهِ) لِمَا رَوَى الْمَرُّوذِيُّ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَ أَحْمَدَ، فَلَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ، فَانْتَظَرَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ فَيُشَمِّتَهُ، فَلَمْ يَحْمَدْ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ، قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كَيْفَ تَقُولُ إذَا عَطَسْتَ؟ قَالَ: أَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. (وَيُعَلَّمُ صَغِيرٌ وَقَرِيبُ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ) وَكَذَلِكَ يُعَلَّمُ مَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْجَهْلِ بِذَلِكَ. وَلَا يُسْتَحَبُّ تَشْمِيتُ الذِّمِّيِّ نَصًّا، فَإِنْ قِيلَ لَهُ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ جَازَ إذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ (وَيُقَالُ لِصَبِيٍّ عَطَسَ وَحَمِدَ: بُورِكَ فِيك أَوْ) يُقَالُ لَهُ: (جَبَرَكَ اللَّهُ أَوْ) يُقَالُ لَهُ: (يَرْحَمُكَ اللَّهُ) قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ، وَرُوِيَ «أَنَّهُ عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ يَا غُلَامُ» رَوَاهُ الْحَافِظُ السَّلَفِيُّ فِي انْتِخَابِهِ ". (وَلِلتَّشْمِيتِ إلَى ثَلَاثٍ) ، أَيْ: فَإِنْ عَطَسَ ثَانِيًا وَحَمِدَ شَمَّتَهُ، وَإِنْ عَطَسَ ثَالِثًا شَمَّتَهُ قَالَ صَالِحٌ لِأَبِيهِ: يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ فِي مَجْلِسٍ ثَلَاثًا؟ قَالَ: أَكْثَرُ مَا قِيلَ فِيهِ ثَلَاثًا وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ مَرْفُوعًا «يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ ثَلَاثًا فَمَا زَادَ فَهُوَ مَزْكُومٌ» (وَفِي رَابِعَةٍ يَدْعُو لَهُ بِالْعَافِيَةِ) إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ شَمَّتَهُ قَبْلَهَا ثَلَاثًا (وَالِاعْتِبَارُ بِفِعْلِ التَّشْمِيتِ لَا بِعَدَدِ عَطَسَاتٍ) فَلَوْ عَطَسَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ مُتَوَالِيَاتٍ شَمَّتَهُ بَعْدَهَا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ تَشْمِيتٌ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ ": قَوْلًا وَاحِدًا (وَلَا يُشَمِّتُ) الرَّجُلُ (شَابَّةً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 945 وَلَا تُشَمِّتُهُ) كَمَا فِي رَدِّ السَّلَامِ، وَتُشَمِّتُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَيُشَمِّتُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ، وَيُشَمِّتُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الْعَجُوزَ الْبَرْزَةَ لِأَمْنِ الْفِتْنَةِ (وَلَا يُجِيبُ الْمُتَجَشِّئَ بِشَيْءٍ، فَإِنْ حَمِدَ) اللَّهَ (قَالَ لَهُ) سَامِعُهُ: (هَنِيئًا مَرِيئًا، أَوْ هَنَّأَكَ اللَّهُ وَأَمْرَاكَ) ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَابْنُ تَمِيمٍ وَكَذَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ: وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ سُنَّةٌ بَلْ هُوَ عَادَةٌ مَوْضُوعَةٌ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: إذَا تَجَشَّأَ الرَّجُلُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ وَجْهَهُ إلَى فَوْقٍ لِكَيْ لَا يُخْرِجَ مِنْ فِيهِ رَائِحَةً فَيُؤْذِيَ بِهِ النَّاسَ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا تَجَشَّأَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (وَإِذَا عَطَسَ خَمَّرَ) ، أَيْ: غَطَّى (وَجْهَهُ) لِئَلَّا يَتَأَذَّى غَيْرُهُ بِبُصَاقِهِ (وَغَضَّ) أَيْ: خَفَضَ (صَوْتَهُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ إذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِثَوْبِهِ وَيَدِهِ، ثُمَّ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ. (وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا، وَ) لَا (شِمَالًا، وَحَمِدَ اللَّهَ جَهْرًا لِيُسْمَعَ فَيُشَمَّتَ) قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: إذَا عَطَسَ الْإِنْسَانُ اسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ بَدَنِهِ، وَجَوْدَةِ هَضْمِهِ، وَاسْتِقَامَةِ قُوَّتِهِ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ، وَلِذَلِكَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ وَفِي الْبُخَارِيِّ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ» لِأَنَّ الْعُطَاسَ يَدُلُّ عَلَى خِفَّةِ بَدَنٍ وَنَشَاطٍ، وَالتَّثَاؤُبَ غَالِبًا لِثِقَلِ الْبَدَنِ، وَامْتِلَائِهِ وَاسْتِرْخَائِهِ فَيَمِيلُ إلَى الْكَسَلِ فَأَضَافَهُ إلَى الشَّيْطَانِ، لِأَنَّهُ يُرْضِيهِ أَوْ مِنْ تَسَبُّبِهِ لِدُعَائِهِ إلَى الشَّهَوَاتِ. [فَرْعٌ يَجِبُ اسْتِئْذَانُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَلَوْ عَلَى قَرِيبٍ] (فَرْعٌ: يَجِبُ اسْتِئْذَانُ دَاخِلٍ وَلَوْ عَلَى قَرِيبٍ) قَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالسَّامِرِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَدْخُلَ بَيْتَ غَيْرِكَ إلَّا بِاسْتِئْذَانٍ كَهَذِهِ الْآيَةِ (فَإِنْ أُذِنَ لَهُ) فِي الدُّخُولِ دَخَلَ (وَإِلَّا) يُؤْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ (رَجَعَ) وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْذَانُهُ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يُجَابَ قَبْلَهَا (وَلَا يُزِيدُ) فِي اسْتِئْذَانِهِ (عَلَى ثَلَاثِ) مَرَّاتٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلَّا فَارْجِعْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (إلَّا أَنْ يَظُنَّ عَدَمَ سَمَاعِهِمْ) لِلِاسْتِئْذَانِ فَيَزِيدُ بِقَدْرِ مَا يَظُنُّ أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ، قَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ ": وَصِفَةُ الِاسْتِئْذَانِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ «وَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي بَيْتٍ، فَقَالَ: أَأَلِجُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَادِمِهِ اُخْرُجْ إلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ حِمْدَانَ، وَقِيلَ: يَقُولُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَقَطْ. انْتَهَى. وَيَجْلِسُ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ لِلْأَخْبَارِ. «وَلَعَنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، لِلْحَدِيثِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. [كِتَابُ الزَّكَاةِ] ِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ: زَكَا يَزْكُو؛ إذَا نَمَا، أَوْ تَطَهَّرَ، يُقَالُ: زَكَا الزَّرْعُ: إذَا نَمَا وَزَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 946 وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] ، أَيْ: طَهَّرَهَا عَنْ الْأَدْنَاسِ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْمَدْحِ، قَالَ تَعَالَى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] وَعَلَى الصَّلَاحِ، يَقُولُ: رَجُلٌ زَكِيٌّ، أَيْ: زَائِدُ الْخَيْرِ، مِنْ قَوْمٍ أَزْكِيَاءَ، وَزَكَّى الْقَاضِي الشُّهُودَ؛ إذَا بَيَّنَ زِيَادَتَهُمْ فِي الْخَيْرِ، وَسُمِّيَ الْمَالُ الْمُخْرَجُ زَكَاةً، لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي الْمُخْرَجِ مِنْهُ، وَيَقِيهِ الْآفَاتِ، وَأَصْلُ التَّسْمِيَةِ قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُطَهِّرُ مُؤَدِّيَهَا مِنْ الْإِثْمِ، وَتُنَمِّي أَجْرَهُ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إنَّهَا تُنَمِّي الْفُقَرَاءَ. (أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ) وَمَبَانِيهِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» : فَذَكَرَ مِنْهَا: وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ". (وَفُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ) ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " " وَالْمُحَرَّرِ " وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ الْمُرَادَ طَلَبُهَا، وَبَعْثُ السُّعَاةِ لِقَبْضِهَا، فَهَذَا بِالْمَدِينَةِ، وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ ": إنَّ الظَّاهِرَ فِي إسْقَاطِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ مُعَارَضَةٌ بِظَوَاهِرَ تَقْتَضِي وُجُوبَ الزَّكَاةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 فِي كُلِّ مَالٍ، كَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] وَاحْتَجَّ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ فِعْلُهَا، وَيُعَاقَبُ بِهَا بِقَوْلِهِ {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 6] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 7] وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ فَسَّرُوا الزَّكَاةَ فِيهَا بِالتَّوْحِيدِ انْتَهَى. وَقَالَ الْحَافِظُ شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ: إنَّهَا فُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الزَّكَوَاتِ، وَفِي تَارِيخِ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ أَنَّهَا فُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ: فُرِضَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَبُيِّنَتْ بَعْدَهَا. (وَهِيَ) أَيْ: الزَّكَاةُ شَرْعًا: (حَقٌّ وَاجِبٌ) يَأْتِي تَقْدِيرُهُ فِي أَبْوَابِ الْمُزَكِّيَاتِ، (فِي مَالٍ خَاصٍّ) يَأْتِي بَيَانُهُ (لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) وَهُمْ: الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ الْمُشَارُ إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] . . . الْآيَةَ، (بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ) ، هُوَ: تَمَامُ الْحَوْلِ فِي الْمَاشِيَةِ وَالْأَثْمَانِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَعِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ فِي الْحُبُوبِ، وَعِنْدَ بُدُوِّ الثَّمَرَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَعِنْدَ حُصُولِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْعَسَلِ، وَاسْتِخْرَاجِ مَا تَجِبُ فِيهِ مِنْ الْمَعَادِنِ، وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ، لِوُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَاجِبٌ: الْحَقُّ الْمَسْنُونُ، كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَبِقَوْلِهِ: فِي مَالٍ: رَدُّ السَّلَامِ وَنَحْوُهُ، وَبِقَوْلِهِ: خَاصٍّ: مَا يَجِبُ فِي كُلِّ الْأَمْوَالِ، كَالدُّيُونِ وَالنَّفَقَاتِ، وَبِقَوْلِهِ: لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ: نَحْوُ الدِّيَةِ، لِأَنَّهَا لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ، وَبِقَوْلِهِ: بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ: نَحْوُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 (وَالْمَالُ الْخَاصُّ) الْمَذْكُورُ: (سَائِمَةُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) ، وَهِيَ: الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، سُمِّيَتْ بَهِيمَةً لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ، وَيَأْتِي بَيَانُ السَّوْمِ. (وَ) سَائِمَةُ (بَقَرِ الْوَحْشِ وَغَنَمِهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، لِشُمُولِ اسْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لَهُمَا، (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ وَجَمْعٌ) ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ " الْوَجِيزِ " وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ " وَابْنُ رَزِينٍ، (وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ ذَلِكَ) الْأَهْلِيُّ وَالْوَحْشِيُّ وَالسَّائِمُ (وَغَيْرُهُ) كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الظِّبَاءِ وَالْغَنَمِ وَبَيْنَ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ تَغْلِيبًا لِلْوُجُوبِ. (وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ) ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِنِصَابِ سَائِمَةٍ لِشَخْصٍ، فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا مَالِكُ الْأَصْلِ. (وَالْخَارِجُ مِنْ أَرْضٍ) مِنْ حُبُوبٍ وَثِمَارٍ وَمَعْدِنٍ وَرِكَازٍ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. (وَ) مِنْ (نَحْلٍ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ. (وَالْأَثْمَانُ) وَهِيَ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ. (وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ) ، وَيَأْتِي بَيَانُ الْمُزَكَّيَاتِ فِي أَبْوَابِهَا مُفَصَّلَةً. (ولَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ) إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ، حَيَوَانًا كَانَ الْمَالُ، كَالرَّقِيقِ وَالطُّيُورِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالظِّبَاءِ، سَائِمَةً أَوْ لَا، أَوْ غَيْرَ حَيَوَانٍ، كَاللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ وَالثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ، وَآلَاتِ الصُّنَّاعِ وَأَثَاثِ الْبُيُوتِ وَالْأَشْجَارِ وَالنَّبَاتِ وَالْأَوَانِي، (وَلَوْ) كَانَ الْمَالُ (عَقَارًا) مِنْ دُورٍ وَأُرَاضِيَن (مُعَدًّا لِكِرَاءٍ) أَوْ لِسُكْنَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَفَرَسِهِ صَدَقَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَبِي دَاوُد: «لَيْسَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ زَكَاةٌ إلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ» وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ بَاقِي الْمَذْكُورَاتِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ إلَّا لِدَلِيلٍ، وَلَا دَلِيلَ فِيهَا (وَشُرُوطُهَا) - أَيْ: الزَّكَاةِ، (وَلَيْسَ مِنْهَا) ، أَيْ: الشُّرُوطِ (بُلُوغٌ وَ) لَا (عَقْلٌ) فَتَجِبُ فِي مَالِ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ، لِعُمُومِ الْحَدِيثِ «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» رَوَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 الْجَمَاعَةُ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ مَرْفُوعًا: «انْتَمُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تُذْهِبُهَا أَوْ لَا تَسْتَهْلِكُهَا الصَّدَقَةُ» وَكَوْنُهُ مُرْسَلًا غَيْرُ ضَارٍ، لِأَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ وَابْنه وَعَلِيٌّ وَابْنه الْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةُ، وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ وَهُمَا مِنْ أَهْلِهَا كَالْمَرْأَةِ، بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ وَالْعَقْلِ - (أَرْبَعَةٌ) : أَحَدُهَا: (الْإِسْلَامُ) . (وَ) الثَّانِي: (الْحُرِّيَّةُ) ، وَ (لَا) يُشْتَرَطُ (كَمَالُهَا) ، أَيْ: الْحُرِّيَّةِ، (فَيَجِبُ) الزَّكَاةُ (عَلَى مُبَعَّضٍ بِقَدْرِ مِلْكِهِ) مِنْ الْمَالِ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ، لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ. وَ (لَا) تَجِبُ زَكَاةٌ عَلَى (كَافِرٍ) ، «لِحَدِيثِ مُعَاذٍ حِين بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ: إنَّك تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهَا أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى كَافِرٍ كَالصِّيَامِ. (وَلَوْ) كَانَ الْكَافِرُ (مُرْتَدًّا) ، لِأَنَّهُ كَافِرٌ، فَأَشْبَهَ الْأَصْلِيَّ، فَإِذَا أَسْلَمَ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ لِزَمَنِ رِدَّتِهِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» (وَلَا) تَجِبُ زَكَاةٌ عَلَى (رَقِيقٍ) ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِتَمْلِيكٍ مِنْ سَيِّدٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَلَوْ) كَانَ (مُكَاتَبًا) ، لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ حَتَّى يَعْتِقَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَهُ جَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 حَاجَتِهِ إلَى فَكِّ رَقَبَتِهِ مِنْ الرِّقِّ بِمَالِهِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِ حَاجَةِ الْحُرِّ الْمُفْلِسِ بِمَسْكَنِهِ وَثِيَابِ بِذْلَته، فَكَانَ بِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ أَوْلَى وَأَحْرَى. (وَلَا يَمْلِكُ رَقِيقٌ غَيْرُهُ) ، أَيْ: الْمُكَاتَبَ. (وَلَوْ مَلَكَ) مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَالٌ فَلَا يَمْلِكُ الْمَالَ كَالْبَهَائِمِ، فَمَا جَرَى فِيهِ صُورَةُ تَمْلِيكٍ مِنْ سَيِّدِهِ لِعَبْدِهِ زَكَاتُهُ عَلَى السَّيِّدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، (فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا) أَوْ أَمَةً، (وَوَهَبَهُ شَيْئًا) زَكَوِيًّا، (ثُمَّ ظَهَرَ أَنْ الْعَبْدَ) أَوْ الْأَمَةَ (كَانَ حُرًّا، فَلَهُ) ، أَيْ السَّيِّدَ (أَخْذُ مَا وَهَبَهُ لَهُ) ، لِأَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ خِلَافُهُ رَجَعَ بِهِ [فَرْعٌ الزَّكَاةُ فِي مَالٍ مَوْقُوفٍ لِجَنِينٍ] (فَرْعٌ: لَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي مَالٍ مَوْقُوفٍ لِجَنِينٍ) ، أَيْ: الَّذِي وُقِفَ لَهُ فِي إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، (لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ) ، أَيْ: الْجَنِينِ (أَحْكَامُ الدُّنْيَا) مَا دَامَ حَمْلًا (إلَّا فِي عِتْقٍ) ، كَمَا لَوْ كَانَ رَقِيقًا وَعَتَقَهُ سَيِّدُهُ، ثُمَّ انْفَصِلْ حَيًّا، فَثَبَتَتْ لَهُ الْحُرِّيَّةُ بِالْعِتْقِ (عَنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ) ، أَمَّا عَنْهَا فَلَا يُجْزِئُ بَدَلًا. (وَ) إلَّا (فِي إرْثٍ وَ) إلَّا فِي (وَصِيَّةٍ) ، أَيْ: فَيَمْلِكُ مَا وَرِثَهُ أَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ مِلْكًا مُرَاعًا (بِشَرْطِ خُرُوجِهِ حَيًّا) ، قَالَهُ الْمُوَفَّقُ، لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ مِلْكُهُ حِينَئِذٍ فَيُزْكِيهِ وَلِيُّهُ إذَا حَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ حِينِ تَمَامِ الْمِلْكِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَيًّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا، فَيُزَكِّي مَا وُقِفَ لَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ، لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَأَمَّا وَصِيٌّ لَهُ بِهِ فَزَكَاتُهُ عَلَى الْمُوصِي، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ. (وَيَتَّجِهُ) : بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ. (وَ) لَوْ خَرَجَ الْجَنِينُ الْمَوْقُوفُ إرْثُهُ (مَيِّتًا، يَنْفُذْ تَصَرُّفٌ) صَدَرَ مِنْ (وَارِثٍ) فِي ذَلِكَ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ قُبَيْلَ خُرُوجِ الْجَنِينِ، لِعَدَمِ ثُبُوتِ مِلْكِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ مُورِثِهِ ظَانًّا أَنَّهُ حَيٌّ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَيًّا حِينَ الْبَيْعِ، فَيَصِحُّ، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا ظَنَّ الْمُكَلَّفُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 (الثَّالِثُ: مِلْكُ نِصَابٍ) ، وَهُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَيْضًا، فَلَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا لِمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ، وَيَكُونُ النِّصَابُ (تَقْرِيبًا فِي أَثْمَانٍ وَ) قِيَمِ (عُرُوضِ) تِجَارَةٍ، (فَلَا يَضُرُّ نَقْصٌ) يَسِيرٌ كَحَبَّةٍ وَ (حَبَّتَيْنِ) ، لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ غَالِبًا، فَهُوَ كَنَقْصِ الْحَوْلِ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمُوَاسَاةِ، لِأَنَّ النَّقْصَ الْيَسِيرَ لَا حُكْمَ لَهُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ كَالْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ، وَانْكِشَافٍ يَسِيرٍ مِنْ الْعَوْرَةِ، وَالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ، فَكَذَا هُنَا، فَإِنْ كَانَ النَّقْصُ بَيِّنًا كَالدَّانَقِ وَالدَّانَقَيْنِ لَمْ يَجِبْ. (وَتَحْدِيدًا فِي غَيْرِهِمَا) ، أَيْ: غَيْرِ الْأَثْمَانِ وَالْعُرُوضِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْمَوَاشِي، فَإِنْ نَقَصَ نِصَابُهَا، وَلَوْ بِجُزْءٍ يَسِيرٍ، لَمْ تَجِبْ، (فَلَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ (مَعَ نَقْصِ مَاشِيَةٍ جُزْءًا، وَ) لَا مَعَ نَقْصِ (حَبٍّ) وَلَوْ (يَسِيرًا) كَصَاعٍ، (لَكِنْ لَا اعْتِبَارَ بِنَقْصٍ يَتَدَاخَلُ فِي الْمَكَايِيلِ، كَأُوقِيَّةٍ. كَذَا قِيلَ) ، يُشِيرُ إلَى ضَعْفِهِ، مَعَ أَنَّهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": جَزَمَ بِهِ الْأَئِمَّةُ. (وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ) ، كَمَا يَأْتِي، (إلَّا السَّائِمَةَ، فَلَا زَكَاةَ فِي وَقْصِهَا) ، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 مَرْفُوعًا: «لَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ صَدَقَةٌ» وَقَالَ: الْوَقْصُ مَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ «مُعَاذٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَمَرْت فِي الْأَوْقَاصِ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لَا وَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ تِسْعٌ مِنْ إبِلٍ مَغْصُوبَةٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا بَعِيرًا بَعْدَ الْحَوْلِ، زَكَّاهُ بِخُمْسِ شَاةٍ. (وَتَلْزَمُ) الزَّكَاةُ (مَالِكَ نِصَابٍ، وَلَوْ) كَانَ النِّصَابُ (مَغْصُوبًا) بِيَدِ غَاصِبٍ أَوْ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْهُ أَوْ تَالِفًا، لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ وَالْحَوَالَةِ، أَشْبَهَ الدَّيْنَ، فَيُزَكِّيهِ رَبُّهُ إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى. (وَيَرْجِعُ) رَبُّهُ (بِزَكَاتِهِ) ، أَيْ: الْمَغْصُوبِ، (عَلَى غَاصِبٍ) لَا نَقْصَ حَصَلَ بِيَدِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ (أَوْ) كَانَ (ضَالًّا) ، فَيُزْكِيهِ مَالِكُهُ إذَا وَجَدَهُ لِحَوْلِ التَّعْرِيفِ، لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، (وَزَمَنُ مِلْكِهِ مُلْتَقَطٌ) وَهُوَ بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ (عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْمُلْتَقِطِ، لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَيُزْكِيهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ. (وَيَرْجِعُ) رَبُّ مَالٍ ضَالٍّ (بِهَا) ، أَيْ: بِزَكَاتِهِ (عَلَى مُلْتَقِطٍ أَخْرَجَهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةَ (مِنْهَا) - أَيْ: اللَّقَطَةِ - وَلَوْ لِحَوْلِ التَّعْرِيفِ، لِتَعَدِّيهِ بِالْإِخْرَاجِ: وَلَا تُجَزِّئُ عَنْ رَبِّهَا، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى رَبِّهَا بِشَيْءٍ (أَوْ) كَانَ (غَائِبًا) فَتَجِبُ زَكَاتُهُ كَالْحَاضِرِ، (أَوْ) كَانَ (مَشْكُوكًا فِي بَقَائِهِ) فَتَجِبُ زَكَاتُهُ كَالْغَائِبِ (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") حَيْثُ قَالَ: لَا إنْ شَكَّ فِي بَقَائِهِ، قَالَ فِي شَرْحِهِ: بِأَنْ شَكَّ: هَلْ هُوَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ؟ فَإِنَّ زَكَاتَهُ لَا تَجِبُ مَعَ الشَّكِّ، وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ: لِعَدَمِ تَيَقُّنِ السَّبَبِ لَكِنْ مَتَى وَصَلَ إلَى يَدِهِ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى مُطْلَقًا. انْتَهَى. قُلْت: لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ: أَوْ مَشْكُوكًا فِي بَقَائِهِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ عُلِمَ بَقَاؤُهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ إلَّا إذَا حَصَلَ فِي يَدِهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 (أَوْ) كَانَ (مَسْرُوقًا، أَوْ مَدْفُونًا مَنْسِيًّا) بِدَارٍ أَوْ غَيْرِهَا، (أَوْ) كَانَ (مَوْرُوثًا جَهِلَهُ) ، أَيْ: إرْثَهُ لَهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَوْتِ مُورِثِهِ، أَوْ كَانَ مَوْقُوفًا لِجَنِينٍ وَخَرَجَ مَيِّتًا، (أَوْ) كَانَ مَوْرُوثًا وَجَهِلَ (عِنْدَ مَنْ هُوَ) بِأَنْ عَلِمَ مَوْتَ مُورِثِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ مُورِثُهُ. (وَنَحْوُهُ) كَمَوْهُوبٍ قَبْلَ قَبْضِهِ، (وَيُزَكِّي مَا مَرَّ) مِنْ مَغْصُوبٍ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (إذَا قَدَرَ) رَبُّهُ (عَلَيْهِ) بِأَخْذِهِ مِنْ غَاصِبِهِ وَمُلْتَقِطِهِ، أَوْ حُضُورِ غَائِبٍ أَوْ عِلْمِهِ بِمَشْكُوكٍ فِيهِ وَحُصُولِهِ أَوْ أَخْذِهِ مِنْ سَارِقِهِ، أَوْ عِلْمِهِ بِمَدْفُونٍ أَوْ مَوْرُوثٍ، وَقَبْضِ مَوْهُوبٍ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ جَمِيعِ النِّصَابِ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، بَلْ كُلَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ زَكَّاهُ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ فَلَا تَجِبُ قَبْلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا، (أَوْ) كَانَ النِّصَابُ (مَرْهُونًا) ، فَتَجِبُ فِيهِ كَغَيْرِهِ، (وَيُخْرِجُهَا) ، أَيْ: زَكَاةَ الْمَرْهُونِ (رَاهِنٌ مِنْهُ) ، أَيْ: الْمَرْهُونَ، (بِلَا إذْنِ) مُرْتَهِنٍ (إنْ تَعَذَّرَ غَيْرُ) - أَيْ: الْمَرْهُونَ - بِأَنْ كَانَ غَيْرُهُ غَائِبًا أَوْ مَغْصُوبًا وَنَحْوَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ جِنَايَةُ رَهْنٍ عَلَى دَيْنِهِ، لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ، وَتَقَدَّمَ عَلَى حَقِّ مَالِكِهِ، فَكَذَا عَلَى حَقِّ مُرْتَهِنٍ، (وَيَأْخُذُ مُرْتَهِنٌ) مِنْ رَاهِنٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ رَهْنٍ مِنْهُ (عِوَضَ زَكَاةٍ إنْ أَيْسَرَ) رَاهِنٌ بِأَنْ حَضَرَ مَالُهُ الْغَائِبُ، أَوْ انْتَزَعَ الْمَغْصُوبَ وَنَحْوَهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الرَّهْنَ أَوْ بَعْضَهُ، (أَوْ) كَانَ النِّصَابُ (دَيْنًا) عَلَى مُوسِرٍ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّ تَأْجِيلَهُ تَكَسُّبٌ، وَاسْتِنْمَاءٌ بِرِضَى رَبِّهِ وَاخْتِيَارِهِ، قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَعَنْ عَلِيٍّ: فِي الدَّيْنِ الظَّنُونُ إنْ كَانَ صَادِقًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 فَيَلْزَمُهُ إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَحْوُهُ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ فِي مَادَّةِ ظَنَّ بِالْمُعْجَمَةِ، وَكَصَبُورٍ مِنْ الدُّيُونِ: مَا لَا يَدْرِي أَيَقْضِيهِ أَخْذُهُ أَوْ لَا؟ (غَيْرَ بَهِيمَةِ نِعَمٍ) ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إذَا كَانَتْ دَيْنًا، بِأَنْ جَعَلَهَا مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ عِوَضًا فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِعَدَمِ السَّوْمِ، فَإِنْ عُيِّنَتْ زُكِّيَتْ كَغَيْرِهَا. (وَيَتَّجِهُ: وَ) غَيْرَ دَيْنٍ عَلَى (مُعْسِرٍ) ، أَيْ: فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، لِتُعَذِّر قَبْضِهِ عَادَةً، وَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِهِ، أَشْبَهَ التَّالِفَ قَبْلَ الْحَوْلِ، هَذَا عَلَى كَوْنِ مُعْسِرٍ - بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ - غَيْرُ مُتَّجِهٍ، لِإِمْكَانِ إيسَارِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَمُعَشَّرٌ: بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَشْدِيدِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ: وَغَيْرَ مُعَشَّرٍ إذَا كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ، عِوَضًا عَنْ نَحْوِ بَيْعٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَرْضَ تِجَارَةٍ فَتَجِبُ فِيهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُرُوضِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) غَيْرَ (دِيَةٍ وَاجِبَةٍ) عَلَى قَاتِلٍ أَوْ عَاقِلَتِهِ فَلَا تُزَكَّى، لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ مَالًا زَكَوِيًّا، لِأَنَّ الْإِبِلَ أَصْلٌ أَوْ أَحَدُ الْأُصُولِ، (أَوْ) غَيْرَ (دَيْنِ سَلَمٍ) ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ وَالْحَوَالَةِ بِهِ، وَعَلَيْهِ (مَا لَمْ يَكُنْ) دَيْنُ السَّلَمِ (أَثْمَانًا) ، فَتَجِبُ فِيهَا لِوُجُوبِهَا فِي عَيْنِهَا، (أَوْ) يَكُنْ دَيْنُ السَّلَمِ (لِتِجَارَةٍ) ، فَتَجِبُ فِي قِيمَتِهِ كَسَائِرِ عُرُوضِهَا. (وَلَوْ) كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 الدَّيْنُ الَّذِي قُلْنَا: تَجِبُ زَكَاتُهُ (مَجْحُودًا بِلَا بَيِّنَةٍ) ، لِأَنَّ جَحْدَهُ لَا يُزِيلُ مِلْكَ رَبِّهِ عَنْهُ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، (وَتَسْقُطُ زَكَاتُهُ) ، أَيْ: الدَّيْنِ (إنْ سَقَطَ قَبْلَ قَبْضِهِ بِلَا عِوَضٍ، وَلَا إسْقَاطٍ كَصَدَاقٍ سَقَطَ لِفَسْخٍ) مِنْ جِهَتِهَا، أَوْ تَنَصَّفَ لِطَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَدَيْنٍ بِذِمَّةِ رَقِيقٍ يَبْلُغُ نِصَابًا فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، ثُمَّ مَلَكَ رَبُّ الدَّيْنِ الرَّقِيقَ سَقَطَ الدَّيْنُ وَزَكَاتُهُ لِسُقُوطِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَلَا إسْقَاطٍ. (وَثَمَنِ نَحْوِ مَكِيلٍ) كَمَوْزُونٍ (تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ) بَعْدَ الْحَوْلِ، (وَمَوْتِ مَدِينٍ مُفْلِسًا) فَتَسْقُطُ زَكَاتُهُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ، وَلَا تَلْزَمُ فِي شَيْءٍ تَعَذَّرَ حُصُولُهُ، وَمِثْلُهُ مَوْهُوبٌ لَمْ يُقْبَضْ رَجَعَ فِيهِ وَاهِبٌ بَعْدَ الْحَوْلِ، فَتَسْقُطُ عَنْ مَوْهُوبٍ لَهُ، (وَإِلَّا) يَسْقُطْ قَبْلَ قَبْضِهِ بِلَا عِوَضٍ، وَلَا إسْقَاطٍ (فَلَا) تَسْقُطُ زَكَاتُهُ، (فَيُزَكِّي) الدَّيْنَ (إذَا قَبَضَ) أَوْ عُوِّضَ عَنْهُ، أَوْ أُحِيلَ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ (أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ لِمَا مَضَى) مِنْ السِّنِينَ، وَلَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ مُوَاسَاةً، وَلَيْسَ مِنْهَا إخْرَاجُ زَكَاةِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ (وَيُجْزِئُ إخْرَاجُهَا) ، أَيْ: زَكَاةِ الدَّيْنِ (قَبْلَ) قَبْضِهِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ، لِقِيَامِ الْوُجُوبِ عَلَى رَبِّهِ، وَعَدَمُ إلْزَامِهِ بِالْإِخْرَاجِ إذَنْ رُخْصَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ، (وَلَوْ قَبَضَ) رَبُّ دَيْنٍ مِنْهُ (دُونَ نِصَابٍ) زَكَّاهُ، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ، (أَوْ كَانَ بِيَدِهِ) دُونَ نِصَابٍ (وَبَاقِيهِ) ، أَيْ: النِّصَابِ (دَيْنٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ ضَالٌّ زَكَّاهُ) أَيْ: مَا بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ نِصَابٍ مِلْكًا تَامًّا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ كُلَّهُ، أَوْ كَانَ بِيَدِهِ كُلُّهُ. (وَفِي " الْإِقْنَاعِ " وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا ظَنَّ رُجُوعَهُ) ، أَيْ: الضَّالِّ وَنَحْوِهِ (وَإِنْ زَكَّتْ) امْرَأَةٌ (صَدَاقَهَا كُلَّهُ) بَعْدَ الْحَوْلِ، وَهُوَ فِي مِلْكِهَا، (ثُمَّ تَنَصَّفَ) الصَّدَاقُ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، (أَوْ سَقَطَ) الصَّدَاقُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 كُلُّهُ بِفَسْخٍ مِنْ جِهَتِهَا لِفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، (رَجَعَ) الزَّوْجُ (فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الصَّدَاقِ (بِكُلِّ حَقِّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] فَلَوْ أَصْدَقهَا ثَمَانِينَ، فَحَالَ الْحَوْلُ وَزَكَّتْهَا أَوْ لَا، رَجَعَ بِأَرْبَعِينَ، وَتَسْتَقِرُّ الزَّكَاةُ عَلَيْهَا. (وَلَا تُجْزِئُهَا زَكَاتُهَا مِنْهُ) أَيْ: الصَّدَاقِ (بَعْدَ) طَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. (وَيَتَّجِهُ: إجْزَاءُ) هَا الْإِخْرَاجَ (فِي قَدْرِ مَا يَخُصُّهَا) ، وَتَغْرَمُ لَهُ نِصْفَ مَا أَخْرَجَتْ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ عَبَّرَ عَنْهُ صَاحِبُ " الْإِنْصَافِ ": بِقِيلَ (وَيُزْكِي مُشْتَرٍ مَبِيعًا مُتَعَيَّنًا) كَنِصَابِ سَائِمَةٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ مَوْصُوفٍ مِنْ قَطِيعٍ مُعَيَّنٍ، (أَوْ) مَبِيعًا (مُتَمَيِّزًا) : كَهَذِهِ الْأَرْبَعِينَ شَاةً، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ قُنْدُسٍ، قَالَ: فَكُلُّ مُتَمَيِّزَةٍ مُتَعَيِّنَةٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مُتَعَيِّنَةٍ مُتَمَيِّزَةً، (وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعَ الْمُتَعَيِّنَ أَوْ الْمُتَمَيِّزَ مُشْتَرٍ (حَتَّى انْفَسَخَ) الْبَيْعُ (بَعْدَ الْحَوْلِ) ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِ الْفَسْخِ لَا مِنْ أَصْلِهِ، (وَمَا عَدَاهُمَا) ، أَيْ: الْمُتَعَيِّنَ أَوْ الْمُتَمَيِّزَ يُزَكِّيهِ (بَائِعٌ كَ) أَرْبَعِينَ شَاةً مَوْصُوفَةً (فِي ذِمَّةِ) بَائِعٍ (أَقَبَضَ) الْمُشْتَرِي ثَمَنَهَا، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَهِيَ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَزَكَاتُهَا (عَنْهُ) ، أَيْ: عَنْ ذَلِكَ الْحَوْلِ عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ يُزَكِّيهَا عَمَّا بَعْدَهُ (مَا) دَامَتْ (فِي يَدِهِ) إلَى أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَمْ تُوجَبْ زَكَاتُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ، وَلَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي وَلَوْ تَلِفَتْ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا، لَكِنَّ تَسْمِيَتَهَا مَبِيعَةً فِيهِ تَسَمُّحٌ؛ لِأَنَّهَا عَلَى صِفَةِ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا الْبَيْعُ فِي الذِّمَّةِ، أَيْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 شَيْءٌ سَلَّمَهُ الْبَائِعُ عَنْهُ بِالصِّفَاتِ لَزِمَ قَبُولُهُ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا: إذَا لَمْ يَنْقُصْ النِّصَابُ بِهَا، وَإِلَّا، فَيَأْتِي لَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُنْقِصُ النِّصَابَ، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ فِي الْمِثَالِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ لَا زَكَاةَ فِيهَا، لِعَدَمِ السَّوْمِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَبِيعُ الْمَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ عُرُوضَ تِجَارَةٍ، فَزَكَاتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي (وَلَا زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ فِي) مَالٍ (مُوصًى بِهِ) لِمُعَيَّنٍ (قَبْلَ قَبُولٍ وَرَدٍّ خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " (هُنَا) ، حَيْثُ أَطْلَقَ فَقَالَ: وَالْمَالُ الْمُوصَى بِهِ يُزَكِّيهِ مَنْ حَالَ الْحَوْلُ، وَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَوْ وَصَّى بِنَفْعِ نِصَابِ سَائِمَةٍ زَكَّاهَا مَالِكُ الْأَصْلِ، وَقَالَ فِي الْوَصَايَا: لَوْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ زَكَوِيًّا وَتَأَخَّرَ الْقَبُولُ مُدَّةً تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا بِمِثْلِهَا، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ (الرَّابِعُ: تَمَامُ الْمِلْكِ) فِي الْجُمْلَةِ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ النَّاقِصَ لَيْسَ بِنِعْمَةٍ كَامِلَةٍ، وَهِيَ إنَّمَا تَجِبُ فِي مُقَابَلَتِهَا، إذْ الْمِلْكُ التَّامُّ عِبَارَةٌ عَمَّا كَانَ بِيَدِهِ، لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ، يَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى حَسْبِ اخْتِيَارِهِ، وَفَوَائِدُهُ حَاصِلَةٌ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. (وَلَوْ) كَانَ تَمَامُ الْمِلْكِ (فِي مَوْقُوفٍ عَلَى مُعَيَّنٍ عَنْ سَائِمَةٍ) نَصًّا إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ، لِعُمُومِ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَشْبَهَ سَائِرَ أَمْلَاكِهِ، (أَوْ) مِنْ (غَلَّةِ أَرْضٍ وَ) غَلَّةِ (شَجَرٍ) مَوْقُوفَيْنِ عَلَى مُعَيَّنٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 نَصًّا إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ لَيْسَا وَقْفًا بِدَلِيلِ بَيْعِهِمَا. (وَيُخْرِجُ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ (مِنْ غَيْرِ السَّائِمَةِ وَ) غَيْرِ (أَوْلَادِهَا) ، إذْ السَّائِمَةُ بِخُرُوجٍ عَنْهَا لَا مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ (إنْ بَلَغَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا) مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ غَلَّةِ أَرْضٍ وَشَجَرٍ (نِصَابًا) ، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْخُلْطَةِ فِي غَيْر الْمَاشِيَةِ، (فَلَا زَكَاةَ عَلَى سَيِّدِ) مُكَاتَبٍ (فِي دَيْنِ كِتَابَةٍ) لِنَقْصِ مِلْكِهِ فِيهِ بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ بِحَالٍ، وَعَدَمِ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ، وَضَمَانِهِ، وَمَا قَبَضَهُ مِنْهُ سَيِّدُهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْحَوْلَ إنْ بَلَغَ نِصَابًا، وَإِلَّا فَكَمُسْتَفَادٍ، وَكَذَا إنْ عَجَزَ وَبِيَدِهِ شَيْءٌ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا) تَجِبُ زَكَاةٌ (عَلَى مُسْتَحِقٍّ اسْتِحْقَاقُهُ دَيْنٌ مُوقَفٌ) ، لِعَدَمِ تَمَامِ مِلْكِهِ، فَإِذَا قَبَضَهُ ابْتَدَأَ حَوْلَهُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) لَا زَكَاةَ فِي (حِصَّةِ مُضَارِبٍ) مِنْ رِبْحٍ (قَبْلَ قِسْمَتِهِ، وَلَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 مُلِكَتْ) حِصَّتُهُ (بِالظُّهُورِ) ، لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ فَمِلْكُهُ نَاقِصٌ، (وَابْتِدَاءُ حَوْلِهِ مِنْ قِسْمَةٍ) أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَاهَا، فَيُزْكِي رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ كَرَأْسِ الْمَالِ لِمِلْكِهِ الرِّبْحَ بِظُهُورِهِ وَتَبْقِيَتِهِ لِمَالِهِ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ حِصَّةِ الْمُضَارَبِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكِهِ لَهَا. (وَلَا) تَجِبُ زَكَاةٌ (فِي) مَالٍ (مُعَيَّنٍ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ) وَلَمْ يَقُلْ: إذَا حَالَ الْحَوْلُ، فَلَا زَكَاةَ عَلَى رَبِّهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ أَوْ نَقْصِهِ، وَكِلَاهُمَا مُسْقِطٌ لِلزَّكَاةِ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَحَالَ الْحَوْلُ، تَجِبُ زَكَاتُهُ، مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَ) لَا زَكَاةَ فِي (مَوْقُوفٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ) كَعَلَى الْفُقَرَاءِ، (أَوْ) مَوْقُوفٍ عَلَى (مَسْجِدٍ) أَوْ مَدْرَسَةٍ أَوْ رِبَاطٍ وَنَحْوِهِ، لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَالِكِ، (وَ) لَا زَكَاةَ فِي (غَنِيمَةٍ مَمْلُوكَةٍ) مِنْ أَجْنَاسٍ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ قَسْمَهَا بِرَأْيِهِ، فَيُعْطِي كُلًّا مِنْ أَيِّ صِنْفٍ شَاءَ، بِخِلَافِ مِيرَاثٍ، (إلَّا) إذَا كَانَتْ الْغَنِيمَةُ (مِنْ جِنْسٍ) وَاحِدٍ، فَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهَا، (إنْ بَلَغَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْغَانِمِينَ (نِصَابًا) ، لِتَعَيُّنِ مِلْكِهِ فِيهِ، (وَإِلَّا) تَبْلُغْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا، (فَخُلْطَةٌ) . وَيَأْتِي أَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ، وَلَا يَخْرُجُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالدَّيْنِ. (وَلَا) تَجِبُ زَكَاةٌ (فِي) مَالٍ (فَيْءٍ، وَ) لَا فِي (خُمُسِ) غَنِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الصَّرْفِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، (وَ) لَا فِي (نَقْدٍ مُوصًى بِهِ فِي وُجُوهِ بِرٍّ، أَوْ) مُوصًى (لِيُشْتَرَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (بِهِ وَقْفٌ) ، لِعَدَمِ تَعْيِينِ مَالِكِهِ. (وَيَتَّجِهُ) : الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ مُوصًى بِهِ لِشِرَاءِ وَقْفٍ: أَيْ: (عَلَى غَيْرِ وَارِثِهِ) ، أَمَّا عَلَيْهِمْ فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 الْحَوْلُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَقَبُولِهِمْ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ مِلْكًا تَامًّا، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، فَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ كَبَقِيَّةِ أَمْوَالِهِمْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ رَبِحَ) ، لِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَالِكِهِ (وَالرِّبْحُ كَأَصْلٍ) ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَمَنْ وَصَّى بِدَرَاهِمَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ لِيَشْتَرِيَ بِهَا مَا يُوقَفُ، فَاتَّجِرْ بِهَا الْوَصِيُّ، فَرِبْحُهُ مَعَ الْمَالِ فِيمَا وَصَّى بِهِ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِمَا، وَيَضْمَنُ إنْ خَسِرَ، نَقَلَ ذَلِكَ الْجَمَاعَةُ. (وَلَا) زَكَاةَ (فِي مَالِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ (يُنْقِصُ النِّصَابَ) ، بَاطِنًا كَانَ الْمَالُ، كَأَثْمَانٍ وَعُرُوضِ تِجَارَةٍ، أَوْ ظَاهِرًا، كَمَاشِيَةٍ وَحُبُوبٍ وَثِمَارٍ، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْأَمْوَالِ " عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: " سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلِيُؤَدِّهِ، حَتَّى تُخْرِجُوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ " وَفِي لَفْظٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقْضِ دَيْنَهُ، وَلْيُزَكِّ بَقِيَّةَ مَالِهِ " وَقَدْ قَالَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَدَلَّ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرُوهُ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ مُوَاسَاةً لِلْفُقَرَاءِ، وَشُكْرًا لِنِعْمَةِ الْغِنَى، وَحَاجَةُ الْمَدِينِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ كَحَاجَةِ الْفَقِيرِ أَوْ أَشَدُّ، وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ تَعْطِيلُ حَاجَةِ الْمَالِكِ لِدَفْعِ حَاجَةِ غَيْرِهِ. (وَلَوْ) كَانَ الدَّيْنُ (كَفَّارَةً وَنَحْوَهُ) كَنَذْرٍ، (أَوْ) كَانَ (خَرَاجًا) عَنْ الْأَرْضِ، (أَوْ) كَانَ (زَكَاةَ غَنَمٍ عَنْ إبِلٍ) ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ، يَجِبُ قَضَاؤُهُ فَمَنَعَ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَفِي الْحَدِيث: «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» وَالزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِ مَا وَجَبَتْ فِيهِ تَمْنَعُ بِالْأَوْلَى (لَا مَا) أَيْ: دَيْنًا (بِسَبَبِ ضَمَانٍ) فَلَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ أَصْلٍ فِي لُزُومِ الدَّيْنِ، فَاخْتَصَّ الْمَنْعُ بِأَصْلِهِ لِتَرَجُّحِهِ، وَفِي مَنْعِ الدَّيْنِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِهِ إجْحَافٌ بِالْفُقَرَاءِ، وَلَا قَائِلَ بِتَوْزِيعِهِ عَلَى الْجِهَتَيْنِ، فَلَوْ غَصَبَ الْغَانِمُ فَغَصَبَهُ مِنْهُ آخَرُ وَاسْتَهْلَكَهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ، فَلَا زَكَاةَ عَلَى الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى الْأَلْفَ لَرَجَعَ بِهِ عَلَى الثَّانِي. (أَوْ) إلَّا (دَيْنَ حَصَادٍ وَجِذَاذٍ وَدِيَاسٍ، لِسَبْقِ وُجُوبِهَا) - أَيْ: الزَّكَاةِ - بِخِلَافِ الْخَرَاجِ، فَإِنْ لَمْ يُنْقِصْ الدَّيْنُ النِّصَابَ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا يُقَابِلُ الدَّيْنَ لِمَا سَبَقَ، وَيُزَكِّي بَاقِيَهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " (هُنَا) حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ حَتَّى دَيْنُ خَرَاجٍ وَأَرْشِ جِنَايَةِ عَبْدِ التِّجَارَةِ، وَمَا اسْتَدَانَهُ لِمَئُونَةِ حَصَادٍ وَجِذَاذٍ وَدِيَاسٍ، (وَمَتَى بَرِيءَ) مَدِينٍ مِنْ دَيْنٍ بِنَحْوِ قَضَاءٍ مِنْ مَالٍ مُسْتَحْدَثٍ مِنْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إبْرَاءٍ، (ابْتَدَأَ حَوْلًا) مُنْذُ بَرِئَ؛ لِأَنَّ مَا مَنَعَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ مَنَعَ انْعِقَادَ الْحَوْلِ وَقَطَعَهُ. (وَيَمْنَعُ أَرْشَ جِنَايَةِ عَبْدِ التِّجَارَةِ زَكَاةَ قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ جَبْرًا لَا مُوَاسَاةً، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ. (وَمَنْ لَهُ عَرَضٌ قُنْيَةٌ يُبَاعُ لَوْ أَفْلَسَ) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 أَيْ: حُجِرَ عَلَيْهِ لِفَلِسٍ، بِأَنْ كَانَ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ، (يَفِي) الْعَرْضَ (بِدَيْنِهِ) الَّذِي عَلَيْهِ وَمَعَهُ مَالٌ زَكَوِيٌّ (جَعَلَ) الدَّيْنَ (فِي مُقَابَلَةِ مَا مَعَهُ) مِنْ مَالٍ زَكَوِيٍّ، (وَلَا يُزَكِّيهِ) لِئَلَّا تَخْتَلَّ الْمُوَاسَاةُ، وَلِأَنَّ عَرَضَ الْقُنْيَةِ كَمَلْبُوسِهِ فِي أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الْعَرَضُ لِتِجَارَةٍ، زَكَّى مَا مَعَهُ نَصًّا. (وَكَذَا مَنْ بِيَدِهِ أَلْفٌ) لَهُ، (وَلَهُ عَلَى مَلِيءٍ) دَيْنٌ (أَلْفٌ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ) دَيْنٌ فَيُجْعَلُ الدَّيْنُ فِي مُقَابَلَةِ مَا بِيَدِهِ فَلَا يُزَكِّيهِ وَيُزَكِّي الدَّيْنَ إذَا قَبَضَهُ، (وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنَ) وُجُوبُ (خُمُسِ الزَّكَاةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَكَاةٍ حَقِيقِيَّةً كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي بَيَانِ مَصْرِفِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ نِصَابٌ (وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ (إذَا نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِنِصَابٍ) إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، (أَوْ) نَذَرَ الصَّدَقَةَ (بِهَذَا النِّصَابِ إذَا حَالَ) عَلَيْهِ (الْحَوْلُ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهِ تَامٌّ، وَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ. (وَيَبْرَأُ) النَّاذِرُ (مِنْ زَكَاةٍ وَنَذْرٍ بِقَدْرِ مَا يُخْرِجُهُ مِنْهُ بِنِيَّةٍ عَنْهُمَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَدَقَةٌ، كَمَا لَوْ نَوَى بِرَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ وَالرَّاتِبَةَ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِبَعْضِ النِّصَابِ، فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَشْرٍ مِنْ الْأَرْبَعِينَ، وَحَالَ الْحَوْلُ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْعَشْرِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ، وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَأَجْزَأَتْهُ مِنْهَا، وَبَرِئَ بِقَدْرِهَا مِنْ الزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ إنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا. (وَيَلْزَمُ رَبَّ مَالٍ زَكَاةُ حِصَّتِهِ مِنْ رِبْحٍ كَأَصْلٍ) تَبَعًا لَهُ، (وَإِذَا أَدَّاهَا) ، أَيْ: زَكَاةَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (مِنْ غَيْرِهِ) ، أَيْ غَيْرِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، (فَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُنْقِصُهُ. (وَ) إنْ أَدَّى زَكَاتَهُ (مِنْهُ تُحْسَبُ) زَكَاتُهُ (مِنْ أَصْلِ الْمَالِ، وَ) مِنْ (قَدْرِ حِصَّتِهِ) ، أَيْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 رَبِّ الْمَالِ (مِنْ رِبْحٍ) ، فَيُنْقِصُ رُبْعَ عُشْرِ رَأْسِ الْمَالِ مَعَ عَدِّ رُبْعِ عُشْرِ حِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَا تُحْسَبُ كُلُّهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَحْدَهُ، وَلَا مِنْ الرِّبْحِ وَحْدَهُ، (وَلَيْسَ لِعَامِلٍ إخْرَاجُ زَكَاةٍ تَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ بِلَا إذْنِهِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَلِيًّا لَهُ، وَلَا وَكِيلًا عَنْهُ فِيهَا (وَيَصِحُّ شَرْطُ كُلِّ مِنْهُمَا) ، أَيْ: مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ (زَكَاةَ حِصَّتِهِ مِنْ رِبْحٍ عَلَى الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ لِنَفْسِهِ نِصْفَ الرِّبْحِ وَثُمُنَ عُشْرِهِ مَثَلًا، وَ (لَا) يَصِحُّ شَرْطُ (زَكَاةِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ) زَكَاةِ (بَعْضِهِ مِنْ رِبْحٍ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحِيطُ بِالرِّبْحِ كَشَرْطِ فَضْلِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ [فَصْلٌ شُرُوط وُجُوبِ الزَّكَاة فِي الْأَثْمَان وَالْمَاشِيَة وَعُرُوضِ التِّجَارَة] (فَصْلٌ) (وَشُرِطَ مَعَ مَا مَرَّ) مِنْ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ، وَهَذَا شَرْطٌ خَامِسٌ لِوُجُوبِ زَكَاةٍ فِي (أَثْمَانٍ وَمَاشِيَةٍ وَعُرُوضِ تِجَارَةٍ، لَا لِخَارِجٍ مِنْ أَرْضٍ وَنَحْلٍ مُضِيُّ حَوْلٍ) عَلَى نِصَابٍ تَامٍّ، لِحَدِيثِ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» رِفْقًا بِالْمَالِكِ، وَلِيَتَكَامَلَ النَّمَاءُ فَيُوَاسِيَ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ، فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ ضَابِطٍ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَعَاقُبِ الْوُجُوبِ فِي الزَّمَنِ الْمُتَقَارِبِ فَيَفْنَى الْمَالُ، أَمَّا الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالْمَعْدِنُ وَنَحْوُهُ، فَهِيَ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهَا تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهَا عِنْدَ وُجُودِهَا، ثُمَّ لَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ ثَانِيَةٌ، لِعَدَمِ إرْصَادِهَا لِلنَّمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْدِنُ أَثْمَانًا، وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] يَنْفِي اعْتِبَارَ الْحَوْلِ فِي الْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا، (وَيُعْفَى فِيهِ) أَيْ: الْحَوْلِ (عَنْ نَحْوِ نِصْفِ يَوْمٍ) ، صَحَّحَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَكَمَا يُعْفَى فِي أَثْمَانٍ عَنْ حَبَّةٍ وَحَبَّتَيْنِ، (لَكِنْ يَسْتَقْبِلُ) ، أَيْ: يَبْتَدِئُ الْحَوْلَ (بِصَدَاقٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 وَأُجْرَةٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ مُعَيَّنَيْنِ، وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِ) هَا (مِنْ عَقْدٍ) لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي عَيْنِ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ، فَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُ مَنْ وَجَبَ لَهُ، وَفِي تَسْمِيَةِ الْخُلْعِ عَقْدًا تَجَوُّزٌ. (وَ) يَسْتَقْبِلُ (بِمُبْهَمٍ مِنْ ذَلِكَ) ، أَيْ: الصَّدَاقِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ (مِنْ) حِينِ (تَعْيِينٍ) لَا عَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفٌ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الضَّمَانِ إلَّا بِهِ، فَلَوْ أَصْدَقَهَا أَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ النِّصَابَيْنِ، أَوْ عَلَى نِصَابٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فِي رَجَبٍ مَثَلًا، وَلَمْ يُعَيِّنْ إلَّا فِي الْمُحَرَّمِ، فَهُوَ ابْتِدَاءُ حَوْلِهِ، وَلَوْ آجَرَ وَنَحْوُهُ بِمَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ وَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ فَدَيْنٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقِيَاسُهُ نَحْوُ ثَمَنٍ وَعِوَضِ صُلْحٍ. (وَيَتْبَعُهُ نِتَاجُ) - بِكَسْرِ النُّونِ - (سَائِمَةٍ) الْأَصْلُ فِي حَوْلِهِ إنْ كَانَ نِصَابًا، لِقَوْلِ عُمَرَ: اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ، وَلَا تَأْخُذْهَا مِنْهُمْ رَوَاهُ مَالِكٌ، وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ: عُدَّ عَلَيْهِمْ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ. وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّ السَّائِمَةَ يَخْتَلِفُ وَقْتُ وِلَادَتِهَا فَإِفْرَادُ كُلٍّ بِحَوْلٍ يَشُقُّ فَجُعِلَتْ تَبَعًا لِأُمَّهَاتِهَا كَمَا تَتْبَعُهَا بِالْمِلْكِ. (وَ) يَتْبَعُ (رِبْحُ تِجَارَةٍ) وَهِيَ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلرِّبْحِ، وَهُوَ الْفَضْلُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ (الْأَصْلَ) أَيْ: رَأْسَ الْمَالِ (فِي حَوْلِهِ إنْ كَانَ) الْأَصْلُ (نِصَابًا) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ، وَمَا عَدَا النِّتَاجَ وَالرِّبْحَ مِنْ الْمُسْتَفَادِ، وَلَوْ مِنْ جِنْسِ مَا يَمْلِكُهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَيُضَمُّ إلَى نِصَابٍ بِيَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْأَصْلُ نِصَابًا (فَحَوْلُ الْجَمِيعِ) ، أَيْ: الْأُمَّهَاتِ وَالنِّتَاجِ، أَوْ رَأْسِ الْمَالِ وَرِبْحِهِ (مِنْ حِينَ كَمُلَ النِّصَابُ) ، فَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بَقَرَةً فَوَلَدَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا مُنْذُ بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ، أَوْ مَلَكَ مِائَةً وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فِضَّةً وَرَبِحَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَنِصَابُهَا مُنْذُ كَمُلَتْ مِائَتِي دِرْهَمٍ، وَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً، فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 مِنْهَا فَنَتَجَتْ سَخْلَةً، انْقَطَعَ الْحَوْلُ. وَكَذَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَنْفَصِلَ جَنِينُهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَتَجَتْ ثُمَّ مَاتَتْ. (وَحَوْلُ صِغَارٍ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ (مِنْ حِينِ مِلْكٍ) كَحَوْلِ (كِبَارٍ) ، لِعُمُومِ حَدِيثِ: «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ» وَلِأَنَّهَا تُعَدُّ مَعَ غَيْرِهَا، فَتُعَدُّ مُنْفَرِدَةً كَالْأُمَّهَاتِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْإِقْنَاعِ " كَالْإِنْصَافِ " وَغَيْرِهِ بِمَا إذَا كَانَتْ تَتَغَذَّى بِغَيْرِ اللَّبَنِ، لِاعْتِبَارِ السَّوْمِ، وَلَا يَبْنِي وَارِثٌ عَلَى حَوْلِ مُورِثِهِ. (وَمَتَى نَقَصَ) النِّصَابُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ (أَوْ بِيعَ) النِّصَابُ بَيْعًا صَحِيحًا وَلَوْ بِخِيَارٍ انْقَطَعَ حَوْلُهُ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ (أَوْ قُرِضَ) النِّصَابُ انْقَطَعَ حَوْلُهُ (أَوْ أُبْدِلَ مَا) ، أَيْ: نِصَابٌ (تَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي عَيْنِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) ، كَإِبْدَالِ بَقَرٍ بِغَيْرِهَا، أَوْ إبِلٍ بِغَيْرِهَا، (لَا فِرَارًا مِنْهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (انْقَطَعَ حَوْلُهُ) أَيْ: النِّصَابِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ، لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا كُلُّ مَا خَرَجَ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ إقَالَةٍ وَفَسْخٍ لِنَحْوِ عَيْبٍ وَرُجُوعِ وَاهِبٍ فِي هِبَتِهِ، وَوَقْفٍ وَهِبَةٍ وَجَعْلِهِ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا أَوْ صَدَاقًا أَوْ أُجْرَةً وَنَحْوَهُ، (إلَّا فِي ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، وَعَكْسِهِ) كَفِضَّةٍ بِذَهَبٍ، فَلَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُضَمُّ إلَى الْآخِرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ وَبِخُرُوجٍ عَنْهُ، فَهُمَا كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ. (وَ) إلَّا فِي (عُرُوضِ تِجَارَةٍ) ، فَلَا يَنْقَطِعُ حَوْلُهَا بِبَيْعِهَا أَوْ إبْدَالِهَا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي قِيمَتِهَا لَا فِي عَيْنِهَا، (وَ) إلَّا فِي (أَمْوَالِ صَيَارِفَ) ، فَلَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِإِبْدَالِهَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ فِي مَالٍ يَنْمُو، وَوُجُوبِهَا فِي مَالٍ لَا يَنْمُو، وَأُصُولُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي عَكْسَهُ. (وَيُخْرِجُ) مَنْ أَبْدَلَ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ أَوْ عَكْسُهُ (مِمَّا مَعَهُ) عِنْدَ تَمَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 الْحَوْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الْآخِرِ، وَ (لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ إذَا بِيعَ أَوْ أُبْدِلَ) مَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ (بِجِنْسِهِ) ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ نَوْعُهُ؛ لِأَنَّهُ نِصَابٌ يُضَمُّ إلَيْهِ نَمَاؤُهُ فِي الْحَوْلِ فَبُنِيَ حَوْلُهُ بَدَلَهُ مِنْ جِنْسِهِ عَلَى حَوْلِهِ كَالْعُرُوضِ، (فَلَوْ أَبْدَلَهُ) ، أَيْ: النِّصَابَ (بِأَكْثَرَ) مِنْ جِنْسِهِ (زَكَّاهُ) ، أَيْ: الْأَكْثَرَ (إذَا تَمَّ حَوْلُ) النِّصَابِ (الْأَوَّلِ) (كَنِتَاجٍ) نَصًّا، (فَبَائِعُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ بِعِشْرِينَ) مِنْهَا (قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلٍ يُزَكِّي الْعِشْرِينَ) ، وَلَوْ بَاعَهَا بِأَرْبَعٍ، انْقَطَعَ الْحَوْلُ. (وَإِنْ فَرَضَهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةَ (بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِهِ) ، أَيْ: الْحَوْلِ، حَرُمَ، وَ (لَمْ تَسْقُطْ) الزَّكَاةُ (بِإِخْرَاجٍ عَنْ مِلْكِهِ) بِبَيْعٍ أَوْ إبْدَالٍ بِأَنْقَصَ مِنْ النِّصَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [القلم: 17] الْآيَاتِ، فَعَاقَبَهُمْ - تَعَالَى - بِذَلِكَ لِفِرَارِهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلِأَنَّهُ قُصِدَ بِهِ إسْقَاطُ حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ، كَالْمُطَلِّقِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِهِ، هُوَ مَا صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْهَا لَا تَسْقُطُ مُطْلَقًا، أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ انْتَهَى، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى ". (وَيُزَكِّي) مَنْ نَقَّصَ النِّصَابَ، أَوْ بَاعَهُ، أَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فِرَارًا (مِنْ جِنْسِ مَا) ، أَيْ: النِّصَابِ الَّذِي (فَرَّ مِنْهُ) بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ، لِذَلِكَ الْحَوْلِ الَّذِي فَرَّ فِيهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي انْعَقَدَ فِيهِ الْوُجُوبُ دُونَ مَا بَعْدَهُ. (وَإِنْ ادَّعَى) مَالِكُ نِصَابٍ نَقَّصَ مِنْهُ أَوْ بَاعَ وَنَحْوُهُ (عَدَمَ) ، أَيْ: الْفِرَارِ، (وَثَمَّ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (قَرِينَةُ) فِرَارٍ، كَكَوْنِهِ شَحِيحًا، أَوْ تَخَاصَمَ مَعَ السَّاعِي، أَوْ الْفُقَرَاءِ (عُمِلَ بِهَا) ، أَيْ: الْقَرِينَةِ، وَرُدَّ قَوْلُهُ، لِدَلَالَتِهَا عَلَى كَذِبِهِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ ثَمَّ قَرِينَةٌ (قُبِلَ قَوْلُهُ) فِي عَدَمِ الْفِرَارِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 (وَيَتَّجِهُ) : قَبُولُ قَوْلِ مُدَّعٍ عَدَمَ الْفِرَارِ (بِلَا يَمِينٍ) ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ لِلَّهِ - تَعَالَى -، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِذَا مَضَى حَوْلٌ) أَوْ بَدَأَ صَلَاحُ حَبٍّ وَثَمَرٍ وَنَحْوِهِ (وَجَبَتْ) الزَّكَاةُ (فِي عَيْنِ الْمَالِ) الَّذِي تُجْزِئُ زَكَاتُهُ مِنْهُ، كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ، وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ إبِلٍ فَأَكْثَرَ سَائِمَةً، وَحُبُوبٍ وَثِمَارٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» ، وَقَوْلُهُ: «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَنَظَائِرُهَا، وَ (لَا) يَجِبُ إخْرَاجُهَا (مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ عَيْنِ الْمَالِ الْمُزَكَّى، فَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَهَا بِالْعَيْنِ، كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا فَدَاهُ سَيِّدُهُ. (وَيَتَّجِهُ) : تَعَلُّقُهَا بِعَيْنِ مَالٍ (لَا بِذِمَّتِهِ) مُزَكٍّ؛ لِأَنَّ " فِي " فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَدِيثَيْنِ وَنَظَائِرِهِمَا لِلظَّرْفِيَّةِ أَصَالَةً، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الْمَالِ وَصِفَاتِهِ حَتَّى وَجَبَتْ بِالْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ بِحَسَبِهِ، فَكَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِعَيْنِهِ لَا بِالذِّمَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَكْسُ ذَلِكَ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَمَعَ كَوْنِهَا تَجِبُ فِي عَيْنِ الْمَالِ (فَيَجُوزُ) أَنْ (تَخْرُجَ مِنْ غَيْرِهِ) ، أَيْ: الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَفِي نِصَابٍ) فَقَطْ، كَعِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا، أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةً، أَوْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً، (لَمْ يُزَكَّ) ذَلِكَ النِّصَابُ (حَوْلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ حَوْلَيْنِ، (زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ) لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ مَلَكَ مَالًا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، لِنَقْصِهِ عَنْ النِّصَابِ بِمَا وَجَبَ فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ (إلَّا مَا زَكَاتُهُ الْغَنَمُ عَنْ إبِلٍ) ، كَمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْهَا إذَا مَضَى عَلَيْهِ أَحْوَالٌ وَلَمْ يُزَكِّهِ، (فَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَوْلٍ زَكَاةٌ) نَصًّا، لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِذِمَّتِهِ لَا بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 لَا يُخْرِجُ مِنْهُ، فَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِهِ، (لَكِنْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى خَمْسٍ) مِنْ (إبِلٍ امْتَنَعَتْ زَكَاةُ) حَوْلٍ (ثَانٍ لِكَوْنِهَا دَيْنًا) فَيَنْقُصُ بِهَا النِّصَابُ، فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. (وَمَا زَادَ عَلَى نِصَابٍ) مِمَّا زَكَاتُهُ فِي عَيْنِهِ (يَنْقُصُ مِنْ زَكَاتِهِ كُلَّ حَوْلٍ) مَضَى (بِقَدْرِ نَقْصِهِ بِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ، فَيَنْقُصُ بِقَدْرِهَا، فَلَوْ مَلَكَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ غَنَمٍ، ثُمَّ مَضَى حَوْلَانِ فَأَكْثَرَ، فَعَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ شَاتَانِ، وَلِمَا بَعْدَهُ شَاةٌ حَتَّى تَنْقُصَ عَنْ أَرْبَعِينَ. وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ إبِلٍ، وَمَضَى أَحْوَالٌ، فَعَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ بِنْتُ مَخَاصٍ، وَلِمَا بَعْدَهُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَتَعَلُّقُهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (بِالنِّصَابِ) كَتَعَلُّقِ (أَرْشِ جِنَايَةٍ) بِرَقَبَةِ جَانٍ، (لَا) كَتَعَلُّقِ (دَيْنٍ بِرَهْنٍ، أَوْ) تَعَلُّقِ دَيْنٍ (بِمَالٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ، وَلَا) (كَتَعَلُّقِ شَرِكَةٍ) بِمَالٍ مُشْتَرَكٍ، (فَلَهُ) ، أَيْ: الْمَالِكِ (إخْرَاجُهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةَ (مِنْ غَيْرِهِ) ، أَيْ: النِّصَابِ، كَمَا لِسَيِّدِ الْجَانِي فِدَاؤُهُ بِغَيْرِ ثَمَنِهِ (وَالنَّمَاءُ بَعْدَ وُجُوبِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (لَهُ) ، أَيْ: الْمَالِكِ كَوَلَدِ الْجَانِيَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ، فَكَذَا إنْمَاءُ النِّصَابِ وَنِتَاجُهُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ، فَلَا تَكُونُ الْفُقَرَاءُ شُرَكَاءَ فِيهِ. (وَإِنْ أَتْلَفَهُ) ، أَيْ: النِّصَابَ مَالِكٌ، (لَزِمَ) هـ (مَا وَجَبَ فِيهِ) مِنْ الزَّكَاةِ (لَا قِيمَتُهُ) ، أَيْ: النِّصَابِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ الْجَانِي مَالِكَهُ، وَكَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ دُونَ قِيمَتِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى مَا وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ، بِخِلَافِ الرَّاهِنِ إذَا أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ مَكَانَهُ، (وَلَهُ) ، أَيْ: الْمَالِكِ (التَّصَرُّفُ) فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ (بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ) كَهِبَةٍ وَإِصْدَاقٍ، كَمَا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي الْجَانِي، بِخِلَافِ رَاهِنٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ وَشَرِيكٍ (وَلَا يَرْجِعُ بَائِعٌ بَعْدَ لُزُومِ بَيْعٍ فِي قَدْرِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ حَيْثُ قَدَرَ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَيُخْرِجُهَا الْبَائِعُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 كَمَا لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْجَانِيَ لَزِمَ فِدَاؤُهُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ، (إلَّا إنْ تَعَذَّرَ غَيْرُهُ) فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَى الْبَائِعِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ فُسِخَ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ لِسَبْقِ وُجُوبِهَا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ صَدَّقَهُ مُشْتَرٍ عَلَى وُجُوبِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ، وَعَجْزُهُ عَنْ إخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْبَائِعِ عَلَيْهِ. (وَلِمُشْتَرٍ الْخِيَارُ) إذَا رَجَعَ الْبَائِعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ لِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ، لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ. وَمِثْلُهُ مُشْتَرٍ جَانٍ. وَلِبَائِعٍ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَبِيعٍ فِيهِ خِيَارٌ مِنْهُ، فَيَبْطُلُ فِي قَدْرِهِ. (وَلَا يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (إمْكَانُ أَدَائِهَا) مِنْ الْمَالِ، فَتَجِبُ فِي الدَّيْنِ وَالْغَائِبِ وَالضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ لِلْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَوْلُ الثَّانِي حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَنْعَقِدُ عَقِبَ الْأَوَّلِ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، فَلَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْحَائِضِ وَالْعَاجِزِ عَنْ أَدَائِهِ. (وَلَا) يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا أَيْضًا (بَقَاءُ مَالٍ) وَجَبَتْ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ) : مَحِلُّ وُجُوبِهَا فِيهِ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ (بِيَدِهِ) فَتَلِفَ، أَوْ أُتْلِفَ، فَلَا تَسْقُطُ زَكَاتُهُ فَرَّطَ أَوْ لَا، تَمَكَّنَ مِنْ إخْرَاجِهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ أَوْ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَتْ دَيْنَ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةَ تَسْلِيمِهَا إلَى مُسْتَحَقِّهَا فَضَمِنَهَا بِتَلَفِهَا بِيَدِهِ، كَعَارِيَّةٍ وَغَصْبٍ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْجَانِي وَ (لَا) يَلْزَمُ إخْرَاجُ زَكَاةِ (نَحْوِ) مَالٍ (غَائِبٍ) عَنْ مُزْكٍ، كَمَغْصُوبٍ وَمُودَعٍ وَمُسَافَرٍ بِهِ لِتِجَارَةٍ حَتَّى يَصِلَ إلَى يَدِهِ فَيُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (إلَّا إذَا تَلِفَ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ بِجَائِحَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 قَبْلَ وَضْعِ بَيْدَرٍ وَمِسْطَاحٍ، وَلَوْ بَعْدَ حَصَادٍ وَجِذَاذٍ) ، فَتَسْقُطُ زَكَاتُهُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا، كَمَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ إذَا تَلِفَتْ الثَّمَرَةُ بِجَائِحَةٍ وَأَوْلَى. هَذَا الْمَذْهَبُ (خِلَافًا لَهُمَا) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى " (هُنَا) حَيْثُ قَالَا: قَبْلَ حَصَادٍ وَجِذَاذٍ، لَكِنَّ صَاحِبَ " الْإِقْنَاعِ " أَحَالَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، ثُمَّ صَرَّحَ هُوَ وَصَاحِبُ الْمُنْتَهَى " هُنَاكَ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ إلَّا بِجَعْلِهَا فِي جَرِينٍ وَبَيْدَرٍ وَمِسْطَاحٍ، فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ، خُرِصَتْ الثَّمَرَةُ أَوْ لَمْ تُخْرَصْ (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ) نَصًّا، وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهَا كَالْعَشْرِ، وَلِحَدِيثِ: «فَدِينُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» ، وَلِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ أَشْبَهَ دَيْنَ الْآدَمِيِّ. (وَيَتَّجِهُ: وَمَعَ جَهْلِ) وَرَثَةٍ (بِإِخْرَاجِ) مُوَرِّثٍ (فَاسِقٍ) الزَّكَاةَ فِي حَيَاتِهِ (فَالْأَصْلُ عَدَمُ) ، أَيْ: الْإِخْرَاجِ، فَيُخْرِجُهَا وَارِثٌ مِنْ تَرِكَتِهِ. (وَفِي) جَهْلِ وَرَثَتِهِ بِإِخْرَاجِ مُوَرِّثٍ (عَدْلٍ يُحْتَمَلُ) الْإِخْرَاجُ وَعَدَمُهُ، وَحَيْثُ احْتَمَلَ فَالِاحْتِيَاطُ الْإِخْرَاجُ تَبْرِئَةً لِذِمَّةِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 (وَ) زَكَاةٌ (مَعَ دَيْنٍ بِلَا رَهْنٍ وَضِيقِ مَالٍ) تَرِكَةِ مَيِّتٍ عَنْ زَكَاةٍ وَدَيْنٍ (يَتَحَاصَّانِ) ، أَيْ: الزَّكَاةُ وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ نَصًّا لِلتَّزَاحُمِ، (كَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ) وَحَجٍّ ضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْ الْجَمِيعِ، تُقْسَمُ التَّرِكَةُ بِالْحِصَصِ لِعُمُومِ حَدِيثِ: «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» . (وَ) دَيْنٌ (بِهِ) ، أَيْ: الرَّهْنِ (يُقَدَّمُ) فَيُوَفَّى مُرْتَهِنٌ دَيْنَهُ مِنْ الرَّهْنِ، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَهُ شَيْءٌ صُرِفَ فِي الزَّكَاةِ. وَكَذَا جَانٍ (بَعْدَ نَذْرٍ) بِصَدَقَةٍ (بِمُعَيَّنٍ) وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِيَتَحَاصَّانِ، فَإِنْ كَانَ نَذَرَ بِمُعَيَّنٍ قُدِّمَ لِوُجُوبِ عَيْنِهِ. (ثُمَّ) بَعْدَ (أُضْحِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ) فَتُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ وَفَاءٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ ذَبْحُهَا، فَلَمْ تُبَعْ فِي دَيْنِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا، وَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي ذَبْحِهَا وَتَفْرِقَتِهَا. (وَيَتَّجِهُ: هَذَا) ، أَيْ: مَحَلُّ وُجُوبِ تَقَدُّمِ النَّذْرِ بِمُعَيَّنٍ، وَالْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةِ عَلَى الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ (إذَا لَزِمَا ذِمَّتَهُ) ، أَيْ: ذِمَّةَ الْمَيِّتِ (بِإِتْلَافِهِ لَهُمَا) فِي حَيَاتِهِ، فَيُؤْخَذُ بَدَلُهُمَا مِنْ تَرِكَتِهِ (وَإِلَّا) بِتَلَفِهِمَا، فَإِنْ كَانَا بَاقِيَيْنِ أُخْرِجَا قَبْلَ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَا تَالِفَيْنِ، وَالْمُتْلِفُ لَهُمَا غَيْرُ الْمَيِّتِ، (فَلَا يُتَصَوَّرُ) أَخْذُ بَدَلِهِمَا مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بَدَلُهُمَا مِمَّنْ أَتْلَفَهُمَا، وَإِنْ كَانَا تَلِفَا بِفِعْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطِ أَحَدٍ، فَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا بَدَلُهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا لَوْ أَفْلَسَ حَيٌّ) وَلَهُ أُضْحِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 أَوْ نَذْرٌ مُعَيَّنٌ، فَيَخْرُجُ ثَمَّ دَيْنٌ بِرَهْنٍ، ثُمَّ يُتَحَاصُّ بَقِيَّةُ دُيُونِهِ مِنْ زَكَاةٍ وَغَيْرِهَا [بَابُ زَكَاةِ السَّائِمَةِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ] (بَابُ زَكَاةِ السَّائِمَةِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) سُمِّيَتْ بَهِيمَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ، وَبَدَأَ بِهَا اقْتِدَاءً بِالصِّدِّيقِ فِي كِتَابِهِ لِأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِطُولِهِ، وَيَأْتِي بَعْضُهُ مُفَرَّقًا. وَخَرَجَ بِالسَّائِمَةِ الْمَعْلُوفَةُ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، لِمَفْهُومِ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «فِي كُلِّ إبِلٍ سَائِمَةٍ، فِي كُلٍّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَحَدِيثِ الصِّدِّيقِ مَرْفُوعًا: «وَفِي الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ» الْحَدِيثَ. وَفِي آخِرِهِ أَيْضًا «إذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً وَاحِدَةً، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا» فَقَيَّدَ بِالسَّوْمِ، وَأَبْدَلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 الْبَعْضَ مِنْ الْكُلِّ، وَأَعَادَ الْمُعْتَدَّ مَرَّةً أُخْرَى، وَذَلِكَ دَلِيلُ اشْتِرَاطِهِ خُصُوصًا مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى مُنَاسَبَةٍ. . (وَلَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ (إلَّا فِيمَا) ، أَيْ: سَائِمَةٍ (لِدَرٍّ، وَنَسْلٍ وَتَسْمِينٍ) ، فَ (لَا) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي سَائِمَةٍ (لِعَمَلٍ كَإِبِلٍ) تُؤَجَّرُ وَيُنْتَفَعُ بِظَهْرِهَا، وَبَقَرِ حَرْثٍ وَنَحْوِهِ أَكْثَرَ الْحَوْلِ، (وَالسَّوْمُ) الْمُشْتَقُّ مِنْهُ السَّائِمَةُ: (أَنْ تَرْعَى) ، فَالسَّائِمَةُ الرَّاعِيَةُ يُقَالُ: سَامَتْ تَسُومُ سَوْمًا، وَأَسَمْتُهَا: إذَا رَعَيْتُهَا، وَمِنْهُ {فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 10] ، (الْمُبَاحَ) غَيْرَ الْمَمْلُوكِ (أَكْثَرَ الْحَوْلِ) نَصًّا؛ لِأَنَّ عَلَفَ السَّوَائِمِ يَقَعُ عَادَةً فِي السَّنَةِ كَثِيرًا، وَيَنْدُرُ وُقُوعُهُ فِي جَمِيعِهَا لِعُرُوضِ مَوَانِعِهِ مِنْ نَحْوِ مَطَرٍ وَثَلْجٍ، فَاعْتِبَارُهُ فِي كُلِّ الْعَامِ إجْحَافٌ بِالْفُقَرَاءِ، وَالِاكْتِفَاءُ بِهِ فِي بَعْضِهِ إجْحَافٌ بِالْمُلَّاكِ، وَاعْتِبَارُ الْأَكْثَرِ تَعْدِيلٌ بَيْنَهُمَا، وَدَفْعٌ لِأَعْلَى الضَّرَرَيْنِ بِأَدْنَاهُمَا، وَالْأَكْثَرُ أُلْحِقَ بِالْكُلِّ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ. (وَلَوْ) كَانَ الْأَكْثَرُ (أَثْنَاءَ) الْحَوْلِ طَرَفًا أَوْ وَسَطًا، (وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ) ، أَيْ: السَّوْمِ، (فَتَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي سَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا) كَمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي زَرْعٍ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَهُ إلَى أَرْضٍ فَنَبِتْ فِيهَا، (أَوْ) سَائِمَةٍ (بِفِعْلِ غَاصِبِهَا) بِأَنْ أَسَامَهَا الْغَاصِبُ، فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، كَزَرْعٍ غُصِبَ حَبُّهُ فَنَبَتَ، فَفِيهِ الْعُشْرُ عَلَى مَالِكِهِ. وَ (لَا) تَجِبُ (فِي مُعْتَلِفَةٍ بِنَفْسِهَا أَوْ بِفِعْلِ غَاصِبٍ لَهَا) ، أَيْ: الْبَهَائِمِ (أَوْ) بِفِعْلِ غَاصِبٍ (لِعَلَفِهَا) مَالِكًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى لَهَا، أَوْ زَرَعَ مَا تَأْكُلُهُ، أَوْ جَمَعَهُ مِنْ مُبَاحٍ، فَلَا زَكَاةَ، لِعَدَمِ السَّوْمِ، (وَعَدَمُهُ) ، أَيْ: السَّوْمِ (مَانِعٌ) مِنْ مُبَاحٍ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، لَا أَنَّ وُجُودَهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِهَا، كَمَا أَنَّ السَّقْيَ بِكُلْفَةٍ أَكْثَرَ الْحَوْلِ مَانِعٌ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 وُجُوبِ الْعُشْرِ كُلِّهِ (فَيَصِحُّ أَنْ تُعَجَّلَ) الزَّكَاةُ (قَبْلَ شُرُوعِهِ فِيهِ) ، أَيْ: السَّوْمِ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ إذَنْ، وَهُوَ الْعَلَفُ فِي نِصْفِ الْحَوْلِ فَأَكْثَرَ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِي بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى السَّوْمِ، هَلْ هُوَ شَرْطٌ؟ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ "، فَلَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ. أَوْ عَدَمُ السَّوْمِ مَانِعٌ، كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " وَغَيْرُهُ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَيَصِحُّ التَّعْجِيلُ (وَيَنْقَطِعُ السَّوْمُ شَرْعًا) ، أَيْ: فِي حُكْمِ الشَّرْعِ (بِقَطْعِهَا) ، أَيْ: الْمَاشِيَةِ (عَنْهُ) ، أَيْ: السَّوْمِ (عُرْفًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ (بِقَصْدِ قَطْعِ طَرِيقٍ بِهَا) ، أَيْ: الْمَاشِيَةِ. (وَنَحْوِهِ) كَقَصْدِ جَلْبِ خَمْرٍ أَوْ امْرَأَةٍ يَزْنِي بِهَا عَلَيْهَا كَانْقِطَاعِ (حَوْلِ تِجَارَةٍ بِنِيَّةِ قِنْيَةِ عَبِيدِهَا) ، أَيْ: التِّجَارَةِ (لِذَلِكَ) ، أَيْ: قَطْعِ الطُّرُقِ وَنَحْوِهِ (أَوْ) نِيَّةِ، قِنْيَةِ (ثِيَابِهَا) ، أَيْ: التِّجَارَةِ (الْحَرِيرِ لِلُبْسٍ مُحَرَّمٍ) كَمَا يَنْقَطِعُ إذَا قَطَعَهَا لِأَجْلِ مُبَاحٍ. (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا يَنْقَطِعُ السَّوْمُ إذَا كَانَ فَاعِلُ مَا ذُكِرَ (غَيْرُ فَارٍّ فِي الْكُلِّ) ، أَيْ: كُلَّ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِرَارًا لَبَقِيَ السَّوْمُ مُعَامَلَةً لَهُ بِضِدِّ قَصْدِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَلَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ السَّوْمِ (بِنِيَّتِهَا) ، أَيْ: السَّائِمَةِ لِعَمَلٍ مِنْ حَمْلٍ أَوْ كِرَاء وَنَحْوِهِ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: الْعَمَلِ الَّذِي نَوَيْتَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ خِلَافُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 (وَلَا شَيْءَ فِي إبِلٍ) سَائِمَةٍ (حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا) لِحَدِيثِ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» وَبَدَأَ بِالْإِبِلِ تَأْسِيسًا بِكِتَابِ الشَّارِعِ حِينَ فَرَضَ زَكَاةَ الْأَنْعَامِ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ النَّعَمِ قِيمَةً وَإِحْسَانًا، وَأَكْثَرُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا (فَفِيهَا شَاةٌ) إجْمَاعًا (أَصَالَةً) ، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ دَرَاهِمَ بَدَلًا عَنْهَا، سَوَاءٌ وُجِدَتْ أَوْ لَمْ تُوجَدْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. (مِنْ ضَأْنٍ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَمِنْ مَعْزِلِهَا سَنَةٌ) ، لِحَدِيثِ: «إذَا بَلَغَتْ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَتَكُونُ الشَّاةُ (بِصِفَةِ) إبِلٍ جَوْدَةً وَرَدَاءَةً (غَيْرَ مَعِيبَةٍ) ، فَفِي إبِلٍ كِرَامٍ سِمَانٍ شَاةٌ كَرِيمَةٌ سَمِينَةٌ، (وَفِي) الْإِبِلِ (الْمَعِيبَةِ) شَاةٌ (صَحِيحَةٌ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا بِقَدْرِ نَقْصِ إبِلٍ) كَشَاةِ الْغَنَمِ، فَمَثَلًا لَوْ كَانَتْ الْإِبِلُ مِرَاضًا، وَقُوِّمَتْ لَوْ كَانَتْ صِحَاحًا بِمِائَةٍ، وَكَانَتْ الشَّاةُ فِيهَا قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ، ثُمَّ قُوِّمَتْ مِرَاضًا بِثَمَانِينَ، كَانَ نَقْصُهَا بِسَبَبِ الْمَرَضِ عِشْرِينَ، وَذَلِكَ خُمْسُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ صِحَاحًا، فَتَجِبُ فِيهَا شَاةٌ قِيمَتُهَا أَرْبَعَةٌ، بِقَدْرِ نَقْصِ الْإِبِلِ، وَهُوَ الْخُمُسُ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ (وَلَا يُجْزِئُ) عَنْ خَمْسٍ مِنْ إبِلٍ (بَعِيرٌ) نَصًّا، ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، (وَلَا بَقَرَةٌ) وَلَوْ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً. (وَلَا) يُجْزِئُ (نِصْفَا شَاتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ تَشْقِيصٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ يَلْزَمُ مِنْهُ سُوءُ الشَّرِكَةِ، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يُجْزِئُ (مَعِيبَةٌ) لَا يُضَحَّى بِهَا، كَمَا لَوْ أُخْرِجَتْ عَنْ شِيَاهٍ (ثُمَّ) إنْ زَادَتْ إبِلٌ عَلَى خَمْسٍ، فَ (فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، فَتَجِبُ) فِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَجَبَتْ (بِنْتُ مَخَاضٍ) إجْمَاعًا، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ: «فَإِذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ» (وَهِيَ: مَا تَمَّ لَهَا سَنَةٌ) وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ، (سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا قَدْ حَمَلَتْ غَالِبًا، وَلَيْسَ) حَمْلُ أُمِّهَا (بِشَرْطٍ) فِي إجْزَائِهَا وَلَا تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ تَعْرِيفًا بِغَالِبِ حَالِهَا (وَالْمَاخِضُ الْحَامِلُ، فَإِنْ كَانَتْ) بِنْتُ الْمَخَاضِ (عِنْدَهُ وَهِيَ أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ) عَلَيْهِ فِيمَا بِيَدِهِ، (خُيِّرَ بَيْنَ إخْرَاجِهَا وَ) بَيْنَ (شِرَاءِ مَا) ، أَيْ: بِنْتِ مَخَاضٍ (بِصِفَتِهِ) ، أَيْ: الْوَاجِبِ، وَيُخْرِجُهَا وَلَا يُجْزِيهِ ابْنُ لَبُونٍ إذَنْ، لِوُجُودِ بِنْتِ مَخَاضٍ صَحِيحَةٍ فِي مَالِهِ. (وَإِنْ كَانَتْ) بِنْتُ الْمَخَاضِ (مَعِيبَةً، أَوْ لَيْسَتْ فِي مَالِهِ، فَذَكَرٌ) ابْنُ لَبُونٍ (أَوْ خُنْثَى وَلَدُ لَبُونٍ، وَهُوَ: مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ) ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ قَدْ وَضَعَتْ غَالِبًا، فَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ،. (وَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ) ، أَيْ: وَلَدَ اللَّبُونِ (عَنْهَا) ، أَيْ: عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَفِيهَا ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (أَوْ حِقٌّ: مَا تَمَّ لَهُ ثَلَاثُ سِنِينَ) ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَيُرْكَبَ، وَيُقَالُ لِلْأُنْثَى: حِقَّةٌ لِذَلِكَ، وَلِاسْتِحْقَاقِهَا طَرْقَ الْفَحْلِ لَهَا، (أَوْ جَذَعٌ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: (مَا تَمَّ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ) ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُجْذَعُ إذَا سَقَطَتْ سِنُّهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ اسْمٌ لَهُ فِي زَمَنٍ لَيْسَ بِسِنٍّ تَنْبُتُ وَلَا تَسْقُطُ. (أَوْ ثَنِيٍّ: مَا تَمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ) ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَلْقَى ثَنِيَّتَهُ. (وَ) الْحِقُّ وَالْجَذَعُ وَالثَّنِيِّ (أَوْلَى) بِالْإِجْزَاءِ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ مِنْ ابْنِ اللَّبُونِ لِزِيَادَةِ سِنِّهِ (بِلَا جُبْرَانٍ) إذَا أَخْرَجَ ابْنَ اللَّبُونِ فَمَا فَوْقَهُ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ فِي ذَلِكَ. وَيُجْزِئُ الْحِقُّ أَوْ الْجَذَعُ أَوْ الثَّنِيُّ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَلَوْ وُجِدَ ابْن لَبُونٍ لِزِيَادَةِ سِنِّهِ، فَإِنْ عُدِمَ ابْنُ اللَّبُونِ، لَزِمَ شِرَاءُ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ ابْنُ لَبُونٍ يَشْتَرِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 إذَنْ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْعَدَمِ، فَلَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ لِتَرَجُّحِهَا بِالْأَصَالَةِ. (وَلَا يُجْبَرُ فَقْدُ أُنُوثَةٍ بِزِيَادَةِ سِنٍّ ذَكَرٍ غَيْرَ هُنَا) ، أَيْ: فِي غَيْرِ بِنْتِ الْمَخَاضِ، (فَلَا يُخْرِجُ عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ حِقًّا) إذَا لَمْ تَكُنْ فِي مَالِهِ (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا تُجْزِئُ (عَنْ حِقَّةٍ جِذَعًا) ، وَلَا عَنْ الْجَذَعَةِ ثَنِيًّا مَعَ وُجُودِهِمَا أَوْ عَدَمِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى ابْنِ اللَّبُونِ مَكَانَ بِنْتِ الْمَخَاضِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ سِنِّهِ عَلَيْهَا يَمْتَنِعُ بِهَا مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، وَيَرْعَى الشَّجَرَ بِنَفْسِهِ، وَيَرِدُ الْمَاءَ، وَلَا يُوجَدُ هَذَا فِي الْحِقِّ مَعَ بِنْتِ اللَّبُونِ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي هَذَا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ زِيَادَةِ السِّنِّ، فَلَمْ يُقَابِلْ الْأُنُوثِيَّةَ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَهُ فِي الْحَدِيثِ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْحُكْمِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ (أَوْ يُخْرِجُ) مَنْ عَدِمَ بِنْتَ مَخَاضٍ صَحِيحَةٍ (بِنْتَ لَبُونٍ) عَنْهَا، (وَيَأْخُذُ الْجُبْرَانَ، وَلَوْ وَجَدَ ابْنَ لَبُونٍ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ. (وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ) بَعِيرًا (بِنْتُ لَبُونٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا وَضَعَتْ) غَالِبًا (فَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ) ، وَلَيْسَ شَرْطًا بَلْ تَعْرِيفًا لَهَا بِغَالِبِ أَحْوَالِهَا (وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ) وَهِيَ أَعْلَى سِنٍّ يَجِبُ فِي الزَّكَاةِ. (وَتُجْزِئُ ثَنِيَّةٌ) ، وَهِيَ: مَا دَخَلَتْ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ (وَ) مَا (فَوْقَهَا) عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ أَوْ حِقَّةٍ أَوْ جَذَعَةٍ (بِلَا جُبْرَانٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الثَّنِيَّةِ (وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ) ، إجْمَاعًا، (وَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ) ، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ فِيمَا كَتَبَ لَهُ الصِّدِّيقُ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ، (ثُمَّ تَسْتَقِرُّ) الْفَرِيضَةُ (فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) لِخَبَرِ الصِّدِّيقِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (فَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسَبْعِينَ حِقَّةٌ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَثَمَانِينَ حِقَّتَانِ وَابْنَتَا لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَتِسْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ) ، لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ، وَلَا أَثَرَ بِزِيَادَةِ بَعْضِ بَعِيرٍ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، أَوْ زِيَادَةِ بَعْضِ بَقَرَةٍ أَوْ بَعْضِ شَاةٍ، (فَإِذَا بَلَغَتْ) الْإِبِلُ (مَا يَتَّفِقُ فِيهِ الْفَرْضَانِ كَمِئَتَيْنِ) فِيهَا أَرْبَعُ خَمْسِينِيَّاتٍ وَخَمْسُ أَرْبَعِينِيَّاتٍ (أَوْ أَرْبَعُمِائَةٍ) فِيهَا ثَمَانُ خَمْسِينِيَّاتٍ وَعَشْرُ أَرْبَعِينِيَّاتٍ، (خُيِّرَ) مُخْرِجٌ (بَيْنَ حِقَاقٍ وَ) بَيْنَ (بَنَاتِ لَبُونٍ) لِوُجُودِ مُقْتَضَى كُلٍّ مِنْ الْفَرْضَيْنِ، إلَّا وَلِيَّ يَتِيمٍ وَيَأْتِي، (وَيَصِحُّ) فِي إخْرَاجٍ عَنْ نَحْوِ أَرْبَعِمِائَةٍ (كَوْنُ الشَّطْرِ) ، أَيْ: النِّصْفَ (مِنْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ، وَالشَّطْرِ مِنْ) النَّوْعِ (الْآخَرِ، فَيُخْرِجُ) عَنْهَا (أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ) وَلَا يُجْزِئُ عَنْ مِئَتَيْنِ حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ وَنِصْفُ التَّشْقِيصِ. (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا) ، أَيْ: النَّوْعَيْنِ (نَاقِصًا يَحْتَاجُ لِجُبْرَانٍ كَمِئَتَيْنِ بِهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَأَرْبَعُ حِقَاقٍ) ، وَالْآخَرُ كَامِلًا، (تَعَيَّنَ الْكَامِلُ) وَهُوَ الْحِقَاقُ؛ لِأَنَّ الْجُبْرَانَ بَدَلٌ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ الْأَصْلِ، كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ، (وَمَعَ عَدَمِ النَّوْعَيْنِ أَوْ عَيْبِهِمَا أَوْ عَدَمِ) كُلِّ سِنٍّ وَجَبَ، (أَوْ عَيْبِ كُلِّ سِنٍّ) ، - أَيْ: ذَاتِ سِنٍّ - وَجَبَ فِي إبِلٍ وَلَهُ أَسْفَلُ كَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ وَجَذَعَةٍ، (فَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ إلَى مَا) ، أَيْ: سِنٍّ (يَلِيهِ مِنْ أَسْفَلَ وَيُخْرِجُ مَعَهُ جُبْرَانًا أَوْ) كَانَ لَهُ أَعْلَى كَبِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ، فَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ (إلَى مَا يَلِيهِ مِنْ فَوْقٍ وَيَأْخُذَ جُبْرَانًا) ، لِحَدِيثِ الصِّدِّيقِ فِي الصَّدَقَاتِ قَالَ: «وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ» . إلَى آخِرِهِ. (فَإِنْ عَدِمَ مَا) ، أَيْ: سِنًّا (يَلِيهِ) ، أَيْ: الْوَاجِبُ مِنْ مَالِ مُزَكٍّ، بِأَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ، فَعَدِمَهَا وَالْحِقَّةَ، (انْتَقِلْ لِمَا بَعْدَهُ) وَهُوَ بِنْتُ اللَّبُونِ فِي الْمِثَالِ، (فَإِنْ عَدِمَ) ، أَيْ: مَا يَلِيهِ، وَهُوَ بِنْتُ اللَّبُونِ فِيهِ (أَيْضًا، انْتَقَلَ لِثَالِثٍ) وَهُوَ بِنْتُ الْمَخَاضِ، (فَيُخْرِجُ مَنْ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ ثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ بِشَرْطِ كَوْنِ ذَلِكَ) الْمُخْرِجِ مَعَ جُبْرَانٍ فَأَكْثَرَ (فِي مِلْكِهِ) لِلْخَبَرِ، وَ (إلَّا) يَكُنْ فِي مِلْكِهِ (تَعَيَّنَ الْأَصْلُ) الْوَاجِبُ، فَيُحَصِّلُهُ وَيُخْرِجُهُ، (وَالْجُبْرَانُ: شَاتَانِ، أَوْ: عِشْرُونَ دِرْهَمًا) لِلْخَبَرِ، (وَيُجْزِئُ فِي جُبْرَانٍ) وَاحِدٍ (وَ) فِي (ثَانٍ وَثَالِثٍ، النِّصْفُ دَرَاهِمَ وَالنِّصْفُ شِيَاهًا) ، لِقِيَامِ الشَّاةِ مَقَامَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. فَإِذَا اخْتَارَ إخْرَاجَهَا وَعَشَرَةً جَازَ، وَكَإِخْرَاجِ كَفَّارَةٍ مِنْ جِنْسَيْنِ (وَيَتَعَيَّنُ عَلَى وَلِيِّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ) جُنُونًا مُطْبِقًا. (وَيَتَّجِهُ: وَ) وَلِيُّ (سَفِيهٍ) كَذَلِكَ. - وَهُوَ مُتَّجِهٌ -، (إخْرَاجُ أَدْوَنَ مُجْزِئٍ) مُرَاعَاةً لَحَظِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (وَلِغَيْرِهِ) ، أَيْ: غَيْرِ وَلِيِّ مَنْ ذُكِرَ (دَفْعُ سِنٍّ أَعْلَى إنْ كَانَ النِّصَابُ مَعِيبًا) بِلَا أَخْذِ جُبْرَانٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ وَفْقَ مَا بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَمَا بَيْنَ الْمَعِيبِينَ أَقَلُّ مِنْهُ، فَإِذَا دَفَعَ السَّاعِي فِي مُقَابَلَتِهِ جُبْرَانًا كَانَ حَيْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَلِمَالِكٍ دَفْعُ سِنٍّ أَسْفَلَ مَعَ الْجُبْرَانِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْحَيْفِ عَلَيْهِ كَإِخْرَاجِ أَجْوَدَ، بِخِلَافِ وَلِيِّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. (وَلَا مَدْخَلَ لِجُبْرَانٍ فِي غَيْرِ إبِلٍ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ، إنَّمَا وَرَدَ فِيهَا، وَغَيْرُهَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا، فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ، فَلَوْ جَبَرَ الْوَاجِبَ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَتِهِ، فَأَخْرَجَ الرَّدِيءَ عَنْ الْجَيِّدِ، وَزَادَ قَدْرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَضْلِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ النَّفْعُ بِعَيْنِهَا، فَيَفُوتُ بَعْضُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 الْمَقْصُودِ. وَمِنْ الْأَثْمَانِ الْقِيمَةُ، (فَعَادِمُ فَرِيضَةِ بَقَرٍ، أَوْ) فَرِيضَةِ (غَنَمٍ) يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُ الْفَرِيضَةِ وَإِخْرَاجُهَا، وَ (لَا يُخْرِجُ أَدُونَ) مِنْهَا، (بَلْ) يُخْرِجُ (أَعْلَى) مِنْهَا (إنْ شَاءَ مُتَطَوِّعًا) بِغَيْرِ جُبْرَانٍ كَمُسِنَّةٍ عَنْ تَبِيعٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ وَزِيَادَةً تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، (وَإِلَّا) يُخْرِجْ الْأَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ (كُلِّفَ شِرَاءَهَا) ، أَيْ: الْفَرِيضَةَ مِنْ غَيْرِ مَالِهِ، لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ [فَرْعٌ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الزَّكَاة بِجَمِيعِ النِّصَابِ] (فَرْعٌ: يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِجَمِيعِ النِّصَابِ حَتَّى بِالْوَاحِدَةِ الَّتِي يَتَغَيَّرُ بِهَا الْفَرْضُ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ النِّصَابِ، (وَلَا شَيْءَ فِيمَا بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ، وَيُسَمَّى) مَا بَيْنَهُمَا (الْوَقَصُ) بِفَتْحَتَيْنِ، وَقَدْ يُسَكَّنُ. (وَالْعَفْوُ) وَالشَّنَقُ، بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ. (وَأَكْثَرُ وَقَصِ إبِلٍ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ) ، وَأَكْثَرُ وَقَصِ (بَقَرٍ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ، وَ) أَكْثَرُ وَقَصِ (غَنَمٍ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ مِنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ إلَى أَرْبَعمِائَةٍ) ، فَهَذِهِ الْأَوْقَاصُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الزَّكَاةُ بَلْ بِالنِّصَابِ فَقَطْ، فَلَوْ كَانَ لَهُ تِسْعُ إبِلٍ مَغْصُوبَةٍ حَوْلًا، فَخَلَّصَ مِنْهَا بَعِيرًا، لَزِمَهُ خَمْسُ شِيَاهٍ، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْأَمْوَالِ " عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكِيمِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْأَوْقَاصَ لَا صَدَقَةَ فِيهَا» وَلِأَنَّ الْعَفْوَ مَالٌ نَاقِصٌ عَنْ نِصَابٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَرْضٌ مُبْتَدَأٌ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْوُجُوبُ قَبْلَهُ، كَمَا لَوْ نَقَصَ النِّصَابُ الْأَوَّلُ، وَعَكْسُهُ زِيَادَةُ نِصَابِ السَّرِقَةِ، فَإِنَّهَا وَإِنَّ كَثُرَتْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا النِّصَابُ مُبْتَدَأً، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَهُ حَالَةٌ مُنْتَظَرَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوُجُوبُ فَوَقَفَ عَلَى بُلُوغِهَا، (وَلَا وَقَصَ لِغَيْرِ سَائِمَةِ) بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وُقُوفًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، فَيَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَأَثْمَانٍ بِقَدْرِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 [فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ] (فَصْلٌ) فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ وَهُوَ: اسْمُ جِنْسٍ، وَالْبَقَرَةُ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَدَخَلَتْهَا الْهَاءُ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ مِنْ جِنْسٍ. وَالْبَقَرَاتُ: الْجَمْعُ، وَالْبَاقِرُ: جَمَاعَةُ الْبَقَرِ مَعَ رُعَاتِهَا، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ: بَقَرْتُ الشَّيْءَ، إذَا شَقَقْتُهُ؛ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ بِالْحِرَاثَةِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا: الْإِجْمَاعُ فِي الْأَهْلِيَّةِ، وَدَلِيلُهُ: حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلَّا جَاءَتْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، كُلَّمَا قَعَدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ إلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَأَقَلُّ نِصَابِ بَقَرٍ أَهْلِيَّةٍ أَوْ وَحْشِيَّةٍ ثَلَاثُونَ) ، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَعَثَنِي إلَى الْيَمَنِ أَنْ لَا آخُذَ مِنْ الْبَقَرِ شَيْئًا حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ» (وَفِيهَا) ، أَيْ: الثَّلَاثِينَ (تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ) ، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ، (لِكُلٍّ مِنْهُمَا) ، أَيْ: التَّبِيعِ وَالتَّبِيعَةِ (سَنَةٌ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ، وَهُوَ جَذَعُ الْبَقَرِ الَّذِي اسْتَوَى قَرْنَاهُ، وَحَاذَى قَرْنَاهُ أُذُنَهُ غَالِبًا. (وَيُجْزِئُ) عَنْ تَبِيعٍ (مُسِنٍّ) ، أَيْ: مَالَهُ سَنَتَانِ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) الْمُسِنُّ (أَوْلَى) بِالْإِجْزَاءِ مِنْ التَّبِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَى ثَمَنًا، وَأَوْفَرُ لَحْمًا، وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يَجِبُ (فِي أَرْبَعِينَ) مِنْ بَقَرٍ (مُسِنَّةٌ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ، وَفِيهِ: «وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ مُتَّصِلٌ. (لَهَا) ، أَيْ: الْمُسِنَّةِ (سَنَتَانِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَلْقَتْ سِنَّهَا غَالِبًا، وَهِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 الثَّنِيَّةُ. وَلَا فَرْضَ فِي الْبَقَرِ غَيْرَ هَذَيْنِ السِّنَّيْنِ (وَتُجْزِئُ أُنْثَى) مِنْ بَقَرٍ (أَعْلَى مِنْهَا) ، أَيْ: الْمُسِنَّةِ (سِنًّا) عَنْهَا بِالْأَوْلَى، وَ (لَا) يُجْزِئُ (مُسِنٌّ) عَنْ مُسِنَّةٍ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، (وَلَا) يُجْزِئُ عَنْ مُسِنَّةٍ (تَبِيعَانِ) اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ (وَفِي سِتِّينَ) مِنْ بَقَرٍ (تَبِيعَانِ، ثُمَّ يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ بِزِيَادَةِ عَشَرَةٍ عَشَرَةٍ، فَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَ) فِي (كُلِّ أَرْبَعِينَ: مُسِنَّةٌ، فَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ) ، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ وَفِيهِ: «فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، فَعَرَضُوا عَلَيَّ أَنْ آخُذَ مَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسِينَ، وَمَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ، وَمَا بَيْنَ الثَّمَانِينَ وَالتِّسْعِينَ، فَأَبَيْتُ ذَلِكَ، وَقُلْت لَهُمْ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَقَدِمْتُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ السِّتِّينَ تَبِيعَيْنِ، وَمِنْ السَّبْعِينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَمِنْ الثَّمَانِينَ مُسِنَّتَيْنِ، وَمِنْ التِّسْعِينَ ثَلَاثَةَ أَتْبَاعٍ، قَالَ: وَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْ لَا آخُذَ فِيمَا بَيَّنَ ذَلِكَ سِنًّا إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مُسِنَّةً أَوْ جَذَعًا» . (فَإِذَا بَلَغَتْ) الْبَقَرُ (مَا يَتَّفِقُ فِيهِ الْفَرْضَانِ، كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَكَإِبِلٍ، فَيُخَيَّرُ) مُخْرِجٌ (بَيْنَ) إخْرَاجِ (ثَلَاثِ مُسِنَّاتٍ وَأَرْبَعَةِ أَتْبِعَةٍ) لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا، (وَلَا يُجْزِئ ذَكَرٌ فِي زَكَاةٍ إلَّا هُنَا) وَهُوَ التَّبِيعُ، لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَيُجْزِئُ الْمُسِنُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ. (وَ) إلَّا (ابْنُ لَبُونٍ وَحِقٍّ وَجَذَعٍ) ، أَيْ: تَبِيعٌ وَمَا فَوْقَهُ (عِنْدَ عَدَمِ بِنْتِ مَخَاضٍ) عَنْهَا، وَتَقَدَّمَ، (وَ) إلَّا (إذَا كَانَ النِّصَابُ مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ كُلُّهُ كَذَلِكَ) ، أَيْ: ذُكُورًا، كَأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ، فَلَا يُكَلَّفُهَا مِنْ غَيْرِ مَالِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 [فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ] (فَصْلٌ) فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ مُؤَنَّثٍ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ ضَأْنٍ وَمَعْزٍ، (وَأَقَلُّ نِصَابِ غَنَمٍ أَهْلِيَّةٍ أَوْ وَحْشِيَّةٍ: أَرْبَعُونَ) إجْمَاعًا فِي الْأَهْلِيَّةِ، فَلَا شَيْءَ فِيمَا دُونَهَا. (وَ) يَجِبُ (فِيهَا شَاةٌ أُنْثَى) إجْمَاعًا فِي الْأَهْلِيَّةِ، (وَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ: شَاتَانِ) إجْمَاعًا (وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ: ثَلَاثُ) شِيَاهٍ (إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ) شَاةٍ، (ثُمَّ تَسْتَقِرُّ) الْفَرِيضَةُ (وَاحِدَةٌ عَنْ كُلِّ مِائَةٍ) ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: " فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا، إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ: شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى مِئَتَيْنِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، وَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةً وَاحِدَةً، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا " مُخْتَصَرٌ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَلَى هَذَا لَا تَتَغَيَّرُ بَعْدَ مِئَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةٍ، فَيَجِبُ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ. كَالْوَقَصِ مَا بَيْنَ مِئَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ إلَى أَرْبَعمِائَةِ، وَهُوَ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، (وَيُؤْخَذُ مِنْ مَعْزٍ ثَنِيٌّ) هُنَا، وَفِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ إبِلٍ، وَفِي جُبْرَانٍ. (وَ) هُوَ: مَا تَمَّ (لَهُ سَنَةٌ، وَ) يُؤْخَذُ (مِنْ ضَأْنٍ) كَذَلِكَ (جَذَعٌ، وَ) هُوَ: مَا تَمَّ (لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) ، لِحَدِيثِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: «أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَمَرَنَا أَنْ نَأْخُذَ الْجَذَعَةَ مِنْ الضَّأْنِ، وَالثَّنِيَّةَ مِنْ الْمَعْزِ» وَلِأَنَّهُمَا يُجْزِئَانِ فِي الْأُضْحِيَّةَ، فَكَذَا هُنَا. وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا مِنْ جِنْسِ غَنَمِهِ وَلَا مِنْ جِنْسِ غَنَمِ الْبَلَدِ، فَإِنْ أُوجِدَ الْفَرْضُ فِي الْمَالِ أَخَذَهُ السَّاعِي، وَإِنْ كَانَ أَعْلَى، خُيِّرَ مَالِكٌ بَيْنَ دَفْعِهِ، وَتَحْصِيلِ وَاجِبٍ فَيُخْرِجُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 (وَلَا يُؤْخَذُ تَيْسٌ) فِي زَكَاةٍ، وَهُوَ الذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ تَمَّ لَهُ حَوْلٌ (حَيْثُ يُجْزِئُ ذَكَرٌ) لِنَقْصِهِ وَفَسَادِ لَحْمِهِ، (إلَّا تَيْسَ ضِرَابٍ) فَلِسَاعٍ أَخْذُهُ (لِخَيْرِهِ بِرِضَى رَبِّهِ) حَيْثُ يُؤْخَذُ ذَكَرٌ، وَيُجْزِئُ أَخْذُهُ إذَنْ، (وَلَا) تُؤْخَذُ (هَرِمَةٌ) ، أَيْ: كَبِيرَةٌ طَاعِنَةٌ فِي السِّنِّ، (وَلَا مَعِيبَةٌ لَا يُضَحَّى بِهَا) نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] (إلَّا إنْ كَانَ الْكُلُّ كَذَلِكَ) ، أَيْ: هَرِمَاتٍ أَوْ مَعِيبَاتٍ، فَيُجَزِّئُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ، فَلَا يُكَلَّفُ إخْرَاجَهَا، مِنْ غَيْرِ مَالِهِ (وَلَا) تُؤْخَذُ (الرُّبَى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (وَهِيَ: الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا) ، قَالَهُ أَحْمَدُ. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تُرَبَّى فِي الْبَيْتِ لِأَجْلِ اللَّبَنِ، (وَلَا تُؤْخَذُ حَامِلٌ) ، لِقَوْلِ عُمَرَ: " لَا تُؤْخَذُ الرُّبَى وَلَا الْمَاخِضُ " (وَلَا) تُؤْخَذُ (طَرُوقَةُ فَحْلٍ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ غَالِبًا، (وَ) لَا تُؤْخَذُ (كَرِيمَةٌ) وَهِيَ: النَّفِيسَةُ لِشَرَفِهَا، (وَ) لَا تُؤْخَذُ (أَكُولَةٌ) ، لِقَوْلِ عُمَرَ: " وَلَا الْأَكُولَةُ " وَمُرَادُهُ: السَّمِينَةُ (إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا) ، أَيْ: الرُّبَى أَوْ الْحَامِلِ أَوْ طَرُوقَةِ الْفَحْلِ أَوْ الْكَرِيمَةِ أَوْ الْأَكُولَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحَقِّهِ وَلَهُ إسْقَاطُهُ، (وَتُؤْخَذُ مَرِيضَةٌ مِنْ) نِصَابٍ كُلُّهُ (مِرَاضٌ) ، وَتَكُونُ وَسَطًا فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ مُوَاسَاةً، وَتَكْلِيفُ الصَّحِيحَةِ عَنْ الْمِرَاضِ إخْلَالٌ بِهَا. (وَ) تُؤْخَذُ (صَغِيرَةٌ مِنْ صِغَارِ غَنَمٍ) ، لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ: " وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَدُّونَ الْعَنَاقَ وَ (لَا) تُؤْخَذُ صَغِيرَةٌ مِنْ صِغَارِ (إبِلٍ وَبَقَرٍ، فَلَا يُجْزِئُ فُصْلَانٌ، وَ) لَا (عَجَاجِيلُ) لِفَرْقِ الشَّارِعِ بَيْنَ فَرْضَيْنِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَسِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِزِيَادَةِ السِّنِّ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 مِثَالُ كَوْنِ النِّصَابِ صِغَارًا: مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (كَمَا لَوْ نَتَجَتْ) أَرْبَعُونَ شَاةً مَثَلًا، ثُمَّ مَاتَتْ، الْأُمَّهَاتُ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى أَوْلَادِهَا (أَوْ أُبْدِلَتْ كِبَارٌ بِصِغَارٍ) فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، (فَيَقُومُ النِّصَابُ مِنْ الْكِبَارِ، وَيَقُومُ فَرْضُهُ ثُمَّ تَقُومُ الصِّغَارُ وَيُؤْخَذُ عَنْهَا) ، أَيْ: الصِّغَارِ (كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ) مُحَافَظَةً عَلَى الْفَرْضِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِلَا إجْحَافٍ بِالْمَالِكِ. (وَإِنْ اجْتَمَعَ) فِي نِصَابٍ (كِبَارٌ وَصِغَارٌ وَصِحَاحٌ وَمَعِيبَاتٌ وَذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، لَمْ يُؤْخَذْ إلَّا أُنْثَى صَحِيحَةٌ كَبِيرَةٌ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ) ، أَيْ: الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، أَوْ الصِّحَاحِ وَالْمَعِيبَاتِ، أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لِلنَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الصَّغِيرِ وَالْمَعِيبِ وَالْكَرِيمَةِ، لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِهِمْ» ، وَلِتَحْصِيلِ الْمُوَاسَاةِ، (فَلَوْ كَانَ قِيمَةُ مُخْرَجٍ مَعَ كَوْنِ نِصَابِ كُلِّهِ كِبَارًا صِحَاحًا عِشْرِينَ، وَقِيمَتُهُ مَعَ كَوْنِهِ كُلِّهِ صِغَارًا مِرَاضًا عَشَرَةً، وَكَانَ) النِّصَابُ نِصْفَيْنِ، (نِصْفُهُ مِنْ ذَا) ، أَيْ: الْكِبَارِ الصِّحَاحِ، (وَنِصْفُهُ مِنْ ذَا) ، أَيْ: مِنْ الصِّغَارِ الْمِرَاضِ. (وَجَبَ إخْرَاجُ كَبِيرَةٍ صَحِيحَةٍ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ إلَّا) شَاةً (كَبِيرَةً مَعَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَخْلَةً، فَيُخْرِجُهَا) أَيْ: الْكَبِيرَةَ (وَ) يُخْرِجُ (سَخْلَةً) ، وَإِلَّا شَاةً (صَحِيحَةً مَعَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَعِيبَةً، فَيُخْرِجُهَا) ، أَيْ: الصَّحِيحَةَ (وَ) تُخْرَجُ (مَعِيبَةٌ) ، لِئَلَّا تَخْتَلَّ الْمُوَاسَاةُ (فَإِنْ كَانَ) النِّصَابُ (نَوْعَيْنِ) وَالْجِنْسُ وَاحِدٌ (كَبَخَاتِيٍّ) الْوَاحِدُ: بُخْتِي، وَالْأُنْثَى: بُخْتِيَّةٌ. قَالَ عِيَاضٌ: هِيَ إبِلٌ غِلَاظٌ ذَاتُ سَنَامَيْنِ (وَعِرَابٍ) هِيَ: إبِلٌ جُرْدٌ مُلْسٌ حِسَانُ الْأَلْوَانِ كَرِيمَةٌ (أَوْ) كَ (بَقَرٍ وَجَوَامِيسَ، أَوْ) كَ (ضَأْنٍ وَمَعْزٍ، أَوْ) كَ (أَهْلِيَّةٍ وَوَحْشِيَّةٍ) مِنْ بَقَرٍ وَغَنَمٍ (أُخِذَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا) ، أَيْ: النَّوْعَيْنِ (عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ) فَإِذَا كَانَ النَّوْعَانِ سَوَاءً، وَقِيمَةُ الْمُخْرَجِ مِنْ أَحَدِهِمَا اثْنَيْ عَشَرَ، وَقِيمَةُ الْآخَرِ خَمْسَةَ عَشَرَ، أَخْرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا مَا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 عَشَرَ وَنِصْفٌ، وَعُلِمَ مِنْهُ ضَمُّ الْأَنْوَاعِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ، (وَ) يَجِبُ (فِي) نِصَابِ (كِرَامٍ وَلِئَامٍ، وَ) نِصَابِ (سِمَانٍ وَمَهَازِيلَ الْوَسَطُ) لِلْخَبَرِ: «مِنْ أَيِّ النَّوْعَيْنِ شَاءَ» (بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ) ، أَيْ: الْكِرَامِ وَاللِّئَامِ، وَالسِّمَانِ وَالْمَهَازِيلِ، عَدْلًا بَيْنَ الْمَالِكِ وَأَهْلِ الزَّكَاةِ. (وَمَنْ أَخْرَجَ عَنْ النِّصَابِ) الزَّكَوِيِّ (مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ مَا لَيْسَ مِنْ مَالِهِ) ، كَمَنْ عِنْدَهُ بَقَرٌ، فَأَخْرَجَ عَنْهُ مِنْ الْجَوَامِيسِ، أَوْ ضَأْنٌ، فَأَخْرُج عَنْهُ مِنْ الْمَعْزِ وَبِالْعَكْسِ، (جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْمُخْرَجَ مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ النَّوْعَانِ فِي مَالِهِ وَأَخْرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا (إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ) ، أَيْ: الْمُخْرَجِ (عَنْ الْوَاجِبِ) فِي النَّوْعِ الَّذِي فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ يَجُزْ. (وَيُجْزِئُ) إخْرَاجُ (سِنٍّ أَعْلَى مِنْ فَرْضٍ) عَلَيْهِ (مِنْ جِنْسِهِ) ، أَيْ: الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْوَاجِبَ وَزِيَادَةً. و (لَا) تُجْزِئُ (الْقِيمَةُ) ، أَيْ: قِيمَةُ مَا وَجَبَ فِي السَّائِمَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ نَحْوِ حَبٍّ وَتَمْرٍ (مُطْلَقًا) فِي الْفِطْرَةِ وَغَيْرِهَا، اُحْتِيجَ إلَيْهَا أَوْ لَا، لِمَصْلَحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذْ الْحَبَّ مِنْ الْحَبِّ، وَالْإِبِلَ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرَ مِنْ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمَ مِنْ الْغَنَمِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (فَتُجْزِئُ بِنْتُ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَحِقَّةٌ عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ، وَجَذَعَةٌ عَنْ حِقَّةٍ) ، وَثَنِيَّةٌ عَنْ جَذَعَةٍ، (وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ) ، أَيْ: الْمُخْرِجِ (الْوَاجِبُ) لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَذَاكَ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْكَ، فَإِنْ تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ آجَرَكَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 [فَصْلٌ الْخُلْطَةُ فِي الْمَاشِيَة فِي الزَّكَاةِ] (فَصْلٌ) (الْخُلْطَةُ) بِضَمِّ الْخَاءِ: الشَّرِكَةُ (فِي مَاشِيَةٍ) دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ، (لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الزَّكَاةِ إيجَابًا وَإِسْقَاطًا) وَتَغْلِيظًا وَتَخْفِيفًا، (وَتُصَيِّرُ الْمَالَيْنِ كَ) مَالٍ (وَاحِدٍ) ، لِحَدِيثِ سَالِمٍ، وَيَأْتِي، (فَإِذَا اخْتَلَطَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِهَا) - أَيْ: أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ -، فَلَا تَأْثِيرَ لِخُلْطَةِ كَافِرٍ وَلَوْ مُرْتَدًّا، وَمُكَاتَبٍ، وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ (فِي نِصَابٍ) ، فَلَا أَثَرَ لِخُلْطَةٍ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً (مَاشِيَةً) ، فَلَا أَثَرَ لِخُلْطَةٍ فِي غَيْرِهَا لِمَا يَأْتِي (لَهُمْ) فَلَا أَثَرَ لِخُلْطَةِ مَغْصُوبٍ (جَمِيعَ الْحَوْلِ) ، فَلَا أَثَرَ لِخُلْطَةٍ فِي بَعْضِهِ وَلَوْ أَكْثَرَهُ (خُلْطَةَ أَعْيَانٍ بِكَوْنِهِ) ، أَيْ: النِّصَابِ (مُشَاعًا) بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ أَوْ الْخُلَطَاءِ (كَمَمْلُوكٍ بِنَحْوِ إرْثٍ) كَوَصِيَّةٍ وَجَعَالَةٍ (وَهِبَةٍ) أَوْ شِرَاءٍ وَاسْتَمَرَّ بِلَا قِسْمَةٍ، مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا (أَوْ خُلْطَةَ أَوْصَافٍ بِأَنْ تَمَيَّزَ مَا لِكُلٍّ) مِنْ الْخَلِيطَيْنِ أَوْ الْخُلَطَاءِ كَأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا شَاةٌ، وَلِلْآخِرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ، أَوْ لِأَرْبَعِينَ إنْسَانًا أَرْبَعُونَ شَاةً، لِكُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ، نُصَّ عَلَيْهِمَا (وَاشْتَرَكَا فِي مُرَاحٍ - بِضَمِّ مِيمٍ - وَهُوَ: الْمَبِيتُ وَالْمَأْوَى) لِلْمَاشِيَةِ (وَفِي مَسْرَحٍ وَهُوَ: مَا تَجْتَمِعُ فِيهِ لِتَذْهَبَ لِلْمَرْعَى وَ) فِي (مَحْلَبَةٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ (وَهُوَ: مَوْضِعُ الْحَلْبِ) بِأَنْ تُحْلَبَ كُلُّهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، (وَ) فِي (فَحْلٍ بِأَنْ لَا يَخْتَصَّ بِطَرْقِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ) الْمُخْتَلِطَيْنِ إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ، فَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُمَا (لَا إنْ اخْتَلَفَ نَوْعٌ، كَبَقَرٍ وَجَامُوسٍ وَضَأْنٍ وَمَعْزٍ) فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ الْفَحْلِ لِلضَّرُورَةِ. (وَ) فِي (مَرْعًى، وَهُوَ: مَوْضِعُ الرَّعْيِ وَوَقْتُهُ) فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، (فَكَوَاحِدٍ) - جَوَابُ إذَا - لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَلَا يَجِيءُ التَّرَاجُعُ إلَّا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» ، إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْمَالُ لِجَمَاعَةٍ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ يَضُمُّ بَعْضَ مَالِهِ إلَى بَعْضٍ، وَإِنْ كَانَ فِي أَمَاكِنَ، وَلِأَنَّ لِلْخُلْطَةِ تَأْثِيرًا فِي تَخْفِيفِ الْمُؤْنَةِ، فَجَازَ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي الزَّكَاةِ كَالسَّوْمِ، (فَيَلْزَمُ ثَلَاثَةَ) خُلَطَاءَ (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (أَرْبَعُونَ شَاةً شَاةٌ) ، عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُهَا كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ. (وَ) يَلْزَمُهُمْ (مَعَ عَدَمِ خُلْطَةٍ ثَلَاثُ) شِيَاهٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ. (وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ رَاعٍ) ، جَزَمَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " (وَنَصَّهُ) ، أَيْ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ بَلْ يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الرَّاعِي، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُذَهَّبِ " وَ " مَسْبُوكِ الذَّهَبِ " وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ، الْمُذَهَّبُ خِلَافُهَا (وَلَا) تُشْتَرَطُ (نِيَّةُ خُلْطَةٍ) بِنَوْعَيْهَا كَنِيَّةِ السَّوْمِ وَالسَّقْيِ بِكُلْفَةٍ، فَتُؤَثِّرُ خُلْطَةٌ وَقَعَتْ اتِّفَاقًا، أَوْ بِفِعْلِ رَاعٍ، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا (اتِّحَادُ مَشْرَبٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ: مَكَانُ الشُّرْبِ، وَاعْتَبَرَ فِي " الْإِقْنَاعِ " اشْتِرَاطَ اتِّحَادِ الرَّاعِي وَالْمَشْرَبِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ فِيهِمَا، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يُشْتَرَطُ (خَلْطُ لَبَنٍ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ: اشْتِرَاطُ رِضَاهُمَا) ، أَيْ: الْخَلِيطَيْنِ، أَيْ عَدَمُ إكْرَاهِهِمَا عَلَى الْخُلْطَةِ. فَلَوْ وَقَعَتْ اتِّفَاقًا، أَوْ بِفِعْلِ رَاعٍ لَمْ يَضُرَّ. وَمَتَى عَلِمَا بِهَا، وَمَضَى عَلَيْهَا حَوْلٌ، زَكَّيَاهَا زَكَاةَ خُلْطَةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 (وَحَرُمَ جَمْعُ) مَاشِيَةٍ خَشْيَةَ زَكَاةٍ، كَأَنْ يَكُونَ لَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ شَاةً مَثَلًا بِبَلَدَيْنِ مُتَبَاعِدِينَ: عِشْرُونَ مِنْهَا خُلْطَةً مَعَ عِشْرِينَ لِآخَرَ، وَتِسْعَةَ عَشَرَ خُلْطَةً مَعَ إحْدَى وَعِشْرِينَ لِآخَرَ، فَلَا يُؤَثِّرُ جَمْعُهُ لَهَا فِي إسْقَاطِ زَكَاتِهَا. (وَ) حَرُمَ (تَفْرِيقُ) مَاشِيَةٍ (خَشْيَةَ زَكَاةٍ) ، كَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً مَثَلًا، فَلَا يُؤَثِّرُ تَفْرِيقُهَا فِي أَمَاكِنَ مُتَبَاعِدَةٍ فِي إسْقَاطِ زَكَاتِهَا. (أَوْ) يُفَرِّقُ الْمَاشِيَةَ لِأَجْلِ (تَقْلِيلِهَا) ، كَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً، فَيَخْلِطُ مِنْهَا عِشْرِينَ مَعَ مِثْلِهَا لِآخَرَ لِيُقَلَّلَ زَكَاتَهَا، فَلَا يُؤَثِّرُ خَلْطُهُ لَهَا (فَمَنْ جَمَعَ أَوْ فَرَّقَ) الْمَاشِيَةَ (خَشْيَتَهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (لَمْ يُؤَثِّرْ) جَمْعُهُ وَلَا تَفْرِيقُهُ نَصًّا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ إلْغَاءُ جَمْعِهِ وَتَفْرِيقِهِ، وَإِخْرَاجُ مَا وَجَبَ فِي تِلْكَ الْمَاشِيَةِ، تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَمُعَامَلَةً لَهُ بِضِدِّ قَصْدِهِ. (وَإِنْ بَطَلَتْ خُلْطَةٌ بِفَوَاتِ أَهْلِيَّةِ خَلِيطٍ كَ) مَا لَوْ خَلَطَ مُسْلِمٌ سَائِمَتَهُ مَعَ (كَافِرٍ، وَ) كَذَا مَعَ سَائِمَةِ (مُكَاتَبٍ وَ) مَعَ سَائِمَةِ (مَدِينٍ) دَيْنًا يُنْقِصُ النِّصَابَ، (ضَمَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ) وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْحُرُّ (مَالَهُ) الْمُخْتَصَّ بِهِ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ، (وَزَكَّاهُ إنْ بَلَغَ نِصَابًا) ، وَإِلَّا فَلَا، إذْ هَذِهِ الْخُلْطَةُ لَا أَثَرَ لَهَا، فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا، (وَلَا أَثَرَ لِخُلْطَةِ غَاصِبٍ) مَالِهِ (بِمَغْصُوبٍ) لِإِلْغَاءِ تَصَرُّفِهِ فِي الْمَغْصُوبِ، (فَمَنْ مَلَكَا نِصَابًا) مَعًا، (أَوْ) مَلَكَا (نِصَابَيْنِ مَعًا بِنَحْوِ إرْثٍ) كَهِبَةٍ وَشِرَاءٍ، (وَاخْتَلَطَا) ، أَيْ: النِّصَابَانِ (مِنْ حِينَ مُلِكَا) ، وَتَمَّ الْحَوْلُ بِلَا قِسْمَةٍ، (زَكَّيَا زَكَاةَ خُلْطَةٍ شَاةً) وَاحِدَةً مِنْ وُجُودِ شُرُوطِ الْخُلْطَةِ مِنْ انْعِقَادِ السَّبَبِ إلَى الْوُجُوبِ. (وَإِنْ) ثَبَتَ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ بِأَنْ مَلَكَا فِي أَثْنَائِهِ ثَمَانِينَ شَاةً، ثُمَّ (خَلَطَاهُمَا) ، أَيْ: الشِّيَاهَ (بِأَثْنَاءِ حَوْلٍ، زَكَّيَا) لِذَلِكَ الْحَوْلِ (كَمُنْفَرِدَيْنِ شَاتَيْنِ) ، كُلُّ وَاحِدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 شَاةٌ، لِوُجُودِ خُلْطَةٍ وَانْفِرَادٍ فِي حَوْلٍ وَاحِدٍ، فَقُدِّمَ الِانْفِرَادُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذَّرٌ. (وَ) يُزَكِّيَانِ (فِيمَا بَعْدَ حَوْلٍ أَوَّلِ زَكَاةِ خُلْطَةٍ) إنْ اسْتَمَرَّتْ؛ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِهِ فَثَبَتَ حُكْمُهَا، (فَإِنْ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا فَعَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ شَاةٌ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَالِ (عِنْدَ تَمَامِ) حَوْلِ (هِمَا) لِاتِّفَاقِهِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) ، أَيْ: حَوْلَاهُمَا، (فَعَلَى كُلٍّ) مِنْهُمَا (نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ) ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْحَوْلِ لَا يَمْنَعُ حَقِيقَةَ الْخُلْطَةِ، وَلَا يَرْفَعُ الْمَقْصُودَ مِنْهَا فِيمَا عَدَا الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، فَلَا مَعْنَى لِامْتِنَاعِ حُكْمِهَا فِيهِ (إلَّا إنْ أَخْرَجَهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةَ (الْأَوَّلُ) ، أَيْ: الَّذِي تَمَّ حَوْلُهُ أَوَّلًا (مِنْ الْمَالِ) الْمُخْتَلِطِ وَهُوَ الثَّمَانُونَ، (فَيَلْزَمُ الثَّانِيَ ثَمَانُونَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ) ؛ لِأَنَّ حَوْلَهُ قَدْ تَمَّ عَلَى تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ شَاةً وَنِصْفَ شَاةٍ، فَتُبْسَطُ أَنْصَافًا تَكُنْ مِائَةً وَتِسْعَةً وَخَمْسِينَ فِيهَا شَاةٌ، عَلَيْهِ مِنْهَا بِقَدْرِ مَالِهِ فِيهَا، وَهُوَ أَرْبَعُونَ شَاةً مَبْسُوطَةً أَنْصَافًا، وَالْبَاقِي زَكَّاهُ مَالِكُهُ أَوَّلًا (ثُمَّ كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ مِنْ زَكَاةِ الْجَمِيعِ بِقَدْرِ مَالِهِ فِيهِ) ، أَيْ: الْمَالِ الْمُخْتَلِطِ. (وَإِنْ) ثَبَتَ حُكْمُ الِانْفِرَادِ لِأَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ وَحْدَهُ، بِأَنْ (مَلَكَا نِصَابَيْنِ) ثَمَانِينَ شَاةً، كُلُّ وَاحِدٍ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ جَعَلَاهُمَا (خُلْطَةً، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ) وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ الَّتِي يَمْلِكُهَا (أَجْنَبِيًّا) ، أَيْ: غَيْرَ خَلِيطِهِ (فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ مَنْ لَمْ يَبِعْ زَكَّى كَمُنْفَرِدٍ شَاةً) لِانْفِرَادِهِ عَنْ خَلِيطِهِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ. (وَإِذَا تَمَّ حَوْلُ مُشْتَرٍ) وَاسْتَدَامَا الْخُلْطَةَ (زَكَّى خُلْطَةً نِصْفَ شَاةٍ) ؛ لِأَنَّهُ خَلِيطٌ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ (إلَّا إنْ أَخْرَجَ الْأَوَّلُ) الَّذِي لَمْ يَبِعْ (الشَّاةَ) الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ (مِنْ الْمَالِ) ، أَيْ: الثَّمَانِينَ شَاةً (فَيَلْزَمُ الثَّانِيَ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِيَ (أَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ) ؛ لِأَنَّ حَوْلَهُ إذَنْ تَمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 عَلَى تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ شَاةً، فِيهَا شَاةٌ عَلَيْهِ مِنْهَا بِقَدْرِ مَالِهِ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ، وَالْبَاقِي أَخْرَجَ شَرِيكٌ زَكَاتَهُ (ثُمَّ كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا) ، أَيْ: أَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ (لَزِمَتْهُ مِنْ زَكَاةِ الْجَمِيعِ) ، أَيْ: الشَّاةُ الْوَاجِبَةُ فِي مَالِ الْخُلْطَةِ كُلِّهِ (بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ) ، أَيْ: فِي مَالِ الْخُلْطَةِ. (وَكَذَا) يَثْبُتُ حُكْمُ الِانْفِرَادِ لِأَحَدِهِمَا كَمَا (لَوْ) (خَلَطَ مَنْ لَهُ مَالٌ دُونَ نِصَابٍ) كَثَلَاثِينَ شَاةً (بِنِصَابٍ لِآخَرَ بَعْضَ الْحَوْلِ) فَمَالِكُ النِّصَابِ عَلَيْهِ شَاةٌ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَرَبُّ الثَّلَاثِينَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ أَسْبَاعِ شَاهٍ، إذَا تَمَّ حَوْلُ الْخُلْطَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الِانْفِرَادِ، إذْ لَا يَنْعَقِدُ لَهُ حَوْلٌ قَبْلَ الْخُلْطَةِ لِنَقْصِ نِصَابِهِ. (وَمَنْ بَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ شَاةً خُلْطَةً) لِكُلٍّ أَرْبَعُونَ (فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ) كُلَّهُ بِنَصِيبِ الْآخَرِ أَوْ دُونَهُ (أَوْ) بَاعَ (دُونَهُ) ، أَيْ: بَعْضَهُ (بِنَصِيبِ الْآخَرِ) كُلِّهِ (أَوْ دُونَهُ، وَاسْتَدَامَا الْخُلْطَةَ) (لَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُهُمَا) وَلَا خَلْطُهُمَا لِمَا مَرَّ أَنَّ إبْدَالَ النِّصَابِ بِجِنْسِهِ لَا يَقْطَعُ الْحَوْلَ، فَلَا تَنْقَطِعُ الْخُلْطَةُ (وَعَلَيْهِمَا) إذَا حَالَ الْحَوْلُ (زَكَاةُ خُلْطَةٍ) . بِخِلَافِ مَا لَوْ أَفْرَدَاهَا، ثُمَّ تَبَايَعَاهَا، ثُمَّ اخْتَلَطَا. أَوْ كَانَ مَالُ كُلٍّ مُنْفَرِدًا فَاخْتَلَطَا وَتَبَايَعَا، فَعَلَيْهِمَا لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَاةُ انْفِرَادٍ تَغْلِيبًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. (وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَا) شَخْصًا (لِرَعْيِ غَنَمٍ بِشَاةٍ مِنْهَا) مُمَيَّزَةٍ وَبَقِيَتْ مَعَ الْغَنَمِ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَالِهِ (وَمَنْ مَلَكَ نِصَابًا دُونَ حَوْلٍ ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهُ) أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (مُشَاعًا) غَيْرَ فَارٍّ (أَوْ أَعْلَمَ عَلَى بَعْضِهِ) ، أَيْ: النِّصَابِ (وَبَاعَهُ) ، أَيْ: الْبَعْضَ الْمُعَلَّمَ عَلَيْهِ (مُخْتَلِطًا أَوْ) بَاعَهُ (مُفْرَدًا ثُمَّ اخْتَلَطَا انْقَطَعَ الْحَوْلُ) بِالْبَيْعِ فِي الْمَبِيعِ وَفِيمَا لَمْ يَبِعْ لِنَقْصِهِ (فَإِنْ مَلَكَ نِصَابَيْنِ) كَثَمَانِينَ مِنْ غَنَمٍ (ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا) ، أَيْ: النِّصَابَيْنِ (مُشَاعًا) بِأَنْ بَاعَ نِصْفَ الثَّمَانِينَ (قَبْلَ الْحَوْلِ زَكَّى عِنْدَ تَمَامِهِ) ، أَيْ: الْحَوْلِ (كَمُنْفَرِدٍ) لِثُبُوتِ حُكْمِ الِانْفِرَادِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 لَهُ. (وَ) زَكَّى (مُشْتَرٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ كَخَلِيطٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الِانْفِرَادِ أَصْلًا، وَكَذَا إنْ أَعْلَمَ عَلَى النِّصْفِ وَبَاعَهُ مُخْتَلِطًا. وَإِنْ أَفْرَدَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ، ثُمَّ اخْتَلَطَا ثَبَتَ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ (وَمَنْ مَلَكَ نِصَابًا ثُمَّ) مَلَكَ (آخَرَ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ كَأَرْبَعِينَ شَاةً) مَلَكَهَا (بِرَمَضَانَ ثُمَّ) مَلَكَ (أَرْبَعِينَ بِشَوَّالٍ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ) النِّصَابِ (الْأَوَّلِ فَقَطْ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكٌ وَاحِدٌ، فَلَمْ يَزِدْ الْوَاجِبُ عَلَى شَاةٍ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَ الْحَوْلَانِ. (وَإِنْ تَغَيَّرَ بِهِ) ، أَيْ: بِمَا مَلَكَهُ ثَانِيًا الْفَرْضُ (كَمِائَةٍ) مَلَكَهَا فِي شَوَّالٍ بَعْدَ مِلْكِهِ أَرْبَعِينَ بِرَمَضَانَ (زَكَّاهُ) ، أَيْ: النِّصَابَ الثَّانِيَ وَهُوَ الْمِائَةُ (إذَا تَمَّ حَوْلُهُ بِشَاةٍ أَيْضًا) ، أَيْ: بَعْدَ إخْرَاجِهِ زَكَاةَ الْأَوَّلِ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُجْعَلَا كَالْمَالِ الْوَاحِدِ لِمَالِكٍ، أَوْ كَمَالَيْنِ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَجِبُ شَاةٌ أُخْرَى، وَيُقَدَّرُ زَكَاةُ الثَّانِي بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى زَكَاةِ الْجَمِيعِ، وَهُوَ فِي الْمِثَالِ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَزَكَاتُهُ شَاتَانِ، فَيَسْقُطُ مِنْهَا مَا وَجَبَ فِي الْأَوَّلِ، وَهُوَ شَاةٌ وَيَجِبُ الْبَاقِي فِي الثَّانِي وَهُوَ شَاةٌ فَيُخْرِجُهَا (وَإِنْ تَغَيَّرَ) الْفَرْضُ (بِهِ) أَيْ: بِمَا مَلَكَ ثَانِيًا. (وَلَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا كَثَلَاثِينَ بَقَرَةً) مَلَكَهَا (بِرَمَضَانَ وَعَشْرٍ) مِنْ بَقَرٍ أَيْضًا مَلَكَهَا (بِشَوَّالٍ، فَفِي) الثَّلَاثِينَ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي (الْعَشْرِ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا رُبْعُ مُسِنَّةٍ) ؛ لِأَنَّ حَوْلَهَا تَمَّ عَلَى أَرْبَعِينَ وَفِيهِ مُسِنَّةٌ، وَقَدْ زَكَّى الثَّلَاثِينَ، فَوَجَبَ فِي الْعَشْرِ بِقِسْطِهَا مِنْ الْمُسِنَّةِ، وَهُوَ رُبْعُهَا. (وَإِنْ) كَانَ مَا مَلَكَهُ بَعْدَ النِّصَابِ (لَمْ يُغَيِّرْهُ) ، أَيْ: الْفَرْضُ (وَلَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا كَخَمْسِ) بَقَرَاتٍ مَلَكَهَا بَعْدَ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً (فَلَا شَيْءَ فِيهَا) ، أَيْ: الْخَمْسِ؛ لِأَنَّهَا وَقَصٌ، وَكَمَا لَوْ مَلَكَ الْجَمِيعَ مَعًا (وَمَنْ لَهُ سِتُّونَ شَاةً كُلُّ عِشْرِينَ مِنْهَا) مُخْتَلِطَةٌ (مَعَ عِشْرِينَ لِآخَرَ) بِبَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِبِلَادٍ مُتَقَارِبَةٍ (فَعَلَى الْجَمِيعِ شَاةٌ) ؛ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 صَيَّرَتْهُ كَمَالٍ وَاحِدٍ (نِصْفُهَا) ، أَيْ: الشَّاةِ (عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ) شَاةً. (وَنِصْفُهَا عَلَى خُلَطَائِهِ) عَلَى كُلِّ خَلِيطٍ سُدُسٌ بِنِسْبَةِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ عِشْرُونَ، وَهِيَ سُدُسُ مَجْمُوعِ الْمَالِ (ضَمًّا لِمَالِ كُلِّ خَلِيطٍ لِ) مَالِ (الْكُلِّ فَيَصِيرُ) جَمِيعُ الْمَالِ (كَمَالٍ وَاحِدٍ) قَالَهُ الْأَصْحَابُ. (وَإِنْ كَانَتْ) السِّتُّونَ (كُلُّ عِشْرِينَ مِنْهَا) مُخْتَلِطَةٌ (مَعَ تِسْعَ عَشْرَةَ لِآخَرَ أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ كَانَ كُلُّ تِسْعَ عَشْرَةَ شَاةً مِنْ السِّتِّينَ مُخْتَلِطَةً بِعِشْرِينَ لِآخَرَ، (فَعَلَيْهِ) ، أَيْ: صَاحِبِ السِّتِّينَ (شَاةٌ) لِمِلْكِهِ نِصَابًا (وَلَا شَيْءَ عَلَى خُلَطَائِهِ لِعَدَمِ) مِلْكِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (النِّصَابَ) وَلَا أَثَرَ لِخُلْطَةٍ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ [فَصْلٌ غَيْر السَّائِمَة بِمَحَلَّيْنِ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ قَصِيرَةٌ إذَا كَانَ مَالِكهَا وَاحِد] (فَصْلٌ) (وَلَا أَثَرَ لِتَفَرُّقٍ أَوْ خُلْطَةِ مَالٍ) زَكَوِيٍّ (لِ) مَالِكٍ (وَاحِدٍ غَيْرَ سَائِمَةٍ بِمَحَلَّيْنِ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ قَصِيرَةٌ) نَصًّا، فَجَعَلَ التَّفْرِقَةَ فِي الْبَلَدَيْنِ كَالتَّفْرِقَةِ فِي الْمِلْكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثَّرَ مَالُ الْجَمَاعَةِ حَالَ الْخُلْطَةِ فِي مَرَافِقِ الْمِلْكِ وَمَقَاصِدِهِ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ الْمُعْتَادَةِ، وَصَيَّرَهُ كَمَالٍ وَاحِدٍ، وَجَبَ تَأْثِيرُ الِافْتِرَاقِ الْفَاحِشِ فِي مَالِ الْوَاحِدِ حَتَّى يَجْعَلَهُ كَمَالَيْنِ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» وَلِأَنَّ كُلَّ مَالٍ تَخْرُجُ زَكَاتُهُ بِبَلَدِهِ، فَتَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِذَلك الْبَلَدِ. فَإِذَا جَمَعَ أَوْ فَرَّقَ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، لَمْ يُؤْثِرْ، لِلْخَبَرِ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا دُونَ الْمَسَافَةِ، أَوْ كَانَ التَّفْرِقَةُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ لَهُ تُؤَثِّرُ إجْمَاعًا (فَلِكُلِّ مَا) ، أَيْ: سَائِمَةٍ (فِي مَحِلٍّ مِنْهَا) ، أَيْ: الْمَحَالِّ الْمُتَبَاعِدَةِ (حُكْمٌ بِنَفْسِهِ فَعَلَى مَنْ لَهُ) سَوَائِمُ (بِمَحَالِّ مُتَبَاعِدَةٍ أَرْبَعُونَ شَاةً فِي كُلِّ مَحِلٍّ) مِنْ تِلْكَ الْمَحَالِّ (شِيَاهٌ بِعَدَدِهَا) ، أَيْ: الْمَحَالِّ. (وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ لَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ نِصَابٌ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا) ، أَيْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 الْمَحَالِّ الْمُتَبَاعِدَةِ (غَيْرَ خَلِيطٍ) لِأَهْلِهَا فِي نِصَابٍ (فَإِذَا كَانَ لَهُ) أَيْ: الشَّخْصِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ (سِتُّونَ شَاةً) بِثَلَاثِ مَحَالَّ مُتَبَاعِدَةٍ (فِي كُلِّ مَحِلٍّ عِشْرُونَ) مِنْهَا (خُلْطَةً بِعِشْرِينَ لِآخَرَ لَزِمَ رَبَّ السِّتِّينَ شَاةٌ وَنِصْفُ) شَاةٍ (وَ) لَزِمَ (كُلَّ خَلِيطٍ نِصْفُ شَاةٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُلْطَةً مَعَ أَهْلِهَا فِي نِصَابٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَ) يَجُوزُ (لِسَاعٍ) يَجْبِي الزَّكَاةَ (أَخْذُ) مَا وَجَبَ فِي مَالِ خُلْطَةٍ (مِنْ مَالٍ أَيِّ خَلِيطَيْنِ شَاءَ مَعَ حَاجَةٍ) بِأَنْ تَكُونَ الْفَرِيضَةُ عَيْنًا وَاحِدَةً. (وَ) مَعَ (عَدَمِهَا) ، أَيْ: الْحَاجَةِ نَصًّا بِأَنْ أَمْكَنَ أَخْذُ زَكَاةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَالِهِ بِلَا تَشْقِيصٍ، لِحَدِيثِ: «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ» أَيْ: إذَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا، رَجَعَ عَلَى خَلِيطِهِ بِنِسْبَةِ مَالِهِ، وَلِأَنَّ الْمَالَيْنِ صَارَا كَمَالٍ وَاحِدٍ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَكَذَا فِي أَخْذِهَا. (وَلَوْ) كَانَ السَّاعِي أَخَذَ الزَّكَاةَ (بَعْدَ قِسْمَةٍ) فِي (خُلْطَةِ أَعْيَانٍ مَعَ بَقَاءِ النَّصِيبَيْنِ بَعْدَ وُجُوبِ زَكَاتِهِ) فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِ أَيِّهِمَا شَاءَ لِسَبْقِ وُجُوبِ الْقِسْمَةِ، وَظَاهِرُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا مَا عَلَى الْآخَرِ بَعْدَ انْفِرَادٍ فِي خُلْطَةِ أَوْصَافٍ. (وَمَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ كَذِمِّيٍّ) وَمُكَاتَبٍ وَمَدِينٍ مُسْتَغْرِقٍ (لَا أَثَرَ لِخُلْطَتِهِ فِي جَوَازِ الْأَخْذِ) ، أَيْ: أَخْذِ سَاعٍ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِ نَحْوِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ خُلْطَتَهُ لَا تُؤَثِّرُ فِي ضَمِّ أَحَدِ الْمَالَيْنِ إلَى الْآخَرِ، فَأَشْبَهَا الْمُنْفَرِدَيْنِ، (وَيَرْجِعُ) خَلِيطٌ مِنْ أَهْلِهَا (مَأْخُوذٌ مِنْهُ) زَكَاةُ جَمِيعِ مَالٍ خُلْطَةٍ (عَلَى خَلِيطِهِ بِقِيمَةِ) الـ (قِسْطِ) الَّذِي (قَابَلَ مَالَهُ) ، أَيْ: لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ (مِنْ مُخْرِجِ) زَكَاةٍ لِلْخَبَرِ. وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (يَوْمَ أَخْذِ) سَاعٍ لَهُ، لِزَوَالِ مِلْكِهِ إذَنْ عَنْهُ (فَيَرْجِعُ رَبُّ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا مِنْ) أَصْلِ (خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ) بَعِيرًا خُلْطَةً (عَلَى رَبِّ عِشْرِينَ بِقِيمَةِ أَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ بِنْتِ مَخَاضٍ) أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ الْخَمْسَةِ وَثَلَاثِينَ (وَبِالْعَكْسِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 بِأَنْ أُخِذَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ مِنْ مَالِ رَبِّ الْعِشْرِينَ، رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ (بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهَا) ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ الْمَالِ، وَعَلَى نَحْوِ هَذَا حِسَابُهَا. (وَمَنْ بَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ شَاةً نِصْفَيْنِ وَعَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ بِقِيمَةِ عِشْرِينَ مِنْهَا فَعَلَيْهِمَا شَاةٌ) ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ يَبْلُغُ نِصَابًا، (عَلَى الْمَدِينِ) مِنْهَا (ثُلُثُهَا) ، أَيْ: الشَّاةِ لِمَنْعِ الدَّيْنِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيمَا قَابَلَهُ، فَكَأَنَّهُ مَالِكٌ عِشْرِينَ خُلْطَةً بِأَرْبَعِينَ، فَهِيَ ثُلُثٌ. (وَعَلَى الْآخَرِ ثُلُثَاهَا) ، أَيْ: الشَّاةِ بِنِسْبَةِ مَالِهِ (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَرْجُوعٍ عَلَيْهِ فِي قِيمَةِ) مُخْرَجٍ مِنْ خَلِيطِهِ (بِيَمِينِهِ إنْ عُدِمَتْ بَيِّنَةٌ) بِالْقِيمَةِ (وَاحْتُمِلَ صِدْقُهُ) فِيمَا ادَّعَاهُ قِيمَةً؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَمُنْكِرٌ لِلزَّائِدِ. فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِهَا. (وَيَتَّجِهُ، وَإِلَّا) يُحْتَمَلُ صِدْقُ مَرْجُوعٍ عَلَيْهِ (أُخِذَ بِقَوْلِ غَرِيمِهِ) وَهُوَ الْخَلِيطُ فِي الشِّيَاهِ (إنْ صَدَّقَهُ الْحِسُّ) وَإِلَّا يُصَدِّقْهُ رُدَّ لِظُهُورِ كَذِبِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ غَارِمٍ) مُنْكِرٍ لِلزَّائِدِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إنْ عُدِمَتْ الْبَيِّنَةُ وَاحْتُمِلَ صِدْقُهُ، وَإِلَّا أُخِذَ بِقَوْلِ غَرِيمِهِ إنْ صَدَّقَهُ الْحِسُّ (وَيُجْزِئُ إخْرَاجُ بَعْضِ الْخُلَطَاءِ) الزَّكَاةَ (بِدُونِ إذْنِ بَقِيَّتِهِمْ مَعَ حُضُورِهِمْ وَغَيْبَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْخُلْطَةِ صَيَّرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْآذِنِ لِخَلِيطِهِ فِي الْإِخْرَاجِ عَنْهُ، (وَالِاحْتِيَاطُ) الْإِخْرَاجُ (بِإِذْنِهِمْ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِدُونِ إذْنِ الْبَقِيَّةِ. (وَمَنْ أَخْرَجَ مِنْهُمْ فَوْقَ الْوَاجِبِ، لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ) عَلَى خُلَطَائِهِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ لَفْظًا وَحُكْمًا (وَيَرْجِعُ) مَأْخُوذٌ مِنْهُ الزَّكَاةُ عَلَى خَلِيطِهِ (بِقِسْطٍ زَائِدٍ) عَلَى وَاجِبٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 (أَخَذَهُ سَاعٍ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَأَخْذِ مَالِكِيٍّ صَحِيحَةً عَنْ مِرَاضٍ، وَكَبِيرَةً عَنْ صِغَارٍ، أَوْ) أَخْذِ (حَنَفِيٍّ الْقِيمَةَ) ، أَيْ: قِيمَةَ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ نَائِبُ الْإِمَامِ، فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِ. قَالَ الْمَجْدُ: فَلَا يُنْقَضُ كَمَا فِي " الْحَاكِمِ ". قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَجَبَ دَفْعُهُ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ، وَلِأَنَّ فِعْلَ السَّاعِي فِي مَحِلِّ الِاجْتِهَادِ نَافِذٌ سَائِغٌ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِسَوَغَانِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ، أَيْ: فِي أَخْذِ الْقِيمَةِ، وَلَوْ اعْتَقَدَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَدَمَهُ، انْتَهَى. وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَيُجْزِئُ، وَلَوْ اعْتَقَدَ مَأْخُوذٌ مِنْهُ عَدَمَ إجْزَاءٍ) . وَ (لَا) يَرْجِعُ مَأْخُوذٌ مِنْهُ (بِمَا) ، أَيْ: بِقِسْطٍ زَائِدٍ (أَخَذَهُ) سَاعٍ (ظُلْمًا) بِلَا تَأْوِيلٍ، (كَ) أَخْذِهِ (شَاتَيْنِ عَنْ أَرْبَعِينَ) شَاةً (خُلْطَةً وك) أَخْذِهِ (جَذَعَةً عَنْ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا فَيَرْجِعُ) الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى خَلِيطِهِ فِي الْأُولَى (بِقِيمَةِ نِصْفِ بِنْتِ مَخَاضٍ أَوْ) يَرْجِعُ عَلَى خَلِيطِهِ بِنِصْفِ (شَاةٍ وَمَا زَادَ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ) أَوْ الْمُتَسَبِّبِ فِي ظُلْمِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": إذَا أَسْقَطَ الْعَامِلُ، أَوْ أَخَذَ دُونَ مَا يَعْتَقِدُ الْمَالِكُ، يَلْزَمُ الْمَالِكَ الْإِخْرَاجُ، زَادَ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى -. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْ هَذَا) ، أَيْ: قَوْلِهِمْ: فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ أَنَّهُ (لَا يَلْزَمُ أَهْلَ بَلْدَةٍ ظُلِمُوا التَّسَاوِي فِي الظُّلْمِ، بَلْ لِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمْ (دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ مَا أَمْكَنَ) بِمَشْيَخَةٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ رِشْوَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ لِغَيْرِهِ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا مُتَّجِهٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ ظُلِمَ الرُّجُوعُ بِقِسْطِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يُظْلَمْ خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (حَيْثُ أَلْزَمهُمْ بِهِ) ، أَيْ: أَهْلَ بَلْدَةِ ظُلِمُوا بِالتَّسَاوِي فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَقُلْ بِإِلْزَامِهِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّ الْمَظَالِمَ الْمُشْتَرَكَةَ، وَالْكُلَفَ السُّلْطَانِيَّةَ الَّتِي تَطْلُبُهَا الْوُلَاةُ مِنْ الْقَرْيَةِ أَوْ الْقَافِلَةِ يَلْزَمُهُمْ الْعَدْلُ، فِي ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَدَاءِ قِسْطِهِ بِحَيْثُ تُؤْخَذُ مِنْ شُرَكَائِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظُلْمِ، نَحْوِ سُرَّاقٍ أَوْ قُطَّاعِ طَرِيقٍ، (إلَّا أَنْ يُحْمَلَ) كَلَامُ الشَّيْخِ (عَلَى أَنَّ الْمَظْلَمَةَ) الَّتِي طُلِبَتْ (كَانَتْ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ. وَقَالَ) الشَّيْخُ: عَلَى الظَّالِمِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ الْمَظْلُومِينَ فِيمَا يَطْلُبُهُ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الطَّلَبِ ظُلْمًا، فَعَلَيْهِ الْتِزَامُ الْعَدْلِ فِيهِ، وَلَا يَظْلِمُ فِيهِ ظُلْمًا ثَانِيًا، فَيَبْقَى ظُلْمًا مُكَرَّرًا، فَإِنَّ الْوَاحِد مِنْهُمْ إذَا كَانَ قِسْطُهُ مِائَةً فَطُولِبَ بِمِائَتَيْنِ، كَانَ قَدْ ظُلِمَ ظُلْمًا مُكَرَّرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَ مِنْ كُلٍّ قِسْطَهُ، وَ (لِأَنَّ النُّفُوسَ) تَرْضَى بِالْعَدْلِ بَيْنَهَا فِي الْحِرْمَانِ، وَفِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا ظُلْمًا، و (لَا تَرْضَى بِالتَّخْصِيصِ) ، أَيْ: بِأَنْ يُخَصَّ بَعْضُهَا بِالْعَطَاءِ أَوْ الْإِعْفَاءِ (وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَخْذِ الْجَمِيعِ مِنْ الضُّعَفَاءِ) الَّذِينَ لَا نَاصِرَ لَهُمْ، وَالْأَقْوِيَاءُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ وَظَائِفِ الْأَمْلَاكِ وَالرُّءُوسِ، وَأَكْبَرُهَا مِنْ أَنَّ أَمْلَاكَهُمْ وَأَتْبَاعَهُمْ أَكْثَرُ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ مِنْ الْفَسَادِ وَالشَّرِّ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ، (انْتَهَى) . وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ. (فَرْعٌ: كُلُّ مَنْ تَصَرَّفَ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ إذَا طَلَبَ مِنْهُ مَا يَنُوبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 ذَلِكَ الْمَالَ مِنْ الْكُلَفِ فَلَهُ دَفْعُهُ مِنْ الْمَالِ، بَلْ إنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْهُ أَخَذَ الظَّلْمَةَ أَكْثَرَ، وَجَبَ) عَلَيْهِ الدَّفْعُ (لِأَنَّهُ) ، أَيْ: الدَّفْعَ (مِنْ حِفْظِ الْمَالِ. وَلَوْ تَعَذَّرَ الدَّفْعُ مِنْهُ) ، أَيْ: الْمَالَ (فَاقْتَرَضَ عَلَيْهِ، أَوْ أَدَّى) عَنْهُ (مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ) عَلَى رَبِّ الْمَالِ (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيِّ الدِّينِ: وَهُوَ كَمَا قَالَ. [بَابُ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ] (بَابُ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ) (زَكَاةُ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ) مِنْ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ (وَ) زَكَاةُ الْخَارِجِ مِنْ (النَّحْلِ) وَهُوَ عَسَلُهُ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وَالزَّكَاةُ تُسَمَّى نَفَقَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " حَقُّهُ الزَّكَاةُ " مَرَّةً الْعُشْرُ وَمَرَّةً نِصْفُ الْعُشْرِ، وَالسُّنَّةُ مُسْتَفِيضَةٌ بِذَلِكَ. وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. (تَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي كُلِّ مَكِيلٍ مُدَّخَرٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَدْخُلُهُ التَّوْسِيقُ لَيْسَ مُرَادًا مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَإِلَّا لَكَانَ ذِكْرُ الْأَوْسُقِ لَغْوًا، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُدَّخَرِ لَا تَكْمُلُ فِيهِ النِّعْمَةُ لِعَدَمِ النَّفْعِ بِهِ مَآلًا (مِنْ حَبٍّ كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَأُرْزٍ وَفُولٍ وَعَدَسٍ وَحِمَّصٍ وَذُرَةٍ وَدُخْنٍ وَجُلْبَانٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 وَلُوبْيَا وَكِرْسِنَّةٍ وَتُرْمُسٍ) بِوَزْنِ بُنْدُقٍ (وَسِمْسِمٍ وَقِرْطِمٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَالطَّاءِ وَضَمُّهَا لُغَةٌ: حَبُّ الْعُصْفُرِ (وَحُلْبَةٍ وَخَشْخَاشٍ وَسُلْتٍ) بِالضَّمِّ (وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الشَّعِيرِ) لَوْنُهُ لَوْنُ الْحِنْطَةِ، وَطَبْعُهُ طَبْعُ الشَّعِيرِ فِي الْبُرُودَةِ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ الْحُبُوبِ بِهِ فِي صُورَتِهِ. (وَلَوْ) كَانَ الْحَبُّ (حَبَّ بُقُولٍ كَ) حَبِّ (رَشَادٍ وَفُجْلٍ وَخَرْدَلٍ وَبَصَلٍ وَهِنْدِبَاء وَكَرَفْسٍ وَبِزْرِ قَطُونَا) بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الطَّاءِ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ (وَ) بِزْرِ (رَيَاحِينَ أَوْ حَبِّ مَا لَا يُؤْكَلُ كَأُشْنَانٍ وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ) كَرُمَّانٍ (وَنِيلٍ وَقُنَّبٍ أَوْ حَبِّ أَبَازِيرَ كَكُسْفَرَةٍ وَكَمُّونٍ وَأَنْسِيُونٍ ورازيانج وَهُوَ الشَّمَرُ وَبِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ وَخِيَارٍ وَبَاذِنْجَانٍ وَيَقْطِينٍ وَخَسٍّ وَجَزَرٍ وَلِفْتٍ وَكُرُنْبٍ وَكَرَفْسٍ) وَبِزْرِ الْبَقْلَةِ الْحَمْقَاءِ (أَوْ) كَانَ الْمَكِيلُ (غَيْرَ حَبٍّ كَصَعْتَرٍ وَأُشْنَانٍ وَسُمَّاقٍ، أَوْ وَرَقِ شَجَرٍ يُقْصَدُ كَسِدْرٍ وَخِطْمِيٍّ وَآسٍ، أَوْ) كَانَ الْمَكِيلُ مِنْ (ثَمَرٍ كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَلَوْزٍ وَفُسْتُقٍ وَبُنْدُقٍ وَسُمَّاقٍ) لِأَنَّهُ مَكِيلٌ مُدَّخَرٌ و (لَا) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي (عُنَّابٍ وَزَيْتُونٍ) لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِادِّخَارِهِ (وَتُوتٍ وَمِشْمِشٍ وَجَوْزٍ) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْدُودٌ. (وَ) لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي بَقِيَّةِ الْفَوَاكِهِ كَ (تُفَّاحٍ وَرُمَّانٍ وَسَفَرْجَلٍ وَخَوْخٍ وَإِجَّاصٍ وَكُمَّثْرَى وَنَبْقٍ وَزُعْرُورٍ وَأُتْرُجٍّ وَمَوْزٍ وَبَقِيَّةِ الْفَوَاكِهِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَكِيلَةً، وَلِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ الصَّدَقَةُ» وَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ مَعْنَاهُ. (وَ) لَا فِي (طَلْعِ فُحَّالٍ) - بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ ثَانِيهِ - ذَكَرِ النَّخْلِ (وَقَصَبِ) سُكَّرٍ (وَخُضَرٍ) كَبِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ وَخِيَارٍ وَبَاذِنْجَانٍ وَلِفْتٍ وَسَلْقٍ وَكُرُنْبٍ وَبَصَلٍ وَثُومٍ وَكُرَّاثٍ وَجَزَرٍ وَفُجْلٍ وَنَحْوِهِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ. وَلِلْأَثْرَمِ بِإِسْنَادِهِ " عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ وَكَانَ عَامِلًا لَهُ عَلَى الطَّابِقِ، أَنَّ قِبَلَهُ حِيطَانًا فِيهَا مِنْ الْفِرْسِكِ وَالرُّمَّانِ مَا هُوَ أَكْثَرُ غَلَّةً مِنْ الْكُرُومِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 أَضْعَافًا فَكَتَبَ يَسْتَأْمِرُ فِي الْعُشْرِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: أَنْ لَيْسَ عَلَيْهَا عُشْرٌ، وَقَالَ: هِيَ مِنْ الْعِضَاه كُلِّهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا عُشْرٌ " وَالْعَضَاةُ: كُلُّ شَجَرٍ، يَعْظُمُ وَلَهُ شَوْكٌ كَالطَّلْحِ وَالسِّدْرِ وَنَحْوِهِمَا. (وَ) لَا فِي (بُقُولٍ) كَهِنْدِبَاءَ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: تُفْتَحُ الدَّالُ فَتُقْصَرُ، وَتُكْسَرُ فَتُمَدُّ. وَكَرَفْسٍ وَنَعْنَاعٍ وَرَشَادٍ وَبَقْلَةٍ حَمْقَاءَ وَقَرَظٍ، قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": الْقَرَظُ مُحَرَّكَةٌ: وَرَقُ السَّلَمِ، أَوْ ثَمَرُ السَّنْطِ، قَالَهُ الشَّارِحُ فِي تَقْرِيرِهِ: وَكُزْبُرَةٌ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَقَدْ تُفْتَحُ. وَجِرْجِيرٌ وَنَحْوُهُ. (وَ) لَا فِي (وَرْسٍ) وَهُوَ الْكُرْكُمُ: نَبْتٌ أَصْفَرُ بِالْيَمَنِ يُصْبَغُ بِهِ الثِّيَابُ (وَنِيلٍ وَحِنَّاءَ وَفُوَّةٍ وَبُقَّمٍ وَ) لَا فِي (زَهْرٍ كَعُصْفُرٍ وَزَعْفَرَانَ) وَوَرْدٍ وَبَنَفْسَجٍ وَنَيْلُوفَرَ وَخِيرِيٍّ، وَهُوَ: الْمَنْثُورُ وَزَنْبَقٍ وَرَيْحَانٍ (وَ) لَا فِي (نَحْوِ ذَلِكَ) كَقُشُورِ الْحَبِّ وَالتِّينِ وَالْخَشَبِ، وَالْحَطَبِ وَأَغْصَانِ الْخِلَافِ، وَوَرَقِ التُّوتِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ، وَلَبَنِ الْمَاشِيَةِ وَصُوفِهَا وَالشَّعْرِ وَالْوَبَرِ وَالْحَرِيرِ وَدُودِ الْقَزِّ، وَجَرِيدِ النَّخْلِ وَخُوصِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ (وَإِنَّمَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِيمَا تَجِبُ) فِيهِ (بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبْلُغَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ شَرِيكَيْنِ: أَوْ شُرَكَاءَ فِي مَكِيلٍ مُدَّخَرٍ (نِصَابًا) لِلْخَبَرِ (وَقَدْرُهُ) ، أَيْ: النِّصَابِ (بَعْدَ تَصْفِيَةِ حَبٍّ) مِنْ قِشْرِهِ وَتِبْنِهِ. (وَ) بَعْدَ (جَفَافِ ثَمَرٍ وَ) جَفَافِ (وَرَقٍ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَهُوَ خَاصٌّ يَقْضِي عَلَى كُلِّ عَامٍّ وَمُطْلَقٍ، وَلِأَنَّهَا زَكَاةُ مَالٍ، فَاعْتُبِرَ لَهَا النِّصَابُ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ. (وَهِيَ) ، أَيْ: الْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ (ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ) وَبِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ سِتَّةُ أَرَادِبَ، لِأَنَّ الْوَسْقَ سِتُّونَ صَاعًا إجْمَاعًا، وَهُوَ أَرَدْبٌ وَرُبْعٌ (وَ) هِيَ (بِالرَّطْلِ الْعِرَاقِيِّ أَلْفٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 وَسِتُّمِائَةِ) رَطْلٍ لِأَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ (وب) الرَّطْلِ (الْمِصْرِيِّ أَلْفُ) رَطْلٍ (وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ رَطْلًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ) رَطْلٍ (وب) الرَّطْلِ (الدِّمَشْقِيِّ ثَلَاثُمِائَةِ) رَطْلٍ (وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رَطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ) رَطْلٍ، (وب) الرَّطْلِ (الْحَلَبِيِّ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ رَطْلًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ) رَطْلٍ، (وب) الرَّطْلِ (الْقُدْسِيِّ مِائَتَانِ وَسَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ) رَطْلًا (وَسُبْعُ رَطْلٍ، وب) الرَّطْلِ (الْبَعْلِيِّ مِائَتَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ رَطْلًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ) رَطْلٍ. (وَالْأُرْزُ وَالْعَلْسُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا (وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ) تَكُونُ الْحَبَّتَانِ مِنْهُ فِي كِمَامٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ طَعَامُ صَنْعَاءِ الْيَمَنِ (يُدَّخَرَانِ فِي قِشْرِهِمَا) عَادَةً لِحِفْظِهِمَا (فَنِصَابُهُمَا مَعَهُ) ، أَيْ: الْقِشْرِ (بِبَلَدٍ خُبِرَا) ، أَيْ: الْأُرْزُ وَالْعَلْسُ فِيهِ (فَوُجِدَا) بِالِاخْتِبَارِ (يَخْرُجُ مِنْهُمَا مُصَفًّى النِّصْفُ مَثَلًا ذَلِكَ فَيَكُونُ) نِصَابُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي قِشْرِهِ (عَشَرَةَ أَوْسُقٍ) وَإِنْ صُفِّيَا فَنِصَابُ كُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ كَسَائِرِ الْحُبُوبِ (فَإِنْ شَكَّ) فِي بُلُوغِهِمَا نِصَابًا، وَهُمَا فِي قِشْرِهِمَا لِعَدَمِ انْضِبَاطِ الْعَادَةِ، فَإِنْ شَاءَ (احْتَاطَ) وَأَخْرَجَ عُشْرَهُ قَبْلَ قِشْرِهِ وَإِنْ شَاءَ اعْتَبَرَهُ بِنَفْسِهِ (كَمَغْشُوشِ أَثْمَانٍ) حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ (وَلَا يُقَدَّرُ غَيْرُهُ) ، أَيْ: الْعَلْسِ (مِنْ) الـ (حِنْطَةِ فِي قِشْرِهِ وَلَا يَخْرُجُ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِ) لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِهِ، وَلَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَلَا يَعْلَمُ قَدْرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. (وَالْوَسْقُ وَالصَّاعُ وَالْمُدُّ مَكَايِيلُ) أَصَالَةً (نُقِلَتْ لِلْوَزْنِ) ، أَيْ: قُدِّرَتْ بِهِ (لِتُحْفَظَ) مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ (وَ) لِ (تُنْقَلَ) مِنْ الْحِجَازِ إلَى سَائِرِ الْبِلَادِ (وَالْمَكِيلُ) مُخْتَلِفٌ فَ (مِنْهُ ثَقِيلٌ كَأَرُزٍّ وَتَمْرٍ وَ) مِنْهُ (مُتَوَسِّطٌ كَبُرٍّ وَعَدَسٍ وَ) مِنْهُ (خَفِيفٌ كَشَعِيرٍ وَذُرَةٍ) وَأَكْثَرُ التَّمْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 أَخَفُّ مِنْ الْحِنْطَةِ إذَا كِيلَ غَيْرَ مَكْبُوسٍ (وَالِاعْتِبَارُ) مِنْ هَذِهِ الْمَكِيلَاتِ (بِمُتَوَسِّطٍ) وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَالْعَدَسُ (فَتَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي خَفِيفٍ) بَلَغَ نِصَابًا كَيْلًا (قَارَبَ هَذَا الْوَزْنَ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ) ، أَيْ: الْوَزْنُ فِي الْكَيْلِ كَالرَّزِينِ (وَ) لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ (فِي ثَقِيلٍ) بَلَغَهُ وَزْنًا لَا كَيْلًا (وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ) ، أَيْ: النِّصَابِ (فَمَنْ اتَّخَذَ مَا) ، أَيْ: مَكِيلًا (يَسَعُ) صَاعًا وَهُوَ (خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ مِنْ جَيِّدِ الْبُرِّ) وَهُوَ الرَّزِينُ مِنْهُ الْمُسَاوِي لِلْعَدَسِ فِي وَزْنِهِ، ثُمَّ كَالَ بِهِ مَا شَاءَ (عَرَفَ بِهِ مَا بَلَغَ حَدَّ الْوُجُوبِ) ، أَيْ: النِّصَابِ (مِنْ غَيْرِهِ) الَّذِي لَمْ يَبْلُغْهُ. (وَمَنْ شَكَّ فِي بُلُوغِ قَدْرِ النِّصَابِ) وَلَمْ يَجِدْ مَكِيلًا يُقَدِّرُهُ بِهِ (احْتَاطَ وَأَخْرَجَ) الزَّكَاةَ لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَتِهَا (وَلَا يَجِبُ) عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ إذَنْ (لِأَنَّهُ) أَيْ: عَدَمَ بُلُوغِ النِّصَابِ (الْأَصْلُ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ. قَالَهُ جَمْعٌ) مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا كَالْمُوَفَّقِ وَغَيْرِهِ. (وَيَضُمُّ أَنْوَاعَ الْجِنْسِ) بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ (مِنْ زَرْعِ عَامٍ وَاحِدٍ) وَلَوْ تَعَدَّدَ الْبَلَدُ (وَ) مِنْ (ثَمَرَتِهِ) ، أَيْ: الْعَامِ الْوَاحِدِ، كَتَمْرٍ مَعْقِلِيٍّ وَإِبْرَاهِيمِيٍّ فَيُضَمَّانِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَكَالْمَوَاشِي وَالْأَثْمَانِ. (وَلَوْ) كَانَ الثَّمَرُ (مِمَّا) ، أَيْ: شَجَرٍ (يَحْمِلُ فِي سَنَةٍ حَمْلَيْنِ) فَيُضَمُّ بَعْضُهَا (إلَى بَعْضٍ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ) ؛ لِأَنَّهَا ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ، كَالذُّرَةِ الَّتِي تَنْبُتُ مَرَّتَيْنِ، وَلِأَنَّ وُجُودَ الْحَمْلِ الْأَوَّلِ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا لِحَمْلِ الذُّرَةِ (فَعَلْسٌ يُضَمُّ لِحِنْطَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا (وَسُلْتٌ) يُضَمُّ (لِشَعِيرٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ الْحُبُوبِ فِي صُورَتِهِ، فَهُوَ نَوْعٌ مِنْهُ (وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ) مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ (إلَى) جِنْسٍ (آخَرَ) فِي تَكْمِيلِ نِصَابٍ (كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ) فَلَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ (وَلَوْ قُطْنِيَّاتٍ كَبَاقِلَاءَ وَعَدَسٍ وَتُرْمُسٍ) بِالضَّمِّ حَمْلُ شَجَرٍ لَهُ حَبٌّ مُضَلَّعٌ مُحَزَّزٌ، أَوْ الْبَاقِلَاءُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 الْمِصْرِيُّ قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ " (وَسِمْسِمٍ وَحِمَّصٍ) فَلَا يُضَمُّ شَيْءٌ مِنْهَا إلَى غَيْرِهِ (وَلَا) يُضَمُّ (نَوْعٌ مِنْ عَامٍ لِ) نَوْعِ عَامٍ (آخَرَ) وَلَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ. الشَّرْطُ (الثَّانِي: مِلْكُهُ) ، أَيْ: النِّصَابِ (وَقْتَ وُجُوبِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (وَيَأْتِي، فَلَا تَجِبُ) زَكَاةٌ (فِي مُكْتَسَبِ لُقَاطٍ وَ) لَا فِي (أُجْرَةٍ نَحْوِ حَصَادٍ) كَجُذَاذٍ (وَلَا فِيمَا يُمْلَكُ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحٍ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ وَنَحْوِهِ) كَهِبَةٍ (أَوْ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِأَخْذٍ كَبُطْمِ وَزَعْبَلٍ) هُوَ شَعِيرُ الْجَبَلِ (وَبِزْرِ قَطُونَا) بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الطَّاءِ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ (وَكُزْبُرَةٍ وَعَفْصٍ وَسُمَّاقٍ أَخَذَهُ مِنْ مَوَاتٍ أَوْ نَبَتَ بِأَرْضِهِ إذْ لَا يُمْلَكُ) شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (إلَّا بِأَخْذٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِحَوْزَةٍ (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ (فِعْلُ زَرْعٍ فَيُزَكِّي نِصَابًا حَصَلَ مِنْ حَبٍّ لَهُ سَقَطَ) لِنَحْوِ سَيْلٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِ) أَرْضٍ (مِلْكِهِ أَوْ) بِأَرْضٍ (مُبَاحَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَقْتَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: وَكَذَا لَوْ سَقَطَ بِمَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِهِ إلَّا غَاصِبًا تَمَلَّكَ رَبُّ الْأَرْضِ زَرْعَهُ عَلَى مَا يَأْتِي [فَصْلٌ زَكَاة الزروع فِيمَا يَشْرَبُ بِلَا كُلْفَةٍ] (فَصْلٌ) (وَيَجِبُ فِيمَا يَشْرَبُ بِلَا كُلْفَةٍ) مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ (كِ) الَّذِي يَشْرَبُ (بِعُرُوقِهِ) وَيُسَمَّى بَعْلًا. (وَ) كَاَلَّذِي يَشْرَبُ بِ (غَيْثٍ) وَهُوَ الَّذِي يُزْرَعُ عَلَى الْمَطَرِ (وَ) الَّذِي يَشْرَبُ بِ (سَيْحٍ) ، أَيْ: مَاءٍ جَارٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَنَهْرِ وَعَيْنٍ. (وَلَوْ) كَانَ السَّقْيُ (بِإِجْرَاءِ مَاءِ حَفِيرَةٍ) حَصَلَ فِيهَا مِنْ نَحْوِ مَطَرٍ أَوْ نَهْرٍ (شَرَاهُ) ، أَيْ: الْمَاءَ رَبُّ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ (الْعُشْرُ) فَاعِلُ يَجِبُ لِلْخَبَرِ، وَلِنُدْرَةِ هَذِهِ الْمُؤْنَةِ وَهِيَ فِي مِلْكِ الْمَاءِ لَا فِي السَّقْيِ بِهِ. فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 النَّهْرِ فِي سَاقِيَةٍ إلَى الْأَرْضِ وَيَسْتَقِرُّ فِي مَكَان قَرِيبٍ مِنْ وَجْهِهَا إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي تَرْقِيَةِ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ إلَى آلَةٍ مِنْ غَرْبٍ أَوْ دُولَابٍ، فَهُوَ مِنْ الْكُلْفَةِ الْمُسْقِطَةِ لِنِصْفِ الْعُشْرِ. (وَلَا يُؤَثِّرُ مُؤْنَةُ حَفْرِ نَهْرٍ) وَقَنَاةٍ لِقِلَّتِهَا، وَلِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ إحْيَاءِ الْأَرْضِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ (وَ) لَا تُؤَثِّرُ مُؤْنَةُ (تَحْوِيلِ مَا فِي سَوَاقٍ؛ لِأَنَّهُ كَحَرْثِ الْأَرْضِ) وَلِأَنَّهُ لِمُلَبِّدٍ مِنْهُ حَتَّى فِي السَّقْيِ بِكُلْفَةٍ (وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مَاءَ بِرْكَةٍ أَوْ حَفِيرَةٍ أَوْ جَمَعَهُ وَسَقَى بِهِ سَيْحًا) فَيَجِبُ الْعُشْرُ لِنُدْرَةِ هَذِهِ الْمُؤْنَةِ (وَ) يَجِبُ (فِيمَا يُسْقَى بِكُلْفَةٍ كَدَوَالٍ) : جَمْعُ دَالِيَةٍ (وَهِيَ الدُّولَابُ تُدِيرُهُ الْبَقَرُ وَنَوَاعِيرَ يُدِيرُهَا الْمَاءَ وَنَوَاضِحَ) وَاحِدُهَا نَاضِحٌ وَنَاضِحَةٌ وَهِيَ (إبِلٌ يُسْتَقَى عَلَيْهَا وَكَتَرْقِيَةِ) الْمَاءِ (بِغَرْفٍ وَنَحْوِهِ نِصْفُ الْعُشْرِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عُشْرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَسُمِّيَ عَثْرِيًّا؛ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ فِي مَجْرَى الْمَاءِ عَاثُورًا، فَإِذَا صَدَمَهُ الْمَاءُ تَرَادَّ فَدَخَلَ تِلْكَ الْمَجَارِي فَتَسْقِيهِ، وَلِأَنَّ لِلْكُلْفَةِ تَأْثِيرًا فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ، فَفِي تَخْفِيفِهَا أَوْلَى. (وَ) يَجِبُ (فِيمَا يَشْرَبُ بِكُلْفَةٍ وَ) بِ (دُونِهَا نِصْفَيْنِ) أَيْ: نِصْفِ مُدَّتِهِ بِكُلْفَةٍ، وَنِصْفِهَا بِلَا كُلْفَةٍ (ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ) نِصْفُهُ لِنِصْفِ الْعَامِ بِلَا كُلْفَةٍ، وَرُبْعُهُ لِلْأُخْرَى (فَإِنْ تَفَاوَتَا) ، أَيْ: السَّقْيُ بِكُلْفَةٍ وَالسَّقْيُ بِغَيْرِهَا بِأَنْ سَقَى بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ (فَالْحُكْمُ لِأَكْثَرِهِمَا) ، أَيْ: السَّقْيَيْنِ (نَفْعًا وَنُمُوًّا) نَصًّا، فَلَا اعْتِبَارَ بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مُلْحَقٌ بِالْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَكَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 هُنَا. (فَإِنْ جَهِلَ) مِقْدَارَ السَّقْيِ فَلَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ، أَوْ جَهِلَ الْأَكْثَرَ نَفْعًا وَنُمُوًّا (فَالْعُشْرُ) وَاجِبٌ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعُشْرِ تَعَارَضَ فِيهِ مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ، فَغَلَبَ الْمُوجِبُ لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ. (وَمَنْ لَهُ مَا) ، أَيْ: حَائِطَانِ أَحَدُهُمَا (يُسْقَى بِكُلْفَةٍ وَ) يُسْقَى الْآخَرُ بِ (دُونِهَا) ، أَيْ: بِلَا كُلْفَةٍ، (ضُمَّا) ، أَيْ: ضُمَّتْ ثِمَارُهُمَا وَزُرُوعُهُمَا بَعْضٌ إلَى بَعْضٍ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالْعَامِ (فِي) تَكْمِيلِ (النِّصَابِ، ثُمَّ لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (حُكْمُ نَفْسِهِ) فِي سَقْيِهِ بِمُؤْنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَيُخْرِجُ مِمَّا يَشْرَبُ بِمُؤْنَةٍ نِصْفُ عُشْرِهِ، وَمِمَّا يَشْرَبُ بِغَيْرِهَا عُشْرُهُ (وَيُصَدَّقُ مَالِكٌ بِلَا يَمِينٍ فِيمَا سَقَى بِهِ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُسْتَحْلَفُونَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ، فَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهَا كَالصَّلَاةِ وَالْحَدِّ. (وَيَتَّجِهُ) قَبُولُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ سَقَى بِكُلْفَةٍ (مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ حَبْسٌ) كَكَثْرَةِ أَمْطَارٍ مُتَوَالِيَةٍ، أَوْ مِيَاهٍ لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِنْ السَّقْيِ مِنْهَا. فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ قَوْلُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ كَامِلًا لِظُهُورِ كَذِبِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَوَقْتُ وُجُوبِ) زَكَاةٍ (فِي حَبٍّ إذَا اشْتَدَّ) ؛ لِأَنَّ اشْتِدَادَهُ حَالُ صَلَاحِهِ لِلْأَخْذِ وَالتَّوْسِيقِ وَالِادِّخَارِ (وَ) وَقْتُ وُجُوبِهَا (فِي ثَمَرَةٍ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا) ، أَيْ: طِيبُ أَكْلِهَا وَظُهُورُ نُضْجِهَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْخَرْصِ الْمَأْمُورِ بِهِ لِحِفْظِ الزَّكَاةِ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِهَا، فَدَلَّ عَلَى تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا بِهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ وَالْحَبَّ فِي الْحَالَيْنِ يُقْصَدَانِ لِلْأَكْلِ وَالِاقْتِيَاتِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) وَقْتُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (فِي وَرَقِ) سِدْرٍ وَصَعْتَرٍ (عِنْدَ أَوَانِ أَخْذِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ كَمَالِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبُهُوتِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى " الْمُنْتَهَى " وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَلَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ) مَالِكٌ (الْحَبَّ) بَعْدَ اشْتِدَادِهِ (أَوْ) بَاعَ أَوْ وَهَبَ (الثَّمَرَةَ) بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا (أَوْ تَلِفَا) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 أَيْ: الْحَبُّ وَالثَّمَرَةُ (بِتَعَدِّيهِ أَوْ تَفْرِيطِهِ) ، أَيْ: الْمَالِكِ (بَعْدَ) ذَلِكَ، (لَمْ تَسْقُطْ) زَكَاتُهُ. (وَكَذَا لَوْ مَاتَ) بَعْدَ الِاشْتِدَادِ أَوْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (أَوْ وَرِثَهُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) ، لَمْ يَمْنَعْ دَيْنُهُ الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُورِثِ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، لَا عَلَى الْوَارِثِ الْمَدِينِ، (أَوْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّةُ كُلٍّ) مِنْ مُشْتَرٍ وَمُتَّهِبٍ وَوَارِثٍ (نِصَابًا) ، لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ لِوُجُوبِهَا فِي عَيْنِ الْمَالِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِمْ قَبْلَ انْتِقَالِهِ. (وَيَصِحُّ) مِمَّنْ بَاعَ حَبًّا أَوْ ثَمَرَةً بَعْدَ الْوُجُوبِ (اشْتِرَاطُ إخْرَاجِ) زَكَاتِهِ (عَلَى مُشْتَرٍ) لِلْعِلْمِ بِهَا، فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى قَدْرَهَا وَوَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِهَا. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ وَاهِبٍ عَلَى (مُتَّهِبٍ) إخْرَاجَ زَكَاةِ حَبٍّ أَوْ ثَمَرَةٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ، فَكَأَنَّهُ وَهَبَهُ مِنْ ذَلِكَ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ وَوَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِ الْعُشْرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةَ (مُشْتَرٍ) شُرِطَتْ عَلَيْهِ (وَتَعَذَّرَ رُجُوعُ) سَاعٍ (عَلَيْهِ، أُلْزِمَ بِهَا بَائِعٌ) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَ (لَا) يَصِحُّ (اشْتِرَاطُ) بَائِعٍ (زَكَاةَ نِصَابِ مَاشِيَةٍ) عَلَى مُشْتَرٍ، بَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ (لِلْجَهَالَةِ) بِالْمُسْتَثْنَى، وَاسْتِثْنَاءُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ زَكَاةِ (مَا اُشْتُرِيَ بِأَصْلِهِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ) عَلَى بَائِعٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْعِوَضِ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ (وَ) لَوْ كَانَ الْبَيْعُ، أَوْ الْهِبَةُ، أَوْ مَوْتُ الْمَالِكِ عَمَّنْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّةُ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ نِصَابًا، أَوْ عَنْ مَدِينٍ (قَبْلَ) اشْتِدَادِ الْحَبِّ أَوْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، (تَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ) فَتَكُونُ الزَّكَاةُ فِي مَسْأَلَتَيْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، وَتَسْقُطُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ (وَلَا زَكَاةَ) عَلَى بَائِعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ. وَكَذَا لَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 مَاتَ قَبْلُ وَلَهُ وَرَثَةٌ مَدِينُونَ، أَوْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا (إلَّا إنْ قَصَدَ) بِبَيْعِهِ أَوْ إتْلَافِهِ قَبْلَ وُجُوبِهَا (الْفِرَارَ مِنْهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (فَتَلْزَمُهُ) وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ مُعَامَلَةً لَهُ بِضِدِّ قَصْدِهِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) ، أَيْ: وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُتْلِفِ فِرَارًا مِنْهَا (إنْ بَاعَهَا لِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ) الزَّكَاةُ كَالذِّمِّيِّ (وَإِلَّا) نَقُلْ بِذَلِكَ بِأَنْ أَوْجَبْنَا عَلَى الْفَارِّ زَكَاةً، وَعَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ أَهْلِهَا أُخْرَى، (أَدَّى) ذَلِكَ (لِوُجُوبِ زَكَاتَيْنِ فِي عَيْنٍ) وَاحِدَةٍ بِعَامٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إجْحَافٌ بِالْمُلَّاكِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتُقْبَلُ) مِنْهُ (دَعْوَى عَدَمِهِ) ، أَيْ: الْفِرَارِ بِلَا قَرِينَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَ) تُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى (التَّلَفِ) لِلْمَالِ قَبْلَ وُجُوبِ زَكَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ (بِلَا يَمِينٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ أُتْهِمَ) فِيهِ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) ، أَيْ: التَّلَفَ (بِ) سَبَبٍ (ظَاهِرٍ فَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ) ، أَيْ: إنْ السَّبَبُ وُجِدَ، لِإِمْكَانِهِ (ثُمَّ يُصَدَّقُ فِيمَا تَلِفَ) مِنْ مَالِهِ بِذَلِكَ كَالْوَدِيعِ وَالْوَكِيلِ (وَلَا تَسْتَقِرُّ) زَكَاةُ نَحْوِ حَبٍّ وَثَمَرٍ (إلَّا بِجَعْلٍ) لَهُ (فِي جَرِينٍ أَوْ بَيْدَرٍ أَوْ مِسْطَاحٍ) : مَوْضِعِ تَشْمِيسِهَا، سُمِّيَ بِذَلِكَ بِمِصْرَ وَالْعِرَاقِ، وَيُسَمَّى بِالشَّرْقِ وَالشَّامِ الْبَيْدَرَ، وَيُسَمَّى بِالْحِجَازِ الْمِرْبَدَ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ التَّمْرُ لِيَتَكَامَلَ جَفَافُهَا، وَيُسَمَّى بِالْبَصْرَةِ الْجُوجَانُ، وَيُسَمَّى بِلُغَةِ آخَرِينَ الْمِسْطَاحُ، وَبِلُغَةِ آخَرِينَ الطِّبَابَةَ، وَمُسَمَّى الْجَمِيعِ وَاحِدٌ (فَإِنْ تَلِفَتْ) الْحُبُوبُ أَوْ الثِّمَارُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ (قَبْلَ) وَضْعِهَا بِجَرِينٍ وَنَحْوِهِ (بِلَا تَعَدِّيهِ) ، أَيْ: مَالِكِهَا (سَقَطَتْ) الزَّكَاةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 (خَرَصَتْ) الثَّمَرَةُ (أَوْ لَا) ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَا لَا تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً فَذَهَبَتْ بِعَطَشٍ أَصَابَهَا وَنَحْوِهِ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِهَا. وَالْخَرْصُ لَا يُوجَبُ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ السَّاعِي لِيَتَمَكَّنَ الْمَالِكُ مِنْ التَّصَرُّفِ، فَوَجَبَ سُقُوطُ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُودِهِ كَعَدَمِهِ. وَإِنْ تَلِفَ الْبَعْضُ زَكَّى الْبَاقِيَ إنْ بَلَغَ نِصَابًا، وَإِلَّا فَلَا (وَ) إنْ تَلِفَتْ الزُّرُوعُ أَوْ الثِّمَارُ (بَعْدَ اسْتِقْرَارٍ) ، أَيْ: وَضْعِهَا بِجَرِينٍ وَنَحْوِهِ (فَلَا) تَسْقُطُ زَكَاتُهَا كَتَلَفِ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ. وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَهَا، أَوْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَلَوْ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ. صَرَّحَ بِهِ فِي " الْكَافِي " " وَالشَّرْحِ " (وَيَلْزَمُ) رَبَّ مَالٍ (إخْرَاجُ حَبٍّ وَمَعْدِنٍ مُصَفَّى) مِنْ تِبْنِهِ وَقِشْرِهِ (وَ) إخْرَاجُ (ثَمَرٍ يَابِسًا) لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيّ «عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ زَبِيبًا كَمَا يُخْرَصُ التَّمْرُ» وَلَا يُسَمَّى زَبِيبًا وَتَمْرًا حَقِيقَةً إلَّا الْيَابِسُ، وَقِيسَ الْبَاقِي عَلَيْهِمَا، وَلِأَنَّ حَالَ تَصْفِيَةِ الْحَبِّ وَجَفَافِ التَّمْرِ حَالُ كَمَالٍ وَنِهَايَةُ صِفَاتِ ادِّخَارِهِ، وَوَقْتُ لُزُومِ الْإِخْرَاجِ مِنْهُ (فَإِنْ خَالَفَ) وَأَخْرَجَ سُنْبُلًا وَرُطَبًا وَعِنَبًا، لَمْ يُجْزِئْهُ إخْرَاجُهُ، وَ (وَقَعَ نَفْلًا) إنْ كَانَ الْإِخْرَاجُ لِلْفُقَرَاءِ (فَلَوْ أَخَذَهُ سَاعٍ رُطَبًا رَدَّهُ) إنْ كَانَ (بَاقِيًا) لِفَسَادِ الْقَبْضِ (وَ) عَلَيْهِ (ضَمَانُهُ) إنْ كَانَ (تَالِفًا. فَإِنْ جَفَّ) الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ (عِنْدَهُ) ، أَيْ: السَّاعِي وَصَفَّاهُ (أَجْزَأَ إنْ كَانَ بِقَدْرِ زَكَاةٍ وَإِلَّا) بِأَنْ نَقَصَ عَنْ الْوَاجِبِ (أَخَذَ) السَّاعِي (التَّفَاوُتَ) ، أَيْ: مَا بَقِيَ مِنْ الْوَاجِبِ (أَوْ) زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ (رَدَّهُ) ، أَيْ: الزَّائِدَ لِمَالِكِهِ، لِبَقَائِهِ فِي مِلْكِهِ (وَيَجُوزُ) لِلْمَالِكِ (قَطْعُ مَا بَدَا صَلَاحُهُ قَبْلَ كَمَالِهِ لِضَعْفِ أَصْلٍ أَوْ خَوْفِ عَطَشٍ أَوْ تَحْسِينِ بَقِيَّةِ) حَبٍّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 (وَيَجِبُ) قَطْعُ ثَمَرٍ بَدَا صَلَاحُهُ (إنْ كَانَ رُطَبُهُ لَا يُتَمَّرُ وَعِنَبُهُ لَا يُزَبَّبُ) ، أَيْ: لَا يَصِيرُ تَمْرًا وَلَا زَبِيبًا. وَإِنْ قَطَعَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ لِمَصْلَحَةٍ مَا غَيْرَ فَارٍّ مِنْهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ (وَنِصَابُهُ يَابِسًا) بِحَسَبِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ إذَا جَفَّ (لِيَخْرُجَ يَابِسٌ) . وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى (وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ " (يَخْرُجُ مِنْهُ رُطَبٌ وَعِنَبٌ) ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ مُوَاسَاةً، وَلَا مُوَاسَاةَ بِإِلْزَامِهِ مَا لَيْسَ بِمِلْكِهِ (وَعَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمْعٌ (فَ) لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخْرِجَ الْوَاجِبَ مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ مُشَاعًا، بِأَنْ يُسَلِّمَ السَّاعِي الْعُشْرَ مَثَلًا شَائِعًا، أَوْ مَقْسُومًا بَعْدَ الْجُذَاذِ أَوْ قَبْلَهُ بِالْخَرْصِ وَ (لِسَاعٍ) التَّخْيِيرُ بَيْنَ مُقَاسَمَةِ رَبِّ الْمَالِ الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْجُذَاذِ و (أَخْذُ نَصِيبِ الْفُقَرَاءِ شَجَرَاتٍ) مُفْرَدَةً (خَرْصًا) وَبَيْنَ مُقَامَسَتِهِ بَعْدَ جَذِّهَا بِالْكَيْلِ فِي الرُّطَبِ، وَالْوَزْنِ فِي الْعِنَبِ. وَلِلسَّاعِي بَيْعُ الزَّكَاةِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَقِسْمٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَبْذُلُ مِنْهَا عِوَضَ مِثْلِهَا، أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى اخْتِيَارِ الْقَاضِي وَمُتَابِعِيهِ. وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا يَابِسًا. جَذَمَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَغَيْرِهِ (وَحَرُمَ قَطْعُ) ثَمَرٍ (مَعَ حُضُورِ سَاعٍ بِلَا إذْنِهِ) لِحَقِّ أَهْلِ الزَّكَاةِ فِيهَا. وَكَوْنِ السَّاعِي كَالْوَكِيلِ عَنْهُمْ. وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ بِحَسَبِ الْغَالِبِ (وَسُنَّ) لِإِمَامٍ (بَعْثُ خَارِصٍ) ، أَيْ: حَازِرٍ يَطُوفُ بِالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ، ثُمَّ يَحْزِرُ قَدْرَ مَا عَلَيْهَا جَافًّا (لِثَمَرَةِ نَخْلٍ وَكَرْمٍ بَدَا صَلَاحُهَا) ، أَيْ: الثَّمَرَةِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إلَى يَهُودَ لِيَخْرُصَ عَلَيْهِمْ النَّخْلَ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد «لِكَيْ يُحْصِيَ الزَّكَاةَ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتُفَرَّقَ» وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ عَلَى النَّاسِ مَنْ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ كُرُومَهُمْ وَثِمَارَهُمْ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ خَرَصَ عَلَى امْرَأَةٍ بِوَادِي الْقُرَى حَدِيقَةً لَهَا» وَحَدِيثُهَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ. وَقَوْلُ الْمَانِعِ إنَّهُ خَطَرٌ وَغَرَرٌ يُرَدُّ بِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِغَالِبِ الظَّنِّ، وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفَاتِ وَالْمُجْتَهَدَاتِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَسَائِرِ الظَّوَاهِرِ الْمَعْمُولِ بِهَا، وَإِنْ احْتَمَلَتْ الْخَطَأَ. (وَيَكْفِي) خَارِصٌ (وَاحِدٌ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلِأَنَّهُ يُنَفِّذُ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ كَقَائِفٍ وَحَاكِمٍ (وَشُرِطَ كَوْنُهُ) ، أَيْ: الْخَارِصِ (مُسْلِمًا أَمِينًا مُكَلَّفًا عَدْلًا خَبِيرًا) بِخَرْصٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْخَبِيرِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَلَا يُوثَقُ بِقَوْلِهِ (لَا يُتَّهَمُ) بِكَوْنِهِ مِنْ عَمُودِيِّ نَسَبٍ مَخْرُوصٍ عَلَيْهِ، دَفْعًا لِلرِّيبَةِ. (وَلَوْ) كَانَ (عَبْدًا) كَالْفَتْوَى وَرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ (وَأُجْرَتُهُ) ، أَيْ: الْخَارِصِ (عَلَى رَبِّ ثَمَرٍ) لِعَمَلِهِ فِي مَالِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُ خَارِصًا) مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ (فَعَلَى مَالِكِهَا) ، أَيْ: الثَّمَرَةِ (فِعْلُ مَا يَفْعَلُهُ خَارِصٌ) فَيَخْرُصُ الثَّمَرَةَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِثِقَةٍ عَارِفٍ (لِيَعْرِفَ) قَدْرَ (مَا يَجِبُ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ) فِي الثَّمَرِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخْلَفٌ فِيهِ. وَإِنْ أَرَادَ إبْقَاءَهُ إلَى الْجُذَاذِ وَالْجَفَافِ لَمْ يَحْتَجْ لِخَرْصٍ (وَلِخَارِصٍ) أَوْ رَبِّ مَالٍ إنْ لَمْ يُبْعَثْ لَهُ خَارِصٌ (الْخَرْصُ كَيْفَ شَاءَ) إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ. فَإِنْ شَاءَ خَرَصَ (كُلَّ شَجَرَةٍ) مِنْ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ (عَلَى حِدَةٍ أَوْ) خَرَصَ الْجَمِيعَ (دَفْعَةً) وَاحِدَةً، بِأَنْ يَطُوفَ بِهِ، وَيَنْظُرَ كَمْ فِيهِ رُطَبًا أَوْ عِنَبًا، ثُمَّ مَا يَجِيءُ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ. (وَيَجِبُ خَرْصُ) ثَمَرٍ (مُتَنَوِّعٍ) كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ (وَ) يَجِبُ (تَزْكِيَةُ) الْمُتَنَوِّعِ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ (كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ) فَيُخْرِجُ عَنْ الْجَيِّدِ جَيِّدًا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ رَدِيءٌ، وَلَا يُلْزَمُ بِإِخْرَاجِ جَيِّدٍ عَنْ رَدِيءٍ (وَلَوْ شَقَّ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 عَلَيْهِ خَرْصُ وَتَزْكِيَةُ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ لِاخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ حَالَ الْجَفَافِ قِلَّةً وَكَثْرَةً بِحَسَبِ اللَّحْمِ وَالْمَاوِيَّةِ (وَيُجْزِئُ إخْرَاجُ نَوْعٍ عَنْ) نَوْعٍ (آخَرَ) مِثْلِهِ أَوْ دُونَهُ لَا بِالْقِيمَةِ فَلَوْ تَطَوَّعَ رَبُّ الْمَالِ بِإِخْرَاجِ الْجَيِّدِ عَنْ الرَّدِيءِ جَازَ، وَلَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ عَنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ. وَ (لَا) يُجْزِئُ إخْرَاجُ (جِنْسٍ عَنْ) جِنْسِ (آخَرَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذْ الْحَبَّ مِنْ الْحَبَّ، وَالْإِبِلَ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرَ مِنْ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمَ مِنْ الْغَنَمِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ (وَظَاهِرُ مَا يَأْتِي فِي النَّقْدِ إجْزَاءِ نَوْعٍ رَدِيءٍ عَنْ) نَوْعٍ (جَيِّدٍ) بِالْقِيَمِ (مَعَ الْفَضْلِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَثْمَانِ النَّفْعُ بِالْقِيمَةِ، وَمِنْ غَيْرِهَا النَّفْعُ بِالْعَيْنِ، فَافْتَرَقَا. (وَيَجِبُ تَرْكُهُ) ، أَيْ: الْخَارِصِ (لِرَبِّ ثَمَرَةٍ الثُّلُثَ أَوْ الرُّبْعَ فَيَجْتَهِدُ) خَارِصٌ فِي أَيِّهِمَا يَتْرُكُ (بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ) لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ مَرْفُوعًا «فَجُذُّوا وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ، فَدَعُوا الرُّبْعَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَلِمَا يَعْرِضُ لِلثِّمَارِ، وَهَذَا تَوْسِعَةٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْأَكْلِ هُوَ وَأَضْيَافُهُ وَجِيرَانُهُ وَأَهْلُهُ، وَيَأْكُلُ مِنْهَا الْمَارَّةُ، وَفِيهَا السَّاقِطَةُ، فَلَوْ اسْتَوْفَى الْكُلُّ أَضَرَّ بِهِمْ، (فَإِنْ أَبَى) خَارِصٌ التَّرْكَ (فَلِرَبِّ الْمَالِ أَكْلُ قَدْرِ ذَلِكَ) ، أَيْ: الثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ نَصًّا (لَا هَدِيَّةٌ) ، أَيْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ مِنْ الْحُبُوبِ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهَا شَيْئًا. قَالَ أَحْمَدُ، وَقَدْ سَأَلَهُ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ فَرِيكِ السُّنْبُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ صَاحِبُهُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. قَالَ: فَيُهْدِي لِلْقَوْمِ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا حَتَّى يُقَسَّمَ وَأَمَّا مَا يَتْرُكُهُ لَهُ الْخَارِصُ (مِنْ ثَمَرٍ) فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُتُونِ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ. (وَ) يَأْكُلُ مَالِكٌ (مِنْ حَبِّ الْعَادَةِ وَمَا يَحْتَاجُهُ وَلَا يُحْتَسَبُ) ذَلِكَ (عَلَيْهِ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 غَلَّتِهِ بِقَدْرِ مَا يَأْكُلُ هُوَ وَعِيَالُهُ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ (وَيُكْمِلُ بِهِ) ، أَيْ: بِمَا لَهُ أَكْلُهُ (النِّصَابَ إنْ لَمْ يَأْكُلْهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَهُ (وَتُؤْخَذُ زَكَاةُ مَا سِوَاهُ بِالْقِسْطِ) فَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ كُلُّهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا، حُسِبَ الرُّبْعُ الَّذِي كَانَ لَهُ أَكْلُهُ مِنْ النِّصَابِ فَيُكْمَلُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ الْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ وَسْقٍ (وَيُزَكِّي) رَبُّ مَالٍ (مَا تَرَكَهُ خَارِصٌ مِنْ وَاجِبٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِتَرْكِ الْخَارِصِ (وَ) يُزَكِّي رَبُّ مَالٍ (مَا زَادَ عَلَى قَوْلِهِ) ، أَيْ: الْخَارِصِ أَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ كَذَا (عِنْدَ جَفَافٍ) لِمَا سَبَقَ. وَ (لَا) يُزَكِّي رَبُّ مَالٍ (مَا نَقَصَ) عَنْ قَوْلِ الْخَارِصِ؛ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ (وَمَا تَلِفَ مِنْ عِنَبٍ أَوْ رُطَبٍ بِفِعْلِ مَالِكٍ) هِمَا (أَوْ تَفْرِيطِهِ ضَمِنَ زَكَاتَهُ) ، أَيْ: التَّالِفِ (بِخَرْصِهِ زَبِيبًا أَوْ تَمْرًا) ، أَيْ: بِمَا كَانَ يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا لَوْ لَمْ يَتْلَفْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَلْزَمُهُ تَجْفِيفُ الرُّطَبِ، وَالْعِنَبِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لَوْ أَتْلَفَهُمَا، فَيَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ رُطَبًا أَوْ عِنَبًا. وَإِنْ تَلِفَا لَا بِفِعْلِ مَالِكٍ وَلَا بِتَفْرِيطِهِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُمَا، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا يَخْرُصُ غَيْرَ نَخْلٍ وَكَرْمٍ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِهِمَا، وَثَمَرَتُهُمَا تَجْتَمِعُ فِي الْعُذُوقِ وَالْعَنَاقِيدِ، فَيُمْكِنُ إتْيَانُ الْخَرْصِ عَلَيْهَا، وَالْحَاجَةُ إلَى أَكْلِهَا رَطْبَةً أَشَدُّ مِنْ غَيْرِهَا، فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْخَرْصَ لَا يَدْخُلُ الْحُبُوبَ (وَيُقْبَلُ مِنْ مَالِكٍ بِلَا يَمِينٍ دَعْوَى غَلَطِ) خَارِصٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِي غَيْرُ كَذَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ بَعْضُهُ بِآفَةٍ لَا يَعْلَمُهَا (أَوْ) ، أَيْ: وَيُقْبَلُ مِنْ مَالِكٍ بِلَا يَمِينٍ دَعْوَى (عَمْدِ خَارِصٍ) الْكَذِبَ عَلَيْهِ، هَكَذَا فِي النُّسَخِ. وَالصَّوَابُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ إذْ الظَّنُّ أَنَّ الْخَارِصَ أَمِينٌ، وَالْأَمِينُ لَا يَكْذِبُ، وَمَحِلُّ قَبُولِ دَعْوَى الْمَالِكِ غَلَطُ خَارِصٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 (إنْ احْتَمَلَ) الْغَلَطَ كَالسُّدُسِ (فَإِنْ فَحَشَ) مَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ مِنْ غَلَطِ الْخَارِصِ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ، (فَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَل، فَيُعْلَمُ كَذِبُهُ [فَرْعٌ الْخَرْصُ فِي زَكَاة الزروع] (فَرْعٌ: الْخَرْصُ: حَزْرُ مِقْدَارِ ثَمَرَةِ) نَخْلٍ وَكَرْمٍ (فِي رُءُوسِ شَجَرِهَا كَمْ تَبْلُغُ تَمْرًا) أَوْ زَبِيبًا (وَذَكَرَ) أَبُو الْمَعَالِي (بْنُ الْمُنَجَّى أَنَّ نَخْلَ الْبَصْرَةِ لَا يُخْرَصُ لِلْمَشَقَّةِ) وَلِكَثْرَتِهِ وَقِلَّةِ ثَمَنِهِ، فَلَا يَخْرُصُ عَلَيْهِ فِيهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ، فَإِنَّهُمْ يَتَغَالَوْنَ بِهِ لِعِزَّتِهِ، (وَادَّعَى) أَبُو الْمَعَالِي (عَلَى ذَلِكَ) ، أَيْ: عَدَمِ خَرْصِ نَخْلِ الْبَصْرَةِ (الْإِجْمَاعَ) مِنْ أَصْحَابِنَا وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": كَذَا قَالَ [فَصْلٌ الزَّكَاةُ فِي خَارِجٍ مِنْ أَرْضٍ مُسْتَعَارَةٍ] (فَصْلٌ) (وَالزَّكَاةُ) فِي خَارِجٍ مِنْ أَرْضٍ مُسْتَعَارَةٍ (عَلَى مُسْتَعِيرٍ) دُونَ مُعِيرٍ، (وَ) الزَّكَاةُ فِي خَارِجٍ مِنْ أَرْضٍ مُؤَجَّرَةٍ عَلَى (مُسْتَأْجِرِ) أَرْضٍ (دُونَ مَالِكِ) هَا؛ لِأَنَّهَا زَكَاةُ مَالٍ فَكَانَتْ عَلَى مَالِكِهِ كَالسَّائِمَةِ، وَكَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا يَتَّجِرُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مِنْ حُقُوقِ الزَّرْعِ، وَلِذَلِكَ لَوْ لَمْ تُزْرَعُ لَمْ تَجِبْ، وَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الزَّرْعِ، وَعَكْسُهُ الْخَرَاجُ، فَهُوَ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ دُونَ مُسْتَعِيرِهَا وَمُسْتَأْجِرِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَرْضِ، وَلَا زَكَاةَ فِي قَدْرِ الْخَرَاجِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُقَابِلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ، وَلِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ الْأَرْضِ كَنَفَقَةِ زَرْعِهِ مِنْ أُجْرَةِ الْحَرْثِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ مُؤْنَةِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ. (وَ) إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَالِكٍ لِأَرْضٍ سِوَى غَلَّتِهَا وَفِيهَا مَا فِيهِ زَكَاةٌ، كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَنَحْوِهِ، وَفِيهَا مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ ف (يُجْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ) الزَّكَاةُ (كَخُضَرٍ) مِنْ بِطِّيخٍ وَيَاقْطِينٍ وَقِثَّاءٍ وَنَحْوِهَا (وَيُزَكِّي مَا تَجِبُ فِيهِ) الزَّكَاةُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ إلَّا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَدَّى الْخَرَاجَ مِنْ غَلَّتِهَا وَزَكَّى مَا بَقِيَ (وَإِنْ حَصَدَ غَاصِبٌ أَرْضِ زَرْعِهِ) مِنْ أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، بِأَنْ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ رَبُّهُ قَبْلَ حَصَادِهِ (زَكَّاهُ) غَاصِبٌ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (وَيُزَكِّيهِ) ، أَيْ: الزَّرْعَ (رَبُّهَا) ، أَيْ: الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (إنْ تَمَلَّكَهُ) ، أَيْ: الزَّرْعَ (قَبْلَ حَصَادِهِ وَلَوْ بَعْدَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ) قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " " وَالْمُبْدِعِ " " وَالْإِنْصَافِ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِمِثْلِ بَذْرِهِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ تَمَلَّكَهُ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ زَكَّاهُ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْغَصْبِ أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (فَإِنَّهُ) ، أَيْ: الْمَالِكَ (اسْتَنَدَ) مِلْكُهُ (إلَى أَوَّلِ زَرْعِهِ) فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ حِينَئِذٍ (وَيَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي) أَرْضٍ (خَرَاجِيَّةٍ) نَصًّا، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وَحَدِيثِ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» وَغَيْرِهِ، فَالْخَرَاجُ فِي رَقَبَتِهَا سَوَاءٌ زَرَعَتْ أَوْ لَا، لَمُسْلِمٍ كَانَتْ أَوْ كَافِرٍ. وَالْعُشْرُ فِي غَلَّتِهَا، وَلِأَنَّ سَبَبَ الْخَرَاجِ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَسَبَبَ الْعُشْرِ وُجُودُ الْمَالِ، فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا، كَأُجْرَةِ حَانُوتِ الْمَتْجَرِ وَزَكَاتِهِ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مُخْتَلِفَانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ، فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا، كَالْجَزَاءِ وَقِيمَةِ الصَّيْدِ. وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ «لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» ضَعِيفٌ جِدًّا. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ. ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى الْخَرَاجِ الَّذِي هُوَ الْجِزْيَةُ. وَلَوْ كَانَ عُقُوبَةً لَمَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ كَالْجِزْيَةِ (وَهِيَ) أَيْ: الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: إحْدَاهَا: (مَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَلَمْ تُقَسَّمْ) بَيْنَ الْغَانِمِينَ. (وَ) الثَّانِيَةُ: (مَا جَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 خَوْفًا مِنَّا. وَ) الثَّالِثَةُ: (مَا صُولِحُوا) ، أَيْ: أَهْلُهَا (عَلَى أَنَّهَا لَنَا وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ) الَّذِي يَضْرِبُهُ عَلَيْهَا الْإِمَامُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْأَرَاضِي الْمَغْنُومَةِ. وَلَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ فِي قَدْرِ الْخَرَاجِ إذَا لَمْ يَكُ لَهُ مَالٌ آخَرُ يُقَابِلُهُ، فَإِنْ كَانَ فِي غَلَّتِهَا مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ، كَخَوْخٍ وَمِشْمِشٍ وَخَضْرَاوَاتٍ، وَفِيهَا زَرْعٌ فِيهِ الزَّكَاةُ، جَعَلَ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي مُقَابَلَةِ الْخَرَاجِ إنْ وَفَّى بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْفُقَرَاءِ وَزَكَّى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَلَّةٌ إلَّا مَا فِيهِ الزَّكَاةُ أَدَّى الْخَرَاجَ مِنْ غَلَّتِهَا، وَزَكَّى الْبَاقِيَ إنْ بَلَغَ نِصَابًا (وَ) الْأَرْضُ (الْعُشْرِيَّةُ) خَمْسَةُ أَضْرُبٍ، إحْدَاهَا: (مَا أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا كَالْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ، وَجُوَاثَى مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ. (وَ) الثَّانِيَةُ: (مَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ كَالْبَصْرَةِ) بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ، بُنِيَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ بَعْدَ وَقْفِ السَّوَادِ، وَلِهَذَا دَخَلَتْ فِي حَدِّهِ دُونَ حُكْمِهِ (وَوَاسِطُ) مِثْلُهَا. (وَ) الثَّالِثَةُ: (مَا صُولِحَ أَهْلُهَا عَلَى أَنَّهَا) ، أَيْ: الْأَرْضَ (لَهُمْ بِخَرَاجٍ يُضْرَبُ عَلَيْهِمْ كَالْيَمَنِ. وَ) الرَّابِعَةُ: (مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِّمَ) بَيْنَ غَانِمِيهِ (كَنِصْفِ خَيْبَرَ) : بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى جِهَةِ الشَّامِ، ذَاتُ نَخِيلٍ وَمَزَارِعَ وَحُصُونٍ، وَهِيَ بِلَادُ طَيِّئٍ، فَتَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَائِلِ سَنَةِ سَبْعٍ. (وَ) الْخَامِسَةُ: (مَا أَقْطَعَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ السَّوَادِ) ، أَيْ: أَرْضِ الْعِرَاقِ (إقْطَاعَ تَمْلِيكٍ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَالْأَرْضُونَ الَّتِي يَمْلِكُهَا أَرْبَابُهَا لَيْسَ فِيهَا خَرَاجٌ مِثْلُ هَذِهِ الْقَطَائِعِ الَّتِي أَقْطَعَهَا عُثْمَانُ فِي السَّوَادِ لِسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَخَبَّابٌ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَقْطَعَهُمْ مَنَافِعَهَا وَخَرَاجَهَا. وَلِلْإِمَامِ إسْقَاطُ الْخَرَاجِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْقَاضِي هَذَا أَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا الْأَرْضَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 بَلْ أُقْطِعُوا الْمَنْفَعَةَ، وَأُسْقِطَ الْخَرَاجُ لِلْمَصْلَحَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ هَذَا الْقِسْمَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ السَّوَادِ وَقْفٌ، فَلَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ. لَكِنْ يَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ الْإِمَامِ وَوَقْفُهُ لَهُ، فَلِذَلِكَ أَبْقَى الْأَكْثَرُ كَلَامَ الْإِمَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ تَمْلِيكٌ (وَأَخْذُ الْخَرَاجِ مِنْ) الْأَرْضِ (الْعُشْرِيَّةِ ظُلْمٌ) إجْمَاعًا، لِدُخُولِهِ فِي إقْطَاعِ الْإِمَامِ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، (وَلِأَهْلِ الذِّمَّةِ شِرَاءُ) أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ أَوْ خَرَاجِيَّةٍ مِنْ مُسْلِمٍ. (وَ) لَهُمْ أَيْضًا (اسْتِئْجَارُ) أَرْضٍ (عُشْرِيَّةٍ وَخَرَاجِيَّةٍ) مِنْ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُمَا مَالُ مُسْلِمٍ يَجِبُ فِيهِ حَقٌّ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ، فَلَمْ يُمْنَعْ الذِّمِّيُّ مِنْ شِرَائِهِ كَالسَّائِمَةِ (وَيُكْرَهُ لِ) مُسْلِمٍ بَيْعُهَا أَوْ إجَارَتُهَا أَوْ إعَارَتُهَا لِذِمِّيٍّ (غَيْرِ تَغْلِبِيٍّ) لِإِفْضَائِهِ إلَى إسْقَاطِ عُشْرِ الْخَارِجِ مِنْهَا. وَأَمَّا التَّغْلِبِيُّ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ شِرَائِهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرَانِ يُصْرَفَانِ مَصْرِفَ الْجِزْيَةِ، وَإِذَا أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ أَحَدُهُمَا، وَصُرِفَ الْآخَرُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ. وَلَا تَصِيرُ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ إذَا اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ خَرَاجِيَّةً، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ تَغْلِبِيٌّ. وَدَعْوَى كَوْنِ الْعُشْرِ مِنْ حُقُوقِ الْأَرْضِ مَمْنُوعٌ، بَلْ هُوَ مِنْ حُقُوقِ الزَّرْعِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ عُشْرٌ إذَا لَمْ تُزْرَعْ. وَمَعْنَى شِرَاءِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، قَبُولُهَا بِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ، وَلَيْسَ بَيْعًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا إذَا بَاعَهَا الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ، وَحَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ. (وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِمْ) ، أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ (فِيهَا) ، أَيْ: فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ أَوْ الْخَرَاجِيَّةِ إذَا اشْتَرُوهُمَا أَوْ اسْتَأْجَرُوهُمَا وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ زَكَاةٌ وَقُرْبَةٌ، وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا (وَلَا خَرَاجَ) عَلَيْهِمْ فِي الْأَرْضِ غَيْرِ الْخَرَاجِيَّةِ (كَمُسْلِمٍ) أَوْ ذِمِّيٍّ (جَعَلَ دَارِهِ مَزْرَعَةً) أَوْ بُسْتَانًا، فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ فِيمَا زَرَعَهُ أَوْ غَرَسَهُ فِيهَا (أَوْ أَحْيَا) الْمُسْلِمُ (مَوَاتًا) ثُمَّ زَرَعَهُ أَوْ غَرَسَهُ، فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ خَرَاجُ مَا أَحْيَاهُ مِنْ مَوَاتٍ عَنْوَةً، وَيَأْتِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ (أَوْ أَقْطَعَهُ) ، أَيْ: أَقْطَعَ (إمَامٌ) مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَرْضًا مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَزَرَعَهَا أَوْ غَرَسَهَا، فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ فِيهَا [فَصْلٌ يَجِبُ فِي الْعَسَلِ مِنْ النَّحْلِ الْعُشْرُ] (فَصْلٌ) (وَ) يَجِبُ (فِي الْعَسَلِ) مِنْ النَّحْلِ (الْعُشْرُ) قَالَ الْأَثْرَمُ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَنْتَ تَذْهَبُ إلَى أَنَّ فِي الْعَسَلِ زَكَاةً؟ قَالَ: نَعَمْ، أَذْهَبُ إلَى أَنَّ فِي الْعَسَلِ زَكَاةَ الْعُشْرِ، قَدْ أَخَذَ عُمَرُ مِنْهُمْ الزَّكَاةَ. قُلْت: ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ يَطَّوَّعُونَ، قَالَ: لَا بَلْ أُخِذَ مِنْهُمْ (سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ مَوَاتٍ) كَرُءُوسِ الْجِبَالِ (أَوْ) أُخِذَ مِنْ أَرْضٍ (مَمْلُوكَةٍ) وَلَوْ (لِغَيْرِهِ) عُشْرِيَّةٍ أَوْ خَرَاجِيَّةٍ (لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ) أَرْضٍ وُجِدَ فِيهَا (كَصَيْدٍ) وَطَائِرٍ يُعَشِّشُ بِمِلْكِهِ، " لِمَا رَوَى عَمْرو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُؤْخَذُ فِي زَمَانِهِ مِنْ قِرَبِ الْعَسَلِ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ مِنْ أَوْسَطِهَا» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْأَثْرَمُ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَ " عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ لِي نَحْلًا. قَالَ: فَأَدِّ الْعُشُورَ. قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، احْمِ لِي جَبَلَهَا قَالَ: فَحَمَى لِي جَبَلَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا سُلَيْمَانَ الْأَشْدَقَ قَالَ الْبُخَارِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ. وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا سَيَّارَةَ، وَلِذَلِكَ احْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عُمَرَ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعَسَلِ وَاللَّبَنِ بِأَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي أَصْلِ اللَّبَنِ وَهُوَ السَّائِمَةُ، بِخِلَافِ الْعَسَلِ، وَبِأَنَّ الْعَسَلَ مَأْكُولٌ فِي الْعَادَةِ، مُتَوَكِّدٌ مِنْ الشَّجَرِ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ، فَأَشْبَهَ التَّمْرَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْلَ يَقَعُ عَلَى نَوْرِ الشَّجَرِ فَيَأْكُلُهُ، فَهُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 (وَنِصَابُهُ) ، أَيْ: الْعَسَلِ (مِائَةٌ وَسِتُّونَ رَطْلًا عِرَاقِيَّةً) وَمِائَةٌ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رَطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ رَطْلٍ مِصْرِيٍّ، وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَطْلًا وَسُبْعَا رَطْلٍ دِمَشْقِيٍّ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ رَطْلٍ حَلَبِيٍّ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رَطْلًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ رَطْلٍ قُدْسِيٍّ، وَعِشْرُونَ رَطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ رَطْلٍ بَعْلِيٍّ. (وَهِيَ عَشَرَةُ أَفْرَاقٍ كُلُّ فَرَقٍ: سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا) عِرَاقِيَّةً، " لِمَا رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّ نَاسًا سَأَلُوهُ فَقَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ لَنَا وَادِيًا بِالْيَمَنِ، فِيهِ خَلَايَا مِنْ نَحْلٍ، وَإِنَّا نَجِدُ نَاسًا يَسْرِقُونَهَا. فَقَالَ عُمَرُ: إنْ أَدَّيْتُمْ صَدَقَتَهَا مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ أَفْرَاقٍ فَرَقًا حَمَيْنَاهَا لَكُمْ " وَهَذَا تَقْدِيرٌ مِنْ عُمَرَ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ: مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ. ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ. فَحَمْلُ كَلَامِ عُمَرَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ بِبَلَدِهِ أَوْلَى، وَهُوَ سِتَّةُ أَقْسَاطٍ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ فَتَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ مُدًّا. وَأَمَّا الْفَرْقُ بِسُكُونِ الرَّاءِ: فَمِكْيَالٌ ضَخْمٌ مِنْ مَكَايِيلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَهُ الْخَلِيلُ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ: يَسَعُ مِائَةً وَعِشْرِينَ رَطْلًا. (وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى الشَّجَرِ كَمَنٍّ وترنجبيل وشيرخشك ولادن وَهُوَ طَلٌّ يَنْزِلُ عَلَى نَبْتٍ تَأْكُلُهُ الْمَعْزُ فَتَعْلَقُ تِلْكَ الرُّطُوبَةُ بِهَا فَتُؤْخَذُ) لِعَدَمِ النَّصِّ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ. (وَتَضْمِينُ أَمْوَالِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ بَاطِلٌ) نَصًّا (لِعَدَمِ) جَوَازِ (تَمَلُّكِ زَائِدٍ) عَنْ الْقَدْرِ الْمَضْمُونِ بِهِ، بَلْ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ، (وَ) يَقْتَضِي (غُرْمَ نَقْصٍ) عَنْهُ (وَهُوَ) ، أَيْ: تَمَلُّكُ الزَّائِدِ، وَغُرْمُ مَا نَقَصَ (مُنَافٍ لِمَوْضُوعِ الْعَمَالَةِ وَحُكْمِ الْأَمَانَةِ) سُئِلَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «الْقَبَالَاتُ رِبًا» قَالَ هُوَ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْقَرْيَةَ وَفِيهَا الْعُلُوجُ وَالنَّخْلُ، فَسَمَّاهُ رِبًا، أَيْ: فِي حُكْمِ التَّحْرِيمِ وَالْبُطْلَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " إيَّاكُمْ وَالرِّبَا، أَلَا وَهِيَ الْقَبَالَاتُ، أَلَا وَهِيَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ " قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْقَبِيلُ: الْكَفِيلُ وَالْعَرِّيفُ، وَقَدْ قَبِلَ بِهِ يَقْبَلُ، وَيَقْبَلُ قَبَالَةً، وَنَحْنُ فِي قَبَالَتِهِ، أَيْ: عَرَافَتِهِ. [تَتِمَّةٌ الزَّكَاةُ إذَا رُفِعَتْ لِمَنْ الْتَزَمَ بِهَا بِمَالٍ مَعْلُومٍ] تَتِمَّةٌ: وَتَجُوزُ الزَّكَاةُ إذَا رُفِعَتْ لِمَنْ الْتَزَمَ بِهَا بِمَالٍ مَعْلُومٍ، وَكَذَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَضَلَ عَلَيْهِ مِمَّا الْتَزَمَ لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ زَادَ الْمَالُ الَّذِي الْتَزَمَ بِهِ يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْإِمَامِ [فَصْلٌ زَكَاة الْمَعْدِن] (فَصْلٌ) (وَفِي الْمَعْدِنِ) بِكَسْرِ الدَّالِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي عَدَنَ بِهِ الْجَوْهَرُ وَنَحْوُهُ، سُمِّيَ بِهِ لِعُدُونِ مَا أَنْبَتَهُ اللَّهُ فِيهِ، أَيْ: إقَامَتِهِ بِهِ، مِنْ تَسْمِيَةِ الْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحِلِّ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْمَعْدِنِ يُوصَفُ بِهِ الْمُسْتَقِرُّ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَحْصَيْتُ الْمَعَادِنَ فَوَجَدْتُ تِسْعَمِائَةِ مَعْدِنٍ. (وَهُوَ) ، أَيْ: الْمَعْدِنُ (كُلُّ مُتَوَلِّدٍ فِي الْأَرْضِ لَا مِنْ جِنْسِهَا) ، أَيْ: الْأَرْضِ لِيُخْرِجَ التُّرَابَ. (وَلَا نَبَاتَ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ وَيَاقُوتٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ وَزَبَرْجَدٍ وفيروزج) حَجَرٌ أَخْضَرُ مَشُوبٌ بِزُرْقَةٍ يُوجَدُ بِخُرَاسَانَ. وَزَعَمَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ يَصْفُو بِصَفَاءِ الْجَوِّ، وَيَتَكَدَّرُ بِكَدَرِهِ (وبلخش) وَهُوَ والبنفش والبجاري مِنْ أَشْبَاهِ الْيَاقُوتِ، كَمَا أَنَّ الزَّبَرْجَدَ وَالْمَاسَ مِنْ أَشْبَاهِ الزُّمُرُّدِ، وَيُؤْتَى بِهِ مِنْ بلخشان الْعَجَمِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحْمَرُ وَأَخْضَرُ وَأَصْفَرُ، وَأَجْوَدُهُ الْأَحْمَرُ. (وَصُفْرٍ وَرَصَاصٍ وَحَدِيدٍ وَكُحْلٍ وَزِرْنِيخٍ وَمَغْرَةٍ وَكِبْرِيتٍ وَزِفْتٍ وَمِلْحٍ وَزِئْبَق) بِكَسْرِ الزَّايِ وَالْبَاءِ وَبِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَقَارٍ وَنِفْطٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْفَاءِ (وَمُومْيَا) قَالَ فِي " مِنْهَاجِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 الْبَيَانِ " هِيَ مَعْدِنٌ فِي قُوَّةِ الزِّفْتِ (وسندروس وَزُجَاجٍ) بِتَثْلِيثِ الزَّايِ بِخِلَافِ زِجَاجٍ، جَمْعِ: زُجٍّ: الرُّمْحُ، فَإِنَّهُ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ. (وَزَاجٍّ وَيَشْمٍ وَرُخَامٍ وَ) حَجَرِ (مِسَنٍّ وَنَحْوِهِ) كَبِرَامٍ وَهُوَ الصَّوَّانُ، وَحَدِيثُ: «لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ» إنْ صَحَّ، مَحْمُولٌ عَلَى الْأَحْجَارِ الَّتِي لَا يُرْغَبُ فِيهَا عَادَةً، قَالَهُ الْقَاضِي. (مِمَّا يُسَمَّى مَعْدِنًا) قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَعْدِنِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، حَيْثُ كَانَ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي الْبَرَارِيِّ (إذَا اُسْتُخْرِجَ رُبْعُ الْعُشْرِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وَلِأَنَّهُ مَالٌ لَوْ غَنِمَهُ أَخْرَجَ خُمُسَهُ، فَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ مَعْدِنٍ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ، كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (مِنْ عَيْنِ نَقْدٍ) ، أَيْ: ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَ) مِنْ (قِيمَةِ غَيْرِهِ) ، أَيْ: النَّقْدِ يُصْرَفُ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ، لِحَدِيثِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَبِي دَاوُد «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ الْمَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةَ» وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفَرْعِ، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ، وَالْقَبَلِيَّةُ: بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، هِيَ نَاحِيَةٌ مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ (بِشَرْطِ كَوْنِ مُخْرِجِ) ذَلِكَ (مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ، وَلَوْ صَغِيرًا. فَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَدِينًا دَيْنًا يَنْقُصُ بِهِ النِّصَابُ لَمْ تَلْزَمُهُ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ. وَحَدِيثُ: «الْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: الْمَعْدِنُ جُبَارٌ إذَا وَقَعَ عَلَى الْأَجِيرِ شَيْءٌ (وَ) بِشَرْطِ (بُلُوغِهِمَا) ، أَيْ: النَّقْدِ، وَقِيمَةِ غَيْرِهِ (نِصَابًا بَعْدَ سَبْكٍ وَتَصْفِيَةٍ) كَحَبٍّ وَثَمَرٍ. فَلَوْ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرٍ بِتُرَابِهِ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِ رُدَّ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ آخِذٍ فِي قَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، فَإِنْ صَفَّاهُ فَكَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ أَجْزَأَ، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَى الْمُخْرِجِ النَّقْصُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وَإِنْ زَادَ رَدَّ الْقَابِضُ الزِّيَادَةَ، إلَّا أَنْ يَسْمَحَ لَهُ بِهَا الْمُخْرِجُ، وَهَذَا إنْ كَانَ الْقَابِضُ السَّاعِيَ - وَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَابِضُ الْفَقِيرَ فَلَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ. (وَلَا يُحْتَسَبُ بِمُؤْنَتِهِمَا) ، أَيْ: السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ، فَيُسْقِطُهَا وَيُزَكِّي الْبَاقِيَ، بَلْ يُزَكِّي الْكُلَّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ دَيْنًا، كَمُؤْنَةِ حَصَادٍ وَدِيَاسٍ. (وَلَا) يُحْتَسَبُ بِ (مُؤْنَةِ اسْتِخْرَاجِ) مَعْدِنٍ (إنْ لَمْ تَكُنْ دَيْنًا) فَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا زَكَّى مَا سِوَاهَا كَالْخَرَاجِ لِسَبْقِهَا الْوُجُوبَ. (وَيُضَمُّ مَا اُسْتُخْرِجَ) مِنْ مَعْدِنٍ فِي (دَفَعَاتٍ) كَثِيرَةٍ (لَمْ يُهْمَلْ عَمَلٌ بَيْنَهَا) ، أَيْ: الدَّفَعَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَأَدَّى إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهِ لِبُعْدِ اسْتِخْرَاجِ نِصَابٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً (بِلَا عُذْرٍ كَمَرَضٍ وَإِصْلَاحِ آلَةٍ) وَسَفَرٍ وَاشْتِغَالٍ بِتُرَابٍ يَخْرُجُ بَيْنَ النِّيلَيْنِ، أَوْ هَرَبِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إعْرَاضًا، أَوْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ وَلَمْ يُهْمِلْ الْعَمَلَ (بَعْدَ زَوَالِهِ) ، أَيْ: الْعُذْرِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) ، أَيْ: فَلَا يَنْقَطِعُ الْعَمَلُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُتَّصِلِ؛ لِأَنَّهَا حَدُّ تَرْكِ الْإِهْمَالِ حَكَاهُ فِي " الْمُبْدِعِ " عَنْ ابْنِ الْمُنَجَّى (فَإِنْ أَهْمَلَهُ) ، أَيْ: الْعَمَلَ (لِغَيْرِ عُذْرٍ ثَلَاثًا) فَأَكْثَرَ (فَلِكُلِّ مَرَّةٍ حُكْمُ نَفْسِهَا) فَمَا بَلَغَتْ نِصَابًا زَكَّاهُ، وَمَا بَلَغَتْ دُونَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا. فَإِنْ أَخْرَجَ دُونَ النِّصَابِ، ثُمَّ تَرَكَ الْعَمَلَ مُهْمِلًا لَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ بَقِيَّةَ النِّصَابِ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِمَا، وَإِنْ بَلَغَا بِمَجْمُوعِهِمَا نِصَابًا لِفَوَاتِ الشَّرْطِ. (وَيَتَّجِهُ) : مَحِلُّ سُقُوطِهَا فِيمَا لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا (إنْ لَمْ يَكُنْ فَارًّا) مِنْ الزَّكَاةِ بِإِهْمَالِهِ الْعَمَلَ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمُّ مُعَامَلَةً لَهُ بِضِدِّ قَصْدِهِ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " بِمَعْنَاهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إلَى آخَرَ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ قَارَبَهُ كَقَارٍ وَنَفْطٍ وَحَدِيدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وَنُحَاسٍ، أَوْ لَا كَحُبُوبٍ وَغَيْرِهَا (غَيْرَ نَقْدٍ) ، أَيْ: ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (فِي تَكْمِيلِ نِصَابِ غَيْرِهِ) أَمَّا الْجِنْسُ الْوَاحِدُ فَيُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ (وَيُضَمُّ مَا تَعَدَّدَتْ مَعَادِنُهُ) ، أَيْ: أَمَاكِنُ اسْتِخْرَاجِهِ (وَاتَّحَدَ جِنْسُهُ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ، كَصُفْرٍ وَنُحَاسٍ، وَتَمْرٍ وَبُرٍّ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا، وَاتَّحَدَتْ أَجْنَاسُهَا، (وَيَسْتَقِرُّ وُجُوبٌ) فِي زَكَاةِ مَعْدِنٍ (بِإِحْرَازٍ، فَلَا تَسْقُطُ) زَكَاتُهُ (بِتَلَفٍ بَعْدَ) إحْرَازِهِ مُطْلَقًا، وَقَبْلَهُ بِلَا فِعْلِهِ وَلَا تَفْرِيطِهِ تَسْقُطُ، (وَمَا بَاعَهُ) مِنْ مُحْرَزٍ مِنْ مَعْدِنٍ (تُرَابًا) بِلَا تَصْفِيَةٍ وَبَلَغَ نِصَابًا وَلَوْ بِالضَّمِّ، (زَكَّاهُ كَتُرَابِ صَاغَةٍ) (وَيَجُوزُ بَيْعُ) تُرَابِ مَعْدِنٍ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ) وَإِنْ اسْتَتَرَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، كَبَيْعِ نَحْوِ لَوْزٍ فِي قِشْرِهِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ تُرَابُ صَاغَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ عَنْ تُرَابِهِ إلَّا فِي تَأَنِّي الْحَالِ بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، وَلِذَلِكَ اُحْتُمِلَتْ جَهَالَةُ اخْتِلَاطِ الْمُرَكَّبَاتِ مِنْ مَعَاجِينَ وَنَحْوِهَا، وَنَحْوِ أَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ (وَالْجَامِدُ الْمُخْرَجُ مِنْ) أَرْضٍ (مَمْلُوكَةٍ لِرَبِّهَا) ، أَيْ: الْأَرْضِ، أَخْرَجَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، (لَكِنْ لَا تَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ حَتَّى يَصِلَ لِيَدِهِ) كَمَدْفُونٍ مَنْسِيٍّ (فَلَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ زَكَاتِهِ) لِاحْتِمَالِ خَلْقِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَلَا يَتَحَقَّقُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِيهِ (كِ) مَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ (خُمْسِ رِكَازٍ) لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِيهِ قَبْلَ أَخْذِهِ (بِخِلَافِ) مَعْدِنٍ (جَارٍ، فَلِآخِذِهِ، لِإِبَاحَتِهِ) سَوَاءٌ كَانَ بِمَوَاتٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ بَلْ كَالْمَاءِ (وَلَا زَكَاةَ فِي مِسْكٍ وَزَبَادٍ وَ) لَا فِي (مُخْرَجٍ مِنْ بَحْرٍ كَسَمَكٍ وَلُؤْلُؤٍ وَجَوْهَرٍ وَمَرْجَانٍ) هُوَ: نَبَاتٌ حَجَرِيٌّ مُتَوَسِّطٌ فِي خَلْقِهِ بَيْنَ النَّبَاتِ وَالْمَعْدِنِ، وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ يَشْرَحُ الصَّدْرَ، وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ، (وَ) لَا فِي (عَنْبَرٍ) وَلَوْ بَلَغَ نِصَابًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 الْوُجُوبِ، وَكَانَ الْعَنْبَرُ وَغَيْرُهُ يُوجَدُ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ وَلَا عَنْهُمْ فِيهِ سُنَّةٌ، فَوَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ شَيْءٌ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ ذَعَرَهُ الْبَحْرُ ". وَعَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ، وَلِأَنَّ وُجُودَهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، فَهُوَ كَالْمُبَاحَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْبَرِّ [فَرْعٌ لَا تَتَكَرَّرُ زَكَاةُ مُعْشِرَاتٍ] (فَرْعٌ: لَا تَتَكَرَّرُ زَكَاةُ مُعْشِرَاتٍ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُوَصَّدَةٍ لِلنَّمَاءِ، فَهِيَ كَعَرَضِ الْقِنْيَةِ بَلْ أَوْلَى لِنَقْصِهَا بِنَحْوِ أَكْلٍ (وَلَا) زَكَاةُ (مَعْدِنٍ) ؛ لِأَنَّهُ عَرَضٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَرْضِ أَشْبَهَ الْمُعْشِرَاتِ (غَيْرَ نَقْدٍ وَعَرَضٍ) فَتَتَكَرَّرُ زَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلنَّمَاءِ كَالْمَوَاشِي. [فَصْلٌ الرِّكَازُ] (فَصْلٌ) (الرِّكَازُ الْكَنْزُ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ) بِكَسْرِ الدَّالِ، أَيْ: دَفِينِهِمْ (أَوْ) دِفْنُ (مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ كُفَّارٍ فِي الْجُمْلَةِ) فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ظَاهِرًا إذَا كَانَ بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ، أَوْ خَرِبَةٍ، سُمِّيَ بِهِ مِنْ الرُّكُوزِ، أَيْ: التَّغْيِيبِ، وَمِنْهُ: رَكَزْت الرُّمْحَ، إذَا غَيَّبْتُ أَسْفَلَهُ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْهُ الرِّكْزُ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ (عَلَيْهِ) كُلِّهِ (أَوْ عَلَى بَعْضِهِ عَلَامَةُ كُفْرٍ فَقَطْ) ، أَيْ: لَا عَلَامَةُ إسْلَامٍ (وَفِيهِ) ، أَيْ: الرِّكَازِ إذَا وُجِدَ. (وَلَوْ) كَانَ (قَلِيلًا أَوْ عَرْضًا الْخُمُسُ) عَلَى وَاجِدِهِ (وَلَوْ) كَانَ وَاجِدُهُ (ذِمِّيًّا أَوْ مَدِينًا) كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا، حُرًّا أَوْ مُكَاتَبًا، عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا، لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الْخُمُسِ مِنْ الرِّكَازِ وَمِنْ غَيْرِهِ (وَلَهُ تَفْرِقَتُهُ بِنَفْسِهِ) وَاحْتُجَّ بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ. وَلَا يَجُوزُ لِوَاجِدِ الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ أَنْ يُمْسِكَ الْوَاجِبَ فِيهِمَا لِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 (يَصْرِفُ) ، أَيْ: يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ (مَصْرِفَ الْفَيْءِ الْمُطْلَقِ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا) نَصًّا، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ بِإِسْنَادِهِ " عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ أَلْفَ دِينَارٍ مَدْفُونَةٍ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، فَأَتَى بِهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَخَذَ مِنْهَا مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَدَفَعَ إلَى الرَّجُلِ بَقِيَّتَهَا، وَجَعَلَ عُمَرُ يَقْسِمُ الْمِائَتَيْنِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَنْ فَضَلَ مِنْهَا فَضْلَةٌ، فَقَالَ: أَيْنَ صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ؟ فَقَامَ إلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: خُذْ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ فَهِيَ لَكَ " وَلَوْ كَانَ الْخُمُسُ زَكَاةً لَخُصَّ بِهِ أَهْلُ الزَّكَاةِ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلِلْإِمَامِ رَدُّ خُمُسِ الرِّكَازِ أَوْ بَعْضِهِ لِوَاجِدِهِ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَتَرْكُهُ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْخَرَاجِ، لِأَنَّهُ فَيْءٌ (وَبَاقِيهِ) ، أَيْ: الرِّكَازَ (لِوَاجِدِهِ) لِلْخَبَرِ. (وَلَوْ) كَانَ (أَجِيرًا) لِنَقْضِ حَائِطٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الدَّارِ (لَا) إنْ كَانَ أَجِيرًا (لِطَلَبِهِ) ، أَيْ: الرِّكَازِ فَيَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ، لِأَنَّ الْوَاجِدَ نَائِبُهُ فِيهِ (أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا) فَبَاقِي مَا وَجَدَهُ بَعْدَ أَدَاءِ الْخُمُسِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قِنًّا فَلِسَيِّدِهِ، وَسَوَاءٌ وَجَدَهُ (مَدْفُونًا) بِدَارٍ أَوْ (بِمَوَاتٍ أَوْ شَارِعٍ أَوْ) فِي (أَرْضٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ) ، أَيْ: الْوَاجِدِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَمْ يَدَّعِهِ مُنْتَقِلَةٌ عَنْهُ (أَوْ) فِي أَرْضٍ (لَا يُعْلَمُ مَالِكُهَا أَوْ عُلِمَ) مَالِكُهَا (وَلَمْ يَدَّعِهِ) ، أَيْ: الرِّكَازَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، بَلْ مُودَعٌ فِيهَا، أَشْبَهَ الصَّيْدَ يَمْلِكُهُ آخِذُهُ (فَإِنْ ادَّعَاهُ) ، أَيْ: الرِّكَازَ (مَالِكُهَا) ، أَيْ: الْأَرْضِ (أَوْ) ادَّعَاهُ (مَنْ انْتَقَلَتْ) الْأَرْضُ (عَنْهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا وَصْفٍ) لِلرِّكَازِ (حَلَفَ وَأَخَذَهُ) ، أَيْ: الرِّكَازَ، لِأَنَّ يَدَ مَالِكَ الْأَرْضِ عَلَى الرِّكَازِ، وَيَدَ مَنْ انْتَقَلَتْ عَنْهُ الْأَرْضُ كَانَتْ عَلَيْهِ بِكَوْنِهَا عَلَى مَحَلِّهِ (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ وَنَفَاهُ وَاجِدُهُ فَ) هُوَ (لِمَنْ فَوْقَ) ، أَيْ: لِمَنْ قَبْلَهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ، وَإِلَّا فَلِمَنْ قَبْلَهُ كَذَلِكَ إلَى أَوَّلِ مَالِكٍ اعْتَرَفَ بِهِ (وَ) هـ (كَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 إلَى الْمُحْيِي أَوَّلًا إنْ كَانَ أَوْ) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ (لِوَارِثِهِ بِلَا دَعْوَى؛ إذْ الْكَنْزُ يُمْلَكُ بِإِحْيَاءِ مَوَاتٍ) . وَفِي " الشَّرْحِ "، وَالْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الرِّكَازَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْمُصَنِّفُ مَشَى هُنَا عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ (فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا) ، أَيْ: الْوَرَثَةَ (فَلِبَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ نَفَاهُ بَعْضُ وَرَثَةٍ سَقَطَ حَقُّهُ) مِنْ الرِّكَازِ (فَقَطْ) وَيَكُونُ نَصِيبُهُ لِلْوَاجِدِ وَيَبْقَى نَصِيبُ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لِمُوَرِّثِهِ، فَيَحْلِفُ وَيَأْخُذُهُ. وَكَذَا وَرَثَةُ مَنْ انْتَقَلَتْ عَنْهُ (أَوْ ظَاهِرًا) بِأَنْ وَجَدَهُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ (بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ) فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا بِطَرِيقٍ مَسْلُوكٍ فَلُقَطَةٌ (أَوْ) وَجَدَهُ ظَاهِرًا بِ (خَرِبَةٍ بِدَارِ إسْلَامٍ أَوْ) بِدَارِ (عَهْدٍ أَوْ) بِدَارِ (حَرْبٍ وَقَدَرَ) وَاجِدُهُ (عَلَيْهِ وَحْدَهُ أَوْ) قَدَرَ عَلَيْهِ (بِجَمَاعَةٍ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ) ، أَيْ: لَا قُوَّةَ لَهُمْ عَلَى دَفْعِ الْعَدُوِّ عَنْهُمْ، لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا حُرْمَةَ لَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَجَدَهُ بِمَوَاتٍ . (وَ) إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَعْدِنٍ بِدَارِ حَرْبٍ (مَعَ) جَمَاعَةٍ ذِي (مَنَعَةٍ فَ) هُوَ (غَنِيمَةٌ) لِأَنَّ قُوَّتَهُمْ أَوْصَلَتْهُمْ إلَيْهِ (كَمَعْدِنٍ) وُجِدَ بِدَارِ حَرْبٍ، فَيُخَمَّسُ بَعْدَ إخْرَاجِ رُبُعِ عُشْرِهِ. (وَمَا) وُجِدَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَ (خَلَا مِنْ عَلَامَةِ كُفْرٍ) كَأَسْمَاءِ مُلُوكِهِمْ، أَوْ صُوَرِهِمْ، أَوْ صُوَرِ أَصْنَامِهِمْ أَوْ صُلْبَانِهِمْ وَنَحْوِهَا (أَوْ كَانَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ عَلَامَةُ مُسْلِمِينَ فَ) هُوَ (لُقَطَةٌ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ لَمْ يُعْلَمْ زَوَالُ مِلْكِهِ، وَتَغْلِيبًا لِحُكْمِ دَارِ الْإِسْلَامِ. (وَوَاجِدُهَا) ، أَيْ: اللُّقَطَةِ (فِي) أَرْضٍ (مَمْلُوكَةٍ أَحَقُّ) بِهَا (مِنْ مَالِكِ) أَرْضٍ، فَيُعَرِّفُهَا ثُمَّ يَمْلِكُهَا (وَرَبُّهَا) ، أَيْ: الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ (أَحَقُّ بِرِكَازٍ وَلُقَطَةٍ) بِهَا (مِنْ وَاجِدٍ مُتَعَدٍّ بِدُخُولِهِ) فِيهَا (وَإِذَا تَدَاعَى دَفِينَةً بِدَارِ مُؤَجِّرِهَا وَمُسْتَأْجِرِهَا فَ) هِيَ (لِوَاصِفِهَا) لِوُجُوبِ دَفْعِ اللُّقَطَةِ لِمَنْ وَصَفَهَا (بِيَمِينِهِ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْآخَرِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 دَعْوَاهَا (وَإِلَّا) تُوصَفُ (فَ) هِيَ (لِوَاجِدِهَا) بِيَمِينِهِ (فَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ) مِنْهُمَا (وِجْدَانَهَا أَوَّلًا فَقَوْلُ مُكْتَرٍ لِزِيَادَةِ يَدِ) هـ، وَمِثْلُهُ مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ اخْتَلَفَا فِيهَا، فَوَصَفَهَا أَحَدُهُمَا فَهِيَ لَهُ بِيَمِينِهِ تَرْجِيحًا لَهُ بِالْوَصْفِ، فَإِنْ وَصَفَاهَا تَسَاقَطَا، وَرَجَحَ مُسْتَعِيرٌ لِزِيَادَةِ الْيَدِ. [فَرْعٌ لَوْ أخرج وَاجِدُ رِكَازٍ خُمُسَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهُ] (فَرْعٌ لَوْ أَخْرَجَ وَاجِدُ رِكَازٍ خُمُسَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهُ) بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ (غَرِمَ) الْوَاجِدُ بَدَلَ (الْخُمُسِ) لِلْمُسْتَحِقِّ، لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ (وَيَرْجِعُ بِهِ) ، أَيْ: بِبَدَلِ الْخُمُسِ الَّذِي غَرِمَهُ (عَلَى إمَامٍ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا) فَيَأْخُذُهُ مِنْ مَالِهِ، مِنْ بَيْتِ الْمَالِ جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ ". [بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ] (بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ) جَمْعُ: ثُمْنٍ، (وَهِيَ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ) ، وَهُمَا مِنْ أَشْرَفِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، إذْ بِهِمَا قِوَامُ الدُّنْيَا وَنِظَامُ الْخَلْقِ، لِأَنَّ حَاجَاتِ النَّاسِ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّهَا تُقْضَى بِهِمَا، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ، فَمَنْ كَنَزَهُمَا فَقَدْ أَبْطَلَ الْحِكْمَةَ الَّتِي خُلِقَا لَهَا، كَمَنْ حَبَسَ قَاضِيَ الْبَلَدِ، وَمَنَعَهُ أَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ النَّاسِ، فَالْفُلُوسُ وَلَوْ رَائِجَةً عُرُوضٌ، وَالْقَدْرُ الْوَاجِبُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (رُبُعُ عُشْرِهِمَا) لِلْأَخْبَارِ. وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِمَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] . الْآيَةُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، يُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَأَقَلُّ نِصَابِ ذَهَبٍ: عِشْرُونَ مِثْقَالًا) ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالًا نِصْفَ مِثْقَالٍ» ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (وَهِيَ) ، أَيْ: الْعِشْرُونَ مِثْقَالًا (ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ إسْلَامِيِّ) إذْ الْمِثْقَالُ دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ (وَقَدْرُهَا) بِالدَّنَانِيرِ (خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا وَسُبْعَا دِينَارٍ وَتُسْعُهُ بِ) الدِّينَارِ (الَّذِي زِنَتُهُ دِرْهَمٌ وَثُمْنُ) دِرْهَمٍ (تَحْدِيدًا) وَتَقَدَّمَ أَنَّ نِصَابَ الْأَثْمَانِ تَقْرِيبٌ يُعْفَى فِيهِ عَنْ نَحْوِ حَبَّةٍ وَحَبَّتَيْنِ (وَالْمِثْقَالُ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامًا: دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ) إسْلَامِيِّ، (فَإِذَا زِيدَ عَلَى الدِّرْهَمِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ فَ) هُوَ (مِثْقَالٌ، وَإِنْ نَقَصَ مِنْ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهِ فَ) هُوَ (دِرْهَمٌ، وَ) الْمِثْقَالُ (بِالدَّوَانِقِ: ثَمَانِيَةُ) دَوَانِقَ. (وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ) دَانِقٍ (وَ) الْمِثْقَالُ (بِالشَّعِيرِ الْمُتَوَسِّطِ: ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً، وَالدِّرْهَمُ) الْإِسْلَامِيُّ نِسْبَةٌ لِلْمِثْقَالِ، (كَمَا قَدَّرَهُ بَنُو أُمَيَّةَ: نِصْفُ مِثْقَالٍ وَخُمُسُهُ) فَالْعَشَرَةُ مِنْ الدَّرَاهِمِ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، (وَ) الدِّرْهَمُ بِالدَّوَانِقِ: (سِتَّةُ دَوَانِقَ، وَهِيَ) ، أَيْ: السِّتَّةُ دَوَانِقَ: (خَمْسُونَ) حَبَّةَ شَعِيرٍ (وَخُمُسَا حَبَّةٍ) شَعِيرٍ، وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ حَبَّةَ خرنوب، (وَالدَّانِقُ: ثَمَانِ حَبَّاتِ شَعِيرٍ وَخُمُسَا حَبَّةٍ) مِنْهُ. (وَأَقَلُّ نِصَابِ فِضَّةٍ: مِائَتَا دِرْهَمٍ) إسْلَامِيٍّ، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» ، وَالْأُوقِيَّةُ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَهِيَ بِالْمَثَاقِيلِ: (مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِثْقَالًا. وَتُرَدُّ الدَّرَاهِمُ الْخُرَاسَانِيَّةُ وَهِيَ دَانِقٌ أَوْ نَحْوُهُ) إلَى الدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ، (وَ) تُرَدُّ (الْيَمَنِيَّةُ وَهِيَ دَانِقَانِ وَنِصْفٌ) إلَى الدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ، (وَ) تُرَدُّ الدَّرَاهِمُ (الطَّبَرِيَّةُ) ، نِسْبَةً إلَى طَبَرِيَّةِ الشَّامِ: بَلَدٌ مَعْرُوفٌ، (وَهِيَ: أَرْبَعَةُ) دَوَانِقَ إلَى الدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ (وَ) تُرَدُّ الدَّرَاهِمُ (الْبَغْلِيَّةُ) نِسْبَةً إلَى مَلِكٍ يُقَالُ لَهُ: رَأْسُ الْبَغْلِ، (وَتُسَمَّى السَّوْدَاءُ، وَهِيَ: ثَمَانِيَةُ) دَوَانِقَ (إلَى الدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ) ، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ الدِّرْهَمَ سِتَّةُ دَوَانِقَ. (وَيُزَكَّى مَغْشُوشٌ) ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ إذَا كَانَ الْغِشُّ غَيْرَ الْفِضَّةِ فِي الذَّهَبِ، كَمَا لَوْ كَانَ نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا أَوْ نَحْوَهُمَا (بَلَغَ خَالِصُهُ نِصَابًا) نَصًّا، وَإِلَّا فَلَا. وَيُكْرَهُ ضَرْبُ نَقْدٍ مَغْشُوشٍ وَاِتِّخَاذُهُ نَصًّا، وَالضَّرْبُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. (وَيُجْزِئُ إخْرَاجٌ مِنْ مَغْشُوشٍ إنْ عَلِمَ قَدْرَ غِشٍّ فِي كُلِّ دِينَارٍ) أَوْ دِرْهَمٍ لِلْعِلْمِ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْغِشِّ، لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا أَنْ يَسْتَظْهِرَ، فَيُخْرِجَ مِنْهُمَا قَدْرَ الزَّكَاةِ بِيَقِينٍ، فَيُجْزِئَهُ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، (فَإِنْ شَكَّ فِيهِ) ، أَيْ: فِي بُلُوغِ مَغْشُوشٍ نِصَابًا (سَبَكَهُ) ، أَيْ: الْمَغْشُوشَ، لِيَعْلَمَ خَالِصَهُ، (أَوْ احْتَاطَ فَأَخْرَجَ) عَنْ مَغْشُوشٍ (مَا يُجْزِئُهُ) إخْرَاجُهُ عَنْهُ (بِيَقِينٍ) لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ، وَالْأَفْضَلُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ مَا لَا غِشَّ فِيهِ. وَإِنْ أَخْرَجَ مِمَّا تَيَقَّنَ أَنَّ فِيهِ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ ادَّعَى رَبُّ مَالٍ عَلِمَ غِشَّ، أَوْ أَنَّهُ اسْتَظْهَرَ وَأَخْرَجَ الْفَرْضَ، قُبِلَ بِلَا يَمِينٍ. (وَيُزَكَّى غِشٌّ) مِنْ نَقْدٍ (بَلَغَ بِضَمٍّ) إلَى غَيْرِهِ (نِصَابًا) فَأَرْبَعُمِائَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 ذَهَبٌ فِيهَا مِائَةٌ فِضَّةٌ، وَعِنْدَهُ مِائَةٌ فِضَّةٌ، يُزَكِّي الْمِائَةَ الْغِشَّ لِأَنَّهَا بَلَغَتْ نِصَابًا بِضَمِّهَا إلَى الْمِائَةِ الْأُخْرَى، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِضَّةٌ، لِأَنَّهَا تُضَمُّ إلَى الذَّهَبِ، (أَوْ) بَلَغَ نِصَابًا (بِدُونِهِ) ، أَيْ الضَّمِّ (كَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِيهَا ذَهَبٌ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ) فِيهَا (فِضَّةٌ مِائَتَانِ) فَيُزَكِّي الْمِائَتَيْنِ الْغِشَّ لِأَنَّهَا نِصَابٌ بِنَفْسِهَا. (وَإِنْ شَكَّ مِنْ أَيِّهِمَا) ، أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (الثَّلَاثُمِائَةِ) دِرْهَمٍ، (احْتَاطَ فَجَعَلَهَا ذَهَبًا) فَيُخْرِجُ زَكَاةَ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ ذَهَبًا وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةً احْتِيَاطًا (وَيُعْرَفُ غِشُّهُ) ، أَيْ: الذَّهَبَ الْمَغْشُوشَ (بِوَضْعِ ذَهَبٍ خَالِصٍ وَزْنَهُ) ، أَيْ: الْمَغْشُوشِ (بِمَاءٍ) ، أَيْ: فِيهِ (فِي إنَاءٍ أَسْفَلُهُ) ، أَيْ: الْإِنَاءِ (كَأَعْلَاهُ) قَدْرًا، ثُمَّ يُرْفَعُ الذَّهَبُ (ثُمَّ) يُوضَعُ (فِضَّةٌ) خَالِصَةٌ (وَزْنَهُ) ، أَيْ: الْمَغْشُوشِ (وَهِيَ) ، أَيْ الْفِضَّةُ (أَضْخَمُ) مِنْ الذَّهَبِ أَغْلَظُ، ثُمَّ تُرْفَعُ (ثُمَّ) يُوضَعُ (مَغْشُوشٌ) ثُمَّ يُرْفَعُ (وَيُعْلَمُ عِنْدَ وَضْعِ كُلٍّ) مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَمَغْشُوشٍ (عُلُوَّ الْمَاءِ) فِي الْإِنَاءِ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ ضَيِّقًا لِيَظْهَرَ ذَلِكَ (فَإِنْ تَنَصَّفَتْ بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: عَلَامَتَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (عَلَامَةُ مَغْشُوشٍ، فَنِصْفُهُ) ، أَيْ: الْمَغْشُوشِ (ذَهَبٌ وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ وَإِلَّا) يَتَنَصَّفْ، (فَإِلَى أَيِّهِمَا) ، أَيْ: الْعَلَامَتَيْنِ (كَانَ ارْتِفَاعُهُ أَقْرَبَ فَهُوَ الْأَكْثَرُ بِحِسَابِهِ) ، فَإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ الْعُلْيَا إلَى الْوُسْطَى ثُلُثَيْ مَا بَيْنَ عَلَامَتَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْخَالِصَيْنِ، وَمَا بَيْنَ السُّفْلَى إلَى الْوُسْطَى ثُلُثَهُ، كَانَتْ الْفِضَّةُ ثُلُثَيْنِ وَالذَّهَبُ ثُلُثٌ. وَإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ الْعُلْيَا إلَى الْوُسْطَى ثُلُثُ مَا بَيْنَ الْعَلَامَتَيْنِ، وَمَا بَيْنَ السُّفْلَى إلَى الْوُسْطَى ثُلُثَاهُ فَالذَّهَبُ ثُلُثَانِ، وَالْفِضَّةُ ثُلُثٌ، إذْ الِارْتِفَاعُ لِلْفِضَّةِ لِضَخَامَتِهَا، وَالِانْخِفَاضُ لِلذَّهَبِ لِثِقَلِهِ (وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ مَغْشُوشٍ بِصَنْعَةِ الْغِشِّ وَفِيهِ) ، أَيْ: الْمَغْشُوشِ (نِصَابٌ) مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ أَوْ مِنْهُمَا (أَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِهِ) ، أَيْ: الْمَغْشُوشِ، فَعِشْرُونَ مِثْقَالًا غُشَّتْ فَصَارَتْ تُسَاوِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا " أَخْرَجَ عَنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 رُبُعَ الْعُشْرِ فِيمَا قِيمَتُهُ كَقِيمَتِهَا كَمَا يُخْرِجُ عَنْ الْجَيِّدِ الصَّحِيحِ بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ عَنْ قِيمَتِهِ (كَحُلِيِّ الْكِرَاءِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ بِصِنَاعَتِهِ) فَيُعْتَبَرُ فِي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ كَعَرْضِ التِّجَارَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَغْشُوشِ نِصَابٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، لِأَنَّ زِيَادَةَ قِيمَةِ النَّقْدِ بِالصِّنَاعَةِ وَالضَّرْبِ، فَلَا تُعْتَبَرُ فِي النِّصَابِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ. [فَصْلٌ يُخْرِجُ مُزَكٍّ عَنْ جَيِّدٍ صَحِيحٍ] (فَصْلٌ) (وَيُخْرِجُ) مُزْكٍ (عَنْ جَيِّدٍ صَحِيحٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ مِنْ نَوْعِهِ كَالْمَاشِيَةِ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عَيْنِهِ، فَلَا يُجْزِئُ أَدْنَى عَنْ أَعْلَى إلَّا مَعَ الْفَضْلِ (وَ) يُخْرِجُ عَنْ (رَدِيءٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (مِنْ نَوْعِهِ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ، فَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ أَعْلَى مِمَّا وَجَبَتْ فِيهِ . (وَ) إنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ الْمُزَكَّى أَخْرَجَ (مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِصَّتِهِ) فَلَوْ كَانَ النِّصَابُ رُبُعَهُ جَيِّدٌ وَرُبُعَهُ رَدِيءٌ، وَنِصْفُهُ مُكَسَّرٌ، أَخْرَجَ عَنْهُ مِنْ الْجَيِّدِ الرُّبْعَ، وَمِنْ الرَّدِيءِ كَذَلِكَ، وَمِنْ الْمُكَسَّرِ النِّصْفَ، (وَلَوْ شَقَّ) ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ (وَالْأَفْضَلُ) الْإِخْرَاجُ (مِنْ الْأَعْلَى) الْأَجْوَدِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ خَيْرٍ لِلْفُقَرَاءِ . (وَيُجْزِئُ) إخْرَاجُ (رَدِيءٍ عَنْ أَعْلَى) مَعَ الْفَضْلِ، كَدِينَارٍ وَنِصْفٍ مِنْ الرَّدِيءِ عَنْ دِينَارٍ جَيِّدٍ مَعَ تَسَاوِي الْقِيمَةِ نَصًّا، لِأَنَّ الرِّبَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، كَمَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ. (وَ) يُجْزِئُ (مُكَسَّرٌ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (عَنْ صَحِيحٍ) مِنْهُمَا مَعَ الْفَضْلِ (وَ) يُجْزِئُ (مَغْشُوشٌ عَنْ) خَالِصٍ (جَيِّدٍ) مَعَ الْفَضْلِ (وَ) تُجْزِئُ دَرَاهِمُ (سُودٍ عَنْ) دَرَاهِمَ (بِيضٍ مَعَ الْفَضْلِ فِي الْكُلِّ) نَصًّا، لِأَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ قِيمَةً وَقَدْرًا، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ مِنْ عَيْنِهِ . (وَ) يُجْزِئُ (قَلِيلُ الْقِيمَةُ عَنْ كَثِيرِهَا) ، أَيْ: الْقِيمَةِ مِنْ نَوْعِهِ (مَعَ) اتِّفَاقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 (الْوَزْنِ) لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالنَّوْعِ، وَقَدْ أَخْرَجَ مِنْهُ. وَ (لَا) يُجْزِئُ (عَكْسُهُ) ، أَيْ: فَلَا يُجْزِئُ أَعْلَى مِنْ وَاجِبٍ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْوَزْنِ. فَلَوْ وَجَبَ نِصْفُ دِينَارٍ رَدِيءٍ، فَأَخْرَجَ عَنْهُ ثُلُثَ جَيِّدٍ يُسَاوِيهِ قِيمَةً، لَمْ يُجْزِئْهُ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ، فَيُخْرِجُ أَيْضًا سُدُسًا (وَلَا يَلْزَمُ قَبُولُ رَدِيءٍ عَنْ جَيِّدٍ فِي عَقْدٍ وَغَيْرِهِ) كَقِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَأَرْشِ جِنَايَةٍ، لِانْصِرَافِ الْإِطْلَاقِ إلَى الْجَيِّدِ (وَيَثْبُتُ الْفَسْخُ) فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إذَا بَانَ عِوَضُهُ الْمُعَيَّنُ مُعَيَّبًا كَالْمَبِيعِ (وَيُضَمُّ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ بِالْأَجْزَاءِ) لَا بِالْقِيمَةِ (فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ) لِأَنَّ زَكَاتَهُمَا وَمَقَاصِدَهُمَا مُتَّفِقَةٌ، وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُضَمُّ إلَى مَا يُضَمُّ إلَيْهِ الْآخَرُ فَيُضَمُّ إلَى الْآخَرِ كَأَنْوَاعِ الْجِنْسِ، فَمَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ ذَهَبًا وَمِائَةَ دِرْهَمٍ فِضَّةٍ، زَكَّاهُمَا وَلَوْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَتِسْعَةَ مَثَاقِيلَ تُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ، لَمْ تَجِبْ، لِأَنَّ مَا لَا يَقُومُ لَوْ انْفَرَدَ لَمْ يَقُمْ مَعَ غَيْرِهِ كَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ. (وَيُخْرِجُ عَنْهُ) ، أَيْ: عَنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ (مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ) فَيُخْرِجُ ذَهَبًا عَنْ فِضَّةٍ وَعَكْسَهُ بِالْقِيمَةِ (لِإِجْزَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ) وَاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ مِنْ الثَّمَنِيَّةِ، وَالتَّوَسُّلِ إلَى الْمَقَاصِدِ، فَهُوَ كَإِخْرَاجِ مُكَسَّرَةٍ عَنْ صِحَاحٍ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ لِاخْتِلَافِ مَقَاصِدِهِمَا، وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْمُعْطِي وَالْآخِذِ، وَلِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى التَّشْقِيصِ وَالْمُشَارَكَةِ، أَوْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْآخَرِ فِي زَكَاةِ مَا دُونَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا. وَإِنْ اخْتَارَ مَالِكٌ الدَّفْعَ مِنْ الْجِنْسِ، وَأَبَاهُ فَقِيرٌ لِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي أَخَذَهُ، لَمْ يَلْزَمْ مَالِكًا إجَابَتُهُ، لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ، فَلَمْ يُكَلَّفْ سِوَاهُ. وَ (لَا) يُجْزِئُ إخْرَاجُ (فُلُوسٍ) عَنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِأَنَّهَا عُرُوضٌ (وَيُضَمُّ جَيِّدُ كُلِّ جِنْسٍ وَمَضْرُوبُهُ إلَى رَدِيئِهِ وَتِبْرِهِ) كَأَنْوَاعِ الْمَوَاشِي وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، بَلْ هُنَا أَوْلَى (وَ) تُضَمُّ (قِيمَةُ عَرْضِ تِجَارَةٍ إلَى) أَحَدِ (ذَلِكَ مَضْرُوبَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وَخَمْسَةُ) مَثَاقِيلَ (تِبْرٍ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا) مِنْ فِضَّةِ الْجَمِيعِ (نِصَابٌ بِالضَّمِّ) فَيُخْرِجُ رُبُعَ الْعُشْرِ مِنْ أَيِّ نَقْدٍ شَاءَ. [فَرْعٌ الْفُلُوسُ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ فِيهَا إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا زَكَاةُ] (فَرْعٌ: الْفُلُوسُ كَعُرُوضِ) الـ (تِجَارَةِ فِيهَا) إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا (زَكَاةُ قِيمَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ) الْفُلُوسُ (لِلنَّفَقَةِ) فَإِنْ كَانَتْ لِلنَّفَقَةِ (فَلَا) زَكَاةَ فِيهَا. [فَصْلٌ وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ] (فَصْلٌ) (وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ مُعَدٍّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ أَوْ إعَارَةٍ) لِمَنْ يُبَاحُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ أَوْ يَعُدَّهُ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ» رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَلِأَنَّهُ مَرْصَدٌ لِلِاسْتِعْمَالِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْعَوَامِلِ وَثِيَابِ الْقِنْيَةِ، وَمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِامْرَأَةٍ فِي يَدِهَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ هَلْ تُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: أَيَسُرُّكَ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ: وَمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْوَرِقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» ، فَجَوَابُهُ أَنَّهَا الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا يُعْلَمُ هَذَا الِاسْمُ فِي الْكَلَامِ الْمَعْقُولِ عِنْدَ الْعَرَب إلَّا عَلَى الدَّرَاهِمِ الْمَضْرُوبَةِ ذَاتِ السِّكَّةِ السَّائِرَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الشُّمُولِ يَكُونُ مَخْصُوصًا بِمَا ذَكَرْنَا (وَلَوْ) كَانَ الْحُلِيُّ (لِمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَرَجُلٍ اتَّخَذَ حُلِيَّ نِسَاءٍ لِإِعَارَتِهِنَّ وَعَكْسُهُ) كَامْرَأَةٍ اتَّخَذَتْ حُلِيَّ رِجَالٍ لِإِعَارَتِهِمْ (غَيْرِ فَارٍّ) مِنْ زَكَاةٍ بِاِتِّخَاذِ الْحُلِيِّ فَإِنْ اتَّخَذَهُ فِرَارًا (فَ) أَنَّهَا (تَلْزَمُهُ) الزَّكَاةُ (فَإِنْ كَانَ الْحُلِيُّ لِيَتِيمٍ لَا يَلْبَسُهُ) الْيَتِيمُ (فَلِوَلِيِّهِ إعَارَتُهُ فَإِنْ فَعَلَ) ، أَيْ: أَعَارَهُ (فَلَا زَكَاةَ) فِيهِ (وَإِلَّا فَفِيهِ الزَّكَاةُ نَصًّا) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 (وَيَتَّجِهُ: لَا) أَيْ. لَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ (بَلْ حَيْثُ كَانَ) حُلِيُّ الْيَتِيمِ (مُعَدًّا لِاسْتِعْمَالٍ فَلَا زَكَاةَ) فِيهِ. (وَلَوْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ) إذْ نَفْسُ إعَارَةِ مَالِ الْيَتِيمِ مُتَوَقَّفٌ فِيهَا لَوْلَا النَّصُّ، لِمَا يَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُعِيرِ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ، وَالْيَتِيمُ لَيْسَ كَذَلِكَ، نَعَمْ، قَالُوا بِجَوَازِ إعَارَةِ مَالِ الْيَتِيمِ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَتِهِ، أَوْ لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنْهُ، وَإِعَارَةُ حُلِيِّهِ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَبَلَغَ مُجَرَّدُ اسْتِعْدَادِهِ وَإِرْصَادِهِ إلَى بُلُوغِهِ وَاسْتِئْنَاسِ رُشْدِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ تَكَسَّرَ الْحُلِيُّ) الْمُبَاحُ (كَسْرًا لَا يَمْنَعُ لُبْسَهُ) كَانْشِقَاقِهِ وَنَحْوِهِ، (فَ) هُوَ (كَصَحِيحٍ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ تَرْكَ لُبْسِهِ. (وَإِنْ مَنَعَهُ) ، أَيْ: مَنَعَ تَكَسُّرَهُ لَبِسَهُ، (فَ) هُوَ (كَنَقْرَةٍ فَيُزَكَّى) وَلَوْ نَوَى إصْلَاحَهُ، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ. (وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي) حُلِيِّ (مُحَرَّمٍ كَحِلْيَةِ نَحْوِ سَرْجٍ وَلِجَامٍ وَكُتُبِ عِلْمٍ وَطَوْقِ رَجُلٍ وَسِوَارِهِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ) (وَ) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي (حُلِيِّ صَيَارِفَ) لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلتِّجَارَةِ (أَوْ) ، أَيْ: وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حُلِيٍّ مُعَدٍّ لِ (قِنْيَةٍ أَوْ) مُعَدٍّ لِ (نَفَقَةٍ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ) مُعِدُّهُ (بِهِ) ، أَيْ: بِاعْتِدَادِهِ (شَيْئًا، وَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 تَجِبُ أَيْضًا فِي (آنِيَةِ) الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ الْمُحَرَّمَةَ كَالْعَدَمِ. (وَ) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ (مُعَدٍّ لِكِرَاءٍ إذَا بَلَغَ نِصَابًا وَزْنًا فِي الْكُلِّ) ، أَيْ: كُلِّ مَا ذُكِرَ، لِأَنَّ سُقُوطَ الزَّكَاةِ فِيمَا أُعِدَّ لِاسْتِعْمَالٍ أَوْ إعَارَةٍ بِصَرْفِهِ عَنْ جِهَةِ النَّمَاءِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، (وَلَا أَثَرَ لِزِيَادَةِ قِيمَةِ) حُلِيٍّ (مُحَرَّمٍ) لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِوَاسِطَةِ صَنْعَةٍ مُحَرَّمَةٍ يَجِبُ إتْلَافُهَا شَرْعًا، فَلَمْ تُعْتَبَرْ لِذَلِكَ (وَتُعْتَبَرُ) زِيَادَةُ الْقِيمَةِ (فِي) حُلِيٍّ (مُبَاحِ) الصِّنَاعَةِ حَيْثُ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالٍ أَوْ إعَارَةٍ (فَتُزَكَّى) الزِّيَادَةُ، إذْ لَوْ أَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِهِ وَزْنًا لَفَاتَتْ الصَّنْعَةُ الْمُتَقَوِّمَةُ عَلَى الْفُقَرَاءِ. (وَحَرُمَ كَسْرُهُ) ، أَيْ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَقْتَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ (لِنَقْصِهَا) ، أَيْ: الْقِيمَةِ، وَلِأَنَّ فِي كَسْرِهِ إضَاعَةَ مَالٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ (وَ) يَحْرُمُ (أَنْ يُحَلَّى مَسْجِدٌ أَوْ مِحْرَابٌ) بِنَقْدٍ (أَوْ) أَنْ (يَمُدَّهُ سَقْفٌ أَوْ حَائِطٌ) مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (بِنَقْدٍ، وَتَجِبُ إزَالَتُهُ وَزَكَاتُهُ) إنْ بَلَغَ نِصَابًا لِأَنَّهَا إنَّمَا سَقَطَتْ فِي الْمُبَاحِ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِعْمَالِ، لِصَرْفِهِ عَنْ جِهَةِ النَّمَاءِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ (إلَّا إذَا اُسْتُهْلِكَ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ) لَوْ أُزِيلَ (فَلَا تَحْرُمُ اسْتِدَامَتُهُ) لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ ذَهَبَتْ فَلَا فَائِدَةَ فِي إتْلَافِهِ وَإِزَالَتِهِ. وَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخِلَافَةَ: أَرَادَ جَمْعَ مَا فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ مِمَّا مُوِّهَ بِهِ مِنْ الذَّهَبِ. فَقِيلَ: إنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَتَرَكَهُ (وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ اسْتِدَامَةِ) مُحَرَّمٍ (أَوْ اسْتِعْمَالِ مُحَرَّمٍ جَوَازُ صَنْعَتِهِ كَاسْتِعْمَالِ مُصَوَّرٍ) فِي افْتِرَاشٍ وَجَعْلِهِ مِخَدًّا، فَيَجُوزُ مَعَ حُرْمَةِ التَّصْوِيرِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ زَاوِيَةٍ قِنْدِيلًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَمْ يَصِحَّ وَقْفُهُ، لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَيَحْرُمُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ الْآنِيَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 [فَصْلٌ فِي التَّحَلِّي] (فَصْلٌ) فِي التَّحَلِّي (وَيُبَاحُ لِذَكَرٍ وَخُنْثَى وَلَوْ بِقَصْدِ تَزَيُّنٍ مِنْ فِضَّةٍ خَاتَمٌ فَأَكْثَرُ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَهُ خَاتَمٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِيهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ. (وَ) لُبْسُهُ (بِخِنْصَرِ يَسَارٍ أَفْضَلُ) مِنْ لُبْسِهِ بِخِنْصَرِ يُمْنَى نَصًّا. وَضَعَّفَ الْحَدِيثُ التَّخَتُّمَ فِي الْيُمْنَى فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ: الْمَحْفُوظُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ» ، وَكَانَ بِالْخِنْصَرِ لِأَنَّهَا طَرَفٌ، فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الِامْتِهَانِ فِيمَا تَتَنَاوَلُهُ الْيَدُ، وَلَا يَشْغَلُ الْيَدَ عَمَّا تَتَنَاوَلُهُ، وَلَهُ جَعْلُ فَصِّهِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ فَصُّهُ مِنْهُ» وَلِمُسْلِمٍ «كَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا» . (وَيَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ يَجْعَلُهُ مِمَّا يَلِي ظَهْرَ كَفِّهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " (وَكُرِهَ) لُبْسُهُ (بِسَبَّابَةٍ وَوُسْطَى فَقَطْ) لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْ ذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِهِمَا اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ، وَإِنْ كَانَ الْخِنْصَرُ أَفْضَلَ (وَلَا بَأْسَ بِجَعْلِهِ) ، أَيْ: الْخَاتَمِ مِنْ فِضَّةٍ (أَكْثَرَ مِنْ مِثْقَالٍ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ عَادَةٍ فَيَحْرُمُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ خَرَجَ الْمُعْتَادُ، لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ. وَلُبْسُ خَاتَمَيْنِ فَأَكْثَرَ جَمِيعًا، الْأَظْهَرُ الْجَوَازُ وَعَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " بَعْدَ ذِكْرِهِ اخْتِلَافَ ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهِ. (وَسُنَّ) كَوْنُ الْخَاتَمِ (دُونَهُ) ، أَيْ: الْمِثْقَالِ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْحَاوِيَيْنِ " وَ " الْآدَابِ " (وَ) يُبَاحُ لِذَكَرٍ (قَبِيعَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 سَيْفٍ) مِنْ فِضَّةٍ، لِقَوْلِ أَنَسٍ «كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِضَّةً» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَالْقَبِيعَةُ: مَا يُجْعَلُ عَلَى طَرَفِ الْقَبْضَةِ، وَلِأَنَّهَا حِلْيَةٌ مُعْتَادَةٌ لِلرَّجُلِ أَشْبَهَتْ الْخَاتَمَ (وَ) يُبَاحُ لَهُ (حِلْيَةُ مِنْطَقَةٍ) وَهِيَ مَا شَدَدْتَ بِهِ وَسَطَكَ. قَالَهُ الْخَلِيلُ. وَتُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ حِيَاصَةً، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّخَذُوا الْمَنَاطِقَ مُحَلَّاةً بِالْفِضَّةِ، وَهِيَ كَالْخَاتَمِ (وَ) يُبَاحُ لَهُ حِلْيَةُ (جَوْشَنٍ) وَهُوَ الدِّرْعُ (وَخُوذَةٍ) وَهِيَ الْبَيْضَةُ (وَ) حِلْيَةُ (خُفٍّ وَنَعْلٍ وَرَادٍّ وَهُوَ شَيْءٌ يُلْبَسُ تَحْتَ الْخُفِّ وَحَمَائِلِ) سَيْفٍ، وَاحِدَتُهَا: حَمَالَةُ. قَالَهُ الْخَلِيلُ (وَ) حِلْيَةُ (مِغْفَرٍ وَرَأْسِ رُمْحٍ وَشَعِيرَةِ سِكِّينٍ وتركاش نَشَّابٍ) لِأَنَّهُ يُسَاوِي الْمِنْطَقَةَ مَعْنًى، فَوَجَبَ أَنَّهُ يُسَاوِيهَا حُكْمًا. وَعَلَّلَ الْمَجْدُ بِأَنَّهُ يَسِيرُ فِضَّةٍ فِي لِبَاسِهِ، وَلِأَنَّهُ يَسِيرٌ تَابِعٌ. وَ (لَا) يُبَاحُ (حِلْيَةُ رِكَابٍ وَلِجَامٍ وَسَرْجٍ وَدَوَاةٍ وَمِقْلَمَةٍ وَمِرْآةٍ وَمُشْطٍ وَمُكْحُلَةٍ وَمِجْمَرَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَمِيلٍ وَمِرْوَحَةٍ وَمَشْرَبَةٍ وَمُدْهِنَةٍ وَمِسْعَطٍ وَمِلْعَقَةٍ وَقِنْدِيلٍ وَمِسْرَجَةٍ (وَيُبَاحُ) لِذَكَرٍ (مِنْ ذَهَبٍ قَبِيعَةُ سَيْفٍ) لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ لَهُ سَيْفٌ فِيهِ سَبَائِكُ مِنْ ذَهَبٍ، وَعُثْمَانَ بْنُ حُنَيْفٍ كَانَ فِي سَيْفِهِ مِسْمَارٌ مِنْ ذَهَبٍ. ذَكَرَهُمَا أَحْمَدُ. وَيُبَاحُ لِذَكَرٍ أَيْضًا مِنْ ذَهَبٍ (يَسِيرٍ فَصِّ خَاتَمٍ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالْمَجْدُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ رَجَبٍ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَفِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ " يَسِيرُ الذَّهَبِ التَّابِعِ لِغَيْرِهِ كَالطِّرَازِ وَنَحْوِهِ جَائِزٌ فِي الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. (وَ) يُبَاحُ لِذَكَرٍ مِنْ ذَهَبٍ (مَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَأَنْفٍ) وَإِنْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُهُ مِنْ فِضَّةٍ، «لِأَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكِلَابِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ. فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَالْحِكْمَةُ فِي الذَّهَبِ أَنَّهُ لَا يَصْدَأُ بِخِلَافِ الْفِضَّةِ (وشلسن) رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ. وَثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ وَغَيْرِهِمَا، وَلِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ فَأُبِيحَ كَالْأَنْفِ «وَكَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِيَةَ مَثَاقِيلَ» ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَحَكَاهُ فِي " الْمُبْدِعِ " عَنْ الْإِمَامِ، قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَلِكَ (وَ) يُبَاحُ (لِنِسَاءٍ مِنْهُمَا) ، أَيْ: الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ وَلَوْ زَادَ عَلَى أَلْفِ مِثْقَالٍ كَطَوْقٍ وَخَلْخَالٍ وَسِوَارٍ وَدُمْلُجٍ وَقُرْطٍ) فِي أُذُنٍ (وَقِلَادَةٍ وَتَاجٍ وَمَا فِي مخانق وَمَقَالِدَ مِنْ حِرْزٍ وَتَعَاوِيذَ وَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ مُعَرَّاةٍ) ، أَيْ ذَاتِ عُرْيٍ، وَكَذَا عُقُودُ وَأُكَرٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (أَوْ) جُعِلَتْ الدَّنَانِيرُ (فِي مُرْسَلَةٍ) . أَيْ: قِلَادَةً طَوِيلَةً تَقَعُ عَلَى الصَّدْرِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلْإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى التَّجَمُّلِ، وَالتَّزَيُّنِ لِزَوْجِهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ كَالنِّعَالِ الْمُذَهَّبَةِ لَا يُبَاحُ لَهُنَّ لِانْتِفَاءِ التَّجَمُّلِ، فَلَوْ اتَّخَذَتْهُ حَرُمَ وَفِيهِ الزَّكَاةُ. (وَ) يُبَاحُ (لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَحِلُّ بِجَوْهَرٍ وَزُمُرُّدٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ وَفَيْرُوزَجَ وَنَحْوِهِ) كَلُؤْلُؤٍ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلِاسْتِعْمَالِ كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ . (وَكُرِهَ تَخَتُّمُهُمَا) ، أَيْ: الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (بِحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَنُحَاسٍ وَصُفْرٍ) نَصًّا. وَنَقَلَ مُهَنَّا: أَكْرَهُ خَاتَمَ الْحَدِيدِ لِأَنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ (وَيُسْتَحَبُّ) تَخَتُّمُهُمَا (بِعَقِيقٍ) ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَابْنِ تَمِيمٍ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ.» قَالَ فِي " الْفُرُوعِ: كَذَا ذُكِرَ. قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 الْعُقَيْلِيُّ، لَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا شَيْءٌ. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، فَلَا يُسْتَحَبُّ هَذَا عِنْدَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ فَظَاهِرُهُ لَا يُسْتَحَبُّ (وَ) لِذَلِكَ قَالَ (فِي " الْإِقْنَاعِ " يُبَاحُ) التَّخَتُّمُ بِالْعَقِيقِ، لِمَا فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا - وَقَدْ سَأَلَ الْإِمَامُ: مَا السُّنَّةُ؟ يَعْنِي فِي التَّخَتُّمِ - لَمْ تَكُنْ خَوَاتِيمُ الْقَوْمِ إلَّا مِنْ الْفِضَّةِ. وَتَبِعَ صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " الْقَائِلِينَ بِالِاسْتِحْبَابِ. وَهَذَا الْخَبَرُ فِي إسْنَادِهِ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ الَّذِي قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ. وَبَاقِيهِ جَيِّدٌ. وَمِثْلُ هَذَا لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ مِنْ الْمَوْضُوعِ. [فَرْعٌ كُرِهَ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى خَاتَمٍ ذِكْرُ اللَّهِ] (فَرْعٌ: كُرِهَ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى خَاتَمٍ ذِكْرُ اللَّهِ قُرْآنٌ أَوْ غَيْرُهُ) نَصًّا (وَكَذَا عَلَى دَرَاهِمَ) قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: لَا يَدْخُلُ الْخَلَاءُ فِيهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَعَلَّ أَحْمَدَ كَرِهَهُ لِذَلِكَ، قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ لِلْكَرَاهَةِ دَلِيلًا سِوَى هَذَا، وَهِيَ تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. (وَحَرُمَ نَقْشُ صُورَةِ حَيَوَانٍ) عَلَى الْخَاتَمِ (وَلُبْسُهُ بِهَا) ، أَيْ: الصُّورَةِ كَالثَّوْبِ الْمُصَوَّرِ. (بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ) أَيْ: عُرُوضَ التِّجَارَةِ. الْعُرُوض، جَمْعُ: عَرْضٍ، بِإِسْكَانِ الرَّاءِ، وَهُوَ. مَا عَدَا الْأَثْمَانَ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ، وَبِفَتْحِهَا: كَثْرَةُ الْمَالِ وَالْمَتَاعِ، وَسُمِّيَ عَرَضًا لِأَنَّهُ يَعْرِضُ ثُمَّ يَزُولُ وَيَفْنَى، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُعْرَضُ لِيُبَاعَ وَيُشْتَرَى تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ كَتَسْمِيَةِ الْمَعْلُومِ عَلَمًا. وَفِي اصْطِلَاحِ الْمُتَكَمِّلِينَ الْعَرَضُ بِفَتْحَتَيْنِ: مَا لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ. (لَا تُجْزِئُ) زَكَاةُ الْعُرُوضِ (مِنْهَا وَلَوْ) كَانَتْ الْعُرُوض (بَهِيمَةَ أَنْعَامٍ، بَلْ) تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ (مِنْ قِيمَتِهَا نَقْدًا) لِأَنَّ النِّصَابَ مُعْتَبَرٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 بِالْقِيمَةِ، فَهِيَ مَحَلُّ الْوُجُوبِ. (وَالْعَرْضُ مَا يُعَدُّ لِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ لِأَجْلِ رِبْحٍ وَلَوْ مَنْفَعَةً) كَالْإِجَارَةِ (وَإِنَّمَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي قِيمَةِ) عُرُوضِ تِجَارَةٍ إذَا (بَلَغَتْ) قِيمَتُهَا (نِصَابًا) مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، لَا فِي نَفْسِ الْعَرْضِ (لِمَا) ، أَيْ: عَرْضٍ (مُلِكَ بِفِعْلٍ) كَمَبِيعٍ وَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ (بِنِيَّةِ تِجَارَةٍ حَالَ مِلْكِهِ) بِأَنْ يَقْصِدَ التَّكَسُّبَ بِهِ، لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ، وَالتِّجَارَةُ عَمَلٌ، فَوَجَبَ اقْتِرَانُهَا بِالنِّيَّةِ، وَلِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ فِي الْأَصْلِ لِلِاسْتِعْمَالِ، فَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ (أَوْ اسْتِصْحَابِ حُكْمِهَا) ، أَيْ: نِيَّةَ التِّجَارَةِ (فِيمَا تُعَوِّضُ عَنْ عَرْضِهَا) ، أَيْ: التِّجَارَةِ وَلَوْ بِصُلْحٍ عَنْ قِنِّهَا الْمَقْتُولِ بِأَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَ نِيَّةِ التِّجَارَةِ، كَأَنْ تُعَوِّضَ عَنْ عَرْضِهَا شَيْئًا بِنِيَّةِ الْقِنْيَةِ (وَسَوَاءٌ مَلَكَ الْعَرْضَ بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ) ، أَيْ: خَالِصَةٍ (كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ وَأَخْذٍ بِشُفْعَةٍ وَاسْتِرْدَادِ مَا بَاعَهُ) بِإِقَالَةٍ أَوْ إعْسَارِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَنَحْوِهِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ (أَوْ) بِمُعَاوَضَةٍ (غَيْرِ مَحْضَةٍ كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ) وَعِوَضِ خُلْعٍ (أَوْ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَهِبَةٍ) لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا ثَوَابٌ. (وَغَنِيمَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَاحْتِشَاشٍ وَاحْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ) لِعُمُومِ خَبَرِ «سَمُرَةَ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِمَّا نُعِدُّهُ لِلْبَيْعِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي إسْنَادِهِ جَعْفَرٌ وَخُبَيْبٌ مَجْهُولَانِ. وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] ، وَقَوْلُهُ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَمَالُ التِّجَارَةِ أَعَمُّ الْأَمْوَالِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالدُّخُولِ، وَلِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا «وَفِي الْبَزِّ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُمَا، وَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عُمَرَ لِحِمَاسٍ: " أَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ. فَقَالَ: مَا لِي إلَّا جِعَابٌ وَأُدْمٌ. فَقَالَ: قَوِّمْهَا وَأَدِّ زَكَاتَهَا " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَسَعِيدٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَالْجِعَابُ: جَمْعُ جَعْبَةٍ، كِنَانَةُ النَّشَّابِ، وَهِيَ مِنْ جِلْدٍ لَا خَشَبَ فِيهَا، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ نَامٍ فَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ كَالسَّائِمَةِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ» الْمُرَادُ بِهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ لَا الْقِيمَةِ، عَلَى أَنَّ خَبَرَنَا خَاصٌّ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ. (فَإِنْ مَلَكَهُ) ، أَيْ: الْعَرْضَ (بِإِرْثٍ) أَوْ عَادَ إلَيْهِ بِطَلَاقٍ قَبْلَ دُخُولٍ، أَوْ فَسْخٍ مِنْ قِبَلَهَا قَبْلَهُ (أَوْ) مَلَكَهُ بِ (لُقَطَةٍ) مَضَى حَوْلُ تَعْرِيفِهَا، لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ، لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، فَجَرَى مَجْرَى الِاسْتِدَامَةِ (أَوْ) مَلَكَهُ (بِفِعْلِهِ بِلَا نِيَّةِ تِجَارَةٍ ثُمَّ نَوَاهَا) ، لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ بِعَرْضِ تِجَارَةٍ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، بَلْ يَكْفِيهِ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا بِأَنْ لَا يَنْوِيَهَا لِلْقِنْيَةِ. (أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ لِتِجَارَةٍ فَنَوَاهُ لِقِنْيَةٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا: الْإِمْسَاكُ لِلِانْتِفَاعِ دُونَ التِّجَارَةِ (وَلَوْ) كَانَ الْمَنْوِيُّ لِلْقِنْيَةِ (ثِيَابَ حَرِيرٍ لِلُبْسٍ مُحَرَّمٍ ثُمَّ) نَوَاهُ (لِتِجَارَةٍ لَمْ يَصِرْ لَهَا) ، أَيْ: التِّجَارَةِ (فِي الْكُلِّ) ، أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ الْقِنْيَةَ هِيَ الْأَصْلُ، فَيَكْفِي فِي الرَّدِّ إلَيْهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ، كَمَا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ، وَلِأَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ فِيهَا، فَإِذَا نَوَى الْقِنْيَةَ زَالَتْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ، فَفَاتَ شَرْطُ الْوُجُوبِ، بِخِلَافِ السَّائِمَةِ إذَا نَوَى عَلَفَهَا، فَإِنَّ الشَّرْطَ السَّوْمُ دُونَ نِيَّةٍ (حَتَّى تُبَاعَ) بِنَقْدٍ مُطْلَقًا أَوْ بِعَرْضٍ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ (وَيَمْضِي حَوْلٌ) فَيُزَكِّيهِ عِنْدَ تَمَامِهِ (غَيْرَ حُلِيِّ لُبْسٍ) إذَا نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ، فَيَصِيرُ لَهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (لِأَنَّ التِّجَارَةَ أَصْلٌ فِيهِ) ، أَيْ: الْحُلِيِّ، فَإِذَا نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ فَقَدْ رَدَّهُ إلَى الْأَصْلِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ حُلِيُّ اللُّبْسِ (غَيْرَ نَقْدٍ) كَجَوْهَرٍ وَزُمُرُّدٍ وَلُؤْلُؤٍ وَيَاقُوتٍ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ قَتَلَ عَبْدَ تِجَارَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَصَالَحَ) سَيِّدَهُ (عَلَى مَالٍ، صَارَ) الْمَالُ (لِتِجَارَةٍ) بِاسْتِصْحَابِ نِيَّتِهَا، كَمَا لَوْ اعْتَاضَ عَنْهُ (أَوْ اتَّخَذَ عَصِيرًا لَهَا) ، أَيْ: التِّجَارَةِ (فَتَخَمَّرَ) الْعَصِيرُ (ثُمَّ تَخَلَّلَ عَادَ حُكْمُ تِجَارَةٍ) اسْتِصْحَابًا لِلْيَدِ كَالرَّهْنِ. (وَتُقَوَّمُ عُرُوضُ) تِجَارَةٍ (عِنْدَ) تَمَامِ (حَوْلٍ. وَأَوَّلِهِ) ، أَيْ: الْحَوْلِ (مِنْ حِينِ بَلَغَتْ) الْعُرُوض (نِصَابًا فَيَسْتَأْنِفُ) الْحَوْلَ (لَوْ نَقَصَتْ) قِيمَةُ الْعُرُوضِ (بِأَثْنَائِهِ) ، أَيْ: الْحَوْلِ (بِالْأَحَظِّ) مُتَعَلِّقٌ بِتُقَوَّمُ (لِفُقَرَاءَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَلَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ بَلَدٍ) وَبِهِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْآخِذِ (أَوْ نَقَصَتْ) الْقِيمَةُ (بَعْدَ) التَّقْوِيمِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ، لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَقَرَّتْ، كَمَا لَوْ تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ. وَ (لَا) تُقَوَّمُ الْعُرُوض (بِمَا اُشْتُرِيَتْ بِهِ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ وَرِقٍ، لَا قَدْرًا وَلَا جِنْسًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، لِأَنَّ فِي تَقْوِيمِهَا بِمَا اُشْتُرِيَتْ بِهِ إبْطَالًا لِلتَّقْوِيمِ بِالْأَنْفَعِ. فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا بِالدَّرَاهِمِ فَقَطْ قُوِّمَتْ بِهَا، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِالذَّهَبِ، وَكَذَا عَكْسُهُ (وَلَا اعْتِبَارَ بِصِفَةٍ أَوْ صَنْعَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَتُقَوَّمُ مُغَنِّيَةٌ سَاذَجَةٌ) بِفَتْحِ الذَّالِ، أَيْ: عَارِيَّةٌ عَنْ صِفَةِ مَعْرِفَةِ الْغِنَاءِ، وَكَذَا الزَّامِرَةُ وَالضَّارِبَةُ بِآلَةِ لَهْوٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا (وَ) اعْتِبَارُ (حُلِيٍّ مُحَرَّمٍ بِوَزْنِهِ) لَا بِقِيمَتِهِ (كَآنِيَةِ نَقْدٍ) وَرِكَابٍ وَسَرْجٍ وَلِجَامٍ لِتَحْرِيمِهَا (وَيُعْتَبَرُ مُبَاحُ صِنَاعَةٍ) كَحُلِيِّ تِجَارَةٍ (بِقِيمَتِهِ) لَا بِوَزْنِهِ، فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا زَكَّاهُ، وَإِلَّا فَلَا. (وَ) يُقَوَّمُ عَبْدٌ (خَصِيٌّ بِصِفَتِهِ لِحِلِّ اسْتِخْدَامِهِ) وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ الْفِعْلُ، وَقَدْ انْقَطَعَ. (وَمَنْ اشْتَرَى) أَوْ بَاعَ (عَرْضًا) لِلتِّجَارَةِ (بِعَرْضٍ أَوْ أَثْمَانٍ) بَنَى عَلَى حَوْلِ الْأَوَّلِ وِفَاقًا، لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ الْأَثْمَانُ، وَالْأَثْمَانُ يُبْنَى حَوْلُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلِأَنَّ وَضْعَ التِّجَارَةِ لِلتَّقَلُّبِ وَالِاسْتِبْدَالُ بِثَمَنٍ وَعُرُوضٍ، فَلَوْ لَمْ يَبْنِ بَطَلَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ نِصَابًا، فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ كَمُلَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا، لِأَنَّ مِنْ حِينِ اشْتَرَاهُ. (أَوْ) اشْتَرَى نِصَابَ (سَائِمَةٍ لِقِنْيَةٍ بِ) نِصَابِ سَائِمَةٍ (مِثْلِهَا لِتِجَارَةٍ بَنَى عَلَى حَوْلِهِ) ، أَيْ: مَا اشْتَرَى بِهِ، لِأَنَّهُمَا مَالَانِ مُتَّفِقَانِ فِي النِّصَابِ وَالْجِنْسِ، فَلَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ فِيهِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 بِالْمُبَادَلَةِ. قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ نِصَابَ السَّائِمَةِ غَيْرُ نِصَابِ التِّجَارَةِ، وَالزَّكَاةُ فِي عَيْنِ السَّائِمَةِ وَقِيمَةِ التِّجَارَةِ، فَلَمْ يَتَّحِدْ النِّصَابُ، وَلَا الْجِنْسُ، وَيَأْتِي: مَنْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِتِجَارَةٍ نِصْفَ حَوْلِهِ، ثُمَّ قَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ اسْتَأْنَفَهُ لِلسَّوْمِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَعِبَارَةُ " التَّنْقِيحِ ": وَإِنْ اشْتَرَى نِصَابَ سَائِمَةٍ لِتِجَارَةٍ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ لِقِنْيَةٍ، بَنَى. انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ: لِأَنَّ السَّوْمَ سَبَبٌ لِلزَّكَاةِ قَدَّمَ عَلَيْهِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لِقُوَّتِهِ، فَبِزَوَالِ الْمُعَارِضِ يَثْبُتُ حُكْمُ السَّوْمِ لِظُهُورِهِ. انْتَهَى. قَالَ الْخَلْوَتِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ " اشْتَرَى الْمُقَدَّرَةَ " فِي كَلَامِ الْمُصَنَّفِ، أَيْ: صَاحِبِ " الْمُنْتَهَى " بِمَعْنَى " بَاعَ " فَيُسَاوِي مَا سَيَأْتِي، وَيُوَافِقُ كَلَامَ " الْفُرُوعِ " وَ " التَّنْقِيحِ " وَغَيْرِهِمَا. انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ تَابَعَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ " الْمُنْتَهَى ". وَ (لَا) يَبْنِي عَلَى الْحَوْلِ (إنْ اشْتَرَى عَرْضًا) غَيْرَ سَائِمَةٍ (بِ) نِصَابِ (سَائِمَةٍ أَوْ بَاعَهَا) ، أَيْ: السَّائِمَةَ (بِهِ) ، أَيْ: بِعَرْضٍ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي النِّصَابِ وَالْوَاجِبِ (وَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ) نِصَابُ السَّائِمَةِ (بِعَيْبٍ) فَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ لِلسَّوْمِ (أَوْ مَلَكَ) نِصَابَ (سَائِمَةٍ لِتِجَارَةٍ نِصْفَ حَوْلٍ) ، أَيْ: النِّصَابَ (ثُمَّ قَطَعَ نِيَّةَ تِجَارَةٍ فَيَسْتَأْنِفُهُ) ، أَيْ: الْحَوْلَ (لِسَوْمٍ) لِأَنَّ حَوْلَ التِّجَارَةِ انْقَطَعَ بِنِيَّةِ الِاقْتِنَاءِ، وَحَوْلُ السَّوْمِ لَا يُبْنَى عَلَيْهِ . (وَمَنْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِتِجَارَةٍ) فَعَلَيْهِ زَكَاةُ تِجَارَةٍ فَقَطْ (وَلَوْ سَبَقَ حَوْلُ سَوْمٍ بُلُوغَ قِيمَةِ تِجَارَةٍ) كَمَا لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً قِيمَتُهَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، ثُمَّ صَارَتْ قِيمَتُهَا فِي نِصْفِ الْحَوْلِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَيُزَكِّيهَا زَكَاةَ تِجَارَةٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا، لِأَنَّ وَصْفَهَا يُزِيلُ سَبَبَ زَكَاةِ السَّوْمِ، وَهُوَ الِاقْتِنَاءُ لِطَلَبِ النَّمَاءِ فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابَ التِّجَارَةِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ السَّوْمِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِلَا خِلَافٍ لِوُجُودِ سَبَبِ الزَّكَاةِ فِيهِ بِلَا مُعَارِضٍ. فَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً لِلتِّجَارَةِ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابَ نَقْدٍ، زَكَّاهَا لِلسَّوْمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ (أَوْ) مَلَكَ (أَرْضًا) لِتِجَارَةٍ (فَزُرِعَتْ بِبَذْرِ تِجَارَةٍ) فَعَلَيْهِ زَكَاةُ تِجَارَةٍ فَقَطْ (أَوْ) مَلَكَ (نَخْلًا) لِلتِّجَارَةِ (فَأَثْمَرَ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ تِجَارَةٍ) وَلَوْ سَبَقَ وَقْتُ الْوُجُوبِ حَوْلَ التِّجَارَةِ (فَقَطْ) لِأَنَّ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَةَ جُزْءُ مَا خَرَجَا مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَوَّمَا مَعَ الْأَصْلِ كَالسِّخَالِ وَالرِّبْحِ الْمُتَجَدِّدِ (إلَّا أَنْ لَا تَبْلُغَ قِيمَةُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ سَائِمَةٍ وَأَرْضٍ مَعَ زَرْعٍ وَنَخْلٍ مَعَ ثَمَرٍ (نِصَابًا) بِأَنْ نَقَصَتْ عَنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا، وَعَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةً (فَيُزَكِّي) ذَلِكَ (لِغَيْرِ تِجَارَةٍ) فَيُخْرِجُ مِنْ السَّائِمَةِ زَكَاتَهَا، وَمِنْ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ مَا وَجَبَ فِيهِ، لِئَلَّا تَسْقُطَ الزَّكَاةُ بِالْكُلِّيَّةِ. (فَلَوْ زَرَعَ بَذْرَ قِنْيَةٍ بِأَرْضِ تِجَارَةٍ أَوْ عَكْسَهُ) بِأَنْ زَرَعَ بَذْرَ التِّجَارَةِ فِي أَرْضِ الْقِنْيَةِ (فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ) فَوَاجِبُ الزَّرْعِ فِي الْأُولَى الْعُشْرُ لِأَنَّهُ لِلْقِنْيَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَوَاجِبُ الْأَرْضِ زَكَاةُ الْقِيمَةِ، لِأَنَّهَا مَالُ تِجَارَةٍ. وَمُقْتَضَى " الْمُنْتَهَى " أَنَّ الْكُلَّ يُزَكَّى زَكَاةَ قِيمَةٍ، لِأَنَّ الزَّرْعَ فِي الثَّانِيَةِ زَكَاةُ قِيمَةٍ، لِأَنَّهُ مَالُ تِجَارَةٍ، وَلَا شَيْءَ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهَا لِلْقِنْيَةِ. [فَرْعٌ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ شِرَاءِ عَقَارٍ فَارًّا مِنْ زَكَاةٍ] (فَرْعٌ: مَنْ أَكْثَرَ مِنْ شِرَاءِ عَقَارٍ فَارًّا مِنْ زَكَاةٍ زَكَّى قِيمَتَهُ) قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْفَائِقِ " قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ، مُعَامَلَةً لَهُ بِضِدِّ مَقْصُودِهِ، كَالْفَارِّ مِنْ الزَّكَاةِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ) أَوْ صَرِيحُهُ (لَا) زَكَاةَ فِيهِ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَيَتَّجِهُ وَهُوَ) ، أَيْ: الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (أَصَحُّ) مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا (مَا لَمْ يَكُنْ) وُجُودُ الشِّرَاءِ (بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ الْحَوْلِ) بِأَنْ بَقِيَ مِنْهُ نَحْوُ يَوْمَيْنِ عَلَى مَا فِي الرِّعَايَةِ " فَفِيهِ الزَّكَاةُ لِاقْتِضَاءِ الْقَرِينَةِ الْفِرَارَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 [فَصْلٌ اشْتَرَى صَبَّاغٌ مَا يَصْبُغُ بِهِ لِلتَّكَسُّبِ] (فَصْلٌ) (وَإِنْ اشْتَرَى صَبَّاغٌ مَا يَصْبُغُ بِهِ) لِلتَّكَسُّبِ (وَيَبْقَى أَثَرُهُ كَزَعْفَرَانٍ وَنِيلٍ وَعُصْفُرٍ وَبَقَّمٍ وَفُوَّةٍ فَهُوَ عَرْضُ تِجَارَةٍ يُقَوَّمُ عِنْدَ) تَمَامِ (حَوْلِهِ لِاعْتِيَاضِهِ) ، أَيْ: الصَّبَّاغِ عَنْ صَبْغٍ (قَائِمٍ بِالثَّوْبِ فَفِيهِ مَعْنَى التِّجَارَةِ، وَكَذَا مَا يَشْتَرِيهِ دَبَّاغٌ لِدَبْغٍ كَعَفْصٍ وَقَرَظٍ وَ) مَا يُدْهَنُ بِهِ كَ (مِلْحٍ وَسَمْنٍ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ، وَفِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ ": لَا زَكَاةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ، ذَكَرَهُ عَنْهُمَا فِي " الْفُرُوعِ ". و (لَا) زَكَاةَ فِي (مَا يَشْتَرِيهِ قَصَّارٌ مِنْ نَحْوِ قَلْيٍ وَصَابُونٍ وَنَوْرَةٍ وَنَطَرُونِ) وَأُشْنَانٍ، لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ، وَلَا يُعْتَاضُ عَنْ شَيْءٍ يُقَوَّمُ بِالثَّوْبِ، وَإِنَّمَا يُعْتَاضُ عَنْ عَمَلِهِ (وَ) أَمَّا (آنِيَةُ عَرْضِ) الـ (تِجَارَةِ) كَغَرَائِرَ وَأَكْيَاسٍ (وَآلَةِ دَابَّتِهَا) ، أَيْ: التِّجَارَةِ، كَسَرْجٍ وَلِجَامٍ وَبَرْذَعَةٍ وَمَعْقُودٍ، فَ (إنْ أُرِيدَ بَيْعَهُمَا) ، أَيْ: الْآنِيَةِ وَالْآلَةِ مَعَ الْعَرْضِ وَالدَّابَّةِ، (فَ) هُمَا (مَالُ تِجَارَةٍ) يُقَوَّمَانِ مَعَهُمَا (وَإِلَّا) يُرَدُّ بَيْعُهُمَا، (فَلَا) يُقَوَّمَانِ كَسَائِرِ عُرُوضِ الْقِنْيَةِ. (وَمَنْ اشْتَرَى شِقْصًا) مَشْفُوعًا (لِتِجَارَةٍ بِأَلْفٍ فَصَارَ عِنْدَ الْحَوْلِ بِأَلْفَيْنِ زَكَّاهُمَا) ، أَيْ: الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا قِيمَتُهُ (وَأَخَذَهُ شَفِيعٌ) بِالشُّفْعَةِ (بِأَلْفٍ) لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ (وَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ بِعَكْسِهَا) فَإِذَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ فَصَارَ عِنْدَ الْحَوْلِ بِأَلْفٍ، زَكَّى أَلْفًا، وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ إنْ شَاءَ بِأَلْفَيْنِ. وَكَذَا لَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ. (وَإِذَا أَذِنَ كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ شَرِيكَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا لِصَاحِبِهِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ) ، أَيْ: الْإِذْنِ (خَمَّسَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (نَصِيبَ صَاحِبِهِ) مِنْ الْمُخْرَجِ (إنْ أَخْرَجَا) الزَّكَاةَ عَنْهُمَا (مَعًا) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، لِانْعِزَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ عَنْ الْوَكَالَةِ بِإِخْرَاجِ الْمُوَكِّلِ زَكَاتَهُ عَنْ نَفْسِهِ لِسُقُوطِهَا عَنْهَا، وَالْعَزْلُ حُكْمًا الْعِلْمُ وَعَدَمُهُ فِيهِ سَوَاءٌ، فَيَقَعُ الْمَدْفُوعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 تَطَوُّعًا، وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى نَحْوِ فَقِيرٍ، لِتَحَقُّقِ التَّفْوِيتِ بِفِعْلِ الْمُخْرِجِ (أَوْ جَهِلَ سَابِقٌ) مِنْهُمَا إخْرَاجًا وَنَسِيَ، فَيَضْمَنُ كُلَّ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي إخْرَاجِ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ وَقَعَ الْمَوْقِعَ، بِخِلَافِ الْمُخْرِجِ عَنْ غَيْرِهِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ سَابِقٌ (ضَمِنَ الثَّانِي) مَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْأَوَّلِ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الثَّانِي إخْرَاجَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ انْعَزَلَ حُكْمًا، كَمَا لَوْ مَاتَ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُوَكِّلٍ " إنَّهُ أَخْرَجَ قَبْلَ دَفْعِ وَكِيلِهِ لِسَاعٍ "، وَقَوْلُ دَافِعٍ إلَيْهِ " إنَّهُ كَانَ أَخْرَجَهَا، وَتُؤْخَذُ مِنْ سَاعٍ إنْ كَانَتْ بِيَدِهِ، وَإِلَّا فَلَا (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُوَكِّلٍ: إنَّهُ أَخْرَجَ) زَكَاتَهُ (قَبْلَ) دَفْعِ (وَكِيلِهِ) إلَى السَّاعِي لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ (وَلَا يَضْمَنُ) وَكِيلٌ (إنْ أَدَّى دَيْنًا) عَنْ مُوَكِّلِهِ (بَعْدَ أَدَاءِ مُوَكِّلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ) الْوَكِيلُ بِأَدَاءِ مُوَكِّلِهِ، لِأَنَّ مُوَكِّلَهُ غَرَّهُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَا التَّفْوِيتُ (لِرُجُوعِ مُوَكِّلٍ عَلَى قَابِضٍ) بِمَا قَبَضَ مِنْ وَكِيلِهِ (كَوَكِيلٍ) بِإِخْرَاجِ (زَكَاةٍ دَفَعَهَا لَسَاعٍ) وَلَمْ يَعْلَمْ مُوَكَّلٌ (لِرُجُوعِ مُوَكِّلٍ بِهَا) عَلَى السَّاعِي (مَا دَامَتْ بِيَدِهِ) لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَكَاةٍ، فَإِنْ تَلِفَتْ بِيَدِ السَّاعِي، أَوْ كَانَ السَّاعِي دَفَعَهَا لِلْفَقِيرِ، أَوْ كَانَ الْوَكِيلُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَرَبُّ الْمَالِ فِي الثَّانِيَةِ دَفَعَا لِلْفَقِيرِ، فَلَا رُجُوعَ، لِأَنَّهَا انْقَلَبَتْ تَطَوُّعًا، كَمَنْ دَفَعَ زَكَاةً يَعْتَقِدُهَا عَلَيْهِ فَلَمْ تَكُنْ (وَكَمَنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الصَّدَقَةِ تَطَوُّعًا قَبْلَ إخْرَاجِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ كَالتَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ أَدَاءِ فَرْضِهَا، وَتُقَدَّمَ عَلَى نَذْرٍ، فَإِنْ قَدَّمَهُ لَمْ يَصِرْ زَكَاةً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 [بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] (بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ) هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ قَوْلِكَ: أَفْطَرَ الصَّائِمُ إفْطَارًا. وَأُضِيفَتْ إلَى الْفِطْرِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي وُجُوبِهَا، فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ. وَقِيلَ لَهَا: فِطْرَةٌ، لِأَنَّ الْفِطْرَةَ الْخِلْقَةُ. قَالَ تَعَالَى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] ، وَهَذِهِ يُرَادُ بِهَا الصَّدَقَةُ عَنْ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ، وَهِيَ بِضَمِّ الْفَاء: كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ الْعَامَّةُ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، لِاسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ لَهَا، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". وَهِيَ (صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ بِالْفِطْرِ مِنْ) آخِرِ (رَمَضَانَ) قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَوْله تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] هُوَ زَكَاةُ الْفِطْرِ (وَلَا تَسْقُطُ) الْفِطْرَةُ (بَعْدَ وُجُوبِهَا) وَهُوَ غُرُوبُ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ (بِمَوْتٍ وَلَا غَيْرِهِ) كَعِتْقِ عَبْدٍ أَوْ بَيْعِهِ، وَإِبَانَةِ زَوْجَةٍ لِاسْتِقْرَارِهَا. (وَلَا تَجِبُ) الْفِطْرَةُ (إنْ وُجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ) شَمْسِ (لَيْلَةِ الْعِيدِ مَوْتٌ أَوْ رِدَّةٌ أَوْ بَانَتْ زَوْجَةٌ أَوْ عَتَقَ أَوْ بِيعَ عَبْدٌ أَوْ أَيْسَرَ قَرِيبٌ مُعْسِرٌ) بِسَبَبٍ، أَوْ انْتِقَالِ مِلْكٍ، فَلَا فِطْرَةَ فِي الْكُلِّ لِزَوَالِ السَّبَبِ قَبْلَ زَمَنِ الْوُجُوبِ (وَلَا) تَجِبُ الْفِطْرَةُ (إنْ أَسْلَمَ) كَافِرٌ أَوْ زَوْجَةٌ أَوْ قَرِيبٌ بَعْدَ غُرُوبِ لَيْلَةِ الْعِيدِ (أَوْ مَلَكَ قِنًّا أَوْ) تَزَوَّجَ (زَوْجَةً أَوْ وُلِدَ لَهُ) مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ نَحْوِ وَلَدٍ أَوْ أَخٍ (بَعْدَهُ) ، أَيْ: بَعْدَ غُرُوبِ لَيْلَةِ الْعِيدِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 (وَهِيَ) ، أَيْ: زَكَاةُ الْفِطْرِ: (طُهْرَةٌ لِصَائِمٍ مِنْ لَغْوٍ وَرَفَثٍ وَتُسَمَّى فَرْضًا) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ. وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَدَعْوَى أَنَّ فَرَضَ بِمَعْنَى قَدَّرَ، مَرْدُودَةٌ بِأَنَّ كَلَامَ الرَّاوِي لَا يُحْمَلُ إلَّا عَلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ. بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِهَا فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (وَمَصْرِفُهَا) ، أَيْ: زَكَاةِ الْفِطْرِ (كَزَكَاةِ الْمَالِ) ، لِعُمُومِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةُ (وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا) ، أَيْ: زَكَاةِ الْفِطْرِ (دَيْنٌ) لِتَأَكُّدِهَا، بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَلَى الْفَقِيرِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَتَحَمَّلَهَا عَمَّنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْبَدَنِ، وَالدَّيْنُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمَالِ (إلَّا مَعَ طَلَبٍ) بِالدَّيْنِ فَتَسْقُطُ لِوُجُوبِ أَدَائِهِ بِالطَّلَبِ، وَتَأَكُّدِهِ بِكَوْنِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، وَبِكَوْنِهِ أَسْبَقُ سَبَبًا. (وَتَجِبُ) الْفِطْرَةُ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ (فَلَا تَلْزَمُ) الْفِطْرَةُ (كَافِرًا مَانَ مُسْلِمًا تَلْزَمُهُ) ، أَيْ: ذَلِكَ الْمُسْلِمَ (مُؤْنَةُ نَفْسِهِ) بِخِلَافِ مَنْ لَا يُمَوِّنُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 نَفْسَهُ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، كَعَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ، هَلَّ عَلَيْهِ شَوَّالٌ، فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُهَا عَلَى الْكَافِرِ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَلَوْ) كَانَ (مُكَاتَبًا) فَتَلْزَمُهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ كَمُؤْنَتِهَا (أَوْ صَغِيرًا) لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ نَفْسِهِ لِغِنَاهُ بِمَالٍ أَوْ كَسْبٍ (فَيُخْرِجُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَلِيُّهُ) لِمَفْهُومِ حَدِيثِ «أَدُّوا الْفِطْرَ عَمَّنْ تَمُونُونَ» فَإِنَّهُ خَاطَبَ بِالْوُجُوبِ غَيْرَهُ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لَخُوطِبَ بِهَا (بِفَاضِلٍ عَنْ قُوتِهِ) ، أَيْ: الْمُسْلِمِ الَّذِي يُمَوِّنُ نَفْسَهُ (وَ) عَنْ (مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ وَلَوْ) كَانَ الْفَاضِلُ (دُونَ صَاعٍ وَيُكْمِلُهُ) ، أَيْ: الصَّاعَ (مَنْ تَلْزَمُهُ) فِطْرَةُ مَنْ فَضَلَ عَنْهُ بَعْضُ صَاعٍ (لَوْ عَدِمَ) وَلَمْ يَفْضُلْ عِنْدَهُ شَيْءٌ (بَعْدَ حَاجَتِهِمَا) ، أَيْ: الْمُخْرِجِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ (لِمَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَدَابَّةٍ وَثِيَابٍ بِذْلَةٍ) بِالْكَسْرِ، وَالْفَتْحُ لُغَةٌ، أَيْ: مِهْنَةٍ فِي الْخِدْمَةِ (وَلِحَافٍ وَفِرَاشٍ وَمِخَدَّةٍ، وَكُتُبِ عِلْمٍ يَحْتَاجُهَا لِنَظَرٍ وَحِفْظٍ وَدَارٍ يَحْتَاجُ أُجْرَتَهَا لِنَفَقَةٍ، وَسَائِمَةٍ يَحْتَاجُ لِنَمَائِهَا، وَبِضَاعَةٍ يَحْتَاجُ لِرِبْحِهَا، وَحُلِيِّ امْرَأَةٍ لِلُبْسِهَا أَوْ كِرَاءٍ تَحْتَاجُ إلَيْهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الْفِطْرَةِ. (وَتَلْزَمُهُ) ، أَيْ: الْمُسْلِمَ إذَا فَضَلَ عِنْدَهُ عَمَّا تَقَدَّمَ وَعَنْ فِطْرَتِهِ (عَمَّنْ يُمَوِّنُهُ مِنْ مُسْلِمٍ) كَزَوْجَةٍ وَوَلَدٍ (حَتَّى زَوْجَةِ عَبْدِهِ الْحُرَّةَ وَقِنِّ تِجَارَةٍ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ، وَكَذَا زَوْجَةُ وَالِدٍ وَوَلَدٍ تَجِبُ نَفَقَتُهُمَا عَلَيْهِ. (وَ) حَتَّى (مَالِكِ نَفْعِ قِنٍّ فَقَطْ) بِأَنْ وَصَّى لَهُ بِنَفْعِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ، فَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَفِطْرَتِهِ (وَ) حَتَّى قِنٍّ (مَرْهُونٍ) وَكَذَا مَبِيعٌ فِي مُدَّةِ خِيَارٍ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ حَكَمَ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِرَاهِنٍ) شَيْءٌ (غَيْرُهُ) ، أَيْ: غَيْرُ الْقِنِّ الْمَرْهُونِ، (بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ فِطْرَتِهِ) كَأَرْشِ جِنَايَةٍ. (وَ) حَتَّى (مَرِيضٍ لَا يَحْتَاجُ نَفَقَةً) لِعُمُومِ حَدِيث ابْنِ عُمَرَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ عَمَّنْ تَمُونُونَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَعَبْدُ الْمُضَارَبَةِ فِطْرَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَنَفَقَتِهِ (وَ) حَتَّى (عَمَّنْ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَتِهِ رَمَضَانَ كُلَّهُ) نَصًّا، لِعُمُومِ حَدِيثِ «أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ تَمُونُونَ» وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَلِيٍّ " زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُكَ " وَإِنْ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَتِهِ بَعْضَ الشَّهْرِ أَوْ جَمَاعَةٌ فَلَا (وَ) حَتَّى (آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ وَمَأْسُورٍ وَغَائِبٍ) وَمَحْبُوسٍ (وَلَوْ أَيْسَرَ مِنْهُمْ) لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُمْ، وَكَنَفَقَتِهِمْ، بِدَلِيلِ رُجُوعِ مَنْ رَدَّ الْآبِقَ بِنَفَقَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَلَا يَلْزَمُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ. زَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ يَعْلَمَ مَكَانَ الْآبِقِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " (لَكِنْ لَا تَجِبُ) فِطْرَةُ الْآبِقِ (مَعَ شَكِّ) سَيِّدِهِ (فِي حَيَاتِهِ) نَصًّا، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَقَاءَ مِلْكِهِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ، وَكَالنَّفَقَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ (فَإِنْ تَبَيَّنَتْ) حَيَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ (أَخْرَجَ لِمَا مَضَى) لِأَنَّهُ بَانَ لَهُ وُجُودٌ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي الْمَاضِي، فَوَجَبَ الْإِخْرَاجُ، كَمَالِ غَائِبٍ بَانَتْ سَلَامَتُهُ. (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ) مَا يَكْفِي (لِجَمِيعِهِمْ، بَدَأَ بِنَفْسِهِ) لِحَدِيثِ «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَكَالنَّفَقَةِ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ تُبْنَى عَلَيْهَا (فَزَوْجَتُهُ) إنْ فَضَلَ عَنْ فِطْرَةِ نَفْسِهِ شَيْءٌ، لِتَقَدُّمِ نَفَقَتِهَا عَلَى سَائِرِ النَّفَقَاتِ، وَلِوُجُوبِهَا مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، لِأَنَّهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ (فَرَقِيقُهُ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ مَعَ الْإِعْسَارِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهَا صِلَةٌ (فَأُمُّهُ) لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ فِي الْبِرِّ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوكَ» وَلِضَعْفِهَا عَنْ الْكَسْبِ (فَأَبِيهِ) لِحَدِيثِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ، (فَوَلَدُهُ) لِقُرْبِهِ (فَأَقْرَبُ فِي مِيرَاثٍ) لِأَوْلَوِيَّتِهِ، فَقُدِّمَ كَمِيرَاثٍ (وَيُقْرَعُ مَعَ تَسَاوٍ) كَأَوْلَادٍ وَإِخْوَةٍ وَأَعْمَامٍ، وَلَمْ يَفْضُلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 مَا يَكْفِيهِمْ، لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ (وَتُسَنُّ) الْفِطْرَةُ (عَنْ جَنِينٍ) لِفِعْلِ عُثْمَانَ. " وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُعْطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، حَتَّى عَنْ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ " رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي. وَلَا تَجِبُ عَنْهُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، إجْمَاعُ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يُسَنُّ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ (مِنْ مَالِهِ) ، أَيْ: الْجَنِينِ بَلْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ تَنْمِيَتُهُ لَهُ، وَالْإِخْرَاجُ مِنْهُ يُنَافِيهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَكَانَ عَطَاءٌ يُعْطِي عَنْ أَبَوَيْهِ) بَعْدَ مَوْتِهِمَا (صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَتَّى مَاتَ وَهُوَ تَبَرُّعٌ) مِنْهُ (اسْتَحْسَنَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (وَفِطْرَةُ مُبَعَّضٍ) ، وَلَوْ مُهَايَأَةً تُقَسَّطُ (وَ) فِطْرَةُ (قِنٍّ مُشْتَرَكٍ) بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ تُقَسَّطُ (وَ) فِطْرَةُ (مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ وَارِثٍ) كَجَدٍّ وَأَخٍ لِغَيْرِ أُمٍّ وَكَجَدَّةٍ وَبِنْتٍ تُقَسَّطُ (أَوْ مُلْحَقٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ) بِأَنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِأَبَوَيْنِ فَأَكْثَرَ (تُقَسَّطُ) فِطْرَتُهُ (بِحَسَبِ مِلْكٍ) فِي الْأُولَيَيْنِ (أَوْ إرْثٍ) فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ تُقْسَمُ بِحَسَبِ الْمُلَّاكِ وَالْوَرَثَةِ، وَالْفِطْرَةُ تَابِعَةٌ لَهَا، وَلِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ، فَكَانَتْ عَلَى السَّادَةِ وَالْوَارِثِ بِالْحِصَصِ، كَمَاءِ غُسْلِ جَنَابَةٍ. وَلَا تَدْخُلُ فِطْرَةٌ فِي مُهَايَأَةٍ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ كَالصَّلَاةِ (وَمَنْ عَجَزَ مِنْهُمْ) ، أَيْ: الْمُلَّاكِ وَالْوَارِثِ (لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ) الَّذِي لَمْ يَعْجَزْ (سِوَى قِسْطِهِ) مِنْ فِطْرَةٍ (كَشَرِيكٍ ذِمِّيٍّ) فِي مَالٍ زَكَوِيٍّ (وَلَا تَجِبُ) فِطْرَةٌ (عَمَّنْ نَفَقَتُهُ بِبَيْتِ مَالٍ كَلَقِيطٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِنْفَاقِ، بَلْ إيصَالُ مَالٍ فِي حَقِّهِ (أَوْ) قِنٍّ (لَا مَالِكَ لَهُ مُعَيَّنٌ كَعَبْدِ غَنِيمَةٍ وَفَيْءٍ) قَبْلَ قِسْمَتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا) فِطْرَةُ أَجِيرٍ وَظِئْرٍ (عَلَى مُسْتَأْجِرٍ أَجِيرًا وَ) مُسْتَأْجِرِ (ظِئْرٍ بِطَعَامِهِمَا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا أُجْرَةٌ تَعْتَمِدُ الشَّرْطَ فِي الْعَقْدِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِدَرَاهِمَ، وَلِهَذَا تَخْتَصُّ بِزَمَنٍ مُقَدَّرٍ كَسَائِرِ الْأُجَرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 (وَلَا) فِطْرَةَ (عَنْ زَوْجَةٍ نَاشِزٍ، وَإِنْ) كَانَتْ (حَامِلًا) ، لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَنَفَقَةُ الْحَامِلِ لِلْحَمْلِ، وَلَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ، (أَوْ) زَوْجَةٍ (لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا لِنَحْوِ صِغَرٍ) لَهُمَا عَنْ تِسْعِ سِنِينَ (وَحَبْسِ) هَا وَغِيبَتهَا لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا وَلَوْ بِإِذْنِهِ، لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ، (أَوْ) زَوْجَةٍ (أَمَةٍ تَسَلَّمَهَا) زَوْجُهَا (لَيْلًا فَقَطْ) دُونَ نَهَارٍ، لِأَنَّهَا زَمَنُ وُجُوبٍ فِي نَوْبَةِ سَيِّدٍ، (وَهِيَ) ، أَيْ: نَفَقَةُ أَمَةٍ تَسَلَّمَهَا زَوْجُهَا لَيْلًا فَقَطْ، (عَلَى سَيِّدِهَا، كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنْهَا) ، أَيْ: عَنْ الْفِطْرَةِ (مَنْ لَزِمَتْهُ) وَهُوَ زَوْجُ الْأَمَةِ (بِتَسَلُّمِهَا نَهَارًا) وَلَيْلًا مَعًا، لِأَنَّهُ إذَنْ كَالْمَعْدُومِ، (أَوْ عَجَزَ عَنْهَا) ، أَيْ: الْفِطْرَةِ (زَوْجُ حُرَّةٍ، فَتُخْرِجُ) الْفِطْرَةَ (هِيَ) ، أَيْ: الزَّوْجَةُ الْحُرَّةَ عَنْ نَفْسِهَا. (وَلَا يَرْجِعَانِ) ، أَيْ: الزَّوْجَةُ وَالسَّيِّدُ (بِهَا) ، أَيْ: الْفِطْرَةُ (عَلَى زَوْجٍ أَيْسَرَ) ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قَبْلُ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلتَّحَمُّلِ وَالْمُوَاسَاةِ. (وَلِمَنْ لَزِمَتْ غَيْرَهُ فِطْرَتُهُ) كَزَوْجَةٍ وَوَلَدٍ مُعْسِرٍ (طَلَبُهُ بِإِخْرَاجِهَا) ، أَيْ: الْفِطْرَةِ عَنْهُ كَالنَّفَقَةِ، لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا، (وَ) لَهُ (أَنْ يُخْرِجَهَا) ، أَيْ: الْفِطْرَةَ (حُرٌّ) مُكَلَّفٌ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ (عَنْ نَفْسِهِ) مِمَّا اقْتَرَضَهُ أَوْ اتَّهَبَهُ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا (مِنْ مَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ) فِطْرَتُهُ بِدُونِ إذْنِهِ إلَّا أَنْ يُطَالَبَ، وَيَمْتَنِعَ مِنْ إخْرَاجِهَا عَنْهُ، فَلَهُ الْأَخْذُ حِينَئِذٍ مِنْ مَالِهِ وَالْإِخْرَاجُ، لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 (وَتُجْزِئُ) عَنْهُ وَلَوْ أَخْرَجَهَا (بِلَا إذْنِهِ) ، أَيْ: إذْنِ مَنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ، لِأَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ، وَالْمُخَاطَبُ بِهَا ابْتِدَاءً الْمُخْرِجُ. (وَمَنْ أَخْرَجَ) فِطْرَةً (عَمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ بِإِذْنِهِ، أَجْزَأَ) ، لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ، (وَإِلَّا) يُخْرِجْهَا بِإِذْنِهِ، (فَلَا) يُجْزِئُهُ إخْرَاجُهَا، (وَيُخْرِجُهَا) ، أَيْ: الْفِطْرَةَ (عَمَّنْ تَلْزَمُهُ) فِطْرَتُهُ (مَعَ فِطْرَتِهِ) ، أَيْ: فِطْرَةِ نَفْسِهِ (مَكَانَ نَفْسِهِ) ، أَيْ: فَلَا يُخْرِجُهَا بِمَكَانِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ، بَلْ يُخْرِجُهَا بِالْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ، لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلْمُخْرَجِ عَنْهُ، بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ. [فَرْعٌ الْأَفْضَلُ إخْرَاجُ فِطْرَةِ يَوْمِ عِيدٍ قَبْلَ صَلَاتِهِ] (فَرْعٌ: الْأَفْضَلُ إخْرَاجُ فِطْرَةِ يَوْمِ عِيدٍ قَبْلَ صَلَاتِهِ) ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» (أَوْ) مَضَى (قَدْرُهَا) ، أَيْ: صَلَاةِ الْعِيدِ حَيْثُ لَا تُصَلَّى، (وَيَأْثَمُ مُؤَخِّرُهَا عَنْهُ) ، أَيْ: عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ لِجَوَازِهَا فِيهِ كُلِّهِ، لِحَدِيثِ «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ» وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِهِ. «وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقْسِمُهَا مَا بَيْنَ مُسْتَحَقِّيهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ» . فَدَلَّ عَلَى الْأَمْرِ بِتَقْدِيمِهَا عَلَى الصَّلَاةِ لِلِاسْتِحْبَابِ. (فَتَجِبُ) ، أَيْ: يَجِبُ إخْرَاجُهَا (مَعَ ضِيقِهِ) ، أَيْ: وَقْتِهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ، لِخُرُوجِ وَقْتِهَا بِغُرُوبِ شَمْسِهِ. (وَتُقْضَى) إنْ أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، فَلَمْ تَسْقُطْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَالصَّلَاةِ، وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا لِمُخَالَفَتِهِ الْأَمْرَ. (وَتُكْرَهُ بِبَاقِيهِ) ، أَيْ: يَوْمِ الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِهَا، وَ (لَا) تُكْرَهُ (بِيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ) ، أَيْ: يَوْمِ الْعِيدِ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: " كَانُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ تَعْجِيلَهَا كَذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِهَا إذْ الظَّاهِرُ بَقَاؤُهَا أَوْ بَعْضِهَا إلَى يَوْمِ الْعِيدِ. (وَلَا تُجْزِئُ) فِطْرَةٌ أَخْرَجَهَا (قَبْلَهُمَا) ، أَيْ: الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيهِمَا الْعِيدُ، لِحَدِيثِ «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» وَمَتَى قَدَّمَهَا بِزَمَنٍ كَثِيرٍ فَاتَ الْإِغْنَاءُ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَقْصُودٌ، وَفِي يَوْمِ عِيدٍ، فَاخْتَصَّ بِهِ وَبِمَا قَارَبَهُ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ عَنْ رَمَضَانَ، فَلَمْ يُجْزِئْ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ بِالزَّمَنِ الْكَثِيرِ. [فَصْلٌ الْوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ صَاعُ بُرٍّ] (فَصْلٌ) (وَالْوَاجِبُ فِيهَا) ، أَيْ: الْفِطْرَةِ: (صَاعُ بُرٍّ) ، لِأَنَّهُ الَّذِي أُخْرِجَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِكْمَتُهُ: كِفَايَةُ الصَّاعِ لِلْفَقِيرِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ، (وَ) إنْ أَخْرَجَ (فَوْقَهُ) ، أَيْ: الصَّاعِ، فَهُوَ (أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ زَادَ الْفَقِيرَ خَيْرًا، وَاسْتَبْعَدَ أَحْمَدُ مَا نُقِلَ لَهُ عَنْ مَالِكٍ: لَا يَزِيدُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ خَمْسًا، (وَهُوَ مُخْتَلِفٌ وَزْنًا بِاخْتِلَافِ حَبِّهِ ثِقَلًا وَخِفَّةً) كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، (فَالْعِبْرَةُ بِمِثْلِ مَكِيلِهِ) ، أَيْ: الْبُرِّ (مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ أَقِطٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ) صَاعَ (مَجْمُوعٍ مِنْ ذَلِكَ) ، أَيْ: مِنْ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى إجْزَاءِ صَاعٍ مِنْ أَجْنَاسٍ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَجُوزُ مُنْفَرِدًا، فَجَازَ مَعَ غَيْرِهِ، لِتَقَارُبِ مَقْصُودِهَا وَاتِّحَادِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَكُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 مُخْرِجًا قُوتًا لَهُ) كَالْأَقِطِ، مَعَ وُجُودِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. (وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ هَذِهِ) الْأُصُولِ (الْخَمْسَةِ لِقَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهَا) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. (وَيُحْتَاطُ فِي ثَقِيلٍ) كَتَمْرٍ (مَنْ أَخْرَجَ وَزْنًا أَوْ جُزَافًا) فَيَزِيدُ شَيْئًا (لِيَبْلُغَ قَدْرَ صَاعٍ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ) خُرُوجًا مِنْ الْعُهْدَةِ. (وَقَدَّرَ جَمَاعَةٌ) مِنْ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمْ شَارِحُ " الْمُنْتَهَى " (الصَّاعَ بِأَرْبَعِ حَفَنَاتٍ) جَمْعُ: حَفْنَةٍ مِنْ الْحَفْنِ، وَهُوَ: أَخْذُ الشَّيْءِ بِالرَّاحَةِ وَالْأَصَابِعُ مَضْمُومَةٌ، أَوْ: الْجَرْفُ بِكِلْتَا الْيَدَيْنِ، (بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِ الْخِلْقَةِ) وَهُوَ قَدَحَانِ. (وَيُجْزِئُ دَقِيقُ بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَسَوِيقُهُمَا، وَهُوَ: مَا يُحَمَّصُ ثُمَّ يُطْحَنُ، بِوَزْنِ حَبِّهِ) نَصًّا، لِتَفَرُّقِ الْأَجْزَاءِ بِالطَّحْنِ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ عَلَى إجْزَاءِ الدَّقِيقِ بِزِيَادَةٍ تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ» قِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ: إنَّ أَحَدًا لَا يَذْكُرُهُ فِيهِ، قَالَ: بَلْ هُوَ فِيهِ، أَيْ: حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ الْمَجْدُ: بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ، لِأَنَّهُ كَفَى مُؤْنَتَهُ كَتَمْرٍ مَنْزُوعٍ نَوَاهُ. (وَلَوْ) كَانَ الدَّقِيقُ (بِلَا نَخْلٍ) ، لِأَنَّهُ بِوَزْنِ حَبِّهِ. (كَ) مَا يُجْزِئُ حَبٌّ (بِلَا تَنْقِيَةِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شَيْءٌ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يُحِبُّ أَنْ يُنَقِّيَ الطَّعَامَ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ لِيَكُونَ عَلَى الْكَمَالِ، وَيَسْلَمَ مِمَّا يُخَالِطُهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَ (لَا) يُجْزِئُ (خُبْزٌ) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْكَيْلِ وَالِادِّخَارِ، وَكَذَا بِكِصْمَاتٍ وَهَرِيسَةٌ. (وَ) لَا يُجْزِئُ (مَعِيبٌ) مِمَّا تَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] ، (كَمُسَوَّسٍ) ، لِأَنَّ السُّوسَ أَكَلَ جَوْفَهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 (وَمَبْلُولٍ) لِأَنَّ الْبَلَلَ يَنْفُخُهُ، (وَقَدِيمٍ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ) لِعَيْبِهِ بِتَغَيُّرِ طَعْمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ أَجْزَأَ لِعَدَمِ عَيْبِهِ. وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ. (وَنَحْوِهِ) ، أَيْ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَعِيبِ. (وَ) لَا يُجْزِئُ صِنْفٌ مِنْ الْخَمْسَةِ (مُخْتَلِطٌ) بِ (كَثِيرٍ مِمَّا لَا يُجْزِئُ) كَقَمْحٍ اخْتَلَطَ بِكَثِيرِ زُوَانٍ أَوْ عَدَسٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ قَدْرٌ مُجْزِئٌ مِنْهُ (وَيُزَادُ) عَلَى صَاعٍ (إنْ قَلَّ) خَلِيطٌ لَا يُجْزِئُ (بِقَدْرِهِ) ، أَيْ: الْخَلِيطِ، بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُصَفَّى صَاعًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا لِقِلَّةِ مَشَقَّةِ تَنْقِيَتِهِ. وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ قِيمَةِ الصَّاعِ نَصًّا. (وَيَتَّجِهُ: وَإِلَّا) يَكُنْ الْمُخْتَلَطُ قَلِيلًا (صَفَّاهُ) لِيَخْتَبِرَ خَالِصَهُ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ تَصْفِيَتِهِ (زَادَ بِقَدْرِهِ) ، أَيْ: الْمَعِيبِ الْمُخْتَلَطِ، لِيُخْرِجَ قَدْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ يَقِينًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُخْرِجُ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ) ، أَيْ: الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ (مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ حَبٍّ) يُقْتَاتُ، (وَ) مِنْ (ثَمَرٍ مَكِيلٍ يُقْتَاتُ كَذُرَةٍ وَدُخْنٍ وَرُزٍّ وَعَدَسٍ وَتِينٍ) يَابِسٍ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَكَانَ أَوْلَى. و (لَا) يُجْزِئُ إخْرَاجُ (مَا يُقْتَاتُ مِنْ نَحْوِ لَحْمٍ وَلَبَنٍ) وَكِشْكٍ وَبَقْلٍ وَشِبْهَهُ. (وَأَفْضَلُ مُخْرَجٍ تَمْرٌ) " لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ لَهُ أَبُو مِجْلَزٍ: " إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ، وَالْبُرُّ أَفْضَلُ، فَقَالَ: إنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُكَهُ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ، وَلِأَنَّهُ قُوَّةٌ وَحَلَاوَةٌ، وَأَقْرَبُ تَنَاوُلًا، وَأَقَلُّ كُلْفَةً، (فَزَبِيبٌ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّمْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ (فَبُرٌّ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ فِي الِاقْتِيَاتِ، وَأَبْلَغُ فِي دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ، (فَشَعِيرٌ فَدَقِيقُهُمَا) ، أَيْ: دَقِيقُ بُرٍّ، فَدَقِيقُ شَعِيرٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 (فَسَوِيقُهُمَا) كَذَلِكَ، (فَأَقِطٌ، وَهُوَ: شَيْءٌ يُعْمَلُ مِنْ الْمَخِيضِ) أَوْ مِنْ لَبَنِ إبِلٍ فَقَطْ. (وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْقُصَ مُعْطًى) مِنْ فِطْرَةٍ (عَنْ مُدِّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ) ، أَيْ: الْبُرِّ لِيُغْنِيَهُ عَنْ السُّؤَالِ ذَلِكَ الْيَوْمَ. (وَيَجُوزُ إعْطَاءُ) نَحْوِ فَقِيرٍ (وَاحِدٍ مَا عَلَى جَمَاعَةٍ) مِنْ فِطْرَةٍ، (وَ) يَجُوزُ (عَكْسُهُ) ، أَيْ: إعْطَاءُ جَمَاعَةٍ مَا عَلَى وَاحِدٍ. (وَلِإِمَامٍ وَنَائِبِهِ رَدُّ زَكَاةٍ وَ) رَدُّ (فِطْرَةٍ وَخُمْسِ رِكَازٍ إلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُ إنْ كَانَ أَهْلًا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ (وَلِفَقِيرٍ دَفْعُ فِطْرَةٍ وَزَكَاةٍ لِمَنْ دَفَعَهُمَا إلَيْهِ) فَيَرُدُّهُمَا بَعْدَ أَخْذِهِمَا إلَى مَنْ أَخَذَهُمَا مِنْهُ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ قَبْضَ الْإِمَامِ أَوْ الْفَقِيرِ أَزَالَ مِلْكَ الْمُخْرِجِ، وَعَادَتْ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ، فَإِنَّ تَرِكَتَهُ الزَّكَاةُ أَوْ الْفِطْرَةُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِلَا قَبْضٍ، وَلَمْ يَبْرَأْ (حَتَّى) وَلَوْ كَانَ دَفَعَهُمَا إلَيْهِ (عَنْ زَكَاتِهِ) . قَالَ (الْمُنَقِّحُ: مَا لَمْ تَكُنْ حِيلَةٌ) ، أَيْ: عَلَى عَدَمِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ، فَيَمْتَنِعُ كَسَائِرِ الْحِيَلِ عَلَى مُحَرَّمٍ [تَنْبِيهٌ لَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ وَزَكَاةٍ إخْرَاجُ قِيمَةٍ] (تَنْبِيهٌ: لَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ وَزَكَاةٍ إخْرَاجُ قِيمَةٍ وَلَوْ لِحَاجَةٍ وَمَصْلَحَةٍ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. (وَحَرُمَ، وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ زَكَاتِهِ أَوْ) شِرَاءُ (صَدَقَتِهِ) لِحَدِيثِ عُمَرَ قَالَ: «حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي عِنْدَهُ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعَهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ شِرَاءَهَا وَسِيلَةٌ إلَى اسْتِرْجَاعِ شَيْءٍ مِنْهَا، لِأَنَّهُ يَسْتَحْيِي أَنْ يُمَاكِسَهُ فِي ثَمَنِهَا، وَرُبَّمَا سَامَحَهُ طَمَعًا بِمِثْلِهَا، أَوْ خَوْفًا مِنْهُ إذَا لَمْ يَبِعْهَا مِنْهُ أَنْ لَا يُعْطِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَفَاسِدُ، فَوَجَبَ حَسْمُ الْمَادَّةِ، (وَلَوْ) كَانَ شِرَاؤُهُ لَهَا (مِنْ غَيْرِ مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 أَخَذَهَا مِنْهُ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. (فَإِنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ) زَكَاتُهُ أَوْ صَدَقَتُهُ (بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ) ، جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ، لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيُّ. (أَوْ أَخَذَهَا مِنْ دَيْنِهِ) بِلَا مُوَاطَأَةٍ، (جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ) ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ. [بَابُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ] (بَابُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حُكْمِ النَّقْلِ وَالتَّعْجِيلِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ (وَاجِبٌ فَوْرًا، فَيَضْمَنُ سَاعٍ وَوَكِيلٌ أَخَّرَا دَفْعَهَا لِفُقَرَاءَ) وَنَحْوِهِمْ (بِلَا عُذْرٍ) لِتَفْرِيطِهِمَا، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ وَمِنْهُ {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ، يَقْتَضِي الْفَوْرِيَّةَ، بِدَلِيلِ:. {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] فَوَبَّخَهُ إذْ لَمْ يَسْجُدْ حِينَ أُمِرَ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: «كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ أُجِبْهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] ،؟» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا أَمَرَ عَبْدَهُ بِشَيْءٍ فَأَهْمَلَهُ حَسُنَ لَوْمُهُ وَتَوْبِيخُهُ عُرْفًا، وَلَمْ يَكُنْ انْتِفَاءُ قَرِينَةِ الْفَوْرِ عُذْرًا. (كَ) مَا يَجِبُ إخْرَاجُ (نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ) عَلَى الْفَوْرِ (إنْ أَمْكَنَ) إخْرَاجُهَا، كَمَا لَوْ طُولِبَ بِهَا، وَلِأَنَّ النُّفُوسَ جُبِلَتْ عَلَى الشُّحِّ، وَحَاجَةُ الْفَقِيرِ نَاجِزَةٌ، فَإِذَا أُخِّرَ الْإِخْرَاجُ اخْتَلَّ الْمَقْصُودُ، وَرُبَّمَا فَاتَ بِطُرُوِّ نَحْوِ إفْلَاسٍ أَوْ مَوْتٍ، (وَلَمْ يَخَفْ) مُزَكٍّ (رُجُوعَ سَاعٍ) عَلَيْهِ بِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 إنْ أَخْرَجَهَا بِلَا عِلْمِهِ (أَوْ) لَمْ يَخَفْ بِدَفْعِهَا فَوْرًا ضَرَرًا (عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَنَحْوِهِ) كَمَعِيشَةٍ، لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ دَيْنِ الْآدَمِيِّ لِذَلِكَ، فَالزَّكَاةُ أَوْلَى. (وَلَهُ تَأْخِيرُهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (لِأَشَدِّ حَاجَةٍ) ، أَيْ: لِيَدْفَعَهَا لِمَنْ حَاجَتُهُ أَشَدُّ مِمَّنْ هُوَ حَاضِرٌ نَصًّا، وَقَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ، (وَ) لَهُ تَأْخِيرُهَا لِ (قَرِيبٍ وَلِحَاجَتِهِ) أَيْ: الْمَالِكِ إلَيْهَا (إلَى يَسَارِهِ) نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عُمَرَ " أَنَّهُمْ احْتَاجُوا عَامًا، فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ الصَّدَقَةَ فِيهِ، وَأَخَذَهَا مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى " (وَ) لَهُ تَأْخِيرُهَا (لِتَعَذُّرِ إخْرَاجِهَا مِنْ مَالٍ لِنَحْوِ غَيْبَتِهِ) كَغَصْبِهِ وَسَرِقَتِهِ وَكَوْنِهِ دَيْنًا (إلَى قُدْرَتِهِ) عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ، فَلَا يُكَلَّفُهَا مِنْ غَيْرِهِ. (وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ غَيْرِهِ) لَمْ يَلْزَمْهُ، لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ عَيْنِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِهِ رُخْصَةٌ، فَلَا تَنْقَلِبُ تَضْيِيقًا. (وَلِإِمَامٍ وَسَاعٍ تَأْخِيرُهَا عِنْدَ رَبِّهَا لِمَصْلَحَةٍ كَحِفْظٍ) نَصًّا، لِفِعْلِ عُمَرَ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعَبَّاسِ: «فَهِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَكَذَا أَوَّلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ. " (وَمَنْ بَذَلَ الْوَاجِبَ) عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ لِإِمَامٍ أَوْ سَاعٍ أَوْ فَقِيرٍ (لَزِمَ) مَدْفُوعًا إلَيْهِ (قَبُولُهُ) ، أَيْ: الْمَبْذُولِ، (وَلَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْبَاذِلِ، لِأَنَّهُ أَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَرْعًا. (وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، (لَا) إنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا، (حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ كَ) جَحْدِهِ وُجُوبَهَا عَنْ (مَالِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَ) عَنْ (رِكَازٍ وَ) عَنْ (عَرَضِ) تِجَارَةٍ، (وَ) عَنْ (فِطْرَةٍ) عَلَى أَهْلِ بَادِيَةٍ، فَلَا ارْتِدَادَ لِقُوَّةِ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا فِيمَا ذُكِرَ، (عَالِمًا) وُجُوبَهَا، (أَوْ جَاهِلًا) بِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِإِسْلَامٍ، أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 كَوْنِهِ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْقُرَى (وَعَرَفَ) جَاهِلٌ (فَعَلِمَ وَأَصَرَّ) عَلَى جُحُودِهِ عِنَادًا، (فَقَدْ ارْتَدَّ) لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، (وَلَوْ أَخْرَجَهَا) جَاحِدًا لِظُهُورِ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ، فَلَا عُذْرَ لَهُ، (وَتُؤْخَذُ) مِنْهُ (بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا) لِاسْتِحْقَاقِ أَهْلِ الزَّكَاةِ لَهَا (وَيُعَامَلُ كَمُرْتَدٍّ) ، أَيْ: فَيُسْتَتَابُ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ. (وَمَنْ مَنَعَهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةَ (بُخْلًا) بِهَا (أَوْ تَهَاوُنًا) بِلَا جَحْدٍ، (أُخِذَتْ) مِنْهُ قَهْرًا كَدَيْنِ آدَمِيٍّ، وَخَرَاجٍ (وَعَزَّرَ مَنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ) ، أَيْ: الْمَنْعِ بُخْلًا أَوْ تَهَاوُنًا (إمَامٌ) فَاعِلُ عَزَّرَ (عَادِلٌ) فِي الزَّكَاةِ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فِي غَيْرِهَا (أَوْ) عَزَّرَهُ (عَامِلٌ) عَدْلٌ لِمَنْعِهِ الزَّكَاةَ، (وَ) إنْ كَانَ الْإِمَامُ (غَيْرَ عَادِلٍ) لَا يَصْرِفُهَا فِي مَصْرِفِهَا، فَهُوَ عُذْرٌ فِي عَدَمِ دَفْعِهَا إلَيْهِ، فَ (لَا) يُعَزِّرُهُ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ (فَإِنْ غَيَّبَ مَالَهُ أَوْ كَتَمَهُ أَوْ قَاتَلَ دُونَهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ، أَيْ: قَاتَلَ جَابِيَهَا، (وَأَمْكَنَ أَخْذَهَا) مِنْهُ (بِقِتَالِهِ) ، أَيْ: قِتَالِ الْإِمَامِ إيَّاهُ، (وَجَبَ قِتَالُهُ عَلَى إمَامٍ وَضَعَهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةَ (مَوَاضِعَهَا) " لِاتِّفَاقِ الصِّدِّيقِ وَالصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا - وَفِي لَفْظٍ عِقَالًا - كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَأُخِذَتْ) الزَّكَاةُ (فَقَطْ) ، أَيْ: بِلَا زِيَادَةٍ عَلَيْهَا، لِحَدِيثِ الصِّدِّيقِ. وَمَنْ سَأَلَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلَا يُعْطَاهُ. وَكَانَ مَنْعُ الزَّكَاةِ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ مَعَ تَوَفُّرِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ أَخْذُ زِيَادَةٍ، وَلَا قَوْلٌ بِهِ. وَحَدِيثُ: «فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إبِلِهِ أَوْ مَالِهِ» كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، حَيْثُ كَانَتْ الْعُقُوبَاتُ بِالْمَالِ، ثُمَّ نُسِخَ فِي حَدِيثِ الصِّدِّيقِ. (وَلَا يُكَفَّرُ) مَانِعُ زَكَاةٍ غَيْرُ جَاحِدٍ إذَا قَاتَلَ عَلَيْهَا (بِقِتَالِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 لِلْإِمَامِ) ، لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ إلَّا الصَّلَاةَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَمَا وَرَدَ مِنْ التَّكْفِيرِ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى جَاحِدِ الْوُجُوبِ أَوْ التَّغْلِيظِ، (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (مِنْهُ) وَهُوَ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، (اُسْتُتِيبَ ثَلَاثًا) لِأَنَّهَا مِنْ مَبَانِي الْإِسْلَامِ، فَيُسْتَتَابُ تَارِكُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَالصَّلَاةِ، (فَإِنْ) تَابَ وَ (أَخْرَجَ) الزَّكَاةَ كُفَّ عَنْهُ، (وَإِلَّا قُتِلَ) ، لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ مَانِعِيهَا (حَدًّا) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ، (وَأُخِذَتْ) الزَّكَاةُ (مِنْ تَرِكَتِهِ) كَمَا لَوْ مَاتَ، وَالْقَتْلُ لَا يُسْقِطُ دَيْنَ الْآدَمِيِّ، فَكَذَا الزَّكَاةُ (وَمَنْ ادَّعَى أَدَاءَهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةَ وَقَدْ طُولِبَ بِهَا، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ، (أَوْ) ادَّعَى (بَقَاءَ حَوْلٍ، أَوْ) ادَّعَى (نَقْصَ نِصَابٍ، أَوْ) ادَّعَى (زَوَالَ مِلْكِهِ) عَنْ النِّصَابِ فِي الْحَوْلِ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (أَوْ) ادَّعَى (تَجَدُّدَهُ) ، أَيْ: مِلْكِ النِّصَابِ (قَرِيبًا، أَوْ) ادَّعَى (أَنْ مَا بِيَدِهِ) مِنْ مَالٍ زَكَوِيٍّ (لِغَيْرِهِ) ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (أَوْ) ادَّعَى (أَنَّهُ) ، أَيْ: مَالَ السَّائِمَةِ (مُفْرَدٌ أَوْ مُخْتَلِطٌ) ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ، (أَوْ) ادَّعَى (عَلَفَ سَائِمَةٍ) نِصْفَ الْحَوْلِ فَأَكْثَرَ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (أَوْ) ادَّعَى (بِلَا قِنْيَةِ عَرَضِ) تِجَارَةٍ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (أَوْ أَقَرَّ بِقَدْرِ زَكَاتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ مَالِهِ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ) ، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا (كَصَلَاةٍ وَكَفَّارَةٍ، بِخِلَافِ وَصِيَّتِهِ لِفُقَرَاءَ) بِمَالٍ، وَكَذَا إنْ مَرَّ بِعَاشِرٍ وَادَّعَى أَنَّهُ عَشَرَهُ عَاشِرٌ آخَرَ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَدِّقُ كَتَبَ لَهُ بَرَاءَةً، فَإِذَا جَاءَ آخَرُ أَخْرَجَ إلَيْهِ بَرَاءَتَهُ لِتَنْتِفِي التُّهْمَةُ عَنْهُ. (وَيَلْزَمُ) بِإِخْرَاجٍ (عَنْ) مَالِ (صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَلِيَّهُمَا) ، فَيُخْرِجُ (مِنْ مَالِهِمَا) لِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، فَوَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَدَاؤُهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 عَنْهُمَا (بِنِيَّةٍ مِنْهُ) ، أَيْ: الْوَلِيِّ (كَنَفَقَةِ قَرِيبٍ) لَهُمَا، (وَ) نَفَقَةِ (زَوْجَةٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ لَهُمَا) . (وَسُنَّ) لِمُخْرِجِ زَكَاةٍ (مُطْلَقًا) - سَوَاءٌ فَرَّقَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ، وَسَوَاءٌ الْمَالُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِطْرَةٌ أَوْ زَكَاةُ مَالٍ، وَسَوَاءٌ نَفَى التُّهْمَةَ عَنْهُ بِإِخْرَاجِهِ لَهَا أَوْ لَا - (إظْهَارُ زَكَاةٍ) ، لِتَنْتِفِي التُّهْمَةُ عَنْهُ وَيُقْتَدَى بِهِ. (وَ) سُنَّ (تَفْرِقَةُ رَبِّهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (بِنَفْسِهِ) لِتَيَقُّنِ وُصُولِهَا إلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَكَالدَّيْنِ (بِشَرْطِ أَمَانَتِهِ) ، أَيْ: رَبِّ الْمَالِ، (وَهُوَ) ، أَيْ: دَفْعُهَا مِنْ يَدِهِ (أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا لِإِمَامٍ عَادِلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] الْآيَةُ. وَكَالدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِنَفْسِهِ فَالْأَفْضَلُ دَفْعُهَا إلَى السَّاعِي. وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا مَنَعَهُ الشُّحُّ مِنْ إخْرَاجِهَا أَوْ بَعْضِهَا. (وَ) سُنَّ (قَوْلُهُ) ، أَيْ: رَبِّ الْمَالِ (عِنْدَ دَفْعِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا) ، أَيْ: مُثْمِرَةً، (وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا) ، أَيْ: مُنْقِصَةً، لِأَنَّ التَّثْمِيرَ كَالْغَنِيمَةِ، وَالتَّنْقِيصَ كَالْغَرَامَةِ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إذَا أَعْطَيْتُمْ الزَّكَاةَ فَلَا تَنْسَوْا ثَوَابَهَا أَنْ تَقُولُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ الْبَخْتَرِيُّ بْنُ عُبَيْدٍ ضَعِيفٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى تَوْفِيقِهِ لِأَدَائِهَا. (وَ) سُنَّ (قَوْلُ آخِذٍ) مِنْ مُسْتَحَقٍّ، (وَعَامِلٍ آكَدَ: آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ، وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا) . (وَلَا يُكْرَهُ دُعَاؤُهُ) ، أَيْ: الْآخِذِ (بِلَفْظِ صَلَاةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] ، أَيْ: اُدْعُ لَهُمْ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 إذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ. فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ سُعَاتَهُ. (وَلَهُ) ، أَيْ: رَبِّ الْمَالِ (دَفْعُهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (لِسَاعٍ وَإِمَامٍ وَلَوْ فَاسِقًا يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا) ، لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " أَتَيْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقُلْتُ: لِي مَالٌ، وَأُرِيدُ إخْرَاجَ زَكَاتِهِ، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ: ادْفَعْهَا إلَيْهِمْ، فَأَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ " رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ مُسْتَحِقِّهَا، فَجَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ. (وَإِلَّا) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا، (حَرُمَ) دَفْعُهَا إلَيْهِ (وَيَجِبُ كَتْمُهَا إذَنْ) ، قَالَهُ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " وَنَصَّ الْإِمَامُ عَلَى خِلَافِهِ. قَالَ فِي. " الشَّرْحِ ": لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ دَفْعَهَا لِلْإِمَامِ جَائِزٌ، سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ أَوْ الْبَاطِنَةُ، وَيَبْرَأُ بِدَفْعِهَا سَوَاءٌ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْإِمَامِ أَوْ لَا، أَوْ صَرَفَهَا فِي مَصَارِفِهَا أَوْ لَمْ يَصْرِفْهَا. انْتَهَى. وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُمْ يُقَلِّدُونَ بِهَا الْكِلَابَ، وَيَشْرَبُونَ بِهَا الْخُمُورَ. قَالَ: ادْفَعْهَا إلَيْهِمْ " حَكَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ. وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ: " ادْفَعُوهَا لِمَنْ غَلَبَ " وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: " ادْفَعُوهَا إلَى الْأُمَرَاءِ وَإِنْ كَرَعُوا بِهَا لُحُومَ الْكِلَابِ عَلَى مَوَائِدِهِمْ " رَوَاهُمَا عَنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: كَانُوا يَدْفَعُونَ الزَّكَاةَ إلَى الْأُمَرَاءِ، وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُونَ بِدَفْعِهَا، وَقَدْ عَلِمُوا فِيمَا يُنْفِقُونَهَا، فَمَا أَقُولُ أَنَا؟ ، (وَيَبْرَأُ) دَافِعُ زَكَاةٍ إلَى السَّاعِي أَوْ الْإِمَامِ (بِدَفْعِهَا إلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَصْرِفْهَا مَصَارِفَهَا) لِمَا سَبَقَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا) ، أَيْ: كَالزَّكَاةِ فِي الْحُكْمِ (كُلُّ مَالٍ ضَائِعٍ أَوْ لَا وَارِثَ لَهُ) يُدْفَعُ إلَى الْإِمَامِ لِيَصْرِفَهُ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَيَبْرَأُ دَافِعُهُ مِنْ عُهْدَتِهِ، سَوَاءٌ تَلِفَ فِي يَدِ الْإِمَامِ أَوْ لَا، صَرَفَهُ فِي مَصَارِفِهِ أَوْ لَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةٍ لِخَوَارِجَ وَبُغَاةٍ) إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ، وَأَخَذُوا مِنْهُ الْعُشْرَ، وَقَعَ مَوْقِعَهُ نَصًّا، (وَكَذَلِكَ مَنْ أَخَذَهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةَ (مِنْ السَّلَاطِينِ قَهْرًا أَوْ اخْتِيَارًا عَدَلَ فِيهَا أَوْ جَارَ) ، وَيَأْتِي فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ. (وَلِإِمَامٍ طَلَبُ نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ، الظِّهَارِ: (وَ) لَهُ طَلَبُ (زَكَاةٍ) مِنْ الْمَالِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ (إنْ وَضَعَهَا فِي أَهْلِهَا، وَلَا يَلْزَمُ دَفْعُهَا لَهُ إذَا طَلَبَهَا) بَلْ لِرَبِّهَا تَفْرِقَتُهَا بِنَفْسِهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَيْسَ لَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (إجْبَارُ مُمْتَنِعٍ إذَنْ) ، أَيْ: حَيْثُ لَمْ يَمْنَعْ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ إخْرَاجَهَا بِالْكُلِّيَّةِ، إذْ الْوَاجِبُ الْإِخْرَاجُ، لَا الدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ. [فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ نِيَّةٌ] (فَصْلٌ) (وَيُشْتَرَطُ لِإِخْرَاجِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (نِيَّةٌ) ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُهَا، فَافْتَقَرَتْ إلَى تَبْيِينِ النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ مَصْرِفَ الْمَالِ إلَى الْفُقَرَاءِ لَهُ جِهَاتٌ مِنْ زَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ، فَاعْتُبِرَتْ نِيَّةُ التَّمَيُّزِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ إخْرَاجُهَا (مِنْ مُكَلَّفٍ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ أَشْبَهَ سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ (إلَّا أَنْ تُؤْخَذَ) مِنْهُ الزَّكَاةُ (قَهْرًا) ، فَتُجْزِئُ ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ رَبِّ الْمَالِ، فَلَا يُؤْمَرُ بِهَا ثَانِيًا (أَوْ يُغَيِّبُ مَالَهُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 فَتُؤْخَذُ مِنْهُ حَيْثُ وُجِدَ. وَتُجْزِئُ بِلَا نِيَّةٍ كَمَأْخُوذٍ قَهْرًا (أَوْ يَتَعَذَّرُ وُصُولٌ إلَى مَالِكٍ) لِتُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ (بِنَحْوِ حَبْسٍ) كَأَسْرٍ، (فَيَأْخُذُهَا سَاعٍ) مِنْ مَالِهِ، (وَتُجْزِئُ) ظَاهِرًا وَ (بَاطِنًا فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأَخِيرَةِ) بِخِلَافِ الْأُولَتَيْنِ قَبْلَهَا، فَتُجْزِئُ ظَاهِرًا (فَقَطْ، وَالْأَوْلَى قَرْنُهَا) ، أَيْ: النِّيَّةَ (بِدَفْعٍ) كَصَلَاةٍ، (وَلَهُ تَقْدِيمُهَا) عَلَى الْإِخْرَاجِ (بِ) زَمَنٍ (يَسِيرٍ كَصَلَاةٍ) ، وَلَوْ عَزَلَ الزَّكَاةَ، لَمْ تَكْفِ النِّيَّةُ إذَنْ مَعَ طُولِ زَمَنٍ، (فَيَنْوِي) بِمُخْرَجٍ (الزَّكَاةَ أَوْ الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ، أَوْ صَدَقَةَ الْمَالِ أَوْ الْفِطْرِ، وَلَا تُجْزِئُ إنْ نَوَى صَدَقَةً مُطْلَقَةً وَلَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ) كَنِيَّةِ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ، وَمَحَلُّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ. وَتَقَدَّمَ. (وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ فَرْضٍ) اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا، (وَلَا) يَجِبُ (تَعْيِينُ) مَالٍ (مُزَكًّى عَنْهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ جِنْسُهُ) ، أَيْ: الْمَالِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ (فَلَوْ نَوَى بِشَاةٍ) حِينَ أَخْرَجَهَا (عَنْ خَمْسِ إبِلٍ أَوْ أَرْبَعِينَ شَاةً، أَجْزَأَتْ عَنْ أَحَدِهِمَا) ، وَيُخْرِجُ شَاةً أُخْرَى عَنْ الْآخَرِ، (أَوْ نَوَى) زَكَاةً (عَنْ مَالِهِ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ) الْغَائِبُ (تَالِفًا فَعَنْ الْحَاضِرِ أَجْزَأَ عَنْ حَاضِرٍ مَعَ تَلَفِ غَائِبٍ) ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، لِاعْتِبَارِ التَّعْيِينِ فِيهَا. (وَإِنْ أَدَّى قَدْرَ زَكَاةِ أَحَدِهِمَا) ، أَيْ: الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، (صَرَفَهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ (لِأَيِّهِمَا شَاءَ كَتَعْيِينِهِ ابْتِدَاءً) حِينَ أَخْرَجَ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا مِنْهُمَا (أَجْزَأَ) مُخْرَجٌ (عَنْ أَحَدِهِمَا) ، فَيُخْرِجُ عَنْ الْآخَرِ. (وَلَوْ نَوَى عَنْ) مَالٍ (غَائِبٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ) ، أَيْ: لَمْ يَنْوِ إنْ كَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا، فَعَنْ الْحَاضِرِ (فَبَانَ) الْغَائِبُ (تَالِفًا لَمْ يَصْرِفْهُ) ، أَيْ: الْمُخْرِجُ (إلَى غَيْرِهِ) ، لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ، كَعِتْقٍ فِي كَفَّارَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَمْ تَكُنْ. (وَيَتَّجِهُ: وَيَرْجِعُ) مُخْرِجٌ (فِيمَا) كَانَ مَوْجُودًا (بِيَدِ سَاعٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 لِتَبَيُّنِ مُخْرِجِ غَيْرِ زَكَاةٍ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ نَوَى) الزَّكَاةَ (عَنْ الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا) أَجْزَأَ عَنْهُ إنْ كَانَ سَالِمًا، (أَوْ نَوَى) عَنْ الْغَيْرِ إنْ كَانَ سَالِمًا (وَإِلَّا) يَكُنْ سَالِمًا (فَ) هِيَ (نَفْلٌ، فَبَانَ) الْغَائِبُ (سَالِمًا، أَجْزَأَ) عَنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْإِطْلَاقِ، فَلَا يَضُرُّ تَقْيِيدُهُ بِهِ. (وَإِنْ شَرَطَ) بِأَنْ نَوَى: إنْ كَانَ الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذِهِ زَكَاتُهُ، (وَإِلَّا) يَكُنْ سَالِمًا (فَأَرْجِعْ) فِيهَا (فَلَهُ الرُّجُوعُ إنْ بَانَ) الْغَائِبُ (تَالِفًا) ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَمَنْ شَكَّ فِي بَقَاءِ غَائِبٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجٌ عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ عَلِمَ بَقَاءَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ مَتَى وَصَلَ إلَيْهِ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى، كَمَا لَوْ قَالَ (عَنْ قِنٍّ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِي، وَإِنْ لَمْ يُجْزِئْ رَدَدْته لِرِقٍّ) ، فَلَهُ رَدُّهُ إلَى الرِّقِّ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ، فَبَانَ أَنَّهُ غَيْرُ مُجْزِئٍ، عَتَقَ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ. وَإِنْ قَالَ: هَذَا زَكَاةُ مَالِي، (أَوْ نَفْلٌ) لَمْ يُجْزِئْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِلزَّكَاةِ، (أَوْ) قَالَ: (هَذَا زَكَاةُ إرْثِي إنْ كَانَ مَاتَ مُوَرِّثِي، لَمْ يُجْزِئْهُ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْنِ عَلَى أَصْلٍ. قَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ: كَقَوْلِهِ لَيْلَةَ الشَّكِّ: إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِي، وَقَالَ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ ": كَقَوْلِهِ: إنْ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ دَخَلَ، فَصَلَاتِي هَذِهِ عَنْهَا. قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: التَّرَدُّدُ فِي الْعِبَادَةِ يُفْسِدُهَا. (وَإِنْ وَكَّلَ) رَبُّ مَالٍ (فِي) إخْرَاجِ (الزَّكَاةِ مُسْلِمًا) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 يَكُونَ ثِقَةً. نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ " وَالْمُنْتَهَى " لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَغَيْرُ الثِّقَةِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا. (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ الْمُسْلِمُ (غَيْرَ ثِقَةٍ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَنْصُوصِ) عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. (وَيُحْمَلُ نَصُّهُ عَلَى مَنْ) ، أَيْ: مُوَكِّلَ لَمْ يَعْلَمْ (هَلْ دَفَعَ) وَكِيلُهُ الزَّكَاةَ (أَوْ لَا) ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ الْمُوَكِّلُ أَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ أَخْرَجَهَا، فَلَا مَانِعَ مِنْ إجْزَائِهَا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا الِاتِّجَاهَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ، (أَجْزَأَتْهُ نِيَّةُ مُوَكِّلٍ) فَقَطْ (مَعَ قُرْبِ زَمَنِ إخْرَاجٍ) مِنْ زَمَنِ تَوْكِيلٍ، لِأَنَّ الْفَرْضَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُوَكِّلِ، وَتَأَخُّرُ الْأَدَاءِ عَنْ النِّيَّةِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ جَائِزٌ. (وَيَتَّجِهُ) : الْإِجْزَاءُ (وَلَوْ مَعَ كُفْرِ وَكِيلٍ) ، حَكَاهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ " (لِأَنَّهُ مُنَاوِلٌ إذَنْ) ، كَمَا لَوْ اسْتَنَابَ ذِمِّيًّا فِي ذَبْحِ أُضْحِيَّةٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": (وَ) يَجُوزُ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ إذَا نَوَى الْمُوَكِّلُ، وَكَفَتْ نِيَّتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ قَوِيٌّ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ لَكَ أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ. (وَمَعَ بُعْدِ زَمَنِ) إخْرَاجٍ، (فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ مُوَكِّلٍ حَالَ دَفَعَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) مَالُ (تَوْكِيلِ) مَنْ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَنَحْوُهَا فِي إخْرَاجِهِ عَنْهُ مِنْهَا - وَهُوَ مُتَّجِهٌ (لِوَكِيلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِدَفَعَ، (وَ) لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ (وَكِيلٍ) أَيْضًا (عِنْدَ دَفْعٍ لِمُسْتَحِقٍّ) ، وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ (الْإِمَامِ) أَوْ السَّاعِي (حَالَ دَفَعَ لِمُسْتَحِقٍّ) ، لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ نِيَّةُ وَكِيلِ رَبِّ الْمَالِ عِنْدَ الدَّفْعِ (لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ) لِئَلَّا يَخْلُوَ الدَّفْعُ عَنْ نِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ أَوْ مُقَارِبَةٍ، فَيَنْوِي مُوَكِّلُ عِنْدَ التَّوْكِيلِ، وَوَكِيلٌ عِنْدَ الدَّفْعِ لِنَحْوِ الْفُقَرَاءِ وَقَرِيبًا مِنْهُ، وَلَوْ نَوَى وَكِيلٌ فَقَطْ لَمْ تَجُزْ، لِتَعَلُّقِ الْفَرْضِ بِالْمُوَكِّلِ، وَوُقُوعِ الْإِجْزَاءِ عَنْهُ، وَلَوْ دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي نَاوِيًا أَجْزَأَهُ (وَتَلَفُهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (بِلَا تَفْرِيطٍ بِيَدِ وَكِيلٍ، لَا) تَلَفُهَا بِيَدِ (سَاعٍ مِنْ ضَمَانِ رَبِّ مَالٍ) ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يُوَصِّلْهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا، فَكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْمُوَكِّلِ، لِتَعَلُّقِ الْفَرْضِ بِهِ، وَأَمَّا السَّاعِي، فَإِنَّهُ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ، وَقَبْضُهُ لَهَا قَائِمٌ مَقَامَ قَبْضِهِمْ، وَتَلَفُهَا بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِهِمْ. (وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 الْإِقْنَاعِ ": لَوْ قَالَ) لِوَكِيلِهِ: (تَصَدَّقْ بِهَذَا) الْمَالِ (نَفْلًا أَوْ عَنْ كَفَّارَتِي، ثُمَّ نَوَى) الْمُوَكِّلُ (الزَّكَاةَ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ) وَكِيلُهُ (أَجْزَأَ عَنْهَا، لِأَنَّ دَفْعَ وَكِيلِهِ كَدَفْعِهِ) فَكَأَنَّهُ نَوَى الزَّكَاةَ، ثُمَّ دَفَعَ بِنَفْسِهِ، (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) ، أَيْ: الْأَصْحَابِ (كَمَا فِي " الْفُرُوعِ " لَا يُجْزِئُ) بِهَذَا الدَّفْعِ (لِاعْتِبَارِهِمْ نِيَّةَ وَكِيلٍ عِنْدَ دَفْعٍ) ، هَكَذَا وُجِدَ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ، وَاَلَّذِي فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ لِاعْتِبَارِهِمْ النِّيَّةَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَمَا قَالَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ " وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْمَجْدِ لَا يُجْزِئُ لِاعْتِبَارِهِمْ النِّيَّةَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ. [فَرْعٌ فِي تَوْكِيلِ الْمُمَيِّز فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ] (فَرْعٌ: فِي صِحَّةِ تَوْكِيلِ الْمُمَيِّزِ) فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ (وَجْهَانِ) ذَكَرَهُمَا فِي " الْمُذَهَّبِ " وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ " الْأَوَّلُ: الصِّحَّةُ، لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْعِبَادَةِ. الثَّانِي، وَهُوَ (الصَّوَابُ: عَدَمُ الصِّحَّةِ، خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ جَزَمَ بِصِحَّةِ تَوْكِيلِ الْمُمَيِّزِ فِي دَفْعِهَا بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ (لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِأَدَاءِ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ، وَلِأَنَّهُ) ، أَيْ: الْمُمَيِّزَ (لَا يُخْرِجُ زَكَاةَ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى) وَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ " تَبِعَ فِيهِ " الْإِنْصَافَ " وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِيهِ تَصْحِيحَ الْفُرُوعِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْإِنْصَافِ فَمَا فِيهِ يُخَالِفُ " الْإِنْصَافَ " يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْهُ. (وَمَنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ مِنْ مَالٍ غَصْبٍ لَمْ تُجْزِئْهُ وَلَوْ أُجِيزَ بَعْدُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 كَبَيْعِهِ وَإِجَارَتِهِ، لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءً لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالْإِجَازَةِ. (وَمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ شَخْصٍ حَيٍّ أَوْ كَفَّارَتَهُ مِنْ مَالِهِ) ، أَيْ: مَالِ الْمُخْرِجِ (بِإِذْنِهِ) ، أَيْ: إذْنَ مُخْرَجٍ عَنْهُ (صَحَّ) إخْرَاجُهُ عَنْهُ كَالْوَكِيلِ، (وَرَجَعَ) الْمُخْرِجُ عَلَى مُخْرَجٍ عَنْهُ (إنْ نَوَاهُ) ، أَيْ الرُّجُوعَ (وَإِلَّا) يَنْوِ الرُّجُوعَ، أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِي الْإِخْرَاجِ، (فَلَا) يَرْجِعُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَوَكَالَتِهِ عَنْهُ. (وَمَنْ عَلِمَ) قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " (وَالْمُرَادُ ظَنُّ أَهْلِيَّةِ آخِذٍ لِزَكَاةٍ) لِمَقَامِ الظَّنِّ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ إلَيْهِ، (كُرِهَ أَنْ يَعْلَمَ بِهَا) نَصًّا (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: لَا يُبَكِّتُهُ، يُعْطِيهِ وَيَسْكُتُ) مَا حَاجَتُهُ إلَى أَنْ يُقْرِعَهُ؟ (وَمَعَ عِلْمِ) مُعْطٍ (عَدَمُ عَادَتِهِ) ، أَيْ: الْآخِذِ (بِأَخْذِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (لَمْ يُجْزِئْهُ) دَفْعُهَا (إلَّا إنْ أَعْلَمَهُ) أَنَّهَا زَكَاةٌ، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ زَكَاةً ظَاهِرًا. [فَصْلٌ الْأَفْضَلُ جَعْلُ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ فِي فُقَرَاءِ بَلَدِهِ] (فَصْلٌ) (وَالْأَفْضَلُ جَعْلُ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ فِي فُقَرَاءِ بَلَدِهِ) ، أَيْ: الْمَالِ، وَلَوْ تَفَرَّقَ، أَوْ كَانَ الْمَالِكُ بِغَيْرِهِ، لِعُمُومِ حَدِيثِ مُعَاذٍ الْآتِي، (مَا لَمْ تَنْشَقِصْ زَكَاةُ سَائِمَةٍ) كَأَرْبَعِينَ شَاةً بِبَلَدَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ، (فَ) يُخْرِجُ زَكَاتَهَا (فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ) شَاةً وَاحِدَةً، فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ. دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، (وَحَرُمَ حَتَّى عَلَى سَاعٍ نَقْلُهَا لِمَسَافَةِ قَصْرٍ) مَعَ وُجُودِ مُسْتَحِقٍّ لَهَا، (وَلَوْ) كَانَ نَقْلُهَا (لِرَحِمٍ وَشِدَّةِ حَاجَةٍ) ، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» فَظَاهِرُهُ: عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، وَ " لِإِنْكَارِ عُمَرَ عَلَى مُعَاذٍ حِينَ بَعَثَ إلَيْهِ بِثُلُثِ الصَّدَقَةِ، ثُمَّ شَطْرَهَا، ثُمَّ بِهَا، وَأَجَابَهُ مُعَاذٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهِ شَيْئًا وَهُوَ يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهُ مِنْهُ " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَمَحَلُّهُ: إذَا لَمْ يُفْضِ إلَى تَشْقِيصٍ. (وَتُجْزِئُ) زَكَاةٌ نَقَلَهَا فَوْقَ الْمَسَافَةِ، وَأَخْرَجَهَا فِي غَيْرِ بَلَدِ الْمَالِ مَعَ حُرْمَةِ النَّقْلِ، لِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَبَرِئَ كَالدَّيْنِ. وَلَا يَحْرُمُ نَقْلُ زَكَاةٍ إلَى بَلَدٍ (دُونَ مَسَافَةِ) قَصْرٍ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ (وَلَا) يَحْرُمُ (نَقْلُ نَذْرٍ) مُطْلَقٍ (وَكَفَّارَةٍ وَوَصِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ) ، أَيْ: لَمْ يَخُصَّهَا مُوصٍ بِمَكَانٍ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ رَاتِبَةٌ فِي الْمَالِ، فَكَانَتْ لِجِيرَانِهِ، بِخِلَافِ الْمَذْكُورَاتِ، (لَا) إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَنَحْوُهَا (مُقَيَّدَةً بِ) فُقَرَاءِ مَكَانٍ (مُعَيَّنٍ) فَيَتَعَيَّنُوا لَهَا. (وَمَنْ بِبَادِيَةٍ) وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ، فَرَّقَهَا بِأَقْرَبِ بَلَدٍ مِنْهُ (أَوْ خَلَا بَلَدُهُ عَنْ مُسْتَحِقٍّ) لِلزَّكَاةِ يَسْتَغْرِقُهَا، (فَرَّقَهَا) أَوْ مَا بَقِيَ (بِأَقْرَبِ بَلَدٍ) ، أَيْ: مَكَان (مِنْهُ) لِأَنَّهُمْ أَوْلَى نَصًّا . (وَمُؤْنَةُ نَقْلِ) زَكَاةٍ مَعَ حِلِّ نَقْلِهَا بِأَنْ كَانَ لِدُونِ الْمَسَافَةِ، أَوْ حُرْمَتِهِ بِأَنْ كَانَ لِمَحَلٍّ فَوْقَ الْمَسَافَةِ عَلَى مُزْكٍ (وَ) مُؤْنَةِ (دَفْعِ) زَكَاةٍ (عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْمُزَكِّي (كَ) مُؤْنَةِ (كَيْلٍ وَوَزْنٍ) ، لِأَنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةَ تَسْلِيمِهَا لِمُسْتَحِقِّهَا كَامِلَةً، وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ التَّوْفِيَةِ. (وَمُسَافِرٌ بِالْمَالِ) الزَّكَوِيِّ (يُفَرِّقُهَا) ، أَيْ: زَكَاتَهُ (بِبَلَدِ، أَكْثَرَ إقَامَتِهِ) ، أَيْ: رَبِّ الْمَالِ (بِهِ) ، أَيْ: الْمَالِ (فِيهِ) ، أَيْ: ذَلِكَ الْبَلَدِ نَصًّا. لِأَنَّ الْأَطْمَاعَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ غَالِبًا بِمُضِيِّ زَمَنِ الْوُجُوبِ أَوْ مَا قَارَبَهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَمَعَ تَسَاوٍ) فِي الْإِقَامَةِ (يُخَيَّرُ) رَبُّ الْمَالِ فِي إخْرَاجِهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 فَيُخْرِجُهَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ، وَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَهَا فِي أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ وَبَاقِيَهَا فِي الْمَكَانِ الْآخَرِ فَهُوَ أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ بَعْثُ السُّعَاةِ قُرْبَ زَمَنِ الْوُجُوبِ لِقَبْضِ زَكَاةِ الْمَالِ الظَّاهِرِ كَزَرْعٍ وَثَمَرٍ وَمَاشِيَةٍ) ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُزَكِّي، وَلَا يَعْلَمُ مَا عَلَيْهِ، فَفِي إهْمَالِ ذَلِكَ تَرْكٌ لِلزَّكَاةِ (وَيَجْعَلُ أَوَّلُ حَوْلِ مَاشِيَةٍ الْمُحَرَّمَ) ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ (وَتَوَقَّفَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) فِي ذَلِكَ (وَمَيْلُهُ لِرَمَضَانَ) لِتَضَاعُفِ الْحَسَنَاتِ فِي الزَّمَانِ الْفَاضِلِ. (وَسُنَّ) لِلْإِمَامِ (وَسْمُ مَا حَصَلَ) عِنْدَهُ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ جِزْيَةٍ (مِنْ إبِلِ وَبَقَرٍ فِي أَفْخَاذِهَا) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ: «غَدَوْتُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ، فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ لِيَسِمَ إبِلَ الصَّدَقَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) وَسْمُ مَا حَصَلَ مِنْ (غَنَمٍ فِي آذَانِهَا) لِخَبَرِ أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ: «وَهُوَ يَسِمُ غَنَمًا فِي آذَانِهَا» (فَ) الْوَسْمُ (عَلَى زَكَاةٍ لِلَّهِ أَوْ زَكَاةٍ وَ) الْوَسْمُ (عَلَى جِزْيَةِ صِغَارٍ أَوْ جِزْيَةٍ) لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا، وَخُصَّ الْفَخِذُ وَالْأُذُنُ بِالْوَسْمِ لِخِفَّتِهِ، وَقِلَّةِ أَلَمِهِ فِيهِمَا. [فَصْلٌ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ] (فَصْلٌ) (وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ زَكَاةٍ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ: أَنَّ «الْعَبَّاسَ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْجِيلِ صَدَقَةٍ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَكَالْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ، فَيَصِيرُ مِنْ تَقْدِيمِ الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ، وَقَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَتَرْكُ التَّعْجِيلِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 أَفْضَلُ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (لِحَوْلَيْنِ فَقَطْ) ، اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ أَفْضَلُ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (لِحَوْلَيْنِ فَقَطْ) ، اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ، لِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدٍ فِي " الْأَمْوَالِ ": عَنْ عَلِيٍّ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعَجَّلَ مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ» وَيُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٌ: " فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا " (لِغَيْرِ وَلِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ) ، لِوُجُوبِ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا مَصْلَحَةَ فِي التَّعْجِيلِ (إذَا كَمُلَ النِّصَابُ) لِأَنَّهُ سَبَبُهَا، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ كَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْحَلِفِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. وَ (لَا) يَجُوزُ التَّعْجِيلُ (مِنْهُ) ، أَيْ: النِّصَابِ (لِحَوْلَيْنِ إنْ نَقَصَ) بِالتَّعْجِيلِ (وَلَا عَمَّا يَسْتَفِيدُهُ) النِّصَابُ نَصًّا، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، فَقَدْ عَجَّلَ زَكَاةً عَمَّا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، (أَوْ) عَنْ (مَعْدِنٍ أَوْ رِكَازٍ أَوْ زَرْعٍ قَبْلَ حُصُولِ) مَا ذُكِرَ، (أَوْ) قَبْلَ (نَبَاتِ زَرْعٍ أَوْ) عَنْ زَكَاةِ ثَمَرٍ قَبْلَ (طُلُوعِ طَلْعٍ، أَوْ) عَنْ زَبِيبٍ قَبْلَ طُلُوعِ (حِصْرِمٍ) ، لِأَنَّهُ تَقْدِيمُ زَكَاةٍ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهَا (وَبَعْدَهُ) ، أَيْ: بَعْدَ نَبَاتِ زَرْعٍ وَطُلُوعِ طَلْعٍ وَحِصْرِمٍ (يَصِحُّ تَعْجِيلٌ) ، لِأَنَّ وُجُودَهُ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِ النِّصَابِ، وَالْإِدْرَاكُ بِمَنْزِلَةِ حَوَلَانِ الْحَوْلِ، فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ، وَتَعْلِيقُ زَكَاتِهِ بِالْإِدْرَاكِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّعْجِيلِ، لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِدُخُولِ شَوَّالٍ، وَيَجُوزُ تَعْجِيلُهَا قَبْلَهُ، (وَإِنْ عَجَّلَ عَنْ نِصَابٍ) مَوْجُودٍ (وَمَا يَنْمِي) فِي حَوْلِهِ أَجْزَأَ تَعْجِيلُهُ عَنْ النِّصَابِ فَقَطْ، (وَلَمْ يُجْزِئْ عَنْ نَمَاءٍ) لِأَنَّهُ عَجَّلَ زَكَاةَ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ كَمَا فِي النِّصَابِ الْأَوَّلِ، (فَلَوْ عَجَّلَ مُسِنَّةً عَنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً وَنِتَاجِهَا، فَنَتَجَتْ عَشْرًا، أَجْزَأَتْ) الْمُعَجَّلَةُ (عَنْ ثَلَاثِينَ) فَقَطْ، لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْجِيلِ عَنْ النِّتَاجِ، (وَلَزِمَ لِلْعَشْرِ) النِّتَاجِ (رُبْعُ مُسِنَّةٍ) زَكَاتُهَا، (وَإِنْ تَمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ نَاقِصٌ بِقَدْرٍ مُعَجَّلٍ، صَحَّ) تَعْجِيلُهُ وَأَجْزَأَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 (إذْ الْمُعَجَّلُ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ) فِي مِلْكِهِ يَتِمُّ النِّصَابُ بِهِ. وَإِنْ نَقَصَ أَكْثَرَ مِمَّا عَجَّلَهُ كَمَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً عَجَّلَ وَاحِدَةً، ثُمَّ تَلِفَتْ أُخْرَى، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلزَّكَاةِ. فَإِنْ زَادَ بَعْدَ نِتَاجِ أَوْ شِرَاءِ مَا تَمَّ بِهِ النِّصَابُ، اُسْتُؤْنِفَ الْحَوْلُ مِنْ كَمَالِ النِّصَابِ، وَلَمْ يُجْزِئْ مُعَجَّلٌ، (فَيَصِحُّ) التَّعْجِيلُ (عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً) بِشَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِهَا لِحَوْلَيْنِ، وَيُجْزِئُ لِبَقَاءِ النِّصَابِ، أَوْ (بِشَاةٍ مِنْهَا) وَأُخْرَى مِنْ غَيْرِهَا، و (لَا) يُجْزِئُ (بِشَاتَيْنِ مِنْهَا لِحَوْلَيْنِ) ، لِنَقْصِ النِّصَابِ. (وَلَا) يَصِحُّ تَعْجِيلٌ (بِ) شَاةٍ (وَاحِدَةٍ) مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً (لِ) حَوْلٍ (ثَانٍ فَقَطْ) ، لِأَنَّ مَا عَجَّلَهُ مِنْ النِّصَابِ لِلْحَوْلِ الثَّانِي زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، فَيَنْقُصُ النِّصَابُ بِهِ، (وَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ) ، بِخِلَافِ مَا عَجَّلَهُ عَنْ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ، (وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ مِائَتَيْ شَاةٍ) شَاتَيْنِ (فَنُتِجَتْ عِنْدَ الْحَوْلِ سَخْلَةٌ، لَزِمَتْهُ) شَاةٌ (ثَالِثَةٌ) ، لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ فِي إجْزَائِهِ عَنْ مَالِهِ، فَكَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهِ. (وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ) شَاةً (ثُمَّ أَبْدَلَهَا) ، أَيْ: الْأَرْبَعِينَ (بِمِثْلِهَا أَوْ نُتِجَتْ سَخْلَةٌ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ، أَجْزَأَ مُعَجَّلُ بَدَلٍ وَسِخَالٍ) لِأَنَّهَا تُجْزِئُ مَعَ بَقَاءِ الْأُمَّاتِ عَنْ الْكُلِّ، فَعَنْ أَحَدِهِمَا أَوْلَى (وَمَنْ عَجَّلَ عَنْ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ) فِضَّةً (خَمْسَةً مِنْهَا، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ، لَزِمَهُ أَيْضًا دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ) نَصًّا، لِيُتِمَّ رُبْعَ الْعُشْرِ. (وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ أَلْفِ) دِرْهَمٍ فَقَطْ (خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مِنْهَا ثُمَّ رَبِحَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ) دِرْهَمًا، (لَزِمَهُ زَكَاتُهَا) ، أَيْ: الْخَمْسَةَ وَالْعِشْرِينَ، (وَمَنْ عَجَّلَ) زَكَاةً (عَنْ أَلْفِ) دِرْهَمٍ (يَظُنُّهَا) ، أَيْ: الدَّرَاهِمَ (لَهُ فَبَانَتْ) الَّتِي لَهُ مِنْهَا (خَمْسَمِائَةٍ، أَجْزَأَ) مَا عَجَّلَهُ (عَنْ عَامَيْنِ) ، لِأَنَّهُ نَوَاهَا زَكَاةً مُعَجَّلَةً، وَالْأَلْفُ كُلُّهَا لَيْسَتْ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ مَا لَيْسَ لَهُ، (وَمَنْ عَجَّلَ) زَكَاةً (عَنْ أَحَدِ نِصَابَيْهِ، بِعَيْنِهِ، وَلَوْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 كَانَ الْوَاجِبُ (مِنْ جِنْسٍ) وَاحِدٍ، (فَتَلِفَ) النِّصَابُ الْمُعَجَّلُ عَنْهُ، (لَمْ يَصْرِفْهُ) ، أَيْ: الْمُعَجَّلُ (لِلْآخَرِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، كَمَنْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَلَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً، فَتَلِفَ إبِلُهُ، لَمْ يَصْرِفْ الشَّاةَ إلَى الْأَرْبَعِينَ. (وَيَتَّجِهُ: مَا لَمْ يَشْتَرِطْ) مَا عَجَّلَهُ، فَإِنْ اشْتَرَطَ بِنِيَّةٍ، إنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ تَالِفًا، فَعَنْ الْبَاقِي صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَهُوَ مُتَّجَهٌ (وَإِنْ) (مَاتَ قَابِضُ) زَكَاةٍ (مُعَجَّلَةِ الْمُسْتَحَقِّ) لَقَبَضَهَا لِنَحْوِ فَقْرِهِ (أَوْ ارْتَدَّ) قَابِضُ مُعَجَّلَةٍ، (أَوْ اسْتَغْنَى قَبْلَ) مُضِيِّ (الْحَوْلِ) الَّذِي تَعَجَّلَ زَكَاتُهُ، (أَجْزَأَتْ) الزَّكَاةُ عَمَّنْ عَجَّلَهَا، لِأَنَّهُ أَدَّاهَا لِمُسْتَحِقِّهَا، كَدَيْنٍ لَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ وَ (لَا) تُجْزِئُ زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ (إنْ دَفَعَهَا) رَبُّ الْمَالِ (لِمَنْ يَعْلَمُ غِنَاهُ فَافْتَقَرَ) عِنْدَ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهَا لِمُسْتَحِقِّهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَفْتَقِرْ. (وَإِنْ مَاتَ مُعَجِّلُ) زَكَاةٍ (أَوْ ارْتَدَّ أَوْ تَلِفَ النِّصَابُ) الْمُعَجَّلُ زَكَاتُهُ، (أَوْ نَقَصَ) قَبْلَ الْحَوْلِ، (فَقَدْ بَانَ الْمُخْرَجُ غَيْرَ زَكَاةٍ) لِانْقِطَاعِ الْوُجُوبِ بِذَلِكَ، (وَلَا رُجُوعَ) لِمُعَجِّلٍ بِشَيْءٍ مِمَّا عَجَّلَهُ (إلَّا فِيمَا بِيَدِ سَاعٍ عِنْدَ تَلَفِ نِصَابٍ) ، وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمَالِكُ تَلَفَهُ غَيْرَ قَاصِدٍ الْفِرَارَ مِنْهَا، فَإِنْ دَفَعَهَا سَاعٍ أَوْ رَبُّ مَالٍ لِفَقِيرٍ، فَلَا رُجُوعَ حَتَّى فِي تَلَفِ النِّصَابِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 وَيُشْتَرَطُ لِإِجْزَائِهَا وَمِلْكِ فَقِيرٍ لَهَا قَبْضُهُ، فَلَوْ عَزَلَهَا فَتَلِفَتْ قَبْلَهُ، أَوْ غَدَّى الْفُقَرَاءَ، أَوْ عَشَّاهُمْ لَمْ يَجُزْ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ فَقِيرٍ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا نَصًّا. (وَلِمَنْ أَخَذَ السَّاعِي مِنْهُ زِيَادَةً) عَنْ زَكَاةٍ عَلَيْهِ (أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا) ، أَيْ: الزِّيَادَةِ (مِنْ) عَامٍ (قَابِلٍ) نَصًّا (قَالَ الْمُوَفَّقُ: إنْ نَوَى الْمَالِكُ التَّعْجِيلَ) حَالَ الدَّفْعِ. [فَرْعٌ أَرْضِ صُلْحٍ يَأْخُذُ السُّلْطَانُ مِنْهَا نِصْفَ الْغَلَّةِ] (فَرْعٌ: قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِي أَرْضِ صُلْحٍ يَأْخُذُ السُّلْطَانُ مِنْهَا نِصْفَ الْغَلَّةِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ ظُلْمٌ، (قِيلَ لَهُ: فَيُزَكِّي الْمَالَ عَمَّا بَقِيَ فِي يَدِهِ؟ قَالَ: يُجْزِئُ مَا أَخَذَ السُّلْطَانُ عَنْ الزَّكَاةِ) يَعْنِي: إذَا نَوَى بِهِ الْمَالِكُ، (وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَيْضًا: يَحْسُبُ مَا أَهْدَاهُ لِلْعَامِلِ مِنْ الزَّكَاةِ) بِنِيَّةِ الْمَالِكِ وَقْتَ الْأَخْذِ، وَإِلَّا فَلَا (وَمَنْ) عِنْدَهُ مَالٌ زَكَوِيٌّ لَمْ يَحُلْ حَوْلَهُ (لَمْ يُعَجِّلْ) زَكَاتَهُ (لِسَاعٍ وَكَّلَ) السَّاعِي (ثِقَةً فِي قَبْضِهَا) وَقْتَ وُجُوبِهَا، وَصَرَفَهَا فِي مَصْرِفِهَا (أَوْ فَوَّضَ) السَّاعِي (تَفْرِيقَهَا لِمَالِكِهَا الثِّقَةِ) ، لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ (وَلِإِمَامِ وَنَائِبِهِ اسْتِسْلَافُ زَكَاةٍ بِرِضَى رَبِّهَا، وَتَلَفُهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ وَلَوْ مُعَجَّلَةً (بِيَدِهِ) ، أَيْ: الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ (بِلَا تَفْرِيطٍ) مِنْهُ لَيْسَ مِنْ ضَمَانِهِ، بَلْ (مِنْ ضَمَانِ فُقَرَاءَ مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ ذَلِكَ أَوْ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ، هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ ". [بَابٌ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَشُرُوطِهِمْ وَقَدْرِ مَا يعطى كُلُّ وَاحِدٍ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ] (بَابٌ) ذِكْرُ (أَهْلِ الزَّكَاةِ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ بَيَانِ شُرُوطِهِمْ، وَقَدْرِ مَا يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ، وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. وَهُمْ: (ثَمَانِيَةُ) أَصْنَافٍ (لَا يَحِلُّ صَرْفُهَا لِغَيْرِهِمْ مِنْ نَحْوِ مَسَاجِدَ وَقَنَاطِرَ وَأَكْفَانٍ) وَسَدِّ بُثُوقٍ، وَوَقْفِ مَصَاحِفَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جِهَاتِ الْخَيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] وَكَلِمَةُ إنَّمَا تُفِيدُ الْحَصْرَ، أَيْ: تُثْبِتُ الْمَذْكُورَ، وَتَنْفِي مَا عَدَاهُ. وَكَذَلِكَ تَعْرِيفُ الصَّدَقَاتِ بِأَلْ، فَإِنَّهَا تَسْتَغْرِقُهَا، فَلَوْ جَازَ صَرْفُ شَيْءٍ إلَى غَيْرِ الثَّمَانِيَةِ، لَكَانَ لَهُمْ بَعْضُهَا لَا كُلُّهَا. وَرُوِيَ عَنْ «زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعْتُهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَعْطِنِي مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا هِيَ لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، (وَجَوَّزَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (الْأَخْذَ) مِنْ الزَّكَاةِ (لِمُحْتَاجٍ لِشِرَاءِ كُتُبِ عِلْمٍ) نَافِعٍ (لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ) مِنْهَا قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت وَلَعَلَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْتَاجُهُ طَالِبُ الْعِلْمِ وَكَنَفَقَتِهِ. (الْأَوَّلُ) مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، (فَقِيرٌ) بَدَأَ بِهِ إتْبَاعًا لِلنَّصِّ، وَلِشِدَّةِ حَاجَتِهِ (وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ) لَبُدَاءَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمُّ، قَالَ تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] فَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُمْ سَفِينَةً يَعْمَلُونَ فِيهَا. «وَقَدْ سَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْكَنَةَ وَاسْتَعَاذَ مِنْ الْفَقْرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ شِدَّةَ الْحَاجَةِ، وَيَسْتَعِيذَ مِنْ حَالَةٍ أَصْلَحَ مِنْهَا، وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ مُشْتَقٌّ مِنْ: فَقْرِ الظَّهْرِ: فَعِيلٌ، بِمَعْنَى: مَفْعُولٍ، وَهُوَ الَّذِي نُزِعَتْ فِقْرَةُ ظَهْرِهِ، فَانْقَطَعَ صُلْبُهُ، (وَهُوَ) ، أَيْ: الْفَقِيرُ: (مَنْ لَمْ يَجِدْ نِصْفَ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةَ عَوْنِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 مِنْ نَحْوِ كَسْبٍ لَائِقٍ بِهِ، أَوْ لَا يَجِدُ شَيْئًا) أَلْبَتَّةَ، وَمِثْلُهُ الْخِرَقِيِّ وَالشَّارِحُ بِالزَّمِنِ وَالْأَعْمَى، لِأَنَّهُمَا فِي الْغَالِبِ كَذَلِكَ. (الثَّانِي: مِسْكِينٌ وَهُوَ) ، أَيْ: الْمِسْكِينُ (مَنْ يَجِدُ نِصْفَهَا أَوْ أَكْثَرَهَا) مِنْ كَسْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، مِفْعِيلٌ، وَهُوَ: الَّذِي أَسْكَنَتْهُ الْحَاجَةُ، (وَلَا يَقْدَحُ مِلْكُهُ نِصَابًا زَكَوِيًّا فَأَكْثَرَ، فَمَنْ مَلَكَ وَلَوْ مِنْ أَثْمَانِ مَا لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ) ، فَيَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ تَمَامَ كِفَايَتِهِ سَنَةً. (وَلِمَنْ لَهُ عُرُوضُ تِجَارَةٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ) مِنْ ذَلِكَ (لَا يَرِدُ عَلَيْهِ رِبْحُهَا) ، أَيْ: لَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ (قَدْرُ كِفَايَتِهِ) يَجُوزُ لَهُ (الْأَخْذُ مِنْ زَكَاةٍ) أَوْ كَانَ لَهُ مَوَاشِي تَبْلُغُ نِصَابًا، أَوْ لَهُ زَرْعٌ يَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لَا يَقُومُ ذَلِكَ بِجَمِيعِ كِفَايَتِهِ، يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَلَا (يَمْنَعُ) ذَلِكَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ. (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: (إذَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ يَسْتَغِلُّهَا عَشْرَةُ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرُ وَلَا تَكْفِيهِ أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ) تَمَامَ كِفَايَتِهِ، (وَقِيلَ لَهُ) - أَيْ: لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ -: (يَكُونُ لَهُ الزَّرْعُ الْقَائِمُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَحْصُدُهُ أَيَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَفِي مَعْنَاهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ مُؤْنَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُنْفِقْهُ بِعَيْنِهِ فِي الْمُؤْنَةِ) . وَكَذَا مَنْ لَهُ كُتُبٌ يَحْتَاجُهَا لِلْحِفْظِ وَالْمُطَالَعَةِ، أَوْ لَهَا حُلِيٌّ لِلُّبْسِ، أَوْ كِرَاءٌ تَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَلَا يَمْنَعُهَا ذَلِكَ الْأَخْذَ مِنْ الزَّكَاةِ، فَالْغِنَى فِي بَابِ الزَّكَاةِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يُوجِبُهَا، وَنَوْعٌ يَمْنَعُهَا. وَالْغِنَى هُنَا: مَا تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ، (وَعَلَيْهِ) ، أَيْ: قَوْلِ الْإِمَامِ، (فَيُعْطَى مُحْتَرِفٌ ثَمَنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 آلَةِ حِرْفَةٍ، وَإِنْ كَثُرَتْ، وَتَاجِرٌ يُعْطَى رَأْسُ مَالٍ يَكْفِيهِ) ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا حَلَّتْ لَهُ، وَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا فَأَكْثَرَ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ: فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالسِّدَادُ: الْكِفَايَةُ. وَذَكَرَ أَحْمَدُ قَوْلَ عُمَرَ: " أَعْطَوْهُمْ، وَإِنْ رَاحَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا " وَأَمَّا حَدِيثُ «ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ سَأَلَهُ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ مَسْأَلَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُدُوشًا، أَوْ كُدُوشًا فِي وَجْهِهِ» فَأُجِيبَ عَنْهُ بِضَعْفِ الْخَبَرِ، وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ فِي وَقْتٍ كَانَتْ الْكِفَايَةُ الْغَالِبَةُ فِيهِ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَلِذَلِكَ جَاءَ التَّقْدِيرُ عَنْهُ بِأَرْبَعِينَ وَبِخَمْسِينَ أَوَاقٍ، وَهِيَ: مِائَتَا دِرْهَمٍ. (وَ) يُعْطَى (غَيْرُهُمَا) ، أَيْ: الْمُحْتَرِفِ وَالتَّاجِرِ (مِنْ فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ تَمَامَ كِفَايَتِهِمَا مَعَ) كِفَايَةِ (عَامِلَتِهِمَا سَنَةً) ، لِتَكَرُّرِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِتَكَرُّرِ الْحَوْلِ، فَيُعْطَى مَا يَكْفِيهِ إلَى مِثْلِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَامِلَتِهِمَا مَقْصُودٌ دَفْعُ حَاجَتِهِ، فَيُعْتَبَرُ لَهُ مَا يُعْتَبَرُ لِلْمُنْفَرِدِ، حَتَّى (وَلَوْ كَانَ احْتِيَاجُهُمَا بِ) سَبَبِ (إتْلَافِ مَالِهِمَا فِي الْمَعَاصِي أَوْ لَمْ يَتُوبَا) : لِصِدْقِ اسْمِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ عَلَيْهِمَا حِينَ الْأَخْذِ، (وَيُعْطَى لِمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِنِسْبَتِهِ) ، أَيْ: الْبَعْضِ الْحُرِّ مِنْهُ، فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَأْخُذُ مِنْ الزِّيَادَةِ مِنْ الزَّكَاةِ نِصْفَ كِفَايَتِهِ سَنَةً، وَمَنْ ثُلُثُهُ حُرٌّ يَأْخُذُ ثُلُثَ كِفَايَتِهِ سَنَةً وَهَكَذَا (وَ) يُعْطَى (لِفَقِيرَةٍ تَجِدُ مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 يَنْكِحُهَا) مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرَ كِفَايَتِهَا، (إذْ تَحْصِيلُ الْمَالِ بِالْبُضْعِ لَيْسَ بِغِنًى مُعْتَبَرٍ مُطْلَقًا) فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا، فَلَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ لِتَحُجَّ، وَكَذَا لَا تُجْبَرُ عَلَى التَّزَوُّجِ لِتُنْفِقَ عَلَى قَرِيبِهَا الْفَقِيرِ. (وَإِنْ تَفَرَّغَ قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ لِلْعِلْمِ) الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ (لَا) إنْ تَفَرَّغَ قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ (لِلْعِبَادَةِ) لِقُصُورِ نَفْعِهَا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْعِلْمِ (وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّكَسُّبِ (أُعْطِيَ) مِنْ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ، (وَمَنْ أُعْطِيَ مَالًا) مِنْ زَكَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا (لِيُفَرِّقَهُ، جَازَ لَهُ) تَنَاوُلُهُ لِذَلِكَ (إنْ أَمِنَ نَفْسَهُ) عَلَى تَفْرِقَتِهِ. (الثَّالِثُ: عَامِلٌ عَلَيْهَا كَجَابٍ) يَبْعَثُهُ إمَامٌ لِأَخْذِ زَكَاةٍ مِنْ أَرْبَابِهَا، (وَحَافِظٍ وَكَاتِبٍ وَقَاسِمٍ) وَمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا، لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] «وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَبْعَثُ عَلَى الصَّدَقَةِ سُعَاةً وَيُعْطِيهِمْ عِمَالَتَهُمْ» . (وَشُرِطَ كَوْنُهُ) ، أَيْ: الْعَامِلِ (مُسْلِمًا) ، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَاشْتُرِطَ فِيهَا الْإِسْلَامُ كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ (مُكَلَّفًا) ، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ أَيْضًا، وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ مُوَلًّى عَلَيْهِ (أَمِينًا عَالِمًا بِأَحْكَامِ زَكَاةٍ) إنْ كَانَ مِمَّنْ يُفَوَّضُ إلَيْهِ عُمُومُ الْأَمْرِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ كِفَايَةٌ لَهُ، وَيَصِيرُ خَطَؤُهُ أَكْثَرَ مِنْ صَوَابِهِ (كَافِيًا) فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْوِلَايَةِ، فَاشْتُرِطَ فِيهَا ذَلِكَ كَغَيْرِهَا. (وَيَتَّجِهُ: اشْتِرَاطُ ذُكُورِيَّتِهِ، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ) ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: لَوْ قِيلَ بِاشْتِرَاطِ ذُكُورِيَّتِهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ امْرَأَةً وُلِّيَتْ عِمَالَةَ زَكَاةٍ أَلْبَتَّةَ، وَتَرْكُهُمْ ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَأَيْضًا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] ، لَا يَشْمَلُهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ ": وَاشْتِرَاطُ ذُكُورِيَّتِهِ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى) ، وَهُمْ: بَنُو هَاشِمٍ، وَمِثْلُهُمْ مَوَالِيهِمْ، «لِأَنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمُطَّلِبَ بْنَ رَبِيعَةَ سَأَلَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِمَالَةَ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَقَالَ: إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» وَهُوَ نَصٌّ فِي التَّحْرِيمِ، لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ، إلَّا أَنْ نَدْفَعَ إلَيْهِ أُجْرَتَهُ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي ": (وَلَوْ كَانَ قِنًّا) فَلَا تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ، لِحَدِيثِ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ، أَشْبَهَ الْحُرَّ، (أَوْ) كَانَ الْعَامِلُ (غَنِيًّا) لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ: الْعَامِلُ، أَوْ رَجُلٌ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَارِمٌ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مِسْكِينٌ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى لِغَنِيٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَيُعْطَى) عَامِلٌ (قَدْرَ أُجْرَتِهِ مِنْهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ جَاوَزَتْ ثَمَنَ مَا جَبَاهُ أَوْ لَا نَصًّا، وَذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (إنْ لَمْ يَعْقِدْ لَهُ عَقْدَ إجَارَةٍ) فَإِنْ عَقَدَ لَهُ عَقْدَ إجَارَةٍ، وَسَمَّى لَهُ شَيْئًا مَعْلُومًا، اسْتَحَقَّهُ (إلَّا إنْ تَلِفَتْ) الزَّكَاةُ (بِيَدِهِ) ، أَيْ: الْعَامِلِ (بِلَا تَفْرِيطٍ) مِنْهُ، (وَلَا يَضْمَنُ) مَا تَلِفَ حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَحَيْثُ لَا ضَمَانَ (فَ) يُعْطَى أُجْرَتُهُ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مِنْهَا. (وَإِنْ تَطَوَّعَ) الْعَامِلُ (بِعَمَلِهِ فَأُعْطِيَ) ، أَيْ: أَعْطَاهُ إمَامٌ أَوْ غَيْرُهُ أُجْرَتَهُ، (فَلَهُ الْأَخْذُ) لِقِصَّةِ عُمَرَ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُسَمِّيَ أَوْ يَعْقِدَ لَهُ إجَارَةً وَأَنْ يَبْعَثَهُ بِغَيْرِهِمَا. (وَإِنْ عَمِلَ عَلَيْهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (إمَامٌ، أَوْ) عَمِلَ عَلَيْهَا (نَائِبُهُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 بِأَنْ جَبَاهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِلَا بَعْثِ عُمَّالٍ، (لَمْ يَأْخُذْ) مِنْهَا (شَيْئًا) ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. (وَيَجُوزُ كَوْنُ حَامِلِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (وَرَاعِيهَا وَنَحْوِ كَيَّالٍ) كَسَائِقٍ وَحَافِظٍ (مِمَّنْ مَنَعَهَا كَكَافِرٍ وَذَوِي قُرْبَى، لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ لَا لِعِمَالَتِهِ) ، بِخِلَافِ الْعَامِلِ وَالْجَابِي وَنَحْوِهِمَا. (وَإِنْ شَاءَ إمَامٌ جَعَلَ لِعَامِلٍ أَخْذَ زَكَاةٍ وَتَفْرِيقِهَا) لِقِصَّةِ مُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ، (أَوْ) جَعَلَ لَهُ (أَخْذَهَا فَقَطْ) وَيُفَرِّقُهَا الْإِمَامُ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ أَوْ مَا دُونَ الْمَسَافَةِ، (فَإِنْ) أَذِنَ لَهُ فِي جَمْعِهَا وَ (أَطْلَقَ) ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالتَّفْرِيقِ، وَلَمْ يَنْهَهُ، (فَلَهُ تَفْرِيقُهَا) فِي مُسْتَحَقِّيهَا، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد " أَنَّ زِيَادًا وَلَّى عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ الصَّدَقَةَ، فَلَمَّا جَاءَ قِيلَ لَهُ: أَيْنَ الْمَالُ؟ قَالَ: وَلِلْمَالِ أَرْسَلْتَنِي؟ أَخَذْنَاهَا كَمَا نَأْخُذُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَضَعْنَاهَا حَيْثُ كُنَّا نَضَعُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " (وَإِلَّا) بِأَنْ قَالَ لَهُ: لَا تُفَرِّقْهَا (فَلَا) يُفَرِّقُهَا لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ. (وَتُقْبَلُ) شَهَادَةُ (مَالِكِ) مَالٍ مُزَكًّى (عَلَى عَامِلٍ بِوَضْعِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ فِي (غَيْرِ مَوْضِعِهَا) ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا، وَلَا تَجُرُّ لَهُ نَفْعًا، لِبَرَاءَتِهِ بِالدَّفْعِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا تُقْبَلُ لَهُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ فِيهَا، (وَيُصَدَّقُ) رَبُّ الْمَالِ (فِي دَفْعِهَا لَهُ) ، أَيْ: الْعَامِلِ (بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ بَعْدَ دَفْعِهَا لَهُ) ، لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى عِبَادَتِهِ (وَيَسْتَرِدُّهَا) الْمَالِكُ (مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ الْعَامِلِ بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ (مَا بَقِيَتْ بِيَدِهِ) لِيَضَعَهَا فِي مَوَاضِعِهَا، (وَإِلَّا) تَكُنْ بَاقِيَةً، بَلْ ادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ (فَلَا) اسْتِرْدَادَ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ دَفْعِهَا لَهُ، إلَى قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَلَا، هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ فِي الْإِقْنَاعِ " وَلَا فِي الْمُنْتَهَى " وَهِيَ كَمَا تَرَى لَا طَائِلَ تَحْتَهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 (وَيَحْلِفُ عَامِلٌ لِمُسْتَحِقٍّ) زَكَاةً أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ (وَيَبْرَأُ) مِنْ عُهْدَتِهَا، فَتَضِيعُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ. (وَإِنْ ثَبَتَ) عَلَى عَامِلٍ أَخْذُ زَكَاةٍ مِنْ أَرْبَابِهَا (دَفَعَهَا) الْعَامِلُ (لَهُ) ، أَيْ: لِرَبِّ الْمَالِ، (وَلَوْ بِشَهَادَةِ أَرْبَابِ أَمْوَالِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِلَا تَخَاصُمٍ) بَيْنَ عَامِلٍ وَشَاهِدٍ، قُبِلَتْ، وَ (غَرِمَ) عَامِلٌ لِلْفُقَرَاءِ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ، وَإِنَّمَا قُبِلَ مِنْهُمْ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ. (وَإِنْ شَهِدَ مُسْتَحِقٌّ) كَفَقِيرٍ وَنَحْوِهِ (لِعَامِلٍ أَوْ عَلَيْهِ، لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ جَلْبِ النَّفْعِ. (وَيَصْدُقُ عَامِلٌ فِي قَبْضِ زَكَاةٍ مِنْ رَبِّهَا وَلَوْ عُزِلَ) كَحَاكِمٍ أَقَرَّ بِحُكْمِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ، (أَوْ) أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَيْهَا إلَّا (بِجُعْلٍ) وَيَأْخُذُهُ (وَ) يُصَدَّقُ عَامِلٌ (فِي) دَعْوَى (دَفْعِ) زَكَاةٍ (لِفَقِيرٍ) فَيَبْرَأُ مِنْهَا. (وَ) يُصَدَّقُ (فَقِيرٌ فِي عَدَمِهِ) ، أَيْ: الدَّفْعِ إلَيْهِ مِنْهَا، وَظَاهِرُهُ: بِلَا يَمِينٍ، وَيَأْخُذُ زَكَاةً أُخْرَى. (وَمَا خَانَ) الْعَامِلُ (فِيهِ أَخَذَهُ الْإِمَامُ) لِيَرُدَّهُ إلَى مُسْتَحَقِّيهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَ (لَا) يَأْخُذُهُ (أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ) لِأَنَّهُ زَكَاةٌ، لَكِنْ إنْ أَخَذَ مِنْهُمْ شَيْئًا ظُلْمًا بِلَا تَأْوِيلٍ، فَلَهُمْ أَخْذُهُ، (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَيَلْزَمُهُ) ، أَيْ: الْعَامِلَ (دَفْعُ حِسَابِ مَا تَوَلَّاهُ إذَا طَلَبَ مِنْهُ) ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا يَلْزَمُهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُبْدِعِ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 (فَرْعٌ: لِعَامِلٍ بَيْعُ زَكَاةٍ مِنْ مَاشِيَةٍ وَغَيْرِهَا لِمَصْلَحَةٍ، وَيَصْرِفُهَا فِي الْأَحَظِّ لِفُقَرَاءَ حَتَّى فِي إجَارَةُ مَسْكَنٍ) لِنَحْوِ فَقِيرٍ، وَ (لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ لَا يَصِحُّ) بَيْعُهُ شَيْئًا مِنْهَا، (وَيَضْمَنُ) إنْ بَاعَ شَيْئًا بِمِثْلِ مِثْلِيٍّ وَقِيمَةِ مُتَقَوِّمٍ. (الرَّابِعُ: مُؤَلَّفٌ) لِلْآيَةِ، (وَحُكْمُهُ بَاقٍ) " لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَيُعْطَوْنَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيُحْمَلُ تَرْكُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ إعْطَاءَهُمْ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى إعْطَائِهِمْ فِي خِلَافَتِهِمْ، لَا لِسُقُوطٍ سَهْمِهِمْ، فَإِنَّ الْآيَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، وَ " أَعْطَى أَبُو بَكْرٍ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَالزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ، وَمَنَعَ وُجُودَ الْحَاجَةِ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ، وَاخْتِلَافُ أَحْوَالِ النُّفُوسِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ لَا يُخْفِي فَسَادَهُ. (وَهُوَ) ، أَيْ: الْمُؤَلَّفُ: (السَّيِّدُ الْمُطَاعُ فِي عَشِيرَتِهِ) ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ لِلتَّأْلِيفِ، وَإِنْ خُشِيَ شَرُّهُ بِانْضِمَامِهِ إلَى ظَالِمٍ، لِعَدَمِ تَنَاوُلِ اسْمِ الْمُؤَلَّفِ لَهُ. (مِمَّنْ) ، أَيْ: كَافِرٍ (يُرْجَى إسْلَامُهُ، أَوْ يُخْشَى شَرُّهُ كَخَوَارِجَ) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: «بَعَثَهُ عَلِيٌّ وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ، وَزَيْدِ الْخَيْرِ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: تُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ وَتَدَعُنَا؟ فَقَالَ: إنِّي إنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِأَتَأَلَّفَهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ) مُسْلِمٌ (يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إيمَانِهِ) ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ: " هُمْ قَوْمٌ كَانُوا يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرْضِخُ لَهُمْ مِنْ الصَّدَقَاتِ، فَإِذَا أَعْطَاهُمْ مِنْ الصَّدَقَةِ قَالُوا: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 وَإِذَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ عَابُوهُ " رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي " التَّفْسِيرِ ". (أَوْ) يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ (إسْلَامُ نَظِيرِهِ) ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْطَى عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَالزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ مَعَ حُسْنِ نِيَّاتِهِمَا وَإِسْلَامِهِمَا رَجَاءَ إسْلَامِ نَظِيرِهِمَا، (أَوْ) لِأَجْلِ (جِبَايَتِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا) إلَّا بِالتَّخْوِيفِ، (أَوْ) لِأَجْلِ (دَفْعٍ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) بِأَنْ يَكُونُوا فِي أَطْرَافِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، إذَا أُعْطُوا مِنْ الزَّكَاةِ دَفَعُوا الْكُفَّارَ عَمَّنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا فَلَا. (أَوْ) يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ (نُصْحٌ فِي الْجِهَادِ) ، فَيُعْطَى لِذَلِكَ (وَيُعْطَى) مُؤَلَّفٌ مِنْ زَكَاةٍ (مَا) ، أَيْ: قَدْرًا (يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ) ، لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) ، أَيْ: الْمُطَاعِ فِي عَشِيرَتِهِ (فِي ضَعْفِ إسْلَامِهِ) ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ، وَ (لَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ: (إنَّهُ مُطَاعٌ) فِي عَشِيرَتِهِ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِعَدَمِ تَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. (وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ) مُؤَلَّفٍ (مَا أَخَذَهُ) إنْ أُعْطِيَ (لِكَفِّ شَرِّهِ كَهَدِيَّةٍ لِعَامِلٍ) وَرِشْوَةٍ، لِحَدِيثِ: «هَدَايَا الْعُمَّالُ غُلُولٌ» (وَإِلَّا) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أُعْطِيَ لِكَفِّ شَرِّهِ، بَلْ لِيَقْوَى إيمَانُهُ، أَوْ يُسْلِمَ نَظِيرَهُ، أَوْ يَنْصَحَ فِي الْجِهَادِ، أَوْ يَدْفَعَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهِ (حَلَّ) لَهُ مَا أَخَذَهُ كَبَاقِي أَهْلِ الزَّكَاةِ. (الْخَامِسُ: مُكَاتَبٌ) قَدَرَ عَلَى تَكَسُّبٍ، أَوَّلًا: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] ، (وَلَوْ قَبْلَ حُلُولِ نَجْمِ) كِتَابَةٍ لِئَلَّا يَحِلَّ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ. فَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ (فَيُعْطَى) الْمُكَاتَبُ (وَفَاءَ دَيْنِ كِتَابَتِهِ، وَلَوْ مَعَ قُوَّةِ كَسْبٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَ (لَا) يُعْطَى الْمُكَاتَبُ مِنْ الزَّكَاةِ (لِجِهَةِ فَقْرِهِ، لِأَنَّهُ قِنٌّ) مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَالْقِنُّ لَا يُعْطَى مِنْهَا. (وَيُجْزِئُ) مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ، و (لَا) يَشْتَرِي (بِعَرْضٍ رَقَبَةٍ لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ) لِرَحِمٍ أَوْ تَعْلِيقٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 (فَيُعْتِقُهَا) عَنْ زَكَاتِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِلْقِنِّ، بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ، لِأَنَّ الرَّقَبَةَ إذَا أُطْلِقَتْ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ، وَتَقْدِيرُهَا: وَهِيَ فِي إعْتَاقِ الرِّقَابِ، (وَلَهُ وَلَاؤُهَا) لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . (وَ) يُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يَفْدِيَ بِهَا أَسِيرًا مُسْلِمًا) نَصًّا، لِأَنَّهُ فَكُّ رَقَبَةٍ مِنْ الْأَسْرِ، فَهُوَ كَفَكِّ الْقِنِّ مِنْ الرِّقِّ، وَإِعْزَازًا لِلدِّينِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: (وَمِثْلُهُ) لَوْ (دَفَعَ لِفَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَرَّمَهُ سُلْطَانٌ مَالًا لِيَدْفَعَ جَوْرَهُ) ، فَيُجْزِئُهُ. وَ (لَا) يُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يُعْتِقَ قِنَّهُ أَوْ مُكَاتَبًا عَنْهَا) ، أَيْ: عَنْ زَكَاتِهِ، لِأَنَّ أَدَاءَ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ تَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ. وَكَذَا لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ مِنْهَا لِمَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ مَالٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ التِّجَارَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي قِيمَتِهِمْ لَا فِي عَيْنِهِمْ. (وَمَا أَعْتَقَ إمَامٌ أَوْ سَاعٍ مِنْهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ، وَمَا أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ. (السَّادِسُ: غَارِمٌ) وَهُوَ ضَرْبَانِ: الْأَوَّلُ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (تَدَيَّنَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ) ، أَيْ: وَصْلٍ، كَقَبِيلَتَيْنِ، أَوْ أَهْلِ قَرْيَتَيْنِ، (وَلَوْ بَيْنَ أَهْلِ ذِمَّةٍ) تَشَاجَرُوا فِي دِمَاءٍ أَوْ أَمْوَالٍ وَخِيفَ مِنْهُ، فَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمْ رَجُلٌ وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، وَالْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ مَالًا عِوَضًا عَمَّا بَيْنَهُمْ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ، فَقَدْ أَتَى مَعْرُوفًا عَظِيمًا، فَكَانَ مِنْ الْمَعْرُوفِ حَمْلُهُ عَنْهُ مِنْ الصَّدَقَةِ لِئَلَّا يُجْحِفَ بِسَادَةِ الْقَوْمِ الْمُصْلِحِينَ ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْحَمَالَةَ - بِفَتْحِ الْحَاءِ - ثُمَّ يَخْرُجُ فِي الْقَبَائِلِ يَسْأَلُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، فَأَقَرَّتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 الشَّرِيعَةُ ذَلِكَ، وَأَبَاحَتْ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ تَحَمَّلَ، (إتْلَافًا أَوْ نَهْبًا عَنْ غَيْرِهِ، أَوْ) تَحَمَّلَ مَالًا (لِتَسْكِينِ فِتْنَةٍ) ، فَيَأْخُذُ مِنْ زَكَاةٍ. (وَلَوْ) كَانَ (غَنِيًّا) ، لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَأَشْبَهَ الْمُؤَلَّفَ وَالْعَامِلَ. (إنْ لَمْ يَدْفَعْ مِنْ مَالِهِ) مَا تَحَمَّلَهُ، لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ مِنْهُ لَمْ يَصِرْ مَدِينًا، وَإِنْ اقْتَرَضَ وَوَفَّاهُ، فَلَهُ الْأَخْذُ لِوَفَائِهِ، لِبَقَاءِ الْغُرْمِ (أَوْ لَمْ يَحِلَّ دَيْنُهُ) فَلَهُ الْأَخْذُ، لِحَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: «تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَأَلْتُهُ فِيهَا، فَقَالَ: أَقِمْ يَا قَبِيصَةُ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَك بِهَا.» (أَوْ) تَحَمَّلَ (دَيْنَ ضَمَانٍ) ، بِأَنْ ضَمِنَ غَيْرَهُ فِي دَيْنٍ (وَأَعْسَرَ) ضَامِنٌ مَعَ مَضْمُونٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَخْذُ مِنْ زَكَاةٍ لِوَفَائِهِ، فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا، لَمْ يَجُزْ الدَّفْعُ إلَيْهِمَا، وَلَا إلَى أَحَدِهِمَا. الثَّانِي مِنْ ضَرْبَيْ الْغَارِمِ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ تَدَيَّنَ لِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ كُفَّارٍ، أَوْ) تَدَيَّنَ (مُكَاتَبٌ لِعِتْقِ) نَفْسِهِ (أَوْ) تَدَيَّنَ (لِنَفْسِهِ) فِي (شَيْءٍ) مُبَاحٍ، (أَوْ) تَدَيَّنَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ (مُحَرَّمٍ وَتَابَ) مِنْهُ (وَأَعْسَرَ) بِالدِّينِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60] (وَيُعْطَى) غَارِمٌ (وَفَاءَ دَيْنِهِ كَمُكَاتَبٍ) ، لِانْدِفَاعِ حَاجَتِهِمَا بِهِ. (وَلَوْ) كَانَ مَا لَزِمَهُ (دَيْنًا لِلَّهِ) تَعَالَى، كَحَجٍّ فَسَدَ، وَعَجَزَ عَنْ قَضَائِهِ، فَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ لِيَقْضِيَهُ، لِأَنَّهُ دَيْنُ اللَّهِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ مِنْ دَيْنِ الْآدَمِيِّينَ (وَلَا يَقْضِي مِنْهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ، (دَيْنٌ) عَلَى (مَيِّتٍ) ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، لِقَبُولِهَا، كَمَا لَوْ كَفَّنَهُ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ اسْتَدَانَهُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ، أَوْ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ. (وَلِإِمَامٍ قَضَاءُ دَيْنٍ مِنْهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (عَنْ حَيٍّ) بِلَا وَكَالَةٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي إيفَائِهِ، وَلِهَذَا يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ. (وَالْأَوْلَى لَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ، (وَلِمَالِكِ) مَالٍ مُزَكًّى (دَفْعُهَا لِسَيِّدِ مُكَاتَبٍ) مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (لِرَدِّهِ) ، أَيْ: السَّيِّدِ (مَا قَبَضَ) مِنْ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ لِمَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ (إنْ رَقَّ) الْمُكَاتَبُ (لِعَجْزٍ) عَنْ أَدَاءِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْعِتْقِ الَّذِي قَبَضَ لِأَجْلِهِ، وَ (لَا) يَرُدُّ سَيِّدُ مُكَاتَبٍ (مَا قَبَضَ مُكَاتَبٌ) مِنْ زَكَاةٍ وَدَفَعَهُ لِسَيِّدِهِ، ثُمَّ عَجَزَ، لِأَنَّهُ مَلَكَ مَا قَبَضَهُ بِالْقَبْضِ، فَلَمَّا عَجَزَ عَادَ هُوَ وَمَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ (وَلِمَالِكٍ دَفْعُهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (لِغَرِيمٍ مَدِينٍ، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا) الْمَدِينُ (أَوْ) لَمْ (يَأْذَنْ لَهُ) فِي دَفْعِهَا نَصًّا، لِأَنَّهُ دَفَعَ عَنْهُ الزَّكَاةَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَقَضَى بِهَا دَيْنَهُ، (وَإِنْ دَفَعَ) مُزْكٍ زَكَاةَ مَالِهِ (لِغَارِمٍ لِفَقْرِهِ، جَازَ) لِلْغَارِمِ (أَنْ يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ) لِمِلْكِهِ إيَّاهُ مِلْكًا تَامًّا. (وَإِنْ دَفَعَ لَهُ لِقَضَاءِ دَيْنَهُ، لَمْ يَجُزْ) لَهُ (صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ) كَانَ (فَقِيرًا) ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ أَخْذًا مُرَاعًى. (وَيَتَّجِهُ: لَوْ دَفَعَ) إنْسَانٌ (نَحْوَ تَمْرَةٍ لِصَائِمٍ) لِيُفْطِرَ عَلَيْهَا. (وَ) كَذَا (نَحْوُ ثَوْبٍ لِفَقِيرِ لِيَلْبَسَهُ تَعَيَّنَ مَدْفُوعٌ لَهُ) ، أَيْ: لِمُسْتَحِقِّ قَبْضِهِ، فَلَا يَسْتَعْمِلُهُ الْمُسْتَحِقُّ فِي غَيْرِ مَا دَفَعَ لِأَجْلِهِ (إلَّا لِغَرَضٍ أَعْلَى) مِمَّا قَصَدَ الدَّافِعُ اسْتِعْمَالَ مَدْفُوعٍ بِهِ، كَاطِّعَامِ مُسْتَحِقِّ التَّمْرَةِ (لِصَائِمٍ آخَرَ) أَحْوَجَ مِنْهُ لِأَكْلِهَا، أَوْ إلْبَاسِهِ الثَّوْبَ لِفَقِيرٍ أَحْوَجَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ عُرْيَانًا. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِيهِ مَا فِيهِ، إذْ مُقْتَضَى قَوَاعِدِهِمْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ، وَلَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ قَصْدِ الدَّافِعِ، وَهَذَا الْمُسْتَحِقُّ لِمَا مَلَكَ، قَبَضَ نَحْوَ التَّمْرَةِ أَوْ الثَّوْبِ، إنْ شَاءَ اسْتَعْمَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهُ لِغَيْرِهِ. فَإِلْزَامُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ تَحَكُّمٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 نَعَمْ، إذَا وُجِدَ مُضْطَرٌّ وَعِنْدَهُ مَا يَدْفَعُ اضْطِرَارَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عِنْدَهُ مَوْهُوبًا لَهُ، أَوْ مَمْلُوكًا لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ. (السَّابِعُ: غَازٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] (بِلَا دِيوَانٍ، أَوَّلُهُ) فِي الدِّيوَانِ شَيْءٌ، (وَلَا يَكْفِيهِ) لِفَرْدِهِ (فَيُعْطَى مِنْهَا) - أَيْ: الزَّكَاةِ، (وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا) لِأَنَّهُ لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ - (مَا يَحْتَاجُ) إلَيْهِ (لِغَزْوِهِ ذَهَابًا وَإِقَامَةً) بِأَرْضِ الْعَدُوِّ، (وَإِيَابًا) إلَى بَلَدِهِ. (وَنَحْوُهُ ثَمَنُ سِلَاحٍ) وَدِرْعٍ (وَفَرَسٍ لِفَارِسٍ وَحُمُولَتِهِ) ، أَيْ: مَا يَحْمِلُهُ مِنْ بَعِيرٍ وَنَحْوِهِ، (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) إنْ ادَّعَى (أَنَّهُ يُرِيدُ الْغَزْوَ) ، لِأَنَّ إرَادَتَهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ. (وَيُجْزِئُ) أَنْ يُعْطِيَ مِنْ زَكَاةٍ (لِحَجِّ فَرْضِ فَقِيرٍ وَعُمْرَتِهِ) فَيُعْطِي مَا يَحُجُّ بِهِ فَقِيرٌ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ يَعْتَمِرُ، أَوْ يُعِينُهُ فِيهِمَا، لِحَدِيثِ: «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيُتَوَجَّهُ: أَنَّ الرِّبَاطَ كَالْغَزْوِ. (وَلَوْ لَمْ يَجِبَا) ، أَيْ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، قَالَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْفَقِيرُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مِنْهُ كَالتَّطَوُّعِ. (وَيَتَّجِهُ: بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (لَا) يُعْطِي أَعْزَبَ مَكْفِيَّ الْمُؤْنَةِ غَيْرَ تَائِقٍ مِنْ الزَّكَاةِ (لِتَزْوِيجِهِ، فَإِنْ اسْتَدَانَ لَهُ) ، أَيْ: التَّزْوِيجِ، (جَازَ) أَنْ يُعْطَى مِنْهَا مَا يُوَفِّي بِهِ دَيْنَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَ (لَا) يُجْزِئُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا فَرَسًا، يَحْبِسُهَا) فِي سَبِيلِ اللَّهِ، (أَوْ) أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا (عَقَارًا يَقِفُهُ عَلَى غُزَاةٍ) ، لِعَدَمِ الْإِيتَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، (وَلَا) يُجْزِئُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (غَزْوُهُ عَلَى فَرَسٍ) أَوْ بِدِرْعٍ وَنَحْوِهِ (مِنْهَا) ، أَيْ: زَكَاتِهِ، لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَتْ مَصْرِفًا لِزَكَاتِهِ، كَمَا لَا يَقْضِي بِهَا دَيْنَهُ. (وَلِإِمَامٍ شِرَاءُ فَرَسٍ بِزَكَاةِ رَجُلٍ وَدَفَعَهَا) ، أَيْ: الْفَرَسَ (إلَيْهِ) أَيْ: رَبِّ الزَّكَاةِ (لِيَغْزُوَ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْهَا بِدَفْعِهَا لِلْإِمَامِ، وَتَقَدَّمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 لِإِمَامٍ دَفْعُ زَكَاةٍ وَصَدَقَةٍ لِمَنْ أُخِذَتَا مِنْهُ. (وَإِنْ لَمْ يَغْزُ) مَنْ أَخَذَ فَرَسًا أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الزَّكَاةِ، (رَدَّهَا) عَلَى إمَامٍ، لِأَنَّهُ أُعْطِيَ عَلَى عَمَلٍ وَلَمْ يَعْمَلْهُ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: إذَا خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَخَذَ مِنْ الصَّدَقَةِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ وَ (كَفَرَسٍ حَيَوَانٌ) كَبَغْلٍ وَفِيلٍ (يُقَاتِلُ عَلَيْهِ) فَلِلْإِمَامِ شِرَاؤُهُ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ، (وَ) شِرَاءُ (سُفُنٍ لِجِهَادٍ، لِأَنَّهُ) ، أَيْ: الْمَذْكُورَ (مِنْ حَاجَةِ الْغَازِي) وَمَصْلَحَتِهِ، وَكُلُّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ فِعْلُهُ، لِأَنَّهُ بِالْمَصَالِحِ أَدْرَى مِنْ غَيْرِهِ. (الثَّامِنُ: ابْنُ سَبِيلٍ) لِلْآيَةِ (وَهُوَ: الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ) بِسَفَرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) : كَوْنُهُ مُنْقَطِعًا (عُرْفًا) فَلَا يَقْدَحُ وُجُودُ بَقِيَّةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ نَفَقَتِهِ، إذْ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِغَيْرِ بَلَدِهِ وَلَا يُعْطَى مُنْشِئٌ سَفَرًا مِنْهَا) ، أَيْ: بَلَدِهِ، لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلَ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَصِيرُ ابْنَ سَبِيلٍ فِي ثَانِي الْحَالِ، وَالسَّبِيلُ هِيَ: الطَّرِيقُ، وَسُمِّيَ مَنْ يُغَيِّرُ بَلَدَهُ: ابْنَ سَبِيلٍ، لِمُلَازِمَتِهِ لَهَا، كَمَا يُقَالُ: وَلَدُ اللَّيْلِ لِمَنْ يَكْثُرُ خُرُوجُهُ فِيهِ، وَابْنُ الْمَاءِ لِطَيْرِهِ، وَلِمُلَازَمَتِهِ لَهُ، (فَيُعْطَى) ابْنُ السَّبِيلِ. (وَلَوْ مَعَ غِنَاهُ بِبَلَدِهِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْوُصُولِ إلَى مَالِهِ، وَعَنْ الِانْتِفَاعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 بِهِ، فَأَشْبَهَ مَنْ سَقَطَ مَتَاعُهُ فِي الْبَحْرِ أَوْ ضَاعَ. (وَ) لَوْ (وَجَدَ مُقْرِضًا) ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فِي بَلَدِهِ، أُعْطِيَ لِفَقْرِهِ مَا يَكْفِيهِ سَنَةً، وَأُعْطِي لِكَوْنِهِ ابْنَ سَبِيلٍ (مَا يُبَلِّغُهُ بَلَدَهُ) إنْ كَانَ ذَاهِبًا إلَيْهَا (أَوْ) يُبَلِّغُهُ (مُنْتَهَى قَصْدِهِ) إنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا، وَانْقَطَعَ قَبْلَ الْبَلَدِ الَّذِي قَصَدَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يُوَصِّلُهُ إلَيْهِ، (وَعَوْدُهُ إلَيْهَا) ، أَيْ: بَلَدِهِ، لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى بُلُوغِ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ، وَمَحَلُّهُ (إنْ كَانَ بِسَفَرٍ مُبَاحٍ) كَطَلَبِ رِزْقٍ أَوْ سَفَرِ طَاعَةٍ، كَحَجٍّ، وَعِلْمٍ شَرْعِيٍّ، وَوَسَائِلُهُ، وَصِلَةِ رَحِمٍ (أَوْ) سَفَرٍ (مُحَرَّمٍ، وَتَابَ) مِنْهُ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا، وَ (لَا) يُعْطَى ابْنُ سَبِيلٍ فِي سَفَرٍ (مَكْرُوهٍ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَ) لَا فِي سَفَرِ (نُزْهَةٍ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ: مَا لَمْ يَتُبْ) مَنْ سَافَرَ سَفَرًا مَكْرُوهًا أَوْ نُزْهَةً، (بِأَنْ نَوَى) قَلْبَ سَفَرِهِ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ (مُبَاحًا) كَالتِّجَارَةِ، لِأَنَّ التَّائِبَ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ يُعْطَى، فَهَذَا أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لِتِجَارَةٍ بَعْدَ وُجُوبِ زَكَاةِ قِيمَتِهِ) وَقَبْلَ إخْرَاجِهَا (أَجْزَأَ) سَيِّدَهُ (دَفْعُهَا) ، أَيْ: زَكَاةِ قِيمَتِهِ (إلَيْهِ) - أَيْ: الْعَتِيقِ - لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا مِنْ أَهْلِهَا، مَا لَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ كُفْرٍ وَنَحْوِهِ (وَيُجْزِئُ دَفْعُ نَحْوِ زَكَاةٍ) كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ، (وَكَفَّارَةٍ لِصَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ طَعَامًا) لِصِغَرِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، لِلْعُمُومِ، فَيَصْرِفُ فِي أُجْرَةِ رَضَاعِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ (وَيَقْبَلُ) لَهُ وَلِيُّهُ، (وَيَقْبِضُ لَهُ) ، أَيْ: الصَّغِيرِ، نَحْوَ الزَّكَاةِ (وَلَوْ) كَانَ (مُمَيِّزًا وَلِيُّهُ) فِي مَالِهِ (وَمَعَ عَدَمِهِ) ، أَيْ: الْوَلِيِّ، يَقْبِضُ لَهُ (مَنْ يَلِيهِ مِنْ أُمٍّ وَقَرِيبٍ وَغَيْرِهِمْ نَصًّا) لِأَنَّ حِفْظَهُ مِنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْوِلَايَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 (وَسُنَّ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ) ، أَيْ: أَهْلِ الزَّكَاةِ (الثَّمَانِيَةِ بِلَا تَفْضِيلٍ) بَيْنَهُمْ (إنْ وُجِدَتْ) الْأَصْنَافُ (بِمَحَلٍّ وَجَبَتْ) الزَّكَاةُ (فِيهِ) ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَتَحْصِيلًا لِلْإِجْزَاءِ يَقِينًا. (وَيُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ عَلَى) صِنْفٍ (وَاحِدٍ) مِنْهَا، أَوْ شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَبِيصَةَ: أَقِمْ عِنْدَنَا حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا وَأَمَرَ بَنِي زُرَيْقٍ بِدَفْعِ صَدَقَتِهِمْ لِسَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ» وَلَوْ وَجَبَ الِاسْتِيعَابُ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهَا إلَى وَاحِدٍ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا. (وَ) يُجْزِئُ دَفْعُهَا (لِذَوِي أَرْحَامِهِ كَعَمَّةٍ) وَبِنْتِ أَخٍ (وَلَوْ وَرِثُوا لِضَعْفِ قَرَابَتِهِمْ) ، لِكَوْنِهِمْ لَا يَرِثُونَ بِهَا مَعَ عَصَبَةٍ، وَلَا ذَوِي فَرْضٍ غَيْرِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَ (غَيْرِ عَمُودِيٍّ نَسَبُهُ) لِأَمَةٍ لَا يُجْزِئُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ، وَيَجُوزُ إعْطَاءُ ذَوِي الرَّحِمِ غَيْرَهُمْ. (وَ) يُجْزِئُ دَفْعُهَا (لِمَنْ تَبَرَّعَ) مُزْكٍ (بِنَفَقَتِهِ بِضَمِّهِ إلَى عِيَالِهِ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى . (وَشُرِطَ) لِإِجْزَاءِ زَكَاةٍ (تَمْلِيكُ مُعْطًى وَإِقْبَاضُهَا لَهُ عَيْنًا) لَا قِيمَةً فِي غَيْرِ الْعُرُوضِ، (فَلَا يُجْزِئُ إبْرَاءُ مَدِينِهِ) مِنْ دَيْنِهِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ، (وَلَا) تُجْزِئُ (حَوَالَةٌ بِهَا) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ إيتَاءً، وَكَذَا الْحَوَالَةُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ لَهُ يُحِيلُ عَلَيْهِ. (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ مُسْتَحِقٍّ) لِلزَّكَاةِ بِهَا (قَبْلَ قَبْضِهَا) ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِهِ (وَهِيَ) ، أَيْ: الزَّكَاةُ (مِنْ ضَمَانِ مَالِكٍ) إنْ تَلِفَتْ، وَلَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ لَهَا، لِبَقَائِهَا فِي مِلْكِهِ، (وَلَوْ قَالَ) مُسْتَحِقُّهَا (لِمَالِكٍ قَبْلَ قَبْضِهَا) مِنْهُ (اشْتَرِ لِي بِهَا ثَوْبًا) أَوْ غَيْرَهُ، (فَشَرَاهُ) لَهُ، (لَمْ يُجْزِئْهُ وَهُوَ) ، أَيْ: الثَّوْبُ (لِمَالِكٍ) دُونَ مُسْتَحِقٍّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 [فَصَلِّ الْغَارِم وَالْمُكَاتَب إذَا سقط مَا عَلَيْهِمَا مِنْ مَال هَلْ يخرجا الزَّكَاة] فَصْلٌ) (وَإِنْ سَقَطَ مَا عَلَى غَارِمٍ) مِنْ دَيْنٍ، (أَوْ) سَقَطَ مَا عَلَى (مُكَاتَبٍ) مِنْ مَالِ كِتَابَةٍ، (أَوْ فَضَلَ مَعَهُمَا) ، أَيْ: الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ شَيْءٌ عَنْ الْوَفَاءِ، (أَوْ) فَضَلَ (مَعَ غَازٍ أَوْ ابْنِ سَبِيلٍ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِ، رَدَّ) غَارِمٌ، أَوْ مُكَاتَبٌ سَقَطَ مَا عَلَيْهِ (الْكُلُّ) ، أَيْ: مَا أَخَذَهُ (أَوْ) رَدَّ مَنْ فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ غَارِمٍ وَمُكَاتَبٍ وَغَازٍ وَابْنِ سَبِيلٍ (مَا فَضَلَ) مَعَهُ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ مُرَاعًى، فَإِنْ صَرَفَهُ فِي جِهَتَهُ الَّتِي اسْتَحَقَّ أَخَذَهُ لَهَا، وَإِلَّا اسْتَرْجَعَ مِنْهُ، (وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ) الْأَرْبَعَةِ (مِنْ فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ وَعَامِلٍ وَمُؤَلَّفٍ، يَتَصَرَّفُ فِي فَاضِلٍ بِمَا شَاءَ) ، لِأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَضَافَ الزَّكَاةَ إلَيْهِمْ فَاللَّامُ الْمِلْكِ، ثُمَّ قَالَ: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] وَلِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ لِمَعْنًى يَحْصُلُ بِأَخْذِهِمْ، وَهُوَ: غِنَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَأَدَاءِ أَجْرِ الْعَامِلِينَ، وَتَأْلِيفِ الْمُؤَلَّفَةِ، وَالْأَرْبَعَةُ الْآخَرُونَ يَأْخُذُونَ لِمَعْنًى لَا يَحْصُلُ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ فَافْتَرَقُوا. (وَمَنْ سَأَلَ وَاجِبًا) كَمَنْ طَلَبَ شَيْئًا مِنْ زَكَاةٍ (مُدَّعِيًا كِتَابَةً) ، أَيْ: أَنَّهُ مُكَاتَبٌ، (أَوْ) مُدَّعِيًا (غُرْمًا) ، أَيْ: أَنَّهُ غَارِمٌ لِنَفْسِهِ، (أَوْ) مُدَّعِيًا (أَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ، أَوْ) مُدَّعِيًا (فَقْرًا، وَعُرِفَ بِغِنًى) قَبْلَ ذَلِكَ، (لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ، صُدِّقَ فِي إرَادَةِ السَّفَرِ كَمَا تَقَدَّمَ بِلَا يَمِينٍ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنَّهُ غَارِمٌ، لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَيَكْفِي الِاشْتِهَارُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَتَبِعَهُمَا فِي: " الْإِقْنَاعِ " (وَهِيَ) ، أَيْ: الْبَيِّنَةُ (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأَخِيرَةِ) إذَا ادَّعَى فَقْرًا مَنْ عُرِفَ بِغِنًى: (ثَلَاثَةُ رِجَالٍ) ، لِحَدِيثِ: «إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ إلَّا لِثَلَاثَةٍ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 رَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالسَّدَادُ بِالْفَتْحِ: الْقَصْدُ فِي الدِّينِ، وَبِالْكَسْرِ: الْبُلْغَةُ. قَالَهُ فِي ثَمَرَاتِ الْأَوْرَاقِ ". (وَإِنْ صَدَّقَ مُكَاتَبًا سَيِّدُهُ) ، قُبِلَ وَأُعْطِيَ، (أَوْ) صَدَّقَ (غَارِمًا غَرِيمُهُ) أَنَّهُ مَدِينُهُ، (قُبِلَ وَأُعْطِيَ) مِنْ الزَّكَاةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُهُ. (وَيُقَلَّدُ مَنْ ادَّعَى) مِنْ فُقَرَاءَ أَوْ مَسَاكِينَ (عِيَالًا) ، فَيُعْطَى لَهُ وَلَهُمْ بِلَا بَيِّنَةٍ، (أَوْ) ادَّعَى (فَقْرًا وَلَمْ يُعْرَفْ بِغِنًى) ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَالِ، فَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً بِهِ، (وَكَذَا) يُقَلَّدُ (جَلْدٌ) - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ، أَيْ: صَحِيحٌ - (ادَّعَى عَدَمَ مَكْسَبٍ) ، وَيُعْطَى مِنْ زَكَاةٍ (وَلَوْ مُتَجَمِّلًا) ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّجَمُّلِ الْغِنَى، قَالَ تَعَالَى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273] ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ، وَإِنْ رَآهُ ظَاهِرَ الْمَسْأَلَةِ أَعْطَاهُ مِنْهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ (بَعْدَ إعْلَامِهِ) ، أَيْ: الْجَلْدِ (وُجُوبًا) عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَيَتَّجِهُ) وُجُوبُ الْإِعْلَامِ (لِجَاهِلِ) الْحُكْمِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": يُتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَعْطَاهُ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ، وَقَوْلُهُمْ: أَخْبَرَهُ وَأَعْطَاهُ - وَهُوَ مُتَّجِهٌ - (أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (لِغَنِيٍّ وَلَا قَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الرَّجُلَيْنِ الَّذِينَ سَأَلَاهُ وَلَمْ يُحَلِّفْهُمَا» وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ أَنَّهُ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْنَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَصَعَّدَ فِينَا النَّظَرَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا قَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَحَرُمَ أَخْذُ) صَدَقَةٍ (بِدَعْوَى غَنِيٍّ فَقْرًا وَلَوْ مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَسُنَّ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ فِي أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ) كَذَوِي رَحِمِهِ، وَمَنْ لَا يَرِثُهُ مِنْ نَحْوِ أَخٍ أَوْ عَمٍّ (عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ) فَيَزِيدُ ذَا الْحَاجَةِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، لِحَدِيثِ: «صَدَقَتُكَ عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. (وَيَبْدَأُ بِأَقْرَبِهِمْ) ، أَيْ: قَرَابَاتِهِ مِنْهُ (كَ) مَا لَوْ دَفَعَهَا لِ (جِيرَانِهِ) ، فَيَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، (وَلَا يَسْتَخْدِمُ بِهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (مُعَطِّلٌ) قَرِيبًا وَلَا غَيْرَهُ، مُرَاعَاةً لِلْإِخْلَاصِ، (وَلَا يَدْفَعُ بِهَا مَذَمَّةً) عَنْ نَفْسِهِ بَلْ يَقْصِدُ بِدَفْعِهَا الِامْتِثَالَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، (وَلَا يَقِي بِهَا مَالَهُ كَقَوْمٍ عَوَّدَهُمْ بُرًّا فَيُعْطِيهِمْ مِنْهَا لِدَفْعِ مَا عَوَّدَهُمْ) ، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": هَذَا إذَا كَانَ الْمُعْطِي غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِلزَّكَاةِ. انْتَهَى. لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَصْرِفُهَا إلَى نَفْعِهِ ،. (وَمَنْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ زَكَاةٍ سَبَبَانِ) كَفَقِيرٍ غَارِمٍ، أَوْ ابْنِ سَبِيلٍ، (أَخَذَ بِهِمَا) ، أَيْ: السَّبَبَيْنِ، فَيُعْطَى بِفَقْرِهِ كِفَايَتَهُ مَعَ عَائِلَتِهِ سَنَةً، وَبِغُرْمٍ مَا يَفِي بِهِ دَيْنَهُ، (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِأَحَدِهِمَا) ، أَيْ: السَّبَبَيْنِ، (لَا بِعَيْنِهِ) لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ وَعَدَمِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ أَحْكَامُهُمَا كَفَقِيرٍ مُؤَلَّفٍ، جَازَ أَنْ يُعْطَى بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، لِعَدَمِ اخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا. (وَإِنْ أُعْطِيَ بِهِمَا) ، أَيْ: السَّبَبَيْنِ، (وَعُيِّنَ لِكُلِّ سَبَبٍ قَدْرٌ) مَعْلُومٌ، فَذَاكَ، (وَإِلَّا) يُعَيَّنْ لِكُلِّ سَبَبٍ قَدْرٌ، (كَانَ) مَا أُعْطِيَهُ (بَيْنَهُمَا) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 أَيْ: السَّبَبَيْنِ، (نِصْفَيْنِ) وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْيِينِ لِكُلٍّ قَدْرًا، أَوْ الْقِسْمَةُ عَنْ عَدَمِهِ، لَوْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الرَّدَّ، كَمَا لَوْ أُبْرِئَ الْغَارِمُ فِي الْمِثَالِ، فَيَرُدُّ مَا أَخَذَهُ لِلْغُرْمِ دُونَ الْفَقْرِ. (وَتُجْزِئُ) الزَّكَاةُ، أَيْ: دَفْعُهَا (لِغَرِيمِهِ) لِيَقْضِيَ بِهَا دَيْنَهُ (وَمُكَاتَبِهِ) لِيَفُكَّ بِهَا رَقَبَتَهُ، (مَا لَمْ تَكُنْ حِيلَةٌ) ، قَالَ أَحْمَدُ: إنْ كَانَ حِيلَةٌ، فَلَا يُعْجِبُنِي، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ لَمْ يَصِحَّ، وَلَا يَجُوزُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ قَصَدَ بِالدَّفْعِ الْحِيلَةَ (عَلَى إحْيَاءِ مَالِهِ) وَاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ، لَمْ يَجُزْ. (وَلَوْ) كَانَتْ الْحِيلَةُ (بِمُوَاطَأَةٍ) مِنْ الدَّائِنِ وَغَرِيمِهِ، عَلَى أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْهَا دَيْنَهُ، لَمْ يَجُزْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّ الْغَرِيمُ مِنْ نَفْسِهِ مَا قَبَضَهُ وَفَاءً عَنْ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا مُوَاطَأَةٍ، فَيَجُوزُ أَخْذُهُ (وَعِنْدَ الْقَاضِي) أَبِي يَعْلَى (وَغَيْرِهِ: الْحِيلَةُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ) ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا تَمْلِيكًا صَحِيحًا، فَإِذَا شَرَطَ الرُّجُوعَ لَمْ يُوجَدْ التَّمْلِيكُ الصَّحِيحُ. [فَصْلٌ لَا تُجْزِئُ زَكَاةٌ لِكَافِرٍ غَيْرِ مُؤَلَّفٍ] (فَصْلٌ) (وَلَا تُجْزِئُ) زَكَاةٌ (لِكَافِرٍ غَيْرِ مُؤَلَّفٍ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ. (وَلَا) تُجْزِئُ إلَى (كَامِلِ رِقٍّ) مِنْ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَلَوْ كَانَ سَيِّدُهُ فَقِيرًا وَنَحْوِهِ، لِاسْتِغْنَائِهِ بِنَفَقَةِ سَيِّدِهِ، (غَيْرِ عَامِلٍ) لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ سَيِّدُهُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ يَسْتَحِقُّهَا، (وَ) غَيْرِ (مُكَاتَبٍ) لِأَنَّهُ فِي الرِّقَابِ. (وَلَا) تُجْزِئُ (لِزَوْجَةِ) الْمُزَكِّي، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ، فَتَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ. وَكَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَالنَّاشِزُ كَغَيْرِهَا، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَغَيْرِهِ. (وَ) لَا تُجْزِئُ إلَى (فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (مُسْتَغْنِيَيْنِ بِنَفَقَةٍ وَاجِبَةٍ) عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ غَنِيَّيْنِ (وَلَمْ تَتَعَذَّرْ) النَّفَقَةُ مِنْهُمَا، لِحُصُولِ الْكِفَايَةِ بِالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لَهُمَا، أَشْبَهَ مَنْ لَهُ عَقَارٌ يَسْتَغْنِي بِأُجْرَتِهِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ تَعَذَّرَتْ مِنْهُمَا، (فَتُجْزِئُ) زَكَاةٌ دُفِعَتْ إلَيْهِمَا (إذَنْ) ، أَيْ: عِنْدَ التَّعَذُّرِ لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا. وَ (لَا) تُجْزِئُ لِزَوْجَةٍ غَنِيٍّ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا (لِنُشُوزِ) هَا، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهَا وَإِنْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا بِالنُّشُوزِ، فَهِيَ كَمَنْ غَيَّبَ مَالَهُ لِوُجُوبِ الطَّاعَةِ عَلَيْهَا. (وَلَا) تُجْزِئُ إلَى (عَمُودِيٍّ نَسَبُهُ) ، أَيْ: مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا مِنْ أَوْلَادِ الْبَنِينَ أَوْ الْبَنَاتِ، الْوَارِثُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ نَصًّا، لِأَنَّ دَفْعَهَا إلَيْهِمْ يُغْنِيهِمْ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَيُسْقِطُهَا عَنْهُ، فَيَعُودُ نَفْعُهَا إلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى نَفْسِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَضَى بِهَا دَيْنَهُ، (إلَّا أَنْ يَكُونَا) ، أَيْ: عَمُودِيٌّ نَسَبُهُ (عُمَّالًا) عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَ أَجْرَ عَمَلِهِمْ، كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَهُمْ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ، (أَوْ) يَكُونَا (مُؤَلَّفَيْنِ) ، لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَ لِلتَّأْلِيفِ، كَمَا لَوْ كَانُوا أَجَانِبَ، (أَوْ) يَكُونَا (غُزَاةً) ، لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ، أَشْبَهُوا الْعَامِلِينَ، (أَوْ) يَكُونَا (غَارِمَيْنِ) لِإِصْلَاحِ (ذَاتِ بَيْنٍ، وَلَا) يُعْطُونَ إنْ كَانُوا غَارِمَيْنِ (لِأَنْفُسِهِمْ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا) تُجْزِئُ لِعَمُودِيٍّ نَسَبُهُ إذَا كَانُوا (مُكَاتَبِينَ أَوْ أَبْنَاءَ سَبِيلٍ) ، لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ. (وَلَا) تُجْزِئُ (امْرَأَةً) دَفْعُ زَكَاتِهَا إلَى (زَوْجِ) هَا، لِأَنَّهَا تَعُودُ إلَيْهَا بِإِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا. (وَلَا) يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةِ إنْسَانٍ إلَى (سَائِرِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِمَّنْ يَرِثُهُ حَالَ دَفْعٍ بِفَرْضٍ) كَأُخْتٍ، (أَوْ تَعْصِيبٍ) كَعَمٍّ وَعَتِيقٍ حَيْثُ لَا حَاجِبَ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ، وَالْآخَرُ لَا يَرِثُهُ، كَعَتِيقٍ وَمُعْتِقِهِ، وَأَخَوَيْنِ، لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ وَنَحْوُهُ، فَالْوَارِثُ مِنْهُمَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الْآخَرِ، فَلَا يَدْفَعُ زَكَاتَهُ إلَى مَنْ تَجِبُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 عَكْسُهُ (مَا لَمْ يَكُنْ) مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ (عَامِلًا أَوْ غَازِيًا أَوْ مُؤَلَّفًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ، أَوْ غَارِمًا لِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ) ، لِأَنَّهُ يُعْطَى لِغَيْرِ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، بِخِلَافِ عَمُودِيِّ النَّسَبِ، لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ. (وَلَا) يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةٍ (لِبَنِي هَاشِمٍ وَهُمْ سُلَالَتُهُ) ، أَيْ: هَاشِمٍ، ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا، (فَدَخَلَ آلُ عَبَّاسٍ) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، (وَ) آلُ (عَلِيٍّ وَ) آلُ (جَعْفَرٍ وَ) آلُ (عَقِيلٍ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ (وَ) آلُ (الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ) آلُ (أَبِي لَهَبٍ) سَوَاءٌ أُعْطُوا مِنْ الْخُمُسِ أَوْ لَا. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِعُمُومِ: «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ، إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَخَذَ الْحَسَنُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كِخْ كِخْ، لِيَطْرَحَهَا، وَقَالَ: أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (مَا لَمْ يَكُونُوا) ، أَيْ: آلُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (غُزَاةً أَوْ مُؤَلَّفَةً، أَوْ غَارِمِينَ كَإِصْلَاحِ) ذَاتِ بَيْنٍ، فَيُعْطُونَ لِذَلِكَ مَعَ الْغِنَى، لِجَوَازِ الْأَخْذِ لِذَلِكَ مَعَ الْغِنَى، وَعَدَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (لَا) يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةٍ إلَى بَنِي هَاشِمٍ (إنْ كَانُوا مُكَاتَبِينَ أَوْ أَبْنَاءَ سَبِيلٍ) لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى جَوَازِ الدَّفْعِ لِلْغُزَاةِ وَالْمُؤَلَّفَةِ وَالْغَارِمِينَ. (وَلَا يَجُوزُ كَوْنُهُمْ) ، أَيْ: بَنِي هَاشِمٍ (عَامِلِينَ) عَلَى الزَّكَاةِ، لِشَرَفِهِمْ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَجَمْعٌ) ، مِنْهُمْ: الْقَاضِي يَعْقُوبُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ الْإِصْطَخْرِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: (جَوَازَ أَخْذِهِمْ إنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ) ، لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ، وَقَالَ أَيْضًا: وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ مِنْ زَكَاةِ الْهَاشِمِيِّينَ، ذَكَرَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ". (وَكَزَكَاةِ كَفَّارَةٍ) ، فَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا لِبَنِي هَاشِمٍ لِوُجُوبِهَا بِالشَّرْعِ، (وَمِثْلُهُمْ) ، أَيْ: بَنِي هَاشِمٍ (مَوَالِيهِمْ) ، أَيْ: عُتَقَاؤُهُمْ، لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا نُصِيبَ مِنْهَا، فَقَالَ: حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْأَلَهُ، فَانْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَإِنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. و (لَا) كَذَلِكَ (مَوَالِي مَوَالِيهِمْ) ، فَيُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَوَالِي مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ، لِأَنَّ النَّصَّ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ، (وَلَا) كَذَلِكَ أَيْضًا (وَلَدُ بَنِي الْمُطَّلِبِ) ، لِأَنَّ الْمُطَّلِبَ أَخُو هَاشِمٍ، فَهُوَ أَبْعَدُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَنِي هَاشِمٍ (وَهُمْ) ، أَيْ: بَنُو الْمُطَّلِبِ (فِي دَرَجَةِ بَنِي أُمَيَّةَ) ، وَبَنُو أُمَيَّةَ تُجْزِئُ لَهُمْ اتِّفَاقًا، وَلِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ، خَرَجَ مِنْهَا بَنُو هَاشِمٍ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ بَنِي هَاشِمٍ أَشْرَفُ وَأَقْرَبُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَارَكُوهُمْ فِي الْخُمُسِ بِالنُّصْرَةِ مَعَ الْقَرَابَةِ، بِدَلِيلِ، قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ» وَالنُّصْرَةُ لَا تَقْتَضِي حِرْمَانَ الزَّكَاةِ. (وَ) يُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى (وَلَدِ هَاشِمِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَقَالَهُ الْقَاضِي اعْتِبَارًا بِالْأَبِ. (وَلَا) يَمْتَنِعُ أَخْذُ الزَّكَاةِ عَلَى (أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 وَالْأَصْحَابِ. (وَلِهَاشِمِيٍّ أَخْذُ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ وَنَذْرٍ وَوَصِيَّةٍ لِفُقَرَاءَ) ، لِأَنَّهُمْ إنَّمَا مُنِعُوا مِنْ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهَا مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ (إلَّا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ مُطْلَقًا، فَرْضَهَا وَنَفْلَهَا، لِأَنَّ اجْتِنَابَهَا كَانَ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِهَا، فَلَمْ يَجُزْ الْإِخْلَالُ بِهِ، فَرُوِيَ فِي «حَدِيثِ سَلْمَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَصْفِهِ لَهُ. قَالَ: إنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» ، وَلِأَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَمَّا مُنِعُوا فَرْضِ الصَّدَقَةِ لِشَرَفِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَجَبَ أَنْ يُنَزَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَفْلِهَا وَفَرْضِهَا، لِشَرَفِهِ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ، تَمْيِيزًا لَهُ بِذَلِكَ، كَمَا خَصَّ مَعَ خُمُسِ الْخُمُسِ بِالصَّفِيِّ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَبِالْإِسْهَامِ لَهُ مَعَ غَيْبَتِهِ مِنْ الْمَغَانِمِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَرِضَ، وَلَا أَنْ يُهْدَى لَهُ، أَوْ يُنْظَرَ بِدَيْنِهِ، أَوْ يُوضَعَ عَنْهُ، أَوْ يَشْرَبَ مِنْ سِقَايَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمَارَّةِ، أَوْ يَأْوِيَ إلَى مَكَانٍ جُعِلَ لِلْمَارَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعْرُوفِ الَّتِي لَا غَضَاضَةَ فِيهَا، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهَا فِي حَقِّ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الصَّدَقَةِ، لِحَدِيثِ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» . (وَلِمَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ) مِنْ هَاشِمِيٍّ وَغَنِيٍّ وَنَحْوِهِمَا (قَبُولُهَا هَدِيَّةً وَتَطَوُّعًا مِمَّنْ أَخَذَهَا مِنْ أَهْلِهَا) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ: لِعَامِلٍ، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى لِغَنِيٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِمَّا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى أُمِّ عَطِيَّةَ، وَقَالَ: إنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحَلَّهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقِسْ الْبَاقِيَ عَلَى ذَلِكَ. [فَرْعٌ مَنْ دَفَعَ زَكَاةً لِغَيْرِ مُسْتَحَقِّهَا] (فَرْعٌ: مَنْ) (دَفَعَ زَكَاةً لِغَيْرِ مُسْتَحَقِّهَا) كَهَاشِمِيٍّ، أَوْ قِنٍّ غَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 مُكَاتَبٍ وَنَحْوِهِ (جَهْلًا) مِنْهُ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ، (ثُمَّ عَلِمَ) ذَلِكَ، (لَمْ يُجْزِئْهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحِقٍّ، وَلَا يَخْفَى حَالُهُ غَالِبًا، فَلَمْ يُعْذَرْ بِجَهَالَتِهِ، كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، (إلَّا) إذَا دَفَعَهَا (لِغَنِيٍّ ظَنَّهُ فَقِيرًا) ، فَيُجْزِئُهُ، لِأَنَّ الْفَقْرَ قَدْ يَخْفَى، «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْطَى الرَّجُلَيْنِ الْجَلْدَيْنِ، وَقَالَ: وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا قَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» وَلَوْ اعْتَبَرَ حَقِيقَةَ انْتِفَاءِ الْغِنَى، لَمَا اكْتَفَى بِقَوْلِهِمَا. (وَ) إنْ دَفَعَهَا (لِمَنْ لَمْ يَظُنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، لَمْ يُجْزِئْهُ) ، لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَاحْتَاجَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ، لِتَحْصِيلِ الْبَرَاءَةِ، وَالظَّنُّ يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ لِتَعَسُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ. (وَلَوْ بَانَ مِنْهُمْ) كَمَا لَوْ هَجَمَ وَصَلَّى، فَبَانَ فِي الْوَقْتِ. (وَحَيْثُ دُفِعَتْ) الزَّكَاةُ (لِغَيْرِ مُسْتَحَقِّهَا، لِجَهْلِ دَافِعٍ) بِهِ، (وَجَبَ) عَلَى آخِذِهَا (رَدُّهَا لَهُ بِنَمَائِهَا مُطْلَقًا) ، مُتَّصِلًا كَانَ كَالسِّمَنِ، أَوْ مُنْفَصِلًا كَالْوَلَدِ، لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ. (وَإِنْ تَلِفَتْ) الزَّكَاةُ بِيَدِ قَابِضِهَا مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، (فَمِنْ ضَمَانِهِ) فَيَغْرَمُ مِثْلَ مِثْلِيٍّ، وَقِيمَةَ مُتَقَوِّمٍ، لِبُطْلَانِ قَبْضِهِ. (وَيُتَّجَهُ: هَذَا) الضَّمَانُ لَازِمٌ لَهُ إنْ قَبَضَهَا (مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا زَكَاةٌ) ، لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِقَبْضِهَا، فَهُوَ كَالْغَاصِبِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا زَكَاةٌ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ] (فَصْلٌ) (مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ) مِنْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ (أُبِيحَ لَهُ سُؤَالُهُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ: «لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» وَلِأَنَّهُ يَطْلُبُ حَقَّهُ الَّذِي فُرِضَ لَهُ. (وَمَنْ لَا) يُبَاحُ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ كَالْغَنِيِّ، لَا يُبَاحُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، (فَلَا) يُبَاحُ لَهُ سُؤَالُهُ. قَالَ أَحْمَدُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 أَكْرَهُ الْمَسْأَلَةَ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْأَبِ أَيْسَرُ، (فَيَحْرُمُ سُؤَالُهُ) الزَّكَاةَ أَوْ الْكَفَّارَةَ لِنَحْوِ فَقْرٍ لَا غَزْوٍ، (وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى أَخْذِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ. (وَلَا بَأْسَ بِمَسْأَلَةِ شُرْبِ مَاءٍ) نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ فِي الْعَطْشَانِ لَا يَسْتَسْقِي: يَكُونُ أَحْمَقَ. قَالَ الْآجُرِّيُّ: يَجِبُ عَلَى السَّائِلِ أَنْ يَعْلَمَ حِلَّ الْمَسْأَلَةِ، وَمَتَى تَحِلُّ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ: إنَّ تَعَلُّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي دِينِهِ فَرْضٌ. (وَ) لَا بَأْسَ بِمَسْأَلَةِ (عَارِيَّة وَقَرْضٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، (وَ) لَا بَأْسَ بِسُؤَالِ (شَيْءٍ يَسِيرٍ كَشِسْعِ نَعْلٍ) ، أَيْ: سَيْرِهِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَسْأَلَةِ شُرْبِ الْمَاءِ، (وَلَا بَأْسَ بِسُؤَالِهِ) ، أَيْ: الشَّخْصِ غَيْرَهُ (لِمُحْتَاجٍ غَيْرَهُ) صَدَقَةً أَوْ حَاجَةً، لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْكُرْبَةِ عَنْ الْمُسْلِمِ. (وَ) الطَّلَبُ لِلْغَيْرِ إذَا كَانَ (بِتَعْرِيضٍ أَعْجَبُ إلَى) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ) مِنْ السُّؤَالِ صَرِيحًا، قَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ لِغَيْرِهِ يُعَرِّضُ أَحَبُّ إلَيَّ، (وَإِعْطَاءُ السُّؤَالِ) جَمْعُ: سَائِلٍ (مَعَ صِدْقِهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ) ، لِحَدِيثِ: «لَوْ صَدَقَ مَا أَفْلَحَ مَنْ رَدَّهُ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ بِأَنَّ السَّائِلَ إذَا قَالَ: أَنَا جَائِعٌ، وَظَهَرَ صِدْقُهُ، وَجَبَ إطْعَامُهُ. وَإِنْ سَأَلُوا مُطْلَقًا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجِبْ إعْطَاؤُهُمْ وَلَوْ أَقْسَمُوا، لِأَنَّ إبْرَارَ الْقَسَمِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَقْسَمَ عَلَى مُعَيَّنٍ. (وَلَوْ جَهِلَ حَالَ سَائِلٍ فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ) ، وَلَوْ سَأَلَهُ مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ يُعْطِيهِ شَيْئًا، وَأَطْلَقَ، فَدَفَعَ إلَيْهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا: هَلْ هُوَ قَرْضٌ أَوْ صَدَقَةٌ؟ قُبِلَ: قَوْلُ الدَّافِعِ فِي كَوْنِهِ قَرْضًا، لِأَنَّهُ أَدْرَى بِنِيَّتِهِ، كَسُؤَالِهِ مِقْدَارًا كَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ قَرِينَةُ الْقَرْضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي شَيْئًا إنِّي فَقِيرٌ، قُبِلَ قَوْلُ الْفَقِيرِ فِي كَوْنِهِ صَدَقَةً، عَمَلًا بِقَرِينَةِ قَوْلِ أَنَّهُ فَقِيرٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 (وَلَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ وَاجِبٌ سِوَى الزَّكَاةِ) وِفَاقًا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ الزَّكَاةَ إلَّا لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ» وَعَنْ أُبَيٍّ مَرْفُوعًا: «إذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ فِي الْآيَةِ: الزَّكَاةُ، وَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ، وَمَا جَاءَ غَيْرَ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. (وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُوجِبُهُ كَإِطْعَامِ جَائِعٍ وَنَحْوِهِ) كَأَسِيرٍ، فَيَجِبُ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ، فَلَا تَعَارُضَ. (وَمَنْ أُعْطِيَ لِاتِّقَاءِ ذَمِّهِ أَوْ إلْحَاحٍ أَوْ إيذَاءِ مَسْئُولٍ فَحَرَامٌ) عَلَى الْآخِذِ، وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى دَافِعٍ، كَهَدِيَّةِ عَامِلٍ لِدَفْعِ ظُلْمٍ. (وَيَجِبُ أَخْذُ مَالٍ) طَيِّبٍ (لَا شُبْهَةَ فِيهِ أَتَى بِلَا مَسْأَلَةٍ وَلَا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ) نَقَلَ الْأَثْرَمُ: عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خُذْهُ» ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ حَرَامًا بِيَقِينٍ، وَجَبَ رَدُّهُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً، أَوْ اسْتَشْرَفَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ، (فَلَا بَأْسَ بِرَدِّهِ) نَصًّا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِشْرَافِ. (وَعَنْهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ: (لَا يَجِبُ) قَبُولُ مَالٍ طَيِّبٍ جَاءَ بِلَا مَسْأَلَةٍ وَلَا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ، وَقَالَ: دَعْنَا نَكُونُ أَعِزَّاءَ (قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ) ، أَيْ: عَدَمُ وُجُوبِ الْقَبُولِ: (مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ) وَفِي الْإِقْنَاعِ " وَالْمُنْتَهَى ": فِي الْهِبَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسَنُّ الْقَبُولُ، وَيُكْرَهُ الرَّدُّ، (قَالُوا) ، أَيْ: الْأَصْحَابُ (فِي الْحَجِّ: لَا يَكُونُ) مَبْذُولٌ لَهُ (مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ لَهُ، وَ) قَالُوا (فِي الصَّلَاةِ) : إنَّ الْعَارِيَ (لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ السُّتْرَةِ) هِبَةً لَا عَارِيَّةً، (وَصَوَّبَهُ) ، أَيْ: عَدَمَ وُجُوبِ الْقَبُولِ (فِي " الْإِنْصَافِ ") لِمَا فِي قَبُولِ الْهِبَةِ مِنْ الْمِنَّةِ. (وَيُتَّجَهُ: وَهُوَ) ، أَيْ: عَدَمُ وُجُوبِ الْقَبُولِ (الْأَصَحُّ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ شَرَفِ النَّفْسِ، وَعِفَّتِهَا، وَزُهْدِهَا فِي الدُّنْيَا، وَطَلَبِ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِحُسْنِ التَّوَكُّلِ، وَقَمْعِ النَّفْسِ عَنْ مُشْتَهَيَاتِهَا (وَإِلَّا) تُعْتَبَرْ أَنَّهُ الْأَصَحُّ (تَنَاقَضَ قَوْلُهُمْ) ، أَيْ: الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَحَرُمَ أَخْذُ) صَدَقَةٍ (بِدَعْوَى غَنِيٍّ) فَقْرًا، (أَوْ إظْهَارِهِ) ، أَيْ: الْغَنِيِّ (فَقْرًا وَلَوْ) أَخَذَ ذَلِكَ (مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ) وَتَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَسُنَّ تَعَفُّفُ غَنِيٍّ عَنْهَا) ، أَيْ: صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، (فَلَا يَأْخُذُهَا) وَلَوْ بُذِلَتْ لَهُ. (وَ) سُنَّ (عَدَمُ تَعَرُّضِهِ) ، أَيْ: الْغَنِيِّ (لَهَا) رَغْبَةً عَنْهَا، رَجَاءَ وُقُوعِهَا فِي يَدِ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا. (وَتَجُوزُ) صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ (لَهُ) ، أَيْ: لِلْغَنِيِّ (وَلِكَافِرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] وَلَمْ يَكُنْ الْأَسِيرُ يَوْمَئِذٍ إلَّا كَافِرًا " وَكَسَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا صِلَةً كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَسَاهُ إيَّاهَا "، «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: صِلِي أُمَّكِ» ، وَكَانَتْ قَدِمَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 عَلَيْهَا مُشْرِكَةً. (وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِي جَائِزَةِ السُّلْطَانِ وَمُعَامَلَتِهِ: أَكْرَهُهُمَا) لِمَا فِيهِمَا مِنْ الشُّبْهَةِ، وَقَالَ: جَائِزَتُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الصَّدَقَةِ، لِأَنَّ الْجَائِزَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلِلْأَخْذِ فِيهِ شُبْهَةٌ. (وَقَالَ: هِيَ) ، أَيْ: جَائِزَةُ السُّلْطَانِ (خَيْرٌ مِنْ صِلَةِ الْإِخْوَانِ) ، لِمَا فِي صِلَتِهِمْ مِنْ الْمِنَّةِ، وَأُجْرَةُ التَّعْلِيمِ خَيْرٌ مِنْهَا، وَقَالَ أَيْضًا: لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَقَالَ أَيْضًا: يَمُوتُ بِدَيْنِهِ وَلَا يَعْمَلُ مَعَ الْحُكَّامِ. (وَمَعَ ذَلِكَ) ، أَيْ: كَوْنِ الْجَائِزَةِ أَحَبَّ مِنْ الصَّدَقَةِ، (فَقَدْ هَجَرَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَوْلَادَهُ وَعَمَّهُ لَمَّا أَخَذُوهَا) ، أَيْ: جَائِزَةَ السُّلْطَانِ وَقَالَ: يَهْجُرُ ابْنَهُ وَيُخْرِجُهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ مُعَامَلَةِ السُّلْطَانِ وَأَخْذِ جَائِزَتِهِ. (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى: (وَهُوَ) ، أَيْ: فِعْلُ الْإِمَامِ، (يَقْتَضِي جَوَازَ الْهَجْرِ بِأَخْذِ الشُّبْهَةِ) خِيفَةً مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ. (وَقَدْ هَجَرَتْ الصَّحَابَةُ بِمَا فِي مَعْنَاهُ) ، أَيْ: أَخْذِ الشُّبْهَةِ، (كَهَجْرِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ ضَحِكَ فِي جِنَازَةٍ، وَ) هَجْرِ (حُذَيْفَةَ مَنْ شَدَّ الْخَيْطَ لِلْحُمَّى) ، لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، (وَ) هَجْرِ (عُمَرَ مَنْ سَأَلَ عَنْ الذَّارِيَاتِ، وَالْمُرْسَلَاتِ، وَالنَّازِعَاتِ) ، لِأَنَّهُ مِنْ السُّؤَالِ عَمَّا لَا يَعْنِي، (وَ) هَجْرِ (عَائِشَةَ لِابْنِ) أُخْتِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ (الزُّبَيْرِ حِينَ قَالَ: لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ، أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا) ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَتَصَدَّقُ بِمَا جَاءَهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذَلِكَ، فَلَمَّا بَلَغَهَا قَوْلُهُ نَذَرَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ، ثُمَّ اسْتَشْفَعَ بِأَخْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَّمَتْهُ ". [فَصْلٌ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ] (فَصْلٌ) (صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ تُسَنُّ بِفَاضِلٍ عَنْ كِفَايَةٍ دَائِمَةٍ بِمَتْجَرٍ أَوْ غَلَّةٍ أَوْ صَنْعَةٍ عَنْهُ) ، أَيْ: الْمُتَصَدِّقِ، (وَعَمَّنْ يُمَوِّنُهُ) لِحَدِيثِ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (كُلَّ وَقْتٍ) ، لِإِطْلَاقِ الْحَثِّ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ وَالْأَخْبَارِ. (وَ) كَوْنُهَا (سِرًّا مِمَّا يَجِبُ، وَكَسْبُ يَدِهِ بِطِيبِ نَفْسٍ فِي صِحَّةٍ) أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] وقَوْله تَعَالَى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] «وَلِحَدِيثِ: وَأَنْتَ صَحِيحٌ» . (وَ) كَوْنُهَا (فِي) شَهْرِ (رَمَضَانَ) أَفْضَلُ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ» الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) كَوْنُهَا (فِي وَقْتِ حَاجَةٍ) أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14] : (وَ) فِي (كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ فَاضِلٍ كَالْعَشْرِ) الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، (وَ) كَ (الْحَرَمَيْنِ) أَفْضَلُ، لِكَثْرَةِ التَّضَاعُفِ. (وَ) كَوْنُهَا (عَلَى جَارٍ) أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] وَحَدِيثِ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» . (وَ) كَوْنُهَا عَلَى (عَالِمٍ وَدَيِّنٍ) أَفْضَلُ، لِمَزِيَّةِ الْعِلْمِ وَالدِّيَانَةِ، (وَ) كَوْنُهَا عَلَى (ذِي عَائِلَةٍ) أَفْضَلُ مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، (وَ) كَوْنُهَا عَلَى (ذَوِي رَحِمٍ) لَهُ، (لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَاوَةٍ) بَيْنَهُمَا، لِحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَالْكَاشِحُ: مُضْمِرُ الْعَدَاوَةِ، (وَهِيَ) ، أَيْ: الصَّدَقَةُ، (عَلَيْهِمْ) ، أَيْ: ذَوِي رَحِمِهِ صَدَقَةٌ، وَ (صِلَةٌ) لِلْخَبَرِ (أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36] وَيُسَنُّ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 يَخُصَّ مَنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 15] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] . (وَمَنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةً تَلْزَمُهُ) كَمُؤْنَةِ زَوْجَتِهِ أَوْ قَرِيبٍ أَثِمَ، لِحَدِيثِ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» إلَّا أَنْ يُوَافِقَهُ عِيَالُهُ عَلَى الْإِيثَارِ، فَهُوَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ إلَى فَقِيرٍ فِي السِّرِّ» وَالْمُرَادُ: جُهْدُ الْمُقِلِّ بَعْدَ حَاجَةِ عِيَالِهِ، وَمَا يَلْزَمُهُ، فَهُوَ جُهْدُهُ. (أَوْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ) بِ (غَرِيمِهِ أَوْ) بِ (كَفِيلِهِ) بِسَبَبِ صَدَقَتِهِ (أَثِمَ) ، لِحَدِيثِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . (وَمَنْ أَرَادَهَا) ، أَيْ: الصَّدَقَةَ، (بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَلَهُ عَائِلَةٌ لَهُمْ كِفَايَةٌ، أَوْ) لَهُ عَائِلَةٌ (يَكْفِيهِمْ بِمَكْسَبِهِ) ، فَلَهُ ذَلِكَ، لِقِصَّةِ الصِّدِّيقِ، (أَوْ) كَانَ (وَحْدَهُ) لَا عِيَالَ لَهُ، (وَيَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ) عَنْ الْمَسْأَلَةِ، (فَلَهُ ذَلِكَ) لِعَدَمِ الضَّرَرِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لِعِيَالِهِ كِفَايَةٌ وَلَمْ يَكْفِهِمْ بِمَكْسَبِهِ، (حَرُمَ) ، وَحُجِرَ عَلَيْهِ لِإِضَاعَةِ عِيَالِهِ، وَلِحَدِيثِ: «يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُولُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ؟ ، خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَكَذَا إنْ كَانَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ. (وَكُرِهَ لِمَنْ لَا صَبْرَ) لَهُ عَلَى الضِّيقِ (أَوْ لَا عَادَةَ) لَهُ (عَلَى الضِّيقِ أَنْ يَنْقُصَ نَفْسَهُ عَنْ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ) نَصًّا، لِأَنَّهُ نَوْعُ إضْرَارٍ بِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَقْتَرِضُ لِيَتَصَدَّقَ. (قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ) فِي كِتَابِهِ " السِّرُّ الْمَصُونُ ": الْأَوْلَى أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 يَدَّخِرَ لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ، وَإِنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ لَهُ مِرْفَقٌ، فَيُخْرِجُ مَا فِي يَدِهِ، فَيَنْقَطِعُ مِرْفَقُهُ، فَيُلَاقِي مِنْ الضَّرَرِ وَالذُّلِّ مَا يَكُونُ الْمَوْتُ دُونَهُ، فَلَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَى الْحَالِ الْحَاضِرَةِ، بَلْ يُصَوِّرُ كُلَّ مَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَنْظُرُونَ فِي الْعَوَاقِبِ، (وَقَدْ تَزَهَّدَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَأَخْرَجُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ احْتَاجُوا، فَدَخَلُوا فِي الْمَكْرُوهَاتِ) ، وَالْحَازِمُ مَنْ يَحْفَظُ مَا فِي يَدِهِ، وَالْإِمْسَاكُ فِي حَقِّ الْكَرِيمِ جِهَادٌ، كَمَا أَنَّ إخْرَاجَ مَا فِي يَدِ الْبَخِيلِ جِهَادٌ، وَالْحَاجَةُ تُخْرِجُ إلَى كُلِّ مِحْنَةٍ. (وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُحِبُّ الْمَالَ، يَعْبُدُ بِهِ رَبَّهُ وَيُؤَدِّي بِهِ أَمَانَتَهُ، وَيَصُونَ بِهِ نَفْسَهُ وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْخَلْقِ) . وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ، فَلْيَجْعَلْهُ فِي قَرْنِ ثَوْرٍ، فَإِنَّهُ زَمَانٌ، مَنْ احْتَاجَ فِيهِ كَانَ أَوَّلَ مَا يَبْذُلُ دِينَهُ. وَقَالَ بِشْرٌ الْحَافِي: لَوْ أَنَّ لِي دَجَاجَةً أَعُولُهَا خِفْتُ أَنْ أَكُونَ عَشَّارًا عَلَى الْجِسْرِ. (وَمَنْ مَيَّزَ شَيْئًا لِلصَّدَقَةِ) بِهِ (أَوْ وَكَّلَ فِيهِ) ، أَيْ: بِالصَّدَقَةِ بِشَيْءٍ، (ثُمَّ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ) عَنْ الصَّدَقَةِ، (سُنَّ) لَهُ (إمْضَاؤُهُ) مُخَالَفَةً لِلنَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ، لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ. و (لَا) يُسَنُّ لَهُ (إبْدَالُ مَا أَعْطَى سَائِلًا فَسَخِطَهُ) ، فَإِنْ قَبَضَهُ وَسَخِطَهُ، لَمْ يُعْطَ غَيْرَهُ. (وَالْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ كَبِيرَةٌ) عَلَى نَصِّهِ، الْكَبِيرَةُ: مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا، أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ. (وَيَبْطُلُ الثَّوَابُ بِهِ) ، أَيْ: الْمَنِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: 264] ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلِأَصْحَابِنَا خِلَافٌ فِيهِ، وَفِي إبْطَالِ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا: الْإِحْبَاطَ بِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 (لَا) يَبْطُلُ الثَّوَابُ بِالْمَنِّ إذَا كَانَ (لِقَصْدِ تَرْبِيَةٍ وَتَأْدِيبٍ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. «أَنَّ النَّبِيَّ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا، فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ، فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي؟ فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ» الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَا يَحِلُّ أَنْ يَمُنَّ إلَّا مَنْ كُفِرَ إحْسَانُهُ وَأُسِيءَ إلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يُعَدِّدَ إحْسَانَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى إقَامَةِ الْحُجَّةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا عَلَى الْخَصْمِ. [فَرْعٌ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ أَفْضَلُ مِنْ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ] (فَرْعٌ: الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ أَفْضَلُ مِنْ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ) ، بِخِلَافِ مَنْ لَا يَصْبِرُ، وَيَفْسُدُ دِينُهُ بِفَقْرِهِ. فَالْغِنَى لَهُ أَفْضَلُ، وَبِخِلَافِ غَنِيٍّ لَا يَشْكُرُ، وَيَحْمِلُهُ مَالُهُ عَلَى الطُّغْيَانِ. فَالْفَقْرُ لَهُ أَفْضَلُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ يَسْتَقِيمُ عَلَى الْحَالَتَيْنِ (وَفِي الصَّحِيحِ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى» ) ، أَيْ: يَدُ الْمُعْطِي خَيْرٌ مِنْ يَدِ الْآخِذِ. (وَوَقَعَ خِلَافٌ: هَلْ الْأَفْضَلُ كَسْبُ الْمَالِ وَصَرْفُهُ لِمُسْتَحِقَّيْهِ، أَوْ الِانْقِطَاعُ لِلْعِبَادَةِ) ، وَتَرْكُ مُخَالَطَةِ النَّاسِ؟ (وَيَتَّجِهُ) : الْأَصَحُّ: (الْأَوَّلُ لَتَعْدِي نَفْعِهِ، لَا مُطْلَقًا، بَلْ عَلَى مَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ أَوَّلَ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ) مِنْ أَنَّهُ إذَا صَرَفَهُ فِي نَفَقَةٍ وَجِهَادٍ، فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِلَّا فَالْمُنْقَطِعُ لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 [كِتَاب الصِّيَام] ِ لُغَةً: الْإِمْسَاكُ، يُقَالُ صَامَ النَّهَارُ، إذَا وَقَفَ سَيْرُ الشَّمْسِ، وَلِلسَّاكِتِ: صَائِمٌ، لِإِمْسَاكِهِ عَنْ الْكَلَامِ. وَمِنْهُ: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] ، وَصَامَ الْفَرَسُ، إذَا أَمْسَكَ عَنْ الْعَلَفِ وَهُوَ قَائِمٌ، أَوْ: عَنْ الصَّهِيلِ فِي مَوْضِعِهِ. وَشَرْعًا: (إمْسَاكٌ بِنِيَّةٍ عَنْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ) هِيَ مُفْسِدَاتُهُ، الْآتِيَةُ (فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ) . وَهُوَ: مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي، إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ (مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ) ، وَهُوَ: الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ، غَيْرُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ. (وَصَوْمُ) شَهْرِ (رَمَضَانَ) مِنْ كُلِّ عَامٍ (أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ) الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» . . . الْحَدِيثُ (وَفُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ) إجْمَاعًا، (فَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ) إجْمَاعًا. (وَالْمُسْتَحَبُّ قَوْلُ: شَهْرُ رَمَضَانَ) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] . (وَلَا يُكْرَهُ قَوْلُ: رَمَضَانُ، بِإِسْقَاطِ: شَهْرٍ) ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَسُمِّيَ رَمَضَانَ لِحَرِّ جَوْفِ الصَّائِمِ فِيهِ وَرَمَضِهِ، الرَّمْضَاءُ: شِدَّةُ الْحَرِّ، وَقِيلَ: لَمَّا نَقَلُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ عَنْ اللُّغَةِ الْقَدِيمَةِ وَافَقَ شِدَّةَ الْحَرِّ، وَقِيلَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 لِأَنَّهُ يَحْرُقُ الذُّنُوبَ. وَقِيلَ: مَوْضُوعٌ لِغَيْرِ مَعْنًى كَبَقِيَّةِ الشُّهُورِ. وَجَمْعُهُ: رَمَضَانَاتٌ، وَأَرْمِضَةٌ، وَرَمَاضِينُ، وَأَرْمُضٌ، وَرَمَاضٌ، وَأَرَامِيضُ. (وَصَوْمُهُ) ، أَيْ: شَهْرِ رَمَضَانَ (فَرْضٌ يَجِبُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ) ، لِحَدِيثِ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِهِ إذَنْ. وَيُسْتَحَبُّ تَرَائِي الْهِلَالِ وَقَوْلُ رَاءٍ مَا وَرَدَ، وَمِنْهُ حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ» رَوَاهُ ابْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ " وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَفْظُهُ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ» (فَلَوْ طَلَعَ) هِلَالُ رَمَضَانَ، وَيُعَبِّرُ الْفَلَكِيُّونَ عَنْ طُلُوعِهِ بِالْوِلَادَةِ (فِي السَّمَاءِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلنَّاسِ، لَمْ يَكُنْ هِلَالًا) ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. إذْ مَنَاطُ الْحُكْمِ بِرُؤْيَتِهِ لَا بِطُلُوعِهِ، لِحَدِيثِ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» (فَإِنْ لَمْ يُرَ) الْهِلَالُ (مَعَ صَحْوِ) مَطْلَعِهِ (لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، لَمْ يَصُومُوا) يَوْمَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، أَيْ: مَعَ صَحْوِ الْمَطْلَعِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، (وَلَوْ) كَانُوا (مُعْتَمَدِينَ حِسَابًا) مِمَّا هُوَ مَوْضُوعٌ فِي التَّقَاوِيمِ، وَلَوْ كَثُرَتْ إصَابَتُهُ، (فَبَانَ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ رَمَضَانَ، (لَمْ يُجْزِئْ) هُمْ صَوْمُهُ، لِعَدَمِ اسْتِنَادِهِمْ إلَى مَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ شَرْعًا. (وَإِنْ حَالَ دُونَ مَطْلَعِهِ) ، أَيْ: الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ (نَحْوُ غَيْمٍ أَوْ قَتَرٍ) بِالتَّحْرِيكِ: الْغَبَرَةُ، كَالْعَشَرَةِ، (وَجَبَ صِيَامُهُ) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 أَيْ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ (حُكْمًا ظَنِّيًّا احْتِيَاطِيًّا) خُرُوجًا مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ (بِنِيَّةِ) أَنَّهُ مِنْ (رَمَضَانَ) ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيِّ، وَأَكْثَرُ شُيُوخِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ: عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِحَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَاقْدُرُوا لَهُ» قَالَ نَافِعٌ: " كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ الْهِلَالَ، فَإِنْ رُئِيَ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُرَ، وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ، أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ، أَصْبَحَ صَائِمًا ". وَمَعْنَى اُقْدُرُوا لَهُ: ضَيِّقُوا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 11] وَالتَّضْيِيقُ: جَعْلُ شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا. وَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ بِفِعْلِهِ، وَهُوَ رَاوِيهِ، وَأَعْلَمُ بِمَعْنَاهُ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ، كَتَفْسِيرِ التَّفَرُّقِ فِي خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ. وَقَدْ صَنَّفَ الْأَصْحَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّصَانِيفِ، وَنَصَرُوا الْمَذْهَبَ، وَرَدُّوا حُجَجَ الْمُخَالِفِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَإِنْ اشْتَغَلُوا عَنْ التَّرَائِيِ لِعَدُوٍّ، أَوْ حَرِيقٍ وَنَحْوِهِ، وَذَلِكَ نَادِرٌ، فَيَنْسَحِبُ عَلَيْهِ ذَيْلُ الْغَالِبِ، وَفَارَقَ الْغَيْمَ وَالْقَتَرَ، فَإِنَّ وُقُوعَهُمَا غَالِبٌ، وَقَدْ اسْتَوَى مَعَهُمَا الِاحْتِمَالَانِ، فَعَمَلنَا بِأَحْوَطِهِمَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلَيْسَ ذَلِكَ) ، أَيْ: وُجُوبُ صِيَامِهِ حُكْمًا ظَنِّيًّا (بِشَكٍّ فِي النِّيَّةِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 بَلْ) شَكٍّ (فِي الْمَنْوِيِّ) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " دَرْءِ اللَّوْمِ وَالضَّيْمِ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ ". (وَيُجْزِئُ) صَوْمُ هَذَا الْيَوْمِ (إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْهُ) ، أَيْ: رَمَضَانَ، بِأَنْ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ بِمَوْضِعٍ آخَرَ، لِأَنَّ صَوْمَهُ قَدْ وُضِعَ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ لِمُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ، أَشْبَهَ الصَّوْمَ لِلرُّؤْيَةِ. (وَتَثْبُتُ) تَبَعًا لِوُجُوبِ صَوْمِهِ (أَحْكَامُ صَوْمِ) رَمَضَانَ (مِنْ صَلَاةِ تَرَاوِيحَ) احْتِيَاطًا، لِوَعْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ بِالْغُفْرَانِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ قِيَامُهُ كُلُّهُ إلَّا بِذَلِكَ، (وَ) مِنْ (وُجُوبِ كَفَّارَةٍ بِوَطْءٍ فِيهِ) ، أَيْ: ذَلِكَ الْيَوْمِ، (وَ) مِنْ وُجُوبٍ (إمْسَاكٍ) عَلَى (مَنْ أَفْطَرَ) جَاهِلًا، أَوْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ (مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ) بِأَنْ لَمْ يَرَ مَعَ صَحْوٍ بَعْدَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي غُيِّرَ فِيهَا هِلَالُ رَمَضَانَ، فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِالْوَطْءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَ (لَا) تَثْبُتُ (بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ حُلُولِ أَجَلٍ وَوُقُوعِ) نَحْوِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ (مُعَلَّقٍ) بِدُخُولِ رَمَضَانَ، (وَانْقِضَاءِ عِدَّةٍ) ، وَمُدَّةِ إيلَاءٍ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، خُولِفَ لِلنَّصِّ، وَاحْتِيَاطًا لِعِبَادَةٍ عَامَّةٍ. (وَكَذَا) ، أَيْ: كَرَمَضَانَ فِي وُجُوبِ صَوْمِهِ إذَا غُمَّ هِلَالُهُ (حُكْمُ شَهْرٍ) مُعَيَّنٍ (نَذَرَ صَوْمَهُ أَوْ) نَذَرَ (اعْتِكَافَهُ فِي وُجُوبِ شُرُوعٍ) فِي الْمَنْذُورِ فِيهِ (إذَا غُمَّ هِلَالُهُ) ، أَيْ: الشَّهْرِ الْمَنْذُورِ احْتِيَاطًا، لَا فِي تَرَاوِيحَ، أَوْ وُجُوبِ كَفَّارَةٍ لِوَطْءٍ فِيهِ أَوْ إمْسَاكٍ، إنْ لَمْ يَكُنْ يُبَيِّتُ النِّيَّةَ وَنَحْوَهُ، لِخُصُوصِ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ. (وَالْهِلَالُ الْمَرْئِيُّ نَهَارًا وَلَوْ) رُئِيَ (قَبْلَ الزَّوَالِ) فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ فِي آخِرِهِ (لِ) اللَّيْلَةِ (الْمُقْبِلَةِ) نَصًّا، (فَلَا يَجِبُ بِهِ صَوْمٌ) إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ. (وَلَا) يُبَاحُ بِهِ (فِطْرٌ) إنْ كَانَ فِي آخِرِهِ، لِمَا رَوَى أَبُو وَائِلٍ قَالَ: " جَاءَ كِتَابُ عُمَرَ أَنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا، فَلَا تُفْطِرُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 حَتَّى تُمْسُوا، أَوْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ عَشِيَّةً " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا مُمْكِنَةٌ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ فِي الْجَوِّ يَقِلُّ بِهِ ضَوْءُ الشَّمْسِ، أَوْ يَكُونُ قَوِيَّ النَّظَرِ. وَيَأْتِي أَنَّ مَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، أَنَّهَا تَطْلُقُ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا. (وَإِذَا ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ) ، أَيْ: هِلَالِ رَمَضَانَ (بِبَلَدٍ، لَزِمَ الصَّوْمُ جَمِيعَ النَّاسِ) فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَيَكُونُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَرَهُ كَمَنْ رَآهُ - نَصَّ عَلَيْهِ - لِحَدِيثِ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَهُوَ خِطَابٌ لِلْأُمَّةِ كَافَّةً، لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، كَحُلُولِ دَيْنٍ، وَوُقُوعِ طَلَاقٍ، وَعِتْقٍ مُعَلَّقَيْنِ بِهِ، وَنَحْوِهِ، فَكَذَا حُكْمُ الصَّوْمِ، وَلَوْ قُلْنَا بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، وَأَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهَا، بِخِلَافِ الْهِلَالِ، فَإِنَّهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةٌ. (وَإِنْ ثَبَتَتْ) رُؤْيَةُ هِلَالِ رَمَضَانَ (نَهَارًا) وَلَمْ يَكُونُوا بَيَّتُوا النِّيَّةَ لِنَحْوِ غَيْمٍ (أَمْسَكُوا) عَنْ مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، (وَقَضَوْا) ذَلِكَ الْيَوْمَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَصُومُوا (كَمَنْ أَسْلَمَ) فِي أَثْنَاءِ نَهَارٍ، (أَوْ عَقَلَ) مِنْ جُنُونٍ، (أَوْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ) فِي أَثْنَاءِ نَهَارٍ، فَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ (أَوْ تَعَمَّدَ مُقِيمٌ) الْفِطْرَ، (أَوْ) تَعَمَّدَتْ (طَاهِرٌ الْفِطْرَ، فَسَافَرَ) الْمُقِيمُ بَعْدَ فِطْرِهِ عَمْدًا، (أَوْ حَاضَتْ) الطَّاهِرُ بَعْدَ فِطْرِهَا تَعَمُّدًا، لَزِمَهُمَا إمْسَاكُ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَ السَّفَرِ وَالْحَيْضِ نَصًّا، عُقُوبَةً وَالْقَضَاءُ، (أَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ بَرِئَ مَرِيضٌ مُفْطِرَيْنِ) فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، لَزِمَهُمَا الْإِمْسَاكُ لِزَوَالِ الْمُبِيحِ لِلْفِطْرِ، وَالْقَضَاءُ، (وَلَهُمْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 الْمَذْكُورِينَ (ثَوَابُ إمْسَاكٍ لَا ثَوَابُ صِيَامٍ) ، لِأَنَّهُمْ مُمْسِكُونَ لَا صَائِمُونَ، (وَكَذَا لَوْ بَلَغَ صَغِيرٌ) ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى (فِي أَثْنَائِهِ) ، أَيْ: يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ (بِسِنٍّ) ، أَيْ: تَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (أَوْ) بَلَغَ بِ (احْتِلَامٍ) ، أَيْ: إنْزَالِ مَنِيٍّ حَالَ كَوْنِهِ (مُفْطِرًا) ، لَزِمَهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ لِتَكْلِيفِهِ وَالْقَضَاءُ. (وَ) إنْ بَلَغَ الصَّغِيرُ (صَائِمًا وَقَدْ نَوَى) الصَّوْمَ (مِنْ اللَّيْلِ، أَتَمَّ) صِيَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَأَجْزَأَ) ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (كَنَذْرِ إتْمَامِ نَفْلٍ) بِخِلَافِ صَلَاةٍ وَحَجٍّ بَلَغَ فِيهِمَا غَيْرَ مَا يَأْتِي فِي الْحَجِّ، (وَإِنْ عَلِمَ مُسَافِرٌ) بِرَمَضَانَ (أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا) بَلَدَ قَصْدِهِ (لَزِمَهُ الصَّوْمُ) نَصًّا، كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، وَعَلِمَ يَوْمَ قُدُومِهِ، فَيَنْوِيهِ مِنْ اللَّيْلِ، (لَا صَغِيرٌ عَلِمَ أَنَّهُ يَبْلُغُ غَدًا) بِرَمَضَانَ، فَلَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ الْغَدِ (لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ) قَبْلَ دُخُولِ الْغَدِ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ. [فَصْلٌ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ خَاصَّةً خَبَرُ مُكَلَّفٍ] (فَصْلٌ) (وَيُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ خَاصَّةً خَبَرُ مُكَلَّفٍ) لَا مُمَيِّزٍ، (عَدْلٍ) لَا مَسْتُورِ الْحَالِ نَصًّا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «جَاءَ أَعْرَابِيُّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: رَأَيْتُ الْهِلَالَ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: يَا بِلَالُ، أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ «وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي رَأَيْتُهُ، فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، بِخِلَافِ آخِرِ الشَّهْرِ. (وَلَوْ) كَانَ الْمُخْبِرُ بِهِ (عَبْدًا أَوْ أُنْثَى) كَالرِّوَايَةِ، (أَوْ) كَانَ إخْبَارُهُ (بِدُونِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ) لِلْخَبَرَيْنِ، (أَوْ) كَانَ مَعَ مَنْ رَآهُ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَرَوْهُ، أَوْ رَآهُ وَحْدَهُ (بِصَحْوٍ) أَوْ غَيْمٍ، دَاخِلَ الْبَلَدِ أَوْ خَارِجَهُ، (وَلَا يَخْتَصُّ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 ثُبُوتُهُ (بِحَاكِمٍ، فَيَلْزَمُ الصَّوْمُ مَنْ سَمِعَ رُؤْيَتَهُ مِنْ عَدْلٍ وَلَوْ رَدَّهُ الْحَاكِمُ) ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَالِ الْمُخْبِرِ، وَقَدْ يَجْهَلُ الْحَاكِمُ مَنْ يَعْلَمُ غَيْرُهُ عَدَالَتَهُ. (وَتَثْبُتُ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ وُقُوعِ) طَلَاقٍ (مُعَلَّقٍ وَنَحْوِهِ) كَحُلُولِ دَيْنٍ تَبَعًا، (وَلَا يُقْبَلُ فِي بَاقِي الشُّهُورِ إلَّا رَجُلَانِ عَدْلَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ) كَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، وَالْفَرْقُ الِاحْتِيَاطُ لِلْعِبَادَةِ (وَلَوْ صَامُوا) ، أَيْ: النَّاسُ (ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ) ، أَيْ: هِلَالَ شَوَّالٍ، (قَضَوْا يَوْمًا) وَاحِدًا (فَقَطْ) نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَلِبُعْدِ الْغَلَطِ بِيَوْمَيْنِ. (وَ) إنْ صَامُوا (بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ) عَدْلَيْنِ (ثَلَاثِينَ) يَوْمًا (وَلَمْ يَرَوْهُ) ، أَيْ: هِلَالَ شَوَّالٍ، (أَفْطَرُوا) مَعَ الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلَيْنِ يَثْبُتُ بِهَا الْفِطْرُ ابْتِدَاءً، فَتَبَعًا لِثُبُوتِ الصَّوْمِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُمَا أَخْبَرَا بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ عَنْ يَقِينٍ وَمُشَاهَدَةٍ، فَلَا يُقَابِلُهَا الْإِخْبَارُ بِنَفْيٍ وَعَدَمِ يَقِينٍ مَعَهُ، لِاحْتِمَالِ حُصُولِ الرُّؤْيَةِ بِمَكَانٍ آخَرَ، وَ (لَا) يُفْطِرُوا إنْ صَامُوا (بِ) شَهَادَةِ (وَاحِدٍ) ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَوْهُ، لِحَدِيثِ: «وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» وَلِأَنَّ الْفِطْرَ لَا يَسْتَنِدُ إلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِلَالِ شَوَّالٍ، بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْقَرَائِنِ، (وَلَا) إنْ صَامُوا (لِغَيْمٍ) ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَوْهُ، فَلَا يُفْطِرُونَ، لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا، فَمَعَ مُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ، وَهُوَ بَقَاءُ رَمَضَانَ أَوْلَى. (فَلَوْ غُمَّ) الْهِلَالُ (لِشَعْبَانَ، وَ) غُمَّ أَيْضًا لِ (رَمَضَانَ، وَجَبَ تَقْدِيرُ رَجَبٍ، وَ) تَقْدِيرُ (شَعْبَانَ نَاقِصَيْنِ) احْتِيَاطًا، لِوُجُوبِ الصَّوْمِ (فَلَا يُفْطِرُوا قَبْلَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ) يَوْمًا (بِلَا رُؤْيَةٍ) ، لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ رَمَضَانَ (وَكَذَا الزِّيَادَةُ) ، أَيْ: زِيَادَةُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ عَلَى الصَّوْمِ الْوَاجِبِ (لَوْ غُمَّ) الْهِلَالُ (لِرَمَضَانَ وَشَوَّالٍ، وَ) صُمْنَا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ ثُمَّ (أَكْمَلْنَا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ) ، أَيْ: فَرَضْنَاهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 كَامِلَيْنِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ (وَ) بَانَ أَنَّهُمَا (كَانَا نَاقِصَيْنِ) قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " (وَ) عَلَى هَذَا فَ (قِسْ لَوْ غُمَّ رَجَبٌ وَشَعْبَانُ وَرَمَضَانُ) ، أَيْ: فَلَا يُفْطِرُونَ قَبْلَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ بِلَا رُؤْيَةٍ. (وَلَا يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ") نَقْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ وَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: قَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ، وَقَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، يَعْنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَقَطْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ» نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُمَا: لَا يَجْتَمِعُ نُقْصَانُهُمَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: غَالِبًا، وَقِيلَ لَا يَنْقُصُ أَجْرُ الْعَمَلِ فِيهِمَا بِنَقْصِ عَدَدِهِمَا، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ تَأْوِيلَهُ عَلَى السَّنَةِ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِيهَا. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: لَا أَدْرِي مَا هَذَا، وَقَدْ رَأَيْنَاهُمَا يَنْقُصَانِ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (مَنْ قَالَ: إنْ رُئِيَ الْهِلَالُ صَبِيحَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ، فَالشَّهْرُ تَامٌّ، وَإِنْ لَمْ يُرَ، فَنَاقِصٌ) هَذَا إنْ ثَبَتَ (فَ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اسْتِتَارَ الْهِلَالِ لَا يَكُونُ إلَّا لَيْلَتَيْنِ، وَ (لَيْسَ بِصَحِيحٍ) ، لِوُجُودِ خِلَافِهِ، بَلْ قَدْ يَسْتَتِرُ لَيْلَةً تَارَةً، وَثَلَاثَ لَيَالٍ أُخْرَى. (وَمَنْ رَآهُ) ، أَيْ: الْهِلَالَ (وَحْدَهُ لِ) شَهْرِ (رَمَضَانَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ) لِفِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ، (لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَجَمِيعُ أَحْكَامِ الشَّهْرِ مِنْ نَحْوِ طَلَاقٍ) كَظِهَارٍ (وَعِتْقٍ مُعَلَّقٍ بِهِ) ، لِأَنَّهُ يَوْمٌ عَلِمَهُ مِنْ رَمَضَانَ فَلَزِمَهُ حُكْمُهُ، كَاَلَّذِي بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مِنْ شَعْبَانَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ظَاهِرًا لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ، وَيَلْزَمُهُ إمْسَاكُهُ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ، وَالْكَفَّارَةُ إنْ جَامَعَ فِيهِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عُقُوبَةً مَحْضَةً بَلْ عِبَادَةً أَوْ فِيهَا شَائِبَتُهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 (وَ) إنْ رَآهُ وَحْدَهُ (لِ) شَهْرِ (شَوَّالٍ لَمْ يُفْطِرْ وُجُوبًا) نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ، لِحَدِيثِ «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ مَعْنَاهُ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. (وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ الْفِطْرُ سِرًّا، وَحَسَّنَهُ فِي) " الْإِنْصَافِ " (" وَالْإِقْنَاعِ ") لِأَنَّهُ تَيَقَّنَهُ يَوْمَ عِيدٍ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ صَوْمِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَهُوَ) ، أَيْ: مَا قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: (الصَّوَابُ لِمَنْ تَيَقَّنَهُ تَيَقُّنًا لَا لَبْسَ مَعَهُ) وَقَالَ فِي " الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ": وَعَنْهُ: يُفْطِرُ، وَقِيلَ: سِرًّا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ رُؤْيَتَهُ وَحْدَهُ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْيَقِينُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، إذْ يَجُوزُ أَنَّهُ خُيِّلَ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّهَمَ فِي رُؤْيَتِهِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، وَمُوَافَقَةً لِمَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. (وَالْمُنْفَرِدُ بِرُؤْيَتِهِ) أَيْ: هِلَالِ شَوَّالٍ (بِنَحْوِ مَفَازَةٍ) كَمُعْتَقَلٍ فِي مَكَان لَا يَدْخُلُ إلَيْهِ أَحَدٌ (يَبْنِي عَلَى يَقِينِ رُؤْيَتِهِ) فَيُفْطِرُ (لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ) ، قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ عَلَى " الْهِدَايَةِ ". (وَإِنْ شَهِدَا) أَيْ: شَهِدَ اثْنَانِ (بِهِ) ، أَيْ: بِهِلَالِ شَوَّالٍ (عِنْدَ حَاكِمٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا) ، أَيْ: رَدَّهَا الْحَاكِمُ لِجَهْلِهِ بِحَالِهِمَا، لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا، وَلَا لِمَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا الْفِطْرُ بِقَوْلِهِمَا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَتَشْتِيتِ الْكَلِمَةِ، وَجَعْلِ مَرْتَبَةِ الْحَاكِمِ لِكُلِّ إنْسَانٍ، قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ " وَقَالَ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ " الْإِقْنَاعِ ": وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ عِنْدَ حَاكِمٍ فَرَدَّ شَهَادَتَهُمَا لِجَهْلِهِ بِحَالِهِمَا، (فَلِعَالَمٍ بِعَدَالَتِهِمَا) الْفِطْرُ. (وَيَتَّجِهُ: بَلْ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى الْعَالِمِ بِعَدَالَتِهِمَا، وَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 الِاتِّجَاهُ لَا بَأْسَ بِهِ، - (الْفِطْرُ لِأَنَّ رَدَّهُ) ، أَيْ: الْحَاكِمِ لِشَهَادَتِهِمَا هَهُنَا (تَوَقُّفٌ) مِنْهُ عَنْ الْحُكْمِ بِهَا، لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَالِهِمَا (لَا حُكْمٌ) ، أَيْ: لَيْسَ بِحُكْمٍ مِنْهُ بِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا، فَأَشْبَهَ الْمُنْتَظِرَ لِبَيِّنَةٍ بِخَبَرِ عَدَالَتِهِمَا، وَلِهَذَا لَوْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ بِمَنْ زَكَّاهُمَا كَانَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِهَا، لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَأَمَّا إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِفِسْقِهِمَا، فَلَيْسَ لَهُمَا، وَلَا لِغَيْرِهِمَا الْفِطْرُ بِشَهَادَتِهِمَا. وَإِنْ رَآهُ عَدْلَانِ، وَلَمْ يَشْهَدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ جَازَ لِمَنْ سَمِعَ بِشَهَادَتِهِمَا الْفِطْرُ إذَا عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا، (وَيُفْطِرُ كُلٌّ مِنْهُمَا) ، أَيْ: الشَّاهِدَيْنِ (بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ وَ) رُؤْيَةِ (رَفِيقِهِ) إذَا عَرَفَ عَدَالَتَهُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَهِدَ اثْنَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدُهُمَا عَدَالَةَ الْآخَرِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ، لِاحْتِمَالِ فِسْقِهِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ حَاكِمٌ فَيَزُولُ اللَّبْسُ، وَكَذَا لَوْ جَهِلَ غَيْرُهُمَا عَدَالَتَهُمَا، أَوْ عَدَالَةَ أَحَدِهِمَا. فَلَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ الْحَاكِمُ. (وَيُنْكَرُ عَلَى مَنْ أَكَلَ بِرَمَضَانَ ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ) ، قَالَهُ الْقَاضِي. (وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ كَانَتْ أَعْذَارٌ خَفِيَّةٌ مَنَعَتْ مِنْ إظْهَارِهِ كَ) مَرِيضٍ لَا أَمَارَةَ عَلَيْهِ، وَ (مُسَافِرٍ لَا عَلَامَةَ عَلَيْهِ) بِخِلَافِ الْأَعْذَارِ الظَّاهِرَةِ، (وَإِنَّمَا مُنِعَ) إظْهَارُهُ (لِئَلَّا يُتَّهَمَ) . انْتَهَى. (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: أَكْرَهُ الْمَدْخَلَ السُّوءَ) لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّيبَةِ. (وَإِنْ اشْتَبَهَتْ الْأَشْهُرُ عَلَى مَنْ أُسِرَ أَوْ طُمِرَ أَوْ بِمَفَازَةٍ وَنَحْوِهِ) كَمَنْ بِدَارِ حَرْبٍ، (تَحَرَّى) ، أَيْ: اجْتَهَدَ فِي مَعْرِفَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ (وُجُوبًا) ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ تَأْدِيَةُ فَرْضِهِ بِالِاجْتِهَادِ، فَلَزِمَهُ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 (وَصَامَ) الَّذِي ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ رَمَضَانُ، (وَيُجْزِئُهُ) الصَّوْمُ (إنْ شَكَّ هَلْ وَقَعَ صَوْمُهُ قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ رَمَضَانَ، (أَوْ) وَقَعَ (بَعْدَهُ) ، لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ بِاجْتِهَادٍ، وَلَا يَضُرُّ تَرَدُّدُهُ فِي النِّيَّةِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، (كَمَا لَوْ وَافَقَهُ) ، أَيْ: رَمَضَانَ (أَوْ) وَافَقَ (مَا بَعْدَهُ) ، أَيْ: بَعْدَ رَمَضَانَ كَذِي الْحِجَّةِ أَوْ مُحَرَّمٍ وَنَحْوِهِ كَالصَّلَاةِ، (لَا إنْ وَافَقَ) صَوْمُهُ رَمَضَانَ (الْقَابِلَ، فَلَا يُجْزِئُ) هـ (عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) ، أَيْ: الرَّمَضَانَيْنِ (اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَ) إنْ صَامَ شَوَّالًا أَوْ ذِي الْحِجَّةِ، فَإِنَّهُ (يَقْضِي مَا وَافَقَ عِيدًا أَوْ أَيَّامَ تَشْرِيقٍ) ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا عَنْ رَمَضَانَ، (وَلَوْ صَامَ) مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْأَشْهُرُ (شَعْبَانَ ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً، ثُمَّ عَلِمَ) الْحَالَ، (قَضَى مَا فَاتَ) وَهُوَ رَمَضَانُ ثَلَاثَ سِنِينَ قَضَاءً، (مُرَتِّبًا شَهْرًا عَلَى إثْرِ شَهْرٍ) بِالْبَيِّنَةِ (كَصَلَاةٍ فَائِتَةٍ) نَصًّا، نَقَلَهُ مُهَنَّا. (وَيَتَّجِهُ: أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلصِّحَّةِ) ، فَيَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهُ عَنْ شَعْبَانَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّهْرَ لَمْ يَدْخُلْ) فَصَامَ، لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ أَصَابَ، (أَوْ شَكَّ) أَنْ الشَّهْرَ لَمْ يَدْخُلْ (فَصَامَ، لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ أَصَابَ) كَمَا لَوْ تَرَدَّدَ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ. [فَصْلٌ عَلَيَّ مِنْ يَجِب الصَّوْم] (فَصْلٌ) (وَيَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] ، فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَائِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ مَا مَضَى مِنْ الْأَيَّامِ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ «قَدِمُوا عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمْ قُبَّةً بِالْمَسْجِدِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا صَامُوا مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ» وَلِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُفْرَدَةٌ. (قَادِرٍ) عَلَى صَوْمٍ لَا عَلَى عَاجِزٍ عَنْهُ لِنَحْوِ مَرَضٍ لِلْآيَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ، وَلَا صَغِيرٍ، وَلَوْ مُرَاهِقًا، لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَيَصِحُّ مِنْ مُمَيِّزٍ كَالصَّلَاةِ لَا مِنْ مَجْنُونٍ، (لَكِنْ عَلَى وَلِيِّ صَغِيرٍ مُطِيقٍ) لِلصَّوْمِ (أَمْرُهُ بِهِ، وَضَرْبُهُ عَلَيْهِ لِيَعْتَادَهُ) إذَا بَلَغَ كَالصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الصَّوْمَ أَشَقُّ فَاعْتُبِرَتْ الطَّاقَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطِيقُ الصَّلَاةَ مَنْ لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ. (وَفِي " الْمُغْنِي " اعْتِبَارُهُ) ، أَيْ: أَمْرِ الصَّغِيرِ بِالصَّوْمِ (بِالْعَشْرِ أَوْلَى) ، لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالضَّرْبِ عِنْدَهَا. (وَيَتَّجِهُ: أَنَّ تَفْصِيلَهُ) أَيْ: الْأَمْرِ بِالصَّوْمِ (كَ) تَفْصِيلِ الْأَمْرِ بَال (صَّلَاةِ) ، مِنْ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ لِسَبْعٍ إنْ أَطَاقَهُ، وَحَدَّ الْإِطَاقَةَ ابْنُ أَبِي مُوسَى بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ وَلَا يَضُرُّهُ، (فَهِيَ) ، أَيْ: الصَّلَاةُ (آكَدُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهَا لَا مَضَرَّةَ فِي مُدَاوَمَةِ الْمُمَيِّزِ عَلَيْهَا. (وَلَا يُضْرَبُ) مُمَيِّزٌ عَلَى تَرْكِهِ (إلَّا لِعَشْرٍ) وَلَوْ أَطَاقَهُ؛ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ إذَنْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ: الصَّوْمِ (لِكِبَرٍ) كَشَيْخٍ هَرِمٍ وَعَجُوزٍ يُجْهِدُهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 الصَّوْمُ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةً شَدِيدَةً (أَوْ) عَجَزَ عَنْهُ (لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى بَرْؤُهُ، أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ) ، أَيْ مَنْ عَجَزَ عَنْهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بَرْؤُهُ، إنْ كَانَ فِطْرُهُ (لَا مَعَ) عُذْرٍ مُعْتَادٍ (نَحْوِ سَفَرٍ: عَنْ كُلِّ يَوْمٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ، أَوْ مُدَّانِ مِنْ غَيْرِهِ) ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هِيَ لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمَعْنَاهُ: عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَذَكَرَهُ وَأَلْحَقَ بِهِ مَنْ لَا يُرْجَى بَرْءُ مَرَضِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْعَاجِزُ عَنْهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بَرْؤُهُ مُسَافِرًا فَلَا فِدْيَةَ لِفِطْرِهِ بِعُذْرٍ مُعْتَادٍ وَلَا قَضَاءَ لِعَجْزِهِ عَنْهُ فَيُعَايَا بِهَا. (وَلَا يَسْقُطُ) الْإِطْعَامُ (بِعَجْزٍ) عَنْهُ (وَلَا يُجْزِئُ صَوْمُ غَيْرِهِ) أَيْ: الْمَعْذُورِ (عَنْهُ) كَالصَّلَاةِ. (وَمَنْ أَيِسَ) مِنْ بَرْئِهِ (ثُمَّ قَدَرَ عَلَى قَضَاءٍ لَمْ يَقْضِ) مَا أَفْطَرَهُ؛ لِأَنَّهُ كَمَعْضُوبٍ عَجَزَ عَنْ حَجٍّ، وَأَحَجَّ عَنْهُ، ثُمَّ عُوفِيَ، فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ. (وَيَتَّجِهُ: هَذَا) أَيْ: عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ (إنْ كَانَ قَدْ أَطْعَمَ) قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ (لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ بَدَلٍ وَمُبْدَلٍ) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَطْعَمَ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَمَعْضُوبٍ عُوفِيَ قَبْلَ إحْرَامِ نَائِبِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسُنَّ فِطْرٌ وَكُرِهَ صَوْمٌ) لِمُسَافِرٍ (بِسَفَرِ قَصْرٍ) أَيْ: فِي أَثْنَائِهِ (وَلَوْ بِلَا مَشَقَّةٍ) لِحَدِيثِ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَزَادَ: «عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ، فَاقْبَلُوهَا» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 وَإِنْ صَامَ أَجْزَأَهُ نَصًّا؛ لِحَدِيثِ «هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا، فَهُوَ حَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. (فَلَوْ سَافَرَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِرَمَضَانَ (لِيُفْطِرَ) فِيهِ، (حَرُمَ) عَلَيْهِ (فِطْرٌ) أَمَّا السَّفَرُ فَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْفِطْرِ الْمُحَرِّمِ، وَأَمَّا الْفِطْرُ فَلِعَدَمِ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ، وَهُوَ السَّفَرُ الْمُبَاحِ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) قَوِيٌّ: (وَكَذَا) لَوْ سَافَرَ (لِيَقْصُرَ) الرَّبَاعِيَةَ (وَيَمْسَحَ ثَلَاثًا) ، فَيَحْرُمُ السَّفَرُ لِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَبِيحُ الْمَسْحَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) سُنَّ فِطْرٌ وَكُرِهَ صَوْمٌ (لِخَوْفِ مَرَضٍ بِعَطَشٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرِيضِ بِتَضَرُّرِهِ بِالصَّوْمِ. (وَ) سُنَّ فِطْرٌ وَكُرِهَ صَوْمٌ (لِخَوْفِ مَرِيضٍ وَحَادِثٍ بِهِ فِي يَوْمِهِ ضَرَرًا بِزِيَادَتِهِ أَوْ طُولِهِ) أَيْ: الْمَرَضِ، (وَلَوْ بِقَوْلِ) طَبِيبٍ غَيْرِ مُسْلِمٍ (ثِقَةٍ) مَا لَمْ يَكُنْ الْمَرِيضُ طَبِيبًا، وَلَوْ فَاسِقًا كَإِفْتَاءِ فَاسِقٍ نَفْسَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . إلَى قَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وَ (لَا) يُبَاحُ فِطْرٌ (لِمَنْ) أَيْ: مَرِيضٍ (لَمْ يَتَضَرَّرُ بِهِ) أَيْ: الصَّوْمِ (كَمَنْ بِهِ جَرَبٌ أَوْ وَجَعُ ضِرْسٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ دُمَّلٌ وَنَحْوُهُ) ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ؟ قَالَ: إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ، قِيلَ: مِثْلُ الْحُمَّى؟ قَالَ: وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ مِنْ الْحُمَّى؟ (وَيُبَاحُ فِطْرٌ بِقَوْلِهِ) أَيْ: الطَّبِيبِ الثِّقَةِ: (إنَّ الصَّوْمَ مِمَّا يُمَكِّنُ الْعِلَّةَ، أَوْ) بِقَوْلِهِ: إنَّ الصَّوْمَ (لَا يَنْفَعُ مَعَهُ تَدَاوٍ) كَمَنْ بِهِ (نَحْوُ مَرَضٍ) يَضُرُّهُ تَرْكُ التَّدَاوِي، (وَرَمَدٍ) يُخْشَى زِيَادَتُهُ بِتَرْكِ الِاكْتِحَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 (وَجَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ) كَذَلِكَ (وَقَالَ) أَبُو بَكْرٍ (الْآجُرِّيُّ: مَنْ صَنْعَتُهُ شَاقَّةٌ فَإِنْ خَافَ) بِالصَّوْمِ (تَلَفًا، أَفْطَرَ وَقَضَى) إنْ ضَرَّهُ تَرْكُ الصَّنْعَةِ، (فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ تَرْكُهَا أَثِمَ) بِالْفِطْرِ وَيَتْرُكُهَا، (وَإِلَّا) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِ الضَّرَرُ بِتَرْكِهَا، (فَلَا) إثْمَ عَلَيْهِ بِالْفِطْرِ لِلْعُذْرِ (وَمَنْ قَاتَلَ عَدُوًّا أَوْ أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِبَلَدِهِ، وَالصَّوْمُ يُضْعِفُهُ) عَنْ الْقِتَالِ، (سَاغَ لَهُ الْفِطْرُ) بِدُونِ سَفَرٍ (نَصًّا) فَعَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَمَرَ بِهِ لَمَّا نَازَلَ الْعَدُوُّ دِمَشْقَ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَإِنْ نَوَى حَاضِرٌ صَوْمَ يَوْمٍ) بِرَمَضَانَ (وَسَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ: الْيَوْمِ طَوْعًا أَوْ كُرْهًا، (فَلَهُ الْفِطْرُ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ كَالْمَرَضِ الطَّارِئِ وَلَوْ بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا حَيْثُ وَجَبَ إتْمَامُهَا لَمْ تَقْصُرْ، لِآكَدِيَّتِهَا، وَعَدَمِ مَشَقَّةِ إتْمَامِهَا، (إذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ) الْعَامِرَةَ وَنَحْوَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ لَا يُسَمَّى مُسَافِرًا، (وَالْأَفْضَلُ) لِحَاضِرٍ نَوَى صَوْمًا، وَسَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ (عَدَمُهُ) ، أَيْ: عَدَمِ الْفِطْرِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (وَيَتَّجِهُ: لُزُومُ تَبْيِيتِ نِيَّةِ) الصَّوْمِ (مِمَّنْ نَوَى السَّفَرَ نَهَارًا) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ لَهُ عَائِقٌ عَنْ السَّفَرِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَا يَسُوغُ الْفِطْرُ لِلْمُسَافِرِ إلَّا إذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةَ (وَجَازَ وَطْءٌ لِمَنْ بِهِ مَرَضٌ يَنْتَفِعُ بِهِ) ، أَيْ: الْوَطْءِ (فِيهِ) ، أَيْ: الْمَرَضِ، كَالْمُدَاوَاةِ (وَمَنْ بِهِ شَبَقٌ يَخَافُ تَشَقُّقَ نَحْوِ ذَكَرِهِ) - كَأُنْثَيَيْهِ إنْ لَمْ يَطَأْ، (وَلَمْ تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِدُونِ وَطْءٍ كَاسْتِمْنَاءٍ بِيَدِهِ، أَوْ يَدِ زَوْجَتِهِ) كَسُرِّيَّتِهِ -، (جَامَعَ، وَلَا كَفَّارَةَ) نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ، فَإِنْ انْدَفَعَتْ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَيَقْضِي) عَدَدَ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ الْأَيَّامِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] (مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ) عَلَيْهِ (قَضَاءٌ لِشَبَقٍ فَيُطْعِمُ) لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، (كَكَبِيرٍ) عَاجِزٍ عَنْ صَوْمٍ، (وَمَتَى لَمْ يُمْكِنْهُ) الْوَطْءُ لِدَفْعِ الشَّبَقِ (إلَّا بِإِفْسَادِ صَوْمِ مَوْطُوءَةٍ) ، بِأَنْ لَمْ تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِاسْتِمْنَاءٍ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ، وَلَا بِمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ، (جَازَ) لَهُ الْوَطْءُ (ضَرُورَةً) أَيْ لِدُعَاءِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ كَأَكْلِ مُضْطَرٍّ مَيِّتَةً، فَإِنْ كَانَ حَائِضٌ وَصَائِمَةٌ طَاهِرٌ مِنْ زَوْجَةٍ وَسُرِّيَّةٍ (فَ) وَطْءُ طَاهِرٍ (صَائِمَةٍ أَوْلَى مِنْ) وَطْءِ (حَائِضٍ) ، لِنَهْيِ الْكِتَابِ عَنْ وَطْءِ الْحَائِضِ، وَتَعَدِّي ضَرَرِهِ. (وَتَتَعَيَّنُ) لِلْوَطْءِ (مَنْ لَمْ تَبْلُغْ) مِنْ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ مُبَاحَةٍ (كَمَجْنُونَةٍ وَكِتَابِيَّةٍ) لِتَحْرِيمِ إفْسَادِ صَوْمِ الْبَالِغَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ إلَيْهِ. (وَكُرِهَ صَوْمُ حَامِلٍ وَمُرْضِعٍ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِنَّ أَوْ) خَافَتَا عَلَى (الْوَلَدِ) كَالْمَرِيضِ، وَأَوْلَى، (وَيَقْضِيَانِ لِفِطْرٍ) عَدَدَ أَيَّامِ فِطْرِهِمَا لِقُدْرَتِهِمَا عَلَى الْقَضَاءِ (وَيَلْزَمُ مَنْ يُمَوِّنُ الْوَلَدَ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ فَقَطْ) مِنْ الصَّوْمِ (إطْعَامُ مِسْكِينٍ فَوْرًا) لِوُجُوبِهِ كَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهَذَا أَقْيَسُ (لِكُلِّ يَوْمٍ) أَفْطَرَتْهُ حَامِلٌ أَوْ مُرْضِعٌ خَوْفًا عَلَى الْوَلَدِ (مَا) أَيْ: طَعَامًا (يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " كَانَتْ رُخْصَةٌ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ، وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا، أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ فِطْرٌ بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ، فَوَجَبَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ، كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ. (وَتُجْزِئُ) كَفَّارَةٌ (لِ) مِسْكِينٍ (وَاحِدٍ جُمْلَةً) وَاحِدَةً، قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": إنْ أَتَى بِهِ مَعَ الْقَضَاءِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ لَهُ (وَمَتَى قَبِلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 رَضِيعٌ ثَدْيِ غَيْرِهَا) أَيْ أُمِّهِ (وَقَدَرَ وَلِيُّهُ يَسْتَأْجِرُ لَهُ، لَمْ تُفْطِرْ أُمُّهُ) ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، (وَظِئْرٌ) أَيْ: مُرْضِعَةٌ لِوَلَدِ غَيْرِهَا (كَأُمٍّ) فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ إنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا، أَوْ الرَّضِيعِ، فَإِنْ وَجَبَ إطْعَامٌ فَعَلَى مَنْ يُمَوِّنُهُ، (فَلَوْ تَغَيَّرَ لَبَنُهَا) أَيْ الظِّئْرِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْإِرْضَاعِ (بِ) سَبَبِ (صَوْمِهَا أَوْ نَقَصَ) لَبَنُهَا بِصَوْمِهَا، (فَلِمُسْتَأْجَرِ) هَا (الْفَسْخُ) لِلْإِجَارَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ. (وَتَأْثَمُ) مُرْضِعَةٌ صَامَتْ (بِقَصْدِ إضْرَارِ) مُرْتَضِعٍ (وَتُجْبَرُ) أَيْ: يُجْبِرُهَا الْحَاكِمُ بِطَلَبِ مُسْتَأْجِرٍ (عَلَى فِطْرٍ إنْ تَأَذَّى رَضِيعٌ) بِصَوْمِهَا، فَإِنْ قَصَدَتْ الْأَضْرَارَ أَثِمَتْ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. (وَيَجِبُ فِطْرٌ عَلَى مَنْ احْتَاجَهُ) أَيْ: الْفِطْرَ (لِإِنْقَاذِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ كَغَرَقٍ وَنَحْوِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَدَارُكُ الصَّوْمِ بِالْقَضَاءِ، بِخِلَافِ الْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ. (وَ) إنْ جُعِلَ لِمُنْقِذِ مَعْصُومٍ ضَعُفَ فِي نَفْسِهِ بِسَبَبِ إنْقَاذِهِ فَأَفْطَرَ، فَ (لَا يَفْدِي) هُوَ وَلَا الْمَعْصُومُ، كَالْمَرِيضِ، (وَإِنْ قَدَرَ) الْمُنْقِذُ عَلَى الْإِنْقَاذِ (بِدُونِ فِطْرٍ) وَجَبَ عَلَيْهِ وَ (حَرُمَ) الْفِطْرُ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، (فَإِنْ دَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ لَمْ يُفْطِرْ) لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ بِذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ كَآدَمِيٍّ) فِي وُجُوبِ إنْقَاذِهِ، وَوُجُوبِ الْفِطْرِ عَلَى مُضْطَرٍّ إلَيْهِ لِإِنْقَاذِ (حَيَوَانٍ مُحْتَرِمٍ) تَخْلِيصًا لَهُ مِنْ الْمَهْلَكَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ صَوْمُ مَنْ خَافَ تَلَفًا) بِصَوْمِهِ (وَيُكْرَهُ) ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ: صَاحِبُ " الِانْتِصَارِ " وَ " فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَ " الْحَاوِيَيْنِ " وَ " الْفَائِقِ " وَغَيْرِهِمْ: (يَحْرُمُ) صَوْمُهُ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَمْ أَجِدْهُمْ ذَكَرُوا فِي الْإِجْزَاءِ خِلَافًا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ: يَجِبُ فِطْرُهُ بِمَرَضٍ مَخُوفٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 (وَيَتَّجِهُ: وَهُوَ) أَيْ: الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ؛ (الْأَصَحُّ) لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ. قَالَ الْآجُرِّيُّ: (وَلَيْسَ لِمَنْ أُبِيحَ لَهُ فِطْرٌ بِرَمَضَانَ) كَمُسَافِرٍ (صَوْمُ غَيْرِهِ) أَيْ: رَمَضَانَ (فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يَسَعُ غَيْرَ مَا فُرِضَ فِيهِ، (وَيَلْغُو صَوْمُهُ) إذَا صَامَ فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ، لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ، (وَكَذَا لَوْ قَلَبَهُ) أَيْ: صَوْمَ رَمَضَانَ (نَفْلًا) ، لَمْ يَصِحَّ لَهُ النَّفَلُ، وَبَطَلَ فَرْضُهُ لِقَطْعِ نِيَّتِهِ. [فَرْعٌ مَنْ أُبِيحَ لَهُ فِطْرٌ بِرَمَضَانَ] (فَرْعٌ: لِمَنْ أُبِيحَ لَهُ فِطْرٌ بِرَمَضَانَ) كَمَرِيضٍ وَنَحْوِهِ (وَصَامَ، أَنْ يُفْطِرَ بِمَا شَاءَ مِنْ جِمَاعٍ وَغَيْرِهِ) كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، (وَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ لِحُصُولِ الْفِطْرِ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الْجِمَاعِ، فَيَقَعُ الْجِمَاعُ بَعْدَهُ. [فَصْلٌ شُرُوط صِحَّةِ الصَّوْمِ] (فَصْلٌ) (وَشُرِطَ لِصِحَّةِ صَوْمٍ: إسْلَامٌ، وَعَقْلٌ، وَتَمْيِيزٌ، وَطُهْرٌ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ. وَ) شُرِطَ لِصِحَّتِهِ (نِيَّةٌ مُعَيِّنَةٌ لِمَا يَصُومُ) بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ قَضَائِهِ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، (مِنْ اللَّيْلِ) لِحَدِيثِ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» وَقَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَكَالْقَضَاءِ. وَأَوَّلُ اللَّيْلِ وَوَسَطُهُ وَآخِرُهُ مَحِلٌّ لِلنِّيَّةِ، فَأَيُّ جُزْءٍ نَوَى فِيهِ أَجْزَأَهُ، (لِ) صَوْمِ (كُلِّ يَوْمٍ وَاجِبٍ) ، لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُفْرَدَةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُ يَوْمٍ بِفَسَادِ صَوْمِ يَوْمٍ آخَرَ كَالْقَضَاءِ. (وَلَا تَسْقُطُ) النِّيَّةُ (بِسَهْوٍ أَوْ غَيْرِهِ) ، فَلَوْ تَرَكَهَا جَهْلًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 أَوْ نِسْيَانًا أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْغُرُوبِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَمْ يَصِحَّ صَوْمٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ، (وَلَا يَضُرُّ لَوْ أَتَى بَعْدَهَا) ، أَيْ: النِّيَّةِ (لَيْلًا بِمُنَافٍ لِلصَّوْمِ) لَا لِلنِّيَّةِ (مِنْ نَحْوِ جِمَاعٍ) كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ الْأَكْلَ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ، فَلَوْ بَطَلَتْ فَاتَ مَحِلُّهَا. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إتْيَانُهُ بِمُنَافٍ لِلصَّوْمِ إذَا كَانَ مَا أَتَى بِهِ (غَيْرَ رِدَّةٍ) ، أَمَّا الرِّدَّةُ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهَا تُبْطِلُ النِّيَّةَ، وَتُزِيلُ التَّأَهُّلَ لِلْعِبَادَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا بُدَّ لِصِحَّتِهَا بِإِتْيَانِهِ بِالْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ طُرُوءِ الْجُنُونِ عَلَى مُبَيِّتِ النِّيَّةِ، فَإِنَّ الْمَجْنُونَ بِمُجَرَّدِ إفَاقَتِهِ مِنْ الْجُنُونِ تَصِحُّ عِبَادَتُهُ؛ لِعَدَمِ صُنْعِهِ فِيهِ، فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَ (لَا) تُعْتَبَرُ (نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ) بِأَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ فَرْضًا، (اكْتِفَاءً بِالتَّعْيِينِ) عَنْهُ، وَكَالصَّلَاةِ، (وَلَوْ نَوَتْ حَائِضٌ صَوْمَ غَدٍ، وَتَعْرِفُ أَنَّهَا تَطْهُرُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرٍ، صَحَّ) لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ، (وَمَنْ نَوَى) لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ: (إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَفَرْضِيٌّ، وَإِلَّا فَنَفْلٌ) ، لَمْ يُجْزِئْهُ، (أَوْ) نَوَى (عَنْ وَاجِبٍ) مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ (عَيَّنَهُ) ، أَيْ: الْوَاجِبَ (بِنِيَّتِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ) إنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ لَا عَنْ رَمَضَانَ، وَلَا عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ؛ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا، (إلَّا إنْ قَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ) : إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، فَفَرْضِيٌّ (وَإِلَّا، فَأَنَا مُفْطِرٌ) ، فَيُجْزِئُهُ إنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَصْلٍ لَمْ يَثْبُتْ زَوَالُهُ، وَلَا يَقْدَحُ تَرَدُّدُهُ، لِأَنَّهُ حُكْمُ صَوْمِهِ مَعَ الْجَزْمِ. (وَمَنْ قَالَ: أَنَا صَائِمٌ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنْ قَصَدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 بِالْمَشِيئَةِ الشَّكَّ) بِأَنْ شَكَّ: هَلْ يَصُومُ أَوْ لَا؟ (أَوْ) قَصَدَ بِهَا (التَّرَدُّدَ فِي الْعَزْمِ) ، أَوْ الْقَصْدُ بِأَنْ تَرَدَّدَ: هَلْ يَنْوِي الصَّوْمَ بَعْدَ ذَلِكَ جَزْمًا أَوْ لَا؟ (فَسَدَتْ نِيَّتُهُ) ، لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِهَا، (وَإِلَّا) يَقْصِدْ الشَّكَّ، وَلَا التَّرَدُّدَ، (فَلَا) تَفْسُدُ نِيَّتُهُ (كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ) ، قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنَّ صَوْمَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ. (وَكَقَوْلِهِ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) تَعَالَى (غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ فِي الْحَالِ) ، فَلَا يَفْسُدُ إيمَانُهُ بِذَلِكَ وَفِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ ": يَحْرُمُ قَوْلُهُ: أَنَا مُسْلِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (وَمَنْ خَطَرَ بِقَلْبِهِ لَيْلًا أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا فَقَدْ نَوَى، وَكَذَا أَكْلٌ وَشُرْبٌ بِنِيَّةِ صَوْمٍ) لِأَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ حِينَ يَتَعَشَّى يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ، وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ، وَعَشَاءِ لَيَالِي رَمَضَانَ. (وَلَا يَصِحُّ) صَوْمٌ (مِمَّنْ جُنَّ) كُلَّ النَّهَارِ (أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كُلَّ النَّهَارِ) ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ الْإِمْسَاكُ مَعَ النِّيَّةِ؛ لِحَدِيثِ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي» فَأَضَافَ التَّرْكَ إلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُضَافُ إلَى الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ، وَالنِّيَّةُ وَحْدَهَا لَا تُجْزِئُ. (وَيَصِحُّ) الصَّوْمُ (مِمَّنْ أَفَاقَ) مِنْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ (جُزْءًا مِنْهُ) ، أَيْ: النَّهَارِ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ (حَيْثُ نَوَى لَيْلًا) ، لِصِحَّةِ إضَافَةِ التَّرْكِ إلَيْهِ إذَنْ، وَيُفَارِقُ الْجُنُونُ الْحَيْضَ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ بَلْ الصِّحَّةَ، وَيُحَرِّمُ فِعْلَهُ، (أَوْ نَامَ كُلَّهُ) ، أَيْ: النَّهَارِ، فَيَصِحُّ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ عَادَةٌ، وَلَا يَزُولُ بِهِ الْإِحْسَاسُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى نُبِّهَ انْتَبَهَ. (وَيَقْضِي مُغْمًى عَلَيْهِ) زَمَنَ إغْمَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ وَمُدَّةُ الْإِغْمَاءِ لَا تَطُولُ غَالِبًا، وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَ (لَا) يَقْضِي (مَجْنُونٌ) زَمَنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 جُنُونِهِ، (لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ) سَوَاءٌ كَانَ زَمَنُ الْجُنُونِ كُلَّ الشَّهْرِ أَوْ بَعْضَهُ. (وَمَنْ) (نَوَى الْفِطْرَ) وَلَوْ سَاعَةً أُخْرَى بَطَلَ صَوْمُهُ، (أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ) ، أَيْ: الْفِطْرِ بَطَلَ صَوْمُهُ (أَوْ) نَوَى (إنْ وَجَدْتُ طَعَامًا أَكَلْتُ وَإِلَّا) أَجِدُ طَعَامًا (أَتْمَمْتُ، بَطَلَ صَوْمُهُ) لِتَرَدُّدِهِ فِي النِّيَّةِ (كَصَلَاةٍ) ، أَيْ: كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِفَسْخِ النِّيَّةِ، إذْ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا، إلَى فَرَاغِ كُلِّ عِبَادَةٍ شَرْطٌ. (وَصَحَّ أَنْ يَنْوِيَهُ) ، أَيْ: صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي نَوَى الْإِفْطَارَ (فِيهِ نَفْلًا بِغَيْرِ رَمَضَانَ) نَصَّ عَلَيْهِ، (لِصِحَّةِ نِيَّةِ صَوْمِ نَفْلٍ نَهَارًا، وَلَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ) نَصًّا؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: إنِّي إذَنْ صَائِمٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَمْرُهُ بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فِي أَثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ نِيَّةِ التَّبْيِيتِ لِنَفْلِ الصَّوْمِ تُقَلِّلُهُ، وَتُفَوِّتُ كَثِيرًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبْدُو لَهُ الصَّوْمُ بِالنَّهَارِ لِنَشَاطٍ يَبِينُ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَبِينُ لَهُ فِي اللَّيْلِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنْ يُسَامَحَ فِيهِ بِذَلِكَ، كَمَا سُومِحَ فِي نَفْلِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ الْقِيَامِ وَالتَّوَجُّهِ فِي السَّفَرِ، وَفَارِقُ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ نَفْلِ الصَّلَاةِ كَفَرْضِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْضِي إلَى تَقْلِيلِهَا، وَلِأَنَّ جَعْلَهُ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ سَائِغٌ مُمْكِنٌ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْفَرْضِ؛ لِوُجُوبِهِ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ. (وَيُحْكَمُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِهَا) ، أَيْ: النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، فَلَا يَقَعُ عِبَادَةً؛ لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (فَيَصِحُّ تَطَوُّعٌ مِنْ) حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ (طَهُرَتْ) فِي يَوْمٍ مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ بَقِيَّتِهِ، (أَوْ) ، أَيْ: يَصِحُّ تَطَوُّعُ كَافِرٍ (أَسْلَمَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَأْتِيَا) ، أَيْ: الَّتِي طَهُرَتْ، وَاَلَّذِي أَسْلَمَ (فِيهِ) ، أَيْ: فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (بِمُفْسِدٍ مِنْ نَحْوِ أَكْلٍ) كَشُرْبٍ وَجِمَاعٍ. (وَمَنْ قَطَعَ نِيَّةَ صَوْمِ نَذْرٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ ثُمَّ نَوَى صَوْمًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 نَفْلًا، صَحَّ) نَفْلُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " التَّنْقِيحِ " (وَحَرُمَ الْقَطْعُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (وَإِنْ قَلَبَ صَائِمٌ نِيَّةً نَحْوَ نَذْرٍ) كَقَضَاءٍ (نَفْلًا، صَحَّ) كَقَلْبِ فَرْضِ الصَّلَاةِ نَفْلًا، (وَكُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ (لِغَيْرِ غَرَضٍ) صَحِيحٍ كَالصَّلَاةِ، (وَكَذَا قَضَاءٌ) وَيَصِحُّ قَلْبُهُ نَفْلًا (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " (مُسْتَدِلًّا بِعَدَمِ صِحَّةِ نَفْلِ مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ) قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ قَلْبِهِ نَفْلًا، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَلَوْ قَلَبَ نِيَّةَ نَذْرٍ وَقَضَاءٍ إلَى النَّفْلِ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضِ صَلَاةٍ إلَى نَفْلِهَا، وَجَزَمَ بِصِحَّتِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " التَّنْقِيحِ " " وَالْمُنْتَهَى " (وَمَنْ نَوَى خَارِجَ رَمَضَانَ قَضَاءً وَنَفْلًا أَوْ) نَوَى قَضَاءً وَ (نَذْرًا) أَوْ نَوَى قَضَاءً (وَكَفَّارَةً فَ) هُوَ (نَفْلٌ) ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَقَوْلُهُ: وَمَنْ نَوَى. . . إلَى آخِرِهِ: هَذَا مُخَالِفٌ أَيْضًا لِمَا فِي " الْإِقْنَاعِ " فَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ الْإِشَارَةَ، أَوْ قَالَ: وَكَذَا مَنْ نَوَى خَارِجَ رَمَضَانَ. . . إلَى آخِرِهِ، لَسَلِمَ مِنْ إهْمَالِ الْإِشَارَةِ لِلْخِلَافِ. [بَابٌ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ] (بَابٌ) (مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ) فَقَطْ، وَمَا يُفْسِدُهُ (وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ) ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. (يَفْسُدُ) صَوْمٌ (بِ) مُجَرَّدِ خُرُوجِ دَمِ (حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَرِدَّةٍ) ، سَوَاءٌ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فِي يَوْمِهِ، أَوْ لَمْ يَعُدْ، وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ ارْتَدَّ فِي أَثْنَائِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] (وَ) كَمَا يَفْسُدُ (بِمَوْتٍ) لِزَوَالِ أَهْلِيَّتِهِ، وَيُطْعِمُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَيَأْتِي. (وَ) كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 يَفْسُدُ (بِعَزْمٍ عَلَى فِطْرٍ) وَتَقَدَّمَ. (وَ) يَفْسُدُ أَيْضًا (بِعَمْدِ قَيْءٍ، وَلَوْ قَلَّ) سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يَفْسُدُ صَوْمٌ (بِ) تَعَمُّدِ قَيْءٍ (نَحْوِ بَلْغَمٍ) كَدَمٍ وَمِرَارٍ وَنَحْوِهِ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ صَرَّحَ بِفَسَادِ صَوْمِ مَنْ اسْتَقَاءَ فَقَاءَ طَعَامًا أَوْ مِرَارًا أَوْ بَلْغَمًا أَوْ دَمًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ قَلَّ. انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَ صَاحِبُ " الْإِقْنَاعِ "، (أَوْ) أَيْ: وَيَفْسُدُ صَوْمٌ (بِحَجْمٍ أَوْ احْتِجَامٍ خَاصَّةً) ، أَيْ: لَا بِفَصْدٍ أَوْ تَشْرِيطٍ أَوْ بِإِخْرَاجِ دَمِ رُعَافٍ أَوْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَجْمُ فِي الْقَفَا أَوْ السَّاقِ نَصًّا (إنْ ظَهَرَ دَمٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا، قَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مِنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ وَصَحَّحَهُمَا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. - مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَاوِيهِ كَانَ يُعِدُّ الْحِجَامَ وَالْمَحَاجِمَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَإِذَا غَابَتْ احْتَجَمَ، كَذَلِكَ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ فَلَا فِطْرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 (وَ) يَفْسُدُ صَوْمٌ (بِإِنْزَالِ مَنِيٍّ) بِتَكْرَارِ نَظَرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِفِعْلٍ يَلْتَذُّ بِهِ، وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، أَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِاللَّمْسِ، وَ (لَا) يَفْسُدُ صَوْمٌ بِإِنْزَالِ (مَذْيٍ بِتَكْرَارِ نَظَرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى إنْزَالِ الْمَنِيِّ لَا يَصِحُّ؛ لِمُخَالَفَتِهِ إيَّاهُ فِي الْأَحْكَامِ. (وَ) يَفْسُدُ صَوْمٌ (بِإِنْزَالِهِمَا) أَيْ: الْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ (بِاسْتِمْنَاءٍ) ، أَيْ: اسْتِدْعَاءٍ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا، (أَوْ تَقْبِيلٍ أَوْ لَمْسٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ دُونَ فَرْجٍ عَمْدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فِي الْكُلِّ) ، أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ، أَمَّا الْإِمْنَاءُ، فَلِمُشَابَهَتِهِ الْإِمْنَاءَ بِجِمَاعٍ، لِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِمُبَاشَرَةٍ، وَأَمَّا الْإِمْذَاءُ فَلِتَخَلُّلِ الشَّهْوَةِ لَهُ، وَخُرُوجِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ فَيُشْبِهُ الْمَنِيَّ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْبَوْلَ (وَلَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ) ؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ. (وَكَذَا) يَفْسُدُ صَوْمٌ بِ (كُلِّ مَا يَصِلُ لِمُسَمًّى جَوْفٌ) كَالدِّمَاغِ وَالْحَلْقِ وَالدُّبُرِ، وَبَاطِنِ الْفَرْجِ، (فَيُفْطِرُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ، وَلَوْ رِيقًا أَخْرَجَهُ بَيْنَ شَفَتَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] فَأَبَاحَهَا إلَى غَايَةٍ، وَهِيَ تَبَيُّنُ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْإِمْسَاكِ عَنْهُمَا إلَى اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا، (أَوْ اسْتَعَطَ) فِي أَنْفِهِ بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ أَوْ دِمَاغِهِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّائِمَ عَنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، وَلِأَنَّ الدِّمَاغَ جَوْفٌ، وَالْوَاصِلُ إلَيْهِ يُغَذِّيهِ، فَيُفْطِرُ كَجَوْفِ الْبَدَنِ. (أَوْ احْتَقَنَ) فِي دُبُرِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَادِ كَالْمُعْتَادِ فِي الْوَاصِلِ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَأَوْلَى مِنْ الِاسْتِعَاطِ. (أَوْ دَاوَى الْجَائِفَةَ، فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ) لِإِيصَالِهِ إلَى جَوْفِهِ شَيْئًا بِاخْتِيَارِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَكَلَ (أَوْ اكْتَحَلَ بِمَا عَلِمَ وُصُولَهُ إلَى حَلْقِهِ مِنْ كُحْلٍ أَوْ صَبِرٍ أَوْ قُطُورٍ أَوْ ذَرُورٍ أَوْ إثْمِدٍ) وَلَوْ يَسِيرًا، أَوْ غَيْرَ مُطَيِّبٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 يَتَحَقَّقُ وُصُولُهُ إلَى حَلْقِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَالَ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْبُخَارِيُّ فِي " تَارِيخِهِ " وَلِأَنَّ الْعَيْنَ مَنْفَذٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَكَالْوَاصِلِ مِنْ الْأَنْفِ. (أَوْ وَجَدَ طَعْمَ عِلْكٍ مَضَغَهُ) بِحَلْقِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ، (أَوْ) وَجَدَ طَعْمَ (طَعَامٍ ذَاقَهُ بِحَلْقِهِ) فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ وُصُولِ أَجْزَائِهِ إلَيْهِ، (أَوْ أَدْخَلَ إلَى جَوْفِهِ شَيْئًا مِنْ مَائِعٍ وَغَيْرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ مُغَذِّيًا أَوْ لَا، كَحَصَاةٍ وَرَأْسِ سِكِّينٍ، وَقِطْعَةِ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ، مَنْ فَعَلَهُ أَوْ فَعَلَ غَيْرَهُ بِإِذْنِهِ، فَسَدَ صَوْمُهُ، (أَوْ قَطَرَ) بِالتَّخْفِيفِ (فِي أُذُنِهِ مَا) ، أَيْ: شَيْئًا (وَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ) فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الدِّمَاغَ أَحَدُ الْجَوْفَيْنِ، (وَكَذَا لَوْ وَصَلَ إلَى فَمِهِ نُخَامَةٌ مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ دِمَاغِهِ أَوْ حَلْقِهِ أَوْ صَدْرِهِ، فَابْتَلَعَهَا، فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِعَدَمِ مَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهَا، بِخِلَافِ الْبُصَاقِ، (أَوْ) وَصَلَ إلَى فَمِهِ (قَيْءٌ أَوْ قَلْسٌ) بِسُكُونِ اللَّامِ، وَهُوَ: مَا خَرَجَ مِنْ الْحَلْقِ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ دُونَهُ، وَلَيْسَ بِقَيْءٍ، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ قَيْءٌ، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ "، (أَوْ تَنَجَّسَ رِيقُهُ فَابْتَلَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) ، أَيْ: مِنْ النُّخَامَةِ أَوْ الْقَيْءِ وَنَحْوِهِ، أَوْ رِيقِهِ الْمُتَنَجِّسِ فَسَدَ صَوْمُهُ. (وَيَحْرُمُ بَلْعُهُ) شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ (وَلَوْ غَيْرَ صَائِمٍ لِاسْتِقْذَارِهِ) فِي النُّخَامَةِ (أَوْ نَجَاسَةٍ) فِي غَيْرِهَا، (وَلَكِنْ لَوْ بَصَقَ حَتَّى انْقَطَعَ أَثَرُ نَجَاسَةٍ، ثُمَّ بَلَعَ رِيقَهُ، لَمْ يُفْطِرْ) ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَإِنْ بَصَقَهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وَبَقِيَ فِي فَمِهِ نَجِسًا فَبَلَعَ رِيقَهُ، فَإِنَّ تَحَقَّقَ أَنَّهُ بَلَعَ شَيْئًا نَجِسًا، أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا. (كَمَا لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا يُفْطِرُ نَاسِيًا) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيَجِبُ تَذْكِيرُهُ) ، أَيْ: النَّاسِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، (كَإِعْلَامِ جَاهِلٍ) أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِمَّا يُضْطَرُّ بِهِ فَاعِلُهُ، (أَوْ) فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا يُفْطِرُ (مُكْرَهًا) ؛ لِحَدِيثِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (أَوْ) كَانَ (غَيْرَ قَاصِدٍ لِبَلْعِ نَحْوِ غُبَارٍ) كَذُبَابٍ طَارَ إلَى حَلْقِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْقَاصِدِ عَاقِلٌ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَإِلَّا لَزِمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، (وَلَوْ بِوَجُورِ مُغْمًى عَلَيْهِ مُعَالَجَةً) ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . (وَلَا) يَفْسُدُ صَوْمٌ (بِفَصْدٍ) لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِيهِ، (وَ) لَا بِ (شَرْطٍ) ، وَلَا جَرْحٍ بَدَلَ حِجَامَةٍ لِلتَّدَاوِي، (وَ) لَا يَفْسُدُ صَوْمٌ بِ (غِيبَةٍ وَسَمَاعِهَا) لِمَا يَأْتِي، (وَلَا) يَفْسُدُ صَوْمُ غَيْرِ قَاصِدٍ لِلْفِعْلِ كَ (إنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أَوْ غُبَارٌ أَوْ دُخَانٌ) أَوْ نَخْلٌ، نَحْوُ دَقِيقٍ كَاكْتِيَالِهِ حَبًّا فَدَخَلَ الْغُبَارُ حَلْقَهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ ابْتَلَعَ الدُّخَانَ قَصْدًا فَسَدَ صَوْمُهُ. (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يَفْسُدُ صَوْمٌ إنْ (دَخَلَ فِي قُبُلٍ) - كَإِحْلِيلٍ، (وَلَوْ) كَانَ الْقُبُلُ (لِأُنْثَى - غَيْرَ ذَكَرٍ أَصْلِيٍّ كَإِصْبَعِ وَعُودٍ) ، وَذَكَرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ بِلَا إنْزَالٍ؛ لِأَنَّ مَسْلَكَ الذَّكَرِ مِنْ الْفَرْجِ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ كَالْفَمِ لِوُجُوبِ غَسْلِ نَجَاسَةٍ، وَإِذَا ظَهَرَ حَيْضُهَا إلَيْهِ فَسَدَ صَوْمُهَا، وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْ، وَلَوْ كَانَ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهَا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ، وَلَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ كَالدُّبُرِ، وَإِنَّمَا فَسَدَ صَوْمُهَا بِإِيلَاجِ ذَكَرِ الرَّجُلِ فِيهِ لِكَوْنِهِ جِمَاعًا لَا لِكَوْنِهِ وُصُولًا إلَى بَاطِنٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَوْلَجَ أُصْبُعَهُ فِي قُبُلِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهَا، وَالْجِمَاعُ يَفْسُدُ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ الْإِنْزَالِ، فَأُقِيمَ مَقَامَ الْإِنْزَالِ؛ وَلِهَذَا يَفْسُدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 بِهِ صَوْمُ الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ، أَفَادَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَقَالَا: وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ أَوْ غَيَّبَ فِيهِ شَيْئًا فَوَصَلَ إلَى الْمَثَانَةِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ نُفَطِّرْهُ بِذَلِكَ، وَالْمَثَانَةُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ، فَمَسْلَكُ الذَّكَرِ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ أَوْلَى (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ أَوْلَجَ بِغَيْرِ أَصْلِيٍّ فِي أَصْلِيٍّ فَسَدَ صَوْمُهَا فَقَطْ، لِأَنَّ دَاخِلَ فَرْجِهَا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ فَيَفْسُدُ بِإِدْخَالِ غَيْرِ الْأَصْلِيِّ كَأُصْبُعِهَا وَأُصْبُعِ غَيْرِهَا، وَأَوْلَى، وَمَا قَالَ صَاحِبُ " الْإِقْنَاعِ " أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ. الصَّوْمُ يَفْسُدُ بِوَاصِلٍ أَوْ بِخَارِجٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْوَطْءُ فِي حُكْمِ الْوَاصِلِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " إنَّمَا جَعَلَ الْقَاضِي الْوَطْءَ فِي حُكْمِ الْوَاصِلِ؛ لِيُدْخِلَهُ تَحْتَ حَصْرِهِ لِأَقْسَامِ الْفِطْرِ فِي الْقِسْمَيْنِ الْوَاصِلِ وَالْخَارِجِ لَا لِعِلَّةِ الْوُصُولِ، وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِهِ صَوْمُ الرَّجُلِ، وَلَا وَاصِلَ، وَلَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِكُلِّ وَاصِلٍ بِدَلِيلِ مَا وَصَلَ مِنْ إحْلِيلِهِ إلَى الْمَثَانَةِ، وَلَا بِكُلِّ خَارِجٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِخُرُوجِ دَمِ الْفَصْدِ وَالْغَائِطِ وَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ. انْتَهَى. (وَيَتَّجِهُ) : لَا يَفْسُدُ صَوْمُ مَنْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرًا غَيْرَ (مُتَّصِلٍ) ، إذْ الْمُنْفَصِلُ كَالزَّائِدِ وَأَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ) لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا نَظَرٍ، أَشْبَهَ الِاحْتِلَامَ وَالْفِكْرَةَ الْغَالِبَةَ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالنَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُمَا. (أَوْ أَنْزَلَ) نَهَارًا (مِنْ وَطْءِ لَيْلٍ) لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ إلَيْهِ فِي النَّهَارِ (أَوْ) أَنْزَلَ (لَيْلًا مِنْ مُبَاشَرَتِهِ نَهَارًا أَوْ احْتَلَمَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 أَوْ أَنْزَلَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، كَاَلَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَنِيُّ أَوْ الْمَذْيُ لِمَرَضٍ، أَوْ حِمْلٍ ثَقِيلٍ، أَوْ سَقَطَ مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ، أَوْ لِهَيَجَانِ شَهْوَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا فِطْرَ بِذَلِكَ كُلِّهِ. (أَوْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ) لَمْ يُفْطِرْ وَلَوْ عَادَ شَيْءٌ مِنْ فِيهِ إلَى جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ، (أَوْ أَصْبَحَ، وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ) ، أَيْ: رَمَاهُ، لَمْ يُفْطِرْ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَقَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ فَبَلَعَهُ مَعَ رِيقِهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ أَوْ جَرَى رِيقُهُ بِبَقِيَّةِ طَعَامٍ تَعَذَّرَ رَمْيُهُ، لَمْ يُفْطِرْ، (أَوْ لَطَّخَ بَاطِنَ نَحْوِ قَدَمِهِ) بِشَيْءٍ (أَوْ) لَطَّخَ (ظَهْرَهُ بِشَيْءٍ فَوَجَدَ طَعْمَهُ بِحَلْقِهِ) لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّ الْقَدَمَ غَيْرُ نَافِذٍ لِلْجَوْفِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ فَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، (أَوْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ) أَوْ غَيَّبَ فِيهِ (مَا) ، أَيْ: شَيْئًا (وَصَلَ لِمَثَانَتِهِ) لَمْ يُفْطِرْ نَصًّا، (أَوْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ) فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يُفْطِرْ. (وَلَوْ) تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ (فَوْقَ ثَلَاثٍ أَوْ بَالَغَ فِيهِمَا أَوْ) كَانَا (لِنَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا) كَقَذَرٍ لَمْ يُفْطِرْ لِحَدِيثِ عُمَرَ «لَمَّا سَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ مِنْ إنَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قُلْتُ: لَا بَأْسَ، قَالَ: فَفِيمَ» وَلِوُصُولِهِ إلَى حَلْقِهِ بِلَا قَصْدٍ، أَشْبَهَ الْغُبَارَ (وَكُرِهَا) ، أَيْ: التَّمَضْمُضُ وَالِاسْتِنْشَاقُ (عَبَثًا أَوْ سَرَفًا أَوْ لِحَرٍّ أَوْ عَطَشٍ) نَصًّا، وَقَالَ: يَرُشُّ عَلَى صَدْرِهِ أَعْجَبُ إلَيَّ (كَغَوْصِهِ) ، أَيْ: الصَّائِمِ (فِي مَاءٍ) ، فَيُكْرَهُ إنْ كَانَ (لَا لِغُسْلٍ مَشْرُوعٍ أَوْ تَبَرُّدٍ) وَلَهُمَا لَا يُكْرَهُ فَإِنْ غَاصَ فِي مَاءٍ (فَدَخَلَ) الْمَاءُ (حَلْقَهُ) لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ صَائِمٍ لِحَرٍّ أَوْ عَطَشٍ لِقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ الْحَرِّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، قَالَ " الْمَجْدُ ": وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الضَّجَرِ مِنْ الْعِبَادَةِ كَالْجُلُوسِ فِي الظِّلَالِ الْبَارِدَةِ، (أَوْ بَلَعَ مَا بَقِيَ فِي فَمِهِ مِنْ أَجْزَاءِ مَاءٍ مَجَّهُ أَوْ مَا عَلَى لِسَانِهِ مِنْ رِيقٍ أَخْرَجَهُ، وَلَوْ كَثُرَ) لَمْ يُفْطِرْ، (أَوْ) بَلَعَ (مَا قَلَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 مِنْهُ) ، أَيْ: الرِّيقِ (عَلَى نَحْوِ دِرْهَمٍ) كَعُودٍ (أَوْ خَيْطٍ؛ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ انْفِصَالِهِ) ، أَيْ: الرِّيقِ عَنْ نَحْوِ الدِّرْهَمِ وَلَوْ أَخْرَجَ الْخَيْطَ أَوْ نَحْوَ الدِّرْهَمِ، وَأَعَادَهُ إلَى فَمِهِ لَمْ يُفْطِرْ؛ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، (أَوْ أَكَلَ وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ (شَاكًّا فِي طُلُوعِ فَجْرٍ) ثَانٍ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ طُلُوعَهُ إذْ ذَاكَ، لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ. (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ) فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نِيَّةَ الصَّوْمِ، وَقَصْدُهُ غَيْرُ الْيَقِينِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَالْمُرَادُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -: اعْتِقَادُ طُلُوعِهِ انْتَهَى. وَفِي " الْإِقْنَاعِ " وَإِنْ أَكَلَ يَظُنُّ طُلُوعَهُ، فَبَانَ لَيْلًا، وَلَمْ يُجَدِّدْ نِيَّةَ صَوْمِ الْوَاجِبِ، قَضَى، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": كَذَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ صَاحِبَ " الْإِقْنَاعِ " جَزَمَ بِمَا جَزَمَ بِهِ ذَلِكَ الْبَعْضُ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الشَّكِّ وَالظَّنِّ، مَعَ أَنَّ صَاحِبَ " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرَهُ جَعَلُوهُمَا هَا هُنَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَخَصُّوا الْمَنْعَ بِالْيَقِينِ، وَاعْتَبَرُوهُ بِالشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ طَاهِرٍ، فَقَالُوا: إنَّ الظَّانَّ شَاكٌّ، فَلَا أَثَرَ لِلظَّنِّ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ، (فَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ) مِنْ مُجْتَهِدَيْنِ: (طَلَعَ) الْفَجْرُ، (وَقَالَ آخَرُ) مِنْهُمَا: (لَمْ يَطْلُعْ) الْفَجْرُ، (أَكَلَ) الْقَائِلُ بِعَدَمِ الطُّلُوعِ (حَتَّى يَتَّفِقَا) ، إذْ الْأَكْلُ بِالِاجْتِهَادِ جَائِزٌ، (أَوْ أَكَلَ وَنَحْوَهُ ظَانًّا غُرُوبَ شَمْسٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ) ، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ يَقِينٌ يُزِيلَ ذَلِكَ الظَّنَّ، كَمَا لَوْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ، ثُمَّ شَكَّ فِي الْإِصَابَةِ بَعْدَ صَلَاتِهِ (وَإِنْ بَانَ) لِمَنْ أَكَلَ وَنَحْوَهُ ظَانًّا (أَنَّهُ طَلَعَ) الْفَجْرُ قَضَى؛ لِتَبَيُّنِ خَطَئِهِ، (أَوْ أَكَلَ وَنَحْوَهُ شَاكًّا فِي غُرُوبِ) شَمْسٍ (وَدَامَ شَكُّهُ) ، قَضَى؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ، وَكَمَا لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِي دُخُولِ وَقْتٍ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ غَرَبَتْ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِتَمَامِ صَوْمِهِ، (أَوْ) أَكَلَ وَنَحْوَهُ فِي وَقْتٍ (يَعْتَقِدُهُ نَهَارًا، فَبَانَ لَيْلًا، وَلَمْ يُجَدِّدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 نِيَّتَهُ لِ) صَوْمِ (وَاجِبٍ) ، قَضَى؛ لِانْقِطَاعِ النِّيَّةِ بِذَلِكَ، فَيَحْصُلُ الْإِمْسَاكُ بِلَا نِيَّةٍ، فَلَا يُجْزِئُهُ، قَالَ شَكَّ أَوْ ظَنَّهُ لَيْلًا، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نِيَّةَ الصَّوْمِ غَيْرُ الْيَقِينِ؛ لِأَنَّ الظَّانَّ شَاكٌّ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا، (أَوْ) أَكَلَ وَنَحْوُهُ فِي وَقْتٍ يَعْتَقِدُهُ (لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا) فِي أَوَّلِ الصَّوْمِ أَوْ آخِرِهِ، قَضَى؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - أَمَرَ بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ إلَى اللَّيْلِ، وَلَمْ يُتِمَّ. وَعَنْ أَسْمَاءَ: «أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، قِيلَ لِهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ - وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ -: أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. (أَوْ أَكَلَ) وَنَحْوَهُ (نَاسِيًا، فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ) بِذَلِكَ، (فَأَكَلَ) وَنَحْوَهُ (عَمْدًا قَضَى فِي الْكُلِّ) ، أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ. [فَرْعٌ مَا يَسُنّ لِمَنْ لَزِمَهُ غُسْلٌ فِي رَمَضَان] (فَرْعٌ: سُنَّ لِمَنْ لَزِمَهُ غُسْلٌ لَيْلًا مِنْ نَحْوِ جُنُبٍ وَحَائِضٍ) وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهَا وَكَافِرٍ أَسْلَمَ (أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرٍ) ثَانٍ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَاحْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ (فَلَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ مُطْلَقًا) لَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَا بَعْدَهُ، (صَحَّ صَوْمُهُ، وَأَثِمَ مِنْ حَيْثُ) تَأْخِيرُ. (الصَّلَاةِ) عَنْ وَقْتِهَا. [فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ] (فَصْلٌ) فِيمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ (وَإِنْ جَامَعَ مُكَلَّفٌ نَهَارَ رَمَضَانَ لِغَيْرِ شَبَقٍ وَعُذْرٍ مُبِيحٍ لِفِطْرٍ كَمَرَضٍ) يَنْتَفِعُ بِالْوَطْءِ فِيهِ، (وَسَفَرٍ وَلَوْ اعْتَقَدَهُ لَيْلًا) ، فَبَانَ بِخِلَافِهِ (أَوْ) وَطِئَ (فِي يَوْمٍ لَزِمَهُ إمْسَاكُهُ بَعْدَ لُزُومِهِ) بِثُبُوتِ رُؤْيَةٍ نَهَارًا، أَوْ عَدَمِ تَبْيِيتِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَعَاطِي مَا يُنَافِي الصَّوْمَ، (أَوْ) جَامَعَ فِي يَوْمٍ (رَأَى الْهِلَالَ لَيْلَتَهُ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ) ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 وَالْكَفَّارَةُ، (أَوْ) كَانَ (مُكْرَهًا) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَنْتَشِرُ إلَّا عَنْ شَهْوَةٍ، فَكَانَ كَغَيْرِ الْمُكْرَهِ، (أَوْ نَاسِيًا) أَوْ مُخْطِئًا، كَأَنْ اعْتَقَدَهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا، (أَوْ نَائِمًا أَوْ لَمْ يُنْزِلْ) ، وَكَذَا لَوْ جَامَعَ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ، ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَفْصِلْ الْمَوَاقِعَ عَنْ حَالِهِ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ، فَأَفْسَدَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ (بِذَكَرٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِ جَامَعَ - (أَصْلِيٍّ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ، وَلَوْ) كَانَ الْفَرْجُ دُبُرًا أَوْ (لِمَيْتَةٍ أَوْ) لِ (بَهِيمَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ، (فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) لِجِمَاعِهِ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَالَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي، وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، فَمَكَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ - وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ - فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ، فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَ بَيْتِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ: " وَتَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ ". (وَإِنْ جَامَعَ دُونَ فَرْجٍ، وَلَوْ عَمْدًا) ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ إنْ أَمْنَى أَوْ مَذَى، (أَوْ) جَامَعَ (بِغَيْرِ) فَرْجٍ (أَصْلِيٍّ) كَفَرْجِ الْخُنْثَى (فِي) فَرْجٍ (أَصْلِيٍّ وَعَكْسُهُ) ، كَمَا لَوْ جَامَعَ بِفَرْجٍ أَصْلِيٍّ فِي فَرْجٍ غَيْرِ أَصْلِيٍّ، (فَ) عَلَيْهِ (الْقَضَاءُ، فَقَطْ إنْ أَمْنَى أَوْ مَذَى) وَمِثْلُهُ لَوْ جَامَعَ بِفَرْجٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 غَيْرِ أَصْلِيٍّ فِي فَرْجٍ غَيْرِ أَصْلِيٍّ، كَمَا لَوْ جَامَعَ خُنْثَى مُشْكِلٌ خُنْثَى مُشْكِلًا، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَفْسُدْ صَوْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ أَوْ يُمْذِيَ كَالْغُسْلِ، (وَمِثْلُهُ) ، أَيْ. مِثْلُ الْجِمَاعِ دُونَ الْفَرْجِ وَنَحْوِهِ فِي الْحُكْمِ: (الْمُسَاحَقَةُ مِنْ مَجْبُوبٍ) ، أَيْ: مَقْطُوعٍ ذَكَرُهُ أَوْ مَمْسُوحٍ، (أَوْ) الْمُسَاحَقَةُ مِنْ (امْرَأَةٍ لِامْرَأَةٍ) فِي أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُ مَنْ أَمْنَى مِنْهُمَا أَوْ مَذَى، وَلَا كَفَّارَةَ صَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَنَقَلَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " عَنْ الْأَصْحَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْبُوبِ، (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") حَيْثُ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ بِالْإِنْزَالِ بِالْمُسَاحَقَةِ، وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلْأَصْحَابِ أَصَحُّهُمَا: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ جَامَعَ بِحَائِلٍ وَلَمْ يُنْزِلْ) ، أَوْ يُمْذِ، (كَ) مَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ (غُسْلٌ) ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 (وَالنَّزْعُ جِمَاعٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَذَّذُ بِهِ كَالْإِيلَاجِ، (فَيَلْزَمَانِ) ، أَيْ: الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ (مَنْ نَزَعَ طُلُوعَ فَجْرٍ) وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ لَا يُجَامِعُ، فَنَزَعَ، فَلَا حِنْثَ؛ لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِالْمُسْتَقْبَلِ أَوَّلَ أَوْقَاتِ إمْكَانِهِ. (وَامْرَأَةٌ طَاوَعَتْ غَيْرَ جَاهِلَةٍ) الْحُكْمَ، (أَوْ) غَيْرَ (نَاسِيَةٍ) الصَّوْمَ (كَرَجُلٍ) فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا هَتَكَتْ صَوْمَ رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ مُطَاوِعَةً، فَأَشْبَهَتْ الرَّجُلَ، وَلِأَنَّ تَمْكِينَهَا كَفِعْلِ الرَّجُلِ فِي حَدِّ الزِّنَا فَفِي الْكَفَّارَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ جَاهِلَةً أَوْ نَاسِيَةً، (فَ) عَلَيْهَا (الْقَضَاءُ فَقَطْ) دُونَ الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْمُضْطَرَّاتِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ كَالْأَكْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُكْرَهَةِ. (وَتَدْفَعُهُ) الْمُكْرَهَةُ، زَوْجَةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، (بِالْأَسْهَلِ، فَالْأَسْهَلِ، وَلَوْ أَدَّى) ذَلِكَ (لِقَتْلِهِ) كَالْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَيَتَّجِهُ: تَفْصِيلُ) غُلَامٍ (مَفْعُولٍ بِهِ، كَ) تَفْصِيلِ (امْرَأَةٍ) فِي الْمُطَاوَعَةِ وَالْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ، وَضِدِّ ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا كَفَّارَةَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ نَهَارَ رَمَضَانَ مِنْ أَكْلٍ وَنَحْوِهِ عَمْدًا) كَمُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ مَعَ إنْزَالٍ، وَلَا بِالْجِمَاعِ لَيْلًا، أَوْ فِي قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَنَّمَا وَرَدَ بِالْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ، لِاحْتِرَامِهِ وَتَعْيِينِهِ لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ، فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ. (وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ، ثُمَّ) جَامَعَ (فِي) يَوْمٍ (آخَرَ، فَلِكُلِّ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 جِمَاعٍ (كَفَّارَةٌ) ، لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِفَسَادِهِ لَوْ انْفَرَدَ، فَإِذَا فَسَدَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ، وَجَبَ كَفَّارَتَانِ، كَحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ، (كَمَنْ أَعَادَهُ) ، أَيْ: الْجِمَاعَ (فِي يَوْمِهِ بَعْدَ أَنَّ كَفَّرَ) ؛ لِجِمَاعِهِ الْأَوَّلِ، فَتَلْزَمُهُ ثَانِيَةً نَصًّا، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ: فَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ وَطِئَ فِي يَوْمِهِ، دَخَلَتْ بَقِيَّتُهُ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ، وَكَذَا مَنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ إذَا جَامَعَ وَكَفَّرَ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهِ، لَزِمَتْهُ أُخْرَى، (أَوْ وَطِئَ فِي حَيْضَةٍ بَعْدَهُ) ، أَيْ: التَّكْفِيرِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ لِلْوَطْءِ الثَّانِي وَ (لَا) يُكَفِّرُ ثَانِيًا إذَا وَطِئَ فِي ذَلِكَ الْحَيْضِ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ التَّكْفِيرِ؛ لِتَدَاخُلِ الْكَفَّارَاتِ، (إلَّا) إنْ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ (بِحَيْضَةٍ ثَانِيَةٍ) ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَتَيْنِ، لِأَنَّ لِكُلِّ حَيْضَةٍ حُكْمَ نَفْسِهَا. (وَلَوْ حَاضَتْ) الْمَرْأَةُ وَهِيَ مُجَامَعَةٌ، (فَنَزَعَ) فِي الْحَالِ، (لَزِمَتْهُ) الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا تَسْقُطُ) كَفَّارَةُ وَطْءٍ عَنْ امْرَأَةٍ (إنْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ نَفِسَتْ) فِي يَوْمٍ بَعْدَ تَمْكِينِهَا طَاهِرًا، (أَوْ مَرِضَا) ، أَيْ: الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ بَعْدَ الْجِمَاعِ حَالَ الصِّحَّةِ، (أَوْ جُنَّا أَوْ سَافَرَا بَعْدَ) وَطْءٍ مُحَرَّمٍ (فِي يَوْمِهِ) ، فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُمَا الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْأَلْ الْأَعْرَابِيَّ: هَلْ طَرَأَ لَهُ بَعْدَ وَطْئِهِ مَرَضٌ أَوْ غَيْرُهُ، بَلْ أَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ لَسَأَلَهُ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمًا وَاجِبًا مِنْ رَمَضَانَ، فَاسْتَقَرَّتْ كَفَّارَتُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَطْرَأْ الْعُذْرُ، لَا يُقَالُ: تَبَيَّنَّا أَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عِنْدَ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ الصَّادِقَ لَوْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَيَمْرَضُ أَوْ يَمُوتُ، لَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ. (وَهِيَ) ، أَيْ: كَفَّارَةُ وَطْءِ نَهَارٍ: (عِتْقُ رَقَبَةٍ) مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الظِّهَارِ، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الرَّقَبَةَ، أَوْ وَجَدَهَا تُبَاعُ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ، (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) لِلْخَبَرِ، (وَيَتَعَيَّنُ صَوْمٌ لِقِنٍّ) ذَكَرٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 وَطِئَ مُطْلَقًا، أَوْ أُنْثَى وُطِئَتْ مُطَاوِعَةً، وَلَوْ مُدَبَّرَةً، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لِعَدَمِ الْمَالِ. وَ (لَا) يَتَعَيَّنُ (عِتْقٌ لِ) حُرٍّ (مُعْسِرٍ أَيْسَرَ، وَلَوْ) كَانَ إيسَارُهُ (قَبْلَ شُرُوعٍ فِي صَوْمٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَقْتُ الْوُجُوبِ، وَيَأْتِي فِي الظِّهَارِ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " (هُنَا) ، أَيْ: فِي هَذَا الْمَحَلِّ، حَيْثُ اعْتَمَدَ تَبَعًا لِلشَّارِحِ، وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى " أَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إلَى الْعِتْقِ نَصًّا إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَيُجْزِئُهُ، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصَّوْمَ، (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِلْخَبَرِ؛ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ بُرٍّ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ، لِمَا يَأْتِي فِي الظِّهَارِ، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَا يُطْعِمُهُ لِلْمَسَاكِينِ، (سَقَطَتْ، كَكَفَّارَةِ حَيْضٍ وَفِطْرَةٍ) ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ أَهْلَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِكَفَّارَةٍ أُخْرَى، وَلَا بَيَّنَ لَهُ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ، (بِخِلَافِ كَفَّارَةِ حَجٍّ) ، أَيْ: فِدْيَةٍ تَجِبُ فِيهِ، (وَ) كَفَّارَةِ (ظِهَارٍ، وَ) كَفَّارَةِ (يَمِينٍ) بِاَللَّهِ، (وَ) كَفَّارَةِ (نَذْرٍ، وَ) كَفَّارَةِ (قَتْلٍ) ؛ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهَا لِلْوُجُوبِ حَالَ الْإِعْسَارِ، وَلِأَنَّهُ الْقِيَاسُ خُولِفَ فِي رَمَضَانَ لِلنَّصِّ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لَيْسَ الصَّوْمُ سَبَبًا، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ إلَّا بِالصَّوْمِ وَالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا، (وَ) كَ (إطْعَامِ عَاجِزٍ عَنْ صَوْمٍ، وَمُؤَخِّرٍ قَضَاءَ رَمَضَانَ لِ) رَمَضَانَ (آخَرَ،) (وَيَسْقُطُ الْجَمِيعُ) ، أَيْ: كَفَّارَةُ وَطْءِ نَهَارِ رَمَضَانَ، وَحَجٍّ وَظِهَارٍ وَيَمِينٍ، وَنَذْرٍ وَقَتْلٍ وَإِطْعَامِ عَاجِزٍ عَنْ صَوْمٍ، وَمُؤَخِّرٍ الْقَضَاءَ (بِتَكْفِيرِ غَيْرِهِ) بِعِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ (عَنْهُ بِإِذْنِهِ) ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ كَإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ عَنْهُ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْهُ فَلَا؛ لِعَدَمِ النِّيَّةِ، (وَلَهُ) ، أَيْ: مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (إنْ مَلَكَ) ، أَيْ: مَلَّكَهُ غَيْرُهُ (كَفَّارَةَ جِمَاعِ رَمَضَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 إخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَ) لَهُ (أَكْلُهَا إنْ كَانَ أَهْلًا) لِأَكْلِهَا لِلْخَبَرِ. (فَرْعٌ: لَا يَحْرُمُ وَطْءٌ قَبْلَ كَفَّارَةِ) رَمَضَانَ، (وَلَا فِي لَيَالِي صِيَامِهَا) أَيْ: الْكَفَّارَةِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ " وَ " التَّلْخِيصِ " كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ، (عَكْسُ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ) ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ. [بَابٌ مَا يُكْرَهُ وَيُسَنُّ للصائم] (بَابٌ) (مَا يُكْرَهُ وَيُسَنُّ بِصَوْمٍ، وَحُكْمُ الْقَضَاءِ) لِصَوْمِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ. (كُرِهَ لِصَائِمٍ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْلَعَهُ) ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ يُفْطِرُ بِهِ، وَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِهِ مَجْمُوعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْمَعْهُ وَابْتَلَعَهُ قَصْدًا لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا، فَكَذَا إذَا جَمَعَهُ. (وَ) يُكْرَهُ لَهُ (ذَوْقُ طَعَامٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِلَ إلَى حَلْقِهِ فَيُفْطِرَهُ، قَالَ أَحْمَدُ: أُحِبُّ أَنْ يَجْتَنِبَ ذَوْقَ الطَّعَامِ، فَإِنْ فَعَلَ لَا بَأْسَ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَأَطْلَقُوا (لِغَيْرِ حَاجَةٍ) إلَى ذَوْقِهِ، أَمَّا لِلْحَاجَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، ذَكَرَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. (وَ) كُرِهَ لَهُ (تَرْكُ بَقِيَّةِ) طَعَامٍ (بَيْنَ أَسْنَانِهِ) خَشْيَةَ خُرُوجِهِ، فَيَجْرِي بِهِ رِيقُهُ إلَى جَوْفِهِ. (وَ) كُرِهَ لَهُ (شَمُّ مَا لَا يُؤْمَنُ) مِنْ شَمِّهِ (أَنْ يَجْذِبَهُ) ، أَيْ: يَجْذِبَ جِرْمَ (نَفَسٍ) لِحَلْقِ شَامٍ (كَسَحِيقِ مِسْكٍ، وَ) سَحِيقِ (كَافُورٍ، وَ) كَ (دُهْنٍ) وَبَخُورٍ وَنَحْوِ عُودٍ خَشْيَةَ وُصُولِهِ مَعَ نَفَسِهِ إلَى جَوْفِهِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ شَمُّ نَحْوِ وَرْدٍ وَقِطَعِ عَنْبَرٍ وَمِسْكٍ غَيْرِ مَسْحُوقٍ. (وَ) كُرِهَ لَهُ (قُبْلَةٌ، وَدَوَاعِي وَطْءٍ) كَمُعَانَقَةٍ وَلَمْسٍ، وَتَكْرَارِ نَظَرٍ لِمُبَاحَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالْقُبْلَةِ: قُبْلَةُ التَّلَذُّذِ، لَا قُبْلَةُ التَّرَحُّمِ وَالتَّوَدُّدِ، فَأَمَّا مَنْ تُحْرَمُ قُبْلَتُهُ فِي الْفِطْرِ فَفِي الصَّوْمِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا، (لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَهَى عَنْ الْقُبْلَةِ شَابًّا، وَرَخَّصَ لِشَيْخٍ» حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ سَعْدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَكَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ لَمْ تُكْرَهْ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُقَبِّلُ، وَهُوَ صَائِمٌ؛ لَمَّا كَانَ مَالِكًا لِإِرْبِهِ» وَغَيْرُ ذِي الشَّهْوَةِ بِمَعْنَاهُ. (وَ) كُرِهَ لَهُ (مَضْغُ عِلْكٍ لَا يَتَحَلَّلُ) مِنْهُ أَجْزَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ وَيَحْلُبُ الْفَمَ، وَيُورِثُ الْعَطَشَ، فَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ؛ لِأَنَّهُ وَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَتَقَدَّمَ (وَحَرُمَ) مَضْغُ (مَا يَتَحَلَّلُ) مِنْهُ أَجْزَاءٌ مِنْ عِلْكٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَاصِدًا لِإِيصَالِ شَيْءٍ خَارِجٍ إلَى جَوْفِهِ مَعَ الصَّوْمِ، وَهُوَ حَرَامٌ، (وَلَوْ لَمْ يَبْلَعْ رِيقَهُ) إقَامَةً لِلْمَظِنَّةِ مَقَامَ الْمَئِنَّةِ. (وَ) حَرُمَ (نَحْوُ قُبْلَةٍ) كَمُعَانَقَةٍ وَلَمْسٍ وَتَكْرَارِ نَظَرٍ (لِمَنْ ظَنَّ إنْزَالًا) ، بِغَيْرِ خِلَافٍ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. (وَ) حَرُمَ (تَعَاطِي كُلِّ مُفْطِرٍ) إجْمَاعًا. (وَيَجِبُ) مُطْلَقًا (اجْتِنَابُ كَذِبٍ) مُحَرَّمٍ، أَمَّا الْكَذِبُ لِتَخْلِيصِ مَعْصُومٍ مِنْ قَتْلٍ فَوَاجِبٌ، وَلِإِصْلَاحٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَمُبَاحٌ، (وَغِيبَةٍ) مُحَرَّمَةٍ، أَمَّا الْغِيبَةُ فِي حَقِّ ذَوِي الْبِدَعِ وَالْمُتَجَاهَرِينَ بِالْمَعَاصِي، وَلِغَرَضٍ صَحِيحٍ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ إلَّا بِهَا كَالتَّظَلُّمِ، وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، وَالتَّحْذِيرِ وَالتَّعْرِيفِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ إلَّا بِهِ، فَمُبَاحَةٌ، (وَنَمِيمَةٍ) ، وَهِيَ: ذِكْرُ الْخَبَرِ عَلَى وَجْهِ إفْسَادِ الْمَوَدَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ نَقْلُ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ إلَى بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ، (وَشَتْمٍ) ، أَيْ: سَبٍّ (وَفُحْشٍ) ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: كُلُّ مَا اشْتَدَّ قُبْحُهُ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي (وَنَحْوِهِ) كُلَّ وَقْتٍ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، وَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَ) وُجُوبُ اجْتِنَابِ ذَلِكَ (فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 رَمَضَانَ، وَ) فِي كُلِّ (مَكَانٍ فَاضِلٍ) كَالْحَرَمَيْنِ (آكَدُ) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمَعْنَاهُ الزَّجْرُ وَالتَّحْذِيرُ، وَلِأَنَّ الْحَسَنَاتِ تَتَضَاعَفُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ الْفَاضِلَيْنِ، وَكَذَا السَّيِّئَاتُ عَلَى مَا يَأْتِي. (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) : يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ (يَتَعَاهَدَ صَوْمَهُ مِنْ لِسَانِهِ، وَلَا يُمَارِيَ) ، أَيْ: يُجَادِلَ (وَيَصُونَ صَوْمَهُ) وَلَا يَغْتَابَ أَحَدًا، أَيْ: يَذْكُرَهُ بِمَا يَكْرَهُ، وَبِهَذَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَهُوَ الْغِيبَةُ فِي بَهْتٍ، وَالْغِيبَةُ مُحَرَّمَةٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَتَقَدَّمَ. (وَأَسْقَطَ أَبُو الْفَرَجِ) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْجَوْزِيِّ (ثَوَابَهُ) ، أَيْ: الصَّوْمِ (بِغِيبَةٍ وَنَحْوِهَا) كَنَمِيمَةٍ، (وَلَا فِطْرَ) بِذَلِكَ، (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: لَوْ كَانَتْ الْغِيبَةُ تُفْطِرُ مَا كَانَ لَنَا صَوْمٌ) . تَتِمَّةٌ: لَا يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يَجْرَحُ بِهِ صَوْمَهُ، فَإِنَّ السَّلَفَ كَانُوا إذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسَاجِدِ، وَقَالُوا: نَحْفَظُ صَوْمَنَا، وَلَا نَغْتَابُ أَحَدًا فَيَجِبُ كَفُّ لِسَانِ الصَّائِمِ عَمَّا يَحْرُمُ. [فَصْلٌ مَا يَسُنّ للصائم] (فَصْلٌ) (وَسُنَّ لَهُ) ، أَيْ: الصَّائِمِ (كَثْرَةُ قِرَاءَةٍ) لِتُضَاعَفَ الْحَسَنَاتُ بِهِ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": كَانَ مَالِكٌ يَتْرُكُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَيُقْبِلُ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقْرَأُ سِتِّينَ خَتْمَةً، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: تَسْبِيحَةٌ فِي رَمَضَانَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ فِيمَا سِوَاهُ. (وَ) كَثْرَةُ (ذِكْرٍ وَصَدَقَةٍ، وَكَفِّ لِسَانِهِ عَمَّا يُكْرَهُ، كَحَدِيثِ يَأْمُرُ دُنْيَا بِمَقَابِرَ) قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: وَعَنْ الْمُبَاحِ أَيْضًا لِحَدِيثِ: «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 (وَ) سُنَّ (قَوْلُهُ) ، أَيْ: الصَّائِمِ (جَهْرًا) بِرَمَضَانَ (إنْ شُتِمَ) ؛ لِلْأَمْنِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَفِيهِ زَجْرُ مَنْ شَاتَمَهُ، لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ: (إنِّي صَائِمٌ) (وَ) إنْ شُتِمَ (بِغَيْرِ رَمَضَانَ) ، سُنَّ قَوْلُهُ ذَلِكَ (سِرًّا يَزْجُرُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ) خَوْفَ الرِّيَاءِ. (وَ) سُنَّ (تَعْجِيلُ فِطْرٍ إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبٌ) ؛ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيَكْفِي) فِي الْغُرُوبِ (خَبَرُ وَاحِدٍ) ثِقَةٍ كَالْقِبْلَةِ، (وَيُبَاحُ) فِطْرُهُ (إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ) غُرُوبُ شَمْسٍ، إقَامَةً لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ، وَلَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ، وَالْفِطْرُ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَفْضَلُ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي حَتَّى يُفْطِرَ، وَلَوْ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ» رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (وَيَحْرُمُ) فِطْرُهُ (مَعَ شَكِّهِ) فِي غُرُوبِ شَمْسٍ، فَإِنْ أَفْطَرَ، لَزِمَهُ الْقَضَاءُ. (وَكُرِهَ جِمَاعٌ مَعَ شَكٍّ فِي طُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الصَّوْمِ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. وَ (لَا) يُكْرَهُ (سَحُورٌ) إذَنْ نَصًّا، (وَأَوَّلُهُ) ، أَيْ: السَّحُورِ (نِصْفُ لَيْلٍ، وَيُسَنُّ) ؛ لِحَدِيثِ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (كَ) مَا يُسَنُّ (تَأْخِيرُهُ) ، أَيْ: السَّحُورِ (إنْ لَمْ يَخْشَهُ) ، أَيْ: طُلُوعَ الْفَجْرِ الثَّانِي؛ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ، وَلِلتَّحَفُّظِ مِنْ الْخَطَأِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. (وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ) السَّحُورِ (بِشُرْبٍ) ؛ لِحَدِيثِ: «وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ» ، (وَ) يَحْصُلُ (كَمَالُهَا) ، أَيْ: فَضِيلَةِ السَّحُورِ (بِأَكْلٍ) ، لِلْخَبَرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 (وَ) يُسَنُّ (فِطْرٌ عَلَى رُطَبٍ، فَإِنْ عَدِمَ) الرُّطَبَ، (فَتَمْرٌ، فَإِنْ عَدِمَ) التَّمْرَ، (فَمَاءٌ) ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمَرَاتٌ، حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. (وَ) يُسَنُّ (دُعَاؤُهُ عِنْدَ فِطْرِهِ) ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ لَا تُرَدُّ» . (وَمِمَّا وَرَدَ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ، سُبْحَانَكَ، وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي، إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَفْطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْنَا، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْنَا، فَتَقَبَّلْ مِنَّا، إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَفْطَرَ قَالَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَتْ الْعُرُوقُ، وَوَجَبَ الْأَجْرُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ الْفِطْرِ لَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: عِنْدَ فِطْرِهِ، يَحْتَمِلُهُمَا. (وَإِذَا غَابَ حَاجِبُهَا) ، أَيْ: حَاجِبُ الشَّمْسِ (الْأَعْلَى أَفْطَرَ الصَّائِمُ حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَطْعَمْ) ، أَيْ: يَأْكُلْ أَوْ يَشْرَبْ، (فَلَا يُثَابُ بِوِصَالٍ) ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَفِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ شَرْعًا. (وَ «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ) ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ» رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ مَرْفُوعًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَظَاهِرُهُ) ، أَيْ: كَلَامِهِمْ: (بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَذَكَرَ فِيهِ ثَوَابًا عَظِيمًا إنْ أَشْبَعَهُ، (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (الْمُرَادُ) بِتَفْطِيرِهِ (إشْبَاعُهُ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 [فَصْلٌ مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ] (فَصْلٌ) (سُنَّ فَوْرًا) لِمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ (تَتَابُعُ قَضَاءِ رَمَضَانَ) نَصًّا، وِفَاقًا، مُسَارَعَةً لِوَفَاءِ ذِمَّتِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَرِّقَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «قَضَاءُ رَمَضَانَ: إنْ شَاءَ فَرَّقَ، وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرَ سُفْيَانَ بْنِ بِشْرٍ، قَالَ الْمَجْدُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا طَعَنَ فِيهِ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ التَّتَابُعُ، كَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ. (إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ شَعْبَانَ قَدْرُ مَا عَلَيْهِ) مِنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ الَّتِي لَمْ يَصُمَّهَا مِنْ رَمَضَانَ، (فَيَجِبُ) التَّتَابُعُ؛ لِضِيقِ الْوَقْتِ، كَأَدَاءِ رَمَضَانَ فِي حَقِّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، (كَ) وُجُوبِ (عَزْمٍ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْقَضَاءِ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ فَوْرًا، (وَلَوْ اتَّسَعَ لَهُ) الْوَقْتُ، (وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ مُتَرَاخِيَةٍ) يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَيْهَا، كَالصَّلَاةِ إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا الْمُتَّسِعِ. (وَمَنْ فَاتَهُ) صَوْمُ (رَمَضَانَ) كُلِّهِ تَامًّا كَانَ أَوْ نَاقِصًا؛ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَالْأَسِيرِ وَالْمَطْمُورِ وَغَيْرِهِمَا، (قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ) ، سَوَاءٌ ابْتَدَأَهُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، أَوْ مِنْ أَثْنَائِهِ، كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِعَدَدِ مَا فَاتَهُ. (وَيُجْزِئُ) قَضَاءُ (يَوْمِ شِتَاءٍ عَنْ) يَوْمِ (صَيْفٍ، كَعَكْسِهِ) بِأَنْ يَقْضِيَ يَوْمَ صَيْفٍ عَنْ يَوْمِ شِتَاءٍ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ. (وَيُقَدِّمُ) - قَضَاءَ رَمَضَانَ (وُجُوبًا عَلَى) صَوْمِ (نَذْرٍ لَا يَخَافُ فَوْتَهُ) ؛ لِاتِّسَاعِ وَقْتِهِ؛ لِتَأَكُّدِ الْقَضَاءِ؛ لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ النَّذْرِ، قَدَّمَهُ لِاتِّسَاعِ وَقْتِ الْقَضَاءِ. (وَيَتَّجِهُ مَعَ خَوْفِ فَوْتِ كُلٍّ) مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَصَوْمِ النَّذْرِ: (تَقْدِيمُ) صَوْمِ (نَذْرٍ) عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ، كَذَا قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 قُلْتُ: إلَّا أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ عَنْ قَضَاءٍ، بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ مَثَلًا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَنَذَرَ أَنْ يَصُومَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَعْبَانَ، وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعَشَرَةِ، فَيَصُومُهَا عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ؛ لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَهَا. انْتَهَى. وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ آنِفًا بِاتِّسَاعِ الْوَقْتِ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْقَضَاءُ عَلَى النَّذْرِ عِنْدَ تَزَاحُمِهِمَا فِي الْوَقْتِ (وَحَرُمَ ابْتِدَاءُ تَطَوُّعٍ قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَضَاءِ رَمَضَانَ، (وَلَا يَصِحُّ) تَطَوُّعُهُ بِالصَّوْمِ قَبْلَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ، نَصَّ عَلَيْهِ. نَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ لَا يَجْدُرُ، بَلْ يَبْدَأُ بِالْفَرْضِ حَتَّى يَقْضِيَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ صَامَهُ، يَعْنِي: بَعْدَ الْفَرْضِ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَكَذَا) يَحْرُمُ ابْتِدَاءُ تَطَوُّعٍ (قَبْلَ) صَوْمٍ (وَاجِبٍ نَحْوِ نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ) ، وَلَا يَصِحُّ التَّطَوُّعُ؛ لِاحْتِمَالِ انْقِضَاءِ أَجَلِهِ فِي مُدَّةِ اشْتِغَالِهِ فِي التَّطَوُّعِ، فَيَمُوتُ مَشْغُولَ الذِّمَّةِ، فَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيَحْرُمُ (تَأْخِيرُهُ) أَيْ: قَضَاءِ رَمَضَانَ، (لِرَمَضَانَ آخَرَ بِلَا عُذْرٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: «مَا كُنْتُ أَقْضِي مَا عَلَيَّ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا فِي شَعْبَانَ، لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَكَمَا لَا تُؤَخَّرُ الصَّلَاةُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ. (فَإِنْ أَخَّرَهُ) ، أَيْ: قَضَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 رَمَضَانَ، (بِلَا عُذْرٍ لِرَمَضَانَ فَأَكْثَرَ، لَزِمَهُ مَعَ قَضَاءٍ) عَدَدُ مَا عَلَيْهِ: (إطْعَامُ مِسْكِينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ) أَخَّرَهُ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ، (مَا) أَيْ: طَعَامًا (يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ) . رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا إذَا أَخَّرَهُ لِرَمَضَانَ آخَرَ، وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. (وَيُجْزِئُ) الْإِطْعَامُ (بَعْدَهُ) ، أَيْ: الْقَضَاءِ، (وَ) يُجْزِئُ (مَعَهُ، وَالْأَفْضَلُ) إطْعَامُهُ (قَبْلَهُ) ، قَالَ الْمَجْدُ: الْأَفْضَلُ عِنْدَنَا تَقْدِيمُهُ، مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ وَتَخَلُّصًا مِنْ آفَاتِ التَّأْخِيرِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَتَكَرَّرْ الْفِدْيَةُ بِتَعَدُّدِ الرَّمَضَانَاتِ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ التَّأْخِيرِ لَا يُزَادُ بِهَا الْوَاجِبُ، كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ الْوَاجِبَ سِنِينَ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ. (وَ) إنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى أَدْرَكَهُ آخَرُ أَوْ أَكْثَرُ، (لِعُذْرٍ) نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، (قَضَى) مَا عَلَيْهِ (فَقَطْ) ، أَيْ: بِلَا إطْعَامٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ. وَإِنْ أَخَّرَ، الْبَعْضَ لِعُذْرٍ، وَالْبَعْضَ لِغَيْرِهِ، فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ: مَنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ لِعُذْرٍ، (إنْ مَاتَ) ، نَصًّا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ وَجَبَ بِالشَّرْعِ، مَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ فِعْلِهِ، فَسَقَطَ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ، كَالْحَجِّ. (وَ) إنْ أَخَّرَهُ (لِغَيْرِهِ) ، أَيْ: لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ رَمَضَانُ، أَوْ (بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ فَأَكْثَرُ، أُطْعِمَ عَنْهُ؛ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ فَقَطْ) ، أَيْ: بِلَا قَضَاءٍ (لِأَنَّ وَاجِبَ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لَا يُقْضَى عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ حَالَ الْحَيَاةِ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ كَذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ أَكْثَرُ مِنْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ، وَالْإِطْعَامُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، أَوْصَى بِهِ أَوْ لَا، كَسَائِرِ الدُّيُونِ، (فَلَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ لِمَنْ يُصَلِّي أَوْ يَصُومُ عَنْهُ، تُصُدِّقَ بِهَا عَنْهُ) ، وَلَا يَجِبُ عَلَى فَقِيرٍ تَنَاوَلَ مِنْهَا صَوْمٌ وَلَا صَلَاةٌ فِي مُقَابَلَةِ تَنَاوُلِهِ لِذَلِكَ. (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ صَوْمٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ) عَلَيْهِ نَذْرُ (حَجٍّ أَوْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 نَذْرُ (عُمْرَةٍ) فِي الذِّمَّةِ، (أَوْ) نَذْرُ (طَوَافٍ) فِي الذِّمَّةِ، (أَوْ) نَذْرُ (صَلَاةٍ) فِي الذِّمَّةِ، (أَوْ) نَذْرُ (اعْتِكَافٍ) فِي الذِّمَّةِ، نَصًّا، (لَمْ يَفْعَلْ مِنْهُ) ، أَيْ: مَا ذُكِرَ، (شَيْئًا، مَعَ إمْكَانِ) فِعْلِ مَنْذُورٍ، بِأَنْ مَضَى مَا يَتَّسِعُ لِفِعْلِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، (غَيْرَ حَجٍّ، وَلَمْ يُخَلِّفْ مَالًا) ، فَيَفْعَلُ عَنْهُ مُطْلَقًا، تَمَكَّنَ مِنْهُ أَوْ لَا؛ لِجَوَازِ النِّيَابَةِ فِيهِ حَالَ الْحَيَاةِ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ أَوْلَى، (سُنَّ لِوَلِيِّهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (فِعْلُهُ) ، أَيْ: النَّذْرِ الْمَذْكُورِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ، فَقَضَيْتِهِ عَنْهَا، أَكَانَ ذَلِكَ يُؤَدِّي عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصَوْمِي عَنْ أُمِّكِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ، وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّإِ " أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ "، فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ النَّذْرِ؛ لِلنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي النَّذْرِ، وَالنِّيَابَةُ تَدْخُلُ الْعِبَادَةَ بِحَسَبِ خِفَّتِهَا، وَالنَّذْرُ أَخَفُّ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِأَصْلِ الشَّرْعِ. (وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ) ، أَيْ: غَيْرِ الْوَلِيِّ، فِعْلُ مَا عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ نَذْرٍ (بِإِذْنِهِ) ، أَيْ: الْوَلِيِّ، (وَدُونَهُ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. (وَيُجْزِئُ صَوْمُ جَمَاعَةٍ) عَنْ مَيِّتٍ نَذْرًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ نَذَرَ شَهْرًا وَمَاتَ، فَصَامَهُ عَنْهُ ثَلَاثُونَ (فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ) ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، مَعَ نِجَازِ إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُتَتَابِعًا؛ لِأَنَّ الَّذِي يَضُرُّ فِي التَّتَابُعِ التَّفَرُّقُ وَالْمَعِيَّةُ لَا تَفْرِيقَ فِيهَا، بَلْ هِيَ أَقْوَى اتِّصَالًا مِنْ التَّتَابُعِ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَ الْحَجِّ مِنْ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَالطَّوَافِ، وَالِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ فِي الذِّمَّةِ، إنَّمَا يُفْعَلُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّذْرَ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ، لَكِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْأَيَّامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 الْآتِيَةِ بَعْدَ النَّذْرِ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَعِيشَ الْمُدَّةَ، تَبَيَّنَّا أَنَّ مِقْدَارَ مَا بَقِيَ مِنْهَا صَادَفَ نَذْرَهُ حَالَ مَوْتِهِ، وَهُوَ يَمْنَعُ الثُّبُوتَ فِي حَقِّهِ. (وَإِنْ خَلَّفَ) مَيِّتٌ نَاذِرٌ (مَالًا، وَجَبَ) فِعْلُ نَذْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّتِهِ، كَقَضَاءِ دَيْنٍ مِنْ تَرِكَتِهِ، (فَيَفْعَلُهُ) ، أَيْ: النَّذْرَ، (وَلِيُّهُ) إنْ شَاءَ (نَدْبًا، أَوْ يَدْفَعُ) مَالًا (لِمَنْ يَفْعَلُ عَنْهُ) ذَلِكَ، وَكَذَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، (أَوْ يَدْفَعُ) عَنْ حَرٍّ (فِي صَوْمٍ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ طَعَامَ مِسْكِينٍ) فِي كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَدْلُهُ فِي جَزَاءِ صَيْدٍ وَغَيْرِهِ. (وَلَا كَفَّارَةَ) مَعَ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ مَنْذُورًا، كَمَا لَوْ فَعَلَهُ النَّاذِرُ. (وَلَا يُصَامُ عَنْ أَحَدٍ فِي حَيَاتِهِ إجْمَاعًا) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُقْضَى) عَنْ مَيِّتٍ مَا نَذَرَهُ فِي زَمَنٍ (مُعَيَّنٍ مَاتَ قَبْلَهُ) ، كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ، فَمَاتَ قَبْلَ دُخُولِهِ، لَمْ يُصَمْ عَنْهُ إذَا دَخَلَ، وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا كَذَلِكَ الْمِقْدَارُ الَّذِي أَدْرَكَهُ حَيًّا وَهُوَ مَرِيضٌ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الصَّوْمِ فِي الذِّمَّةِ، بِدَلِيلِ وُجُوبِ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى الْمَرِيضِ. (أَوْ) ، أَيْ: وَكَذَلِكَ لَوْ (جُنَّ، وَدَامَ) جُنُونُهُ (حَتَّى انْقَضَى الْمُعَيَّنُ) ، فَلَا يُصَامُ، وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ، (وَمَوْتُهُ) ، أَيْ: النَّاذِرِ (بِأَثْنَائِهِ) ، أَيْ: أَثْنَاءِ الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ (يُسْقِطُ الْبَاقِيَ) مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ دُخُولِهِ (وَالْمَاضِي إنْ كَانَ) تَأْخِيرُهُ (لِعُذْرِ جُنُونٍ) وَنَحْوِهِ، (سَقَطَ) عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، (وَإِلَّا) يَكُنْ مَعْذُورًا بِالتَّأْخِيرِ، (فَلَا) يَسْقُطُ عَنْهُ؛ لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّتِهِ، (وَتَفْصِيلُهُ مَا مَرَّ) فِيمَا إذَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فُعِلَ عَنْهُ وُجُوبًا إنْ خَلَّفَ تَرِكَةً، وَاسْتِحْبَابًا إنْ لَمْ يُخَلِّفْ شَيْئًا. (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ مُتْعَةٍ) أَوْ قِرَانٍ، (وَلَوْ) كَانَ مَا عَلَيْهِ (يَوْمَ مَوْتِهِ فَقَطْ، أُطْعِمَ عَنْهُ) مِنْ رَأْسِ مَالِهِ (ثَلَاثَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 مَسَاكِينَ) عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، (كَذَا قِيلَ) وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ إنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَفْعَلْ، أُطْعِمَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ مَسَاكِينَ؛ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ. وَأَمَّا الْإِطْعَامُ عَنْ صَوْمِ الْمُتْعَةِ وَالظِّهَارِ، فَيُطْعَمُ عَنْهُ عَدَدُ الْأَيَّامِ الْبَاقِيَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَجَبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ. [بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ] (بَابُ) (صَوْمِ التَّطَوُّعِ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ: (أَفْضَلُهُ) ، أَيْ: صَوْمِ التَّطَوُّعِ: صَوْمُ (يَوْمٍ وَ) فِطْرُ (يَوْمٍ) نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ عُمَرَ: «وَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُد، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ، قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ) ، لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَسْرُدُونَ الصَّوْمَ، مِنْهُمْ: أَبُو طَلْحَةَ، قِيلَ: إنَّهُ صَامَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ سَنَةً. (إلَّا لِخَائِفِ ضَرَرٍ) فِي جَسَدِهِ، أَوْ مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا، (أَوْ) إلَّا لِخَائِفِ (فَوْتِ حَقٍّ) ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ. (وَسُنَّ) صَوْمُ (ثَلَاثَةِ) أَيَّامٍ (مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَ " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. (وَكَوْنُهَا) ، أَيْ: الثَّلَاثَةِ (أَيَّامَ) : اللَّيَالِي (الْبِيضِ أَفْضَلُ، وَسَمَّيْتُ بِيضًا؛ لِابْيِضَاضِهَا لَيْلًا بِالْقَمَرِ، وَنَهَارًا بِالشَّمْسِ) . وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي كَلَامِهِ بَيَانِيَّةٌ، وَأَنَّ الْبِيضَ وَصَفٌّ لِلْأَيَّامِ، وَكَلَامُهُ فِي " الشَّرْحِ " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ يُخَالِفُهُ، قَالَ: وَسُمِّيَتْ لَيَالِيهَا بِالْبِيضِ؛ لِبَيَاضِ لَيْلِهَا كُلِّهِ بِالْقَمَرِ، زَادَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالتَّقْدِيرُ: لَيَالِي الْأَيَّامِ الْبِيضِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - تَابَ فِيهَا عَلَى آدَمَ، وَبَيَّضَ صَحِيفَتَهُ (وَهِيَ) : أَيْ: الْأَيَّامُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 الْبِيضُ: (ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ) ، لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إذَا صُمْتُ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. (وَذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) ، أَيْ: يَحْصُلُ لَهُ بِصِيَامِهَا أَجْرُ صِيَامِ الدَّهْرِ بِتَضْعِيفِ الْأَجْرِ، (فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) ، مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي فِي صِيَامِ الدَّهْرِ. (وَ) سُنَّ صَوْمُ يَوْمِ (الِاثْنَيْنِ) - بِهَمْزَةِ وَصْلٍ - سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأُسْبُوعِ. (وَ) يَوْمِ (الْخَمِيسِ) ؛ لِقَوْلِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ الِاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّ أَعْمَالَ النَّاسِ تُعْرَضُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي لَفْظٍ: " وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ". (وَ) سُنَّ صَوْمُ (سِتَّةِ) أَيَّامٍ (مِنْ شَوَّالٍ) ، وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً، (وَالْأَوْلَى تَتَابُعُهَا) ، وَكَوْنُهَا (عَقِبَ الْعِيدِ، إلَّا لِمَانِعٍ، كَقَضَاءٍ) وَنَذْرٍ، (وَصَائِمُهَا) ، أَيْ: السِّتَّةِ مِنْ شَوَّالٍ (مَعَ رَمَضَانَ) ، أَيْ: بَعْدَهُ، (كَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ) فَرْضًا، كَمَا فِي " اللَّطَائِفِ " وَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجْرِي مَجْرَى التَّقْدِيمِ لِرَمَضَانَ، لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ فَاصِلٌ. وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، شَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَالسِّتَّةُ بِسِتِّينَ، فَذَلِكَ سَنَةٌ» وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ الْأَوَّلِ: التَّشْبِيهُ بِهِ فِي حُصُولِ الْعِبَادَةِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، كَمَا فِي صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَلَا يُقَالُ: الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 عَلَى فَضِيلَتِهَا؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَ صِيَامَهَا بِصِيَامِ الدَّهْرِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ فِي صَوْمِهَا دُونَ صَوْمِهِ. (وَ) سُنَّ (صَوْمُ الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ) صِيَامِ شَهْرِ (رَمَضَانَ) ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ: جَوْفُ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ: شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَضَافَهُ إلَيْهِ تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا، وَلَمْ يُكْثِرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الصَّوْمَ فِيهِ، إمَّا لِعُذْرٍ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَهُ إلَّا أَخِيرًا. وَالْمُرَادُ: أَفْضَلُ شَهْرِ تَطَوَّعَ بِهِ كَامِلًا بَعْدَ رَمَضَانَ: شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ التَّطَوُّعِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ أَيَّامِهِ، كَعَرَفَةَ وَذِي الْحِجَّةِ، فَالتَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ أَفْضَلُهُ: الْمُحَرَّمُ، كَمَا أَنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ: قِيَامُ اللَّيْلِ. (وَآكَدُهُ) ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: وَأَفْضَلُهُ: (عَاشُورَاءُ) بِالْمَدِّ فِي الْأَشْهَرِ، وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ. (وَهُوَ) ، أَيْ: صَوْمُ عَاشُورَاءَ (كَفَّارَةُ سَنَةٍ) ؛ لِحَدِيثِ «إنِّي لَأَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَإِنَّمَا كَفَّرَ عَاشُورَاءُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ، لِأَنَّهُ تَبَعُهَا، وَجَاءَ بَعْدَهَا، وَالتَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ إنَّمَا يَكُونُ لَا لِمَا يَأْتِي. (وَلَمْ يَجِبْ) صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ (ثُمَّ نُسِخَ) ، لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ هَذَا عَاشُورَاءُ، لَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» قَالَ الْقَاضِي: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ: الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": لَمْ يَجِبْ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، مِنْهُمْ: الْقَاضِي، قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 (ثُمَّ) يَلِي عَاشُورَاءَ فِي الْآكَدِيَّةِ: (تَاسُوعَاءُ) بِالْمَدِّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ: التَّاسِعُ مِنْ الْمُحَرَّمِ. وَيُسَنُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ، لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَقَالَ: إنْ اشْتَبَهَ أَوَّلُ الشَّهْرِ، صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لِتَيَقُّنِ صَوْمِهِمَا. (وَ) سُنَّ صَوْمُ (أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) ، أَيْ: التِّسْعَةِ الْأُوَلِ مِنْهُ، (وَهِيَ) ، أَيْ: الْأَيَّامُ الْعَشَرَةُ: بِاعْتِبَارِ ضَمِّ يَوْمِ الْعِيدِ إلَيْهَا (أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ) ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ أَيَّامٍ، الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَآكَدُهُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَهُوَ) أَيْ: صَوْمُهُ (كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ) ؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا فِي صَوْمِهِ «إنِّي لَأَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» (وَالْمُرَادُ: كَفَّارَةُ الصَّغَائِرِ) حَكَاهُ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " عَنْ الْعُلَمَاءِ، (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) صَغَائِرُ (رُجِيَ تَخْفِيفُ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) كَبَائِرُ، (فَرَفْعُ دَرَجَاتٍ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرِهِ، (وَ) قَالَ (فِي " الْفُرُوعِ ": تُكَفِّرُ طَهَارَةٌ وَصَلَاةٌ وَرَمَضَانُ وَعَرَفَةُ وَعَاشُورَاءُ الصَّغَائِرَ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ، وَمَنْ قَالَ بِالْعُمُومِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» قَالَ الْعَيْنِيُّ وَابْنُ الْمُحِبِّ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى غُفْرَانِ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ، وَفَضْلُ اللَّهِ أَعَمُّ وَأَوْسَعُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ قَوْلٌ عَامٌّ، يُرْجَى أَنْ يَغْفِرَ لَهُ جَمِيعَ ذُنُوبِهِ كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا. انْتَهَى. وَأَمَّا الدَّيْنُ وَمَظَالِمُ الْعِبَادِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُكَفِّرُهَا، فَلَأَنْ لَا يُكَفِّرَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 الصَّوْمُ مِنْ بَابِ أَوْلَى. (وَنَقَلَ) أَبُو بَكْرٍ (الْمَرُّوذِيُّ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ: نِسْبَةً إلَى مَرْوِالرَّوْذِ: أَحَدُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: - (بِرُّ الْوَالِدَيْنِ كَفَّارَةُ الْكَبَائِرِ) لِأَنَّ رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَاهُمَا، وَسَخَطُهُ فِي عُقُوقِهِمَا. (وَفِي الصَّحِيحِ، الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ) : هَذَا الْحَدِيثُ (فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كِبَارَ الطَّاعَاتِ) إذَا فَعَلَهَا الشَّخْصُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ (يُكَفِّرُ اللَّهُ مَا) اقْتَرَفَهُ (بَيْنَهُمَا) مِنْ الذُّنُوبِ (لِأَنَّهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَمْ يَقُلْ: كَفَّارَةٌ لِصِغَارِ ذُنُوبِهِ، بَلْ إطْلَاقُهُ) فِي قَوْلِهِ: الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، (يَتَنَاوَلُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ) ، يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ فِي " الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ " - جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ رُفِعَ إلَيْهِ، صُورَتُهُ: (فِي أَهْلِ مَدِينَةٍ رَأَى بَعْضُهُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ حَاكِمِ الْمَدِينَةِ) ، فَهَلْ (لَهُمْ أَنْ يَصُومُوا الْيَوْمَ الَّذِي هُوَ التَّاسِعُ ظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ الْعَاشِرَ؟ ،) - نَعَمْ، يَصُومُونَ التَّاسِعَ فِي الظَّاهِرِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَكُونُ عَاشِرًا، وَلَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُ تِلْكَ الرُّؤْيَةِ، (لِحَدِيثِ) أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» ) ، وَفِي لَفْظٍ: «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ، فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ وَقَفُوا خَطَأً بِعَرَفَةَ فِي الْعَاشِرِ، أَجْزَأَهُمْ الْوُقُوفُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ هُوَ يَوْمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 عَرَفَةَ فِي حَقِّهِمْ، وَلَوْ وَقَفُوا الثَّامِنَ خَطَأً، فَفِي الْإِجْزَاءِ نِزَاعٌ، وَالْأَظْهَرُ: صِحَّةُ الْوُقُوفِ أَيْضًا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «إنَّمَا عَرَفَةُ الْيَوْمُ الَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ» انْتَهَى. (وَلَا يُسَنُّ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِمَنْ بِهَا) ، أَيْ: بِعَرَفَةَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ يُضْعِفُهُ، وَيَمْنَعُهُ الدُّعَاءَ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الشَّرِيفِ، (غَيْرَ مُتَمَتِّعٍ، وَ) غَيْرَ (قَارِنٍ عَدِمَا الْهَدْيَ) ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَا آخِرَ صِيَامِ الثَّلَاثَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، (ثُمَّ) يَلِي يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْآكَدِيَّةِ يَوْمُ (التَّرْوِيَةِ، وَهُوَ: الثَّامِنُ) مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، لِحَدِيثِ: «صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَفَّارَةُ سَنَةٍ» الْحَدِيثَ، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي الثَّوَابِ، وَابْنُ النَّجَّارِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا. [مَا رُوِيَ فِي فَضْل اكْتِحَال وَخِضَاب وَاغْتِسَال وَمُصَافَحَة وَصَلَاة بيوم عَاشُورَاء] (فَرْعٌ: مَا رُوِيَ فِي فَضْلِ اكْتِحَالٍ وَخِضَابٍ وَاغْتِسَالٍ وَمُصَافَحَةٍ وَصَلَاةٍ بِ) يَوْمِ (عَاشُورَاءَ) ، فَكَذِبٌ، وَكَذَا مَا رُوِيَ فِي مَسْحِ رَأْسِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلِ الْحُبُوبِ، وَالذَّبْحِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، (فَ) هُوَ (كَذِبٌ) عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِثْلُ ذَلِكَ بِدْعَةٌ لَا يُسْتَحَبُّ شَيْءٌ مِنْهُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الدِّينِ، قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَيَنْبَغِي فِيهِ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْعِيَالِ سَأَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَحْمَدَ عَنْهُ، فَقَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَدْ جَرَّبْنَاهُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ سِتِّينَ، فَمَا رَأَيْنَا إلَّا خَيْرًا. تَنْبِيهٌ: قَالَ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَرَهُ شَيْئًا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَأَعْلَى مَا عِنْدَهُمْ أَثَرٌ يُرْوَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِمَّنْ سَمِعَ هَذَا، وَلَا عَمَّنْ بَلَغَهُ. (وَمَا رُوِيَ فِي فَضْلِ صَوْمِ رَجَبٍ وَصَلَاةٍ فِيهِ، فَكَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ) بِالْحَدِيثِ، (فَيُكْرَهُ إفْرَادُهُ) ، أَيْ: رَجَبٍ (بِصَوْمٍ) ، قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ كَانَ يَصُومُ السَّنَةَ صَامَهُ، وَإِلَّا، فَلَا يَصُومُهُ مُتَوَالِيًا، بَلْ يُفْطِرُ فِيهِ، وَلَا يُشَبِّهُهُ بِرَمَضَانَ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ أَكُفَّ الْمُتَرَجِّبِينَ حَتَّى يَضَعُوهَا فِي الطَّعَامِ، وَيَقُولُ: كُلُوا فَإِنَّمَا هُوَ شَهْرٌ كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تُعَظِّمُهُ " (وَتَزُولُ) الْكَرَاهَةُ (وَلَوْ بِفِطْرِ يَوْمٍ مِنْهُ) أَوْ بِصَوْمِ شَهْرٍ آخَرَ، قَالَ الْمَجْدُ: وَإِنْ لَمْ يَلِ الشَّهْرَ الْآخَرَ رَجَبٌ. (وَكُرِهَ إفْرَادُ) يَوْمِ (جُمُعَةٍ) بِصَوْمٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا وَقَبْلَهُ يَوْمٌ وَبَعْدَهُ يَوْمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ مِنْ صَوْمِهِ، وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ، عَلَى صَوْمِهِ مَعَ غَيْرِهِ، فَلَا تَعَارُضَ. (وَ) يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ (سَبْتٍ بِصَوْمٍ) ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ أُخْتِهِ الصَّمَّاءِ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ، فَفِي إفْرَادِهِ تَشَبُّهٌ بِهِمْ، وَيَوْمُ السَّبْتِ آخِرُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: سُمِّيَ يَوْمَ السَّبْتِ، لِانْقِطَاعِ الْأَيَّامِ عِنْدَهُ. (وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ) تَطَوُّعًا؛ لِقَوْلِ عَمَّارٍ: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَهُوَ لِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا. وَيَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، بِنِيَّتِهِ الرَّمَضَانِيَّةِ احْتِيَاطًا، وَلَا يُجْزِئُ، إنْ ظَهَرَ مِنْهُ، (وَهُوَ) ، أَيْ: يَوْمُ الشَّكِّ: (الثَّلَاثُونَ مِنْ شَعْبَانَ، حَيْثُ لَا عِلَّةَ) فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 مَطْلَعِ الْهِلَالِ مِنْ غَيْمٍ أَوْ قَتَرٍ، وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ، أَوْ شَهِدَ بِالْهِلَالِ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، (إلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً فِي الْكُلِّ) ، كَمَنْ عَادَتُهُ يَصُومُ الْخَمِيسَ وَالِاثْنَيْنِ، فَوَافَقَ يَوْمَ الشَّكِّ أَحَدَهُمَا، أَوْ كَانَ عَادَتُهُ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا، فَوَافَقَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، أَوْ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ الْجُمُعَةِ، فَلَا كَرَاهَةَ، لِأَنَّ الْعَادَةَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي ذَلِكَ (أَوْ يَصِلَهُ) ، أَيْ: يَوْمَ الشَّكِّ (بِصَوْمٍ قَبْلَهُ) ؛ لِقَوْلِهِ: «لَا تُقَدِّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. (أَوْ) يَصُومُ يَوْمَ الشَّكِّ (نَذْرًا أَوْ قَضَاءً) أَوْ كَفَّارَةً، فَلَا كَرَاهَةَ، فَلَا قَضَاءَ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ وَاجِبٌ إذَنْ. (وَ) يُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ (النَّيْرُوزِ) ، وَهُوَ: الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ فَصْلِ الرَّبِيعِ، (وَ) صَوْمُ يَوْمِ (الْمِهْرَجَانِ) ، وَمَعْنَاهُ: رُوحُ السَّنَةِ، وَهُوَ: الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ فَصْلِ الْخَرِيفِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْكُفَّارِ فِي تَعْظِيمِهَا. (وَ) يُكْرَهُ إفْرَادُ (كُلِّ عِيدٍ لِكُفَّارٍ) بِصَوْمٍ، (أَوْ) كُلِّ (يَوْمٍ يُفْرِدُونَهُ بِتَعْظِيمٍ) ، ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، إلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً، فَلَا كَرَاهَةَ. (وَ) يُكْرَهُ (تَقَدُّمُ رَمَضَانَ بِ) صَوْمِ (يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَطْ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) يُكْرَهُ (وِصَالٌ - وَهُوَ) ، أَيْ: الْوِصَالُ: (أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ) الصَّائِمُ (عَمْدًا مُفْطِرًا بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ - لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «وَاصَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ، فَوَاصَلَ النَّاسُ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ، فَقَالُوا: إنَّكَ تُوَاصِلُ، فَقَالَ: إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": قَوْلُهُ: إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرِيدُ: أَنَّهُ يُعَانُ عَلَى الصِّيَامِ، وَيُغْنِيهِ اللَّهُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَعِمَ وَشَرِبَ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ: أَنَّهُ يُطْعَمُ حَقِيقَةً، وَيُسْقَى حَقِيقَةً، حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ طَعِمَ وَشَرِبَ حَقِيقَةً لَمَا كَانَ مُوَاصِلًا، وَلَا أَقَرَّهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ: إنَّكَ تُوَاصِلُ، لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ: «إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» . وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي النَّهَارِ، وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ فِي النَّهَارِ، لَا لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ: مَا يُغَذِّيهِ اللَّهُ بِهِ مِنْ مَعَارِفِهِ، وَمَا يَفِيضُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ لَذَّةِ مُنَاجَاتِهِ، وَقُرَّةِ عَيْنِهِ بِقُرْبِهِ، وَنَعِيمِهِ بِحُبِّهِ، قَالَ: وَمَنْ لَهُ أَدْنَى تَجْرِبَةٍ وَشَوْقٍ، يَعْلَمُ اسْتِغْنَاءَ الْجِسْمِ؛ لِغِذَاءِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ، عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْغِذَاءِ الْحَيَوَانِيِّ، وَلَا سِيَّمَا الْفَرْحَانُ الظَّافِرُ بِمَطْلُوبِهِ الَّذِي قَدْ قَرَّتْ عَيْنُهُ بِمَحْبُوبِهِ انْتَهَى. وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ وَلَا يَحْرُمُ الْوِصَالُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَقَعَ رِفْقًا وَرَحْمَةً، وَلِهَذَا وَاصَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَاصَلُوا بَعْدَهُ. (وَتَزُولُ) الْكَرَاهَةُ (بِ) أَكْلِ (لُقْمَةٍ، أَوْ شُرْبٍ) لِانْتِفَاءِ الْوِصَالِ، (وَلَا يُكْرَهُ لِلسَّحَرِ) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ، فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَتَرْكُهُ) ، أَيْ: الْوِصَالِ (أَوْلَى) مُحَافَظَةً عَلَى السُّنَّةِ، (وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ وَاصَلَ) بِالْعَسْكَرِ (ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، فَلَمْ يَرَهُ) ، أَيْ: مَا رَأَى حَنْبَلٍ الْإِمَامَ (أَكَلَ) فِيهَا (وَلَا شَرِبَ فِيهَا) حَتَّى كَلَّمَهُ حَنْبَلٌ فِي ذَلِكَ، فَشَرِبَ سَوِيقًا، (وَلَعَلَّهُ كَانَ يَتَعَاطَى مَا يُفْطِرُهُ، كَ) بَلْعِ (قِشْرِ سِوَاكٍ) ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَعَلَهُ حَيْثُ لَا يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَحَرُمَ، وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ عِيدٍ) فَرْضًا وَلَا نَفْلًا؛ لِمَا رَوَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ فِطْرٍ، وَيَوْمِ أَضْحَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَتَحْرِيمَهُ. (وَكَذَا أَيَّامُ تَشْرِيقٍ) يَحْرُمُ صَوْمُهَا، وَلَا يَصِحُّ فَرْضًا، وَلَا نَفْلًا؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ مَرْفُوعًا: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ» (إلَّا عَنْ دَمِ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ) ، وَيَأْتِي، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ: " لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [فَصْلٌ مَنْ دَخَلَ فِي تَطَوُّعِ صَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ هَلْ يُتِمّهُ] (فَصْلٌ) (مَنْ دَخَلَ فِي تَطَوُّعِ) صَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ (غَيْرَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ) ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَفِيهِ: «إنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ يَوْمِ التَّطَوُّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. (وَيُسَنُّ) إتْمَامُ تَطَوُّعٍ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ " وَيُكْرَهُ قَطْعُهُ بِلَا حَاجَةٍ، ذَكَرَهُ النَّاظِمُ. (وَإِنْ أَفْسَدَهُ) ، أَيْ: أَفْسَدَ تَطَوُّعًا دَخَلَ فِيهِ غَيْرَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ؛ (فَلَا قَضَاءَ) عَلَيْهِ نَصًّا، بَلْ يُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَأَمَّا تَطَوُّعُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَيَجِبُ إتْمَامُهُ؛ لِأَنَّ نَفْلَهُمَا كَفَرْضِهِمَا نِيَّةً وَفِدْيَةً وَغَيْرَهُمَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْمَحْظُورَاتِ. (وَيَجِبُ حَيْثُ لَا عُذْرَ إتْمَامُ فَرْضٍ) شَرَعَ فِيهِ (إجْمَاعًا، وَلَوْ) كَانَ الْمَشْرُوعُ فِيهِ فَرْضَ (كِفَايَةٍ) ، كَصَلَاةِ جِنَازَةٍ، (أَوْ) كَانَ (نَذْرًا، أَوْ) كَانَ وَقْتُهُ (مُوَسَّعًا كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَطَوَافٍ) ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ مُتَعَيَّنٌ، وَدَخَلَتْ التَّوْسِعَةُ فِي وَقْتِهِ رِفْقًا، وَمَظِنَّةَ الْحَاجَةِ، فَإِذَا شَرَعَ فِيهِ، تَعَيَّنَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي إتْمَامِهِ، (وَإِنْ بَطَلَ) الْفَرْضُ لِوُجُودِ مُبْطِلٍ، (فَلَا مَزِيدَ) عَلَيْهِ، فَيُعِيدُهُ أَوْ يَقْضِيهِ فَقَطْ، (وَلَا كَفَّارَةَ) مُطْلَقًا؛ لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 (وَيَجِبُ قَطْعُ) فَرْضٍ وَنَفْلٍ (لِرَدِّ مَعْصُومٍ عَنْ مَهْلَكَةٍ كَإِنْقَاذِ غَرِيقٍ) ، وَإِطْفَاءِ حَرِيقٍ، وَتَخْلِيصِ مَنْ تَحْتَ هَدْمٍ مِنْ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، أَوْ بَهِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَاتَ لَمْ يُمْكِنْ تَدَارُكُهُ. (وَ) يَجِبُ قَطْعُ فَرْضٍ (إذَا دَعَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ بِإِجَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ. (وَيُجِيبُ) مُصَلٍّ (وَالِدَيْهِ بِنَفْلٍ) ، رِعَايَةً لِحَقِّهِمَا وَبِرِّهِمَا، (وَتَخْرُجُ زَوْجَةٌ مِنْ) صَلَاةِ (نَفْلٍ لِحَقِّ زَوْجٍ) لِوُجُوبِ إجَابَتِهِ عَلَيْهَا. (وَجَازَ قَطْعُ فَرْضٍ لِهَرَبِ نَحْوِ غَرِيمٍ) ، كَشُرُودِ دَابَّةٍ، وَإِبَاقِ رَقِيقٍ، (وَ) جَازَ (قَلْبُهُ) ، أَيْ: الْفَرْضِ، (نَفْلًا) مَعَ سَعَةِ وَقْتِهِ، وَتَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (الْمَنْعُ) مَنْ قَلْبِ صَوْمِ وَاجِبٍ، وَلَوْ مُوَسَّعًا، نَذْرًا كَانَ أَوْ قَضَاءً، نَفْلًا (حِيلَةً، لِيَتَوَصَّلَ لِفِطْرٍ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ. [بَابٌ أَفْضَلُ الشُّهُورِ شَهْرُ رَمَضَانَ] (بَابٌ) (أَفْضَلُ الشُّهُورِ) شَهْرُ (رَمَضَانَ) ، وَيُكَفَّرُ مَنْ فَضَّلَ رَجَبًا عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ". (وَ) أَفْضَلُ (الْأَيَّامِ) يَوْمُ (الْجُمُعَةِ) إجْمَاعًا؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَتَقَعُ فِيهِ زِيَارَةُ الْمُؤْمِنِينَ الرَّبَّ فِي الْجَنَّةِ، فَيَرْفَعُ مَوَانِعَ الْإِدْرَاكِ عَنْ أَبْصَارِهِمْ، حَتَّى يَرَوْهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ نُعُوتِ الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ. أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 أَبُو هُرَيْرَةَ: أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ، قَالَ سَعِيدٌ: أَفِيهَا سُوقٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، فَيَزُورُونَ رَبَّهُمْ، وَيُبْرِزُ لَهُمْ عَرْشَهُ، وَيَتَبَدَّى لَهُمْ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، فَتُوضَعُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ يَاقُوتٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ فِضَّةٍ، وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ، وَمَا فِيهِمْ مِنْ دَنِيٍّ، عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ، وَمَا يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَرَاسِيِّ بِأَفْضَلَ مِنْهُمْ مَجْلِسًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ نَرَى رَبَّنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، هَلْ تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: كَذَلِكَ لَا تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ، وَلَا يَبْقَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ رَجُلٌ إلَّا حَاضَرَهُ اللَّهُ مُحَاضَرَةً، حَتَّى يَقُولَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ: يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ، أَتَذْكُرُ يَوْمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيُذَكِّرُهُ بِبَعْضِ غَدَرَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي؟ فَيَقُولُ: بَلَى، بِسَعَةِ مَغْفِرَتِي بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هَذِهِ.» . الْحَدِيثَ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ: (هُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ إجْمَاعًا، وَقَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ) ، وَكَذَا ذَكَرَهُ جَدُّهُ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ شَرْحِهِ مُنْتَهَى الْغَايَةِ " (وَاخْتَارَ) جَمْعٌ (غَيْرَهُ) ، مِنْهُمْ: أَبُو حَكِيمٍ النَّهْرَوَانِيُّ، وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ: (بَلْ يَوْمُ عَرَفَةَ) أَفْضَلُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَالَ فِي " الْغُنْيَةِ " إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ الْأَيَّامِ أَرْبَعَةً: الْفِطْرَ، وَالْأَضْحَى، وَعَرَفَةَ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَاخْتَارَ مِنْهَا يَوْمَ عَرَفَةَ. (وَأَفْضَلُ اللَّيَالِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ) قَالَ تَعَالَى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ: قِيَامُهَا، وَالْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ خَالِيَةٍ مِنْهَا، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» زَادَ أَحْمَدُ: " وَمَا تَأَخَّرَ ". (وَخُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ) إكْرَامًا لِنَبِيِّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَهِيَ بَاقِيَةٌ) لَمْ تُرْفَعْ؛ لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ فِي طَلَبِهَا وَقِيَامِهَا، خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ فِي رَفْعِهَا. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ، وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ أَفْضَلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّةِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ، وَالْبُلْقِينِيِّ. قَالَ فِي " الْهَدْيِ ": إنْ كَانَ الْمُرَادُ: لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ، وَنَظَائِرُهَا مِنْ كُلِّ عَامٍ، أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، بِحَيْثُ يَكُونُ قِيَامُهَا، وَالدُّعَاءُ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَهَذَا بَاطِلٌ، لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالِاضْطِرَارِ، وَإِنْ أَرَادَ اللَّيْلَةَ الْمُعَيَّنَةَ الَّتِي أُسْرِيَ فِيهَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَصَلَ لَهُ فِيهَا مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فِي غَيْرِهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْرَعَ تَخْصِيصُهَا بِقِيَامٍ وَلَا عِبَادَةٍ، فَهَذَا صَحِيحٌ إنْ قَامَ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إنْعَامَ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ كَانَ أَعْظَمَ مِنْ إنْعَامِهِ عَلَيْهِ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَهَذَا لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالْوَحْيِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ بِلَا عِلْمٍ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ خُصَّتْ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ بِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ، وَلِهَذَا لَا يُعْرَفُ أَيَّ لَيْلَةٍ كَانَتْ، وَإِنْ كَانَ الْإِسْرَاءُ فِي نَفْسِهِ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ، كَمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُفَضِّلْ غَارَ حِرَاءَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِيهِ الْوَحْيُ، وَلَا خَصَّ الْيَوْمَ الَّذِي ابْتَدَأَهُ فِيهِ الْوَحْيُ بِشَيْءٍ. انْتَهَى. قَالَ فِي حَاشِيَةِ " الْإِقْنَاعِ ": فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَلَامُ أَبِي أُمَامَةَ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ الْمُعَيَّنَةِ مَعَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ كُلِّ عَامٍ، غَيْرَ الَّتِي أُنْزِلَ فِيهَا الْقُرْآنُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 (وَسُمِّيَتْ) لَيْلَةَ (الْقَدْرِ، لِتَقْدِيرِ مَا يَكُونُ تِلْكَ السَّنَةَ فِيهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] ، (أَوْ) سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، (لِشَرَفِ قَدْرِهَا) ، وَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ. (وَ) هِيَ (مُخْتَصَّةٌ بِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ) ، فَتُطْلَبُ فِيهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَأَوْتَارُهُ) ، أَيْ: الْعَشْرِ الْأَخِيرِ، (آكَدُ) ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اُطْلُبُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي ثَلَاثٍ بَقِينَ، أَوْ سَبْعٍ بَقِينَ، أَوْ تِسْعٍ بَقِينَ» (وَأَرْجَاهَا سَابِعَتُهُ) نَصًّا، وَهُوَ قَوْلُ: أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَكَانَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ. وَلَا يَسْتَثْنِي، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: " وَاَللَّهِ، لَقَدْ عَلِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُخْبِرَكُمْ، فَتَتَّكِلُوا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَعَلَامَتُهَا) ، أَيْ: لَيْلَةِ الْقَدْرِ: (عَدَمُ حَرِّهَا وَ) عَدَمُ (بَرْدِهَا) ؛ لِحَدِيثِ: «إنَّمَا أَمَارَةُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا لَيْلَةٌ صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا، سَاكِنَةٌ سَاجِيَةٌ، لَا بَرْدَ فِيهَا وَلَا حَرَّ، وَلَا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ أَنْ يُرْمَى فِيهَا حَتَّى تُصْبِحَ، وَإِنَّ أَمَارَتَهَا أَنَّ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ الشَّمْسُ مُسْتَوِيَةً، لَيْسَ فِيهَا شُعَاعٌ، مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ» (وَ) مِنْ عَلَامَتِهَا أَنَّ (طُلُوعَ شَمْسِ صَبِيحَتِهَا بَيْضَاءُ بِلَا كَثِيرِ شُعَاعٍ) ؛ لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنْ صَبِيحَتِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا» وَفِي رِوَايَةٍ: " مِثْلَ الطَّسْتِ ". (وَسُنَّ كَوْنُ مِنْ دُعَائِهِ فِيهَا) ، أَيْ: لَيْلَةِ الْقَدْرِ، مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنْ وَافَقْتُهَا فَبِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 إنَّكَ عَفُوٌّ تَحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. (وَتَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ) لَا أَنَّهَا لَيْلَةٌ مُعَيَّنَةٌ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، (وَحُكِيَ) ذَلِكَ (عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ) وَغَيْرِهِمْ، (فَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ) ، إنْ كَانَ (قَبْلَ) مُضِيِّ (لَيْلَةِ أَوَّلِ الْعَشْرِ) الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِلَيْلَةِ آخِرِهِ) ، أَيْ: آخِرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْعَشْرَ لَا يَخْلُو مِنْهَا خِلَافًا لِابْنِ عَادِلٍ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مَضَى مِنْ الْعَشْرِ لَيْلَةٌ فَأَكْثَرُ، (فَ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (فِي) اللَّيْلَةِ (الْأَخِيرَةِ مِنْهُ) ، أَيْ: رَمَضَانَ، (فِي) الْعَامِ (الْقَابِلِ) ؛ لِيَتَحَقَّقَ وُجُودُهَا، (وَكَطَلَاقٍ نَحْوُ عِتْقٍ) وَظِهَارٍ (وَيَمِينٍ) بِاَللَّهِ تَعَالَى. (وَمَنْ نَذَرَ قِيَامَهَا) ، أَيْ: لَيْلَةِ الْقَدْرِ، (قَامَ الْعَشْرَ) الْأَخِيرَ (كُلَّهُ) . تَتِمَّةٌ: لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ لَيَالِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ رَمَضَانَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ: أَنَّ لَيَالِيَ الْعَشْرِ مِنْ رَمَضَانَ إنَّمَا فُضِّلَتْ بِاعْتِبَارِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَهِيَ مِنْ اللَّيَالِي، وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ إنَّمَا فُضِّلَ بِاعْتِبَارِ أَيَّامِهِ، إذْ فِيهِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ. [كِتَابُ الِاعْتِكَافِ] (كِتَابُ الِاعْتِكَافِ) الِاعْتِكَافُ، لُغَةً: لُزُومُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] بِفَتْحِ الْكَافِ فِي الْمَاضِي، وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ. وَشَرْعًا: (لُزُومُ مُسْلِمٍ، لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، عَاقِلٍ وَلَوْ كَانَ مُمَيَّزًا، مَسْجِدًا) مَفْعُولٌ: لُزُومِ. (وَلَوْ) كَانَ وَقْتُ اللُّزُومِ (سَاعَةً) مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ (لِطَاعَةٍ) ، مُتَعَلِّقٌ بِلُزُومٍ، (عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) يَأْتِي بَيَانُهَا. فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ، وَلَا مُحْدِثٍ حَدَثًا أَكْبَرَ، وَلَا غَيْرِ، عَاقِلٍ، وَلَا مِمَّنْ دُونَ تِسْعٍ، وَلَا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ، أَوْ بِغَيْرِ لَبْثٍ وَلَا بِلُزُومِ مَسْجِدٍ لِنَحْوِ صِنَاعَةٍ. وَمَشْرُوعِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا فِي أَنَّهُ مَسْنُونٌ، (فَمَنْ نَذَرَ) اعْتِكَافًا (وَأَطْلَقَ) ، فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمُدَّةٍ، (أَجْزَأَتْهُ سَاعَةٌ) ، و (لَا) يَكْفِي (عُبُورُهُ) الْمَسْجِدَ مِنْ غَيْرِ لَبْثٍ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُعْتَكِفًا. (وَسُنَّ أَنْ لَا يَنْقُصَ) الِاعْتِكَافُ (عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ يَقُولُ: أَقَلُّهُ ذَلِكَ، (وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهُ) ، أَيْ: الِاعْتِكَافِ، (جِوَارًا) ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهُ) ، أَيْ: الِاعْتِكَافِ، (خَلْوَةً وَحَرَّمَهُ) ، أَيْ: حَرَّمَ (ابْنُ هُبَيْرَةَ) أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ، فَقَالَ: هَذَا الِاعْتِكَافُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُسَمَّى خَلْوَةً، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إذَا مَا خَلَوْت الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ ... خَلَوْت وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبٌ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ أَوْلَى، أَيْ: مِنْ التَّحْرِيمِ. (وَسُنَّ) الِاعْتِكَافُ (كُلَّ وَقْتٍ) إجْمَاعًا، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ وَدَاوَمَ عَلَيْهِ، وَاعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مَعَهُ وَبَعْدَهُ. (وَ) هُوَ (بِرَمَضَانَ آكَدُ) ، لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَآكَدُهُ) ، أَيْ: آكَدُ رَمَضَانَ (عَشْرُهُ الْأَخِيرُ) ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «كُنْت أُجَاوِرُ هَذَا الْعَشْرَ - يَعْنِي الْأَوْسَطَ - ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذَا الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي، فَلْيَلْبَثْ فِي مُعْتَكَفِهِ» وَلِمَا فِيهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 (وَيَجِبُ) اعْتِكَافٌ (بِنَذْرٍ) ، لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ، فَلْيُطِعْهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَإِنْ عَلَّقَ) نَذْرَ اعْتِكَافٍ (أَوْ غَيْرِهِ) ، كَنَذْرِ صَوْمٍ أَوْ عِتْقٍ، (بِشَرْطِ، تَقَيُّدٍ بِهِ) ، فَلَا يَلْزَمُ حَتَّى يُوجَدَ شَرْطُهُ، (ك) قَوْلِهِ: (لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ رَمَضَانَ إنْ كُنْت مُقِيمًا مَثَلًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) النَّاذِرُ (مُقِيمًا لَمْ يَلْزَمْهُ) الِاعْتِكَافُ، لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ. (وَيُجْزِئُ) وَفِي نُسْخَةٍ: وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ (بِلَا صَوْمٍ) ، لِحَدِيثِ عُمَرَ، قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوْفِ بِنَذْرِك» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا، لَمَا صَحَّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ، لِأَنَّهُ لَا صَوْمَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَصِحُّ فِي اللَّيْلِ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الصِّيَامُ كَالصَّلَاةِ وَكَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَلِأَنَّ إيجَابَ الصَّوْمِ حُكْمٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ» ، فَمَوْقُوفٌ عَلَيْهَا، وَمَنْ رَفَعَهُ فَقَدْ وَهِمَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ لَوْ صَحَّ، فَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِحْبَابُ، (إلَّا أَنْ يَقُولَ فِي نَذْرِهِ) : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ (بِصَوْمٍ) ، فَيَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، (فَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا) ، لَزِمَهُ، (أَوْ) نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ (بِصَوْمٍ) ، لَزِمَهُ الْجَمْعُ، (أَوْ) نَذَرَ (أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا) ، لَزِمَهُ الْجَمْعُ، (أَوْ) نَذَرَ أَنْ يَصُومَ (بِاعْتِكَافٍ) ، لَزِمَهُ الْجَمْعُ، (أَوْ) نَذَرَ أَنْ (يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا) ، لَزِمَهُ الْجَمْعُ، (أَوْ) نَذَرَ أَنْ (يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا، لَزِمَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالصِّيَامِ أَوْ الصَّلَاةِ، لِحَدِيثِ: «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» وَقِسْ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ، فَلَزِمَتْهُ بِالنَّذْرِ كَالتَّتَابُعِ وَالْقِيَامِ فِي النَّافِلَةِ، و (كَنَذْرِ صَلَاةٍ بِسُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ الْقُرْآنِ، فَلَوْ فَرَّقَ النَّذْرَ وَالصَّلَاةَ مَثَلًا، بِأَنْ صَلَّى فِي وَقْتٍ، وَاعْتَكَفَ فِي وَقْتٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 آخَرَ، لَمْ يُجْزِئْهُ. (وَلَا يَلْزَمُهُ) إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا مَثَلًا مُصَلِّيًا (صَلَاةَ جَمِيعِ زَمَنِ نَذْرِ) اعْتِكَافِهِ، (فَيُجْزِئُهُ رَكْعَتَانِ) فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) تُجْزِئُهُ (رَكْعَةٌ) وَاحِدَةٌ (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ يَكْفِيه رَكْعَةٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي بَابِ النَّذْرِ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ، فَقَالَ: وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً، فَرَكْعَتَانِ قَائِمًا لِقَادِرٍ، لَانَ الرَّكْعَةَ لَا تُجْزِئُ فِي الْفَرْضِ انْتَهَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يُجْزِئُهُ) ، أَيْ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ بِصَوْمٍ (اعْتِكَافٌ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ) ، كَاعْتِكَافِهِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةٍ، إذْ لَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ عَنْ وَاجِبَيْنِ. (وَيَتَّجِهُ) : لَوْ نَذَرَ صَوْمًا (فِي اعْتِكَافٍ) ، وَكَانَ نَذْرُهُ أَنْ يَصُومَ (بَعْضَ يَوْمٍ) ، فَنَوَى الصِّيَامَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، ثُمَّ اعْتَكَفَ، (صِحَّةُ) فَاعِلُ يَتَّجِهُ (نِيَّةِ صَوْمٍ إذَنْ) ، أَيْ: وَقْتَ إرَادَتِهِ الِاعْتِكَافِ، وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَتَى بِمُنَافٍ لِلصَّوْمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ يَأْبَى صِحَّةَ هَذِهِ النِّيَّةِ، لِاشْتِرَاطِهِمْ تَبْيِيتَهَا لِكُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ إنْ أَفْطَرَ) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ (أَثْنَاءَ أَيَّامٍ) مَنْذُورٍ تَتَابُعُهَا، (اعْتَكَفَهَا) حَالَ كَوْنِهِ (صَائِمًا) ، فَإِنَّهُ (يَسْتَأْنِفُ) اعْتِكَافَهَا صَائِمًا، لِقَطْعِهِ التَّتَابُعَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إيصَالُهُ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ الْأَخِيرُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَعِبَارَتُهُ: فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ بِصَوْمٍ، فَأَفْطَرَ يَوْمًا، أَفْسَدَ تَتَابُعَهُ، وَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ لِإِخْلَالِهِ بِالْإِتْيَانِ بِمَا نَذَرَهُ عَلَى صِفَتِهِ انْتَهَى. (وَحَرُمَ اعْتِكَافُ زَوْجَةٍ وَقِنٍّ) وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ (بِلَا إذْنِ زَوْجٍ) لِزَوْجَتِهِ، (وَسَيِّدٍ) لِرَقِيقِهِ، لِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لَهُمَا وَتَفُوتُ بِالِاعْتِكَافِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الشَّرْعِ، فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ، (وَلَهُمَا) ، أَيْ: الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ (تَحْلِيلُهُمَا) ، أَيْ: الزَّوْجَةِ وَالْقِنِّ (مِمَّا شَرَعَا فِيهِ) مِنْ اعْتِكَافٍ وَلَوْ مَنْذُورًا (بِلَا إذْنِ) زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، لِحَدِيثِ: «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إلَّا بِإِذْنِهِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ غَيْرِهِمَا إذَنْ، فَكَانَ لِرَبِّ الْحَقِّ الْمَنْعُ، (أَوْ) كَانَا شَرَعَا فِيهِ (بِهِ) ، أَيْ: بِإِذْنِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ، (وَهُوَ) ، أَيْ: مَا شَرَعَا فِيهِ (تَطَوُّعٌ) ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَذِنَ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فِي الِاعْتِكَافِ، ثُمَّ مَنَعَهُنَّ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلْنَ» وَيُخَالِفُ الْحَجَّ، فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا مِنْ مَنْذُورٍ شَرَعَا فِيهِ بِالْإِذْنِ، (وَالْإِذْنُ) لِلزَّوْجَةِ وَالْقِنِّ (فِي عَقْدِ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ) ، كَمَا لَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ لَهُمَا فِي نَذْرِ اعْتِكَافِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، (إذَنْ) لَهُمَا (فِي فِعْلِهِ) ، وَإِنْ أَذِنَا لَهُمَا فِي عَقْدٍ نَذْرٍ زَمَنًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَلَا يَكُونُ الْإِذْنُ فِي النَّذْرِ إذْنًا فِي الْفِعْلِ، لِأَنَّ زَمَنَ الشُّرُوعِ لَمْ يَقْتَضِهِ الْإِذْنُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 السَّابِقُ. (وَإِنْ لَمْ يُحَلِّلَاهُمَا مِنْ نَذْرٍ) غَيْرِ مُعَيَّنٍ (خَالَفَا) ، وَشَرَعَا (فِيهِ) بِغَيْرِ إذْنٍ، (صَحَّ وَأَجْزَأَ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (مَعَ أَنَّهُ) ، أَيْ: اعْتِكَافَهُمَا بِغَيْرِ إذْنٍ، (حَرَامٌ، فَلَعَلَّ الْحُرْمَةَ عَارِضَةٌ) لِحَقِّ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ، (وَلِمُكَاتَبٍ، لَا نَحْوُ أُمِّ وَلَدٍ) كَمُدَبَّرٍ، (اعْتِكَافٌ بِلَا إذْنِ) سَيِّدِهِ نَصًّا، لِمِلْكِهِ مَنَافِعَ نَفْسِهِ. (وَ) لِمُكَاتَبٍ أَيْضًا (حَجٌّ) بِلَا إذْنٍ نَصًّا، كَاعْتِكَافٍ وَأَوْلَى، لِإِمْكَانِ التَّكَسُّبِ مَعَهُ، لَكِنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ، وَيَأْتِي، (مَا لَمْ يَحِلَّ) عَلَيْهِ (نَجْمٌ) فِي غَيْبَتِهِ مِنْ كِتَابَةٍ، فَإِنْ حَلَّ لَمْ يَحُجَّ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، (وَمُبَعَّضٌ كَقِنٍّ) كُلِّهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، لِأَنَّ لَهُ مِلْكًا فِي مَنَافِعِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، (إلَّا مَعَ مُهَايَأَةٍ) فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ (فِي نَوْبَتِهِ) بِلَا إذْنِ مَالِكِ بَعْضِهِ، (ف) إنَّهُ فِي نَوْبَتِهِ (كَحُرٍّ) ، لِمِلْكِهِ اكْتِسَابَهُ وَمَنَافِعَهُ. (وَسُنَّ لِامْرَأَةٍ اسْتِتَارٌ بِخِبَاءٍ، وَنَحْوِهِ) ، «لِفِعْلِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، (بِمَكَانٍ لَا يُصَلِّي بِهِ الرِّجَالُ) ، لِأَنَّهُ أَبْعَدُ فِي التَّحَفُّظِ لَهَا، نَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَيُضْرَبُ لَهُنَّ فِيهَا الْخِيَمُ. (وَلَا بَأْسَ بِهِ) ، أَيْ: الْخِبَاءِ (لِرَجُلٍ) ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ أَخْفَى لِعَمَلِهِمْ. [فَصْلٌ فِي النِّيَّة وَغَيْرهَا] (فَصْلٌ) (وَشُرِطَ مَعَ مَا مَرَّ نِيَّةٌ) ، لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . (وَيَجِبُ أَنْ يُعَيَّنَ نَذْرٌ بِهَا) ، أَيْ: النِّيَّةِ، لِيَتَمَيَّزَ الْمَنْذُورُ عَنْ التَّطَوُّعِ. (وَ) يَجِبُ (كَوْنُهُ) ، أَيْ: الِاعْتِكَافِ (بِمَسْجِدٍ تُقَامُ بِهِ الْجَمَاعَةُ) ، فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ بِلَا خِلَافٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَلَوْ صَحَّ بِغَيْرِهَا لَمْ تَخْتَصَّ بِتَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ، إذْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُدْخِلُ رَأْسَهُ إلَى عَائِشَةَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَتُرَجِّلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةٍ، وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا بِمَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ، حِذَارًا مِنْ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ تَكَرُّرِ الْخُرُوجِ الْمُنَافِي لَهُ مَعَ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، (وَلَوْ) كَانَتْ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ (مِنْ مُعْتَكِفِينَ) ، لِانْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ بِهِمَا، فَيَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ (إنْ لَزِمَتْهُ) الْجَمَاعَةُ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَعْذُورُ وَالصَّبِيُّ، وَمَنْ هُوَ فِي قَرْيَةٍ لَا يُصَلِّي فِيهَا غَيْرُهُ، لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهِيَ مُنْقَضِيَةٌ هُنَا. (وَأَتَى عَلَيْهِ فِعْلُ صَلَاةٍ) زَمَنَ اعْتِكَافِهِ، (وَإِلَّا) تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ، (صَحَّ) اعْتِكَافُهُ (بِكُلِّ مَسْجِدٍ) ، لِعُمُومِ الْآيَةِ، (ك) مَا يَصِحُّ اعْتِكَافٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ (مِنْ أُنْثَى) ، لِمَا تَقَدَّمَ، (8 لَا بِمَسْجِدِ) بَيْتِهَا، (وَهُوَ مَا تَتَّخِذُهُ لِصَلَاتِهَا) ، فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، (لِعَدَمِ صَوْنِهِ عَمَّا حَرُمَ) مِنْ نَجَاسَتِهِ، وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَجُنُبٍ، (وَتَسْمِيَتُهُ مَسْجِدًا مَجَازٌ) ، وَمَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، فَقَالَ: بِدْعَةٌ، وَأَبْغَضُ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ الْبِدَعُ. تَنْبِيهٌ: إذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ تُقَامُ فِي مَسْجِدٍ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ دُونَ بَعْضٍ، جَازَ الِاعْتِكَافُ فِيهِ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ فَقَطْ، دُونَ الزَّمَانِ الَّذِي لَا تُقَامُ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ: لَوْ نَذَرَ) مُكَلَّفٌ (أَنْ يَعْتَكِفَ بِبَيْتِهِ بِصَوْمٍ، لَزِمَهُ الصَّوْمُ لَا الِاعْتِكَافُ، لِفَقْدِ شَرْطِهِ) ، أَيْ: الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ: كَوْنُهُ بِمَسْجِدٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 (وَعَكْسِهِ) فِي لُزُومِ الِاعْتِكَافِ بِلَا صَوْمٍ: لَوْ نَذَرَ (أَنْ يَعْتَكِفَ) يَوْمَ (الْعِيدِ) ، أَوْ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (صَائِمًا) ، فَيَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ دُونَ الصَّوْمِ، لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا إلَّا عَنْ النُّسُكِ لِحَدِيثِ: «وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ، فَلَا يَعْصِهِ» (لَكِنْ يَقْضِي صَوْمَهُ) ، أَيْ: الْيَوْمَ الْمَنْذُورَ، (وَيُكَفِّرُ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ، لِفَقْدِ الشَّرْطِ فِي الْأُولَى، وَفَوَاتِ الزَّمَنِ فِيهِمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمِنْ الْمَسْجِدِ ظَهْرُهُ) ، أَيْ: سَطْحُهُ، (وَمِنْهُ رَحْبَتُهُ الْمَحُوطَةُ) قَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِطٌ وَبَابٌ، كَرَحْبَةِ جَامِعِ الْمَهْدِيِّ بِالرُّصَافَةِ، فَهِيَ كَالْمَسْجِدِ، لِأَنَّهَا مَعَهُ، وَتَابِعَةٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَحُوطَةً، كَرَحْبَةِ جَامِعِ الْمَنْصُورِ، لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ، (وَمِنْهُ مَنَارَتُهُ الَّتِي هِيَ، أَوْ بَابُهَا، بِهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، لِمَنْعِ الْجُنُبِ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَوْ بَابُهَا خَارِجَةً، وَلَوْ قَرِيبَةً، وَخَرَجَ الْمُعْتَكِفُ إلَيْهَا لِلْأَذَانِ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِأَنَّهُ مَشَى حَيْثُ يَمْشِي جُنُبٌ لِأَمْرٍ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، كَخُرُوجِهِ إلَيْهَا لِغَيْرِهِ. (وَمِنْهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، (مَا زِيدَ فِيهِ حَتَّى فِي الثَّوَابِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ، (وَعِنْدَ جَمْعٍ) مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ رَجَبٍ، (وَحُكِيَ عَنْ السَّلَفِ. وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ أَيْضًا) زِيَادَتُهُ كَهُوَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 «لَوْ بُنِيَ هَذَا الْمَسْجِدُ إلَى صَنْعَاءَ، كَانَ مَسْجِدِي» وَقَالَ عُمَرُ لِمَا زَادَ فِي الْمَسْجِدِ: " لَوْ زِدْنَا فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَبَّانَةَ، كَانَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي " شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ": وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَعْلَمُ عَنْ السَّلَفِ خِلَافًا فِي الْمُضَاعَفَةِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا، أَيْ: الْمُشَارُ إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: (خِلَافًا لِجَمْعٍ، كَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ) ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا. (وَتَوَقَّفَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) فِي ذَلِكَ، قَالَ فِي " الْآدَابِ الْكُبْرَى ": هَذِهِ الْمُضَاعَفَةُ تَخْتَصُّ الْمَسْجِدَ غَيْرَ الزِّيَادَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَقَوْلِ الْعُلَمَاءِ، مِنْ أَصْحَابُنَا وَغَيْرَهُمْ، - أَيْ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فِي مَسْجِدِي - هَذَا لِأَجْلِ الْإِشَارَةِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ حُكْمَ الزَّائِدِ حُكْمُ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. (وَالْأَفْضَلُ لِرَجُلٍ تَخَلَّلَ اعْتِكَافَهُ جُمُعَةٌ) أَنْ يَعْتَكِفَ فِي (جَامِعٍ) ، أَيْ: مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ لِلْخُرُوجِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَيْهَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، كَالْخُرُوجِ لِحَاجَتِهِ، وَالْخُرُوجُ إلَيْهَا مُعْتَادٌ، فَكَأَنَّهُ مُسْتَثْنًى. (وَيَتَعَيَّنُ) مَسْجِدٌ جَامِعٌ لِاعْتِكَافٍ (إنْ عُيِّنَ بِنَذْرٍ) ، فَلَا يُجْزِئُهُ مَسْجِدٌ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، حَيْثُ عَيَّنَ الْجَامِعَ بِنَذْرِهِ، (وَلَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْهُ) ، أَيْ: اعْتِكَافَهُ، (جُمُعَةٌ) ، لِأَنَّهُ تَرَكَ لَبْثًا مُسْتَحَقًّا الْتَزَمَهُ بِنَذْرِهِ، (وَلِمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ) كَامْرَأَةٍ، وَمَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ مَعْذُورٍ بِسَفَرِهِ، وَمَنْ فِي قَرْيَةٍ لَا يُصَلِّي فِيهَا غَيْرُهُ، (أَنْ يَعْتَكِفَ بِغَيْرِهِ) ، أَيْ: الْجَامِعِ مَعَ الْمَسَاجِدِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ، (وَيَبْطُلُ) اعْتِكَافُهُ (بِخُرُوجِهِ إلَيْهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ، لِأَنَّ لَهُ مِنْهُ بُدًّا، (مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ) ، أَيْ: الْخُرُوجَ إلَى الْجُمُعَةِ، كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ. (وَمَنْ عَيَّنَ) بِنَذْرِهِ لِاعْتِكَافِهِ أَوْ صَلَاتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 (مَسْجِدًا غَيْرَ) الْمَسَاجِدِ (الثَّلَاثَةِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، (لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَيُخَيَّرُ) مَنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ (بَيْنَ اعْتِكَافٍ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَوْضِعًا، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِالنَّذْرِ، وَلَوْ تَعَيَّنَ غَيْرُهَا بِالتَّعْيِينِ، لَزِمَ الْمُضِيُّ إلَيْهِ، وَاحْتَاجَ إلَى شَدِّ الرَّحْلِ، لِقَضَاءِ نَذْرِهِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُشَدُّ الرَّحَّالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ إنْ أَرَادَ النَّاذِرُ الِاعْتِكَافَ فِيمَا عَيَّنَهُ غَيْرَهَا، فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا، فَهُوَ الْأَفْضَلُ، وَإِلَّا، بِأَنْ احْتَاجَ لِشَدِّ الرَّحْلِ، خُيِّرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ قُبَاءَ، فَإِنَّهُ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِيه كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحُمِلَ النَّهْيُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ، وَحَكَاهُ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَيُكَفِّرُ) إنْ اعْتَكَفَ بِغَيْرِ مَا عَيَّنَهُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ فِي وَجْهٍ قَالَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُكَفِّرُ، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ فِي " الْمُقْنِعِ " وَالشَّارِحُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ " الْمُنْتَهَى " وَ " الْإِقْنَاعِ " وَأَمَّا إذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا يُجْزِئُهُ فِي غَيْرِهَا، لِفِعْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا، فَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَلَهُ شَدُّ الرَّحْلِ إلَيْهَا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ. (وَأَفْضَلُهَا) ، أَيْ: الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: (الْحَرَامُ) ، وَهُوَ: مَسْجِدُ مَكَّةَ، (ف) الْمَسْجِدُ (النَّبَوِيِّ، ف) الْمَسْجِدُ (الْأَقْصَى) ، وَهُوَ: مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد. وَلِأَحْمَدَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلُهُ. (فَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا، أَوْ) نَذَرَ (صَلَاةً فِي أَحَدِهَا) ، أَيْ: الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، (لَمْ يُجْزِئْهُ) اعْتِكَافٌ وَلَا صَلَاةٌ (فِي غَيْرِهِ) ، أَيْ: غَيْرُ مَا عَيَّنَهُ لِتَعَيُّنِهِ لِذَلِكَ، (إلَّا) أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلَهُ فِيهِ (أَفْضَلَ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ الَّذِي عَيَّنَهُ، فَيُجْزِئُهُ، فَمَنْ نَذَرَ فِي الْحَرَمِ، لَمْ يُجْزِئْهُ، فِي غَيْرِهِ، وَفِي الْأَقْصَى، أَجْزَأَهُ فِي الثَّلَاثَةِ، وَفِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، أَجُزْأَهُ فِيهِ، وَفِي الْحَرَمِ لَا الْأَقْصَى، لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْت إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْك مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: صَلِّ هَا هُنَا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: صَلِّ هَا هُنَا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: شَأْنُك إذَنْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَلَا يُكَفِّرُ) مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا أَوْ صَلَاةً فِي مَسْجِدٍ، ثُمَّ فَعَلَ مَا نَذَرَهُ فِي مَسْجِدٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، (لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، لِأَنَّهُ) عَدَلَ عَمَّا عَيَّنَهُ (لِغَرَضٍ) صَحِيحٍ (وَهُوَ الْأَفْضَلِيَّةُ) ، وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً (فِي سُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، فَإِنَّهُ (يُجْزِئُهُ فِعْلُ) الصَّلَاةِ (الْمَنْذُورَةِ فِي) سُورَةٍ (أَفْضَلَ مِنْهَا) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 (وَمَنْ نَذَرَ) اعْتِكَافًا وَنَحْوَهُ (زَمَنًا مُعَيَّنًا كَيَوْمٍ وَشَهْرٍ) مَثَلًا، (شَرَعَ) فِيهِ (قَبْلَ دُخُولِهِ) ، أَيْ: الْمُعَيَّنِ، فَيَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْعِشْرِينَ، لِأَنَّ أَوَّلَهُ غُرُوبُ الشَّمْسِ، كَحُلُولِ دُيُونٍ، وَوُقُوعِ عِتْقٍ، وَطَلَاقِ مُعَلَّقَةٍ بِهِ، (وَتَأَخَّرَ) عَنْ الْخُرُوجِ (حَتَّى يَنْقَضِيَ) ، بِأَنْ تَغْرُبَ شَمْسُ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ نَصًّا، لِيَسْتَوْفِيَ جَمِيعَهُ. (وَ) مَنْ نَذَرَ زَمَنًا مُعَيَّنًا صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا وَنَحْوَهُ، (تَابَعَ وُجُوبًا وَلَوْ أَطْلَقَ) فَلَمْ يُقَيِّدْ بِالتَّتَابُعِ لَا بِلَفْظِهِ وَلَا بِنِيَّتِهِ، (فَلَا يُفَرِّقُ يَوْمًا) نَذَرَ اعْتِكَافَهُ (بِسَاعَاتٍ) مِنْ أَيَّامٍ، لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّتَابُعُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَيَّدَهُ بِهِ. (وَ) لَا يُفَرِّقُ (شَهْرًا) نَذَرَ اعْتِكَافَهُ (بِأَيَّامٍ) مِنْ أَشْهُرٍ (إلَّا إنْ قَالَ) : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ (أَيَّامَ شَهْرٍ) ، فَإِنَّ لَهُ تَفْرِيقَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ أَشْهُرٍ، (وَ) مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَوْ يَعْتَكِفَ (عَدَدًا) مِنْ أَيَّامٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، (وَلَوْ) كَانَ الْعَدَدُ (ثَلَاثِينَ) يَوْمًا، (فَلَهُ) ، أَيْ: النَّاذِرُ (تَفْرِيقُهُ) ، أَيْ: الْعَدَدِ، لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَالْأَيَّامُ الْمُطْلَقَةُ تُوجَدُ بِدُونِ تَتَابُعٍ (مَا لَمْ يَنْوِ) فِي الْعَدَدِ (تَتَابُعًا، فَيَجِبُ) ، كَمَا لَوْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا، (وَلَا تَدْخُلُ لَيْلَةُ يَوْمَ نَذَرَ) اعْتِكَافَهُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ، قَالَ الْخَلِيلُ: الْيَوْمُ: اسْمٌ لِمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ، (ك) مَا لَا يَدْخُلُ (يَوْمٌ لَيْلَةً) نَذَرَ اعْتِكَافَهَا فِيهَا، لِأَنَّ الْيَوْمَ لَيْسَ مِنْ اللَّيْلَةِ، (لَكِنْ لَوْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ، أَوْ) أَثْنَاءَ (لَيْلَةٍ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَّ أَعْتَكِفَ يَوْمًا، أَوْ لَيْلَةً مِنْ الْآنِ أَوْ مِنْ وَقْتِهِ هَذَا، لَزِمَهُ) الِاعْتِكَاف (مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ) مِنْ الَّذِي يَلِيه، لِيَتَحَقَّقَ مُضِيُّ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَاللَّيْلُ يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَطْعًا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا. (وَمَنْ نَذَرَ) أَنْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ (يَوْمَيْنِ) فَأَكْثَرَ مُتَتَابِعَيْنِ، (أَوْ) نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ (لَيْلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ) ، كَثَلَاثٍ أَوْ عَشْرٍ (مُتَتَابِعَةٍ، لَزِمَهُ) اسْتِغْرَاقُ (مَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) ، نَصَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْيَوْمَ اسْمٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ، وَاللَّيْلُ اسْمٌ لِسَوَادِ اللَّيْلِ، وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ تَكْرَارُ الْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مَا تَخَلَّلَ لِلُزُومِ التَّتَابُعِ ضِمْنًا، وَهُوَ حَاصِلٌ بِمَا بَيْنَهَا خَاصَّةً، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَتَابِعَةً، لَمْ يَلْزَمْهُ مَا تَخَلَّلَهَا مِنْ ذَلِكَ، (وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ، فَقَدِمَ) فُلَانٌ (بِأَثْنَائِهِ) ، أَيْ: بِأَثْنَاءِ يَوْمٍ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَمْ يَكُنْ أُخْبِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَنَّهُ) ، أَيْ: فُلَانًا (يَقْدَمَ يَوْمُ كَذَا) ، إذْ لَوْ أُخْبِرَ أَنَّهُ يَقْدَمُ يَوْمَ كَذَا، لَلَزِمَهُ دُخُولُ مُعْتَكَفِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، لِيَصْدُقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ اعْتَكَفَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (اعْتَكَفَ الْبَاقِي) مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، (وَلَمْ يَقْضِ الْمَاضِي) مِنْ الْيَوْمِ قَبْلَ قُدُومِهِ، لِفَوَاتِهِ قَبْلَ شَرْطِ الْوُجُوبِ فَلَمْ يَجِبْ، (كَنَذْرِ اعْتِكَافٍ زَمَنٍ مَاضٍ) لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ، (وَإِنْ كَانَ لَهُ) ، أَيْ: النَّاذِرِ، (عُذْرٌ) مِنْ حَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ يَمْنَعُهُ الِاعْتِكَافَ، (حَالَ قُدُومِهِ) ، أَيْ: فُلَانٍ، (قَضَى وَكَفَّرَ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ، لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَيَقْضِي بَقِيَّةَ الْيَوْمِ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ فُلَانٌ فَقَطْ دُونَ مَا مَضَى مِنْهُ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ تَابِعٌ لِلْأَدَاءِ، (وَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ، لِأَنَّهُ إنَّمَا نَذَرَ يَوْمَ يَقْدَمُ لَا لَيْلَةَ يَقْدَمُ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، فَقَدِمَ لَيْلًا، يَحْنَثُ، لِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 الْيَوْمَ بِمَعْنَى الْوَقْتِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا الِاحْتِيَاطُ لِلْفُرُوجِ، قَالَهُ فِي حَاشِيَةِ " الْإِقْنَاعِ ". (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) ، أَيْ: وَلَا شَيْءَ عَلَى النَّاذِرِ: لَوْ جِيءَ بِفُلَانٍ (نَهَارًا مُكْرَهًا أَوْ) جِيءَ بِهِ (مَيِّتًا) ، إذْ هُوَ لَمْ يَجِئْ وَإِنَّمَا جِيءَ بِهِ، فَلَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ قُدُومٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ بِسَبَبِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ عَشَرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ مَثَلًا فَنَقَصَ) الْعَشَرُ، (أَجُزْأَهُ) صِيَامُ تِسْعَةٍ مِنْ آخِرِهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، و (لَا) يُجْزِئُهُ صِيَامُ هَذِهِ التِّسْعَةِ أَيَّامٍ (إنْ) كَانَ (نَذَرَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ) ، وَصَامَ تِسْعَةً، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشَّهْرَ نَاقِصٌ، (فَيَقْضِي يَوْمًا) وُجُوبًا، وَيُكَفِّرُ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ. (وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا، كَفَاهُ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ نَاقِصٌ) بِلَيَالِيِهِ، أَوْ ثَلَاثُونَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا، لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ نَاقِصًا كَانَ أَوْ تَامًّا، وَلِثَلَاثِينَ يَوْمًا، (وَمَنْ اعْتَكَفَ رَمَضَانَ أَوْ عَشَرَهُ) الْأَخِيرَ، (سُنَّ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي مُعْتَكَفِهِ) لِإِحْيَائِهَا، (وَيَخْرُجَ مِنْهُ لِلْمُصَلَّى) نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يُحِبُّونَ لِمَنْ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَغْدُوَ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْمَسْجِدِ. انْتَهَى. وَيَكُونُ فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 [فَصْلٌ خُرُوج الْمُعْتَكَف] (فَصْلٌ) (يَحْرُمُ خُرُوجٌ مِنْ) ، أَيْ: مُعْتَكَفٍ (لَزِمَهُ تَتَابُعٌ) ، لِأَنَّهُ قَيَّدَ نَذْرَهُ بِالتَّتَابُعِ أَوْ نِيَّةٍ لَهُ، أَوْ إتْيَانِهِ بِمَا يَقْتَضِيه كَشَهْرٍ (مُخْتَارًا ذَاكِرًا) لِاعْتِكَافِهِ، فَلَا يَحْرُمُ خُرُوجُهُ مُكْرَهًا بِلَا حَقٍّ أَوْ نَاسِيًا (إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، كَإِتْيَانِهِ بِمَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ، لِعَدَمِ) مَنْ يَأْتِيه بِهِ نَصًّا، (وَلَا يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ بِبَيْتِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا. يَأْكُلُ فِي (سُوقٍ) ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، لِإِبَاحَةِ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا نَقْصَ فِيهِ. (وَ) لَهُ الْخُرُوجُ (لِبَوْلٍ وَغَائِطٍ) إجْمَاعًا. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَوْ بَطَلَ الِاعْتِكَافُ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِمَا لَمْ يَصِحَّ لِأَحَدٍ اعْتِكَافٌ. (وَ) لَهُ الْخُرُوجُ ل (قَيْءٍ) بَغَتَهُ، (وَغَسْلِ مُتَنَجِّسٍ يَحْتَاجُهُ) ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، (وَ) لَهُ الْخُرُوجُ ل (طَهَارَةٍ وَاجِبَةٍ) كَوُضُوءٍ وَغُسْلٍ لِحَدَثٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْجُنُبَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اللَّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمُحْدِثُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِدُونِ وُضُوءٍ (وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ) ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْمُحْدِثِ، وَإِنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ، وَهِيَ كَوْنُهُ عَلَى وُضُوءٍ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ (مَعَ أَنَّهُ) ، أَيْ: فِعْلَ الطَّهَارَةِ، (يُبَاحُ بِمَسْجِدٍ، وَلَهُ) ، أَيْ: الْمُعْتَكِفِ (مِنْهُ) ، أَيْ: الْخُرُوجِ (بُدٌّ) ، أَيْ: مَنْدُوحَةٌ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ أَذِيَّةٍ بِهِمَا، فَإِنْ آذَى بِهِمَا الْمَسْجِدَ، حَرُمَ عَلَيْهِ. (وَلَهُ) ، أَيْ: الْمُعْتَكِفِ (الْمَشْيُ إذَا خَرَجَ) لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ (عَلَى عَادَتِهِ) ، فَلَا يَلْزَمُهُ مُخَالَفَتُهَا فِي سُرْعَةٍ، (وَ) لَهُ (قَصْدُ بَيْتِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَلِيقُ بِهِ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا مِنَّةٍ) ، كَسِقَايَةٍ لَا يَحْتَشِمُ مِثْلُهُ مِنْهَا، وَلَا نَقْصٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 عَلَيْهِ. (وَيَلْزَمُ قَصْدُ أَقْرَبِ مَنْزِلَيْهِ) لِدَفْعِ حَاجَتِهِ بِهِ، بِخِلَافِ مَنْ اعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَبْعَدِ مِنْهُ، لِعَدَمِ تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ دُخُولِهِ لِلِاعْتِكَافِ. و (لَا) يَلْزَمُهُ قَبُولُ (مَا) ، أَيْ: مَنْزِلٍ (بُذِلَ لَهُ) لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ بِهِ، (لِلْمِنَّةِ) وَالْمَشَقَّةِ بِتَرْكِ الْمُرُوءَةِ وَالِاحْتِشَامِ مِنْهُ. (وَ) لَهُ أَنْ (يَغْسِلَ يَدَهُ بِمَسْجِدٍ فِي إنَاءٍ مِنْ نَحْوِ وَسَخٍ وَزَفَرٍ وَ) قِيَامٍ مِنْ (نَوْمِ لَيْلٍ) ، وَيُفْرِغُ الْإِنَاءَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُصَلِّينَ بِهِ، وَلَا يَخْرُجُ لِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ مِنْهُ بُدًّا. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ مَا بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ (مِنْ نَجَاسَةٍ بِإِنَاءٍ فِيهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، (أَوْ فِي هَوَائِهِ) ، مُعْتَكِفًا كَانَ الْغَاسِلُ أَوْ لَا، (كَبَوْلٍ وَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لِذَلِكَ، فَوَجَبَ صِيَانَتُهُ عَنْهُ، وَهَوَاؤُهُ كَقَرَارِهِ. (وَإِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ لَهُمَا) ، أَيْ: لِلْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، (جَازَ خُرُوجُهُ) لِذَلِكَ، (ك) خُرُوجِهِ لِصَلَاةِ (جُمُعَةٍ وَشَهَادَةٍ) تَحَمُّلًا وَأَدَاءً (لَزِمَتَاهُ) ، لِوُجُوبِهَا بِأَصْلِ الشَّرْعِ، فَيَخْرُجُ لَهُمَا، (وَ) ك (مَرِيضٍ وَجِنَازَةٍ تَعَيَّنَ خُرُوجُهُ لَهَا) ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَإِنْ تَعَيَّنَتْ صَلَاةُ جِنَازَةٍ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، أَوْ دَفْنُ مَيِّتٍ أَوْ تَغْسِيلُهُ، فَكَشَهَادَةٍ مُتَعَيِّنَةٍ عَلَى مَا سَبَقَ، وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ مَرِيضٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَمْرِيضُهُ. (وَلَا يَلْزَمُهُ) إذَا خَرَجَ لِلْجُمُعَةِ (سُلُوكُ طَرِيقٍ أَقْرَبَ) ، بَلْ لَهُ سُلُوكُ الْأَبْعَدِ، (وَلَا) يَلْزَمُهُ (رُجُوعُهُ بَعْدَ) صَلَاةِ (جُمُعَةٍ فَوْرًا، بَلْ يُسَنُّ) رُجُوعُهُ إلَى مُعْتَكَفِهِ فَوْرًا لِيُتِمَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ، (ك) مَا يُسَنُّ (عَدَمُ تَبْكِيرٍ لَهَا) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ، اقْتِصَارًا عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، (وَلَهُ) ، أَيْ: الْمُعْتَكِفِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ نَذْرِ اعْتِكَافِهِ (شَرْطُ الْخُرُوجِ إلَى مَا لَا يَلْزَمُهُ) خُرُوجُهُ إلَيْهِ (مِنْ ذَلِكَ) ، أَيْ: الْجُمُعَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْمَرِيضِ وَالْجِنَازَةِ، (وَلِكُلِّ قِرْبَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنْ) عَلَيْهِ (كَزِيَارَةِ) صَدِيقٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ (وَغُسْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 مَيِّتٍ، أَوْ مَا لَهُ عَنْهُ غِنًى، وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ ك) شَرْطِ (عَشَاءٍ وَمَبِيتٍ بِمَنْزِلِهِ) ، لِأَنَّهُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ كَالْوَقْفِ، وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ نَذَرَ الزَّمَنَ الَّذِي أَقَامَهُ فَقَطْ، وَلِتَأَكُّدِ الْحَاجَةِ إلَى الْعَشَاءِ وَالْمَبِيتِ، وَامْتِنَاعِ النِّيَابَةِ فِيهَا. و (لَا) يَصِحُّ (شَرْطُ خُرُوجٍ لِتِجَارَةٍ أَوْ لِمَا شَاءَ، أَوْ) شَرْطُ (تَكَسُّبٍ فِيهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ (بِصَنْعَةٍ) ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي الِاعْتِكَافَ صُورَةً وَمَعْنًى، كَشَرْطِ تَرْكِ الْإِقَامَةِ بِالْمَسْجِدِ، وَكَالْوَقْفِ، لَا يَصِحُّ فِيهِ شَرْطُ مَا يُنَافِيه، (وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ) إذَا تَكَسَّبَ (بِهَا) ، أَيْ: صَنْعَتِهِ (فِيهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ قَبْلَ اعْتِكَافِهِ، (لِأَنَّهُ عَاصٍ) بِتَكَسُّبِهِ (فِيهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، (لَا) عَاصٍ (بِهِ) ، أَيْ: الِاعْتِكَافِ، قِيَاسًا لَهُ عَلَى مَسْحِ الْمُسَافِرِ وَقَصْرِهِ، (وَلِأَنَّهُ) ، أَيْ: التَّكَسُّبَ بِالصَّنْعَةِ (إنَّمَا يُنَافِي حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ) وَفِي التَّكَسُّبِ فِي الصِّنَاعَاتِ نَوْعُ انْتِهَاك، لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ إنَّمَا بُنِيَتْ لِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ وَالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ، وَنَحْوِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ، فَإِذَا اسْتَعْمَلَ الْمُعْتَكِفُ الْمَسْجِدَ فِي غَيْرِ مَا بُنِيَ لَهُ، مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي الِاعْتِكَافِ، لَمْ يَبْطُلْ، وَيَكُونُ آثِمًا عَاصِيًا فِيهِ، وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ، فَهُوَ عَاصٍ بِهِ، وَلَا اعْتِكَافَ لَهُ. (وَإِنَّ قَالَ: مَتَى مَرِضْت أَوْ عَرَضَ لِي عَارِضٌ خَرَجْت، جَازَ كَشَرْطِ إحْرَامٍ) فَيَسْتَفِيدُ جَوَازَ التَّحَلُّلِ إذَا حَدَثَ عَائِقٌ عَنْ الْمُضِيِّ. (وَيَتَّجِهُ: مِثْلُهُ) ، أَيْ: مِثْلُ شَرْطٍ فِي نَذْرِ اعْتِكَافٍ (خُرُوجٌ مِنْ صَلَاةٍ نَذَرَهَا) وَشَرْطُ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهَا، (إنْ عَرَضَ) لِي (عَارِضٌ) مِنْ فَوَاتِ رُفْقَةٍ، أَوْ تَخْلِيصِ مَعْصُومٍ مِنْ هَلَكَةٍ، أَوْ إطْفَاءِ حَرِيقٍ، خَرَجْتُ، فَلَهُ شَرْطُهُ، (أَوْ) شَرَطَ خُرُوجًا (مِنْ صَوْمٍ إنْ جَاعَ) جُوعًا مُفْرِطًا، فَلَهُ شَرْطُهُ اسْتِبْقَاءً لِنَفْسِهِ، (أَوْ) شَرَطَ إنْ (ضُيِّفَ) - بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 أَيْ: دُعِيَ إلَى ضِيَافَةٍ - وَعَلِمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا يَنَالُهُ مِنْ رَبِّهَا ضَرَرٌ، فَلَهُ شَرْطُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ (تَعَيُّنُ نَفِيرٍ) اُحْتِيجَ إلَيْهِ، (وَإِطْفَاءُ حَرِيقٍ وَإِنْقَاذُ نَحْوِ غَرِيقٍ) كَمَنْ تَحْتَ هَدْمٍ، (وَمَرَضٍ شَدِيدٍ) يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْمَقَامُ، كَالْقِيَامِ الْمُتَدَارَكِ، أَوْ لَا يُمْكِنُهُ الْمَقَامُ مَعَهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَى خِدْمَةٍ أَوْ فِرَاشٍ، (وَخَوْفٍ مِنْ فِتْنَةٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ مَالِهِ وَنَحْوِهِ) ، جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ، لِأَنَّهُ عُذِرَ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ فَهَاهُنَا أَوْلَى. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِمَرَضٍ خَفِيفٍ، كَصُدَاعٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ، وَوَجَعِ ضِرْسٍ، لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، (وَ) كَذَا (عِدَّةُ وَفَاةٍ) إذَا مَاتَ زَوْجُ مُعْتَكِفَةٍ، فَلَهَا الْخُرُوجُ لِتَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهَا، لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَكَوْنِهِ حَقَّ اللَّهِ، وَحَقَّ آدَمِيٍّ يَفُوتُ إذَا تُرِكَ لَا إلَى بَدَلٍ، بِخِلَافِ النَّذْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 (وَتُتَحَيَّضُ نَدْبًا) مُعْتَكِفَةٌ حَاضَتْ (بِخِبَاءٍ فِي رَحْبَتِهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ (غَيْرِ الْمَحُوطَةِ إنْ كَانَتْ) لَهُ رَحْبَةٌ (وَأَمْكَنَ) تَحَيُّضُهَا فِيهَا (بِلَا ضَرَرٍ) فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كُنَّ الْمُعْتَكِفَاتِ إذَا حِضْنَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِهِنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ وَأَنْ يَضْرِبْنَ الْأَخْبِيَةَ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَطْهُرْنَ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ. (إلَّا) يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ رَحْبَةٌ، أَوْ كَانَتْ، وَفِيهِ ضَرَرٌ، تَحَيَّضَتْ (بِبَيْتِهَا) ، لِأَنَّهُ أَوْلَى فِي حَقِّهَا إلَى أَنْ تَطْهُرَ فَتَعُودَ، وَتُتَمِّمَ اعْتِكَافَهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إلَّا الْقَضَاءُ أَيَّامَ حَيْضِهَا. (وَتَقْضِي أَيَّامَ نَحْوِ حَيْضِهَا) كَإِخْرَاجِهَا وَحَبْسِهَا لِحَقٍّ وَاجِبٍ. (وَكَحَيْضٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ (نِفَاسٌ) ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ (لَا اسْتِحَاضَةٌ) ، لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ الصَّلَاةَ (فَتَتَلَجَّمُ وَتَسْتَمِرُّ) ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، وَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا، وَهِيَ تُصَلِّي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَيَجِبُ) عَلَى مُعْتَكِفٍ (فِي) اعْتِكَافٍ (وَاجِبٍ) خَرَجَ لِعُذْرٍ يُبِيحُهُ (رُجُوعٌ) إلَى مُعْتَكَفِهِ (بِزَوَالِ عُذْرٍ) ، لِأَنَّهُ الْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ، (فَإِنْ أَخَّرَ) رُجُوعَهُ إلَى مُعْتَكَفِهِ (عَنْ وَقْتِ إمْكَانِهِ) ، أَيْ: إمْكَانِ الرُّجُوعِ، وَلَوْ يَسِيرًا (بِلَا عُذْرٍ، بَطَلَ) مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ، (وَلَا يَضُرُّ تَطَاوُلُ خُرُوجٍ مُعْتَادٍ، ك) خُرُوجٍ (لِحَاجَةِ بَوْلٍ) أَوْ غَائِطٍ، (وَطَهَارَةٍ) مِنْ حَدَثٍ (وَطَعَامٍ وَشَرَابٍ وَجُمُعَةٍ، ف) لَا يَنْقُصُ تَطَاوُلُهُ مُدَّةَ الِاعْتِكَافِ، و (لَا يَقْضِي مُدَّةَ خُرُوجِهِ) ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِلْمُعْتَادِ كَالْمُسْتَثْنَى لِكَوْنِهِ مُعْتَادًا، وَلَا كَفَّارَةَ، (ك) مَا لَا يَضُرُّ (يَسِيرُ) خُرُوجٍ لِعُذْرٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ، كَنَفِيرٍ وَشَهَادَةٍ وَاجِبَةٍ، وَخَوْفٍ مِنْ فِتْنَةٍ، وَمَرَضٍ وَقَيْءٍ بَغَتَهُ، وَغَسْلِ مُتَنَجِّسٍ يَحْتَاجُهُ، وَإِطْفَاءِ حَرِيقٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا يَقْضِي الْوَقْتَ الْفَائِتَ لِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، أَشْبَهَ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ، (لَا تَطَاوُلَهُ) ، أَيْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 الْخُرُوجَ، لِعُذْرٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ، (فَإِنْ تَطَاوَلَ) غَيْرُ الْمُعْتَادِ (عُرْفًا) ، فَإِنْ كَانَ (فِي تَطَوُّعٍ، خُيِّرَ بَيْنَ رُجُوعٍ وَعَدَمِهِ) ، لِعَدَمِ وُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ (وَ) إنْ كَانَ (فِي) اعْتِكَافٍ (وَاجِبٍ) ، فَإِنَّهُ (يَجِبُ رُجُوعُهُ لِمُعْتَكَفِهِ) لِأَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. (وَلَهُ) ، أَيْ: النَّاذِرِ (ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ) بِالِاسْتِقْرَاءِ: الْحَالُ الْأُولَى، أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (فَفِي نَذْرٍ مُتَتَابِعٍ) كَشَهْرٍ (غَيْرِ مُعَيَّنٍ) ، اعْتَكَفَ بَعْضَهُ، (ثُمَّ خَرَجَ لِعُذْرٍ) غَيْرِ مُعْتَادٍ، وَطَالَ خُرُوجُهُ، (يُخَيَّرُ بَيْنَ بِنَاءٍ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ، وَقَضَاءِ مَا فَاتَهُ، فَيَبْتَدِئُ الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ مِنْ أَوَّلِهِ، فَيَكُونُ مُتَتَابِعًا، (وَيُكَفِّرُ كَكَفَّارَةِ يَمِينٍ) ، لِأَنَّ النَّذْرَ حَلْفَةٌ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ عَلَى وَجْهِهِ، (وَبَيْنَ اسْتِئْنَافِ الِاعْتِكَافِ مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ، لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ) ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ أَتَى بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْبِقَهُ الِاعْتِكَافُ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ. وَأُشِيرَ إلَى الْحَالِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: (وَفِي نَذْرٍ مُعَيَّنٍ) كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي سَنَةِ كَذَا مَثَلًا، (يَقْضِي) مَا فَاتَهُ مِنْهُ زَمَنَ خُرُوجِهِ، (وَيُكَفِّرُ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ، (لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ) . وَأُشِيرَ إلَى الْحَالِ الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: (وَفِي نَذْرِ أَيَّامٍ مُطْلَقَةٍ كَخَمْسٍ) ، وَلَمْ يَقُلْ مُتَتَابِعَةٌ، وَلَمْ يَنْوِهِ، (يُتَمِّمُ) ، أَيْ: يُتَمِّمُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا (بِلَا كَفَّارَةٍ) ، لِأَنَّهُ أَتَى بِالنَّذْرِ عَلَى وَجْهِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَخْرُجْ، (لَكِنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ الْيَوْمِ) الَّذِي خَرَجَ فِيهِ، بَلْ يَسْتَأْنِفُ بَدَلَهُ يَوْمًا كَامِلًا لِئَلَّا يُفَرِّقَهُ. [فَصْلٌ خَرَجَ مُعْتَكِفٌ لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ] (فَصْلٌ) (وَإِنْ خَرَجَ) مُعْتَكِفٌ (لِمَا) ، أَيْ: أَمْرٍ (لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِمَّا مَرَّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 فَبَاعَ وَاشْتَرَى) وَلَمْ يُعَرِّجْ أَوْ يَقِفْ لِذَلِكَ، جَازَ، (أَوْ سَأَلَ عَنْ مَرِيضٍ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ) ، أَيْ: الْمَرِيضِ (وَلَمْ يُعَرِّجْ) ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: عَرَّجَ تَعْرِيجًا: مَيَّلَ وَأَقَامَ، وَحَبَسَ الْمَطِيَّةَ عَلَى الْمَنْزِلِ. (أَوْ يَقِفْ لِذَلِكَ) ، جَازَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَعَنْ عَائِشَةَ: «إنِّي كُنْت لَأَدْخُلُ الْبَيْتَ وَالْمَرِيضُ فِيهِ، فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ بِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ اللَّبْثِ الْمُسْتَحَقِّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ، أَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي مُرُورِهِ، (أَوْ) خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ثُمَّ (دَخَلَ مَسْجِدًا يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ بِهِ أَقْرَبَ لِمَحَلِّ حَاجَتِهِ مِنْ) الْمَسْجِدِ (الْأَوَّلِ) الَّذِي كَانَ فِيهِ، جَازَ، (أَوْ انْهَدَمَ مُعْتَكَفُهُ فَخَرَجَ) لِمَسْجِدٍ (غَيْرِهِ، جَازَ) ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْأَوَّلَ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِصَرِيحِ النَّذْرِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ بِشُرُوعِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ بِذَلِكَ لَبْثًا مُسْتَحَقًّا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ سُلْطَانٌ، فَخَرَجَ إلَى الْآخَرِ، وَأَتَمَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ، (وَإِنْ وَقَفَ) فِي طَرِيقِهِ، (أَوْ كَانَ) الْمَسْجِدُ الَّذِي دَخَلَهُ (أَبْعَدَ) مِنْ مَحَلِّ حَاجَتِهِ مِنْ الْأَوَّلِ، بَطَلَ، (أَوْ خَرَجَ لَهُ ابْتِدَاءً) بِلَا عُذْرٍ، بَطَلَ، (أَوْ تَلَاصَقَا) ، أَيْ: الْمَسْجِدَانِ، (وَمَشَى فِي انْتِقَالِهِ) بَيْنَهُمَا خَارِجًا عَنْهُمَا (بِلَا عُذْرٍ) ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِتَرْكِهِ لَبْثًا مُسْتَحَقًّا، فَإِنْ لَمْ يَمْشِ خَارِجًا عَنْهُمَا فِي انْتِقَالِهِ لِلثَّانِي، لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ. (أَوْ أَخْرَجَ) مُعْتَكَفٌ (لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ، وَأَمْكَنَهُ وَفَاؤُهُ) بِلَا خُرُوجٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِأَنَّ لَهُ بُدًّا مِنْ أَنْ لَا يَخْرُجَ (أَوْ سَكِرَ) مُعْتَكِفٌ. (وَيَتَّجِهُ) حَيْثُ كَانَ (آثِمًا) بِسُكْرِهِ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَلَوْ كَانَ سُكْرُهُ لَيْلًا، لِخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ، كَالْمَرْأَةِ تَحِيضُ، لَكِنَّ الْمَرْأَةَ مَعْذُورَةٌ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْذُورٍ، أَمَّا لَوْ شَرِبَ جَاهِلًا أَنَّهُ خَمْرٌ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الشُّرْبِ فَسَكِرَ، لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ، كَمَا لَوْ نَامَ وَيَبْنِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 بَعْدَ إفَاقَتِهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ ارْتَدَّ) مُعْتَكِفٌ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وَلِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ فَأَشْبَهَ رِدَّتَهُ فِي الصَّوْمِ. (أَوْ خَرَجَ) الْمُعْتَكِفُ (كُلُّهُ) لِمَا لَهُ، مِنْهُ بُدٌّ (بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ قَلَّ زَمَنُ خُرُوجِهِ) ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِتَرْكِهِ اللَّبْثَ بِلَا حَاجَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ طَالَ، فَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ جَسَدِهِ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ نَصًّا، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي رَأْسَهُ إلَيَّ فَأُرَجِّلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ نَوَاهُ) ، أَيْ: الْخُرُوجَ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ إنْ كَانَ) حِينَ فَعَلَهُ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ (ذَاكِرًا عَامِدًا مُخْتَارًا، أَوْ) كَانَ (مُكْرَهًا بِحَقٍّ) كَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ، فَأَخْرَجَ لِاسْتِيفَائِهِ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَوَاهُ، فِيهِ نَظَرٌ، وَتَأْبَاهُ الْقَوَاعِدُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي صَنِيعِهِمْ مُسَاعِدٌ، لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَبْطُلُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، بَلْ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، كَمَا إذَا نَوَى مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ فِيهَا، فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَنْوِيَ قَطْعَهَا. (وَلَزِمَ) مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا مَرَّ (اسْتِئْنَافُ اعْتِكَافٍ) عَلَى صِفَةِ مَا بَطَلَ (مُتَتَابِعٍ بِشَرْطِ) كُلِّهِ عَلَى إنْ اعْتَكَفَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً، أَوْ شَهْرًا (أَوْ) مُتَتَابِعًا ب (نِيَّةِ) ، كَأَنْ نَذَرَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَنَوَاهَا مُتَتَابِعَةً، ثُمَّ شَرَعَ، وَبَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَنْذُورِ عَلَى صِفَتِهِ، فَلَزِمَهُ كَحَالِ الِابْتِدَاءِ (وَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا نَذَرَهُ عَلَى صِفَتِهِ، (وَ) لَزِمَ (اسْتِئْنَافُ) نَذْرٍ (مُعَيَّنٍ قُيِّدَ بِتَتَابُعٍ) كُلُّهُ عَلَى إنْ اعْتَكَفَ شَهْرَ الْمُحَرَّمِ مُتَتَابِعًا (أَوْ لَا) ، أَيْ: لَمْ يُقَيِّدْ بِتَتَابُعٍ، كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 يَعْتَكِفَ الْمُحَرَّمَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لِدَلَالَتِهِ التَّعْيِينَ عَلَيْهِ، (وَيُكَفِّرُ) فِي الصُّورَتَيْنِ، لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، (وَيَكُونُ قَضَاءُ كُلٍّ) مِنْ التَّتَابُعِ بِشَرْطٍ أَوْ نِيَّةٍ، وَالْمُعَيَّنِ، (وَ) يَكُونُ (اسْتِئْنَافُهُ) ، أَيْ: كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاعْتِكَافِ الْمَقْضِيِّ وَالْمُسْتَأْنَفِ (عَلَى صِفَةِ أَدَائِهِ فِيمَا يُمْكِنُ) ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مَشْرُوطًا فِيهِ الصَّوْمُ أَوْ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَقْضِيَّ أَوْ الْمُسْتَأْنَفَ يَكُونُ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ، كَمَا لَوْ عَيَّنَ زَمَنًا وَمَضَى، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ رَمَضَانَ فَفَاتَهُ، لَزِمَهُ شَهْرٌ غَيْرُهُ بِلَا صَوْمٍ) ، لِأَنَّ الْفَائِتَ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي اعْتِكَافِهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، لِأَنَّ فِي هَذَا الزَّمَنِ فَضِيلَةً لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، فَلَا يُجْزِئُ الْقَضَاءُ فِي غَيْرِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ. (وَيَبْطُلُ اعْتِكَافٌ بِوَطْءِ) مُعْتَكِفٍ فِيهِ (وَلَوْ) وَطِئَ (نَاسِيًا) نَصًّا. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) وَطِئَ (مُكْرَهًا) إذْ الْمُكْرَهُ كَالنَّاسِي، وَأَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَفِي فَرْجٍ) ، لِمَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «إذَا جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَاسْتَأْنَفَ الِاعْتِكَافَ» وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ تَفْسُدُ بِالْوَطْءِ عَمْدًا فَكَذَلِكَ سَهْوًا كَالْحَجِّ، (أَوْ دُونَهُ) ، أَيْ: الْفَرْجِ (وَأَنْزَلَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ، كَاللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ، (ف) إنْ وَطِئَ مُعْتَكِفٌ (فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 نَفْلٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، فَلَمْ يَجِبْ بِإِفْسَادِهَا كَفَّارَةٌ كَالصَّوْمِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِإِيجَابِهَا، فَتَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ. (وَ) إنْ وَطِئَ (فِي نَذْرٍ، فَكَمَا مَرَّ) مُفَصَّلًا، (قَالَ الْمُنَقِّحُ: فَهُوَ كَمَا لَوْ أَفْسَدَهُ بِالْخُرُوجِ) ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا، (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) ، أَيْ: الْأَصْحَابِ: (لَا يَبْطُلُ) الِاعْتِكَافُ (بِإِنْزَالٍ بِنَحْوِ لَمْسٍ وَتَقْبِيلٍ) وَاسْتِمْنَاءٍ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ، وَلَا كَفَّارَةَ لِهَذَا الْإِنْزَالِ بَلْ لِإِفْسَادِ نَذْرِهِ. (وَجَازَ) لِلْمُعْتَكِفِ تَقْبِيلٌ و (مُبَاشَرَةٌ) دُونَ فَرْجٍ (بِغَيْرِ شَهْوَةٍ) كَغُسْلِ رَأْسِهِ، وَتَرْجِيلِ شَعْرِهِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ. (وَلَا يَبْطُلُ) الِاعْتِكَافُ (بِإِغْمَاءٍ) ، لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ لَهُ كَالنَّوْمِ وَأَوْلَى. (وَيَتَّجِهُ وَ) لَا يَبْطُلُ ب (جُنُونٍ) ، لِعَدَمِ اخْتِيَارِهِ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَا يَقْضِي) مُعْتَكِفٌ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ (زَمَنَ إغْمَاءِ) هـ إذْ هُوَ (كَنَائِمٍ) وَالنَّائِمُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (وَلَا) يَقْضِي (زَمَنَ جُنُونِهِ) أَيْضًا (لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ) إذَنْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ مَا يَسُنّ لِلْمُعْتَكِفِ] (فَصْلٌ) (سُنَّ لِمُعْتَكِفٍ تَرْكُ لُبْسِ رَفِيعِ ثِيَابٍ، وَتَلَذُّذٌ بِمُبَاحٍ لَهُ قَبْلَ اعْتِكَافِهِ وَعَدَمُ نَوْمٍ إلَّا عَنْ غَلَبَةِ) نُعَاسٍ وَلَوْ مَعَ قُرْبِ الْمَاءِ، وَلَا يَنَامُ مُضْطَجِعًا بَلْ (مُتَرَبِّعًا أَوْ مُسْتَنِدًا) . وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 (وَيَتَّجِهُ: وَ) سُنَّ (قَوْلُهُ إنْ شُتِمَ: إنِّي مُعْتَكِفٌ) قِيَاسًا لَهُ عَلَى الصَّوْمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) سُنَّ لَهُ (تَشَاغُلٌ) بِفِعْلِ الْقُرَبِ، أَيْ: كُلِّ (مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ) إلَى اللَّهِ تَعَالَى (كَصَلَاةٍ وَذِكْرٍ) وَتِلَاوَةِ قُرْآنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَ) سُنَّ لَهُ (اجْتِنَابُ مَا لَا يَعْنِيه) - بِفَتْحٍ أَوَّلِهِ، أَيْ: يَهُمُّهُ - (كَجِدَالٍ وَمِرَاءٍ وَكَثْرَةِ كَلَامٍ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» . (وَكُرِهَ ذَلِكَ لِمُعْتَكِفٍ وَغَيْرِهِ) . رَوَى الْخَلَّالُ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ فُضُولَ الْكَلَامِ، وَكَانُوا يَعُدُّونَ فُضُولَ الْكَلَامِ مَا عَدَا كِتَابَ اللَّهِ أَنْ تَقْرَأَهُ، أَوْ أَمْرٌ بِمَعْرُوفِ، أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ تَنْطِقُ فِي مَعِيشَتِك بِمَا لَا بُدَّ لَك مِنْهُ. وَالْجَدَلُ: مُقَابَلَةُ الْحُجَّةِ بِالْحُجَّةِ، وَالْمُجَادَلَةُ الْمُنَاظَرَةُ، وَالْمُخَاصَمَةُ، وَالْمِرَاءُ: هُوَ الْجِدَالُ، فَهُمَا مُتَرَادِفَانِ، وَفِي الْحَدِيثِ «مَا أُوتِيَ قَوْمٌ الْجَدَلَ إلَّا ضَلُّوا» وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ لِيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ» . (وَلَا يُسَنُّ لَهُ) ، أَيْ: الْمُعْتَكِفِ (إقْرَاءُ قُرْآنٍ، وَ) تَدْرِيسُ (عِلْمٍ، وَمُنَاظَرَةٌ فِيهِ) ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ، فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِ الْعِبَادَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ، وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا الْمَسْجِدُ، فَلَمْ يُسْتَحَبَّ فِيهَا ذَلِكَ كَالطَّوَافِ، (فَإِنْ فَعَلَ) الِاعْتِكَافَ مَعَ إقْرَاءِ الْقُرْآنِ، وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ، وَمُنَاظَرَةِ الْفُقَهَاءِ بِلَا مُبَاهَاةٍ، (فَلَا بَأْسَ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الِاعْتِكَافِ لِتَعَدِّي نَفْعِهِ، وَكُرِهَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 أَنْ يَتَطَيَّبَ) الْمُعْتَكِفُ، لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ مَكَانًا فَكَانَ تَرْكُ التَّطَيُّبِ فِيهَا مَشْرُوعًا كَالْحَجِّ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَطَيَّبَ. (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَظَّفَ، وَ) لَا (أَنْ تَزُورَهُ) فِي الْمَسْجِدِ (نَحْوُ زَوْجَتِهِ) كَأَمَتِهِ (وَتَتَحَدَّثُ مَعَهُ، وَتُصْلِحُ نَحْوَ شَعْرِهِ مَا لَمْ يَلْتَذَّ) بِشَيْءٍ مِنْهَا، (وَ) لَهُ أَنْ (يَتَحَدَّثَ مَعَ مَنْ يَأْتِيه لَا كَثِيرًا) «لِأَنَّ صَفِيَّةَ زَارَتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَحَدَّثَ مَعَهَا» ، «وَرَجَّلَتْ عَائِشَةُ رَأْسَهُ» ، (وَ) لَهُ أَنْ (يَأْمُرَ بِمَا يُرِيدُ خَفِيفًا) بِحَيْثُ لَا يَشْغَلُهُ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ: " أَيُّمَا رَجُلٍ اعْتَكَفَ فَلَا يُسَابُّ، وَلَا يَرْفُثُ، وَيَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالْحَاجَةِ - أَيْ: وَهُوَ يَمْشِي - وَلَا يَجْلِسْ عِنْدَهُمْ " رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَ) لَا بَأْسَ أَنْ (يَتَزَوَّجَ بِالْمَسْجِدِ، وَيَشْهَدَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ) ، لِأَنَّهُ طَاعَةٌ، وَحُضُورُهُ قُرْبَةٍ، وَمُدَّتُهُ لَا تَتَطَاوَلُ، فَهُوَ كَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَرَدِّ السَّلَامِ. (وَ) لَهُ أَنْ (يُصْلِحَ) بَيْنَ النَّاسِ (وَيَعُودَ) الْمَرِيضَ، وَيُصَلِّي عَلَى الْجَنَائِزِ، (وَيُهَنِّئَ وَيُعَزِّيَ، وَيُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ بِهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيه. (وَيُكْرَهُ صَمْتُهُ عَنْ الْكَلَامِ إلَى اللَّيْلِ) ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. (وَإِنْ نَذَرَهُ) ، أَيْ: الصَّمْتَ، (لَمْ يَفِ بِهِ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ: حَفِظْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ، إذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْسِ، وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَأَنْ يَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرُوهُ فَلْيَسْتَظِلَّ وَيَتَكَلَّمْ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد. و" دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ، يُقَالُ لَهَا: زَيْنَبُ، فَرَآهَا لَا تَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: مَا لَهَا لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالُوا: حَجَّتْ مُصْمَتَةً، فَقَالَ لَهَا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 تَكَلَّمِي، فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَكَلَّمَتْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. و (قَالَ الشَّيْخَانِ) الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ: (ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ: تَحْرِيمُهُ) ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي ". (وَيَتَّجِهُ) : تَحْرِيمُ الصَّمْتِ: (إنْ اعْتَقَدَهُ قُرْبَةً) ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَالتَّحْقِيقُ فِي الصَّمْتِ أَنَّهُ إنْ طَالَ حَتَّى تَضَمَّنَ تَرْكَ الْكَلَامِ الْوَاجِبِ، صَارَ حَرَامًا، كَمَا قَالَ الصِّدِّيقُ، وَكَذَا إنْ تَعَبَّدَ بِالصَّمْتِ عَنْ الْكَلَامِ الْمُسْتَحَبِّ، وَالْكَلَامُ الْمُحَرَّمُ يَجِبُ الصَّمْتُ عَنْهُ، وَفُضُولُ الْكَلَامِ يَنْبَغِي الصَّمْتُ عَنْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَيْسَ هُوَ) ، أَيْ: الصَّمْتُ، (مِنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ) ، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ. وَتَقَدَّمَ، (وَ) لَا يُعَارِضُهُ (حَدِيثُ) أَبِي بَكْرٍ الْمُتَقَدِّمِ، حَدِيثُ: «مَنْ صَمَتَ نَجَا» ) ، لِأَنَّ هَذَا (مَحْمُولٌ عَلَى الصَّمْتِ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114] (وَمَرَّ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ تَحْرِيمُ جَعْلِ الْقُرْآنِ بَدَلًا مِنْ الْكَلَامِ) مُسْتَوْفًى فَرَاجِعْهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ قَرَأَ عِنْدَ الْحُكْمِ الَّذِي أُنْزِلَ لَهُ، أَوْ قَرَأَ مَا يُنَاسِبُهُ، فَحَسَنٌ، كَقَوْلِهِ لِمَنْ دَعَاهُ لِذَنْبٍ تَابَ عَنْهُ: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور: 16] وَقَوْلِهِ عِنْدَمَا أَهَمَّهُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] . و (يَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ مُدَّةَ لَبْثِهِ فِيهِ) لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ صَائِمًا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمِنْهَاجِ " وَمَعْنَاهُ فِي " الْغُنْيَةِ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ] (فَصْلٌ) فِي أَحْكَامِ (الْمَسَاجِدِ) (بِنَاؤُهَا) ، أَيْ: الْمَسَاجِدِ (بِقُرَى وَاجِبٌ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ) ، قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهَا: الْجُسُورُ وَالْقَنَاطِرُ، وَأَرَاهُ ذَكَرَ الْمَصَانِعَ وَالْمَسَاجِدَ انْتَهَى. وَبِنَاءُ الْمَسَاجِدِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَفِي الْحَثِّ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَمُرَاعَاةِ مَصَالِحِهَا آثَارٌ كَثِيرَةٌ، وَأَحَادِيثُ بَعْضُهَا صَحِيحٌ، وَيُسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَتَنْظِيفُهَا وَتَطْيِيبُهَا، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَهِيَ) ، أَيْ: الْمَسَاجِدُ (أَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ) تَعَالَى، (وَعَكْسُهَا الْأَسْوَاقُ) ، وَأَبْغَضُ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ الْأَسْوَاقُ، وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ، بَنَى لَهُ اللَّهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا - قَالَ بُكَيْر: حَسِبْت أَنَّهُ قَالَ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ -، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَسُنَّ مُرَاعَاةُ أَبْنِيَتِهَا) بِإِصْلَاحِهَا وَتَرْمِيمِهَا لِلْأَخْبَارِ. (وَ) سُنَّ (صَوْنُهَا عَنْ كُلِّ قَذَرٍ كَمُخَاطٍ) وَوَسَخٍ، وَقَذَاةِ عَيْنٍ، وَقُلَامَةِ أَظْفَارٍ، وَقَصِّ شَارِبٍ، وَحَلْقِ رَأْسٍ، وَنَتْفِ إبِطٍ. (وَ) سُنَّ صَوْنُهُ أَيْضًا عَنْ (تَلْوِيثٍ بِطَاهِرٍ) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَخْرَجَ أَذًى مِنْ الْمَسْجِدِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِذَلِكَ. (مَا لَمْ يُؤْذِ الْمُصَلِّينَ، فَيَحْرُمُ) عَلَيْهِ ذَلِكَ، (وَعَلَى مَنْ لَوَّثَهُ تَنْظِيفُهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ وُجُوبًا. (وَ) يُسَنُّ أَيْضًا أَنْ يُصَانَ (عَنْ) ذِي (رَائِحَةٍ) كَرِيهَةٍ مِنْ (نَحْوِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 بَصَلٍ) كَثُومٍ وَفُجْلٍ وَكُرَّاثٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ النَّاسُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَفِي رِوَايَةٍ: " فَلَا يَقْرَبْنَا فِي مَسَاجِدِنَا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (فَإِنْ دَخَلَهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدَ (آكِلُهُ) ، أَيْ: آكِلُ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، (أَوْ) دَخَلَهُ (مَنْ لَهُ صُنَانٌ أَوْ بَخْرٌ قَوِيٌّ، أُخْرِجَ) ، أَيْ: اُسْتُحِبَّ إخْرَاجُهُ. (وَتَقَدَّمَ) فِي زَكَاةِ الْأَثْمَانِ (تَحْرِيمُ زَخْرَفَتِهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ (بِنَقْدٍ) ، فَلْيُرَاجَعْ. (وَتُكْرَهُ) زَخْرَفَتُهُ (بِنَقْشٍ وَصَبْغٍ وَكِتَابَةٍ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يُلْهِي الْمُصَلِّيَ) عَنْ صَلَاتِهِ غَالِبًا، (وَإِنْ كَانَ) فَعَلَ ذَلِكَ (مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، حَرُمَ) فِعْلُهُ، (وَوَجَبَ الضَّمَانُ) لِجِهَةِ الْوَقْفِ، لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ، (وَلَا بَأْسَ بِتَجْصِيصِهِ وَتَبْيِيضِ حِيطَانِهِ) ، قَالَهُ فِي " الْغُنْيَةِ " وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ الْحَارِثِيُّ، (وَلَمْ يَرَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا) قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْمَسَاجِدِ وَزَخْرَفَتُهَا، لِمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا سَاءَ عَمَلُ قَوْمٍ قَطُّ إلَّا زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أُمِرْت بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَعَلَيْهِ، يَحْرُمُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، وَيَجِبُ الضَّمَانُ لَا عَلَى الْأَوَّلِ. (وَيُصَانُ) الْمَسْجِدُ (عَنْ تَعْلِيقِ نَحْوِ مُصْحَفٍ بِقِبْلَةٍ) دُونَ وَضْعِهِ بِالْأَرْضِ، قَالَ أَحْمَدُ: يُكْرَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يُكْرَهْ أَنْ يُوضَعَ فِي الْمَسْجِدِ الْمُصْحَفُ وَنَحْوُهُ. (وَحَرُمَ فِيهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ (بَيْعٌ وَشِرَاءُ، وَلَا يَصِحَّانِ) ، أَيْ: الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ، اُحْتِيجَ إلَيْهِ أَوْ لَا، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ، وَعَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسَاجِدِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. وَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْقَصِيرَ رَجُلًا يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا هَذَا إنَّ هَذَا سُوقُ الْآخِرَةِ، فَإِنْ أَرَدْت الْبَيْعَ فَاخْرُجْ إلَى سُوقِ الدُّنْيَا. (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُصُولِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَالشَّارِحُ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: يُكْرَهُ وَيَصِحُّ، وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْبَيْعَ هُنَا لِلْحَاجَةِ (وَالْإِجَارَةَ كَبَيْعٍ) ، لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهُ. (وَسُنَّ قَوْلُ) مَنْ رَأَى إنْسَانًا يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي فِي الْمَسْجِدِ: (لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك) رَدْعًا لَهُ، (وَتَقَدَّمَ آخِرَ الْغُسْلِ مَنْعُ نَحْوِ سَكْرَانَ) كَمَجْنُونٍ (مِنْهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، صِيَانَةً لَهُ، (وَتَحْرِيمُ تَكَسُّبٍ بِصَنْعَةٍ فِيهِ) كَخِيَاطَةٍ وَغَيْرِهَا، لِحَاجَةٍ وَغَيْرِهَا، سَوَاءٌ كَانَ الصَّانِعُ يَرْعَى الْمَسْجِدَ بِكَنْسٍ وَرَشٍّ وَنَحْوِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التِّجَارَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَا يَبْطُلُ بِهِنَّ الِاعْتِكَافُ، كَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي لَا تُخْرِجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ، (وَلَا بَأْسَ ب) عَمَلٍ (يَسِيرٍ) فِي الْمَسْجِدِ (لِغَيْرِ تَكَسُّبٍ، كَرَفْعِ ثَوْبِهِ) وَخَصْفِ نَعْلِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَعَاشِ. (وَقُعُودُ صَانِعٍ فِيهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، (لِيَنْظُرَ مَنْ يَكْرِيه) بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْبَضَائِعِ فِيهِ يَنْتَظِرُ مَنْ يَشْتَرِيهَا، وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعٌ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ، كَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ. (وَإِنْ وَقَفَ) صَانِعٌ وَغَيْرُهُ (خَارِجَ بَابِهِ) يَنْتَظِرُ مَنْ يَكْرِيه، (فَلَا بَأْسَ) ، لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ. (قَالَ) (الْإِمَامُ أَحْمَدُ) فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: (لَا أَرَى لِرَجُلٍ) ، أَيْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 شَخْصٍ (دَخَلَ الْمَسْجِدَ إلَّا أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ الذِّكْرَ وَالتَّسْبِيحَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ إنَّمَا بُنِيَتْ لِذَلِكَ وَلِلصَّلَاةِ) ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ، خَرَجَ إلَى مَعَاشِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] (وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَتَأَدَّبُوا بِآدَابِ الْعِلْمِ) ، وَلَمْ يَعْصِمْهُمْ مِنْ الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ إلَّا الْعَجْزُ عَنْهُ: (وَهَلْ هَذِهِ إلَّا أَفْعَالُ الْأَجْنَادِ، يَصُولُونَ فِي دَوْلَتِهِمْ، وَيَلْزَمُونَ الْمَسَاجِدَ فِي بَطَالَتِهِمْ،،) وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. (وَيَجُوزُ تَعْلِيمُ كِتَابَةٍ لِصِبْيَانٍ) فِي الْمَسْجِدِ بِالْأُجْرَةِ، قَالَهُ فِي " الْآدَابِ الْكُبْرَى " بِشَرْطِ أَنْ (لَا يَحْصُلَ مِنْهُمْ ضَرَرٌ فِيهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، كَتَلْوِيثِهِ بِحِبْرٍ وَنَحْوِهِ. (وَسُنَّ صَوْنُهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، (عَنْ) صَغِيرٍ (غَيْرِ مُمَيِّزٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ) وَلَا فَائِدَةٍ. وَصَوْنُهُ (عَنْ لَغَطٍ وَخُصُومَةٍ، وَكَثْرَةِ حَدِيثٍ) لَغْوٍ، (وَرَفْعِ صَوْتٍ بِمَكْرُوهٍ وَ) صَوْنُهُ (عَنْ اتِّخَاذُهُ طَرِيقًا بِلَا حَاجَةٍ، وَكَوْنِهِ) ، أَيْ: الِاتِّخَاذُ طَرِيقًا (أَقْرَبَ) إلَى غَرَضِهِ (حَاجَةً) ، فَلَا كَرَاهَةَ إذَنْ. (وَكُرِهَ رَفْعُ صَوْتٍ فِيهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، (وِفَاقًا) لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، (بِغَيْرِ عِلْمٍ) شَرْعِيٍّ وَوَسَائِلِهِ، إذْ لِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ (وَنَحْوِهِ) كَذِكْرٍ مَشْرُوعٍ، (خِلَافًا لِ) الْإِمَامِ (مَالِكٍ) فِي كَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ، (وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ) ، أَيْ: رَفْعِ الصَّوْتِ. (وَ) سُنَّ أَنْ (يُصَانَ) الْمَسْجِدُ عَنْ رَفْعِ الصِّبْيَانِ أَصْوَاتَهُمْ بِاللَّعِبِ، و (عَنْ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ مِنْ غِنَاءٍ وَتَصْفِيقٍ، وَضَرْبٍ بِدُفٍّ، وَإِنْشَادِ شِعْرٍ مُحَرَّمٍ، وَعَمَلِ سَمَاعٍ، وَإِنْشَادِ ضَالَّةٍ) ، أَيْ: تَعْرِيفُهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 (وَنِشْدَانُهَا) ، أَيْ: طَلَبُهَا، (وَسُنَّ لِسَامِعِهِ) ، أَيْ: سَامِعِ نِشْدَانِ الضَّالَّةِ، (قَوْلُ: لَا وَجَدْتهَا، وَلَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك، إنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا» . (وَ) أَنْ يُصَانَ (عَنْ إقَامَةِ حَدٍّ) ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى "، (وَسَلِّ سَيْفٍ) ، وَنَحْوِهِ مِنْ السِّلَاحِ احْتِرَامًا لَهُ. (وَيُمْنَعُ فِيهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ (اخْتِلَاطُ رِجَالٍ بِنِسَاءٍ) لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ، (وَ) يُمْنَعُ فِيهِ (إيذَاءُ مُصَلِّينَ وَغَيْرِهِمْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) ، لِحَدِيثِ «مَا أَنْصَفَ الْقَارِئُ الْمُصَلِّيَ» وَحَدِيثِ «أَلَّا كُلُّكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ» . (وَ) يُمْنَعُ فِيهِ (مُنَاظَرَةٌ بِعِلْمٍ لِمُغَالَبَةٍ وَمُنَافَرَةٍ) ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا بَأْسَ بِالْمُنَاظَرَةِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْمَسَاجِدِ إذَا كَانَ الْقَصْدُ طَلَبَ الْحَقِّ، فَإِنْ كَانَ مُغَالَبَةً وَمُنَافَرَةً، دَخَلَ فِي حَيِّزِ الْمُلَاحَاةِ وَالْجِدَالِ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَلَمْ يَجُزْ فِي الْمَسَاجِدِ انْتَهَى. (وَيُبَاحُ بِهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ (عَقْدُ نِكَاحٍ) بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، (وَقَضَاءٌ وَحُكْمٌ وَلِعَانٌ) ، لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَفِيهِ: «قَالَ: فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَإِنْشَادُ شِعْرٍ مُبَاحٍ) ، لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَصْحَابُهُ يَتَذَاكَرُونَ الشِّعْرَ وَأَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَ) يُبَاحُ (إدْخَالُ نَحْوِ بَعِيرٍ فِيهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَنَوْمٌ بِهِ لِمُعْتَكِفٍ وَغَيْرِهِ) ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا مُضْطَجِعًا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى بَطْنِهِ، فَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 إنَّ هَذِهِ ضَجْعَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، حَدِيثٌ صَحِيحٌ، فَأَنْكَرَ الضَّجْعَةَ، وَلَمْ يُنْكِرْ نَوْمَهُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَكَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ يَنَامُونَ فِي الْمَسْجِدِ. (وَ) يُبَاحُ (مَبِيتُ ضَيْفٍ وَمَرِيضٍ وَ) تُبَاحُ (قَيْلُولَةٌ) فِيهِ لِمُجْتَازٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَأَمَّا مَا يُسْتَدَامُ مِنْ النَّوْمِ كَنَوْمِ الْمُقِيمِ، فَعَنْ أَحْمَدَ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَإِنْ نَامَ قُدَّامَ الْمُصَلِّينَ، فَلَهُمْ إقَامَتُهُ، لِكَرَاهَةِ الِاسْتِقْبَالِ. (وَكُرِهَ تَطْيِينُهُ وَبِنَاؤُهُ بِنَجِسٍ) مِنْ لَبِنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقِيَاسُهُ تَجْصِيصُهُ بِجِصٍّ نَجِسٍ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: وَالتَّحْرِيمُ فِي الْكُلِّ أَظْهَرُ. (وَ) كُرِهَ (خَوْضٌ وَفُضُولٌ) مِنْ كَلَامٍ، (وَحَدِيثٍ فِيهِ بِأَمْرِ دُنْيَا وَارْتِفَاقٌ بِهِ) ، أَيْ: بِالْمَسْجِدِ، (وَإِخْرَاجُ حَصَاهُ وَتُرَابِهِ لِتَبَرُّكٍ) بِهِ وَغَيْرِهِ. (وَلَا تُسْتَعْمَلُ حُصْرُهُ وَقَنَادِيلُهُ) ، وَسَائِرُ مَا وُقِفَ لِمَصَالِحِهِ (فِي نَحْوِ عُرْسٍ وَتَعْزِيَةٍ) وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهَا لَمْ تُوقَفْ لِذَلِكَ. وَيَجِبُ صَرْفُ الْوَقْفِ لِلْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ. (وَحَرُمَ حَفْرُ بِئْرٍ) فِي الْمَسْجِدِ نَصًّا (وَ) حَرُمَ (غَرْسُ شَجَرٍ بِهِ) ، وَيُقْلَعُ مَا غُرِسَ فِيهِ وَلَوْ بَعْدَ إيقَافِهِ، (و) حَرُمَ (جِمَاعٌ فِيهِ) وَالتَّمَسُّحُ بِحَائِطِهِ، وَالْبَوْلُ عَلَيْهِ، قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ لِمَنْ بَالَ أَنْ يَمْسَحَ ذَكَرَهُ بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَالْمُرَادُ بِهِ: الْحَظْرُ، (خِلَافًا ل) صَاحِبِ (الرِّعَايَةِ ") حَيْثُ جَوَّزَ الْوَطْءَ فِيهِ وَعَلَى سَطْحِهِ. (وَ) حَرُمَ (جِمَاعٌ عَلَيْهِ) ، أَيْ: فَوْقَهُ (خِلَافًا لِابْنِ تَمِيمٍ) حَيْثُ قَالَ بِكَرَاهَةِ الْوَطْءِ فَوْقَ الْمَسْجِدِ. (وَ) حَرُمَ (بَوْلٌ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا غَسْلُ نَجَاسَةِ بِهِ أَوْ بِهَوَائِهِ) فَلْيُرَاجَعْ. وَإِنْ بَالَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَجَسَدُهُ فِيهِ دُونَ ذَكَرِهِ، كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ. (وَيُبَاحُ غَلْقُ أَبْوَابِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ صَوْنًا لَهُ) عَمَّا يُقْذِرُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 (وَ) يُبَاحُ (قَتْلُ قُمَّلٍ وَبَرَاغِيثَ بِهِ، وَلَا يَحْرُمُ إلْقَاؤُهُ فِيهِ لِطَهَارَتِهِ، خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ حَرَّمَ إلْقَاءَهُ فِيهِ. (وَكَلَامُهُ) ، أَيْ: صَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " (هُنَا) ، أَيْ: فِي هَذَا الْفَصْلِ، (فِي كَثِيرِ مَسَائِلَ غَيْرُ مُحَرَّرٍ) ، كَقَوْلِهِ: وَيُمْنَعُ نَجِسُ الْبَدَنِ مِنْ اللُّبْسِ فِيهِ - أَيْ: الْمَسْجِدِ - مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ إلَّا إذَا كَانَتْ نَجَاسَتُهُ تَتَعَدَّى. وَقَوْلُهُ: وَيُسَنُّ صَوْنُهُ عَنْ إنْشَادِ شِعْرٍ مُحَرَّمٍ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ، وَقَوْلُهُ: عَنْ إقَامَةِ حَدٍّ، يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قِصَّةِ مَاعِزٍ، حَيْثُ أَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ الْحَدَّ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَوْلُهُ: لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ، وَعَلَيْهِ، مَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ، مَعَ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ أَحْمَدُ: حُكْمُ الْمَسَاجِدِ الَّتِي بُنِيَتْ فِي الطَّرِيقِ أَنْ تُهْدَمَ. (وَأَكْثَرُهُ) ، أَيْ: كَلَامِهِ هُنَا (ضَعِيفٌ مُكَرَّرٌ) ، كَقَوْلِهِ: وَيُبَاحُ فِيهِ عَقْدُ النِّكَاحِ، مَعَ أَنَّهُ قُدِّمَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَشْهَدَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، وَقَوْلِهِ: فَلَا يُلَوِّثُ حُصْرَهُ، مَعَ أَنَّهُ قُدِّمَ: وَأَنْ يَأْكُلَ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَضَعَ سُفْرَةً يَسْقُطُ عَلَيْهَا مَا يَقَعُ، لِئَلَّا يُلَوَّثَ الْمَسْجِدُ وَغَيْرُهَا، وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَأَكْثَرُهُ. . . إلَى آخِرِهِ، نَظَرٌ، إذْ بَعْضُهُ ضَعِيفٌ مُكَرَّرٌ، لَا أَكْثَرُهُ، كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ تَتَبَّعَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 (وَيُخْرَجُ مِنْهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ (مُعَبِّرٌ) لِلرُّؤْيَا، و (لَا) يُخْرَجُ مِنْهُ (قَاصٌّ) يَعِظُ النَّاسَ، (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي قَاصٌّ إذَا كَانَ صَدُوقًا) يَذْكُرُ أَخْبَارَ الْأَوَائِلِ عَلَى وَجْهِهَا، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِبَارِ، (مَا أَحْوَجَ النَّاسُ إلَيْهِ) ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ وَعْظُهُ عَارِيًّا عَنْ شَائِبَةِ الرِّيَاءِ، وَاسْتِجْلَابِ حُطَامِ الدُّنْيَا، قَاصِدًا بِذَلِكَ نُصْحَ إخْوَانِهِ، مُخْلِصًا لِلَّهِ فِي سِرِّهِ وَإِعْلَانِهِ، مُتَّعِظًا بِمَا يُلْقِيه مِنْ النَّصَائِحِ، قَامِعًا نَفْسَهُ عَنْ ارْتِكَابِ الْقَبَائِحِ، فَحِينَئِذٍ يَنْشَأُ وَعْظُهُ عَنْ نَفْسٍ زَكِيَّةٍ، فَيُؤَثِّرُ فِي النُّفُوسِ الْجَمُوحَةِ الْأَبِيَّةِ. (وَقَالَ) الْإِمَامُ أَيْضًا: (مَا أَنْفَعَهُمْ) ، أَيْ: الْقُصَّاصَ فِي الْجُمْلَةِ، (وَإِنْ كَانَ عَامَّةً) ، أَيْ: غَالِبُ (حَدِيثُهُمْ كَذِبًا) ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَخْبَارٍ إسْرَائِيلِيَّةٍ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَخْلُو عَنْ مُبَالَغَاتٍ غَيْرِ وَارِدَةٍ. (وَقَالَ) أَيْضًا: (يُعْجِبُنِي الْقَصَّاصُ، لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْمِيزَانَ وَعَذَابَ الْقَبْرِ) ، وَمَا يَكُونُ فِي الْبَرْزَخِ، (وَذَكَرَ) الْإِمَامُ (أَلْفَاظًا كَثِيرَةً) تَدُلُّ عَلَى الْحَثِّ عَلَى الْوَعْظِ، وَحُسْنُ حَالِ الْوُعَّاظِ، لِمَا قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى وَعْظِهِمْ مِنْ الْفَوَائِدِ. (وَسُنَّ كَنْسُهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ (يَوْمَ الْخَمِيسِ) ، وَإِخْرَاجُ كُنَاسَةٍ مِنْهُ، (وَتَنْظِيفُهُ) فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ، (وَتَطْيِيبُهُ) فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ. (وَ) سُنَّ (ضَوْءُ قَنَادِيلِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ) بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فَقَطْ، لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ، مَوْلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ - وَكَانَتْ الْبِلَادُ إذْ ذَاكَ خَرَبًا - قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ، فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَكَثْرَةُ إيقَادِهَا زِيَادَةً عَلَى الْحَاجَةِ مَمْنُوعٌ) ، لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ، (فَمَنْ زَادَ عَلَيْهَا) ، أَيْ: الْحَاجَةِ، (ك) مَا لَوْ زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ فِي (لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ، أَوْ) لَيْلَةِ (خَتْمٍ) فِي أَوَاخِرِ رَمَضَانَ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 التَّرَاوِيحِ، أَوْ لَيْلَةِ الْمُشْتَهِرَةِ بِالرَّغَائِبِ أَوَّلَ جُمُعَةٍ فِي رَجَبٍ (مِنْ مَالِ وَقْفٍ، ضَمِنَ، لِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ، لِخُلُوِّهِ عَنْ نَفْعِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيُؤَدِّي عَادَةً لِكَثْرَةِ لَغَطٍ وَلَهْوٍ وَشُغْلِ قُلُوبِ الْمُصَلِّينَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: تَوَهَّمَ كَوْنَهُ قُرْبَةً بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ) بَلْ فِي كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ إدْخَالِ بَعْضِ الْمَجُوسِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ إيقَادُ الْمَآذِنِ، لَكِنَّهُ فِي رَمَضَانَ صَارَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ عَلَامَةً عَلَى بَقَاءِ اللَّيْلِ. (وَيُمْنَعُ مَارٌّ مِنْ اسْتِطْرَاقِ حِلَقِ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ) ، صِيَانَةً لِحُرْمَتِهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا حِمَى إلَّا فِي ثَلَاثَةٍ: الْبِئْرِ، وَالْفَرَسِ، وَحَلْقَةِ الْقَوْمِ» . فَأَمَّا الْبِئْرُ، فَهُوَ: مُنْتَهَى حَرِيمِهَا، وَأَمَّا طُولُ الْفَرَسِ، فَهُوَ: مَا دَارَ فِيهِ برسنه إذَا كَانَ مَرْبُوطًا، وَأَمَّا حَلْقَةُ الْقَوْمِ، فَهُوَ: اسْتِدَارَتُهُمْ فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَاوُرِ وَالْحَدِيثِ " وَهَذَا الْخَبَرُ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَهُوَ مُرْسَلٌ، قَالَهُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الْآدَابِ ". (وَحَرُمَ أَنْ يُقِيمَ مِنْهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ (أَحَدًا) وَلَوْ عَبْدَهُ أَوْ وَلَدَهُ، (وَيَجْلِسَ) مَكَانَهُ، (أَوْ يُجْلِسَ غَيْرَهُ فِيهِ) . لِمَا سَبَقَ (إلَّا لِصَبِيٍّ) ، فَيُؤَخَّرُ عَنْ الْمَكَانِ الْفَاضِلِ، وَتَقَدَّمَ. (وَمَنْ أَتْلَفَ مَسْجِدًا ضَمِنَهُ إجْمَاعًا، وَيَضْمَنُ بِغَصْبٍ) ، قَالَ فِي " الْآدَابِ الْكُبْرَى ": وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ اتَّخَذَهُ مَسْكَنًا أَوْ مَخْزَنًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَنَّهُ يَضْمَنُ أُجْرَتَهُ، كَمَا نَقُولُ فِي الْحُرِّ إذَا اسْتَعْمَلَهُ كُرْهًا. (وَيَجُوزُ أَنْ يُهْدَمَ مَسْجِدٌ وَيُجَدَّدَ) بِنَاؤُهُ (لِمَصْلَحَةٍ) كَضِيقِهِ بِأَهْلِهِ (نَصًّا) ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مَسْجِدٍ لَهُ حَائِطٌ قَصِيرٌ غَيْرُ حَصِينٍ، وَلَهُ مَنَارَةٌ، لَا بَأْسَ أَنْ تُهْدَمَ وَتُجْعَلَ فِي الْحَائِطِ، لِئَلَّا يَدْخُلَهُ الْكِلَابُ. (وَ) يَجُوزُ (ارْتِفَاقٌ بِحَرِيمِهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، (مَا لَمْ يَضُرَّ بِمُصَلِّينَ) ، قَالَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْحَقَّ فِي حَرِيمِهِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 إذْنُ السُّلْطَانِ، وَلَا نَائِبِهِ لِلْحَرَجِ، وَلَا يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْذَنَ فِي الِارْتِفَاقِ فِي الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ الْمُصَلِّينَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ. (وَلَا يُكْرَهُ تَسَوُّكٌ بِهِ) ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ كَرِهَ السِّوَاكَ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَسْتَاكُونَ فِي الْمَسْجِدِ. (وَمِنْ سَرَّحَ شَعْرَهُ، وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ قَصَّ أَظْفَارَهُ، (وَجَمَعَهُ) ، أَيْ: الشَّعْرَ وَنَحْوَهُ، (فَأَلْقَاهُ خَارِجَهُ) ، فَلَا بَأْسَ، (وَإِلَّا) يُلْقِهِ خَارِجَهُ، بَلْ تَرَكَهُ فِيهِ، (كُرِهَ، لِأَنَّهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدَ، (يُصَانُ عَنْ الْقَذَاةِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْعَيْنِ) ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْبُرْغُوثِ إذَا دَفَنَهُ بِالْمَسْجِدِ لَا كَرَاهَةَ. تَتِمَّةٌ: لَا بَأْسَ بِالِاجْتِمَاعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْأَكْلِ فِيهِ، وَالِاسْتِلْقَاءِ فِيهِ لِمَنْ لَهُ سَرَاوِيلُ، وَإِذَا دَخَلَهُ وَقْتَ السَّحَرِ فَلَا يَتَقَدَّمُ إلَى صَدْرِهِ، قَالَ جَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ: كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَكُونُ قَبْلَ الصُّبْحِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ. وَلَا يَجُوزُ لِكَافِرٍ دُخُولُ حَرَمِ مَكَّةَ، وَلَا الْمَدِينَةَ، وَلَا مَسَاجِدِ الْحِلِّ، وَلَوْ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ، وَيَجُوزُ دُخُولُهَا لِلذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ، إذَا اُسْتُؤْجِرَ لِعِمَارَتِهَا. وَيُكْرَهُ السُّؤَالُ وَالتَّصَدُّقُ عَلَيْهِ فِيهِ، لَا عَلَى غَيْرِ سَائِلٍ، وَلَا عَلَى مِنْ سَأَلَ لَهُ الْخَطِيبُ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَدْرٍ، قَالَ: صَلَّيْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُقَرِّبُ مِنِّي، فَقَامَ سَائِلٌ فَسَأَلَ، فَأَعْطَاهُ أَحْمَدُ قِطْعَةً، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ قَامَ رَجُلٌ إلَى ذَلِكَ السَّائِلِ، وَقَالَ: أَعْطِنِي تِلْكَ الْقِطْعَةَ، فَأَبَى، فَقَالَ: أَعْطِنِي وَأُعْطِيك دِرْهَمًا، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَمَا زَالَ يَزِيدُهُ حَتَّى بَلَغَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ، فَإِنِّي أَرْجُو مِنْ بَرَكَةِ هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَا تَرْجُو أَنْتَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 [كِتَابُ الْحَجِّ] ُّ: بِفَتْحِ الْحَاءِ لَا بِكَسْرِهَا فِي الْأَشْهَرِ، وَعَكْسُهُ شَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ. وَأَخَّرَ الْحَجَّ عَنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِمَادُ الدِّينِ، وَلِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، لِتَكَرُّرِهَا كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ الزَّكَاةُ، لِكَوْنِهَا قَرِينَةً لَهَا فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ، وَلِشُمُولِهَا الْمُكَلَّفَ وَغَيْرَهُ، ثُمَّ الصَّوْمُ، لِتَكَرُّرِهِ كُلَّ سَنَةٍ، لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ قَدَّمَ رِوَايَةَ الْحَجِّ عَلَى الصَّوْمِ لِلتَّغْلِيظَاتِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، نَحْوُ: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] وَنَحْوُ: «فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» وَلِعَدَمِ سُقُوطِهِ بِالْبَدَلِ، بَلْ يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ. (فَرْضُ كِفَايَةٍ كُلَّ عَامٍ) عَلَى مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنًا، نَقَلَهُ فِي " الْآدَابِ الْكُبْرَى " عَنْ " الرِّعَايَةِ " ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ " وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّمَا فَرْضُ الْكِفَايَةِ إنَّمَا هُوَ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ بِالْحَجِّ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالنَّفْلِ، وَيَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ بُطْلَانُ تَقْسِيمِ الْأَئِمَّةِ الْحَجَّ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ، فَالْمَلْزُومُ كَذَلِكَ. (وَهُوَ) لُغَةً: الْقَصْدُ إلَى مَنْ تُعَظِّمُهُ أَوْ كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَيْهِ. وَشَرْعًا: (قَصْدُ مَكَّةَ وَعَرَفَةَ لِعَمَلٍ مَخْصُوصٍ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ) يَأْتِي بَيَانُهُ، (وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ) وَمَبَانِيه الْمُشَارُ إلَيْهَا بِحَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» . (وَفُرِضَ سَنَةَ تِسْعٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ، قِيلَ: سَنَةَ عَشْرٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ سِتٍّ: وَقِيلَ: خَمْسٍ، وَالْأَصْلُ فِي فَرْضِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] . (وَلَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ سِوَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ) ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ إلَى مَكَّةَ بَعْدَهَا، وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا كَانَتْ (سَنَةَ عَشْرٍ) مِنْ الْهِجْرَةِ (وَكَانَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (قَارِنًا نَصًّا) ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ. انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا رَوَى أَنَسٌ: «سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، يَقُولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ عُمَرُ: «سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «قُلْ: عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ. وَاعْتَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَرْبَعًا، قَالَ أَنَسٌ: «حَجَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةً وَاحِدَةً، وَاعْتَمَرَ أَرَبْعَ عُمَرَ: وَاحِدَةً فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَعُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجَّتِهِ، وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ، إذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ حُنَيْنٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَالْعُمْرَةُ) لُغَةً: الزِّيَارَةُ، يُقَالُ: اعْتَمَرَهُ، إذَا زَارَهُ. وَشَرْعًا: (زِيَارَةُ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) يَأْتِي بَيَانُهُ. (وَيَجِبَانِ) ، أَيْ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ " وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؟ وَقَالَ: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وَاعْتَمِرْ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. (فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قُلْت: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. (إلَّا لِعَارِضِ نَذْرٍ وَقَضَاءٍ) ، فَيَجِبُ فَوْرًا، نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ أَخَّرَ الْفَرِيضَةَ أَوْ النَّذْرَ أَوْ الْقَضَاءَ بِلَا عُذْرٍ، أَثِمَ، لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ، قَالَ: «تَعَجَّلُوا إلَى الْحَجِّ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَامِطٍ يَرْفَعُهُ، قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَمْنَعْهُ مَرَضٌ حَابِسٌ، أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ، أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ: يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ " (بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ) : أَحَدُهَا: (إسْلَامٌ) . (وَ) الثَّانِي: (عَقْلٌ) ، وَهُمَا شَرْطَانِ ل (لِوُجُوبٍ وَ) الـ (صِحَّةٍ وَالْإِجْزَاءِ، فَلَا يَجِبَانِ) أَيْ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ (عَلَى كَافِرٍ، وَلَوْ مُرْتَدًّا) ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ، وَهُوَ مُنَافٍ لَهُ، (وَيُعَاقَبُ) الْكَافِرُ (عَلَى حَجٍّ) ، وَكَذَا عُمْرَةٌ، (وَسَائِرُ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ) كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ (كَالتَّوْحِيدِ إجْمَاعًا) ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا) يَجِبُ الْحَجُّ (عَلَى مَجْنُونٍ) كَالْعُمْرَةِ، لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ. . .» (وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ، وَلَوْ عَقَدَهُ لَهُ وَلِيُّهُ) كَالصَّوْمِ، وَإِنَّمَا صَحَّ مِنْ الصَّغِيرِ دُونَ التَّمْيِيزِ إذَا عَقَدَهُ لَهُ وَلِيُّهُ لِلنَّصِّ. تَنْبِيهٌ: لَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَةٌ بِجُنُونٍ، فَيُحَجُّ عَمَّنْ جُنَّ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ، وَلَا يَبْطُلُ إحْرَامٌ بِجُنُونٍ كَالصَّوْمِ، وَلَا بِإِغْمَاءٍ وَمَوْتٍ وَسُكْرٍ كَالنَّوْمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 (وَيُجْزِئُ) الْحَجُّ (مَنْ) ، أَيْ: كَافِرًا (أَسْلَمَ) ، وَهُوَ حُرٌّ مُكَلَّفٌ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ قَبْلَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ إنْ عَادَ فَوَقَفَ فِي وَقْتِهِ، أَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ طَافَ وَسَعَى لَهَا، (أَوْ أَفَاقَ) مِنْ جُنُونٍ وَهُوَ حُرٌّ بَالِغٌ (فَأَحْرَمَ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، (وَأَدْرَكَ الْوُقُوفَ) ، وَفَعَلَ مَا تَقَدَّمَ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ: بُلُوغٌ، وَكَمَالُ حُرِّيَّةٍ) ، وَهُمَا شَرْطَانِ (لِغَيْرِ صِحَّةٍ) ، بَلْ لِوُجُوبٍ وَإِجْزَاءٍ، (فَلَا يَجِبَانِ) ، أَيْ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، (عَلَى صَغِيرٍ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، (وَ) لَا عَلَى (قِنٍّ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ) كَخَالِصِ رِقٍّ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، (وَلَوْ) كَانَ الْقِنُّ (مُبَعَّضًا بِمُهَايَأَةٍ) ، وَيَصِحَّانِ مِنْهُمَا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَبِيًّا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَك أَجْرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْقِنُّ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ، فَصَحَّا مِنْهُ كَالْحُرِّ، (وَلَا يُجْزِئَانِهِمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ) ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ، ثُمَّ بَلَغَ، فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، ثُمَّ عَتَقَ، فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: لَمْ يَرْفَعْهُ إلَّا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَهُوَ ثِقَةٌ. وَلِأَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ قَبْلَ وُجُوبِهِ، فَلَمْ يُجْزِئْهُمَا إذَا صَارَا مِنْ أَهْلِهِ كَالصَّبِيِّ يُصَلِّي، ثُمَّ يَبْلُغُ فِي الْوَقْتِ، (وَيُجْزِئَانِ) ، أَيْ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ الصَّبِيَّ وَالْقِنَّ (إنْ بَلَغَ) الصَّبِيُّ مُحْرِمًا أَوْ لَا، (أَوْ عَتَقَ) الْقِنُّ (مُحْرِمًا أَوْ لَا، وَأَحْرَمَ قَبْلَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ إنْ عَادَ فَوَقَفَ وَأَدْرَكَهُ) ، أَيْ: الْوُقُوفَ، بِأَنْ وَقَفَ فِي وَقْتِهِ لِإِتْيَانِهِمَا بِالنُّسُكِ حَالَ الْكَمَالِ، فَأَجْزَأَهُمَا كَمَا لَوْ وُجِدَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَاسْتَدَلَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: " إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّتُهُ، وَإِنْ أُعْتِقَ بِجَمْعٍ لَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ ". (وَيَلْزَمُهُ) ، أَيْ: الْقِنَّ إذَا عَتَقَ بَعْدَ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ، قَبْلَ فَوَاتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 وَقْتِهِ، الْعَوْدُ إلَى عَرَفَةَ إنْ أَمْكَنَهُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ، (أَوْ) بَلَغَ أَوْ عَتَقَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ (قَبْلَ طَوَافِ عُمْرَةٍ) ، ثُمَّ طَافَ وَسَعَى لَهَا، فَيُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ، كَمَنْ أَحْرَمَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَعِتْقِهِ، لِأَنَّهَا حَالٌ تَصْلُحُ لِتَعْيِينِ الْإِحْرَامِ كَحَالِ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ، (مَا لَمْ يَكُنْ) الصَّغِيرُ وَالْقِنُّ (فِي حَجٍّ، وَسَعْيٌ بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ) ، وَبَلَغَ صَغِيرٌ، وَعَتَقَ قِنٌّ قَبْلَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ، (فَلَا يُجْزِئُهُ) مَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ (عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَعَادَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (السَّعْيَ، لِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ مُجَاوَزَةُ عَدَدِهِ) ، أَيْ: السَّعْيِ، (وَلَا) يُشْرَعُ (تَكْرَارُهُ، وَخَالَفَ الْوُقُوفَ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا بَلَغَ أَوْ عَتَقَ بَعْدَهُ، وَأَعَادَهُ فِي وَقْتِهِ، يُجْزِئُهُ (إذْ) اسْتِدَامَتُهُ مَشْرُوعَةٌ، و (لَا قَدْرَ لَهُ مَحْدُودٌ) ، وَلَا تُجْزِئُ الْعُمْرَةُ مَنْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ فِي طَوَافِهِمَا، وَإِنْ أَعَادَهُ وِفَاقًا، وَمَحَلُّ لُزُومِ عَدَدٍ صَغِيرٌ وَقِنٌّ بَلَغَ وَعَتَقَ بَعْدَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ: (مَا لَمْ يُتِمَّ حَجَّهُ) نَفْلًا، (ثُمَّ يُحْرِمُ) لِلْفَرْضِ، (وَيَقِفُ ثَانِيًا إنْ أَمْكَنَهُ) ، وَقَدْ تَمَّ لَهُ حِينَئِذٍ حَجَّتَانِ فِي عَامٍ إحْدَاهُمَا نَفْلٌ، وَالْأُخْرَى فَرْضٌ. (وَيَتَّجِهُ: الصِّحَّةُ) ، أَيْ: صِحَّةُ حَجِّ صَغِيرٍ وَقِنٍّ صَارَا أَهْلًا، (وَلَوْ بَعْدَ سَعْيٍ إنْ فَسَخَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (حَجَّهُ عُمْرَةٌ) ، بِأَنْ أَحْرَمَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا، (وَلَمْ يَسُقْ هَدْيًا أَوْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ، كَمَا يَأْتِي) فِي بَابِ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَحُكْمُ إحْرَامِهِمَا) ، أَيْ: الصَّغِيرِ وَالْقِنِّ: (كَصَوْمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 صَغِيرٍ بَلَغَ بِأَثْنَائِهِ) صَائِمًا فِي أَنَّ مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ نَفْلٌ، وَمَا بَعْدَهُ فَرْضٌ، فَلَا يُعْتَدَّانِ إلَّا بِإِحْرَامٍ وَوُقُوفٍ مَوْجُودَيْنِ حَالَ أَهْلِيَّتِهِمَا. (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ " الْخِلَافِ " وَ " الِانْتِصَارِ " وَالْمَجْدُ: إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُمَا بِالْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ، (يَنْقَلِبُ كُلُّهُ فَرْضًا) كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ، لَا فِي الصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ، إذْ حَجُّهُمَا صَحِيحٌ مُجْزِئٌ. (وَيَتَّجِهُ: لَوْ حَجَّ، وَفِي ظَنِّهِ أَنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ قِنٌّ، فَبَانَ بَالِغًا حُرًّا، أَنَّهُ يُجْزِئُهُ) عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، إذْ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لَيْسَتْ شَرْطًا، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ تَمِيلُ إلَيْهِ النَّفْسُ، لَكِنْ يَأْبَاهُ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِبَادَاتِ بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ، لَا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. [فَصْلٌ الْحَجّ وَالْعُمْرَة مِنْ صَغِير] (فَصْلٌ) (وَيَصِحَّانِ) ، أَيْ: الْحَجَّةُ وَالْعُمْرَةُ، (مِنْ صَغِيرٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَلَوْ وُلِدَ لَحْظَةً، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَقَدَّمَ. (وَيُحْرِمُ وَلِيٌّ فِي مَالٍ عَمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ) ، لِتَعَذُّرِ النِّيَّةِ مِنْهُ، وَوَلِيُّ الْمَالِ: الْأَبُ، وَوَصِيُّهُ، وَالْحَاكِمُ، فَيَعْقِدُ لَهُ وَلِيُّهُ الْإِحْرَامَ (وَلَوْ) كَانَ الْوَالِي (مُحْرِمًا، أَوْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 كَانَ الْوَلِيُّ (لَمْ يَحُجَّ) عَنْ نَفْسِهِ. كَمَا يَعْقِدُ لَهُ النِّكَاحَ، (وَلَوْ كَانَ) مَعَ الْوَلِيِّ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَلَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ مِنْ غَيْرِ الْوَلِيِّ مِنْ الْأَقَارِبِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمْ لَهُ، وَلَا شِرَاؤُهُمْ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: يَصِحُّ مِنْ الْأُمِّ أَيْضًا، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ، يَقْبِضُ لَهُ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ مَنْ يَلِيه، فَيَنْبَغِي هُنَا كَذَلِكَ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَمَعْنَى إحْرَامِهِ) ، أَيْ: الْوَلِيِّ (عَنْهُ) ، أَيْ: عَمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ (نِيَّتُهُ الْإِحْرَامَ لَهُ) فَيَصِيرُ الصَّغِيرُ بِذَلِكَ مُحْرِمًا (وَيَصِحُّ إحْرَامٌ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) عَمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ (بِإِذْنِ وَلِيٍّ كَمُمَيِّزٍ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِهِ) ، أَيْ: بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ فَصَحَّ إحْرَامُهُ كَالْبَالِغِ، وَلِأَنَّ الْعِبَادَاتِ أَحَدُ نَوْعَيْ الْعُقُودِ، فَكَانَ مِنْهُ يَعْقِدُهُ الْمُمَيِّزُ لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَالْبَيْعِ، وَلَا يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُهُ فِي الضَّمَانِ. وَيُجَنَّبُ الطِّيبَ وُجُوبًا، (وَلَيْسَ لَهُ) ، أَيْ: الْوَلِيِّ (تَحْلِيلُهُ بَعْدَ) أَنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ كَالْبَالِغِ. (وَ) إحْرَامُ الْمُمَيِّزِ (بِلَا إذْنِهِ) ، أَيْ: وَلِيِّهِ (لَا يَصِحُّ) ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى لُزُومِ مَالٍ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِنَفْسِهِ كَالْبَيْعِ. (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (الصِّحَّةُ لَوْ أَحْرَمَ) الْوَلِيُّ (عَنْ نَفْسِهِ، وَ) عَنْ (مُوَلِّيهِ) غَيْرِ الْمُمَيِّزِ (مَعًا) ، كَمَا لَوْ جَعَلَ لِكُلٍّ إحْرَامًا عَلَى حِدَتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَفْعَلُ وَلِيٌّ) عَنْ (صَغِيرٍ وَمُمَيِّزٍ مَا يُعْجِزُهُمَا) مِنْ أَفْعَالِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الرَّمْيِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ " أَنَّهُ طَافَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فِي خِرْقَةٍ " رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ. وَعَنْ جَابِرٍ: «حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. و " كَانَتْ عَائِشَةُ تُجَرِّدُ الصِّبْيَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 لِلْإِحْرَامِ ". (وَمَا لَا) يُعْجِزُ الْمُمَيِّزَ (فَلَا) يَصِحُّ أَنْ يَفْعَلَهُ الْوَلِيُّ عَنْهُ، وَكُلُّ مَا أَمْكَنَهُمَا فِعْلُهُ، (كَوُقُوفٍ) بِعَرَفَةَ، (وَمَبِيتٍ) بِمُزْدَلِفَةَ وَلَيَالِي مِنًى، لَزِمَهُمَا فِعْلُهُ، وَلَيْسَ مَعْنَى لُزُومِ مُبَاشَرَتِهِمَا لَهُ أَنَّهُمَا يَأْثَمَانِ بِتَرْكِهِ، لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُكَلَّفَيْنِ، بَلْ لَيْسَ لِغَيْرِهِمَا فِعْلُهُ عَنْهُمَا، لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِمَا إلَيْهِ. (وَلَا يَبْدَأُ وَلِيٌّ فِي رَمْيِ) جَمَرَاتٍ (إلَّا بِنَفْسِهِ) ، كَنِيَابَةِ حَجٍّ، (فَإِنْ خَالَفَ) ، وَرَمَى عَنْ مُوَلِّيه، (وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ) إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِفَرْضِهِ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ رَمْيٌ لِنَفْسِهِ، فَلَا يَصِحُّ عَنْ غَيْرِهِ، (ك) مَا لَا يَصِحُّ (إحْرَامُ مَنْ لَا يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ) ، وَيَأْتِي. (وَلَا يُعْتَدُّ بِرَمْيِ حَلَالٍ) لَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ (لَا يَصِحُّ رَمْيٌ) عَنْ صَغِيرٍ (مِنْ غَيْرِ وَلِيِّهِ) فِي مَالِهِ، كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ، كَمَا لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ الْإِحْرَامُ عَنْهُ، وَتَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ أَمْكَنَ صَغِيرًا) ، أَيْ: أَطَاقَ (مُنَاوَلَةَ حَصًى لِنَائِبِهِ، نَاوَلَهُ إيَّاهُ، وَإِلَّا) يُطِقْ مُنَاوَلَةَ الْحَصَى، (سُنَّ وَضْعُ حَصَاةٍ فِي كَفِّهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ فَتُرْمَى) عَنْهُ، (وَإِنْ وَضَعَهَا نَائِبٌ فِي يَدِ صَغِيرٍ، وَرَمَى بِهَا، فَجَعَلَ يَدَهُ كَالْآلَةِ، فَحَسَنٌ) ، لِيُوجَدَ مِنْهُ نَوْعُ عَمَلٍ. (وَيُطَافُ بِهِ) ، أَيْ: الصَّغِيرِ، (لِعَجْزِهِ) عَنْ طَوَافِ نَفْسِهِ (رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا) كَكَبِيرٍ عَاجِزٍ. (وَتُعْتَبَرُ) لِطَوَافِ صَغِيرٍ (نِيَّةُ طَائِفٍ بِهِ) ، لِتَعَذُّرِ النِّيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُمَيِّزًا، (وَكَوْنُهُ) ، أَيْ: الطَّائِفِ بِهِ، (مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ الْإِحْرَامَ) بِأَنْ يَكُونَ وَلِيُّهُ أَوْ نَائِبُهُ، لِتَتَأَتَّى نِيَّتُهُ عَنْهُ، و (لَا) يُعْتَبَرُ (كَوْنُهُ) ، أَيْ: الطَّائِفِ بِهِ (طَافَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ) كَوْنُهُ (مُحْرِمًا) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 لِوُجُودِ الطَّوَافِ مِنْ الصَّغِيرِ، (فَإِنْ نَوَى) الطَّائِفُ (عَنْ نَفْسِهِ، وَ) عَنْ (الصَّبِيِّ، فَ) يَقَعُ (عَنْ الصَّبِيِّ) ، كَالْكَبِيرِ الْمَعْذُورِ إذَا طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا. (وَكَفَّارَةُ حَجِّهِ) ، أَيْ: الصَّغِيرِ فِي مَالِ وَلِيِّهِ، (وَمَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ حَضَرٍ فِي مَالِ وَلِيِّهِ إنْ أَنْشَأَ وَلِيُّهُ السَّفَرَ بِهِ) ، أَيْ: الصَّغِيرِ (تَمْرِينًا) لَهُ (عَلَى الطَّاعَةِ) ، لِأَنَّهُ لَا مَضَرَّةَ لِتَرْكِهِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ (الْأَمْرُ) كَذَلِكَ، (فَلَا) يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ، بَلْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، (ك) مَا لَوْ سَافَرَ بِهِ (لِمَصْلَحَتِهِ) مِنْ تِجَارَةٍ وَخِدْمَةٍ، (وَلِاسْتِيطَانِهِ مَكَّةَ) ، أَوْ لِإِقَامَتِهِ بِهَا لِعِلْمٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُبَاحُ لَهُ السَّفَرُ بِهِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ. وَمَعَ الْإِحْرَامِ وَعَدَمِهِ، (وَعَمْدُ صَغِيرٍ) خَطَأٌ، (وَ) عَمْدُ (مَجْنُونٍ) لِمَحْظُورٍ (خَطَأٌ، لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا مَا يَجِبُ فِي خَطَأِ مُكَلَّفٍ أَوْ نِسْيَانِهِ) ، لِعَدَمِ اعْتِبَارِ قَصْدِهِ، (كَحَلْقِ) شَعْرِهِ (وَتَقْلِيمِ) ظُفْرٍ، وَقَتْلِ صَيْدٍ وَوَطْءٍ، (بِخِلَافِ نَحْوِ لُبْسِ) مَخِيطٍ، (وَتَطَيُّبٍ) ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، (لَكِنْ لَوْ فَعَلَ وَلِيُّهُ) ، أَيْ: الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ، (بِهِ ذَلِكَ) ، أَيْ: اللُّبْسَ وَالتَّطَيُّبَ، (لِمَصْلَحَةٍ) كَأَنْ غَطَّى رَأْسَهُ لِبَرْدٍ أَوْ حَرٍّ، أَوْ طَيَّبَهُ لِمَرَضٍ، (أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ) لِأَذًى، (ف) كَفَّارَتُهُ (عَلَى وَلِيِّهِ) كَحَلْقِ رَأْسِ مُحْرِمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ. (وَإِنْ وَجَبَ فِي كَفَّارَةٍ مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى الصَّبِيِّ أَوْ الْوَلِيِّ (صَوْمٌ، صَامَ وَلِيٌّ) ، قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ " (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى " فِي تَفْصِيلِهِ) بِقَوْلِهِ: وَإِنْ وَجَبَ فِي كَفَّارَةٍ عَلَى وَلِيٍّ صَوْمٌ، صَامَ عَنْهُ، فَصَدْرُ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ اسْتَقَرَّتْ عَلَى الْوَلِيِّ الْمُنْشِئِ السَّفَرَ بِهِ تَمْرِينًا عَلَى الطَّاعَةِ، وَقَوْلُهُ: عَنْهُ، يَقْتَضِي أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى مُوَلِّيهِ، لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، كَصَوْمِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَظَاهِرُ عِبَارَةِ " الْمُنْتَهَى " التَّنَاقُضُ، وَالْجَوَابُ عَنْ التَّنَاقُضِ اللَّازِمِ عَلَيْهَا بِأَنَّ قَوْلَهُ: صَامَ عَنْهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 لَيْسَ لِكَوْنِ الْكَفَّارَةِ اسْتَقَرَّتْ عَلَى الصَّبِيِّ، بَلْ لِكَوْنِ الْوُجُوبِ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ، لِكَوْنِ أَصْلِ الْفِعْلِ عَنْهُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " الْإِنْصَافِ ": حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ عَلَى الْوَلِيِّ بِسَبَبِ الصَّبِيِّ وَدَخَلَهَا الصَّوْمُ، صَامَ عَنْهُ، لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. انْتَهَى. أَيْ: فَصَوْمُ الْوَلِيِّ عَنْ نَفْسِهِ، لَا بِالنِّيَابَةِ عَنْ الصَّبِيِّ إذْ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ بِالشَّرْعِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ. وَعَلَى هَذَا: لَوْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَوَجَبَ فِيهَا صَوْمٌ، لَمْ يَصُمْ الْوَلِيُّ عَنْهُ، بَلْ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَبْلُغَ، فَإِنْ مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَيْضًا فِي " الْمُبْدِعِ " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ عُمُومِ عِبَارَةِ " التَّنْقِيحِ " و " الْإِقْنَاعِ " فَقَوْلُهُ: (إذْ الصَّوْمُ لَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ، وَمِنْ مُمَيِّزٍ نَفْلٌ) ، فِيهِ نَظَرٌ كَمَا عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْ الصَّبِيِّ وُجُوبُهُ عَلَى الْوَلِيِّ. (وَوَطْؤُهُ) ، أَيْ: الصَّبِيِّ، وَلَوْ عَمْدًا، (ك) وَطْءِ (بَالِغٍ نَاسِيًا، يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ، وَيَقْضِيه) ، أَيْ: الْحَجَّ إذَا بَلَغَ كَبَالِغٍ، وَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ قَبْلَهُ نَصًّا، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا) وَطْءُ (مَجْنُونٍ) كَبَالِغٍ فِي أَنَّهُ يُفْسِدُ حَجَّهُ، (وَيَقْضِي إذَا أَفَاقَ) مِنْ جُنُونِهِ (بَعْدَ حَجَّةِ إسْلَامٍ) ، إنْ لَمْ يَكُنْ أَتَى بِهَا قَبْلَ جُنُونِهِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ: احْتِلَامُهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلَ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ إفَاقَتِهِ، لِفَقْدِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْغُسْلِ فِي الْحَالِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 [فَصَلِّ الْحَجّ وَالْعُمْرَة مِنْ قن] (فَصْلٌ) (وَيَصِحَّانِ) ، أَيْ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، (مِنْ قِنٍّ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّغِيرِ الْحُرِّ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ، (وَيَلْزَمَانِهِ) ، أَيْ: يَلْزَمُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ الْقِنَّ الْبَالِغَ (بِنَذْرِهِ) لَهُمَا، لِعُمُومِ حَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ هُوَ) ، أَيْ: الْقِنُّ بِنَذْرٍ وَلَا نَفْلٍ، وَمِثْلُهُ مُدَبَّرٌ، وَأُمُّ وَلَدٍ، (وَلَا) أَنْ تُحْرِمَ (زَوْجَتُهُ بِنَفْلٍ) حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (بِلَا إذْنِ سَيِّدٍ وَزَوْجٍ) ، لِتَفْوِيتِ حَقِّهِمَا بِالْإِحْرَامِ، (فَإِنْ فَعَلَا) ، أَيْ: عَقَدَ الْقِنُّ وَالْمَرْأَةُ الْإِحْرَامَ بِنَفْلٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدٍ وَزَوْجٍ، (حُلِّلَا) ، أَيْ: حَلَّلَهُمَا السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ، لِتَفْوِيتِ حَقِّهِمَا، (وَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُمَا) مُحْرِمَيْنِ، (وَيَكُونَانِ) ، أَيْ: الْقِنُّ وَالزَّوْجَةُ، (كَمُحْصَرٍ) عَلَى مَا يَأْتِي (وَيَأْثَمُ مَنْ لَمْ يَمْتَثِلْ) مِنْ قِنٍّ وَزَوْجَةٍ، (وَلَهُ وَطْءُ مُخَالِفَةٍ) مِنْ (أَمَةٍ وَزَوْجَةٍ) أَحْرَمَتْ بِدُونِ إذْنِهِ بِنَفْلٍ. (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَتَلْزَمُهُمَا) ، أَيْ: الْأَمَةَ وَالزَّوْجَةَ، (الْفِدْيَةُ) عُقُوبَةً لَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 و (لَا) يَجُوزُ لِسَيِّدٍ وَزَوْجٍ تَحْلِيلُهُمَا (مَعَ إذْنِهِ) لَهُمَا فِي إحْرَامٍ، لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ، (وَيَصِحُّ) مِنْ سَيِّدٍ وَزَوْجٍ (رُجُوعٌ فِيهِ) ، أَيْ: إذْنٍ بِإِحْرَامٍ، (قَبْلَ) شُرُوعٍ ب (إحْرَامٍ) كَوَاهِبٍ أَذِنَ لِمَوْهُوبٍ لَهُ فِي قَبْضِ هِبَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَهُ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا) بِالرُّجُوعِ، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَمَتَى عَلِمَا بِرُجُوعٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِمَا الْإِحْرَامُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا بِالرُّجُوعِ فِي الْإِذْنِ، فَالْخِلَافُ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَزْلِ مُوَكِّلِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ، وَالْحُكْمُ هُنَا كَذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعٌ فِي إذْنٍ بَعْدَ إحْرَامٍ لِلُزُومِهِ، و (لَا) يَجُوزُ لِسَيِّدٍ وَزَوْجٍ تَحْلِيلُ قِنٍّ وَزَوْجَةٍ أَحْرَمَا (بِنَذْرٍ أُذِنَ) ، أَيْ: أَذِنَ (فِيهِ) زَوْجٌ وَسَيِّدٌ (لَهُمَا) ، أَيْ: الْقِنِّ وَالزَّوْجَةِ، لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي نَذْرِهِ إذْنٌ فِي فِعْلِهِ، (أَوْ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ) ، أَيْ: النَّذْرِ (لَهَا) ، أَيْ: الزَّوْجَةِ، فَلَا يُحَلِّلُهَا فِيهِ لِوُجُوبِهِ كَالْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ. (وَحَرُمَ) عَلَى الزَّوْجِ (مَنْعُهَا مِنْ حَجٍّ فَرْضٍ كَمُلَتْ شُرُوطُهُ) كَبَقِيَّةِ الْوَاجِبَاتِ. (وَسُنَّ لَهَا اسْتِئْذَانُهُ) نَصًّا، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَتَبَتْ إلَيْهِ، فَإِنْ أَذِنَ، وَإِلَّا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ، (فَلَوْ لَمْ تَكْمُلْ) شُرُوطُهُ، فَلَهُ مَنْعُهَا، (وَ) إنْ (أَحْرَمَتْ بِهِ بِلَا إذْنِهِ لَمْ) يَمْلِكْ أَنْ (يُحَلِّلَهَا) ، لِوُجُوبِ إتْمَامِهِ بِشُرُوعِهَا فِيهِ، (فَلَوْ أَحْرَمَتْ بِوَاجِبٍ) مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، (فَحَلَفَ) زَوْجُهَا، (وَلَوْ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ لَا تَحُجُّ الْعَامَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ تَحِلَّ) مِنْ إحْرَامِهَا لِلُزُومِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 (وَإِنْ أَفْسَدَ قِنٌّ حَجَّهُ بِوَطْءٍ) فِيهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، (مَضَى) فِي فَاسِدِهِ (وَقَضَاهُ) كَحُرٍّ، (وَيَصِحُّ) الْقَضَاءُ مِنْ قِنٍّ مُكَلَّفٍ (فِي رِقِّهِ) كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ، فَإِنْ عَتَقَ بَدَأَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، (وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ) مِنْ قَضَاءٍ (إنْ) كَانَ (شَرَعَ فِيمَا أَفْسَدَهُ) مِنْ حَجٍّ أَوَعُمْرَةً (سَابِقًا بِإِذْنِهِ) ، أَيْ: السَّيِّدِ، لِأَنَّ إذْنَهُ فِيهِ إذْنٌ فِي مُوجَبِهِ، وَمِنْهُ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ، فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ، (وَإِنْ عَتَقَ) الْقِنُّ فِي حَجَّةٍ فَاسِدَةٍ، (أَوْ بَلَغَ الْحُرُّ فِي حَجَّةٍ فَاسِدَةٍ) ، وَكَانَ عِتْقُهُ أَوْ بُلُوغُهُ (فِي حَالٍ تُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ لَوْ كَانَتْ) الْحَجَّةُ الْفَاسِدَةُ (صَحِيحَةً) بِأَنْ كَانَ قَبْلَ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ، وَعَادَ وَوَقَفَ، وَلَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، (مَضَى) فِيهَا وَقَضَاهَا فَوْرًا (وَأَجْزَأَتْهُ حَجَّةُ) الْقَضَاءِ عَنْ حَجَّةِ (الْإِسْلَامِ وَعَنْ حَجَّةِ الْقَضَاءِ) ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَإِنَّمَا أَخْرَجْتُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِيُوَافِقَ أَصْلَيْهِ وَغَيْرَهُمَا (وَقِنٌّ فِي جِنَايَتِهِ) بِفِعْلِ مَحْظُورٍ فِي إحْرَامِهِ، (كَحُرٍّ مُعْسِرٍ) فِي الْفِدْيَةِ بِالصَّوْمِ عَلَى مَا يَأْتِي، (وَإِنْ تَحَلَّلَ) قِنٌّ (بِحَصْرِ) عَدُوٍّ لَهُ، (أَوْ حَلَّلَهُ سَيِّدُهُ) لِإِحْرَامِهِ بِلَا إذْنِهِ، (لَمْ يَتَحَلَّلْ قَبْلَ صَوْمٍ) ، كَحُرٍّ أُحْصِرَ وَأُعْسِرَ، فَيَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ، ثُمَّ يَتَحَلَّلُ. (وَلَا يُمْنَعُ) الْقِنُّ (مِنْهُ) ، أَيْ: الصَّوْمِ نَصًّا، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، (وَإِنْ مَاتَ) قِنٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمٌ بِسَبَبِ إحْرَامِهِ، (وَلَمْ يَصُمْ، فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ) ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ وَالْمُرَادُ: يُسَنُّ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، (عَلَى مَا مَرَّ قُبَيْلَ صَوْمِ التَّطَوُّعِ) فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْتَ. (وَإِنْ أَفْسَدَ) قِنٌّ (حَجَّهُ، صَامَ) عَنْ الْبَدَنَةِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كَحُرٍّ مُعْسِرٍ، (وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ) قِنٌّ (أَوْ قَرَنَ) ، أَوْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ، صَامَ عَنْ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمُشْتَرِي) الْقِنِّ (الْمُحْرِمِ كَبَائِعِهِ فِي تَحْلِيلِهِ) إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِلَا إذْنٍ، (وَ) فِي (عَدَمِهِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِإِذْنٍ، لِقِيَامِ الْمُشْتَرِي مَقَامَ بَائِعِهِ، (وَلَهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي (الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ) بِإِحْرَامِ الْقِنِّ، (وَلَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهُ) ، لِتَعَطُّلِ مَنَافِعِهِ عَلَيْهِ زَمَنَ إحْرَامِهِ، فَإِنْ مَلَكَ مُشْتَرٍ تَحْلِيلَهُ، فَلَا فَسْخَ لَهُ، لِأَنَّ إبْقَاءَهُ فِي الْإِحْرَامِ كَإِذْنِهِ فِيهِ ابْتِدَاءً. وَكَذَا لَا فَسْخَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ. (وَلِكُلٍّ مِنْ أَبَوَيْ) حُرٍّ (بَالِغٍ مَنْعُهُ) ، أَيْ: الْوَلَدِ الْبَالِغِ (مِنْ إحْرَامٍ بِنَفْلٍ) حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، (ك) مَنْعِهِ مِنْ نَفْلِ (جِهَادٍ) لِلْأَخْبَارِ، وَمَا يَفْعَلُهُ فِي الْحَضَرِ مِنْ نَفْلٍ، نَحْوِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنٌ، وَكَذَا السَّفَرُ لِوَاجِبٍ كَحَجٍّ وَعِلْمٍ، لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ كَالصَّلَاةِ (وَلَا يُحَلِّلَانِهِ) ، أَيْ: الْبَالِغَ إذَا أَحْرَمَ، (وَحَرُمَ طَاعَتُهُمَا) ، أَيْ: وَالِدَيْهِ (فِي مَعْصِيَةٍ، كَتَرْكِ حَجٍّ وَسَفَرٍ لِعِلْمٍ وَاجِبَيْنِ) ، لِحَدِيثِ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» . (وَلَيْسَ لَهُمَا مِنْ نَحْوِ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ) قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ يَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِأَجْلِ أَبِيهِ: لَا يُعْجِبُنِي، هُوَ يَقْدِرُ أَنْ يَبَرَّ أَبَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا (وَوَقَعَ خِلَافٌ) بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا (فِي الْمُبَاحِ) كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ طَاعَتُهُمَا) فِيهِ (وَلَوْ كَانَا فَاسِقَيْنِ) ، هَذَا ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، (ف) عَلَى هَذَا (لَا يُسَافِرُ) لِنَحْوِ تِجَارَةٍ (إلَّا بِإِذْنِهِمَا) ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا، أَيْ: وُجُوبُ طَاعَتِهِمَا، فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ، وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى. (وَيَتَّجِهُ: صِحَّةُ هَذَا) الْقَوْلِ، أَيْ: وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِي الْمُبَاحِ (فِي سَفَرِهِ، وَفِي كُلِّ مَا يَخَافَانِ عَلَيْهِ مِنْهُ) كَسِبَاحَةٍ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَمُسَابَقَةٍ عَلَى نَحْوِ خَيْلٍ، وَهَذَا اتِّجَاهٌ حَسَنٌ، (وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ) الْحُرُّ الْبَالِغُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 (حَضَرًا كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ الشَّرْعِيَّةِ، (فَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي " الْآدَابِ ": لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُهُمَا، وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَعْتَبِرُهُ وَلَا وَجْهَ لَهُ) قَطْعًا، (وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ. انْتَهَى) مَا قَالَهُ فِي " الْآدَابِ "، وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا ارْتِيَابٍ (وَلَا يَحِلُّ غَرِيمٌ مَدِينًا) أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوَعُمْرَة لِوُجُوبِهِمَا بِالشُّرُوعِ، (وَلَيْسَ لِوَلِيِّ سَفِيهٍ مُبَذِّرٍ) بَالِغٍ (مَنْعُهُ مِنْ حَجِّ فَرْضٍ) وعُمْرَتِهِ، (وَلَا تَحْلِيلُهُ) مِنْ إحْرَامٍ بِأَحَدِهِمَا لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ، (وَتُدْفَعُ نَفَقَتُهُ لِثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ) نِيَابَةً عَنْ وَلِيِّهِ، (وَيُحَلَّلُ) سَفِيهٌ (بِصَوْمٍ) كَحُرٍّ مُعْسِرٍ (إنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ وَزَادَتْ نَفَقَتُهُ) ، أَيْ: السَّفَرِ (عَلَى نَفَقَةِ الْإِقَامَةِ وَلَمْ يَكْتَسِبْهَا) السَّفِيهُ فِي سَفَرِهِ فَإِنْ كَانَتْ تَعْدِلُ نَفَقَةَ الْحَضَرِ، أَوْ زَادَتْ وَكَانَ يَكْتَسِبُ الزَّائِدَ لَمْ يُحَلَّلْ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الزَّائِدِ فِي مَالِهِ. الشَّرْطُ (الْخَامِسُ) لِوُجُوبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: (الِاسْتِطَاعَةُ) لِلْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ (لِمُكَلَّفٍ بِهِ) ، أَيْ: الْحَجِّ، (وَلَا تَبْطُلُ) الِاسْتِطَاعَةُ (بِجُنُونٍ) وَلَوْ مُطْبِقًا، فَيُحَجُّ عَنْهُ، (و) كَذَا لَا تَبْطُلُ الِاسْتِطَاعَةُ (بِرِدَّةٍ، وَتُشْتَرَطُ) الِاسْتِطَاعَةُ (لِوُجُوبِ) الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (فَقَطْ) دُونَ إجْزَائِهِمَا، (وَهِيَ) ، أَيْ: الِاسْتِطَاعَةُ: (مِلْكُ زَادٍ يَحْتَاجُهُ فِي سَفَرِهِ) ذَهَابًا وَإِيَابًا مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَكِسْوَةٍ، (وَ) مِلْكُ (وِعَائِهِ) ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، (وَلَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُ) ، أَيْ: الزَّادِ، (إنْ وُجِدَ) بِثَمَنٍ مِثْلِهِ، أَوْ زَائِدٍ يَسِيرًا (بِالْمَنَازِلِ) فِي طَرِيقِ الْحَاجِّ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، (وَمِلْكُ رَاحِلَةٍ) لِرُكُوبِهِ (بِآلَتِهَا) ، أَيْ: الرَّاحِلَةِ بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ (تَصْلُحُ) ، أَيْ: الرَّاحِلَةُ، (لِمِثْلِهِ مِنْ نَحْوِ رَحْلٍ وَقَتَبٍ وَهَوْدَجٍ) ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَمِنْ الِاسْتِطَاعَةِ تَحْصِيلُ خَادِمٍ إنْ خُدِمَ مِثْلُهُ، إذْ هُوَ كَآلَةِ الرَّاحِلَةِ وَأَوْلَى، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «جَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا يُوجِبُ الْحَجَّ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَعَنْ أَنَسٍ " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ السَّبِيلِ، فَقَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. (بِمَسَافَةِ قَصْرٍ) عَنْ مَكَّةَ، و (لَا) يُعْتَبَرُ مِلْكُ رَاحِلَةٍ فِي (مَا دُونَهُ) ، أَيْ: مَسَافَةِ الْقَصْرِ عَنْ مَكَّةَ، لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ فِيهَا غَالِبًا، وَلِأَنَّ مَشَقَّتَهَا يَسِيرَةٌ، وَلَا يَخْشَى فِيهَا عَطَبٌ لَوْ انْقَطَعَ بِهَا، بِخِلَافِ الْبَعِيدَةِ (إلَّا لِعَاجِزٍ عَنْ مَشْيٍ) كَشَيْخٍ كَبِيرٍ، فَيُعْتَبَرُ لَهُ مِلْكُ الرَّاحِلَةِ بِآلَتِهَا، (وَلَا يَلْزَمُهُ) السَّيْرُ (حَبْوًا وَلَوْ أَمْكَنَهُ) ، وَأَمَّا الزَّادُ فَيُعْتَبَرُ، قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، (أَوْ مِلْكُ مَا يَقْدِرُ بِهِ) مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ (عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ) ، أَيْ: الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَآلَتِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ، (فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ عُرْفًا مِنْ كُتُبٍ) ، فَإِنْ اسْتَغْنَى بِإِحْدَى نُسْخَتَيْنِ مِنْ كِتَاب بَاعَ الْأُخْرَى، (وَ) مِنْ (مَسْكَنٍ) لِمِثْلِهِ، (وَ) مِنْ (خَادِمٍ) لِنَفْسِهِ، (وَ) عَنْ (مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ نَحْوِ لِبَاسٍ وَغِطَاءٍ) وَوِطَاءٍ وَأَوَانٍ، (فَإِنْ أَمْكَنَ بَيْعُ فَاضِلٍ عَنْ حَاجَتِهِ وَشِرَاءُ مَا يَكْفِيه) ، بِأَنْ كَانَ الْمَسْكَنُ وَاسِعًا، أَوْ الْخَادِمُ نَفِيسًا فَوْقَ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَأَمْكَنَ بَيْعُهُ وَشِرَاءُ قَدْرِ الْكِفَايَةِ مِنْهُ، (وَيَفْضُلُ مَا يَحُجُّ بِهِ، لَزِمَهُ) ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ (وَ) يُعْتَبَرُ كَوْنُ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ وَآلَتِهِمَا، أَوْ ثَمَنِ ذَلِكَ فَاضِلًا (عَنْ قَضَاءِ دَيْنٍ) حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ (لِلَّهِ أَوْ آدَمِيٍّ) ، لِأَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ بِهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى بَرَاءَتهَا، (وَ) أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ (مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ) ، لِحَدِيثِ «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مِنْ يَقُوتُ» (عَلَى الدَّوَامِ) ، أَيْ: بِأَنْ يَكُونَ لَهُ إذَا رَجَعَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ دَائِمًا (مِنْ عَقَارٍ أَوْ بِضَاعَةٍ) يَتَّجِرُ فِيهَا، (أَوْ صِنَاعَةٍ وَنَحْوِهَا) ، كَعَطَاءِ مِنْ دِيوَانٍ، وَإِلَّا، لَمْ يَلْزَمْهُ، لِتَضَرُّرِهِ بِإِنْفَاقِ مَا فِي يَدِهِ إذَنْ. (وَلَا يَصِيرُ) مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ (مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ) غَيْرِهِ (ذَلِكَ) ، أَيْ: مَا يَحْتَاجُهُ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ، (لَهُ وَلَوْ) كَانَ الْبَذْلُ (مِنْ) وَالِدِهِ أَوْ (وَلَدِهِ) لِلْمِنَّةِ، كَبَذْلِ رَقَبَةٍ لِمُكَفِّرٍ، وَكَبَذْلِ إنْسَانٍ نَفْسَهُ لِيَحُجَّ عَنْ نَحْوِ مَرِيضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يَسْتَنِيبُ بِهِ. (وَيَنْبَغِي إكْثَارٌ مِنْ زَادٍ وَنَفَقَةٍ) عِنْدَ إمْكَانِهِ، (لِيُؤْثِرَ مُحْتَاجًا وَرَفِيقًا) ، وَأَنْ تَطِيبَ نَفْسُهُ بِمَا يُنْفِقُهُ، لِأَنَّهُ أَعْظَمُ فِي أَجْرِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] . (وَسُنَّ أَنْ لَا يُشَارِكَ غَيْرَهُ فِي زَادٍ وَنَحْوِهِ) ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى النِّزَاعِ، أَوْ أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ رَفِيقِهِ، وَقَدْ لَا يَرْضَى بِهِ، وَاجْتِمَاعُ الرِّفَاقِ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى طَعَامِ أَحَدِهِمْ أَلْيَقُ عَلَى الْمُنَاوَبَةِ فِي الْوَرِعِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي الزَّادِ، (فَإِنْ تَكَلَّفَ الْحَجَّ مَنْ لَا 64 يَلْزَمُهُ) وَحَجَّ أَجُزْأَهُ، لِأَنَّ خَلْقًا مِنْ الصَّحَابَةِ حَجُّوا وَلَا شَيْءَ لَهُمْ، وَلَمْ يُؤْمَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْإِعَادَةِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلْوُصُولِ، فَإِذَا وَصَلَ وَفَعَلَ، أَجْزَأَ كَالْمَرِيضِ، فَمَنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُ ذَلِكَ، (وَلَا ضَرَرَ) عَلَيْهِ (وَلَا مَسْأَلَةَ) أَحَدٍ (لِاسْتِغْنَائِهِ بِصَنْعَتِهِ؛ سُنَّ لَهُ الْحَجُّ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (وَكُرِهَ) الْحَجُّ (لِمَنْ حِرْفَتُهُ الْمَسْأَلَةُ، قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) فِيمَنْ يَدْخُلُ الْبَادِيَةَ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ (لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ، يَتَوَكَّلُ عَلَى أَزْوَادِ النَّاسِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: فَإِنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَحَسُنَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَمْ يَسْأَلْ النَّاسَ، فَلَا كَرَاهَةَ، (فَإِنْ) كَلَّفَ نَفْسَهُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ (وَتَرَكَ بِهِ) ، أَيْ: الْحَجِّ، (وَاجِبًا) مِنْ نَحْوِ صَلَاةٍ، وَأَدَاءِ دَيْنٍ وَسَعْيٍ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، (حَرُمَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ. (وَمِنْ الِاسْتِطَاعَةِ سِعَةُ وَقْتٍ) بِأَنْ يُمْكِنَ الْخُرُوجُ وَالسَّيْرُ فِيهِ حَسَبَ الْعَادَةِ، لِتَعَذُّرِ الْحَجِّ مَعَ ضِيقِ وَقْتِهِ، فَلَوْ شَرَعَ وَقْتَ وُجُوبِهِ، فَمَاتَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 الطَّرِيقِ، تَبَيَّنَّا عَدَمَ وُجُوبِهِ، لِعَدَمِ وُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ. (وَ) مِنْهَا (أَمْنُ طَرِيقٍ) - إذْ الْإِلْزَامُ بِدُونِهِ ضَرَرٌ، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرَعَا، (وَإِلَّا) يَكُنْ الطَّرِيقُ آمِنًا وَسَلَكَهُ، وَعَطِبَ، (فَلَا يَكُونُ شَهِيدًا) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: لِأَنَّهُ (أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ) بِتَفْرِيطِهِ بِهَا - (يُمْكِنُ سُلُوكُهُ) ، أَيْ: الطَّرِيقَ عَلَى الْعَادَةِ، (وَلَوْ) كَانَ الطَّرِيقُ (بَحْرًا) يَغْلِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ سُلُوكُهُ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى، أَشْبَهَ الْبَرَّ، (أَوْ) كَانَ الطَّرِيقُ (غَيْرَ مُعْتَادٍ) ، لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنَّهُ مَشَقَّةٌ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ كَبُعْدِ الْبَلَدِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الطَّرِيقِ إمْكَانُ سُلُوكِهِ (بِلَا خِفَارَةٍ) بِتَثْلِيثِ الْخَاءِ (لَا يَسِيرَةٍ) ، فَإِنْ كَانَتْ الْخَفَارَةُ يَسِيرَةً لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ؛ لَزِمَهُ بَذْلُهَا، (قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) كَابْنِ حَامِدٍ وَالْمَجْدِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِفَادَاتِ " وَ " تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " وَ " تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ " وَصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " وَزَادَ الْمَجْدُ: إذَا أَمِنَ الْقَدْرَ مِنْ الْمَبْذُولِ لَهُ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْخَفَارَةُ تَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الدَّفْعِ عَنْ الْمُخَفَّرِ، وَلَا تَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا، كَمَا فِي أَخْذِ السُّلْطَانِ مِنْ الرَّعَايَا، وَظَاهِرُ " الْمُنْتَهَى ": لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً، لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ، فَلَمْ يَلْزَمْ بَذْلُهَا فِي الْعِبَادَةِ، وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقْتَصِرْ الْمُصَنَّفُ عَلَى قَوْلِهِ: لَا يَسِيرَةٍ، بَلْ ذَكَرَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرِّي بِقَوْلِهِ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ. (يُوجَدُ فِيهِ) ، أَيْ الطَّرِيقِ، (الْمَاءُ وَالْعَلَفُ عَلَى الْمُعْتَادِ) ، بِأَنْ يَجِدَهُ فِي الْمَنَاهِلِ الَّتِي يَنْزِلُهَا، إذْ لَوْ كُلِّفَ لِحَمْلِ مَائِهِ وَعَلَفِ بَهَائِمِهِ فَوْقَ الْمُعْتَادِ مِنْ ذَلِكَ، أَدَّى إلَى مَشَقَّةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 عَظِيمَةٍ، فَإِنْ وُجِدَ عَلَى الْعَادَةِ وَلَوْ يَحْمِلُ مِنْ مَنْهَلٍ إلَى آخَرَ، أَوْ الْعَلَفَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ، لَزِمَهُ، لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ. (وَ) مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ (دَلِيلٌ لِجَاهِلٍ) طَرِيقَ مَكَّةَ، (وَ) مِنْهَا (قَائِدٌ لِأَعْمَى) ، لِأَنَّ فِي إيجَابِهِ عَلَيْهِمَا بِلَا دَلِيلٍ وَقَائِدٍ ضَرَرًا عَظِيمًا، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا، (وَيَلْزَمُهُمَا) ، أَيْ: الْجَاهِلَ وَالْأَعْمَى (أُجْرَةُ مِثْلِهِمَا) أَيْ: الدَّلِيلِ وَالْقَائِدِ، لِتَمَامِ الْوَاجِبِ بِهِمَا، (فَيُعْتَبَرُ قُدْرَةٌ عَلَيْهَا) ، أَيْ: أُجْرَةِ مِثْلِهِمَا، (فَإِنْ تَبَرَّعَا) ، أَيْ: الدَّلِيلُ وَالْقَائِدُ، (لَمْ يَلْزَمْ) الْجَاهِلَ وَالْأَعْمَى ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ. (وَعَنْهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ (هَذِهِ) الشَّرَائِطَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ سِعَةِ الْوَقْتِ، وَأَمْنِ الطَّرِيقِ، وَدَلِيلِ الْجَاهِلِ، وَقَائِدِ الْأَعْمَى (مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ وَالسَّعْيِ) ، لِأَنَّهُ، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَسَّرَ السَّبِيلَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَلِأَنَّ إمْكَانَ الْأَدَاءِ لَيْسَ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الْعِبَادَةِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ زَالَ الْمَانِعُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا يُمْكِنُ الْأَدَاءُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْأَدَاءُ دُونَ الْقَضَاءِ، كَالْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ بُرْؤُهُ، وَعَدَمُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجَمِيعُ، (وَعَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ أَنَّ هَذِهِ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ، (فَلَوْ مَاتَ) مَنْ وَجَدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ (قَبْلَ ذَلِكَ) ، أَيْ: قَبْلَ وُجُودِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ، (وَجَبَ الْحَجُّ فِي مَالِهِ) بِمَوْتِهِ بَعْدَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ شَرْطِ الْوُجُوبِ وَشَرْطِ الْأَدَاءِ أَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ إذَا مَاتَ قَبْلَ وُجُودِهِ، لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ فِي مَالِهِ، وَمَا كَانَ شَرْطًا فِي الْأَدَاءِ وَوُجُوبِ السَّعْيِ إذَا مَاتَ قَبْلَ وُجُودِهِ، فَقَدْ كَمُلَتْ فِي حَقِّهِ شَرَائِطُ الْوُجُوبِ، وَوَجَبَ الْحَجُّ فِي مَالِهِ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي (اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ) مِنْ الْأَصْحَابِ. (وَ) عَلَيْهِ: فَ (يَأْثَمُ إنْ لَمْ يَعْزِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 عَلَى الْفِعْلِ) ، أَيْ: فِعْلِ الْحَجِّ إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَأُمِنَتْ الطَّرِيقُ، وَوَجَدَ الدَّلِيلَ أَوْ الْقَائِدُ، (كَمَا نَقُولُ فِي طُرُوءِ حَيْضٍ) بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، فَإِنَّ الْحَائِضَ تَأْثَمُ إنْ لَمْ تَعْزِمْ عَلَى الْقَضَاءِ إذَا زَالَ، (فَالْعَزْمُ عَلَى الْعِبَادَةِ مَعَ الْعَجْزِ) عَنْهَا (يَقُومُ مَقَامَ الْأَدَاءِ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ) حَالَ الْعَجْزِ، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (فَمَنْ كَمُلَتْ لَهُ الشُّرُوطُ) الْخَمْسَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، (وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ) لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (فَوْرًا) نَصًّا (إذَا كَانَ فِي وَقْتِ الْمَسِيرِ) ، فَيَأْثَمُ إنْ أَخَّرَهُ بِلَا عُذْرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْفَوْرِ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «تَعَجَّلُوا إلَى الْحَجِّ - يَعْنِي: الْفَرِيضَةَ - فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَمْنَعْهُ مَرَضٌ حَابِسٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ، أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ، يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ، وَلِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَرْضُ الْعُمْرِ، أَشْبَهَا الْإِيمَانَ، وَأَمَّا تَأْخِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ، إمَّا لِأَنَّ اللَّهَ أَطْلَعَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَحُجَّ، فَكَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْإِدْرَاكِ، أَوْ لِخَوْفِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَمُرَاسَلَتِهِمْ لِلرُّومِ الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا لَهُ فِي قَرْيَةِ تَبُوكَ، وَهُوَ قَرِيبُ الْعَهْدِ فِي غَزْوِهِمْ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. (وَالْعَاجِزُ) عَنْ سَعْيٍ لِحَجٍّ وعُمْرَةٍ (لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) لِنَحْوِ زَمَانَةٍ. (وَيَتَّجِهُ: وَمِنْهُ) ، أَيْ: الْمَرَضِ الْمَيْئُوسِ مِنْ بُرْئِهِ، الْمُعْجِزِ - مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ - عَنْ فِعْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: (شَبَقٌ) شَدِيدٌ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ الصَّبْرَ عَنْ الْجِمَاعِ، (وَجُنُونٌ) مُطْبِقٌ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ صَاحِبِهِ لِلنِّيَّةِ، أَوْ غَيْرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 مُطْبِقٍ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَنْ يُدَارِيهِ حَالَ جُنُونِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (أَوْ) ل (ثِقَلٍ) بِحَيْثُ يَصِيرُ (لَا يَقْدِرُ مَعَهُ) ، أَيْ: الثِّقَلِ، (رُكُوبًا) عَلَى رَاحِلَةٍ أَوْ فِي مَحْمَلٍ، (إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ نِضْوَ الْخِلْقَةِ لَا يَقْدِرُ ثُبُوتًا عَلَى رَاحِلَةٍ إلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ، يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِيمَ نَائِبًا حُرًّا وَلَوْ) كَانَ النَّائِبُ (امْرَأَةً يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ عَنْهُ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَوْرًا مِنْ بَلَدِهِ) ، أَيْ: الْعَاجِزِ، لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ. وَيَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ النَّائِبُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَفْظًا. وَإِنْ نَسِيَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ، نَوَى مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ عَنْهُ، (أَوْ) مِنْ (مَوْضِعٍ أَيْسَرَ فِيهِ) ، أَيْ: قَدَرَ فِيهِ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَلَدِهِ. (وَأَجْزَأَ) فِعْلُ نَائِبٍ (عَمَّنْ عُوفِيَ) مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أُبِيحَ لِأَجْلِهِ الِاسْتِنَابَةُ، لِإِتْيَانِهِ بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنْ عُهْدَتِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ، وَالْمُعْتَبَرُ لِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ الْيَأْسُ ظَاهِرًا، سَوَاءٌ عُوفِيَ قَبْلَ فَرَاغِ نَائِبِهِ مِنْ النُّسُكِ أَوْ بَعْدَهُ، و (لَا) يُجْزِئُ مُسْتَنِيبًا إنْ عُوفِيَ (قَبْلَ إحْرَامِ نَائِبِهِ) ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ، وَمَنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ لَا يَسْتَنِيبُ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا يَرْجِعُ) الْمُسْتَنِيبُ (عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى نَائِبِهِ (بِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 أَنْفَقَ قَبْلَ أَنْ عُوفِيَ) الْمُسْتَنِيبُ، (بَلْ) يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ مُسْتَنِيبِهِ (بَعْدَهُ) ، أَيْ: بَعْدَ أَنْ شُفِيَ وَعَادَتْ عَافِيَتُهُ إلَيْهِ، (لِعَزْلِهِ) إيَّاهُ (إذَنْ) ، أَيْ: بِمُجَرَّدِ شِفَائِهِ انْعَزَلَ نَائِبُهُ حُكْمًا، سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، قِيَاسًا عَلَى الْوَكِيلِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَسْقُطَانِ) ، أَيْ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ (عَمَّنْ مَاتَ وَلَمْ يَجِدْ نَائِبًا) ، لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا نَائِبِهِ. (وَمَنْ لَزِمَهُ) حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَوْ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، (فَتُوُفِّيَ) قَبْلَهُ (وَلَوْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) مِنْ فِعْلِهِ: (بِحَبْسٍ بِحَقٍّ أَوْ ظُلْمٍ أَوْ اعْتِدَاءٍ) ، وَكَانَ قَدْ اسْتَطَاعَ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ، وَخَلَّفَ مَالًا، (أُخْرِجَ عَنْهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ، (مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةً وَعُمْرَةً) ، أَيْ: مَا يَفْعَلَانِهِ بِهِ (مِنْ حَيْثُ وَجَبَا) ، أَيْ: بَلَدِ الْمَيِّتِ نَصًّا، لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ، أَكُنْت قَاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللَّهَ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 (وَيُجْزِئُ) أَنْ يُسْتَنَابَ عَنْ مَعْضُوبٍ أَوْ مَيِّتٍ لَهُ وَطَنَانِ (مِنْ أَقْرَبِ وَطَنَيْهِ) ، لَتَخَيُّرِ الْمَنُوبِ عَنْهُ لَوْ أَدَّى بِنَفْسِهِ، (وَ) يُجْزِئُ أَنْ يُسْتَنَابَ عَنْهُ (مِنْ خَارِجِ بَلَدِهِ لِدُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ) ، لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، و (لَا) يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنَابَ عَنْهُ مِمَّا (فَوْقَهَا) لِمَا تَقَدَّمَ، (فَلَا يُجْزِئُهُ) حَجُّ مَنْ اُسْتُنِيبَ عَنْهُ مِمَّا فَوْقَ الْمَسَافَةِ لِعَدَمِ إتْيَانِهِ بِالْوَاجِبِ. (وَيَسْقُطُ) حَجٌّ عَنْ مَيِّتٍ (بِحَجِّ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْوَارِثُ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ. (وَيَرْجِعُ) الْأَجْنَبِيُّ (عَلَى تَرِكَتِهِ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ بِمَا أَنْفَقَ (إنْ نَوَاهُ) ، أَيْ: الرُّجُوعَ، لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ. و (لَا) يَسْقُطُ حَجٌّ (عَنْ) مَعْضُوبٍ (حَيٍّ) وَلَوْ مَعْذُورًا (بِلَا إذْنِهِ) كَدَفْعِ زَكَاةِ مَالِ حَيٍّ عَنْهُ بِلَا إذْنِهِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، (وَيَقَعُ) حَجُّ مَنْ حَجَّ عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ (عَنْ نَفْسِهِ) ، أَيْ: الْحَاجِّ، (وَلَوْ) كَانَ الْحَجُّ (نَفْلًا) عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ بِلَا إذْنِهِ، (فَإِنْ جَعَلَ) الْحَاجُّ (ثَوَابَهُ) ، أَيْ: ثَوَابَ حَجِّهِ، (لَهُ) ، أَيْ: لِمَحْجُوجٍ عَنْهُ بِلَا إذْنِهِ، (حَصَلَ) لَهُ ذَلِكَ (لِمَا مَرَّ آخِرَ الْجَنَائِزِ) مِنْ قَوْلِهِمْ: وَكُلُّ قُرْبَةٍ فُعِلَتْ وَجُعِلَ ثَوَابُهَا لِحَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ، نَفَعَهُ ذَلِكَ. (وَمَنْ) وَجَبَ عَلَيْهِ نُسُكٌ وَمَاتَ قَبْلَهُ، و (ضَاقَ مَالُهُ) عَنْ أَدَائِهِ مِنْ بَلَدِهِ، اُسْتُنِيبَ بِهِ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ، (أَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ) وَعَلَيْهِ حَجٌّ، وَضَاقَ مَالُهُ عَنْهُمَا (أُخِذَ) مِنْ مَالِهِ (لِحَجٍّ بِحِصَّتِهِ) ، كَسَائِرِ الدُّيُونِ، (وَحُجَّ بِهِ) ، أَيْ: بِمَا أُخِذَ لِلْحَجِّ (مِنْ حَيْثُ بَلَغَ) ، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأَتَوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (وَإِنْ مَاتَ) هُوَ (أَوْ) مَاتَ (نَائِبُهُ بِطَرِيقِهِ، حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ) هُوَ أَوْ نَائِبُهُ، لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ الْقَضَاءُ، وَالْمَنُوبُ عَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وَطَنِهِ، ثُمَّ الْعَوْدُ لِلْحَجِّ مِنْهُ، فَيُسْتَنَابُ عَنْهُ (فِيمَا بَقِيَ) نَصًّا (مَسَافَةً وَفِعْلًا وَقَوْلًا) ، لِوُقُوعِ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ مَوْقِعِهِ وَإِجْزَائِهِ، (وَإِنْ صُدَّ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَجٌّ أَوْ نَائِبُهُ بِطَرِيقِهِ، (فَعَلَ مَا بَقِيَ) مَسَافَةً وَقَوْلًا وَفِعْلًا، لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ الْوَاجِبِ. (وَإِنْ وَصَّى) شَخْصٌ (ب) نُسُكٍ (نَفْلٍ وَأَطْلَقَ) ، فَلَمْ يَقُلْ مِنْ مَحَلِّ كَذَا، (جَازَ) أَنْ يَفْعَلَ (مِنْ مِيقَاتِ بَلَدٍ) مَاتَ فِيهِ (مُوصٍ) نَصًّا، (مَا لَمْ تَمْتَنِعْ قَرِينَةٌ، كَبَذْلِ مَالٍ كَثِيرٍ) يُمْكِنُ الْحَجُّ بِهِ مِنْ بَلَدِهِ، فَيُسْتَنَابُ بِهِ مِنْهُ لِحَجٍّ وَجَبَ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِحَجٍّ مِنْ مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ، حُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ، أَوْ يُعَانُ بِهِ فِي الْحَجِّ نَصًّا [فَصْلٌ هَلْ يَصِحّ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ] (فَصْلٌ) (وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرْ عَنْ نَفْسِهِ) أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ عَنْ غَيْرِهِ، (وَلَوْ) كَانَ حَجَّ حَجَّةً فَاسِدَةً وَوَجَبَ عَلَيْهِ (الْقَضَاءُ) ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرُ حَجٍّ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ (حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ عَنْ غَيْرِهِ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ: حَجَجْت عَنْ نَفْسِك؟ قَالَ: لَا؟ قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِك، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. وَفِي رِوَايَةِ: صَالِحٍ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَلِأَنَّهُ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ حَجِّهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ كَانَ صَبِيًّا، (وَلَا) عَنْ (نَذْرِهِ وَ) لَا عَنْ (نَافِلَتِهِ) ، أَيْ: الْغَيْرِ حَيًّا كَانَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ أَوْ مَيِّتًا. وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِنَذْرِهِ وَلَا نَافِلَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَجُّ الْإِسْلَامِ أَوْ عُمْرَتُهُ، (فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَأَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَافِلَةٍ إذَنْ، (انْصَرَفَ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ أَوْ الْقَضَاءِ) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ: «هَذِهِ عَنْك، وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» ، وَقَوْلُهُ: «حُجَّ عَنْ نَفْسِك» ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 أَيْ: اسْتَدِمْهُ عَنْ نَفْسِك، كَقَوْلِك لِلْمُؤْمِنِ: آمِنْ، وَلِأَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ مُلْغَاةٌ، فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا وَحِينَئِذٍ: فَيَرُدُّ النَّائِبُ مَا أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِهِ لِيَحُجَّ عَنْهُ لِعَدَمِ إجْزَاءِ حَجِّهِ عَنْهُ، وَوُقُوعِهِ عَنْ نَفْسِهِ، (وَالنَّائِبُ كَمَنُوبٍ عَنْهُ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرِ مَنُوبِهِ وَقَعَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجُّ قَضَاءٍ، وَأَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ، وَقَعَ عَنْ الْقَضَاءِ دُونَ مَا نَوَاهُ. (وَيَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ عَاجِزٍ أَوْ مَيِّتٍ وَاحِدٍ فِي فَرْضِهِ وَآخَرَ فِي نَذْرِهِ فِي عَامٍ) وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا، (وَأَيُّهُمَا) ، أَيْ: النَّائِبَيْنِ (أَحْرَمَ أَوَّلًا) ، أَيْ: قَبْلَ الْآخَرِ، (فَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ) الْحَجَّةُ (الْأُخْرَى) الَّتِي تَأَخَّرَ إحْرَامُ نَائِبِهَا (عَنْ نَذْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ) ، أَيْ: الثَّانِي عَنْ النَّذْرِ، لِأَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ فِيهِ عَنْ التَّعْيِينِ ابْتِدَاءً، لِانْعِقَادِهِ بِهِمَا ثُمَّ يُعَيَّنُ، وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحَجِّ. (وَ) إنْ أَحْرَمَ (بِنَفْلٍ مَنْ عَلَيْهِ نَذْرٌ، ف) يَقَعُ إحْرَامُهُ (عَنْ نَذْرِهِ، أَشْبَهَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ) ، وَتَقَدَّمَ. (وَيَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، وَ) أَنْ (يَتَنَفَّلَ بِهِ) ، أَيْ: الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، (مَنْ) حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَلَكِنْ (عَلَيْهِ عُمْرَةٌ، وَعَكْسُهُ) ، أَيْ: يَصِحُّ أَنْ يَعْتَمِرَ عَنْ غَيْرِهِ وَيَتَنَفَّلَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ حَجٌّ، لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَنُوبَ مَنْ عَلَيْهِ نُسُكٌ عَنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ النُّسُكِ. (وَ) يَصِحُّ (أَنْ يَجْعَلَ قَارِنٌ) أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ أَوْ بِهَا، ثُمَّ بِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي، (الْحَجَّ عَنْ شَخْصٍ) اسْتَنَابَهُ فِيهِ، (وَالْعُمْرَةَ عَنْ) شَخْصٍ (آخَرَ) اسْتَنَابَهُ فِيهَا (بِإِذْنِهِمَا) ، أَيْ: الشَّخْصَيْنِ، لِأَنَّ الْقِرَانَ نُسُكٌ مَشْرُوعٌ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا، وَقَعَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَنْ النَّائِبِ، وَرَدَّ لَهُمَا مَا أَخَذَهُ مِنْهُمَا، كَمَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ، أَوْ عَكْسِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (وَ) يَصِحُّ (أَنْ يَسْتَنِيبَ قَادِرٌ) عَلَى حَجٍّ (وَغَيْرُهُ) ، أَيْ: غَيْرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 الْقَادِرِ عَلَيْهِ، (فِي نَفْلِ حَجٍّ وَ) فِي (بَعْضِهِ) كَالصَّدَقَةِ، وَكَذَا عُمْرَةٍ. وَيَصِحُّ نُسُكُ نَفْلٍ عَنْ مَيِّتٍ، وَيَقَعُ عَنْهُ وَكَأَنَّهُ مُهْدٍ إلَيْهِ ثَوَابَهُ، (وَالنَّائِبُ) فِي نُسُكٍ (أَمِينٌ فِيمَا أُعْطِيَهُ) مِنْ مَالٍ (لِيَحُجَّ مِنْهُ) أَوْ يَعْتَمِرَ فَيَرْكَبُ وَيُنْفِقُ مِنْهُ بِمَعْرُوفٍ، فَإِنْ زَادَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ (ف) إنَّهُ (يَضْمَنُ) . (وَيَتَّجِهُ) : مَحِلُّ ذَلِكَ (حَيْثُ لَا عَقْدَ بِجُعْلٍ مَعْلُومٍ) ، أَمَّا لَوْ عَقَدَ مَعَ الْمُسْتَنِيبِ عَلَى جُعْلٍ مَعْلُومٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ حِينَئِذٍ فِي مَالِ نَفْسِهِ، فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (مَا زَادَ) ، أَيْ: أَنْفَقَهُ زَائِدًا (عَلَى نَفَقَةِ الْمَعْرُوفِ، أَوْ) مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ (طَرِيقٍ أَقْرَبَ) مِنْ الطَّرِيقِ الْبَعِيدِ إذَا سَلَكَهُ (بِلَا ضَرَرٍ) فِي سُلُوكِ أَقْرَبَ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا، (وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يَرُدَّ مَا فَضَلَ) مِنْ نَفَقَتِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ لَهُ الْمُسْتَنِيبُ، وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ النَّفَقَةَ مِنْهُ، قَالَ فِي الْإِرْشَادِ " وَغَيْرِهِ فِي: حُجَّ عَنِّي بِهَذَا، فَمَا فَضَلَ لَك: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ تِجَارَةً قَبْلَ حَجِّهِ. (وَيَحْسِبُ لَهُ) ، أَيْ: النَّائِبُ (نَفَقَةَ رُجُوعِهِ) بَعْدَ أَدَاءِ النُّسُكِ بِمَكَّةَ إلَّا أَنْ يَتَّخِذَهَا دَارَ إقَامَةٍ وَلَوْ سَاعَةً، فَلَا يَحْتَسِبُ لَهُ نَفَقَةَ الرُّجُوعِ، لِسُقُوطِهَا، فَلَمْ تُعَدَّ اتِّفَاقًا. (وَ) يَحْسِبُ لَهُ نَفَقَةَ (خَادِمِهِ إنْ خُدِمَ) ، بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، (مِثْلُهُ) ، لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ. وَإِنْ مَاتَ أَوْ ضَلَّ أَوْ صُدَّ أَوْ مَرِضَ أَوْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ، أَوْ أَعْوَزَ بَعْدَهُ، لَمْ يَضْمَنْ، وَيُصَدَّقُ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَمْرًا ظَاهِرًا فَيُبَيِّنُهُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ لَهُ صَرْفُ نَقْدٍ بِآخَرَ لِمُصْلِحَتِهِ، وَشِرَاءُ مَاءٍ لِطَهَارَتِهِ، وَتَدَاوٍ، وَدُخُولِ حَمَّامٍ. (وَيَرْجِعُ) نَائِبٌ (بِمَا اسْتَدَانَهُ لِعُذْرٍ) عَلَى مُسْتَنِيبِهِ، (وَ) يَرْجِعُ (بِمَا أَنْفَقَ عَنْ) ، أَيْ: عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 (نَفْسِهِ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ) ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ حَاكِمًا، لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ، (وَمَا لَزِمَ نَائِبًا مِنْ دَمٍ وَغَيْرِهِ) كَفِعْلِ مَحْظُورٍ (ب) سَبَبِ (مُخَالَفَتِهِ، فَمِنْهُ) ، أَيْ: النَّائِبِ، لِأَنَّهُ بِجِنَايَتِهِ (حَتَّى دَمِ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِمَا) ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ مُسْتَنِيبُهُ، فَعَلَيْهِ. (وَنَفَقَةُ حَجٍّ فَسَدَ عَلَى نَائِبٍ، كَقَضَائِهِ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ) ، لِأَنَّ النُّسُكَ لَمْ يَقَعْ عَنْ مُسْتَنِيبِهِ لِجِنَايَتِهِ وَتَفْرِيطِهِ. (وَيَتَّجِهُ: تَبَيُّنُ وُقُوعِ) فِعْلِ (الْحَجِّ مِنْ أَصْلِهِ عَنْ النَّائِبِ) ، لِيَتَوَجَّهَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ اثْنَيْنِ) اسْتَنَابَاهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ عَنْهُمَا، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِوُقُوعِهِ عَنْهُ مِنْ الْآخَرِ، (أَوْ) أَحْرَمَ عَنْ (أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ) ، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ دُونَهُمَا، أَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، (وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ) ، لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ فِيمَا سَبَقَ وَلَمْ يَنْوِهَا، فَمَعَ نِيَّتِهِ أَوْلَى، وَيَرُدُّ لَهُمَا مَا أَخَذَهُ مِنْهُمَا. (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ اثْنَيْنِ أُجْرَةَ حَجَّتَيْنِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا فِي عَامٍ) وَاحِدٍ، (أُدِّبَ) ، لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا، نَصَّ عَلَيْهِ، (وَمَنْ اسْتَنَابَهُ اثْنَانِ بِعَامٍ) وَاحِدٍ (فِي نُسُكٍ، فَأَحْرَمَ) بِهِ (عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَنْسَهُ، صَحَّ، وَلَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ لِلْآخَرِ بَعْدَهُ) نَصًّا، وَلَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَرَمَى، لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى، وَرَمْيُ الْجِمَارِ أَيَّامُهَا بَاقِيَةٌ، فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ إحْرَامٍ عَلَى إحْرَامٍ. (وَإِنْ نَسِيَهُ) ، أَيْ: نَسِيَ مَنْ أَحْرَمَ عَنْهُ مِنْهُمَا، (وَتَعَذَّرَ) عَلَيْهِ (عِلْمُهُ فَإِنْ فَرَّطَ) النَّائِبُ (أَعَادَ الْحَجَّ عَنْهُمَا) ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا، لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّتِهِ، بَلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ، (وَإِنْ فَرَّطَ مُوصًى إلَيْهِ) بِذَلِكَ، بِأَنْ لَمْ يُسَمِّهِ لِلنَّائِبِ، (غَرِمَ) مُوصًى إلَيْهِ (ذَلِكَ) ، أَيْ: نَفَقَةَ الْحَجِّ عَنْهُمَا، (وَإِلَّا) يَكُنْ ذَلِكَ بِتَفْرِيطِ النَّائِبِ وَلَا الْمُوصَى إلَيْهِ، بِأَنْ سَمَّاهُ لِلنَّائِبِ وَعَيَّنَهُ ابْتِدَاءً، لَكِنَّهُ نَسِيَهُ، فَالنَّفَقَةُ عَنْهُمَا (مِنْ تَرِكَةِ مُوصِيَيْهِ) الْمُسْتَنَابِ عَنْهُمَا، لِعَدَمِ التَّفْرِيطِ، (وَلَا تُعْتَبَرُ تَسْمِيَةُ نَائِبٍ) مَنْ اسْتَنَابَهُ (لَفْظًا) نَصًّا، (فَلَوْ جَهِلَ) النَّائِبُ (اسْمَهُ) ، أَيْ: الْمُسْتَنِيبِ، (أَوْ نَسِيَهُ، لَبَّى عَمَّنْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ) ، لِحَلِّ التَّمْيِيزِ بِذَلِكَ. (وَيَتَعَيَّنُ نَائِبٌ بِتَعْيِينِ وَصِيٍّ) جُعِلَ (لَهُ التَّعْيِينُ) ، لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، (فَإِنْ أَبَى) الْوَصِيُّ التَّعْيِينَ، (عَيَّنَ غَيْرَهُ) كَوَارِثٍ أَوْ حَاكِمٍ، (وَيَأْتِي فِي) بَابِ (الْمُوصَى لَهُ) بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا [فَرْعٌ هَلْ يَجُوز أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ عَنْ أَبَوَيْهِ الميتين] (فَرْعٌ) (سُنَّ أَنْ يَحُجَّ) وَيَعْتَمِرَ (عَنْ أَبَوَيْهِ) إنْ كَانَا (مَيِّتَيْنِ أَوْ عَاجِزَيْنِ) ، زَادَ بَعْضُهُمْ: إنْ لَمْ يَحُجَّا، (وَيُقَدِّمُ أُمَّهُ، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْبِرِّ، وَ) يُقَدِّمُ (وَاجِبَ أَبِيهِ عَلَى نَفْلِهَا) لِإِبْرَائِهِ ذِمَّتَهُ، نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: " إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ وَالِدَيْهِ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَعَنْهُمَا، وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِي السَّمَاءِ وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بِرًّا " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْبَقَّالُ ضَعِيفَانِ. [فَصْلٌ شُرُوط وُجُوب السَّعْيِ لِحَجٍّ أوعمرة] (فَصْلٌ) (وَشُرِطَ لِوُجُوبِ سَعْيٍ) لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (عَلَى أُنْثَى مَحْرَمٌ) شَابَّةً كَانَتْ أَوَعَجُوزًا نَصًّا. قَالَ: الْمَحْرَمُ مِنْ السَّبِيلِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ، لَمْ يَلْزَمْهَا الْحَجُّ بِنَفْسِهَا وَلَا بِنَائِبِهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يُدْخَلُ عَلَيْهَا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ، فَقَالَ: اُخْرُجْ مَعَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا مَحْرَمٌ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِمُسْلِمٍ: «ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» وَالْخُنْثَى كَالرَّجُلِ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ فِي حَقِّهِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (وَيُعْتَبَرُ) الْمَحْرَمُ (لَهَا) ، أَيْ: لِلْأُنْثَى (حَيْثُ بَلَغَتْ سَبْعًا) فَأَكْثَرَ (فِي كُلِّ سَفَرٍ) حَجًّا كَانَ أَوْ غَيْرِهِ، طَوِيلًا كَانَ أَوْ قَصِيرًا، (فَلَا يَحِلُّ) لَهَا السَّفَرُ (بِدُونِهِ) ، أَيْ: الْمَحْرَمِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ لِخُرُوجِهَا (بِأَطْرَافِ الْبَلَدِ مَعَ أَمْنٍ) عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَفَرٍ (وَهُوَ) ، أَيْ: الْمَحْرَمُ الْمُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ النُّسُكِ وَجَوَازِ السَّفَرِ مَعَهُ: (زَوْجٌ) ، وَسُمِّيَ مَحْرَمًا مَعَ حِلِّهَا لَهُ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ صِيَانَتِهَا وَحِفْظِهَا بِهِ، مَعَ إبَاحَةِ الْخَلْوَةِ بِهَا، (أَوْ سَيِّدٌ) ، لِأَنَّهُ كَالزَّوْجِ (لَا سَيِّدَةٌ) لِأَنَّهَا لَا تَقْوَى عَلَى صِيَانَةِ نَفْسِهَا فَضْلًا عَنْ أَمَتِهَا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، أَيْ: الْأَصْحَابِ: اعْتِبَارُ الْمَحْرَمِ لِلْكُلِّ، أَيْ: الْأَحْرَارِ وَإِمَائِهِنَّ وَعُتَقَائِهِنَّ، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَعَدَمِ الْمَحْرَمِ لَهُنَّ كَعَدَمِهِ لِلْحُرَّةِ الْأَصْلِ، (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ يُسَافِرْنَ مَعَهَا تَبَعًا لَهَا، فَلَا يَفْتَقِرْنَ إلَى مَحْرَمٍ، لِأَنَّهُنَّ لَا مَحْرَمَ لَهُنَّ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ. انْتَهَى. (وَيَتَّجِهُ) : اعْتِبَارُ الْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ مُطْلَقًا، (إلَّا إنْ سَافَرَتْ السَّيِّدَةُ مَعَ مَحْرَمٍ، وَاحْتَاجَتْ إلَيْهَا) ، أَيْ: إلَى أَمَتِهَا، فَلَهَا أَنْ تَصْحَبَهَا مَعَهَا مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ اكْتِفَاءً بِمَحْرَمِ سَيِّدَتِهَا، وَلَوْ حَمَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الشَّيْخِ عَلَى هَذَا، لَكَانَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: خِلَافًا لَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (أَوْ ذَكَرٌ) مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا، فَأُمُّ الْمَرْأَةِ وَبِنْتُهَا لَيْسَتْ مَحْرَمًا لَهَا، وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ كَذَلِكَ (مُسْلِمٌ) ، فَأَبٌ وَنَحْوُهُ كَافِرٌ لَيْسَ مَحْرَمًا لِمُسْلِمَةٍ نَصًّا، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا كَالْحَضَانَةِ، وَكَالْمَجُوسِيِّ لِاعْتِقَادِهِ حِلَّهَا، (مُكَلَّفٌ) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 إذْ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ: لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحِفْظِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَحْرَمُ (عَبْدًا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ (تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا) كَأَبٍ وَأَخٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ وَلَدِ زَوْجٍ أَوْ أَبِيهِ (لِحُرْمَتِهَا، بِخِلَافِ مُلَاعَنَةٍ) ، فَلَيْسَ الْمُلَاعِنُ مَحْرَمًا لَهَا، لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ أَبَدًا تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ (بِنَسَبٍ) كَأُبُوَّةٍ وَبُنُوَّةٍ وَأُخُوَّةٍ وَنَحْوِهَا، (أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ، كَحَلَائِلِ آبَاءٍ وَأَبْنَاءٍ وَأُمَّهَاتِ نِسَاءٍ، بِخِلَافِ وَطْءِ زِنًا أَوْ شُبْهَةٍ) ، لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ نِعْمَةٌ، فَاعْتُبِرَ إبَاحَةُ سَبَبِهَا كَسَائِرٍ الرُّخَصِ. (وَيَتَّجِهُ: احْتِمَالُ لَوْ تَزَوَّجَهَا) ، أَيْ: الْمَزْنِيَّ بِهَا (بَعْدُ) ، أَيْ: بَعْدَ زِنَاهُ بِهَا، وَبَعْدَ أَنْ تَابَتْ، (لَا يَعُودُ مَحْرَمًا) لَهَا وَلَا لِأُمَّهَاتِهَا وَبَنَاتِهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، كَذَا قَالَ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ تَصْرِيحًا وَلَا تَلْوِيحًا، بَلْ مَتَى تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ صَارَ مَحْرَمًا لَهَا، فَيَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا وَالسَّفَرُ بِلَا رَيْبٍ، (سِوَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّحْرِيمِ دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ. (وَنَفَقَتُهُ) ، أَيْ: الْمَحْرَمِ زَمَنَ سَفَرِهِ مَعَهَا لِأَدَاءِ نُسُكِهَا (وَلَوْ) كَانَ الْمَحْرَمُ (زَوْجَهَا) ، فَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ بِقَدْرِ نَفَقَةِ الْحَضَرِ وَمَا زَادَ ف (عَلَيْهَا) ، أَيْ: الْمَرْأَةِ، لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهَا، (فَيُشْتَرَطُ لَهَا) ، أَيْ: لِوُجُوبِ النُّسُكِ عَلَيْهَا (مِلْكُ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ) بِآلَتِهِمَا (لَهُمَا) ، أَيْ: لِلْمَرْأَةِ وَمَحْرَمِهَا، وَأَنْ تَكُونَ الرَّاحِلَةُ وَآلَتُهَا صَالِحِينَ لَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ ذَلِكَ لَهُمَا، لَمْ يَلْزَمْهَا (وَلَا يَلْزَمُهُ) ، أَيْ: الْمَحْرَمُ، (مَعَ بَذْلِهَا ذَلِكَ) ، أَيْ: الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ لَهُ وَمَا يَحْتَاجُهُ، (سَفَرٌ مَعَهَا) لِلْمَشَقَّةِ كَحَجِّهِ عَنْ نَحْوِ كَبِيرَةٍ عَاجِزَةٍ، وَأَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِيمَا سَبَقَ الزَّوْجَ بِسَفَرِهِ مَعَهَا إمَّا بَعْدَ الْحَظْرِ أَوْ أَمْرَ تَخْيِيرٍ، لِعِلْمِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يُعْجِبُهُ السَّفَرُ مَعَهَا، (وَتَكُونُ) إنْ امْتَنَعَ مَحْرَمُهَا مِنْ سَفَرٍ مَعَهَا (كَمَنْ لَا مَحْرَمَ لَهَا) ، فَلَا وُجُوبَ عَلَيْهَا، (فَإِنْ) لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ و (تَزَوَّجَتْ مَنْ) ، أَيْ: زَوْجًا (يَحُجُّ بِهَا، فَلَا بَأْسَ) ، وَلَيْسَ الْعَبْدُ مَحْرَمًا لِسَيِّدَتِهِ نَصًّا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَالِكَةً لَهُ، لِحَدِيثِ: «سَفَرُ الْمَرْأَةِ مَعَ عَبْدِهَا ضَيْعَةٌ» وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا، وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَلَوْ جَازَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا، لِأَنَّهُ لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ. (وَمَنْ أَيِسَتْ مِنْهُ) ، أَيْ: الْمَحْرَمِ، (اسْتَنَابَتْ) مَنْ يَفْعَلُ النُّسُكَ عَنْهَا كَكَبِيرٍ عَاجِزٍ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ أَنْ أَيِسَتْ مِنْ الْمَحْرَمِ، وَبَعْدَ أَنْ حُجَّ عَنْهَا، أَجْزَأَهَا، لِأَنَّهَا كَالْمَعْضُوبِ إذَا عُوفِيَ بَعْدَ الْحَجِّ عَنْهُ وَالْمُرَادُ: أَيِسَتْ بَعْدَ أَنْ وَجَدَتْ الْمَحْرَمَ، وَفَرَّطَتْ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى فُقِدَ، لِنَقْلِ إِسْحَاقَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ لَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ: هَلْ تَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ يَحُجُّ عَنْهَا؟ فَقَالَ: إذَا كَانَتْ قَدْ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحْرَمِ، فَأَرَى أَنْ تُجَهِّزَ رَجُلًا يَحُجُّ عَنْهَا، (وَإِنْ حَجَّتْ) امْرَأَةٌ (بِدُونِهِ) ، أَيْ: الْمَحْرَمِ، (حَرُمَ) سَفَرُهَا بِدُونِهِ (وَأَجْزَأَ) حَجُّهَا، كَمَنْ حَجَّ وَتَرَك حَقًّا يَلْزَمُ مِنْ نَحْوِ دَيْنٍ، لَكِنْ لَا يَتَرَخَّصُ. (وَإِنْ مَاتَ) مَحْرَمٌ سَافَرَتْ مَعَهُ (بِالطَّرِيقِ) وَكَانَ (بَعِيدًا) عَنْ وَطَنِهَا (مَضَتْ فِي حَجِّهَا) لِأَنَّهَا لَا تَسْتَفِيدُ بِرُجُوعِهَا شَيْئًا، لِأَنَّهُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، (وَلَمْ تَصِرْ مُحْصَرَةٍ) ، إذْ لَا تَسْتَفِيدُ بِالتَّحْلِيلِ زَوَالُ مَا بِهَا كَالْمَرِيضِ (وَ) وَإِنْ مَاتَ الْمَحْرَمُ (قَرِيبًا) ، فَعَلَيْهَا أَنْ (تَرْجِعَ) ، لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْعَاجِزَةِ. (وَإِنْ كَانَ) الْمَحْرَمُ (زَوْجًا، فَيَأْتِي فِي الْعِدَدِ) أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحْرِمَ، فَإِنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ اعْتَدَّتْ بِمَنْزِلِهِ، وَبَعْدَهَا تُخَيَّرُ بَيْنَ مُضِيٍّ وَرُجُوعٍ [فَرْعٌ هَلْ يَصِحُّ حَجُّ مَعْضُوبٍ] (فَرْعٌ) (يَصِحُّ حَجُّ مَعْضُوبٍ وَأَجِيرِ خِدْمَةٍ) بِأُجْرَةٍ وَدُونِهَا، (وَتَاجِرٍ) ، وَلَا إثْمَ نَصًّا قَالَ فِي " الْفُصُولِ " وَ " الْمُنْتَخَبِ ": الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 (وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ الْإِخْلَاصِ) . قَالَ أَحْمَدُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَك تِجَارَةٌ كَانَ أَخْلَصَ. (وَمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيُبَادِرْ) فَعَلَى كُلِّ خَيْرٍ مَانِعٌ. وَلْيَجْتَهِدْ (فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ) بِرَدِّهَا إلَى أَرْبَابِهَا، وَكَذَلِكَ الْوَدَائِعُ وَالْعَوَارِيّ وَالدُّيُونُ، وَيَسْتَحِلُّ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ ظُلَامَةٌ، وَيَسْتَمْهِلُ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْ عُهْدَتِهِ، (وَ) يَجْتَهِدُ فِي (تَحْصِيلِ رَفِيقٍ حَسَنِ) الْخُلُقِ وَالسَّمْتِ يَكُونُ عَوْنًا لَهُ عَلَى نَصَبِهِ وَأَدَاءِ نُسُكِهِ، يَهْدِيهِ إذَا ضَلَّ وَيُذَكِّرُهُ إذَا نَسِيَ، (سِيَّمَا) إنْ تَيَسَّرَ رَفِيقٌ (عَالِمٌ) ، فَلَا يَرْغَبُ عَنْهُ، فَإِنَّ بُلُوغَ رُشْدِهِ فِي اسْتِمْسَاكِهِ بِهِ. قَالَ الْإِمَام أَحْمَدُ: (كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ يُبَادِرُ بِهِ) ، وَمِنْهُ صُحْبَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ. (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُوَ) بَعْدَهُمَا (بِدُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ) قَبْلَ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ، وَيَسْتَخِيرُ: هَلْ يَحُجُّ الْعَامَ أَوْ غَيْرَهُ؟ إنْ كَانَ الْحَجُّ نَفْلًا، وَأَمَّا الْفَرْضُ فَوَاجِبٌ فَوْرًا، (وَيُصَلِّي بِمَنْزِلِهِ رَكْعَتَيْنِ، وَيَقُولُ) بَعْدَهُمَا: (اللَّهُمَّ هَذَا دِينِي وَأَهْلِي وَمَالِي وَوَلَدِي وَدِيعَةً عِنْدَك، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ) ، قَالَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (يَدْعُو قَبْلَ السَّلَامِ أَفْضَلُ، وَيَخْرُجُ مُبَكِّرًا يَوْمَ خَمِيسٍ) ، قَالَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ: (أَوْ) يَوْمَ (اثْنَيْنِ، وَيَقُولُ إذَا نَزَلَ مَنْزِلًا) مَا وَرَدَ وَمِنْهُ: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ» (أَوْ دَخَلَ بَلَدًا مَا وَرَدَ) وَمِنْهُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ، أَسْأَلُك خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا» . وَيَقُولُ أَيْضًا إذَا رَكِبَ وَنَحْوُهُ مَا وَرَدَ [بَابُ مَوَاقِيتِ الْحَجّ] بَابُ (الْمَوَاقِيتُ) جَمْعُ: مِيقَاتٍ، وَهُوَ لُغَةً: الْحَدُّ، وَاصْطِلَاحًا: (مَوَاضِيعُ وَأَزْمِنَةٌ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 (مُعَيَّنَةٌ لِعِبَادَةٍ مَخْصُوصَةٍ) مِنْ حَجٍّ وَغَيْرِهِ. وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. (فَمِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذُو الْحُلَيْفَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ: أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ، بُعْدُهُ (عَنْ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ، وَعَنْ مَكَّةَ: عَشْرُ مَرَاحِلَ) وَتُعْرَفُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ، (وَ) مِيقَاتُ أَهْلِ (مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْمَغْرِبِ: الْجُحْفَةُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: (قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ) عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ خَرِبَةٌ (بِقُرْبِ رَابِغٍ، وَالْجُحْفَةُ دُونَهَا بِيَسِيرٍ عَنْ مَكَّةَ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ) ، وَهِيَ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ لِمَكَّةَ، تُعْرَفُ الْآنَ بِالْمَقَابِرِ، كَانَ اسْمُهَا مَهْيَعَةَ، فَجَحَفَ السَّيْلُ بِأَهْلِهَا فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ، وَتَلِي ذَا الْحُلَيْفَةِ فِي الْبُعْدِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ أَوْ أَرْبَعُ، وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ رَابِغٍ فَقَدْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ بِيَسِيرٍ. (وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ) مِنْ الْمَوَاقِيتِ (بَيْنَ كُلٍّ مِنْهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ) ، فَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَقَارِبَةٌ. (وَ) مِيقَاتُ أَهْلِ (الْيَمَنِ) - وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ عَلَى يَمِينِ الْكَعْبَةِ مِنْ بِلَادِ الْغَوْرِ، وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ: يَمَنِيٌّ، عَلَى الْقِيَاسِ، وَيَمَانِيٌّ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ -: (يَلَمْلَمُ، وَيُقَالُ: أَلَمْلَمُ) ، لُغَةٌ فِيهِ: (جَبَلٌ) مَعْرُوفٌ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ ثَلَاثُونَ مِيلًا. (وَ) مِيقَاتُ أَهْلِ (نَجْدٍ الْحِجَازُ، وَ) أَهْلِ (نَجْدٍ الْيَمَنِ وَ) أَهْلِ (الطَّائِفِ: قَرْنًا) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَيُقَالُ لَهُ: قَرْنُ الْمَنَازِلِ، وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ: (جَبَلٌ أَيْضًا) عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ مَكَّةَ. (وَ) مِيقَاتُ أَهْلِ (الْمَشْرِقِ وَخُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ: ذَاتُ عِرْقٍ) : مَنْزِلٌ مَعْرُوفٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعِرْقٍ فِيهِ، أَيْ: جَبَلٍ صَغِيرٍ، أَوْ: أَرْضٍ سَبْخَةٍ تُنْبِتُ الطَّرْفَاءَ وَهُوَ (قَرْيَةٌ خَرِبَةٌ قَدِيمَةٌ، وَعِرْقٌ: جَبَلٌ مُشْرِفٌ عَلَى الْعَقِيقِ) . (وَ) هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ (كُلُّهَا ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ لَا بِاجْتِهَادِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 نَجْدٍ قَرْنًا، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَعَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ مَرْفُوعًا، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَهِيَ) ، أَيْ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ، (لِأَهْلِهَا) الْمَذْكُورِينَ (وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا) مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا (كَشَامِيٍّ) وَمِصْرِيٍّ (مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) فَيَحْرُمُ مِنْهَا، لِأَنَّهَا صَارَتْ مِيقَاتَهُ (وَمَدَنِيٍّ سَلَكَ طَرِيقَ الْجُحْفَةِ، فَيُحْرِمُ مِنْهَا) وُجُوبًا لِلْحَدِيثِ، (وَالْأَفْضَلُ) لِلْمَارِّ (إحْرَامٌ مِنْ أَوَّلِ مِيقَاتٍ، وَ) هُوَ (طَرَفُهُ الْأَبْعَدُ عَنْ مَكَّةَ) احْتِيَاطًا، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ مِنْ الطَّرَفِ الْأَقْرَبِ، جَازَ لِإِحْرَامِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ، (وَالْعِبْرَةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بِالْبِقَاعِ) الَّتِي عَيَّنَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - و (لَا) عِبْرَةَ فِي (مَا بُنِيَ بِقُرْبِهَا وَسُمِّيَ بِاسْمِهَا، فَيَنْبَغِي) لَمُرِيدِ الْإِحْرَامِ (تَحَرِّي آثَارِ الْقُرَى الْقَدِيمَةِ) ، لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ، (وَمِنْ مَنْزِلِهِ دُونَهَا) ، أَيْ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ، مِنْ مَكَّةَ، كَأَهْلِ عُسْفَانَ، (فَمِيقَاتُهُ مَنْزِلُهُ) ، لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَقَدَّمَ (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ (بَلَدَهُ كُلَّهَا مَنْزِلُهُ) فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَيِّ مَحَالِّهَا شَاءَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ لَهُ مَنْزِلَانِ، جَازَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَقْرَبَ لِمَكَّةَ وَ) إحْرَامُهُ مِنْ (أَبْعَدَ) عَنْ مَكَّةَ (أَفْضَلُ) ، لِأَنَّهَا أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ، (وَيُحْرِمُ مَنْ) كَانَ مُقِيمًا (بِمَكَّةَ لِحَجٍّ مِنْهَا) ، أَيْ: مَكَّةَ، (وَنَصُّهُ) فِي رِوَايَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 حَرْبٍ (مِنْ الْمَسْجِدِ وَفِي " الْمُبْهِجِ ") وَ " الْإِيضَاحِ " تُحْرِمُ (مِنْ تَحْتِ الْمِيزَابِ) . وَيُسَمَّى الْحَطِيمَ. (وَهُوَ أَفْضَلُ) مِنْ غَيْرِهِ، (وَجَازَ وَصَحَّ) أَنْ يُحْرِمَ مَنْ بِمَكَّةَ بِحَجٍّ مِنْ سَائِرِ الْحَرَمِ (وَمِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ) . وَهُوَ الْحِلُّ كَعَرَفَةَ، (وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِهِ (وَ) يُحْرِمُ مَنْ بِمَكَّةَ (لِعُمْرَةٍ مِنْ الْحِلِّ) ، " لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ كُلِّهَا فِي الْحَرَمِ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْحِلِّ لِيَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَهُمَا. بِخِلَافِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى عَرَفَةَ فَيَحْصُلُ الْجَمْعَ، (وَيَصِحُّ) إحْرَامُهُ (مِنْ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ) ، أَيْ: مَنْ أَحْرَمَ لِعُمْرَةٍ مِنْ مَكَّةَ، (دَمٌ) لِتَرْكِهِ وَاجِبًا، كَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتًا بِلَا إحْرَامٍ، (وَتُجْزِئُهُ) عُمْرَةٌ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ مَكَّةَ، (وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ لِلْحِلِّ) قَبْلَ إتْمَامِهَا وَلَوْ بَعْدَ الطَّوَافِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ. لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْحِلِّ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا وَكَالْحَجِّ، (وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ) أَوْ الْحَرَمِ (قَارِنًا فَلَا دَمَ) عَلَيْهِ. لِأَجَلِ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ، (تَغْلِيبًا لِلْحَجِّ) عَلَى الْعُمْرَةِ، لِانْدِرَاجِهَا فِيهِ وَسُقُوطِ أَفْعَالِهَا. (وَمَنْ لَمْ يَمُرَّ بِمِيقَاتٍ) مِنْ الْمَذْكُورَاتِ، (أَحْرَمَ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وُجُوبًا (إذَا عَلِمَ أَنَّهُ حَاذَى أَقْرَبَهَا) ، أَيْ: الْمَوَاقِيتَ (مِنْهُ) . لِقَوْلِ عُمَرَ: " اُنْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ قَدِيدٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَسُنَّ) لَهُ (أَنْ يَحْتَاطَ) لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَذْوَ الْمِيقَاتِ، أَحْرَمَ مِنْ بُعْدٍ، إذْ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ جَائِزٌ، وَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ حَرَامٌ، (فَإِنْ اسْتَوَيَا) ، أَيْ: الْمِيقَاتَانِ فِي الْقُرْبِ، (ف) يُحْرِمُ (مِنْ أَبْعَدِهِمَا مِنْ مَكَّةَ) لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، (فَإِنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا) كَاَلَّذِي يَجِيءُ مِنْ سَوَاكِنَ إلَى جُدَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ بِرَابِغَ وَلَا يَلَمْلَمُ، لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أَمَامَهُ، فَيَصِلُ جُدَّةَ قَبْلَ مُحَاذَاتِهِمَا، (أَحْرَمَ عَنْ مَكَّةَ ب) قَدْرِ (مَرْحَلَتَيْنِ) فَيُحْرِمُ فِي الْمِثَالِ مِنْ جُدَّةَ لِأَنَّهَا عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمَوَاقِيتِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 [فَصْلٌ تجاوز الْمُكَلَّف الْمِيقَات بِلَا إحْرَام] (فَصْلٌ) (وَلَا يَحِلُّ لِمُكَلَّفٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ أَرَادَ مَكَّةَ) نَصًّا، (أَوْ) أَرَادَ (الْحَرَمَ، أَوْ) أَرَادَ (نُسُكًا، تَجَاوُزُ مِيقَاتٍ بِلَا إحْرَامٍ) ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ تَجَاوَزَ مِيقَاتًا بِلَا إحْرَامٍ (إلَّا) إنْ تَجَاوَزَهُ (لِقِتَالٍ مُبَاحٍ) لِدُخُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا ذَلِكَ الْيَوْمَ، (أَوْ خَوْفٍ أَوْ حَاجَةٍ تَتَكَرَّرُ كَحَطَّابٍ) وَنَاقِلِ مِيرَةٍ وَحَشَّاشٍ، فَلَهُمْ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ، لِمَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَا يَدْخُلُ إنْسَانٌ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا إلَّا الْحَمَّالِينَ وَالْحَطَّابِينَ وَأَصْحَابِ مَنَافِعِهَا " احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. (وَمَكِّيٍّ يَتَرَدَّدُ لِقَرْيَتِهِ بِالْحِلِّ) دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ وَالضَّرَرِ لِتَكَرُّرِهِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) يَكُونُ لَهُ وَطَنٌ (خَارِجَ الْمِيقَاتِ) يَكْثُرُ التَّرَدُّدُ مِنْهُ إلَى مَكَّةَ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ كُلَّمَا مَرَّ عَلَى الْمِيقَاتِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ، كَمَا لَا تُسَنُّ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ لِقَيِّمِهِ كُلَّمَا دَخَلَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (ثُمَّ إنْ زَالَ عُذْرُ مَنْ حَلَّ لَهُ التَّجَاوُزُ بِلَا إحْرَامٍ) ، كَرَقِيقٍ عَتَقَ وَصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ كُلِّفَ، فَيُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ دُونَ الْمِيقَاتِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ كَأَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَكَذَا كَافِرٌ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَيُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ، (أَوْ أَرَادَ) مَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ (مَكَّةَ بَعْدَ تَجَاوُزِهِ، فَمِنْ مَوْضِعِهِ) يُحْرِمُ، كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، (وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ حَالَ وُجُوبِ الْإِحْرَامِ، (وَمَنْ أَحْرَمَ لِدُخُولِ مَكَّةَ) أَوْ الْحَرَمِ (لَا لِنُسُكٍ، طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ وَحَلَّ) مِنْ إحْرَامِهِ «وَأُبِيحَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ دُخُولُ مَكَّةَ مُحِلِّينَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَهِيَ مِنْ طُلُوعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 الشَّمْسِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (لَا قَطْعَ شَجَرٍ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَامَ الْغَدَ مِنْ يَوْمٍ فَتْحِ مَكَّةَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا كَحُرْمَتِهَا، فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ» (وَمَنْ جَاوَزَهُ) ، أَيْ: الْمِيقَاتَ، (يُرِيدُ نُسُكًا) ، أَوْ كَانَ النُّسُكُ فَرْضَهُ، بِأَنْ لَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ، وَلَوْ كَانَ (جَاهِلًا) أَوْ (نَاسِيًا) أَوْ مُكْرَهًا، (لَزِمَهُ أَنْ يَرْجِعَ) إلَى الْمِيقَاتِ، (فَيُحْرِمَ مِنْهُ) ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ، (إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ حَجٍّ أَوْ) يَخَفْ فَوْتَ (غَيْرِهِ) ، كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ، فَإِنْ خَافَ، لَمْ يَلْزَمْهُ رُجُوعٌ، وَيُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ، (وَيَلْزَمُهُ إنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ دَمٌ) ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ " وَلِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَلَا يَسْقُطُ) عَنْهُ الدَّمُ (إنْ أَفْسَدَهُ) ، أَيْ: النُّسُكَ نَصًّا لِأَنَّهُ كَالصَّحِيحِ، (أَوْ رَجَعَ لِمِيقَاتٍ) بَعْدَ إحْرَامِهِ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ نَصًّا. (وَيَتَّجِهُ: أَنْ لَا دَمَ) عَلَيْهِ لَوْ رَجَعَ لِمِيقَاتٍ (بِغَيْرِ إحْرَامٍ) ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ: وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ [فَرْعٌ حُكْم إحْرَامٌ بِحَجٍّ أوعمرة قَبْلَ مِيقَاتٍ] (فَرْعٌ) (كُرِهَ إحْرَامٌ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا (قَبْلَ مِيقَاتٍ) مَكَانِيٍّ، وَيَنْعَقِدُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ كَوِصَالِ الصَّوْمِ، وَلِعَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ الْمَحْظُورِ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ الْحَسَنِ: " أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ أَحْرَمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 مِنْ مِصْرِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: يَتَسَامَعُ النَّاسُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مِنْ مِصْرِهِ " وَقَالَ: " إنَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَحْرَمَ مِنْ خُرَاسَانَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ لَامَهُ فِيمَا صَنَعَ وَكَرِهَهُ " وَلِحَدِيثِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا: «وَيَسْتَمْتِعُ أَحَدُكُمْ بِحِلِّهِ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي إحْرَامِهِ» . (وَكُرِهَ) إحْرَامٌ (بِحَجٍّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، (وَيَنْعَقِدُ) إحْرَامُ الْحَجِّ بِحَجٍّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] وَكُلُّهَا مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ، فَكَذَا الْحَجُّ، وَكَالْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ، وَقَوْلُهُ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ} [البقرة: 197] أَيْ: مُعْظَمُهُ فِيهَا كَحَدِيثِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» . (وَهِيَ) ، أَيْ: أَشْهُرُ الْحَجِّ: (شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) ، وَكَانَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ كَذَلِكَ، لِأَنَّهَا الْأَمَدُ الَّذِي يَصِلُ فِيهِ الْحَاجُّ مِنْ أَقْصَى الْبِلَادِ، (وَيَوْمُ النَّحْرِ مِنْهَا، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] ، أَيْ: فِي أَكْثَرِهِنَّ، وَإِنَّمَا فَاتَ الْحَجُّ بِفَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِفَوَاتِ الْوُقُوفِ لَا بِخُرُوجِ وَقْتِ الْحَجِّ، ثُمَّ الْجَمْعُ يَقَعُ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضِ آخَرَ، وَالْعَرَبُ تُغَلِّبُ التَّأْنِيثَ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً لَسَبْقِ اللَّيَالِي، فَتَقُولُ: سِرْنَا عَشْرًا. (وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ) الزَّمَانِيُّ (جَمِيعُ الْعَامِ) ، لِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ لَهَا بِوَقْتٍ دُونَ آخَرَ، (وَيَأْتِي) لِذَلِكَ مَزِيدُ إيضَاحٍ. وَلَا يُكْرَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 الْإِحْرَامُ (بِهَا) يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَلَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كَالطَّوَافِ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا. [بَابُ الْإِحْرَامِ] (بَابُ الْإِحْرَامِ) قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: هُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي التَّحْرِيمِ، كَأَنَّهُ يُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِهِ الطَّيِّبَ وَالنِّكَاحَ وَأَشْيَاءَ مِنْ اللِّبَاسِ، كَمَا يُقَالُ: أَشْتَى، إذَا دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ، وَأَرْبَعَ، إذَا دَخَلَ فِي الرَّبِيعِ. وَشَرْعًا: (نِيَّةُ النُّسُكِ، أَيْ: الدُّخُولِ فِيهِ) ، لَا نِيَّةَ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ، (فَلَا يَنْعَقِدُ) ، أَيْ: النُّسُكُ، (بِدُونِهَا) ، أَيْ: النِّيَّةِ، لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . (وَسُمِّيَ) الدُّخُولُ فِي النُّسُكِ (إحْرَامًا، لِتَحْرِيمِ) الْمُحْرِمِ بِإِحْرَامِهِ عَلَى نَفْسِهِ (مَا كَانَ يَحِلُّ) لَهُ مِنْ النِّكَاحِ وَالطِّيبِ وَأَشْيَاءَ مِنْ اللِّبَاسِ وَنَحْوِهَا. (وَسُنَّ لِمُرِيدِهِ) ، أَيْ: الْإِحْرَامَ (غُسْلٌ) لِلْخَبَرِ، وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ «لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَهِيَ نُفَسَاءُ أَنْ تَغْتَسِلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. «وَأَمَرَ أَنْ تَغْتَسِلَ لِإِهْلَالِ الْحَجِّ وَهِيَ حَائِضٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ رَجَتَا الطُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْمِيقَاتِ أَخَّرَتَاهُ حَتَّى تَطْهُرَا، (أَوْ تَيَمُّمٌ لِعَدَمِ) مَاءٍ أَوْ عَجْزٍ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِنَحْوِ مَرَضٍ، لِعُمُومِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] (وَلَا يَضُرُّ حَدَثُهُ بَيْنَ غُسْلٍ وَإِحْرَامٍ) كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ حَدَثُهُ (بِجِمَاعٍ) بَيْنَ غُسْلٍ وَإِحْرَامٍ، فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي إحْرَامِهِ، إذْ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ، (وَ) يَضُرُّ حَدَثُ الْمَرْأَةِ بِطُرُوءِ (حَيْضٍ) بَعْدَ اغْتِسَالِهَا لِلْإِحْرَامِ، كَالْوَاطِئِ وَأَوْلَى، إذْ طُرُوءُ الْحَيْضِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهَا، (وَ) يَتَّجِهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 (أَنَّ الطِّفْلَ يُغَسِّلُهُ وَلِيُّهُ) إذَا أَرَادَ إدْخَالَهُ فِي النُّسُكِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) سُنَّ لَهُ (تَنَظُّفٌ بِأَخْذِ شَعْرٍ) مِنْ حَلْقِ عَانَةٍ، وَقَصِّ شَارِبٍ وَنَتْفِ إبِطٍ، (وَ) تَقْلِيمِ (ظُفْرٍ وَقَطْعِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ) ، لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ: " كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَلْبَسُونَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِمْ " رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ، فَسُنَّ فِيهِ ذَلِكَ كَالْجُمُعَةِ، وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ (وَ) سُنَّ لَهُ (تَطَيُّبٌ بِنَحْوِ مِسْكٍ وَعُودٍ وَمَاءِ وَرْدٍ) ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: " كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَتْ: " كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) سُنَّ (خِضَابٌ لَهَا) ، أَيْ: لِلْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَتْ الْإِحْرَامَ (بِحِنَّاءٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تُدَلِّكَ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا فِي حِنَّاءٍ " وَلِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ أَشْبَهَ الطِّيبَ، (وَكُرِهَ) لَهَا أَنْ تَتَخَضَّبَ (بَعْدَهُ) ، أَيْ: الْإِحْرَامِ، (كَتَطَيُّبِ) مَرِيدِ الْإِحْرَامِ (فِي ثَوْبِهِ قَبْلَهُ) ، أَيْ: الْإِحْرَامِ، (وَلَهُ) إنْ طَيَّبَ ثَوْبَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ (اسْتِدَامَتُهُ) ، أَيْ: اسْتِدَامَةُ لِبْسِهِ، (مَا لَمْ يَنْزِعْهُ) ، فَإِنْ نَزَعَهُ فَلَيْسَ لَهُ لِبْسُهُ وَالطِّيبُ فِيهِ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الطِّيبَ وَلِبْسُ الْمُطَيَّبِ دُونَ الِاسْتِدَامَةِ، (فَإِنْ لَبِسَهُ) بَعْدَ نَزْعِهِ، وَأَثَرُ الطِّيبِ بَاقٍ لَمْ يَغْسِلْهُ حَتَّى يَذْهَبَ، فَدَى، لِاسْتِعْمَالِهِ الطِّيبَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 (أَوْ نَقَلَ طِيبَ بَدَنِهِ) مِنْ مَوْضِعِهِ (لِمَوْضِعٍ آخَرَ، فَدَى) ، أَوْ تَعَمَّدَ مَسَّهُ بِيَدِهِ، فَعَلِقَ الطِّيبُ بِهَا، أَوْ نَحَّاهُ عَنْ مَوْضِعِهِ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ، فَدَى، لِأَنَّهُ ابْتِدَاءٌ لِلطِّيبِ (لَا إنْ سَالَ) الطِّيبُ (بِعَرَقٍ أَوْ شَمْسٍ) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَكَّةَ، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَنْهَانَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَسُنَّ) لِمَرِيدِهِ (لِبْسُ إزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفِينَ) جَدِيدَيْنِ أَوْ خَلِيقَيْنِ (وَنَعْلَيْنِ) ، لِحَدِيثِ: «وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَنَعْلَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ ذَلِكَ. وَفِي " تَبْصِرَةِ الْحَلْوَانِيِّ " إخْرَاجُ كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ الرِّدَاءِ أَوْلَى، وَالنَّعْلَانِ التَّاسُومَةُ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ لِبْسُ سرموزة وَنَحْوِهَا إنْ وَجَدَ النَّعْلَيْنِ، وَيَكُونُ لِبْسُهُ ذَلِكَ (بَعْدَ تَجَرُّدِ ذَكَرٍ عَنْ مَخِيطٍ) كَقَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفٍّ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (وَ) يُسَنُّ (إحْرَامٌ عَقِبَ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا) نَصًّا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاةٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. و (لَا) يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ النَّفْلِ (وَقْتَ نَهْيٍ) ، لِتَحْرِيمِ النَّفْلِ إذَنْ، (وَلَا) يَرْكَعُهُمَا (عَادِمُ مَاءٍ وَتُرَابٍ) ، لِحَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ إحْرَامِهِ، صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. (وَ) سُنَّ لَهُ (أَنْ يُعَيِّنَ نُسُكًا) فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ مِنْ عُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ قِرَانٍ، (وَيَلْفِظُ بِهِ) ، أَيْ: بِمَا عَيَّنَهُ، لِلْأَخْبَارِ، (وَأَنْ يَشْتَرِطَ) ، لِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ مُسْتَحَبٌّ، وَكَوْنُهُ بِالْقَوْلِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ " لِحَدِيثِ «ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ حِينَ قَالَتْ لَهُ: إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ، وَأَجِدُنِي وَجِعَةً، فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقَوْلِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ النَّسَائِيّ: «فَإِنَّ لَك عَلَى رَبِّك مَا اسْتَثْنَيْت» . (فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ، فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) . وَلَمْ يَذْكُرْ مِثْلَهُ فِي الصَّلَاةِ لِقِصَرِ مُدَّتِهَا (وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ، فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي) ، أَوْ: فَلِي أَنْ أُحِلَّ، (وَكَيْف اشْتَرَطَ جَازَ) ، فَلَوْ اشْتَرَطَ بِمَا يُؤَدِّي مَعْنَى الِاشْتِرَاطِ، (كَقَوْلِهِ) : اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ (أَنْ تُيَسِّرَ لِي وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ) ، جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَبَرِ (وَيَسْتَفِيدُ بِهِ) ، أَيْ: بِاشْتِرَاطِهِ، (أَنَّهُ مَتَى حُبِسَ بِمَرَضٍ) أَوْ عَاقَهُ عَدُوٌّ (أَوْ غَيْرُهُ) كَذَهَابِ نَفَقَتِهِ (حَلَّ مَجَّانًا) نَصًّا. قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَيَلْزَمُهُ نَحْوُهُ، (وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِشَرْطٍ، أَوْ شَرَطَ أَنْ يَحِلَّ مَتَى شَاءَ، أَوْ إنْ أَفْسَدَهُ لَمْ يَقْضِهِ، لَمْ يَصِحَّ) شَرْطُهُ، لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِيهِ، (وَشُرِطَ تَنْجِيزُ إحْرَامٍ، فَلَا يَنْعَقِدُ) الْإِحْرَامُ (مُعَلَّقًا، ك) قَوْلِهِ: (إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ، أَوْ قَدِمَ) زَيْدٌ، (فَأَنَا مُحْرِمٌ) ، لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ عَلَّقَ) إحْرَامَهُ عَلَى الْمَشِيئَةِ، كَقَوْلِهِ: أَنَا مُحْرِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ: بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ، فَحُكْمُهُ (كَصَوْمٍ) عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ إنْ قَصَدَ بِالْمَشِيئَةِ التَّبَرُّكَ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا، (وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ) إحْرَامُهُ إنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي الْعَزْمِ وَالْقَصْدِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ (مُتَلَاعِبًا) ، لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 (وَيَنْعَقِدُ) إحْرَامُهُ (فَاسِدًا حَالَ جِمَاعٍ) ، لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهِ إنْ وَقَعَ فِي أَثْنَائِهِ، وَإِنَّمَا يَفْسُدُ (وَيَلْزَمُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ) وَيَقْضِيهِ كَمَا يَأْتِي، (وَيَبْطُلُ) إحْرَامُهُ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ (بِرِدَّةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] ، و (لَا) يَبْطُلُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ (بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَسُكْرٍ وَمَوْتٍ) ، لِخَبَرِ الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ، (وَلَا يَنْعَقِدُ) الْإِحْرَامُ (مَعَ وُجُودِ أَحَدِهَا) ، أَيْ: الْإِغْمَاءِ أَوْ الْجُنُونِ أَوْ السُّكْرِ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ [فَصْلٌ تخيير الْمُحْرِم بَيْن ثَلَاثَة أَشْيَاء] (فَصْلٌ) (وَيُخَيَّرُ مَرِيدُ إحْرَامٍ بَيْنَ) ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: (تَمَتُّعٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ) نَصًّا، قَالَ: لِأَنَّهُ آخِرُ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: كَانَ اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدُّخُولَ بِعُمْرَةٍ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا وَسَعَوْا أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ سَاقَ هَدْيًا وَثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ، لَسَوْقِهِ الْهَدْيَ، وَتَأَسَّفَ بِقَوْلِهِ: لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْيَ، وَلَأَحْلَلْت مَعَكُمْ» وَلَا يَنْقُلُ أَصْحَابَهُ إلَّا إلَى الْأَفْضَلِ، وَلَا يَتَأَسَّفُ إلَّا عَلَيْهِ، لَا يُقَالُ: أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ، لَيْسَ لِفَضْلِ التَّمَتُّعِ، وَأَنَّمَا هُوَ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ، ثُمَّ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخُصَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، لِأَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي الِاعْتِقَادِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَأَسَّفْ هُوَ، لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَجَعَلَ الْعِلَّةَ فِيهِ سَوْقَ الْهَدْيِ، وَلِمَا فِي التَّمَتُّعِ مِنْ الْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ مَعَ كَمَالِ أَفْعَالِ النُّسُكَيْنِ. (فَإِفْرَادٌ) ، لِأَنَّ فِيهِ كَمَالَ أَفْعَالِ النُّسُكَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 (فَقِرَانٌ) ، وَاخْتُلِفَ فِي حَجَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ. (فَالتَّمَتُّعُ: أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ جَابِرٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْرِمْ بِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَيَفْرُغُ مِنْهَا، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " (ثُمَّ) يُحْرِمُ (بِهِ) ، أَيْ: الْحَجِّ فِي عَامِهِ (مِنْ أَيْنَ شَاءَ) ، أَيْ: مَكَّةَ أَوْ قُرْبِهَا أَوْ بَعِيدٍ مِنْهَا، (بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ، فَلَوْ كَانَ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ أَتَمَّ أَفْعَالَهَا فِي أَشْهُرِهِ، وَإِنْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ صَارَ قَارِنًا. (وَالْإِفْرَادُ: أَنْ يُحْرِمَ) ابْتِدَاءً (بِحَجٍّ ثُمَّ) يُحْرِمَ (بِعُمْرَةٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ) ، أَيْ: الْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ، اعْتَمَرَ عُمْرَةَ الْإِسْلَامِ. (وَالْقِرَانُ: أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا) أَيْ: بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (مَعًا، أَوْ يُحْرِمَ بِهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ، ابْتِدَاءً (ثُمَّ يُدْخِلَهُ) ، أَيْ: الْحَجَّ، (عَلَيْهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ، وَيَصِحُّ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيَكُونُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا (قَبْلَ شُرُوعٍ فِي طَوَافِهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ، فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ، كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ سَعْيِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا (وَيَصِحُّ) إدْخَالُ حَجٍّ عَلَى عُمْرَةٍ (مِمَّنْ مَعَهُ هَدْيٌ، وَلَوْ بَعْدَ سَعْيِهَا) ، بَلْ يَلْزَمُهُ كَمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] ، (وَيَصِيرُ قَارِنًا) عَلَى الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُبْدِعِ وَ " الشَّرْحِ " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى " هُنَا، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي " الْإِنْصَافِ "، وَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى ": فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَصِيرُ قَارِنًا (وَلَوْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 كَانَ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ (بِغَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ) ، لِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ بِهِ قَبْلَهَا، كَمَا تَقَدَّمَ. (وَتَنْدَرِجُ أَفْعَالُ عُمْرَةِ قَارِنٍ بِحَجٍّ) ، فَيَكْفِيهِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ لَهُمَا، قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ ": وَيَسْقُطُ تَرْتِيبُ الْعُمْرَةِ، وَيَصِيرُ التَّرْتِيبُ لِلْحَجِّ، كَمَا يَتَأَخَّرُ الْحِلَاقُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ، فَوَطْؤُهُ قَبْلَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ، أَيْ: إذَا وَطِئَ وَطْئًا لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ، مِثْلُ إنْ وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، وَكَانَ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ دَخَلَهَا وَلَمْ يَطُفْ لِقُدُومِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ، وَإِذَا لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ لَمْ تَفْسُدْ عُمْرَتُهُ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: " وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَمَنْ أَحْرَمَ بِهِ) ، أَيْ: الْحَجِّ، (ثُمَّ أَدْخَلَهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةَ (عَلَيْهِ، لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ بِهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَثَرٌ وَلَمْ يُسْتَفَدْ بِهِ فَائِدَةٌ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَلَا يَصِيرُ قَارِنًا. (وَيَجِبُ عَلَى مُتَمَتِّعٍ دَمٌ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، (وَ) يَجِبُ عَلَى (قَارِنٍ دَمٌ) ، لِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ كَالْمُتَمَتِّعِ، وَهُوَ دَمُ (نُسُكٍ لَا) دَمُ (جُبْرَانٍ) ، إذْ لَا نَقْصَ فِي التَّمَتُّعِ يُجْبَرُ بِهِ، (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَا) ، أَيْ: الْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ (مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] (وَهُمْ) ، أَيْ: حَاضِرُوا الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: (أَهْلُ الْحَرَمِ، وَمَنْ هُوَ مِنْهُ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ) ، لِأَنَّ حَاضِرَ الشَّيْءِ مَنْ حَلَّ فِيهِ، أَوْ قَرُبَ مِنْهُ، أَوْ جَاوَرَهُ، بِدَلِيلِ رُخَصِ السَّفَرِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْزِلَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 فَلَا دَمَ، (فَلَوْ اسْتَوْطَنَ أُفُقِيٌّ) لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ (مَكَّةَ، أَوْ مَا قَارَبَهَا، فَحَاضِرٌ) لَا دَمَ عَلَيْهِ، لِدُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ، (أَوْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِهِ بِمَكَّةَ) ، أَوْ قُرْبَهَا، (وَالْبَعْضُ الْآخَرُ عَنْهَا) ، أَيْ: مَكَّةَ، بِمَنْزِلِهِ (فَوْقَ مَسَافَةِ قَصْرٍ) ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. (وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْمَنْزِلِ الْأَبْعَدِ، أَوْ كَانَتْ إقَامَتُهُ أَوْ إقَامَةُ مَالِهِ بِهِ) ، أَيْ: الْبَعِيدِ، (أَكْثَرَ) ، لَمْ يَلْزَمْهُ دَمُ تَمَتُّعٍ، لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِهِ (مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) ، فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ. (وَمَنْ دَخَلَهَا) ، أَيْ: مَكَّةَ، مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا، (وَلَوْ نَاوِيًا لِإِقَامَةٍ) بِهَا، فَعَلَيْهِ دَمٌ، (أَوْ) كَانَ الدَّاخِلُ (مَكِّيًّا اسْتَوْطَنَ بَلَدًا بَعِيدًا) مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ عَنْ الْحَرَمِ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا (مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا، لَزِمَهُ دَمٌ) ، وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا، لِأَنَّهُ حَالَ أَدَاءِ نُسُكِهِ لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا. (وَشُرِطَ فِي) وُجُوبِ دَمِ (مُتَمَتِّعٍ وَحْدَهُ) ، أَيْ: دُونَ الْقَارِنِ، زِيَادَةً عَمَّا تَقَدَّمَ (سِتَّةُ) شُرُوطٍ: (أَحَدُهَا: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) ، وَالِاعْتِبَارُ بِالشَّهْرِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهَا فِيهِ، لَا بِاَلَّذِي حَلَّ مِنْهَا فِيهِ، (فَمَنْ أَحْرَمَ بِرَمَضَانَ، وَفَعَلَ الْعُمْرَةَ بِشَوَّالٍ، فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) : لِأَنَّ الْإِحْرَامَ نُسُكٌ يُعْتَبَرُ لِلْعُمْرَةِ لَا مِنْ أَعْمَالِهَا، فَاعْتُبِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَالطَّوَافِ. (وَالثَّانِي أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ) ، فَلَوْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامٍ آخَرَ، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، لِلْآيَةِ، لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّهُمْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، فَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَبَاعُدًا. (وَ) الثَّالِثُ: (أَنْ لَا يُسَافِرَ بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ (مَسَافَةَ قَصْرٍ، فَإِنْ سَافَرَ) بَيْنَهُمَا الْمَسَافَةَ (فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ، فَلَا دَمَ) نَصًّا، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: إذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ، فَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 مُتَمَتِّعٌ، فَإِنْ خَرَجَ وَرَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ، وَلِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ مَا دُونَهُ، لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَقَدْ أَنْشَأَ سَفَرًا بَعِيدًا لِحَجِّهِ، فَلَمْ يَتَرَفَّهْ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ. (وَ) الرَّابِعُ: (أَنْ يَحِلَّ مِنْهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ، (قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهِ) ، أَيْ: الْحَجِّ، (وَأَلَّا) يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ بِأَنْ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، (صَارَ قَارِنًا) ، فَيَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ (بِشَرْطِهِ) ، وَهُوَ أَنْ لَا يُدْخِلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ سَعْيِهَا، لِكَوْنِهِ سَاقَ الْهَدْيَ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَفِي الْإِنْصَافِ يَصِيرُ قَارِنًا، وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ (وَ) الْخَامِسُ: (أَنْ يُحْرِمَ بِهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ، (مِنْ مِيقَاتِ) بَلَدِهِ، (أَوْ مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ مَكَّةَ) ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ دُونِهَا، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، (وَإِلَّا، بِأَنْ) جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ فِي حَالٍ يَجِبُ فِيهَا الْإِحْرَامُ، (لَزِمَهُ دَمٌ، لِمُجَاوَزَةِ مِيقَاتٍ) مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ بِلَا إحْرَامٍ، (وَكَلَامُ الْإِقْنَاعِ هُنَا غَيْرُ مُحَرَّرٍ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ. (وَ) السَّادِسُ: (أَنْ يَنْوِيَ التَّمَتُّعَ فِي ابْتِدَائِهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ، (أَوْ) فِي (أَثْنَائِهَا) ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَحُصُولِ التَّرَفُّهِ، هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ، إذْ لَا يُقَالُ مُتَمَتِّعٌ لِمُحْرِمٍ قَبْلَ فَرَاغِهِ، إلَّا إذَا كَانَ عَازِمًا عَلَى ذَلِكَ، نَاوِيًا لَهُ، خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ، (فَلَا تَكْفِي نِيَّةُ الْعُمْرَةِ فَقَطْ) ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْحَجِّ، وَلَا يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ دَمِ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ (وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ) ، أَيْ: الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، (فَلَوْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ وَحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ) ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، (أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 اعْتَمَرَ عَنْ غَيْرِهِ، وَحَجَّ لِنَفْسِهِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، (أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ عَنْ اثْنَيْنِ) بِأَنْ اعْتَمَرَ عَنْ وَاحِدٍ وَحَجَّ عَنْ آخَرَ (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُمَا، (فَعَلَيْهِ دَمُ تَمَتُّعٍ) مِنْ مَالِهِ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْمِيقَاتِ، فَيُحْرِمُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ بِسَبَبِ مُخَالِفَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَإِلَّا) يُحْرِمُ مُتَمَتِّعًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، (فَعَلَيْهِمَا) الدَّمُ (نِصْفَيْنِ إنْ تَمَتَّعَ بِإِذْنِهِمَا) ، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أَذِنَا لَهُ فِيهِ، وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ، فَعَلَيْهِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي عَلَى النَّائِبِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَيَتَّجِهُ أَيْضًا: (وَكَذَا صَوْمٌ) وَجَبَ عَلَى نَائِبٍ أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّمَتُّعِ، فَعَلَى مُسْتَنِيبِهِ وَإِنْ كَانَ بِلَا إذْنٍ؛ فَعَلَيْهِ. هَذَا إنْ كَانَ نَائِبًا عَنْ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ نَائِبًا عَنْ اثْنَيْنِ فَأَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا بِلَا إذْنِهِمَا، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ الْعَشَرَةَ أَيَّامٍ، (وَ) إنْ كَانَ بِإِذْنِهِمَا (احْتَمَلَ) أَنَّهُ (يَصُومُ نَائِبٌ الثَّلَاثَةَ، وَهُمَا) ، أَيْ: الْآذِنَانِ (السَّبْعَةَ) ، وَيُجْبَرُ الْكَسْرُ، فَيَصُومُ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، لِأَنَّ الْيَوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي الصِّيَامِ، (أَوْ) احْتَمَلَ أَنْ يَصُومَا (الْعَشَرَةَ) ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، لِوُجُوبِ ذَلِكَ بِسَبَبِهِمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تُعْتَبَرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 (هَذِهِ الشُّرُوطُ) جَمِيعُهَا (فِي كَوْنِهِ) يُسَمَّى (مُتَمَتِّعًا) ، فَإِنَّ الْمُتْعَةَ تَصِحُّ مِنْ الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَى الْمَكِّيِّ، (وَيَلْزَمُ الدَّمُ) ، أَيْ: دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، (بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، أَيْ: فَلْيُهْدِ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَفْعَالِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى إحْرَامِهِ، كَقَوْلِهِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَيَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، (وَيَأْتِي وَقْتُ ذَبْحِهِ) فِي بَابِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ. (وَلَا يَسْقُطُ دَمُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ بِفَسَادِ نُسُكِهِمَا) ، لِأَنَّ مَا وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ وَجَبَ فِي الْفَاسِدِ، كَالطَّوَافِ وَغَيْرِهِ، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يَسْقُطُ دَمُهُمَا (بِفَوَاتِهِ) ، أَيْ: الْحَجِّ، كَمَا لَوْ فَسَدَ، (وَإِذَا قَضَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 الْقَارِنُ قَارِنًا، لَزِمَهُ دَمَانِ، دَمٌ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ، وَدَمٌ ل) قِرَانٍ (ثَانٍ وَإِنْ قَضَى) الْقَارِنُ (مُفْرِدًا، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) ، لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّهُ أَتَى بِنُسُكٍ أَفْضَلَ مِنْ نُسُكِهِ، (وَجَزْمُ جَمْعٍ) بِأَنَّهُ (يَلْزَمُهُ دَمٌ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ) ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْأَدَاءُ، وَهَذَا مَرْجُوحٌ، وَالْمَذْهَبُ: لَا دَمَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، (فَإِذَا فَرَغَ) مَنْ قَضَى مُفْرَدًا مِنْ الْحَجِّ، (أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَبْعَدِ مِيقَاتَيْهِ) اللَّذَيْنِ أَحْرَمَ فِي أَحَدِهِمَا بِالْقِرَانِ، وَفِي الْآخَرِ بِالْحَجِّ، كَمَنْ فَسَدَ حَجُّهُ ثُمَّ قَضَاهُ، يُحْرِمُ مِنْ أَبْعَدِ الْمِيقَاتَيْنِ، (وَإِلَّا) يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَبْعَدِ الْمِيقَاتَيْنِ، (ف) يَلْزَمُهُ (دَمٌ) ، لِتَرْكِهِ وَاجِبًا، (وَإِنْ قَضَى) الْقَارِنُ (مُتَمَتِّعًا، أَحْرَمَ بِهِ) ، أَيْ: الْحَجِّ، (مِنْ الْأَبْعَدِ) مِنْ الْمِيقَاتَيْنِ (إذَا فَرَغَ مِنْهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَبْعَدُ الْأَوَّلَ فَالْقَضَاءُ يَحْكِيهِ، لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ قِصَاصٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِحُلُولٍ فِيهِ، لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا الْأَوَّلُ، فَلِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى صِفَةٍ أَعْلَى وَلَا لِلْقَضَاءِ، لِأَنَّهُ لَا تَرَفُّهَ فِيهِ بِتَرْكِ السَّفَرِ، إذْ يَلْزَمُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْعُمْرَةِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ أَبْعَدِ الْمِيقَاتَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ أَحَدِهِمَا قَارِنًا، وَمِنْ آخَرَ بِالْعُمْرَةِ. (وَسُنَّ لِمُفْرَدٍ وَقَارِنٍ فَسْخُ نِيَّتِهِمَا بِحَجٍّ) نَصًّا، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ، وَقَرَنُوا أَنْ يَحِلُّوا كُلُّهُمْ، وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ لِأَحْمَدَ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْك حَسَنٌ جَمِيلٌ، إلَّا خَلَّةً وَاحِدَةً، فَقَالَ مَا هِيَ؟ قَالَ: تَقُولُ بِفَسْخِ الْحَجِّ، قَالَ: كُنْت أَرَى أَنَّ لَك عَقْلًا، عِنْدِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا صِحَاحًا جِيَادًا، كُلُّهَا فِي فَسْخِ الْحَجِّ، أَتْرُكُهَا لِقَوْلِك؟ ، وَقَدْ رَوَى فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ: ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَعَائِشَةُ، وَأَحَادِيثُهُمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَرَوَاهُ غَيْرُهُمْ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ. وَفِي " الِانْتِصَارِ " وَ " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ وُجُوبَ الْفَسْخِ لَمْ يَبْعُدْ، مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ: وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا قَدِمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، صَلَّى الصُّبْحَ بِالْبَطْحَاءِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْهَا» وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَسْخَ نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ لَا إبْطَالَهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَلَوْ سُلِّمَ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ مَسْأَلَتِنَا، قَالَهُ الْقَاضِي. (وَيَنْوِيَانِ) ، أَيْ: الْمُفْرَدُ وَالْقَارِنُ (بِإِحْرَامِهِمَا ذَلِكَ) الَّذِي هُوَ إفْرَادٌ أَوْ قِرَانٌ، (عُمْرَةً مُفْرِدَةً) ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا قَدْ طَافَ وَسَعَى، قَصَّرَ وَحَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ وَسَعَى، فَإِنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرُ وَيَحِلُّ، (فَإِذَا حَلَّا) مِنْ الْعُمْرَةِ (أَحْرَمَا بِهِ) ، أَيْ: الْحَجِّ، (لِيَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْنِ) ، وَيُتِمَّانِ أَفْعَالَ الْحَجِّ، (وَلَوْ طَافَا وَسَعَيَا، فَيُقَصِّرَانِ وَقَدْ حَلَّا، مَا لَمْ يَسُوقَا هَدْيًا) ، فَإِنْ سَاقَاهُ لَمْ يَصِحَّ الْفَسْخُ لِلْخَبَرِ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: الْهَدْيُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَفِي الْعَشْرِ وَغَيْرِهِ، (أَوْ يَقِفَا بِعَرَفَةَ) ، فَلَا يَفْسَخَانِ، فَإِنَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا أَتَى بِمُعْظَمِ الْحَجِّ، وَأَمِنَ مِنْ فَوْتِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. (فَلَوْ فَسَخَا فِي الْحَالَتَيْنِ) ، أَيْ: فِيمَا إذَا سَاقَا هَدْيًا أَوْ وَقَفَا بِعَرَفَةَ، (فَلَغْوٌ) لِمَا سَبَقَ، وَهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى نُسُكِهِمَا الَّذِي أَحْرَمَا بِهِ، (وَإِنْ سَاقَهُ) ، أَيْ: الْهَدْيَ (مُتَمَتِّعٌ) ، بِأَنْ أَتَى بِهِ مَعَهُ مِنْ الْحِلِّ، (لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ) مِنْ عُمْرَتِهِ، (فَيُحْرِمُ بِحَجٍّ إذَا طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ تَحْلِيلٍ بِحَلْقٍ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَقَالَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ» (فَإِذَا ذَبَحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، حَلَّ مِنْهُمَا) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 أَيْ: مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (مَعًا) نَصًّا، لِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَحَدُ نَوْعِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، كَالْقِرَانِ، وَلَا يَصِيرُ قَارِنًا لِاضْطِرَارِهِ لِإِدْخَالِ حَجٍّ عَلَى عُمْرَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ: أَنَّهُ) ، أَيْ: سَائِقُ الْهَدْيِ (فِي هَذِهِ) الْحَالَةِ (قَارِنٌ) لَا مُتَمَتِّعٌ، عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي " الْإِنْصَافِ " وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ " وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، بَلْ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا، صَارَ قَارِنًا، وَمُقْتَضَى صَنِيعِ شَارِحِ الْمُنْتَهَى " فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ يَأْبَى ذَلِكَ. (وَالْمُعْتَمِرُ غَيْرُ الْمُتَمَتِّعِ، يَحِلُّ بِكُلِّ حَالٍ) إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ (فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ) " لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرَ سِوَى عُمْرَتِهِ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهَا، بَعْضُهُنَّ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، فَكَانَ يَحِلُّ» . (وَالْمُتَمَتِّعَةُ إنْ حَاضَتْ) أَوْ نَفِسَتْ (قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، فَخَشِيَتْ) فَوَاتَ الْحَجِّ، (أَوْ) خَشِيَ (غَيْرُهَا فَوَاتَ الْحَجِّ، أَحْرَمَتْ بِهِ) وُجُوبًا، كَغَيْرِهَا مِمَّنْ خَشِيَ فَوْتَهُ، لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ، فَهَذَا طَرِيقُهُ، (وَصَارَتْ قَارِنَةً) ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «إنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً، فَحَاضَتْ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَهِلِّي بِالْحَجِّ» (وَلَمْ تَقْضِ طَوَافَ الْقُدُومِ) ، لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ، كَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ، (وَيَجِبُ عَلَى قَارِنٍ وَقَفَ) بِعَرَفَةَ زَمَنَهُ (قَبْلَ طَوَافٍ وَسَعْيٍ) ، أَوْ بَعْدَهُ (دَمُ قِرَانٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قِيَاسًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ، كَمَا تَقَدَّمَ، (وَتَسْقُطُ الْعُمْرَةُ) عَنْ الْقَارِنِ، فَتَنْدَرِجُ أَفْعَالُهَا فِي الْحَجِّ، (كَذَا) مُقْتَضَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 صَنِيعِهِ (فِي الْمُنْتَهَى ") أَنَّهُ إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَطَافَ وَسَعَى لَهَا، ثُمَّ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا لَسَوْقِهِ الْهَدْيَ، فَعَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ، وَلَيْسَ بِقَارِنٍ، وَالْمُعْتَمَدُ: أَنَّهُ قَارِنٌ، وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. [فَصْلٌ مَنْ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا] (فَصْلٌ) (وَمَنْ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ، بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا، صَحَّ) إحْرَامُهُ، (وِفَاقًا) ، نَصَّ عَلَيْهِ كَإِحْرَامِهِ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ فُلَانٌ، (وَصَرْفُهُ) ، أَيْ: الْإِحْرَامِ (لِمَا شَاءَ) مِنْ الْأَنْسَاكِ (بِنِيَّتِهِ) لَا بِلَفْظِهِ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْإِحْرَامَ بِأَيِّهَا شَاءَ، فَكَانَ لَهُ صَرْفُ الْمُطْلَقِ إلَى ذَلِكَ، (وَمَا عَمِلَ) مَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا (قَبْلَ) صَرْفِهِ، (فَلَغْوٌ) لَا يُعْتَدُّ بِهِ، (وَ) إنْ أَحْرَمَ (بِمَا) أَحْرَمَ فُلَانٌ (أَوْ) أَحْرَمَ (بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ) بِهِ (فُلَانٌ، وَعَلِمَ) مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ قَبْلَ إحْرَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ، (انْعَقَدَ) إحْرَامُهُ (بِمِثْلِهِ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَنَّ عَلِيًّا قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِمَ أَهْلَلْت؟ فَقَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَاهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا» وَعَنْ أَبِي مُوسَى نَحْوَهُ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. (فَإِنْ تَبَيَّنَ إطْلَاقُهُ) ، أَيْ: إحْرَامِ فُلَانٍ، بِأَنْ كَانَ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ، (فَلِلثَّانِي) الَّذِي أَحْرَمَ بِمِثْلِهِ (صَرْفُهُ) ، أَيْ: الْإِحْرَامِ (لِمَا شَاءَ) مِنْ الْأَنْسَاكِ، و (لَا) يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ (لِمَا يَصْرِفُهُ) إلَيْهِ الْأَوَّلُ (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا إلَى مَا كَانَ (صَرَفَهُ) إلَيْهِ (فُلَانٌ) بَعْدَ إحْرَامِهِ مُطْلَقًا، وَيَعْمَلُ الثَّانِي بِقَوْلِ الْأَوَّلِ، لَا بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ، (وَإِنْ جَهِلَ) مَنْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ فُلَانٌ صِفَةَ (إحْرَامِهِ) ، أَيْ: فُلَانٍ، (سُنَّ) لِلثَّانِي (صَرْفُهُ عُمْرَةً) ، لِصِحَّةِ فَسْخِ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ إلَيْهَا، (وَلَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 شَكَّ) الَّذِي أَحْرَمَ فُلَانٌ بِمِثْلِهِ، (هَلْ أَحْرَمَ الْأَوَّلُ، فَكَمَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ) الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمٌ، (فَيَنْعَقِدُ) إحْرَامُهُ (مُطْلَقًا، فَيَصْرِفُهُ لِمَا شَاءَ) مِنْ الْأَنْسَاكِ. (وَيَتَّجِهُ: لَوْ تَبَيَّنَ) لِلثَّانِي (الْحَالُ) ، أَيْ: حَالُ الْأَوَّلِ مِنْ إطْلَاقٍ أَوْ تَعْيِينٍ (بَعْدَ) جَهْلِهِ بِحَالِهِ، (ف) حُكْمُهُ (مَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ) ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. (وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ كَإِحْرَامِ اثْنَيْنِ، وَاتَّفَقَ نُسُكُهُمَا) ، أَيْ: الِاثْنَيْنِ، (فَهُوَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمَا) ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، (وَإِلَّا) يَتَّفِقُ نُسُكُهُمَا، فَمَنْ أَحْرَمَ بِإِحْرَامِهِمَا أَوْ بِمِثْلِ إحْرَامِهِمَا، (ف) هُوَ (قَارِنٌ) ، لِأَنَّ الْقِرَانَ صِفَةُ حَجِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ كَانَ إحْرَامُ الْأَوَّلِ فَاسِدًا) بِأَنْ وَطِئَ فِيهِ، (انْعَقَدَ) إحْرَامُ (الثَّانِي بِمِثْلِهِ) مِنْ الْأَنْسَاكِ (صَحِيحًا) ، وَيَأْتِي بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ. (وَيَصِحُّ) وَيَنْعَقِدُ إحْرَامُ قَائِلٍ: (أَحْرَمْت يَوْمًا، أَوْ) : أَحْرَمْت (بِنِصْفِ نُسُكٍ وَنَحْوِهِمَا) ، كَأَحْرَمْت نِصْفَ يَوْمٍ، أَوْ بِثُلُثِ نُسُكٍ، (فَلَا يَتَبَعَّضُ) ، لِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ زَمَنًا لَمْ يَصِرْ حَلَالًا فِيمَا بَعْدَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ نُسُكَهُ، (كَطَلَاقِ) امْرَأَتِهِ نِصْفَ طَلْقَةٍ، فَتَطْلُقُ طَلْقَةً كَامِلَةً إذْ الطَّلَاقُ لَا يَتَبَعَّضُ. (وَلَا) يَصِحُّ إحْرَامُ قَائِلٍ: (إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ) مَثَلًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 (فَأَنَا مُحْرِمٌ) ، لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِتَعْلِيقِهِ إحْرَامَهُ، وَكَذَا: إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا، فَقَدْ أَحْرَمْت، فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، لِعَدَمِ جَزْمِهِ، وَهَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ: وَشُرِطَ تَنْجِيزُ إحْرَامٍ، فَلَا يَنْعَقِدُ مُعَلَّقًا ك: إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ أَوْ قَدِمَ، فَأَنَا مُحْرِمٌ. (وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ) انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا، (أَوْ) أَحْرَمَ (بِعُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا، وَلَغَتْ الْأُخْرَى) ، لِأَنَّ الزَّمَنَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا مُجْتَمِعَتَيْنِ، فَصَحَّ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا كَبَقِيَّةِ أَفْعَالِهِمَا، وَكَنَذْرِهِمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْدَاهُمَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ، لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ اللَّاغِيَةِ، وَكَنِيَّةِ صَوِّمِينِ فِي يَوْمٍ. (وَ) مَنْ أَحْرَمَ (بِنُسُكٍ) تَمَتُّعٍ، أَوْ إفْرَادٍ أَوْ قِرَانٍ، أَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ (وَنَسِيَهُ) ، أَيْ: مَا أَحْرَمَ بِهِ، أَوْ نَسِيَ مَا نَذَرَهُ (قَبْلَ طَوَافٍ، صَرَفَهُ لِعُمْرَةٍ نَدْبًا) ، لِأَنَّهَا الْيَقِينُ، (وَيَجُوزُ) صَرْفُ إحْرَامِهِ (لِغَيْرِهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَانِعِ، فَإِنَّ صَرَفَهُ. (إلَى قِرَانٍ أَوْ) إلَى (إفْرَادٍ، يَصِحُّ حَجًّا فَقَطْ، لِاحْتِمَالِ) أَنْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ حَجًّا مُفْرَدًا، فَلَا يَصِحُّ (إدْخَالُهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ، (عَلَيْهِ) ، فَلَا تَسْقُطُ بِالشَّكِّ، (وَلَا دَمَ) ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَلَا قَارِنٍ، (وَ) إنْ صَرَفَهُ (إلَى تَمَتُّعٍ فَكَفَسْخِ حَجٍّ لِعُمْرَةٍ) ، فَيَصِحُّ إنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَسُقْ هَدْيًا، لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ قَارِنًا أَوْ مُفْرَدًا، وَفَسْخُهُمَا صَحِيحٌ لِمَا تَقَدَّمَ، و (يَلْزَمُهُ دَمُ مُتْعَةٍ بِشُرُوطِهِ) ، لِلْآيَةِ، وَيُجْزِئُهُ تَمَتُّعُهُ عَنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، لِصِحَّتِهِمَا بِكُلِّ حَالٍ. (وَ) إنْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ، أَوْ نَذَرَهُ (بَعْدَ طَوَافٍ وَلَا هَدْيَ مَعَهُ) ، أَيْ: النَّاسِي، (يَتَعَيَّنُ) صَرْفُهُ (إلَيْهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ، (لِامْتِنَاعِ إدْخَالِهِ) ، أَيْ: الْحَجِّ، (عَلَيْهَا إذَنْ) ، أَيْ: بَعْدَ طَوَافِهَا لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 (وَيَتَّجِهُ: لُزُومُ) نَاسِي مَا أَحْرَمَ بِهِ بَعْدَهُ، وَقَدْ صَرَفَ نُسُكَهُ إلَى الْعُمْرَةِ لِعَدَمِ الْهَدْيِ (إعَادَةُ طَوَافٍ) ، لِعَدَمِ صَرْفِهِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ إلَى نُسُكٍ مُعَيَّنٍ، فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، لِأَنَّهُ طَافَ لَا فِي حَجٍّ وَلَا فِي عُمْرَةٍ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي " وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَيَسْعَى) النَّاسِي (وَيَحْلِقُ) أَوْ يُقَصِّرُ (ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجٍّ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ وُقُوفٍ) بِعَرَفَةَ، (وَيُتِمُّهُ) ، أَيْ: الْحَجَّ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُهُ لِتَأْدِيَتِهِ إيَّاهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا دَمَ لِلْحَلْقِ إذْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَاجًّا بِإِفْرَادٍ أَوْ قِرَانٍ، خِلَافًا لَهُمَا) ، أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " والْإِقْنَاعِ " حَيْثُ أَوْجَبَا عَلَيْهِ الدَّمَ لِحَلْقِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ، (لِأَنَّ الْحَجَّ قَدْ فُسِخَ بِالصَّرْفِ) إلَى الْعُمْرَةِ، كَذَا قَالَ، وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ: وَإِنْ كَانَ شَكُّهُ بَعْدَ الطَّوَافِ، صَرَفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ، وَلَا يَجْعَلُهُ حَجًّا وَلَا قِرَانًا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ عُمْرَةً، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ الطَّوَافِ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ، فَيَسْعَى وَيَحْلِقُ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِهِ، وَيُتِمُّهُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُهُ، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ بِكُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَنْسِيُّ حَجًّا أَوْ قِرَانًا، فَقَدْ حَلَقَ فِيهِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، وَفِيهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا، فَقَدْ تَحَلَّلَ، ثُمَّ حَجَّ، وَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ فِي " الْمُنْتَهَى " فَإِنْ حَلَقَ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْوُقُوفِ، يُحْرِمُ بِحَجٍّ وَيُتِمُّهُ، وَعَلَيْهِ لِلْحَلْقِ دَمٌ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَاجًّا، وَمَا قَالَهُ جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَ " الْمُبْدِعِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ " وَغَيْرُهُمْ. (وَمَعَ مُخَالِفَتِهِ) مَا سَبَقَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 (بِصَرْفِهِ) نُسُكَهُ مَعَ نِسْيَانِهِ بَعْدَ طَوَافٍ، وَلَا هَدْيَ مَعَهُ (لِحَجٍّ أَوْ قِرَانٍ، وَجَهِلَ الْحَالَةَ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ حَجٍّ) كَمَا يَأْتِي، (وَلَمْ يُجْزِئْهُ) فِعْلُهُ ذَلِكَ (عَنْ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ لِلشَّكِّ) فِي سَبَبِهِمَا، (وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ (وَلَا قَضَاءَ) ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ، (وَمَا) كَانَ (عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبٍ) فَهُوَ بَاقٍ (فِي ذِمَّتِهِ يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ) ، لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (لُزُومُ قَضَاءِ حَجٍّ لَوْ وَطِئَ بَعْدَ حَلْقٍ) فَقَطْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ إحْلَالُهُ بِذَلِكَ، إذْ عِبَارَاتُهُمْ طَافِحَةٌ فِي أَنَّ مَنْ حَلَقَ وَطَافَ، ثُمَّ وَاقَعَ أَهْلَهُ قَبْلَ الرَّمْيِ، فَحَجُّهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ) كَانَ (مَعَهُ هَدْيٌ) وَطَافَ، ثُمَّ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ، (صَرَفَهُ لِحَجٍّ) وُجُوبًا، (وَأَجْزَأَهُ حَجُّهُ) عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ (فَقَطْ) ، لِصِحَّتِهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ تَمَامِ نُسُكِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَيَأْتِي) فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ (حُكْمُ) مَنْ طَافَ (أَحَدَ طَوَافَيْنِ بِحَدَثٍ، وَجَهْلٍ) ، مُسْتَوْفًى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 (وَمَنْ أَهَلَّ لِعَامَيْنِ، بِأَنْ قَالَ: لَبَّيْكَ الْعَامَ وَالْعَامَ الْقَابِلَ، حَجَّ مِنْ عَامِهِ، وَاعْتَمَرَ مِنْ) عَامٍ (قَابِلٍ) ، قَالَهُ عَطَاءٌ، حَكَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ وَمُقْتَضَاهُ: وُجُوبُ ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ: بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: أَنْ فَعَلَ (ذَلِكَ) ، أَيْ: كَوْنُهُ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ وَيَعْتَمِرُ مِنْ قَابِلٍ، (نَدْبٌ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ، لَوْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَرْفَقُ فِي حَقِّهِ، وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ عُهْدَةِ الْعَوْدِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ عَلَى فَرْضِ بَقَائِهِ حَيًّا مُسْتَطِيعًا، وَإِلَّا فَتَبْقَى ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً إلَى أَنْ يُقْضَى عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِالْوُجُوبِ وَلَا النَّدْبِ، لِعَدَمِ جَزْمِهِمْ بِهِ، فَصَارَ لِلِاحْتِمَالِ مَجَالٌ. [فَصْلٌ مَا يَسُنّ لِمَنْ أَحْرَمَ سَوَاءٌ عَيَّنَ نُسُكًا أَوْ أَطْلَقَ] (فَصْلٌ) (وَسُنَّ) لِمَنْ أَحْرَمَ سَوَاءٌ عَيَّنَ نُسُكًا أَوْ أَطْلَقَ (عَقِبَ إحْرَامِهِ تَلْبِيَةٌ) لِقَوْلِ جَابِرٍ «فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك» . الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (حَتَّى عَنْ أَخْرَسَ وَمَرِيضٍ) ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَنَائِمٍ، وَأَنْ تَكُونَ (كَتَلْبِيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وَهِيَ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك» ) لِلْخَبَرِ وَتَقَدَّمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَةِ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ: أَلَبَّ بِالْمَكَانِ، إذَا لَزِمَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك، وَكَرَّرَهُ لِأَنَّهُ أَرَادَ إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ التَّثْنِيَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ التَّكْثِيرُ كَحَنَانَيْكَ، وَالْحَنَانُ الرَّحْمَةُ. وَقِيلَ: مَعْنَى التَّلْبِيَةِ: إجَابَةُ دَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ حِينَ نَادَى بِالْحَجِّ، وَقِيلَ: مُحَمَّدٍ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى. (وَاخْتِيرَ كَسْرُ هَمْزَةِ إنَّ) نَصًّا، لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ، قَالَ ثَعْلَبٌ: مَنْ كَسَرَ فَقَدْ عَمَّ، يَعْنِي: حَمِدَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَنْ فَتَحَ فَقَدْ خَصَّ، أَيْ: لَبَّيْكَ، لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك. (وَلَا بَأْسَ بِزِيَادَةٍ) عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَزِمَ تَلْبِيَةً فَكَرَّرَهَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا، وَلَمْ تُكْرَهْ نَصًّا، (فَقَدْ زَادَ ابْنُ عُمَرَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ) ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَزَادَ عُمَرُ: لَبَّيْكَ وَالنَّعْمَاءُ وَالْفَضْلُ، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إلَيْك لَبَّيْكَ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَرُوِيَ أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَزِيدُ: لَبَّيْكَ حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا. (وَسُنَّ ذِكْرُ نُسُكِهِ فِيهَا) ، أَيْ: التَّلْبِيَةِ، (وَ) سُنَّ (بَدْءُ قَارِنٍ بِذِكْرِ عُمْرَةٍ) كَقَوْلِهِ: (لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. (و) سُنَّ (دُعَاءٌ بَعْدَهَا بِمَا أَحَبَّ، وَيَسْأَلُ) اللَّهَ (الْجَنَّةَ، يَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ النَّارِ) ، لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ مَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ، وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ» (وَ) سُنَّ (صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، بَعْدَ التَّلْبِيَةِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ شُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ رَسُولِهِ، كَأَذَانٍ. (وَ) سُنَّ (إكْثَارُ تَلْبِيَةٍ) ، لِخَبَرِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَابْنُ مَاجَهْ. (وَتَتَأَكَّدُ) التَّلْبِيَةُ (إذَا عَلَا نَشَزًا) ، بِالتَّحْرِيكِ، أَيْ: مَكَانًا مُرْتَفِعًا، (أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، أَوْ صَلَّى مَكْتُوبَةً، أَوْ أَقْبَلَ لَيْلٌ أَوْ نَهَارٌ، أَوْ الْتَقَتْ رِفَاقٌ، أَوْ سَمِعَ مُلَبِّيًا، أَوْ أَتَى مَحْظُورًا نَاسِيًا، أَوْ رَكِبَ) دَابَّتَهُ، (أَوْ نَزَلَ) عَنْهَا، (أَوْ رَأَى الْكَعْبَةَ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي فِي حَجَّتِهِ إذَا لَقِيَ رَاكِبًا أَوْ عَلَا أَكَمَةً أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَفِي آخِرِ اللَّيْلِ» وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَإِذَا هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا عَلَا نَشَزًا وَإِذَا لَقِيَ رَاكِبًا، وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. (وَ) سُنَّ (جَهْرُ ذَكَرٍ بِهَا) ، لِقَوْلِ أَنَسٍ: " سَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهَا صُرَاخًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَخَبَرُ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا، أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ» أَسَانِيدُهُ جَيِّدَةٌ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. (فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَأَمْصَارِهِ) ، بِخِلَافِ الْبَرَارِي وَعَرَفَاتٍ وَالْحَرَمِ وَمَكَّةَ، قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَحْرَمَ فِي مِصْرِهِ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حَتَّى يَبْرُزَ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْمَدِينَةِ: إنَّ هَذَا لَمَجْنُونٌ، إنَّمَا التَّلْبِيَةُ إذَا بَرَزْت. (وَ) فِي غَيْرِ (طَوَافِ قُدُومٍ وَسَعْيٍ بَعْدَهُ) ، لِئَلَّا يُخَلِّطَ عَلَى الطَّائِفِينَ وَالسَّامِعِينَ (وَتُشْرَعُ) تَلْبِيَةٌ (بِالْعَرَبِيَّةِ لِقَادِرٍ) عَلَيْهَا كَأَذَانٍ، (وَإِلَّا) يَقْدِرَ عَلَيْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَيُلَبِّي (بِلُغَتِهِ) ، لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى، (وَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُ تَلْبِيَةٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) نَصًّا، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: سُئِلَ الْأَثْرَمُ: مَا شَيْءٌ تَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ يُلَبُّونَ دُبُرَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا؟ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءُوا بِهِ، قُلْت: أَلَيْسَ يُجْزِئُهُ مَرَّةً؟ قَالَ: بَلَى. (وَاخْتَارَ بَعْضٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ كَالْمُوَفَّقِ وَالشَّارِحِ، قَالَا: (تَكْرَارُهَا ثَلَاثًا دُبُرَ الصَّلَاةِ حَسَنٌ) ، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ. (وَكُرِهَ لِأُنْثَى جَهْرٌ) بِتَلْبِيَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 (بِأَكْثَرَ مَا تَسْمَعُ رَفِيقَتُهَا) مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ بِهَا، لَكِنْ يُعْتَبَرُ أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا التَّلْبِيَةَ وِفَاقًا قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: وَخُنْثَى مُشْكِلٌ كَأُنْثَى (وَ) كُرِهَ (لَطَائِفٍ بِالْبَيْتِ) جَهْرٌ بِهَا لِئَلَّا يُشْغِلَ الطَّائِفِينَ عَنْ طَوَافِهِمْ وَأَذْكَارِهِمْ الْمَشْرُوعَةِ لَهُمْ. (وَلَا بَأْسَ بِتَلْبِيَةِ حَلَالٍ) كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ [بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ] (بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ) أَيْ: الْمَمْنُوعِ، فِعْلُهُنَّ فِي الْإِحْرَامِ شَرْعًا، وَهِيَ (مَا حُرِّمَ عَلَى مُحْرِمٍ) فِعْلُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ (وَهِيَ تِسْعَةٌ) : (أَحَدُهَا إزَالَةُ شَعْرٍ مِنْ جَمِيعِ بَدَنِهِ، وَلَوْ مِنْ أَنْفٍ بِلَا عُذْرٍ) بِحَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] ، نَصَّ عَلَى حَلْقِ الرَّأْسِ وَعَدَّى إلَى شَعْرِ الْبَدَنِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، إذْ حَلْقُهُ يُؤْذِنُ بِالرَّفَاهِيَةِ، وَهُوَ يُنَافِي الْإِحْرَامَ لِكَوْنِ الْمُحْرِمِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ وَقِيسَ عَلَى الْحَلْقِ النَّتْفُ وَالْقَلْعُ، لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا عُبِّرَ بِهِ فِي النَّصِّ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، فَإِنْ حَصَلَ لَهُ أَذًى (كَخُرُوجِ شَعْرٍ بِعَيْنَيْهِ، وَنُزُولِ شَعْرِ حَاجِبَيْهِ عَلَيْهِمَا فَيُزِيلُهُ، وَلَا فِدْيَةَ كَإِزَالَتِهِ) ، أَيْ: الشَّعْرِ (مَعَ غَيْرِهِ بِقَطْعِ عُضْوٍ أَوْ جِلْدٍ) عَلَيْهِمَا شَعْرٌ، فَلَا فِدْيَةَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِغَيْرِهِ وَالتَّابِعُ لَا يُفْرَدُ بِحُكْمٍ، كَقَطْعِ أَشْعَارِ عَيْنَيْ إنْسَانٍ يَضْمَنُهُمَا دُونَ أَهْدَابِهِمَا. (وَإِنْ حَصَلَ أَذًى بِغَيْرِ شَعْرٍ كَمَرَضٍ وَحَرٍّ وَقَمْلٍ وَصُدَاعٍ وَقَرْعٍ أَزَالَهُ) ، أَيْ: الشَّعْرَ، (وَفَدَى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ، وَلِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ قَالَ: " حُمِلْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 «مَا كُنْتُ أَرَى الْجَهْدَ يَبْلُغُ بِكَ مَا أَرَى، أَتَجِدُ شَاةً؟ قُلْتُ: لَا فَنَزَلَتْ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ} [البقرة: 196] قَالَ: هُوَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (الثَّانِي: إزَالَةُ ظُفْرِ يَدٍ، أَوْ) ظُفْرِ (رِجْلٍ) أَصْلِيَّةً أَوْ زَائِدَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الرَّفَاهِيَةُ، فَأَشْبَهَ إزَالَةَ الشَّعْرِ (بِلَا عُذْرٍ، فَإِنْ) عُذِرَ، بِأَنْ (كُسِرَ ظُفْرُهُ أَوْ وَقَعَ بِهِ مَرَضٌ فَأَزَالَهُ) ، لَمْ يُحَرَّمْ، (أَوْ) زَالَ الظُّفْرُ (مَعَ غَيْرِهِ) كَمَا لَوْ زَالَ (مَعَ أُصْبُعِهِ، فَلَا فِدْيَةَ) لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ. (وَتَجِبُ) الْفِدْيَةُ (فِيمَا) ، أَيْ: لِشَعْرٍ، (عُلِمَ أَنَّهُ بَانَ بِمُشْطٍ أَوْ) بَانَ (بِتَخْلِيلٍ) ، كَمَا لَوْ زَالَ بِغَيْرِهِمَا، (وَلَوْ) كَانَ (نَاسِيًا) إذْ لَا أَثَرَ لِلْقَصْدِ وَعَدَمِهِ فِيمَا فِيهِ فِدْيَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَيْتًا فَقَطْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَهِيَ) ، أَيْ: الْفِدْيَةُ (فِي كُلِّ فَرْدٍ) ، أَيْ: لِشَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ ظُفْرٍ وَاحِدٍ (أَوْ بَعْضِهِ) ، أَيْ: الْفَرْدِ (مِنْ دُونِ ثَلَاثٍ مِنْ شَعْرٍ أَوْ ظُفْرٍ) ، كَشَعْرَتَيْنِ أَوْ ظُفْرَيْنِ أَوْ بَعْضِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَبَعْضِ آخَرَ (إطْعَامُ مِسْكِينٍ) وَعَنْ كُلِّ ظُفْرٍ أَوْ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا وَجَبَ فِدْيَةً شَرْعًا. (وَفِي ثَلَاثِ) شَعَرَاتٍ أَوْ أَظْفَارٍ (الْفِدْيَةُ) ، وَهِيَ: شَاةٌ أَوْ: صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ كَمَا يَأْتِي فِي الْفِدْيَةِ. (وَتُسْتَحَبُّ) الْفِدْيَةُ (مَعَ شَكٍّ) : هَلْ بَانَ الشَّعْرُ بِمَشْطٍ أَوْ تَخْلِيلٍ، أَوْ كَانَ مَيْتًا؟ وَكَذَا لَوْ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَشَكَّ: هَلْ سَقَطَ شَيْءٌ، احْتِيَاطًا (وَمَنْ طَيَّبَ حَيًّا) بِإِذْنِهِ، (أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ) بِإِذْنِهِ، (أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ بِإِذْنِهِ) ، فَعَلَى الْمُطَيَّبِ وَالْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ وَالْمُقَلَّمِ ظُفْرُهُ بِإِذْنِهِ الْفِدْيَةُ؛ لِتَفْرِيطِهِ، (أَوْ سَكَتَ) مَفْعُولٌ بِهِ ذَلِكَ: (وَلَمْ يَنْهَهُ) ، أَيْ: وَلَمْ يَنْهَ الْفَاعِلَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، (وَلَوْ) وَقَعَ ذَلِكَ (مِنْ مُحْرِمٍ) لِمُحْرِمٍ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ دُونَ الْفَاعِلِ، (وَ) حَلَقَ رَأْسَ نَفْسِهِ، أَوْ قَلَّمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 ظُفْرَ نَفْسِهِ (بِيَدِهِ كُرْهًا، فَعَلَيْهِ) -، أَيْ: الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ، وَالْمُقَلَّمِ ظُفْرُهُ، لَا مَنْ تَطَيَّبَ مُكْرَهًا - (الْفِدْيَةُ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ بِحَلْقِ الرَّأْسِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ غَيْرَهُ يَحْلِقُهُ، وَلِأَنَّ الشَّعْرَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ كَوَدِيعَةٍ، فَإِذَا سَكَتَ، وَلَمْ يَنْهَ الْحَالِقَ، فَقَدْ فَرَّطَ فِيهِ فَيَضْمَنُهُ، وَلِأَنَّهُ إتْلَافٌ، وَهُوَ يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ بَاشَرَهُ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا، (وَ) إنْ كَانَ مَحْلُوقًا رَأْسُهُ (مُكْرَهًا) وَحُلِقَتْ رَأْسُهُ (بِيَدِ غَيْرِهِ، أَوْ) كَانَ (نَائِمًا) وَحُلِقَتْ رَأْسُهُ، فَالْفِدْيَةُ (عَلَى فَاعِلٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مَا مُنِعَ مِنْ إزَالَتِهِ كَحَلْقِ مُحْرِمٍ رَأْسَ نَفْسِهِ، (وَلَا فِدْيَةَ بِحَلْقِ مُحْرِمٍ) شَعْرَ حَلَالٍ (أَوْ تَطْيِيبِهِ) ، أَيْ: الْمُحْرِمِ (حَلَالًا) بِلَا مُبَاشَرَةِ طِيبٍ، وَكَذَا لَوْ قَلَّمَ ظُفْرَ حَلَالٍ، أَوْ أَلْبَسَهُ مِخْيَطًا؛ لِإِبَاحَتِهِ لِلْحَلَالِ، (وَيُبَاحُ) لِمُحْرِمٍ (غَسْلُ شَعْرِهِ بِنَحْوِ سِدْرٍ) كَصَابُونٍ وَأُشْنَانٍ، (وَ) لَهُ (حَكُّ بَدَنِهِ) وَرَأْسِهِ (بِرِفْقٍ) نَصًّا (بِلَا قَطْعِ شَعْرٍ) ، فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ وَابْنُهُ وَأَرْخَصَ فِيهِ عَلِيٌّ وَجَابِرٌ، وَلَيْسَ لَهُ تَسْرِيحُ شَعْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِقَطْعِهِ. (فَرْعٌ حُكْمُ رَأْسٍ وَبَدَنٍ فِي إزَالَةِ شَعْرٍ وَطِيبٍ وَلِبْسٍ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَمْ يَخْتَلِفْ إلَّا مَوْضِعُهُ، (فَلَوْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ) فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، (أَوْ) حَلَقَ (ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُمَا) ، أَيْ: رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ، (أَوْ تَطَيَّبَ) فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ، (أَوْ لَبِسَ فِيهِمَا فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ إتْلَافٌ فَهُوَ آكَدَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، فَهُنَا أَوْلَى (الثَّالِثُ: تَعَمُّدُ تَغْطِيَةِ رَأْسٍ) لِذَكَرٍ إجْمَاعًا، (وَمِنْهُ الْأُذُنَانِ) «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُحْرِمَ عَنْ لُبْسِ الْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِسِ» وَقَوْلِهِ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ: «وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَمَتَى غَطَّاهُ) ، أَيْ: الرَّأْسَ، بِلَاصِقٍ مُعْتَادٍ كَبُرْنُسٍ وَعِمَامَةٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَوْ بِقِرْطَاسٍ بِهِ دَوَاءٌ، أَوْ لَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 دَوَاءَ بِهِ، (أَوْ) غَطَّاهُ (بِطِينٍ أَوْ نُورَةٍ أَوْ حِنَّاءٍ أَوْ عَصَبَهُ وَلَوْ بِيَسِيرٍ) بِلَا عُذْرٍ، حَرُمَ وَفَدَى؛ لِحَدِيثِ: «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» وَغَيْرَ أَنْ يَشُدَّ الرَّجُلُ رَأْسَهُ بِالسَّيْرِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (أَوْ) سَتَرَهُ بِغَيْرِ لَاصِقٍ، بِأَنْ (اسْتَظَلَّ بِمَحْمَلٍ وَنَحْوِهِ) كَمِحَفَّةٍ، (أَوْ) اسْتَظَلَّ (بِنَحْوِ ثَوْبٍ) كَخُوصٍ أَوْ رِيشٍ يَعْلُو الرَّأْسَ وَلَا يُلَاصِقُهَا، (رَاكِبًا أَوْ لَا حَرُمَ بِلَا عُذْرٍ وَفَدَى) لُزُومًا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّرَفُّهُ، أَوْ لِأَنَّهُ سَتَرَهُ بِمَا يُسْتَدَامُ وَيُلَازِمُهُ غَالِبًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَتَرَهُ بِشَيْءٍ يُلَاقِيهِ بِخِلَافٍ نَحْوَ خَيْمَةٍ. وَيُحْرِمُ وَلَا يَفْدِي مُحْرِمٌ (إنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا) كَطَبَقٍ وَمِكْتَلٍ، (أَوْ نَصَبَهُ حِيَالَهُ) ، أَيْ: نَصَبَ شَيْئًا بِإِزَائِهِ وَمُقَابَلَتِهِ، وَاسْتَظَلَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، أَشْبَهَ الِاسْتِظْلَالَ بِحَائِطٍ تَحْتَهَا، (أَوْ اسْتَظَلَّ بِخَيْمَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ) ، وَلَوْ بِطَرْحِ شَيْءٍ عَلَيْهَا يَسْتَظِلُّ بِهِ تَحْتَهَا (أَوْ بِبَيْتٍ) ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَأَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ» . (أَوْ غَطَّى) مُحْرِمٌ ذَكَرٌ (وَجْهَهُ) بِلَا مَخِيطٍ، فَلَا إثْمَ وَلَا فِدْيَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ سُنَّةُ التَّقْصِيرِ مِنْ الرِّجْلِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ سُنَّةُ التَّخْمِيرِ كَبَاقِي بَدَنِهِ (أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ لَبَّدَهُ بِعَسَلٍ وَصَمْغٍ وَنَحْوِهِ خَوْفَ نَحْوَ غُبَارٍ أَوْ شُعْثٍ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ مُلَبِّدًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (الرَّابِعُ: تَعَمَّدَ لُبْسَ) ذَكَرٍ (الْمَخِيطَ مُطْلَقًا) قَلَّ أَوْ كَثُرَ فِي بَدَنِهِ أَوْ بَعْضِهِ مِمَّا عَمِلَ عَلَى قَدْرِهِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَلْبُوسُ (عِمَامَةً أَوْ قُفَّازَيْنِ) : تَثْنِيَةُ قُفَّازٍ كَتُفَّاحٍ، وَهُمَا (يُعْمَلَانِ لِلْيَدَيْنِ) كَمَا يُعْمَلُ لِأَجْلِ (الْبُزَاةِ، أَوْ) كَانَ الْمَخِيطُ (خُفَّيْنِ) لِأَنَّهُمَا مِنْهُ (إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ) الْمُحْرِمُ (إزَارًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 فَيَلْبَسَ سَرَاوِيلَ أَوْ) لَا يَجِدَ (نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسَ نَحْوَ خُفَّيْنِ كَرَانٍ) ، وسرموزة؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «سُئِلَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ، إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ اللُّبْسِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَلَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ كَجَوْرَبٍ فِي كَفٍّ، وَخُفٍّ فِي رَأْسٍ. (وَحَرُمَ قَطْعُهُمَا) ، أَيْ: الْخُفَّيْنِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ، يَقُولُ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، رَوَاهُ الْأَثْبَاتُ، وَلَيْسَ فِيهِ بِعَرَفَاتٍ وَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا شُعْبَةُ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ " يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ " وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثَيْنِ قَطْعَ الْخُفَّيْنِ، قَالَ عَلِيٌّ: قَطْعُ الْخُفَّيْنِ فَسَادٌ، وَلِأَنَّ قَطْعَهُمَا لَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ حَالَةِ الْحَظْرِ؛ إذْ لُبْسُ الْمَقْطُوعِ كَلُبْسِ الصَّحِيحِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَفِيهِ إتْلَافُ مَالِيَّةِ الْخُفِّ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْقَطْعِ اُخْتُلِفَ فِيهَا، فَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ بِالْمَدِينَةِ؛ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْهُ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ. فَذَكَرَهُ، وَخَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَرَفَاتٍ، فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لِلْجَمْعِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ أَكْثَرُهُمْ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ -: الْمُطْلَقُ يَقْضِي عَلَى الْمُقَيَّدِ - مَحِلُّهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ تَأْوِيلُهُ، وَعَنْ قَوْلِهِ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ زِيَادَةُ لَفْظٍ بِأَنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ فِيهِمَا زِيَادَةُ حُكْمٍ هُوَ جَوَازُ اللُّبْسِ بِلَا قَطْعٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ: الْعَجَبُ مِنْ أَحْمَدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 فِي هَذَا، أَيْ: قَوْلِهِ بِعَدَمِ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ سُنَّةً تَبْلُغُهُ، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يُخَالِفُ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ، كَمَا هُوَ عَادَةُ الْمُتَبَحِّرِينَ فِي الْعِلْمِ الَّذِينَ أَيَّدَهُمْ اللَّهُ بِمَعُونَتِهِ فِي جَمْعِهِمْ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، (حَتَّى يَجِدَ إزَارًا وَنَعْلَيْنِ وَلَا فِدْيَةَ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَإِنْ شَقَّ إزَارُهُ وَشَدَّ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ، فَكَسَرَاوِيلَ، وَإِنْ وَجَدَ نَعْلًا لَا يُمْكِنُهُ لُبْسُهَا فَلَبِسَ الْخُفَّ، فَدَى نَصًّا، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ، (وَعَنْهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ، (بِقَطْعِهِمَا) ، أَيْ: الْخُفَّيْنِ وَنَحْوِهِمَا (حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَجَوَّزَهُ) ، أَيْ: الْقَطْعَ، (جَمْعٌ) ، مِنْهُمْ: أَبُو الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، (عَمَلًا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ) ، أَيْ: حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَتَقَدَّمَ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَأَخَذُوا بِالِاحْتِيَاطِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ. (وَيَتَّجِهُ: صِحَّتُهُ) ، أَيْ: الْقَوْلِ بِقَطْعِ الْخُفَّيْنِ (إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ) ، أَيْ: الْمَقْطُوعِ بِالْقَطْعِ؛ إذْ الْعِلَّةُ فِيهِ إفْسَادُهُ بِالْإِتْلَافِ، وَحَيْثُ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ، وَلَا إتْلَافَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ لَوْلَا قُوَّةُ الْمُعَارِضِ. (وَإِنْ لَبِسَ مَقْطُوعًا) مِنْ خُفٍّ وَنَحْوِهِ (دُونَ الْكَعْبَيْنِ مَعَ وُجُودِ نَعْلٍ، حَرُمَ) كَلُبْسِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ كَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَخِيطًا، (وَفَدَى) لِلُبْسِهِ كَذَلِكَ، (وَتُبَاحُ) لِلْمُحْرِمِ (نَعْلٌ) لِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ، وَهِيَ الْحِذَاءُ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَتُطْلَقُ عَلَى التَّاسُومَةِ. (وَلَوْ كَانَتْ النَّعْلُ بِعَقِبٍ وَقُيِّدَ، وَهُوَ: السَّيْرُ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الزِّمَامِ) لِلْعُمُومَاتِ، (وَلَا يَعْقِدُ) الْمُحْرِمُ (عَلَيْهِ رِدَاءً، أَوْ) ، أَيْ: وَلَا (مِنْطَقَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 أَوْ غَيْرَهُمَا) ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: وَلَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَتَرَفَّهُ بِذَلِكَ، أَشْبَهَ اللِّبَاسَ، (وَلَا يَجْعَلُ لِذَلِكَ) ، أَيْ: الْمِنْطَقَةِ وَالرِّدَاءِ وَنَحْوِهِمَا (زِرًّا وَعُرْوَةً، وَلَا يُخِلُّهُ بِشَوْكَةٍ أَوْ إبْرَةٍ أَوْ خَيْطٍ، أَوْ، أَيْ: وَلَا يَغْرِزُ أَطْرَافَهُ فِي إزَارِهِ، فَإِنْ فَعَلَ) مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ أَثِمَ وَ (فَدَى) ؛ لِأَنَّهُ كَمَخِيطٍ، (إلَّا إزَارَهُ) ، فَلَهُ عَقْدُهُ لِذَلِكَ؛ لِحَاجَةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، (وَ) إلَّا (مِنْطَقَةً وَهِمْيَانًا فِيهِمَا نَفَقَةٌ مَعَ حَاجَةٍ لِعَقْدٍ) ، وَهِيَ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْهِمْيَانُ أَوْ الْمِنْطَقَةُ إلَّا بِالْعَقْدِ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: أَوْثِقْ عَلَيْكَ نَفَقَتَكَ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى عَقْدِهِ، فَجَازَ كَعَقْدِ الْإِزَارِ، فَإِنْ ثَبَتَ بِإِدْخَالِ السُّيُورِ بَعْضِهَا فِي بَعْضِ، لَمْ يَجُزْ عَقْدُهُ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفَقَةٌ. (وَيَتَقَلَّدُ) الْمُحْرِمُ (بِسَيْفٍ لِحَاجَةٍ) ؛ لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ: «لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَهُمْ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ الْقِرَابِ بِمَا فِيهِ» وَهَذَا ظَاهِرٌ بِإِبَاحَتِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَأْمَنُونَ أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ، (وَحَرُمَ) التَّقَلُّدُ بِسَيْفٍ (بِدُونِهَا) ، أَيْ: الْحَاجَةِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: لَا يَحْمِلُ الْمُحْرِمُ السِّلَاحَ فِي الْحَرَمِ. (وَ) لَا يَجُوزُ (حَمْلُ سِلَاحٍ بِمَكَّةَ) نَقَلَ الْأَثْرَمُ لَا يَتَقَلَّدُ بِمَكَّةَ إلَّا لِخَوْفٍ، وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْمَلَ السِّلَاحُ بِمَكَّةَ» (وَيَحْمِلُ) مُحْرِمٌ (جِرَابَهُ وَقِرْبَةَ الْمَاءِ فِي عُنُقِهِ) ، قَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو لَا بَأْسَ وَ (لَا) يُدْخِلُ حَبْلَهَا فِي (صَدْرِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، (وَلَهُ) ، أَيْ: الْمُحْرِمِ، (شَدُّ وَسَطٍ بِنَحْوِ مِنْدِيلٍ وَحَبْلٍ إذَا لَمْ يَعْقِدْهُ) ، قَالَ أَحْمَدُ فِي مُحْرِمٍ حَزَّمَ عِمَامَتَهُ عَلَى وَسَطِهِ: لَا يَعْقِدُهَا وَيُدْخِلُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، قَالَ طَاوُسٌ: فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ (وَ) لَهُ (أَنْ يَتَّزِرَ وَيَلْتَحِفَ) ، أَيْ: يَتَغَطَّى، (بِقَمِيصٍ وَيَرْتَدِيَ بِهِ) ، أَيْ: يَجْعَلَهُ مَكَانَ الرِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُلْبَسُ مَخِيطٌ مَصْنُوعٌ لِمِثْلِهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 (وَ) لَهُ أَنْ يَرْتَدِيَ (بِرِدَاءٍ مُوَصَّلٍ بِلَا عَقْدٍ) ؛ لِأَنَّ الرِّدَاءَ لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ صَحِيحًا، (وَإِنْ طَرَحَ) مُحْرِمٌ (عَلَى كَتِفَيْهِ قَبَاءً، فَدَى وَلَوْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي كُمَّيْهِ) «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ لُبْسِهِ لِلْمُحْرِمِ» رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَرَوَاهُ النِّجَادُ عَنْ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّهُ عَادَةُ لُبْسِهِ كَالْقَمِيصِ (وَإِنْ غَطَّى خُنْثَى مُشْكِلٌ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ) فَدَى لِتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا، أَوْ وَجْهِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى، (أَوْ) غَطَّى خُنْثَى مُشْكِلٌ (وَجْهَهُ، وَلَبِسَ مَخِيطًا، فَدَى) لِلُبْسِ الْمَخِيطِ إنْ كَانَ ذَكَرًا، أَوْ لِتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَيَفْدِي خُنْثَى مُشْكِلٌ (إنْ لَبِسَهُ) ، أَيْ: الْمَخِيطَ وَلَمْ يُغَطِّ وَجْهَهُ، (أَوْ غَطَّى وَجْهَهُ وَجَسَدَهُ بِلَا لُبْسِ) مَخِيطٍ لِلشَّكِّ، (وَمَنْ خَافَ) بِتَرْكِ اللُّبْسِ (بَرْدًا) لَبِسَ وَفَدَى، كَمَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ صَيْدٍ، (أَوْ اسْتَحْيَا مِنْ عَيْبٍ) ، كَقُرُوحٍ بِبَدَنِهِ أَوْ غَيْرِهَا (يَطَّلِعُ عَلَيْهِ) أَحَدٌ، (لَبِسَ وَفَدَى) ، نَصَّ عَلَيْهِ. (الْخَامِسُ: تَعَمَّدَ الطِّيبَ) إجْمَاعًا (مَسًّا وَشَمًّا وَاسْتِعْمَالًا) ؛ لِحَدِيثٍ: «وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ» وَ «أَمْرِهِ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ بِغَسْلِ الطِّيبِ» وَقَوْلِهِ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ: «لَا تُحَنِّطُوهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَلِمُسْلِمٍ: «لَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ» (فَمَتَى طَيَّبَ مُحْرِمٌ ثَوْبَهُ أَوْ بَدَنَهُ) أَوْ شَيْئًا مِنْهُمَا حَرُمَ وَفَدَى (أَوْ اسْتَعْمَلَ) مُحْرِمٌ (فِي أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ ادِّهَانٍ أَوْ اكْتِحَالٍ أَوْ إسْقَاطٍ أَوْ احْتِقَانٍ طِيبًا يَظْهَرُ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ) فِي الْمَذْكُورَاتِ، حَرُمَ وَفَدَى، (أَوْ قَصَدَ) مُحْرِمٌ (شَمَّ دُهْنٍ مُطَيِّبٍ أَوْ) قَصَدَ شَمَّ (مِسْكٍ، أَوْ) شَمَّ (كَافُورٍ أَوْ عَنْبَرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ) : نَبْتٍ أَصْفَرَ كَالسِّمْسِمِ بِالْيَمَنِ تُتَّخَذُ مِنْهُ الْحُمْرَةُ لِلْوَجْهِ، حَرُمَ وَفَدَى، وَلَوْ جَلَسَ عِنْدَ عَطَّارٍ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَشَمُّ الطِّيبَ، (أَوْ) قَصَدَ شَمَّ (بَخُورِ عُودٍ وَنَحْوِهِ) كَعَنْبَرٍ وَلَوْ حَالَ تَجْمِيرِ الْكَعْبَةِ حَرُمَ وَفَدَى (أَوْ) قَصَدَ شَمَّ (مَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ لِطِيبٍ وَيُتَّخَذُ مِنْهُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 الطِّيبُ (كَوَرْدٍ وَبَنَفْسَجٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ وَالسِّينِ مُعَرَّبٌ، (وَكَمَنْثُورٍ) ، وَهُوَ: الْخَيْرِيُّ (وَنَيْلُوفَرَ وَيَاسَمِينٍ وَبَانٌ، وَزَنْبَقٍ) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ، يُقَالُ: إنَّهُ الْيَاسَمِينُ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ غَيْرُهُ، لَكِنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ فِي طَبْعِهِ (وَشَمِّهِ) ، حَرُمَ وَفَدَى، (أَوْ مَسَّ مَا يَعْلَقُ بِهِ) ، أَيْ: الْمَمْسُوسِ، (كَمَاءِ وَرْدٍ وَسَحِيقٍ نَحْوَ مِسْكٍ، حَرُمَ وَفَدَى) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ، فَوَجَبَ بِهِ الْفِدْيَةُ كَاللِّبَاسِ، وَ (لَا) إثْمَ وَلَا فِدْيَةَ (إنْ شَمَّ) مُحْرِمٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (بِلَا قَصْدٍ) ، كَمَنْ دَخَلَ سُوقًا، أَوْ الْكَعْبَةَ لِلتَّبَرُّكِ، وَمُشْتَرِي الطِّيبِ لِنَحْوِ تِجَارَةٍ، وَلَمْ يَمَسَّهُ، وَلَهُ تَقْلِيبُهُ وَحَمْلُهُ وَلَوْ ظَهَرَ رِيحُهُ؛ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ. (أَوْ مَسَّ) مُحْرِمٌ مِنْ طِيبٍ، (مَا لَا يَعْلَقُ بِهِ، كَقِطَعٍ نَحْوَ مِسْكٍ) وَعَنْبَرٍ وَكَافُورٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ لِلطِّيبِ، (أَوْ شَمَّ) مُحْرِمٌ (وَلَوْ قَصْدًا فَوَاكِهَ) مِنْ نَحْوِ تُفَّاحٍ وَأُتْرُجٍّ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ طِيبًا، (أَوْ) شَمَّ وَلَوْ قَصْدًا (عُودًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَطَيَّبُ بِهِ بِالشَّمِّ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بَخُورَهُ (أَوْ) شَمَّ وَلَوْ قَصْدًا (نَبَاتَ صَحْرَاءَ، كَخُزَامَى وَشِيحٍ وَقَيْصُومٍ وَنَرْجِسَ وَإِذْخِرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ، وَلَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ، وَلَا يُسَمَّى مُتَطَيِّبًا عَادَةً، (أَوْ) شَمَّ (مَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ لَا بِقَصْدِ طِيبٍ كَحِنَّاءٍ وَعُصْفُرٍ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ، (وَقَرَنْفُلٍ) ، وَيُقَالُ: قرنفول: ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ بسغالة الْهِنْدِ أَفْضَلُ الْأَفَاوِيهِ الْحَارَّةِ وَأَزْكَاهَا، (وَدَارُ صِينِيٍّ) ، وَمِنْ أَنْوَاعِهِ الْقِرْفَةُ (وَنَحْوُهَا) كَالزَّرْنَبِ، (أَوْ شَمَّ) مَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ (لِقَصْدِهِ) ، أَيْ: الطِّيبِ، (وَلَا يُتَّخَذُ مِنْهُ) طِيبٌ (كَرَيْحَانٍ فَارِسِيٍّ وَهُوَ الْحَبَقُ) يُشْبِهُ النَّمَّامَ: نَبَاتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، وَالرَّيْحَانُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْآسُ، وَلَا شَيْءَ فِي شَمِّهِ، (وَكَنَمَّامٍ وَبَرَمٍ) ، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ، (وَهُوَ: ثَمَرُ الْعِضَاه كَأُمِّ غِيلَانٍ) ، وَنَرْجِسَ (وَمَرْدَقُوشٍ) ، وَهُوَ السمسق، نَافِعٌ لِعُسْرِ الْبَوْلِ وَالْمَغَصِ، وَلَسْعَةِ الْعَقْرَبِ، (أَوْ ادَّهَنَ) مُحْرِمٌ بِدُهْنٍ (غَيْرِ مُطَيِّبٍ كَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ نَصًّا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 وَلَوْ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ) ، فَلَا إثْمَ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ، (أَوْ شَمَّ) طِيبًا (بِلَا قَصْدٍ، كَجَالِسٍ عِنْدَ عَطَّارٍ لِحَاجَةٍ) لَا لِشَمِّ الطِّيبِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، (وَ) لَا عَلَى (حَامِلِهِ) ، أَيْ: الطِّيبِ، (وَمُقَلِّبِهِ بِلَا مَسٍّ وَ) لَا عَلَى (دَاخِلِ سُوقٍ وَكَعْبَةٍ) لِيَتَبَرَّكَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ (وَيَأْتِي) فِي بَابِ الْفِدْيَةِ (إذْ اسْتَعْمَلَهُ) ، أَيْ: الطِّيبَ، (نَحْوَ نَاسٍ وَذَكَرَ) ، فَيَلْزَمُهُ إزَالَتُهُ بِمَهْمَا أَمْكَنَ مِنْ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْإِزَالَةُ. (السَّادِسُ: قَتْلُ صَيْدِ بَرٍّ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ أَذَاهُ وَتَنْفِيرُهُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَّةَ: «وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» (وَاصْطِيَادُهُ) ، أَيْ: صَيْدِ الْبَرِّ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ أَوْ يَجْرَحْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] (وَهُوَ) ، أَيْ: صَيْدُ الْبَرِّ، (الْوَحْشِيُّ الْمَأْكُولُ، أَوْ الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ) ، أَيْ: الْوَحْشِيِّ الْمَأْكُولِ، (وَمِنْ غَيْرِهِ) كَمُتَوَلَّدٍ بَيْنَ وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ، أَوْ مَأْكُولٍ وَحْشِيٍّ وَغَيْرِهِ، كَسَمْعٍ، تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، (وَالِاعْتِبَارُ) فِي كَوْنِهِ وَحْشِيًّا أَوْ أَهْلِيًّا (بِأَصْلِهِ، فَحَمَامٌ وَبَطٌّ، وَهُوَ: الْإِوَزُّ، وَحْشِيٌّ وَإِنْ تَأَهَّلَ) اعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ، (وَعَكْسُهُ نَحْوُ جَامُوسٍ) كَإِبِلٍ (تَوَحَّشَ) ، فَلَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ، وَلَا جَزَاءَ فِيهِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي بَقَرَةٍ صَارَتْ وَحْشِيَّةً: لَا شَيْءَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْأَبْنِيَةُ، (فَإِذَا أَتْلَفَ مُحْرِمًا صَيْدًا، أَوْ) أَتْلَفَ (بَعْضَهُ، أَوْ أَتْلَفَ بِيَدِهِ بِمُبَاشَرَةٍ، أَوْ بِسَبَبٍ، وَلَوْ) كَانَ السَّبَبُ (بِجِنَايَةِ دَابَّةِ) مُحْرِمٍ (مُتَصَرِّفٍ فِيهَا) ، بِأَنْ يَكُونَ رَاكِبًا أَوْ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا، فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ بِيَدِهَا وَفَمِهَا، لَا مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا نَفْحًا لَا وَطْئًا، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْغَصْبِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 وَإِنْ انْفَلَتَتْ، لَمْ يَضْمَنْ مَا أَتْلَفَتْهُ، (أَوْ أَشَارَ) مُحْرِمٌ، (أَوْ دَلَّ مُرِيدَ صَيْدِهِ، وَلَمْ يَرَهُ) الصَّائِدُ قَبْلَ دَلَالَةِ الْمُحْرِمِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى دَالِّهِ، وَلَا مُشِيرَ بَعْدَ أَنْ رَآهُ مَنْ يُرِيدُ صَيْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِي تَلَفِهِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ ضَحِكَ) مُحْرِمٌ (وَقَصَدَهَا) ، أَيْ: دَلَالَةَ مُرِيدِ الصَّيْدِ، تَنْزِيلًا لِلضَّحِكِ مَنْزِلَةَ الْإِشَارَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي " الْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِ: مِنْ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ مِنْ الْمُحْرِمِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ ضَحِكٌ، أَوْ اسْتِشْرَافُ نَفْسٍ فَفَطِنَ لَهُ الْحَلَالُ؛ فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا ضَمَانَ، إذْ حُصُولُ ذَلِكَ مِنْهُ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ دَلَالَةٍ، فَلَا يَكُونُ مُفْرِطًا. (أَوْ أَعَانَهُ) ، أَيْ: أَعَانَ الْمُحْرِمُ مَنْ يُرِيدُ صَيْدًا، (وَلَوْ) كَانَتْ إعَانَتُهُ (بِمُنَاوَلَةٍ أَوْ إعَارَةِ آلَةِ صَيْدٍ) ، كَرُمْحٍ وَسِكِّينٍ (لِصَيْدٍ) ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الصَّائِدِ مَا يَقْتُلُهُ بِهِ، أَوْ لَا، (حَرُمَ، وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْمُحَرَّمِ، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ؛ لِحَدِيثِ «أَبِي قَتَادَةَ، لَمَّا صَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ، وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ؛ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ أَشَارَ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْكُمْ، أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا» . وَفِيهِ: أَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَلَمْ يَأْذَنُونِي، وَأَحَبُّوا أَنِّي لَوْ أَبْصَرْتُهُ، فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ، وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، قَالُوا: لَا وَاَللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ. وَفِيهِ: إذْ أَبْصَرْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ. وَفِيهِ: فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِي، فَضَحِكَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ إذْ نَظَرْتُ، فَإِذَا بِحِمَارٍ وَحْشِيٍّ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَاسْتَعَنْتَهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي " مُتَّفَقٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 عَلَيْهِ. (إلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ (مُحْرِمٌ) ، وَيَكُونُ الدَّالُ وَنَحْوُهُ مُحْرِمًا، فَجَزَاؤُهُ (بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: الْقَاتِلِ وَالدَّالِ وَنَحْوِهِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّحْرِيمِ، فَكَذَا فِي الْجَزَاءِ، وَ (لَا) حُرْمَةَ (إنْ دَلَّ) مُحْرِمٌ حَلَالًا (عَلَى طِيبٍ وَلِبَاسٍ) ؛ لِعَدَمِ ضَمَانِهِمَا بِالسَّبَبِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالدَّالِ عَلَيْهِمَا، بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ عَلَى الصَّيْدِ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِالدَّالِ، وَهُوَ: تَحْرِيمُ الْأَكْلِ مِنْهُ، وَوُجُوبُ الْجَزَاءِ إذَا كَانَ مَنْ دَلَّهُ الْمُحْرِمُ حَلَالًا، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا حُرْمَةَ، وَلَا جَزَاءَ إنْ (نَاوَلَهُ) ، أَيْ: نَاوَلَهُ، أَيْ: نَاوَلَ الْمُحْرِمُ حَلَالًا (وَنَحْوَهُ) ، أَيْ: نَحْوَ الْمُنَاوَلَةِ، بِأَنْ أَعَارَهُ (الْآلَةَ) الْمُعَدَّةَ لِلصَّيْدِ (لَا لِ) أَجْل (صَيْدٍ، فَصَادَ) الْحَلَالُ (بِهَا) ؛ لِعَدَمِ قَصْدِهِ بِالْمُنَاوَلَةِ وَنَحْوِهَا ذَلِكَ، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا حُرْمَةَ، وَلَا جَزَاءَ إنْ (دَلَّ حَلَالٌ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ) بِغَيْرِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ صَيْدَ الْحَلَالِ حَلَالٌ، فَدَلَالَتُهُ أَوْلَى. (وَيَتَّجِهُ: وَيَحْرُمُ) أَنْ يَدُلَّ حَلَالٌ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " كَذَا قَالَ، وَلَعَلَّ هَذَا وَقَعَ سَهْوًا مِنْ الْمُصَنِّفِ إذْ عِبَارَةُ " الْإِقْنَاعِ " كَعِبَارَتِهِ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مُوَافِقٌ " لِلْإِقْنَاعِ فِي إبَاحَةِ دَلَالَةِ الْحَلَالِ مُحْرِمًا عَلَى الصَّيْدِ، (وَيَضْمَنُهُ مُحْرِمٌ وَحْدَهُ) أَيْ: دُونَ الْحَلَالِ الدَّالِ وَنَحْوِهِ، (كَشَرِيكِ سَبُعٍ) ، أَيْ: كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ مُحْرِمٌ وَسَبُعٌ فِي الْحِلِّ، فَالْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ، فَغَلَبَ الْإِيجَابُ، كَمَا لَوْ قَتَلَ صَيْدًا بَعْضَهُ فِي الْحَرَمِ، (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ (بِحَرَمٍ، فَيَشْتَرِكَانِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 أَيْ: الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ فِي الْجَزَاءِ كَالْحَرَمَيْنِ؛ لِتَحْرِيمِ صَيْدِ الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ. (وَلَوْ جَرَحَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ (نَحْوُ حَلَالٍ) كَسَبْعٍ، (ثُمَّ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مَجْرُوحًا) اعْتِبَارًا بِحَالِ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الضَّمَانِ، (وَعَكْسُهُ) بِأَنْ جَرَحَهُ مُحْرِمٌ، ثُمَّ قَتَلَهُ حَلَالٌ؛ فَعَلَى الْمُحْرِمِ (أَرْشُ جَرْحِهِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سِوَى الْجَرْحِ، وَلَوْ كَانَ جَرْحُهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ، وَمَاتَ مِنْهُمَا؛ فَالْجَزَاءُ كُلُّهُ عَلَى الْمُحْرِمِ، تَغْلِيبًا لِلْوُجُوبِ، وَإِنْ جَرَحَهُ مُحْرِمٌ، ثُمَّ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ جَرْحِهِ، وَعَلَى الثَّانِي تَتِمَّةُ الْجَزَاءِ. (وَلَوْ رَمَاهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ شَخْصٌ حَالَ كَوْنِهِ (حَلَالًا، ثُمَّ أَحْرَمَ قَبْلَ إصَابَةٍ) لِصَيْدٍ، (ضَمِنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ كَانَ مُحْرِمًا، (وَ) لَوْ رَمَاهُ (مُحْرِمًا، ثُمَّ حَلَّ قَبْلَهَا) ، أَيْ: الْإِصَابَةِ، (لَمْ يَضْمَنْ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ. (وَلَوْ دَلَّ حَلَالٌ حَلَالًا عَلَى صَيْدِ حَرَمٍ، فَ) جَزَاؤُهُ (بَيْنَهُمَا) ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَلَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا، أَوْ) دَلَّ (حَلَالٌ حَلَالًا) عَلَى صَيْدٍ (بِحَرَمٍ، ثُمَّ دَلَّ الْآخَرُ آخَرَ) ثُمَّ كَذَلِكَ (إلَى عَشَرَةٍ مَثَلًا، فَقَتَلَهُ عَاشِرٌ، فَ) الْجَزَاءُ (عَلَى الْكُلِّ) ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْإِثْمِ وَالتَّسَبُّبِ، (وَإِنْ نَصَبَ) حَلَالٌ (نَحْوَ شَبَكَةٍ) كَفَخٍّ، (ثُمَّ أَحْرَمَ، أَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ حَفَرَ بِئْرًا بِحَقٍّ) ، كَمَا لَوْ حَفَرَهَا فِي دَارِهِ أَوْ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي مَوَاتٍ؛ (لَمْ يَضْمَنْ) مَا حَصَلَ مِنْ تَلَفِ صَيْدٍ بِنَصْبِ الشَّبَكَةِ وَنَحْوِهَا، وَحَفْرِ الْبِئْرِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ (إلَّا أَنْ تُحِيلَ) عَلَى الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ بِنَصْبِ نَحْوِ الشَّبَكَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ، لِيَأْخُذَهُ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْهُ؛ فَيَضْمَنُ عُقُوبَةً لَهُ بِضِدِّ قَصْدِهِ، كَنَصْبِ الْيَهُودِ الشَّبَكَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَخْذِهِمْ يَوْمَ الْأَحَدِ مَا سَقَطَ فِيهَا، فَعُوقِبُوا عَلَى ذَلِكَ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يَنْسَخُهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَفَرَ الْبِئْرَ بِحَقٍّ، كَحَفْرِهَا بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ، ضَمِنَ كَالْآدَمِيِّ إذَا تَلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 (وَحَرُمَ أَكْلُهُ) ، أَيْ: الْمُحْرِمِ (مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ) ، أَيْ: مَا صَادَهُ أَوَّلُ، أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ، أَوْ أَشَارَ وَنَحْوَهُ، لِمَفْهُومِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، (وَكَذَا مَا ذُبِحَ) لِلْمُحْرِمِ، (أَوْ صِيدَ لِأَجْلِهٍ) نَصًّا؛ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ «أَهْدَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ، قَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» وَكَذَا مَا أُخِذَ مِنْ بَيْضِ الصَّيْدِ أَوْ لَبَنِهِ لِأَجْلِهِ. (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُحْرِمَ، (بِأَكْلِهِ) ، أَيْ: مَا صِيدَ أَوْ ذُبِحَ لِأَجْلِهِ (كُلِّهِ الْجَزَاءُ) ، أَيْ: جَزَاؤُهُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مُنِعَ مِنْهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ بِهِ الْجَزَاءُ كَقَتْلِ الصَّيْدِ، بِخِلَافِ قَتْلِ الْمُحْرِمِ صَيْدًا، ثُمَّ يَأْكُلُهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِقَتْلِهِ، لَا لِأَكْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ، فَلَمْ يَتَكَرَّرْ، كَإِتْلَافِهِ بِغَيْرِ أَكْلِهِ، وَكَصَيْدِ الْحَرَمِ إذَا قَتَلَهُ حَلَالٌ، وَأَكَلَهُ. (وَ) يَلْزَمُهُ بِأَكْلِ (بَعْضِهِ) ، أَيْ: بَعْضِ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ، (قِسْطُهُ) ، أَيْ: مِثْلُهُ (لَحْمًا) ، كَضَمَانِ أَصْلِهِ لَوْ أَكَلَهُ كُلَّهُ، (وَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْمُحْرِمِ، (لِدَلَالَتِهِ) عَلَيْهِ، (أَوْ إعَانَةِ حَلَالٍ) عَلَيْهِ، (أَوْ صِيدَ) أَوْ ذُبِحَ (لَهُ) ، أَيْ: الْمُحْرِمِ، (لَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْرِمٍ غَيْرِهِ، كَ) مَا لَا يُحْرَمُ (حَلَالٌ) ؛ لِمَا رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَنْ عُثْمَانَ " أَنَّهُ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، فَقَالُوا: أَلَا تَأْكُلُ؟ فَقَالَ: إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إنَّمَا صِيدَ لِأَجْلِي " (وَإِنْ قَتَلَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ مُحْرِمٌ، (أَوْ أَمْسَكَهُ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ بِالْحَرَمِ، فَذَبَحَهُ) الْحَلَالُ أَوْ الْمُحْرِمُ، (وَلَوْ بَعْدَ حِلِّهِ، أَوْ) ذَبَحَهُ بَعْدَ (إخْرَاجِهِ) ، أَيْ: الصَّيْدِ، (مِنْ الْحَرَمِ، ضَمِنَهُ) لِمَا يَأْتِي، (وَكَانَ مَا) صِيدَ أَوْ ذُبِحَ مِنْ صَيْدِ مُحْرِمٍ، وَحَرُمَ (لِغَيْرِ حَاجَةِ أَكْلِهِ) كَلِأَخْذِ جِلْدِهِ، أَوْ لِلتَّمَرُّنِ عَلَى الصَّيْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، (مَيْتَةً) يَحْرُمُ أَكْلُهُ (عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ) ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ، فَلَمْ يُبَحْ بِذَبْحِهِ، (وَ) مَا صِيدَ أَوْ ذُبِحَ مِنْ ذَلِكَ (لِحَاجَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 أَكْلِهِ) بِأَنْ اُضْطُرَّ لِأَكْلِهِ، كَانَ (مَيْتَةً نَجَسًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ) ، أَيْ: غَيْرِ الْمُحْتَاجِ لِأَكْلِهِ، وَ (لَا) يَكُونُ مَيْتَةً نَجَسًا (فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] . (وَإِنْ كَسَرَ مُحْرِمٌ بَيْضَ صَيْدٍ) ، حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ، أَشْبَهَ سَائِرَ أَجْزَائِهِ، (وَحَلَّ) أَكْلُهُ (لِمُحِلٍّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُ الصَّيْدِ، فَكَذَا بَيْضُهُ، وَ (لَا) يَحِلُّ (لِمُحْرِمٍ) أَكْلُهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَكَذَا) حُكْمُ (حَلْبِ) مُحْرِمٍ (لَبَنَ صَيْدٍ) ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَجُزْئِهِ، (وَإِنْ نَقَلَ) مُحْرِمٌ (بَيْضَ صَيْدٍ) سَلِيمًا، (فَفَسَدَ) بِنَقْلِهِ، وَلَوْ كَانَ بَاضَ عَلَى فِرَاشِهِ، أَوْ مَتَاعِهِ، وَنَقَلَهُ بِرِفْقٍ، ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ مَكَانَهُ لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ، (أَوْ أَتْلَفَ) مُحْرِمٌ بَيْضَ صَيْدٍ (غَيْرَ مَذَرٍ، وَ) غَيْرَ (مَا بِهِ فَرْخٌ مَيِّتٌ) ، ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ مَكَانَهُ؛ لِإِتْلَافِهِ إيَّاهُ، فَإِنْ كَانَ الْبِيضُ مَذَرًا، وَفِيهِ فَرْخٌ مَيِّتٌ، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ، (إلَّا) مَا كَانَ مِنْ (بَيْضِ نَعَامٍ) ، فَيَضْمَنُهُ، (لِأَنَّ لِقِشْرِهِ قِيمَةً) ، فَيَضْمَنُهُ بِهَا، وَإِنْ فَسَدَ مَا فِيهِ (أَوْ حَلَبَ) مُحْرِمٌ (صَيْدًا) صَادَهُ فِي إحْرَامِهِ، وَلَوْ بَعْدَ حِلِّهِ، أَوْ حَلَالٌ مَا صَادَهُ بِالْحَرَمِ، وَلَوْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ إلَى الْحِلِّ، (ضَمِنَهُ) ، أَيْ: الْحَلِيبَ، (بِقِيمَتِهِ) نَصًّا (مَكَانَهُ) ، أَيْ: الْإِتْلَافِ، وَأَمَّا الْبَيْضُ، فَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ. وَلِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ، فَوَجَبَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ، وَحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 فِي «بَيْضِ النَّعَامِ ثَمَنُهُ» الْمُرَادُ: قِيمَتُهُ، وَأَمَّا اللَّبَنُ، فَلِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، فَكَانَ فِيهِ قِيمَتُهُ يَفْعَلُ بِهَا كَجَزَاءِ صَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ. وَإِنْ كَسَرَ بَيْضَهُ، فَخَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ، وَعَاشَ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتْلِفُ شَيْئًا. (وَلَا يَمْلِكُ مُحْرِمٌ صَيْدًا ابْتِدَاءً) ، أَيْ، مِلْكًا مُتَجَدِّدًا (بِغَيْرِ إرْثٍ) ، فَلَا يَمْلِكُهُ بِشِرَاءٍ وَلَا هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَوْ بِوَكِيلِهِ، أَوْ بِنَصْبِ أُحْبُولَةٍ قَبْلَ إحْرَامِهِ، فَوَقَعَ فِيهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ، لِخَبَرِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ السَّابِقِ، وَلِأَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ مَحِلًّا لِتَمَلُّكِ الْمُحْرِمِ؛ لِتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ كَالْخَمْرِ، وَيَمْلِكُهُ بِالْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا فِعْلَ مِنْهُ فِيهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَيَمْلِكُ بِهِ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ، فَجَرَى مَجْرَى الِاسْتِدَامَةِ. (وَيَتَّجِهُ) : عَدَمُ دُخُولِ صَيْدٍ فِي مِلْكِ الْمُحْرِمِ ابْتِدَاءً (حَتَّى مَا) ، أَيْ: صَيْدًا وُجِدَ (بِيَدِ مُكَاتَبٍ) حِينَ (عَجَزَ) عَنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ كِتَابَةً، وَعَادَ رَقِيقًا، فَلَا يَدْخُلُ مَا بِيَدِهِ مِنْ الصَّيْدِ فِي مِلْكِ سَيِّدِهِ، (وَاحْتَمَلَ: وَ) حَتَّى مَا بِيَدِ (زَوْجَةٍ) مِنْ صَيْدٍ قَبَضَتْهُ مَهْرًا، ثُمَّ (بَانَتْ قَبْلَ دُخُولٍ) ، فَتَنَصَّفَ صَدَاقُهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَلَا يَدْخُلُ نِصْفُ صَيْدٍ فِي مِلْكِ الْمُحْرِمِ، كَذَا قَالَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا بِيَدِ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ ابْتِدَاءً، بَلْ دَخَلَ تَبَعًا، فَهُوَ فِي الْإِرْثِ أَشْبَهُ؛ إذْ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ صَيْدًا، وَهُوَ حَلَالٌ، ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ، عَادَ نِصْفُهُ إلَيْهِ قَهْرًا، كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا هُنَاكَ، لَهُ إمْسَاكُهُ - أَيْ: بِيَدِهِ الْحُكْمِيَّةُ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا؛ (فَلَا يَسْتَرِدُّ) مُحْرِمٌ صَيْدًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 (مَبِيعًا) مِنْهُ زَمَنَ حِلِّهِ (بِخِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يَسْتَرِدُّهُ (بِعَيْبٍ) ، وَلَا إقَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، (وَلِمُشْتَرٍ رَدُّهُ) ، أَيْ: الصَّيْدِ، عَلَى بَائِعٍ مُحْرِمٍ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ؛ لِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلرَّدِّ، (وَلَا يَدْخُلُ) فِي (مِلْكِ مُحْرِمٍ إذَا) ، أَيْ: فِي حَالِ إحْرَامِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلتَّمَلُّكِ، وَيَمْلِكُ إذَا حَلَّ، كَعَصِيرٍ تَخَمَّرَ، ثُمَّ انْقَلَبَ خَلًّا. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَلِكُلِّ حَلَالٍ تَمَلُّكُهُ) بَعْدَ رَدِّهِ عَلَى الْمُحْرِمِ، إذْ لَيْسَ لَهُ إمْسَاكُهُ حِينَئِذٍ، وَحَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ تَرْكُهُ؛ صَارَ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ، فَمَنْ أَمْسَكَهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ وَإِنْ بَقِيَ حَتَّى حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ؛ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ؛ لِعَوْدِهِ إلَى مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ إحْلَالِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَمَنْ قَبَضَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، (بِنَحْوِ هِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ، أَوْ شِرَاءٍ؛ لَزِمَهُ رَدُّهُ) إلَى مَنْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ، لِفَسَادِ الْعَقْدِ، (وَعَلَيْهِ) ، أَيْ: قَابِضِ الصَّيْدِ (إنْ تَلِفَ قَبْلَ رَدِّ الْجَزَاءِ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ (مَعَ قِيمَتِهِ) لِمَالِكِهِ (فِي هِبَةٍ وَشِرَاءٍ) ؛ لِوُجُودِ مُقْتَضَى الضَّمَانَيْنِ، (وَ) أَمَّا (فِي الرَّهْنِ) ؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا (الْجَزَاءُ، فَقَطْ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ؛ لِمَا سَبَقَ، وَلَا يَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّ صَحِيحَ الرَّهْنِ لَا ضَمَانَ فِيهِ، فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ، (كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ) ، أَيْ: الرَّهْنَ، فَتَلِفَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْجَزَاءُ، (مَا لَمْ يَتَعَدَّ) مُرْتَهَنٌ عَلَيْهِ، فَيَتْلَفُ الرَّهْنُ، فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَعَ جَزَائِهِ أَيْضًا. (وَمَنْ أَحْرَمَ، وَبِمِلْكِهِ صَيْدٌ؛ لَمْ يَزَلْ مِلْكُهُ) عَنْهُ؛ لِقُوَّةِ الِاسْتِدَامَةِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 (وَلَا) تَزُولُ عَنْهُ (يَدُهُ الْحُكْمِيَّةُ) الَّتِي لَا يُشَاهِدُهَا، (كَكَوْنِهِ) ، أَيْ: الصَّيْدِ (فِي بَلَدِهِ أَوْ بَيْتِهِ، أَوْ فِي يَدِ نَائِبِهِ بِغَيْرِ مَكَانِهِ، وَلَا يَضْمَنُهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ، (مَعَهَا) ، أَيْ: يَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ، إذَا تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إزَالَتُهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبٌ فِي تَلَفِهِ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَهِبَةٍ. (وَمَنْ غَصَبَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ مِنْ يَدِ مُحْرِمٍ حُكْمِيَّةٍ؛ (لَزِمَهُ رَدُّهُ) إلَيْهَا لِاسْتِدَامَتِهَا عَلَيْهِ. (وَمَنْ أَدْخَلَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ، مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ (الْحَرَمَ) الْمَكِّيَّ؛ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ، (أَوْ أَحْرَمَ) رَبُّ صَيْدٍ (وَهُوَ بِيَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ، كَفِي قَبْضَتِهِ، أَوْ رَحْلِهِ) ، أَوْ قَفَصِهِ، (أَوْ خَيْمَتِهِ؛ لَزِمَهُ إزَالَتُهَا) ، أَيْ: الْيَدِ الْمُشَاهَدَةِ عَنْهُ، (بِإِرْسَالِهِ) فِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ مُمْسِكًا لَهُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ. (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ: (أَوْ) يُزِيلُ يَدَهُ الْمُشَاهَدَةَ عَنْ الصَّيْدِ، (بِوَضْعِهِ تَحْتَ يَدِ وَكِيلِهِ) الْحَلَالِ، وَهُوَ اخْتِيَارٌ حَسَنٌ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ، (فَإِنْ تَلِفَ) الصَّيْدُ فِي يَدِهِ (قَبْلَ التَّمَكُّنِ) ، أَيْ: تَمَكُّنِ الْمُحْرِمِ (مِنْ إرْسَالِهِ) ، بِأَنْ نَفَرَهُ لِيَذْهَبَ، فَلَمْ يَذْهَبْ حَتَّى تَلِفَ، (لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ وَلَا مُتَعَدٍّ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ إرْسَالِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ؛ ضَمِنَهُ بِالْجَزَاءِ، (وَ) إنْ أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ، (فَلَا ضَمَانَ عَلَى مُرْسِلِهِ مِنْ يَدِهِ قَهْرًا) ، لِزَوَالِ حُرْمَةِ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، (وَمِلْكُهُ) ، أَيْ: الْمُحْرِمِ، وَبِيَدِهِ صَيْدٌ (بَاقٍ) عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَرْسَلَهُ، أَوْ اسْتَمَرَّ تَحْتَ يَدِهِ إلَى أَنْ حَلَّ، كَعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ، (فَيَرُدُّهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ (أَخْذُهُ) لِمَالِكِهِ (إذَا حَلَّ) مِنْ إحْرَامِهِ، (وَيَضْمَنُهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ، (مُتَعَدٍّ) عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ لِمَالِكِهِ؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، وَزَوَالُ الْيَدِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، كَالْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ. (وَمَنْ قَتَلَ) وَهُوَ مُحْرِمٌ (صَيْدًا صَائِلًا) عَلَيْهِ (دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 أَوْ غَيْرِهِ؛ لَمْ يَحِلَّ وَلَمْ يَضْمَنْهُ، لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْمُؤْذِيَاتِ طَبْعًا، كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَكَالْآدَمِيِّ الصَّائِلِ، وَسَوَاءٌ خَشِيَ مَعَهُ تَلَفًا أَوْ ضَرَرًا بِجَرْحِهِ، أَوْ إتْلَافَ مَالِهِ، أَوْ بَعْضَ حَيَوَانَاتِهِ أَوْ أَهْلِهِ، (أَوْ) قَتَلَ صَيْدًا (بِتَخْلِيصِهِ مِنْ نَحْوِ سَبُعٍ، أَوْ شَبَكَةٍ لِيُطْلِقَهُ) ، لَمْ يَحِلَّ وَلَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لِحَاجَةِ الْحَيَوَانِ. (أَوْ قَطَعَ) مُحْرِمٌ (مِنْهُ) ، أَيْ: الصَّيْدِ، (عُضْوًا مُتَآكِلًا، فَمَاتَ، لَمْ يَحِلَّ وَلَمْ يَضْمَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لِمُدَاوَاةِ الْحَيَوَانِ، أَشْبَهَ مُدَاوَاةَ الْوَلِيِّ مَحْجُورَهُ، وَلَيْسَ بِمُتَعَمِّدٍ قَتْلَهُ، فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْآيَةُ، (وَلَوْ أَخَذَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ الضَّعِيفَ، مُحْرِمٌ (لِيُدَاوِيَهُ، فَوَدِيعَةٌ) عِنْدَهُ، (فَإِنْ فَرَّطَ) فِي حِفْظِهِ، أَوْ تَعَدَّى؛ (ضَمِنَ) ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ. (وَلَا تَأْثِيرَ لِحَرَمٍ وَإِحْرَامٍ فِي تَحْرِيمِ) حَيَوَانٍ (إنْسِيٍّ كَخَيْلٍ وَدَجَاجٍ) ، وَبَهِيمَةِ أَنْعَامٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ، وَقَدْ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَذْبَحُ الْبُدْنَ فِي إحْرَامِهِ فِي الْحَرَمِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى» ، وَقَالَ: «أَفْضَلُ الْحَجِّ: الْعَجُّ - رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ - وَالثَّجُّ» ، أَيْ: إسَالَةُ الدِّمَاءِ بِالنَّحْرِ وَالذَّبْحِ. (وَلَا) تَأْثِيرَ لِحَرَمٍ وَإِحْرَامٍ فِي (مُحْرِمٍ أَكَلَ غَيْرَ مُتَوَلَّدٍ) بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ كَسَمْعٍ، فَيَحْرُمُ قَتْلُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَفِي الْحَرَمِ، تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ، وَيَفْدِي. وَأَشَارَ لِمُحَرَّمِ الْأَكْلُ بِقَوْلِهِ: (كَذِئْبٍ وَثَعْلَبٍ وَرَخَمٍ وَبُومٍ، وَكَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ) ، وَهُنَّ: (حِدَأَةٌ وَغُرَابٌ وَفَأْرَةٌ وَعَقْرَبٌ وَكَلْبٌ عَقُورٌ) ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ خَمْسٍ فَوَاسِقَ فِي الْحَرَمِ: الْحِدَأَةِ، وَالْغُرَابِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيُسَنُّ قَتْلُهَا) ، أَيْ: الْمَذْكُورَاتِ (حِلًّا وَحُرُمًا) لِلْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ: فِي الْجُمْلَةِ، وَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ: أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ يَجِبُ قَتْلُهُ، (وَ) يُسْتَحَبُّ أَيْضًا (قَتْلُ كُلِّ مُؤْذٍ طَبْعًا) ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ أَذًى (غَيْرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 آدَمِيٍّ، كَأَسَدٍ وَفَهْدٍ) وَذِئْبٍ، (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) مِمَّا فِيهِ أَذًى لِلنَّاسِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، (وَبَازٍ وَصَقْرٍ وَشَاهِينِ وَعُقَابٍ، وَحَشَرَاتٍ مُؤْذِيَةٍ، كَزُنْبُورٍ وَبَقٍّ وَبَعُوضٍ وَبَرَاغِيثَ) وَطُبُوعٍ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، (وَفِي " الْإِقْنَاعِ ": وَرَخَمٍ وَبُومٍ وَدِيدَانٍ، وَفِيهِ شَيْءٌ) ، فَإِنَّهُ، جَزَمَ فِي " الْمُجَرَّدِ " وَغَيْرِهِ بِكَرَاهَةِ قَتْلِهِ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَحْرُمُ قَتْلُهُ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْذِي بِطَبْعِهِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مُطْلَقًا) ، أَيْ: فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ، (قَتْلُ) كُلِّ (مَا) أَيْ: حَيَوَانٍ (لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، قَالُوا) ، أَيْ: فُقَهَاؤُنَا: (كَنَمْلٍ وَنَحْلٍ، وَهُدْهُدٍ وَصُرَدٍ، وَضَفَادِعَ، وَكِلَابٍ) ، وَلَا جَزَاءَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - إنَّمَا أَوْجَبَ الْجَزَاءَ فِي الصَّيْدِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِصَيْدٍ. (وَسُئِلَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (هَلْ يَجُوزُ إحْرَاقُ بُيُوتِ النَّمْلِ بِالنَّارِ؟ فَقَالَ: يُدْفَعُ ضَرَرُهُ بِغَيْرِ التَّحْرِيقِ) إنْ انْدَفَعَ، وَإِلَّا؛ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ، ذَكَرَهُ النَّاظِمُ. (وَلَا بَأْسَ بِنَزْعِ قُرَادٍ عَنْ دَابَّتِهِ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ كَسَائِرِ الْمُؤْذِي. (وَيَحْرُمُ) عَلَى مُحْرِمٍ، لَا عَلَى حَلَالٍ، وَلَوْ فِي الْحَرَمِ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَرُمَ فِي الْمُحْرِمِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الرَّفَاهِيَةِ، فَأُبِيحَ لِلْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ كَغَيْرِهِ، (بِ) سَبَبِ (إحْرَامٍ، لَا بِ) سَبَبِ (حَرَمٍ، قَتْلُ قَمْلٍ وَصِئْبَانٍ) مِنْ رَأْسِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ، (وَلَوْ بِزِئْبَقٍ، وَ) يَحْرُمُ (رَمْيُهُ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَفُّهِ بِإِزَالَتِهِ، أَشْبَهَ قَطْعَ الشَّعْرِ، (وَلَا جَزَاءَ فِيهِ) ، أَيْ: الْقَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ، وَلَا يَحْرُمُ قَتْلُ بَرَاغِيثَ، وَدَلَمٍ وَبَقٍّ، وَنَحْوِهَا مِنْ الْحَشَرَاتِ الْمُؤْذِيَةِ. (وَيُضْمَنُ جَرَادٌ) أَتْلَفَهُ مُحْرِمٌ (بِقِيمَتِهِ) فِي مَكَانِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتْلَفٌ غَيْرُ مِثْلِيٍّ (وَلَوْ بِمَشْيِ) مُحْرِمٍ (عَلَى) جَرَادٍ (مُفْتَرِسٍ بِطَرِيقٍ) ، وَإِنْ لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ (وَكَذَا) كَانَ (بَيْضُ صَيْدٍ أُتْلِفَ) ، أَيْ: أَتْلَفَهُ مُحْرِمٌ، (لِحَاجَةِ مَشْيٍ) عَلَيْهِ؛ فَيَضْمَنُهُ، (وَيُبَاحُ) لِمُحْرِمٍ وَغَيْرِهِ، (لَا بِالْحَرَمِ، صَيْدُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ كَسَمَكٍ، وَلَوْ عَاشَ فِي بَرٍّ أَيْضًا، كَسُلَحْفَاةٍ وَسَرَطَانٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] ، وَأَمَّا الْبَحْرُ بِالْحَرَمِ؛ فَيَحْرُمُ صَيْدُهُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِيهِ لِلْمَكَانِ، فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ صَيْدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَطَيْرُ الْمَاءِ بَرِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَبِيضُ وَيُفَرِّخُ فِي الْبَرِّ، فَيَحْرُمُ عَلَى مُحْرِمٍ صَيْدُهُ، وَفِيهِ الْجَزَاءُ (وَلِمُحْرِمٍ احْتَاجَ لِفِعْلِ مَحْظُورٍ) غَيْرِ مُفْسِدٍ (فِعْلُهُ) ، وَيَفْدِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] ، وَحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَأُلْحِقَ بِالْحَلْقِ بَاقِي الْمَحْظُورَاتِ. وَمَنْ بِبَدَنِهِ شَيْءٌ لَا يُحِبُّ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ لَبِسَ، وَفَدَى نَصًّا. (وَكَذَا لَوْ اُضْطُرَّ كَمَنْ بِحَرَمٍ إلَى ذَبْحِ صَيْدٍ؛ فَلَهُ) ، أَيْ: الْمُضْطَرِّ ذَبْحُهُ (وَأَكْلُهُ، وَيَفْدِي، وَهُوَ مَيْتَةٌ لِغَيْرِهِ) ، أَيْ: كَمَيْتَةٍ فِي التَّحْرِيمِ، لَا فِي النَّجَاسَةِ، فَلَا يُبَاحُ إلَّا لِمَنْ يُبَاحُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ. (وَتُقَدَّمُ هِيَ) ، أَيْ: الْمَيْتَةُ (عَلَى صَيْدٍ حَيًّا) ؛ لِأَنَّهُ لَا جَزَاءَ فِيهَا، (وَيَأْتِي) فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ. (السَّابِعُ: عَقْدُ النِّكَاحِ) ، فَيَحْرُمُ، (وَلَا يَصِحُّ) مِنْ مُحْرِمٍ؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» وَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّ عُمَرُ نِكَاحَهُ. وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَدَوَاعِيَهُ، فَمُنِعَ عَقْدُ النِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ، (إلَّا فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، فَلَا يَكُونُ مَحْظُورًا (إنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 سَلَّمْنَا نِكَاحَهُ مَيْمُونَةَ مُحْرِمًا) ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» . قَالَ: وَكَانَتْ خَالَتِي، وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَبِي دَاوُد «وَتَزَوَّجَنِي وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفٍ» وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا» ، وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا " وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهِلَ، وَقَالَ أَيْضًا: أَوْهَمَ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ، أَيْ: ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: نَقَلَ ابْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ خَطَأٌ، ثُمَّ قِصَّةُ مَيْمُونَةَ مُخْتَلِفَةٌ، فَيَتَعَارَضُ ذَلِكَ، وَمَا سَبَقَ لَا مُعَارِضَ لَهُ، ثُمَّ رِوَايَةُ الْحِلِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ، وَفِيهَا صَاحِبُ الْقِصَّةِ، وَالسَّفِيرُ فِيهَا، وَلَا مَطْعَنَ فِيهَا، وَيُوَافِقُهَا مَا سَبَقَ، وَفِيهَا زِيَادَةٌ مَعَ صِغَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَنْ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ ظَهَرَ تَزْوِيجُهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ. (وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ لِلْإِحْرَامِ، كَشِرَاءِ الصَّيْدِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِحْرَامُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا؛ (فَلَا يَتَزَوَّجُ) الْمُحْرِمُ، (وَلَوْ) كَانَ تَزَوُّجُهُ (بِوَكِيلٍ حَلَالٍ) يُقْبَلُ لَهُ النِّكَاحُ (وَلَا يُزَوِّجُ) الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ (بِوِلَايَةٍ أَوْ) ، أَيْ: وَلَا (بِوَكَالَةٍ) ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى غَيْرِهِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَرَفَعَهُ الدَّارَقُطْنِيّ (وَتُعْتَبَرُ حَالَةَ عَقْدٍ لَا) حَالَةَ (تَوْكِيلٍ، فَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا؛ صَحَّ عَقْدُهُ) ، أَيْ: الْوَكِيلِ (بَعْدَ حِلِّ مُوَكِّلِهِ) ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا، فَعَقْدُ النِّكَاحِ بَعْدَ حِلِّهِمَا، (وَلَوْ وَكَّلَهُ) ، أَيْ: الْحَلَالَ فِي الْعَقْدِ، (حَلَالًا) - حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي: وَكَّلَ - (فَأَحْرَمَ) مُوَكِّلٌ، (فَعَقَدَهُ) الْوَكِيلُ (حَالَ إحْرَامِهِ) ، أَيْ: الْمُوَكِّلِ؛ (لَمْ يَصِحَّ) الْعَقْدُ لِلْخَبَرِ، (وَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ) ، أَيْ: الْحَلَالِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 الْعَقْدِ (بِإِحْرَامِهِ) ، أَيْ: الْمُوَكِّلِ، (فَإِذَا حَلَّ، عَقَدَهُ) وَكِيلُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. (وَلَوْ) وَقَعَ الْعَقْدُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ، فَ (قَالَ زَوْجٌ لِزَوْجَتِهِ: عُقِدَ قَبْلَ إحْرَامِي) ، وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ: بَعْدَهُ؛ (قُبِلَ) قَوْلُ الزَّوْجِ لِدَعْوَاهُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، ثُمَّ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَانَ أَقْبَضَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لَا رُجُوعَ لَدَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَقْبَضَهَا؛ فَلَا طَلَبَ لَهَا بِهِ؛ لِتَضَمُّنِ دَعْوَاهَا أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ، لِفَسَادِ الْعَقْدِ، (وَكَذَا إنْ عُكِسَ) ، فَقَالَتْ: عُقِدَ قَبْلَ إحْرَامِكَ، وَقَالَ: بَعْدَهُ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ قُلْتُ: وَيَلْزَمُهُ تَطْلِيقُهَا احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ، (لَكِنْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْمَهْرِ) فِي الثَّانِيَةِ (تَبْعِيضًا لِلْحُكْمِ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَيْهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، (وَيَصِحُّ) النِّكَاحُ (مَعَ جَهْلِهِمَا) ، أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (وُقُوعَهُ) ، بِأَنْ جَهِلَا: هَلْ وَقَعَ حَالَ إحْرَامِ أَحَدِهِمَا أَوْ إحْلَالِهِمَا؟ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ (وَ) إنْ قَالَ الزَّوْجُ: (تَزَوَّجْتُكِ وَقَدْ حَلَلْتِ، فَقَالَتْ: بَلْ) وَأَنَا (مُحْرِمَةٌ؛ صَدَقَ) الزَّوْجُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) لَوْ قَالَ: (تَزَوَّجْتُكِ وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتك، فَقَالَتْ: بَلْ) تَزَوَّجْتَنِي (فِيهَا) ، أَيْ: الْعِدَّةِ، وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا؛ (صَدَقَتْ) ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى نَفْسِهَا، (وَمَتَى أَحْرَمَ الْإِمَامُ) الْأَعْظَمُ (أَوْ نَائِبُهُ؛ امْتَنَعَتْ مُبَاشَرَتُهُ) ، أَيْ: الْمُحْرِمِ مِنْهُمَا (لَهُ) ، أَيْ: لِلنِّكَاحِ، لِلْخَبَرِ، فَلَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ وَلَا بِوِلَايَةٍ عَامَّةٍ، وَ (لَا) تُمْنَعُ مُبَاشَرَةُ (نُوَّابِهِ) لِلنِّكَاحِ بِإِحْرَامِهِ (بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ) ، فَلَهُمْ إذَا كَانُوا مُحَلِّينَ تَزْوِيجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ فِيهِ حَرَجٌ. (وَيَتَّجِهُ: فَيَمْتَنِعُ) عَقْدُ النِّكَاحِ (عَلَى نُوَّابِهِ بِوِلَايَتِهِ الْخَاصَّةِ، كَنَائِبِهِ فِي تَزْوِيجِ نَحْوِ بِنْتِهِ) مِمَّنْ لَهُ عَلَيْهَا الْوِلَايَةُ، فَلَيْسَ لِلنَّائِبِ عَقْدُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ حَتَّى يَحِلَّ، وَأَمَّا تَزْوِيجُ نُوَّابِهِ لِنَحْوِ بَنَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 إذَا كَانُوا حَلَالًا؛ فَصَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا نِيَابَةَ لَهُمْ عَنْهُ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَتُكْرَهُ خِطْبَةُ مُحْرِمٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، أَيْ: أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً، أَوْ يَخْطُبَ حَلَالٌ مُحْرِمَةً، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ وَتَقَدَّمَ، (كَ) مَا يُكْرَهُ لَهُ (خِطْبَةُ عَقْدِهِ) ، أَيْ: النِّكَاحِ، وَتَأْتِي لِدُخُولِهَا فِي عُمُومٍ، وَلَا يَخْطُبُ، (وَ) كَمَا يُكْرَهُ لَهُ (حُضُورُهُ) عَقْدَ النِّكَاحِ، (وَكَذَا شَهَادَتُهُ فِيهِ) ، أَيْ: النِّكَاحِ بَيْنَ حَلَالَيْنِ نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَخْطُبُ، قَالَ: مَعْنَاهُ: لَا يَشْهَدُ النِّكَاحَ. (وَيَتَّجِهُ) : كَرَاهَةُ، شَهَادَةِ الْمُحْرِمِ (لِ) عَقْدِ نِكَاحِ (حَلَالٍ) ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَلَالِ لَا يَعْقِدُ لَهُ، وَمُعَاطَاةُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ. (وَأَلَّا) يَحْمِلَ عَلَى شَهَادَةِ الْمُحْرِمِ عَلَى نِكَاحٍ بَيْنَ حَلَالَيْنِ، بِأَنْ حَمَلَ عَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى نِكَاحٍ بَيْن مُحْرِمَيْنِ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ، (وَالشَّهَادَةُ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ حَرَامٌ) ، وَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ (وَتُبَاحُ رَجْعَتُهُ) ، أَيْ: الْمُحْرِمِ؛ لِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ، لِأَنَّهَا إمْسَاكٌ، وَلِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ مُبَاحَةٌ قَبْلَ الرَّجْعَةِ، فَلَا إحْلَالَ، وَكَالتَّكْفِيرِ لِلْمُظَاهِرِ (وَ) يُبَاحُ (شِرَاءُ أَمَةٍ لِوَطْءٍ) ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَاقِعٌ عَلَى عَيْنِهَا، وَهِيَ تُرَادُ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ صَحَّ شِرَاءٌ نَحْوُ الْمَجُوسِيَّةِ، بِخِلَافِ عَقْدِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبِضْعِ خَاصَّةً، وَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ نَحْوِ مَجُوسِيَّةٍ. (وَ) يَصِحُّ (اخْتِيَارُهُ) ، أَيْ: الْمُحْرِمِ (إنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ) نِسْوَةٍ لِبَعْضِهِنَّ فِي حَالِ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ إمْسَاكٌ وَاسْتِدَامَةٌ، لَا ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ، كَالرَّجْعَةِ وَأَوْلَى. (الثَّامِنُ: وَطْءٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدُّ الْجِمَاعِ إلَى قَوْلِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] . (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (فَلَا يَفْسُدُ) إحْرَامُ مَنْ أَوْلَجَ (بِلَا إنْزَالٍ) إذَا كَانَ إيلَاجُهُ (بِحَائِلٍ) صَفِيقٍ، بِحَيْثُ لَا يُحِسُّ بِالْحَرَارَةِ، أَمَّا إذَا أَوْلَجَ بِلَا حَائِلٍ، أَوْ بِحَائِلٍ غَيْرِ صَفِيقٍ، فَإِنَّهُ يَفْسُدُ إحْرَامُهُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَالْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ هُوَ: تَغْيِيبُ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ (فِي فَرْجٍ) أَصْلِيٍّ، (أَوْ دُبُرٍ لِآدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ) كَانَ الْوَطْءُ (سَهْوًا أَوْ جَهْلًا أَوْ) كَانَ الْوَاطِئُ (مُكْرَهًا) ، إذْ الْوَطْءُ لَا يَتَأَتَّى مَعَ الْإِكْرَاهِ، (أَوْ) كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ (نَائِمَةً) ، أَوْ مَيِّتَةً، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ: أَوْ) كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ (مَجْنُونَةً) ، لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا. (وَهُوَ) ، أَيْ: الْوَطْءُ (يُفْسِدُ النُّسُكَ قَبْلَ تَحَلُّلٍ أَوَّلِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، (وَلَوْ بَعْدَ وُقُوفٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَضَوْا بِفَسَادِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلُوا، وَحَدِيثُ: «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» ، أَيْ: قَارَبَهُ، وَأَمِنَ فَوَاتَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَامِدٍ وَنَاسٍ، وَجَاهِلٍ وَعَالِمٍ وَمُكْرَهٍ وَغَيْرِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ، (وَعَلَيْهِمَا) ، أَيْ: الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ، (الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ) ، أَيْ: النُّسُكِ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْوَطْءِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. (وَحُكْمُهُ) ، أَيْ: الْإِحْرَامِ الَّذِي فَسَدَ بِالْجِمَاعِ، (كَ) حُكْمِ إحْرَامٍ (صَحِيحٍ فِيمَا يُفْعَلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 وَيُتَجَنَّبُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَرُوِيَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْمُجَامِعَ بِذَلِكَ " لِأَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ، فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ كَالْفَوَاتِ، فَيَفْعَلُ بَعْدَ الْإِفْسَادِ، كَمَا يَفْعَلُ قَبْلَهُ مِنْ وُقُوفٍ وَغَيْرِهِ، وَيَتَجَنَّبُ مَا يَتَجَنَّبُهُ قَبْلَهُ مِنْ وَطْءٍ وَغَيْرِهِ، وَيَفْدِي مَحْظُورَ فِعْلِهِ بَعْدَهُ. (وَيَقْضِي) مَنْ فَسَدَ نُسُكُهُ بِالْوَطْءِ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا، نَصًّا، وَاطِئًا أَوْ مَوْطُوءًا، فَرْضًا كَانَ الَّذِي أَفْسَدَهُ، أَوْ نَفْلًا، (فَوْرًا وُجُوبًا) ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلًا؛ حُجَّ وَاهْدِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْأَثْرَمُ. وَزَادَ: وَحُلَّ إذَا حَلُّوا، فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ؛ فَاحْجُجْ أَنْتَ وَامْرَأَتُكَ، وَاهْدِيَا هَدْيًا، فَإِنْ لَمْ تَجِدَا، فَصُومَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعْتُمَا. (إنْ كَانَ) الْمُفْسِدُ نُسُكَهُ (مُكَلَّفًا) لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ مُكَلَّفًا، بَلْ كُلِّفَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ، فَيَقْضِي (بَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَوْرًا) ؛ لِزَوَالِ عُذْرِهِ. (وَيُحْرِمُ) مَنْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ فِي الْقَضَاءِ (مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ فِي) نُسُكٍ (فَاسِدٍ إنْ كَانَ) أَحْرَمَ بِهِ (قَبْلَ مِيقَاتٍ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَلِأَنَّ دُخُولَهُ فِي النُّسُكِ سَبَبٌ لِوُجُوبِهِ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَوْضِعِ الْإِيجَابِ، كَالنَّذْرِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ أَحْرَمَ بِمَا فَسَدَ قَبْلَ مِيقَاتٍ، بَلْ أَحْرَمَ مِنْهُ، أَوْ دُونَهُ إلَى مَكَّةَ، (فَ) إنَّهُ يُحْرِمُ (مِنْهُ) ، أَيْ: الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُجَاوَزَتُهُ بِلَا إحْرَامٍ، (فَمَنْ نَذَرَ حَجًّا مِنْ دُوَيْرَةٍ أَهْلِهِ، لَزِمَهُ إحْرَامٌ، مِنْهَا) ، لَا مِنْ الْمِيقَاتِ، سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَهُ أَوْ دُونَهُ. (وَمَنْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ) فَوَطِئَ فِيهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ؛ (قَضَى الْوَاجِبَ) الَّذِي عَلَيْهِ (أَوَّلًا) ، وَ (لَا) يَقْضِي (الْقَضَاءَ) ، كَقَضَاءِ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَفْسَدَهُ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَزْدَادُ بِفَوَاتِهِ، بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ قَضَاءُ الْوَاجِبِ فَقَطْ (خَوْفَ تَسَلْسُلٍ) إذْ لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ قَضَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 الْقَضَاءِ؛ لَوَقَعَ فَاسِدًا؛ لِتَقْدِيمِهِ عَلَى الْوَاجِبِ، فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ، وَهَلُمَّ جَرًّا، فَيُفْضِي إلَى التَّسَلْسُلِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. (وَنَفَقَةُ قَضَاءِ) نُسُكِ (مُطَاوِعَةٍ) عَلَى وَطْءٍ (عَلَيْهَا) ، لِقَوْلِ ابْنِ عَمْرٍو: هَدْيًا هَدْيًا. أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِمَا، وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: اهْدِ نَاقَةً، وَلْتُهْدِ نَاقَةً، وَلِإِفْسَادِهَا نُسُكَهَا بِمُطَاوَعَتِهَا، أَشْبَهَتْ الرَّجُلَ. (وَ) نَفَقَةُ، قَضَاءِ نُسُكِ (نَحْوِ مُكْرَهَةٍ، عَلَى مُكْرِهٍ) ، وَلَوْ طَلَّقَهَا؛ لِإِفْسَادِهِ نُسُكَهَا، كَنَفَقَةِ نُسُكِهِ، وَقِيَاسُهُ: لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ؛ فَعَلَيْهَا نَفَقَةُ قَضَائِهِ. (وَلَا فِدْيَةَ) عَلَى مُكْرَهَةٍ عَلَى الْوَطْءِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . (وَسُنَّ تَفَرُّقُهُمَا) ، أَيْ: وَاطِئٍ وَمَوْطُوءَةٍ (فِي قَضَاءٍ مِنْ مَوْضِعِ وَطْءٍ، فَلَا يَرْكَبْ مَعَهَا فِي مَحْمَلٍ، وَلَا) يَنْزِلْ مَعَهَا فِي (فُسْطَاطٍ) ، أَيْ: (بَيْتٍ مِنْ شَعْرٍ، وَلَا) فِي (خَيْمَةٍ إلَّا أَنْ يَحِلَّا) مِنْ إحْرَامِ الْقَضَاءِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ " أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا، مُحْرِمَانِ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «أَتِمَّا حَجَّكُمَا، ثُمَّ ارْجِعَا، وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى مِنْ قَابِلٍ، حَتَّى إذَا كُنْتُمَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ؛ فَأَحْرِمَا وَتَفَرَّقَا، وَلَا يُوَاكِلْ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ أَتِمَّا مَنَاسِكَكُمَا، وَاهْدِيَا» وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ. (وَيَكُونُ قَرِيبًا مِنْهَا، يُرَاعِي أَحْوَالَهَا؛ لِأَنَّهَا مُحْرِمَةٌ وَ) الْوَطْءُ (بَعْدَ تَحَلُّلٍ أَوَّلَ لَا يَفْسُدُ نُسُكٌ) بِهِ، (بَلْ) يَفْسُدُ بِهِ (إحْرَامٌ) ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ يَوْمَ النَّحْرِ: «يَنْحَرَانِ جَزُورًا بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ مِنْ قَابِلٍ» رَوَاهُ مَالِكٌ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. (وَعَلَيْهِ) ، أَيْ: الْوَاطِئِ بَعْدَ تَحَلُّلٍ أَوَّلِ (شَاةٌ) ، لِفَسَادِ إحْرَامِهِ، (وَ) عَلَيْهِ (الْمُضِيُّ لِلْحِلِّ، فَيُحْرِمُ) ؛ لِيَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، (لِيَطُوفَ لِلْإِفَاضَةِ مُحْرِمًا إحْرَامًا صَحِيحًا) ، لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ، (وَيَسْعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 قَبْلَ ذَلِكَ، (وَيَحِلُّ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَلَيْسَ هَذَا عُمْرَةً حَقِيقَةً، وَالْإِحْرَامُ إنَّمَا وَجَبَ لِيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْحَجِّ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ: الْخِرَقِيِّ، فَقَوْلُ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ: إنَّهُ يَعْتَمِرُ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا هَذَا، وَسَمَّوْهُ عُمْرَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالُهَا، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا عُمْرَةً حَقِيقَةً، فَيَلْزَمُهُ سَعْيٌ وَتَقْصِيرٌ، وَعَلَى هَذَا نُصُوصُ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ لِمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّهُ إحْرَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، فَكَانَ فِيهِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَتَقْصِيرٌ، كَالْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ، وَهِيَ تَجْرِي مَجْرَى الْحَجِّ، بِدَلِيلِ الْقِرَانِ بَيْنَهُمَا، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ. (وَالْقَارِنُ كَمُفْرِدٍ) لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لِلْحَجِّ لَا لِلْعُمْرَةِ، بِدَلِيلِ تَأْخِيرِ الْحَلْقِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ، (فَإِنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ) ، أَيْ: وَحَلَقَ، (وَلَمْ يَرْمِ) جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، (ثُمَّ وَطِئَ؛ فَفِي " الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ": لَا يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ مِنْ الْحِلِّ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِوُجُودِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ كَمَا سَبَقَ) يَعْنِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ، وَلَوْ كَانَ قَدْ طَافَ لِوُجُودِ الْوَطْءِ قَبْلَ مَا يَتِمُّ بِهِ التَّحَلُّلُ، (وَلِأَنَّهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مُحْرِمٌ؛ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمُنَافِي وُجُودُهُ صِحَّةَ الْإِحْرَامِ) ، فَيَفْسُدُ إحْرَامُهُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَالْمُرَادُ فَسَادُ مَا بَقِيَ مِنْهُ، لَا مَا مَضَى، إذْ لَوْ فَسَدَ كُلُّهُ؛ لَوَقَعَ الْوُقُوفُ فِي غَيْرِ إحْرَامٍ. (وَعُمْرَةٌ) وَطِئَ فِيهَا (كَحَجٍّ) فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ (فَيُفْسِدُهَا) وَطْءٌ (قَبْلَ تَمَامِ سَعْيٍ لَا بَعْدَهُ) ، أَيْ: السَّعْيِ، (وَقَبْلَ حَلْقٍ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ تَحَلُّلٍ أَوَّلَ، (وَعَلَيْهِ) بِوَطْئِهِ فِي عُمْرَةٍ (لِإِفْسَادِهَا شَاةٌ) ؛ لِنَقْصِ حُرْمَةِ إحْرَامِهَا عَنْ الْحَجِّ؛ لِنَقْصِ أَرْكَانِهَا، وَدُخُولِهَا فِيهِ، إذَا جَامَعَتْهُ، سَوَاءٌ وَطِئَ قَبْلَ تَمَامِ السَّعْيِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ، (وَلَا فِدْيَةَ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 مُكْرَهَةٍ) فِي وَطْءٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؛ لِعُمُومِ: «وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَمِثْلُهَا النَّائِمَةُ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَاطِئَ أَنْ يَفْدِيَ عَنْهُمَا. (التَّاسِعُ: الْمُبَاشَرَةُ) مِنْ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ فِيمَا (دُونَ الْفَرْجِ، لِشَهْوَةٍ) بِوَطْءٍ لِلَذَّةٍ، وَاسْتِدْعَاءِ الشَّهْوَةِ الْمُنَافِي لِلْإِحْرَامِ، (وَلَا تُفْسِدُ) الْمُبَاشَرَةُ (الْمَنْسَكَ) وَلَوْ أَنْزَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ؛ لِأَنَّ نَوْعَهُ يُوجِبُ الْحَدَّ، (وَكَذَا قُبْلَةٌ وَلَمْسٌ، وَنَظَرٌ لِشَهْوَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، فَكَانَ حَرَامًا. [فَصْلٌ إحْرَام الْمَرْأَةُ فِي وَجْهِهَا] فَصْلٌ (وَالْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا، فَتَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ بِنَحْوِ بُرْقُعٍ وَنِقَابٍ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا، وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. (وَتُسْدِلُ) ، أَيْ: تَضَعُ الثَّوْبَ فَوْقَ رَأْسِهَا، وَتُرْخِيهِ عَلَى وَجْهِهَا، (لِحَاجَةٍ) إلَى سَتْرِ وَجْهِهَا، (كَمُرُورِ رِجَالٍ) أَجَانِبَ (بِهَا) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا حَاذَوْنَا؛ سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ. قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا لَهَا أَنْ تُسْدِلَ عَلَى وَجْهِهَا مِنْهُ فَوْقَ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْفَعَ الثَّوْبَ مِنْ أَسْفَلَ. (وَلَوْ أَصَابَ) مَسْدُولٌ (وَجْهَهَا، وَلَا يُمْكِنُهَا تَغْطِيَةُ جَمِيعِ رَأْسِهَا إلَّا بِجُزْءٍ مِنْ وَجْهِهَا، وَلَا كَشْفُ جَمِيعِ وَجْهِهَا إلَّا بِجُزْءٍ مِنْ رَأْسِهَا، فَسَتْرُ رَأْسِهَا كُلِّهِ أَوْلَى، لِكَوْنِهِ) أَيْ: الرَّأْسِ (عَوْرَةً) فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا، (وَلَا يَخْتَصُّ سَتْرُهُ بِإِحْرَامٍ) ، وَكَشْفُ الْوَجْهِ بِخِلَافِهِ. (وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا) ، أَيْ: الْمُحْرِمَةِ (مَا يَحْرُمُ عَلَى رَجُلٍ) مُحْرِمٍ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 إزَالَةِ شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَطِيبٍ، وَقَتْلِ صَيْدٍ، وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ الْخِطَابَ يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ (غَيْرَ لِبَاسٍ وَ) غَيْرَ (خُفَّيْنِ، وَغَيْرَ تَظْلِيلٍ بِمَحْمَلٍ) ، لِحَاجَتِهَا إلَيْهِ، لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ إلَى وَجْهِهَا (وَيُبَاحُ لَهَا) أَيْ: الْمُحْرِمَةِ (خَلْخَالٌ، وَنَحْوُهُ مِنْ حُلِيٍّ) ، كَسِوَارٍ وَدُمْلُجٍ، وَقُرْطٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ، وَالنِّقَابِ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ، وَلْيَلْبَسْنَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ حُلِيٍّ» (وَلَهُ) ، أَيْ: الْمُحْرِمِ، لُبْسُ (خَاتَمٍ) مِنْ فِضَّةٍ أَوْ عَقِيقٍ وَنَحْوِهِمَا، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لَا بَأْسَ بِالْهِمْيَانِ، وَالْخَاتَمِ لِلْمُحْرِمِ» (وَإِنْ شَدَّتْ) مُحْرِمَةٌ (يَدَيْهَا بِخِرْقَةٍ فَدَتْ) ، كَشَدِّ الرَّجُلِ شَيْئًا عَلَى جَسَدِهِ، (وَكَلُبْسِهَا قُفَّازًا) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُهُمَا كَالْمَرْأَةِ وَأَوْلَى وَالْقُفَّازَانِ كُلُّ مَا يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ، يُدْخِلُهُمَا فِيهِ، يَسْتُرُهُمَا مِنْ الْحَرِّ كَالْجَوْرَبِ لِلرِّجْلَيْنِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ تَغْطِيَةِ يَدَيْهَا بِكُمِّهَا لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ، جَوَازُهُ بِالْقُفَّازَيْنِ، بِدَلِيلِ جَوَازِ تَغْطِيَةِ الرَّجُلِ قَدَمَهُ بِإِزَارِهِ لَا بِخُفٍّ، وَإِنَّمَا جَازَ تَغْطِيَةُ قَدَمَيْهَا بِكُلِّ شَيْءٍ، لِأَنَّهُمَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ، (لَا إنْ لَفَّتْهَا) ، أَيْ: يَدَهَا، (بِلَا شَدٍّ) ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ اللُّبْسُ لَا التَّغْطِيَةُ، كَيَدِ الرَّجُلِ. (وَكُرِهَ لَهُمَا) ، أَيْ: الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (اكْتِحَالٌ بِإِثْمِدٍ، وَنَحْوِهِ) مِنْ كُلِّ كُحْلٍ أَسْوَدَ، (لِزِينَةٍ) ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِامْرَأَةٍ مُحْرِمَةٍ: " اكْتَحِلِي بِأَيٍّ شِئْت، غَيْرَ الْإِثْمِدِ أَوْ الْأَسْوَدِ، وَ (لَا) يُكْرَهُ اكْتِحَالُهُمَا بِذَلِكَ (لِغَيْرِهَا) ، أَيْ: الزِّينَةِ، كَوَجَعِ عَيْنٍ لِحَاجَةٍ (وَلَهُمَا) ، أَيْ: لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مُحْرِمَيْنِ، (لُبْسُ مُعَصْفَرٍ) ، أَيْ مَصْبُوغٌ بِعُصْفُرٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 بِطِيبٍ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَشَمِّهِ، (وَ) لَهُمَا لُبْسُ (كَحُلِيٍّ) ، وَكُلُّ مَصْبُوغٍ بِغَيْرِ وَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ، أَوْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ. (وَ) لَهُمَا (قَطْعُ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ بِغَيْرِ طِيبٍ) ، لِمَا تَقَدَّمَ، بَلْ هَذَا مَطْلُوبٌ. (وَ) لَهُمَا (اتِّجَارٌ وَعَمَلُ صَنْعَةٍ مَا لَمْ يَشْغَلَا) ، أَيْ: الِاتِّجَارُ وَعَمَلُ الصَّنْعَةِ، (عَنْ وَاجِبٍ؛ فَيَحْرُمُ) ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " كَانَتْ عُكَاظٌ، وَمَجَنَّةُ، وَذُو الْمَجَازِ، أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوَاسِمِ، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. مَا لَمْ يَشْغَلْ الِاتِّجَارُ وَعَمَلُ. الصَّنْعَةِ عَنْ (مُسْتَحَبٍّ) . (وَيَتَّجِهُ: فَيُكْرَهُ) تَعَاطِيهِمَا إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِمَا، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ " الْمُنْتَهَى ". (وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّ كُلَّ) فِعْلٍ (مُبَاحٍ أَشْغَلَ عَنْ) فِعْلٍ (وَاجِبٍ) ضَاقَ، وَقْتُهُ (حَرَامٌ) ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَسْتَرِيبُ بِهِ عَاقِلٌ. (وَلَهُمَا نَظَرٌ فِي مِرْآةٍ لِحَاجَةٍ، كَإِزَالَةِ شَعْرٍ بِعَيْنٍ) دَفْعًا لِضَرَرِهِ. (وَكُرِهَ) نَظَرُهُمَا فِي مِرْآةٍ (لِزِينَةٍ) ، وَلَا يُصْلِحُ الْمُحْرِمُ شَعَثًا، وَلَا يُنْفِضُ عَنْهُ غُبَارًا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَاهِي الْمَلَائِكَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ: اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي، أَتَوْنِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 شُعْثًا غُبْرًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ (وَيَجِبُ اجْتِنَابُ رَفَثٍ، وَهُوَ: الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ) مِنْ تَقْبِيلٍ وَلَمْسٍ لِشَهْوَةٍ، (وَفُسُوقٍ وَهُوَ: السِّبَابُ) ، وَقِيلَ: الْمَعَاصِي، (وَجِدَالٍ) وَهُوَ: الْمِرَاءُ (فِيمَا لَا يَعْنِي) ، أَيْ: يُهِمُّ، لِحَدِيثِ: «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ تُمَارِيَ صَاحِبَك حَتَّى تُغْضِبَهُ) ، قَالَ الْمُوَفَّقُ: الْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. (وَتُسَنُّ قِلَّةُ كَلَامِهِمَا) ، أَيْ: الْمُحْرِمِ، وَالْمُحْرِمَةِ (إلَّا فِيمَا يَنْفَعُ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) يُسَنُّ لِلْمُحْرِمِ (إشْغَالُهُ بِتَلْبِيَةٍ وَذِكْرٍ وَ) قِرَاءَةِ (قُرْآنٍ، وَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، وَتَعْلِيمِ جَاهِلٍ، وَنَحْوِهِ) مِنْ الْمَطْلُوبَاتِ. [بَابُ الْفِدْيَةِ وَبَيَانُ أَقْسَامِهَا] (بَابُ الْفِدْيَةِ) وَبَيَانُ أَقْسَامِهَا وَهِيَ مَصْدَرُ: فَدَى يَفْدِي فِدَاءً. وَشَرْعًا: (مَا يَجِبُ بِسَبَبِ نُسُكٍ) كَدَمِ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ، وَوَاجِبٌ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ فِي إحْرَامٍ، أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، (أَوْ) بِسَبَبٍ (حَرُمَ) ، كَصَيْدِ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ وَنَبَاتِهِ، (وَلَهُ تَقْدِيمُهَا) ، أَيْ: الْفِدْيَةُ (عَلَى فِعْلٍ مَحْظُورٍ) إذَا احْتَاجَ إلَى فِعْلِهِ (لِعُذْرٍ) ، كَأَنْ يَحْتَاجُ إلَى (نَحْوِ حَلْقٍ) وَلُبْسٍ وَطِيبٍ، (وَيَأْتِي) ذَلِكَ. (وَهِيَ) ، أَيْ: الْفِدْيَةُ (قِسْمَانِ: تَخْيِيرٌ، وَتَرْتِيبٌ) : (فَالتَّخْيِيرُ) نَوْعَانِ: أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: (كَفِدْيَةِ لُبْسِ) مَخِيطٍ، (وَطِيبٍ، وَتَغْطِيَةِ رَأْسِ) ذَكَرٍ، أَوْ وَجْهِ أُنْثَى، (وَإِزَالَةِ أَكْثَرَ مِنْ شَعْرَتَيْنِ أَوْ) أَكْثَرَ مِنْ (ظُفْرَيْنِ، وَإِمْنَاءٍ بِنَظْرَةٍ، وَمُبَاشَرَةٍ بِغَيْرِ إنْزَالٍ، وَإِمْذَاءٍ بِتَكْرَارِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 نَظَرٍ أَوْ تَقْبِيلٍ أَوْ لَمْسٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ، وَقَوْلِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: «لَعَلَّك آذَاك هَوَامُّ رَأْسِك؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: احْلِقْ رَأْسَك، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ اُنْسُكْ شَاةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: " أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ ". (فَيُخَيَّرُ) مُحْرِمٌ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ (بَيْنَ ذَبْحِ شَاةٍ، أَوْ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ) مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ أَقِطٍ. وَيَتَعَيَّنُ تَمْلِيكُ مَا (يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ) ، وَهُوَ: أَحَدُ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَلَفْظُ " أَوْ " فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ: لِلتَّخْيِيرِ، وَخُصَّتْ الْفِدْيَةُ بِالثَّلَاثَةِ مِنْ الْأَظْفَارِ وَالشَّعَرَاتِ، لِأَنَّهَا جَمْعٌ، وَاعْتُبِرَتْ فِي مَوَاضِعَ بِخِلَافِ رُبْعِ الرَّأْسِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ بِاعْتِبَارِ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي الْفِدْيَةِ، وَقِيسَ عَلَى بَاقِي الْمَذْكُورَاتِ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا فِيهَا لِلتَّرَفُّهِ أَشْبَهَتْ الْحَلْقَ، وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ تَبَعًا لَهُ. (وَيَتَّجِهُ: إجْزَاءُ قُوتِ غَيْرِهِ) ، أَيْ: غَيْرَ مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ (مَعَ عَدَمِهِ) ، أَيْ: الْمُجْزِئِ فَيُجْزِئُ كُلُّ مَا يُقْتَاتُ مِنْ خُبْزٍ وَذُرَةٍ وَأَرُزٍّ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي " خِلَافِهِ "، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَحَيْثُ أَخْرَجَ خُبْزًا؛ فَيَدْفَعُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ رِطْلَيْنِ عِرَاقِيَّةً، وَيَنْبَغِي كَوْنُهُ مَعَ أُدُمٍ، لِيَكْفِيَ الْمَسَاكِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 الْمُؤْنَةَ، عَلَى قِيَاسِ الْكَفَّارَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) النَّوْعُ الثَّانِي (مِنْ) نَوْعَيْ (التَّخْيِيرِ: جَزَاءُ الصَّيْدِ، يُخَيَّرُ فِيهِ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ (بَيْنَ) : ذَبْحِ (مِثْلِ) الصَّيْدِ مِنْ النَّعَمِ، وَإِعْطَائِهِ لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ، أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ، فَلَا يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ حَيًّا. (أَوْ: تَقْوِيمِهِ) ، أَيْ: الْمِثْلِ، (بِمَحَلٍّ تَلَفِ) الصَّيْدِ (وَبِقُرْبِهِ) ، أَيْ: مَحَلِّ التَّلَفِ (بِدَرَاهِمَ) مَثَلًا (يَشْتَرِي بِهَا) ، أَيْ: الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ قِيمَةُ الْمِثْلِ (طَعَامًا، إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ) فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ؛ أَخْرَجَ مِنْهُ (مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ) كَوَاجِبٍ فِي فِدْيَةِ أَذًى وَكَفَّارَةٍ، (فَيُطْعِمُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّ بُرٍّ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ) مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ أَقِطٍ، (أَوْ يَصُومُ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] ، (وَإِنْ بَقِيَ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ صَامَ) عَنْهُ (يَوْمًا) كَامِلًا، لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ، فَأَخْرَجَ مَا وَجَدَهُ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ؛ صَوْمُ يَوْمٍ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ شِرَاءُ طَعَامٍ لَيْسَ عِنْدَهُ، (وَيُخَيَّرُ فِي شِرَاءِ) طَعَامٍ (رَخِيصٍ، أَوْ) شِرَاءِ طَعَامٍ (غَالٍّ) ، فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ شِرَاءُ الْأَنْفَعِ، وَلَا الْأَجْوَدِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ وَإِخْرَاجُهُ، (لِقِلَّةِ الصَّوْمِ) ، إذْ هُوَ يَوْمٌ وَاحِدٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وَنَفْعُهُ قَاصِرٌ عَلَى فَاعِلِهِ، بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ، فَإِنَّ فِيهِ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَيُخَيَّرُ فِيمَا) ، أَيْ: صَيْدٍ (لَا مِثْلَ لَهُ) مِنْ النَّعَمِ، إذَا قَتَلَهُ (بَيْنَ إطْعَامِ) مَا اشْتَرَاهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ إخْرَاجِهِ عَنْهَا مِنْ طَعَامِهِ بِعَدْلِهَا، (وَصِيَامٍ) كَمَا تَقَدَّمَ. لِعُذْرِ الْمِثْلِ، (وَلَا يَجِبُ تَتَابُعٌ فِيهِ) ، أَيْ: فِي هَذَا الصَّوْمِ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ بِهِ مُطْلَقٌ، فَيَتَنَاوَلُ الْحَالَيْنِ. (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عَنْ بَعْضِ الْجَزَاءِ، وَيُطْعِمَ عَنْ بَعْضٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ. (وَ) الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْفِدْيَةِ (قِسْمٌ) يَجِبُ عَلَى (التَّرْتِيبِ، كَدَمِ مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ) ، فَيَجِبُ الْهَدْيُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، وَقِيسَ الْقَارِنُ عَلَيْهِ، (وَ) كَدَمٍ وَجَبَ (لِتَرْكِ وَاجِبٍ) كَتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ إلَى اللَّيْلِ لِمَنْ وَقَفَ نَهَارًا، وَسَائِرَ الْوَاجِبَاتِ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَتَأْتِي (وَ) كَدَمٍ وَجَبَ (لِفَوَاتِ) حَجٍّ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ: إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي، (وَلَا حِصَارَ) إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ (وَ) كَدَمٍ وَجَبَ (لِوَطْءٍ، وَإِنْزَالِ مَنِيٍّ بِمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ) إنْزَالِ مَنِيٍّ (بِتَكْرَارِ نَظَرٍ، أَوْ تَقْبِيلٍ، أَوْ لَمْسٍ لِشَهْوَةِ، أَوْ اسْتِمْنَاءٍ وَلَوْ خَطَأً فِي الْكُلِّ) ، أَيْ: كُلُّ مَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ مِنْ قِسْمِ التَّرْتِيبِ. (وَأُنْثَى مَعَ شَهْوَةٍ) فِيمَا سَبَقَ، (كَرَجُلٍ) فِيمَا يَجِبُ مِنْ الْفِدْيَةِ، كَالْوَطْءِ، (فَعَلَى مُتَمَتِّعٍ وَقَارِنٍ وَتَارِكِ وَاجِبٍ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 دَمٌ، (وَ) كَذَا عَلَى مَنْ لَزِمَهُ هَدْيٌ، (لِفَوَاتِ) حَجٍّ (دَمٌ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] الْآيَةَ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْقَارِنُ، (فَإِنْ عَدِمَهُ) ، أَيْ: الدَّمَ، مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ، (أَوْ) عَدِمَ (ثَمَنَهُ، وَلَوْ وَجَدَ مُقْرِضًا) نَصًّا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ عُسْرَتِهِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الشِّرَاءِ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ مُوسِرٌ بِبَلَدِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ "؛ (صَامَ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ) ، أَيْ: وَقْتَهُ، لِأَنَّ الْحَجَّ أَفْعَالٌ لَا يُصَامُ فِيهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] أَيْ: فِيهَا (وَالْأَفْضَلُ كَوْنُ آخِرِهَا) ، أَيْ: الثَّلَاثَةِ: (يَوْمَ عَرَفَةَ) نَصًّا، فَيُقَدَّمُ الْإِحْرَامُ لِيَصُومَهَا فِي إحْرَامِ الْحَجِّ، وَاسْتُحِبَّ لَهُ هُنَا صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ، (وَلَهُ تَقْدِيمُهَا) ، أَيْ: الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَبْلَ إحْرَامٍ بِحَجٍّ) ، فَيَصُومَهَا (بَعْدَ إحْرَامٍ بِعُمْرَةٍ) ، لِأَنَّهُ أَحَدُ إحْرَامِ التَّمَتُّعِ، فَجَازَ الصَّوْمُ فِيهِ، كَإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَلِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْوَاجِبِ هُنَا عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهِ، حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ، وَهُوَ هُنَا: الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، (إذْ الظَّاهِرُ مِنْ الْمُعْسِرِ اسْتِمْرَارُ إعْسَارِهِ) ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا قَبْلَ إحْرَامِ عُمْرَةٍ. (وَوَقْتُ وُجُوبِهَا) ، أَيْ: الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَيْ: صَوْمُهَا: (كَ) وَقْتِ وُجُوبِ (هَدْيٍ) ، لِأَنَّهَا بَدَلُهُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجِبُ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ. (وَ) صَامَ (سَبْعَةَ) أَيَّامٍ (إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] (وَإِنْ صَامَهَا) ، أَيْ: السَّبْعَةَ أَيَّامٍ (قَبْلَ رُجُوعِهِ) إلَى أَهْلِهِ (قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 فَرَاغِ حَجٍّ؛ أَجْزَأَهُ) صَوْمُهَا، وَالْأَفْضَلُ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ. (وَكَلَامُ " الْمُنْتَهَى ") هُنَا (غَيْرُ مُحَرَّرٍ) ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ صَامَهَا قَبْلَ إحْرَامٍ بِحَجٍّ، أَجْزَأَ. مَعَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ، وَفَرَاغُهُ مِنْهُ وَمِنْ أَيَّامِ مِنًى، هَذَا مُرَادُهُ قَطْعًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيَّامَ مِنًى، قَالَ فِي " شَرْحِهِ ": لِبَقَاءِ أَعْمَالٍ مِنْ الْحَجِّ، فَفِي عِبَارَتِهِ مِنْ الْإِيهَامِ مَا لَا يَخْفَى. (وَمَنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي أَيَّامِ مِنًى) وَهِيَ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، (صَامَ بَعْدَ) ذَلِكَ (عَشَرَةً) كَامِلَةً، (وَعَلَيْهِ دَمٌ) ، لِتَأْخِيرِهِ وَاجِبًا عَنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ عَنْ وَقْتِهِ، كَتَأْخِيرِ رَمْيِ جِمَارٍ عَنْهَا (مُطْلَقًا) ، أَيْ: لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَكَذَا إنْ أَخَّرَ الْهَدْيَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ بِلَا عُذْرٍ) ، فَيَلْزَمُهُ دَمٌ بِتَأْخِيرِهِ لِذَلِكَ، لِمَا مَرَّ. (وَلَا يَجِبُ تَتَابُعٌ، وَلَا تَفْرِيقٌ فِي) صَوْمِ (الثَّلَاثَةِ، وَ) لَا فِي صَوْمِ (السَّبْعَةِ، وَلَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ إذَا قَضَا) هَا، وَكَذَا لَوْ صَامَ الثَّلَاثَةَ أَيَّامٍ بِمِنًى، وَأَتْبَعَهَا بِالسَّبْعَةِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهَا مُطْلَقٌ، فَلَا يَقْتَضِي جَمْعًا، (وَلَا يَلْزَمُ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَدْيٍ بَعْدَ وُجُوبِ صَوْمٍ) ، بِأَنْ كَانَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، (انْتِقَالٌ عَنْهُ) ، أَيْ: الصَّوْمِ، (شَرَعَ فِيهِ أَوْ لَا) ، اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ، فَقَدْ اسْتَقَرَّ الصَّوْمُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَ الْهَدْيَ إذَنْ، أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. (وَمَنْ لَزِمَهُ صَوْمُ مُتْعَةٍ، فَمَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، (لِغَيْرِ عُذْرٍ، أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَتْ، وَإِلَّا، اُسْتُحِبَّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَلَا يُصَامُ عَنْهُ، لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ تَرْكُهُ الصَّوْمَ لِعُذْرٍ، (فَلَا) إطْعَامَ عَنْهُ، لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ. (وَعَلَى مُحْصِرٍ دَمٌ) ، بِنَحْرِهِ مَكَانَ الْإِحْصَارِ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ، وَيَأْتِي (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُحْصِرُ الدَّمَ، (صَامَ عَشَرَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 أَيَّامٍ) قِيَاسًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ (بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ) ، لِمَا تَقَدَّمَ، (ثُمَّ حَلَّ وَلَا إطْعَامَ فِيهِ) ، أَيْ: هَذَا النَّوْعِ، وَيَأْتِي. (وَعَلَى وَاطِئٍ قَبْلَ تَحَلُّلٍ أَوَّلِ) بَدَنَةٌ، (وَ) كَذَا عَلَى (مُنْزِلِ مَنِيٍّ بِنَحْوِ تَكْرَارِ نَظَرٍ) ، كَلَمْسٍ لِشَهْوَةٍ، أَوْ مُبَاشَرَةٍ دُونَ فَرْجٍ (بَدَنَةٌ، أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا) ، كَبَقَرَةٍ، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْبَدَنَةَ، أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا، (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ) أَيْ فَرَغَ مِنْ إهْلَالِ الْحَجِّ (وَ) يَجِبُ بِوَطْءٍ (فِي عُمْرَةٍ شَاةٌ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَامْرَأَةٌ طَاوَعَتْ لِرَجُلٍ) فِيمَا ذُكِرَ، وَ (لَا) فِدْيَةَ عَلَى مَنْ وُطِئَتْ فِي الْعُمْرَةِ، وَهِيَ (نَائِمَةٌ وَمُكْرَهَةٌ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا فِدْيَةَ) أَيْضًا (عَلَى مُكْرِهِهَا) عَنْهَا (كَهِيَ) ، أَيْ: كَمَا أَنَّهَا لَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا. (وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ، أَوْ احْتَلَمَ، أَوْ أَمْذَى بِنَظْرَةٍ) لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْ ذَلِكَ. [فَصْلٌ مَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا فِي الْإِحْرَام] (فَصْلٌ) (وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسٍ غَيْرِ قَتْلِ صَيْدٍ، بِأَنْ حَلَقَ) شَعْرًا وَأَعَادَهُ، (أَوْ قَلَّمَ) ظُفْرًا وَأَعَادَهُ، (أَوْ لَبِسَ) . مَخِيطًا وَأَعَادَهُ، (أَوْ تَطَيَّبَ) وَأَعَادَهُ، (أَوْ وَطِئَ وَأَعَادَهُ بِالْمَوْطُوءَةِ أَوْ غَيْرِهَا، قَبْلَ تَكْفِيرٍ) عَنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ (وَاحِدَةٌ) ، سَوَاءٌ تَابَعَ الْفِعْلَ أَوْ فَرَّقَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِدْيَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي دُفْعَةٍ أَوْ دَفَعَاتٍ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَفَّرَ لِلْمَرَّاتِ الْأُولَى، (لَزِمَهُ) ، لِإِعَادَةِ الْفِعْلِ، كَفَّارَةٌ (أُخْرَى) لِلْمَرَّاتِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ عَيْنِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ الْأُولَى، أَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَقَ، ثُمَّ حَنِثَ وَكَفَّرَ، ثُمَّ حَلَفَ وَحَنِثَ. (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا لَوْ قَلَّمَ ظُفْرًا) وَاحِدًا مِنْ أَظْفَارِهِ (مَرَّاتٍ) مُتَعَدِّدَةً؛ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ، لِمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ يُعَارَضُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 قَوْلُهُمْ: لَوْ قَطَعَ بَعْضَ شَعْرِهِ، ثُمَّ قَطَعَهَا ثَانِيًا، ثُمَّ ثَالِثًا؛ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِابْتِنَاءِ الْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ فِي تَكْمِيلِ الدَّمِ، وَهُوَ بِتَمَامِ الْفِعْلَةِ الْوَاحِدَةِ؛ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا فِيهَا، وَالْبَاقِي حُرْمَتُهُ بَاقِيَةٌ، فَإِذَا أَعَادَهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِدَاؤُهُ ثَانِيًا إلَى أَنْ يَبْلُغَ الثَّالِثَةَ، فَيَسْتَقِرَّ الْجَزَاءُ (وَ) إنْ فَعَلَ مَحْظُورًا (مِنْ أَجْنَاسٍ؛ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ جِنْسٍ فِدَاءٌ) ، سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، اتَّحَدَتْ فِدْيَتُهَا أَوْ اخْتَلَفَتْ، لِأَنَّهَا مَحْظُورَاتٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَجْنَاسِ، فَلَمْ يَتَدَاخَلْ مُوجِبُهَا، كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ. (وَ) تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَاتُ (فِي الصُّيُودِ، وَلَوْ قُتِلَتْ مَعًا) ، فَيَجِبُ كَفَّارَاتٌ (بِعَدَدِهَا) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] ، (وَيُكَفِّرُ مَنْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ أَوْ وَطِئَ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا نَاسِيًا) ، أَوْ مُخْطِئًا، (أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا، أَوْ نَائِمًا، كَأَنْ عَبِثَ بِشَعْرِهِ فَقَطَعَهُ) أَوْ صَوَّبَ رَأْسَهُ إلَى تَنُّورٍ فَأَحْرَقَ اللَّهَبُ شَعْرَهُ، إذْ هَذِهِ إتْلَافَاتٌ يَسْتَوِي عَمْدُهَا، أَوْ سَهْوُهَا، وَجَهْلُهَا، كَإِتْلَافِ مَالٍ لِآدَمِيٍّ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِأَذًى فِيهِ، وَهُوَ مَعْذُورٌ، فَكَانَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ، وَدَلِيلًا عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْمَعْذُورِ بِنَوْعٍ آخَرَ، كَالْمُحْتَجِمِ يَحْلِقُ مَوْضِعَ مَحَاجِمِهِ. وَ (لَا) يُكَفِّرُ (مَنْ لَبِسَ) مَخِيطًا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا، (أَوْ تَطَيَّبَ) نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا، (أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ فِي حَالِ مِنْ ذَلِكَ) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (وَلَا) كَفَّارَةَ (عَلَى مُكْرَهَةٍ) عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. (وَمَتَى زَالَ عُذْرُهُ) مِنْ جَهْلٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إكْرَاهٍ (أَزَالَهُ) ، أَيْ: اللُّبْسَ أَوْ الطِّيبَ وَنَحْوَهُ (فِي الْحَالِ) ، لِخَبَرِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ خَلُوقٍ، أَوْ قَالَ: أَثَرُ مَغْرَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ قَالَ: اخْلَعْ عَنْك هَذِهِ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ عَنْك أَثَرَ الْخَلُوقِ، أَوْ قَالَ: الصُّفْرَةِ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِك كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْفِدْيَةِ مَعَ سُؤَالِ عَمَّا يَصْنَعُ. وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ غَيْرُ جَائِزٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عَذَرَهُ لِجَهْلِهِ، وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهُ فِي مَعْنَاهُ (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً لِغَسْلِ طِيبٍ مَسَحَهُ) بِنَحْوِ خِرْقَةٍ، (أَوْ حَكَّهُ بِنَحْوِ تُرَابٍ) ، كَنُخَالَةٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَتُهُ (حَسَبَ الْإِمْكَانِ) . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي إزَالَتِهِ بِحَلَالٍ لِئَلَّا يُبَاشِرَهُ الْمُحْرِمُ، (وَلَهُ غَسْلُهُ بِيَدِهِ بِلَا حَائِلٍ) ، لِعُمُومِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِغَسْلِهِ، وَلِأَنَّهُ تَارِكٌ لَهُ، (وَ) لَهُ غَسْلُهُ (بِمَائِعٍ) لِمَا مَرَّ، (فَإِنْ أَخَّرَهُ) ، أَيْ: غَسْلَ الطِّيبِ عَنْهُ (بِلَا عُذْرٍ؛ حَرُمَ) عَلَيْهِ، (وَفَدَى) لِلِاسْتِدَامَةِ، أَشْبَهَ الِابْتِدَاءَ، وَإِنْ وَجَدَ مَا لَا يَكْفِي لِوُضُوئِهِ وَغَسْلِ الطِّيبِ؛ غَسَلَهُ بِهِ، وَتَيَمَّمَ، إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَطْعِ رَائِحَتِهِ بِغَيْرِ الْمَاءِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إزَالَةِ الطِّيبِ قَطْعُ الرَّائِحَةِ. (وَيَفْدِي مَنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ، ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا) لِلْمَحْظُورِ، لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ إمَّا بِكَمَالِ النُّسُكِ أَوْ عِنْدَ الْحَصْرِ أَوْ بِالْعُذْرِ إذَا شُرِطَ وَمَا عَدَاهَا لَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِهِ، وَلَا يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِرَفْضِهِ، كَمَا لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِفَسَادِهِ، فَإِحْرَامُهُ بَاقٍ، وَتَلْزَمُهُ أَحْكَامُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرَفْضِ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ، لَمْ تُؤَثِّرْ شَيْئًا. (وَمَنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إحْرَامِهِ؛ فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ فِيهِ) ، لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 وَهُوَ مُحْرِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَبِي دَاوُد عَنْهَا «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَكَّةَ، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا؛ سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَنْهَانَا» . وَ (لَا) يَجُوزُ لِمُحْرِمٍ (لُبْسُ مُطَيَّبٍ بَعْدَهُ) ، أَيْ: الْإِحْرَامِ، لِحَدِيثِ: «لَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَإِنْ فَعَلَ) ، أَيْ: لَبِسَ مُطَيَّبًا بَعْدَ إحْرَامٍ؛ فَدَى، (أَوْ اسْتَدَامَ لُبْسَ مَخِيطٍ أَحْرَمَ فِيهِ، وَلَوْ لَحْظَةً فَوْقَ) الْوَقْتِ (الْمُعْتَادِ مِنْ خَلْعِهِ؛ فَدَى) لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ كَابْتِدَائِهِ، (وَلَا يَشُقُّهُ) ، لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَالٍ بِلَا حَاجَةٍ، وَلَوْ وَجَبَ الشَّقُّ أَوْ الْفِدْيَةُ بِالْإِحْرَامِ فِيهِ؛ لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: (وَيَتَّجِهُ: وَ) إنْ احْتَاجَ مُحْرِمٌ اسْتِدَامَةَ لُبْسِ مَخِيطٍ لِلسُّتْرَةِ (مَعَ عَدَمِ إزَارٍ إذَنْ) ، أَيْ: وَقْتَ إحْرَامِهِ؛ فَلَهُ أَنْ (يُرْخِيَ قَمِيصًا) ، بِأَنْ يُخْرِجَ يَدَيْهِ مِنْهُ تَغْيِيرًا لِهَيْئَةِ لُبْسِهِ، وَيُدْخِلَ بَعْضَ أَطْرَافِهِ فِي بَعْضٍ لِيَصِيرَ سَاتِرًا (لِوَسَطِهِ) وَعَوْرَتِهِ، (كَسَرَاوِيلَ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ لَبِسَ) مُحْرِمٌ، (أَوْ افْتَرَشَ مَا كَانَ مُطَيَّبًا وَانْقَطَعَ رِيحُهُ) ، أَيْ: الطِّيبِ مِنْهُ، (وَيَفُوحُ) رِيحُهُ (بِرَشِّ مَاءٍ) عَلَى مَا كَانَ مُطَيَّبًا، وَانْقَطَعَ رِيحُهُ، (وَلَوْ) افْتَرَشَهُ (تَحْتَ حَائِلٍ غَيْرِ ثِيَابِهِ، لَا يَمْنَعُ) الْحَائِلُ (رِيحَهُ، وَ) لَا (مُبَاشَرَتَهُ؛ فَدَى) ، لِأَنَّهُ مُطَيَّبٌ، اسْتَعْمَلَهُ لِظُهُورِ رِيحِهِ عِنْدَ رَشِّ الْمَاءِ، وَالْمَاءُ لَا رِيحَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الطِّيبِ فِيهِ. (وَلَوْ مَسَّ طِيبًا يَظُنُّهُ يَابِسًا، فَبَانَ رَطْبًا، لَا فِدْيَةَ) عَلَيْهِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 [فَصْلٌ يَلْزَم ذبح الْهَدْي بالحرم وَجَوَانِبه] (فَصْلٌ) (وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إطْعَامٍ يَتَعَلَّقُ بِحَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ كَجَزَاءِ صَيْدِ) حَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ، (وَمَا وَجَبَ) مِنْ فِدْيَةٍ (لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فَوَاتِ حَجٍّ، أَوْ) وَجَبَ (بِفِعْلِ مَحْظُورٍ بِحَرَمٍ) ، كَلُبْسٍ وَوَطْءٍ فِيهِ؛ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْهَدْيُ وَالْإِطْعَامُ بِمَكَّةَ. (وَ) كَذَا (هَدْيُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ مَنْذُورٌ) وَنَحْوُهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَقَالَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي. (يَلْزَمُ ذَبْحُهُ) ، أَيْ: الْهَدْيِ، (بِالْحَرَمِ وَجَوَانِبِهِ) ، أَيْ: الْحَرَمِ، (كَهُوَ) قَالَ أَحْمَدُ: مَكَّةُ وَمِنًى وَاحِدٌ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «كُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: " مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ ". وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَرَمَ، لِأَنَّهُ كُلُّهُ طَرِيقٌ إلَيْهَا، وَالْفَجُّ: الطَّرِيقُ. (وَ) يَلْزَمُ (تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ) ، أَيْ: الْهَدْيِ الْمَذْكُورِ لِمَسَاكِينِهِ، (أَوْ إطْلَاقُهُ لِمَسَاكِينِهِ) أَيْ: الْحَرَمِ، (مَيِّتًا) ، أَيْ: مَذْبُوحًا، أَوْ مَنْحُورًا، (أَوْ) دَفْعُهُ إلَيْهِمْ (حَيًّا لِيَنْحَرُوهُ) بِالْحَرَمِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَبْحِهِ بِالْحَرَمِ التَّوْسِعَةُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَحْصُلُ بِإِعْطَاءِ غَيْرِهِمْ، وَكَذَا الْإِطْعَامُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْهَدْيُ وَالْإِطْعَامُ بِمَكَّةَ. وَلِأَنَّهُ يَنْفَعُهُمْ كَالْهَدْيِ، قَالَ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِمْ حَيًّا، فَنَحَرُوهُ فِي الْحَرَمِ؛ أَجْزَأَ، (وَإِلَّا) يَنْحَرُوهُ، أَوْ أَرَادُوا نَحْرَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ (اسْتَرَدَّهُ) مِنْهُمْ وُجُوبًا (وَنَحَرَهُ) وَفَرَّقَ لَحْمَهُ أَوْ أَطْلَقَهُ لَهُمْ (فَإِنْ أَبَى) اسْتِرْدَادُهُ (أَوْ عَجَزَ) عَنْهُ (ضَمِنَهُ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، لِعَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْ عُهْدَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ: فَلَا يُجْزِئُ اقْتِصَارُهُ عَلَى) مِسْكِينٍ (وَاحِدٍ، بَلْ) لَا بُدَّ مِنْ (ثَلَاثَةِ) مَسَاكِينَ، لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، كَذَا قَالَ (وَاحْتَمَلَ: أَوْ اثْنَيْنِ) ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ فِي قَوْلٍ. (وَقِيَاسُ الْفِطْرَةِ: يُجْزِئُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 اقْتِصَارُهُ عَلَى) مِسْكِينٍ (وَاحِدٍ) ، وَهُوَ قِيَاسٌ جَيِّدٌ، إذْ كُلٌّ مِنْ الْهَدْيِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ تُجْزِئُ لِوَاحِدٍ، وَعَلَيْهِ؛ فَلَفْظُ أَلْ فِي الْمَسَاكِينِ: لِلْجِنْسِ، كَمَا فِي الزَّكَاةِ، وَعُدُولُ الْأَصْحَابِ عَنْ ذِكْرِ الْعَدَدِ يَدُلُّ عَلَى إجْزَاءِ الِاقْتِصَارِ عَلَى وَاحِدٍ. (وَمَسَاكِينُ الْحَرَمِ هُمْ: الْمُقِيمُ بِهِ، وَالْمُجْتَازُ بِهِ مِنْ حَاجٍّ، وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ أَخْذُ زَكَاةٍ لِحَاجَةٍ) وَلَوْ تَبَيَّنَ غِنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَكَزَكَاةٍ (وَيُجْزِئُ) هَدْيٌ أَوْ إطْعَامٌ (لَوْ ظَنَّهُ فَقِيرًا، فَبَانَ غَنِيًّا) كَالزَّكَاةِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يُجْزِئُ (إنْ) دَفَعَهُ مَذْبُوحًا لِمَنْ (ظَنَّهُ نَحْوَ مُسْلِمٍ) ، كَمُبْتَدِعٍ غَيْرِ دَاعِيَةٍ، (فَبَانَ) مَدْفُوعًا لَهُ (عَكْسُهُ) ، بِأَنْ كَانَ كَافِرًا، أَوْ مُبْتَدِعًا دَاعِيَةً، وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا؛ فَيَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَتَهُ يَشْتَرِي بِهَا هَدْيًا يُفَرِّقُهُ، أَوْ يُطْلِقُهُ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَالْأَفْضَلُ نَحْرُ مَا وَجَبَ بِحَجٍّ بِمِنًى، وَ) نَحْرُ (مَا وَجَبَ بِعُمْرَةٍ بِالْمَرْوَةِ) ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَالِكٍ وَمَنْ تَبِعَهُ. (وَالْعَاجِزُ عَنْ إيصَالِهِ) ، أَيْ: مَا وَجَبَ ذَبَحَهُ بِالْحَرَمِ، (لِلْحَرَمِ حَتَّى بِوَكِيلِهِ، يَنْحَرُهُ حَيْثُ قَدَرَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 وَيُفَرِّقُهُ بِمَنْحَرِهِ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] (وَتُجْزِئُ فِدْيَةُ أَذًى، وَ) فِدْيَةُ (لُبْسٍ، وَ) فِدْيَةُ (طِيبٍ وَتَغْطِيَةِ رَأْسٍ، وَمُوجِبِ شَاةٍ بِنَحْوِ مُبَاشَرَةٍ) دُونَ فَرْجٍ (بِلَا إنْزَالٍ وَمَا وَجَبَ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ غَيْرِ) جَزَاءِ (صَيْدٍ) ؛ فِعْلُهُ (خَارِجَ؛ الْحَرَمِ، وَلَوْ) فَعَلَهُ (بِلَا عُذْرٍ) ؛ فَلَهُ تَفْرِقَتُهَا (حَيْثُ وَجَبَ السَّبَبُ) ، لِأَنَّهُ، «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ بِالْفِدْيَةِ بِالْحُدَيْبِيَةِ» وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ، وَاشْتَكَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَأْسَهُ، فَحَلَقَهُ عَلِيٌّ، وَنَحَرَ عَنْهُ جَزُورًا بِالسُّقْيَا " رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُمَا (وَ) لَهُ تَفْرِقَتُهَا (بِالْحَرَمِ أَيْضًا) كَسَائِرِ الْهَدَايَا. (وَيَدْخُلُ وَقْتُ ذَبْحِ فِدْيَةِ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَذَى وَالْمَلْبَسِ، وَالطِّيبِ، وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ، (مِنْ حِينِ فَعَلَهُ) ، أَيْ: الْمَحْظُورَ. (وَلَهُ) الذَّبْحُ (قَبْلَهُ، بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ الْمُبِيحِ) لِفِعْلِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِعْلُهُ لِعُذْرٍ، (كَكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَ) وَقْتِ (جَزَاءِ صَيْدٍ بَعْدَ جَرْحِهِ) ، وَلَا يَضُرُّ تَلَفُهُ بَعْدَ إخْرَاجِ جَزَائِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ آخَرُ، كَمَا لَوْ قَدَّمَ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْحَلْقُ فِدْيَتَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ، (وَ) وَقْتَ فِدْيَةِ (وَاجِبٍ، لِتَرْكِ وَاجِبٍ، عِنْدَ تَرْكِهِ) أَيْ: ذَلِكَ الْوَاجِبِ. (وَيُجْزِئُ) إخْرَاجُ (دَمِ إحْصَارٍ حَيْثُ أُحْصِرَ) مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ نَصًّا، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ هَدْيَهُ فِي مَوْضِعِهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ» وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ حِلِّهِ، فَكَانَ مَوْضِعَ نَحْرِهِ كَالْحَرَمِ (وَ) يُجْزِئُ (صَوْمٌ وَحَلْقٌ بِكُلِّ مَكَانٍ) ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إلَى أَحَدٍ، فَلَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْحَرَمِ، وَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ. (وَالدَّمُ الْمُطْلَقُ كَأُضْحِيَّةٍ) ، فَيُجْزِئُ فِيهِ مَا يُجْزِئُ فِيهَا - فَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 قَيَّدَ بِنَحْوِ بَدَنَةٍ، تَقَيَّدَ - (جَذَعُ ضَأْنٍ) لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، (أَوْ ثَنِيُّ مَعْزٍ) لَهُ سَنَةٌ، (أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ، أَوْ) سُبْعُ (بَقَرَةٍ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُتَمَتِّعِ: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ. وَقَوْلُهُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ، وَفَسَّرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ بِذَبْحِ شَاةٍ، وَمَا سِوَى هَذَيْنِ مَقِيسٌ عَلَيْهِمَا. (فَإِنْ ذَبَحَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ مُطْلَقٌ (إحْدَاهُمَا) ، أَيْ: بَدَنَةً، أَوْ بَقَرَةً، فَهُوَ (أَفْضَلُ) مِمَّا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهَا أَوْفَرُ لَحْمًا، وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ (وَتَجِبُ كُلُّهَا) ، لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْأَعْلَى لِأَدَاءِ فَرْضِهِ، فَكَانَ كُلُّهُ وَاجِبًا، كَمَا لَوْ اخْتَارَ الْأَعْلَى مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ. (وَيَتَّجِهُ) : مَحَلُّ وُجُوبِهَا كُلِّهَا: (إنْ كَانَتْ كُلُّهَا مِلْكَهُ) ، أَمَّا إنْ كَانَ يَمْلِكُ بَعْضَهَا، وَذَبَحَهَا بِنِيَّةِ إخْرَاجِ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَمْلُوكِ لَهُ، فَلَا وَجْهَ لِوُجُوبِهَا كُلِّهَا عَلَيْهِ، إذْ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا مَا آتَاهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَتُجْزِئُ عَنْ بَدَنَةٍ وَجَبَتْ وَلَوْ فِي) جَزَاءِ (صَيْدٍ وَنَذْرٍ) مُطْلَقٍ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ، لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ (بَقَرَةٌ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ جَابِرٍ: كُنَّا نَنْحَرُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: وَالْبَقَرَةُ؟ فَقَالَ: وَهَلْ هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ؟» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (كَعَكْسِهِ) ، أَيْ: كَمَا تُجْزِئُ بَدَنَةٌ عَنْ بَقَرَةٍ وَجَبَتْ وَلَوْ فِي صَيْدٍ، (وَ) يُجْزِئُ (عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ، وَلَوْ لَمْ تَتَعَذَّرْ) الشِّيَاهُ، (بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى طَرِيقِ التَّفْصِيلِ] (بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى طَرِيقِ التَّفْصِيلِ) جَزَاؤُهُ: (مَا يُسْتَحَقُّ بَدَلَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدِ (مِنْ مِثْلِهِ، وَمُقَارِبِهِ، وَشِبْهِهِ) ، لَعَلَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِلْمُرَادِ مِنْ الْمِثْلِ، دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ إرَادَةِ الْمُمَاثَلَةِ اللُّغَوِيَّةِ، وَهِيَ: اتِّحَادُ الِاثْنَيْنِ فِي النَّوْعِ. (وَيَجْتَمِعُ) عَلَى مُتْلِفِ صَيْدٍ (ضَمَانُ) قِيمَته لِمَالِكِهِ (وَجَزَاؤُهُ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ (فِي) صَيْدِ (مَمْلُوكٍ) ، لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مَضْمُونٌ بِالْكَفَّارَةِ، فَجَازَ التَّقْوِيمُ وَالتَّكْفِيرُ فِي ضَمَانِهِ، كَالْعَبْدِ إذَا قُتِلَ. (وَهُوَ) أَيْ: الصَّيْدُ (ضَرْبَانِ: الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: مَا) ، أَيْ: ضَرْبٌ (لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ) خِلْقَةً لَا قِيمَةً (فَيَجِبُ فِيهِ) ذَلِكَ (الْمِثْلُ) نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] (وَهُوَ) أَيْ: الصَّيْدُ الَّذِي لَهُ مِثْلٌ، (نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا قَضَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ) ، أَيْ: وَلَوْ بَعْضُهُمْ، (فَيُتَّبَعُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» وَلِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، وَأَعْرَفُ بِمَوَاقِعِ الْخِطَابِ، فَكَانَ حُكْمُهُمْ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ، كَالْعَامِّيِّ مَعَ الْعَالِمِ. (فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ) حَكَمَ بِهِ: عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ، " لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْبَعِيرَ فِي خَلْقِهِ، فَكَانَ مِثْلًا لَهَا، (وَفِي حِمَارِ وَحْشٍ) بَقَرَةٌ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، (وَ) فِي (بَقَرَةٍ) ، أَيْ: الْوَحْشِ، بَقَرَةٌ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، (وَ) فِي (أُيَّلٍ) بِوَزْنِ: قُنَّبٍ وَحَلَبٍ وَسَيِّدٍ، وَهُوَ: ذَكَرُ الْأَوْعَالِ - بَقَرَةٌ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، (وَ) فِي (تيشل) - بِوَزْنِ: جَعْفَرٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْوَعْلُ الْمُسِنُّ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 بَقَرَةٌ، (وَ) فِي (وَعَل) - بِفَتْحِ الْوَاوِ مَعَ الْعَيْنِ، وَكَسْرِهَا، وَسُكُونِهَا: تَيْسُ الْجَبَلِ، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ "، وَفِي " الصِّحَاحِ " هُوَ: الْأَرْوَى، وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: الْأَرْوَى بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، جَمْعُ: أُرْوِيَّةٍ بِضَمِّهَا، وَكَسْرِ الْوَاوِ، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ: هِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْوُعُولِ - (بَقَرَةٌ) ، يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ: " فِي الْأَرْوَى بَقَرَةٌ ". (وَفِي ضَبُعٍ كَبْشٌ) ، لِقَوْلِ «جَابِرٍ: سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضَّبُعِ، فَقَالَ: هُوَ صَيْدٌ، وَفِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَضَى بِهِ عُمَرُ وابْنُ عَبَّاسٍ. (وَفِي غَزَالٍ شَاةٌ) ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ، وَرَوَى جَابِرٌ مَرْفُوعًا «فِي الظَّبْيِ شَاةٌ» ، (وَفِي وَبْرٍ) : بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَالْأُنْثَى: وَبْرَةٌ، قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ كَحْلَاءُ دُونَ السِّنَّوْرِ، لَا ذَنَبَ لَهَا، (وَ) فِي (ضَبٍّ جَدْيٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ، وَأَرْبَدُ، وَالْوَبْرُ مَقِيسٌ عَلَى الضَّبِّ، وَالْجَدْيُ مِنْ أَوْلَادِ (الْمَعْزِ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَفِي يَرْبُوعٍ جَفَرَةٌ، لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) ، قَضَى بِهِ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ (وَفِي أَرْنَبٍ عَنَاقٌ) ، أَيْ: (أُنْثَى) مِنْ (مَعْزٍ أَصْغَرَ مِنْ الْجَفَرَةِ) يُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ، (وَفِي) كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ (حَمَامٍ - وَهُوَ: كُلُّ مَا عَبَّ الْمَاءَ) أَيْ: وَضَعَ مِنْقَارَهُ فِيهِ، وَكَرَعَ كَمَا تَكْرَعُ الشَّاةُ، وَلَا يَأْخُذُ قَطْرَةً، كَالدَّجَاجِ وَالْعَصَافِيرِ، (وَهَدَرَ) ، أَيْ: صَوَّتَ - (شَاةٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَابْنُهُ، وَعُثْمَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ فِي حَمَامِ الْحَرَمِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ حَمَامُ الْإِحْرَامِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَضَى بِهِ فِي حَمَامِ الْإِحْرَامِ، (فَدَخَلَ فِيهِ نَحْوُ فَوَاخِتَ، وَقَطَا، وَقَمَرِيٌّ، وَرَاشِينُ) ، وَدُبْسِيٌّ، بِضَمِّ الدَّالِ: طَائِرٌ لَوْنُهُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ يُقَرْقِرُ، وَالْأُنْثَى دِبْسِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ السِّفَانِينُ، جَمْعُ: سِفَنَّةٍ، بِكَسْرِ السِّينِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَتَشْدِيدِ النُّونِ، قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": طَائِرٌ بِمِصْرَ، لَا يَقَعُ عَلَى شَجَرَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 إلَّا أَكَلَ جَمِيعَ وَرَقِهَا. لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّيهَا حَمَامًا، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كُلُّ مُطَوَّقٌ حَمَامٌ، فَدَخَلَ فِيهِ الْحَجَلُ، لِأَنَّهُ مُطَوَّقٌ. (الثَّانِي: مَا لَمْ تَقْضِ فِيهِ) الصَّحَابَةُ، وَلَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ، (فَيُرْجَعُ فِيهِ لِقَوْلِ عَدْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] ، (خَبِيرَيْنِ) ، لِأَنَّهُ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الْحُكْمِ بِالْمِثْلِ إلَّا بِهِمَا، فَيَعْتَبِرَانِ الشَّبَهَ خِلْقَةً لَا قِيمَةً، كَفِعْلِ الصَّحَابَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَقِيهًا، لِظَاهِرِ الْآيَةِ، (وَيَجُوزُ كَوْنُ الْقَاتِلِ أَحَدَهُمَا) ، أَيْ الْعَدْلَيْنِ، (أَوْ هُمَا) ، فَيَحْكُمَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْمِثْلِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْجَرَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ صَادَهُمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَأَمَرَ أَيْضًا، أَرْبَدَ بِذَلِكَ، حِينَ وَطِئَ الضَّبَّ، فَحَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ بِجَدْيٍ، فَأَقَرَّهُ، وَكَتَقْوِيمِهِ عَرْضَ التِّجَارَةِ لِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ، وَحَمَلَهُ (ابْنُ عَقِيلٍ) عَلَى مَا إذَا قَتَلَهُ (خَطَأً، أَوْ) قَتَلَهُ (لِحَاجَةِ) أَكْلِهِ، لِأَنَّهُ قَتْلٌ مُبَاحٌ يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ، (أَوْ) قَتَلَهُ (جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ) ، لِعَدَمِ فِسْقِهِ، قَالَ (الْمُنَقِّحُ: وَهُوَ قَوِيٌّ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ) ، أَيْ: الْأَصْحَابِ، (لِأَنَّ قَتْلَ الْعَمْدِ يُنَافِي الْعَدَالَةَ) إنْ لَمْ يَتُبْ، وَهُوَ شَرْطُ الْحُكْمِ. (وَيَتَّجِهُ: عَدَمُ) اعْتِبَارِ (هَذَا) ، أَيْ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، (وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْعَدَالَةِ حَالَ الْحُكْمِ) ، لَا حَالَ الْقَتْلِ، إذْ لَا رَيْبَ فِي الْفِسْقِ حِينَئِذٍ، (فَلَوْ تَابَا) ، أَيْ: الْحَاكِمَانِ، بَعْدَ أَنْ قَتَلَا صَيْدًا، عَامِدَيْنِ، عَالِمَيْنِ تَحْرِيمَ قَتْلِهِ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: تَابَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ (قُبِلَ) حُكْمُهُمَا بِهِ، (كَالشَّهَادَةِ) إذَا تَحَمَّلَهَا وَهُوَ فَاسِقٌ، ثُمَّ تَابَ وَأَدَّاهَا؛ فَلَا رَيْبَ فِي قَبُولِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 (وَيُضْمَنُ صَغِيرٌ) بِمِثْلِهِ، (وَكَبِيرٌ) بِمِثْلِهِ، (وَصَحِيحٌ) بِمِثْلِهِ، (وَمَعِيبٌ) بِمِثْلِهِ، (وَمَاخِضٌ، وَهِيَ: الْحَامِلُ) مِنْ صَيْدٍ (بِمِثْلِهِ) مِنْ النَّعَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] . وَمِثْلُ الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَمِثْلُ الْمَعِيبِ مَعِيبٌ، وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِالْيَدِ، وَالْجِنَايَةِ، يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِالصِّغَرِ وَالْعَيْبِ وَغَيْرِهِمَا، كَالْبَهِيمَةِ، وقَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] ؛ مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى إيجَابِ مَا لَا يَصِحُّ هَدْيًا كَالْجَفَرَةِ وَالْعَنَاقِ وَالْجَدْيِ، وَإِنْ فَدَى الصَّغِيرَ وَالْمَعِيبَ مَا لَا يَصِحُّ هَدْيًا كَالْجَفَرَةِ وَالْعَنَاقِ وَالْجَدْيِ، وَإِنْ فَدَى الصَّغِيرَ وَالْمَعِيبَ بِكَبِيرٍ صَحِيحٍ فَاضِلٍ. (وَ) يَجُوزُ فِدَاءُ (ذَكَرٍ بِأُنْثَى) ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ فِدَائِهِ بِذَكَرٍ كَمَا فِي " الْإِقْنَاعِ "، لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ وَأَرْطَبُ، (وَ) يَجُوزُ (عَكْسُهُ) ، أَيْ: فِدَاءُ أُنْثَى بِذَكَرٍ، لِأَنَّ لَحْمَهُ أَوْفَرُ، (وَيَجُوزُ فِدَاءُ) صَيْدٍ (أَعْوَرَ مِنْ عَيْنٍ) يُمْنَى أَوْ يُسْرَى، (وَ) فِدَاءُ صَيْدٍ (أَعْرَجَ مِنْ قَائِمَةٍ) يُمْنَى أَوْ يُسْرَى بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ، (أَعْوَرَ) عَنْ الْأَعْوَرِ مِنْ أُخْرَى، كَفِدَاءِ أَعْوَرَ يُمْنَى بِأَعْوَرَ يَسَارٍ وَعَكْسُهُ، (وَ) أَعْرَجَ مِنْ قَائِمَةٍ بِمِثْلِهِ (أَعْرَجَ مِنْ) قَائِمَةٍ (أُخْرَى) ، كَأَعْرَجِ يُمْنَى بِأَعْرَجِ يَسَارٍ، وَعَكْسُهُ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ يَسِيرٌ، وَنَوْعُ الْعَيْبِ وَاحِدٌ. وَ (لَا) يَجُوزُ فِدَاءُ (أَعْوَرَ بِأَعْرَجَ وَنَحْوِهِ) ، لِاخْتِلَافِ نَوْعِ الْعَيْبِ وَمَحَلِّهِ. ب - (الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا مِثْلَ لَهُ) مِنْ النَّعَمِ، (وَهُوَ: بَاقِي الطَّيْرِ، وَ) يَجِبُ (فِيهِ قِيمَةُ مَكَانِهِ) ، أَيْ: مَكَانِ التَّلَفِ، (وَلَوْ أَكْبَرَ مِنْ الْحَمَامِ، كَإِوَزٍّ، وَحُبَارَى، وَحَجَلٍ وَكُرْكِيٍّ، وَكَبِيرِ طَيْرِ مَاءٍ) ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ تَرَكْنَاهُ فِي الْحَمَامِ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 [فَصْلٌ أَتْلَفَ مُحْرِمٌ جَزَاءً مِنْ صَيْدٍ فَانْدَمَلَ] (فَصْلٌ) (وَإِنْ أَتْلَفَ) مُحْرِمٌ أَوْ مَنْ بِالْحَرَمِ (جَزَاءً مِنْ صَيْدٍ، فَانْدَمَلَ) جُرْحُهُ، (وَهُوَ) ، أَيْ: الصَّيْدُ، (مُمْتَنِعٌ، وَلَهُ مِثْلٌ) مِنْ النَّعَمِ؛ (ضُمِنَ) الْجُزْءُ الْمُتْلَفُ (بِمِثْلِهِ مِنْ مِثْلِهِ) مِنْ النَّعَمِ (لَحْمًا) ، لِأَنَّ مَا وَجَبَ ضَمَانُ جُمْلَتِهِ بِالْمِثْلِ، وَجَبَ فِي بَعْضِهِ مِثْلُهُ كَالْمَكِيلَاتِ، (أَوْ عَدْلُهُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَوْمٍ) كَمَا سَبَقَ، (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ؛ (فَ) إنَّهُ يَضْمَنُهُ (بِنَقْصِهِ مِنْ قِيمَتِهِ) ، لِأَنَّ جُمْلَتَهُ مَضْمُونَةٌ بِالْقِيمَةِ، فَكَذَلِكَ أَبْعَاضُهُ، فَيُقَوَّمُ الصَّيْدُ سَلِيمًا، ثُمَّ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ، فَيَجِبُ مَا بَيْنَهُمَا، يَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ جَنَى بِحَرَمٍ أَوْ مُحْرِمٌ عَلَى حَامِلٍ، فَأَلْقَتْ مَيِّتًا؛ ضَمِنَ نَقْصَهَا) ، أَيْ: الْإِمَامُ (فَقَطْ، كَمَا لَوْ جَرَحَهَا) ، لِأَنَّ الْحَمْلَ زِيَادَةٌ فِي الْبَهَائِمِ، (وَإِنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ) ، ثُمَّ مَاتَ؛ (فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ) ، وَإِلَّا، فَكَالْمَيِّتِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". (وَمَا أُمْسِكَ) مِنْ صَيْدٍ، (فَتَلِفَ فَرْخُهُ) أَوْ وَلَدُهُ، ضَمِنَهُ، (أَوْ نَفَرَ) مِنْ صَيْدٍ، (فَتَلِفَ) حَالَ نُفُورِهِ، (وَلَوْ بِآفَةٍ) سَمَاوِيَّةٍ، (أَوْ نَقَصَ حَالَ نُفُورِهِ لَا بَعْدَهُ) ، أَيْ: إلَّا إنْ تَلِفَ، أَوْ نَقَصَ بَعْدَ أَمْنِهِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، (فَمِنْهُ) لِحُصُولِ تَلَفِهِ، أَوْ نَقْصِهِ بِسَبَبِهِ. (وَإِنْ جَرَحَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ جُرْحًا (غَيْرَ مُوحٍ، فَغَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ خَبَرَهُ) ضَمِنَهُ بِمَا نَقَصَهُ، (أَوْ وَجَدَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ، بَعْدَ أَنْ جَرَحَهُ (مَيِّتًا، وَلَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ بِجِنَايَتِهِ، قُوِّمَ الصَّيْدُ صَحِيحًا وَجَرِيحًا غَيْرَ مُنْدَمِلٍ، ثُمَّ يُخْرَجُ بِقِسْطِهِ مِنْ مِثْلِهِ، فَإِنْ نَقَصَ رُبْعُ الْقِيمَةِ مَثَلًا، وَجَبَ إخْرَاجُ رُبْعِ مِثْلِهِ) ، أَوْ سُدُسًا أُخْرِجَ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ، فَعَلَ بِأَرْشَدَ مَا يُفْعَلُ بِقِيمَةِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ، لِأَنَّهُ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ كُلُّهُ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَوْتُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 بِفِعْلِهِ. (وَإِنْ وَقَعَ) صَيْدٌ جَرَحَهُ (فِي مَاءٍ) يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ، أَوْ لَا، فَمَاتَ، ضَمِنَهُ، (أَوْ تَرَدَّى) بَعْدَ، جُرْحِهِ مِنْ عُلُوٍّ (فَمَاتَ؛ ضَمِنَهُ) جَارِحُهُ، لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ. (وَإِنْ رَمَى) الْمُحْرِمُ (صَيْدًا) فَأَصَابَهُ، ثُمَّ (سَقَطَ) الْمَرْمِيُّ (عَلَى آخَرَ فَمَاتَا؛ ضَمِنَهُمَا) ، لِتَلَفِهَا بِجِنَايَتِهِ. (فَلَوْ مَشَى مَجْرُوحٌ فَسَقَطَ عَلَى آخَرَ) فَمَاتَا، (ضَمِنَ الْمَجْرُوحَ) ، لِمَوْتِهِ بِجِنَايَتِهِ (فَقَطْ) ، أَيْ: دُونَ مَا أُسْقِطَ، لِأَنَّ سُقُوطَهُ عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ. (وَ) يَجِبُ (فِيمَا انْدَمَلَ) جُرْحُهُ مِنْ الصُّيُودِ (غَيْرَ مُمْتَنِعٍ) مِنْ قَاصِدِهِ جَزَاءُ جَمِيعِهِ، لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ، (أَوْ جُرِحَ) جُرْحًا (مُوحِيًا) لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ غَالِبَةٌ (جَزَاءُ جَمِيعِهِ) ، لِمَا سَبَقَ. (وَإِنْ نَتَفَ) مُحْرِمٌ أَوْ مَنْ بِالْحَرَمِ (رِيشَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدِ، (أَوْ شَعْرَهُ أَوْ وَبَرَهُ فَعَادَ، فَلَا شَيْءَ) عَلَيْهِ (فِيهِ) ، لِزَوَالِ نَقْصِهِ، (وَإِنْ صَارَ) الصَّيْدُ بِمَا ذُكِرَ (غَيْرَ مُمْتَنِعٍ؛ فَكَجُرْحٍ مُوحٍ) صَارَ بِهِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، فَعَلَيْهِ جَزَاءُ جَمِيعِهِ، (وَإِنْ) نَتَفَهُ (فَغَابَ، فَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ) ، فَعَلَيْهِ (مَا نَقَصَهُ) بِجِنَايَتِهِ. (وَمَا أَتْلَفَتْهُ دَابَّتُهُ) مِنْ صَيْدٍ؛ (فَمَضْمُونٌ بِشَرْطِهِ) ، وَهُوَ: كَوْنُهُ رَاكِبَهَا أَوْ قَائِدَهَا أَوْ سَائِقَهَا لِلتَّصَرُّفِ فِيهَا، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ آدَمِيًّا، (عَلَى مَا فَصَّلَ فِي بَابِ الْغَصْبِ) وَمَا جَنَتْ بِرِجْلِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ كَذَنَبِهَا، بِخِلَافِ وَطْئِهَا بِهَا. (وَعَلَى جَمَاعَةٍ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِ صَيْدٍ) وَاحِدٍ (مَعًا) جَزَاءٌ وَاحِدٌ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. (أَوْ جَرَحَاهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ مُحْرِمَانِ، أَوْ حَلَالٌ وَمُحْرِمٌ (مُرَتَّبًا) ، بِأَنْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ (وَمَاتَ مِنْهُمَا) ، أَيْ: مِنْ الْجُرْحَيْنِ بِالسِّرَايَةِ (جَزَاءٌ وَاحِدٌ) عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْجُرْحِ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ جِهَةُ التَّحْرِيمِ فِي أَحَدِهِمَا، وَاتَّحَدَتْ فِي الْآخَرِ، (وَلَوْ كَفَّرُوا) ، أَيْ: الْجَمَاعَةُ الْمُشْتَرِكُونَ فِي قَتْلِ صَيْدٍ، (بِصَوْمٍ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْمِثْلَ أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الصِّيَامِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 أَوْ الطَّعَامَ بِقَتْلِهِ، فَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ جَزَاءٌ عَنْ مَقْتُولٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ، وَيَحْتَمِلُ التَّبْعِيضَ، فَكَانَ وَاحِدًا كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَالدِّيَةُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، (أَوْ) أَيْ: وَلَوْ (كَانَ بَعْضُهُمْ مُمْسِكًا) لِصَيْدٍ، وَالْآخَرُ قَاتِلًا، (أَوْ) كَانَ بَعْضُهُمْ (مُتَسَبِّبًا) كَالْمُشِيرِ وَالدَّالِّ وَالْمُعِينِ، وَالْآخَرُ أَيْ: الصَّيْدُ، (أَحَدُهُمَا، وَقَتَلَهُ الْآخَرُ؛ فَعَلَى جَارِحٍ مَا نَقَصَ) ، أَيْ: أَرْشُ نَقْصِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُشَارِكْ فِي الْقَتْلِ، (وَ) عَلَى (قَاتِلٍ جَزَاؤُهُ مَجْرُوحًا) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ كَذَلِكَ، وَإِذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا، فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، لِعُمُومِ الْآيَةِ. [بَابُ صَيْدِ الْحَرَمَيْنِ وَنَبَاتِهِمَا] (بَابُ صَيْدِ الْحَرَمَيْنِ وَنَبَاتِهِمَا) أَيْ: حَرَمُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَحُكْمُ ذَلِكَ. (حُكْمُ صَيْدِ حَرَمِ مَكَّةَ حُكْمُ صَيْدِ الْإِحْرَامِ) فَيَحْرُمُ حَتَّى عَلَى مُحِلٍّ إجْمَاعًا، لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. . . الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيُضْمَنُ بَرِّيُّهُ بِالْجَزَاءِ نَصًّا لِمَا سَبَقَ عَنْ الصَّحَابَةِ. وَيَدْخُلُهُ الصَّوْمُ كَصَيْدِ الْإِحْرَامِ، وَصَغِيرٌ وَكَافِرٌ كَغَيْرِهِمَا (حَتَّى فِي تَمَلُّكِهِ) ، فَلَا يَمْلِكُهُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إرْثٍ، (إلَّا أَنَّهُ) ، أَيْ: الْمُحْرِمُ (يَحْرُمُ صَيْدُ بَحْرِيِّهِ، وَلَا جَزَاءَ فِيهِ) ، أَيْ: صَيْدِ بَحْرٍ بِالْحَرَمِ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (فَإِنْ قَتَلَ مُحِلٌّ مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ، كُلَّهُ أَوْ جُزْأَهُ) ، ضَمِنَهُ، لِعُمُومِ: «وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» وَتَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ؛ لَا يَضْمَنُهُ مُحِلٌّ قَتَلَهُ، إنْ كَانَ بِالْحَرَمِ، (غَيْرَ قَوَائِمِهِ) ، أَيْ: الصَّيْدِ، (قَائِمًا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 كَذَنَبِهِ وَرَأْسِهِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا بِالْحِلِّ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ، لَمْ يَكُنْ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، كَشَجَرَةٍ أَصْلُهَا بِالْحِلِّ وَأَغْصَانُهَا بِالْحَرَمِ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُهُ أَوْ ذَنَبُهُ بِالْحَرَمِ، وَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ، فَقَتَلَهُ (بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ) أَوْ غَيْرِهِمَا، ضَمِنَهُ، تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ. (أَوْ قَتَلَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ (عَلَى غُصْنٍ بِالْحَرَمِ، وَلَوْ أَنْ أَصْلِهِ بِالْحِلِّ) ، ضَمِنَهُ، لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ، (أَوْ أَمْسَكَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ، (بِالْحِلِّ، فَهَلَكَ فَرْخُهُ) بِالْحَرَمِ، (أَوْ) هَلَكَ (وَلَدُهُ بِالْحَرَمِ، أَوْ أَمْسَكَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ (بِالْحِلِّ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ) مِنْ الْحَرَمِ (أَوْ لَا، وَهَلَكَ، ضَمِنَ) ذَلِكَ الصَّيْدَ (فِي الْكُلِّ) ، لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبِهِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمُتْلِفُ (كَافِرًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ عَبْدًا) ، لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ كَالْمَالِ وَأَوْلَى. (وَيَتَّجِهُ: ضَمَانُ مَنْ غَصَبَ حَيَوَانًا فَهَلَكَ وَلَدُهُ) ، سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهُ أَوْ لَا، فَيَضْمَنُهُ، لِتَعَدِّيهِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْكَافِي " نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي: ضَمَانُ الصَّيْدِ آكَدُ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِ. . . إلَى أَنْ قَالَ: وَلَوْ أَمْسَكَهُ فَتَلِفَ فَرْخُهُ؛ ضَمِنَهُ، وَلَوْ غَصَبَهُ فَمَاتَ فَرْخُهُ؛ فَلَا ضَمَانَ لِفَرْخِهِ، وَذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " أَيْضًا. (وَإِنْ قَتَلَهُ) - أَيْ: الصَّيْدَ، (فِي الْحِلِّ مُحِلٌّ بِالْحَرَمِ، وَلَوْ) كَانَ الصَّيْدُ (عَلَى غُصْنٍ) فِي هَوَاءِ الْحِلِّ، (أَصْلُهُ) ، أَيْ: الْغُصْنِ، (بِالْحَرَمِ - بِسَهْمٍ، أَوْ كَلْبٍ) أَوْ غَيْرِهِمَا، لَمْ يَضْمَنْ، (أَوْ أَمْسَكَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ حَلَالٌ (بِالْحَرَمِ، فَهَلَكَ فَرْخُهُ) بِالْحِلِّ، (أَوْ) هَلَكَ (وَلَدُهُ بِالْحِلِّ) ؛ لَمْ يَضْمَنْ، لِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ، (أَوْ أَرْسَلَ) حَلَالٌ (كَلْبَهُ مِنْ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ بِهِ) ، أَيْ: الْحِلِّ، (فَقَتَلَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ الَّذِي كَانَ بِالْحِلِّ فِي الْحَرَمِ، (أَوْ) قَتَلَ (غَيْرَهُ) ، أَيْ: الَّذِي أُرْسِلَ عَلَيْهِ الْكَلْبُ (فِي الْحَرَمِ) ؛ لَمْ يَضْمَنْ، (أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَهْمِهِ، بِأَنْ) رَمَى مُحِلٌّ بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 صَيْدًا بِالْحِلِّ فَ (شَطَحَ) السَّهْمُ (فَقَتَلَ) صَيْدًا (فِي الْحَرَمِ) ؛ لَمْ يَضْمَنْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْمِ وَلَمْ يُرْسِلْ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ بِالْحَرَمِ، وَإِنَّمَا دَخَلَ الْكَلْبُ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ، وَكَذَا سَهْمُهُ إذَا شَطَحَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، (أَوْ دَخَلَ سَهْمُهُ) ، أَيْ: الرَّامِي، لِصَيْدٍ فِي الْحِلِّ. (أَوْ) دَخَلَ (كَلْبُهُ الْحَرَمَ، ثُمَّ خَرَجَ) مِنْهُ، (فَقَتَلَ) صَيْدًا (أَوْ جَرَحَهُ) مُحِلٌّ (بِالْحِلِّ) ، ثُمَّ دَخَلَ الصَّيْدُ الْحَرَمَ، (فَمَاتَ فِي الْحَرَمِ، لَمْ يَضْمَنْ) ، لِأَنَّ الْقَتْلَ وَالْجُرْحَ بِالْحِلِّ (كَمَا لَوْ جَرَحَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ، (ثُمَّ أَحْرَمَ، ثُمَّ مَاتَ) الصَّيْدُ فِي إحْرَامِهِ؛ فَلَا يَضْمَنُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ، (وَلَا يَحِلُّ مَا) ، أَيْ: صَيْدٌ، (وُجِدَ لِسَبَبِ مَوْتِهِ بِالْحَرَمِ) ، تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ، كَمَا لَوْ وُجِدَ سَبَبُهُ فِي الْإِحْرَامِ، فَهُوَ مَيْتَةٌ. [فَصْلٌ فِي قلع شَجَرَة مِنْ حرم مَكَّة] (فَصْلٌ) (وَيَحْرُمُ قَلْعُ شَجَرِهِ) ، أَيْ: حَرَمِ مَكَّةَ الَّذِي لَمْ يَزْرَعْهُ آدَمِيٌّ إجْمَاعًا، لِقَوْلِهِ، «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا» (وَ) يَحْرُمُ قَلْعُ (حَشِيشِهِ) ، أَيْ: الْحَرَمِ، لِحَدِيثِ: «وَلَا يُحَشُّ حَشِيشُهَا» (حَتَّى الشَّوْكُ وَلَوْ ضَرَّ) ، لِعُمُومِ " لَا تُخْلَى شَوْكُهَا " (وَ) حَتَّى (الْمِسْوَاكُ وَنَحْوُهُ وَالْوَرَقُ) لِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّى الشَّجَرِ (إلَّا الْيَابِسَ) مِنْ شَجَرٍ وَحَشِيشٍ، لِأَنَّهُ كَمَيِّتٍ، (وَ) إلَّا (الْإِذْخِرَ) ، لِقَوْلِ «الْعَبَّاسِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إلَّا الْإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، قَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ» ، وَهُوَ: نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، وَالْقَيْنُ: الْحَدَّادُ. (وَ) إلَّا (الْكَمْأَةَ وَالْفَقْعَ) ، وَهِيَ: الْبَيْضَاءُ مِنْ الْكَمْأَةِ، وَهُمَا مَعْرُوفَانِ، لِأَنَّهُمَا لَا أَصْلَ لَهُمَا، (وَ) إلَّا (الثَّمَرَةَ) ، لِأَنَّهَا سَتُخْلَقُ، (وَ) إلَّا (مَا زَرَعَهُ آدَمِيٌّ مِنْ نَحْوِ بَقْلٍ وَرَيَاحِينَ وَزَرْعٍ) ، إجْمَاعًا نَصًّا (حَتَّى مِنْ الشَّجَرِ) ، لِأَنَّهُ أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 كَزَرْعٍ وَعَوْسَجٍ، (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: مَا زَرَعْته أَنْتَ؛ فَلَا بَأْسَ) ، أَيْ: فَيُبَاحُ أَخْذُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ، لِأَنَّهُ مَمْلُوكُ الْأَصْلِ كَالْأَنْعَامِ، (وَمَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ؛ فَلَا) يُبَاحُ أَخْذُهُ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ. (وَيُبَاحُ رَعْيُ حَشِيشِهِ) ، أَيْ: الْحَرَمِ، لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تَدْخُلُ الْحَرَمَ، فَتَكْثُرُ فِيهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ سَدُّ أَفْوَاهِهَا، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، أَشْبَهَ قَطْعَ الْإِذْخِرِ، بِخِلَافِ الِاحْتِشَاشِ لَهَا. (وَ) يُبَاحُ (انْتِفَاعٌ بِمَا زَالَ) مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ، (أَوْ انْكَسَرَ) مِنْهُ (بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ) نَصًّا، (وَلَوْ لَمْ يَبْنِ) ، أَيْ: يَنْفَصِلُ لِتَلَفِهِ، فَصَارَ كَالظُّفْرِ الْمُنْكَسِرِ، (وَ) إنْ انْكَسَرَ (بِفِعْلِهِ) ، أَيْ: الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ (يَحْرُمُ انْتِفَاعٌ بِهِ مُطْلَقًا) ، أَيْ: لَا يَنْتَفِعُ بِهِ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إتْلَافِهِ، لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ. (وَتُضْمَنُ شَجَرَةٌ) قُلِعَتْ أَوْ كُسِرَتْ (صَغِيرَةٌ عُرْفًا بِشَاةٍ، وَ) يُضْمَنُ (مَا فَوْقَهَا) ، أَيْ: الصَّغِيرَةُ مِنْ الشَّجَرِ، وَهِيَ: الْمُتَوَسِّطَةُ وَالْكَبِيرَةُ، (بِبَقَرَةٍ) ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «فِي الدَّوْحَةِ بَقَرَةٌ، وَفِي الْجَزْلَةِ شَاةٌ» وَقَالَهُ عَطَاءٌ. وَالدَّوْحَةُ: الشَّجَرَةُ الْعَظِيمَةُ، وَالْجَزْلَةُ: الصَّغِيرَةُ، (وَيُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ) ، أَيْ: الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرِ، فَيَذْبَحُهَا وَيُفَرِّقُهَا أَوْ يُطْلِقُهَا لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، (وَبَيْنَ تَقْوِيمِ) مَا ذُكِرَ مِنْ (الْجَزَاءِ) بِدَرَاهِمَ، (وَيَفْعَلُ بِقِيمَتِهِ كَجَزَاءِ صَيْدٍ) ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ، فَيُطْعِمُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّ بُرٍّ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ يَصُومُ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا، (وَ) يُضْمَنُ (حَشِيشٌ وَوَرَقٌ بِقِيمَتِهِ) نَصًّا، لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ، وَيَفْعَلُ بِقِيمَتِهِ كَمَا سَبَقَ، (وَ) يُضْمَنُ (غُصْنٌ بِمَا نَقَصَ) كَأَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ، وَكَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مَالِ آدَمِيٍّ، فَنَقَصَ، وَيَفْعَلُ بِأَرْشِهِ كَمَا مَرَّ، (فَإِنْ اُسْتُخْلِفَ شَيْءٌ مِنْهَا) ، أَيْ: الْحَشِيشُ وَالْوَرَقُ وَالشَّجَرُ وَنَحْوُهُ؛ (سَقَطَ ضَمَانُهُ) كَرِيشِ صَيْدٍ نَتَفَهُ وَعَادَ، (كَرَدِّ شَجَرَةٍ، فَثَبَتَتْ وَيُضْمَنُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 نَقْصُهَا) ، أَيْ: الْمَرْدُودَةِ (إنْ كَانَ) لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ. (وَ) لَوْ قَلَعَ شَجَرَةً، ثُمَّ (غَرَسَهَا فِي الْحِلِّ، وَتَعَذَّرَ رَدُّهَا، أَوْ يَبِسَتْ؛ ضَمِنَهَا) لِإِتْلَافِهَا، (فَلَوْ قَلَعَهَا) ، أَيْ: الْمَنْقُولَةَ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ (غَيْرُهُ مِنْ الْحِلِّ) بَعْدَ أَنْ غَرَسَهَا قَالِعُهَا مِنْ الْحَرَمِ؛ (ضَمِنَهَا) ذَلِكَ (الْغَيْرُ) ، وَهُوَ قَالِعُهَا مِنْ الْحِلِّ، وَفِي نُسْخَةٍ: وَحْدَهُ، بَدَلُ الْغَيْرِ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا. (وَيَتَّجِهُ) : مَحَلُّ ضَمَانِ قَالِعِهَا مِنْ الْحِلِّ (مَعَ إمْكَانِ رَدِّهَا) مِنْ الْحَرَمِ (لَا بِدُونِهِ) ، أَيْ: لَا بِدُونِ إمْكَانِ الرَّدِّ، (وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّهُ) يُبَاحُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ (يَنْتَفِعَ بِهَا إذَنْ) ، لِتَعَذُّرِ رَدِّهَا، كَذَا قَالَ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِيهِ مَا فِيهِ، إذْ حُرْمَةُ الشَّجَرَةِ بَاقِيَةٌ لَا تَزُولُ بِنَقْلِهَا لِغَيْرِ مَحَلِّهَا، وَغَرَسَهَا فِيهِ، فَمَنْ قَلَعَهَا؛ لَزِمَهُ جَزَاؤُهَا، وَاَلَّذِي غَرَسَهَا خَارِجَ الْحَرَمِ، قَدْ عَرَّضَهَا لِلتَّلَفِ؛ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، لَكِنْ لَمَّا اجْتَمَعَ السَّبَبُ وَالْمُبَاشَرَةُ، قُدِّمَتْ الْمُبَاشَرَةُ لِقُوَّتِهَا، فَإِنْ كَانَ مَنْ قَلَعَهَا مِنْ الْحَرَمِ، وَغَرَسَهَا خَارِجَهُ، قَدْ أَخْرَجَ جَزَاءَهَا، فَقَلَعَهَا غَيْرُهُ مِنْ الْحِلِّ؛ لَزِمَ الثَّانِيَ جَزَاءٌ آخَرُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّجَرِ وَالطَّيْرِ: أَنَّ الشَّجَرَ لَهُ نَبَاتٌ فِي مَوْضِعِهِ، لَا يُنْقَلُ بِنَفْسِهِ، فَحُرْمَتُهُ لَا تَزُولُ عَنْهُ، وَالصَّيْدُ حُرْمَتُهُ بَاقِيَةٌ مَا دَامَ فِي الْحَرَمِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ زَالَتْ حُرْمَتُهُ، لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا فِي الْحَرَكَةِ، بِخِلَافِ الشَّجَرِ، أَفَادَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَغَيْرُهُ. (وَيَضْمَنُ مُنَفِّرٌ صَيْدًا) مِنْ الْحَرَمِ (قُتِلَ بِالْحِلِّ) ، لِتَفْوِيتِهِ حُرْمَتَهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى قَاتِلِهِ بِالْحِلِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 (وَيَتَّجِهُ) : إنَّمَا يَضْمَنُ مَنْ نَفَّرَ صَيْدًا (مَعَ قَصْدِ تَنْفِيرِهِ) ، أَمَّا إذَا نَفَّرَ الصَّيْدَ فَزَعًا مِنْ شَخْصٍ مَرَّ قَرِيبًا مِنْهُ، أَوْ أَرَادَ ضَرْبَ دَابَّتِهِ وَنَحْوِهَا، فَنَفَّرَ فَتَلِفَ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَنْفِيرَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا مُخْرِجُهُ) ، أَيْ: صَيْدِ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ، فَيُقْتَلُ بِهِ، فَيَضْمَنُهُ (إنْ لَمْ يَرُدَّهُ) إلَى الْحَرَمِ، فَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ؛ فَلَا ضَمَانَ، (فَلَوْ فَدَاهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ الَّذِي نَفَّرَهُ أَوْ أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ، (ثُمَّ وَلَدَ) الصَّيْدُ وَقُتِلَ وَلَدُهُ؛ (لَمْ يَضْمَنْ) مُنَفِّرٌ أَوْ مُخْرِجٌ (وَلَدَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ، وَيُضْمَنُ غُصْنٌ فِي هَوَاءِ الْحِلِّ أَصْلُهُ) ، أَيْ: الْغُصْنُ بِالْحَرَمِ، (أَوْ بَعْضُ أَصْلِهِ بِالْحَرَمِ) ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ، وَ (لَا) يَضْمَنُ (مَا) قَطَعَهُ مِنْ غُصْنٍ (بِهَوَاءِ الْحَرَمِ، وَأَصْلُهُ بِالْحِلِّ) لِمَا سَبَقَ. (وَكُرِهَ إخْرَاجُ تُرَابٍ وَ) إخْرَاجُ (حِجَارَتِهِ إلَى الْحِلِّ) نَصًّا، قَالَ: لَا يُخْرَجُ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ، وَلَا يُدْخَلُ مِنْ الْحِلِّ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: " وَلَا يُخْرَجُ مِنْ حِجَارَةِ مَكَّةَ إلَى الْحِلِّ " وَالْخُرُوجُ أَشَدُّ كَرَاهَةً. وَ (لَا) يُكْرَهُ إخْرَاجُ (مَاءِ زَمْزَمَ) ، لِأَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ، فَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 كَالثَّمَرَاتِ، قَالَ أَحْمَدُ: أَخْرَجَهُ كَعْبٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا " كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحْمِلُهُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. (وَلَا) يُكْرَهُ (وَضْعُ الْحَصَى بِالْمَسَاجِدِ) كَمَا فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَمَنَهُ وَبَعْدَهُ. (وَيَحْرُمُ إخْرَاجُ تُرَابِهَا) ، أَيْ: الْمَسَاجِدِ، (وَ) إخْرَاجُ (طِيبِهَا) فِي الْحِلِّ والْحَرَمِ لِتَبَرُّكٍ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْمَوْقُوفِ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ. (وَيُتَصَدَّقُ بِثِيَابِ الْكَعْبَةِ إذَا نُزِعَتْ) عَنْهَا (نَصًّا) ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إبْقَائِهَا، (وَيَجُوزُ بَيْعُهَا) ، أَيْ: الثِّيَابِ، وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا (وَمُتَشَفٍّ بِطِيبِهَا) ، أَيْ: الْكَعْبَةِ، (يُلْصَقُ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى مَحَلِّ الطِّيبِ مِنْ الْحَائِطِ (طِيبًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ، وَلَا) يَجُوزُ لَهُ (أَنْ يَأْخُذَ مِنْ طِيبِهَا) شَيْئًا. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَشَفَّى بِطِيبِ الْكَعْبَةِ؛ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَيَلْزَقُ عَلَيْهَا طِيبًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ. [فَصْلٌ حَدّ حرم مَكَّة] (فَصْلٌ) (وَحَدُّ حَرَمِ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ بُيُوتِ السُّقْيَا) ، وَيُقَالُ: بُيُوتُ نِفَارٍ، بِنُونٍ مَكْسُورَةٍ، ثُمَّ فَاءٌ: دُونَ التَّنْعِيمِ. (وَحَدُّهُ مِنْ الْيَمَنِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ أَضَاةِ) بِالْمُعْجَمَةِ: عَلَى وَزْنِ قَنَاةٍ، (لِبْنٍ) : بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، (وَ) حَدُّهُ (مِنْ الْعِرَاقِ كَذَلِكَ) ، أَيْ: سَبْعَةُ أَمْيَالٍ، (عَلَى الثَّنِيَّةِ رِجْلٌ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ: (جَبَلٌ بِالْمُنْقَطِعِ وَحَدُّهُ مِنْ الطَّائِفِ وَبَطْنِ نَمِرَةَ كَذَلِكَ) أَيْ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ (عِنْدَ طَرَفِ عَرَفَةَ وَ) حَدُّهُ (مِنْ) طَرِيقِ (الْجِعْرَانَةِ: تِسْعَةُ) أَمْيَالٍ (فِي شِعْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ وَ) حَدُّهُ (مِنْ) طَرِيقِ (جُدَّةَ: عَشْرَةُ) أَمْيَالٍ (عِنْدَ مُنْقَطِعِ الْأَعْشَاشِ) بِشِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ: جَمْعُ عُشٍّ، بِضَمِّ الْعَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 الْمُهْمَلَةِ. (وَ) حَدُّهُ (مِنْ بَطْنِ عَرَفَةَ أَحَدَ عَشَرَ) مِيلًا، وَعَلَى تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ أَنْصَابُ الْحَرَمِ لَمْ تَزَلْ مَعْلُومَةً. [فَائِدَةٌ ابْتِدَاءُ الْأَمْيَالِ فِي الْحَجّ] فَائِدَةٌ: ابْتِدَاءَ الْأَمْيَالِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ أَضَاءَ نُورُهُ شَرْقًا وَغَرْبًا، فَانْتِهَاءُ الْحَرَمِ حَيْثُ انْتَهَى النُّورُ. (وَحُكْمُ وَجٍّ) ، وَهُوَ: (وَادٍ بِالطَّائِفِ، كَغَيْرِهِ مِنْ الْحِلِّ) ، فَيُبَاحُ صَيْدُهُ وَشَجَرُهُ وَحَشِيشُهُ بِلَا ضَمَانٍ، وَالْخَبَرُ فِيهِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْأَزْدِيُّ: لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ. (وَتُسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ لِمَنْ يَخَافُ الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةِ) ، قَالَ أَحْمَدُ: الْمَقَامُ بِالْمَدِينَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمَقَامِ بِمَكَّةَ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُهَاجَرُ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا، إلَّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (وَمَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْهَا) ، أَيْ: الْمَدِينَةَ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ ابْنِ الْحَمْرَاءِ «أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ، وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ فِي سُوقٍ: وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجَتْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِمُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ أَكْثَرُ، وَأَمَّا حَدِيثُ: «الْمَدِينَةِ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ» ؛ فَلَمْ يَصِحَّ، وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ؛ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا قَبْلَ الْفَتْحِ. وَحَدِيثُ: «اللَّهُمَّ إنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِقَاعِ إلَيَّ فَامْسِكْنِي فِي أَحَبِّ الْبِقَاعِ إلَيْك.» . رُدَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ؛ فَمَعْنَاهُ: أَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَيْك بَعْدَ مَكَّةَ. (فَالصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ) فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْبِقَاعِ، صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ. (وَ) الصَّلَاةُ (بِمَسْجِدِهِ) ، أَيْ: مَسْجِدِ النَّبِيِّ، (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِأَلْفِ) صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْبِقَاعِ الَّتِي دُونَهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وَدُونَ الْأَقْصَى فِي الْفَضِيلَةِ (وَ) الصَّلَاةُ (فِي) الْمَسْجِدِ (الْأَقْصَى: بِخَمْسِمِائَةِ) صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِمَّا دُونَهُ، لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ بِذَلِكَ. (وَبَقِيَّةُ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ) الْمَكِّيِّ (كَصَلَاةٍ فِيهِ، فَكُلُّ عَمَلِ بِرٍّ) مِنْ صَدَقَةٍ وَذِكْرٍ وَكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرُبَاتِ الَّتِي تَقَعُ (فِيهِ) ، أَيْ: الْحَرَمِ: (بِمِائَةِ أَلْفٍ) فِي غَيْرِهِ. (وَفِي رِوَايَةِ الْإِمَام أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ: «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِأَلْفٍ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، تَكُونُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْمَكِّيِّ: بِمِائَةِ أَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ بِمَا سِوَاهُ، عَدَا الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَالْأَقْصَى، وَفَضْلُ اللَّهِ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ. (وَفِي " الْفُرُوعِ ": وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ، مِنْ إطْلَاقِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ (غَيْرُ صَلَاةِ النِّسَاءِ فِي الْبُيُوتِ) ، إذْ صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ، لِحَدِيثِ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا «جَاءَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَك، قَالَ: قَدْ عَلِمْت أَنَّك تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُك فِي بَيْتِك خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِك فِي حُجْرَتِك، وَصَلَاتُك فِي حُجْرَتِك خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِك فِي دَارِك، وَصَلَاتُك فِي مَسْجِدِ قَوْمِك خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِك فِي مَسْجِدِي» . قَالَ: فَأَمَرْت، فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنَّ النَّفَلَ بِالْبَيْتِ أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلِهِ فِي مَسْجِدٍ، حَرَامًا كَانَ أَوْ لَا، لِحَدِيثِ: «عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) أَيْضًا: (أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ نَفْسُ الْمَسْجِدِ) ، وَمَعَ مَا يَزِيدُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَقِيلَ: الْحَرَمُ كُلُّهُ مَسْجِدٌ) ، فَتَحْصُلُ فِيهِ الْمُضَاعَفَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. (وَمَعَ هَذَا) ، أَيْ: كَوْنِ الْحَرَمِ كُلِّهِ مَسْجِدًا؛ (فَالْحَرَمُ أَفْضَلُ مِنْ الْحِلِّ) ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَسْتَرِيبُ بِهِ عَاقِلٌ [فَرْعٌ مَوْضِعُ قَبْرِهِ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ] (فَرْعٌ: مَوْضِعُ قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) (أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ) ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُلِقَ مِنْ تُرْبَتِهِ، وَهُوَ خَيْرُ الْبَشَرِ، فَتُرْبَتُهُ خَيْرُ التُّرَبِ، وَأَمَّا نَفْسُ تُرَابِ التُّرْبَةِ؛ فَلَيْسَ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْكَعْبَةِ، بَلْ الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْجَسَدِ الشَّرِيفِ. (وَقَالَ) أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيُّ (بْنُ عَقِيلٍ فِي) كِتَابِهِ (" الْفُنُونِ ") الَّذِي لَمْ يُؤَلَّفْ مِثْلُهُ فِي الدُّنْيَا، وَلَا مِقْدَارُهُ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مُجَلَّدٌ لَكِنْ لَمَّا اسْتَوْلَى التَّتَارُ عَلَى بَغْدَادَ طَرَحُوا مُعْظَمَ كُتُبِهَا فِي الدِّجْلَةِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا الْكِتَابُ: (الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ الْحُجْرَةِ، فَأَمَّا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا؛ فَلَا وَاَللَّهِ وَلَا الْعَرْشُ وَحَمَلَتُهُ) وَالْجَنَّةُ، (لِأَنَّ بِالْحُجْرَةِ جَسَدًا لَوْ وُزِنَ بِهِ) سَائِرُ الْمَخْلُوقَاتِ (لَرَجَحَ) . (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْ هَذَا) ، أَيْ: مِنْ أَنَّ الْحُجْرَةَ الشَّرِيفَةَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْجَسَدِ الشَّرِيفِ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْبِقَاعِ: (أَنَّ الْأَرْضَ أَفْضَلُ مِنْ السَّمَاءِ، لِأَنَّ شَرَفَ الْمَحَلِّ بِشَرَفِ الْحَالِّ فِيهِ) ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 الذَّرِيعَةِ ": اتَّفَقَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ أَفْضَلُ مِنْ السَّمَاءِ بِمَوَاطِئِ أَقْدَامِهِ الشَّرِيفَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، خُلِقُوا مِنْهَا، وَلِأَنَّ السَّمَاوَاتِ تُطْوَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ، وَأَمَّا الْأَرْضُ؛ فَإِنَّهَا تَصِيرُ خُبْزَةً يَأْكُلُهَا أَهْلُ الْمَحْشَرِ مَعَ زِيَادَةِ كَبِدِ الْحُوتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَتُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ بِمَكَانٍ) فَاضِلٍ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي الْمَسَاجِدِ، (وَبِزَمَانٍ فَاضِلٍ) كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَرَمَضَانَ. أَمَّا مُضَاعَفَةُ الْحَسَنَةِ؛ فَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَمَّا مُضَاعَفَةُ السَّيِّئَةِ؛ فَقَالَ بِهَا جَمَاعَةٌ تَبَعًا لِابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، ذَكَرَهُ: الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَوَقَعَ خُلْفٌ) بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (فِي كَوْنِ السَّيِّئَةِ تُضَاعَفُ) كَمَا تُضَاعَفُ (الْحَسَنَةُ) ، فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَقَدْ سُئِلَ: هَلْ تُكْتَبُ السَّيِّئَةُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ: لَا إلَّا بِمَكَّةَ، لِتَعْظِيمِ الْبَلَدِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بِعَدَنَ، وَهَمَّ أَنْ يَقْتُلَ عِنْدَ الْبَيْتِ؛ أَذَاقَهُ اللَّهُ مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ إنَّ السَّيِّئَةَ تُضَاعَفُ بِمَكَّةَ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ السَّيِّئَةَ تَبْلُغُ فِي التَّضْعِيفِ مَبْلَغَ الْحَسَنَةِ، وَهُوَ: مِائَةُ أَلْفٍ، وَيَدُلُّ. لِذَلِكَ: مَا رَوَاهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ "، أَنَّ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ الْحَسَنَةَ تُضَاعَفُ فِيهَا إلَى مِائَةِ أَلْفٍ، وَأَنَّ السَّيِّئَةَ كَذَلِكَ» (وَالْأَظْهَرُ) : أَنَّ السَّيِّئَةَ (لَا) تُضَاعَفُ كَالْحَسَنَةِ، (بَلْ) تُضَاعَفُ (فِي الْجُمْلَةِ) إذْ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ فِي مُطْلَقِ الْمُضَاعَفَةِ، وَأَيْضًا: فَقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ فِي بَابِ الْمُضَاعَفَةِ الْمُحَقَّقَةِ مُقْتَضِيَةٌ أَنَّ السَّيِّئَةَ عُشْرُ الْحَسَنَةِ، فَإِذَا كَانَتْ الْحَسَنَةُ بِمِائَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 أَلْفٍ؛ كَانَتْ السَّيِّئَةُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ كَذَلِكَ عَائِدًا إلَى التَّضْعِيفِ فَقَطْ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَأَحْمَدَ تَبَعًا لِابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي تَضْعِيفِ السَّيِّئَاتِ: إنَّمَا أَرَادُوا مُضَاعَفَتَهَا فِي الْكَيْفِيَّةِ دُونَ الْكَمِّيَّةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَقَدْ أَوْضَحْته) ، أَيْ: هَذَا الْمَقَامَ (فِي) كِتَابِي " (تَشْوِيقِ الْأَنَامِ) فِي الْحَجِّ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ "، وَعِبَارَتُهُ: تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ وَفَّقَك اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِمُضَاعَفَةِ الْحَسَنَاتِ هُنَا، بَلْ وَالسَّيِّئَاتُ كَذَلِكَ، فَقَدْ عُلِمَ مِنْ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ، وَالْمِلَّةِ الزَّهْرَاءِ، تَضَاعُفُ الذَّنْبِ فِي شَرَائِفِ الزَّمَانِ وَالْأَحْوَالِ، فَكَذَا فِي شَرَائِفِ الْأَمْكِنَةِ، أَلَا تَرَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الرَّفَثِ فِي رَمَضَانَ، وَفِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ مِنْ تَغْلِيظِ دِيَةِ الْخَطَأِ فِي الْحَرَمِ، وَقَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى لِنِسَاءِ نَبِيِّهِ: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] ، فَانْظُرْ كَيْف صَارَتْ مَعْصِيَتُهُنَّ - إنْ وَقَعَتْ - ضِعْفَيْنِ، لِشَرَفِهِنَّ، وَقَالَ تَعَالَى فِي أَجْرِهِنَّ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 31] فَأَيُّ مَكَان أَوْ زَمَانٍ فِيهِ الشَّرَفُ أَكْثَرُ؛ فَالْمَعْصِيَةُ فِيهِ أَفْظَعُ وَأَشْنَعُ، لِأَنَّ الشَّامَةَ السَّوْدَاءَ فِي الْبَيَاضِ أَظْهَرُ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ: حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ. [فَصْلٌ صَيْدُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ] (فَصْلٌ) (وَيَحْرُمُ صَيْدُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ) ، وَتُسَمَّى: طَابَةٌ وَطِيبَةٌ، لِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا «إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُسَمَّى يَثْرِبَ) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيَّرَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّثْرِيبِ، وَهُوَ: التَّعْيِيرُ وَالِاسْتِقْصَاءُ فِي اللَّوْمِ، وَمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حِكَايَةٌ لِمَقَالَةِ الْمُنَافِقِينَ، وَيَثْرِبُ فِي الْأَصْلِ: اسْمٌ لِرَجُلٍ مِنْ الْعَمَالِقَةِ بَنَى الْمَدِينَةِ فَسُمِّيَتْ بِهِ، وَقِيلَ يَثْرِبُ: اسْمُ أَرْضِهَا. (وَ) إذَا صِيدَ مِنْ حَرَمِ الْمَدِينَةِ صَيْدٌ وَذُكِّيَ فَ (تَصِحُّ تَذْكِيَتُهُ) ، لِعَدَمِ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ فِي زَوَالِ مِلْكِ الصَّيْدِ نَصًّا. (وَ) يَحْرُمُ (قَطْعُ شَجَرِهِ وَحَشِيشِهِ) الرَّطْبِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إلَى كَذَا، لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْخَلَى مَقْصُورٌ: الْعُشْبُ الرَّطْبُ مِنْهُ. (إلَّا لِحَاجَةٍ نَحْوِ مَسَانِدَ) جَمْعُ: مَسْنَدٍ، وَهُوَ: عُودُ الْبَكَرَةِ الَّذِي يَكُونُ مَجْرُورَةُ الْبَكَرَةِ عَلَيْهَا، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ ": وَالْمَسَانِدُ مِنْ الْقَائِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تُنْصَبُ الْبَكَرَةُ عَلَيْهَا. (وَآلَةِ حَرْثٍ، وَ) عَوَارِضَ قَتَبٍ، وَ (رَحْلٍ) ، وَعَارِضَةٍ لِسَقْفِ مَحْمَلٍ، وَآلَةِ دِيَاسٍ وَجُذَاذٍ وَحَصَادٍ، فَيَجُوزُ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْ الشَّجَرِ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَرَّمَ الْمَدِينَةَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أَصْحَابُ عَمَلٍ، وَأَصْحَابُ نَضْحٍ، وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَرْضًا غَيْرَ أَرْضِنَا، فَرَخِّصْ لَنَا، فَقَالَ: الْقَائِمَتَانِ، وَالْوِسَادَتَانِ، وَالْعَارِضَةُ، وَالْمَسْنَدُ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَا يُعْضَدُ وَلَا يُخْبَطُ مِنْهَا شَيْءٌ» (وَإِلَّا لِعَلَفٍ) مِنْ حَشِيشٍ، لِحَدِيثِ «وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرَةٌ إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَمَنْ أَدْخَلَهَا) ، أَيْ: الْمَدِينَةَ (صَيْدًا، فَلَهُ إمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ أَنَسٍ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أَحْسَبُهُ فَطِيمًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 وَكَانَ إذَا جَاءَ قَالَ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ: طَائِرٌ صَغِيرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَا جَزَاءَ فِيمَا حَرُمَ مِنْ نَحْوِ صَيْدٍ وَشَجَرٍ) وَحَشِيشٍ، قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ حَكَمُوا فِيهِ بِجَزَاءٍ، لِجَوَازِ دُخُولِهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَلِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا لِأَدَاءِ النُّسُكِ وَذَبْحِ الْهَدَايَا، فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْبُلْدَانِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الضَّمَانُ، وَلَا مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُهُ. (وَحَرَمُهَا: بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ) نَصًّا، وَهُوَ: (مَا بَيْنَ ثَوْرٍ: جَبَلٌ صَغِيرٌ يَمِيلُ) لَوْنُهُ (إلَى الْحُمْرَةِ بِتَدْوِيرٍ) ، أَيْ: الِاسْتِطَالَةِ فِيهِ، وَهُوَ (خَلْفَ أُحُدٍ مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ، وَعَيْرٌ) ، وَهُوَ: (جَبَلٌ مَشْهُورٌ بِهَا) ، أَيْ: بِالْمَدِينَةِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: «حَرَمُ الْمَدِينَةِ: مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إلَى عَيْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَذَلِكَ) أَيْ: الْحَدُّ الْمَذْكُورُ: (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاللَّابَةُ: الْحَرَّةُ، وَهِيَ: أَرْضٌ تَرْكَبُهَا حِجَارَةٌ سُودٌ. (وَ «جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْلَ الْمَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حِمًى» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْحِمَى: الْمَكَانُ الْمَمْنُوعُ مِنْ الرَّعْيِ. [بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَغَيْرِهِ] (يُسَنُّ) دُخُولُهَا (نَهَارًا) ، لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، (مِنْ أَعْلَاهَا) ، أَيْ: مَكَّةَ، (مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ، مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ، مَصْرُوفٌ وَغَيْرُ مَصْرُوفٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْمَطَالِعِ " وَيُعْرَفُ الْآنَ بِبَابِ الْمُصَلَّى. (وَ) سُنَّ خُرُوجٌ مِنْ مَكَّةَ (مِنْ أَسْفَلِهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كُدَيٍّ) بِضَمِّ الْكَافِ وَالتَّنْوِينِ، عِنْدَ ذِي طَوَى، بِقُرْبِ شِعْبِ الشَّامِيِّينَ. (وَ) سُنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 (دُخُولُ الْمَسْجِدِ) الْحَرَمِ (مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) ، وَبِإِزَائِهِ الْبَابُ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِبَابِ السَّلَامِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ ارْتِفَاعَ الضُّحَى، وَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ عَنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، ثُمَّ دَخَلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي " أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ ": يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دُخُولِهِ: بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاَللَّهِ، وَمِنْ اللَّهِ، وَإِلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك. (فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ) ، أَيْ: عَلِمَ بِهِ، يَشْمَلُ الْأَعْمَى، وَمَنْ فِي ظُلْمَةٍ (رَفَعَ يَدَيْهِ) نَصًّا، لِحَدِيثِ الشَّافِعِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَأَى الْبَيْتَ، رَفَعَ يَدَيْهِ» وَقَوْلُ جَابِرٍ: " مَا كُنْت أَظُنُّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا إلَّا الْيَهُودَ ". الْحَدِيثَ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ. رُدَّ بِأَنَّهُ قَوْلُ جَابِرٍ عَنْ ظَنِّهِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ. (وَقَالَ) بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ: (" اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْك السَّلَامُ، حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ،) كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ ذَلِكَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ. وَالسَّلَامُ الْأَوَّلُ: اسْمُ اللَّهِ، وَالثَّانِي، مَنْ: أَكْرَمْته بِالسَّلَامِ، وَالثَّالِثُ: السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ. (اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَعْظِيمًا) ، أَيْ: تَبْجِيلًا، (وَتَشْرِيفًا) ، أَيْ: رِفْعَةً وَعُلَا، (وَتَكْرِيمًا) : تَفْضِيلًا، (وَمَهَابَةً) : تَوْقِيرًا، وَإِجْلَالًا، (وَبِرًّا) بِكَسْرِ الْبَاءِ: هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ، (وَزِدْ مَنْ عَظَّمَهُ وَشَرَّفَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا، وَمَهَابَةً وَبِرًّا) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مَرْفُوعًا. (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا كَمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَكَمَا يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ عِزِّ جَلَالِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَنِي بَيْتَهُ، وَرَآنِي لِذَلِكَ أَهْلًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ إنَّك دَعَوْت إلَى حَجِّ بَيْتِك الْحَرَامِ) ، سُمِّيَ بِهِ لِانْتِشَارِ حُرْمَتِهِ، وَأُرِيدَ بِتَحْرِيمِهِ سَائِرُ الْحَرَمِ، (وَقَدْ جِئْتُك لِذَلِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ) ، ذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ: «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَأَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 مَا يُحِبُّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ» «وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» (وَيَرْفَعُ رَجُلٌ بِذَلِكَ) الدُّعَاءِ (صَوْتَهُ) كَالتَّلْبِيَةِ، (وَمَا زَادَ مِنْ الدُّعَاءِ فَحَسَنٌ) ، لِأَنَّ تِلْكَ الْبِقَاعَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ، (وَيَدْنُو مِنْ الْكَعْبَةِ بِخُضُوعٍ وَخُشُوعٍ) ، لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالْحَالِ، (ثُمَّ يَطُوفُ ابْتِدَاءً) ، أَيْ: قَبْلَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، (نَدْبًا) (وَهُوَ) ، أَيْ: الطَّوَافُ: (تَحِيَّةُ الْكَعْبَةِ، وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ: الصَّلَاةُ، وَتُجْزِئُ عَنْهَا) ، أَيْ: عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ (رَكْعَتَاهُ) ، أَيْ: الطَّوَافُ (بَعْدَهُ) ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الطَّوَافُ، لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ، وَهَذَا تَفْصِيلُهُ. (فَإِنْ أُقِيمَتْ) صَلَاةٌ (مَكْتُوبَةٌ، أَوْ ذَكَرَ) فَرِيضَةً (فَائِتَةً، أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ، قَدَّمَهَا) عَلَى الطَّوَافِ، لِاتِّسَاعِ وَقْتِهِ، وَأَمْنِ فَوَاتِهِ. (وَيَنْوِي مُتَمَتِّعٌ بِطَوَافِهِ الْعُمْرَةَ، وَهُوَ) ، أَيْ: الطَّوَافُ، (رُكْنٌ) مِنْ أَرْكَانِهَا. (وَ) يَنْوِي (مُفْرِدٌ) بِطَوَافِهِ الْقُدُومَ، (وَ) كَذَا يَنْوِي (قَارِنٌ) بِطَوَافِهِ (الْقُدُومَ، وَهُوَ: الْوُرُودُ، وَهُوَ سُنَّةٌ) فَتُسْتَحَبُّ الْبَدَاءَةَ بِهِ، (وَيَضْطَبِعُ بِرِدَائِهِ) اسْتِحْبَابًا، (غَيْرَ حَامِلِ مَعْذُورٍ فِي كُلِّ أُسْبُوعِهِ) نَصًّا، وَإِنَّمَا شُرِعَ الِاضْطِبَاعُ فِي هَذَا الطَّوَافِ (فَقَطْ) ، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ، فَرَمَلُوا فِي الْبَيْتِ، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ الْيُسْرَى» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَأَشَارَ إلَى صِفَةِ الِاضْطِبَاعِ بِقَوْلِهِ: (فَيَجْعَلُ مِنْ وَسَطِهِ) ، أَيْ: الرِّدَاءِ، (تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَ) يَجْعَلُ (طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ) ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ مُضْطَبِعًا» ، (وَيَبْتَدِئُ طَوَافَهُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) ، لِبُدَاءَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ، وَقَوْلِهِ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَهُوَ جِهَةُ الْمَشْرِقِ، فَيُحَاذِيهِ) ، أَيْ: الْحَجَرِ، (أَوْ) يُحَاذِي (بَعْضَهُ بِكُلِّ بَدَنِهِ) ، بِأَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 يَقِفَ مُقَابِلَ الْحَجَرِ حَتَّى يَكُونَ مُبْصِرًا لِضِلْعَيْ الْبَيْتِ الَّذِي عَنْ أَيْمَنِ الْحَجَرِ وَأَيْسَرِهِ، وَهَذَا احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يَقِفَ فِي ضِلْعِ الْبَابِ وَيَسْتَلِمَهُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ مُحَاذِيًا لَهُ بِبَدَنِهِ كُلِّهِ، فَمَتَى رَأَى الضِّلْعَ الْآخَرَ فَقَدْ حَاذَاهُ بِكُلِّ بَدَنِهِ (وَيَسْتَلِمَهُ) ، أَيْ: يَمْسَحُ الْحَجَرَ (بِيَدِهِ الْيُمْنَى) ، لِقَوْلِ جَابِرٍ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ، فَاسْتَلَمَهُ.» . الْحَدِيثَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالِاسْتِلَامُ: مِنْ السَّلَامِ، وَهُوَ: التَّحِيَّةُ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ: الْمُحَيَّا، لِأَنَّ النَّاسَ يُحَيُّونَهُ بِالِاسْتِلَامِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " لَمَّا أَخَذَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، الْمِيثَاقَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ، كَتَبَ كِتَابًا فَأَلْقَمَهُ الْحَجَرَ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِلْمُؤْمِنِ بِالْوَفَاءِ وَعَلَى الْكَافِرِ بِالْجُحُودِ ". (وَيُقَبِّلُهُ بِلَا صَوْتٍ يَظْهَرُ لِلْقُبْلَةِ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ، وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلًا، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي، فَقَالَ: يَا عُمَرُ، هَهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَيَسْجُدُ) ، أَيْ: يُمَرِّغُ الرَّجُلُ وَجْهَهُ (عَلَيْهِ) ، فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وابْنُ عَبَّاسٍ، (فَإِنْ شَقَّ) اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ لِنَحْوِ زِحَامٍ، (لَمْ يُزَاحِمْ، وَاسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ وَقَبَّلَهَا) ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (فَإِنْ شَقَّ) اسْتِلَامُهُ بِيَدِهِ، (فَ) إنَّهُ يَسْتَلِمُهُ (بِشَيْءٍ، وَيُقَبِّلُهُ) ، أَيْ: مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، (فَإِنْ شَقَّ) عَلَيْهِ اسْتِلَامُهُ أَيْضًا بِشَيْءٍ، (أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ) ، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «طَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعِيرٍ، فَلَمَّا أَتَى الْحَجَرَ، أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 وَكَبَّرَ» ، (وَلَا يُقَبِّلُهُ) ، أَيْ: مَا أَشَارَ بِهِ إلَيْهِ، (وَاسْتَقْبَلَهُ) ، أَيْ الْحَجَرَ، إذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ، (بِوَجْهِهِ، وَقَالَ " بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ ذَلِكَ كُلَّ مَا اسْتَلَمَهُ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِلَامِهِ، (وَزَادَ جَمَاعَةٌ) كَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى الْأَوَّلِ: (" اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَجَرُ مَوْجُودًا) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ؛ (وَقَفَ مُقَابِلًا لِمَكَانِهِ) ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ إذَا هُدِمَتْ، (وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ وَقَبَّلَهُ، فَإِنْ شَقَّ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ) ، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . (وَيَقْرَبُ طَائِفٌ جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ لِلْبَيْتِ، وَشُرِطَ جَعْلُهُ عَنْ يَسَارِهِ) ، لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ قَوْلِهِ: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (فَأَوَّلُ رُكْنٍ يَمُرُّ بِهِ) ، الطَّائِفُ (يُسَمَّى: الشَّامِيُّ وَالْعِرَاقِيُّ، وَهُوَ) : الرُّكْنُ (جِهَةُ الشَّامِ، ثُمَّ يَلِيهِ الرُّكْنُ الْغَرْبِيُّ وَالشَّامِيُّ، وَهُوَ: جِهَةُ الْمَغْرِب، ثُمَّ الْيَمَانِيُّ: جِهَةُ الْيَمَنِ، فَيَسْتَلِمَهُ إذَا أَتَى عَلَيْهِ وَلَا يُقَبِّلَهُ) . وَحَدِيثُ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ اسْتَلَمَهُ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَيْهِ» فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَا يَصِحُّ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ التَّقْبِيلُ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (ثُمَّ كُلَّمَا حَاذَى) طَائِفٌ (الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ (وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، اسْتَلَمَهَا) نَدْبًا، لِحَدِيثِ ابْن عُمَرَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ، الرُّكْنَ الْيَمَانِي، وَالْحَجَرَ فِي طَوَافِهِ» قَالَ نَافِعٌ: " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. لَكِنْ لَا يُقَبِّلُ إلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ (أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمَا) ، أَيْ: الْحَجَرِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ إنْ شَقَّ اسْتِلَامُهُمَا. وَ (لَا) يُسَنُّ اسْتِلَامُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 الرُّكْنِ (الشَّامِيِّ) ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ أَوَّلُ رُكْنٍ يَمُرُّ بِهِ، (وَ) لَا اسْتِلَامُ الرُّكْنِ (الْغَرْبِيِّ) وَهُوَ: مَا يَلِي الشَّامِيَّ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «لَمْ أَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْيَمَانِيَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا أَرَاهُ - يَعْنِي: النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ إلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ، وَلَا طَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ إلَّا لِذَلِكَ. " وَطَافَ مُعَاوِيَةُ، فَجَعَلَ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُهُمَا؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقَتْ ". (وَ) لَا يُسَنُّ (تَقْبِيلُ الْمَقَامِ وَ) لَا (مَسْحُهُ وَلَا) تَقْبِيلُ وَمَسْحُ (مَسَاجِدَ وَ) لَا (قُبُورٍ) ؛ فِيهَا أَنْبِيَاءٌ أَوْ صَالِحُونَ (وَ) لَا تَقْبِيلُ وَمَسْحُ (صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) وَلَا غَيْرِهَا، لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمُعَاوِيَةَ، بَلْ هَذَا أَوْلَى (وَيَقُولُ) طَائِفٌ (كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ ": (اللَّهُ أَكْبَرُ) فَقَطْ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «طَافَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ بِيَدِهِ وَكَبَّرَ» ، (وَ) يَقُولُ (بَيْنَهُ) ، أَيْ: الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (وَبَيْنَ) الرُّكْنِ (الْيَمَانِيِّ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ فِي الْمَنَاسِكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «وَحَلَّ بِهِ - يَعْنِي: الرُّكْنَ الْيَمَانِي - سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَمَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، قَالُوا: آمِينَ» ، (وَيَقُولُ فِي بَقِيَّةِ طَوَافِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَاهْدِنِي السَّبِيلَ الْأَقْوَمَ، وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 الْأَكْرَمُ) ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَقُولُ: " رَبِّ قِنِي شُحَّ نَفْسِي ". وَعَنْ عُرْوَةَ: " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ: لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، وَأَنْتَ تُحْيِي بَعْدَ مَا أَمَتّ " (وَيَذْكُرُ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ) ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدَعُ. . . " الْحَدِيثَ. إلَّا ذِكْرًا وَقِرَاءَةً أَوْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، لِحَدِيثِ: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، فَمَنْ تَكَلَّمَ، فَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ» (وَسُنَّ قِرَاءَةٌ فِيهِ) ، أَيْ: الطَّوَافِ نَصًّا، لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الذِّكْرِ، لَا الْجَهْرُ بِهَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ أَيْضًا: جِنْسُ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ. (وَلَا تُزَاحِمُ امْرَأَةٌ رِجَالًا، لِتَسْتَلِمَ الْحَجَرَ، وَلَا تُشِيرُ إلَيْهِ) بِيَدِهَا، قَالَ عَطَاءٌ: " كَانَتْ عَائِشَةَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتْ لَهَا امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْك، وَأَبَتْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمَعْنَى انْطَلِقِي عَنْك: انْطَلِقِي، وَاتْرُكِي الِاسْتِلَامَ عَنْك. (وَالْأَوْلَى لَهَا تَأْخِيرُ طَوَافٍ إلَى اللَّيْلِ) ، لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا (إنْ أَمِنَتْ نَحْوَ حَيْضٍ) ، كَنِفَاسٍ وَفَوْتِ رُفْقَةٍ. (وَسُنَّ أَنْ يَرْمُلَ مَاشٍ غَيْرَ حَامِلِ مَعْذُورٍ، وَ) غَيْرَ نِسَاءٍ، وَغَيْرَ (مُحْرِمٍ مِنْ مَكَّةَ أَوْ) مِنْ (قُرْبِهَا) ، فَلَا يُسَنُّ لَهُمْ الرَّمَلُ، فَالرَّمَلُ هُوَ: أَنْ (يَسْرُعَ الْمَشْيَ، وَيُقَارِبَ الْخَطَأَ فِي ثَلَاثِ طَوْفَاتٍ أُوَلٍ مِنْ غَيْرِ وَثْبٍ) ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «رَمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمَرِهِ كُلِّهَا، وَفِي حَجِّهِ» ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ "، رَوَاهُ أَحْمَدُ. (ثُمَّ يَمْشِي أَرْبَعَةَ) أَشْوَاطٍ (بِلَا رَمَلٍ) ، لِلْأَخْبَارِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، (وَلَا يُقْضَى فِيهَا) ، أَيْ: فِي هَذِهِ الْأَشْوَاطِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا فِي طَوَافٍ غَيْرِ هَذَا (رَمَلٌ) ، وَلَا اضْطِبَاعٌ (فَاتَ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ. (وَالرَّمَلُ) مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْبَيْتِ (أَوْلَى مِنْ الدُّنُوِّ لِلْبَيْتِ) بِدُونِهِ، لِعَدَمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 تَمَكُّنِهِ مِنْهُ مَعَ الْقُرْبِ لِلزِّحَامِ، لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ، أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا أَوْ زَمَانِهَا، (وَالتَّأْخِيرُ) ، أَيْ: تَأْخِيرُ الطَّوَافِ حَتَّى يَزُولَ الزِّحَامُ (لَهُ) ، أَيْ: لِأَجْلِ الرَّمَلِ، (وَلِلدُّنُوِّ) مِنْ الْبَيْتِ، (أَوْلَى) مِنْ تَقْدِيمِهِ مَعَ فَوَاتِ الرَّمَلِ، أَوْ الدُّنُوِّ أَوْ فَوَاتِ أَحَدِهِمَا، لِيَأْتِيَ بِالطَّوَافِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّمَلِ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْبَيْتِ، لِقُوَّةِ الزِّحَامِ، فَالدُّنُوُّ مِنْهُ أَوْلَى، وَيَطُوفُ مَعَ الزِّحَامِ كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ، بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي أَحَدًا، فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً، رَمَلَ فِيهَا مَا دَامَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ؛ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ. (وَلَا يُسَنُّ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّوَافِ) ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ إنَّمَا رَمَلُوا وَاضْطَبَعُوا فِيهِ. (وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا، لَمْ يُجْزِئْهُ) طَوَافُهُ كَذَلِكَ، (إلَّا) إنْ كَانَ رُكُوبُهُ أَوْ حَمْلُهُ (لِعُذْرٍ) ، لِحَدِيثِ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ، فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهَا رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَالصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا طَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِبًا لِعُذْرٍ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ، هَذَا مُحَمَّدٌ، حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنْ الْبُيُوتِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا كَثُرُوا عَلَيْهِ، رَكِبَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَلَا يُجْزِئُ) الطَّوَافُ (عَنْ حَامِلِهِ) ، أَيْ: الْمَعْذُورِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا الْفِعْلُ وَهُوَ وَاحِدٌ، فَلَا يَقَعُ عَنْ اثْنَيْنِ، وَوُقُوعُهُ عَنْ الْمَحْمُولِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ إلَّا لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْحَامِلِ، (إلَّا إنْ نَوَى) حَامِلُ الطَّوَافِ (وَحْدَهُ) ، أَيْ: دُونَ الْمَحْمُولِ، (أَوْ نَوَيَا) ، أَيْ: الْحَامِلُ وَالْمَحْمُولُ. (جَمِيعًا) الطَّوَافَ (عَنْهُ) ، أَيْ: الْحَامِلِ، فَيُجْزِئُ عَنْهُ، لِخُلُوصِ النِّيَّةِ مِنْهُمَا لِلْحَامِلِ، (فَإِنْ نَوَى كُلٌّ مِنْهُمَا) الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ، (صَحَّ لِمَحْمُولٍ فَقَطْ) ، لِأَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ أَدَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 بِهَا الْحَامِلُ فَرْضَ غَيْرِهِ، فَلَمْ تَقَعْ عَنْ فَرْضِهِ، كَالصَّلَاةِ، وَصِحَّةُ أَخْذِ الْحَامِلِ عَنْ الْمَحْمُولِ الْأُجْرَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصْدُهُ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُهُ بِهِ عَنْ شَيْءٍ يَقَعُ لِنَفْسِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (فَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا) الطَّوَافَ عَنْ (نَفْسِهِ، وَالْآخَرُ لَمْ يَنْوِ، صَحَّ) الطَّوَافُ (لِنَاوٍ) لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (فَإِنْ لَمْ يَنْوِيَا، أَوْ نَوَى كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ، لَمْ يَصِحَّ) الطَّوَافُ (لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) ، لِخُلُوِّ طَوَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ نِيَّةٍ مِنْهُ. (وَ) حُكْمُ (سَعْيٍ رَاكِبًا كَطَوَافٍ) رَاكِبًا نَصًّا، فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا لِعُذْرٍ، (وَإِنْ طَافَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ لَا) عَلَى سَطْحِ (الْبَيْتِ) ، تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ، كَصَلَاتِهِ إلَيْهَا، (أَوْ قَصَدَ فِي طَوَافِهِ غَرِيمًا، وَقَصَدَ مَعَهُ طَوَافًا بِنِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ) ، أَيْ: مُقَارَنَةً لِلطَّوَافِ (لَا حُكْمِيَّةً، تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ) فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمْ. وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ كَعَاطِسٍ قَصَدَ بِحَمْدِهِ قِرَاءَةً، (قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ") . وَالنِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ: أَنْ يَنْوِيَهُ قَبْلُ، وَيَسْتَمِرَّ حُكْمُهَا، وَهِيَ مَعْنَى اسْتِصْحَابِ حُكْمِهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ. (وَيُجْزِئُ) طَوَافٌ (فِي الْمَسْجِدِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ) نَحْوِ قُبَّةٍ، وَ (لَا) يُجْزِئُ طَوَافُهُ (خَارِجَهُ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ (أَوْ مَنْسَكًا) ، بِأَنْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ وَطَافَ، لَمْ يُجْزِئْهُ، (أَوْ) طَافَ (مُتَقَهْقِرًا) ، بِأَنْ جَعَلَهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى، فَلَا يُجْزِئُهُ، لِمُخَالَفَتِهِ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ) طَافَ (عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَهُوَ: الْقَدْرُ الَّذِي تُرِكَ خَارِجًا عَنْ عَرْضِ الْجِدَارِ، مُرْتَفِعًا عَنْ الْأَرْضِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، فَلَا يُجْزِئُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَالْحِجْرُ مِنْهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «هُوَ مِنْ الْبَيْتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (أَوْ) طَافَ عَلَى (شَاذَرْوَانَ الْكَعْبَةِ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، (وَهُوَ: مَا فَضَلَ مِنْ جِدَارِهَا) ، فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ، فَإِنْ لَمْ يَطُفْ بِهِ، لَمْ يَطُفْ بِكُلِّ الْبَيْتِ، وَإِنْ مَسَّ الْجِدَارَ بِيَدِهِ فِي مُوَازَاةِ الشَّاذَرْوَانِ، صَحَّ طَوَافُهُ، (أَوْ) طَافَ طَوَافًا (نَاقِصًا، وَلَوْ) نَقْصًا (يَسِيرًا) ، فَلَا يُجْزِئُهُ لِمَا، تَقَدَّمَ، «وَقَدْ طَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ، وَالشَّاذَرْوَانُ: مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ» ، (أَوْ) طَافَ (بِلَا نِيَّةٍ) ، لَمْ يُجْزِئْهُ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَكَالصَّلَاةِ، (أَوْ) طَافَ (عُرْيَانَا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَهُ بِالْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ، يُؤَذِّنُ: لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ) طَافَ (مُحْدِثًا) أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ، (أَوْ) طَافَ (نَجِسًا) ، لِحَدِيثِ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إلَّا أَنَّكُمْ، تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ» (فَيَلْزَمُ النَّاسَ انْتِظَارُ حَائِضٍ) إنْ أَمْكَنَ لَا نُفَسَاءَ، لِطُولِ مُدَّتِهَا. (وَيُسَنُّ فِعْلُ بَقِيَّةِ الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا) مِنْ سَعْيٍ وَوُقُوفٍ وَرَمْيٍ، وَغَيْرِهَا (مُتَطَهِّرًا) لِأَنَّهُ أَكْمَلُ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) مِنْهُ (عَدَمُ الصِّحَّةِ) ، أَيْ: عَدَمُ صِحَّةِ الطَّوَافِ، (بِحَرِيرٍ وَمَغْصُوبٍ) إذَا كَانَا سَاتِرَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، لِمَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ، قِيَاسًا عَلَيْهَا إذْ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ بِمُبَاحٍ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: الطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي إبَاحَةِ النُّطْقِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ. (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا: (أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ) حَالَ كَوْنِهِ (طَائِفًا، لَا يَضُرُّ) ذَلِكَ فِي طَوَافِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ، لِإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 الْمُبَالَاةِ فِي الْعِبَادَةِ، أَفَادَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ "، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَيَصِحُّ) الطَّوَافُ (فِيمَا لَا يَحِلُّ لِمُحْرِمٍ لُبْسُهُ) كَذَكَرٍ فِي مَخِيطٍ أَوْ مُطَيَّبٍ، لِعَوْدِ النَّهْيِ لِخَارِجٍ (وَيَفْدِي) طَائِفٌ (عَامِدٌ) لِفِعْلِ الْمَحْظُورِ، (وَيَبْتَدِئُ) الطَّوَافَ (لِحَدَثٍ فِيهِ) تَعَمَّدَهُ أَوْ سَبَقَهُ بَعْدَ أَنْ يَتَطَهَّرَ كَالصَّلَاةِ، (وَ) يَبْتَدِئُهُ (لِقَطْعٍ طَوِيلٍ) عُرْفًا، لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ شَرْطٌ فِيهِ كَالصَّلَاةِ، «وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالَى طَوَافَهُ، وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَإِنْ كَانَ) قَطْعُهُ (يَسِيرًا، أَوْ أُقِيمَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 صَلَاةٌ) وَهُوَ فِي الطَّوَافِ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي أُقِيمَتْ نَافِلَةً (كَوِتْرٍ وَتَرَاوِيحَ) ، أَيْ: فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا، وَيَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ الْأَشْوَاطِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِيهِ مَا فِيهِ، إذْ صَرِيحُ الْإِقْنَاعِ: أَنَّهُ يُصَلِّي، وَيَبْنِي إذَا أُقِيمَتْ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، (أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ) وَهُوَ فِيهِ، (صَلَّى وَبَنَى) عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ طَوَافِهِ، لِحَدِيثِ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَلِأَنَّ الْجِنَازَةَ تَفُوتُ بِالتَّشَاغُلِ. وَيَبْتَدِئُ الشَّوْطَ (مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَلَا يَعْتَدَّ بِبَعْضِ شَوْطٍ قَطَعَ فِيهِ) قَالَهُ أَحْمَدُ، وَكَذَا لِسَعْيٍ، أَيْ: حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ كَطَوَافٍ، (فَإِذَا تَمَّ) طَوَافُهُ، (تَنَفَّلَ بِرَكْعَتَيْنِ، وَالْأَفْضَلُ كَوْنُهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ) ، أَيْ: مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِيهِ: «ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] » فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. . "، الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَا يُشْرَعُ تَقْبِيلُهُ وَلَا مَسْحُهُ، فَسَائِرُ الْمَقَامَاتِ أَوْلَى. (وَ) وَيَقْرَأُ فِيهِمَا (بِ) : {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] فِي) رَكْعَةٍ (أُولَى، وَ) سُورَةِ (الْإِخْلَاصِ) بِرَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ، بَعْدَ) قِرَاءَةِ (الْفَاتِحَةِ) لِلْخَبَرِ. (وَتُجْزِئُ مَكْتُوبَةٌ، وَرَاتِبَةٌ عَلَيْهِمَا) ، أَيْ: عَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، كَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ، وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 [فَائِدَةٌ مَا يُدْعَى بِهِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ] فَائِدَةٌ: وَمِمَّا يُدْعَى بِهِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ: «اللَّهُمَّ أَنَا عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك، أَتَيْتُك بِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ، وَأَعْمَالٍ سَيِّئَةٍ، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ النَّارِ، فَاغْفِرْ لِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: قَوْلُهُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك: كَلَامٌ يَقُولُهُ الْمُسْتَعِيذُ، وَيَعْنِي بِالْعَائِذِ: نَفْسَهُ، وَهُوَ كَمَا يُقَالُ: هَذَا مَقَامُ الذَّلِيلِ، وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ مُصَنِّفِي الْمَنَاسِكِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ وَقَعَ إلَى بَعْضِ عَوَامِّ مَكَّةَ، رَأَيْت مِنْهُمْ مَنْ يُطَوِّفُ بَعْضَ الْغُرَبَاءِ وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ انْتِهَائِهِ إلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ دُعَائِهِ. (وَسُنَّ عَوْدُهُ) ، أَيْ: الطَّائِفِ، (قَبْلَ صَلَاةٍ وَقَبْلَ سَعْيٍ لِلْحَجَرِ) الْأَسْوَدِ (فَيَسْتَلِمَهُ) نَصًّا، لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ جَابِرٌ فِي صِفَةِ حَجِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) سُنَّ (الْإِكْثَارُ مِنْ الطَّوَافِ كُلَّ وَقْتٍ) لَيْلًا وَنَهَارًا، وَالطَّوَافُ لِغَرِيبٍ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ نَصًّا، (وَلَهُ) ، أَيْ: الطَّائِفِ، (جَمْعُ أَسَابِيعَ بِرَكْعَتَيْنِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ) مِنْ تِلْكَ الْأَسَابِيعِ، فَعَلَتْهُ عَائِشَةُ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَكَوْنُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْهُ لَا يُوجِبُ كَرَاهَةً، لِأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ أُسْبُوعَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةً، وَذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالرَّكْعَتَيْنِ، لِأَنَّ عُمَرَ صَلَّاهُمَا بِذِي طَوَى، وَأَخَّرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ الرَّكْعَتَيْنِ حِينَ طَافَتْ رَاكِبَةً بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَالْأَوْلَى) أَنْ يَرْكَعَهُمَا (عَقِبَ كُلِّ أُسْبُوعٍ) ، لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَ) لَطَائِفٍ (تَأْخِيرُ سَعْيِهِ عَنْ طَوَافِهِ بِطَوَافٍ وَغَيْرِهِ، فَلَا تَجِبُ مُوَالَاةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَوَافِهِ) ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَطُوفَ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَيَسْعَى آخِرَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 [تَنْبِيهٌ شُرُوطُ طَوَافٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَيْئًا] (تَنْبِيهٌ: شُرُوطُ طَوَافٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ) شَيْئًا: (إسْلَامٌ، وَعَقْلٌ، وَنِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ) كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، (وَدُخُولُ وَقْتٍ) لِوَاجِبٍ، (وَلِقَادِرٍ وَسَتْرُ عَوْرَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، (وَطَهَارَةُ حَدَثٍ) ، لِأَنَّهُ صَلَاةٌ، وَ (لَا) تُشْتَرَطُ طَهَارَةُ الْحَدَثِ (لِطِفْلٍ) دُونَ التَّمْيِيزِ، لِعَدَمِ إمْكَانِهِ مِنْهُ، (وَطَهَارَةُ خُبْثٍ) حَتَّى لِلطِّفْلِ، (وَتَكْمِيلُ السَّبْعِ يَقِينًا، فَإِنْ شَكَّ أَخَذَ بِالْيَقِينِ) وَهُوَ الْأَقَلُّ، (وَيُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلَيْنِ) فِي أَنَّهُ أَكْمَلَهَا، (وَجَعْلُ، الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ غَيْرَ مُتَقَهْقِرٍ) ، وَتَقَدَّمَ، (وَمَشْيٌ لِقَادِرٍ) عَلَيْهِ، (وَمُوَالَاتُهُ) بَيْنَ الْأَشْوَاطِ، إلَّا إذَا حَضَرَتْ جِنَازَةٌ أَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ، وَتَقَدَّمَ، (وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) ، يَعْنِي: أَنَّهُ يَطُوفُ دَاخِلَهُ، (وَأَنْ يَبْتَدِئَهُ) ، أَيْ: الطَّوَافَ، (مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيُحَاذِيهِ) بِكُلِّ بَدَنِهِ، وَتَقَدَّمَ. (وَسُنَنُهُ) ، أَيْ: الطَّوَافِ: عَشْرًا: (اسْتِلَامُ الْحَجَرِ) الْأَسْوَدِ، (وَتَقْبِيلُهُ وَنَحْوُهُ) كَالْإِشَارَةِ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِلَامِ، (وَاسْتِلَامُ الرُّكْنِ) الْيَمَانِي، (وَاضْطِبَاعٌ وَرَمَلٌ، وَمَشْيٌ فِي مَوَاضِعِهِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مُفَصَّلًا، (وَدُعَاءٌ وَذِكْرٌ، وَدُنُوٌّ مِنْ الْبَيْتِ، وَالرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ) ، وَتَقَدَّمَتْ أَدِلَّةُ ذَلِكَ كُلِّهِ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ (يُكْرَهُ فِيهِ) ، أَيْ: الطَّوَافِ، (مَا يُكْرَهُ فِي صَلَاةٍ) ، كَعَبَثٍ وَتَخَصُّرٍ وَالْتِفَاتٍ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَفَرْقَعَةِ أَصَابِعَ وَنَحْوِهَا، (لَا مُطْلَقًا) بَلْ غَالِبًا، لِأَنَّهُ يُفْتَقَرُ فِيهِ مَا لَا يُفْتَقَرُ فِيهَا، (وَلَمْ يُرَ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ فَضَّلَ بَيْنَ الْأَرْكَانِ) ، بِأَنْ جَعَلَ بَعْضَهَا أَفْضَلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 مِنْ بَعْضٍ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا عَلَى حَدٍّ سَوِيٍّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَرْعٌ عَلِمَ مُتَمَتِّعٌ بَعْدَ فَرَاغِ حَجِّهِ بُطْلَانَ أَحَدِ طَوَافَيْهِ] (فَرْعٌ: لَوْ عَلِمَ مُتَمَتِّعٌ بَعْدَ فَرَاغِ، حَجٍّ، بُطْلَانَ أَحَدِ طَوَافَيْهِ) لِلْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، كَكَوْنِهِ طَافَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، (وَجَهِلَهُ) أَيْ: الطَّوَافَ الَّذِي كَانَ فِيهِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، (لَزِمَهُ الْأَشَدُّ) يُبْرِئُ ذِمَّتَهُ بِيَقِينٍ، (وَهُوَ) ، أَيْ: الْأَشَدُّ (جَعْلُهُ) ، أَيْ: الطَّوَافُ الْكَائِنُ بِلَا طَهَارَةٍ، (لِلْعُمْرَةِ) ، فَلَا يَحِلُّ مِنْهَا بِحَلْقٍ، لِعَدَمِ صِحَّتِهَا بِفَسَادِ طَوَافِهَا، وَيَكُونُ قَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، (فَيَصِيرُ قَارِنًا، كَمَا لَوْ عَلِمَهُ) ، أَيْ: الطَّوَافَ الْبَاطِلَ (لَهَا) ، أَيْ: الْعُمْرَةِ، (وَعَلَيْهِ دَمُ قِرَانٍ وَحَلْقٌ) لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ (وَيُجْزِئُهُ الطَّوَافُ لِحَجٍّ) ، أَيْ: طَوَافُ الْإِفَاضَةِ (عَنْ النُّسُكَيْنِ) ، أَيْ: الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، كَالْقَارِنِ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ، وَلَوْ قَدَّرَ الطَّوَافَ الْوَاقِعَ بِلَا طَهَارَةٍ مِنْ الْحَجِّ، لَزِمَهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ، لِوُقُوعِهِ غَيْرَ صَحِيحٍ، (وَيُعِيدُ السَّعْيَ) لُزُومًا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، (لِفَقْدِ شَرْطِهِ) ، وَهُوَ: وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ، وَقَدْ وُجِدَ بَعْدَ طَوَافٍ غَيْرِ مُعْتَدٍّ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ: نَدْبُ إعَادَةِ طَوَافِ حَجٍّ وَسَعْيِهِ احْتِيَاطًا) ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي قُدِّرَتْ صِحَّتُهُ مُجْزِئٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ غَيْرِ السَّعْيِ فَقَطْ، لَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ إعَادَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، لِيَصْدُقَ عَلَيْهِ الْتِزَامُ الْأَشَدِّ، (وَإِنْ كَانَ) الْمُتَمَتِّعُ (وَطِئَ بَعْدَ حِلِّهِ مِنْ عُمْرَتِهِ) ، ثُمَّ عَلِمَ أَحَدَ طَوَافَيْهِ بِلَا طَهَارَةٍ، وَفَرَضْنَاهُ طَوَافَ الْعُمْرَةِ، (وَإِحْرَامٍ بِهِ قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 تَحَلُّلِهِ) مِنْ الْعُمْرَةِ. (بِفِعْلِهَا ثَانِيًا فَقَدْ) ، حَكَمْنَا بِأَنَّهُ (أَدْخَلَ حَجًّا عَلَى عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ، لِوَطْئِهِ فِيهَا، فَلَمْ يَصِحَّ) إدْخَالُهُ عَلَيْهَا، (فَيَلْغُو حَجُّهُ) ، أَيْ: مَا فَعَلَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِحْرَامِ بِهِ، (وَيَتَحَلَّلُ بِطَوَافِهِ الَّذِي نَوَاهُ لِلْحَجِّ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ، وَعَلَيْهِ) دَمَانِ: (دَمُ حَلْقٍ) فَعَلَهُ قَبْلَ إتْمَامِ عُمْرَتِهِ، (وَ: دَمُ وَطْءٍ فِي عُمْرَتِهِ، وَلَا يَصِحُّ لَهُ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ) ، لِفَسَادِ الْعُمْرَةِ بِالْوَطْءِ. فِيهَا، وَعَدَمِ صِحَّةِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ، (فَلَا يَبْرَأُ مِنْ وَاجِبٍ) حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يَقْضِيَ) مُتَمَتِّعٌ كَانَ وَطِئَ قَبْلَ حِلِّهِ مِنْ عُمْرَتِهِ (تَطَوُّعًا) مِنْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (لِلشَّكِّ) فِي وُقُوعِهِ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا، - وَالْأَصْلُ صِحَّتُهُ وَالْبَرَاءَةُ مِنْهُ (وَ) لَكِنَّ (الِاحْتِيَاطَ الْقَضَاءُ) لِيَبْرَأَ مِنْهُ بِيَقِينٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَلَوْ عَلِمَهُ) ، أَيْ: الطَّوَافَ الَّذِي وَقَعَ بِلَا طَهَارَةٍ أَنَّهُ كَانَ (لِحَجٍّ، لَزِمَهُ طَوَافٌ) ، أَيْ: الْحَجُّ (وَسَعْيُهُ) ، فَيُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ، (وَ) يَلْزَمُ مَعَ ذَلِكَ (دَمٌ) ، يَعْنِي لِلْحَلْقِ، (لِحِلِّهِ قَبْلَ وَقْتِهِ) ، فَلَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى "، (وَ) يَلْزَمُهُ (دَمُ تَمَتُّعٍ بِشَرْطِهِ) قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى " عَنْ لُزُومِ الدَّمِ لِلْحَلْقِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَهُ طَوَافَ الْحَجِّ، فَالْعُمْرَةُ قَدْ تَمَّتْ، فَحَلْقُهُ فِي مَحَلِّهِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ " تَبَعًا " لِلْإِنْصَافِ " وَالْمُغْنِي "، وَلَوْ قَدَّرْنَاهُ لِلْحَجِّ، لَمْ يَلْزَمْ أَكْثَرُ مِنْ إعَادَةِ الطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، وَيَحْصُلُ لَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 يَعْنِي: فِي صُورَةِ مَا لَوْ وَطِئَ بَعْدَ فَرَاغِ عُمْرَتِهِ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمَا فِيمَا إذَا لَمْ يَطَأْ: أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِحَلْقِهِ، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ تَبِعَ فِيهَا " الْفُرُوعِ " وَلَوْ وَجَّهَ الدَّمَ لِلتَّمَتُّعِ، لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ لَهُمَا. انْتَهَى. وَغَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا التَّنْظِيرَ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، بَلْ الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى "، لِوُقُوعِ الْحَلْقِ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بَعْدَ فَرَاغِ الْعُمْرَةِ، وَمَرَّةً بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ، فَحَلْقُ الْعُمْرَةِ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ، وَحَلْقُ الْحَجِّ وَقَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، فَالِاعْتِرَاضُ سَاقِطٌ بِالْمَرَّةِ. [فَصْلٌ فِي الْخُرُوجِ لِلسَّعْيِ] (فَصْلٌ) (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، (يَخْرُجُ لِلسَّعْيِ بَعْدَ عَوْدِهِ لِلْحَجَرِ، وَاسْتِلَامِهِ مِنْ بَابِ) الْمَسْجِدِ الْمَعْرُوفِ بِبَابِ (الصَّفَا، وَهُوَ) ، أَيْ: الصَّفَا: (طَرَفُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، عَلَيْهِ دَرَجٌ وَفَوْقَهُ أَزَجٌ كَالْإِيوَانِ فَيَرْقَى ذَكَرَ الصَّفَا نَدْبًا، لِيَرَى الْبَيْتَ) إنْ أَمْكَنَهُ، (فَيَسْتَقْبِلَهُ) ، لِحَدِيثِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 أَبِي هُرَيْرَةَ: «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا، فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ، وَرَفَعَ يَدَهُ، وَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيَدْعُو مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» الْحَدِيثَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. «وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ ثَلَاثًا: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» أَيْ: الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَهُمْ: قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَالْيَهُودُ، (وَيَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي بِدِينِكَ، وَطَوَاعِيَتِكَ وَطَوَاعِيَةِ رَسُولِكَ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي حُدُودَكَ) ، أَيْ: مَحَارِمَكَ (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ يُحِبُّكَ، وَيُحِبُّ مَلَائِكَتَكَ وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ يَسِّرْنِي لِلْيُسْرَى، وَجَنِّبْنِي الْعُسْرَى، وَاغْفِرْ لِي فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ، وَاغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ إنَّكَ قُلْتَ: اُدْعُونِي اسْتَجِبْ لَكُمْ، وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، اللَّهُمَّ إذْ هَدَيْتَنِي لِلْإِسْلَامِ، فَلَا تَنْزِعْنِي مِنْهُ، وَلَا تَنْزِعْهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي عَلَى الْإِسْلَامِ، اللَّهُمَّ لَا تُقَدِّمْنِي إلَى الْعَذَابِ، وَلَا تُؤَخِّرْنِي إلَى سُوءِ الْفِتَنِ) ، هَذَا دُعَاءُ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ أَحْمَدُ: يَدْعُو بِهِ، قَالَ نَافِعٌ بَعْدَهُ: وَيَدْعُو دُعَاءً كَثِيرًا حَتَّى إنَّهُ لَيُمِلَّنَا وَنَحْنُ شَبَابٌ. (وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُلَبِّي) عَلَى الصَّفَا، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (ثُمَّ يَنْزِلُ مِنْ الصَّفَا، وَيَمْشِي حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَلَمِ - وَهُوَ: الْمِيلُ الْأَخْضَرُ، الْمُعَلَّقُ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ) عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 يَسَارِهِ - (نَحْوَ سِتَّةِ أَذْرُعٍ، فَيَسْعَى ذَكَرٌ مَاشٍ سَعْيًا شَدِيدًا نَدْبًا، بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ، وَلَا يُؤْذَى إلَى الْعَلَمِ الْآخَرِ، وَهُوَ: الْمِيلُ الْأَخْضَرُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ حِذَاءَ دَارِ الْعَبَّاسِ، فَيَتْرُكُ شِدَّةَ السَّعْيِ، ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَرْقَى الْمَرْوَةَ نَدْبًا، وَيَسْتَقْبِلَ) الْقِبْلَةَ، (وَيَقُولَ عَلَيْهَا مَا قَالَ عَلَى الصَّفَا) ، لِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا، قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] فَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إذَا صَعِدْنَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ مَا بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، (فَيُلْصِقُ عَقِبَهُ بِأَصْلِهِمَا ابْتِدَاءً) أَيْ: فِي ابْتِدَائِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، (وَ) يُلْصِقُ (أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ) بِأَصْلِهِمَا (انْتِهَاءً) ، لِيَسْتَوْعِبَ مَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا لِعُذْرٍ، فَعَلَ ذَلِكَ بِدَابَّتِهِ، لَكِنْ قَدْ حَصَلَ عُلُوٌّ فِي الْأَرْضِ مِنْ الْأَتْرِبَةِ وَالْأَمْطَارِ بِحَيْثُ تَغَطَّى عِدَّةٌ مِنْ دَرَجِهِمَا، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرُ الْمُغَطَّى، فَيَحْتَاطُ لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِيَقِينٍ، (ثُمَّ يَنْقَلِبُ) ، فَيَنْزِلُ عَنْ الْمَرْوَةِ (إلَى الصَّفَا، فَيَمْشِي فِي مَوْضِعِ مَشْيِهِ، وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ، يَفْعَلُ) السَّاعِي (ذَلِكَ سَبْعًا، ذَهَابُهُ سَعْيَةٌ، وَرُجُوعُهُ سَعْيَةٌ) ، يَفْتَتِحُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ، (فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ، لَمْ يَحْتَسِبْ بِذَلِكَ الشَّوْطِ) ، لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . (وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ) ، أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، (وَمِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ الدُّعَاءِ: مَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 أَنَّهُ كَانَ إذَا سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ، وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ) ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا جُعِلَ رَمْيُ الْجِمَارِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَلَا يُسَنُّ سَعْيٌ مَا بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، (إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) فَهُوَ رُكْنٌ فِيهِمَا كَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ الطَّوَافِ، فَإِنَّهُ مَسْنُونٌ كُلَّ وَقْتٍ، (وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْقَى) الصَّفَا، وَلَا الْمَرْوَةَ، لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، (وَلَا تَسْعَى) سَعْيًا (شَدِيدًا) ، لِأَنَّهُ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ، وَلَا يُقْصَدُ ذَلِكَ فِي حَقِّهَا، بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا السِّتْرُ، وَذَلِكَ تَعْرِيضٌ لِلِانْكِشَافِ. (وَتُسَنُّ مُبَادَرَةُ مُعْتَمِرٍ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ) لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، (وَ) يُسَنُّ (تَقْصِيرُ مُتَمَتِّعٍ لَا هَدْيَ مَعَهُ، لِيَحْلِقَ) شَعْرَهُ (لِلْحَجِّ، وَيَتَحَلَّلُ مُتَمَتِّعٌ) - لِأَنَّ عُمْرَتَهُ تَمَّتْ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالتَّقْصِيرِ - (لَمْ يَسْقِ هَدْيًا، وَلَوْ لَبَّدَ رَأْسَهُ) ، لِحَدِيثِ ابْن عُمَرَ: «تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ، قَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ أَحْرَمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحِلَّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ مِنْهُمَا جَمِيعًا نَصًّا. (وَمُعْتَمِرٌ) غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ، يَحِلُّ (مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَوْ لَا، فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنْ تَرَكَ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ فِي عُمْرَتِهِ، وَوَطِئَ قَبْلَهُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعُمْرَتُهُ صَحِيحَةٌ، رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ مُعْتَمِرَةٍ وَقَعَ بِهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تُقَصِّرَ، قَالَ: " مَنْ تَرَكَ مِنْ مَنَاسِكِهِ شَيْئًا، أَوْ نَسِيَهُ، فَلْيُهْرِقْ دَمًا، قِيلَ: فَإِنَّهَا مُوسِرَةٌ، قَالَ: فَلْتَنْحَرْ نَاقَةً " (وَلَا يُسَنُّ تَأْخِيرُ تَحَلُّلٍ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَتَقَدَّمَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 (وَيَسْتَبِيحَانِ) ، أَيْ: الْمُعْتَمِرُ وَالْمُتَمَتِّعُ (بِهِ) ، أَيْ: بِالتَّحَلُّلِ، (جَمِيعَ الْمَحْظُورَاتِ) فِي الْإِحْرَامِ، (وَيَقْطَعَانِ التَّلْبِيَةَ فِي شُرُوعِهِمَا فِي طَوَافٍ) نَصًّا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. كَقَطْعِ (حَاجٍّ) لَهَا (بِأَوَّلِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) ، لِاشْتِغَالِهِ حِينَئِذٍ بِالدُّعَاءِ. (وَلَا بَأْسَ بِهَا) ، أَيْ: التَّلْبِيَةِ (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ) نَصًّا (سِرًّا) ، قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَيُكْرَهُ الْجَهْرُ بِهَا، لِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَى الطَّائِفِينَ، وَكَذَا السَّعْيُ بَعْدَهُ، (وَإِنْ سَاقَهُ) ، أَيْ: الْهَدْيَ، (مُتَمَتِّعٌ، لَمْ يَحِلَّ) مِنْ إحْرَامِهِ، (بَلْ يُحْرِمُ بِحَجٍّ بَعْدَ سَعْيِهِ) وُجُوبًا، (وَتَقَدَّمَ) أَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا، ثُمَّ يَحِلُّ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا يَوْمَ النَّحْرِ نَصًّا، لِحَدِيثِ حَفْصَةَ، قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا مِنْ الْعُمْرَةِ، وَلَمْ تُحِلَّ أَنْتَ؟ ، قَالَ: إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [تَنْبِيهٌ شُرُوطُ السَّعْيِ فِي الْحَجِّ] (تَنْبِيهٌ: شُرُوطُ سَعْيٍ تِسْعٌ) : (إسْلَامٌ، وَعَقْلٌ، وَنِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ) كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، (وَمُوَالَاةٌ) بَيْنَ الْأَشْوَاطِ. (وَيَتَّجِهُ) : كَمُوَالَاةِ (طَوَافٍ) ، فَلَيْسَ لَهُ الْفَصْلُ بَيْنَ أَشْوَاطِ السَّعْيِ، إلَّا لِمَكْتُوبَةٍ أُقِيمَتْ أَوْ جِنَازَةٍ حَضَرَتْ، فَلَهُ فِعْلُهَا وَالْبِنَاءُ عَلَى مَا سَبَقَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَشْيٌ لِقَادِرٍ، وَتَكْمِيلُ السَّبْعِ، وَاسْتِيعَابُ مَا بَيْنَ الصَّفَوَيْنِ) ، أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، (وَكَوْنُهُ) ، أَيْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 السَّعْيِ، (بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ) مُسْتَكْمِلٍ لِشُرُوطِ الصِّحَّةِ، (وَلَوْ) كَانَ الطَّوَافُ (مَسْنُونًا) ، كَطَوَافِ الْقُدُومِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرَ، سِوَى عُمْرَتِهِ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ، فَكَانَ يَسْعَى بَعْدَ الطَّوَافِ ". (وَيَتَّجِهُ: وَ) عَلَى السَّاعِي (بَدْءُ أَوْتَارِ) سَعْيِهِ (مِنْ الصَّفَا) كَمَا بَدَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) بَدْءُ (إشْفَاعِهِ مِنْ الْمَرْوَةِ) كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ الْمَشْرُوعُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسُنَنُهُ) ، أَيْ السَّعْيِ: (طَهَارَةُ) سَاعٍ مِنْ (حَدَثٍ، وَ) طَهَارَتُهُ أَيْضًا مِنْ (خَبَثٍ) فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ، (وَسَتْرِ عَوْرَةٍ) ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَوْ سَعَى عُرْيَانًا أَجْزَأَهُ، وَأَمَّا كَشْفُ الْعَوْرَةِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ، (وَذِكْرٌ وَدُعَاءٌ) ، لِمَا تَقَدَّمَ، (وَإِسْرَاعٌ وَمَشْيٌ بِمَوَاضِعِهِ، وَرُقِيٌّ، وَمُوَالَاةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَوَافٍ فَإِنْ طَافَ بِيَوْمٍ، وَسَعَى فِي) يَوْمٍ (آخَرَ، فَلَا بَأْسَ، وَلَا يُسَنُّ عَقِبَهُ) ، أَيْ: السَّعْيِ، (صَلَاةٌ) ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ. [بَابٌ صِفَةُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] (صِفَةُ الْحَجِّ) وَالْعُمْرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. (بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ) (يُسَنُّ لِمُحَلٍّ بِمَكَّةَ وَقُرْبَهَا وَلِمُتَمَتِّعٍ حَلَّ) مِنْ عُمْرَتِهِ (إحْرَامٌ بِحَجٍّ فِي ثَامِنِ ذِي الْحِجَّةِ، وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِيهِ: «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 التَّرْوِيَةِ، تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ» سُمِّيَ الثَّامِنُ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّوْنَ فِيهِ الْمَاءَ لِمَا بَعْدَهُ، أَوْ: لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ أَصْبَحَ يَتَرَوَّى فِيهِ فِي أَمْرِ الرُّؤْيَا (إلَّا مَنْ) ، أَيْ: مُتَمَتِّعًا، (لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَصَامَ) ، أَيْ: أَرَادَهُ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ (فِي سَابِعِهِ) ، أَيْ: ذِي الْحِجَّةِ، (لِيُتِمَّ صَوْمَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ) ، فَيَصُومَ السَّابِعَ وَالثَّامِنَ وَالتَّاسِعَ. (وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يَفْعَلَ عِنْدَ إحْرَامِهِ) مِنْ مَكَّةَ أَوْ قُرْبَهَا (مَا يَفْعَلُهُ مُحْرِمٌ مِنْ مِيقَاتٍ مِنْ غُسْلٍ وَغَيْرِهِ) ، أَيْ: تَنَظُّفٍ وَتَطَيُّبٍ فِي بَدَنِهِ، وَتَجَرُّدِ ذِكْرٍ مِنْ مَخِيطٍ، وَلُبْسِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ، وَنَعْلَيْنِ، (وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَطُوفُ) أُسْبُوعًا (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَلَا يَطُوفُ بَعْدَهُ) أَيْ: إحْرَامِهِ (لِوَدَاعِهِ) نَصًّا، لِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِهِ، (فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ طَافَ (وَسَعَى بَعْدَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ) سَعْيُهُ (عَنْ وَاجِبِ سَعْيٍ) لِحَجِّهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ طَوَافٌ وَاجِبٌ وَلَا مَسْنُونٌ، (وَالْأَفْضَلُ) أَنْ يَكُونَ (إحْرَامُهُ) مِنْ الْمَسْجِدِ (مِنْ تَحْتَ الْمِيزَابِ) وَكَانَ عَطَاءٌ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ مُهِلًّا بِالْحَجِّ، (وَجَازَ وَصَحَّ) إحْرَامُهُ (مِنْ خَارِجِهِ) أَيْ: الْحَرَمِ، (وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ نَصًّا، (ثُمَّ يَخْرُجُ لِمِنًى) وَهِيَ: (فَرْسَخٌ عَنْ مَكَّةَ) وَيَكُونُ خُرُوجُهُ (قَبْلَ الزَّوَالِ) نَدْبًا، (فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ، وَيُقِيمُ بِهَا لِلْفَجْرِ) وَيُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مِنًى، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ، سَارَ مِنْ مِنًى، فَأَقَامَ بِنَمِرَةَ: مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ وَهُوَ: جَبَلٌ عَلَيْهِ أَنْصَابُ الْحَرَمِ عَلَى يَمِينِكَ إذَا خَرَجْتَ مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ تُرِيدُ الْمَوْقِفَ إلَى الزَّوَالِ، فَيَخْطُبُ بِهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ خُطْبَةً قَصِيرَةً مُفْتَتَحَةً بِالتَّكْبِيرِ، يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا الْوُقُوفَ وَوَقْتَهُ، وَالدَّفْعَ مِنْهُ، وَالْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَنَحْوَهُ مِنْ الْحَلْقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 وَالنَّحْرِ» لِحَدِيثِ جَابِرٍ " حَتَّى إذَا جَاءَ عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ " قَالَ الْخَطَّابِيِّ: الْقَصْوَاءُ: مَفْتُوحَةُ الْقَافِ، مَمْدُودَةُ الْأَلِفِ، وَهِيَ: الْمَقْطُوعَةُ طَرَفِ الْأُذُنِ، وَفِي " الصِّحَاحِ ": وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَةٌ تُسَمَّى قَصْوَاءَ، وَلَمْ تَكُنْ مَقْطُوعَةَ الْأُذُنِ. (ثُمَّ يَجْمَعُ تَقْدِيمًا مَنْ يَجُوزُ لَهُ) الْجَمْعُ، وَهُوَ الْمُسَافِرُ، (وَلَوْ) صَلَّى (مُنْفَرِدًا) نَصًّا (بَيْنَ ظُهْرٍ وَعَصْرٍ) بِأَذَانِ الْأُولَى وَإِقَامَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» «وَقَالَ سَالِمٌ لِلْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ يَوْمَ عَرَفَةَ: إنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ، فَقَصِّرْ الْخُطْبَةَ، وَعَجِّلْ الصَّلَاةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَدَقَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (ثُمَّ يَأْتِي عَرَفَةَ، وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَقَدْ وَقَفْت هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) لِحَدِيثِ: «كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. فَلَا يُجْزِئُ وُقُوفُهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَرَفَةَ كَمُزْدَلِفَةَ. (وَحَدُّ عَرَفَاتٍ: مِنْ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى عُرَنَةَ، إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ، إلَى مَا يَلِي بَسَاتِينَ بَنِي عَامِرٍ. وَسُنَّ وُقُوفُهُ) أَيْ: الْحَاجِّ، بِعَرَفَةَ (رَاكِبًا) لِقَوْلِ جَابِرٍ: «ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءَ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ جَبَلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ» (بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ) فَيَفْعَلُهَا غَيْرَ رَاكِبٍ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ طَوَافٍ وَسَعْيٍ رَاكِبًا، (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمُفْتَرَشَةِ أَسْفَلَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ) ، وَاسْمُهُ: إلَالٌ عَلَى وَزْنِ هِلَالٍ وَيُقَالُ لَهُ: جَبَلُ الدُّعَاءِ، لِقَوْلِ جَابِرٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 وَتَقَدَّمَ. (وَلَا يُشْرَعُ صُعُودُهُ) أَيْ: جَبَلِ الرَّحْمَةِ إجْمَاعًا، (فَرَاكِبٌ يَجْعَلُ بَطْنَ رَاحِلَتِهِ لِلصَّخَرَاتِ) لِلْخَبَرِ (وَرَاجِلٌ يَقِفُ عَلَيْهَا) أَيْ: الصَّخَرَاتِ. [فَائِدَةٌ أَفْضَلِيَّةُ الْمَشْيِ فِي الْحَجِّ عَلَى الرُّكُوبِ] فَائِدَةٌ: قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ " أَفْضَلِيَّةُ الْمَشْيِ فِي الْحَجِّ عَلَى الرُّكُوبِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي مُثِيرِ الْعَزْمِ السَّاكِنِ " فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْبَارَ فِي ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُبَّادِ، وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ حَجَّ خَمْسَ عَشْرَةَ حَجَّةً مَاشِيًا، وَذَكَرَ غَيْرُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَالْجَنَائِبُ تُقَادُ مَعَهُ. وَقَالَ فِي " أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ ": فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْمَاشِي: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعَمِائَةِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ، وَقِيلَ لَهُ: وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ: بِكُلِّ حَسَنَةٍ مِائَةُ أَلْفِ حَسَنَةٍ» قَالَ: وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتُصَافِحُ رُكْبَانَ الْحَجِّ، وَتَعْتَنِقُ الْمُشَاةَ» . (وَيَرْفَعُ وَاقِفٌ) بِعَرَفَةَ (يَدَيْهِ نَدْبًا) وَلَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ، (وَيُكْثِرُ مِنْ دُعَاءٍ وَاسْتِغْفَارٍ، وَتَضَرُّعٍ وَخُشُوعٍ، وَإِظْهَارِ ضَعْفٍ وَافْتِقَارٍ، وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ، وَيُكَرِّرُ كُلَّ دُعَاءٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيُكْثِرُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا) إلَى آخِرِ (الْآيَةِ، اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً، إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ) لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ " عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ - بِفَتْحِ الْكَافِ، وَآخِرُهُ زَايٌ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» وَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَرَفَةَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» . (وَيُكْثِرُ الْبُكَاءَ مَعَ ذَلِكَ) الذِّكْرِ، وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَامَةُ الْقَبُولِ، (فَهُنَالِكَ) أَيْ: فِي هَذَا الْمَقَامِ الْعَظِيمِ، (تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ) إذْ ذَاكَ الْيَوْمُ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ، وَمَوْقِفُهُ أَشْرَفُ مَوَاقِفِ الْإِسْلَامِ، (وَتُقَالُ الْعَثَرَاتُ) ، وَتُغْفَرُ الزَّلَّاتُ، فَيَا هَنِيئًا لِمَنْ حَصَلَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، مُخْلِصًا لِلَّهِ فِي السِّرِّ وَالْإِعْلَانِ، وَكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالٍ حَلَالٍ، وَاتَّقَى الرَّفَثَ وَالْفُسُوقَ وَالْجِدَالَ، وَوَقَفَ مَوْقِفَ الذَّلِيلِ الْحَقِيرِ وَدَعَا بِمَا وَرَدَ عَنْ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَهُوَ: اللَّهُمَّ إنَّك تَرَى مَكَانِي، وَتَسْمَعُ كَلَامِي، وَتَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي، أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ، الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ، الْوَجِلُ الْمُشْفِقُ، الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ، أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمَسَاكِينِ، وَأَبْتَهِلُ إلَيْك ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ وَأَدْعُوك دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ، مَنْ خَشَعَتْ لَك رَقَبَتُهُ، وَذَلَّ لَك جَسَدُهُ، وَفَاضَتْ لَك عَيْنَاهُ، وَرَغِمَ لَك أَنْفُهُ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، اللَّهُمَّ اهْدِنِي بِالْهُدَى، وَقِنِي بِالتَّقْوَى، وَاغْفِرْ لِي فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى. وَيَرُدُّ يَدَيْهِ، وَيَسْكُتُ قَدْرَ مَا كَانَ إنْسَانٌ قَارِئًا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، ثُمَّ يَعُودُ، فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، لَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى أَفَاضَ. (وَوَقْتُ وُقُوفٍ: مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) لِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ الطَّائِيِّ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 بِالْمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي جِئْت مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ، أَكْلَلْت رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْت نَفْسِي، وَاَللَّهِ مَا تَرَكْت مِنْ جَبَلٍ إلَّا وَقَفْت عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ لَهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ كَافَّةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَكَانَ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ كَمَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَتَرْكُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْوُقُوفَ فِيهِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ، كَمَا بَعْدَ الْعِشَاءِ. وَإِنَّمَا وَقَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقْتَ الْفَضِيلَةِ. (فَمَنْ حَصَلَ فِيهِ) أَيْ: فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ، (لَا مَعَ سُكْرٍ أَوْ إغْمَاءٍ) مَا لَمْ يُفِقْ بِهَا. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ جُنُونٍ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ، مُصَرَّحٌ بِهِ فِي مَتْنِ الْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِ (بِعَرَفَةَ) وَلَوْ (لَحْظَةً) مُخْتَارًا، (وَهُوَ) أَيْ: الْحَاصِلُ بِعَرَفَةَ لَحْظَةً (أَهَلَّ) لِلْحَجِّ، بِأَنْ كَانَ مُحْرِمًا بِهِ مُسْلِمًا عَاقِلًا، (وَلَوْ مَارًّا) بِعَرَفَةَ رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا، (أَوْ) مَرَّ بِهَا (نَائِمًا أَوْ جَاهِلًا أَنَّهَا عَرَفَةُ، صَحَّ حَجُّهُ) لِلْخَبَرِ، وَأَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ حُرًّا بَالِغًا، وَإِلَّا، فَنَفْلٌ (وَيَأْتِي) قُبَيْلَ بَابِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيّ، (وَلَوْ أَخْطَئُوا الْوُقُوفَ) مُفَصَّلًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ طَاهِرًا مِنْ الْحَدَثَيْنِ، وَمِنْ نَجَاسَةٍ بِبَدَنِهِ وَثَوْبِهِ، كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ. (وَيَصِحُّ وُقُوفُ حَائِضٍ إجْمَاعًا كَعَائِشَةَ) الصِّدِّيقَةِ بِنْتِ الصِّدِّيقِ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) وَعَنْ أَبِيهَا، وَعَنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَإِنَّهَا وَقَفَتْ حَائِضًا بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَمَنْ وَقَفَ) بِعَرَفَةَ (نَهَارًا، وَدَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَلَمْ يَعُدْ) بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ إلَى عَرَفَةَ (أَوْ عَادَ) إلَيْهَا (قَبْلَهُ) أَيْ: الْغُرُوبِ (وَلَمْ يَقَعْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 أَيْ: الْغُرُوبُ (وَهُوَ بِهَا) أَيْ: عَرَفَةَ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِهِ وَاجِبًا، كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ، وَهُوَ: الْوُقُوفُ فِي النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، كَمَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ (بِخِلَافِ وَاقِفٍ لَيْلًا فَقَطْ) فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. لِحَدِيثِ: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ، فَأَشْبَهَ مِنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ إذَا أَحْرَمَ مِنْهُ (فَرْعٌ) : وَقْفَةُ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ يَوْمِهَا سَاعَةَ الْإِجَابَةِ (إنْ وَافَقَ) يَوْمُ (عَرَفَةَ) يَوْمَ (الْجُمُعَةِ كَانَ لَهَا مَزِيَّةٌ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ) قِيلَ وَلِهَذَا اُشْتُهِرَ الْحَجُّ بِالْأَكْبَرِ إذَا كَانَتْ الْوَقْفَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِأَنَّ فِيهَا مُوَافَقَةَ حَجِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ وَقْفَةَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْحَدِيثَيْنِ الْآتِيَيْنِ. (قَالَ) ابْنُ الْقَيِّمِ (فِي " الْهَدْيِ) النَّبَوِيِّ ": (مَا اسْتَفَاضَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ مِنْ أَنَّهَا) أَيْ: وَقْفَةَ الْجُمُعَةِ (تَعْدِلُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ حَجَّةً، فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ. انْتَهَى. وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِي التَّضْعِيفَ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحَسَنَةَ تَتَضَاعَفُ بِزَمَنٍ فَاضِلٍ، وَلِحَدِيثِ رَزِينٍ مَرْفُوعًا: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ وَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» ذَكَرَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنَاسِكِهِ، وَالْكَازَرُونِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْأَخَوَيْنِ " وَالشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ عَلِيٌّ الزِّيَادِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ، وَحَدِيثُ - «إذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، غَفَرَ اللَّهُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ» - قَدْ يَسْتَشْكِلُ أَنَّهُ وَرَدَ مِثْلُهُ فِي مُطْلَقِ الْحَجِّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى مَغْفِرَتِهِ لَهُمْ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَحُمِلَ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ يَهَبُ قَوْمًا لِقَوْمٍ، ذَكَرَهُ الْكَازَرُونِيُّ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ جَمَاعَةَ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ أَبِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 [فَصْلٌ الدَّفْعُ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ عَرَفَةَ لِمُزْدَلِفَةَ] (فَصْلٌ) (ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ الْغُرُوبِ) مِنْ عَرَفَةَ (لِمُزْدَلِفَةَ) مِنْ الزُّلَفِ، وَهُوَ: التَّقْرِيبُ، لِأَنَّ الْحَاجَّ إذَا أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ ازْدَلَفُوا إلَيْهَا أَيْ: تَقَرَّبُوا وَمَضَوْا إلَيْهَا، وَتُسَمَّى جَمْعًا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا (مَعَ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ، كَأَمِيرٍ حَاجٍّ، فَيُكْرَهُ) الدَّفْعُ (قَبْلَهُ) لِقَوْلِ أَحْمَدَ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَدْفَعَ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لَكِنْ لَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَهِيَ) أَيْ: مُزْدَلِفَةُ: (مَا بَيْنَ الْمَأْزِمَيْنِ) بِالْهَمْزِ وَكَسْرِ الزَّايِ، وَهُمَا: جَبَلَانِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ (وَوَادِي مُحَسِّرٍ) بِالْحَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ: وَادٍ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَحْسَرُ سَالِكَهُ (بِسَكِينَةٍ) لِقَوْلِ جَابِرٍ: «دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ شَنَقَ الْقَصْوَاءَ بِالزِّمَامِ حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ» وَقَوْلُهُ: شَنَقَ، أَيْ: كَفَّ رَأْسَهَا إلَى مُقَدَّمَةِ الرَّحْلِ، وَقَوْلُهُ: مَوْرِكَ رَحْلِهِ، الْوَرِكُ: مَا فَوْقَ الْفَخِذِ (يُسْرِعُ فِي الْفُرْجَةِ) لِحَدِيثِ أُسَامَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» ، أَيْ: أَسْرَعَ لِأَنَّ الْعَنَقَ انْبِسَاطُ السَّيْرِ، وَالنَّصُّ: فَوْقَ الْعَنَقِ (فَإِذَا بَلَغَهَا) أَيْ: مُزْدَلِفَةَ (جَمَعَ الْعِشَاءَيْنِ بِهَا) أَيْ: مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ (نَدْبًا، وَلَوْ مُنْفَرِدًا قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ) لِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: «دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ، نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَقُلْت لَهُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَك، فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ مُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 [تَنْبِيهٌ صَلَّى الذَّاهِب إلَى مُزْدَلِفَة الْمَغْرِبَ بِالطَّرِيقِ] تَنْبِيهٌ: لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِالطَّرِيقِ، تَرَكَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَهُ، لِأَنَّ كُلَّ صَلَاتَيْنِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَفِعْلُهُ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، مَحْمُولٌ عَلَى الْأَفْضَلِ. (ثُمَّ يَبِيتُ بِهَا) أَيْ: بِمُزْدَلِفَةَ (وُجُوبًا لِنِصْفِ لَيْلٍ) وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْقَى بِهَا إلَى الصَّبَاحِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، بَاتَ بِهَا وَقَالَ: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَلَيْسَ بِرُكْنٍ لِحَدِيثِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» ، أَيْ جَاءَ عَرَفَةَ (وَلَهُ) أَيْ: الْحَاجِّ (الدَّفْعُ مِنْهَا) ، أَيْ: مُزْدَلِفَةَ (قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كُنْت فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتْ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَفِيهِ) أَيْ: الدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ (قَبْلَهُ) أَيْ: نِصْفِ اللَّيْلِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ أَوْ جَاهِلًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا (عَلَى غَيْرِ رُعَاةٍ، وَ) غَيْرِ (سُقَاةِ) زَمْزَمَ (دَمٌ) لِتَرْكِهِ نُسُكًا وَاجِبًا، وَالنِّسْيَانُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي جَعْلِ الْمَوْجُودِ كَالْمَعْدُومِ، لَا فِي جَعْلِ الْمَعْدُومِ كَالْمَوْجُودِ، وَأَمَّا السُّقَاةُ وَالرُّعَاةُ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، رَخَّصَ لِلرُّعَاةِ فِي تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ، وَرَخَّصَ لِلْعَبَّاسِ فِي تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ، لِأَجْلِ سِقَايَتِهِ وَلِلْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ بِالْمَبِيتِ (مَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا) أَيْ: مُزْدَلِفَةَ (قَبْلَ الْفَجْرِ) نَصًّا، فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا قَبْلَهُ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ (كَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا) أَيْ: مُزْدَلِفَةَ (إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي) مِنْ اللَّيْلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ فِيهَا جُزْءًا مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُهُ، كَمَنْ لَمْ يَأْتِ عَرَفَةَ إلَّا لَيْلًا. (وَمَنْ أَصْبَحَ بِهَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 أَيْ: مُزْدَلِفَةَ (صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ يَرْفَعُهُ «صَلَّى الصُّبْحَ بِهَا حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ» وَلِيَتَّسِعَ وَقْتُ وُقُوفِهِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ (ثُمَّ أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ) سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَجِّ، وَهُوَ: (جَبَلٌ صَغِيرٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ) اسْمُهُ فِي الْأَصْلِ: قُزَحٌ (فَرَقَى عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَهُ، أَوْ وَقَفَ عِنْدَهُ وَحَمِدَ اللَّهَ، وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، وَرَقِيَ عَلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَهَلَّلَهُ وَكَبَّرَهُ» (وَدَعَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا أَوْقَفْتَنَا فِيهِ، وَأَرَيْتَنَا إيَّاهُ، فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِكَ كَمَا هَدَيْتَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدَتْنَا بِقَوْلِك، وَقَوْلُك الْحَقُّ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198] الْآيَتَيْنِ (إلَى: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] . ثُمَّ لَا يَزَالُ يَدْعُو إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا) لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَمْ يَزَلْ وَاقِفًا عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا» (فَيَسِيرُ) قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، لِقَوْلِ عُمَرَ: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالَفَهُمْ، فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَثَبِيرُ: جَبَلٌ مَعْرُوفٌ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ. (بِسَكِينَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ، فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» . (فَإِذَا بَلَغَ مُحَسِّرًا، أَسْرَعَ) قَدْرَ (رَمْيَةِ حَجَرٍ) إنْ كَانَ (مَاشِيًا، أَوْ) حَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَ (رَاكِبًا) لِقَوْلِ جَابِرٍ: «حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا» وَعَنْ عُمَرَ: «أَنَّهُ لَمَّا أَتَى مُحَسِّرًا، أَسْرَعَ، وَقَالَ: إلَيْكَ يَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا ... مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا » الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 الْقَلَقُ: الِانْزِعَاجُ. وَالْوَضِينُ، بِمُعْجَمَةٍ: حِزَامُ الرَّحْلِ. (وَيَأْخُذُ حَصَى الْجِمَارِ سَبْعِينَ حَصَاةً) كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُهُ مِنْ جَمْعٍ، وَفَعَلَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَالَ: كَانُوا يَتَزَوَّدُونَ الْحَصَى مِنْ جَمْعٍ، وَذَلِكَ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنًى بِشَيْءٍ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَهُوَ تَحِيَّتُهَا، فَلَا يَشْتَغِلُ قَبْلَهُ بِشَيْءٍ، وَتَكُونُ الْحَصَاةُ (أَكْبَرَ مِنْ الْحِمَّصِ، وَدُونَ الْبُنْدُقِ) ، كَحَصَى الْخَذْفِ، بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ، أَيْ الرَّمْيِ بِنَحْوِ حَصَاةٍ، أَوْ نَوَاةٍ بَيْنَ السَّبَّابَتَيْنِ تُحْذَفُ بِهَا (مِنْ حَيْثُ شَاءَ) أَخَذَ حَصَى الْجِمَارِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مِنًى، وَلَهُ أَخْذُهُ (مِنْ مُزْدَلِفَةَ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَدَاةَ الْعَقَبَةِ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ: اُلْقُطْ لِي حَصًى، فَلَقَطْت لَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ، فَجَعَلَ يَقْبِضُهُنَّ فِي كَفِّهِ، وَيَقُولُ: أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ فَارْمُوا، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى ". (وَكَرِهَ) أَخْذُ الْحَصَى (مِنْ مِنًى وَسَائِرِ الْحَرَمِ) وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ " وَ " الْإِنْصَافِ " وَ " التَّنْقِيحِ " " وَالْمُنْتَهَى " بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ فِي " الْإِنْصَافِ ": أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ طَرِيقِهِ، وَمِنْ مُزْدَلِفَةُ، وَمِنْ حَيْثُ شَاءَ، وَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: مِنْ حَيْثُ شَاءَ، وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ. قَالَ أَحْمَدُ: خُذْ الْحَصَى مِنْ حَيْثُ شِئْت، وَفِي حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ «حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا قَالَ: عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي تُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِذَلِكَ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ "، عَمَّا فِي " الْفُرُوعِ ": إنَّهُ سَهْوٌ، وَقَالَ: لَعَلَّهُ أَرَادَ حَرَمَ الْكَعْبَةِ، وَفِي مَعْنَاهُ قُوَّةٌ. انْتَهَى. أَيْ: أَرَادَ بِالْحَرَمِ: الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِهَا، جَازَ، إلَّا مِنْ الْمَسْجِدِ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ حَصْبَاءِ الْحَرَمِ وَتُرَابِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 انْتَهَى. وَقَوْلُ ابْنِ جَمَاعَةَ فِي " الْمَنَاسِكِ الْكُبْرَى ": وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إنَّهُ يُكْرَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَمِنْ الْحِلِّ. انْتَهَى. وَمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ " الْفُرُوعِ " لَا يَتَأَتَّى الْجَوَابُ بِهِ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. (وَ) كُرِهَ أَخْذٌ (مِنْ الْحَشِّ) لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ نَجَاسَتِهِ (وَ) كُرِهَ (تَكْسِيرُهُ) أَيْ: الْحَصَى، لِئَلَّا يَطِيرَ إلَى وَجْهِهِ شَيْءٌ يُؤْذِيهِ (وَلَا يُسَنُّ غَسْلُ غَيْرِ نَجَسٍ) مِنْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ (وَتُجْزِئُ حَصَاةٌ نَجِسَةٌ بِكَرَاهَةٍ) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ فَارْمُوا» . (وَ) تُجْزِئُ حَصَاةٌ (فِي خَاتَمٍ إنْ قَصَدَهَا) بِالرَّمْيِ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُمَا، لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (وَ) تُجْزِئُ حَصَاةٌ (غَيْرُ مَعْهُودَةٍ) كَحَصَاةٍ (مِنْ مسن وَبِرَامٍ وَمَرْمَرٍ وكدان) وَسَوَاءٌ السَّوْدَاءُ، وَالْحَمْرَاءُ، وَالْبَيْضَاءُ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ. (لَا) تُجْزِئُ حَصَاةٌ (صَغِيرَةٌ جِدًّا أَوْ كَبِيرَةٌ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا لَا يُسَمَّى حَصًى وَالْكَبِيرَةُ تُسَمَّى حَجَرًا (أَوْ) أَيْ: وَلَا تُجْزِئ (مَا) أَيْ: حَصَاةٌ (رَمَى بِهَا) لِأَخْذِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، ` الْحَصَى مِنْ غَيْرِ الْمَرْمِيِّ، وَلِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي عِبَادَةٍ، فَلَا تُسْتَعْمَلُ فِيهَا ثَانِيًا، كَمَاءِ وُضُوءٍ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ (بِغَيْرِ الْحَصَى، كَجَوْهَرٍ وَذَهَبٍ) وَزُمُرُّدٍ (وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ وبلخش وَفَيْرُوزَجَ، وَنَحْوِ نُحَاسٍ) كَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ (فَإِذَا وَصَلَ مِنًى - وَحَدُّهَا: مَا بَيْنَ وَادِي مُحَسِّرٍ وَجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ - بَدَأَ بِهَا) أَيْ: جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (فَرَمَاهَا) رَاكِبًا إنْ كَانَ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: مَاشِيًا نَصًّا (بِسَبْعٍ) وَاحِدَةٌ بَعْدَ أُخْرَى، لِحَدِيثِ جَابِرٍ «حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا» (وَهُوَ) أَيْ: الرَّمْيُ: (تَحِيَّةُ مِنًى) كَمَا أَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، فَلَا يَبْدَأُ بِشَيْءٍ قَبْلَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 (وَشَرْطُ وَقْتٍ) وَهُوَ وَقْتُ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ إنْ كَانَ وَقَفَ، وَإِلَّا، فَبَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ. (وَرَمْيٍ، فَلَا يُجْزِئُ وَضْعٌ) فِي الْمَرْمَى (بِدُونِهِ) أَيْ: الرَّمْيِ، وَيُجْزِئُ طَرْحُهَا. (وَ) يُشْتَرَطُ (عَدَدٌ) وَهُوَ سَبْعٌ، لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَوْلِهِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَكَوْنُهُ) أَيْ: الرَّامِي يَرْمِي الْحَصَى (بِنَفْسِهِ) إنْ كَانَ قَادِرًا. (وَيَسْتَنِيبُ) بَالِغٌ أَوْ مُمَيِّزٌ (لِعَجْزِهِ) عَنْ الرَّمْيِ لِزَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا (وَكَوْنُهُ) أَيْ: الرَّمْيِ (وَاحِدَةٌ) مِنْ الْحَصَى (فَوَاحِدَةٌ) مِنْهُ (فَلَوْ رَمَى) أَكْثَرَ مِنْ حَصَاةٍ (دَفْعَةً) بِفَتْحِ الدَّالِ (فَوَاحِدَةً) يَحْتَسِبُ بِهَا وَيُتِمُّ عَلَيْهَا (وَأَدَبٍ) لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ (وَ) يُشْتَرَطُ (عِلْمُ الْحُصُولِ) لِحَصًى يَرْمِيهِ (بِالْمَرْمَى) فَلَا يَكْفِي ظَنُّهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ بِذِمَّتِهِ، فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ عَلَى الْمَذْهَبِ (فَلَوْ) رَمَى حَصَاةً، فَالْتَقَطَهَا طَائِرٌ، أَوْ ذَهَبَتْ بِهَا الرِّيحُ قَبْلَ وُقُوعِهَا بِالرَّمْيِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ (وَقَعَتْ) الْحَصَاةُ (خَارِجَهُ) أَيْ: الْمَرْمَى (ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ فِيهِ) أَيْ: الْمَرْمَى، أَجْزَأَتْهُ (أَوْ) رَمَاهَا فَوَقَعَتْ (عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ، ثُمَّ صَارَتْ فِيهِ) أَيْ: الْمَرْمَى، (وَلَوْ بِنَفْضِ غَيْرِهِ) أَيْ الرَّامِي (أَجْزَأَتْهُ) نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " الْفَائِقِ " وَالْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " التَّلْخِيصِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى "، لِأَنَّ الرَّامِيَ انْفَرَدَ بِهَا (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَوْلٌ لِصَاحِبِ " الْفُرُوعِ ": صَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". تَنْبِيهٌ: قَدْ عَلِمْت مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْمَرْمَى مُجْتَمَعُ الْحَصَى، لَا نَفْسُ الشَّاخِصِ وَلَا مَسِيلُهُ. (وَيَتَّجِهُ) : مَحَلُّ إجْزَاءِ حَصَاةٍ نُفِضَتْ عَنْ ثَوْبِ غَيْرِ رَامِيهَا: (إنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 نَفَضَهَا) عَنْ ثَوْبِهِ (فَوْرًا) وَحَصَلَتْ فِي الْمَرْمَى، وَهَذَا مُتَّجِهٌ (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا: (أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَمْيٍ) مِنْ نَافِضٍ (بِيَدٍ) فَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ لَوْ نَفَضَهَا عَنْ ثَوْبِهِ بِغَيْرِ يَدِهِ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ وَاَلَّذِي يَتَبَادَرُ خِلَافُهُ، إذْ النَّفْضُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا. (وَوَقْتُ رَمْيٍ مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) لِمَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ «أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تُعَجِّلَ الْإِفَاضَةَ وَتُوَافِيَ مَكَّةَ مَعَ صَلَاةِ الْفَجْرِ» ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ، أَشْبَهَ مَا بَعْدَ الشَّمْسِ (كَ) مَا أَنَّ وَقْتَ (طَوَافِ) الزِّيَارَةِ: مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ لِمَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا) وَقْتُ (حَلْقٍ) مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَنُدِبَ رَمْيٌ بَعْدَ الشُّرُوقِ) لِقَوْلِ جَابِرٍ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 يَرْمِي الْجَمْرَةَ ضُحَى النَّحْرِ وَحْدَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلُهُ: وَحْدَهُ، رَاجِعٌ لِيَوْمِ الْعِيدِ لَا لِلرَّامِي، وَأَمَّا بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ، فَشُرِعَ الرَّمْيُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَحَدِيثُ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» ، مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الْفَضِيلَةِ (فَإِنْ غَرَبَتْ) شَمْسُ يَوْمِ النَّحْرِ، (وَلَمْ يَرْمِ فَ) يَرْمِي تِلْكَ الْجَمْرَةَ (مِنْ غَدِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: " مَنْ فَاتَهُ الرَّمْيُ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، فَلَا يَرْمِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ الْغَدِ " (فَلَا يُجْزِئُ) الرَّمْيُ (قَبْلَهُ) أَيْ: الزَّوَالِ، لِلْخَبَرِ. (وَ) نُدِبَ (أَنْ يُكَبِّرَ رَامٍ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ (وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا) لِمَا رَوَى حَنْبَلٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: «رَأَيْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ، وَرَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَذَكَرَهُ، فَسَأَلْتُهُ عَمَّا صَنَعَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى الْجَمْرَةَ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ، وَيَقُولُ كُلَّمَا رَمَى مِثْلَ ذَلِكَ» . (وَ) نُدِبَ (أَنْ يَسْتَبْطِنَ الْوَادِيَ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَأَنْ يَرْمِيَ عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ: «لَمَّا أَتَى عَبْدُ اللَّهِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ اسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَجَعَلَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ، مِنْ هَا هُنَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. (وَيَرْفَعُ يُمْنَاهُ عِنْدَ رَمْيٍ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ) لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ عَلَى الرَّمْيِ. (وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) أَيْ: جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 مَرْفُوعًا: «كَانَ إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، انْصَرَفَ وَلَا يَقِفُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِلْبُخَارِيِّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِضِيقِ الْمَكَانِ (بَلْ يَرْمِيهَا مَاشِيًا) نَدْبًا، وَأَمَّا كَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَاهَا رَاكِبًا، فَلِأَجْلِ أَنْ يَرَاهُ عَامَّةُ النَّاسِ (وَلَهُ رَمْيُهَا) أَيْ: جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (مِنْ فَوْقِهَا) لِفِعْلِ عُمَرَ لَمَّا رَأَى مِنْ الزِّحَامِ عِنْدَهَا. (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ الرَّمْيِ) لِحَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: «حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَطَعَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ» رَوَاهُ حَنْبَلٌ فِي الْمَنَاسِكِ. (ثُمَّ يَنْحَرُ هَدْيًا مَعَهُ) وَاجِبًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا، لِقَوْلِ جَابِرٍ: «ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، وَعَلَيْهِ وَاجِبٌ، اشْتَرَاهُ، وَإِذَا نَحَرَهَا فَرَّقَهَا لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، أَوْ أَطْلَقَهَا لَهُمْ (وَيَأْتِي) فِي بَابِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ (وَقْتُ ذَبْحِهِ) وَحُكْمُ جِلَالٍ وَجُلُودٍ وَإِعْطَاءِ جَازِرٍ مِنْهَا (ثُمَّ يَحْلِقُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] (وَهُوَ) أَيْ: الْحَلْقُ (أَفْضَلُ) مِنْ التَّقْصِيرِ، (وَلَوْ لَبَّدَ رَأْسَهُ) أَيْ: الْمُلَبِّدُ لَا يُمْكِنُ التَّقْصِيرُ مِنْهُ كُلِّهِ، قَالَ فِي " الْفَائِقِ ": وَلَوْ كَانَ مُلَبَّدًا تَعَيَّنَ الْحَلْقُ فِي الْمَنْصُوصِ، وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحِ، وَيَكُونُ حَلْقُهُ (بِنِيَّةِ النُّسُكِ) وُجُوبًا، لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ. (وَسُنَّ اسْتِقْبَالُهُ) أَيْ: الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ الْقِبْلَةَ، كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ (وَ) سُنَّ (تَكْبِيرٌ وَدُعَاءٌ) وَقْتَ الْحَلْقِ كَالرَّمْيِ (وَ) سُنَّ (بَدَاءَةً بِشِقٍّ أَيْمَنَ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 خُذْ، وَأَشَارَ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَ) سُنَّ (بُلُوغٌ بِحَلْقِ الْعَظْمَيْنِ عِنْدَ مُنْتَهَى الصُّدْغَيْنِ) مِنْ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لِلْحَالِقِ: " أَبْلِغْ الْعَظْمَيْنِ، افْصِلْ الرَّأْسَ مِنْ اللِّحْيَةِ "، وَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: مِنْ السُّنَّةِ إذَا حَلَقَ أَنْ يَبْلُغَ الْعَظْمَيْنِ (أَوْ يُقَصِّرَ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ (لَا مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بِعَيْنِهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِحَلْقِهِ، وَلَا يُجْزِئُ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرُهُ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ» فَكَانَ تَفْسِيرًا لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ. (وَالْمَرْأَةُ تُقَصِّرُ) مِنْ شَعْرِهَا (كَذَلِكَ أُنْمُلَةٌ فَأَقَلُّ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ، إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ الْحَلْقَ مُثْلَةٌ فِي حَقِّهِنَّ، فَتُقَصِّرُ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ (كَعَبْدٍ، وَلَا يَحْلِقُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) لِأَنَّ بَقَاءَ شَعْرِهِ يَزِيدُ فِي قِيمَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ) : إنَّمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْعَبْدِ التَّقْصِيرُ (إنْ نَقَصَتْ بِهِ) أَيْ: الْحَلْقِ (قِيمَتُهُ) وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مُوَافِقٌ لِتَعْلِيلِهِمْ، بَلْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ " فَقَالَ: لِأَنَّ الْحَلْقَ يُنْقِصُ قِيمَتَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسَنُّ) لِمَنْ حَلَقَ (أَخْذُ ظُفُرٍ وَشَارِبٍ، وَشَعْرِ إبْطٍ وَنَتْفِ عَانَةٍ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 قَلَّمَ أَظْفَارَهُ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ. (وَتَطَيُّبٌ عِنْدَ تَحَلُّلٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَيَأْتِي. (وَ) سُنَّ أَنْ (لَا يُشَارِطَ الْحَلَّاقَ عَلَى أُجْرَةٍ) لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ. (وَسُنَّ إمْرَارُ مُوسَى عَلَى مَنْ عَدِمَهُ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَجِبْ، لِأَنَّ الْحَلْقَ مَحَلُّهُ الشَّعْرُ، فَيَسْقُطُ بِعَدَمِهِ كَغَسْلِ عُضْوٍ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَبِأَيِّ شَيْءٍ قَصَّرَ أَجْزَأَهُ، وَكَذَا إنْ نَتَفَهُ أَوْ أَزَالَهُ بِنُورَةٍ، لَكِنَّ السُّنَّةَ الْحَلْقُ، أَوْ التَّقْصِيرُ. (ثُمَّ) بَعْدَ رَمْيٍ أَوْ حَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ (قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ) حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ (إلَّا النِّسَاءِ) نَصًّا (مِنْ وَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ) كَالْمُبَاشَرَةِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ (وَعَقْدِ نِكَاحٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ، وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَا حَدَّ لِآخِرِ حَلْقٍ كَطَوَافٍ، فَلَا دَمَ عَلَى مَنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ (عَنْ أَيَّامِ مِنًى) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَبَيَّنَ أَوَّلَ وَقْتِهِ دُونَ آخِرِهِ، فَمَتَى أَتَى بِهِ أَجْزَأَهُ كَالطَّوَافِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ نُسُكًا كَالطَّوَافِ، وَتَقَدَّمَ (أَوْ قَدَّمَهُ) أَيْ: الْحَلْقَ (عَلَى رَمْيٍ، أَوْ) قَدَّمَهُ عَلَى (نَحْرٍ) أَوْ نَحْرٍ قَبْلَ رَمْيِهِ (أَوْ طَافَ) لِلْإِفَاضَةِ (قَبْلَ رَمْيِ) جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ عَطَاءٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَفَضْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ، وَلَا حَرَجَ» وَعَنْهُ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ فَلَا حَرَجَ» رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، «وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: اذْبَحْ، وَلَا حَرَجَ، فَقَالَ آخَرُ: ذَبَحْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ، وَلَا حَرَجَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَمَا سَمِعْته سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ مِمَّا يَنْسَى الْمَرْءُ أَوْ يَجْهَلُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأُمُورِ عَلَى بَعْضٍ وَأَشْبَاهِهِمَا إلَّا قَالَ: افْعَلُوا، وَلَا حَرَجَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَوْ) كَانَ (عَالِمًا) لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبَعْضُ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَلَا حَرَجَ» ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا إثْمَ وَلَا دَمَ فِيهِ (لَكِنَّ السُّنَّةَ تَقْدِيمُ رَمْيٍ فَنَحْرٍ فَحَلْقٍ فَطَوَافٍ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. [فَصْلٌ لِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ] (فَصْلٌ) (لِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ، يَحْصُلُ أَوَّلُهُمَا بِاثْنَيْنِ) مِنْ ثَلَاثَةٍ: (رَمْيٍ وَحَلْقٍ، وَطَوَافِ) إفَاضَةٍ، فَلَوْ حَلَقَ وَطَافَ، ثُمَّ وَطِئَ وَلَمْ يَرْمِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ لِوَطْئِهِ، وَدَمٌ لِتَرْكِهِ الرَّمْيَ، وَحَجُّهُ صَحِيحٌ. (وَ) يَحْصُلُ (ثَانِيهِمَا) أَيْ: التَّحَلُّلَيْنِ (بِمَا بَقِيَ) مِنْ الثَّلَاثَةِ (مَعَ سَعْيٍ) لِتَمَتُّعٍ، سَوَاءٌ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ، أَوْ لَا، وَيَحْصُلُ التَّحْلِيلُ (لِمَنْ لَمْ يَسْعَ) مِنْ مُفْرِدٍ وَقَارِنٍ (قَبْلَ) ذَلِكَ بِالسَّعْيِ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ، لِأَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ (فَإِنْ كَانَ) أَيْ: وُجِدَ مِنْ الْمُفْرِدِ أَوْ الْقَارِنِ سَعْيٌ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ (لَمْ تُسَنَّ إعَادَتُهُ) أَيْ: السَّعْيِ (كَ) مَا لَا تُسَنُّ إعَادَةُ (سَائِرِ الْأَنْسَاكِ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (وَيَخْطُبُ إمَامٌ) أَوْ نَائِبُهُ (نَدْبًا بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ، خُطْبَةً يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ، وَيُعَلِّمُهُمْ فِيهَا النَّحْرَ وَالْإِفَاضَةَ وَالرَّمْيَ) كُلُّهَا أَيَّامَهُ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ» يَعْنِي بِمِنًى، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: «سَمِعْت خُطْبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَهُوَ) أَيْ: يَوْمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 النَّحْرِ (يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ (لِكَثْرَةِ أَفْعَالِ حَجٍّ بِهِ، مِنْ وُقُوفٍ بِمَشْعَرٍ حَرَامٍ، وَدَفْعٍ مِنْهُ لِمِنًى، وَرَمْيٍ وَنَحْرٍ، وَحَلْقٍ، وَطَوَافِ إفَاضَةٍ، وَرُجُوعٍ لِمِنًى) لِيَبِيتَ بِهَا، وَلَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِثْلُهُ، وَلِهَذَا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (ثُمَّ يُفِيضُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ مُفْرِدٌ وَقَارِنٌ لَمْ يَدْخُلَاهَا) أَيْ: مَكَّةَ (قَبْلَ) وُقُوفِهِمَا بِعَرَفَةَ (لِلْقُدُومِ) نَصًّا، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ «فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَقَ، ثُمَّ طَافَ طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» ، فَحَمَلَهُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ طَوَافَهُمْ لِحَجِّهِمْ هُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَلِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ، فَلَا يَسْقُطُ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ، كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ الْمَشْرُوعُ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِلزِّيَارَةِ، كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهَا عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابِهِ الَّذِينَ تَمَتَّعُوا مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا (وَ) مَا قَالَهُ الْمُوَفَّقُ، اخْتَارَهُ (الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَجَبٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَيَطُوفُ لِلْقُدُومِ (بِرَمَلٍ) وَاضْطِبَاعٍ، ثُمَّ لِلزِّيَارَةِ، (وَ) يَطُوفُ (مُتَمَتِّعٌ) لِلْقُدُومِ (بِلَا رَمَلٍ) وَلَا اضْطِبَاعٍ (ثُمَّ) يَطُوفُ (لِلزِّيَارَةِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ مِنًى، فَيَزُورُ الْبَيْتَ، وَلَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ، بَلْ يَرْجِعُ إلَى مِنًى (وَهِيَ) أَيْ: الزِّيَارَةُ، يُسَمَّى طَوَافُهَا طَوَافَ (الْإِفَاضَةِ) لِأَنَّهُ يُفْعَلُ بَعْدَهَا، وَلَمَّا كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ، وَلَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ بَلْ يَرْجِعُ إلَى مِنًى، يُسَمَّى أَيْضًا طَوَافَ الزِّيَارَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 (وَيُعَيِّنُهُ) أَيْ: طَوَافُ الزِّيَارَةِ (بِالنِّيَّةِ) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَكَالصَّلَاةِ، يَكُونُ بَعْدَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَافَ كَذَلِكَ «وَقَالَ: لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَهُوَ) أَيْ: طَوَافُ الزِّيَارَةِ (رُكْنٌ لَا يَتِمُّ حَجٌّ إلَّا بِهِ) قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا حَائِضٌ، قَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ، كَانَتْ حَابِسَتَهُمْ، فَيَكُونُ الطَّوَافُ حَابِسًا لِمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ. (وَوَقْتُهُ) ، أَيْ أَوَّلُهُ (مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ لِمَنْ وَقَفَ) بِعَرَفَةَ قَبْلُ (وَإِلَّا) يَكُنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ (فَ) وَقْتُهُ (بَعْدَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ قَبْلَهُ (وَ) فِعْلُهُ (يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: طَوَافَ الزِّيَارَةِ (عَنْ أَيَّامِ مِنًى، جَازَ) لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ (وَلَا شَيْءَ فِيهِ) أَيْ: تَأْخِيرِ الطَّوَافِ (كَ) تَأْخِيرِ (السَّعْيِ) لِمَا سَبَقَ (ثُمَّ يَسْعَى مُتَمَتِّعٌ) لِحَجِّهِ، وَلَا يَكْتَفِي بِسَعْيِهِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ كَانَ لِعُمْرَتِهِ (وَ) يَسْعَى (مَنْ لَمْ يَسْعَ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ) مِنْ مُفْرِدٍ وَقَارِنٍ، وَمَنْ سَعَى مِنْهُمَا، لَمْ يَعُدَّهُ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّطَوُّعُ بِهِ كَسَائِرِ الْأَنْسَاكِ، إلَّا الطَّوَافَ، لِأَنَّهُ صَلَاةٌ. (ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ لِمَا أَحَبَّ، وَيَتَضَلَّعُ، وَيَرُشُّ عَلَى بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ) لِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: «كُنْت جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْت؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 قَالَ: مِنْ زَمْزَمَ، قَالَ: فَشَرِبْتَ مِنْهَا كَمَا يَنْبَغِي؟ قَالَ: كَيْف؟ قَالَ: إذَا شَرِبْتَ مِنْهَا فَاسْتَقْبِلْ الْكَعْبَةَ، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَتَنَفَّسْ ثَلَاثًا مِنْ زَمْزَمَ، وَتَضَلَّعْ مِنْهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْهَا فَاحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: آيَةُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَرِيًّا وَشِبَعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَاغْسِلْ بِهِ قَلْبِي، وَامْلَأْهُ مِنْ خَشْيَتِك) زَادَ بَعْضُهُمْ: (وَحِكْمَتِك) لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَهَذَا الدُّعَاءُ شَامِلٌ لِخَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. [فَرْعٌ الطَّوَافُ الْمَشْرُوعُ فِي الْحَجِّ] (فَرْعٌ: الطَّوَافُ الْمَشْرُوعُ فِي حَجٍّ ثَلَاثَةٌ) : طَوَافُ (زِيَارَةٍ) وَهُوَ: رُكْنٌ، وَيُسَمَّى طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَالْقُدُومِ (وَ) طَوَافُ (قُدُومٍ) وَهُوَ: سُنَّةٌ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا، (وَ) طَوَافُ (وَدَاعٍ) وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ خَارِجٍ مِنْ مَكَّةَ مِنْ حَاجٍّ وَغَيْرِهِ، وَيُسَمَّى طَوَافَ الصَّدَرِ، وَيَأْتِي. (وَسِوَاهَا) أَيْ: سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (نَفْلٌ) فَلَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ. [فَصْلٌ فِي رُجُوع الْحَاجّ إلَى منى بَعْد الْإِفَاضَة لِصَلَاةِ الظُّهْر يَوْم النَّحْر] (فَصْلٌ) (ثُمَّ يَرْجِعُ) مَنْ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ عَلَى مَا سَبَقَ (فَيُصَلِّي ظُهْرَ يَوْمِ النَّحْرِ بِمِنًى) لِحَدِيثِ ابْن عُمَرَ مَرْفُوعًا: «أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيَبِيتُ بِهَا) أَيْ: بِمِنًى. (وَيَتَّجِهُ: الْمُرَادُ) مِنْ الْبَيْتُوتَةِ بِمِنًى: (مُعْظَمُ اللَّيْلِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (ثَلَاثَ لَيَالٍ) إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ، وَإِلَّا فَلَيْلَتَيْنِ (وَيَرْمِي الْجَمَرَاتِ) الثَّلَاثَ (بِهَا) أَيْ: مِنًى (أَيَّامَ التَّشْرِيقِ) إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ (كُلَّ جَمْرَةٍ) مِنْهَا (بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى، كَمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 وَلَا يُجْزِئُ رَمْيٌ إلَّا نَهَارًا بَعْدَ (الزَّوَالِ) حَتَّى يَوْمَ يَعُودَ إلَى مَكَّةَ، فَإِنْ رَمَى لَيْلًا، أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ، لَمْ يُجْزِئْهُ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْمِي الْجَمْرَةَ ضُحَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَرَمَى ذَلِكَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَقَدْ قَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنَّا نَتَحَيَّنُ حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ قَدْرَ مَا إذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِهِ، صَلَّى الظُّهْرَ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَأَنْ يُحَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ مَعَ الْإِمَامِ، فِي مَسْجِدٍ بِالْخَيْفِ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ مَرْضِيٍّ صَلَّى بِرُفْقَتِهِ. (وَيَجِبُ بَدَاءَةً) بِجَمَرَاتٍ (أُولَى، وَهِيَ أَبْعَدُهُنَّ مِنْ مَكَّةَ، وَتَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَيَجْعَلُهَا عِنْدَ يَسَارِهِ مُسْتَقْبِلًا) الْقِبْلَةَ، (وَيَرْمِيهَا) بِسَبْعٍ، (ثُمَّ يَتَقَدَّمُ) مِنْهَا (قَلِيلًا لِئَلَّا يُصِيبَهُ حَصًى، فَيَقِفُ يَدْعُو وَيُطِيلُ رَافِعًا يَدَهُ) نَصًّا، (ثُمَّ) يَأْتِي الْجَمْرَةَ (الْوُسْطَى، فَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ مُسْتَقْبِلًا) الْقِبْلَةَ (وَيَرْمِيهَا) بِسَبْعٍ (وَيَقِفُ عِنْدَهَا، فَيَدْعُوَ) رَافِعًا يَدَيْهِ وَيُطِيلُ (ثُمَّ) يَأْتِي (جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ مُسْتَقْبِلًا) الْقِبْلَةَ (وَيَتَبَطَّنُ الْوَادِيَ) وَيَرْمِيهَا بِسَبْعٍ (وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) لِضِيقِ الْمَكَانِ. (وَتَرْتِيبُهَا) أَيْ: الْجَمَرَاتِ (كَمَا مَرَّ) بِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِرَمْيِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، لَا الْوُسْطَى، ثُمَّ الْعَقَبَةَ (شَرْطٌ) فَإِنْ نَكَّسَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا قَدَّمَهُ عَلَى الْأُولَى نَصًّا، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَتَّبَهَا كَذَلِكَ، وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» كَالْعَدَدِ، أَيْ: السَّبْعِ حَصَيَاتٍ، فَهُوَ شَرْطٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَمَى كُلًّا مِنْهَا بِسَبْعٍ» كَمَا مَرَّ، فَإِنْ أَخَلَّ الرَّامِي بِحَصَاةٍ مِنْ الْأُولَى لَمْ يَصِحَّ رَمْيُ مَا بَعْدَهَا، لِإِخْلَالِهِ بِالتَّرْتِيبِ، فَإِذَا تَرَكَ حَصَاةً فَأَكْثَرَ، وَجَهِلَ مِنْ أَيُّهَا، أَيْ: الْجِمَارِ، تُرِكَتْ الْحَصَاةُ، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، فَيَجْعَلُهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 مِنْ الْأُولَى فَيُتِمُّهَا، ثُمَّ يَرْمِي الْآخَرِينَ مُرَتَّبًا لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ: أَمِنَ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ؟ فَيَجْعَلُهَا مِنْ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُؤَخَّرُ رَمْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى غَدِهِ أَوْ أَكْثَرَ، أَجْزَأَ أَدَاءٌ، لِأَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كُلَّهَا وَقْتُ الرَّمْيِ، فَإِذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهِ إلَى آخِرِهِ، أَجْزَأَهُ، كَتَأْخِيرِ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ مَعَ تَرْكِ الْأَفْضَلِ، وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالرَّمْيِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ (لَا يَجِبُ) عَلَى رَامٍ (مُوَالَاةُ) رَمْيٍ، فَلَوْ رَمَى حَصَاةً، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِذَلِكَ وَدَعَا مُسْتَصْحِبًا لِحُكْمِ النِّيَّةِ وَلَوْ طَالَ فَصْلٌ عُرْفًا، بَنَى عَلَيْهَا (وَ) يَتَّجِهُ أَنَّ (أَيَّامَ التَّشْرِيقِ) بِالنِّسْبَةِ (لِرَمْيٍ كَيَوْمٍ) أَيْ: بِمَثَابَةِ يَوْمٍ (وَاحِدٍ) هَذَا إذَا كَانَ رَمْيُهُ لِحَصَى (تَأْخِيرًا) كَتَأْخِيرِ رَمْيِ أَوَّلِ يَوْمٍ إلَى غَيْرِهِ، فَلَا يَضُرُّهُ التَّأْخِيرُ، وَيَكُونُ رَمْيُهُ أَدَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ، الْمَذْهَبِ، وَ (لَا) يُجْزِئُهُ رَمْيُ جَمِيعِ الْجَمَرَاتِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ رَمَاهُنَّ يَوْمَ الْعِيدِ (تَقْدِيمًا) لَهُنَّ عَلَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لِأَنَّ الرَّمْيَ عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ، فَلَا يَتَقَدَّمُ وَقْتُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ) أَيْ: الرَّمْيُ (بِالنِّيَّةِ كَ) صَلَوَاتٍ (فَائِتَةٍ) فَإِذَا أَخَّرَ الْكُلَّ مَثَلًا بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَنَوَى رَمْيَهَا لِيَوْمِ النَّحْرِ، ثُمَّ يَأْتِي الْأُولَى، ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ الْعَقَبَةَ نَاوِيًا عَنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَبْدَأُ مِنْ الْأُولَى حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى الْأَخِيرَةِ نَاوِيًا عَنْ الثَّانِي، وَكَذَا عَنْ الثَّالِثِ. (وَفِي. تَأْخِيرِهِ) أَيْ: الرَّمْيِ (عَنْهَا) أَيْ: عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (دَمٌ) لِفَوَاتِ وَقْتِ الرَّمْيِ، فَيَسْتَقِرُّ الْفِدَاءُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ تَرَكَ نُسُكًا أَوْ نَسِيَهُ فَإِنَّهُ يُهْرِيقُ دَمًا. (وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 يُسَنُّ) لِمَنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (إتْيَانٌ بِهِ لِفَوَاتِ وَقْتِهِ كَتَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَةٍ بِمِنًى) غَيْرَ الثَّالِثَةِ لِمَنْ تَعَجَّلَ، لِاسْتِقْرَارِ الْفِدَاءِ الْوَاجِبِ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَهَا كُلَّهَا فَيَجِبُ بِهِ دَمٌ. (وَفِي تَرْكِ حَصَاةٍ) وَاحِدَةٍ (مِنْ جَمْرَةٍ أَخِيرَةٍ مَا فِي) إزَالَةِ (شَعْرَةٍ) طَعَامُ مِسْكِينٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّرْكُ مِنْ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ، لَمْ يَصِحَّ رَمْيُ مَا بَعْدَ الْجَمْرَةِ الْمَتْرُوكِ مِنْهَا حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا، وَلَوْ كَانَ مَا قَبْلَ الْمَتْرُوكِ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ رَمْيُ مَا بَعْدَهُ بِالْمَرَّةِ، وَلَوْ كَانَ التَّرْكُ بَعْدَ مُضِيِّ جَمِيعِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا طَعَامٌ، لِبَقَاءِ وَقْتِ الرَّمْيِ. (وَفِي) تَرْكِ (حَصَاتَيْنِ مَا فِي) إزَالَةِ (شَعْرَتَيْنِ) مِثْلَا ذَلِكَ وَفِي أَكْثَرِ مِنْ حَصَاتَيْنِ دَمٌ، وَمَنْ لَهُ عُذْرٌ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ وَحَبْسٍ جَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَشْهَدَهُ إنْ قَدَرَ، وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُسْتَنِيبِ لَمْ تَبْطُلْ النِّيَابَةُ، فَلَهُ الرَّمْيُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ اسْتَنَابَهُ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ (وَلَا مَبِيتَ عَلَى سُقَاةٍ وَرُعَاةٍ بِمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ الْعَبَّاسَ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِحَدِيثِ مَالِكٍ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يَرْمُونَهُ فِي أَحَدِهِمَا. قَالَ مَالِكٌ: ظَنَنْت أَنَّهُ قَالَ: فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ يَرْمُونَهُ يَوْمَ النَّحْرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (فَإِنْ غَرَبْت) الشَّمْسُ (وَهُمْ) أَيْ: السُّقَاةُ وَالرُّعَاةُ (بِمِنًى لَزِمَ الرِّعَاءَ فَقَطْ) أَيْ: دُونَ السُّقَاةِ (الْمَبِيتُ) لِفَوَاتِ وَقْتِ الرَّعْيِ بِالْغُرُوبِ، بِخِلَافِ السَّقْيِ (وَكَرِعَاءِ نَحْوِ مَرِيضٍ وَخَائِفِ ضَيَاعَ مَالِهِ) فِي تَرْكِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 الْبَيْتُوتَةِ، جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ وَابْنُ تَمِيمٍ. (وَيَسْتَنِيبُ نَحْوُ مَرِيضٍ وَمَحْبُوسٍ فِي رَمْيِ جِمَارٍ) كَالْمَغْصُوبِ يَسْتَنِيبُ فِي الْحَجِّ كُلِّهِ إذَا عَجَزَ عَنْهُ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَشْهَدَهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْحُضُورِ لِيُخَفِّفَ الرَّمْيَ (وَلَا تَنْقَطِعُ نِيَابَةٌ بِإِغْمَاءِ مُسْتَنِيبٍ) ، كَمَا لَوْ نَامَ. (وَيَخْطُبُ إمَامٌ) أَوْ نَائِبُهُ (نَدْبًا ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ) فِيهَا (حُكْمَ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ، وَ) حُكْمَ (تَوْدِيعِهِمْ) لِحَدِيثِ سَرَّاءَ بِنْتِ نَبْهَانَ قَالَتْ: «خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الرُّءُوسِ فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَلَيْسَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَيَحُثُّهُمْ عَلَى خَتْمِ حَجَّتِهِمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى ذَلِكَ. (وَلِغَيْرِ الْإِمَامِ الْمُقِيمِ لِلْمَنَاسِكِ التَّعْجِيلُ فِي) الْيَوْمِ (الثَّانِي) مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالرَّمْيِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (وَهُوَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وَلِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ: «وَأَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ» وَلِأَنَّهُ دَفَعَ مِنْ مَكَان فَاسْتَوَى فِيهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ كَالدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ ومُزْدَلِفَةَ (فَإِنْ غَرَبَتْ) الشَّمْسُ (وَهُوَ) أَيْ: مَرِيدُ التَّعْجِيلِ (بِهَا) أَيْ: مِنًى (لَزِمَهُ مَبِيتٌ وَرَمْيٌ مِنْ غَدٍ) بَعْدَ الزَّوَالِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْمَسَاءُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلْيُقِمْ إلَى الْغَدِ حَتَّى يَنْفِرَ مَعَ النَّاسِ، وَلِأَنَّهُ بَعْدَ إدْرَاكِهِ اللَّيْلَ لَمْ يَتَعَجَّلْ فِي يَوْمَيْنِ (وَيَسْقُطُ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ عَنْ مُتَعَجِّلٍ) نَصًّا لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَكَذَا مَبِيتُ الثَّالِثَةِ (وَيَدْفِنُ) مُتَعَجِّلٌ (حَصَاهُ) أَيْ: الْيَوْمِ الثَّالِثِ (فِي الْمَرْمَى) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 (وَيَتَّجِهُ: ذَلِكَ) أَيْ: دَفْنُهُ حَصَاهُ فِي الْمَرْمَى: (نَدْبٌ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْعُمْدَةِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": وَيَدْفِنُ بَقِيَّةَ الْحَصَى عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَالشَّافِعِيَّةُ قَالُوا: لَا أَصْلَ لِذَلِكَ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ (بَلْ يَطْرَحُهُ أَوْ يُعْطِيهِ مَنْ لَمْ يَرْمِ) وَهَذِهِ دَعْوَى فَتَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، إذْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ عَلَى عَدَمِ الدَّفْنِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا سِوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَنْسَكِهِ: أَوْ يَرْمِي بِهِنَّ كَفِعْلِهِ فِي اللَّوَاتِي قَبْلَهُنَّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا يَضُرُّ رُجُوعُهُ) إلَى مِنًى بَعْدُ لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ. وَسُنَّ إذَا نَفَرَ مِنْ مِنًى نُزُولُهُ بِالْأَبْطَحِ، (وَهُوَ الْمُحَصَّبُ) وَالْخَيْفُ وَالْبَطْحَاءُ وَالْحَصَبَةِ (وَحَدُّهُ: مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إلَى الْمَقْبَرَةِ، فَيُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَيْنِ وَالْعِشَاءَيْنِ، وَيَهْجَعُ يَسِيرًا، ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ) قَالَ نَافِعٌ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَيَهْجَعُ هَجْعَةً، وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " التَّحْصِيبُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، " إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَعَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ نُزُولَ الْأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَكُونَ أَسْمَحَ بِخُرُوجِهِ إذَا خَرَجَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَمَنْ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ فَلِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يَنْزِلُهُ. [فَصْلٌ لَا يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ] (فَصْلٌ) (فَإِذَا أَتَى مَكَّةَ) مُتَعَجِّلٌ أَوْ غَيْرُهُ (لَمْ يَخْرُجْ) مِنْهَا (حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ وُجُوبًا عَلَى كُلِّ خَارِجٍ مِنْ مَكَّةَ لِوَطَنِهِ) أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 الْمَذْهَبِ، إذْ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ خَارِجٍ مِنْ مَكَّةَ حَاجًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِلْخَبَرِ، قَالَ أَرَادَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ النَّفْرِ أَوْ بَعْدَهُ (إذَا فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ أُمُورِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيُسَمَّى طَوَافَ الْوَدَاعِ، لِأَنَّهُ لِتَوْدِيعِ الْبَيْتِ، وَطَوَافَ الصَّدَرِ لِأَنَّهُ عِنْدَ صُدُورِ النَّاسِ مِنْ مَكَّةَ. (وَسُنَّ بَعْدَهُ) أَيْ: طَوَافِ الْوَدَاعِ (تَقْبِيلُ الْحَجَرِ) الْأَسْوَدِ (وَرَكْعَتَانِ) كَغَيْرِهِ (فَإِنْ وَدَّعَ ثُمَّ اشْتَغَلَ بِ) شَيْءٍ (غَيْرِ شَدِّ رَحْلِهِ) نَصًّا (وَنَحْوِهِ) كَقَضَاءِ حَاجَةٍ فِي طَرِيقِهِ أَوْ شِرَاءِ زَادٍ أَوْ شَيْءٍ لِنَفْسِهِ (أَوْ أَقَامَ، أَعَادَهُ) أَيْ: طَوَافَ الْوَدَاعِ (وُجُوبًا) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِيَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ نَحْوُ شَدِّ رَحْلٍ. (وَمَنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَنَصُّهُ، أَوْ الْقُدُومِ، فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ، أَجْزَأَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ) لِأَنَّ الْمَأْمُورَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، وَقَدْ فَعَلَ، وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ، فَأَجْزَأَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَعَكْسِهِ، وَإِنْ نَوَى بِطَوَافِ الْوَدَاعِ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الزِّيَارَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . (وَيَتَّجِهُ مِنْ تَعْلِيلِهِ) هُنَا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ أَحَدُ هَذَيْنِ الطَّوَافَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ: (وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ) أَيْ: الْوَدَاعَ بِطَوَافٍ، لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، وَقَدْ فَعَلَ، وَلِأَنَّ مَا شَرَعَ مِثْلَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ يُجْزِئُ عَنْهُ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِهِ، كَدُخُولِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 صَلَاةٍ أُقِيمَتْ حَالَ دُخُولِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ وَدَاعٍ رَجَعَ) إلَيْهِ وُجُوبًا بِلَا إحْرَامٍ وَإِنْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ مَكَّةَ، لِأَنَّهُ لِإِتْمَامِ نُسُكٍ مَأْمُورٍ بِهِ، كَمَا لَوْ رَجَعَ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ. (وَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ وُجُوبًا إنْ بَعُدَ) عَنْ مَكَّةَ (فَيَأْتِي بِمَا، ثُمَّ يَطُوفُ لَهُ) أَيْ: لِلْوَدَاعِ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرْ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) إذَا رَجَعَ قَرِيبًا، لِأَنَّ الدَّمَ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، ثُمَّ يُوَدِّعُ عِنْدَ خُرُوجِهِ (فَإِنْ شَقَّ رُجُوعٌ مِنْ بُعْدٍ) وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَسَافَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ (أَوْ بُعْدٍ) عَنْهَا (مَسَافَةَ قَصْرٍ) فَأَكْثَرَ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) بِلَا رُجُوعٍ دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَلَوْ رَجَعَ) لِلْوَدَاعِ مِنْ بُعْدٍ عَنْ مَكَّةَ مَسَافَةً قَصَرَ فَأَكْثَرَ، لَمْ يَسْقُطْ دَمُهُ، لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَرِيبِ (أَوْ تَرَكَهُ) أَيْ: طَوَافَ الْوَدَاعِ (خَطَأً أَوْ نَاسِيًا) لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، لِأَنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ، فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ، وَالْمَعْذُورُ وَغَيْرُهُ، كَسَائِرِ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ (وَلَا وَدَاعَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَى حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ» وَالنُّفَسَاءُ فِي مَعْنَاهَا. (وَيَتَّجِهُ: بِخِلَافِ مَعْذُورٍ غَيْرِهِمَا) أَيْ: الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَمَنْ عُذِرَ بِمَرَضٍ أَوْ إكْرَاهٍ عَلَى الْخُرُوجِ أَوْ خَافَ ضَيَاعَ مَالِهِ، أَوْ فَوَاتَ رُفْقَتِهِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَإِنْ طَهُرَتَا) أَيْ: الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءِ (قَبْلَ مُفَارَقَةِ بِنَاءِ مَكَّةَ، لَزِمَهُمَا) الْعَوْدُ، لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ، بِدَلِيلِ عَدَمِ اسْتِبَاحَةِ الرُّخَصِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ، فَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ مَنْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبِنَاءِ، فَعَلَيْهَا دَمٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 (وَسُنَّ لِمُوَدِّعٍ وُقُوفٌ بِمُلْتَزَمٍ) وَهُوَ: (مَا بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَبَابِ) الْكَعْبَةِ، مِسَاحَتُهُ (قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ) بِذِرَاعِ الْيَدِ (فَيَلْتَزِمُهُ مُلْصِقًا بِهِ صَدْرَهُ، وَوَجْهَهُ وَبَطْنَهُ، وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ عَلَيْهِ، وَيَجْعَلُ يَمِينَهُ نَحْوَ الْبَابِ وَيَسَارَهُ نَحْوَ الْحَجَرِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا جَاءَ دُبُرَ الْكَعْبَةِ قُلْت: أَلَّا تَتَعَوَّذُ؟ قَالَ: نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ، ثُمَّ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، فَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا، وَبَسَطَهُمَا بَسْطًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ مِنْ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمِنْهُ: " اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُك وَأَنَا عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك حَمَلْتنِي عَلَى مَا سَخَّرْت لِي مِنْ خَلْقِك، وَسَيَّرْتنِي فِي بِلَادِك حَتَّى بَلَّغْتنِي بِنِعْمَتِك إلَى بَيْتِك، وَأَعَنْتنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي، فَإِنْ كُنْت رَضِيتَ عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضَاءً وَإِلَّا فَمُنَّ) - بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ: فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ: مَنَّ يَمُنُّ لِلدُّعَاءِ، وَيَجُوزُ كَسْرُ الْمِيمِ عَلَى أَنَّهَا حَرْفُ جَرٍّ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ (الْآنَ) أَيْ: هَذَا الْوَقْتَ الْحَاضِرَ، وَجَمْعُهُ: آوِنَةٌ، كَزَمَانٍ وَأَزْمِنَةٌ - (قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، وَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْت لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِك، وَلَا بِبَيْتِك، وَلَا رَاغِبٍ عَنْك، وَلَا عَنْ بَيْتِك، اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي) - بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ - (الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي) وَهِيَ: الْمَنْعُ مِنْ الْمَعَاصِي (وَأَحْسِنْ) - بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ - (مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَك مَا أَبْقَيْتنِي، وَاجْمَعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَأْتِي الْحَطِيمَ أَيْضًا) نَصًّا (وَهُوَ: تَحْتَ الْمِيزَابِ) فَيَدْعُو (ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ) مَاءِ (زَمْزَمَ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ (وَيُقَبِّلُهُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 ثُمَّ يَخْرُجُ (فَإِذَا خَرَجَ وَلَّاهَا ظَهْرَهُ، قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: فَإِذَا وَلَّى لَا يَقِفُ وَلَا يَلْتَفِتُ فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: الْتَفَتَ (أَعَادَ الْوَدَاعَ نَدْبًا) قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": إذْ لَا نَعْلَمُ لِإِيجَابِ ذَلِكَ عَلَيْهِ دَلِيلًا، قَالَ مُجَاهِدٌ: إذَا كِدْت تَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالْتَفِتْ، ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى الْكَعْبَةِ، فَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ. وَرَوَى حَنْبَلٌ عَنْ الْمُهَاجِرِ، قَالَ: قُلْت لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: الرَّجُلُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيُصَلِّي، فَإِذَا انْصَرَفَ خَرَجَ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَقَامَ؟ فَقَالَ جَابِرٌ: مَا كُنْت أَحْسَبُ يَصْنَعُ هَذَا إلَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَكْرَهُ ذَلِكَ. (وَتَدْعُو حَائِضٌ وَنُفَسَاءُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ) نَدْبًا. (وَسُنَّ دُخُولُ الْبَيْتِ) أَيْ: الْكَعْبَةِ (وَالْحِجْرُ مِنْهُ) أَيْ: الْبَيْتِ (حَافِيًا بِلَا خُفٍّ، وَ) بِلَا (نَعْلٍ، وَ) بِلَا (سِلَاحٍ) نَصًّا (وَيُكَبِّرُ وَيَدْعُو فِي نَوَاحِيهِ وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِلَالٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقُلْت لِبِلَالٍ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: نَعَمْ قُلْت: أَيْنَ؟ قَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، قَالَ: وَنَسِيت أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْبَيْتَ فَلَا بَأْسَ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «خَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا وَهُوَ مَسْرُورٌ، ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ كَئِيبٌ، فَقَالَ: إنِّي دَخَلْت الْكَعْبَةَ، وَلَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا دَخَلْتهَا، إنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ شَقَقْت عَلَى أُمَّتِي» . (وَيُكْثِرُ النَّظَرَ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ) أَيْ: النَّظَرَ إلَى الْبَيْتِ (عِبَادَةٌ) وَفِي " الْفُصُولِ ": وَكَذَا رُؤْيَتُهُ لِمَقَامِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَوَاضِعِ الْأَنْسَاكِ (وَلَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ لِسَقْفِهِ) لِأَنَّهُ إسَاءَةُ أَدَبٍ (وَلَا يَشْتَغِلُ بِذَاتِهِ) أَيْ: الْبَيْتِ (بَلْ) بِكَوْنِهِ مُشْتَغِلًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 (بِإِقْبَالِهِ عَلَى رَبِّهِ) خَاشِعًا بِقَلْبِهِ، مُتَوَاضِعًا مُتَذَلِّلًا مُتَضَرِّعًا مُتَبَتِّلًا مُتَوَسِّلًا إلَى اللَّهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَآيَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِحُسْنِ الْخِتَامِ، وَيَدْخُلَهُ الْجَنَّةَ دَارَ السَّلَامِ. [فَصْلٌ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ وَقَبْرَيْ صَاحِبِيهِ] (فَصْلٌ) (وَسُنَّ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرَيْ صَاحِبِيهِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -) لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» قَالَ أَحْمَدُ: وَإِذَا حَجَّ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ قَطُّ - يَعْنِي: مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الشَّامِ لَا يَأْخُذُ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَحْدُثَ بِهِ حَدَثٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ مَكَّةَ مِنْ أَقْصَرِ الطُّرُقِ، وَلَا يَتَشَاغَلُ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بَدَأَ بِالْمَدِينَةِ. (فَإِذَا دَخَلَ مَسْجِدَهُ) قَالَ: مَا يَقُولُهُ فِي دُخُولِهِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ، ثُمَّ (بَدَأَهُ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (بِالتَّحِيَّةِ) أَيْ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّتُهُ، لِعُمُومِ الْأَوَامِرِ (ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ فَيَقِفَ قُبَالَةَ وَجْهِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ) وَيَسْتَقْبِلُ جِدَارَ الْحُجْرَةِ وَالْمِسْمَارِ الْفِضِّيِّ فِي الرُّخَامَةِ الْحَمْرَاءِ، وَيُسَمَّى الْآنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ، وَيَكُونُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 (مُطْرِقًا غَاضَّ الْبَصَرِ خَاضِعًا خَاشِعًا مَمْلُوءَ الْقَلْبِ هَيْبَةً، كَأَنَّهُ يَرَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَإِنَّهُ اللَّائِقُ بِالْحَالِ (فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ) عَبْدُ اللَّهِ (ابْنُ عُمَرَ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ زَادَ) عَلَيْهِ (فَحَسَنٌ كَالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ) قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَخِيرَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (وَأَشْهَدُ أَنَّك قَدْ بَلَّغْت رِسَالَاتِ رَبِّك، وَنَصَحْت لِأُمَّتِك، وَدَعَوْت إلَى سَبِيلِ رَبِّك بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَعَبَدْت اللَّهَ حَتَّى أَتَاك الْيَقِينُ، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْك كَثِيرًا كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى) اللَّهُمَّ اجْزِ عَنَّا نَبِيَّنَا أَفْضَلَ مَا جَزَيْت أَحَدًا مِنْ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ إنَّك قُلْت وَقَوْلُك الْحَقُّ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64] وَقَدْ أَتَيْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذُنُوبِي مُسْتَشْفِعًا بِك إلَى رَبِّي فَأَسْأَلُك يَا رَبِّ أَنْ تُوجِبَ لِي الْمَغْفِرَةَ كَمَا أَوْجَبْتهَا لِمَنْ أَتَاهُ فِي حَيَاتِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ أَوَّلَ الشَّافِعِينَ، وَأَنْجَحَ السَّائِلِينَ، وَأَكْرَمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. ثُمَّ يَدْعُو لِوَالِدَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ (ثُمَّ يَتَقَدَّمُ قَلِيلًا مِنْ مَقَامِ سَلَامِهِ) عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (نَحْوَ ذِرَاعٍ عَلَى يَمِينِهِ، وَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ) ثُمَّ يَتَقَدَّمُ نَحْوَ ذِرَاعٍ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 يَمِينِهِ أَيْضًا وَيَقُولُ: (السَّلَامُ عَلَيْك يَا عُمَرُ الْفَارُوقُ) وَيَقُولُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمَا يَا صَاحِبَيْ رَسُولِ اللَّهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَضَجِيعِيهِ وَوَزِيرِيهِ، اللَّهُمَّ اجْزِهِمَا عَنْ نَبِيِّهِمَا وَعَنْ الْإِسْلَامِ خَيْرًا، {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24] اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ قَبْرِ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ حَرَمِ مَسْجِدِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. (ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَيَجْعَلُ الْحُجْرَةَ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ) لِنَفْسِهِ وَوَالِدِيهِ وَإِخْوَانِهِ وَالْمُسْلِمِينَ. (وَيَحْرُمُ الطَّوَافُ بِهَا) أَيْ: الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: بَلْ (يَحْرُمُ طَوَافُهُ بِغَيْرِ الْبَيْتِ) الْعَتِيقِ (اتِّفَاقًا، وَكُرِهَ تَمَسُّحٌ بِالْحُجْرَةِ) اتِّفَاقًا أَيْضًا - وَتَقْبِيلُهَا (وَ) كُرِهَ (رَفْعُ صَوْتٍ عِنْدَهَا) أَيْ: الْحُجْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2] وَحُرْمَتُهُ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا. (وَلَا يَمَسُّ قَبْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حَائِطَهُ، وَلَا يُلْصِقُ بِهِ صَدْرَهُ، وَلَا يُقَبِّلُهُ) أَيْ: يُكْرَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ وَالِابْتِدَاعِ، قَالَ الْأَثْرَمُ: رَأَيْت أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَمَسُّونَ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُومُونَ مِنْ نَاحِيَةٍ فَيُسَلِّمُونَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَكَذَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ. (وإذَا أَوْصَاهُ أَحَدٌ بِالسَّلَامِ، فَلْيَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ) وَيُبَلِّغُهُ وُجُوبًا إنْ تَحَمَّلَهُ لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَتِهِ (وَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ) مِنْ الْمَدِينَةِ لِيَعُودَ إلَى وَطَنِهِ بَعْدَ فِعْلِ مَا تَقَدَّمَ، وَزِيَارَةِ الْبَقِيعِ، وَمَنْ فِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ، عَادَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَ (صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَعَادَ لِلْقَبْرِ) الشَّرِيفِ، (فَوَدَّعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 وَأَعَادَ الدُّعَاءَ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ") وَقَالَ: وَيَعْزِمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ حَجِّهِ مِنْ عَمَلٍ لَا يُرْضِي فَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّهُ يَعُودُ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَيُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ إلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ عُمَرُ: يُغْفَرُ لِلْحَاجِّ، وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ وَمُحَرَّمٍ وَصَفَرٍ وَعَشْرٍ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " اللَّطَائِفِ ". (وَإِذَا تَوَجَّهَ إلَى بَلَدِهِ قَالَ) نَدْبًا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آيِبُونَ) أَيْ: رَاجِعُونَ (تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ، ثُمَّ يَقُولُ: فَذَكَرَهُ» . (وَسُنَّ زِيَارَةُ مُشَاهَدِ الْمَدِينَةِ وَالْبَقِيعِ، وَمَنْ عُرِفَ قَبْرُهُ بِهَا) أَيْ: بِالْمَدِينَةِ (كَإِبْرَاهِيمَ ابْنِهِ) أَيْ: ابْنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَعُثْمَانَ وَالْعَبَّاسِ وَالْحَسَنِ وَأَزْوَاجِهِ) الطَّاهِرَاتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لِتَحْصُلَ لَهُ بَرَكَتُهُمْ. (وَ) سُنَّ (زِيَادَةُ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، وَ) زِيَارَةُ (مَسْجِدِ قُبَاءَ) : بِضَمِّ الْقَافِ، يُقْصَرُ وَيُمَدُّ، وَيُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ عَلَى مِيلَيْنِ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ (وَالصَّلَاةُ فِيهِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِيهِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ» وَفِيهِمَا: «كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ " (وَ) سُنَّ زِيَارَةُ (بَيْتِ الْمَقْدِسِ) وَالصَّلَاةُ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ. (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَالَ لِلْحَاجِّ إذَا قَدِمَ: " تَقَبَّلَ اللَّهُ مَنْسَكَك، وَأَعْظَمَ أَجْرَك، وَأَخْلَفَ نَفَقَتَك ") رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. (وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 لِرَجُلٍ: تَقَبَّلَ اللَّهُ حَجَّك، وَزَكَّى عَمَلَك، وَرَزَقَنَا وَإِيَّاكَ الْعَوْدَ إلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ) (وَ) قَالَ (فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " كَانُوا) أَيْ السَّلَفُ (يَغْتَنِمُونَ أَدْعِيَةَ الْحَاجِّ قَبْلَ أَنْ يَتَلَطَّخُوا بِالذُّنُوبِ) وَفِي الْخَبَرِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» . [فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْعُمْرَةِ] (فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْعُمْرَةِ) (وَمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَهُوَ بِالْحَرَمِ) مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (خَرَجَ فَأَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ) وُجُوبًا، لِأَنَّهُ مِيقَاتُهُ لِلْجَمِيعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ (وَالْأَفْضَلُ) أَنْ يُحْرَمَ (مِنْ التَّنْعِيمِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ» وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: بَلَغَنِي «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ مَكَّةَ التَّنْعِيمَ» (فَالْجِعْرَانَةُ) : بِكَسْرِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ، وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ، وَقَدْ تُكْسَرُ الْعَيْنُ وَتُشَدَّدُ الرَّاءُ: مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، سُمِّيَ بِرَبْطَةِ بِنْتِ سَعْدٍ، وَكَانَتْ تُلَقَّبُ بِالْجِعْرَانَةِ، وَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} [النحل: 92] (تَلِيهِ) أَيْ: تَلِي التَّنْعِيمَ (فَالْحُدَيْبِيَةُ) مُصَغَّرَةٌ وَقَدْ تُشَدَّدُ: بِئْرٌ قُرْبَ مَكَّةَ أَوْ شَجَرَةٌ حَدْبَاءُ كَانَتْ هُنَاكَ (فَمَا بَعُدَ) عَنْ مَكَّةَ. وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَكِّيِّ كُلَّمَا تَبَاعَدَ فِي الْعُمْرَةِ فَهُوَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ. (وَحَرُمَ) إحْرَامٌ بِعُمْرَةٍ (مِنْ الْحَرَمِ) لِتَرْكِهِ مِيقَاتَهُ (وَيَنْعَقِدُ) إحْرَامُهُ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) كَمَنْ تَجَاوَزَ مِيقَاتَهُ بِلَا إحْرَامٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ (ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى) لِعُمْرَتِهِ (وَلَا يَحِلُّ) مِنْهَا (حَتَّى يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ) فَهُوَ نُسُكٌ فِيهَا كَالْحَجِّ (وَلَا بَأْسَ بِهَا) أَيْ: الْعُمْرَةُ (فِي السَّنَةِ مِرَارًا) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 «وَاعْتَمَرَتْ عَائِشَةُ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمْرَةً مَعَ قِرَانِهَا، وَعُمْرَةً بَعْدَ حَجِّهَا، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) الْعُمْرَةُ (فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ) نَصًّا. (وَكُرِهَ مُوَالَاةٌ بَيْنَهُمَا وَإِكْثَارٌ مِنْهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ (هُوَ) أَيْ: الْإِكْثَارُ مِنْهَا (بِرَمَضَانَ أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلِهَا بِغَيْرِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ كَثْرَةٍ، وَإِلَّا فَتَكُونُ مَكْرُوهَةً، فَلَا تَكُونُ الْمُفَاضَلَةُ عَلَى بَابِهَا (فَعُمْرَةٌ بِهِ) أَيْ: رَمَضَانِ (تَعْدِلُ حَجَّةً) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَا يُكْرَهُ إحْرَامٌ بِهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ (يَوْمَ عَرَفَةَ، وَ) لَا يَوْمَ (النَّحْرِ وَ) لَا (أَيَّامَ التَّشْرِيقِ) ، لِعَدَمِ نَهْيٍ خَاصٍّ عَنْهُ (وَتُجْزِئُ عُمْرَةُ الْقَارِنِ) عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ (وَ) تُجْزِئُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا (مِنْ الْحَرَمِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ) لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَتُجْزِئُ عُمْرَةٌ مِنْ التَّنْعِيمِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ حَيْثُ قَرَنَتْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ حَلَّتْ مِنْهُمَا «قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك» وَإِنَّمَا أَعَمْرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ قَصْدًا لِتَطْيِيبِ خَاطِرِهَا وَإِجَابَةِ مَسْأَلَتِهَا (وَتُسَمَّى) الْعُمْرَةُ (حَجًّا أَصْغَرَ) لِمُشَارَكَتِهَا لِلْحَجِّ فِي الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَإِنْ وَطِئَ قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ، كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَقَدَّمَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 [فَصْلٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] (فَصْلٌ) (أَرْكَانُ حَجٍّ أَرْبَعَةٌ) : (إحْرَامٌ) بِحَجٍّ، وَهُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ، فَلَا يَصِحُّ إحْرَامٌ بِدُونِهَا، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . (وَسَعْيٌ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «طَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ - تَعْنِي: بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ - فَكَانَتْ سُنَّةً، فَلَعَمْرِي مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِحَدِيثِ «اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَوُقُوفٌ بِعَرَفَةَ) لِحَدِيثِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ جَاءَهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَطَوَافُ زِيَارَةٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] (فَلَوْ تَرَكَهُ) أَيْ: طَوَافَ الزِّيَارَةِ، وَأَتَى بِغَيْرِهِ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ (وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ) وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا (رَجَعَ) إلَيْهَا (مُعْتَمِرًا) فَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ سَعْيٍ وَطَوَافِ زِيَارَةٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ مُعْتَمِرًا (إنْ بَعُدَ) عَنْ مَكَّةَ مَسَافَةً قَصِيرَةً فَأَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَ أَحْرَمَ مِنْ التَّنْعِيمِ أَوْ غَيْرِهِ وَطَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ، وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ مِنْ إحْرَامٍ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لَوَطِئَهُ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ " لَا رَيْبَ فِيهِ إذْ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 (وَأَرْكَانُ عُمْرَةٍ) ثَلَاثَةٌ: (إحْرَامٌ) بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ (وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ) كَانَ كَالْحَجِّ. (وَوَاجِبَاتُهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ (شَيْئَانِ: حَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ، وَإِحْرَامٌ مِنْ الْحِلِّ) كَالْحَجِّ (فَمَنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ لَمْ يَنْعَقِدْ نُسُكُهُ) حَجًّا كَانَ أَوْ عُمْرَةً، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا غَيْرَهُ) أَيْ: الْإِحْرَامِ (لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ) إلَّا بِهِ (أَوْ) تَرَكَ (شَرْطًا فِيهِ) أَيْ: فِي الرُّكْنِ كَالنِّيَّةِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ فِيهِ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ (لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ إلَّا بِهِ) أَيْ: بِذَلِكَ الرُّكْنِ بِنِيَّتِهِ. (وَوَاجِبَاتُهُ) أَيْ: الْحَجُّ ثَمَانِيَةٌ: (إحْرَامٌ مِنْ مِيقَاتٍ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَوَاقِيتِ. (وَوُقُوفُ مَنْ وَقَفَ) بِعَرَفَةَ (نَهَارًا لِلْغُرُوبِ) أَيْ: لِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَلَوْ غَلَبَهُ نَوْمٌ بِعَرَفَةَ (وَمَبِيتٌ بِمُزْدَلِفَةَ لِبَعْدِ نِصْفِ لَيْلٍ إنْ وَافَاهَا) أَيْ: مُزْدَلِفَةَ (قَبْلَهُ) أَيْ: نِصْفِ اللَّيْلِ، وَتَقَدَّمَ مُوَضَّحًا (وَمَبِيتٌ بِمِنًى) لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرِهِ بِهِ، (وَرَمْيٌ) لِلْجِمَارِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا، وَكَوْنُهُ (مُرَتَّبًا) وَتَقَدَّمَ أَيْضًا (وَحَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ وَطَوَافُ وَدَاعٍ وَهُوَ الصَّدْرُ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَدَّمَ الزَّرْكَشِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ ": أَنَّ طَوَافَ الصَّدَرِ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (طَوَافُ الْوَدَاعِ لَيْسَ مِنْ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا هُوَ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ) أَيْ: قَوْلُ الشَّيْخِ (أَظْهَرُ) وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. (فَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا وَلَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا) لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) بِتَرْكِهِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَقَدَّمَ (فَإِنْ عَدَمَهُ) أَيْ: الدَّمِ (فَكَصَوْمِ مُتْعَةٍ) يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثَلَاثَةٌ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٌ إذَا رَجَعَ وَتَقَدَّمَ فِي الْفِدْيَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 (وَيَتَّجِهُ: مِنْهُ) أَيْ: مِنْ كَوْنِ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ لَوْ تَحَلَّلَ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ بِالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ سِوَى الْحَلْقِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْحَلْقَ لَا حَدَّ لِآخِرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، فَإِذَا أَخْرَجَ الدَّمَ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ الْحَلْقِ، وَحِينَئِذٍ (لَا شَيْءَ عَلَى فَاعِلِ مَحْظُورٍ) مِنْ مُبَاشَرَةٍ وَوَطْءٍ (قَبْلَ حَلْقِهِ) لِأَنَّ إخْرَاجَهُ الدَّمَ قَامَ مَقَامَ الْحَلْقِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ يَحْرُمُ) عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ، أَيْ: قَبْلَ الْحَلْقِ، فَفِيهِ خَفَاءٌ، لِأَنَّ الْفِدْيَةَ قَامَتْ مَقَامَ الْحَلْقِ، نَعَمْ: لَوْ وَطِئَ قَبْلَ الْحَلْقِ وَقَبْلَ الْفِدْيَةِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَطِئَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الثَّانِي. (وَالْمَسْنُونُ) مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَأَقْوَالِهِ (كَمَبِيتٍ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَطَوَافِ قُدُومٍ وَرَمَلٍ وَاضْطِبَاعٍ) فِي مَوَاضِعِهَا (وَتَلْبِيَةٍ وَاسْتِلَامٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 الرُّكْنَيْنِ وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ) الْأَسْوَدِ (وَمَشْيٍ وَسَعْيٍ فِي مَوَاضِعِهِمَا، وَخُطَبٍ وَأَذْكَارٍ وَدُعَاءٍ وَرُقِيٍّ بِصَفَا وَمَرْوَةَ، وَاغْتِسَالٍ وَتَطَيُّبٍ فِي بَدَنٍ، وَصَلَاةٍ قَبْلَ إحْرَامٍ، وَ) صَلَاةٍ (عَقِبَ طَوَافٍ وَاسْتِقْبَالِ قِبْلَةٍ عِنْدَ رَمْيٍ) لِجِمَارٍ، وَتَقَدَّمَ جَمِيعُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا (وَلَا شَيْءَ فِي تَرْكِ ذَلِكَ كُلِّهِ) لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، وَلَا الِاسْتِحْبَابِ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (وَيَجِبُ) ذَلِكَ كُلُّهُ (بِنَذْرٍ) لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» . [فَوَائِدُ تَسْمِيَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً] (فَوَائِدُ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: (كُرِهَ تَسْمِيَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ» وَ (لِأَنَّهُ اسْمٌ جَاهِلِيٌّ، وَ) يُكْرَهُ (قَوْلُ: حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِأَنَّهُ اسْمٌ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ وَقَوْلُ: شَوْطٌ، بَلْ) يُقَالُ: (طَوْفَةٌ وَطَوْفَتَانِ. وَيُعْتَبَرُ فِي وِلَايَةِ أَمِيرِ حَاجٍّ كَوْنُهُ مُطَاعًا ذَا رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ وَهِدَايَةٍ، وَعَلَيْهِ جَمْعُهُمْ وَتَرْتِيبُهُمْ وَحِرَاسَتُهُمْ فِي الْمَسِيرِ، وَالنُّزُولِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ، وَالنُّصْحِ) لَهُمْ (وَيَلْزَمُهُمْ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ، وَيُصْلِحُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَلَا يَحْكُمُ إلَّا إنْ فُوِّضَ إلَيْهِ) الْحُكْمُ، (فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ أَهْلًا) وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَلْزَمُهُ عِلْمُ خُطَبِ الْحَجِّ وَالْعَمَلِ بِهَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَنْ جُرِّدَ مَعَهُمْ وَجُمِعَ لَهُ مِنْ الْجُنْدِ الْمُقَطَّعِينَ مَا يُعِينُهُ عَلَى كُلْفَةِ الطَّرِيقِ أُبِيحَ لَهُ، وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ، وَلَهُ أَجْرُ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَهَذَا كَأَخْذِهِ بَعْضَ الْإِقْطَاعِ لِيَصْرِفَهُ فِي الْمَصَالِحِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ، وَيَلْزَمُ الْمُعْطِيَ بَذْلُ مَا أُمِرَ بِهِ. (وَشَهْرُ السِّلَاحِ عِنْدَ قُدُومِ) الْحَاجِّ الشَّامِيِّ (تَبُوكُ بِدْعَةٌ، زَادَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (مُحَرَّمَةٌ) وَمِثْلُهُ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ الْمِصْرِيُّ لَيْلَةَ بَدْرٍ فِي الْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ بِجَبَلِ الزِّينَةِ، قَالَ: وَمَا يَذْكُرُهُ الْجُهَّالُ مِنْ حِصَارِ تَبُوكَ كَذِبٌ فَلَمْ يَكُنْ بِهَا حِصْنٌ، وَلَا مُقَاتِلَةٌ، فَإِنَّ مَغَازِيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَمْ يُقَاتِلْ فِيهَا إلَّا فِي تِسْعٍ: بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 وَالْغَابَةِ وَفَتْحِ خَيْبَرَ وَفَتْحِ مَكَّةَ وَفَتْحِ حُنَيْنٌ وَالطَّائِفِ. (وَقَالَ: مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْحَجَّ يُسْقِطُ مَا عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ إنْ كَانَ جَاهِلًا، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ آدَمِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ أَوْ دَمٍ بِالْحَجِّ إجْمَاعًا. انْتَهَى) . وَقَالَ الدَّمِيرِيِّ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ - «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» - وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَعَاصِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً دُونَ الْعِبَادِ، وَلَا تَسْقُطُ الْحُقُوقُ أَنْفُسُهَا، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ وَنَحْوُهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ لَا ذُنُوبٌ إنَّمَا الذَّنْبُ تَأْخِيرُهَا، فَنَفْسُ التَّأْخِيرِ يَسْقُطُ بِالْحَجِّ لَا هِيَ نَفْسُهَا، فَلَوْ أَخَّرَهَا بَعْدَهُ تَجَدَّدَ إثْمٌ آخَرَ، فَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ يُسْقِطُ إثْمُ الْمُخَالَفَةِ لَا الْحُقُوقَ، قَالَهُ فِي " الْمَوَاهِبِ ". (وَيَتَّجِهُ: وَحَدِيثُ «الْحَجُّ يُكَفِّرُ حَتَّى التَّبَعَاتِ» مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ) صَمَّمَ عَلَى التَّنَصُّلِ مِنْهَا ثُمَّ (مَاتَ قَبْلَ تَمَكُّنٍ مِنْ قَضَائِهَا، وَاحْتَمَلَ) تَكْفِيرُهَا عَنْهُ بِالْحَجِّ (وَلَوْ لَمْ يَتُبْ) مِنْهَا (وَإِلَّا) يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ (فَلَا مَزِيَّةَ لِلْحَجِّ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ) النَّصُوحَةَ الْمُسْتَوْفِيَةَ لِلشُّرُوطِ (بِدُونِهِ) أَيْ: الْحَجِّ (كَذَلِكَ) أَيْ: تُكَفِّرُ مَا قَبْلَهَا حَتَّى التَّبَعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَنْ تَابَ، فَمَاتَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ قَضَائِهَا. (وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّ مِثْلَهُ) أَيْ: الْحَجِّ الْمَبْرُورِ (الشَّهَادَةُ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذَا قَصَدَ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ فَاسْتُشْهِدَ، فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ التَّبَعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، إذْ حُقُوقُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَوَقَعَ خُلْفٌ) بَيْنَ عُلَمَائِنَا وَغَيْرِهِمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 (هَلْ الْأَفْضَلُ الْحَجُّ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا) ؟ اخْتَارَ الْأَوَّلَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَاخْتَارَ الثَّانِي صَاحِبُ " الِانْتِصَارِ " وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي " مُفْرَدَاتِهِ " وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُثِيرِ الْعَزْمِ السَّاكِنِ إلَى زِيَارَةِ أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ ". (وَيَتَّجِهُ: الْحَجُّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا أَفْضَلُ وَلِلْبَعِيدِ) مِنْهَا (رَاكِبًا) أَفْضَلُ (لِحَدِيثِ: «مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعَمِائَةِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ» ) وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ وَغَيْرَهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ، وَهَذَا اتِّجَاهٌ حَسَنٌ وَجَمْعٌ لَطِيفٌ مُسْتَحْسَنٌ. [بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا] (الْفَوَاتُ) : مَصْدَرُ فَاتَهُ يَفُوتُهُ فَوَاتًا وَفَوْتًا، وَهُوَ: (السَّبَقُ) الَّذِي لَا يُدْرَكُ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ السَّبْقِ. (وَالْإِحْصَارُ) مَصْدَرُ أَحْصَرَهُ، أَيْ: حَبَسَهُ، فَهُوَ: (الْحَبْسُ) أَيْ: الْمَنْعُ (فَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ) فِي وَقْفَةٍ (لِعُذْرٍ مِنْ حَصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ) أَوَّلًا لِعُذْرٍ (فَاتَهُ الْحَجُّ) ذَلِكَ الْعَامَ، لِقَوْلِ جَابِرٍ: «لَا يَفُوتُ الْحَجُّ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ» ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَقُلْت لَهُ: أَوَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَلِحَدِيثِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» فَمَفْهُومُ فَوْتِ الْحَجِّ بِخُرُوجِ لَيْلَةِ جَمْعٍ (وَانْقَلَبَ إحْرَامُهُ) بِالْحَجِّ (عُمْرَةً) نَصًّا فَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي أَيُّوبَ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ: اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْت، فَإِنْ أَدْرَكْت الْحَجَّ قَابِلًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 فَحُجَّ، وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ فَوَاتٍ، فَمَعَهُ أَوْلَى (إنْ لَمْ يَخْتَرْ بَقَاءَهُ) عَلَى إحْرَامِهِ (لِيَحُجَّ مِنْ) عَامٍ (قَابِلٍ) بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ اخْتَارَ ذَلِكَ، فَلَهُ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْمَشَقَّةِ عَلَى نَفْسِهِ (فَيَتَحَلَّلُ بِهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ، سَوَاءٌ كَانَ قَارِنًا أَوْ غَيْرَهُ، لِأَنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ لَا يَلْزَمُهُ أَفْعَالُهَا، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ عُمْرَةٍ عَلَى عُمْرَةٍ إذَا لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ) أَيْ: التَّحَلُّلَ (وَلَا تُجْزِئُ) هَذِهِ الْعُمْرَةُ الَّتِي انْقَلَبَ إحْرَامُهُ إلَيْهَا (عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ) نَصًّا، لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَهَذِهِ لَمْ يَنْوِهَا وَ (لِوُجُوبِهَا) عَلَيْهِ (كَمَنْذُورَةٍ) فَلَمْ تُجْزِئْهُ (وَتَسْقُطُ عَنْهُ تَوَابِعُ وُقُوفٍ مِنْ نَحْوِ مَبِيتٍ) بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى (وَرَمْيِ) جِمَارٍ، لِفَوَاتِ مَتْبُوعِهَا كَمَنْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ بِالْجَبْهَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِغَيْرِهَا. (وَعَلَى مَنْ) فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَ (لَمْ يَتَحَلَّلْ قَبْلَ فَوْتٍ) كَمَا لَوْ قَدِمَ مَكَّةَ آخِرَ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ لِعَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مَعَ تَحَقُّقِ الْفَوَاتِ. (بِنَحْوِ عُمْرَةٍ) وَلَا يَلْزَمُ قَضَاءُ نَفْلٍ، وَهَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَلَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ، لَكِنْ عِبَارَاتُهُمْ لَا تُسَاعِدُهُ (وَ) عَلَى مَنْ (لَمْ يَشْتَرِطْ أَوَّلُ إحْرَامِهِ) بِأَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 لَمْ يَقُلْ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ: وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي (قَضَاءُ) حَجٍّ فَاتَهُ (حَتَّى النَّفَلُ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَلْيَتَحَلَّلْ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» وَعُمُومُهُ شَامِلٌ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَلِأَنَّ الْحَجَّ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَيَصِيرُ كَالْمَنْذُورِ كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَجُّ مَرَّةٌ» ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَهَذَا إنَّمَا وَجَبَ بِإِيجَابِهِ لَهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ كَالْمَنْذُورِ، وَأَمَّا الْمُحْصَرُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَى تَفْرِيطٍ بِخِلَافِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ (وَ) عَلَى مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَوَّلًا (هَدْيُ) شَاةٍ أَوْ سُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ سُبْعِ بَقَرَةٍ (أَوْ نَحْوِهِ) أَيْ: الْهَدْيِ، مِنْ إطْعَامٍ عَلَى مَا يَأْتِي (مِنْ وَقْتِ الْفَوَاتِ) سَوَاءٌ سَاقَهُ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ (يُؤَخِّرُهُ لِلْقَضَاءِ) يَذْبَحُهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَزِمَهُ هَدْيٌ كَالْمُحْصَرِ (فَإِنْ عُدِمَ) أَيْ: الْهَدْيُ (زَمَنَ وُجُوبِهِ) وَهُوَ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ عَامِ الْفَوَاتِ (صَامَ كَمُتَمَتِّعٍ) عَشَرَةَ أَيَّامٍ (ثَلَاثَةٌ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٌ إذَا رَجَعَ) أَيْ: فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ الْقَضَاءُ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حَجَّ مِنْ الشَّامِ، فَقَدِمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا حَبَسَك؟ قَالَ: حَسِبْت أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمَ عَرَفَةَ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إلَى الْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ سَبْعًا، وَإِنْ كَانَ مَعَك هَدِيَّةٌ فَانْحَرْهَا، ثُمَّ إذَا كَانَ قَابِلٌ فَاحْجُجْ، فَإِنْ وَجَدْت سِعَةً فَأَهْدِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعْت إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَمُفْرِدٌ وَقَارِنٌ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ (أَنَّ زَمَنَ الْوُجُوبِ) أَيْ: وُجُوبِ الْهَدْيِ عَلَى مَنْ عَدِمَهُ (وَقْتَ الْفَوَاتِ) وَهُوَ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ عَامِ الْفَوَاتِ (وَالْأَثَرُ) الْمَذْكُورُ آنِفًا (بِخِلَافِهِ) فَلْيُحْفَظْ. (وَلَا يُهْدِي قِنٌّ) فَاتَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 الْحَجُّ (وَلَوْ أَذِنَ) لَهُ (سَيِّدُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَلَوْ مَلَكَ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ (فَيَصُومُ) الْقِنُّ الصَّوْمَ الْمَذْكُورَ بَدَلَ الْهَدْيِ، وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا كُلُّ دَمٍ لَزِمَ الْقِنَّ فِي الْإِحْرَامِ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْهُ إلَّا الصِّيَامُ. (وَيَجِبُ قَضَاءٌ عَلَى صِفَةِ أَدَاءً، فَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ قَارِنًا، قَضَى قَارِنًا) أَيْ: لَزِمَهُ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِثْلُ مَا أَهَلَّ بِهِ أَوَّلًا (وَهُوَ) أَيْ: وُجُوبُ قَضَائِهِ عَلَى صِفَةِ الْأَدَاءِ: (خِلَافُ قَوْلِهِمْ فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَإِذَا قَضَى مُفْرِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) فَإِذَا فَاتَهُ النُّسُكُ الْمَفْضُولُ جَازَ قَضَاؤُهُ عَلَى صِفَتِهِ، وَجَازَ قَضَاؤُهُ بِنُسُكٍ أَفْضَلَ مِنْهُ لَا عَكْسَهُ، فَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ قَارِنًا قَضَى قَارِنًا، وَجَازَ مُفْرَدًا وَمُتَمَتِّعًا، وَإِنْ فَاتَهُ أَوْ فَسَدَ النُّسُكُ الْفَاضِلُ لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ بِالنُّسُكِ الْمَفْضُولِ، فَالْأَفْضَلُ التَّمَتُّعُ، ثُمَّ الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ، فَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ مُتَمَتِّعًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مُتَمَتِّعًا، وَلَمْ يَجُزْ مُفْرِدًا وَلَا قَارِنًا، مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ مُفْرِدًا جَازَ الْقَضَاءُ مُتَمَتِّعًا مُفْرِدًا، وَلَا يَجُوزُ قَارِنًا، وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ قَارِنًا جَازَ الْقَضَاءُ قَارِنًا وَمُتَمَتِّعًا، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِالنُّسُكِ الْفَاضِلِ عَنْ الْمَفْضُولِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَلَوْ خَالَفَ وَأَتَى بِالنُّسُكِ الْمَفْضُولِ قَضَاءً عَنْ الْفَاضِلِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ ذَلِكَ النُّسُكِ، لَكِنْ لَمْ يَزَلْ الْقَضَاءُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ بِمِثْلِ نُسُكِهِ الْفَائِتِ أَوْ نُسُكٍ أَفْضَلَ مِنْهُمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 (وَمَنْ مُنِعَ الْبَيْتَ ظُلْمًا) كَأَنْ يُحْبَسَ بِغَيْرِ حَقٍّ. أَوْ تَأْخُذُهُ اللُّصُوصُ. (وَلَوْ) كَانَ مَنْعُهُ (بَعْدَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ (وَلَمْ يَرْمِ وَ) لَمْ (يَحْلِقْ) . إذْ لَوْ كَانَ رَمَى وَحَلَقَ لِتَحَلُّلِ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ. (أَوْ) كَانَ مَنْعُهُ (فِي) إحْرَامِ (عُمْرَةٍ) وَأَرَادَ التَّحَلُّلَ (ذَبَحَ هَدْيًا حَيْثُ أُحْصِرَ) حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا، «لِذَبْحِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ حِينَ حُصِرُوا فِي الْحُدَيْبِيَةِ» ، وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ وَتَقَدَّمَ. وَيَكُونُ ذَبْحُهُ هُنَاكَ (بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ وُجُوبًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ حِينَ حُصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَنْحَرُوا وَيَحْلِقُوا أَوْ يَحِلُّوا» (فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ) أَيْ: الْهَدْيَ (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِالنِّيَّةِ) أَيْ: نِيَّةِ التَّحَلُّلِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ (وَحَلَّ) نَصًّا. (وَيَتَّجِهُ: صِحَّةَ تَتْمِيمِ مَا بَقِيَ) عَلَى مُحْصَرٍ (مِنْ أَرْكَانِ حَجِّهِ) فَيَفْعَلُ ذَلِكَ (بِإِحْرَامٍ ثَانٍ إذَا زَالَ حَصْرُهُ) وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا إطْعَامَ فِي ذَلِكَ) أَيْ: الْإِحْصَارِ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ (وَلَا مَدْخَلَ لِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ) أَيْ: فَلَا يَجِبُ إذْ التَّحَلُّلُ يَحْصُلُ بِدُونِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، قُدِّمَ فِي الْمُحَرَّرِ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْوُقُوفِ كَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِوُجُوبِ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ تَبَعًا لِمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ (وَعِنْدَ بَعْضٍ) مِنْهُمْ الْآجُرِّيُّ (إنْ عَجَزَ عَنْ صَوْمٍ لِعُذْرٍ حَلَّ، ثُمَّ صَامَ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ، قَالَ الْآجُرِّيُّ: إنَّ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَهُ قَدَّمَ طَعَامًا، وَصَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَحَلَّ، وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَصُومَ فَإِنْ صَعُبَ عَلَيْهِ حَلَّ، ثُمَّ صَامَ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. (وَمَنْ) كَانَ مُحْصَرًا فَ (نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ ذَبْحٍ) لِهَدْيٍ وَجَدَهُ (أَوْ صَوْمٍ) عِنْدَ عَدَمِهِ (لَمْ يَحِلَّ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الذَّبْحُ أَوْ الصَّوْمُ بِالنِّيَّةِ، وَاعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ فِي الْمُحْصَرِ دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ مَنْ أَتَى بِأَفْعَالِ النُّسُكِ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ، فَحَلَّ بِإِكْمَالِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّةٍ، بِخِلَافِ الْمُحْصَرِ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ الْعِبَادَةِ قَبْلَ إكْمَالِهَا فَافْتَقَرَ إلَى نِيَّةٍ (وَلَزِمَهُ دَمٌ لِكُلِّ مَحْظُورٍ) فَعَلَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ (وَ) لَزِمَ مِنْ تَحَلُّلٍ قَبْلَ الذَّبْحِ وَالصَّوْمِ (دَمٌ لِتَحَلُّلِهِ بِالنِّيَّةِ) صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ هُنَا: إنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لَزِمَهُ دَمٌ خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ وَيَأْتِي، وَمَا جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرَفْضِهِ الْإِحْرَامَ فَهُوَ فِي غَيْرِ الْمُحْصَرِ لِإِلْغَاءِ رَفْضِهِ، وَلُزُومِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَهَذَا فِي الْمُحْصَرِ الْمَمْنُوعِ مِنْ تَتْمِيمِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَإِذَا عَدَلَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْ هَدْيٍ أَوْ صَوْمٍ، لَزِمَهُ دَمٌ. (وَفِي الْمُغْنِي، والشَّرْحِ لَا) : يَلْزَمُهُ دَمٌ، (لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ) أَيْ: رَفْضِ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ، فَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا، وَمُعْظَمُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. (وَلَا قَضَاءَ عَلَى مُحْصَرٍ تَحَلَّلَ قَبْلَ فَوْتِ حَجٍّ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الْإِقْنَاعِ بِقَبْلِ فَوْتِ الْحَجِّ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ. (وَمِثْلُهُ) أَيْ: مِثْلُ الْمُحْصَرِ فِي عَدَمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 وُجُوبِ الْقَضَاءِ (مَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ (لَكِنْ مَنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُ الْحَجِّ ذَلِكَ الْعَامَ لَزِمَهُ) فِعْلُهُ (وَإِلَّا) . يُمْكِنْهُ فِعْلُهُ ذَلِكَ الْعَامَ (فَلَا) يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ (فَلَوْ أُحْصِرَ فِي) حَجٍّ (فَاسِدٍ) فَلَهُ التَّحَلُّلُ مِنْهُ بِذَبْحِ هَدْيٍ إنْ وَجَدَهُ أَوْ صَوْمٍ إنْ عَدِمَهُ كَالصَّحِيحِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ (وَتَحَلَّلَ، ثُمَّ) زَالَ الْحَصْرُ وَفِي الْوَقْتِ سِعَةٌ، وَ (أَمْكَنَهُ) الْقَضَاءُ (فَلَهُ الْقَضَاءُ فِي عَامِهِ) ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ فَوْرًا، فَمَتَى أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ لَزِمَهُ، قَالَ الْمُوَفَّقُ وَجَمَاعَةٌ: وَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الَّذِي أُفْسِدَ الْحَجُّ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (وَمَنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ) دُونَ الْحَرَمِ (فِي حَجٍّ، تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ مَجَّانًا) أَيْ: وَلَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ دَمٌ، لِأَنَّ قَلْبَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ مُبَاحٌ بِلَا حَصْرٍ. فَمَعَهُ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ قَدْ طَافَ، وَسَعَى لِلْقُدُومِ، ثُمَّ أُحْصِرَ أَوْ مَرِضَ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ آخَرَيْنِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَقْصِدْهُمَا لِلْعُمْرَةِ. (وَإِنْ أَمْكَنَ الْمُحْصَرُ وُصُولًا) إلَى الْحَرَمِ (مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى) غَيْرِ الَّتِي أُحْصِرَ فِيهَا لَمْ يُبَحْ لَهُ التَّحَلُّلُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْحَرَمِ، فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ، و (لَزِمَهُ) سُلُوكُهَا لِيُتِمَّ نُسُكَهُ، لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (وَلَوْ بَعُدَتْ) تِلْكَ الطَّرِيقُ (أَوْ خَشِيَ الْفَوَاتَ) ، أَيْ: فَوَاتَ الْحَجِّ. (وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْبَيْتِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِالْإِحْلَالِ الِانْتِقَالَ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ خَيْرٍ مِنْهَا، وَلَا التَّخَلُّصُ مِنْ أَذًى بِهِ بِخِلَافِ حَصْرِ الْعَدُوِّ، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 وَقَالَتْ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ. قَالَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي» فَلَوْ كَانَ الْمَرَضُ يُبِيحُ التَّحَلُّلَ لَمَا احْتَاجَتْ إلَى شَرْطٍ، وَحَدِيثِ: «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ، فَقَدْ حَلَّ» ، مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ بِمُجَرَّدِهِ حَلَالًا، فَإِنْ حَمَلُوهُ عَلَى إبَاحَةِ التَّحَلُّلِ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَطَهُ، عَلَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ كَلَامًا لِابْنِ عَبَّاسٍ يَرْوِيهِ، وَمَذْهَبُهُ بِخِلَافِهِ. (وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ) ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْبَيْتِ، (تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ) نَصًّا كَغَيْرِهِ (وَلَا يَنْحَرُ) مَنْ مَرِضَ أَوْ ذَهَبَتْ نَفَقَتُهُ أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ (هَدْيًا إلَّا بِالْحَرَمِ) فَلَيْسَ كَالْمُحْصَرِ مِنْ عَدُوٍّ نَصًّا، فَيَبْعَثُ مَا مَعَهُ مِنْ الْهَدْيِ، فَيُذْبَحُ بِالْحَرَمِ، وَصَغِيرٍ كَبَالِغٍ فِيمَا سَبَقَ، لَكِنْ لَا يَقْضِي حَيْثُ وَجَبَ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَبَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَفَاسِدُ حَجٍّ فِي ذَلِكَ كَصَحِيحِهِ. (وَيُبَاحُ) لِمُحْرِمٍ (تَحَلُّلٌ) مِنْ إحْرَامٍ (لِحَاجَةٍ) إلَى (قِتَالِ عَدُوٍّ أَوْ إلَى بَذْلِ مَالٍ) كَثِيرٍ مُطْلَقًا وَمَسِيرِ كَافِرٍ وَيَجُوزُ قِتَالٌ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ الِانْصِرَافُ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَهُوَ أَوْلَى صَوْنًا لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْإِقْنَاعِ: مَتَى كَانَتْ يَسِيرَةً وَجَبَ الْبَذْلُ، وَلَوْ لِكَافِرٍ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ. (وَنُدِبَ قِتَالُ كَافِرٍ) إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الظَّفَرُ بِهِ، وَلَا يَجِبُ إلَّا إذَا بَدَأَنَا بِالْقِتَالِ، أَوْ وَقَعَ النَّفِيرُ مِمَّنْ لَهُ الِاسْتِنْفَارُ فَيَتَعَيَّنُ إذْ ذَاكَ لِمَا يَأْتِي فِي الْجِهَادِ (وَمَنْ قَاتَلَ) مِنْ الْحُجَّاجِ (قَبْلَ تَحَلُّلٍ) أَوَّلٍ (وَلَبِسَ مَا تَجِبُ فِيهِ فِدْيَةٌ لِحَاجَةٍ) إلَيْهِ (جَازَ) لَهُ اللِّبْسُ (وَفَدَى) كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَغْطِيَتِهِ. وَإِنْ أَذِنَ الْعَدُوُّ لِلْحَاجِّ فِي الْعُبُورِ فَلَمْ يَثِقُوا بِهِمْ، فَلَهُمْ الِانْصِرَافُ وَالتَّحَلُّلُ، وَإِنْ وَثِقُوا بِهِمْ، لَزِمَهُمْ الْمُضِيُّ عَلَى الْإِحْرَامِ لِإِتْمَامِ النُّسُكِ، إذْ لَا عُذْرَ لَهُمْ إذَنْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 (وَمَنْ حُصِرَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ رَمَى) الْجِمَارَ (وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ، لَمْ يَجُزْ تَحَلُّلُهُ لِنَحْوِ جِمَاعٍ) وَدَوَاعِيهِ وَعَقْدِ نِكَاحٍ (حَتَّى يَطُوفَ) لِلْإِفَاضَةِ، وَيَسْعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى، وَكَذَا لَوْ حُصِرَ عَنْ السَّعْيِ فَقَطْ، لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّحَلُّلِ مِنْ إحْرَامٍ تَامٍّ يُحَرِّمُ جَمِيعَ الْمَحْظُورَاتِ، وَهَذَا يُحَرِّمُ النِّسَاءَ خَاصَّةً، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، وَمَتَى زَالَ الْحَصْرُ أَتَى بِالطَّوَافِ وَسَعَى. (وَمَنْ حُصِرَ عَنْ) فِعْلٍ (وَاجِبٍ لَمْ يَتَحَلَّلْ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ (وَعَلَيْهِ) لِتَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ (دَمٌ) كَمَا لَوْ تَرَكَهُ اخْتِيَارًا، وَحَجُّهُ صَحِيحٌ لِتَمَامِ أَرْكَانِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَيَرْجِعُ) الْمُحْصَرُ (بِهِ) أَيْ: بِالدَّمِ (عَلَى مَنْ حَصَرَهُ) لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي أَوْ) قَالَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ: (إنْ مَرِضْت فَلِي أَنْ أَحِلَّ، خُيِّرَ بِ) مُجَرَّدِ (وُجُودِ شَرْطِهِ) وَهُوَ الْحَبْسُ أَوْ الْمَرَضُ (بَيْنَ تَحَلُّلٍ مَجَّانًا وَ) بَيْنَ (بَقَاءٍ عَلَى إحْرَامِهِ) حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ وَيُتِمَّ نُسُكَهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ مَرِضْت مَثَلًا فَأَنَا حَلَالٌ، حَلَّ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ) أَيْ: الْمَرَضِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ، لِخَبَرِ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنَّ لَك عَلَى رَبِّك مَا اشْتَرَطْت» وَلِأَنَّ لِلشَّرْطِ تَأْثِيرًا فِي الْعِبَادَاتِ، بِدَلِيلِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي صُمْت شَهْرًا، لَكِنْ. إنْ تَحَلَّلَ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، فَوُجُوبُهَا بَاقٍ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ. [فَرْعٌ وَقَفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ] (فَرْعٌ: لَوْ وَقَفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَوْ) وَقَفُوا (إلَّا يَسِيرًا فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ) بِأَنْ وَقَفُوا الثَّامِنَ أَوْ الْعَاشِرَ (خَطَأً أَجْزَأَهُمْ) نَصًّا، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَابِرِ بْنِ أَسِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يُعَرِّفُ النَّاسُ فِيهِ» وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ. وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قِيلَ بِالْقَضَاءِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَخْطَئُوا فِي الْعَدَدِ أَوْ الرُّؤْيَةِ، أَوْ الِاجْتِهَادِ فِي الْغَيْمِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ (وَيُجْزِئُ وُقُوفُ الْعَاشِرِ) مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إنْ كَانَ الْخَطَأُ لِأَجْلِ إغْمَاءِ الشَّهْرِ لَا إنْ كَانَ لِتَقْصِيرِهِمْ فِي الْعَدَدِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ (إجْمَاعًا) لِأَنَّ الْهِلَالَ لَمَّا يَرَهُ النَّاسُ وَيَعْلَمُوهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصَّوَابُ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَطَأٌ وَصَوَابٌ لَا يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا خَطَأَ. وَقَالَ: (وَلَوْ رَآهُ) أَيْ: الْهِلَالَ (طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ، لَمْ يَنْفَرِدُوا بِالْوُقُوفِ، بَلْ الْوُقُوفُ مَعَ الْجُمْهُورِ) وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ فَاتَهُ الْحَجُّ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَفِي الِانْتِصَارِ وَإِنْ أَخْطَأَ عَدَدٌ يَسِيرٌ، وَفِي الْكَافِي وَالْمُجَرَّدِ: وَإِنْ أَخْطَأَ نَفَرٌ مِنْهُمْ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُقَالُ: إنَّ النَّفَرَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَإِنْ وَقَفَ النَّاسُ، أَوْ إلَّا يَسِيرًا، الثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ خَطَأً أَجْزَأَهُمْ (وَاخْتَارَ فِي الْفُرُوعِ) أَنَّهُ (يَقِفُ مَنْ رَآهُ) أَيْ: الْهِلَالَ، يَقِينًا وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ (فِي) الْيَوْمِ (التَّاسِعِ) حَسْبَمَا (عِنْدَهُ) مِنْ الْيَقِينِ (وَ) يَقِفُ (مَعَ الْجُمْهُورِ) أَيْضًا لِئَلَّا يُنْسَبَ إلَى الِابْتِدَاعِ (وَهُوَ) اخْتِيَارٌ (حَسَنٌ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَبُلُوغِ مَقْصُودِهِ بِنَفْيِ الشَّكِّ وَالِاحْتِيَاطِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 [بَابُ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ وَالْعَقِيقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] (الْهَدْيُ) مِنْ: هَدَى يَهْدِي، وَمِنْ أَهْدَى يُهْدِي، وَهُوَ: (مَا يُهْدَى لِلْحَرَمِ مِنْ نَعَمٍ وَغَيْرِهَا) وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّى: مَا يُذْبَحُ بِمِنًى، سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُهْدَى إلَى اللَّهِ تَعَالَى (وَالْأُضْحِيَّةُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا، وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا: (مَا يُذْبَحُ) أَيْ: يُذَكَّى (مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ) أَهْلِيَّةٍ (وَغَنَمٍ أَهْلِيَّةٍ أَيَّامَ النَّحْرِ) يَوْمَ الْعِيدِ وَتَالِيَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي (بِسَبَبِ الْعِيدِ) لَا لِنَحْوِ بَيْعٍ (تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى) وَيُقَالُ فِيهَا: ضَحِيَّةٌ، وَجَمْعُهَا: ضَحَايَا، وَأَضْحَاةٌ وَالْجَمْعُ أَضْحَى، وَأَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قَالَ جَمْعٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَا تُجْزِئُ أُضْحِيَّةٌ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ: الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْأَهْلِيَّةِ (بِأَنْوَاعِهَا، فَلَا يُجْزِئُ) فِي أُضْحِيَّةٍ (وَحْشِيٌّ وَلَا مُتَوَلِّدٌ) بَيْنَ وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمَنْعِ (وَيَصِحُّ هَدْيُ كُلِّ مُتَمَوَّلٍ) مِنْ أَثَاثٍ وَسِلَاحٍ وَنَقْدٍ وَحَيَوَانٍ (وَهُوَ) أَيْ: الْهَدْيُ بِأَنْوَاعِهِ (سُنَّةٌ لِمَنْ أَتَى مَكَّةَ) ولَمْ يَأْتِهَا، لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ الْهَدْيَ، وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ» فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: لِمَنْ أَتَى مَكَّةَ «وَأَهْدَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّتِهِ مِائَةَ بَدَنَةٍ» قَالَ جَابِرٌ «فِي صِفَةِ حَجِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 مِائَةً وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إلَى مَكَّةَ، وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ» . (وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا) أَيْ: الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ (إبِلٌ فَبَقَرٌ إنْ أُخْرِجَ كَامِلًا وَإِلَّا) يُخْرِجْ كَامِلًا (فَغَنَمٌ) يُهْدِيهِ أَوْ يُضَحِّي بِهِ أَفْضَلُ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ. . . الْحَدِيثَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ ثَمَنًا وَلَحْمًا وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ (ثُمَّ شَرَكَ سَبْعٌ) فَأَكْثَرُ (فِي بَدَنَةٍ، ثُمَّ شَرَكَ فِي بَقَرَةٍ) لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ مَقْصُودَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَالْمُنْفَرِدُ تَقَرَّبَ بِإِرَاقَتِهِ كُلِّهِ، (وَ) الْأَفْضَلُ (مِنْ كُلِّ جِنْسٍ أَسْمَنُ، فَأَغْلَى ثَمَنًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْظِيمُهَا: اسْتِسْمَانُهَا وَاسْتِحْسَانُهَا، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِهَا، وَأَكْثَرُ لِنَفْعِهَا (فَأَشْهَبُ) أَيْ: أَفْضَلُ أَلْوَانِهَا الْأَشْهَبُ (وَهُوَ: الْأَمْلَحُ، وَهُوَ: الْأَبْيَضُ) النَّقِيُّ الْبَيَاضِ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ (أَوْ مَا) فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ، وَ (بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ) قَالَ الْكِسَائِيُّ، لِحَدِيثِ مَوْلَاةِ أَبِي وَرَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «دَمُ عَفْرَاءَ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: دَمُ بَيْضَاءَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ سَوْدَاوَيْنِ. وَلِأَنَّهُ لَوْنُ أُضْحِيَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَأَصْفَرُ فَأَسْوَدُ) أَيْ: كُلَّمَا كَانَ أَحْسَنَ لَوْنًا كَانَ أَفْضَلَ (قَالَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي الْبَيَاضُ، (وَقَالَ: أَكْرَهُ السَّوَادَ) انْتَهَى. (وَجَذَعُ ضَأْنٍ أَفْضَلُ مِنْ ثَنِيِّ مَعْزٍ) قَالَ أَحْمَدُ: لَا تُعْجِبُنِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 الْأُضْحِيَّةُ إلَّا بِالضَّأْنِ، وَلِأَنَّهُ أَطْيَبُ لَحْمًا مِنْ ثَنِيِّ الْمَعْزِ (وَكُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ جَذَعِ الضَّأْنِ، وَثَنِيِّ الْمَعْزِ (أَفْضَلُ مِنْ سُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ) سُبْعِ (بَقَرَةٍ وَأَفْضَلُ مِنْ إحْدَاهُمَا) أَيْ: الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ (سَبْعُ شِيَاهٍ) لِكَثْرَةِ إرَاقَةِ الدِّمَاءِ (وَتَعَدُّدٍ فِي جِنْسٍ أَفْضَلُ مِنْ غَالٍ بِدُونِهِ) أَيْ: التَّعَدُّدِ، سَأَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ الْإِمَامَ أَحْمَدَ (فَ) قَالَ لَهُ: (بَدَنَتَانِ) سَمِينَتَانِ (بِتِسْعَةٍ أَفْضَلُ مِنْ بَدَنَةٍ بِعَشَرَةٍ) أَمْ لَا؟ قَالَ: بَدَنَتَانِ أَعْجَبُ إلَيَّ. (وَذَكَرٌ وَأُنْثَى سَوَاءٌ) لِعُمُومِ، {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] وَقَوْلِهِ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج: 36] «وَأَهْدَى، النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ فِي أَنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَيَتَّجِهُ: لَكِنَّ الْخَصِيَّ رَاجِحٌ) عَلَى غَيْرِهِ مِنْ النِّعَاجِ، وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْفَائِقِ (وَالْإِقْنَاعِ) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْخَصِيُّ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ النَّعْجَةِ، لِأَنَّ لَحْمَهُ أَوْفَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا النَّصِّ، إذْ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَمَا ذَكَرَهُ اتِّجَاهًا. (وَرَجَّحَ الْمُوَفَّقُ الْكَبْشَ) فِي الْأُضْحِيَّةِ (عَلَى سَائِرِ النَّعَمِ) لِأَنَّهُ أُضْحِيَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَا يُجْزِئُ) فِي هَدْيٍ وَاجِبٍ وَلَا أُضْحِيَّةٍ (دُونَ جَذَعِ ضَأْنٍ) وَهُوَ (مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) كَوَامِلَ، لِحَدِيثِ: «يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَالْهَدْيُ مِثْلُهَا، وَيُعْرَفُ بِنَوْمِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِهِ، قَالَهُ الْخِرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ (وَ) لَا يُجْزِئُ دُونَ (ثَنِيِّ مَعْزٍ) وَهُوَ: (مَا لَهُ سَنَةٌ) كَامِلَةٌ، لِأَنَّهُ قَبْلَهَا لَا يُلَقِّحُ، بِخِلَافِ جَذَعِ الضَّأْنِ، فَإِنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 يَنْزُو فَيُلَقِّحُ (وَ) لَا يُجْزِئُ دُونَ (ثَنِيِّ بَقَرٍ) وَهُوَ (مَا لَهُ سَنَتَانِ) كَامِلَتَانِ، (وَ) لَا يُجْزِئُ دُونَ (ثَنِيِّ إبِلٍ) وَهُوَ (مَا لَهُ خَمْسُ سِنِينَ) كَوَامِلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَلْقَى ثَنِيَّتَهُ. (وَتُجْزِئُ شَاةٌ عَنْ وَاحِدٍ وَ) عَنْ (أَهْلِ بَيْتِهِ وَعِيَالِهِ وَمَمَالِيكِهِ) نَصًّا، لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ» قَالَ فِي الشَّرْحِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. (وَ) تُجْزِئُ (بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ عَنْ سَبْعَةٍ فَأَقَلَّ لَا أَكْثَرَ) ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «نَحَرْنَا بِالْحُدَيْبِيَةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَيُعْتَبَرُ ذَبْحُهَا) أَيْ: الْبَدَنَةِ (عَنْهُمْ) نَصًّا لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (فَلَا يُجْزِئُ اشْتِرَاكُ) جَمَاعَةٍ فِيهَا (بَعْدَ ذَبْحٍ) قَالَهُ الشِّيرَازِيُّ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُجْزِئُ (شِرَاءُ) بَدَنَةٍ وَنَحْوِهَا (مَذْبُوحَةً) لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِلَّحْمِ لَا لِغَيْرِهِ (وَتُجْزِئُ) الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ (لَوْ) أَرَادُوا كُلُّهُمْ قُرْبَةً، أَوْ (أَرَادَ بَعْضُهُمْ قُرْبَةً، وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ لَحْمًا، أَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ) مُسْلِمًا وَبَعْضُهُمْ (ذِمِّيًّا) فِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَهُ الْقَاضِي. (وَلَوْ ذَبَحُوهَا) أَيْ: الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ (عَلَى أَنَّهُمْ سَبْعَةٌ، فَبَانُوا ثَمَانِيَةً، ذَبَحُوا شَاهً وَأَجْزَأَتْهُمْ) الشَّاةُ مَعَ الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ، فَإِنْ بَانُوا تِسْعَةً ذَبَحُوا شَاتَيْنِ وَهَكَذَا (وَلَوْ اشْتَرَكَا) أَيْ: اثْنَانِ (فِي شَاتَيْنِ مَشَاعًا، أَجْزَأَ) ذَلِكَ عَنْهُمَا، كَمَا لَوْ ذَبَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَاةً. (وَتُجْزِئُ) فِي الْهَدِيَّةِ وَالْأُضْحِيَّةِ (جَمَّاءُ، وَهِيَ: مَا خُلِقَتْ بِلَا قَرْنٍ، وَبَتْرَاءُ) وَهِيَ: (مَا لَا ذَنَبَ لَهَا خِلْقَةً، أَوْ) كَانَ ذَنَبُهَا (مَقْطُوعًا، وَ) تُجْزِئُ (صَمْعَاءُ) بِصَادٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَتَيْنِ، هِيَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 (صَغِيرَةُ أُذُنٍ، وَمَا خُلِقَتْ بِلَا أُذُنٍ، وَ) يُجْزِئُ (خَصِيٌّ) وَهُوَ: مَا قُطِعَتْ خُصْيَتَاهُ أَوْ سُلَّتَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ غَيْرِهِ (وَ) يُجْزِئُ (مَرْضُوضُ خُصْيَتَيْنِ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» وَالْوِجَاءُ: رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ، وَلِأَنَّ الْخِصَاءَ إذْهَابُ عُضْوٍ غَيْرِ مُسْتَطَابٍ يَطِيبُ اللَّحْمُ بِذَهَابِهِ وَيَسْمَنُ (وَ) تُجْزِئُ (حَامِلٌ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ (وَ) يُجْزِئُ كَبْشٌ (ذَاهِبٌ نِصْفُ أَلْيَتِهِ) (أَوْ) أَيْ: وَيُجْزِئُ ذَاهِبُ (نِصْفِ أُذُنِهِ أَوْ) نِصْفِ قَرْنِهِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، وَيَأْتِي، وَلَا يُجْزِئُ مَا ذَهَبَ (أَكْثَرُ) مِنْ نِصْفِ أَلْيَتِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ قَرْنِهِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ الْأُذُنِ وَالْقَرْنِ» قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: الْعَضْبُ النِّصْفُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: الْعَضْبَاءُ: مَا ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا أَوْ قَرْنِهَا، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، لِأَنَّ الْأَكْثَرَ كَالْكُلِّ (وَلَا) يُجْزِئُ (مَا انْكَسَرَ غِلَافُ قَرْنِهَا، وَهِيَ: الْعَصْمَاءُ) قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ (وَلَا) يُجْزِئُ (مَا ذَهَبَ ثَنَايَاهَا مِنْ أَصْلِهَا، وَهِيَ: الْهَتْمَاءُ) فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الثَّنَايَا بَقِيَّةٌ أَجْزَأَ (وَ) لَا تُجْزِئُ (مَا شَابَ وَنَشَفَ ضَرْعُهَا. وَهِيَ: الْجَدَّاءُ وَالْجَدْبَاءُ) لِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ مِنْ غَيْرِهَا (وَلَا) تُجْزِئُ (عَرْجَاءُ لَا تُطِيقُ مَشْيًا مَعَ صَحِيحَةٍ) إلَى الْمَرْعَى (وَلَا) تُجْزِئُ (بَيِّنَةُ الْعَوَرِ، بِأَنْ انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا) لِلْخَبَرِ الْآتِي (وَلَا) تُجْزِئُ (قَائِمَةُ عَيْنَيْنِ مَعَ ذَهَابِ إبْصَارِهِمَا) لِأَنَّ الْعَمَى يَمْنَعُ مَشْيَهَا مَعَ رَفِيقَتِهَا، وَيَمْنَعُ مُشَارَكَتَهَا فِي الْعَلَفِ، وَفِي النَّهْيِ عَنْ الْعَوْرَاءِ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْعَمْيَاءِ. (وَلَا) تُجْزِئُ (عَجْفَاءُ لَا تُنْقِي) بِضَمِّ التَّاءِ، وَكَسْرِ الْقَافِ (وَهِيَ: الْهَزِيلَةُ الَّتِي لَا مُخَّ فِيهَا، وَلَا بَيِّنَةُ الْمَرَضِ بِجَرَبٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 أَوْ غَيْرِهِ) لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. فَإِنْ كَانَ عَلَى عَيْنِهَا بَيَاضٌ، وَلَمْ يَذْهَبْ أَجْزَأَتْ، لِأَنَّ عَوَرَهَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ، وَلَا يَنْقُصُ بِهِ لَحْمُهَا (وَلَا) يُجْزِئُ (خَصِيٌّ مَجْبُوبٌ) وَهُوَ: مَا قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ، نَصًّا، فَإِنْ قُطِعَتْ أُنْثَيَاهُ فَقَطْ، أَوْ سُلَّتَا أَوْ رُضَّتَا أَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ فَقَطْ، أَجْزَأَ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُجْزِئُ (غَيْرُ مِلْكِهِ وَلَوْ أُجِيزَ بَعْدُ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. (وَكُرِهَ مَعِيبَةُ أُذُنٍ وَقَرْنٍ بِخَرْقٍ أَوْ شَقٍّ أَوْ قَطْعِ نِصْفٍ فَأَقَلَّ، وَهِيَ: الْعَضْبَاءُ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ، وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلَا مُدَابَرَةٍ، وَلَا خَرْقَاءَ وَلَا شَرْقَاءَ» قَالَ زُهَيْرٌ: قُلْت لِأَبِي إِسْحَاقَ: مَا الْمُقَابَلَةُ؟ قَالَ: تَقْطَعُ طَرَفَ الْأُذُنِ، قُلْت: فَمَا الْمُدَابَرَةُ؟ قَالَ: تَقْطَعُ مِنْ مُؤَخَّرِ الْأُذُنِ، قُلْت: فَمَا الْخَرْقَاءُ؟ قَالَ: تَشُقُّ الْأُذُنَ، قُلْت: فَمَا الشَّرْقَاءُ؟ قَالَ تَشُقُّ أُذُنَهَا لِلسِّمَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَهَذَا نَهْيُ تَنْزِيهٍ، فَيَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ بِهَا، لِأَنَّ اشْتِرَاطَ السَّلَامَةِ مِنْ ذَلِكَ يَشُقُّ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. (وَيَتَّجِهُ) : بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: أَنَّ مَقْطُوعَةَ نِصْفِ (الْأَلْيَةِ كَذَلِكَ) أَيْ: تُكْرَهُ مَعَ الْإِجْزَاءِ، لِمَا فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: لَا بَأْسَ بِكُلِّ نَقْصٍ دُونَ النِّصْفِ، قَالَ: وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ النِّصْفَ يَكْرَهُهُ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ، وَاحْتَمَلَ أَنَّهَا تُكْرَهُ حَامِلًا، لِلْخِلَافِ فِي عَدَمِ إجْزَائِهَا، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْإِمَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، قِيلَ لِلْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: الْحَامِلُ لَا تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، فَكَذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: الْقَصْدُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ اللَّحْمُ، وَالْحَمْلُ يُنْقِصُ اللَّحْمَ، وَالْقَصْدُ مِنْ الزَّكَاةِ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ، وَالْحَامِلُ أَقْرَبُ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْحَائِلِ فَأَجْزَأَتْ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الِاتِّجَاهَ مَسْبُوقٌ إلَيْهِ. [فَرْعٌ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ عَيْبٌ حَدَثَ بِمُعَالَجَةِ ذَبْحٍ] . (فَرْعٌ: قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ) فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ (عَيْبٌ حَدَثَ بِمُعَالَجَةِ ذَبْحٍ) كَانَ أَصَابَتْ الشَّفْرَةُ عَيْنَ الْمَذْبُوحِ فَقَلَعَتْهَا، أَوْ تَعَاصَى فَأَلْقَاهُ الذَّابِحُ بِعُنْفٍ، فَكَسَرَ رِجْلَهُ أَوْ غِلَافَ قَرْنِهِ وَنَحْوَهُ. [فَصْلٌ سُنَّ نَحْرُ إبِلٍ قَائِمَةٍ] (فَصْلٌ) (وَسُنَّ نَحْرُ إبِلٍ قَائِمَةٍ مَعْقُولَةٍ يَدُهَا الْيُسْرَى بِأَنْ يَطْعَنَهَا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا بِنَحْوِ حَرْبَةٍ (فِي الْوَهْدَةِ) وَهِيَ (بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالصَّدْرِ) لِحَدِيثِ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ أَنَاخَ بَدَنَةً لِيَنْحَرَهَا، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قَائِمَةً مُقَيَّدَةً سُنَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا وَيُؤَيِّدُهُ: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] أَيْ: سَقَطَتْ عَلَى الْأَرْضِ، لَكِنْ إنْ خَشِيَ أَنْ تَنْفِرَ أَنَاخَهَا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 (وَ) سُنَّ (ذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ مُوَجَّهَةً لِلْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَلِحَدِيثِ: «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» وَيَجُوزُ نَحْرُ مَا يُذْبَحُ، وَذَبْحُ مَا يُنْحَرُ وَيَحِلُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ مَحِلَّ الذَّبْحِ، وَلِعُمُومِ حَدِيثِ «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» (وَيَقُولُ) عِنْدَ تَوْجِيهِ الذَّبِيحَةِ إلَى الْقِبْلَةِ: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ} [الأنعام: 79] الْآيَةَ) أَيْ: اُذْكُرْ تَمَامَ الْآيَةِ، وَهُوَ: {السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79] {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام: 162] إلَى آخِرِ (الْآيَةِ) وَهُوَ {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162] {لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163] . وَقَوْلُهُ: " مِنْ " بَدَلُ " أَوَّلُ " لِمُنَاسَبَةِ الْمَعْنَى. (وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ) أَيْ: نَحْوِ الذَّابِحِ: (اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ) لِحَدِيثِ: «تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. كَقَوْلِ وَكِيلِ ذَلِكَ، أَوْ يَقُولُ ذَابِحٌ بِيَدِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ شَاهِدٌ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك (وَيُسَمِّي ذَابِحٌ حِينَ يُحَرِّكُ يَدَهُ وُجُوبًا) وَتَسْقُطُ التَّسْمِيَةُ سَهْوًا، وَيُكَبِّرُ نَدْبًا (وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَبَحَ يَوْمَ الْعِيدِ كَبْشَيْنِ، ثُمَّ قَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79] {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162] {لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163] ، بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّسْمِيَةِ فَقَدْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ، وَيَذْبَحُ أَوْ يَنْحَرُ وَاجِبًا مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ قَبْلَ ذَبْحِ أَوْ نَحْرِ نَفْلٍ مِنْهُمَا مُسَارَعَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ وَسُنَّ إسْلَامُ ذَابِحٍ، لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلِيَهَا غَيْرُ أَهْلِهَا، وَإِلَّا بِأَنْ اسْتَنَابَ ذَابِحًا كِتَابِيًّا، كُرِهَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «وَلَا يَذْبَحُ ضَحَايَاكُمْ إلَّا طَاهِرٌ» (وَتُوَلِّيهِ) أَيْ: الْمُهْدِي أَوْ الْمُضَحِّي الذَّبْحَ (بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ) نَصًّا لِلْأَخْبَارِ (كَحُضُورِهِ) إنْ وَكَّلَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الطَّوِيلِ: «وَاحْضُرُوهَا إذَا ذَبَحْتُمْ، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكُمْ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا» (وَتُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ) أَيْ: الْمُوَكِّلِ حَالَ تَوْكِيلٍ فِي الذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: أَنَّهَا (لَا) تُعْتَبَرُ (نِيَّةُ وَكِيلٍ) فِي ذَبْحِ أَوْ نَحْرِ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ مَعَ طُولِ الزَّمَنِ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِرَاقَةِ، لِأَنَّ الْهَدْيَ وَالْأُضْحِيَّةَ غَالِبًا يُخْرِجُهُمَا الْمُوَكِّلُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لِلَّهِ طَلَبًا لِلثَّوَابِ، فَلَا يَفْتَقِرُ فِعْلُ الْوَكِيلِ، إلَى نِيَّةٍ حِينَهُ، بِخِلَافِ وَكِيلٍ فِي دَفْعِ زَكَاةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ حَالَ دَفْعِهَا مَعَ طُولِ الزَّمَنِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ بِهَا، وَكَذَلِكَ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ وَكِيلٍ وَلَا مُوَكِّلٍ وَقْتَ الْإِرَاقَةِ مَعَ تَعْيِينِ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ (مُطْلَقًا) طَالَ الزَّمَنُ أَوْ قَصُرَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تُعْتَبَرُ (تَسْمِيَةُ مُضْحًى عَنْهُ) وَلَا مُهْدًى عَنْهُ اكْتِفَاءً بِالنِّيَّةِ. (وَوَقْتُ ذَبْحِ أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيِ نَذْرٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَ) هَدْيِ (مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ مِنْ بَعْدِ أَسْبَقِ صَلَاةِ الْعِيدِ بِالْبَلَدِ) الَّذِي تُصَلَّى بِهِ، وَلَوْ قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 الْخُطْبَةِ (أَوْ مِنْ) بَعْدِ (قَدْرِهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ (لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ) يَعْنِي: لِمَنْ بِمَحِلٍّ لَا تُصَلَّى فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ) : كَكَوْنِهِ بِبَلَدٍ لَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، فَوَقْتُ ذَبْحِهِ مُضِيُّ قَدْرِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَلَدٍ تُقَامُ فِيهِ فَوْقَ فَرْسَخٍ، وَكَأَهْلِ الْبَوَادِي مِنْ أَصْحَابِ الطنبو الخركاوات وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ فِي حَقِّهِمْ تُعْتَبَرُ، فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ بِقَدْرِهَا، أَمَّا مَنْ كَانَ بِمِصْرٍ أَوْ بَلَدٍ تُصَلَّى فِيهِ الْعِيدُ فَلَيْسَ لَهُ الذَّبْحُ قَبْلَ الصَّلَاةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ فَاتَتْ صَلَاةٌ بِزَوَالٍ ذَبَحَ بَعْدَهُ، لِحَدِيثِ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى» وَحَدِيثِ: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (إلَى آخِرِ ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) قَالَ أَحْمَدُ: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ خَمْسَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ: عُمَرُ وَابْنُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ، وَالتَّضْحِيَةُ (فِي أَوَّلِهَا) أَيْ: أَيَّامِ الذَّبْحِ، وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ أَفْضَلُ، وَأَفْضَلُهُ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ، وَذَبْحُ الْإِمَامِ إنْ كَانَ (فَمَا يَلِيهِ) أَيْ: يَوْمَ الْعِيدِ، أَفْضَلُ مُسَارَعَةً لِلْخَيْرِ. (وَتُكْرَهُ) التَّضْحِيَةُ (لَيْلًا) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (وَتُجْزِئُ) لِأَنَّ اللَّيْلَ زَمَنٌ يَصِحُّ فِيهِ الرَّمْيُ فِي الْجُمْلَةِ كَالسُّقَاةِ وَالرُّعَاةِ، وَدَاخِلٌ فِي مُدَّةِ الذَّبْحِ، فَجَازَ فِيهِ كَالْأَيَّامِ (فَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ) لِلذَّبْحِ (قَضَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 الْوَاجِبَ) وَفَعَلَ بِهِ (كَأَدَاءِ) مَذْبُوحٍ فِي وَقْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ الذَّبْحُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ، كَمَا لَوْ ذَبَحَهَا فِي وَقْتِهَا، وَلَمْ يُفَرِّقْهَا حَتَّى خَرَجَ (وَسَقَطَ التَّطَوُّعُ) بِخُرُوجِ وَقْتِهِ، لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحِلُّهَا (فَلَوْ ذَبَحَهُ) أَيْ: التَّطَوُّعَ (بَعْدُ) وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَلَحْمٌ لَا أُضْحِيَّةٌ يَصْنَعُ بِهِ (مَا شَاءَ كَذَبْحٍ قَبْلَ وَقْتِهِ) فَلَمْ يُجْزِئْهُ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا، وَوَقْتُ ذَبْحِ هَدْيٍ وَاجِبٍ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ (مِنْ حِينِهِ) أَيْ: فِعْلُ الْمَحْظُورِ كَالْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ. وَإِذَا أَرَادَ فِعْلَ الْمَحْظُورِ لِعُذْرٍ يُبِيحُهُ، فَلَهُ ذَبْحُ مَا يَجِبُ بِهِ قَبْلَ فِعْلِهِ، لِوُجُودِ سَبَبِهِ، كَإِخْرَاجِ كَفَّارَةٍ عَنْ يَمِينٍ بَعْدَ حَلِفٍ (كَدَمٍ وَاجِبٍ لِتَرْكِ وَاجِبٍ) يَدْخُلُ وَقْتُهُ مِنْ تَرْكِهِ. (تَنْبِيهٌ: شُرُوطُ أُضْحِيَّةٍ) أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: (نَعَمٌ أَهْلِيَّةٌ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ. (وَ) الثَّانِي: (سَلَامَتُهَا) مِنْ عُيُوبٍ مُضِرَّةٍ. (وَ) الثَّالِثُ: (دُخُولُ وَقْتِ) ذَبْحٍ. (وَ) الرَّابِعُ: (صِحَّةُ ذَكَاةٍ) بِأَنْ يَذْبَحَهَا مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا. [فَصْلٌ التَّضْحِيَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ] (فَصْلٌ) (التَّضْحِيَةُ) : بِفَتْحِ التَّاءِ: ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ أَيَّامَ النَّحْرِ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَنْ مُسْلِمٍ تَامِّ الْمِلْكِ) وَهُوَ الْحُرُّ وَالْمُبَعَّضُ فِيمَا يَمْلِكُهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ (أَوْ مُكَاتَبٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ، وَالنَّحْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» وَلِحَدِيثِ «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَدَخَلَ الْعَشْرُ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا بَشَرَتِهِ شَيْئًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَعَلَّقَهُ عَلَى الْإِرَادَةِ، وَالْوَاجِبُ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا، وَكَالْعَقِيقَةِ، وَمَا اُسْتُدِلَّ بِهِ لِلْوُجُوبِ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً» فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، كَحَدِيثِ: «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» وَحَدِيثِ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (الْأُضْحِيَّةُ مِنْ النَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ فَتُضَحِّي الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ بِلَا إذْنِهِ) عِنْدَ غَيْبَتِهِ أَوْ امْتِنَاعِهِ كَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَيْضًا: (وَ) يُضَحِّي (مَدِينٌ لَمْ يُطَالِبْهُ رَبُّ الدَّيْنِ. انْتَهَى) . وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَيَقْتَصِرُ) مَدِينٌ ضَحَّى (عَلَى أَدْوَنَ) و (مُجْزِئٍ) فَلَا يَتَغَالَى فِي ثَمَنِهَا لِئَلَّا يَضُرَّ بِغَرِيمِهِ، لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا وَلِيُّ يَتِيمٍ) ضَحَّى (عَنْهُ) فَيَقْتَصِرُ عَلَى أَدْوَنَ مُجْزِئٍ حَيْثُ كَانَتْ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ (وَكُرِهَ تَرْكُهَا) أَيْ: التَّضْحِيَةِ (لِقَادِرٍ) عَلَيْهَا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» (وَ) التَّضْحِيَةُ (عَنْ مَيِّتٍ أَفْضَلُ مِنْهَا عَنْ حَيٍّ) لِعَجْزِهِ وَاحْتِيَاجِهِ لِلثَّوَابِ (وَيُعْمَلُ بِهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ عَنْ مَيِّتٍ (كَ) أُضْحِيَّةٍ (عَنْ حَيٍّ) مِنْ أَكْلٍ وَصَدَقَةٍ وَهَدِيَّةٍ (وَتَجِبُ) التَّضْحِيَةُ (بِنَذْرٍ) ، لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (وَكَانَتْ) التَّضْحِيَةُ (وَاجِبَةً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَالْوِتْرِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ لِلْخَبَرِ (وَذَبْحُهَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ (وَ) ذَبْحُ (عَقِيقَةٍ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةٍ بِثَمَنِهَا) نَصًّا، وَكَذَا هَدْيٌ، لِحَدِيثِ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إلَى اللَّهِ مِنْ إرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهُ لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي فُرُشِهِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «وَقَدْ ضَحَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْدَى الْهَدَايَا، وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ» ، وَلَوْ أَنَّ الصَّدَقَةَ بِالثَّمَنِ أَفْضَلُ لَمْ يَعْدِلُوا عَنْهُ. (وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ ذَبْحِهَا) أَوْ قَبْلَهُ (قَامَ وَارِثُهُ مُقَامَهُ) فِي الْأَكْلِ وَالْإِهْدَاءِ وَالصَّدَقَةِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ. (وَسُنَّ أَكْلُهُ وَهَدِيَّتُهُ وَصَدَقَتُهُ) مِنْهَا (أَثْلَاثًا) أَيْ: يَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ الثُّلُثَ، وَيُهْدِي الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ (مِنْ أُضْحِيَّةٍ، وَلَوْ) كَانَتْ (وَاجِبَةً، وَهَدْيَ تَطَوُّعٍ. وَ) يَجُوزُ أَنْ (يُهْدِيَ لِكَافِرٍ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ) قَالَ أَحْمَدُ: نَحْنُ نَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ: «يَأْكُلُ هُوَ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ مَنْ أَرَادَ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ عَلَى الْمَسَاكِينِ» قَالَ عَلْقَمَةُ: بَعَثَ مَعِي عَبْدُ اللَّهِ بِهَدِيَّةٍ فَأَمَرَنِي أَنْ آكُلَ ثُلُثًا وَأَنْ أُرْسِلَ إلَى أَهْلِ أَخِيهِ بِالثُّلُثِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِثُلُثٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] وَالْقَانِعُ: السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيك، أَيْ: يَتَعَرَّضُ لَك لِتُطْعِمَهُ وَلَا يَسْأَلُ، فَذَكَرَ ثَلَاثَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَسَّمَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَلَا يَجِبُ الْأَكْلُ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُنَّ شَيْئًا» ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْهَدِيَّةُ مِنْ وَاجِبَةٍ لِكَافِرٍ، كَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ، بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ (لَا مِنْ مَالِ يَتِيمٍ وَمُكَاتَبٍ فِي إهْدَاءٍ وَصَدَقَةٍ) أَيْ: إذَا ضَحَّى وَلِيُّ الْيَتِيمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 عَنْهُ لَا يُهْدِي مِنْهَا، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ مِنْ مَالِهِ (وَيُوَفِّرُهَا لَهُ) وَكَذَا مُكَاتَبٌ ضَحَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِمَا ذُكِرَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي التَّضْحِيَةِ إذْنُهُ فِي التَّبَرُّعِ، (وَيَلْزَمُ غَيْرَهُمَا) أَيْ: الْيَتِيمِ وَالْمُكَاتَبِ (تَصَدُّقٌ بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ لَحْمٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَهُوَ الْأُوقِيَّةُ (لِوُجُوبِ صَدَقَةٍ بِبَعْضِهَا) فَإِنْ أَكَلَهَا كُلَّهَا ضَمِنَ قَدْرَ أُوقِيَّةٍ، لِأَنَّ مَا أُبِيحَ لَهُ أَكْلُهُ لَا تَلْزَمُهُ غَرَامَتُهُ، وَيَلْزَمُ غُرْمُ مَا وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ بِهِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ مَعَ بَقَائِهِ، فَلَزِمَتْهُ غَرَامَتُهُ إذَا أَتْلَفَهُ كَالْوَدِيعَةِ (وَيُعْتَبَرُ تَمْلِيكُ فَقِيرٍ لَحْمًا نِيئًا فَلَا يَكْفِي إطْعَامُهُ) كَالْوَاجِبِ فِي كَفَّارَةٍ. (وَنُسِخَ تَحْرِيمُ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ) فَيَدَّخِرُ مَا شَاءَ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ» وَحَدِيثِ عَائِشَةَ: «إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ لِلدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا» وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ، لِأَنَّهُمَا لَمْ تَبْلُغْهُمَا الرُّخْصَةُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إلَّا زَمَنَ مَجَاعَةٍ، لِأَنَّهُ سَبَبُ تَحْرِيمِ الِادِّخَارِ. وَالدَّافَّةُ: قَوْمٌ مِنْ الْأَعْرَابِ يَرِدُونَ الْمِصْرَ لِيَتَوَسَّعُوا بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ. (وَكَانَ مِنْ شِعَارِ الصَّالِحِينَ تَنَاوُلُ لُقْمَةٍ مِنْ نَحْوِ كَبِدِهَا) ، أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ (تَبَرُّكًا) وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الْأَكْلَ (وَلَهُ إعْطَاءُ الْجَازِرِ مِنْهَا هَدِيَّةً وَصَدَقَةً) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أُقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمَفْهُومِ حَدِيثِ: «لَا تُعْطِ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا مِنْهَا» قَالَ أَحْمَدُ: إسْنَادٌ جَيِّدٌ. وَلِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ بَلْ أُولَى، لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 بَاشَرَهَا، وَتَاقَتْ إلَيْهَا نَفْسُهُ، وَ (لَا) يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ مِنْهَا (بِأُجْرَتِهِ) لِلْخَبَرِ (وَيَتَصَدَّقُ نَدْبًا أَوْ يَنْتَفِعُ بِجِلْدِهَا وَجَلِّهَا) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا أَوْ تَبَعٌ لَهَا، فَجَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَاللَّحْمِ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَمِثْلِهِ) فِي الْحُكْمِ (هَدْيٌ، وَلَوْ) كَانَ (وَاجِبًا) حَيْثُ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ دَمَ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ، فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَازِرَ مِنْهُ صَدَقَةً، وَيَنْتَفِعَ بِجِلْدِهِ وَجَلِّهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَحَرُمَ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ: الذَّبِيحَةِ هَدْيًا كَانَتْ أَوْ أُضْحِيَّةً (وَلَوْ) كَانَتْ (تَطَوُّعًا) لِتَعَيُّنِهَا بِالذَّبْحِ، وَلِحَدِيثِ عَلِيٍّ السَّابِقِ (وَمِنْ جِلْدٍ وَجَلٍّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ: «وَلَا تَبِيعُوا لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ وَالْهَدْيِ، وَتَصَدَّقُوا وَاسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِهَا» قَالَ أَحْمَدُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، كَيْف نَبِيعُهَا، وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أُضْحِيَّةً؟ ، (وَلَا يَأْكُلُ مِنْ هَدْيٍ وَاجِبٍ، وَلَوْ) كَانَ إيجَابُهُ (بِنَذْرٍ أَوْ تَعْيِينٍ غَيْرِ دَمِ مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا غَيْرُ مَحْظُورٍ، فَأَشْبَهَا هَدْيَ التَّطَوُّعِ «وَلِأَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَتَّعْنَ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَدْخَلَتْ عَائِشَةُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَصَارَتْ قَارِنَةً، ثُمَّ ذَبَحَ عَنْهُنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَقَرَ فَأَكَلْنَ مِنْ لُحُومِهَا» قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ أَكَلَ مِنْ الْبَقَرِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ خَاصَّةً (فَإِنْ أَكَلَ هُوَ) أَيْ: الْمُهْدِي مِنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ (أَوْ) أَطْعَمَ (خَاصَّتَهُ) الَّذِينَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ (وَلَوْ) كَانُوا (فُقَرَاءَ حَرُمَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَطْعَمَهُ غَنِيًّا (وَضُمِنَ) مَأْكُولٌ (بِمِثْلِهِ لَحْمًا) لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ (وَمَا مَلَكَ أَكْلَهُ) كَأَكْثَرِ هَدْيِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 التَّطَوُّعِ (فَلَهُ هَدِيَّتُهُ) لِغَيْرِهِ، لِقِيَامِ الْمُهْدِي لَهُ مُقَامَهُ (وَإِلَّا) يَمْلِكْ أَكْلَهُ كَهَدْيٍ وَاجِبٍ غَيْرِ دَمِ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ (ضَمِنَ) أَيْ: مُهْدِيهِ (بِمِثْلِهِ) لَحْمًا، لِأَنَّ الْجَمْعَ مَصْحُوبٌ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ فَكَذَلِكَ أَبْعَاضُهُ، وَكَذَا إنْ أَعْطَى الْجَزَّارَ بِأُجْرَتِهِ شَيْئًا مِنْهَا (كَبَيْعِهِ وَإِتْلَافِهِ) أَيْ: كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ الْهَدْيِ أَوْ أَتْلَفَهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا، وَإِنْ أَطْعَمَ مِنْهُ غَنِيًّا عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ جَازَ، كَالْأُضْحِيَّةِ (وَيَضْمَنُهُ) أَيْ: الْمُتْلِفُ مِنْ الْهَدْيِ (أَجْنَبِيٌّ بِقِيمَتِهِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: لِأَنَّ اللَّحْمَ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ لَحْمًا لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ. انْتَهَى. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ لَا صِنَاعَةَ فِيهِ يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ فَهُوَ مِثْلِيٌّ (وَإِنْ مَنَعَ الْفُقَرَاءَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ أَخْذِهِ (حَتَّى أَنْتَنَ ضَمِنَ نَقْصَهُ إنْ انْتَفَعَ بِهِ، وَإِلَّا) يَنْتَفِعْ بِهِ (فَ) يَضْمَنْ (قِيمَتَهُ) قَالَهُ فِي الْفُصُولِ. (وَيَتَّجِهُ: يَشْتَرِي بِهَا) أَيْ: بِقِيمَتِهِ لَحْمًا (مِثْلَهُ) لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ فَرَّقَ وَاجِبًا) مِنْ هَدْيِ نَذْرٍ (وَلَوْ أُضْحِيَّةً بِلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 إذْنٍ) مِنْ مَالِكِهَا (لَمْ يَضْمَنْ) شَيْئًا (وَأَجْزَأَ) لِوُقُوعِ ذَلِكَ مَوْقِعَهُ (وَيُبَاحُ لِفُقَرَاءَ أَخْذٌ مِنْهُ) أَيْ: الْهَدْيِ، إذَا لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِمْ مَالِكُهُ (بِإِذْنٍ) مِنْهُ (كَقَوْلِهِ) أَيْ: الْمَالِكِ: (مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ، أَوْ بِتَخْلِيَةٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ وَقَالَ لِسَائِقِ الْبُدْنِ: اُصْبُغْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، وَاضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اكْتِفَاءِ الْفُقَرَاءِ بِذَلِكَ بِغَيْرِ لَفْظٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا (وَإِنْ سُرِقَ بِلَا تَفْرِيطٍ مَذْبُوحٌ لَا حَيٌّ مِنْ أُضْحِيَّةٍ) مُعَيَّنَةٍ (أَوْ هَدْيٍ مُعَيَّنٍ ابْتِدَاءً، أَوْ عَنْ وَاجِبٍ بِذِمَّةٍ وَلَوْ) كَانَ وَاجِبًا (بِنَذْرٍ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ) لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ، فَلَا يَضْمَنُهُ بِتَلَفِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَمِثْلُهُ) أَيْ: الْهَدْيِ الْمُعَيَّنِ (مَسْرُوقٌ مِنْ نَحْوِ) دَمِ (مُتْعَةٍ) كَقِرَانٍ (وَمَا) أَيْ: دَمٍ (وَجَبَ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ) أَيْ: فَلَا شَيْءَ فِيهِ مَا لَمْ يُفَرِّطْ فِي حِفْظِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) مَا ذَبَحَهُ عَنْ وَاجِبٍ فِي ذِمَّتِهِ (قَبْلَ ذَبْحٍ فَسُرِقَ، ضَمِنَ) مَا فِي ذِمَّتِهِ لِعَدَمِ تَمَيُّزِهِ عَنْ مَا لَهُ فَضَمِنَهُ، كَبَقِيَّةِ مَالِهِ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ سُرِقَ (أَوْ لَمْ يُسْرَقْ) وَمِثْلُهُ لَوْ تَلِفَ أَوْ ضَاعَ أَوْ غُصِبَ بَعْدَ ذَبْحِهِ، لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ ذَبَحَهَا) أَيْ: الْمُعَيَّنَةَ مِنْ هَدْيٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 وَأُضْحِيَّتَهُ (ذَابِحٌ فِي وَقْتِهَا بِلَا إذْنٍ) مِنْ رَبِّهَا (فَإِنْ) كَانَ الذَّابِحُ (نَوَاهَا عَنْ نَفْسِهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا أُضْحِيَّةُ الْغَيْرِ) لَمْ تُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرَّقَ لَحْمَهَا أَوْ لَا (أَوْ) نَوَاهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا أُضْحِيَّةُ الْغَيْرِ وَ (فَرَّقَ لَحْمَهَا، لَمْ تُجْزِ) عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَضَمِنَ) ذَابِحٌ (مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ) أَيْ: قِيمَتِهَا صَحِيحَةً وَمَذْبُوحَةً، (إنْ لَمْ يُفَرِّقْ لَحْمَهَا، وَ) ضَمِنَ (قِيمَتَهَا) صَحِيحَةً (إنْ فَرَّقَهُ) أَيْ: اللَّحْمَ، لِأَنَّهُ غَاصِبٌ مُتْلِفٌ عُدْوَانًا (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) ذَابِحٌ أَنَّهَا أُضْحِيَّةُ الْغَيْرِ بِأَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ لَحْمَهَا أَوْ عَلِمَهُ، وَنَوَى الْمُعَيَّنَةَ مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ عَنْ رَبِّهَا، أَوْ أَطْلَقَهُ (أَجْزَأَتْ) عَنْ مَالِكِهَا (لِعَدَمِ افْتِقَارِ نِيَّةِ ذَبْحٍ وَلَا ضَمَانَ) نَصًّا، لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا (فَلَوْ ضَحَّى اثْنَانِ) كُلٌّ مِنْهُمَا ضَحَّى (بِأُضْحِيَّةِ الْآخَرِ غَلَطًا، كَفَتْهُمَا) لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا بِذَبْحِهَا فِي وَقْتِهَا (وَلَا ضَمَانَ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ اسْتِحْسَانًا، لِإِذْنِ الشَّرْعِ فِيهِ، وَلَوْ فَرَّقَا اللَّحْمَ (وَإِنْ بَقِيَ اللَّحْمُ) أَيْ: لَحْمُ مَا ذَبَحَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، (تَرَادَّاهُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُفَرِّقَ أُضْحِيَّتَهُ بِنَفْسِهِ فَكَانَ أُولَى بِهِ. [فَرْعٌ أَخَذَ المضحي شَيْئًا مِنْ شعر الْأُضْحِيَّة بَعْد دُخُول عَشْر ذِي الْحَجَّة] (فَرْعٌ: إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ) أَيْ: عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ (حَرُمَ فَقَطْ عَلَى مَنْ يُضَحِّي أَوْ يُضَحَّى عَنْهُ أَخَذَ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ أَوْ بَشَرَتِهِ إلَى الذَّبْحِ) أَيْ: ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ، لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: وَلَا مِنْ بَشَرَتِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: «كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُقَلِّدُهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَهُوَ فِي الْهَدْيِ لَا فِي الْأُضْحِيَّةِ، مَعَ أَنَّهُ عَامٌّ، وَمَا قَبْلَهُ خَاصٌّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى نَحْوِ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَالْجِمَاعِ، فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ حَلْقِ شَعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ قَبْلَ أَنْ يُضَحِّيَ، اسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْهُ، وَلَا فِدْيَةَ عَمْدًا فَعَلَهُ أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا. فَائِدَةٌ: الْحِكْمَةُ فِي مَنْعِ أَخْذِ مَنْ يُرِيدُ التَّضْحِيَةَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ أَوْ بَشَرَتِهِ، لِتَشْمَلَ الْمَغْفِرَةُ وَالْعِتْقُ مِنْ النَّارِ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا، وَتَوْجِيهُهُ بِالتَّشْبِيهِ بِالْمُحْرِمِينَ فَاسِدٌ، لِعَدَمِ كَرَاهَةِ مَسِّهِ الطِّيبَ وَالْمَخِيطَ وَالنِّسَاءَ اتِّفَاقًا. قَالَهُ الْمُنَقِّحُ. (وَلَوْ) ضَحَّى (بِوَاحِدَةٍ لِمَنْ يُضَحِّي بِأَكْثَرَ) مِنْهَا فَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ، لِعُمُومِ حَتَّى يُضَحِّيَ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ: الْأَخْذُ مِنْ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ وَبَشَرَتِهِ مَمْنُوعٌ (فِي) حَقِّ (غَيْرِ مُتَمَتِّعٍ حَلَّ) إذْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسُنَّ حَلْقُ) مُضَحٍّ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الصُّبْحِ، قَالَ أَحْمَدُ: عَلَى الذَّابِحِ مَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ تَعْظِيمًا لِذَلِكَ الْيَوْمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 [فَصْلٌ الْهَدْيُ يَتَعَيَّنُ بِقَوْلِهِ هَذَا هَدْيٌ] (فَصْلٌ) (الْهَدْيُ يَتَعَيَّنُ بِ) قَوْلِهِ: (هَذَا هَدْيٌ) لِاقْتِضَائِهِ الْإِيجَابَ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ (أَوْ بِتَقْلِيدِهِ) النَّعْلَ وَالْعُرَى وَآذَانَ الْقُرَبِ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ هَدْيًا (أَوْ) بِ (إشْعَارِهِ بِنِيَّتِهِ) أَيْ: الْهَدْيِ، لِقِيَامِ الْفِعْلِ الدَّالِ عَلَى الْمَقْصُودِ مَعَ النِّيَّةِ مَقَامَ اللَّفْظِ كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ، وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ (وَ) تَتَعَيَّنُ (أُضْحِيَّةٌ بِ) قَوْلِهِ: (هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) أَيْ: وَيَتَعَيَّنُ هَدْيٌ وَأُضْحِيَّةٌ بِقَوْلِهِ: هَذَا، أَوْ: هَذِهِ (لِلَّهِ، أَوْ) : هَذِهِ (صَدَقَةٌ، وَنَحْوُهُ مِنْ أَلْفَاظِ النَّذْرِ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُهُ (فِيهِمَا) أَيْ: الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يَتَعَيَّنُ هَدْيٌ بِقَوْلِهِ: هَذَا هَدْيٌ وَنَحْوُهُ (إنْ قَالَهُ نَحْوُ مُتَلَاعِبٍ) كَمَازِحٍ، إذْ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا. (وَيَدِينُ) مُدَّعٍ عَدَمَ التَّعْيِينِ بِقَوْلِ أَوْ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ حُكْمًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا تَعْيِينَ) لِهَدْيٍ وَلَا أُضْحِيَّةٍ (بِنِيَّةِ) ذَلِكَ حَالَ (شِرَاءٍ) لِأَنَّ التَّعْيِينَ إزَالَةُ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا تَعْيِينَ (بِسَوْقٍ) مَعَ نِيَّةِ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ أَوْ إشْعَارٍ، لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْهَدْيِ (كَإِخْرَاجِهِ مَالًا لِصَدَقَةٍ بِهِ) فَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ لِلْخَبَرِ (وَمَا تَعَيَّنَ) مِنْ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ (جَازَ نَفْلٌ فِيهِ وَشِرَاءُ خَيْرٍ مِنْهُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ نَفْعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 الْفُقَرَاءِ بِالزِّيَادَةِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا، وَالْإِبْدَالُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ. (وَيَصِيرُ) مَا اشْتَرَاهُ (مُعَيَّنًا بِمُجَرَّدِ شِرَائِهِ) اكْتِفَاءً بِالتَّعْيِينِ الْأَوَّلِ (وَ) جَازَ (إبْدَالُ لَحْمِ) مَا تَعَيَّنَ مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ (بِخَيْرٍ مِنْهُ) لِحَظِّ الْفُقَرَاءِ، وَ (لَا) يَجُوزُ إبْدَالُ مَا تَعَيَّنَ مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ أَوْ لَحْمِهِمَا (بِمِثْلِ ذَلِكَ أَوْ) بِمَا (دُونَهُ) إذْ لَا حَظَّ فِي ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُهُ) أَيْ: مَا تَعَيَّنَ (فِي دَيْنٍ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتٍ) كَعِتْقِ مَعِيبٍ عَنْ كَفَّارَتِهِ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ (وَذَبْحٌ) وُجُوبًا (بِوَقْتِ أُضْحِيَّةٍ) وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا، وَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مُقَامَهُ فِي أَكْلٍ وَصَدَقَةٍ وَهَدِيَّةٍ (وَإِنْ عَيَّنَ فِيهِمَا) أَيْ: الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ (مَعْلُومَ عَيْبِهِ، تَعَيَّنَ) كَمَا لَوْ نَذَرَهُ (وَكَانَ قُرْبَةً) يُثَابُ عَلَى مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ مِنْهُ لَحْمًا (لَا أُضْحِيَّةً) - قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ حَدَثَ بِهَا، أَيْ: بِالْمُعَيَّنَةِ أُضْحِيَّةً، عَيْبٌ كَالْعَمَى وَالْعَرَجِ وَنَحْوِهِ، أَجْزَأَهُ، ذَبْحُهَا، وَكَانَتْ أُضْحِيَّةً - (مَا لَمْ يَزُلْ عَيْبُهُ) الْمَانِعُ مِنْ الْإِجْزَاءِ (قَبْلَ ذَبْحٍ) فَيُجْزِئُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا إنْ عَيَّنَ) هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً (نَحْوَ ضَبٍّ) كَضَبُعٍ (وَظِبَاءٍ) مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْ الْوُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ وَالْبَحْرِيَّةِ، فَلَا يَتَعَيَّنُ، وَحُكْمُهُ كَنَذْرٍ، فَلَوْ ذَبَحَهُ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ، وَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ جَازَ، وَلَهُ ثَوَابُهُ لَحْمًا لَا أُضْحِيَّةً، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ بَدَلِهِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، لِفَسَادِ التَّعْيِينِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَمْلِكُ) مَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا يَجْهَلُهُ وَعَيَّنَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 (رَدَّ مَا عَلِمَ عَيْبَهُ بَعْدَ تَعْيِينِهِ، أَوْ) أَيْ: وَيَمْلِكُ (أَخْذَ أَرْشِهِ، وَهُوَ) أَيْ: الْأَرْشُ (كَفَاضِلِ قِيمَةٍ فِيمَا يَأْتِي) قَرِيبًا (وَلَوْ بَانَتْ مَعِيبَةً) مُعَيَّنَةً (مُسْتَحَقَّةً، لَزِمَهُ بَدَلُهَا) نَصًّا (اعْتِبَارًا بِمَا فِي ظَنِّهِ) . (وَ) يُبَاحُ لِمُهْدٍ وَمُضَحٍّ أَنْ (يَرْكَبَ) هَدْيًا وَأُضْحِيَّةً مُعَيَّنَيْنِ (لِحَاجَةٍ فَقَطْ بِلَا ضَرَرٍ) لِحَدِيثِ: «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَسَاكِينِ بِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ، لِلْحَدِيثِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِهَا لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ (وَيَضْمَنُ النَّقْصَ) بِرُكُوبِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهَا (وَحَرُمَ) رُكُوبُهَا (بِلَا حَاجَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَوَلَدُ مُعَيَّنَةٍ) ابْتِدَاءً، أَوْ عَمَّا فِي ذِمَّةٍ مِنْ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ (كَهِيَ، وَلَوْ) كَانَ (حَادِثًا) بِأَنْ حَدَثَ بَعْدَ تَعْيِينِهَا، (فَيُذْبَحُ مَعَهَا إنْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ) أَيْ: الْوَلَدِ، وَلَوْ عَلَى ظَهْرِهَا (أَوْ) أَمْكَنَ (سَوْقُهُ) إلَى الْمَنْحَرِ (وَإِلَّا) يُمْكِنْ حَمْلُهُ، وَلَا سَوْقُهُ (فَ) هُوَ (كَهَدْيٍ عَطِبَ) فَيَذْبَحُهُ مَوْضِعَهُ، وَيَأْتِي. (وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُ) أَيْ: وَلَدِهَا، وَلَمْ يَضُرَّهَا، وَلَا يُنْقِصُ لَحْمَهَا، لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَا يَضُرُّهَا، وَلَا وَلَدَهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ أَضَرَّ بِهَا أَوْ بِوَلَدِهَا (حَرُمَ، وَ) عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ بِهِ، فَإِنْ شَرِبَهُ (ضَمِنَهُ) لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذٍ. (وَ) يُبَاحُ أَنْ (يَجُزَّ صُوفَهَا) أَيْ: الْمُعَيَّنَةَ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً (وَنَحْوَهُ) كَوَبَرِهَا (لِمَصْلَحَةٍ) لِانْتِفَاعِهَا بِهِ (وَيَتَصَدَّقُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 بِهِ نَدْبًا (أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ كَجِلْدٍ) لِلِانْتِفَاعِ بِهِ دَوَامًا، فَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهُ أَنْفَعَ لَهَا لِيَقِيَهَا حَرًّا أَوْ بَرْدًا، حَرُمَ جَزُّهُ كَأَخْذِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا. (وَإِنْ أَتْلَفَهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ (أَجْنَبِيٌّ) غَيْرُ صَاحِبِهَا (أَوْ) أَتْلَفَهَا (صَاحِبُهَا ضَمِنَهَا) مُتْلِفُهَا (بِقِيمَتِهَا يَوْمَ تَلِفَ) كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ (تُصْرَفُ فِي مِثْلِهَا كَهَدْيٍ) مُعَيَّنٍ (أُتْلِفَ أَوْ عَابَ بِفِعْلِهِ) أَيْ: صَاحِبِهِ (أَوْ تَفْرِيطِهِ) وَلَوْ كَانَ مَا عَيَّنَهُ زَائِدًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ شَاةٌ، فَعَيَّنَ عَنْهَا بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً فَتَلِفَتْ، أَوْ تَعَيَّبَتْ، يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ نَظِيرَ الَّتِي عَيَّنَهَا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، فَفِي الْمُغْنِي لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَجَبَتْ بِتَعْيِينِهِ، وَقَدْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَسَقَطَتْ، كَمَا لَوْ عَيَّنَ هَدْيًا تَطَوُّعًا، ثُمَّ تَلِفَ (بِخِلَافِ قِنٍّ تَعَيَّنَ لِعِتْقٍ) بِأَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ (فَأَتْلَفَهُ) مَالِكُهُ أَوْ غَيْرُهُ (فَلَا) يَلْزَمُهُ صَرْفُ قِيمَتِهِ فِي مِثْلِهِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْعِتْقِ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ حَقٌّ لِلرَّقِيقِ، وَقَدْ هَلَكَ. (وَإِنْ فَضَلَ) مِنْ قِيمَةِ الْمُعَيَّنِ (عَنْ شِرَاءِ الْمِثْلِ شَيْءٌ) لِنَحْوِ رُخْصٍ عَرَضَ (اشْتَرَى بِهِ) أَيْ: الْفَاضِلِ (شَاةً أَوْ سُبْعَ بَدَنَةٍ، أَوْ) سُبْعَ (بَقَرَةٍ) إنْ بَلَغَ (فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ) ثَمَنَ شَاةٍ أَوْ سُبْعِ بَدَنَةٍ، أَوْ بَقَرَةٍ (تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ بِلَحْمٍ يَشْتَرِي بِهِ) أَيْ: بِالْفَاضِلِ، وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ مَا شَرَاهُ يُجْزِئُ فِي أُضْحِيَّةٍ، بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّدَقَةِ بِهِ (كَأَرْشِ جِنَايَةٍ فِي نُقْصَانِهَا) أَيْ: الذَّبِيحَةِ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَوْ مَرِضَتْ) أُضْحِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ (فَخَافَ) صَاحِبُهَا (عَلَيْهَا) مَوْتًا (فَذَبَحَهَا، فَعَلَيْهِ بَدَلُهَا) لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا (وَلَوْ تَرَكَهَا) بِلَا ذَبْحٍ (فَمَاتَتْ، فَلَا) شَيْءَ عَلَيْهِ نَصًّا، لِأَنَّهَا كَالْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ وَلَمْ يُفَرِّطْ (وَعَكْسُهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ، (هَدْيُ، فَلَوْ عَطِبَ) كَتَعِبَ (بِطَرِيقٍ هَدْيُ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ بِنِيَّةٍ دَامَتْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 أَيْ: اسْتَمَرَّتْ، أَوْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ صُحْبَةَ الرِّفَاقِ (ذَبَحَهُ مَوْضِعَهُ) وُجُوبًا، لِئَلَّا يَمُوتَ (فَلَوْ فَرَّطَ) بِأَنْ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ (ضَمِنَهُ) بِقِيمَتِهِ يُوَصِّلُهَا (لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إيصَالُهَا إلَيْهِمْ، بِخِلَافِ مَا عَطِبَ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ يَشْتَرِي بِهَا بَدَلَهُ، وَإِنْ فَسَخَ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ قَبْلَ ذَبْحِهِ فَعَلَ بِهِ مَا شَاءَ (وَسُنَّ غَمْسُ نَعْلٌ) الْهَدْيِ الْعَاطِبِ الْمُقَلَّدِ بِهِ (بِعُنُقِهِ فِي دَمِهِ وَضَرْبُ صَفْحَتِهِ بِهَا) أَيْ: النَّعْلِ الْمَغْمُوسَةِ فِي دَمِهِ (لِيَأْخُذَهُ الْفُقَرَاءُ، وَحَرُمَ أَكْلُهُ وَ) أَكْلُ (خَاصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ: الْهَدْيِ الَّذِي عَطِبَ غَيْرَ دَمِ مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ (كَمَا مَرَّ) لِحَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: إنْ عَطِبَ شَيْءٌ مِنْهَا فَخَشِيتَ عَلَيْهِ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهُمَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي لَفْظٍ: «وَتُخْلِيهَا وَالنَّاسَ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَإِنَّمَا مُنِعَ السَّائِقُ وَرُفْقَتُهُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يُقَصِّرَ فِي الْحِفْظِ، فَيُعْطِبَ لِيَأْكُلَ هُوَ وَرُفْقَتُهُ مِنْهُ، فَلَحِقَتْهُ التُّهْمَةُ فِي عَطْبِهِ لِنَفْسِهِ وَرُفْقَتِهِ (وَيُجْزِئُ ذَبْحُ مَا) أَيْ: هَدْيٍ (تَعَيَّبَ لَا بِتَفْرِيطِهِ مِنْ وَاجِبٍ) بِالتَّعْيِينِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ جَرَّ بَقَرَةً بِقَرْنِهَا إلَى الْمَنْحَرِ فَانْقَلَعَ، (كَتَعْيِينِهِ مَعِيبًا، فَبَرِئَ) مِنْ عَيْبِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «ابْتَعْنَا كَبْشًا نُضَحِّي بِهِ، فَأَصَابَ الذِّئْبُ مِنْ أَلْيَتِهِ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَنَا أَنْ نُضَحِّيَ بِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَإِنْ عَيَّنَهُ) أَيْ: عَيَّنَ صَحِيحًا فَتَعَيَّبَ بِلَا فِعْلِهِ وَلَا تَفْرِيطِهِ (عَنْ) دَمٍ (وَاجِبٍ سَلِيمٍ بِذِمَّتِهِ كَفِدْيَةٍ) وَهِيَ الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ مِنْ هَدْيِ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ، وَمَا وَجَبَ بِتَرْكِ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ (وَ) كَدَمٍ (مَنْذُورٍ) بِذِمَّتِهِ (تَعَيَّنَ) ذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 الْمُتَعَيَّبُ (وَلَمْ يُجْزِهِ) ذَبْحُهُ عَمَّا بِذِمَّتِهِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِذِمَّتِهِ دَمٌ صَحِيحٌ، فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ دَمٌ مَعِيبٌ، وَيَعُودُ الْوُجُوبُ إلَى الذِّمَّةِ، كَمَا لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ، فَاشْتَرَى بِهِ مَكِيلًا، ثُمَّ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَعَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمْ تَبْرَأْ مِنْ الْوَاجِبِ بِالتَّعْيِينِ عَنْهُ، كَالدَّيْنِ يَضْمَنُهُ ضَامِنٌ، أَوْ يَرْهَنُ بِهِ رَهْنًا، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالضَّامِنِ، وَالرَّهْنُ مَعَ بَقَائِهِ بِذِمَّةِ الْمَدِينِ فَمَتَى تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الضَّامِنِ، أَوْ تَلِفَ الرَّهْنُ، بَقِيَ الْحَقُّ فِي الذِّمَّةِ بِحَالِهِ، وَيَحْصُلُ التَّعْيِينُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِالْقَوْلِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَنْ بِذِمَّتِهِ دَمٌ وَاجِبٌ (نَظِيرُهُ) أَيْ: نَظِيرُ مَا تَعَيَّبَ (سَلِيمًا وَلَوْ زَادَ) الَّذِي عَيَّنَهُ (عَمَّا) أَيْ: عَنْ الَّذِي (بِذِمَّتِهِ كَبَدَنَةٍ عُيِّنَتْ) أَيْ: كَأَنْ عَيَّنَهَا (عَنْ شَاةٍ) فَتَعَيَّبَتْ الْبَدَنَةُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ نَظِيرُ الَّتِي تَعَيَّبَتْ، لِتَعَلُّقِ الْوَاجِبِ بِهَا، فَلَزِمَهُ مِثْلُهَا، وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَ مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ (وَكَذَا لَوْ سُرِقَ) الْمُعَيَّنُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ (أَوْ ضَلَّ أَوْ غُصِبَ) فَيَلْزَمُهُ نَظِيرُهُ، وَلَوْ زَادَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ سَاقَ هَدْيًا وَاجِبًا فَعَطِبَ أَوْ مَاتَ، فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ، وَإِنْ نَحَرَهُ جَازَ أَكْلُهُ مِنْهُ، وَيُطْعِمُ مَنْ شَاءَ، لِأَنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ) أَيْ: الْعَاطِبِ وَالْمَسْرُوقِ وَالضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ (لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ نَحْرِ بَدَلِهِ أَوْ تَعْيِينِهِ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا أَهْدَتْ هَدْيَيْنِ، فَأَضَلَّتْهُمَا، فَبَعَثَ إلَيْهَا ابْنَ الزُّبَيْرِ بِهَدْيَيْنِ، فَنَحَرَتْهُمَا، ثُمَّ عَادَ الضَّالَّانِ فَنَحَرَتْهُمَا، وَقَالَتْ: هَذِهِ سُنَّةُ الْهَدْيِ وَلِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِذَبْحِ غَيْرِهِ بَدَلَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 [فَصْلٌ يَجِبُ هَدْيٌ بِنَذْرٍ] (فَصْلٌ) (يَجِبُ هَدْيٌ بِنَذْرٍ) لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ، وَلِأَنَّهُ طَاعَةٌ، فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ النُّذُورِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا (وَمِنْهُ) أَيْ: النَّذْرِ (إنْ لَبِسْتُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِك فَهُوَ هَدْيٌ، فَلَبِسَهُ بَعْدَ مِلْكِهِ) فَيَصِيرُ هَدْيًا وَاجِبًا يَلْزَمُهُ إيصَالُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ. (وَسُنَّ سَوْقُ حَيَوَانٍ) أَهْدَاهُ (مِنْ الْحِلِّ) «لِسَوْقِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَجَّتِهِ الْبُدْنَ وَكَانَ يَبْعَثُ هَدْيَهُ، وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ» . (وَ) سُنَّ (أَنْ يَقِفَهُ) أَيْ: الْهَدْيَ (بِعَرَفَةَ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى هَدْيًا إلَّا مَا وَقَفَهُ بِعَرَفَةَ. وَلَنَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْهَدْيِ نَحْرُهُ، وَنَفْعُ الْمَسَاكِينِ بِلَحْمٍ، وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَرِدْ بِإِيجَابِهِ دَلِيلٌ. (وَ) سُنَّ (إشْعَارُ بُدْنٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ، جَمْعُ: بَدَنَةٍ. (وَ) إشْعَارُ (بَقَرٍ بِشَقِّ صَفْحَةٍ يُمْنَى مِنْ سَنَامٍ) بِفَتْحِ السِّينِ (أَوْ) شَقِّ (مَحِلِّهِ) أَيْ: السَّنَامِ، مِمَّا لَا سَنَامَ لَهُ مِنْ بَقَرٍ وَإِبِلٍ (حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ. وَ) سُنَّ (تَقْلِيدُهُمَا) أَيْ: الْبُدْنِ وَالْبَقَرِ (مَعَ) تَقْلِيدِ (غَنَمٍ النَّعْلَ وَآذَانَ قُرَبٍ وَعُرًى) بِضَمِّ الْعَيْنِ: جَمْعُ: عُرْوَةٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ إيلَامٌ لِفَرْضٍ صَحِيحٍ، فَجَازَ كَالْكَيِّ وَالْوَسْمِ وَالْحِجَامَةِ، وَفَائِدَتُهُ تَوَقِّي نَحْوِ لِصٍّ لَهَا، وَعَدَمُ اخْتِلَاطِهَا بِغَيْرِهَا. وَسُنَّ أَنْ يَكُونَ بِالْمِيقَاتِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا بِهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِبَدَنَةٍ، فَأَشْعَرَهَا مِنْ صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ مِنْهَا بِيَدِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَإِنْ بَعَثَ بِهَا فَمِنْ بَلَدِهِ وَأَمَّا الْغَنَمُ فَلَا تُشْعَرُ، لِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ، وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 يَسْتُرُهُ، وَأَمَّا تَقْلِيدُهَا فَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ الْغَنَمِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَإِنْ نَذَرَ هَدْيًا وَأَطْلَقَ) بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِلَفْظِهِ وَلَا بِنِيَّتِهِ (فَأَقَلُّ مُجْزِئٍ) عَنْ نَذْرِهِ (شَاةٌ) جَذَعُ ضَأْنٍ، أَوْ ثَنِيُّ مَعْزٍ (أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ) سُبْعُ (بَقَرَةٍ) لِحَمْلِ الْمُطْلَقِ فِي النَّذْرِ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ (وَإِنْ ذَبَحَ إحْدَاهُمَا) أَيْ: بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً (عَنْهُ) أَيْ: عَنْ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ (كَانَتْ) الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ (كُلُّهَا وَاجِبَةً) لِتَعَيُّنِهَا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِذَبْحِهَا عَنْهُ. (وَإِنْ نَذَرَ بَدَنَةً أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ إنْ أَطْلَقَ) الْبَدَنَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ (وَإِلَّا) يُطْلِقْ الْبَدَنَةَ، بِأَنْ نَوَى مُعَيَّنَةً (لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ) . كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ بِلَفْظِهِ (وَإِنْ نَذَرَ مُعَيَّنًا أَجْزَأَهُ مَا عَيَّنَهُ، وَلَوْ) كَانَ (صَغِيرًا أَوْ مَعِيبًا أَوْ غَيْرَ حَيَوَانٍ) كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: النَّاذِرِ (إيصَالُهُ) إنْ كَانَ مِمَّا يُنْقَلُ، (وَ) إيصَالُ (ثَمَنِ غَيْرِ مَنْقُولٍ) كَعَقَارٍ (لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَلِأَنَّ النَّذْرَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ، شَرْعًا. وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ امْرَأَةٍ نَذَرَتْ أَنْ تُهْدِيَ دَارًا قَالَ: تَبِيعُهَا وَتَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ. (وَيَتَّجِهُ: فِي هَدْيِ صَيْدٍ) أَتَى بِهِ مِنْ الْجَبَلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ (ذَبْحُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ) وَإِيصَالُ لَحْمِهِ إنْ أَمْكَنَ (أَوْ بَيْعُهُ) إنْ خَشِيَ فَسَادَهُ (وَنَقْلُ ثَمَنِهِ لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا إنْ نَذَرَ سَوْقَ أُضْحِيَّةٍ لِمَكَّةَ، أَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ بِهَا) فَيَلْزَمُهُ لِلْخَبَرِ (وَإِنْ عَيَّنَ) بِنَذْرِهِ (شَيْئًا لِمَوْضِعٍ غَيْرِ الْحَرَمِ، وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ) أَيْ: النَّذْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 لِذَلِكَ الْمَكَانِ (تَعَيَّنَ ذَبْحًا وَتَفْرِيقًا لِفُقَرَائِهِ) أَيْ: ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (أَوْ إطْلَاقُهُ لَهُمْ) فِي مَوْضِعِهِمْ. (وَيَتَّجِهُ) : إطْلَاقُهُ لَهُمْ (لِيَنْحَرُوهُ) وَيَنْتَفِعُوا بِهِ، لَا لِيَبِيعُوهُ وَيَقْتَسِمُوا ثَمَنَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَذْبَحَ بِالْأَبْوَاءِ، فَقَالَ: أَبِهَا صَنَمٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ» وَلِأَنَّهُ قَصَدَ نَفْعَ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَكَانَ عَلَيْهِ إيصَالُهُ إلَيْهِمْ (فَإِنْ كَانَ بِهِ) أَيْ: ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (نَحْوُ صَنَمٍ) كَبُيُوتِ نَارٍ أَوْ كَنِيسَةٍ أَوْ أَمْرِ كُفْرٍ (فَ) هُوَ (نَذْرُ مَعْصِيَةٍ) يَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهِ، لِحَدِيثِ «وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» . تَتِمَّةٌ: لَوْ عَيَّنَ مَكَانًا لَيْسَ فِيهِ فُقَرَاءُ، لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْمَكَانُ، وَلَهُ الذَّبْحُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، كَالْمَنْذُورِ ذَبْحُهُ لَا بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ، فَلَهُ ذَبْحُهُ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ. [فَصْلٌ فِي الْعَقِيقَةُ] (فَصْلٌ) (الْعَقِيقَةُ) : الذَّبِيحَةُ عَنْ الْمَوْلُودِ، لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقِّ الْقَطْعُ، وَمِنْهُ عَقَّ وَالِدَيْهِ: إذَا قَطَعَهُمَا. وَالذَّبْحُ: قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ. وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَالَ أَحْمَدُ: الْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَدْ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَفَعَلَهُ أَصْحَابُهُ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ» إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. فِي حَقِّ أَبٍ لَا غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَيَقْتَرِضُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يَعُقُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 فَاسْتَقْرَضَ أَرْجُو أَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إحْيَاءُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ كَانَ لَهُ وَفَاءٌ، وَإِلَّا فَلَا يَقْتَرِضُ، لِأَنَّهُ إضْرَارٌ لِنَفْسِهِ وَغَرِيمِهِ. (وَلَا يَعُقُّ غَيْرُ أَبٍ) إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ بِمَوْتٍ أَوْ امْتِنَاعٍ، قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: وَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، فَلِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. (وَلَا يَعُقُّ مَوْلُودٌ عَنْ نَفْسِهِ إذَا كَبِرَ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْأَبِ، فَلَا يَفْعَلُهُ غَيْرُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرَّوْضَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: عَقَّ غَيْرُ الْأَبِ وَالْمَوْلُودُ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ كَبِرَ لَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ؛ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا، قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: لَكِنْ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْعَقِيقَةِ (فَ) تُسَنُّ (عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُتَقَارِبَتَانِ سِنًّا وَشَبَهًا، فَإِنْ عَدِمَ) الشَّاتَيْنِ (فَوَاحِدَةٌ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ تُجْزِئُ فِي أُضْحِيَّةٍ) جَذَعُ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيُّ مَعْزٍ، لِحَدِيثِ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُتَكَافِئَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» وَفِي لَفْظٍ: «عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مِثْلَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» . (وَلَا تُجْزِئُ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ) تُذْبَحُ عَقِيقَةً (إلَّا كَامِلَةً) نَصًّا، قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَأَفْضَلُهُ شَاةٌ تُذْبَحُ (فِي سَابِعِ وِلَادَةٍ) بِنِيَّةِ الْعَقِيقَةِ نَدْبًا ضَحْوَةً، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: ذَبْحُهَا يَوْمَ السَّابِعِ أَفْضَلُ (وَتُجْزِئُ قَبْلَهُ) أَيْ: السَّابِعِ، وَلَا تُجْزِئُ ذَبْحُهَا قَبْلَ وِلَادَةٍ، كَالْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْيَمِينِ، لِتَقَدُّمِهَا عَلَى سَبَبِهَا. (وَيَحْلِقُ فِيهِ) أَيْ: السَّابِعِ (رَأْسَ مَوْلُودٍ ذَكَرٍ وَيَتَصَدَّقُ بِوَزْنِهِ وَرِقًا) لِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا: «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَتُهُ بِعَقِيقَتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 تُذْبَحُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُسَمَّى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَأَبُو دَاوُد. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ، قَالَ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ لَمَّا وَلَدَتْ الْحَسَنَ: «احْلِقِي رَأْسَهُ، وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِ شَعْرِهِ فِضَّةً عَلَى الْمَسَاكِينِ وَالْأَوْقَاصِ» يَعْنِي: أَهْلَ الصُّفَّةِ. (وَكُرِهَ لَطْخُهُ) أَيْ: الْمَوْلُودِ (مِنْ دَمِهَا) أَيْ: الْعَقِيقَةِ، لِأَنَّهُ أَذًى وَتَنْجِيسٌ، لِحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدٍ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ، وَلَا يُمَسُّ رَأْسُهُ بِدَمِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَلَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ مُهَنَّا: ذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ لِأَحْمَدَ، فَقَالَ: مَا أَظْرَفَهُ، وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ يُدَمَّى رَوَاهُ دَمَّامٌ فَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَيُسَمَّى: أَيْ: مَكَانَ يُدَمَّى، قَالَ: وَهِمَ هَمَّامٌ، فَقَالَ: وَيُدَمَّى، وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ: وَمَا أُرَاهُ إلَّا خَطَأً. وَلَا بَأْسَ أَنْ يُلَطَّخَ رَأْسُهُ بِزَعْفَرَانٍ، لِقَوْلِ بُرَيْدَةَ: «كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وُلِدَ لِأَحَدِنَا غُلَامٌ، ذَبَحَ عَنْهُ شَاةً، وَيُلَطِّخُ رَأْسَهُ بِدَمِهَا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً، وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَسُنَّ أَذَانٌ فِي يُمْنَى أُذُنَيْ مَوْلُودٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حِينَ يُولَدُ، وَإِقَامَةٌ بِيُسْرَى أُذُنَيْهِ، لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَاهُ. وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى، رُفِعَتْ عَنْهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ.» وَسُنَّ أَنْ يُحَنَّكَ الْمَوْلُودُ بِتَمْرَةٍ بِأَنْ تُمْضَغَ وَيُدَلَّكَ بِهَا دَاخِلَ فَمِهِ، وَيُفْتَحُ فَمُهُ لِيَنْزِلَ شَيْءٌ مِنْهَا جَوْفَهُ، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: «وُلِدَ لِي غُلَامٌ، فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمَّاهُ إبْرَاهِيمَ، وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ» زَادَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 الْبُخَارِيُّ: «وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إلَيَّ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى» فَإِنْ فَاتَ ذَبْحٌ بِيَوْمِ سَابِعٍ، فَفِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يُسَنُّ، فَإِنْ فَاتَ ذَبْحٌ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَفِي أَحَدٍ وَعِشْرِينَ مِنْ وِلَادَتِهِ يُسَنُّ، رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ. وَلَا تُعْتَبَرُ الْأَسَابِيعُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَعُقُّ فِي أَيِّ يَوْمٍ شَاءَ كَقَضَاءِ أُضْحِيَّةٍ وَغَيْرِهَا. وَيَنْزِعُهَا أَعْضَاءً نَدْبًا، وَلَا يُكَسِّرُ عَظْمَهَا لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «السُّنَّةُ شَاتَانِ مُتَكَافِئَتَانِ عَنْ الْغُلَامِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ تُطْبَخُ جُدُولًا لَا يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ» ، أَيْ: عُضْوًا عُضْوًا، وَهُوَ الْجَدْلُ، بِدَالٍ، وَالْإِرْبُ وَالشِّلْوُ وَالْعُضْوُ أَوْ الْوَصْلُ كُلُّهُ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ لِلتَّفَاؤُلِ بِالسَّلَامَةِ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ. (وَطَبْخُهَا أَفْضَلُ مِنْ إخْرَاجِهَا نِيئًا) نَصًّا (وَيَكُونُ مِنْهُ) أَيْ: الطَّبْخِ (شَيْءٌ بِحُلْوٍ) تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِهِ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ) فِي التَّنْبِيهِ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطِيَ الْقَابِلَةَ مِنْهَا فَخْذًا) لِمَا فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْعَقِيقَةِ الَّتِي عَقَّتْهَا فَاطِمَةُ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ: أَنْ يَبْعَثُوا إلَى الْقَابِلَةِ بِرِجْلٍ، وَكُلُوا وَأَطْعِمُوا وَلَا تَكْسِرُوا مِنْهَا عَظْمًا» وَحُكْمُهَا، أَيْ: الْعَقِيقَةِ كَأُضْحِيَّةٍ، فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي أُضْحِيَّةٍ، وَكَذَا فِيمَا يُسْتَحَبُّ وَيُكْرَهُ، وَفِي أَكْلٍ وَهَدِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا تَمْلِيكٌ، قَالَ أَحْمَدُ: يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ جِيرَانَهُ، وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُؤْكَلُ مِنْ الْعَقِيقَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يُؤْكَلُ مِنْهَا، قُلْت: كَمْ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. أَمَّا الْأَضَاحِيُّ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ قَالَ لِي: وَلَكِنْ الْعَقِيقَةُ يُؤْكَلُ مِنْهَا، قُلْت: يُشْبِهُهَا فِي الْأَكْلِ الْأُضْحِيَّةُ، قَالَ: نَعَمْ، يُؤْكَلُ مِنْهَا فَتُطْبَخُ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ نَصًّا. (وَيُطْعِمُ مِنْهَا لِأَوْلَادٍ وَجِيرَانٍ وَمَسَاكِينَ) قِيلَ لِأَحْمَدَ، فَإِنْ طُبِخَتْ بِغَيْرِ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ؟ فَقَالَ: مَا ضَرَّ ذَلِكَ (لَكِنْ يُبَاعُ جِلْدٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 وَرَأْسٌ وَسَوَاقِطُ) مِنْ عَقِيقَةٍ (وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ) أَيْ: مَا بِيعَ مِنْ ذَلِكَ (وَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِذَبْحِهَا، فَلَهُ بَيْعُهَا، بِخِلَافِ أُضْحِيَّةٍ) فِي بَيْعِ مَا ذُكِرَ (لِأَنَّهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةَ (أَدْخَلُ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْعَقِيقَةِ (فِي التَّعَبُّدِ) وَالْعَقِيقَةُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِسُرُورٍ حَادِثٍ، أَشْبَهَتْ الْوَلِيمَةَ، وَالذَّكَرُ فِيهَا أَفْضَلُ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بِكَبْشٍ كَبْشٍ» (وَيَقُولُ عِنْدَ ذَبْحِهَا: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ لَكَ وَإِلَيْكَ، هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اذْبَحُوا عَلَى اسْمِهِ فَقُولُوا بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ لَكَ وَإِلَيْكَ، هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ» رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادِهِ. وَقَالَ: هَذَا حَسَنٌ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَرَوَيْنَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَ الْحَسَنِ يُهَنِّئُهُ بِابْنٍ: لِيَهْنِكَ الْفَارِسُ، فَقَالَ الْحَسَنُ: وَمَا يُدْرِيكَ أَفَارِسٌ هُوَ أَوْ حِمَارٌ؟ فَقَالَ: كَيْف نَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: بُورِكَ فِي الْمَوْهُوبِ، وَشَكَرْتَ الْوَاهِبَ، وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَرُزِقْتَ بِرَّهُ (وَإِنْ اتَّفَقَ وَقْتُ عَقِيقَةٍ وَأُضْحِيَّةٍ، فَعَقَّ أَوْ ضَحَّى) وَنَوَى عَنْهُمَا (أَجْزَأَ) مَا ذَبَحَهُ (عَنْ الْأُخْرَى) كَمَا لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَسُنَّةَ الْمَكْتُوبَةِ، أَوْ صَلَّى بَعْدَ الطَّوَافِ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً مَكْتُوبَةً وَقَعَ عَنْهُ وَعَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ شَاةً يَوْمَ النَّحْرِ أَجْزَأَ عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ أَوْ الْقِرَانِ، وَعَنْ الْأُضْحِيَّةِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ: (وَفِي مَعْنَاهُ لَوْ اجْتَمَعَ هَدْيٌ وَأُضْحِيَّةٌ بِمَكَّةَ) فَتُجْزِئُ ذَبِيحَتُهُ عَنْهُمَا، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا بِالذَّبْحِ (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (لَا تَضْحِيَةَ بِمَكَّةَ إنَّمَا هُوَ الْهَدْيُ) لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ (وَلَا تُسَنُّ) الـ (فَرَعَةٌ) وَتُسَمَّى: الْفَرَعَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا وَهِيَ (نَحْرُ أَوَّلِ وَلَدِ النَّاقَةِ. وَلَا) تُسَنُّ (الْعَتِيرَةُ) وَهِيَ: (ذَبِيحَةُ رَجَبٍ وَلَا تُكْرَهَانِ) أَيْ: الْفَرَعَةُ وَالْعَتِيرَةُ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَبَرِ نَفْيُ كَوْنِهِمَا سُنَّةً لَا النَّهْيُ عَنْهُمَا. [فَصْلٌ سُنَّ تَسْمِيَةُ مَوْلُودٍ سَابِعَ وِلَادَةٍ] (فَصْلٌ) (سُنَّ تَسْمِيَةُ مَوْلُودٍ سَابِعَ وِلَادَةٍ وَتَحْسِينُ اسْمِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ، وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ) إلَى اللَّهِ (عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «إنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا. وَإِنَّمَا كَانَتْ أَحَبَّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ، لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ مَا هُوَ وَصْفٌ وَاجِبٌ لِلَّهِ، وَمَا هُوَ وَصْفٌ لِلْإِنْسَانِ، وَوَاجِبٌ لَهُ، وَهُوَ الْعُبُودِيَّةُ، ثُمَّ أُضِيفَ الْعَبْدُ إلَى الرَّبِّ إضَافَةً حَقِيقِيَّةً، فَصَدَقَتْ أَفْرَادُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَشَرُفَتْ بِهَذَا التَّرْكِيبِ، فَجُعِلَتْ لَهَا كَهَذِهِ الْفَضِيلَةِ. (وَكُلُّ مَا أُضِيفَ إلَى اللَّهِ) تَعَالَى (فَهُوَ حَسَنٌ) كَعَبْدِ الرَّحِيمِ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدِ الْخَالِقِ، وَنَحْوِهَا (وَكَذَا أَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ) كَإِبْرَاهِيمَ وَنُوحٍ وَمُحَمَّدٍ وَصَالِحٍ وَشَبَهِهَا، لِحَدِيثِ: «تَسَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تُكَنُّوا بِكُنْيَتِي» وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا عَذَّبْت أَحَدًا تَسَمَّى بِاسْمِك فِي النَّارِ» (وَتَجُوزُ تَسْمِيَةٌ بِأَكْثَرَ مِنْ اسْمٍ كَ) تَسْمِيَتِهِ (بِاسْمٍ وَكُنْيَةٍ وَلَقَبٍ) وَهُوَ: مَا أَشْعَرَ بِمَدْحٍ كَ: زَيْنِ الْعَابِدِينَ، أَوْ ذَمٍّ كَ: بَطَّةَ (وَ) الِاقْتِصَارُ عَلَى (اسْمٍ) وَاحِدٍ (أَوْلَى) لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوْلَادِهِ. (وَحَرُمَ تَسْمِيَةٌ بِعَبْدٍ لِغَيْرِ اللَّهِ) تَعَالَى (كَعَبْدِ الْكَعْبَةِ، وَعَبْدِ النَّبِيِّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 وَعَبْدِ الْحُسَيْنِ وَكَ: مَلِكِ الْأَمْلَاكِ) مِمَّا يُوَازِي أَسْمَاءَ اللَّهِ، كَسُلْطَانِ السَّلَاطِينِ (وَشَاهَانْ شَاهْ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ» (أَوْ) أَيْ: وَحَرُمَ تَسْمِيَةٌ (بِمَا لَا يَلِيقُ إلَّا بِهِ تَعَالَى كِ: قُدُّوسٍ وَخَالِقٍ وَرَحْمَنٍ) لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِغَيْرِهِ تَعَالَى (قَالَ) الْمُحَقِّقُ شَمْسُ الدِّينِ (ابْنُ الْقَيِّمِ: وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْل الدِّينِ يَتَوَرَّعُونَ عَنْ إطْلَاقِ قَاضِي الْقُضَاةِ، وَحَاكِمِ الْحُكَّامِ) قِيَاسًا عَلَى مَا يَبْغُضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ التَّسْمِيَةِ بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ (وَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ تَحْرُمُ تَسْمِيَةٌ بِسَيِّدِ النَّاسِ، وَسَيِّدِ الْكُلِّ كَمَا يَحْرُمُ بِسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ) لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ إلَّا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَكَ) مَا يَحْرُمُ (قَوْلُهُ لِمُنَافِقٍ أَوْ كَافِرٍ: يَا سَيِّدِي) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» فَلَيْسَ مِنْ بَابِ إنْشَاءِ التَّسْمِيَةِ، بَلْ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ بِالِاسْمِ الَّذِي عُرِفَ بِهِ الْمُسَمَّى، وَالْإِخْبَارُ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ تَعْرِيفِ الْمُسَمَّى لَا يَحْرُمُ، وَبَابُ الْإِخْبَارِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْإِنْشَاءِ قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ. وَكُرِهَ تَسْمِيَةٌ بِحَرْبٍ وَيَسَارٍ وَرَبَاحٍ وَنَجِيحٍ وَأَفْلَحَ وَبَرَكَةَ وَمُبَارَكٍ وَمُفْلِحٍ وَخَيْرٍ وَسُرُورٍ وَنِعْمَةَ وَمُقْبِلَةَ وَيَعْلَى وَرَافِعٍ وَالْعَاصِي وَشِهَابٍ وَمُضْطَجِعٍ وَنَبِيٍّ وَرَسُولٍ وَنَحْوِهَا، كَذَا كُلُّ مَا فِيهِ تَزْكِيَةٌ كَالتَّقِيِّ وَالزَّكِيِّ وَالْأَشْرَفِ وَالْأَفْضَلِ وَبَرَّةَ، قَالَ الْقَاضِي: وَكُلُّ مَا فِيهِ تَفْخِيمٌ وَتَعْظِيمٍ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ: «وَلَا تُسَمِّ غُلَامَك يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا وَلَا نَجِيحًا وَلَا أَفْلَحَ، فَإِنَّك تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ؟ ، فَلَا يَكُونُ فَتَقُولُ: لَا» فَرُبَّمَا كَانَ طَرِيقًا إلَى التَّشَاؤُمِ وَالتَّطَيُّرِ، فَالنَّهْيُ يَتَنَاوَلُ مَا يُطْرِقُ الطِّيرَةَ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْرُمُ، لِحَدِيثِ عُمَرَ: «إنَّ الْآذِنَ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 مَشْرُبَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدٌ يُقَالُ لَهُ: رَبَاحٌ» وَكَذَا تُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ بِأَسْمَاءِ الشَّيْطَانِ كِ: مُرَّةَ وَوَلْهَانَ وَالْأَعْوَرِ وَالْأَجْدَحِ، وَكَذَا تُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ بِأَسْمَاءِ الْفَرَاعِنَةِ وَالْجَبَابِرَةِ كَ: فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ وَالْوَلِيدِ. وَلَا تُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ كَ: جَبْرَائِيلُ. وَيُسْتَحَبُّ تَغْيِيرُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: «وَغَيَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمَ الْعَاصِي وَعَزِيزٍ وَعَتَلَةَ وَالْحَكَمِ وَغُرَابٍ وَحُبَابٍ وَشِهَابٍ، فَسَمَّاهُ هِشَامًا، وَسَمَّى حَرْبًا سِلْمًا، وَسَمَّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ، وَأَرْضًا عَفْرَةً سَمَّاهَا خَضِرَةً، وَشِعْبَ الضَّلَالَةِ سَمَّاهُ شِعْبَ الْهُدَى، وَبَنُو الزِّنْيَةِ سَمَّاهُمْ بَنِي الرِّشْدَةِ، وَسَمَّى بَنِي مُغْوِيَةٍ بَنِي مُرْشِدَةٍ وَقَالَ: وَتَرَكْتُ أَسَانِيدَهَا لِلِاخْتِصَارِ» . (وَلَا بَأْسَ بِتَسْمِيَةِ النُّجُومِ) بِالْأَسْمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ (نَحْوَ: حَمَلٍ وَثَوْرٍ وَجَدْيٍ) لِأَنَّهَا أَسْمَاءُ أَعْلَامٍ، وَاللُّغَةُ وَضْعُ لَفْظٍ دَلِيلًا عَلَى مَعْنًى (وَلَيْسَ) مَعْنَاهُ أَنَّهَا هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ حَتَّى يَكُونَ (ذَلِكَ كَذِبًا، بَلْ) وَضْعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِتِلْكَ الْمَعَانِي (تَوَسُّعٌ وَمَجَازٌ كَمَا سَمَّوْا) فِي اللُّغَةِ (الْكَرِيمَ بَحْرًا) لَكِنْ اسْتِعْمَالُ الْبَحْرِ لِلْكَرِيمِ مَجَازٌ، بِخِلَافِ اسْتِعْمَالِ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ فِي النُّجُومِ، فَإِنَّهَا حَقِيقَةٌ، وَالتَّوَسُّعُ فِي التَّسْمِيَةِ فَقَطْ. (وَلَا) بَأْسَ (بِالْكُنَى كَأَبِي فُلَانٍ وَ) أَبِي (فُلَانَةَ، وَأُمِّ فُلَانٍ وَ) أُمِّ (فُلَانَةَ) اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ، فَإِنَّ التَّكَنِّي كَانَ مَوْجُودًا كَثِيرًا فِي زَمَنِهِمْ. (وَلَا يُكْرَهُ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) صَوَّبَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ قَالَ: وَقَدْ فَعَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَعْيَانِ، وَرِضَاهُمْ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ اسْمِي وَكُنْيَتِي» فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْعِ الْجَمْعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 بَيْنَهُمَا فِي حَيَاتِهِ. (وَ) لَا بَأْسَ (بِالْأَلْقَابِ كَ: عِزِّ الدِّينِ، وَشَرَفِ الدِّينِ عَلَى أَنَّ) تَأْوِيلَ ذَلِكَ أَنَّ (الدِّينَ كَمَّلَهُ وَشَرَّفَهُ) قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ. (فَرْعٌ: لَا بَأْسَ بِتَرْخِيمِ) الِاسْمِ (الْمُنَادَى، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) «لِزَوْجَتِهِ الصِّدِّيقَةِ بِنْتِ الصِّدِّيقِ: يَا عَائِشَ» بِحَذْفِ التَّاءِ، وَيَجُوزُ عَرَبِيَّةً ضَمُّ الشِّينِ عَلَى لُغَةِ مَنْ لَا يَنْتَظِرُ. وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِبِنْتِهِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ: (يَا فَاطِمُ» وَ) لَا بَأْسَ (بِتَصْغِيرِهِ) أَيْ: الِاسْمِ (مَعَ عَدَمِ أَذًى) بِذَلِكَ (كَ) تَصْغِيرِ أَنَسٍ إلَى (أُنَيْسٌ) إذْ قَدْ يُرَادُ بِالتَّصْغِيرِ التَّعْظِيمُ وَالتَّحْبِيبُ. (وَلَا يَقُلْ) سَيِّدٌ لِرَقِيقِهِ: (يَا عَبْدِي، وَ) لِأَمَتِهِ: يَا (أَمَتِي) لِإِشْعَارِهِ بِالتَّكَبُّرِ وَالِافْتِخَارِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يَقُولُ (الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ) : يَا (رَبِّي، وَ) لَا: يَا (مَوْلَايَ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيهَامِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 [كِتَابُ الْجِهَادِ] ُ: مَصْدَرُ: جَاهَدَ جِهَادًا وَمُجَاهَدَةً مِنْ جَهَدَ: إذَا بَالَغَ فِي قَتْلِ عَدُوِّهِ، وَخَتَمَ بِهِ الْعِبَادَاتِ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ تَطَوُّعِ الْبَدَنِ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرِهِ بِهِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ النِّفَاقِ» . فَالْجِهَادُ لُغَةً: بَذْلُ الطَّاقَةِ وَالْوُسْعِ، وَشَرْعًا: (قِتَالُ الْكُفَّارِ) خَاصَّةً بِخِلَافِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِمْ (وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) إذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي سَقَطَ وُجُوبُهُ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَإِلَّا أَثِمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَالْخِطَابُ فِي ابْتِدَائِهِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ، كَفَرْضِ الْأَعْيَانِ، ثُمَّ يَخْتَلِفَانِ بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَفُرُوضُ الْأَعْيَانِ لَا تَسْقُطُ عَنْ أَحَدٍ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ: قَوْله تَعَالَى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاعِدِينَ غَيْرُ آثِمِينَ مَعَ جِهَادِ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] الْآيَةَ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ السَّرَايَا وَيُقِيمُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39] فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَأَبُو دَاوُد. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حِينَ اسْتَنْفَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ كَمَا يَأْتِي وَلِذَلِكَ هَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَأَصْحَابَهُ، لَمَّا تَخَلَّفُوا حَتَّى تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (وَهُوَ) أَيْ: فَرْضُ الْكِفَايَةِ: (مَا قُصِدَ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) كَرَدِّ السَّلَامِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ (كَسَتْرِ عَارٍ وَإِشْبَاعِ جَائِعٍ) وَفَكِّ أَسْرٍ عَلَى قَادِرٍ (مَعَ تَعَذُّرِ بَيْتِ الْمَالِ) عَنْ ذَلِكَ، أَوْ تَعَذُّرِ أَخْذِهِ مِنْهُ لِمَنْعٍ أَوْ نَحْوِهِ (وَ) مِنْ ذَلِكَ (صَنَائِعُ مُبَاحَةٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا غَالِبًا) لِمَصَالِحِ النَّاسِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ (كَخِيَاطَةٍ وَحِدَادَةٍ وَبِنَاءٍ وَزَرْعٍ وَغَرْسٍ) لِأَنَّ أَمْرَ الْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ لَا يَنْتَظِمُ إلَّا بِذَلِكَ، فَإِذَا قَامَ بِذَلِكَ أَهْلُهُ بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ كَانَ طَاعَةً، وَإِلَّا فَلَا (وَ) مِنْ ذَلِكَ إقَامَةُ الدَّعْوَةِ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ (كَدَفْعِ شُبَهٍ بِحُجَّةٍ وَسَيْفٍ) لِمَنْ عَانَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] (وَ) مِنْهُ (أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ) وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ بِشَرْطِهِ. وَالْمَعْرُوفُ: كُلُّ مَا أُمِرَ بِهِ بِهِ شَرْعًا، وَالْمُنْكَرُ: كُلُّ مَا نُهِيَ عَنْهُ شَرْعًا، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ جَزْمًا، وَشَاهَدَهُ وَعَرَفَ مَا يُنْكَرُ، وَلَمْ يَخَفْ أَذًى، قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالتَّوَهُّمِ، فَلَوْ قِيلَ لَهُ: لَا تَأْمُرْ عَلِيًّا بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُك، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ لِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي آخِرِ الْإِرْشَادِ: مِنْ شَرْطِ الْإِنْكَارِ أَنْ يُعْلَمَ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى مَفْسَدَةٍ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: إذَا أَمَرْت أَوْ نَهَيْت فَلَمْ يَنْتَهِ فَلَا تَرْفَعْهُ إلَى السُّلْطَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 لِيُعْدِيَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا: مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ خَوْفَ التَّلَفِ، وَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَمَنْ شَرْطِهِ أَيْضًا رَجَاءُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَعَدَمُ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ، نَقَلَهُ فِي الْآدَابِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَعَلَى النَّاسِ إعَانَةُ الْمُنْكِرِ، وَنَصْرُهُ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَأَعْلَاهُ بِالْيَدِ، ثُمَّ بِاللِّسَانِ، ثُمَّ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ لَيْسَ بِالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ. وَمِنْهُ عَمَلُ قَنَاطِرَ وَجُسُورٍ وَأَسْوَارٍ وَمَسَاجِدَ، لِعُمُومِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ، وَكَفَتْوَى (وَتَعْلِيمِ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَ) سَائِرِ عُلُومٍ شَرْعِيَّةٍ كَفِقْهٍ وَأُصُولِهِ وَتَفْسِيرٍ وَفَرَائِضَ وَآلَاتِهَا مِنْ (نَحْوِ حِسَابٍ وَلُغَةٍ) وَنَحْوٍ (وَصَرْفٍ) وَكَقِرَاءَةٍ وَطِبٍّ، قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى ذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّ عِلْمَ الطِّبِّ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَهَذَا غَرِيبٌ فِي الْمَذْهَبِ. وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيمُ عُلُومٍ مُحَرَّمَةٍ كَكَلَامٍ إذَا تَكَلَّمَ فِيهِ بِالْمَعْقُولِ الْمَحْضِ، أَوْ الْمُخَالِفِ لِلْمَنْقُولِ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِالنَّقْلِ فَقَطْ، أَوْ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ الْمُوَافِقِ لَهُ، فَهُوَ أَصْلُ الدِّينِ، وَطَرِيقَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. وَفَلْسَفَةٍ وَشَعْبَذَةٍ وَتَنْجِيمٍ وَضَرْبٍ بِرَمْلٍ وَحَصًى وَشَعِيرٍ وَكِيمْيَاءٍ (وَعُلُومِ طَبَائِعَ وَسِحْرٍ) وَطَلْسَمَاتٍ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا وَتَلْبِيسَاتٍ، وَحِسَابِ اسْمِ الشَّخْصِ وَاسْمِ أُمِّهِ بِالْجُمَلِ، وَأَنَّ طَالِعَهُ كَذَا وَنَجْمَ كَذَا، وَالْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ بِفَقْرٍ أَوْ غِنًى، وَعِلْمِ اخْتِلَاجِ الْأَعْضَاءِ وَالْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَنِسْبَتُهُ لِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ بْنِ عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَذِبٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَكَالدَّلَائِلِ الْفَلَكِيَّةِ عَلَى الْأَحْوَالِ السُّفْلِيَّةِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ فِي كُتُبِ الْأَحْكَامِ، وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّمُ وَتَعْلِيمُ عِلْمِ نُجُومٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى جِهَةٍ وَقِبْلَةٍ وَوَقْتٍ وَمَعْرِفَةِ أَسْمَاءِ كَوَاكِبَ لِأَجْلِ ذَلِكَ (مُسْتَحَبٌّ) كَالْأَدَبِ، وَقَدْ يَجِبُ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَخَفِيَتْ الْقِبْلَةُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 (وَكُرِهَ مَنْطِقٌ مَا لَمْ يُخَفْ فَسَادُ عَقِيدَتِهِ) فَإِنْ خِيفَ حَرُمَ (وَأَشْعَارٌ تَشْتَمِلُ عَلَى غَزْلٍ وَبَطَالَةٍ، وَيُبَاحُ مِنْهَا مَا لَا سُخْفَ فِيهِ غَيْرُ مُنَشِّطٍ عَلَى شَرٍّ، وَمُثَبِّطٍ عَنْ خَيْرٍ) إذْ الشِّعْرُ كَالْكَلَامِ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ، فَيَحْرُمُ مِنْهُ مَا كَانَ هُجْرًا أَوْ فُحْشًا أَوْ تَشْبِيبًا بِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ بِأَمْرَدَ أَوْ خَمْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِطْنَابًا فِي مَدْحِ النَّاسِ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ، وَبِفِسْقٍ بِذَلِكَ، وَيُبَاحُ إنْ كَانَ حِكَمًا وَأَدَبًا أَوْ مَوَاعِظَ وَأَمْثَالًا أَوْ لُغَةً يُسْتَشْهَدُ بِهَا عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ أَوْ مَدِيحًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِلنَّاسِ بِمَا لَا كَذِبَ فِيهِ (وَأُبِيحَ عِلْمُ هَيْئَةٍ وَهَنْدَسَةٍ وَعَرُوضٍ) وَقَوَافِي (وَمَعَانٍ وَبَيَانٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: لَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ، إذْ هُوَ كَالنَّحْوِ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى نِكَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. (وَسُنَّ جِهَادٌ بِتَأَكُّدٍ مَعَ قِيَامِ مَنْ يَكْفِي بِهِ) لِلْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ، وَمَعْنَى الْكِفَايَةِ هُنَا: نُهُوضُ قَوْمٍ يَكْفُونَ فِي قِتَالِهِمْ، جُنْدًا كَانَ لَهُمْ دَوَاوِينُ، أَوْ أَعَدُّوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ تَبَرُّعًا، بِحَيْثُ إذَا قَصَدَهُمْ الْعَدُوُّ حَصَلَتْ الْمَنَعَةُ بِهِمْ، يَكُونُ بِالثُّغُورِ مَنْ يَدْفَعُ الْعَدُوَّ عَنْ أَهْلِهَا، وَيَبْعَثُ الْإِمَامُ فِي كُلِّ سَنَةٍ جَيْشًا يُغِيرُونَ عَلَى الْعَدُوِّ فِي بِلَادِهِمْ. (وَلَا يَجِبُ) جِهَادٌ (إلَّا عَلَى ذَكَرٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ، فَقَالَ: عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» وَلِضَعْفِ الْمَرْأَةِ وَخُورِهَا، بِضَمِّ الْخَاءِ: الرَّيْبُ فَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى خُنْثَى مُشْكِلٍ، لِلشَّكِّ فِي شَرْطِهِ (مُسْلِمٌ) كَسَائِرِ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ (مُكَلَّفٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَى صَغِيرٍ، وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ، لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» (حُرٍّ) ، فَلَا يَجِبُ عَلَى عَبْدٍ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبَايِعُ الْحُرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ، وَيُبَايِعُ الْعَبْدَ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ الْجِهَادِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 (صَحِيحٍ) أَيْ: سَلِيمٍ مِنْ الْعَمَى وَالْعَرَجِ وَالْمَرَضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17] وَكَذَا لَا يَلْزَمُ أَشَلَّ، وَلَا أَقْطَعَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَلَا مَنْ أَكْثَرُ أَصَابِعِهِ ذَاهِبَةٌ أَوْ إبْهَامِهِ، أَوْ مَا يَذْهَبُ بِذَهَابِهِ بِهِ نَفْعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ (وَلَوْ) كَانَ الصَّحِيحُ (أَعْشَى) أَيْ: ضَعِيفَ الْبَصَرِ (أَوْ) كَانَ (مَرِيضًا مَرَضًا يَسِيرًا) لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْجِهَادِ (كَوَجَعِ ضِرْسٍ وَصُدَاعٍ خَفِيفَيْنِ) وَنَحْوِهِمَا كَالْعَوَرِ. (وَلَا) يُمْنَعُ مِنْ خُرُوجٍ (أَعْمَى - وَاجِدٌ بِمِلْكٍ أَوْ) وَاجِدٌ (بِبَذْلِ إمَامٍ مَا يَكْفِيهِ) وَيَكْفِي (أَهْلَهُ فِي غَيْبَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91] الْآيَةَ. (وَ) أَنْ يَجِدَ (مَعَ) بُعْدِ مَحَلِّ جِهَادٍ (مَسَافَةِ قَصْرِ) فَأَكْثَرَ مِنْ بَلَدِهِ (مَا يَحْمِلُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: 92] الْآيَةَ. وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَفْضُلَ ذَلِكَ عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَحَوَائِجِهِ كَحَجٍّ، وَإِنْ بَذَلَ لَهُ غَيْرُ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ مَا يُجَاهِدُ بِهِ لَمْ يَصِرْ مُسْتَطِيعًا. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَالْأَمْرُ بِالْجِهَادِ) يَعْنِي: الْجِهَادَ الْمَأْمُورَ بِهِ (مِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْقَلْبِ) كَالْعَزْمِ عَلَيْهِ (وَالدَّعْوَةِ) إلَى الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعه (وَالْحُجَّةِ) أَيْ إقَامَتِهَا عَلَى الْمُبْطِلِ (وَالْبَيَانِ) أَيْ: بَيَانِ الْحَقِّ، وَإِزَالَةِ الشُّبَهِ (وَالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ) فِيمَا فِيهِ نَفْعُ الْمُسْلِمِينَ (وَالْبَدَنِ) أَيْ: الْقِتَالِ بِنَفْسِهِ (فَيَجِبُ) الْجِهَادُ (بِغَايَةِ مَا يُمْكِنُهُ) مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: وَمِنْهُ: هَجْوُ الْكُفَّارِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 كَمَا كَانَ حَسَّانٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، يَهْجُو أَعْدَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَسُنَّ تَشْيِيعُ غَازٍ) نَصًّا، لِأَنَّ عَلِيًّا شَيَّعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَلَمْ يَتَلَقَّهُ. وَرُوِيَ عَنْ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ شَيَّعَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ، وَيَزِيدُ رَاكِبٌ، وَأَبُو بَكْرٍ يَمْشِي، فَقَالَ لَهُ: مَا تُرِيدُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ إمَّا أَنْ تَرْكَبَ، وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ أَنَا فَأَمْشِي مَعَك، فَقَالَ: لَا أَرْكَبُ، وَلَا تَنْزِلُ إنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَفِي الْخَبَرِ «مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» . وَ (لَا) يُسْتَحَبُّ (تَلَقِّيه) أَيْ: الْغَازِي، لِأَنَّهُ تَهْنِئَةٌ لَهُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الشَّهَادَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ حَجٌّ، وَأَنَّهُ يَقْصِدُهُ لِلسَّلَامِ. (وَذَكَرَ) أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ (اسْتِحْبَابَ تَشْيِيعِ الْحَاجِّ وَوَدَاعِهِ وَمَسْأَلَتِهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ) وَشَيَّعَ أَحْمَدُ أُمَّهُ بِالْحَجِّ (وَفِي الْفُنُونِ تَحْسُنُ تَهْنِئَةٌ بِقُدُومِ مُسَافِرٍ، كَمَرِيضٍ) تَحْسُنُ تَهْنِئَةُ كُلٍّ بِسَلَامَتِهِ (وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ) لِأَبِي الْمَعَالِي أَسْعَدَ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَجِيهُ الدِّينِ بْنُ الْمُنَجَّى: (تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ قَادِمٍ وَمُعَانَقَتُهُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ) وَنَقَلَ الْإِمَامُ فِي حَجٍّ: لَا، إلَّا إنْ كَانَ قَصَدَهُ، أَوْ ذَا عِلْمٍ أَوْ هَاشِمِيًّا، أَوْ يُخَافُ شَرُّهُ، وَنَقَلَ ابْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمَا: اُكْتُبَا لِي اسْمَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْنَا مِمَّنْ حَجَّ حَتَّى إذَا قَدِمَ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، قَالَ الْقَاضِي: جَعَلَهُ مُقَابَلَةً، وَلَمْ يُسْتَحَبَّ أَنْ يَبْدَأَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَحْمُولٌ عَلَى صِيَانَةِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْكِبْرِ. (وَأَقَلُّ مَا يُفْعَلُ جِهَادٌ) مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي (كُلِّ عَامٍ مَرَّةً) لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مَرَّةً فِي الْعَامِ، وَهِيَ بَدَلُ النُّصْرَةِ فَكَذَا مُبْدِلُهَا (إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ) لِتَأْخِيرِهِ (كَضَعْفِنَا) مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَدَدٍ أَوْ عِدَّةٍ، أَوْ قِلَّةِ عَلَفٍ أَوْ مَاءٍ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ انْتِظَارِ مَدَدٍ نَسْتَعِينُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 بِهِ، فَيَجُوزُ تَرْكُهُ بِهُدْنَةٍ وَبِغَيْرِهَا، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ قُرَيْشًا عَشْرَ سِنِينَ، وَأَخَّرَ قِتَالَهُمْ حَتَّى نَقَضُوا الْعَهْدَ، وَأَخَّرَ قِتَالَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ بِغَيْرِ هُدْنَةٍ (وَإِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ لِقِتَالٍ) أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ (فِي عَامٍ وَجَبَ) لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَوَجَبَ مِنْهُ مَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ (وَنُسِخَ تَحْرِيمُ الْقِتَالِ بِأَشْهُرٍ حُرُمٍ) وَهِيَ رَجَبٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَمُحَرَّمٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وبِغَزْوِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطَّائِفَ هَذَا الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَ فِي الْهَدْيِ لَا، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ تَمَامِ غَزْوَةِ هَوَازِنَ، وَهُمْ بَدَءُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِتَالِ، قَالَ: وَيَجُوزُ الْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ دَفْعًا إجْمَاعًا. (وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ) تَعَيَّنَ عَلَيْهِ (أَوْ حُصِرَ) هُوَ (أَوْ) حُصِرَ (بَلَدُهُ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] وَقَوْلُهُ: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] (أَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ) فِي الْقِتَالِ وَلَوْ بَعْدَ تَعَيُّنٍ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (أَوْ اسْتَنْفَرَهُ) أَيْ: طَلَبَهُ لِلْخُرُوجِ لِلْقِتَالِ (مَنْ لَهُ اسْتِنْفَارُهُ) مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ (تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) الْقِتَالُ (حَيْثُ لَا عُذْرَ) لَهُ (وَلَوْ عَبْدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} [التوبة: 38] : وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَا يُنْفَرُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ) لِصَلَاةِ جُمُعَةٍ وَغَيْرِهَا نَصًّا (وَلَوْ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَ) النَّفِيرِ وَ (الْعَدُوُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 بَعِيدٌ) - جُمْلَةُ حَالِيَّةٌ - (صَلَّى، ثُمَّ نَفَرَ) إجَابَةً لِلدُّعَاءَيْنِ، وَإِنْ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ (وَ) النَّفِيرِ (مَعَ قُرْبِهِ) أَيْ: الْعَدُوِّ (يَنْفِرُ، وَيُصَلِّي رَاكِبًا أَفْضَلُ) نَصًّا، وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَنْفِرَ (وَلَا يُنْفِرُ) أَيْ: لَا يُنَادِي بِالنَّفِيرِ (ل) أَجْلِ (آبِقٍ) لِئَلَّا يَهْلَكَ النَّاسُ بِسَبَبِهِ (وَلَوْ نُودِيَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ لِحَادِثَةٍ يُشَاوَرُ فِيهَا، لَمْ يَتَأَخَّرْ أَحَدٌ بِلَا عُذْرٍ) لَهُ، لِوُجُوبِ جِهَادٍ بِغَايَةِ مَا يُمْكِنُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ بَدَنٍ وَرَأْيٍ وَتَدْبِيرٍ، وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ. (ومَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ نَزَعَ لَأْمَةَ الْحَرْبِ إذَا لَبِسَهَا حَتَّى يَلْقَى الْعَدُوَّ) لِحَدِيثِ أَحْمَدَ، وَحَسَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. وَاللَّأْمَةُ كَ: تَمْرَةٍ، تُجْمَعُ عَلَى: لَأْمٍ كَتَمْرٍ، وَعَلَى لُؤَمٍ كَصُرَدٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَعَلَّهُ جَمَعَ لُؤَمَةٍ كَجُمُعَةٍ، وَجُمَعٍ (وَ) مَنَعَ (مِنْ رَمْزٍ بِعَيْنٍ وَإِشَارَةٍ بِهَا) لِخَبَرِ: «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهِيَ: الْإِيمَاءُ إلَى مُبَاحٍ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ أَوْ قَتْلٍ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِشَبَهِهِ بِالْخِيَانَةِ بِإِخْفَائِهِ، وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي مَحْظُورٍ (وَ) مَنَعَ مِنْ (شِعْرٍ وَخَطٍّ وَتَعَلُّمِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] وَقَوْلُهُ: {وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48] . [فَصْلٌ أَفْضَلُ مُتَطَوَّعٍ بِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْجِهَادُ] (فَصْلٌ) وَأَفْضَلُ مُتَطَوَّعٍ بِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْجِهَادُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ الْعِلْمِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلَ مِنْ الْجِهَادِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْجِهَادَ بَذْلُ الْمُهْجَةِ وَالْمَالِ، وَنَفْعُهُ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ، قَوِيَّهُمْ وَضَعِيفَهُمْ، ذَكَرَهُمْ وَأُنْثَاهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 وَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ فِي نَفْعِهِ وَخَطَرِهِ، فَلَا يُسَاوِيهِ فِي فَضْلِهِ (وَغَزْوُ الْبَحْرِ أَفْضَلُ) مِنْ غَزْوِ الْبَرِّ، «لِحَدِيثِ أُمِّ حَرَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ عِنْدَهَا ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْت: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ، أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ ثَبَجُ الشَّيْءِ: وَسَطُهُ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا: «شَهِيدُ الْبَحْرِ مِثْلُ شَهِيدَيْ الْبَرِّ، وَالْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ كَالْمُتَشَحِّطِ فِي دَمِهِ فِي الْبَرِّ، وَمَا بَيْنَ الْمَوْجَتَيْنِ كَقَاطِعِ الدُّنْيَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَكَّلَ مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ إلَّا شُهَدَاءَ الْبَحْرِ، فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى قَبْضَ أَرْوَاحِهِمْ، وَيَغْفِرُ لِشَهِيدِ الْبَرِّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا إلَّا الدَّيْنَ، وَيَغْفِرُ لِشَهِيدِ الْبَحْرِ الذُّنُوبَ كُلَّهَا وَالدَّيْنَ» وَلِأَنَّ الْبَحْرَ أَعْظَمُ خَطَرًا وَمَشَقَّةً، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْمَائِدُ: الَّذِي يُصِيبُهُ غَثَيَانٌ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ. (وَلَا بَأْسَ بِخَلْعِ نَعْلِهِ) أَيْ: مُشَيِّعِ الْغُزَاةِ (لِتَغْبَرَّ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَعَلَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) حِينَ شَيَّعَ أَبَا الْحَارِثِ الصَّائِغَ، وَنَعْلَاهُ فِي يَدِهِ (وَتُكَفِّرُ الشَّهَادَةُ كُلَّ الذُّنُوبِ غَيْرَ الدَّيْنِ) لِلْخَبَرِ (إلَّا شَهِيدَ بَحْرٍ) فَيُكَفَّرُ عَنْهُ الدَّيْنُ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَغَيْرُ مَظَالِمِ الْعِبَادِ كَقَتْلٍ وَظُلْمٍ) وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ أَخَّرَهُمَا، فَلَا تُكَفِّرُهُمَا الشَّهَادَةُ (وَهَذَا) أَيْ: تَكْفِيرُ شَهَادَةِ الْبَحْرِ بِخُصُوصِهَا لِلدَّيْنِ (فِي مُتَهَاوَنٍ فِي قَضَائِهِ) أَيْ: لِلدَّيْنِ (وَإِلَّا) بِتَهَاوُنٍ فِي قَضَائِهِ، بَلْ تَرَكَهُ عَجْزًا عَنْهُ (فَاَللَّهُ يَقْضِيه عَنْهُ) سَوَاءٌ (مَاتَ) حَتْفَ أَنْفِهِ (أَوْ قُتِلَ حَيْثُ أَنْفَقَهُ فِي غَيْرِ سَرَفٍ، وَلَا تَبْذِيرٍ، قَالَ الْآجُرِّيُّ) وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْغَارِمُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ فَغَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا فِي الْآخِرَةِ. انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُجَلَّدِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ الْفُنُونِ: أَنَا أَقُولُ: الْمُطَالَبَةُ فِي الْآخِرَةِ فَرْعٌ عَلَى مُطَالَبَةِ الدُّنْيَا وَكُلُّ حَقٍّ لَمْ يَثْبُتْ فِي الدُّنْيَا فَلَا ثَبَاتَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ: كُلُّ حَقٍّ مُوَسَّعٌ لَا يَحْصُلُ بِتَأْخِيرِهِ فِي زَمَانِ السَّعَةِ وَالْمُهْلَةِ نَوْعُ مَأْثَمٍ، بِدَلِيلِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ مَعَ التَّأْخِيرِ وَإِمْكَانِ الْأَدَاءِ، قَالَ أَيْضًا: الْمُعْسِرُ الْعَازِمُ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ مَتَى اسْتَطَاعَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْيَسَارِ، وَعَزَمَ عَلَى الْقَضَاءِ، قَامَ الْعَزْمُ فِي دَفْعِ مَأْثَمِهِ مَقَامَ الْقَضَاءِ، فَلَا مَأْثَمَ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي مَسْأَلَةِ حِلِّ الدَّيْنِ بِالْمَوْتِ: مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ فِي الْآخِرَةِ. وَاخْتَلَفَ كَلَامُهُمْ: هَلْ تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَفَاءِ أَوْ الْمُطَالَبَةِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْآجُرِّيُّ وَالْمَجْدِ: اعْتِبَارُ الْقُدْرَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ، بَلْ صَرِيحُهُ: اعْتِبَارُ الْمُطَالَبَةِ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ، فَإِذَا لَمْ يُطَالِبْ الدَّائِنُ الْمَدِينَ حَتَّى مَاتَ، وَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ، لَمْ يَكُنْ الْمَدِينُ مُؤَاخَذًا إنْ كَانَ قَادِرًا كَمَا فَهِمَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ. (وَيُغْزَى مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ يَحْفَظَانِ الْمُسْلِمِينَ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 مَرْفُوعًا: «الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَ (لَا) يُغْزَى مَعَ أَمِيرٍ (مُخَذِّلٍ وَنَحْوِهِ) كَمَعْرُوفٍ بِهَزِيمَةٍ وَتَضْيِيعِ الْمُسْلِمِينَ، لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ (وَيُقَدَّمُ أَقْوَاهُمَا) أَيْ: الْأَمِيرَيْنِ (وَلَوْ عُرِفَ بِغُلُولٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ) لِحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدَّيْنَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» (وَجِهَادُ عَدُوٍّ مُجَاوِرٍ مُتَعَيَّنٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123] وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْبَعِيدِ يُمَكَّنُ الْقَرِيبَ مِنْ انْتِهَازِ الْفُرْصَةِ (إلَّا لِحَاجَةٍ) إلَى قِتَالِ الْأَبْعَدِ، كَكَوْنِ الْأَقْرَبِ مُهَادَنًا، أَوْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ قِتَالِهِ، أَوْ كَانَ الْأَبْعَدُ أَخْوَفَ، أَوْ لِعِزَّتِهِ وَنَحْوِهَا، فَلَا بَأْسَ بِالْبَدَاءَةِ بِالْأَبْعَدِ لِلْحَاجَةِ. (مَعَ تَسَاوٍ) فِي قُرْبٍ وَبُعْدٍ بَيْنَ عَدُوَّيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَهْلُ كِتَابٍ (جِهَادُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِأُمِّ خَلَّادٍ: إنَّ ابْنَك لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ، قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ كِتَابٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ عَنْ دِينٍ. (وَيُقَاتِلُونَ) أَيْ: أَهْلَ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس (إلَّا إنْ أَسْلَمُوا) لِحَدِيثِ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» (أَوْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ) بِشَرْطِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] الْآيَةَ (وَ) يُقَاتَلُ (نَحْوُ وَثَنِيٍّ) مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كَعَابِدِ كَوْكَبٍ (حَتَّى يُسْلِمَ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، خَصَّ مِنْهُ أَهْلَ الْكِتَابِ لِلْآيَةِ، وَالْمَجُوسُ لِأَخْذِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَبَقِيَ مَنْ عَدَاهُمْ (فَإِنْ امْتَنَعُوا) مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ حَيْثُ تُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَمِنْ الْإِسْلَامِ (وَضَعُفَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ قِتَالِهِمْ، انْصَرَفُوا) عَنْ الْكُفَّارِ بِلَا قِتَالٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مُصَالَحَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ عَشْرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 سِنِينَ، وَإِنْ خِيفَ عَلَى مَنْ يَلِي الْكُفَّارَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ الِانْصِرَافُ عَنْ الْكُفَّارِ، لِئَلَّا يُسَلِّطُوهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. (وَسُنَّ دَعْوَةُ) كُفَّارٍ إلَى الْإِسْلَامِ (قَبْلَ قِتَالٍ لِمَنْ بَلَغَتْهُ) الدَّعْوَةُ قَطْعًا لِحُجَّتِهِ (وَتَجِبُ) الدَّعْوَةُ (لِمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ) لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْ جَيْشٍ أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: إذَا لَقِيتَ عَدُوَّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى إحْدَى ثَلَاثٍ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك إلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ: اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (مَا لَمْ يَبْدَءُونَا) أَيْ: يَقْصِدُونَا (بَغْتَةً فِيهِمَا) أَيْ: فِي الِاسْتِحْبَابِ وَالْوُجُوبِ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وُجُوبُ الدَّعْوَةِ وَاسْتِحْبَابُهَا بِمَا إذَا قَصَدَ الْمُسْلِمُونَ الْكُفَّارَ، أَمَّا إذَا كَانَ الْكُفَّارُ قَاصِدِينَ بِالْقِتَالِ، فَلِلْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ دَفْعًا عَنْ نُفُوسِهِمْ وَحَرِيمِهِمْ. (وَأَمْرُ الْجِهَادِ مُفَوَّضٌ لِلْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ) لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِحَالِ النَّاسِ، وَحَالِ الْعَدُوِّ وَنِكَايَتِهِمْ، وَقُرْبِهِمْ وَبُعْدِهِمْ (وَيَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ طَاعَتُهُ فِيمَا يَرَاهُ مِنْهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62] (وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَتِّبَ قَوْمًا بِأَطْرَافِ الْبِلَادِ يَكْفُونَ مَنْ بِإِزَائِهِمْ مِنْ كُفَّارٍ وَيَعْمَلُ حُصُونَهُمْ وَ) يَحْفِرُ (خَنَادِقَهُمْ وَجَمِيعَ مَصَالِحِهِمْ) لِأَنَّ أَهَمَّ الْأُمُورِ الْأَمْنُ، وَهَذَا طَرِيقُهُ (وَيُؤَمِّرُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ أَمِيرًا يُقَلِّدُهُ أَمْرَ الْحَرْبِ) وَتَدْبِيرَ الْجِهَادِ يَكُونُ (ذَا رَأْيٍ وَعَقْلٍ وَخِبْرَةٍ بِهِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 أَيْ: الْحَرْبِ، وَمَكَايِدِ الْعَدُوِّ مَعَ أَمْنٍ (وَرِفْقٍ بِالْمُسْلِمِينَ، وَنُصْحٍ لَهُمْ) لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْ إقَامَتِهِ (وَيُوصِيهِ أَنْ لَا يَحْمِلَهُمْ عَلَى مَهْلَكَةٍ، وَلَا يَأْمُرَهُمْ بِدُخُولِ مَطْمُورَةٍ يُخَافُ مِنْهُ) الْقَتْلُ تَحْتَهَا، لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ السَّابِقِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: حَمَلَهُمْ عَلَى مَهْلَكَةٍ أَوْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ مَطْمُورَةٍ يُخَافُ أَنْ يُقْتَلُوا تَحْتَهَا (فَقَدْ أَسَاءَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ) وَتَابَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، لِوُجُوبِ التَّوْبَةِ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ، (وَلَا عَقْلَ) أَيْ: دِيَةَ (عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ إذَا أُصِيبَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِطَاعَتِهِ) لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ. (وَسُنَّ رِبَاطٌ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ، «، يَقُولُ: رِبَاطُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، فَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ مَرْفُوعًا: «كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إلَّا الْمَرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَهُوَ) أَيْ: الرِّبَاطُ: (لُزُومُ ثَغْرٍ لِجِهَادٍ) تَقْوِيَةً لِلْمُسْلِمِينَ (وَلَوْ سَاعَةً) قَالَ أَحْمَدُ: يَوْمٌ رِبَاطٌ، وَلَيْلَةٌ رِبَاطٌ، وَسَاعَةٌ رِبَاطٌ. وَالثَّغْرُ: كُلُّ مَكَان يُخِيفُ أَهْلَهُ الْعَدُوَّ، وَيُخِيفُهُمْ وَسُمِّيَ الْمُقَامُ بِالثُّغُورِ رِبَاطًا، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَرْبِطُونَ خُيُولَهُمْ، وَهَؤُلَاءِ يَرْبِطُونَ خُيُولَهُمْ (وَتَمَامُهُ) أَيْ: الرِّبَاطِ: (أَرْبَعُونَ يَوْمًا) رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الثَّوَابِ مَرْفُوعًا (وَأَفْضَلُهُ) أَيْ: الرِّبَاطِ (بِأَشَدَّ خَوْفٍ) مِنْ الثُّغُورِ، لِأَنَّ مُقَامَهُ بِهِ أَنْفَعُ، وَأَهْلَهُ أَحْوَجُ (وَهُوَ) أَيْ: الرِّبَاطُ (أَفْضَلُ مِنْ مُقَامٍ بِمَكَّةَ) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْمَاعًا (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُوَافِقَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ) مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ رَابَطَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الرِّبَاطَ، رَوَاهُ سَعِيدٌ. (وَصَلَاةٌ بِهِمَا) أَيْ: الْمَسْجِدَيْنِ، (أَفْضَلُ مِنْهَا) أَيْ: صَلَاةٍ (بِثَغْرٍ) قَالَ أَحْمَدُ: فَأَمَّا فَضْلُ الصَّلَاةِ، فَهَذَا شَيْءٌ خَاصَّةُ فَضْلٍ لِهَذِهِ الْمَسَاجِدِ. (وَكُرِهَ) لِغَيْرِ أَهْلِ ثَغْرٍ (نَقْلُ أَهْلِهِ) مِنْ الذُّرِّيَّةِ وَالنِّسَاءِ (لِثَغْرٍ مَخُوفٍ) لِقَوْلِ عُمَرَ: لَا تُنْزِلُوا الْمُسْلِمِينَ خِيفَةَ الْبَحْرِ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَ لَا أَخَافُ الْإِثْمَ وَهُوَ يُعَرِّضُ ذُرِّيَّتَهُ لِلْمُشْرِكِينَ (وَإِلَّا) يَكُنْ الثَّغْرُ مَخُوفًا (فَلَا) يُكْرَهُ نَقْلُ أَهْلِهِ إلَيْهِ (كَ) مَا لَا تُكْرَهُ إقَامَةُ (أَهْلِ الثَّغْرِ) بِهِ بِأَهْلِيهِمْ، إنْ كَانَ مَخُوفًا، لِأَنَّهُمْ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ السُّكْنَى بِهِمْ، وَإِلَّا لَخَرِبَتْ الثُّغُورُ وَتَعَطَّلَتْ. (وَالْحَرْسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثَوَابُهُ عَظِيمٌ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا قَالَ: «حَرَسُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ قِيَامِ لَيْلِهَا وَصِيَامِ نَهَارِهَا» رَوَاهُ ابْنُ سَنْجَرٍ. (وَالْهِجْرَةُ حُكْمُهَا بَاقٍ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا كَانَ الْجِهَادُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَغَيْرُهُ مَعَ إطْلَاقِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ، وَتَحَقُّقِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لَهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» يَعْنِي: مِنْ مَكَّةَ، وَكُلُّ بَلَدٍ فُتِحَ لَا تَبْقَى مِنْهُ هِجْرَةٌ إنَّمَا الْهِجْرَةُ إلَيْهِ، لِأَنَّ الْهِجْرَةَ الْخُرُوجُ مِنْ بَلَدِ الْكُفَّارِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 فَإِذَا فُتِحَ لَمْ يَبْقَ بَلَدُ الْكُفَّارِ، فَلَا تَبْقَى مِنْهُ هِجْرَةٌ (فَ) يَجِبُ (عَلَى عَاجِزٍ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ) فِيهِ (حُكْمُ كُفْرٍ أَوْ) يَغْلِبُ فِيهِ حُكْمُ (بِدَعٍ مُضِلَّةٍ) كَاعْتِزَالِ وَتَشَيُّعٍ (الْهِجْرَةُ) أَيْ: الْخُرُوجُ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] الْآيَاتِ. وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِمَ؟ قَالَ: لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ: أَيْ: لَا يَكُونُ بِمَوْضِعٍ يَرَى نَارَهُمْ وَيَرَوْنَ نَارَهُ إذَا أُوقِدَتْ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِأَمْرِ الدِّينِ وَاجِبٌ، وَالْهِجْرَةُ مِنْ ضَرُورَةِ الْوَاجِبِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ، وَقَوْلُهُ: لَا تَرَاءَى أَصْلُهُ: تَتَرَاءَى، فَحُذِفَتْ إحْدَى التَّاءَيْنِ، وَهِيَ جُمْلَةٌ أُرِيدَ بِهَا النَّهْيُ. فَائِدَةٌ: لَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْمَعَاصِي، وَعَلَى مَنْ كَانَ بَيْنَهُمْ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ إمْكَانِهِ لِلْخَبَرِ (إنْ قَدَرَ) عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ أَرْضِ الْكُفْرِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: 98] . وَلَوْ كَانَ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ امْرَأَةً فِي عِدَّةٍ أَوْ كَانَتْ (بِلَا رَاحِلَةٍ وَلَا مَحْرَمٍ) بِخِلَافِ الْحَجِّ. (وَسُنَّتْ) الْهِجْرَةُ (لِقَادِرٍ عَلَى إظْهَارِهِ) أَيْ دِينِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ تَكْثِيرِ الْكُفَّارِ وَمُخَالَطَتِهِمْ، وَرُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ بَيْنَهُمْ، وَيَتَمَكَّنَ مِنْ جِهَادِهِمْ، وَإِعَانَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيُكْثِرَهُمْ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ أَمْكَنَهَا إظْهَارَ دِينِهَا، وَأَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا الْفِتْنَةَ فِيهِ (فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا) الْهِجْرَةُ (إذَنْ) مِنْ أَرْضِ الْكُفْرِ وَمَا أُلْحِقَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 بِهَا (بِلَا مَحْرَمٍ) وَإِنْ لَمْ تَأْمَنْهُمْ، جَازَ الْخُرُوجُ حَتَّى وَحْدَهَا، قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، بَلْ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ. (وَحَرُمَ سَفَرٌ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ حُكْمُ كُفْرٍ أَوْ بِدَعٍ مُضِلَّةٍ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ بِهِ، (وَلَوْ) كَانَ سَفَرُهُ (لِتِجَارَةٍ) لِأَنَّ رِبْحَهُ الْمَظْنُونَ لَا يَفِي بِخُسْرَانِهِ الْمُحَقَّقِ فِي دِينِهِ (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ) بِذَلِكَ الْمَحِلِّ (كُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَطَةِ الْمُجْرِمِينَ، وَالنَّظَرِ إلَى أَعْدَاءِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (وَلَا يَتَطَوَّعُ بِجِهَادٍ مَدِينٍ آدَمِيٌّ لَا وَفَاءَ لَهُ) حَالًّا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ مُؤَجَّلًا، لِأَنَّ الْجِهَادَ يُقْصَدُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ، فَتَفُوتُ بِهِ النَّفْسُ فَيَفُوتُ الْحَقُّ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ، وَلَهُ وَفَاءٌ جَازَ لَهُ التَّطَوُّعُ (إلَّا مَعَ إذْنِ) رَبِّ الدَّيْنِ، فَيَجُوزُ لِرِضَاهُ (أَوْ) مَعَ (رَهْنٍ يُحْرَزُ) بِأَنْ يُمْكِنُ وَفَاؤُهُ مِنْهُ (أَوْ) مَعَ (كَفِيلٍ مَلِيءٍ) بِالدَّيْنِ، فَيَجُوزُ إذَنْ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ، فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، فَلَا إذْنَ لِغَرِيمِهِ، لِتَعَلُّقِ الْجِهَادِ بِعَيْنِهِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ، وَلَا يَتَطَوَّعُ بِجِهَادٍ مِنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ (حُرٌّ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ إلَّا بِإِذْنِهِ) لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُجَاهِدُ؟ فَقَالَ: لَكَ أَبَوَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَالْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ أَوْ غَيْرَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ، فَلَا إذْنَ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَلِعَدَمِ الْوِلَايَةِ (إلَّا إنْ تَعَيَّنَ) عَلَيْهِ الْجِهَادُ، لِحُضُورِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 الصَّفِّ أَوْ حَصْرِ الْعَدُوِّ أَوْ اسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ لَهُ (فَيَسْقُطُ إذْنُهُمَا كَإِذْنِ غَرِيمٍ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَتَرْكُهُ مَعْصِيَةٌ. (وَلَا يَتَعَرَّضُ مَدِينٌ نَدْبًا لِمَكَانِ قَتْلٍ كَمُبَارَزَةٍ وَوُقُوفٍ بِأَوَّلِ صَفٍّ) لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِتَفْوِيتِ الْحَقِّ (وَإِنْ أَذِنَا) أَيْ: أَبَوَاهُ فِي خُرُوجِهِ لِجِهَادِ تَطَوُّعٍ (ثُمَّ رَجَعَا) عَنْ الْإِذْنِ قَبْلَ تَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ (فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ) لِأَنَّهُ مَعْنًى لَوْ وُجِدَ فِي الِابْتِدَاءِ مَنَعَ، فَمَنَعَ إذَا وُجِدَ فِي أَثْنَائِهِ كَسَائِرِ الْمَوَانِعِ إنْ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ بِأَنْ لَا يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ حُدُوثِ مَرَضٍ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ فِي الطَّرِيقِ أَقَامَ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الرُّجُوعِ فَيَرْجِعَ، وَإِلَّا مَضَى مَعَ الْجَيْشِ (وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ) الْجِهَادُ بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ الصَّفَّ، أَمَّا لَوْ حَضَرَهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِتَالُ بِحُضُورِهِ، وَسَقَطَ إذْنُهُمَا، وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ الْإِذْنِ بَعْدَ تَعَيُّنِ الْجِهَادِ عَلَيْهِ، لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا، لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ (إذَنْ، وَكَذَا لَوْ كَانَا) أَيْ: الْأَبَوَانِ (كَافِرَيْنِ) فَأَسْلَمَا وَمَنَعَاهُ، كَانَ كَمَنْعِهِمَا بَعْدَ إذْنِهِمَا مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَإِنْ أَذِنَا لَهُ، وَشَرَطَا) عَلَيْهِ (أَنْ لَا يُقَاتِلَ، فَحَضَرَ الْقِتَالَ، تَعَيَّنَ) عَلَيْهِ (وَسَقَطَ شَرْطُهُمَا) وَكَذَا لَوْ اسْتَنْفَرَهُ مَنْ لَهُ اسْتِنْفَارُهُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِهِ الْجِهَادُ عَلَيْهِ (وَلَا إذْنَ) مُعْتَبَرٌ (لِجَدٍّ وَجَدَّةٍ مُطْلَقًا) مُسْلِمَيْنِ كَانَا أَوْ كَافِرَيْنِ، حُرَّيْنِ أَوْ رَقِيقَيْنِ، عَاقِلَيْنِ أَوْ مَجْنُونَيْنِ لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ فِي الْأَبَوَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا لَا يُسَاوِيهِمَا فِي الشَّفَقَةِ (وَلَا إذْنَ لِأَبَوَيْنِ وَغَرِيمِ مَدِينٍ فِي سَفَرٍ وَاجِبٍ) مِنْ حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ مُتَعَيَّنٍ، أَوْ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ بِبَلَدِهِ، فَلَهُ السَّفَرُ لِطَلَبِهِ بِلَا إذْنِهِمَا، لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 [فَصْلٌ فِرَارٌ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُفَّارٍ بَعْد اللِّقَاء] (فَصْلٌ) (وَلَا يَحِلُّ ل) جَمَاعَةٍ (مُسْلِمِينَ بَعْدَ لِقَاءٍ فِرَارٌ مِنْ) كُفَّارٍ (مِثْلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66] (وَلَوْ) كَانَ الْفَارُّ (وَاحِدًا مِنْ اثْنَيْنِ) كَافِرَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَمَا فَرَّ، (أَوْ مَعَ ظَنِّ تَلَفٍ) ، أَيْ: وَلَوْ ظَنَّ الْمُسْلِمُونَ التَّلَفَ لَمْ يَجُزْ فِرَارُهُمْ مِنْ مِثْلَيْهِمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قِتَالَ دَفْعٍ أَوْ طَلَبٍ، فَالْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ كَثِيرًا لَا يُطِيقُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، وَيَخَافُونَ أَنَّهُمْ إنْ انْصَرَفُوا عَنْهُمْ عَطَفُوا عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَهُنَا صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِوُجُوبِ بَذْلِ مُهَجِهِمْ فِي الدَّفْعِ حَتَّى يُسْلِمُوا، وَمِثْلُهُ لَوْ هَجَمَ عَدُوٌّ عَلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُقَاتِلَةُ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ، لَكِنْ إنْ انْصَرَفُوا اسْتَوْلُوا عَلَى الْحَرِيمِ، وَالثَّانِي: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمُصَافَّةِ أَوْ قَبْلَهَا، فَقَبْلَهَا يَجُوزُ، وَبَعْدَهَا حِينَ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ لَا يَجُوزُ الْإِدْبَارُ مُطْلَقًا إلَّا لِتَحَرُّفٍ أَوْ تَحَيُّزٍ (إلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16] مِثَالُ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ: (كَانْحِيَازٍ مِنْ ضِيقٍ أَوْ) مِنْ (مَعْطَشَةٍ لِسِعَةٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ مِنْ نُزُولٍ لِعُلُوٍّ، أَوْ عَنْ اسْتِقْبَالِ شَمْسٍ أَوْ) اسْتِقْبَالِ (رِيحٍ) لَا اسْتِدْبَارِهِمَا، (أَوْ يَفِرُّوا) بَيْنَ أَيْدِيهِمْ (ل) أَجْلِ (مَكِيدَةٍ) كَانْتِقَاضِ صَفِّهِمْ، أَوْ انْفِرَادِ خَيْلِهِمْ عَنْ رِجَالِهِمْ، أَوْ لِيَجِدُوا فُرْصَةً (بِعَدُوِّهِمْ) فَيَنْتَهِزُوهَا، أَوْ لِيَسْتَنِدُوا إلَى جَبَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ، قَالَ عُمَرُ: يَا سَارِيَةَ الْجَبَلِ، فَانْحَازُوا إلَيْهِ، وَانْتَصَرُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ، (أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ) نَاصِرَةٍ تُقَاتِلُ مَعَهُمْ (وَإِنْ بَعُدَتْ) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى: (لَوْ كَانَتْ الْفِئَةُ بِخُرَاسَانَ، وَالزَّحْفُ بِالْحِجَازِ جَازَ التَّحَيُّزُ إلَيْهَا) ، لِحَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنِّي فِئَةٌ لَكُمْ» وَكَانُوا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ، وَقَالَ عُمَرُ: أَنَا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَجُيُوشُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ، رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. (وَإِنْ زَادُوا) عَلَى مِثْلَيْهِمْ (فَلَهُمْ الْفِرَارُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " لَمَّا نَزَلَتْ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشْرَةٍ، ثُمَّ جَاءَ التَّخْفِيفُ، فَقَالَ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] الْآيَةُ، فَلَمَّا خَفَّفَ عَنْهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ نَقَصَ مِنْ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خَفَّفَ مِنْ الْقَدْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ مَعَ أَدْنَى زِيَادَةٍ، (وَهُوَ) ، أَيْ: الْفِرَارُ، (مَعَ ظَنِّ تَلَفٍ أَوْلَى) مِنْ الثَّبَاتِ. (وَسُنَّ ثَبَاتٌ مَعَ عَدَمِ ظَنِّ تَلَفٍ) لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يَجِبْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ الْعَطَبَ، (وَ) سُنَّ (الْقِتَالُ مَعَ ظَنِّهِ) ، أَيْ: التَّلَفِ (فِيهِمَا) ، أَيْ: الْفِرَارِ وَالثَّبَاتِ (أَوْلَى مِنْ الْفِرَارِ وَالْأَسْرِ، قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) : مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُسْتَأْسَرُوا وَقَالَ: (يُقَاتِلُ أَحَبُّ إلَيَّ، الْأَسْرُ شَدِيدٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَوْتِ) ، وَقَالَ: يُقَاتِلُ، وَلَوْ أَعْطُوهُ الْأَمَانَ قَدْ لَا يَفُوا، وَإِنْ اسْتَأْسَرُوا جَازَ، قَالَ فِي " الْبُلْغَةِ " وَغَيْرِهَا: وَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ اسْتَأْسَرَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ. (وَإِنْ وَقَعَ فِي مَرْكَبِهِمْ) ، أَيْ: الْمُسْلِمِينَ، (نَارٌ) فَاشْتَعَلَتْ (فَعَلُوا مَا يَرَوْنَ فِيهِ السَّلَامَةَ) ، لِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ وَاجِبٌ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ فَهَاهُنَا كَذَلِكَ (مَنْ مُقَامٍ وَوُقُوعٍ بِمَاءٍ) لِيَتَخَلَّصُوا مِنْ النَّارِ (فَإِنْ شَكُّوا) فِيمَا فِيهِ السَّلَامَةُ (أَوْ تَيَقَّنُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 التَّلَفَ فِيهِمَا) ، أَيْ: الْمُقَامِ وَالْوُقُوعِ فِي الْمَاءِ ظَنًّا مُتَسَاوِيًا، (أَوْ ظَنُّوا السَّلَامَةَ فِيهِمَا ظَنًّا مُتَسَاوِيًا، خُيِّرُوا) بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْمُرَجَّحِ، قَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَ شَاءَ صَنَعَ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُمَا مَوْتَتَانِ فَاخْتَرْ أَيْسَرَهُمَا انْتَهَى. وَهُمْ مُلْجَئُونَ إلَى الْإِلْقَاءِ، فَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ الْفِعْلُ بِوَجْهٍ، فَلَا يُقَالُ: أَلْقُوا بِأَنْفُسِهِمْ إلَى التَّهْلُكَةِ. (وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ كُفَّارٍ) ، وَهُوَ: كَبْسُهُمْ لَيْلًا، وَقَتْلُهُمْ وَهُمْ غَارُّونَ، (وَلَوْ قَتَلَ) فِي التَّبْيِيتِ (بِلَا قَصْدٍ مَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ مِنْ نَحْوِ نِسَاءٍ) كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَشَيْخٍ فَانٍ، لِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُ عَنْ دِيَارِ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيّهِمْ، فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، قَالَ أَحْمَدُ: أَمَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُمْ فَلَا. (وَ) يَجُوزُ (رَمْيُهُمْ بِمَنْجَنِيقٍ) نَصًّا «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى الطَّائِفِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا. وَنَصَبَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازُهُ مَعَ الْحَاجَةِ وَغَيْرِهَا (وَ) يَجُوزُ رَمْيُهُمْ ب (نَارٍ وَبِنَحْوِ عَقَارِبَ) كَأَفَاعِي (وَتَدْخِينُهُمْ بِمَطَامِرَ) وَهِيَ الْحَفِيرَةُ فِي الْأَرْضِ، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ". (وَ) يَجُوزُ (قَطْعُ سَابِلَةٍ) ، أَيْ: طَرِيقِهِمْ عَنْهُمْ، (وَ) قَطْعُ (مَاءٍ) عَنْهُمْ (وَفَتْحُهُ لِيُغْرِقَهُمْ، وَ) وَيَجُوزُ (هَدْمُ عَامِرِهِمْ) ، وَإِنْ تَضَمَّنَ إتْلَافَ نَحْوَ نِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ إذَا لَمْ يَقْصِدْهُمْ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّبْيِيتِ. (وَ) يَجُوزُ (أَخْذُ شَهْدٍ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّحْلِ) مِنْهُ (شَيْءٌ) ، لِأَنَّهُ مِنْ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ، وَهَلَاكُ النَّحْلِ بِأَخْذِ جَمِيعِهِ يَحْصُلُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا، و (لَا) يَجُوزُ (حَرْقُهُ) ، أَيْ: النَّحْلِ (أَوْ تَغْرِيقُهُ) بِالْمَاءِ، لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ أَمِيرًا عَلَى الْقِتَالِ بِالشَّامِ: وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 تُحَرِّقَنَّ نَحْلًا، وَلَا تُغْرِقَنَّهُ. (أَوْ عَقْرُ دَابَّةٍ) وَلَوْ لِغَيْرِ قِتَالٍ كَبَقَرٍ وَغَنَمٍ، فَلَا يَجُوزُ (إلَّا لِحَاجَةِ أَكْلٍ) سَوَاءٌ خِفْنَا أَخْذَهُمْ لَهَا أَوْ لَا، لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ: إلَّا لِمَأْكَلَةٍ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تُبِيحُ مَالَ الْمَعْصُومِ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى. (وَلَا) يَجُوزُ (إتْلَافُ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ يَضُرُّ) إتْلَافُهُ (بِنَا إلَّا لِحَاجَةٍ، كَتَوْسِعَةِ طَرِيقٍ أَوْ اسْتِتَارِهِمْ بِهِ) ، لِكَوْنِهِ قَرِيبًا مِنْ حُصُونِهِمْ يَمْنَعُ قِتَالَهُمْ (أَوْ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ بِنَا لِيَنْتَهُوا، فَيُقْطَعُ) مِنْهُ وَيَنْزَجِرُوا، وَمَا تَضَرَّرَ الْمُسْلِمُونَ بِقَطْعِهِ مِنْ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ، لِكَوْنِهِمْ يَنْتَفِعُونَ بِبَقَائِهِ لِعَلَفِ دَوَابِّهِمْ أَوْ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ أَوْ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِهِ، أَوْ لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّنَا بِقَطْعِهِ، حَرُمَ قَطْعُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِنَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَا نَفْعَ سِوَى غَيْظِ الْكُفَّارِ، وَالْإِضْرَارِ بِهِمْ، فَيَجُوزُ إتْلَافُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5] وَفِيهَا يَقُولُ حَسَّانُ: وَهَانَ عَلَى سُرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ (وَحَرُمَ قَتْلُ صَبِيٍّ وَأُنْثَى وَخُنْثَى وَرَاهِبٍ وَشَيْخٍ فَانٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى لَا رَأْيَ لَهُمْ، وَلَمْ يُقَاتِلُوا أَوْ يُحَرِّضُوا) عَلَى قِتَالٍ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «نُهِيَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190] يَقُولُ: لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَأَوْصَى الصِّدِّيقُ يَزِيدَ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ فَقَالَ: لَا تَقْتُلْ صَبِيًّا وَلَا امْرَأَةً وَلَا هَرِمًا وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ وَصَّى سَلَمَةَ بْنَ قَيْسٍ بِنَحْوِهِ، رَوَاهُمَا سَعِيدٌ وَقَالَ الصِّدِّيقُ: وَسَتَمُرُّونَ عَلَى أَقْوَامٍ فِي مَوَاضِعَ لَهُمْ احْتَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهَا، فَدَعُوهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 حَتَّى يُمِيتَهُمْ اللَّهُ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ وَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مَخْصُوصٌ بِمَا تَقَدَّمَ، وَالزَّمِنُ وَالْأَعْمَى لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، فَهُمَا كَالْمَرْأَةِ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْقِتَالِ جَازَ، «لِأَنَّ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ قُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٌ وَهُوَ شَيْخٌ فَانٍ كَانُوا قَدْ خَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ، لِيَسْتَعِينُوا بِرَأْيِهِ، فَلَمْ يُنْكِرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتْلَهُ.» وَلِأَنَّ الرَّأْيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُؤْنَةِ فِي الْحَرْبِ، وَرُبَّمَا كَانَ أَبْلَغَ مِنْ الْقِتَالِ، قَالَ الْمُتَنَبِّي: الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ ... هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ الْمَحَلُّ الثَّانِي فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ حُرَّةٍ ... بَلَغَتْ مِنْ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانِ وَلَرُبَّمَا طَعَنَ الْفَتَى أَقْرَانَهُ ... بِالرَّأْيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الْفُرْسَانِ وَكَذَا إنْ قَاتَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، أَوْ حَرَّضَ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ هَذِهِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، نَازَعَتْنِي قَائِمَ سَيْفِي فَسَكَتَ» (وَفِي " الْمُغْنِي ") " وَالشَّرْحِ ": (وَعَبْدٌ وَفَلَّاحٌ) لَا يُقَاتَلُ، لِقَوْلِ عُمَرَ: اتَّقُوا اللَّهَ فِي الْفَلَّاحِينَ الَّذِينَ لَا يَنْصِبُونَ لَكُمْ الْحَرْبَ؛ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَقْتُلُوهُمْ حِينَ فَتَحُوا الْبِلَادَ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ، أَشْبَهُوا الشُّيُوخَ وَالرُّهْبَانَ. (وَإِنْ تُتُرِّسَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، أَيْ: تَتَرَّسَ الْمُقَاتِلُونَ (بِهِمْ) ، أَيْ: بِمَنْ ذُكِرَ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ (رُمُوا) ، أَيْ: جَازَ رَمْيُهُمْ (بِقَصْدِ الْمُقَاتَلَةِ) ، لِئَلَّا يُفْضِي تَرْكُهُ إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْحَرْبُ مُلْتَحِمَةً أَوْ لَا، كَالتَّبْيِيتِ وَالرَّمْيِ بِالْمَنْجَنِيقِ. (وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ لَا) يَجُوزُ رَمْيُهُ، لِأَنَّهُ يَئُولَ إلَى قَتْلِهِ مَعَ إمْكَانِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِهِ، (إلَّا إنْ خِيفَ عَلَيْنَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 بِتَرْكِ رَمْيِهِمْ، فَيُرْمَوْنَ نَصًّا لِلضَّرُورَةِ، (وَيُقْصَدُ الْكُفَّارُ) بِالرَّمْيِ دُونَ الْمُسْلِمِ، لِأَنَّهُمْ الْمَقْصُودُونَ بِالذَّاتِ، فَلَوْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْنَا، لَكِنْ لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِالرَّمْيِ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} [الفتح: 25] قَالَ اللَّيْثُ: تَرْكُ فَتْحِ حِصْنٍ يُقْدَرُ عَلَى فَتْحِهِ أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، (فَإِنْ قُتِلَ مُسْلِمٌ إذَنْ) ، أَيْ: حِينَ تَتَرُّسِهِمْ بِهِ، (ف) عَلَى رَامِيهِ (الْكَفَّارَةُ) فِي مَالِهِ (فَقَطْ) وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ فِي فَصْلِ الْخَطَأِ، وَصَرَّحَ فِي " الْإِقْنَاعُ " بِضَمَانِهِ بِالدِّيَةِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (وَتُرْمَى كَافِرَةٌ) وَقَفَتْ فِي صَفِّ كُفَّارٍ أَوْ عَلَى حُصُونِهِمْ و (شَتَمَتْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ تَكَشَّفَتْ لَهُمْ، وَ) يَجُوزُ أَنْ (يُنْظَرَ لِفَرْجِهَا لِحَاجَةِ رَمْيٍ) ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ "، (ك) مَا يَجُوزُ رَمْيُهَا لَا (لِالْتِقَاطِ سِهَامٍ لَهُمْ وَسَقْيِهَا إيَّاهُمْ الْمَاءَ) كَاَلَّتِي تُحَرِّضُ عَلَى الْقِتَالِ (وَيَقْتُلُ الْمُسْلِمُ نَحْوَ ابْنِهِ وَأَبِيهِ فِي الْمُعْتَرَكِ) ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَتَلَ أَبَاهُ فِي الْجِهَادِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الْآيَةُ. (وَيَجِبُ إتْلَافُ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ) دَفْعًا لِضَرَرِهَا، وَقِيَاسُهُ كُتُبُ رَفْضٍ وَاعْتِزَالٍ، (وَعِبَارَةُ " الْإِقْنَاعِ ": وَيَجُوزُ) إتْلَافُ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا وَوَرَقِهَا، أَيْ: فَيَجُوزُ (وَكُرِهَ نَقْلُ رَأْسِ) كَافِرٍ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِلَا مَصْلَحَةٍ، لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِرَأْسِ بَنَانِ الْبِطْرِيقِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا، قَالَ: فَأَذِّنْ بِفَارِسَ وَالرُّومِ: لَا يُحْمَلُ إلَيَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 رَأْسٌ، فَإِنَّمَا يَكْفِي الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ (وَ) كُرِهَ (رَمْيُهُ) ، أَيْ: الرَّأْسِ (بِمَنْجَنِيقٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ) ، لِأَنَّهُ تَمْثِيلٌ، قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبُوهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ كَزِيَادَةٍ فِي الْجِهَادِ، أَوْ نَكَالٍ لَهُمْ أَوْ زَجْرٍ عَنْ الْعُدْوَانِ جَازَ، لِأَنَّهُ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَحَرُمَ أَخْذُ مَالٍ) مِنْ الْكُفَّارِ (لِنَدْفَعَهُ) ، أَيْ: الرَّأْسَ (إلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ) عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَبَيْعِ الْكَلْبِ، (وَحَرُمَ تَعْذِيبٌ وَتَمْثِيلٌ بِهِمْ وَلَوْ مَثَّلُوا بِنَا) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَا تُعَذِّبُوا وَلَا تُمَثِّلُوا» . [فَصْلٌ مَتَى يحرم قَتْلَ الْأَسِير] (فَصْلٌ) (وَمَنْ أَسَرَ) مِنْهُمْ (أَسِيرًا، وَقَدَرَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ) ، أَيْ: بِالْأَسِيرِ (الْإِمَامَ) وَلَوْ بِإِكْرَاهِهِ عَلَى الْمَجِيءِ إلَى الْإِمَامِ (بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ) ، كَسَحْبِهِ (وَلَيْسَ) الْأَسِيرُ (بِمَرِيضٍ، حَرُمَ قَتْلُهُ) ، أَيْ: الْأَسِيرِ (مِثْلُهُ) ، أَيْ: الْإِتْيَانُ بِهِ، فَيَرَى بِهِ رَأْيَهُ، (ك) مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ (أَسِيرِ غَيْرِهِ) ، لِأَنَّهُ افْتِئَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ، (وَإِلَّا) يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ لَا بِضَرْبٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، أَوْ كَانَ مَرِيضًا، أَوْ جَرِيحًا لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ مَعَهُ، أَوْ خَافَ هَرَبَهُ، (فَلَا) يَحْرُمُ قَتْلُهُ، لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ حَيًّا ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَتَقْوِيَةً لِلْكُفَّارِ، وَأَسِيرُ غَيْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ كَأَسِيرِ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَتَلَ أَسِيرَهُ أَوْ أَسِيرَ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ فِي حَالَةٍ يَجُوزُ فِيهَا قَتْلُهُ، فَقَدْ أَسَاءَ لِافْتِئَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ، (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْقَاتِلِ نَصًّا، لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَسَرَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَابْنَهُ عَلِيًّا يَوْمَ بَدْرٍ، فَرَآهُمَا بِلَالٌ، فَاسْتَصْرَخَ الْأَنْصَارُ عَلَيْهِمَا حَتَّى قَتَلُوهُمَا، وَلَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْأَسِيرُ (مَمْلُوكًا ف) عَلَيْهِ (قِيمَتُهُ) لِلْمَغْنَمِ. (وَيُخَيَّرُ إمَامٌ فِي) أَسِيرٍ (حُرٍّ مُقَاتِلٍ بَيْنَ قَتْلٍ) ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] «وَقَتَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَهُمْ بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ وَالسَّبْعِمِائَةِ وَقَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَفِيهِ تَقُولُ أُخْتُهُ: مَا كَانَ ضَرَّك لَوْ مَنَنْت وَرُبَّمَا ... مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَلَوْ سَمِعْتُهُ مَا قَتَلْتُهُ» (وَ) بَيْنَ (رِقٍّ) ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِالْجِزْيَةِ، فَبِالرِّقِّ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي صِغَارِهِمْ (وَ) بَيْنَ (مَنٍّ) عَلَيْهِمْ (وَ) بَيْنَ (فِدَاءٍ بِمُسْلِمٍ وَ) فِدَاءً (بِمَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَّ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ، وَعَلَى أَبِي عَمْرَةَ الشَّاعِرِ وَعَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَفَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. «وَفَادَى أَهْلَ بَدْرٍ بِمَالٍ» (وَيَجِبُ) عَلَى الْإِمَامِ (اخْتِيَارُ الْأَصْلَحِ) لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذِهِ، فَهُوَ تَخْيِيرُ مَصْلَحَةٍ وَاجْتِهَادٍ لَا شَهْوَةٍ، فَلَا يَجُوزُ عُدُولٌ عَمَّا رَآهُ مَصْلَحَةً، لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى سَبِيلِ النَّظَرِ لَهُمْ، (فَإِنْ تَرَدَّدَ نَظَرُهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ، (فَقَتْلُ) الْأَسْرَى (أَوْلَى) كِفَايَةً لِشَرِّهِمْ، وَحَيْثُ رَآهُ فَيَضْرِبُ الْعُنُقَ بِالسَّيْفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] (وَمَنْ أَسْلَمَ) مِنْ الْأَسْرَى الْأَحْرَارِ الْمُقَاتِلِينَ (امْتَنَعَ قَتْلُهُ فَقَطْ) ، وَتَعَيَّنَ رِقُّهُ فِي الْحَالِ، وَزَالَ التَّخْيِيرُ فِيهِ، وَصَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 حُكْمُهُ حُكْمَ النِّسَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» وَهَذَا مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ أَسِيرُ يَحْرُمُ قَتْلُهُ، فَصَارَ رَقِيقًا كَالْمَرْأَةِ. (وَإِنْ بَذَلُوا) ، أَيْ: الْأَسْرَى (الْجِزْيَةَ) ، وَكَانُوا (مِمَّنْ تُقْبَلُ) مِنْهُمْ كَنَصَارَى الْعَرَبِ وَيُهَوِّدهُمْ، (قُبِلَتْ جَوَازًا) لَا وُجُوبًا، لِأَنَّهُمْ صَارُوا فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ أَمَانٍ، (وَلَمْ يُسْتَرَقَّ مِنْهُمْ زَوْجَةٌ) ، بَلْ يُخَلَّى عَنْهَا تَبَعًا لِزَوْجِهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا، (وَ) لَا يُسْتَرَقَّ (وَلَدٌ ذَكَرٌ بَالِغٌ) ، لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تَبَعٌ لِزَوْجِهَا، وَالذَّكَرُ الْبَالِغُ دَاخِلٌ فِيهِمْ، وَأَمَّا النِّسَاءُ غَيْرُ الْمُزَوَّجَاتِ وَالصِّبْيَانُ، فَغَنِيمَةٌ بِالسَّبْيِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْإِمَامُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَتَخْيِيرُهُ بَاقٍ، (وَ) كَذَا لَا يُسْتَرَقُّ مِنْ الْأَسْرَى (مَنْ فِيهِ نَفْعٌ) مُحَقَّقٌ لِلْمُسْلِمِينَ (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُقْتَلَ) لِانْقِطَاعِ نَفْعِهِ الْمُتَرَقَّبِ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ بِلَا فَائِدَةٍ، (ك) مَا لَا يَجُوزُ قَتْلُ (أَعْمَى وَامْرَأَةٍ) غَيْرِ مُزَوَّجَةٍ، (وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ رَقِيقٍ بِمُجَرَّدِ سَبْيٍ) ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ " وَكَانَ يَسْتَرِقُّهُمْ إذَا سَبَاهُمْ " (وَعَلَى قَاتِلِهِمْ) ، أَيْ: عَلَى قَاتِلِ الْأَعْمَى، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بَعْدَ السَّبْيِ (غُرْمُ الثَّمَنِ غَنِيمَةً) ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَهُمْ قَبْلَ السَّبْيِ، فَلَا يَضْمَنُهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَالًا، (وَ) عَلَى قَاتِلِهِمْ بَعْدَ السَّبْيِ (الْعُقُوبَةُ) ، لِفِعْلِهِ مَا لَا يَجُوزُ (وَالْقِنُّ) الْمَأْخُوذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ (غَنِيمَةٌ) ، لِأَنَّهُ مَالُ كُفَّارٍ اُسْتُوْلِيَ عَلَيْهِ، فَكَانَ لِلْغَانِمِينَ كَالْبَهِيمَةِ، (وَيُقْتَلُ) الْقِنُّ، أَيْ: لِلْأَمِيرِ قَتْلُهُ (لِمَصْلَحَةٍ) كَالْمُرْتَدِّ. (وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ) نَصًّا، كَنَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودِهِمْ وَمَجُوسِهِمْ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَغَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ، أَشْبَهَ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، (أَوْ) ، أَيْ: يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مَنْ (عَلَيْهِ وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 لِمُسْلِمٍ) ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَجَازَ اسْتِرْقَاقُهُ كَغَيْرِهِ (وَلَا يُبْطِلُ اسْتِرْقَاقٌ حَقًّا لِمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ مِنْ نَحْوِ قَوَدٍ وَدَيْنٍ) لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، قَالَ فِي " الْبُلْغَةِ ": لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ فِي اسْتِرْقَاقِهِ، فَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، إلَّا أَنْ يَغْنَم مَا لَهُ بَعْدَ اسْتِرْقَاقِهِ، فَيَقْضِي مِنْهُ دَيْنَهُ، فَيَكُونُ رِقُّهُ كَمَوْتِهِ، وَعَلَيْهِ: يَخْرُجُ حُلُولُهُ بِرِقِّهِ، وَإِنْ أُسِرَ وَأُخِذَ مَالُهُ مَعًا فَالْكُلُّ لِلْغَانِمِينَ، وَالدَّيْنُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ. (وَمَنْ أَسْلَمَ) مِنْ كُفَّارٍ (قَبْلَ أَسْرِهِ وَلَوْ) كَانَ إسْلَامُهُ (لِخَوْفٍ، فَكَمُسْلِمٍ أَصْلِيٍّ) ، لِعُمُومِ: «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ» الْحَدِيثُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِأَيْدِي الْغَانِمِينَ، (لَكِنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) : إنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَسْرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، (وَيَكْفِي شَاهِدٌ وَيَمِينٌ) ، فَيَثْبُتُ بِمَا يَثْبُت بِهِ الْمَالُ كَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا أَنْ يَفْدِيَ أَوْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ» فَقَبِلَ شَهَادَةَ عَبْدِ اللَّهِ وَحْدَهُ. (وَالْمَسْبِيُّ) مِنْ كُفَّارٍ (غَيْرُ بَالِغٍ) وَلَوْ مُمَيِّزًا (مُنْفَرِدًا) عَنْ أَبَوَيْهِ، (أَوْ) مَسْبِيٌّ (مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ) إنْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهُ، لِحَدِيثِ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَدْ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ بِانْقِطَاعِهِ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَإِخْرَاجُهُ مِنْ دَارِهِمَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. (وَ) الْمَسْبِيُّ (مَعَهُمَا) ، أَيْ: أَبَوَيْهِ (عَلَى دِينِهِمَا) لِلْخَبَرِ، وَمِلْكُ السَّابِي لَهُمَا لَا يَمْنَعُ تَبَعِيَّتَهُ لِأَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ، كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ الْكَافِرَةُ فِي مِلْكِهِ مِنْ كَافِرٍ (وَمَسْبِيٌّ ذِمِّيٌّ) مِنْ أَوْلَادِ حَرْبِيِّينَ (يَتْبَعُهُ) ، أَيْ: السَّابِي فِي دِينِهِ حَيْثُ يَتْبَعُ الْمُسْلِمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 قِيَاسًا عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ) أَحَدُ أَبَوَيْ غَيْرِ بَالِغٍ فَمُسْلِمٌ، (أَوْ مَاتَ) أَحَدُ أَبَوَيْ غَيْرِ بَالِغٍ بِدَارِنَا فَمُسْلِمٌ، (أَوْ عُدِمَ) بِلَا مَوْتٍ (أَحَدُ أَبَوَيْ غَيْرِ بَالِغٍ بِدَارِنَا وَلَوْ بِزِنَا ذِمِّيٍّ بِذِمِّيَّةٍ) ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ بِدَارِنَا، فَمُسْلِمٌ نَصًّا، لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، (أَوْ اشْتَبَهَ وَلَدُ مُسْلِمٍ بِوَلَدِ كَافِرٍ) فَمُسْلِمٌ كُلٌّ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يَقْرَعُ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ وَلَدُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ، (أَوْ بَلَغَ) وَلَدُ الْكَافِرِ (مَجْنُونًا مَعَ وُجُودِ أَبَوَيْهِ فَمُسْلِمٌ) ، أَيْ: فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي الْحَالِ الَّذِي يُحْكَمُ فِيهِ بِإِسْلَامِ غَيْرِ الْبَالِغِ، كَإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ مَوْتِهِ بِدَارِنَا كَمَا هُوَ صَرِيحُ " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا مُسْلِمٌ مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ قَوْلُهُمْ فِيمَا سَبَقَ: أَنَّ الْمَسْبِيَّ الْمَجْنُونَ رَقِيقٌ بِالسَّبْيِ، وَقَوْلُهُمْ فِي بَابِ الذِّمَّةِ: لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ مَجْنُونٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَزِيدُ عَلَى كَوْنِهِ صَغِيرًا، وَالصَّغِيرُ مَعَ وُجُودِ أَبَوَيْهِ مِثْلُهُمَا (فِي الْكُلِّ) ، أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الصُّوَرِ، وَإِنْ بَلَغَ عَاقِلًا، ثُمَّ جُنَّ لَمْ يَتْبَعْ أَحَدَ أَبَوَيْهِ، لِزَوَالِ حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ لِبُلُوغِهِ عَاقِلًا، فَلَا يَعُودُ (وَإِنْ بَلَغَ) مَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ مَوْتِهِ بِدَارِنَا (عَاقِلًا مُمْسِكًا عَنْ إسْلَامٍ وَ) عَنْ (كُفْرٍ، قُتِلَ قَاتِلُهُ) ، لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ حُكْمًا، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا مُطْلَقًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: وَيَرِثُ مِمَّا جَعَلْنَا مُسْلِمًا بِمَوْتِهِ حَتَّى وَلَوْ تُصَوِّرَ مَوْتُ أَبَوَيْهِ مَعًا لَوَرِثَهُمَا، إذْ الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ يَعْقُبُ الْمَوْتَ، فَحَالُ الْمَوْتِ كَانَ عَلَى دِينِ مُوَرِّثِهِ، لَكِنَّ الْحَمْلَ لَا يَرِثُ أَبَاهُ إذَا مَاتَ بِدَارِنَا كَمَا يَأْتِي فِي مِيرَاثِ الْحَمْلِ. (وَفِي " الْفُنُونِ " فِيمَنْ وُلِدَ بِرَأْسَيْنِ، فَلَمَّا بَلَغَ نَطَقَ أَحَدُ الرَّأْسَيْنِ بِالْكُفْرِ وَ) نَطَقَ الرَّأْسُ (الْآخَرُ بِالْإِسْلَامِ) ، قِيلَ: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَقِيلَ: يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ (إنْ تَقَدَّمَ) النُّطْقُ ب (الْإِسْلَامِ) عَلَى النُّطْقِ بِالْكُفْرِ، (فَمُرْتَدٌّ) تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ، لِوُجُودِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 الْكُفْرِ مِنْهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ النُّطْقُ بِالْكُفْرِ عَلَى النُّطْقِ بِالْإِسْلَامِ، فَمُسْلِمٌ، (وَإِنْ نَطَقَا) ، أَيْ: الرَّأْسَانِ (مَعًا) ، أَيْ: فِي آنٍ وَاحِدٍ، (فَاحْتِمَالَانِ) : أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مُسْلِمًا، وَالثَّانِي: كَافِرًا، وَحَيْثُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا فَيَتَعَارَضَانِ وَيَتَسَاقَطَانِ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ. (وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجَةِ حَرْبِيٍّ بِسَبْيِ دُونِهِ) ، أَيْ: دُونِ زَوْجِهَا، بِأَنْ سُبِيَتْ وَحْدَهَا، (وَتَحِلُّ لِسَابِيهَا) بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ، وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَسُبِيَتْ، لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا. وَ (لَا) يَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجَةِ حَرْبِيٍّ سُبِيَتْ (مَعَهُ وَلَوْ اُسْتُرِقَّا) ، أَيْ: الزَّوْجَانِ بِأَنْ اخْتَارَ الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُمَا، لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتَهُ، وَسَوَاءٌ سَبَاهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْ رَجُلَانِ مُجْتَمَعَيْنِ أَوْ (مُتَفَرِّقَيْنِ) ، إذْ لَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فِي قِسْمَةٍ وَلَا بَيْعٍ. (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ حَرْبِيٍّ (سُبِيَ هُوَ) ، أَيْ: الْحَرْبِيُّ (فَقَطْ) ، أَيْ: دُونَ زَوْجَتِهِ، لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا يَقْتَضِيه قِيَاسٌ، (وَلَيْسَ بَيْعُ زَوْجَيْنِ أَوْ) بَيْعُ (أَحَدِهِمَا طَلَاقًا) ، لِقِيَامِ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ، وَكَذَا هِبَتُهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَنَحْوَهُ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مُسْتَرَقٍّ مِنْهُمْ) ، أَيْ: مِنْ سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الَّذِي مَلَكَهُ الْمُسْلِمُ (لِكَافِرٍ) وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَرَقُّ كَافِرًا نَصًّا، قَالَ: وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْهَى عَنْهُ أُمَرَاءَ الْأَمْصَارِ، وَهَكَذَا حَكَى أَهْلُ الشَّامِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتًا لِلْإِسْلَامِ الَّذِي يُرْتَجَى مِنْهُ إذَا بَقِيَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، (وَلَا) تَصِحُّ (مُفَادَاتُهُ) ، أَيْ: مَنْ اُسْتُرِقَّ مِنْ الْكُفَّارِ لِكَافِرٍ (بِمَالٍ) ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعِهِ لَهُ، (وَتَجُوزُ) مُفَادَاتُهُ (بِمُسْلِمٍ) ، لِتَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْأَسَر. (وَلَا يُفَرَّقُ) بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ (بَيْنَ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) كَأَبٍ وَابْنٍ، وَكَأَخَوَيْنِ وَكَعَمٍّ وَابْنِ أَخِيهِ، وَخَالٍ وَابْنِ أُخْتِهِ، وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغٍ، لِحَدِيثِ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «وَهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبَعَثَ أَحَدَهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا فَعَلَ غُلَامُك؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: رُدَّهُ رُدَّهُ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ؛ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، فَقِسْ عَلَيْهِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ جَوَازُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ ابْنَيْ عَمٍّ أَوْ ابْنَيْ خَالٍ، وَبَيْنَ أُمٍّ مِنْ رَضَاعٍ وَوَلَدِهَا مِنْهُ، وَأُخْتٍ مِنْ رَضَاعٍ وَأَخِيهَا، لِعَدَمِ النَّصِّ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ وَلِأَنَّ قَرَابَةَ الرَّضَاعِ لَا تُوجِبُ عِتْقَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَا نَفَقَةً وَلَا مِيرَاثًا، فَأَشْبَهَتْ الصَّدَاقَةَ (إلَّا بِعِتْقٍ) ، فَيَجُوزُ عِتْقُ وَالِدَةٍ دُونَ وَلَدِهَا، وَعَكْسُهُ وَنَحْوُهُ، (أَوْ افْتِدَاءُ أَسِيرٍ مُسْلِمٍ) بِكَافِرٍ مِنْ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ إذَنْ، لِتَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْأَسْرِ، (أَوْ بَيْعٍ) وَنَحْوِهِ (فِيمَا إذَا مَلَكَ نَحْوَ أُخْتَيْنِ) كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 فَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا وَأَرَادَ وَطْءَ الْأُخْرَى، جَازَ لَهُ بَيْعُ الْمَوْطُوءَةِ، لِيَسْتَبِيحَ وَطْءَ الْأُخْرَى، لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ. (وَمَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ) ، أَيْ: الْأَسْرَى (عَدَدًا) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (فِي عَقْدٍ يَظُنُّ أَنْ بَيْنَهُمْ) ، أَيْ: الْمُشْتَرَيَيْنِ (أُخُوَّةً أَوْ نَحْوَهَا) ، كَعُمُومَةٍ أَوَخُؤُولَةً، بَاعَهُمْ الْإِمَامُ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِمْ أَنْ لَوْ فُرِّقُوا لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ، (فَتَبَيَّنَ عَدَمُهَا) ، أَيْ: الْأُخُوَّةِ وَنَحْوِهَا، (رَدَّ إلَى الْمُقَسِّمِ) مِنْ الْمُشْتَرِي (الْفَضْلَ الَّذِي فِيهِ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ (بِالتَّفَرُّقِ) ، لِبَيَانِ انْتِفَاءِ مَانِعِهِ، (وَلِكُلٍّ) مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ (الْفَسْخُ) ، أَيْ: فَسْخُ الْبَيْعِ، فَإِنْ فَاتَ الْمَبِيعُ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْفَضْلَ الْحَاصِلَ بِالتَّفْرِيقِ، وَيَرُدُّ إلَى الْمُقَسِّمِ إنْ كَانَ غَنِيمَةً، أَوْ إلَى الْبَائِعِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. [فَصْلٌ إذَا حَصَرَ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ حِصْنًا] (فَصْلٌ) (وَإِذَا حَصَرَ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ حِصْنًا، لَزِمَهُ) فِعْلُ (الْأَصْلَحِ) فِي نَظَرِهِ وَاجْتِهَادِهِ (مِنْ مُصَابَرَتِهِ) ، أَيْ: الْحِصْنِ، أَيْ: الصَّبْرُ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، (وَ) مِنْ (مُوَادَعَتِهِ بِمَالٍ، وَ) مِنْ (هُدْنَةٍ) بِلَا مَالٍ (بِشَرْطِهَا) الْمَعْلُومِ مِنْ بَابِهَا نَصًّا، (وَيَجِبَانِ) ، أَيْ: الْمُوَادَعَةُ بِمَالٍ، وَالْهُدْنَةُ بِغَيْرِهِ (إنْ سَأَلُوهُمَا) ، أَيْ: أَهْلَ الْحِصْنِ، (ك) وُجُوبِ قَبُولِ (جِزْيَةٍ) سَأَلُوا دَفْعَهَا (وَثَمَّ مَصْلَحَةٍ) ، لِحُصُولِ الْغَرَضِ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ، وَصِغَارِ الْكَفَرَةِ اللِّئَامُ، وَلَهُ الِانْصِرَافُ أَيْضًا بِدُونِهِ إنْ رَآهُ، لِضَرَرٍ أَوْ يَأْسٍ مِنْهُ. (وَإِنْ قَالُوا) ، أَيْ: أَهْلُ الْحِصْنِ لِلْمُسْلِمِينَ: (ارْحَلُوا عَنَّا وَإِلَّا قَتَلْنَا أَسْرَاكُمْ) عِنْدَنَا، (وَجَبَ رَحِيلُ) هُمْ، لِئَلَّا يُلْقُوا بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ لِلْهَلَاكِ. (وَيُحْرَزُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ) ، أَيْ: أَهْلِ الْحِصْنِ قَبْلَ اسْتِيلَائِنَا عَلَيْهِ (دَمُهُ وَمَالُهُ حَيْثُ كَانَ) فِي الْحِصْنِ أَوْ خَارِجَهُ، لِحَدِيثِ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ الْخَبَرَ» (وَلَوْ) كَانَ مَالُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 (مَنْفَعَةَ إجَارَةٍ) ، لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِيهِ، وَيُحْرَزُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ (أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ وَحَمْلُ امْرَأَتِهِ) لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لَهُ، وَلَا يَحْرُزُ امْرَأَتَهُ (هِيَ) ، لِأَنَّهَا لَا تَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهَا كَغَيْرِهَا (وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ) ، أَيْ: الزَّوْجِ الَّذِي أَسْلَمَ (بِرِقِّهَا) ، أَيْ: الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ مَنْفَعَةَ النِّكَاحِ لَا تَجْرِي مَجْرَى الْأَمْوَالِ، بِدَلِيلِ عَدَمِ ضَمَانِهَا بِالْيَدِ، وَعَدَمِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا. (وَإِنْ نَزَلُوا) ، أَيْ: أَهْلُ الْحِصْنِ، (عَلَى حُكْمِ) رَجُلٍ (مُسْلِمٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ مُجْتَهِدٍ فِي الْجِهَادِ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ، (وَلَوْ) كَانَ (أَعْمَى) ، جَازَ، (أَوْ) كَانَ مَنْزُولًا عَلَى حُكْمِهِ (مُتَعَدِّدًا) كَاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، (جَازَ) ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِمْ مَا اجْتَمَعَا، أَوْ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمْ، (وَيَلْزَمُهُ) ، أَيْ: الْمَنْزُولَ عَلَى حُكْمِهِ (الْحُكْمُ بِالْأَحَظِّ لَنَا) مِنْ قَتْلٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ مَنٍّ أَوْ فِدَاءٍ (وَيَلْزَمُ حُكْمُهُ حَتَّى بِمَنٍّ) عَلَيْهِمْ كَالْإِمَامِ، و (لَا) يَلْزَمُ حُكْمُهُ لَوْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِإِعْطَاءِ (جِزْيَةٍ) ، لِأَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ مُعَاوَضَةً يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّرَاخِي، (فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ قَتْلُ مَنْ حُكِمَ) مَنْزُولٌ عَلَى حُكْمِهِ (بِرِقِّهِ) ، لِأَنَّ الْقَتْلَ أَشَدُّ مِنْ الرِّقِّ، وَفِيهِ إتْلَافُ الْغَنِيمَةِ عَلَى الْغَانِمِينَ، (وَلَا) لِلْإِمَامِ (رِقُّ مَنْ حُكِمَ) مَنْزُولٌ عَلَى حُكْمِهِ (بِقَتْلِهِ) ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِمَّنْ يُخَافُ بِبَقَائِهِ نِكَايَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَدُخُولُ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ. (وَلَا) لِلْإِمَامِ (رِقُّ وَلَا قَتْلُ مَنْ حُكِمَ بِفِدَائِهِ) مَنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ لِأَنَّهُمَا أَشَدُّ مِنْهُ، فَلَا يُجَاوِزُ الْأَخَفَّ مِمَّا حُكِمَ بِهِ إلَى الْأَثْقَلِ، لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بَعْدَ لُزُومِهِ، (لَكِنْ لَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (الْمَنُّ مُطْلَقًا) ، أَيْ: عَلَى مَنْ حُكِمَ بِقَتْلِهِ أَوْ رِقِّهِ أَوْ فِدَائِهِ، لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الثَّلَاثَةِ، (وَ) لِلْإِمَامِ (قَبُولُ فِدَاءٍ مِمَّنْ حُكِمَ) مَنْزُولٌ عَلَى حُكْمِهِ (بِقَتْلِهِ أَوْ رِقِّهِ) ، لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْهُمَا، وَهُوَ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بِرِضَى مَحْكُومٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 لَهُ، وَذَلِكَ حَقٌّ لِلْإِمَامِ، فَإِذَا رَضِيَ بِتَرْكِهِ إلَى غَيْرِهِ جَازَ لَهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ مَنْ حُكِمَ) مَنْزُولٌ عَلَى حُكْمِهِ (بِقَتْلِهِ) أَوْ رِقِّهِ (عَصْمُ دَمٍ فَقَطْ) دُونَ مَالِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، لِأَنَّهُمَا صَارَا بِالْحُكْمِ بِقَتْلِهِ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَعُودَانِ إلَيْهِ بِإِسْلَامٍ، وَأَمَّا دَمُهُ فَأَحْرَزَهُ بِإِسْلَامِهِ، (وَلَا يُسْتَرَقُّ) لِأَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَهُ فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ. (وَإِنْ سَأَلُوا) ، أَيْ: أَهْلُ الْحِصْنِ (أَنْ يُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَ لَزِمَ أَنْ يُنْزِلَهُمْ وَيُخَيَّرُ) فِيهِمْ (كَأَسْرَى) ، لِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ - «وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوا أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك، فَلَا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ أَمْ لَا» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ - أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لِاحْتِمَالِ نُزُولِ وَحْيٍ بِمَا يُخَالِفُ مَا حَكَمَ بِهِ، وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، (وَلَوْ كَانَ بِهِ) ، أَيْ: الْحِصْنِ (مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ) كَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى، (فَبَذَلَهَا لِعَقْدِ الذِّمَّةِ، عُقِدَتْ) لَهُ الذِّمَّةُ بِمَعْنَى الْأَمَانِ (مَجَّانًا وَحَرُمَ رِقُّهُ) لِتَأْمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ بِهِ مَالٌ (وَلَوْ خَرَجَ عَبْدٌ) حَرْبِيٌّ (إلَيْنَا بِأَمَانٍ أَوْ نَزَلَ) عَبْدٌ (مِنْ حِصْنٍ) إلَيْنَا بِأَمَانٍ (فَهُوَ حُرٌّ) نَصًّا لِلْخَبَرِ (وَلَوْ جَاءَنَا) عَبْدٌ (مُسْلِمٌ وَأُسِرَ سَيِّدُهُ) الْحَرْبِيُّ (أَوْ) أُسِرَ (غَيْرُهُ) مِنْ الْحَرْبِيِّينَ، (فَهُوَ) ، أَيْ: الْعَبْدُ (حُرٌّ) لِمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يُرَدُّ فِي هُدْنَةٍ، (وَالْكُلُّ) مِمَّا جَاءَ بِهِ سَيِّدُهُ أَوْ غَيْرُهُ (لَهُ) ، أَيْ: لِلْعَبْدِ الَّذِي جَاءَ مُسْلِمًا، حَتَّى لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ الْأَسِيرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَرِثَهُ عَبْدُهُ السَّابِي بِالْوَلَاءِ. (وَإِنْ أَقَامَ) عَبْدٌ أَسْلَمَ (بِدَارِ حَرْبٍ فَهُوَ رَقِيقٌ) ، أَيْ: بَاقٍ عَلَى رِقِّهِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ، (وَلَوْ جَاءَ مَوْلَاهُ) ، أَيْ: الْعَبْدِ الَّذِي أَسْلَمَ وَلَحِقَ بِنَا (مُسْلِمًا بَعْدَهُ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِ) ، لِسَبْقِ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ حِينَ جَاءَ إلَيْنَا مُسْلِمًا (وَلَوْ جَاءَ) مَوْلَاهُ (قَبْلَهُ مُسْلِمًا، ثُمَّ جَاءَ هُوَ) ، أَيْ: الْعَبْدُ (مُسْلِمًا فَهُوَ) ، أَيْ: الْعَبْدُ (لَهُ) ، أَيْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 لِمَوْلَاهُ لِعَدَمِ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ (وَلَيْسَ لِقِنٍّ غَنِيمَةٌ) لِأَنَّهُ مَالٌ، فَلَا يُمَلَّكُ الْمَالُ، (فَلَوْ هَرَبَ) الْقِنُّ (ل) عِنْدَ (عَدُوٍّ، ثُمَّ جَاءَ) مِنْهُ (بِمَالٍ، فَهُوَ) ، أَيْ: الْقِنُّ (لِسَيِّدِهِ، وَالْمَالُ) الَّذِي جَاءَ بِهِ (لَنَا) فَيْءٌ. [بَابٌ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَوْ أَمِيرَهُ عِنْدَ سَيْرِهِ إلَى الْغَزْوِ] (بَابٌ) (مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ) أَوْ أَمِيرَهُ عِنْدَ سَيْرِهِ إلَى الْغَزْوِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، (وَ) مَا يَلْزَمُ (الْجَيْشَ) إذَنْ (يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ) مِنْ إمَامٍ وَرَعِيَّتِهِ (إخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الطَّاعَاتِ) كُلِّهَا مِنْ جِهَادٍ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ ": قَدْ تَنَوَّعَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي الْإِخْلَاصِ، وَالْقَصْدُ وَاحِدٌ، فَقِيلَ: هُوَ إفْرَادُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ بِالْقَصْدِ فِي الطَّاعَةِ، وَقِيلَ: تَصْفِيَةُ الْفِعْلِ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْمَخْلُوقِينَ، وَقِيلَ: الْإِخْلَاصُ: اسْتِوَاءُ أَعْمَالِ الْعَبْدِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَالرِّيَاءُ: أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ خَيْرًا مِنْ بَاطِنِهِ، وَالصِّدْقُ فِي الْإِخْلَاصِ: أَنْ يَكُونَ بَاطِنُهُ أَعْمَرَ مِنْ ظَاهِرِهِ، وَمِنْ كَلَامِ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكُ الْعَمَلِ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالْعَمَلُ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ، وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُعَافِيَك اللَّهُ مِنْهُمَا، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: الْإِخْلَاصُ تَصْفِيَةُ الْعَمَلِ مِنْ كُلِّ شَوْبٍ. (وَ) يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ (أَنْ يَجْتَهِدَ) ، أَيْ: يَبْذُلَ وُسْعَهُ (فِي ذَلِكَ) ، أَيْ: فِي إخْلَاصِ النِّيَّةِ لِلَّهِ فِي الطَّاعَاتِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ (وَسُنَّ أَنْ يَدْعُوَ) الْأَمِيرُ (سِرًّا) مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ لِلْإِجَابَةِ (وَ) مِنْ دُعَائِهِ مَا (كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهُ إذَا غَزَا) ، وَهُوَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِك أَحُولُ، وَبِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 أَصُولُ، وَبِك أُقَاتِلُ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْحَوْلُ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْحِيلَةُ، يُقَالُ: مَا لِلرَّجُلِ حَوْلٌ، وَمَا لَهُ مَحَالَةٌ، قَالَ: وَمِنْهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، أَيْ: لَا حِيلَةَ فِي دَفْعِ سُوءٍ، وَلَا قُوَّةَ فِي دَرَكِ خَيْرٍ إلَّا بِاَللَّهِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: الدَّفْعَ وَالْمَنْعَ مِنْ قَوْلِك: حَالَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا مَنَعَ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ يَقُولُ: لَا أَمْنَعُ، وَلَا أَدْفَعُ إلَّا بِك. (وَفِي " الْفُرُوعِ ") لِابْنِ مُفْلِحٍ: (وَكَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ) مِمَّنْ ابْتَلَاهُمْ اللَّهُ بِالْمِحَنِ (مِنْهُمْ شَيْخُنَا) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ (يَقُولُ هَذَا) الدُّعَاءَ (عِنْدَ قَصْدِ مَجْلِسِ عِلْمٍ) لِلْمُنَاظَرَةِ، فَلَا يَقُومُ إلَّا وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَعْدَائِهِ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ الْمَسِيرِ) بِالْجَيْشِ (تَعَاهُدُ رِجَالٍ وَخَيْلٍ) ، أَيْ: رِجَالِ الْجَيْشِ وَخَيْلِهِمْ، لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الْغَزْوِ، (وَ) عَلَيْهِ ( مَنْعُ غَيْرِ صَالِحٍ لِحَرْبٍ ) مِنْ رِجَالٍ (وَخَيْلٍ كَضَعِيفٍ وَفَرَسٍ حَطِيمٍ) وَهُوَ الْكَسِيرُ، وَفَرَسٍ قَحْمٍ، وَهُوَ الْكَبِيرُ، وَضَرْعٍ وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالْهَزِيلُ (وَعَلَيْهِ) مَنْعُ (مُخَذِّلٍ) ، وَهُوَ الْمُفَنِّدُ لِلنَّاسِ عَنْ الْغَزْوِ، وَمُزَهِّدُهُمْ فِي الْقِتَالِ، وَالْخُرُوجِ إلَيْهِ كَقَائِلٍ: الْحَرُّ أَوْ الْبَرْدُ شَدِيدٌ، أَوْ الْمَشَقَّةُ شَدِيدَةٌ، أَوْ لَا تُؤْمَنُ هَزِيمَةُ الْجَيْشِ. (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (مُرْجِفٍ) كَمَنْ يَقُولُ: هَلَكَتْ سَرِيَّةٌ الْمُسْلِمِينَ وَلَا لَهُمْ مَدَدٌ أَوْ طَاقَةٌ بِالْكُفَّارِ وَنَحْوُهُ، (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (مُكَاتِبٍ) كُفَّارٍ (بِأَخْبَارِنَا) ، لِيَدُلَّ الْعَدُوَّ عَلَى عَوْرَاتِنَا، (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (مَعْرُوفٍ بِنِفَاقٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: 83] (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (رَامٍ بَيْنَنَا) مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ (بِفِتَنٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا} [التوبة: 47] الْآيَةُ. (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (صَبِيٍّ) وَلَوْ مُمَيِّزًا، وَمَنْعُ مَجْنُونٍ، لِأَنَّ فِي دُخُولِهِمَا أَرْضَ الْعَدُوِّ تَعَرُّضًا لِلْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (نِسَاءٍ) ، لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، وَلَا يُؤْمَنُ ظَفَرُ الْعَدُوِّ بِهِنَّ، فَيَسْتَحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْهُنَّ (إلَّا عَجُوزًا لِسَقْيِ) مَاءٍ (وَنَحْوِهِ) ، كَمُعَالَجَةِ جَرْحَى، لِحَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مَعَهَا مِنْ الْأَنْصَارِ يَسْقِينَ الْمَاءَ، وَيُعَالِجْنَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ جَمْعٌ: وَامْرَأَةُ الْأَمِيرِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَتَحْرُمُ اسْتِعَانَةٌ بِكَافِرٍ) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى بَدْرٍ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ لَهُ: مُؤْمِنٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَنُ مَكْرُهُ وَغَائِلَتُهُ لِخُبْثِ طَوِيَّتِهِ، وَالْحَرْبُ تَقْتَضِي الْمُنَاصَحَةَ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (إلَّا لِضَرُورَةٍ) ، لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَانَ بِنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي حَرْبِهِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَرُوِيَ أَيْضًا «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَبِهَذَا حَصَلَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَالضَّرُورَةُ مِثْلُ كَوْنِ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ عَدَدًا، أَوْ يُخَافُ مِنْهُمْ، وَحَيْثُ جَازَ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ مَنْ يُسْتَعَانُ بِهِ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ لَمْ يَجُزْ كَالْمُرْجِفِ وَأَوْلَى. (وَ) تَحْرُمُ اسْتِعَانَةٌ (بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ كَعِمَالَةٍ وَجِبَايَةِ خَرَاجٍ) وَكِتَابَةٍ (وَقِسْمَةِ فَيْءٍ وَغَنِيمَةٍ، وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمْ بَوَّابًا وَلَا جَلَّادًا وَلَا جَهْبَذًا، وَهُوَ النَّقَّادُ الْخَبِيرُ) لِعَظِيمِ الضَّرَرِ، لِأَنَّهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 دُعَاةٌ. وَتُكْرَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي ذَلِكَ نَصًّا، لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ إلَى أَدْيَانِهِمْ (وَتَحْرُمُ تَوْلِيَتُهُمْ) ، أَيْ: الْكُفَّارِ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ (الْوِلَايَاتِ مِنْ دَوَاوِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَ) تَحْرُمُ (إعَانَتُهُمْ) ، أَيْ: أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَالْكُفَّارِ عَلَى عَدُوِّهِمْ مِنْ جِنْسِهِمْ، فَإِنْ كَانَ عَدُوُّهُمْ مِنَّا فَنَجْتَمِعُ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَإِنْ كَانَ عَدُوُّ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ كَافِرًا حَرْبِيًّا، فَلَا تَحْرُمُ إعَانَتُهُمْ عَلَيْهِ لِإِسْلَامِهِمْ (إلَّا خَوْفًا) مِنْ شَرِّهِمْ، (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَمَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ) ، أَيْ: مِنْ الْكُفَّارِ (دِيوَانَ الْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ) إنْ كَانَ. (وَسُنَّ خُرُوجُ جَيْشٍ يَوْمَ الْخَمِيسِ) ، لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ فِي سَفَرٍ إلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا وكَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. (وَيَسِير بِرِفْقٍ) بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ الضَّعِيفُ، وَلَا يَشُقُّ عَلَى الْقَوِيِّ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمِيرُ الْقَوْمِ أَقْطَعُهُمْ» ، أَيْ: أَقَلُّهُمْ سَيْرًا، وَلِئَلَّا يَنْقَطِعَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، أَوْ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ (إلَّا لِأَمْرٍ يَحْدُثُ) ، فَيَجُوزُ، «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَدَبَهُمْ فِي السَّيْرِ حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» لِتَشْتَغِلَ النَّاسُ عَنْ الْخَوْضِ فِيهِ (وَيُعِدُّ لَهُمْ) ، أَيْ: لِلْجَيْشِ (الزَّادَ) ، لِأَنَّهُ بِهِ قَوَامُهُمْ، (وَيُحَدِّثُهُمْ بِأَسْبَابِ النَّصْرِ) ، فَيَقُولُ: أَنْتُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا، وَأَشَدُّ أَبْدَانًا، وَأَقْوَى قُلُوبًا وَنَحْوُهُ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لِلنُّفُوسِ عَلَى الْمُصَابَرَةِ، وَأَبْعَثُ لَهَا عَلَى الْقِتَالِ، (وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمْ الْعُرَفَاءَ) ، فَيَجْعَلُ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ مَنْ يَكُونُ كَالْمُقَدَّمِ عَلَيْهِمْ يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ، وَيَتَفَقَّدُهُمْ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَرَّفَ عَامَ خَيْبَرَ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ عَرِيفًا» ، وَوَرَدَ: الْعَرَافَةُ حَقٌّ " لِأَنَّ فِيهَا مَصْلَحَةَ النَّاسِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 «الْعُرَفَاءُ فِي النَّارِ» فَتَحْذِيرٌ لِلتَّعَرُّضِ لِلرِّيَاسَةِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُمْ بِأَمْرِهَا اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ. (وَيَعْقِدُ لَهُمْ الْأَلْوِيَةَ الْبِيضَ، وَهِيَ: الْعِصَابَةُ تُعْقَدُ عَلَى قَنَاةٍ وَنَحْوِهَا) ، قَالَ صَاحِبُ " الْمَطَالِعِ ": اللِّوَاءُ رَايَةٌ لَا يَحْمِلُهَا إلَّا صَاحِبُ جَيْشِ الْحَرْبِ، أَوْ صَاحِبُ دَعْوَةِ الْجَيْشِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوْدَاءَ، وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ مَكَّةَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَظَاهِرُ " الْمُقْنِعِ " وَصَرَّحَ فِي " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهَا تَكُونُ بِأَيِّ لَوْنٍ شَاءَ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ (وَ) يَعْقِدُ لَهُمْ (الرَّايَاتِ وَهِيَ: أَعْلَامٌ مُرَبَّعَةٌ وَيُغَايِرُ أَلْوَانَهَا، لِيَعْرِفَ كُلُّ قَوْمٍ رَايَتَهُمْ) ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَبَّاسِ حِينَ أَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ: احْبِسْهُ عَلَى الْوَادِي حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ فَيَرَاهَا، قَالَ: فَحَبَسْتُهُ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا» وَلِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إذَا نَزَلَتْ بِالنَّصْرِ نَزَلَتْ مُسَوَّمَةً بِهَا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. (وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعَوْنَ بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ) ، لِمَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ شِعَارُنَا أَمِتْ أَمِتْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا " هُمْ لَا يُنْصَرُونَ " وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا احْتَاجَ إلَى نُصْرَةِ صَاحِبِهِ، وَرُبَّمَا يَهْتَدِي بِهَا إذَا ضَلَّ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَلِئَلَّا يَقَعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. (وَيَتَخَيَّرُ) الْإِمَامُ أَوْ الْأَمِيرُ لَهُمْ (الْمَنَازِلَ) كَالْخِصْبَةِ، لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِهِمْ. (وَيَحْفَظُ مَكَامِنَهَا) جَمْعُ مَكْمَنٍ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَخْتَفِي فِيهِ الْعَدُوُّ (وَيَتَعَرَّفُ حَالَ الْعَدُوِّ بِبَعْثِ الْعُيُونِ) إلَيْهِ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُ، فَيَتَحَرَّزُ مِنْهُ، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْفُرْصَةِ فِيهِ. (وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنْ مُحَرَّمٍ) مِنْ فَسَادٍ وَمَعَاصٍ، (لِأَنَّهُ سَبَبُ الْخِذْلَانِ، وَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 يَمْنَعُهُمْ مِنْ (تَشَاغُلٍ بِتِجَارَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ قِتَالٍ، وَيُعِدُّ الصَّابِرَ) فِي الْقِتَالِ (بِأَجْرٍ وَنَفَلٍ) تَرْغِيبًا لَهُ فِيهِ. (وَيُشَاوِرُ ذَا رَأْيٍ وَدِينٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ النَّاسِ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ» وَيُسْتَحَبُّ لِلْأَمِيرِ حَمْلُ مَنْ أُصِيبَتْ فَرَسُهُ مِنْ الْجَيْشِ، وَلَا يَجِبُ نَصًّا، فَإِنْ خَافَ تَلَفَهُ، قَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ فَضْلِ مَرْكُوبِهِ لِيَجِيءَ بِهِ صَاحِبُهُ. (وَيُخْفِي مِنْ أَمَرَهُ مَا أَمْكَنَ إخْفَاؤُهُ) ، لِئَلَّا يَعْلَمَ عَدُوُّهُ بِهِ (وَإِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا) اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِأَنَّ «الْحَرْبَ خُدْعَةٌ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيث جَابِرٍ (وَيَصُفُّ جَيْشَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: 4] الْآيَةُ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَوِّي الصُّفُوفَ يَوْمَ بَدْرٍ» . وَلِأَنَّ فِيهِ رَبْطَ الْجَيْشِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَسَدًّا لِثُغُورِهِمْ فَيَصِيرُونَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ. (وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ جَنَبَةٍ كُفُوًا) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كُنْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ خَالِدًا عَلَى إحْدَى الْجَنَبَتَيْنِ، وَالزُّبَيْرَ عَلَى الْأُخْرَى، وَأَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى السَّاقَةِ» وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْحَرْبِ، وَأَبْلَغُ فِي إرْهَابِ الْعَدُوِّ. (وَلَا يَمِيلُ) الْأَمِيرُ (مَعَ قَرِيبِهِ وَذِي مَذْهَبِهِ فَتَنْكَسِرُ قُلُوبُ غَيْرِهِمْ) ، أَيْ: غَيْرِ الَّذِي مَالَ مَعَهُمْ (فَيَخْذُلُوهُ) عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْقُلُوبَ، وَيُشَتِّتُ الْكَلِمَةَ، (وَيُرَاعِي أَصْحَابَهُ، وَيَرْزُقُ كُلَّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ) وَحَاجَةِ مَنْ مَعَهُ. (وَيَجُوزُ أَنَّ يَجْعَلَ) الْأَمِيرُ (جَعْلًا مَعْلُومًا) مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، (وَيَجُوزُ) أَنْ يَجْعَلَ (مِنْ مَالِ كُفَّارٍ مَجْهُولًا لِمَنْ يَعْمَلُ مَا) ، أَيْ: شَيْئًا (فِيهِ غَنَاءُ) ، أَيْ: نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَنَقْبِ سُورٍ، أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 صُعُودِ حِصْنٍ، (أَوْ يَدُلُّ عَلَى طَرِيقٍ) سَهْلٍ، (أَوْ) عَلَى (قَلْعَةٍ) لِتُفْتَحَ، (أَوْ) عَلَى (مَاءِ) مَفَازَةٍ (وَنَحْوِهِ) كَدَلَالَةٍ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ، أَوْ عَدُوٍّ يُغِيرُونَ عَلَيْهِ، أَوْ ثُغْرَةٍ يَدْخُلُ مِنْهَا إلَيْهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدْ اسْتَأْجَرَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ مَنْ دَلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ» وَ «جَعَلَ لِلسَّرِيَّةِ الثُّلُثَ وَالرُّبْعَ مِمَّا غَنِمُوهُ» وَهُوَ مَجْهُولٌ، لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ كُلَّهَا مَجْهُولَةٌ، وَيَسْتَحِقُّهُ مَجْهُولٌ لَهُ بِفِعْلِ مَا جُوعِلَ عَلَيْهِ، (بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ) جَعْلُ مَجْهُولٍ مِنْ مَالِ كُفَّارٍ (ثُلُثَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعْلٌ أَكْثَرَ مِنْهُ (وَ) يَجُوزُ (أَنْ يُعْطِيَ) الْأَمِيرُ (ذَلِكَ بِلَا شَرْطٍ) لِمَنْ يَفْعَلُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُ تَرْغِيبٌ فِي الْجِهَادِ. (وَلَوْ جَعَلَ) الْأَمِيرُ (لَهُ) ، أَيْ: لِمَنْ يَفْعَلُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ (جَارِيَةً) مُعَيَّنَةً عَلَى فَتْحِ الْحِصْنِ (مِنْهُمْ) ، أَيْ: مِنْ الْكُفَّارِ بِالْحِصْنِ (فَمَاتَتْ) قَبْلَ فَتْحِ الْحِصْنِ، (فَلَا شَيْءَ لَهُ) ، لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا وَقَدْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا كَالْوَدِيعَةِ. (وَإِنْ أَسْلَمَتْ) الْجَارِيَةُ الَّتِي جُعِلَتْ لَهُ مِنْهُمْ (وَهِيَ أَمَةٌ أَخَذَهَا) إذَا كَانَ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْوَفَاءُ لَهُ بِشَرْطِهِ فَوَجَبَ، وَسَوَاءٌ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ (كَحُرَّةٍ) جُعِلَتْ لَهُ ف (أَسْلَمَتْ بَعْدَ فَتْحٍ) لِاسْتِرْقَاقِهَا بِالِاسْتِيلَاءِ فَلَمْ تُسْلِمْ إلَّا وَهِيَ أَمَةٌ، وَكَذَا حُكْمُ رَجُلٍ مِنْ الْحِصْنِ جُوعِلَ عَلَيْهِ، (إلَّا أَنْ يَكُون) الْمَجْعُولُ لَهُ الْجَارِيَةُ (كَافِرًا، ف) لَهُ (قِيمَتُهَا) إذَا أَسْلَمَتْ، لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ لِإِسْلَامِهَا (كَحُرَّةٍ) جُعِلَتْ لَهُ و (أَسْلَمَتْ قَبْلَ فَتْحٍ) لِأَنَّهَا عَصَمَتْ نَفْسَهَا بِإِسْلَامِهَا، فَتَعَذَّرَ رَدُّ فِعْلِهَا إلَيْهِ، فَاسْتَحَقَّتْ الْقِيمَةَ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لَهُ الْقِيمَةُ إذَا مَاتَتْ وَتَجِبُ إذَا أَسْلَمَتْ، لِإِمْكَانِ تَسْلِيمِهَا مَعَ الْإِسْلَامِ، لَكِنْ مَنَعَ مِنْهُ الشَّرْعُ بِخِلَافِ مَوْتِهَا. (وَإِنْ فُتِحَتْ) قَلْعَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 جُوعِلَ مِنْهَا بِجَارِيَةٍ مِنْهُمْ (صُلْحًا وَلَمْ يَشْتَرِطُوهَا) ، أَيْ: يَشْتَرِطْ الْمُسْلِمُونَ الْجَارِيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقَلْعَةِ (وَأَبَوْهَا) ، أَيْ: أَبَى أَهْلُ الْقَلْعَةِ الْجَارِيَةَ (وَأَبَى) مَجْعُولٌ لَهُ أَخْذُ (الْقِيمَةِ) عَنْهَا (فُسِخَ) الصُّلْحُ لِتَعَذُّرِ، إمْضَائِهِ لِسَبْقِ حَقِّ صَاحِبِ الْجَعْلِ، وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّلْحِ، وَلِأَهْلِ الْقَلْعَةِ تَحْصِينُهَا كَمَا كَانَتْ بِلَا زِيَادَةٍ، وَإِنْ بَذَلُوهَا مَجَّانًا لَزِمَ أَخْذُهَا وَدَفْعُهَا إلَيْهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": غَيْرُ حُرَّةِ الْأَصْلِ وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا (وَلِأَمِيرٍ فِي بُدَاءَةِ) دُخُولِهِ دَارَ حَرْبٍ (أَنْ يَنْفُلَ) ، أَيْ: يَزِيدَ عَلَى السَّهْمِ الْمُسْتَحَقِّ (الرُّبْعَ فَأَقَلَّ بَعْدَ الْخُمُسِ وَ) لَهُ أَنْ يَنْفُلَ (فِي رَجْعَةٍ) ، أَيْ: رُجُوعٍ مِنْ دَارِ حَرْبٍ (الثُّلُثَ فَأَقَلَّ بَعْدَهُ) ، أَيْ: الْخُمُسِ، (وَ) بَيَانُ (ذَلِكَ) أَنَّهُ (إذَا دَخَلَ) أَمِيرٌ دَارَ حَرْبٍ (بَعَثَ سَرِيَّةً تُغِيرُ) عَلَى الْعَدُوِّ، (وَإِذَا رَجَعَ) مِنْهَا (بَعَثَ) سَرِيَّةً (أُخْرَى) تُغِيرُ (فَمَا أَتَتْ بِهِ) كُلُّ سَرِيَّةٍ (أَخْرَجَ خُمُسَهُ، وَأَعْطَى السَّرِيَّةَ مَا وَجَبَ لَهَا بِجَعْلِهِ، وَقَسَّمَ الْبَاقِي) بَعْدَ الْخُمُسِ (فِي الْكُلِّ) ، أَيْ: الْجَيْشِ وَسَرَايَاهُ، لِحَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ سَلَمَةَ الْفِهْرِيِّ، قَالَ: «شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَلَ الرُّبْعَ فِي الْمَبْدَأَةِ وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ» وَفِي لَفْظٍ: «كَانَ يَنْفُلُ الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمْسِ، وَالثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمْسِ، إذْ أَقْفَلَ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد، وَلِلتِّرْمِذِيِّ مَعْنَاهُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَزِيدَ فِي الرَّجْعَةِ عَلَى الْبُدَاءَةِ لِمَشَقَّتِهَا، لِأَنَّ الْجَيْشَ فِي الْبُدَاءَةِ رَدْءٌ عَنْ السَّرِيَّةِ، وَفِي الرَّجْعَةِ مُنْصَرِفٌ عَنْهَا، وَالْعَدُوُّ مُسْتَيْقِظٌ، وَلِأَنَّهُمْ مُشْتَاقُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَشَقَّةً، وَلَا يَعْدِلُ شَيْءٌ عِنْدَ أَحْمَدَ الْخُرُوجَ فِي السَّرِيَّةِ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامِ، لِأَنَّهُ أَنْكَى لِلْعَدُوِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 [فَصْلٌ يَلْزَمُ الْجَيْشُ الصَّبْرَ مَعَ الْأَمِيرِ] (فَصْلٌ) (وَيَلْزَمُ الْجَيْشُ الصَّبْرَ) مَعَ الْأَمِيرِ (وَالنُّصْحَ وَالطَّاعَةَ) لِلْأَمِيرِ فِي رَأْيِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَلِحَدِيثِ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي» رَوَاهُ النَّسَائِيّ (فَلَوْ أَمَرَهُمْ) الْأَمِيرُ (بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً وَقْتَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ فَأَبَوْا، عَصُوا) قَالَ الْآجُرِّيُّ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلَوْ قَالَ: سِيرُوا وَقْتَ كَذَا دَفَعُوا مَعَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَ) نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: (لَا يُخَالِفُونَهُ يَتَشَعَّبُ أَمْرُهُمْ، فَلَا خَيْرَ مَعَ الْخِلَافِ، وَلَا شَرَّ مَعَ الِائْتِلَافِ) قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْخِلَافُ شَرٌّ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، (وَيَرْضُوَن بِقِسْمَتِهِ الْغَنِيمَةَ وَ) ب (تَعْدِيلِهِ لَهَا) وُجُوبًا، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ طَاعَتِهِ. (وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ صَوَابٌ عَرَفُوهُ وَنَصَحُوهُ) ، لِحَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» (وَحَرُمَ) عَلَى الْجَيْشِ (بِلَا إذْنِهِ) ، أَيْ: الْأَمِيرِ (حَدَثٌ) أَيْ: إحْدَاثُ (شَيْءٍ كَاعْتِلَافٍ وَاحْتِطَابٍ وَانْفِرَادٍ) عَنْ عَسْكَرٍ (وَتَعْجِيلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62] وَلِأَنَّ الْأَمِيرَ أَعْرَفُ بِحَالِ النَّاسِ، وَحَالِ الْعَدُوِّ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِمَوْضِعِ عَلِمَهُ مَخُوفًا، لِأَنَّهُ خِيَانَةٌ لَهُمْ، فَإِنْ احْتَاجَ أَحَدُهُمْ إلَى الْخُرُوجِ بَعَثَ مَعَهُ مَنْ يَحْرُسُهُ. (وَكَذَا) لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ (بِرَازٌ) بِلَا إذْنِ الْأَمِيرِ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِفُرْسَانِهِ وَفُرْسَانِ عَدُوِّهِ، وَقَدْ يَبْرُزُ الْإِنْسَانُ لِمَنْ لَا يُطِيقُهُ، فَيُعَرِّضُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ، فَتَنْكَسِرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ، (وَ) الْبِرَازُ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُ الْإِمَامِ (هُوَ أَنْ يَبْرُزَ رَجُلٌ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَبْلَ الْتِحَامِ) الْحَرْبِ (يَدْعُو لِلْبِرَازِ) - بِكَسْرِ الْبَاءِ -: عِبَارَةٌ عَنْ مُبَارَزَةِ الْعَدُوِّ، وَبِفَتْحِهَا: اسْمٌ لِلْفَضَاءِ الْوَاسِعِ، بِخِلَافِ الِانْغِمَاسِ فِي الْكُفَّارِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنٍ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ الشَّهَادَةَ، وَلَا يُتَرَقَّبُ مِنْهُ ظَفَرٌ وَلَا مُقَاوَمَةٌ (وَسُنَّ لِمُسْلِمٍ شُجَاعٍ طَلَبُهُ) ، أَيْ: الْبِرَازُ (ابْتِدَاءً) ، أَيْ: قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهُ كَافِرٌ، قَالَهُ فِي " الْبُلْغَةِ، فَقَطْ، وَأَمَّا عَامَّةُ أَصْحَابِنَا فَقَالُوا: إنَّهُ يُبَاحُ، (فَلَوْ طَلَبَهُ) ، أَيْ: الْبِرَازَ (عَدُوٌّ، سُنَّ لِمَنْ يَعْلَمُ) مِنْ نَفْسِهِ (أَنَّهُ كُفْؤُهُ بِرَازُهُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ) ، لِفِعْلِ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرِهِمْ وَبَارَزَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ مَرْزُبَانَ الدَّارَةِ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ، فَبَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْقُوَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَجَلَدِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ الْمُكَافَأَةَ لِطَالِبِ الْبِرَازِ كُرِهَتْ إجَابَتُهُ، لِئَلَّا يُقْتَلَ فَتَنْكَسِرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ، (فَإِنْ شَرَطَ) كَافِرٌ طَلَبَ الْبِرَازِ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ خَصْمٍ، لَزِمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» (أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ) جَارِيَةً (أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ خَصْمِهِ، لَزِمَ) ذَلِكَ، لِجَرَيَانِهَا مَجْرَى الشَّرْطِ، (فَإِنْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ) الْمُجِيبُ لِطَالِبِ الْبِرَازِ أَوْ الدَّاعِي إلَيْهِ (أَوْ أُثْخِنَ) بِجِرَاحٍ، (فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ الدَّفْعُ) عَنْهُ، (وَالرَّمْيُ) لِلْكَافِرِ الْمُبَارِزِ لِانْقِضَاءِ قِتَالِ الْمُسْلِمِ مَعَهُ، وَالْأَمَانُ إنَّمَا كَانَ حَالَ الْبِرَازِ، وَقَدْ زَالَ وَأَعَانَ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ عَلَى قَتْلِ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ حِينَ أَثْخَنَ عُبَيْدَةَ، وَإِنْ أَعَانَ الْكُفَّارُ صَاحِبَهُمْ، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ عَوْنُ صَاحِبِهِمْ، وَقِتَالُ مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ دُونَ الْمُبَارِزِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ سَبَبٌ مِنْ جِهَتِهِ، فَإِنْ اسْتَنْجَدَهُمْ، أَوْ عُلِمَ مِنْهُ الرِّضَى بِفِعْلِهِمْ انْتَقَضَ أَمَانُهُ، وَجَازَ قَتْلُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 (وَتَجُوزُ خُدَعَةٌ) ، بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالدَّالِ، وَهِيَ: الِاسْمُ مِنْ الْخِدَاعِ، أَيْ: إرَادَةُ الْمَكْرِ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ كَالْخَدِيعَةِ (فِي الْحَرْبِ لِمُبَارِزٍ وَغَيْرِهِ) ، لِحَدِيثِ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» وَرُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ لَمَّا بَارَزَ عَلِيًّا قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا بَرَزْت لِأُقَاتِلَ اثْنَيْنِ، فَالْتَفَتَ عَمْرٌو فَوَثَبَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ، فَضَرَبَهُ، فَقَالَ عَمْرٌو: خَدَعْتنِي، فَقَالَ: الْحَرْبُ خُدْعَةٌ. (وَ) يَجُوزُ (قَتْلُهُ) ، أَيْ: الْكَافِرِ (قَبْلَ مُبَارَزَةٍ) ، لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا عَهْدَ لَهُ، وَلَا أَمَانَ فَأُبِيحَ قَتْلُهُ كَغَيْرِهِ، (إلَّا إنْ جَرَتْ عَادَةٌ) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ (أَنَّ مَنْ خَرَجَ لِلْبِرَازِ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ، فَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الشَّرْطِ) ، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، (وَإِذَا قَتَلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا أَوْ أَثْخَنَهُ) ، فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمَقْتُولِ (فَلَهُ سَلَبُهُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ، وَيَأْتِي، سَوَاءٌ قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، أَوْ لَمْ يَقُلْ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ (وَلَوْ شَرَطَ) السَّلَبَ (لِغَيْرِهِ) ، أَيْ: الْقَاتِلِ، لِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ، (وَكَذَا مَنْ غَرَّرَ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ قَدِمَ عَلَى مُبَارَزَةِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ حَالَ الْحَرْبِ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ذَفَفَ عَلَى أَبِي جَهْلٍ، «وَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ» ، لِأَنَّهُ أَثْبَتُهُ قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": ذَفَفَ: أَجْهَزَ، وَمَعْنَاهُ: أَثْبَتَ قَتْلَهُ وَأَسْرَعَهُ وَتَمَّمَ عَلَيْهِ. (وَلَوْ) كَانَ الْمُغَرِّرُ بِنَفْسِهِ (عَبْدًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ) كَانَ (امْرَأَةً أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا بِإِذْنِ) إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ، لِحَدِيثِ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ، لِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَلَمْ يُخَمِّسْ السَّلَبَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (لَا مُخْذِلًا وَمُرْجِفًا وَكُلَّ عَاصٍ) كَرَامٍ بَيْنَنَا بِفِتَنٍ، فَلَا يَسْتَحِقُّونَ السَّلَبَ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ (بِشَرْطِ كَوْنِ كَافِرٍ مُمْتَنِعًا) أَيْ: مُتَيَقِّظًا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَهُ سَلَبُهُ (لَا) إنْ قَتَلَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 (مُشْتَغِلًا بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ) كَنَائِمٍ (أَوْ مُنْهَزِمًا) ، فَلَا يُسْتَحَقُّ سَلَبُهُ بَعْدَ التَّغْرِيرِ بِنَفْسِهِ، أَشْبَهَ قَتْلَ شَيْخٍ فَانٍ، وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ، هَذَا إذَا كَانَ مُنْهَزِمًا مَعَ الْكُفَّارِ فِي حَالِ انْهِزَامِهِمْ كُلِّهِمْ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً، فَانْهَزَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مُتَحَيِّزًا، فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (غَيْرَ مُتَحَيِّزٍ) إلَى فِئَةٍ (أَوْ مُتَحَرِّفٍ) لِقِتَالٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْبُلْغَةِ " " وَالتَّرْغِيبِ " (وَكَذَا لَوْ قَطَعَ) مُسْلِمٌ مِنْ أَهْلِ جِهَادٍ (أَرْبَعَتَهُ) ، أَيْ: يَدَيْ الْكَافِرِ وَرِجْلَيْهِ، فَلَهُ سَلَبُهُ، وَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ لِقِصَّةِ أَبِي جَهْلٍ. (وَإِنْ قَطَعَ) مُسْلِمٌ (يَدَهُ) ، أَيْ: الْكَافِرِ (وَرِجْلَهُ، وَقَتَلَهُ آخَرُ) ، فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ، لِعَدَمِ الِانْفِرَادِ بِقَتْلِهِ مُغَرِّرًا بِنَفْسِهِ، (أَوْ أَسَرَهُ) إنْسَانٌ (فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ) ، فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ، (أَوْ قَتَلَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ) اشْتَرَكُوا فِيهِ، فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ، (أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ مِنْ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَهُ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَالسَّلَبُ: مَا عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْكَافِرِ الْمَقْتُولِ (مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ وَسِلَاحٍ، وَدَابَّتِهِ الَّتِي قَاتَلَ عَلَيْهَا وَمَا عَلَيْهَا) مِنْ آلَتِهَا، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا، وَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي الْحَرْبِ، فَأَشْبَهَ السِّلَاحَ، وَلَوْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ صَرَعَهُ عَنْهَا، وَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ، (فَدَخَلَ) فِي السَّلَبِ (دِرْعٌ وَمِغْفَرُ وَبَيْضَتُهُ وَتَاجُ وَمِنْطَقَةُ) وَلَوْ مُذَهَّبَةً، (وَأَسْوِرَةُ وران وَخُفُّ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِلْيَةٍ وَسَيْفٍ وَرُمْحٍ وَلَتٍّ وَقَوْسٍ وَنُشَّابٍ) ، لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي حَرْبِهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ مِنْ الثِّيَابِ، (فَأَمَّا نَفَقَتُهُ) ، أَيْ: الْمَقْتُولِ، (وَرَحْلُهُ وَخَيْمَتُهُ وَجَنِيبُهُ) أَيْ: الدَّابَّةُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ رَاكِبَهَا حَالَ الْقِتَالِ، (ف) هُوَ (غَنِيمَةٌ) ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَلَبِهِ. . (وَيَجُوزُ سَلَبُ الْقَتْلَى وَتَرْكُهُمْ عُرَاةً) ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتِيلِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ: «لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ» (وَكُرِهَ تَلَثُّمٌ فِي قِتَالٍ عَلَى أَنْفٍ) نَصًّا، (لَا لِبْسُ عَلَامَةٍ) يُعْرَفُ بِهَا (كَرِيشِ نَعَامٍ) ، بَلْ يُبَاحُ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ شُجَاعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 [فَصْلٌ يَحْرُمُ غَزْوٌ بِلَا إذْنِ الْأَمِيرِ] (فَصْلٌ) (وَيَحْرُمُ غَزْوٌ بِلَا إذْنِ الْأَمِيرِ) ، لِرُجُوعِ أَمْرِ الْحَرْبِ إلَيْهِ، لِعِلْمِهِ بِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِ وَمَكَامِنِهِ وَكَيْدِهِ، (إلَّا أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ) مِنْ الْكُفَّارِ (يَخَافُونَ طَلَبَهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ، أَيْ: شَرَّهُ وَأَذَاهُ، فَيَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِلَا إذْنِهِ، لِتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ ، وَلِذَلِكَ، «لَمَّا أَغَارَ الْكُفَّارُ عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَادَفَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ خَارِجًا عَنْ الْمَدِينَةِ تَبِعَهُمْ، فَقَاتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، فَمَدَحَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: خَيْرُ رِجَالِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، وَأَعْطَاهُ سَهْمَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ» (أَوْ) عَرَضَتْ لَهُمْ (فُرْصَةٌ يَخَافُونَ فَوْتَهَا) بِتَرْكِ الِاسْتِئْذَانِ، (فَإِنْ دَخَلَ قَوْمٌ) ذُو مَنَعَةٍ أَوَّلًا، (أَوْ دَخَلَ وَاحِدٌ وَلَوْ عَبْدًا دَارَ حَرْبٍ بِلَا إذْنِ) إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ، (فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٌ، لِعِصْيَانِهِمْ) بِالِافْتِئَاتِ عَلَى الْإِمَامِ، لِطَلَبِ الْغَنِيمَةِ، فَنَاسَبَ حِرْمَانَهُمْ. (وَإِنْ بَعَثَ إمَامٌ جَيْشًا) أَوْ سَرِيَّةً (وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا، فَقُتِلَ) الْأَمِيرُ (أَوْ مَاتَ، فَلِلْجَيْشِ أَنْ يُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) «كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَيْشِ مُؤْتَةَ لَمَّا قُتِلَ أُمَرَاؤُهُمْ أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضِيَ أَمْرَهُمْ، وَصَوَّبَ رَأْيَهُمْ، وَسَمَّى خَالِدًا يَوْمَئِذٍ سَيْفَ اللَّهِ» (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْإِمَارَةُ دَافَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ) ، وَأَظْهَرُوا التَّجَلُّدَ وُجُوبًا، لِئَلَّا يَطْمَعَ بِهِمْ الْعَدُوُّ. (وَلَا يُقِيمُوا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ بِلَا أَمِيرٍ وَلَا يُؤَخَّرُ جِهَادٌ، لِعَدَمِ إمَامٍ) ، لِئَلَّا يَسْتَوْلِيَ الْعَدُوُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَتَظْهَرَ كَلِمَةُ الْكُفْرِ. (فَإِنْ حَصَلَتْ غَنِيمَةٌ قَسَمُوهَا عَلَى مُوجِبِ الشَّرْعِ) ، كَمَا يُقَسِّمُهَا الْإِمَامُ عَلَى مَا يَأْتِي (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى: (وَتُؤَخَّرُ قِسْمَةُ الْإِمَاءِ حَتَّى يَقُومَ إمَامٌ) ، فَيُقَسِّمُهَا (احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ، وَمَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 أَخَذَ) مِنْ الْجَيْشِ أَوْ أَتْبَاعِهِ (مِنْ دَارِ حَرْبٍ رِكَازًا أَوْ مُبَاحًا لَهُ قِيمَةٌ) فِي مَكَانِهِ (ف) هُوَ (غَنِيمَةٌ) ، لِحَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي جَوَيْرِيَةَ الْجَرْمِيِّ، قَالَ: «لَقِيت بِأَرْضِ الرُّومِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فِي إمْرَةِ مُعَاوِيَةَ، وَعَلَيْنَا مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْطَانِي مِثْلَ مَا أَعْطَى رَجُلًا مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا نَفَلَ إلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ، لَأَعْطَيْتُك، ثُمَّ أَخَذَ يَعْرِضُ عَلَيَّ مِنْ نَصِيبِهِ فَأَبَيْت» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَتُهُ هُنَاكَ كَالْأَقْلَامِ وَالْمِسَنِّ، فَلِآخِذِهِ، وَلَوْ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ بِنَقْلِهِ وَمُعَالَجَتِهِ. (وَ) مَنْ أَخَذَ (طَعَامًا وَلَوْ سُكَّرًا وَنَحْوَهُ) كَحَلْوَى وَمَعَاجِينَ، (أَوْ) أَخَذَ (عَلَفًا وَلَوْ بِلَا إذْنِ) أَمِيرٍ، (وَ) لَا (حَاجَةَ، فَلَهُ أَكْلُهُ، وَلَهُ إطْعَامُ سَبِيٍّ اشْتَرَاهُ وَنَحْوُهُ) كَعَبْدِهِ وَغُلَامِهِ، (وَ) لَهُ (عَلَفُ دَابَّتِهِ وَلَوْ) كَانَتْ (لِتِجَارَةٍ) ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُد وَلِسَعِيدٍ: أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ إنَّا أَصَبْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْغَلَّةِ، وَكَرِهْت أَنْ أَتَقَدَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ: دَعْ النَّاسَ يَعْلِفُونَ وَيَأْكُلُونَ، فَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَفِيهِ خُمُسُ اللَّهِ، وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ و (لَا) يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْلِفَ مِنْهُ دَابَّةً (لِصَيْدٍ كَفَهْدٍ وَجَارِحٍ) ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَيَرُدُّ فَاضِلًا) مِنْ طَعَامٍ وَعَلَفٍ، (وَلَوْ) كَانَ (يَسِيرًا) ، لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ، (وَ) يَرُدُّ (ثَمَنَ مَا بَاعَ) مِنْ طَعَامٍ وَعَلَفٍ لِلْخَبَرِ، (وَيَجُوزُ قِتَالٌ بِسِلَاحٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَيَرُدُّهُ) مَعَ حَاجَةٍ وَعَدَمِهَا، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: انْتَهَيْت إلَى أَبِي جَهْلٍ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَلِعِظَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. و (لَا) يَجُوزُ الْقِتَالُ (عَلَى فَرَسٍ) أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْغَنِيمَةِ، (وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 لِبْسُ ثَوْبٍ مِنْهَا) ، لِحَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ؛ وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ عُرْضَةٌ لِلْعَطَبِ غَالِبًا، وَقِيمَتُهَا كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ السِّلَاحِ (وَلَا) يَجُوزُ لِأَحَدٍ (أَخْذُ شَيْءٍ مُطْلَقًا) مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي دَارِ إسْلَامٍ أَوْ حَرْبٍ (مِمَّا أُحْرِزَ) مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ الْأَخْذُ قَبْلَ جَمْعِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدُ، فَأَشْبَهَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ نَحْوِ حَشِيشٍ وَحَطَبٍ فَإِذَا جُمِعَ ثَبَتَ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُ شَيْءٍ (وَكَّلَ بِهِ إمَامٌ مَنْ يَحْفَظُهُ) ، لِأَنَّهُ صَارَ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَتَمَّ مِلْكُهُمْ عَلَيْهِ بِحِيَازَةِ مَنْ وَكَّلَهُ الْإِمَامُ. (وَلَا) تَجُوزُ (التَّضْحِيَةُ بِشَيْءٍ) يَجِبُ (فِيهِ الْخُمْسُ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ، (أَوْ) ، أَيْ: لَا يَجُوزُ (غَسْلُ ثَوْبٍ بِصَابُونٍ) ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ، فَإِنْ فَعَلَ رَدَّ قِيمَتَهُ فِي الْمَغْنَمِ، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يَجُوزُ (اتِّخَاذُ نَعْلٍ وَنَحْوِهِ) كَجِرَبِ (مِنْ جُلُودِ) الدَّوَابِّ الْمَغْنُومَةِ، وَلَا خُيُوطٍ وَحِبَالٍ بَلْ يُرَدُّ فِي الْمَغْنَمِ، (وَلَهُ) ، أَيْ: الْمُسْلِمِ (لِحَاجَةِ دَهْنِ بَدَنِهِ وَدَابَّتِهِ) بِدُهْنٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ (وَ) لَهُ (شُرْبُ شَرَابٍ كَجُلَّابٍ وسكنجبيل) لِحَاجَةٍ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الطَّعَامِ. (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْفَاضِلُ) مِمَّا أَخَذَهُ (لَهُ) ، لِأَنَّهُ أُعْطِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَنَةِ وَالنَّفَقَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِجَارَةِ، كَمَا لَوْ وَصَّى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ بِأَلْفٍ، (وَإِلَّا) يَكُنْ أَخْذُهُ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْفَاضِلُ يُصْرَفُ (فِي الْغَزْوِ) ، لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الْجَمِيعَ لِيَصْرِفَهُ فِي جِهَةِ قُرْبَةٍ، فَلَزِمَ إنْفَاقُهُ فِيهَا، كَوَصِيَّةِ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ، وَلَا يَتْرُكُ لِأَهْلِهِ شَيْئًا مِمَّا أُعْطِيهِ لِيَسْتَعِينَ بِهِ فِي الْغَزْوِ حَتَّى يَصِيرَ إلَى رَأْسِ مَغْزَاهُ، فَيَبْعَثَ إلَى عِيَالِهِ مِنْهُ. (وَإِنْ أَخَذَ دَابَّةً غَيْرَ عَارِيَّةٍ وَ) لَا (حَبِيسٍ لِغَزْوِهِ عَلَيْهَا مَلَكَهَا بِهِ) ، أَيْ: بِالْغَزْوِ عَلَيْهَا، لِحَدِيثِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 عُمَرَ: «حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَوْلَا أَنَّهُ مَلَكَهُ مَا بَاعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَأْخُذُهُ مِنْ عُمَرَ فَيُقِيمُهُ لِلْبَيْعِ، فِي الْحَالِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَقَامَهُ لِلْبَيْعِ بَعْدَ غَزْوِهِ عَلَيْهِ، أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، فَإِنْ لَمْ يَغْزُ رَدَّهَا وَمَعْنَى أَضَاعَهُ: أَهْزَلَهُ. (وَمِثْلُهَا) : الدَّابَّةُ (سِلَاحٌ وَتُرْسٌ وَنَفَقَةٌ) أُعْطِيَ ذَلِكَ لِيَغْزُوَ بِهِ، (فَيَمْلِكُ أَخْذَهُ) بِالْغَزْوِ، فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ الْغَزْوِ لِغَيْرِ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ، فَلَا بَأْسَ. (وَلَا تُرْكَبُ دَوَابُّ السَّبِيلِ فِي حَاجَةِ) نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا لَمْ تُسْبَلْ لِذَلِكَ، (بَلْ) تُرْكَبُ وَتُسْتَعْمَلُ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) تَعَالَى لِأَنَّهَا سُبِّلَتْ لِذَلِكَ، أَوْ تُرْكَبُ لِعَلَفِهَا وَسَقْيِهَا؛ لِأَنَّهُ لِحَاجَتِهَا، (وَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ) مُسْتَوْفَى وَسَهْمُ الْفَرَسِ الْحَبِيسِ كَمَنْ غَزَا عَلَيْهِ يُعْطِي مِنْهُ نَفَقَتَهُ وَالْبَاقِي لَهُ. [بَابُ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ] (بَابُ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ) يُقَالُ: غَنِمَ فُلَانٌ الْغَنِيمَةَ يَغْنَمُهَا، وَاشْتِقَاقُهُمَا مِنْ الْغُنْمِ، وَأَصْلُهُ: الرِّبْحُ وَالْفَضْلُ، وَالْمَغْنَمُ مُرَادِفٌ لِلْغَنِيمَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] وَقَدْ اُشْتُهِرَ وَصَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ الْغَنَائِمَ وَكَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 الْآيَةَ، ثُمَّ صَارَتْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ، وَخُمُسُهَا لِغَيْرِهِمْ، (وَخُصَّتْ بِهَا) ، أَيْ: الْغَنِيمَةِ، (هَذِهِ الْأُمَّةُ) دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأُمَمِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ غَيْرَكُمْ، كَانَتْ تَنْزِلُ نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ تَأْكُلُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَهِيَ) ، أَيْ: الْغَنِيمَةُ: (مَا أُخِذَ مِنْ مَالٍ حَرْبِيٍّ) خَرَجَ بِهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ جِزْيَةٍ أَوْ خَرَاجٍ وَنَحْوِهِ (قَهْرًا بِقِتَالٍ) خَرَجَ بِهِ مَا جَلَوْا، (وَتَرَكُوهُ) فَزَعًا وَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ الْعُشْرِ إذَا اتَّجَرُوا إلَيْنَا وَنَحْوُهُ. (وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِمَّا أُخِذَ) مِنْ (فِدْيَةِ) أَسْرَى (أَوْ هَدِيَّةٍ لِلْأَمِيرِ أَوْ بَعْضِ قُوَّادِهِ بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ) الْغَانِمِينَ (بِدَارِ حَرْبٍ وَ) ، أَمَّا الْحَاصِلُ لِلْأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْهَدَايَا (بِدَارِنَا) فَهُوَ (لِمُهْدَى لَهُ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَيَمْلِكُ أَهْلُ حَرْبِ مَا لَنَا بِقَهْرٍ) حَتَّى عَبْدَ مُسْلِمٍ، لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمُسْلِمُ مَالَ الْكَافِرِ، فَكَذَا عَكْسُهُ، كَالْبَيْعِ، وَكَمَا يَمْلِكُ بَعْضُهُمْ مَالَ بَعْضٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصَّوَابُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ (مِلْكًا مُقَيَّدًا لَا يُسَاوِي أَمْلَاك الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ انْتَهَى) لِأَنَّ مَالَ الْمُسْلِمِ إذَا أَدْرَكَهُ يَأْخُذُهُ إمَّا مَجَّانًا أَوْ بِالثَّمَنِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي، فَيَمْلِكُ أَهْلُ حَرْبٍ مَا أَخَذُوهُ مِنَّا قَهْرًا، (وَلَوْ اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَهُ) ، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " (أَوْ) ، أَيْ: وَيَمْلِكُونَ مَا (شَرَدَ) إلَيْهِمْ مِنْ دَوَابِّنَا (أَوْ أَبَقَ) إلَيْهِمْ مِنْ رَقِيقِنَا (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ الْآبِقُ (قِنًّا مُسْلِمًا) ، فَيَمْلِكُونَهُ، لِأَنَّهُ مَالٌ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْقَوَاعِدِ "، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَتَذْكِرَةِ " ابْنِ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " " وَالْمُحَرَّرِ " وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 (أَوْ أَلْقَتْهُ رِيحٌ إلَيْهِمْ) مِنْ سُفُنِنَا، (أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) لِمُسْلِمٍ وَمُكَاتَبٍ، لِأَنَّهُمَا يُضَمَّنَانِ إلَيْهِمْ مِنْ سُفُنِنَا، (أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) لِمُسْلِمٍ وَمُكَاتَبٍ، لِأَنَّهُمَا يُضَمَّنَانِ بِقِيمَتِهِمَا عَلَى مُتْلِفِهِمَا، فَمَلَكُوهُ كَالْقِنِّ، (وَ) مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى مِلْكِهِمْ مَالَ الْمُسْلِمِ بِأَخْذِهِ أَنَّهُ (يَنْفَسِخُ بِهِ) ، أَيْ: بِاسْتِيلَاءِ أَهْلِ حَرْبٍ (نِكَاحُ أَمَةٍ) مُزَوَّجَةٍ اسْتَوْلُوا عَلَيْهَا وَحْدَهَا لِمِلْكِهِمْ رَقَبَتَهَا وَمَنَافِعَهَا، وَكَنِكَاحِ كَافِرَةٍ سُبِيَتْ وَحْدَهَا. (وَ) مِنْهُ (لَوْ بَقِيَ مَالُ مُسْلِمٍ مَعَهُمْ) ، أَيْ: الْحَرْبِيِّينَ حَوْلًا (أَوْ أَحْوَالًا، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) ، لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُسْلِمِ ، (أَوْ كَانَ) مَا أَخَذُوهُ (عَبْدًا) أَوْ أَمَةً، (فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يُعْتَقْ) ، لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا لَا يَمْلِكُهُ، (أَوْ كَانَتْ) الْمَأْخُوذَةُ (أَمَةً) وَطِئَهَا سَيِّدُهَا، فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْكُفَّارُ، (فَلَهُ) ، أَيْ: سَيِّدِهَا (وَطْءُ) أُخْتٍ لَهَا (بَاقِيَةٍ) فِي مِلْكِهِ، لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْمَأْخُوذَةِ (أَوْ أَسْلَمَ مَنْ) ، أَيْ: حَرْبِيٌّ (بِيَدِهِ) مَالٌ لِمُسْلِمٍ، فَهُوَ لَهُ نَصًّا، لِحَدِيثِ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» ، قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَإِذَا أَسْلَمُوا وَفِي أَيْدِيهِمْ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ فَهِيَ لَهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: لَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اخْتِلَافٌ فِي ذَلِكَ. (أَوْ جَاءَنَا) حَرْبِيٌّ (بِأَمَانٍ) وَفِي يَدِهِ مَالُ مُسْلِمٍ قَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ قَهْرًا، (فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ) وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ بِسَبَبِهِ، لِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ، (وَلَا يَمْلِكُونَ) حَبِيسًا وَلَا (وَقْفًا) ، عَبْدًا كَانَ أَوْ دَابَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بِاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ. (وَلَا يَضْمَنُ) أَهْلُ حَرْبٍ (مَا) أَتْلَفُوهُ مِمَّا (اسْتَوْلُوا عَلَيْهِ) مِنْ أَمْوَالِنَا (مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ وَقْفًا أَوْ مِلْكًا بِالْإِجْمَاعِ، (وَيُعْمَلُ) بِوَسْمٍ عَلَى حَبِيسٍ، لِقُوَّةِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، كَمَا يُعْمَلُ (بِقَوْلِ مَأْسُورٍ) اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْآنَ (هُوَ مِلْكُ فُلَانٍ وَيُرَدُّ لَهُ) إذَا عَرَفَهُ وَلَا يُقْسَمُ نَصًّا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 وَكَذَا أُصِيبَ مَرْكَبٌ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فِيهَا نَوَاتِيَّةٌ، وَقَالُوا: هَذَا لِفُلَانٍ، وَهَذَا لِفُلَانٍ، قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا قَدْ عُرِفَ صَاحِبُهُ لَا يُقْسَمُ (وَلَا) يَمْلِكُونَ (حُرًّا وَلَوْ ذِمِّيًّا) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْقِيمَةِ، وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ بِحَالٍ، فَإِذَا قَدَرَ الْمُسْلِمُونَ بَعْد ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَجَبَ رَدُّهُمْ إلَى ذِمَّتِهِمْ، وَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُمْ، لِأَنَّ ذِمَّتَهُمْ بَاقِيَةٌ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ مَا يُوجِبُ نَقْضَهَا (وَيَلْزَمُ فِدَاؤُهُ) ، أَيْ: الذِّمِّيِّ مِنْ أَهْلِ حَرْبٍ اسْتَوْلُوا عَلَيْهِ، (ك) مَا يَلْزَمُ فِدَاءُ (مُسْلِمٍ وَلَا) يَجُوزُ (فِدَاءُ) أَسِيرٍ (بِخَيْلٍ وَلَا سِلَاحٍ) ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، (وَلَا) فِدَاءُ (بِمُكَاتَبٍ وَ) لَا (أُمِّ وَلَدٍ) وَلَوْ كَافِرَيْنِ، لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا. (وَلِمُشْتَرٍ أَسِيرًا) مِنْ كَافِرٍ (رُجُوعٌ) عَلَى الْأَسِيرِ (بِثَمَنِهِ بِنِيَّةٍ) ، أَيْ: نِيَّةِ رُجُوعٍ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ: أَيُّمَا رَجُلٍ أَصَابَ رَقِيقَهُ وَمَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ فِي أَيْدِي التُّجَّارِ بَعْدَ مَا انْقَسَمَ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَأَيُّمَا حُرٍّ اشْتَرَاهُ التُّجَّارُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ إلَيْهِمْ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ، فَإِنَّ الْحُرَّ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُشْتَرَى، وَلِأَنَّ الْأَسِيرَ يَلْزَمُهُ فِدَاءُ نَفْسِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ حُكْمِ الْكُفَّارِ، فَإِذَا نَابَ عَنْهُ غَيْرُهُ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ عَنْهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ (فَيُقْبَلُ قَوْلُ أَسِيرٍ فِي قَدْرِهِ) ، لِأَنَّهُ غَارِمٌ مُنْكِرٌ لِلزَّائِدِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ (وَإِنْ أُخِذَ مِنْهُمْ) ، أَيْ: أَهْلِ حَرْبٍ (مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ) مَالُ (مُعَاهِدٍ) ذِمِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِ اسْتَوْلُوا عَلَيْهِ (مَجَّانًا) ، أَيْ: بِلَا عِوَضٍ، (وَلَوْ بِسَرِقَةٍ) وَعُرِفَ رَبُّهُ، (فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ) إنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ قِسْمَةٍ (مَجَّانًا) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ عَبْدًا لَهُ أَبَقَ إلَى الْعَدُوِّ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ابْنِ عُمَرَ» وَعَنْهُ قَالَ: «ذَهَبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 فَرَسٌ لَهُ فَأَخَذَهَا الْعَدُوُّ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَلِقَوْلِ عُمَرَ: مَنْ وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يُقْسَمْ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ. (وَلَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِرَبِّهِ) وَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، لِأَنَّ قِسْمَتَهُ كَانَتْ بَاطِلَةً مِنْ أَصْلِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُقْسَمْ (وَ) إنْ أُخِذَ مِنْهُمْ مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهِدٍ (بِشِرَاءٍ أَوْ) قِتَالٍ وَأَدْرَكَهُ رَبُّهُ (بَعْدَ قِسْمَتِهِ غَنِيمَةً فَهُوَ) ، أَيْ: رَبُّهُ، (أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ بَعِيرًا لَهُ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابُوهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ أَصَبْتَهُ قَبْلَ أَنْ نُقْسِمَهُ فَهُوَ لَك، وَإِنْ أَصَبْتَهُ بَعْدَ مَا قُسِمَ أَخَذْتَهُ بِالْقِيمَةِ» وَلِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى ضَيَاعِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَحِرْمَانِ أَخْذِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَحَقُّهَا يَنْجَبِرُ بِالثَّمَنِ، فَرُجُوعُ صَاحِبِ الْمَالِ فِي عَيْنِ مَالِهِ بِثَمَنِهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ كَأَخْذِ الشَّخْصِ بِالشُّفْعَةِ، (وَلَوْ بَاعَهُ) ، أَيْ: مَالَ الْمُسْلِمِ أَوْ الْمُعَاهِدِ أَوْ أَخَذَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ، لَزِمَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ، لِصُدُورِهِ مِنْ مَالِكٍ فِي مِلْكِهِ، (وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ) مَجَّانًا إنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْ كُفَّارٍ مَجَّانًا، وَبِثَمَنِهِ إنْ كَانَ أَخَذَ مِنْهُمْ بِشِرَاءٍ أَوْ بَعْدَ قِسْمَةٍ (مِنْ آخَرَ مُشْتَرٍ وَ) آخَرَ (مُتَّهِبٍ) كَأَوَّلٍ أَخْذٍ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي " الْقَوَاعِدِ ": وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَمْنَعُ الصَّرْفَ كَالشُّفْعَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ (مَا وُقِفَ أَوْ عَتَقَ) لِمَنْعِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهِ، وَقِيَاسُهُ: لَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَخَذَهَا. وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُمْ، أَيْ: مِنْ أَهْلِ حَرْبٍ حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً مُزَوَّجَةً أَوْ أَخَذَ مِنْهُمْ أُمَّ وَلَدٍ؛ رُدَّتْ الْحُرَّةُ الْمُزَوَّجَةُ لِزَوْجِهَا، وَرُدَّتْ أُمُّ الْوَلَدِ لِسَيِّدِهَا، (وَيَلْزَمُ سَيِّدًا أَخْذُهَا) قَبْلَ قِسْمَةٍ مَجَّانًا، وَبَعْدَ قِسْمَةٍ بِثَمَنِهَا، وَلَا يَدَعْهَا يَسْتَحِلُّ فَرْجَهَا مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ وَوَلَدُهُمَا، أَيْ: الْحُرَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مِنْهُمْ، أَيْ: الْحَرْبِيَّيْنِ، كَوَلَدِ زِنَا، وَوَلَدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 مُلَاعَنَةٍ، لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، وَإِنْ أَبَى وَلَدُهَا مِنْهُمْ الْإِسْلَامَ (ضُرِبَ وَحُبِسَ حَتَّى يُسْلِمَ وَيَتُوبَ مِنْ كُفْرِهِ) ، لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ كَمَفْقُودِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَلَا يُقْتَلُ، وَإِنْ هَذَا) ، أَيْ: عُدِمَ قَتْلُهُ (إذَا كَانَتَا) ، أَيْ: الْحُرَّةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ (كَافِرَتَيْنِ) ، لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ كَافِرٍ وَكَافِرَةٍ، وَمَا دَامَا فِي الْحَيَاةِ فَهُوَ تَبَعٌ لَهُمَا، (إلَّا) بِأَنْ كَانَتَا مُسْلِمَتَيْنِ (فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ) تَبَعًا لِأُمِّهِ، فَلَا يُقِرُّ عَلَى الْكُفْرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ تُمْلَكُ غَنِيمَةٌ بِاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهَا] (فَصْلٌ) (وَتُمْلَكُ غَنِيمَةٌ بِاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهَا) وَلَوْ (بِدَارِ حَرْبٍ) نَصًّا، لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ التَّامَّ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَقَدْ وُجِدَ لِثُبُوتِ أَيْدِينَا عَلَيْهَا حَقِيقَةً، وَلِأَنَّ مِلْكَ الْكُفَّارِ قَدْ زَالَ عَنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُمْ فِي الْعَبِيدِ الَّذِينَ حَصَلُوا فِي الْغَنِيمَةِ، وَالْمِلْكُ لَا يَزُولُ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ (كَعِتْقِ عَبْدٍ حَرْبِيٍّ) أَسْلَمَ و (لَحِقَ بِنَا) ، يَعْنِي: وَيَدُلُّ عَلَى زَوَالِ مِلْكِ الْحَرْبِيِّ بِالْقَهْرِ أَنَّ عَبْدَ الْحَرْبِيِّ لَمَّا قَهَرَهُ بِإِسْلَامِهِ وَلُحُوقِهِ بِنَا صَارَ حُرًّا، (وَفِي " الْمُنْتَهَى " هُنَا نَظَرٌ) وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَالَ هُنَا: كَعِتْقِ عَبْدٍ حَرْبِيٍّ، وَإِبَانَةِ زَوْجَةٍ أَسْلَمَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 وَلَحِقَا بِنَا فَقَيَّدَ الْعِتْقَ وَالْإِبَانَةَ عَلَى حُصُولِ أَمْرَيْنِ الْإِسْلَامِ وَاللُّحُوقِ بِنَا، مَعَ أَنَّهُ أَسْلَفَ قَبْلُ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْحَبِيسَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ خَرَجَ عَبْدٌ إلَيْنَا بِأَمَانٍ، أَوْ نَزَلَ مِنْ حِصْنٍ، فَهُوَ حُرٌّ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِإِسْلَامٍ بَلْ صَرَّحَ بِحُصُولِهِ بِالْأَمَانِ، وَيَأْتِي فِي نِكَاحِ الْكُفَّارِ أَنَّ الْكَافِرَةَ لَا تَبِينُ بِمُجَرَّدِ لُحُوقِهَا بِدَارِنَا، أَيْ: مَا لَمْ تُنْقَضْ عِدَّتُهَا قَبْلَ إسْلَامِ زَوْجِهَا، فَيَكُونُ مَا فِي الْمُنْتَهَى " هُنَا مَخْرَجٌ عَلَى ضَعِيفٍ. (وَيَجُوزُ قِسْمَتُهَا) ، أَيْ: الْغَنِيمَةِ (فِيهَا) ، أَيْ: دَارِ الْحَرْبِ، لِمَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ، قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ، إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَبِيعُونَ غَنَائِمَهُمْ، وَيُقَسِّمُونَهَا فِي أَرْضِ عَدُوِّهِمْ، «وَلَمْ يَقْفُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزْوَةٍ قَطُّ أَصَابَ فِيهَا غَنِيمَةً إلَّا خَمَّسَهُ، وَقَسَمَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْفُلَ، مِنْ ذَلِكَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَحُنَيْنٍ» . (وَ) يَجُوزُ (بَيْعُهَا) ، أَيْ: الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا، (فَلَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا) ، أَيْ: الْغَنِيمَةِ، (عَدُوٌّ) بَعْدَ أَنْ تَبَايَعُوهَا (بِمَكَانِهَا) ، فَأَخَذَهَا مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ، (ف) هِيَ (مِنْ) ضَمَانِ (مُشْتَرٍ) ، سَوَاءٌ فَرَّطَ أَوْ لَا، لِحَدِيثِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَهَذَا نَمَاؤُهُ لِلْمُشْتَرِي، فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَقْبُوضٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بِيعَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. (وَشِرَاءُ الْأَمِيرِ مِنْهَا) ، أَيْ: الْغَنِيمَةِ، (لِنَفْسِهِ إنْ وَكَّلَ مَنْ جُهِلَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ) ، أَيْ: الْأَمِيرُ فِي الشِّرَاءِ مِنْهَا، (صَحَّ) شِرَاؤُهُ لَهُ، لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَهُوَ الْمُحَابَاةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ وَكَّلَهُ الْأَمِيرُ فِي بَيْعِ الْغَنِيمَةِ، وَفِي الشِّرَاءِ مِنْهَا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ، وَلَا لِلْأَمِيرِ كَمَا يَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي نَصِّ الْأَمَامِ، قَالَ: لَا يَجُوزُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَغْنَمِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، لِأَنَّهُ يُحَابِي، وَلِأَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ وَكِيلِ نَفْسِهِ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ، (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ، (حَرُمَ) الشِّرَاءُ نَصًّا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 (وَيَتَّجِهُ: وَلَمْ يَصِحَّ) ، لِأَنَّ عُمَرَ رَدَّ مَا اشْتَرَاهُ ابْنُهُ فِي غَزْوَةِ جَلُولَاءَ، وَقَالَ: إنَّهُ يُحَابِي. احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ، وَأَنَّ ابْنَ الْأَمِيرِ مِثْلُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتُضَمُّ غَنِيمَةُ سَرَايَا الْجَيْشِ إلَى غَنِيمَتِهِ) أَيْ: الْجَيْشِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِينَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَتُرَدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعَدَتِهِمْ» وَ «فِي تَنْفِيلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبُدَاءَةِ الرُّبْعُ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثُ» دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاكِهِمْ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ نَفَّدَ الْإِمَامُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ جَيْشَيْنِ، أَوْ سَرِيَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ انْفَرَدَ كُلٌّ بِمَا غَنِمَهُ، لِانْفِرَادِهِ بِالْجِهَادِ، بِخِلَافِ الْمَبْعُوثِينَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ. (وَيَبْدَأُ فِي قَسْمٍ بِدَفْعِ سَلَبٍ) لِأَنَّ السَّلَبَ يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ غَيْرَ مَخْمُوسٍ، فَإِنْ كَانَ فِي الْغَنِيمَةِ مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، دُفِعَ إلَيْهِ إنْ عُرِفَ (ثُمَّ بِأُجْرَةِ جَمْعِ) غَنِيمَةٍ (وَحَمْلِهَا وَحِفْظِ) هَا، لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَتِهَا، كَعَلَفِ دَوَابِّهَا، (وَ) دَفْعِ (جُعْلِ مَنْ دَلَّ عَلَى مَصْلَحَةٍ) مِنْ مَاءٍ أَوْ قَلْعَةٍ أَوْ ثُغْرَةٍ يَدْخُلُ مِنْهَا إلَى حِصْنٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السَّلَبِ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ، قُلْت: هَذَا مِنْ النَّفْلِ، فَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْخُمُسِ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَيَأْتِي. (ثُمَّ يُخَمِّسُ الْبَاقِي) عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، (ثُمَّ) يُخَمِّسُ (خُمُسَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ) ، مِنْهَا: (سَهْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَصْرِفُهُ كَالْفَيْءِ) فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهَا. (وَكَانَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَدْ خُصَّ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (مِنْ الْمَغْنَمِ بِالصَّفِيِّ، وَهُوَ) ، أَيْ: الصَّفِيُّ: (مَا يَخْتَارُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَبْلَ قِسْمَةِ) غَنِيمَةٍ مِنْهَا (كَجَارِيَةٍ وَثَوْبٍ وَسَيْفٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ قَيْسٍ: إنَّكُمْ إنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ، وَأَدَّيْتُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَسَهْمِ الصَّفِيِّ، إنَّكُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ «وَأَنْ تُعْطُوا سَهْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّفِيَّ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ الصَّفِيِّ، وَانْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ لَمْ يَأْخُذُوهُ، وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَا يُجْمِعُونَ إلَّا عَلَى الْحَقِّ (وَسَهْمٍ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ) دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: «لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خَيْبَرَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، أَتَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا بَنُو هَاشِمٍ، فَلَمْ نُنْكِرْ فَضْلَهُمْ، لِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ، فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ، أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْك بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ ، فَقَالَ: إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَإِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. (حَيْثُ كَانُوا) ، أَيْ: بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهُ بِالْقَرَابَةِ، أَشْبَهَ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ، (غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ) ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِي أَقَارِبَهُ كُلَّهُمْ، وَفِيهِمْ الْغَنِيُّ كَالْعَبَّاسِ» (وَلَا شَيْءَ لِمَوَالِيهِمْ) ، لِأَنَّهُ لَيْسُوا مِنْهُمْ، (وَ) لَا (أَوْلَادِ بَنَاتِهِمْ) مِنْ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَدْفَعْ لِأَقَارِبِ أُمِّهِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَلَا إلَى بَنِي عَمَّاتِهِ كَالزُّبَيْرِ، (وَلَا) شَيْءَ (لِبَاقِي قُرَيْشٍ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَسَهْمٍ لِفُقَرَاءِ الْيَتَامَى، وَهُمْ) ، أَيْ: الْيَتَامَى: (مَنْ لَا أَبَ لَهُ) ، أَيْ: مَاتَ أَبُوهُ، (وَلَمْ يَبْلُغْ) ، لِحَدِيثِ: «لَا يُتْمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 بَعْدَ احْتِلَامٍ» وَاعْتُبِرَ فَقْرُهُمْ، لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِمْ لِحَاجَتِهِمْ، وَلِأَنَّ وُجُودَ الْمَالِ أَنْفَعُ مِنْ وُجُودِ الْأَبِ (وَلَوْ جَهِلَ بَقَاءَ أَبِيهِ) ، فَلَا يُعْطَى لِصِفَةِ الْيُتْمِ، (إذْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ) ، أَيْ: أَبِيهِ، (وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ) ، أَيْ: أَهْلِ الْحَاجَةِ، (وَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْفُقَرَاءُ، فَهُمْ) ، أَيْ: الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، (صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، إلَّا) فِي (الزَّكَاةِ) ، فَهُمْ صِنْفَانِ، وَتَقَدَّمَ. (وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءٍ السَّبِيلِ، فَيُعْطَى الْجَمِيعُ) مِنْ الْخُمُسِ (كَزَكَاةٍ) ، فَيُعْطَى الْمِسْكِينُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ مَعَ عَائِلَتِهِ سَنَةً، وَكَذَا الْيَتِيمُ، وَيُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ مَا يُوصِلُهُ إلَى بَلَدِهِ (بِشَرْطِ إسْلَامِ الْكُلِّ) ، لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ، فَلَا حَقَّ لِكَافِرٍ فِيهِ كَزَكَاةٍ، وَلَا لِقِنٍّ، (وَيَعُمُّ بِذَلِكَ مَنْ يَجْمَعُ الْبِلَادَ) مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ (حَسَبَ الطَّاقَةِ) ، فَيَبْعَثُ الْإِمَامُ إلَى عُمَّالِهِ بِالْأَقَالِيمِ، وَيَنْظُرُ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ اسْتَوَتْ فَرَّقَ كُلَّ خُمُسٍ فِيمَا قَارَبَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَمَرَ بِحَمْلِ الْفَضْلِ، فَيُدْفَعُ لِمُسْتَحِقِّهِ كَمِيرَاثٍ. (فَإِنْ لَمْ تَأْخُذْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ) سَهْمَهُمْ، (رُدَّ فِي كُرَاعٍ، وَهُوَ: الْخَيْلُ وَ) فِي (سِلَاحٍ) عِدَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. (وَمَنْ فِيهِ) مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْخُمُسِ (سَبَبَانِ فَأَكْثَرُ، كَابْنِ سَبِيلٍ مِسْكِينٍ يَتِيمٍ أَخَذَ بِهَا) ، لِأَنَّهَا أَسْبَابُ أَحْكَامٍ، فَوَجَبَ ثُبُوتُ أَحْكَامِهَا، كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ، (لَكِنْ لَوْ أَخَذَ لِيُتْمِهِ، فَزَالَ فَقْرُهُ) بِأَنْ اسْتَغْنَى بِمَا أُعْطِيهِ لِيُتْمِهِ، (لَمْ يُعْطَ لِفَقْرِهِ) شَيْئًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فَقِيرًا، (ثُمَّ يَبْدَأُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ الْبَاقِيَةِ) لِلْغَانِمِينَ (بِنَفَلٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ، (وَهُوَ) ، أَيْ: النَّفَلُ: (الزَّائِدُ عَلَى السَّهْمِ لِمَصْلَحَةٍ) ، لِانْفِرَادِ بَعْضِ الْغَانِمِينَ بِهِ، فَقُدِّمَ عَلَى الْقِسْمَةِ كَالسَّلَبِ (كَعَمَلِ مَا فِيهِ غَنَاءٌ) لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ تَنَفَّلَ السَّرَايَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، (أَوْ) قَوْلِ الْأَمِيرِ (مَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ وَنَحْوِهِ، فَلَهُ كَذَا) أَوْ مَنْ طَلَعَ حِصْنًا أَوْ نَقَبَهُ، أَوْ دَلَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 عَلَى قَلْعَةٍ أَوْ مَاءٍ، فَلَهُ كَذَا، (ثُمَّ يَرْضَخُ) الْإِمَامُ، (وَهُوَ) ، أَيْ: الرَّضْخُ: (عَطَاءٌ دُونَ السَّهْمِ) لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَيَرْضَخُ (لِمُمَيِّزٍ وَقِنٍّ وَخُنْثَى وَامْرَأَةٍ عَلَى مَا يَرَاهُ إمَامٌ) أَوْ نَائِبُهُ (عَلَى قَدْرِ نَفْعِهِمْ) ، فَيُفَضِّلُ الْمُقَاتِلَ وَذَا الْبَأْسِ، وَمَنْ تَسْقِي الْمَاءَ وَتُدَاوِي الْجَرْحَى عَلَى مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، (إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ) ، أَيْ: الرَّضْخُ (لِرَاجِلٍ سَهْمُ رَاجِلٍ وَلَا لِفَارِسٍ سَهْمُ فَارِسٍ) ، لِئَلَّا يُسَاوِي مَنْ يُسْهَمُ لَهُ، (وَلِمُبَعَّضٍ بِالْحِسَابِ مِنْ رَضْخٍ وَإِسْهَامٍ) كَحَدٍّ، وَدِيَةٍ، وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ النَّفَلَ وَالرَّضْخَ يَكُونُ إخْرَاجُهُمَا بَعْدَ إخْرَاجِ خُمْسِ الْغَنِيمَةِ، فَيَكُونَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي. شَرْحِ مُسْلِمٍ " عَنْ أَحْمَدَ مِنْ أَنَّ الرَّضْخَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": لَمْ نَرَهُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ كَذَلِكَ. (وَإِنْ غَزَا قِنٌّ عَلَى فَرَسِ سَيِّدِهِ رَضَخَ لَهُ) ، أَيْ: الْقِنُّ، (وَقَسَمَ لَهَا) ، أَيْ: الْفَرَسِ تَحْتَهُ، لِأَنَّ سَهْمَهَا لِمَالِكِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَ الْعَبْدِ فَرَسٌ أُخْرَى كَمَا لَوْ كَانَتَا مَعَ السَّيِّدِ (إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ سَيِّدِهِ فَرَسَانِ) ، لِأَنَّهُ لَا سَهْمَ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي. تَنْبِيهٌ: الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْقِنِّ، وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ كَالْمَرْأَةِ، فَإِنْ انْكَشَفَ حَالُهُ قَبْلَ أَنْ تُقْضَى الْحَرْبُ وَالْقِسْمَةُ، أَوْ بَعْدَهُمَا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ أُتِمَّ لَهُ سَهْمُ رَجُلٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الرِّجَالِ (وَإِنْ كَانَ الْغَانِمُ مَنْ يَرْضَخُ لَهُ فَقَطْ) كَعَبِيدٍ وَصِبْيَانٍ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، فَغَنِمُوا، أَخَذَ الْإِمَامُ خُمُسَهُ، وَمَا بَقِيَ لَهُمْ، لِعُمُومِ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ. (فَهَلْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ، لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ) ، لِأَنَّهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 تَسَاوَوْا كَالْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ، (أَوْ) يُقَسَّمُ (عَلَى مَا يَرَاهُ إمَامٌ) مِنْ مُفَاضَلَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُمْ رِجَالٌ أَحْرَارٌ؟ (احْتِمَالَانِ) أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ غَزَا جَمَاعَةٌ مِنْ كُفَّارٍ وَحْدَهُمْ فَغَنِمُوا) ، فَغَنِيمَتُهُمْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ، وَحَيْثُ كَانَتْ لَهُمْ، (فَهَلْ يُؤْخَذُ خُمُسُ غَنِيمَتِهِمْ؟ احْتِمَالَانِ) مُتَسَاوِيَانِ، (ثُمَّ يُقَسَّمُ الْبَاقِي) بَعْدَ مَا سَبَقَ (بَيْنَ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، لِقَصْدِ قِتَالٍ) قَاتَلَ، أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ حَتَّى تُجَّارِ الْعَسْكَرِ، وَأُجَرَائِهِمْ الْمُسْتَعِدِّينَ لِلْقِتَالِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُقَاتِلِ رِدْءٌ لِلْمُقَاتِلِ وَيُسَهَّمُ لِخَيَّاطٍ وَخَبَّازٍ وَبَيْطَارٍ وَنَحْوهمْ حَضَرُوا، نَصًّا، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسْتَعِدَّ لِلْقِتَالِ مِنْ تُجَّارٍ وَغَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا نَفْعَ فِيهِمْ، (أَوْ بَعَثَ فِي سَرِيَّةٍ أَوْ) بَعَثَ (لِمَصْلَحَةٍ كَرَسُولٍ وَدَلِيلٍ وَجَاسُوسٍ، وَمَنْ خَلَّفَهُ الْأَمِيرُ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ، وَغَزَا وَلَمْ يَمُرَّ) الْأَمِيرُ بِهِ فَيَرْجِعُ، لِأَنَّهُ فِي مَصْلَحَةِ الْجَيْشِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْإِسْهَامِ مِمَّنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ وَلَمْ يُقَاتِلْ (وَلَوْ مَعَ مَنْعِ غَرِيمٍ لَهُ أَوْ) مَنْعِ (أَبٍ) لَهُ، لِتَعَيُّنِ الْجِهَادِ عَلَيْهِ بِحُضُورِ الصَّفِّ، وَلَا يُسَهَّمُ لِمَنْ (لَا يُمْكِنُهُ قِتَالٌ) لِمَرَضٍ (وَلَا لِدَابَّةٍ لَا يُمْكِنُهُ) قِتَالٌ (عَلَيْهَا لِمَرَضٍ) كَزَمَانَةٍ وَشَلَلٍ، لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْجِهَادِ، بِخِلَافِ حُمَّى يَسِيرَةٍ وَصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ وَنَحْوِهِ، فَيُسَهَّمُ لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَهْلِيَّتِهِ. و (لَا) يُسَهَّمُ (لِمُخْذِلٍ وَمُرْجِفٍ وَنَحْوِهِمَا) كَرَامٍ بَيْنَنَا بِفِتَنٍ، وَمُكَاتِبٍ بِأَخْبَارِنَا، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الدُّخُولِ مَعَ الْجَيْشِ، أَشْبَهَ الْفَرَسَ الْعَجِيفَ (وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ) ، أَيْ: التَّخْذِيلَ وَالْإِرْجَافَ وَنَحْوَهُ، (وَقَاتَلَ) لِعِصْيَانِهِ (وَلَا يُرْضَخُ لَهُ) ، أَيْ: الْمُخْذِلِ وَالْمُرْجِفِ وَنَحْوِهِ، (وَلَا) يُسَهَّمُ، وَلَا يُرْضَخُ (لِمَنْ نَهَاهُ الْأَمِيرُ أَنْ يَحْضُرَ) فَلَمْ يَنْتَهِ لِمُخَالَفَتِهِ، (وَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 لَا (كَافِرٍ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ) ، أَيْ: الْأَمِيرَ، (وَ) لَا (عَبْدٍ لَمْ يَأْذَنْ) لَهُ (سَيِّدُهُ) فِي غَزْوٍ لِعِصْيَانِهِمَا، (و) لَا (طِفْلٍ وَ) لَا (مَجْنُونٍ) ، لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِمَا لِلْقِتَالِ، (وَ) لَا (مَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ) كَافِرَيْنِ لِعِصْيَانِهِ. فَيُقَسَّمُ (لِلرَّاجِلِ وَلَوْ) كَانَ (كَافِرًا سَهْمٌ، وَلِلْفَارِسِ عَلَى فَرَسٍ عَرَبِيٍّ، وَيُسَمَّى: الْعَتِيقُ، ثَلَاثَةُ) أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمٌ لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ: «لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَسْهَمَ هَكَذَا لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا» ، (وَ) لِلْفَارِسِ (عَلَى فَرَسٍ هَجِينٍ، وَهُوَ مَا أَبُوهُ فَقَطْ عَرَبِيٌّ، أَوْ) عَلَى فَرَسٍ (مُقْرِفٍ عَكْسُ الْهَجِينِ) ، وَهُوَ: مَا أُمُّهُ فَقَطْ عَرَبِيَّةٌ، (أَوْ) عَلَى فَرَسِ (بِرْذَوْنٍ، وَهُوَ: مَا أَبَوَاهُ نَبَطِيَّانِ، سَهْمَانِ) : سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمٌ لِفَرَسِهِ، لِحَدِيثِ مَكْحُولٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْفَرَسَ الْعَرَبِيَّ سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى الْهَجِينَ سَهْمًا» رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ، وَعَنْ عُمَرَ شَبَهُهُ. (وَإِنْ غَزَا اثْنَانِ عَلَى فَرَسِهِمَا، فَلَا بَأْسَ) بِهِ (وَسَهْمُهُ لَهُمَا) بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا فِيهِ كَسَائِرِ نَمَائِهِ، (وَسَهْمُ) فَرَسٍ (مَغْصُوبٍ) غَزَا عَلَيْهِ غَاصِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ (لِمَالِكِهِ) نَصًّا وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الرَّضْخِ، لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَعَ مَالِكِهِ، وَلِأَنَّ سَهْمَهُ يُسْتَحَقُّ بِنَفْعِهِ، وَنَفْعُهُ لِمَالِكِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ لَهُ. (وَ) سَهْمُ فَرَسٍ (مُعَارٍ وَمُسْتَأْجَرٍ وَحَبِيسٍ لِرَاكِبِهِ) إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْهَامِ، لِقِتَالِهِ عَلَيْهِ مَعَ اسْتِحْقَاقِهِ لِنَفْعِ الْفَرَسِ، فَاسْتَحَقَّ سَهْمَهُ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَوْنُهُ حَبِيسًا لِأَنَّهُ حُبِسَ عَلَى مَنْ يَغْزُو عَلَيْهِ (وَيُعْطَى) رَاكِبُ حَبِيسٍ (نَفَقَةُ الْحَبِيسِ) مِنْ سَهْمِهِ، لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ (وَلَا يُسْهِمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ) مِنْ خَيْلِ الرَّجُلِ فَيُعْطَى صَاحِبُهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، سَهْمًا لَهُ، وَأَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْهِ الْعَرَبِيِّينَ، لِحَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسْهِم لِلْخَيْلِ، وَكَانَ لَا يُسْهِمُ لِرَجُلٍ فَوْقَ فَرَسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ أَفْرَاسٍ» وَرَوَى مَعْنَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ، وَلِأَنَّ لِلْمُقَاتِلِ حَاجَةً إلَى الثَّانِي، لِأَنَّ إدَامَةَ رُكُوبِ فَرَسٍ وَاحِدٍ تُضْعِفُهُ، وَتَمْنَعُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا زَادَ. (وَلَا شَيْءَ) مِنْ سَهْمٍ، وَلَا رَضْخٍ (لِغَيْرِ الْخَيْلِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَسْهَمَ لِغَيْرِ الْخَيْلِ، وَكَانَ مَعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعُونَ بَعِيرًا، وَلَمْ تَخْلُ غَزَاةٌ مِنْ غَزَوَاتِهِ مِنْ الْإِبِلِ، بَلْ هِيَ غَالِبُ دَوَابِّهِمْ، وَلَوْ أَسْهَمَ لَهَا لَنُقِلَ، وَكَذَا أَصْحَابُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَعْدِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَلَيْهَا كَرٌّ وَلَا فَرٌّ. [فَصْلٌ مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْغَانِمِينَ] (فَصْلٌ) (وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ) مِنْ الْغَانِمِينَ (وَلَوْ) كَانَ (مُفْلِسًا) ، فَسَهْمُهُ لِلْبَاقِي (وَيَتَّجِهُ: لَا) يُسْقِطُ حَقُّ مُفْلِسٍ بِإِسْقَاطِهِ لَهُ (بَعْدَ حَجْرٍ) عَلَيْهِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ، وَيَأْتِي - فِي بَابِ الْحَجْرِ - أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ إنْ كَانَ (سَفِيهًا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 لِمَنْعِهِ مِنْ التَّبَرُّعِ أَيْضًا، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَلَا سَفِيهًا (ف) يَصِحُّ إسْقَاطُهُ وَيَكُونُ سَهْمُهُ (لِلْبَاقِي) مِنْ الْغَانِمِينَ، لِأَنَّ اشْتِرَاكَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ، فَإِذَا أَسْقَطَ أَحَدُهُمْ حَقَّهُ كَانَ لِلْبَاقِينَ (وَإِنْ أَسْقَطَ الْكُلُّ) حَقَّهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ (ف) هِيَ (فَيْءٌ) تُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ (وَإِذَا لَحِقَ) بِالْجَيْشِ (مَدَدٌ أَوْ) تَفَلَّتَ (أَسِيرٌ) قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ (وصَارَ الْفَارِسُ رَاجِلًا) قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ (أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ صَارَ الرَّاجِلُ فَارِسًا (أَوْ تَبَيَّنَ ذُكُورِيَّةُ خُنْثَى أَوْ أَسْلَمَ) مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ كَافِرًا (أَوْ بَلَغَ) صَبِيٌّ (أَوْ عَتَقَ) قِنٌّ (قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ) (جُعِلُوا) جَمِيعُهُمْ (كَمَنْ كَانَ فِيهَا) ، أَيْ: الْوَقْعَةِ (كُلِّهَا كَذَلِكَ) ، أَيْ: عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَقَضَّتْ الْحَرْبُ، وَهُوَ عَلَيْهَا جَعْلًا لَهُمْ، كَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْعَةِ، لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إنَّمَا تَصِيرُ لِلْغَانِمِينَ عِنْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ (وَلَا قَسْمَ لِمَنْ مَاتَ أَوْ انْصَرَفَ أَوْ أُسِرَ قَبْلَ ذَلِكَ) ، أَيْ: تَقَضِّي الْحَرْبِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْضُرُوهَا وَقْتَ انْتِقَالِ الْغَنِيمَةِ إلَى مِلْكِ الْغَانِمِينَ (لَا) إنْ مَاتَ أَوْ انْصَرَفَ أَوْ أُسِرَ (بَعْدَهُ) ، أَيْ: تَقَضِّي الْحَرْبِ، فَيُقْسَمُ لَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْغَانِمِينَ. (وَحَرُمَ قَوْلُ إمَامٍ) أَوْ نَائِبِهِ: (مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَ) هُوَ (لَهُ) ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى اشْتِغَالِهِمْ بِالنَّهْبِ عَنْ الْقِتَالِ، وَظَفَرِ الْعَدُوِّ بِهِمْ، وَلِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ لِلِاغْتِنَامِ عَلَى التَّسَاوِي، فَلَا يَنْفَرِدُ الْبَعْضُ بِشَيْءٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» فَذَاكَ حِينَ كَانَتْ لَهُ، ثُمَّ صَارَتْ لِلْغَانِمِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَا يَسْتَحِقُّهُ) ، أَيْ: الْمَأْخُوذُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ أَخْذُهُ (إلَّا فِيمَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ) كَأَحْجَارٍ وَقُدُورٍ كِبَارٍ، وَحَطَبٍ وَنَحْوِهِ، (وَتَرَكَ فَلَمْ يَشْتَرِ) لِعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِيهِ، فَيَجُوزُ قَوْلُ الْإِمَامِ، مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَلَهُ (وَلِإِمَامٍ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ، وَ) لَهُ (إحْرَاقُهُ) إنْكَاءً لِلْعَدُوِّ، لِئَلَّا يَنْتَفِعُوا بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ لَهُ إحْرَاقَهُ (إنْ كَانَ بِدَارِ حَرْبٍ) وَإِلَّا يَكُنْ بِدَارِ حَرْبٍ، فَلَيْسَ لَهُ إحْرَاقُهُ، لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَالٍ بِلَا فَائِدَةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ رَغَّبَ فِي شِرَاءِ مَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ (حَرُمَ) قَوْلُ: مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ كَالْمَرْغُوبِ عَنْهُ، وَكَذَا أَخْذُ الْإِمَامِ لَهُ لِنَفْسِهِ وَإِحْرَاقُهُ، فَيُبَاعُ حِينَئِذٍ، وَيُضَمُّ ثَمَنُهُ لِلْمَغْنَمِ. (وَيَصِحُّ) ، أَيْ: يَجُوزُ (تَفْضِيلُ بَعْضِ الْغَانِمِينَ لِمَعْنَى فِيهِ) مِنْ حُسْنِ رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ، فَيُنْفَلُ (وَيُخَصُّ) إمَامٌ (بِكِلَابٍ) يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهَا (مَنْ شَاءَ) مِنْ الْجَيْشِ، (وَأَمْكَنَ قِسْمَتُهَا، قُسِمَتْ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ، (وَإِنْ رَغِبَ فِيهَا) ، أَيْ: الْكِلَابِ (عَدَدٌ) مِنْ الْجَيْشِ، (وَأَمْكَنَ قِسْمَتُهَا، قُسِمَتْ) بَيْنَهُمْ (عَدَدًا مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ) ، لِأَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا (فَإِنْ تَعَذَّرَ) قِسْمَتُهَا (وَتَنَازَعُوا فِي جَيِّدِ) هَا، (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ، إذْ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا. (وَيُكْسَرُ صَلِيبٌ وَيُقْتَلُ خِنْزِيرٌ) نَصًّا (وَيُصَبُّ خَمْرٌ وَلَا يُكْسَرُ إنَاءٌ بِهِ نَفْعٌ) نَصًّا (وَيَتَّجِهُ) : لَا يُكْسَرُ مِنْ الْآنِيَةِ (غَيْرُ) إنَاءٍ (نَقْدٍ) ، لِحُرْمَةِ اتِّخَاذِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ وَيُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا تَصِحُّ إجَارَةٌ لِجِهَادٍ) ، لِأَنَّهُ عَمَلٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ كَالْحَجِّ (فَيُسْهَمُ لَهُ) ، أَيْ: أَجِيرِ الْجِهَادِ، وَإِنْ أَخَذَ أُجْرَةً رَدَّهَا (كَأَجِيرِ خِدْمَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 (وَتَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (لِحِفْظِ) غَنِيمَةٍ (وَنَحْوِهِ) كَلِسَوْقِ دَوَابِّهَا وَرَعْيِهَا، (وَلَا يَسْقُطُ سَهْمُهُ) بِإِيجَارِهِ نَفْسَهُ بَعْدَ أَنْ غَنِمُوا، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُؤْنَةِ الْغَنِيمَةِ، فَهُوَ كَعَلَفِ الدَّوَابِّ، وَطَعَامِ السَّبْيِ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ بَذْلُهُ، وَيُبَاحُ لِلْأَجِيرِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَدْ آجَرَ نَفْسَهُ لِفِعْلٍ لِلْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ حَاجَةٌ، فَحَلَّتْ الْأُجْرَةُ، كَالدَّلِيلِ عَلَى الطَّرِيقِ. (وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ) وَلَوْ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ، (فَسَهْمُهُ لِوَارِثِهِ) ، لِثُبُوتِ مِلْكِهِ عِنْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ، أَشْبَهَ سَائِرَ أَمْلَاكِهِ. (أَوْ أُسِرَ) بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ، (ف) سَهْمُهُ (لَهُ) ، لِأَنَّهُ أَدْرَكَهَا فِي حَالٍ لَوْ قُسِمَتْ فِيهِ صَحَّتْ قِسْمَتُهَا، وَكَانَ لَهُ سَهْمُهُ مِنْهَا، فَيَجِبُ إبْقَاؤُهُ لَهُ إلَى أَنْ يَنْفَكَّ مِنْ الْأَسْرِ. (وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنْهَا) ، أَيْ: الْغَنِيمَةِ (وَلَهُ) ، أَيْ: الْوَاطِئِ (فِيهَا) ، أَيْ: الْغَنِيمَةِ (حَقُّ) ، أَدَبٍ، (أَوْ لِوَلَدِهِ) ، أَيْ: الْوَاطِئِ فِيهَا حَقُّ (أَدَبٍ) لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا، (وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ) ، أَيْ: تَأْدِيبِهِ (الْحَدَّ) ، لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَالْغَنِيمَةُ مِلْكٌ لِلْغَانِمِينَ، فَيَكُونُ لِلْوَاطِئِ حَقٌّ فِي الْجَارِيَةِ، وَإِنْ قَلَّ، فَيُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْهُ كَالْمُشْتَرَكَةِ وَكَجَارِيَةِ ابْنِهِ، (وَعَلَيْهِ) ، أَيْ: الْوَاطِئِ، (مَهْرُهَا) يُطْرَحُ فِي الْقِسْمِ، (إلَّا أَنْ تَلِدَ مِنْهُ، ف) يَلْزَمُهُ (قِيمَتُهَا) تُطْرَحُ فِي الْقِسْمِ، لِأَنَّ اسْتِيلَادَهَا كَإِتْلَافِهَا، (وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ) ، لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ، أَشْبَهَ وَطْءَ الْمُشْتَرَكَةِ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ) لِمِلْكِهِ إيَّاهَا حِينَ الْعُلُوقِ فَيَنْعَقِدُ الْوَلَدُ حُرًّا (وَإِنْ أَعْتَقَ) بَعْضُ الْغَانِمِينَ (قِنًّا) مِنْ الْغَنِيمَةِ، (أَوْ كَانَ) فِي الْغَنِيمَةِ قِنٌّ (يَعْتِقُ عَلَيْهِ) كَأَبِيهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ، (عَتَقَ قَدْرَ حَقِّهِ) لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ، (وَالْبَاقِي) مِنْهُ (كَعِتْقِهِ شِقْصًا) مِنْ مُشْتَرَكٍ عَلَى مَا يَأْتِي، (لَا) إنْ أَعْتَقَ (أَسِيرًا) رَجُلًا (قَبْلَ حُكْمٍ بِرِقِّهِ) ، فَلَا يُعْتَقُ، «لِأَنَّ الْعَبَّاسَ عَمَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 وَعَمَّ عَلِيٍّ وَعَقِيلًا أَخَا عَلِيٍّ كَانَا فِي أَسْرَى بَدْرٍ، فَلَمْ يَعْتِقَا عَلَيْهِمَا» ، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَصِيرُ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ، بَلْ بِاخْتِيَارِ الْإِمَامِ. (وَالْغَالُّ، وَهُوَ: مَنْ كَتَمَ مَا غَنِمَ، أَوْ) : كَتَمَ (بَعْضَهُ، لَا يُحْرَمُ سَهْمَهُ) مِنْ الْغَنِيمَةِ، لِوُجُودِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ حِرْمَانُ سَهْمِهِ فِي خَبَرٍ، وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ قِيَاسٌ، فَبَقِيَ بِحَالِهِ، وَلَا يُحْرَقُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَحْلِهِ، (وَيَجِبُ حَرْقُ رَحْلِهِ كُلِّهِ وَقْتَ غُلُولِهِ) ، لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَجَدْتُمْ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ فَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَةً كَأَكْلِهِ وَنَحْوِهِ، و (لَا) يُحْرَقُ (مَا حَدَثَ) لِلْغَالِّ مِنْ مَتَاعٍ بَعْدَ غُلُولِهِ، إذْ لَا قَائِلَ بِهِ، فَيُحْرَقُ رَحْلُهُ (مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ) ، فَلَا يُحْرَقُ، لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لِغَيْرِ الْجَانِي، وَمَحَلُّ إحْرَاقِ رَحْلِهِ (إذَا كَانَ حَيًّا) ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ لَمْ يُحْرَقْ نَصًّا، لِسُقُوطِهِ بِالْمَوْتِ كَالْحُدُودِ (حُرًّا) ، فَلَا يُحْرَقُ رَحْلُ رَقِيقٍ، لِأَنَّهُ لِسَيِّدِهِ (مُكَلَّفًا) لَا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ (مُلْتَزِمًا) لِأَحْكَامِنَا، وَإِلَّا لَمْ يُعَاقَبْ عَلَى مَا لَا يُعْتَقَدُ تَحْرِيمُهُ (وَلَوْ) كَانَ (أُنْثَى وَذِمِّيًّا) ، لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، (لَا) إنْ كَانَ الْغَالُّ (مُعَاهِدًا وَمُسْتَأْمَنًا) ، لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُلْتَزِمَيْنِ لِأَحْكَامِنَا (وَلَا يُحْرَقُ سِلَاحٌ وَمُصْحَفٌ وَحَيَوَانٌ بِآلَتِهِ) كَسَرْجِهِ وَبَرْذعَتِه، (وَ) لَا (نَفَقَةٌ) ، لِأَنَّهَا لَا تُحْرَقُ عَادَةً (وَكُتُبُ عِلْمٍ) ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْقَصْدُ الْإِضْرَارَ بِهِ فِي دِينِهِ بَلْ فِي بَعْضِ دُنْيَاهُ (وَثِيَابُهُ الَّتِي عَلَيْهِ، وَالْكُلُّ) ، أَيْ: كُلُّ مَا لَا يُحْرَقُ (لَهُ) ، أَيْ: الْغَالِّ كَسَائِرِ مَالِهِ (وَيُعَزَّرُ) الْغَالُّ بِضَرْبٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا، (وَلَا يَنْبَغِي) لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (وَيُؤْخَذُ مَا غَلَّ لِلْمَغْنَمِ) ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْغَانِمِينَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 فَتَعَيَّنَ رَدُّهُ إلَيْهِمْ. (فَإِنْ تَابَ بَعْدَ قِسْمَةٍ أَعْطَى الْإِمَامَ خُمُسَهُ) لِيَصْرِفَهُ فِي مَصَارِفِهِ، (وَتَصَدَّقَ بِبَقِيَّتِهِ عَنْ مُسْتَحِقِّيهِ) ، لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يُعْرَفُ مُسْتَحِقُّوهُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمَا. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ يَجُوزُ تَصَدُّقُهُ بِبَقِيَّتِهِ عَنْ مُسْتَحِقِّيهِ (مَعَ تَعَذُّرِ دَفْعٍ لَهُمْ) أَمَّا إذَا أَمْكَنَ دَفْعُ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَا يَجُوزُ تَصَدُّقُهُ بِهِ، لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ تَابَ الْغَالُّ قَبْلَ قِسْمَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ فِي الْمَغْنَمِ، (وَلَيْسَ بِغَالٍّ مَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ) ، لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ، (أَوْ سَتَرَ عَلَى غَالٍّ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ الْغَالِّ (مَا أُهْدِيَ لَهُ مِنْهَا) ، أَيْ: مِمَّا غَلَّهُ مِنْهَا، أَوْ بَاعَهُ إمَامٌ أَوْ حَابَاهُ، وَلَا يُحْرَقُ رَحْلُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَالٍّ. (وَإِنْ أَتْلَفَ عَبْدٌ مَا غَلَّهُ) مِنْ الْغَنِيمَةِ، (ف) هُوَ (فِي رَقَبَتِهِ) كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ، وَمَنْ أَنْكَرَ الْغُلُولَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ ابْتَاعَ مَا بِيَدِهِ لَمْ يُحْرَقْ مَتَاعُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغُلُولِ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ (وَيَثْبُتُ حُكْمُ غُلُولٍ بِإِقْرَارٍ) مِنْ غَالٍّ (أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ ذَكَرَيْنِ) ، لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، وَيُوجِبُ عُقُوبَةً، أَشْبَهَ سَائِرَ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 [بَابٌ الْأَرْضُونَ الْمَغْنُومَةُ] (بَابٌ: الْأَرْضُونَ الْمَغْنُومَةُ) أَيْ: الْمَأْخُوذَةُ مِنْ كُفَّارٍ (ثَلَاثٌ) ، أَيْ: ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ إحْدَاهَا (عَنْوَةً) ، أَيْ: قَهْرًا، وَغَلَبَةً، (وَهِيَ مَا أُجْلُوا) ، أَيْ: أَجْلَى الْمُسْلِمُونَ أَهْلَهَا الْحَرْبِيِّينَ (عَنْهَا بِالسَّيْفِ، وَيُخَيَّرُ إمَامٌ) فِيهَا (تَخْيِيرَ مَصْلَحَةٍ) كَالتَّخْيِيرِ فِي الْأُسَارَى، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَرَاهُ أَصْلَحَ (لَا) تَخْيِيرَ (تَشَبُّهٍ) ، لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ (بَيْنَ قِسْمَتِهَا بَيْنَ غَانِمِينَ كَمَنْقُولٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَسَمَ نِصْفَ خَيْبَرَ، وَوَقَفَ نِصْفَهَا لِنَوَائِبِهِ وَحَوَائِجِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ فَتُمَلَّكُ الْأَرْضُ بِقِسْمَتِهَا عَلَى الْغَانِمِينَ، وَلَا خَرَاجَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا، وَلَا عَلَى مَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كَالْمَدِينَةِ أَوْ صُولِحَ أَهْلُهُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ كَأَرْضِ الْحِيرَةِ وَالْيَمَنِ وبانقيا، أَوْ أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ، كَأَرْضِ الْبَصْرَةِ، (وَبَيْنَ وَقْفِهَا لِلْمُسْلِمِينَ) ، كَمَا وَقَفَ عُمَرُ الشَّامَ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقَ وَسَائِرَ مَا فَتَحَهُ، وَأَقَرَّهُ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: أَمَّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ: لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَيَانًا - أَيْ: لَا شَيْءَ لَهُمْ - مَا فَتَحْت عَلَى قَرْيَةٍ إلَّا قَسَمْتُهَا، كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا لَهُمْ خِزَانَةً يَقْتَسِمُونَهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (بِلَفْظٍ يَحْصُلُ بِهِ) الْوَقْفُ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ، فَحُكْمُهَا قَبْلَ الْوَقْفِ حُكْمُ الْمَنْقُولِ (وَيَضْرِبُ عَلَيْهَا) الْإِمَامُ بَعْدَ وَقْفِهَا (خَرَاجًا) مُسْتَمِرًّا (يُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ مِنْ مُسْلِمٍ) وَمُعَاهَدٍ (وَذِمِّيٍّ وَهُوَ) ، أَيْ: الْمَأْخُوذُ (أُجْرَةً لَهَا) كُلُّ عَامٍ، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي " كِتَابِ الْأَمْوَالِ " أَنَّ عُمَرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 قَدِمَ الْجَابِيَةَ، فَأَرَادَ قَسْمَ الْأَرْضِينَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: وَاَللَّهِ إذَنْ لَيَكُونَنَّ مَا تَكْرَهُ، إنَّك إنْ قَسَمْتَهَا الْيَوْمَ صَارَ الرِّيعُ الْعَظِيمُ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ، ثُمَّ يَبِيدُونَ فَيَصِيرُ ذَلِكَ إلَى الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَالْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ يَسُدُّونَ مِنْ الْإِسْلَامِ مَسَدًّا، وَهُوَ لَا يَجِدُونَ شَيْئًا فَانْظُرْ أَمْرًا يَسَعُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ، فَصَارَ عُمَرُ إلَى قَوْلِ مُعَاذٍ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الْمَاجِشُونِ، قَالَ بِلَالٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْقُرَى الَّتِي افْتَتَحُوهَا عَنْوَةً: اقْسِمْهَا بَيْنَنَا، وَخُذْ خُمُسَهَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَا، وَلَكِنَّنِي أَحْبِسُهُ، فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ: اقْسِمْهَا، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ اكْفِينِي بِلَالًا وَذَوِيهِ، فَمَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ عَيْنٌ تَطْرُفُ. (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ) ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ، (وَلَا نَقْضُ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَقْفٍ أَوْ قِسْمَةٍ، أَوْ فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ وَلَا تَغْيِيرُهُ) ، أَيْ: تَغْيِيرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ اللَّازِمِ، وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا اُسْتُؤْنِفَ فَتْحُهُ (الثَّانِيَةُ: مَا جَلَوَا) ، أَيْ: أَهْلَهَا (عَنْهَا خَوْفًا مِنَّا، وَحُكْمُهَا كَالْأُولَى) فِي التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ قِيَاسًا عَلَيْهَا، (لَا أَنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا) ، صَرَّحَ بِهِ الْجَمَاعَةُ وَقَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِهِ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": لَكِنْ لَا تَصِيرُ وَقْفًا إلَّا بِوَقْفِ الْإِمَامِ لَهَا، لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ جَزَمَ أَنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الظُّهُورِ عَلَيْهَا تَبَعًا لِلْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، (وَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ أَنَّ مِصْرَ وَالشَّامَ وَالْعِرَاقَ وَقْفُ) الْإِمَامِ (عُمَرُ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (الثَّالِثَةُ: الْمُصَالَحُ عَلَيْهَا) ، وَهِيَ نَوْعَانِ: (فَمَا صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا) ، أَيْ: الْأَرْضَ (لَنَا) وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 بِالْخَرَاجِ، (فَ) هِيَ (كَالْعَنْوَةِ) فِي التَّخْيِيرِ أَيْضًا، قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِهِ، وَلَا يَسْقُطُ خَرَاجُهَا بِإِسْلَامِهِمْ، وَجَزَمَ فِي " الْإِقْنَاعِ " بِأَنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ كَجَعْلِهِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ مَعَ أَنَّهُ مُخَرَّجٌ عَلَى ضَعِيفٍ (وَ) النَّوْعُ الثَّانِي: مَا صُولِحُوا (عَلَى أَنَّهَا) ، أَيْ: الْأَرْضُ (لَهُمْ، وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا، فَهُوَ) ، أَيْ: مَا يُؤْخَذُ مِنْ خَرَاجِهَا (كَجِزْيَةٍ إنْ أَسْلَمُوا) سَقَطَ عَنْهُمْ، (أَوْ انْتَقَلَتْ) الْأَرْضُ (لِمُسْلِمٍ سَقَطَ) عَنْهُمْ كَسُقُوطِ جِزْيَةٍ بِإِسْلَامٍ، وَإِنْ انْتَقَلَتْ إلَى ذِمِّيٍّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصُّلْحِ لَمْ يَسْقُطْ خَرَاجُهَا، وَتُسَمَّى هَذِهِ دَارُ عَهْدٍ، وَهِيَ مِلْكٌ لَهُمْ لَا يُمْنَعُونَ فِيهَا إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ وَلَا بَيْعَةٍ كَمَا يَأْتِي، (وَيُقِرُّونَ فِيهَا بِلَا جِزْيَةٍ) ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ إسْلَامٍ، (بِخِلَافِ مَا قَبْلُ) مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، (فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ كَافِرٍ بِهَا سَنَةً بِلَا جِزْيَةٍ) ، لِأَنَّهَا دَارُ إسْلَامٍ. (وَيَرْجِعُ فِي) قَدْرِ (خَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ إلَى تَقْدِيرِ إمَامٍ فِي زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ) عَلَى حَسَبِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَتُطِيقُهُ الْأَرْضُ الَّتِي يَضَعُهُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ لَهَا، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا، وَهَذَا فِي ابْتِدَاءِ الْوَضْعِ، وَأَمَّا مَا وَضَعَهُ إمَامٌ، فَلَا يُغَيِّرُهُ آخَرُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السَّبَبُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ أَيْضًا فِي نَظَائِرِهِ (يَتَّجِهُ) : أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي قَدْرِ خَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ إلَى تَقْدِيرِ إمَامٍ (مَا لَمْ يُجْحِفْ) فِي تَقْدِيرِ ذَلِكَ، بِأَنْ يُحَمِّلَ الْأَرْضَ زِيَادَةً عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهَا، أَوْ يَضْرِبَ جِزْيَةً غَيْرَ مُحْتَمَلَةٍ، أَوْ يُنْقِصَ نَقْصًا فَاحِشًا، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لِأَنَّهُ ظِلُّ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَحَرِّي الْعَدْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا، وَلِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ: لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: وَاَللَّهِ لَوْ زِدْت عَلَيْهِمْ فَلَا يُجْهِدُهُمْ، فَدَلَّ عَلَى إبَاحَةِ الزِّيَادَةِ مَا لَمْ يُجْهِدْهُمْ وَ (لَا) يَرْجِعُ فِي قَدْرِ جِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ (إلَى تَقْدِيرِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الْخَلَّالُ: نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتِيَارُ الْخَلَّالِ وَعَامَّةُ شُيُوخِنَا، قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ " اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ فَلَمْ يَتَقَدَّرْ بِمِقْدَارٍ لَا يَخْتَلِفُ كَأُجْرَةِ الْمَسَاكِنِ. (وَكَانَ عُمَرُ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامِهِ) ، قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: أَعْلَى وَأَصَحُّ حَدِيثٍ فِي أَرْضِ السَّوَادِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، يَعْنِي: أَنَّ عُمَرَ وَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ ضَرَبَ عَلَى الطَّعَامِ دِرْهَمًا وَقَفِيزَ حِنْطَةٍ، وَعَلَى الشَّعِيرِ دِرْهَمًا وَقَفِيزَ شَعِيرٍ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْحُبُوبِ (وَهُوَ) ، أَيْ: الْقَفِيزُ: (ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، قِيلَ بِالْمَكِّيِّ) ، قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَ " الْإِقْنَاعِ " (وَقِيلَ) : ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ (بِالْعِرَاقِيِّ، وَهُوَ نِصْفُ الْمَكِّيِّ) ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا بِالْعِرَاقِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقَفِيزِ الْحَجَّاجِيِّ (فَعَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ يَكُونُ) الْقَفِيزُ (سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا عِرَاقِيًّا، وَهُوَ قَفِيزُ الْحَجَّاجِ، وَهُوَ صَاعُ عُمَرَ نَصًّا) وَأَمَّا الْقَفِيزُ الْهَاشِمِيُّ، فَهُوَ: مَكُّوكَانِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ رَطْلًا عِرَاقِيًّا، (وَ) قَالَ (فِي " الْمُحَرَّرِ ") : الْأَشْهَرُ عَنْهُ - أَيْ: عَنْ عُمَرَ - أَنَّهُ (جَعَلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 عَلَى جَرِيبِ الزَّرْعِ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامِهِ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةَ) دَرَاهِمَ، (وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةَ) دَرَاهِمَ، (وَعَلَى جَرِيبِ الرُّطَبَةِ سِتَّةَ) دَرَاهِمَ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَهَذَا الَّذِي وَظَّفَهُ عُمَرُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ: أَنَّ جَرِيبَ الزَّرْعِ الْحِنْطَةُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ: عَلَى جَرِيبِ الزَّرْعِ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامِهِ. (وَالْجَرِيبُ: عَشْرُ قَصَبَاتٍ فِي مِثْلِهَا) ، أَيْ: فِي عَشْرِ قَصَبَاتٍ، وَهُوَ مِائَةُ قَصَبَةٍ مُكَسَّرَةٍ، وَمَعْنَى الْكَسْرِ ضَرْبُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ فِي الْآخَرِ، فَيَصِيرُ أَحَدُهُمَا كَسْرًا لِلْآخَرِ (وَالْقَصَبَةُ) : مَا يَمْسَحُ بِهِ الْمُزَارِعُ، كَالذِّرَاعِ لِلْبَزِّ، وَاخْتِيرَ الْقَصَبُ عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَطُولُ وَلَا يَقْصُرُ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الْخَشَبِ، وَهِيَ: (سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ) عُمَرَ، وَهُوَ ذِرَاعٌ (وَسَطٌ) ، أَيْ: بِيَدِ الرَّجُلِ الْمُتَوَسِّطِ الطُّولِ، (وَقَبْضَةِ وَإِبْهَامِ قَائِمٍ) ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَقَبْضَةِ وَإِبْهَامِ، بِالْجَرِّ: عَطْفٌ عَلَى: بِذِرَاعِ، (فَيَكُونُ الْجَرِيبُ ثَلَاثَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ وَسِتِّمِائَةٍ) مُكَسَّرًا، لِأَنَّ الْقَصَبَةَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ فِي مِثْلِهَا، فَتَكُونُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا مُكَسَّرَةً تَضْرِبُهَا فِي مُكَسَّرِ الْجَرِيبِ، وَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ يَخْرُجُ مَا ذُكِرَ (وَمَا بَيْنَ شَجَرٍ مِنْ بَيَاضِ أَرْضٍ) ، وَهُوَ الْخَالِي مِنْ الشَّجَرِ (تَبَعٌ لَهَا) ، أَيْ: لِلشَّجَرِ، فَلَا يُؤْخَذُ سِوَى خَرَاجِ الشَّجَرِ. (وَلَا خَرَاجَ عَلَى مَسَاكِنَ مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا، لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ، (وَإِنَّمَا كَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يَمْسَحُ دَارِهِ) بِبَغْدَادَ، (وَيُخْرِجُ عَنْهَا) الْخَرَاجَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، (وَرَعًا) مِنْهُ، (لِأَنَّ بَغْدَادَ كَانَتْ حِينَ فُتِحَتْ مَزَارِعَ) وَمُقْتَضَى ذَلِكَ: أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَزَارِعَ حِينَ فَتْحِهِ، وَجُعِلَ مَسَاكِنَ يَجِبُ فِيهِ الْخَرَاجُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ، وَيُحْمَلُ فِعْلُ الْإِمَامِ عَلَى الْوَرَعِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ أَهْلَ بَغْدَادَ عَامَّةً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 (وَلَا خَرَاجَ عَلَى مَزَارِعِ مَكَّةَ وَ) لَا عَلَى مَزَارِعِ (الْحَرَمِ) ، لِأَنَّ مَزَارِعَ الْحَرَمِ (كَهِيَ) ، أَيْ: كَمَزَارِعِ مَكَّةَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهَا شَيْئًا، وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ جِزْيَةُ الْأَرْضِ، وَلَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهَا عَنْ أَرْضِ مَكَّةَ. (وَحَرُمَ بِنَاؤُهُ وَاخْتِصَاصُهُ بِهِ) ، أَيْ: بِالْبِنَاءِ (فِيهِمَا) ، أَيْ: فِي مَكَّةَ وَالْحَرَمِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّضْيِيقِ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ. (وَيَتَّجِهُ: جَوَازُ إعَادَةِ مَا) ، أَيْ: بِنَاءٌ قَدِيمٌ (انْهَدَمَ) مِنْ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ بِلَا رَيْبٍ فِي ذَلِكَ، (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ الْبِنَاءَ) فِيهِمَا (لَا يَحْرُمُ إلَّا إنْ خِيفَ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ الْبِنَاءِ (تَضْيِيقٌ عَلَى النَّاسِ) فِي مَنَازِلِهِمْ وَأَدَاءِ مَنَاسِكِهِمْ، (وَإِلَّا) يُخَفْ مِنْهُ التَّضْيِيقُ، (فَلَا) يَحْرُمُ (وَ) إذَا تَحَرَّى عَدَمَ الضَّرَرِ، وَبَنَى شَيْئًا فَ (هُوَ أَحَقُّ بِهِ) مِنْ غَيْرِهِ كَمُتَحَجِّرِ مَوَاتٍ، (فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ دَفَعَهُ لِمُحْتَاجٍ) يَرْتَفِقُ بِهِ (مَجَّانًا) أَيْ: بِلَا عِوَضٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا بَأْسَ بِهِ. (فَالْخَرَاجُ عَلَى أَرْضٍ لَهَا مَا تُسْقَى بِهِ وَلَوْ لَمْ تُزْرَعْ) كَالْمُؤَجَّرَةِ وَ (لَا) خَرَاجَ عَلَى (مَا لَا يَنَالُهُ مَاءٌ) مِنْ الْأَرَاضِيِ (وَلَوْ أُمْكِنَ زَرْعُهُ وَإِحْيَاؤُهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ) لِأَنَّ الْخَرَاجَ أُجْرَةُ الْأَرْضِ، وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَا أُجْرَةَ لَهُ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ إذَا أَحْيَا وَزَرَعَ وَجَبَ خَرَاجُهُ وَيَأْتِي: لَا خَرَاجَ عَلَى مُسْلِمٍ فِيمَا أَحْيَاهُ مِنْ أَرْضٍ عَنْوَةً (وَمَا لَمْ يَنْبُتْ أَوْ يَنَلْهُ الْمَاءُ) إلَّا عَامًا بَعْدَ عَامٍ، (فَنِصْفُ خَرَاجِهِ فِي كُلِّ عَامٍ) لِأَنَّ نَفْعَهَا عَلَى النِّصْفِ، فَكَذَا خَرَاجُهَا. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَوْ يَبِسَتْ الْكُرُومُ بِجَرَادٍ أَوْ غَيْرِهِ، سَقَطَ مِنْ الْخَرَاجِ حَسْبَمَا تَعَطَّلَ مِنْ النَّفْعِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 لِأَنَّ الْخَرَاجَ فِي نَظِيرِ النَّفْعِ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ النَّفْعُ بِهِ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ عِمَارَةٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تَجُزْ الْمُطَالَبَةُ بِالْخَرَاجِ انْتَهَى) لِأَنَّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَا خَرَاجَ لَهُ. (وَ) يَجِبُ (الْخَرَاجُ عَلَى مَالِكٍ دُونَ مُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ) ، لِأَنَّهُ عَلَى رَقَبَةِ الْأَرْضِ كَفِطْرَةِ الْعَبْدِ، (وَهُوَ) ، أَيْ: الْخَرَاجُ (كَالدَّيْنِ) قَالَ أَحْمَدُ: يُؤَدِّيهِ، ثُمَّ يُزَكِّي مَا بَقِيَ (يُحْبَسُ بِهِ مُوسِرٌ) ، لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ أُجْرَةَ الْمَسَاكِنِ، (وَيُنْظَرُ بِهِ مُعْسِرٌ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (وَمَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ فَهُوَ) وَمَنْ يَنْقُلُهَا إلَيْهِ (أَحَقُّ بِهَا بِالْخَرَاجِ كَالْمُسْتَأْجِرِ) إلَّا أَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ لَمْ تُقَدَّرْ لِلْحَاجَةِ، (وَيَرِثُهَا وَرَثَتُهُ كَذَلِكَ) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي يَدِ مُوَرِّثِهِمْ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، (وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا) ، أَيْ: الْأَرْضُ، (مِنْهُ وَدَفْعُهَا لِغَيْرِهِ) ، لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ مِنْ غَيْرِ مُخَصِّصٍ، (فَإِنْ آثَرَ) الَّذِي بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ (بِهَا أَحَدًا صَارَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهَا) مِنْ غَيْرِهِ، لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَوَّلِ، (كَمَا يَأْتِي فِي) بَابِ إحْيَاءِ (الْمَوَاتِ) مُفَصَّلًا. (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ عِمَارَةِ أَرْضِهِ) الْخَرَاجِيَّةِ (أُجْبِرَ عَلَى إجَارَتِهَا) لِمَنْ يَعْمُرُهَا، (أَوْ) عَلَى (رَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا لِتُدْفَعَ لِمَنْ يَعْمُرُهَا وَيَقُومُ بِخَرَاجِهَا) ، لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يُعَطِّلُهَا عَلَيْهِمْ. (وَكُرِهَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَقَبَّلَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً بِمَا عَلَيْهَا مِنْ خَرَاجٍ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ فِي مَعْنَى الْمَذَلَّةِ) تَتِمَّةٌ: إنْ اخْتَلَفَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْأَرْضِ فِي كَوْنِهَا خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً، وَأَمْكَنَ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَقَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ فَإِنْ اتَّهَمَ اسْتَحْلَفَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى الشَّوَاهِدِ الدِّيوَانِيَّةِ السُّلْطَانِيَّةِ إذَا عَلِمَ صِحَّتَهَا، وَوَثِقَ بِكِتَابَتِهَا، وَلَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهَا تُهْمَةٌ. (وَيَجُوزُ) لِصَاحِبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ (أَنْ يُرْشِيَ الْعَامِلَ) الْقَابِضَ لِخَرَاجِهِ (وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ) فِي خَرَاجِهِ، لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ، وَ (لَا) يَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ (لِيَدَعَ) عَنْهُ (خَرَاجًا) ، لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إبْطَالِ حَقٍّ، فَهُوَ كَرِشْوَةِ الْحَاكِمِ لِيَحْكُمَ لَهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ (وَالْهَدِيَّةُ الدَّفْعُ) ، أَيْ: الْعَيْنُ الْمَالِيَّةُ الْمَدْفُوعَةُ لِمُهْدًى إلَيْهِ (ابْتِدَاءً) بِلَا طَلَبٍ. (وَالرِّشْوَةُ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ: الدَّفْعُ (بَعْدَ الطَّلَبِ) مَنْ أَخَذَهَا (وَأَخْذُهُمَا) ، أَيْ: الرِّشْوَةُ وَالْهَدِيَّةُ (حَرَامٌ) لِحَدِيثِ «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَفْرِقَةُ خَرَاجٍ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ) ، لِأَنَّ مَصْرِفَهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ (وَمَصْرِفُهُ) ، أَيْ: الْخَرَاجُ (كَفَيْءٍ) ، لِأَنَّهُ مِنْهُ، فَيَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا. (وَإِنْ رَأَى إمَامٌ الْمَصْلَحَةَ فِي إسْقَاطِهِ) أَيْ: الْخَرَاجِ (عَمَّنْ لَهُ) ، أَيْ: الْإِمَامُ، (وَضَعَهُ) فِيهِ مِمَّنْ يَدْفَعُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يَنْفَعُهُمْ كَفَقِيهٍ، وَمُؤَذِّنٍ وَنَحْوِهِ (جَازَ) لَهُ إسْقَاطُهُ عَنْهُ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ، ثُمَّ رَدِّهِ إلَيْهِ. (وَلَا يَحْتَسِبُ بِمَا ظَلَمَ فِي خَرَاجِهِ مِنْ عُشْرٍ) وَاجِبٍ عَلَيْهِ فِي زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهُ غَصْبٌ. (وَيَتَّجِهُ: مَا لَمْ يَنْوِهِ) ، أَيْ: مَا ظَلَمَ بِهِ (زَكَاةٌ حَالَ دَفْعٍ) ، فَإِنْ نَوَاهُ زَكَاةً جَازَ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ تَمِيلُ إلَيْهِ النَّفْسُ لَوْلَا مُصَادَمَةُ النَّصِّ، إذْ نِيَّةُ الدَّافِعِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ غَصْبًا (وَمَنْ أَقَامَ بِبَلْدَةٍ تَطْلُبُ مِنْهَا الْكُلَفَ بِحَقٍّ وَغَيْرِهِ بِنِيَّةِ الْعَدْلِ، أَوْ تَقْلِيلِ الظُّلْمِ مَهْمَا أَمْكَنَ لِلَّهِ تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 فَكَالْمُجَاهَدِ فِي سَبِيلِهِ) تَبَارَكَ وَتَعَالَى (ذَكَرَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ لِقِيَامِهِ بِالْقِسْطِ وَالْإِنْصَافِ، وَمَنْ بَاشَرَ جِبَايَتَهَا، وَتَحْصِيلُهَا إعَانَةٌ لِمَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ لَا لِلْآخِذِ، مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، فَمَأْجُورٌ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ، (وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ) مَعَهُ، أَيْ: مَعَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ (أَخَّرَ زَكَاةَ السَّائِمَةِ فِي تَحْرِيمِ تَوْفِيرِ بَعْضِهِمْ) ، أَيْ: النَّاسُ، وَحِمَايَتُهُ وَجَعَلَ قِسْطَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَأْتِي لَهُ تَتِمَّةٌ فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ [بَابُ الْفَيْءِ] (بَابُ الْفَيْءِ) أَصْلُهُ مِنْ الرُّجُوعِ يُقَالُ: فَاءَ الظِّلُّ إذَا رَجَعَ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَسُمِّيَ الْمَالُ الْحَاصِلُ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ فَيْئًا لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ: قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: 6] الْآيَتَيْنِ، وَهُوَ: (مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ كَافِرٍ) غَالِبًا (بِحَقٍّ بِلَا قِتَالٍ كَجِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ) مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، (وَعُشْرِ تِجَارَةِ حَرْبِيٍّ اتَّجَرَ إلَيْنَا، وَنِصْفُهُ) ، أَيْ: نِصْفُ عُشْرِ تِجَارَةٍ (لِذِمِّيٍّ) اتَّجَرَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، (وَزَكَاةُ تَغْلِبِي) كَذَلِكَ، (وَمَا تُرِكَ) مِنْ كُفَّارٍ لِمُسْلِمِينَ (فَزَعًا) مِنْهُمْ، (أَوْ) تُرِكَ (عَنْ مَيِّتٍ مُطْلَقًا) مُسْلِمًا كَانَ، أَوْ كَافِرًا (وَلَا وَارِثَ) لَهُ، لِيَسْتَغْرِقَ كَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي مَالِ ذِمِّيٍّ لَا وَارِثَ لَهُ، وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَيَأْتِي أَنَّ مَالَهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حِفْظًا لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ، لَا أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 وَارِثٌ لَهُ، وَفِي تَسْمِيَتِهِ فَيْئًا نَوْعُ تَسَاهُلٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بِحَقٍّ: مَا أُخِذَ مِنْ كَافِرٍ ظُلْمًا، وَقَوْلُهُ بِلَا قِتَالٍ: الْغَنِيمَةُ (وَمَصْرِفُهُ) ، أَيْ: الْفَيْءِ الْمَصَالِحُ، (وَ) مَصْرِفُ (خُمْسِ خُمْسِ الْغَنِيمَةِ الْمَصَالِحُ) ، لِعُمُومِ نَفْعِهَا، وَدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى تَحْصِيلِهَا، قَالَ عُمَرُ: مَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبٌ، إلَّا الْعَبِيدُ، فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ، وَقَرَأَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: 7] . . . حَتَّى بَلَغَ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] ، فَقَالَ: هَذِهِ اسْتَوْعَبَتْ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُقَاتِلَةِ (وَيَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمُّ مِنْ سَدِّ ثَغْرٍ وَكِفَايَةِ أَهْلِهِ) ، أَيْ: الثَّغْرِ (وَحَاجَةِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) ، لِأَنَّ أَهَمَّ الْأُمُورِ حِفْظُ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمْنُهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، وَسَدُّ الثُّغُورِ وَعِمَارَتُهَا وَكِفَايَتُهَا بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ، (ثُمَّ) بِ (الْأَهَمِّ فَالْأَهَمُّ مِنْ سَدِّ بَثْقٍ) ، بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ: الْمَكَانُ الْمُنْفَتِحُ مِنْ جَانِبِ النَّهْرِ، وَسَدُّهُ جَرْفَ الْجُسُورِ لِيَعْلُوَ الْمَاءُ فَيُنْتَفَعُ بِهِ (وَ) مِنْ (كَرْيِ نَهْرٍ لِتَنْظِيفِهِ) مِمَّا يُعِيقُ الْمَاءَ عَنْ جَرَيَانِهِ، (وَ) مِنْ (عَمَلِ قَنْطَرَةٍ وَنَحْوِ مَسَاجِدَ) كَمَدَارِسَ وَرُبُطٍ (وَرِزْقِ قُضَاةٍ وَفُقَهَاءَ وَمُؤَذِّنِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ) كَإِصْلَاحِ السُّبُلِ وَالطُّرُقَاتِ، (وَلَا يُخَمَّسُ) الْفَيْءُ نَصًّا، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَهُ إلَى أَهْلِ الْخُمْسِ كَمَا أَضَافَ إلَيْهِمْ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ، فَإِيجَابُ الْخُمْسِ فِيهِ لِأَهْلِهِ دُونَ بَاقِيهِ مُنِعَ لِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَوْ أُرِيدَ الْخُمُسُ مِنْهُ لَذَكَرَهُ كَمَا فِي خُمْسِ الْغَنِيمَةِ (وَيُقْسَمُ فَاضِلٌ) عَمَّا يَعُمُّ نَفْعُهُ (إنْ كَانَ بَيْنَ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ) ، لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ بِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ فَاسْتَوَوْا فِيهِ كَالْمِيرَاثِ، (وَعَنْهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (يُقَدَّمُ مُحْتَاجٌ، وَصَحَّحَهُ) ، أَيْ: هَذَا الْقَوْلَ (الشَّيْخُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 تَقِيُّ الدِّينِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي حَقِّهِ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ مِنْ الْعَدُوِّ بِالْعُدَّةِ، وَلَا بِالْهَرَبِ لِفَقْرِهِ، بِخِلَافِ الْغَنِيِّ، (وَ) اخْتَارَ أَبُو حَكِيمٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (لَا حَظَّ لِنَحْوِ رَافِضَةٍ فِيهِ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ) قَالَهُ فِي " الْهَدْيِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10] . (وَتُسَنُّ بُدَاءَةٌ) عِنْدَ قَسْمٍ (بِأَوْلَادِ الْمُهَاجِرِينَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَيَبْدَأُ بِبَنِي هَاشِمٍ، لِقُرْبِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ بِبَنِي الْمُطَّلِبِ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» ثُمَّ بِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، لِأَنَّهُ أَخُو هَاشِمٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، ثُمَّ بِبَنِي نَوْفَلٍ، لِأَنَّهُ أَخُو هَاشِمٍ لِأَبِيهِ، ثُمَّ بِبَنِي عَبْدِ الْعُزَّى، وَبَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَتَقَدَّمَ بَنُو عَبْدِ الْعُزَّى، لِأَنَّ خَدِيجَةَ مِنْهُمْ، فَفِيهِمْ أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ حَتَّى تَنْقَضِيَ قُرَيْشٌ، لِقَوْلِ عُمَرَ: وَلَكِنْ أَبْدَأُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ حَتَّى تَنْقَضِيَ قُرَيْشٌ فَوَضْعُ الدِّيوَانِ عَلَى ذَلِكَ (وَقُرَيْشٌ قِيلَ: بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ) ، قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَ " الْمُبْدِعِ " وَ " الْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ فِي " التَّبْيِينِ " (وَقِيلَ: بَنُو فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ) بْنِ كِنَانَةَ، (ثُمَّ بِأَوْلَادِ الْأَنْصَارِ) ، وَهُمْ: الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قُدِّمُوا عَلَى غَيْرِهِمْ، لِسَابِقَتِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ، (فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِيمَا سَبَقَ، فَأَسْبَقُ إسْلَامًا، فَأَسَنُّ، فَأَقْدَمُ هِجْرَةً وَسَابِقَةً بِإِسْلَامٍ، وَيُفَضَّلُ بَيْنَهُمْ) ، أَيْ: أَهْلِ الْعَطَاءِ (بِسَابِقَةٍ) فِي إسْلَامٍ (وَنَحْوِهَا) كَسَبْقٍ بِهِجْرَةٍ، لِأَنَّ عُمَرَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَابِقِ، وَقَالَ: لَا أَجْعَلُ مَنْ قَاتَلَ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَنْ قُوتِلَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 «قَسَمَ النَّفَلَ بَيْنَ أَهْلِهِ مُتَفَاضِلًا عَلَى قَدْرِ غِنَائِهِمْ» وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ، وَقَدْ فَرَضَ عُمَرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ خَمْسَةَ آلَافٍ خَمْسَةَ آلَافٍ، وَلِأَهْلِ بَدْرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَفَرَضَ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَلِأَهْلِ الْفَتْحِ أَلْفَيْنِ أَلْفَيْنِ وَلَمْ يُفَضِّلْ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ. (وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَضَعَ دِيوَانًا يَكْتُبُ فِيهِ أَسْمَاءَ الْمُقَاتِلَةِ، وَ) يَكْتُبُ فِيهِ (قَدْرَ أَرْزَاقِهِمْ) ضَبْطًا لَهُمْ وَلِمَا قُدِّرَ لَهُمْ، (وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ، وَيَجْمَعُهُمْ وَقْتَ غَزْوٍ وَعَطَاءٍ) ، لِيَسْهُلَ الْأَمْرُ عَلَى الْإِمَامِ، (وَلَا يَجِبُ عَطَاءٌ إلَّا لِبَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ بَصِيرٍ صَحِيحٍ يُطِيقُ الْقِتَالَ) ، وَيَتَعَرَّفُ قَدْرَ حَاجَةِ أَهْلِ الْعَطَاءِ وَكِفَايَتَهُمْ، وَيَزِيدُ ذَا الْوَلَدِ مِنْ أَجْلِ وَلَدِهِ، وَذَا الْفَرَسِ مِنْ أَجْلِ فَرَسِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبِيدٌ فِي مَصَالِحِ الْحَرْبِ حَسَبَ مُؤْنَتَهُمْ فِي كِفَايَتِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لِتِجَارَةٍ أَوْ زِينَةٍ لَمْ يَحْتَسِبْ مُؤْنَتَهُمْ، وَيَنْظُرُ فِي أَسْعَارِ بِلَادِهِمْ، لِأَنَّ الْأَسْعَارَ تَخْتَلِفُ، وَالْفَرْضُ الْكِفَايَةُ، (وَيُخْرِجُ) ، أَيْ: يُخْرِجُ الْأَمِيرُ (مِنْ الْمُقَاتِلَةِ) مَعْذُورًا. (وَيَتَّجِهُ: وَ) لَهُ إخْرَاجُ (مُتَعَدٍّ نَفْعُهُ) مِنْ الْمُقَاتِلَةِ، كَعَالِمٍ مُتَصَدِّرٍ لِتَعْلِيمِ الْمُسْلِمِينَ وَإِرْشَادِهِمْ لِمَا يَنْفَعُهُمْ مِنْ أَمْرِ مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَلَا يُمْكِنُهُ مِنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ خَشْيَةَ أَنْ يَهْلَكَ، فَيَفُوتَ عَلَى النَّاسِ مَا كَانَ وَاصِلًا إلَيْهِمْ مِنْ خَيْرِهِ الْعَامِّ، وَنَفْعِهِ التَّامِّ، خُصُوصًا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَسُدُّ مَسَدَّهُ لَوْ فُقِدَ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ (بِمَرَضٍ) ، أَيْ: مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 بِهِ مَرَضٌ (لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَزَمَانَةٍ) وَسُلٍّ وَفَالِجٍ (وَيَسْقُطُ حَقُّهُ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْقِتَالِ، بِخِلَافِ مَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَحُمَّى وَصُدَاعٍ. (وَبَيْتُ الْمَالِ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ) ، لِأَنَّهُ لِمَصَالِحِهِمْ (يَضْمَنُهُ مُتْلِفُهُ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتْلَفَاتِ، (وَيَحْرُمُ أَخْذٌ مِنْهُ بِلَا إذْنِ إمَامٍ) ، لِأَنَّهُ افْتِئَاتٌ عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ. (وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ الْعَطَاءِ دَفَعَ لِوَرَثَتِهِ حَقَّهُ) ، لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، فَانْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَقِيَاسُهُ جِهَاتُ الْأَوْقَافِ إذَا مَاتَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنِ اسْتِحْقَاقِهِ يُعْطَى لِوَرَثَتِهِ. (وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْأَجْنَادِ دَفَعَ لِامْرَأَتِهِ، وَصِغَارِ أَوْلَادِهِ كِفَايَتَهُمْ) لَتَطِيبَ قُلُوبُ الْمُجَاهِدِينَ إذَا عَلِمُوا أَنَّ عِيَالَهُمْ يُكْفَوْنَ الْمُؤْنَةَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ تَوَفَّرُوا عَلَى الْجِهَادِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوْلَادُ الْعُلَمَاءِ كَذَلِكَ فَيُدْفَعُ لِأَوْلَادِ الْعَالِمِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ كِفَايَتَهُمْ، كَمَا كَانَ يُدْفَعُ لِأَبِيهِمْ لِيَرْغَبُوا فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَنَشْرِهِ، (فَإِذَا بَلَغَ ذَكَرُهُمْ أَهْلًا لِقِتَالٍ) ، وَاخْتَارُوا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ، (فُرِضَ لَهُ إنْ طَلَبَ) ، لِأَهْلِيَّتِهِ لِذَلِكَ كَأَبِيهِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) يَطْلُبْ ذَلِكَ (تُرِكَ كَالْمَرْأَةِ وَالْبَنَاتِ) لِلْجُنْدِيِّ الْمَيِّتِ (إذَا تَزَوَّجْنَ) ، فَيُتْرَكْنَ لِغِنَائِهِنَّ بِنَفَقَةِ أَزْوَاجِهِنَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 [بَابُ الْأَمَانِ] (بَابُ الْأَمَانِ الْأَمَانُ: ضِدُّ الْخَوْفِ) ، وَالْأَصْلُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيَحْرُمُ بِهِ) ، أَيْ: الْأَمَانُ (قَتْلٌ وَرِقٌ وَأَسْرٌ وَأَخْذُ مَالَ) ، لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلْأَمَانِ، (وَلَا جِزْيَةَ) عَلَى مُسْتَأْمَنٍ (مُدَّةَ أَمَانٍ) ، لِأَنَّهُ كَافِرٌ أُبِيحَ لَهُ الْمُقَامُ بِدَارِنَا مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ جِزْيَةٍ نَصًّا. (وَشُرِطَ كَوْنُهُ) ، أَيْ: الْأَمَانُ (مِنْ مُسْلِمٍ) ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا، لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ كَالْحَرْبِيِّ، (عَاقِلٍ) لَا طِفْلٌ وَمَجْنُونٌ، لِأَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ (مُخْتَارٍ) ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ (غَيْرِ سَكْرَانَ) ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمَصْلَحَةَ، (وَلَوْ) كَانَ الْعَاقِلُ (قِنًّا أَوْ أُنْثَى أَوْ مُمَيَّزًا أَوْ أَسِيرًا) ، فَلَا تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ، لِقَوْلِ عُمَرَ: الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ أَمَانُهُ، رَوَاهُ سَعِيدٌ وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ أَشْبَهَ الْحُرَّ، (وَ) لَا تُشْتَرَطُ ذُكُورِيَّتُهُ، نَصًّا «لِإِجَارَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَبَا الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَأَجَازَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ لِلْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ، وَفِيهِ: «فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» ، أَيْ: لَا نَفْلٌ وَلَا فَرْضٌ عَلَى أَحَدِ تَفَاسِيرِهِ (لَوْ) كَانَ الْأَمَانُ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ (لِأَسِيرٍ) كَافِرٍ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": يَصِحُّ أَمَانُ غَيْرِ الْإِمَامِ لِلْأَسِيرِ الْكَافِرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " " وَالرِّعَايَتَيْنِ " وَالنَّظْمِ " " وَالْحَاوِيَيْنِ " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " لِحَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجَّرْت أَحْمَائِي، وَأَغْلَقْت عَلَيْهِمْ بَابِي، وَإِنَّ ابْنَ أُمِّي أَرَادَ قَتْلَهُمْ. فَقَالَ لَهَا: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ أَجَّرْنَا مَنْ أَجَّرْت يَا أُمَّ هَانِئٍ، إنَّمَا يُجِيرُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ» رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَخَصَّهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " بِالْإِمَامِ وَالْأَمِيرِ فَقَطْ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ لِخِلَافِهِ (وَ) شَرْطُ الْأَمَانِ (عَدَمُ ضَرَرٍ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِيهِ، (وَأَنْ لَا يَزِيدَ) الْأَمَانُ (عَلَى عَشْرِ سِنِينَ) ، ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ (وَيَتَّجِهُ: وَيَبْطُلُ) أَمَانٌ زَادَتْ مُدَّتُهُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ (فِيمَا) ، أَيْ: فِي الْقَدْرِ الَّذِي (زَادَ) عَلَيْهَا (فَقَطْ) ، لَا فِي كُلِّهِ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ) الْأَمَانُ (مُنَجَّزًا) كَقَوْلِهِ: أَنْتِ آمِنٌ، (وَ) يَصِحُّ (مُعَلَّقًا) نَحْوُ: مَنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ آمِنٌ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» وَيَصِحُّ أَمَانٌ (مِنْ إمَامٍ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ) ، لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ، (وَ) يَصِحُّ (مِنْ أَمِيرٍ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ جُعِلَ بِإِزَائِهِمْ لِقِتَالِهِمْ) ، لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ، وَأَمَّا مَعَ غَيْرِهِمْ فَكَآحَادِ الْمُسْلِمِينَ (وَ) يَصِحُّ (مِنْ كُلِّ أَحَدٍ) يَصِحُّ أَمَانُهُ (لِقَافِلَةٍ وَحِصْنٍ صَغِيرَيْنِ عُرْفًا) وَاخْتَارَ ابْنُ الْبَنَّا (كَمِائَةٍ فَأَقَلُّ) ، فَإِنْ كَانَ لِأَهْلِ بَلَدٍ أَوْ رُسْتَاقٍ، أَوْ جَمْعٍ كَبِيرٍ، لَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ بِإِزَائِهِمْ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ، وَالِافْتِئَاتِ عَلَيْهِ. (وَمَنْ صَحَّ أَمَانُهُ) مِمَّنْ تَقَدَّمَ (قَبْلَ إخْبَارِهِ بِهِ) (إذَا كَانَ عَدْلًا كَمُرْضِعَةٍ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 فِعْلِهَا) ، وَقَاسَمَ وَنَحْوَهُ، (وَلَا يَنْقُضُهُ) ، أَيْ: أَمَانُ مُسْلِمٍ (إمَامٌ) حَيْثُ صَحَّ لِوُقُوعِهِ لَازِمًا (إلَّا إذَا خَافَ خِيَانَةً) مِمَّنْ أُعْطِيَهُ فَيَنْقُضُهُ، لِفَوَاتِ شَرْطِهِ ، (وَإِنْ ادَّعَى الْأَمَانَ أَسِيرٌ) وَأَنْكَرَهُ مَنْ جَاءَ بِهِ (فَقَوْلُ مُنْكَرِهِ) ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَإِبَاحَةُ دَمِ الْحَرْبِيِّ. (وَمَنْ طَلَبَ) مِنْ الْكُفَّارِ (الْكَفَّ لِيَدُلَّ عَلَى كَذَا) ، فَبَعَثَ مَعَهُ قِوَامًا لِيَدُلَّهُمْ (فَامْتَنَعَ) مِنْ الدَّلَالَةِ، (ضَرَبَ عُنُقَهُ) ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَمَانِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ، وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ. (وَيَصِحُّ) الْأَمَانُ (بِ) كُلِّ (قَوْلٍ) يَدُلُّ عَلَيْهِ (كَسَلَامٍ) ، لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْأَمَانِ (وَ) كَقَوْلِهِ (أَنْتَ) آمِنٌ (أَوْ: بَعْضُك) آمِنٌ (أَوْ يَدُك وَنَحْوُهَا) مِنْ أَعْضَائِهِ كَ: رَأْسِك (آمِنٌ، وك) قَوْلِهِ: (لَا بَأْسَ عَلَيْك، وَأَجَرْتُك، وَقِفْ وَأَلْقِ سِلَاحَك، وَقُمْ لَا تَذْهَلْ، وَمَتْرَسُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَآخِرِهِ سِينٌ مُهْمَلَةٌ، (وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: لَا تَخَفْ) ، قَالَ عُمَرُ: إذَا قُلْتُمْ: لَا بَأْسَ، أَوْ: لَا تَذْهَلْ، أَوْ مَتَرْسٌ، فَقَدْ أَمَّنْتُمُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ (وَ) كَذَلِكَ يَحْصُلُ الْأَمَانُ لِكَافِرٍ (بِشِرَائِهِ، قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: إذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْتُلَهُ فَلَا يَقْتُلُهُ) ، لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ فَقَدْ أَمَّنَهُ (وَ) يَصِحُّ أَمَانٌ (بِإِشَارَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْأَمَانُ (كَإِمْرَارِ يَدِهِ) كُلِّهَا (أَوْ بَعْضِهَا عَلَيْهِ، بِإِشَارَةٍ بِسَبَّابَتِهِ إلَى السَّمَاءِ) وَلَوْ مَعَ إمْكَانِ نُطْقِهِ، لِقَوْلِ عُمَرَ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ إلَى السَّمَاءِ إلَى مُشْرِكٍ، فَنَزَلَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ لَقَتَلْتُهُ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَتَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ مَعَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُمْ عَدَمُ فَهْمِ الْعَرَبِيَّةِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْبَيْعِ، وَيَصِحُّ بِرِسَالَةٍ وَكِتَابَةٍ، لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْإِشَارَةِ، (وَيَسْرِي) الْأَمَانُ (إلَى مَنْ مَعَهُ) ، أَيْ: الْمُسْتَأْمَنُ (مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ) تَبَعًا لَهُ، (إلَّا أَنْ يَخُصَّ بِهِ) كَ: أَنْتَ آمِنٌ دُونَ أَهْلِك وَمَالِكَ، فَلَا يَسْرِي إلَيْهِمَا. (وَيَجِبُ رَدُّ مُعْتَقِدِ غَيْرِ الْأَمَانِ أَمَانًا إلَى مَأْمَنِهِ) ، أَيْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 الْمَوْضِعُ الَّذِي صَدَرَ فِيهِ مَا اعْتَقَدَهُ أَمَانًا نَصًّا، لِئَلَّا يَكُونَ غَدْرًا لَهُ، (وَإِنْ طَلَبَ بِهِ) ، أَيْ: الْأَمَانَ (لِيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ، وَيَعْرِفَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ لَزِمَ إجَابَتُهُ، ثُمَّ يُرَدُّ إلَى مَأْمَنِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هِيَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (وَمَنْ أُمِّنَ) مِنْ الْكُفَّارِ، بِأَنْ أَمَّنَهُ مُسْلِمٌ (فَرَدَّ الْأَمَانَ) ، بَطَلَ أَمَانُهُ، (أَوْ خَانَنَا) بَعْدَ أَنْ أَمَّنَاهُ، وَقَبِلَ الْأَمَانِ، (وَلَوْ بِصَوْلَتِهِ عَلَى مُسْلِمٍ لِقَتْلِهِ، بَطَلَ أَمَانُهُ) ، لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَهُوَ عَدَمُ الضَّرَرِ عَلَيْنَا. (وَيُعْقَدُ) الْأَمَانُ (لِرَسُولٍ وَمُسْتَأْمَنٍ) ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُؤَمِّنَ رُسُلَ الْمُشْرِكِينَ» لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «جَاءَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أَثَالٍ رَسُولَا مُسَيْلِمَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمَا: أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: آمَنْت بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَوْ كُنْت قَاتِلًا رَسُولًا لَقَتَلْتُكُمَا» . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَمَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ " رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، إذْ لَوْ قَتَلْنَا رُسُلَهُمْ لَقَتَلُوا رُسُلَنَا، فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْمُرَاسَلَةِ، (وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا) ، أَيْ: الرَّسُولُ وَالْمُسْتَأْمَنُ (مُدَّتَهُ) ، أَيْ: مُدَّةَ الْأَمَانِ نَصًّا، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَلْتَزِمَاهَا. (وَمَنْ أَسْلَمَ) قَبْلَ فَتْحٍ وَاشْتَبَهَ، (أَوْ أُعْطِيَ أَمَانًا لِيَفْتَحَ حِصْنًا فَفَتَحَهُ وَاشْتَبَهَ) بِحَرْبِيَّيْنِ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ، أَوْ أُعْطِيَ الْأَمَانُ، (حَرُمَ قَتْلُهُمْ) نَصًّا، (وَ) حَرُمَ (رِقُّهُمْ) لِاشْتِبَاهِ الْمُبَاحِ بِالْمُحَرَّمِ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ أَوْ مَيِّتَةٍ بِمُذَكَّاةٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَبَهُ الْمَذْكُورُ (لَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 نُسِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، (أَوْ اشْتَبَهَ مَنْ لَزِمَهُ قَوَدٌ) بِمَنْ لَا يَلْزَمُهُ، فَيَحْرُمُ قَتْلُهُ (وَيَتَّجِهُ: أَوْ لَزِمَهُ غُرْمٌ كَدِيَةٍ) وَاشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ، فَيَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اشْتَبَهَ مَا أُخِذَ مِنْ كَافِرٍ) بِحَقٍّ (بِمَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ ظُلْمًا، فَيَنْبَغِي الْكَفُّ عَنْهُمَا) ، لِحَدِيثِ: «وَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» وَهَذَا فِيمَا إذَا أَرَادَ تَنَاوُلَ مَا أُخِذَ مِنْ الْكَافِرِ بِحَقٍّ، أَمَّا إذَا أَرَادَ تَنَاوُلَ الْجَمِيعَ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعًا. (وَمَنْ جَاءَنَا بِلَا أَمَانٍ وَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ أَوْ تَاجِرٌ) وَمَعَهُ مَا يَبِيعُهُ (وَصَدَّقَتْهُ عَادَةٌ، قُبِلَ) مِنْهُ مَا ادَّعَاهُ نَصًّا، (وَإِلَّا) تُصَدِّقْهُ عَادَةٌ فَكَأَسِيرٍ، (أَوْ كَانَ جَاسُوسًا فَكَأَسِيرٍ) يُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ ، (وَإِنْ لَقِيَتْ سَرِيَّةٌ أَعْلَاجًا، فَادَّعَوْا) أَنَّهُمْ جَاءُوا يَطْلُبُونَ (الْأَمَانَ، قُبِلَ) ، وَيُؤَمَّنُونَ (إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ سِلَاحٌ) ، لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِمْ، (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: إذَا لَقِيَ عِلْجًا، فَطَلَبَ مِنْهُ الْأَمَانَ فَلَا يُؤَمِّنْهُ، لِأَنَّهُ يَخَافُ شَرَّهُ) وَشَرْطُ الْأَمَانِ أَمْنُ شَرِّهِ، (وَإِنْ كَانُوا سَرِيَّةً فَلَهُمْ أَمَانُهُ) ، لِأَمْنِهِمْ شَرَّهُ (وَمَنْ جَاءَتْ بِهِ رِيحٌ) مِنْ كُفَّارٍ إلَيْنَا، (أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ) مِنْهُمْ فَوَصَلَ إلَيْنَا، (أَوْ أَبَقَ) مِنْ رَقِيقِهِمْ إلَيْنَا، (أَوْ شَرَدَ إلَيْنَا) مِنْ دَوَابِّهِمْ (فَ) هُوَ (لِآخِذِهِ) غَيْرُ مَخْمُوسٍ، لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَأَخْذُهُ بِغَيْرِ قِتَالٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَشْبَهَ الصَّيْدَ وَالْحَشِيشَ، (وَلَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَيْنَا بِلَا إذْنٍ وَلَوْ رَسُولًا أَوْ تَاجِرًا) ، أَيْ: يَحْرُمُ ذَلِكَ كَمَا فِي " الْمُبْدِعِ " (وَمَنْ دَخَلَ مِنَّا) مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ (دَارَهُمْ) ، أَيْ: الْكُفَّارِ، (بِأَمَانٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 حَرُمَ عَلَيْهِ خِيَانَتُهُمْ) ، لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَعْطَوْهُ الْأَمَانَ بِشَرْطِ عَدَمِ خِيَانَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي اللَّفْظِ فَهُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمَعْنَى وَلَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، (وَ) حَرُمَ عَلَيْهِ (مُعَامَلَتُهُمْ بِالرِّبَا) ، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، (فَإِنْ خَانَهُمْ) شَيْئًا، (أَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ) شَيْئًا (أَوْ اقْتَرَضَ) مِنْهُمْ (شَيْئًا، وَجَبَ رَدُّهُ لِرَبِّهِ) ، فَإِنْ جَاءُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَعْطَاهُ لَهُمْ، وَإِلَّا بَعَثَهُ إلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ. (وَإِنْ اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ) مَالًا، (ثُمَّ أَسْلَمَ، لَزِمَهُ رَدُّ قَرْضٍ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيَّةً، ثُمَّ أَسْلَمَ لَزِمَهُ رَدُّ مَهْرِهَا إلَيْهَا إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا (وَإِنْ أَوْدَعَ) مُسْتَأْمَنٌ مَالًا (أَوْ أَقْرَضَ مُسْتَأْمَنٌ مُسْلِمًا، أَوْ) أَوْدَعَ أَوْ أَقْرَضَ مُسْتَأْمَنٌ (ذِمِّيًّا مَالًا أَوْ تَرَكَهُ) ، أَيْ: الْمَالَ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ، (ثُمَّ عَادَ لِدَارِ حَرْبٍ مُسْتَوْطِنًا) أَوْ (عَادَ مُحَارِبًا بَطَلَ أَمَانُهُ وَبَقِيَ أَمَانُ مَالِهِ) ، لِاخْتِصَاصِ الْمُبْطِلِ بِنَفْسِهِ، فَيَخْتَصُّ الْبُطْلَانُ بِهِ وَإِنْ عَادَ لِدَارِ الْحَرْبِ رَسُولًا، أَوْ لِحَاجَةٍ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ عَلَى أَمَانِهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ، (وَلَوْ) كَانَ مَا تَرَكَهُ (عِنْدَ ذِمِّيٍّ) ثُمَّ (انْتَقَضَ عَهْدُهُ) لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ بَقِيَ أَمَانُ مَا كَانَ مَتْرُوكًا عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْمَنِ وَغَيْرِهِ (وَعِبَارَتُهُمَا) ، أَيْ: " الْمُنْتَهَى " " وَالْإِقْنَاعِ " (هُنَا تُوهِمُ) أَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: أَوْ انْتَقَضَ عَهْدُ ذِمِّيٍّ بَقِيَ مَالُهُ، مَعَ أَنَّهُ يَأْتِي فِي آخِرِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ أَنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ إذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ فَيْءٌ وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُنْقَضُ فِي مَالِ الذِّمِّيِّ دُونَ الْحَرْبِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، لِأَنَّ الْأَمَانَ ثَبَتَ فِي مَالِ الْحَرْبِيِّ بِدُخُولِهِ مَعَهُ، فَالْأَمَانُ ثَابِتٌ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْأَصَالَةِ، كَمَا لَوْ بَعَثَهُ مَعَ وَكِيلٍ أَوْ مُضَارِبٍ، بِخِلَافِ مَالِ الذِّمِّيِّ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ تَبَعًا، لِأَنَّهُ مُكْتَسَبٌ بَعْدَ عَقْدِ ذِمَّتِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 (وَيَبْعَثُ) مَالَهُ (لَهُ إنْ طَلَبَهُ) ، لِبَقَاءِ الْأَمَانِ فِيهِ، (وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) بِنَحْوِ بَيْعٍ وَهِبَةٍ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، (وَإِنْ مَاتَ) بِدَارِ حَرْبٍ (فَ) مَالُهُ (لِوَارِثِهِ) ، لِأَنَّ الْأَمَانَ حَقٌّ لَازِمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ، فَبِمَوْتِهِ يَنْتَقِلُ لِوَارِثِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ مِنْ رَهْنٍ وَضَمَانٍ وَشُفْعَةٍ، (فَإِنْ عَدِمَ) وَارِثُهُ فَلَمْ يَكُنْ، (فَفَيْءٌ) لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَالِ ذِمِّيٍّ لَا وَارِثَ لَهُ، (وَإِنْ اسْتَرَقَّ) رَبُّ الْمَالِ (وَقَفَ) مَالُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ آخِرَ أَمْرِهِ، (فَإِنْ عَتَقَ أَخَذَهُ) إنْ شَاءَ، (وَإِنْ مَاتَ قِنًّا فَ) هُوَ (فَيْءٌ) ، لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُورَثُ وَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِلَا أَمَانٍ جَازَ قَتْلُهُ وَسَبْيُهُ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْأَمَانِ فِي مَالِهِ لَا يُثْبِتُهُ فِي نَفْسِهِ كَمَا لَوْ كَانَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ بِدَارِ الْحَرْبِ. (وَإِذَا سَرَقَ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِنَا، أَوْ قَتَلَ أَوْ غَصَبَ) ، أَوْ لَزِمَهُ مَالٌ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ (وَبَطَلَ أَمَانُهُ) بِذَلِكَ، ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، (ثُمَّ) خَرَجَ إلَيْنَا وَ (أَمِنَ) أَيْ: أَمَّنَّاهُ أَمَانًا (ثَانِيًا اسْتَوْفَى ذَلِكَ) ، أَيْ: مَا لَزِمَهُ فِي أَمَانِهِ الْأَوَّلِ (مِنْهُ) ، لِاسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ. [فَرْعٌ مَنْ أَمِنَ أَيْ أَمَّنَّاهُ عَلَى أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِنَا مُدَّةً مَعْلُومَةً] (فَرْعٌ: مَنْ أَمِنَ) ، أَيْ: أَمَّنَّاهُ عَلَى أَنْ يُقِيمَ (فِي دَارِنَا مُدَّةً) مَعْلُومَةً، (وَبَلَغَهَا) ، أَيْ: الْمُدَّةَ (وَاخْتَارَ الْبَقَاءَ بِدَارِنَا، أَدَّى الْجِزْيَةَ) كَسَائِرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، (وَإِلَّا) يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ (فَهُوَ عَلَى مَأْمَنِهِ حَتَّى يَخْرُجَ) إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي أَمَّنَّاهُ فِيهِ [فَصْلٌ إنْ أُسِرَ مُسْلِمٌ فَأُطْلِقَ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً] (فَصْلٌ) (وَإِنْ أُسِرَ مُسْلِمٌ) ، أَيْ: أَسَرَهُ الْكُفَّارُ، (فَأُطْلِقَ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً) مُعَيَّنَةً، أَيْ: أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ وَرَضِيَ بِالشَّرْطِ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ نَصًّا، لِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» (أَوْ) أُطْلِقَ (أَبَدًا، أَوْ) بِشَرْطِ (أَنْ يَأْتِيَ) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (وَيَرْجِعَ) إلَيْهِمْ (أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 أَنْ يَبْعَثَ) إلَيْهِمْ (مَالًا وَإِنْ عَجَزَ عَادَ إلَيْهِمْ) وَرَضِيَ، (لَزِمَهُ الْوَفَاءُ) ، لِحَدِيثِ: «إنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ» وَلِأَنَّ الْوَفَاءَ مَصْلَحَةٌ لِلْأَسَارَى، وَفِي الْغَدْرِ مَفْسَدَةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَمَّنُونَ بَعْدَهُ مَعَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَإِنْ أَكْرَهُوهُ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ، وَلَوْ حَلَفَ لَهُمْ مُكْرَهًا، (إلَّا الْمَرْأَةَ) ، إذَا أُسِرَتْ ثُمَّ أُطْلِقَتْ، بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِمْ، (فَلَا) يَحِلُّ لَهَا أَنْ (تَرْجِعَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] وَلِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ عَلَى وَطْئِهَا حَرَامًا (وَعِنْدَ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ: (لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ فِي الْتِزَامِ الْإِقَامَةِ أَبَدًا، لِأَنَّ الْهِجْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ) انْتَهَى (وَيَتَّجِهُ: مُرَادُهُمْ) ، أَيْ: الْأَصْحَابُ، مِنْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِقَامَةِ أَبَدًا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ الْتَزَمَهُ (قَادِرٌ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ، وَإِلَّا) بِأَنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ (فَكَمَا قَالَ الشَّيْخُ) فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُهَاجِرَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَإِنْ أُطْلِقَ بِلَا شَرْطٍ، أَوْ) بِشَرْطِ (كَوْنِهِ رَقِيقًا، فَإِنْ ائْتَمَنُوهُ فَلَهُ الْهَرَبُ فَقَطْ) ، لِعَدَمِ شَرْطِهِ الْمُقَامَ عِنْدَهُمْ، وَشَرْطُ الرِّقِّ بَاطِلٌ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ، (وَإِلَّا) يَأْتَمِنُوهُ (فَيَقْتُلُ وَيَسْرِقُ أَيْضًا) ، أَيْ: كَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَهُ الْهَرَبُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَمِّنْهُمْ وَلَمْ يُؤَمِّنُوهُ، (وَ) إذَا هَرَبَ جَازَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 لَهُ أَنْ (يُقَاتِلَهُمْ لَوْ لَحِقُوهُ) دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَاسْتِبْقَاءً لَهَا (وَلَوْ جَاءَ عِلْجٌ) مِنْ كُفَّارٍ (بِأَسِيرٍ) مُسْلِمٍ (عَلَى أَنْ يُفَادِيَ) الْمُسْلِمَ (بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَجِدْ) قَالَ أَحْمَدُ: (لَمْ يُرَدَّ، وَيَفْدِيهِ الْمُسْلِمُونَ إنْ لَمْ يُفْدَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) ، فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَ أَحْمَدُ: وَالْخَيْلُ أَهْوَنُ مِنْ السِّلَاحِ، وَلَا يَبْعَثُ بِالسِّلَاحِ. (وَلَوْ جَاءَنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ مُسْلِمَةٌ لَمْ تُرَدَّ مَعَهُ وَيَرْضَى) لِيَتْرُكَهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ، (وَيُرَدُّ الرَّجُلُ) إنْ لَمْ يَرْضَ بِتَرْكِهِ (وَلَوْ سُبِيَتْ كَافِرَةٌ، فَجَاءَ ابْنُهَا يَطْلُبُ إطْلَاقَهَا لِيُحْضِرَ أَسِيرَنَا) ، فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ: أَحْضِرْهُ (فَأَحْضَرَهُ، لَزِمَ إطْلَاقُهَا) ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا إجَابَتُهُ إلَى مَا سَأَلَ، فَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: لَمْ أُرِدْ إجَابَتَهُ، لَمْ يُجْبَرْ الْكَافِرُ عَلَى تَرْكِ أَسَيْرِهِ، وَرُدَّ إلَى مَأْمَنِهِ، لِأَنَّ هَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ الشَّرْطُ، فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ فَهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَبَنَى عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَهِمَ الْأَمَانَ مِنْ الْإِشَارَةِ (وَإِنْ أَمِنَتْ حَرْبِيَّةٌ) بِأَنْ دَخَلَتْ دَارَنَا بِأَمَانٍ، (وَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا بِدَارِنَا، ثُمَّ أَرَادَتْ الرُّجُوعَ) إلَى دَارِ الْحَرْبِ (لَمْ تُمْنَعْ إذَا رَضِيَ) زَوْجُهَا، أَوْ فَارَقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْعِدَدِ [بَابُ الْهُدْنَةِ] (بَابُ الْهُدْنَةِ) (الْهُدْنَةُ) ، وَهِيَ لُغَةً: السُّكُونُ وَالدَّعَةُ، وَشَرْعًا: (عَقْدُ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ) مَعَ الْكُفَّارِ (مُدَّةً مَعْلُومَةً) ، وَهِيَ (لَازِمَةٌ) وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ} [الأنفال: 61] وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 «صَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى وَضْعِ الْقِتَالِ عَشْرَ سِنِينَ» وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ، فَيُهَادِنَهُمْ حَتَّى يَقْوَوْا (بِعِوَضٍ) مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، (وَغَيْرُهُ) بِحَسْب الْمَصْلَحَةِ، لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَتُسَمَّى مُهَادَنَةٌ وَمُوَادَعَةٌ) مِنْ الدَّعَةِ، (وَمُعَاهَدَةً) مِنْ الْعَهْدِ بِمَعْنَى الْأَمَانِ، (وَمُسَالَمَةً) مِنْ السِّلْمِ بِمَعْنَى الصُّلْحِ، لِحُصُولِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَالْكُفَّارِ (وَمَتَى زَالَ مَنْ عَقَدَهَا) ، أَيْ: الْهُدْنَةَ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ، (لَزِمَ) الْإِمَامَ (الثَّانِي الْوَفَاءُ) بِمَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ عَقَدَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ، كَمَا لَا يَنْقُضُ حَاكِمٌ حُكْمَ غَيْرِهِ بِاجْتِهَادِهِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ فِيهِ، لِأَنَّهَا عَقْدٌ مَعَ جُمْلَةِ الْكُفَّارِ، وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَعْطِيلَ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ الْمُهَادَنِ أَهْلُهَا وَفِيهِ افْتِئَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ (وَلَا تَصِحُّ) الْهُدْنَةُ (إلَّا حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُ جِهَادٍ) لِمَصْلَحَةٍ، (فَمَتَى رَأَى) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (مَصْلَحَةً كَضَعْفِنَا) عَنْ الْقِتَالِ، أَوْ كَانَ فِي الْغَزْوِ مَشَقَّةٌ غَيْرُ مُحْتَمَلَةٍ، (أَوْ طَمَعٌ فِي إسْلَامِهِمْ) نَصًّا، قَطَعَ بِهِ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ، (وَلَوْ بِمَالٍ مِنَّا ضَرُورَةً) مِثْلُ أَنْ يَخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْهَلَاكَ أَوْ الْأَسْرَ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ فِدَاءُ نَفْسِهِ بِالْمَالِ، فَكَذَا هُنَا وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ صَغَارٌ فَهُوَ دُونَ صَغَارِ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ الْمُفْضِي إلَى كُفْرِهِمْ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " الْمَغَازِي " عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ يَعْنِي يَوْمَ الْأَحْزَابِ: أَرَأَيْت إنْ جَعَلْتُ لَك ثُلُثَ ثَمَرِ الْأَنْصَارِ، أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَك مِنْ غَطَفَانَ، أَوْ تَخْذُلُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عُيَيْنَةُ: إنْ جَعَلْتَ الشَّطْرَ فَعَلْتُ» وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَمَا بَذَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مُدَّةً مَعْلُومَةً) ، لِأَنَّ مَا وَجَبَ: تَقْدِيرُهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا (جَازَ، وَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 طَالَتْ) الْمُدَّةُ (كَفَوْقِ عَشْرِ سِنِينَ) ، لِأَنَّهَا تَجُوزُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ، فَجَازَتْ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا كَمُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَكَأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ عَقْدُهَا لِلْمَصْلَحَةِ، فَحَيْثُ وُجِدَتْ جَازَ تَحْصِيلًا لَهَا. (وَإِنْ زَادَ) الْإِمَامُ فِي الْهُدْنَةِ (عَلَى) مُدَّةِ (الْحَاجَةِ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ) فَقَطْ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا، (وَإِنْ أُطْلِقَتْ مُدَّةٌ) ، فَلَمْ تُقَيَّدْ، لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، لِاقْتِضَائِهِ التَّأْبِيدَ، (أَوْ عُلِّقَتْ) الْهُدْنَةُ أَوْ الْمُدَّةُ (بِمَشِيئَتِهِ كَإِنْ شِئْنَا أَوْ شِئْتُمْ) أَوْ شَاءَ فُلَانٌ، أَوْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ، (لَمْ تَصِحَّ) الْهُدْنَةُ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقَةُ كَالْإِجَارَةِ (وَمَتَى جَاءُوا) أَيْ: الْمَعْقُودُ مَعَهُمْ الْهُدْنَةَ (فِي) هُدْنَةٍ (فَاسِدَةٍ، مُعْتَقِدِينَ الْأَمَانَ، رُدُّوا) إلَى مَأْمَنِهِمْ (آمَنِينَ) ، وَلَمْ يُقِرُّوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِفَسَادِ الْأَمَانِ، (وَإِنْ شُرِطَ) ، بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ: شَرَطَ عَاقِدٌ (فِيهَا) ، أَيْ: الْهُدْنَةُ، شَرْطًا فَاسِدًا، (أَوْ) شُرِطَ (فِي عَقْدِ ذِمَّةٍ شَرْطٌ فَاسِدٌ، كَرَدِّ امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ، أَوْ) رَدِّ (صَدَاقِهَا، أَوْ) رَدِّ (صَبِيٍّ أَسْلَمَ، أَوْ) رَدِّ (سِلَاحٍ أَوْ) شُرِطَ (إدْخَالُهُمْ الْحَرَمَ، بَطَلَ) الشَّرْطُ (دُونَ عَقْدٍ) كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ، وَبُطْلَانُهُ فِي رَدِّ الْمَرْأَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] وَحَدِيثُ: «إنَّ اللَّهَ مَنَعَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ» وَفِي رَدِّ صَدَاقِهَا، لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ بُضْعِهَا، فَلَا يَصِحُّ شَرْطًا لِغَيْرِهَا، وَفِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ يَضْعُفُ عَنْ التَّخَلُّصِ مِنْهُمْ، أَشْبَهَ الْمَرْأَةَ، وَفِي السِّلَاحِ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَيْنَا، وَفِي إدْخَالِهِمْ الْحَرَمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] ، (كَ) مَا يُبْطِلُ الشَّرْطَ دُونَ الْعَقْدِ فِي (شَرْطِ نَقْضِهَا مَتَى شَاءَ) ، لِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 الْكُفَّارَ يَبْنُونَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَيَفُوتُ مَعْنَى الْهُدْنَةِ. (وَيَصِحُّ شَرْطُ رَدِّ طِفْلٍ) مِنْهُمْ (لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ) كَكَوْنِهِ دُونَ التَّمْيِيزِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ شَرْعًا، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِسْلَامُ لَوْ أَتَى بِهِ، لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ، (كَشَرْطِ رَدِّ رَجُلٍ جَاءَ) مِنْهُمْ (مُسْلِمًا لِلْحَاجَةِ) ، لِشَرْطِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ (وَيُؤْمَرُ) ، أَيْ: يَأْمُرُ الْإِمَامُ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ مُسْلِمًا وَقْتَ رَدِّهِ إلَيْهِمْ (سِرًّا بِقِتَالِهِمْ وَالْفِرَارِ) مِنْهُمْ، (وَلَا يُمْنَعُونَ أَخْذَهُ، وَلَا يُجْبَرُ هُوَ) ، أَيْ: الْمُسْلِمُ، (عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْعَوْدِ مَعَهُمْ، (لَا سِيَّمَا مَعَ خَوْفٍ) مِنْهُمْ «لِأَنَّ أَبَا بَصِيرٍ لَمَّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَ الْكُفَّارُ فِي طَلَبِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَقَدْ عَلِمْت مَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لَك فَرَجًا وَمَخْرَجًا، فَلَمَّا رَجَعَ مَعَ الرَّجُلَيْنِ قَتَلَ أَحَدَهُمَا فِي طَرِيقِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَفَّى اللَّهُ ذِمَّتَك، رَدَدْتَنِي إلَيْهِمْ وَأَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَلُمْهُ، بَلْ قَالَ: وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ أَبُو بَصِيرٍ، لَحِقَ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ، وَانْحَازَ إلَيْهِ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ، فَجَعَلُوا لَا يَمُرُّ عَلَيْهِمْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ إلَّا عَرَضُوا لَهَا وَأَخَذُوهَا وَقَتَلُوا مَنْ مَعَهَا، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ أَنْ يَضُمَّهُمْ إلَيْهِ وَلَا يَرُدَّ إلَيْهِمْ أَحَدًا جَاءَهُ، فَفَعَلَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا فَإِنْ تَحَيَّزَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، وَقَتَلُوا مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَأَخَذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، جَازَ، وَلَا يَدْخُلُونَ فِي الصُّلْحِ حَتَّى يَضُمَّهُمْ الْإِمَامُ إلَيْهِ بِإِذْنِ الْكُفَّارِ لِلْخَبَرِ. (وَلَوْ هَرَبَ مِنْهُمْ قِنٌّ فَأَسْلَمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِمْ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصُّلْحِ (وَهُوَ حُرٌّ) لِأَنَّهُ مَلَكَ نَفْسَهُ بِإِسْلَامِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] ، (وَ) لَوْ عُقِدَتْ الْهُدْنَةُ (مَعَ عَدَمِ شَرْطِ) رَدٍّ (لَا) يَجُوزُ (رَدُّ) مَنْ جَاءَنَا مُسْلِمًا، أَوْ بِأَمَانٍ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، لِأَنَّهُ رَدٌّ إلَى بَاطِلٍ. (وَإِنْ طَلَبَتْ امْرَأَةٌ) مُسْلِمَةٌ، أَوْ صَبِيَّةٌ مُسْلِمَةٌ (الْخُرُوجَ مِنْ عِنْدِهِمْ، فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ إخْرَاجُهَا) " لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَقَفَتْ ابْنَةُ حَمْزَةَ عَلَى الطَّرِيقِ، فَلَمَّا مَرَّ بِهَا عَلِيٌّ قَالَتْ: يَا ابْنَ عَمِّ إلَى مَنْ تَدْعُنِي؟ فَتَنَاوَلَهَا فَدَفَعَهَا إلَى فَاطِمَةَ حَتَّى صَوَّبَهَا الْمَدِينَةَ» [فَصْلٌ وَيُؤْخَذُونَ أَيْ الْمُهَادِنُونَ زَمَنَ هُدْنَةٍ بِجِنَايَتِهِمْ عَلَى مُسْلِمٍ] (فَصْلٌ) (وَيُؤْخَذُونَ) ، أَيْ: الْمُهَادِنُونَ زَمَنَ هُدْنَةٍ (بِجِنَايَتِهِمْ عَلَى مُسْلِمٍ مِنْ مَالٍ وَقَوَدٍ وَحْدِ قَذْفٍ وَسَرِقَةٍ) ، لِأَنَّ الْهُدْنَةَ تَقْتَضِي أَمَانَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، وَأَمَانَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ، وَ (لَا) يُؤْخَذُونَ بِحَدٍّ (لِلَّهِ تَعَالَى كَزِنًا) ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُلْتَزِمِينَ أَحْكَامَنَا، (لَكِنْ يُقْتَلُ) مُهَادِنٌ (بِزِنًا بِمُسْلِمَةٍ) ، وَمِثْلُهُ لِوَاطٌ بِمُسْلِمٍ، (لِنَقْضِ الْعَهْدِ) وَيَأْتِي. (وَيَجُوزُ قَتْلُ رَهَائِنِهِمْ إنْ قَتَلُوا رَهَائِنَنَا) جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ " وَصَحَّحَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ بِقِتَالِنَا، أَوْ بِمُظَاهَرَةٍ عَلَيْنَا، أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ، أَوْ أَخْذُ مَالَهُ (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْإِمَامِ حِمَايَتُهُمْ) مِمَّنْ تَحْتَ قَبْضَتِهِ، لِأَنَّهُ أَمَّنَهُمْ مِنْهُمْ وَ (لَا) يَلْزَمُهُ حِمَايَتُهُمْ (مِنْ أَهْلِ حَرْبٍ) ، لِأَنَّ الْهُدْنَةَ لَا تَقْتَضِيهِ (وَإِنْ سُبِيَ حُرٌّ كَافِرٌ وَلَوْ) كَانَ الْكَافِرُ (مِنْهُمْ، لَمْ يَصِحَّ لَنَا شِرَاؤُهُمْ) ، لِأَنَّهُمْ فِي عَهْدِنَا، وَلَيْسَ عَلَيْنَا اسْتِنْقَاذُهُمْ، لِكَوْنِ السَّابِي لَهُمْ لَيْسَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 قَبْضَتِنَا (وَإِنْ سَبَى بَعْضُهُمْ وَلَدَ بَعْضٍ وَبَاعَهُ) ، صَحَّ، (أَوْ) بَاعَ (وَلَدَ نَفْسِهِ) صَحَّ، (أَوْ) بَاعَ (أَهْلَهُ صَحَّ) الْبَيْعُ وَلَنَا شِرَاءُ وَلَدِهِمْ وَأَهْلِهِمْ (كَحَرْبِيٍّ بَاعَ وَلَدَهُ وَأَهْلَهُ) ، فَيَصِحُّ لَنَا شِرَاءُ ذَلِكَ مِنْهُ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي " حَاشِيَةِ الْفُرُوعِ ": إذَا جَازَ لَهُمْ بَيْعُ وَلَدِهِمْ وَأَهْلِهِمْ، فَالظَّاهِرُ: جَوَازُ هِبَتِهِمْ أَيْضًا، وَهَلْ لِلْحَرْبِيِّ هِبَةُ نَفْسِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ؟ يَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ، فَلَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ حَرْبِيَّةٌ نَفْسَهَا لِمُسْلِمٍ، مَلَكَهَا، وَجَازَ لَهُ بَيْعُهَا وَوَطْؤُهَا بِنَاءً عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ بَيْعُ وَلَدِهِ وَهِبَتُهُ، فَهِبَةُ نَفْسِهِ أَوْلَى ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي بَيْعِ الْوَلَدِ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ لَيْسَ شِرَاءً حَقِيقِيًّا، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعُ كَسْبٍ مِنْ الْكُفَّارِ بِبَذْلِ عِوَضٍ، فَلَا يَثْبُتُ الرِّقُّ فِيهِمْ إلَّا بَعْدَ أَخْذِهِمْ بِالْعِوَضِ أَوْ مَجَّانًا مِنْ بَائِعِهِمْ، أَوْ وَاهِبِهِمْ لِسَبْيِهِمْ، وَإِنَّهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا رِقَّ عَلَيْهِمْ بَلْ هُمْ أَحْرَارٌ انْتَهَى وَإِنْ بَاعَ ذِمِّيٌّ وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ غَيْرِهِ أَوْ أَهْلَهُ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ، فَكَانَ آكُدَ مِنْ الْهُدْنَةِ (وَإِنْ خِيفَ) مِنْ مُهَادَنِينَ (نَقْضُ عَهْدِهِمْ بِقِتَالٍ لَنَا أَوْ مُظَاهَرَةٍ) عَلَيْنَا، (أَوْ أَمَارَةٍ تَدُلُّ) عَلَى النَّقْضِ، (نُبِذَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ: جَازَ نَبْذُ الْإِمَامِ (إلَيْهِمْ) عَهْدَهُمْ بِأَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنْ لَا عَهْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] ، وَلَا يَصِحُّ نَقْضُهُ إلَّا مِنْ إمَامٍ (بِخِلَافِ ذِمَّةٍ فَلَا) تُنْبَذُ (بِمُجَرَّدِ خَوْفِ) خِيَانَةٍ مِنْ أَهْلِهَا، لِأَنَّ الذِّمَّةَ مُؤَبَّدَةٌ وَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَى عَقْدِهَا بِطَلَبِهِمْ، وَفِيهَا نَوْعُ مُعَاوَضَةٍ، وَلِهَذَا لَوْ نَقَضَهُ بَعْضُهُمْ لَمْ يُنْقَضْ عَهْدُ الْبَاقِينَ وَأَيْضًا أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَلَا يُخْشَى مِنْهُمْ كَثِيرُ ضَرَرٍ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْهُدْنَةِ، (وَيَجِبُ إعْلَامُهُمْ) ، أَيْ: أَهْلِ الْهُدْنَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 نَبْذَ الْعَهْدِ (قَبْلَ الْإِغَارَةِ عَلَيْهِمْ) ، لِلْآيَةِ. (وَ) يَجِبُ (رَدُّ مَنْ بِدَارِنَا مِنْهُمْ إلَى مَأْمَنِهِ، وَيُسْتَوْفَى مَا عَلَيْهِمْ مِنْ حَقٍّ) كَغَيْرِهِمْ لِلْعُمُومَاتِ، (وَيُنْقَضُ عَهْدُ نِسَاءٍ) أَهْلِ هُدْنَةٍ (وَذُرِّيَتْ) هُمْ بِنَقْضِ رِجَالِهِمْ تَبَعًا لَهُمْ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَتَلَ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ» وَلَمَّا نَقَضَ قُرَيْشٌ عَهْدَهُ بَعْدَ الْهُدْنَةِ لَهُمْ حَلَّ لَهُ مِنْهُمْ مَا كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْهُدْنَةِ مُؤَقَّتٌ يَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ مُدَّتِهِ، فَيَزُولُ بِنَقْضِهِ وَفَسْخِهِ كَالْإِجَارَةِ، بِخِلَافِ الذِّمَّةِ (وَإِنْ نَقَضَهَا) ، أَيْ: الْهُدْنَةَ (بَعْضُهُمْ) ، أَيْ: الْمُهَادَنِينَ، (فَأَنْكَرَ الْبَاقُونَ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى مَنْ نَقَضَ (بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) إنْكَارًا (ظَاهِرًا أَوْ كَاتَبُونَا) ، أَيْ: الَّذِينَ لَمْ يَنْقُضُوا (بِنَقْضِهِمْ) ، أَيْ: بِنَقْضِ الْآخَرِينَ، (أُقِرُّوا) ، أَيْ: الْبَاقُونَ عَلَى الْعَهْدِ (بِتَسْلِيمِ مَنْ نَقَضَ) الْهُدْنَةَ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهِمْ (أَوْ) بِ (تَمْيِيزِهِ) ، أَيْ: النَّاقِضُ (عَنْهُمْ) لِيَتَمَكَّنَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِتَالِهِمْ، (فَإِنْ أَبَوْا) التَّسْلِيمَ أَوْ التَّمْيِيزَ (مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَى أَحَدِهِمَا، (انْتَقَضَ عَهْدُ الْكُلِّ) بِذَلِكَ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّمْيِيزِ أَوْ إسْلَامِ النَّاقِضِ صَارَ نَاقِضًا، لِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْ أَخْذِ النَّاقِضِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّمْيِيزُ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ، لِأَنَّهُ كَالْأَسِيرِ وَفِي الْإِنْصَافِ " فِي آخِرِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ: وَكَذَا، أَيْ: فِي نَقْضِ الْعَهْدِ، مَنْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، أَوْ لَمْ يَعْتَزِلْهُمْ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ الْإِمَامُ وَفِي " الْمُنْتَهَى " كَالْمُصَنِّفِ خِلَافًا لَهُ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ "، لِقَوْلِهِ: فَإِنْ امْتَنَعَ التَّمْيِيزُ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ [بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ] (بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ) وَهِيَ لُغَةً: الْعَهْدُ وَالضَّمَانُ وَالْأَمَانُ، لِحَدِيثِ: " يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، مِنْ أَذَمَّهُ، يَذُمُّهُ: إذَا جَعَلَ لَهُ عَهْدًا وَمَعْنَى عَقْدِ الذِّمَّةِ إقْرَارُ الْكُفَّارِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِشَرْطِ بَذْلِ الْجِزْيَةِ، أَوْ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ. وَالْأَصْلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] الْآيَةَ وَحَدِيثُ «الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ لِجُنْدِ كِسْرَى يَوْمَ نَهَاوَنْدَ: أَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَعَلَيْهِ، يَكُونُ عَقْدُ الذِّمَّةِ (وَاجِبًا لِكِتَابِيٍّ وَنَحْوِهِ) كَمَجُوسِيٍّ، (إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطٌ) ، وَيَكُونُ اجْتِمَاعُهَا (بِبَذْلِ جِزْيَةٍ) مَأْخُوذَةٍ مِنْ الْجَزَاءِ، وَتَأْتِي (كُلَّ عَامٍ) هِلَالِيٍّ، (وَالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا) ، وَهُوَ: قَبُولُ مَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ، (مَا لَمْ تُخَفْ غَائِلَتُهُمْ) ، أَيْ: غَدْرُهُمْ بِتَمْكِينِهِمْ مِنْ الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْنَا (وَلَا يَصِحُّ) عَقْدُهَا (إلَّا مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) لِتَعَلُّقِ نَظَرِ الْإِمَامِ بِهِ، دِرَايَتُهُ بِجِهَةِ الْمَصْلَحَةِ، وَلِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ فَعَقْدُهُ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ افْتِئَاتٌ عَلَيْهِ (وَصِفَتُهُ) أَيْ: عَقْدِ الذِّمَّةِ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ: (أَقْرَرْتُكُمْ بِجِزْيَةٍ وَاسْتِسْلَامٍ) ، أَيْ: انْقِيَادٍ لِأَحْكَامِنَا (أَوْ يَبْذُلُونَ ذَلِكَ) مِنْ أَنْفُسِهِمْ، (فَيَقُولُ) إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ: (أَقْرَرْتُكُمْ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوُهُمَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَقْدِهَا) ، أَيْ: الْجِزْيَةِ، كَقَوْلِهِ: عَاهَدْتُكُمْ عَلَى الْإِقَامَةِ بِدَارِنَا بِجِزْيَةٍ، (وَلَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ قَدْرِ جِزْيَةٍ) فِي الْعَقْدِ (وَالْجِزْيَةُ مَالٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ) ، أَيْ: الْكُفَّارِ (عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ) ، بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، (وَ) هُوَ: (الذِّلَّةُ) وَالِامْتِهَانُ (كُلَّ عَامٍ) فِي آخِرِهِ (بَدَلًا عَنْ قَتْلِهِمْ وَ) عَنْ (إقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا) ، فَإِنْ لَمْ يَبْذُلُوهَا لَمْ يَكُفَّ عَنْهُمْ، (وَفِي " الْفُنُونِ ") لِابْنِ عَقِيلٍ: (بَقَاءُ النَّفْسِ مَعَ الذُّلِّ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ) ، بَلْ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (وَمَنْ عَدَّ الْحَيَاةَ مَعَ الذُّلِّ نِعْمَةً فَقَدْ أَخْطَأَ طَرِيقَ الْإِصَابَةِ) ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ اللَّطَافَةِ وَحُسْنِ الِانْسِجَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 (وَلَا تُعْقَدُ) الذِّمَّةُ (إلَّا لِأَهْلِ كِتَابٍ) مِنْ تَوْرَاةٍ وَأَنْجِيلٍ (هُمْ يَهُودٌ وَنَصَارَى وَمَنْ تَدَيَّنَ بِالتَّوْرَاةِ كَسَامِرَةَ) قَبِيلَةٌ مِنْ بَنْيِ إسْرَائِيلَ نُسِبَ إلَيْهِمْ السَّامِرِيُّ، وَيُقَالُ لَهُمْ فِي زَمَانِنَا سَمَرَةٌ، عَلَى وَزْنِ شَجَرَةٍ، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ يَتَشَدَّدُونَ بِدِينِهِمْ وَيُخَالِفُونَهُمْ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ، (أَوْ تَدَيَّنَ بِالْأَنْجِيلِ كفرنج) وَهُمْ الرُّومُ، وَيُقَالُ لَهُمْ: بَنُو الْأَصْفَرِ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا مُوَلَّدَةٌ، نِسْبَةٌ إلَى فَرَنْجَةَ: بِفَتْحِ أَوَّله وَثَانِيه، وَبِسُكُونِ ثَالِثِهِ، وَهِيَ جَزِيرَةٌ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا فِرِنْجِيٌّ، ثُمَّ حَذَفَ الْيَاءَ، (وَصَابِئِينَ) ، وَهُمْ جِنْسٌ مِنْ النَّصَارَى نَصًّا وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُمْ يَسْبِتُونَ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْيَهُودِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَرُوِيَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْفُلْكَ حَيٌّ نَاطِقٌ، وَإِنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ آلِهَةٌ، فَحِينَئِذٍ فَهُمْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَقِيلَ: هُمْ قَوْمٌ بَيْنَ النَّصَارَى وَالْمَجُوس، وَأَصْلُ دِينِهِمْ دِينُ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَوْ: هُمْ عَبَدَةُ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ مِنْ: صَبَأَ إذَا خَرَجَ مِنْ دِينٍ إلَى آخَرَ، أَوْ مِنْ صَبَأَ إذَا مَالَ، لِأَنَّهُمْ مَالُوا عَنْ سَائِرِ الْأَدْيَانِ إلَى مَا هُمْ فِيهِ، أَوْ مِنْ الْحَقِّ إلَى الْبَاطِلِ وَقِيلَ لَيْسُوا يَهُودًا وَلَا نَصَارَى، وَلَا دِينَ لَهُمْ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ مَنْ تَدَيَّنَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، أَوْ مَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ كَمَجُوسِيٍّ «لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُمْ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا قِيلَ: لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ، لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَرُفِعَ، فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ شُبْهَةٌ أَوْجَبَتْ حَقْنَ دِمَائِهِمْ، وَأَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَلَمْ تَنْهَضْ فِي إبَاحَةِ نِسَائِهِمْ وَحِلِّ ذَبَائِحِهِمْ (وَغَيْرُهُمْ) - أَيْ: غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي التَّدَيُّنِ بِالْكِتَابَيْنِ، وَمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ كَالْمَجُوسِ - (لَا يُقْبَلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الْقَتْلُ) ، لِحَدِيثِ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» خَصَّ مِنْهُمْ أَهْلَ الْكِتَابِ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ، وَبَقِيَ مَنْ عَدَاهُمْ عَلَى الْأَصْلِ، فَأَمَّا أَهْلُ صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد، فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُ أُولَئِكَ، وَلِأَنَّ هَذِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَرَائِعُ، إنَّمَا هِيَ مَوَاعِظُ وَأَمْثَالٌ، كَذَلِكَ وَصَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُحُفَ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورَ دَاوُد. (وَإِذَا اخْتَارَ كَافِرٌ لَا تُعْقَدُ لَهُ) الذِّمَّةُ كَوَثَنِيٍّ دِينًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَدْيَانِ، بِأَنْ تَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ، وَلَوْ بَعْدَ بَعْثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُقِرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَعُقِدَتْ لَهُ الذِّمَّةُ كَالْأَصْلِيِّ، وَلَوْ كَانَ اخْتِيَارُهُ ذَلِكَ الدِّينَ (بَعْدَ التَّبْدِيلِ، أَوْ) كَانَ اخْتِيَارُهُ (الْآنَ وَلَهُ حُكْمُ الدِّينِ) الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ فِي جِزْيَةٍ " لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْبَلُهَا مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ " وَلَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ لَسَأَلَ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ، وَ (لَا) يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ فِي (غَيْرِهَا) ، أَيْ: الْجِزْيَةِ (مِنْ حِلِّ ذَبِيحَةٍ وَمُنَاكَحَةٍ) إذَا لَمْ يَكُنْ أَبَوَاهُ كِتَابِيَّانِ، وَحُكْمُهُ (كَمَنْ جُهِلَ حَالُهُ) وَلَمْ يَعْلَمْ عَلَى أَيْ دِينٍ هُوَ كِتَابِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ، (وَادَّعَى أَنَّهُ كِتَابِيٌّ) ، فَيُقِرُّ فِي الْجِزْيَةِ فَقَطْ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " (هُنَا) ، أَيْ: فِي هَذَا الْمَحَلِّ، فَإِنَّهُ جُعِلَ لَهُ حُكْمُ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ إقْرَارِهِ بِالْجِزْيَةِ وَغَيْرِهِ (تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ) ، وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَلَوْ عُقِدَتْ) الذِّمَّةُ (لِ) لِكُفَّارٍ، (زَاعِمِ) ينَ أَنَّهُمْ أَهْلُ (كِتَابٍ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ) أَوْ نَحْوُهُمْ، (فَ) هُوَ (عَقْدٌ بَاطِلٌ) ، لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَمَنْ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ لَا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدِهِمَا الْجِزْيَةُ قُبِلَتْ مِنْهُ، لِعُمُومِ النَّصِّ، وَلِأَنَّهُ اخْتَارَ أَفْضَلَ الدِّينَيْنِ وَأَقَلَّهُمَا كُفْرًا (وَنَصَارَى الْعَرَبِ وَيُهَوِّدهُمْ وَمَجُوسِهِمْ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ) ، بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَظَاهِرُهُ: حَتَّى حَرْبِيٌّ مِنْهُمْ، لَمْ يَدْخُلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 فِي صُلْحِ عُمَرَ، خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَتَبِعَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى ذَلِكَ (وَغَيْرُهُمْ كَمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخ) ، قَبِيلَةٌ سُمُّوا بِذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا فَأَقَامُوا فِي مَوَاضِعِهِمْ، يُقَالُ: تَنَخَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ، (وَبَهْرَاءَ) ، بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، بَعْدَهَا أَلْفٌ، وَزَانَ حَمْرَاءَ: قَبِيلَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ، (أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ) ، بِكَسْرِ الْكَافِ، (وَحِمْيَرَ) ، بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، (أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَمُضَرَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ بَذَلُوهَا) ، لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ، وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ مَعَهُمْ هَكَذَا (وَيُؤْخَذُ عِوَضُهَا) ، أَيْ: الْجِزْيَةُ (زَكَاتَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا فِيهِ زَكَاةٌ) " لِأَنَّ عُمَرَ ضَعَّفَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاتَانِ، وَمِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعَانِ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، وَمِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَفِيمَا سَقَتْ الْمَاءُ الْخُمُسُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ غَرْبٍ أَوْ دُولَابٍ الْعُشْرُ " (حَتَّى مِمَّنْ لَمْ تَلْزَمْهُ جِزْيَةٌ) كَالصَّغِيرِ وَالنِّسَاءِ وَالْمَجَانِينِ وَالزَّمْنَى وَالْعُمْيِ وَالشُّيُوخِ وَنَحْوِهِمْ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا بِالْأَنْفُسِ سَقَطَ وَانْتَقَلَ إلَى الْأَمْوَالِ بِتَقْرِيرِهِمْ، فَتُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالٍ زَكَوِيٍّ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّ نِسَاءَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ صِينُوا عَنْ السَّبِيِّ بِهَذَا الصُّلْحِ وَدَخَلُوا فِي حُكْمِهِ فَجَازَ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْوَاجِبِ بِهِ كَالرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ، وَلِهَذَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ فَقِيرِهِمْ وَلَوْ مُعْتَمَلًا، وَلَا مِمَّنْ لَهُ مَالٌ دُونَ نِصَابٍ، أَوْ غَيْرِ زَكَوِيٍّ كَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَمَصْرِفُهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةُ الْمُضَعَّفَةُ (كَ) مَصْرِفِ (جِزْيَةٍ) ، لِأَنَّهَا عِوَضُهَا، (لَا كَ) مَصْرِفِ (زَكَاةٍ) ، لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مُشْرِكٍ، فَكَانَ جِزْيَةً، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ جِزْيَةٌ مُسَمَّاةٌ بِالصَّدَقَةِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ: " هَؤُلَاءِ حَمْقَى رَضُوا بِالْمَعْنَى وَأَبَوْا الِاسْمَ " (وَحَرُمَ تَجْدِيدُ جِزْيَةٍ عَلَيْهِمْ) ، أَيْ: الْمَذْكُورِينَ، (لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ، وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 فَلَا يُغَيَّرُ) عَقْدُهُ، وَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ (وَلِلْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ (مُصَالَحَةُ مِثْلِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ بِذَلِكَ) ، بِأَنْ لَا يَضْرِبَ عَلَيْهِمْ جِزْيَةً، بَلْ يَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الزَّكَوِيَّةِ زَكَاتَيْنِ، وَمَحَلُّ جَوَازِ ذَلِكَ (خَشْيَةَ ضَرَرِهِمْ) ، فَإِنْ أُمِنَ ضَرَرُهُمْ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (وَيَفْسُدُ عَقْدُ ذِمَّةٍ إنْ شُرِطَ فِيهِ) شَرْطٌ فَاسِدٌ، مِثْلُ أَنْ يَشْرِطَ (أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ، أَوْ) شُرِطَ فِيهِ (إظْهَارُ مُنْكَرٍ، أَوْ سُكْنَاهُمْ الْحِجَازَ وَنَحْوِهِ) ، لِفَسَادِ الشَّرْطِ، فَيَعُودُ عَلَى الْعَقْدِ بِالْبُطْلَانِ. [فَصْلٌ لَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ] (فَصْلٌ) (لَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ) ، لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، وَهِيَ بَدَلُ الْقَتْلِ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ: " لَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ (وَ) لَا عَلَى (مَجْنُونٍ، وَ) لَا (قِنٍّ وَ) لَا (زَمِنٍ وَ) لَا (أَعَمًى وَ) لَا (شَيْخٍ فَانٍ، وَ) لَا (امْرَأَةٍ) لِلْخَبَرِ، (وَلَوْ بَذَلَتْهَا) ، أَيْ: بَذَلَتْ الْمَرْأَةُ الْجِزْيَةَ (لِدُخُولِ دَارِنَا) ، فَلَا تُؤْخَذْ مِنْهَا، (وَتُمَكَّنُ) مِنْ دُخُولِهَا (مَجَّانًا) ، وَيُرَدُّ عَلَيْهَا مَا أَعْطَتْهُ لِفَسَادِ الْقَبْضِ (وَإِنْ تَبَرَّعَتْ) وَأَعْطَتْهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا، (قُبِلَتْ) مِنْهَا، وَتَكُونُ (هِبَةً لَا جِزْيَةً) ، فَإِنْ شَرَطَتْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَلَهَا ذَلِكَ، (وَكَهِيَ) ، أَيْ: كَالْمَرْأَةِ (كُلُّ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ) جِزْيَةٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ، وَيَأْتِي إذَا دَفَعَهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا لِفَسَادِ الْقَبْضِ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى رَاهِبٍ بِصَوْمَعَةٍ دَائِمًا) ، لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ، (وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) ، أَيْ: الرَّاهِبِ بِصَوْمَعَةٍ، (مَا زَادَ عَلَى بُلْغَتِهِ) ، بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، فَلَا يَبْقَى بِيَدِهِ إلَّا بُلْغَتُهُ فَقَطْ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَالُنَا كَالرِّزْقِ الَّذِي لِلدُّيُورَةِ وَالْمَزَارِعِ إجْمَاعًا، قَالَ: وَيَجِبُ ذَلِكَ قَالَ: وَمَنْ لَهُ زِرَاعَةٌ أَوْ تِجَارَةٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهُمْ أَوْ مُعَاوِنُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، كَمَنْ يَدْعُو إلَيْهِمْ مِنْ رَاهِبٍ وَغَيْرِهِ، تَلْزَمُهُ إجْمَاعًا، وَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ بِلَا نِزَاعٍ وَقَوْلُهُ: دَائِمًا، يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَرَدَّدُ إلَى النَّاسِ وَيُخَالِطُهُمْ كَأَحَدِهِمْ، وَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَكْتَسِبُ، أَنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي رُهْبَانٍ بِالْقُدْسِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى خُنْثَى) مُشْكِلٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْهَا، (فَإِنْ بَانَ) الْخُنْثَى (رَجُلًا أُخِذَ لِلْمُسْتَقْبَلِ) مِنْ اتِّضَاحِ ذُكُورِيَّتِهِ (فَقَطْ) دُونَ الْمَاضِي، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ إذْ ذَاكَ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ) ، أَيْ: مُكْتَسِبٍ، (يَعْجِزُ عَنْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ جَعَلَ أَدْنَاهَا عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَمِلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَمَرَّ) فِي أَوَائِلِ الْأَرْضِينَ الْمَغْنُومَةِ أَنَّهُ (يَرْجِعُ فِي) قَدْرِ (جِزْيَةٍ) وَخَرَاجٍ، (لِتَقْدِيرِ إمَامٍ لَا لِمَا قَدَّرَهُ عُمَرُ) فَلْيُرَاجَعْ هُنَاكَ، (وَوَضَعَ) الْإِمَامُ عُمَرُ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْمُوسِرِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَ) عَلَى (الْمُتَوَسِّطِ نِصْفًا) أَرْبَعَةٌ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، (وَ) عَلَى (الْأَدْنَى اثْنَيْ عَشْرَ) دِرْهَمًا، وَضَعَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، فَيَرْجِعُ إلَيْهِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَيُجَابُ عَنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ: خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» بِأَنَّ الْفَقْرَ كَانَ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ أَغْلَبُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمُجَاهِدٍ: مَا بَالُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ ، قَالَ: جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْيَسَارِ، وَبِأَنَّ الْجِزْيَةَ يَرْجِعُ فِيهَا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ التَّقْدِيرُ وَاجِبًا، لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صَغَارًا وَعُقُوبَةً، فَاخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِهِمْ، (وَيَجُوزُ) أَنْ يُؤْخَذَ فِي الْجِزْيَةِ (عَنْ الِاثْنَيْ عَشْرَ) دِرْهَمًا (دِينَارٌ) ، لِأَنَّهُ يَعْدِلُهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 قِيمَةً بِحَسَبِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ (وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا) عُرْفًا، لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلَا تَوْقِيفَ هُنَا، فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ. (وَتَجِبُ) الْجِزْيَةُ (عَلَى مُعْتَقٍ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ) ، لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ مِنْ أَهْلِ الْقَتْلِ، فَلَمْ يُقَرَّ بِدَارِنَا بِلَا جِزْيَةٍ كَحُرٍّ أَصْلِيٍّ، (وَ) تَجِبُ عَلَى (مُبَعَّضٍ بِحِسَابِهِ) بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَالْإِرْثِ. (وَمَنْ صَارَ أَهْلًا) لِجِزْيَةٍ، بِأَنْ بَلَغَ صَغِيرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ عَتَقَ قِنٌّ، أَوْ اسْتَغْنَى فَقِيرٌ (بِأَثْنَاءِ حَوْلٍ، أُخِذَ مِنْهُ) إذَا تَمَّ الْحَوْلُ (بِقِسْطِهِ) ، وَلَمْ يُتْرَكْ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلَهُ، لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى إفْرَادِهِ بِحَوْلٍ، وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى أَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَوْلٌ (بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ) ، لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْعَقْدِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِهِ لَهُمْ (وَيُلَفَّقُ مِنْ إفَاقَةِ مَجْنُونٍ حَوْلٌ ثُمَّ يُؤْخَذُ) مِنْهُ جِزْيَةٌ، لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَخْذٌ لَهَا قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا، (وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ) الْجِزْيَةُ (عَنْهُ) نَصًّا وَقَالَ: يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ، لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ لَا أُجْرَةُ إقَامَةٍ بِدَارِنَا. " رُوِيَ أَنَّ ذِمِّيًّا أَسْلَمَ فَطُولِبَ بِالْجِزْيَةِ، وَقِيلَ: إنَّمَا أَسْلَمَ تَعَوُّذًا. قَالَ: إنَّ فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذًا، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ فِي الْإِسْلَام مَعَاذًا، وَكَتَبَ أَنْ لَا تُؤْخَذَ مِنْهُ الْجِزْيَةُ " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَعْنَاهُ. وَ (لَا) تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ (إنْ مَاتَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (أَوْ جُنَّ أَوْ عَمِيَ وَنَحْوِهِ) كَأَنْ افْتَقَرَ بَعْدَ الْحَوْلِ كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ وَسُقُوطِ الْحَدِّ بِالْمَوْتِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ (مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ، وَمَالِ حَيٍّ) جُنَّ وَنَحْوُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ، (وَ) إنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ (فِي أَثْنَائِهِ) ، أَيْ: الْحَوْلُ، فَإِنَّهَا (تَسْقُطُ) ، لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ وَلَا تُؤْخَذُ قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا، (وَمَتَى بَذَلُوا مَا) وَجَبَ (عَلَيْهِمْ) مِنْ جِزْيَةٍ، (لَزِمَ قَبُولُهُ) وَدَفْعُ مَنْ قَصَدَهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 بِأَذًى إنْ لَمْ يَكُونُوا بِدَارِ حَرْبٍ، وَحَرُمَ قَتْلُهُمْ وَأَخْذُ مَالِهِمْ وَلَوْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ، وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ ". (وَلَا تَتَعَيَّنُ) الْجِزْيَةُ، أَيْ: أَخْذُهَا (مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، بَلْ) يُؤْخَذُ مِنْ (كُلِّ الْأَمْتِعَةِ بِالْقِيمَةِ) ، لِحَدِيثِ «مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ، ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَنِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) عَنْ جِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ إذَا (تَوَلَّوْا بَيْعَهُمَا وَقَبَضُوهُ) ، أَيْ: الثَّمَنَ، لِأَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي نُقِرُّهُمْ عَلَى اقْتِنَائِهَا كَثِيَابِهِمْ، وَلَوْ بَذَلُوهَا فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ بَدَلِ مُتْلَفٍ، جَازَ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهَا، وَطَابَتْ لَهُ. (وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ (عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ سَنَةٍ) هِلَالِيَّةٍ كَالزَّكَاةِ، لِتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ، (فَإِنْ انْقَضَتْ سُنُونَ) وَلَمْ تُؤْخَذْ، (اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا مُفَرَّقَةً) ، أَيْ: كُلُّ سَنَةٍ عَلَى حِدَةٍ، لِئَلَّا يَفُوتَ صَغَارُ سَنَةٍ مِنْ السِّنِينَ وَلَا تَتَدَاخَلُ، لِأَنَّهَا حَقٌّ يَجِبُ فِي كُلِّ حَوْلٍ، أَشْبَهَ الزَّكَاةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ (وَلَا يَتَدَاخَلُ صَغَارٌ) ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ أَخْذِ كُلِّ سَنَةٍ. (وَيُمْتَهَنُونَ) ، أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ وُجُوبًا (عِنْدَ أَخْذِهَا) ، أَيْ: الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، (وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ وَتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ) : لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] (وَ) يَقْبِضُهَا (الْآخِذُ) مِنْهُمْ وَهُوَ (جَالِسٌ) ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَظَاهِرُهُ: أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مُسْتَحَقَّةٌ، (وَلَا يُقْبَلُ) مِمَّنْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ (إرْسَالُهَا) ، لِفَوَاتِ الصَّغَارِ. (وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ تَوْكِيلٌ) ، أَيْ: أَنْ يَتَوَكَّلَ عَنْهُمْ (فِي أَدَائِهَا وَلَا) فِي (ضَمَانِهَا، وَلَا أَنْ يُحِيلَ مَنْ) ، أَيْ: ذِمِّيًّا وَجَبَتْ، (هِيَ) ، أَيْ: الْجِزْيَةُ (عَلَيْهِ بِهَا) ، لِفَوَاتِ الصَّغَارِ، (وَلَا يُعَذَّبُونَ) ، أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ (فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 أَخْذِهَا) ، أَيْ: الْجِزْيَةِ. (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهَا، وَلَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ) ، لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ مَنْ نَقْضِ أَمَانِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعِوَضِ، وَلَا يَشُطُّ عَلَيْهِمْ. رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِمَالٍ كَثِيرٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسِبُهُ الْجِزْيَةَ، فَقَالَ: إنِّي لَأَظُنُّكُمْ قَدْ أَهْلَكْتُمْ النَّاسَ، قَالُوا: لَا وَاَللَّهِ مَا أَخَذْنَا إلَّا عَفْوًا صَفْوًا، قَالَ: بِلَا سَوْطٍ وَلَا نَوْطٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عَلَى يَدِي، وَلَا فِي سُلْطَانِي. (وَيَصِحُّ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ) ، أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ، (ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَ) عَلْفَ (دَوَابِّهِمْ) ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّ عُمَرَ شَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَأَنْ يُصْلِحُوا الْقَنَاطِرَ، وَإِنْ قُتِلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِهِمْ، فَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ، وَلِأَنَّهُمْ رُبَّمَا امْتَنَعُوا مِنْ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ إضْرَارًا بِهِمْ (وَ) يَصِحُّ (أَنْ يُكْتَفَى بِهَا) ، أَيْ: الضِّيَافَةِ، (عَنْ الْجِزْيَةِ) ، لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا، وَلِفِعْلِ عُمَرَ، (وَيُعْتَبَرُ بَيَانُ قَدْرِهَا) ، أَيْ: الضِّيَافَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَ) قَدْرُ (أَيَّامِهَا، وَعَدَدُ مَنْ يُضِيفُ مِنْ رِجَالٍ وَفُرْسَانٍ كَ) أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: تُضَيِّفُونَ (فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةُ يَوْمٍ، كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ خُبْزِ كَذَا، وَلِلْفَرَسِ مِنْ الشَّعِيرِ كَذَا، وَمِنْ التِّبْنِ كَذَا) ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْجِزْيَةِ، فَاعْتُبِرَ الْعِلْمُ بِهِ كَالنُّقُودِ، قَالَهُ الْقَاضِي (وَيُبَيِّنُ) لَهُمْ (الْمَنْزِلَ) ، أَيْ: مَنْزِلَ الضِّيفَانِ، (وَمَا عَلَى غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ) مِنْ الضِّيَافَةِ كَمَا فِي الْجِزْيَةِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَرَبَ عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ نَفْسٍ، وَأَنْ يُضَيِّفُوا مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَعَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَعَلَفَ دَوَابِّهِمْ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ. (وَلَا تَجِبُ) ضِيَافَةٌ عَلَيْهِمْ (بِلَا شَرْطٍ) ، لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَلَا يُكَلَّفُونَهَا مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَلَا يُكَلَّفُونَ الذَّبِيحَةَ، وَلَا أَنْ يُضَيِّفُوا بِأَرْفَعَ مِنْ طَعَامِهِمْ، لِقَوْلِ عُمَرَ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 (وَإِنْ شُرِطَتْ) الضِّيَافَةُ (مُطْلَقَةً) مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، (فَفِي " الشَّرْحِ) الْكَبِيرِ " (" وَالْفُرُوعِ " صَحَّ وَتَكُونُ مُدَّتُهَا) ، أَيْ: الضِّيَافَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا: (يَوْمًا وَلَيْلَةً) ، لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَالْمَذْهَبُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهَا ، (وَلِلْمُسْلِمِينَ نُزُولٌ بِكَنَائِسَ وَبَيْعٍ) ، فَإِنَّ عُمَرَ صَالَحَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى أَنْ يُوَسِّعُوا أَبْوَابَ بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ لِمَنْ يُجْتَازُ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيَدْخُلُوهَا رُكْبَانًا، (فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا) ، أَيْ: الْمُسْلِمُونَ مَكَانًا (فَ) لَهُمْ النُّزُولُ (فِي الْأَفْنِيَةِ وَفُضُولِ الْمَنَازِلِ) ، وَ (لَا) يَجُوزُ لَهُمْ (تَحْوِيلُ صَاحِبِ مَنْزِلٍ) مِنْهُ، لِأَنَّهُ إضْرَارٌ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ الضِّيَافَةَ فَامْتَنَعُوا مِنْ قَبُولِهَا، لَمْ يَعْقِدْ لَهُمْ الذِّمَّةَ (وَمَنْ امْتَنَعَ) مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ قَبِلَ (مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْبِرَ) عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ أُجْبِرُوا عَلَى الْقِيَامِ بِهِ (وَلَوْ بِقِتَالٍ) عِنْدَ تَعَذُّرِ أَدَائِهِمْ بِدُونِهِ، (فَإِنْ قَاتَلُوا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ) بِالْقِتَالِ، (وَإِذَا تَوَلَّى إمَامٌ فَعَرَفَ) قَدْرَ (مَا عَلَيْهِمْ) مِنْ جِزْيَةٍ، (أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، أَوْ ظَهَرَ) مَا عَلَيْهِمْ، (أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ) بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ، لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ أَقَرُّوا عَقْدَ عُمَرُ، وَلَمْ يُجَدِّدُوهُ، وَلِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ، فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا رَدَّهُ إلَى الصِّحَّةِ، (وَإِلَّا) يَعْرِفْ قَدْرَ مَا عَلَيْهِمْ، وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَلَمْ يَظْهَرْ، (رَجَعَ لِقَوْلِهِمْ) ، أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ (إنْ سَاغَ) ، أَيْ: صَلُحَ مَا ادَّعُوهُ جِزْيَةً، لِأَنَّهُمْ غَارِمُونَ، (وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ مَعَ تُهْمَةٍ) يَذْكُرُونَ، لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِمْ، (فَإِنْ بَانَ) لِإِمَامٍ بَعْدَ ذَلِكَ (نَقْصٌ) ، أَيْ: أَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ بِنَقْصٍ عَمَّا كَانُوا يَدْفَعُونَ لِمَنْ قَبْلَهُ، (أَخَذَهُ) ، أَيْ: النَّقْصَ مِنْهُمْ، وَإِنْ قَالُوا: كُنَّا نُؤَدِّي كَذَا جِزْيَةً، وَكَذَا هَدِيَّةً حَلَّفَهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ كُلَّهُ جِزْيَةٌ (وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ) : الْمَضْرُوبُ عَلَيْنَا (دِينَارٌ، وَبَعْضٌ) مِنْهُمْ قَالَ: (دِينَارَانِ، أَخَذَ كُلٌّ بِمَا يُقِرُّ بِهِ) وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 لِأَنَّ أَقْوَالَهُمْ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ. (وَإِذَا عَقَدَ إمَامٌ الذِّمَّةَ كَتَبَ أَسْمَاءَ أَهْلِهَا وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ) ، فَكَتَبَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، (وَ) كَتَبَ (حِلَاهُمْ) جَمْعُ: حِلْيَةٍ، بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، (فَيَكْتُبُ: طَوِيلٌ) ، أَوْ: قَصِيرٌ أَوْ رَبَعَةٌ، أَسْمَرُ أَوْ أَخْضَرُ أَوْ أَبْيَضُ، مَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ مَفْرُوقُهُمَا، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَقْنَى الْأَنْفِ أَوْ ضِدُّهُمَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِهِ، وَكَتَبَ دِينَهُمْ، فَيَقُولُ: يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ، (وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِّيفًا) وَهُوَ الْقَيِّمُ بِأُمُورِ الْقَبِيلَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ، لِحَدِيثِ: «الْعِرَافَةُ حَقٌّ» (مُسْلِمًا) لِيَقْبَلَ خَبَرَهُ، يَجْمَعُهُمْ عِنْدَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَ (يَكْشِفُ حَالَ مَنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ بِبُلُوغٍ وَنَحْوِهِ) كَإِسْلَامٍ وَاسْتِغْنَاءٍ وَإِفَاقَةٍ مِنْ جُنُونٍ، لِيَتَعَرَّفَ أَمْرَ الْجِزْيَةِ، (أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ أَوْ خَرَقَ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ) ، لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ. (وَمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةٌ كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ، لِتَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ، بَلْ هُنَا أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ بِلَا بَيِّنَةٍ. [فَرْعٌ مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّ مَعَهُمْ كِتَابَ النَّبِيِّ] (فَرْعٌ: مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ مَعَهُمْ كِتَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ لَا يَصِحُّ، قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) ، وَرُوِيَ أَنَّهُمْ طُولِبُوا بِذَلِكَ، فَأَخْرَجُوا كِتَابًا ذَكَرُوا أَنَّهُ بِخَطِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، كَتَبَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ فِيهِ شَهَادَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمُعَاوِيَةَ، فَوَجَدَ تَارِيخَهُ بَعْدَ مَوْتِ سَعْدٍ، وَقَبْلَ إسْلَامِ مُعَاوِيَةَ فَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى بُطْلَانِهِ. [بَابُ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ] أَيْ: مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوَّلَهُمْ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ مِمَّا يَقْتَضِيهِ عَقْدُهَا لَهُمْ يَجِبُ (عَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ) ، أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ، (وَمَنْعُ مَنْ يُؤْذِيهِمْ) ، لِأَنَّهُمْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ عَلَى ذَلِكَ، (وَفَكُّ أَسْرَاهُمْ) ، لِأَنَّهُمْ جَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 الْإِسْلَامِ، وَتَأَيَّدَ عَقْدُهُمْ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا فِي مَعُونَتِنَا (بَعْدَ فَكِّ أَسْرَانَا) فَيَبْدَأُ بِفِدَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُمْ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ (دَفْعُ مَنْ قَصَدَهُمْ بِأَذَى إنْ لَمْ يَكُونُوا بِدَارِ حَرْبٍ) ، بَلْ كَانُوا بِدَارِنَا، وَلَوْ كَانُوا مُنْفَرِدِينَ بِبَلَدٍ، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": وَالْمُنْفَرِدُونَ بِبَلَدٍ مُتَّصِلٍ بِبَلَدِنَا يَجِبُ ذَبُّ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ عَلَى الْأَشْبَهِ، وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " فَإِنْ كَانُوا بِدَارِ حَرْبٍ لَمْ يَلْزَمْنَا الذَّبُّ عَنْهُمْ. (وَحَرُمَ قَتْلُهُمْ وَأَخْذُ مَالِهِمْ) بَعْدَ إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ غَايَةً لِقِتَالِهِمْ. (وَعَلَيْهِ أَخْذُهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي نَفْسٍ وَمَالٍ وَعِرْضٍ، وَ) فِي (إقَامَةِ حَدٍّ فِيمَا يُحَرِّمُونَهُ) ، أَيْ: يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ (كَزِنًا) ، فَمَنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ طَرَفًا، أَوْ تَعَدَّى عَلَى مَالٍ، أَوْ قَذَفَ أَوْ سَبَّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أُخِذَ بِذَلِكَ، لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْن عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ الْيَهُودِ زَنَيَا فَرَجَمَهُمَا» (وَسَرِقَةٍ) ، فَمَنْ سَرَقَ مِنْهُمْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِشَرْطِهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَحْرُمُ فِي دِينِهِمْ، وَقَدْ الْتَزَمُوا حُكْمَ الْإِسْلَامِ، فَثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ كَالْمُسْلِمِ، وَ (لَا) يُحَدُّونَ فِي (مَا يُحِلُّونَهُ) ، أَيْ: يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ (كَخَمْرٍ) وَأَكْلِ خِنْزِيرٍ (وَنِكَاحِ) ذَاتِ (مَحْرَمٍ) ، لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا وَإِثْمًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِهِ كَمَا يَأْتِي، لِتَأَذِّينَا بِهِ، (وَعَقْدٍ فَاسِدٍ) يَرَوْنَ صِحَّتَهُ، وَلَوْ رَضُوا بِحُكْمِنَا، فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهِ مَا لَمْ يَرْتَفِعُوا إلَيْنَا، (فَلَوْ تَزَوَّجَ يَهُودِيٌّ وَنَحْوُهُ) كَمَجُوسِيٍّ (بِنْتَ أَخِيهِ مَثَلًا لَحِقَهُ نَسَبُهُ، وَيَرِثُهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ) ، وَإِنْ كَانَ هَذَا النِّكَاحُ بَاطِلًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ أَيْ: لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ لِاعْتِقَادِهِمْ حِلَّهُ. (وَإِنْ تَحَاكَمُوا) ، أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ (إلَيْنَا) ، فَلَنَا الْحُكْمُ بِشَرْعِنَا وَالتَّرْكُ (أَوْ) تَحَاكَمَ إلَيْنَا (مُسْتَأْمَنَانِ بِاتِّفَاقِهِمَا) ، فَلَنَا الْحُكْمُ بِشَرْعِنَا وَالتَّرْكُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 فَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمَا حُكْمَنَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّينَ، (أَوْ اسْتَعْدَى ذِمِّيٌّ عَلَى) ذِمِّيٍّ (آخَرَ فَلَنَا الْحُكْمُ بِشَرْعِنَا وَالتَّرْكُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] مَعَ قَوْلِهِ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] . (وَيَجِبُ) الْحُكْمُ (بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) تَحَاكَمَا إلَيْنَا لِمَا فِيهِ مِنْ إنْصَافِ الْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ رَدِّهِ عَنْ ظُلْمِهِ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ، (وَيَلْزَمُهُمْ حُكْمُنَا) إنْ حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، لِالْتِزَامِهِمْ بِالْعَقْدِ ذَلِكَ شَرِيعَتُنَا. (وَيَحْرُمُ إحْضَارُ يَهُودِيٍّ فِي سَبْتِهِ وَتَحْرِيمُهُ) ، أَيْ: السَّبْتِ (بَاقٍ) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، (فَيُسْتَثْنَى شَرْعًا مِنْ عَمَلٍ فِي إجَارَةٍ) ، لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ «وَأَنْتُمْ يَهُودُ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» . (وَيَتَّجِهُ: وَلِمُسْتَأْجِرِ) إنْسَانًا زَمَنًا مَعْلُومًا كَشَهْرٍ مَثَلًا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَ (لَمْ يَعْلَمْ) أَنَّهُ يَهُودِيٌّ، أَوْ عَلِمَ وَجَهِلَ تَحْرِيمَ سَبْتِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ (الْفَسْخُ) إزَالَةً لِضَرَرِهِ بِتَرْكِ الْعَمَلِ فِي كُلِّ سَبْتٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ) إذَا لَمْ يَرْتَفِعُوا إلَيْهِ (أَنْ يَتَتَبَّعَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِهِمْ، وَلَا يَدْعُوهُمْ إلَى حُكْمِنَا) ، أَيْ: شَرِيعَتِنَا (نَصًّا) ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِإِقْرَارِنَا لَهُمْ بِالْجِزْيَةِ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَاةِ، وَلَا الْحَجُّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانُوا يُعَاقَبُونَ عَلَى سَائِرِ الْفُرُوعِ كَالتَّوْحِيدِ. (وَلَا يُفْسَخُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بَيْعٌ فَاسِدٌ) كَخَمْرٍ وَنَحْوِهِ (تَقَابَضَاهُ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ (قَبْلَ تَرَافُعٍ إلَيْنَا، وَلَوْ أَسْلَمُوا) بَعْدَ التَّقَابُضِ، أَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ، لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِالتَّقَابُضِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً وَتَنْفِيرًا عَنْ الْإِسْلَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 بِتَقْدِيرِ إرَادَتِهِ، وَكَذَا سَائِرُ عُقُودِهِمْ، وَمُقَاسَمَاتِهِمْ إذَا تَقَابَضُوهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضُوا مِنْ الطَّرَفَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، فَسَخَهُ حَاكِمُنَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ فَنُقِضَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حَاكِمُهُمْ أَوْ لَا، لِعَدَمِ لُزُومِهِمْ حُكْمَهُ، لِأَنَّهُ لَغْوٌ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ. (وَيُمْنَعُونَ مِنْ شِرَاءِ مُصْحَفٍ، وَكُتُبِ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَتَفْسِيرٍ) ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ ابْتِذَالَ ذَلِكَ بِأَيْدِيهِمْ، (وَلَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ، وَكَرِهَ بَيْعُهُمْ ثِيَابًا مَكْتُوبًا عَلَيْهَا ذِكْرُ اللَّهِ) تَعَالَى أَوْ كَلَامُهُ حِذْرًا مِنْ أَنْ يُمْتَهَنَ، و (لَا) يُكْرَهُ لَنَا بَيْعُهُمْ (كُتُبَ أَدَبٍ وَلُغَةٍ وَصَرْفٍ) لَا قُرْآنَ فِيهِ، وَلَا أَحَادِيثَ دُونَ كُتُبِ أُصُولِ الدِّينِ وَالْفِقْهِ، فَيُمْنَعُونَ مِنْ شِرَائِهَا كَكُتُبِ الْفِقْهِ وَأَوْلَى. (وَيَلْزَمُهُمْ تَمْيِيزٌ عَنَّا بِقُبُورِهِمْ) تَمْيِيزًا ظَاهِرًا كَالْحَيَاةِ وَأَوْلَى، وَيَجِبُ مُبَاعَدَةُ مَقَابِرِهِمْ عَنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، لِئَلَّا تَصِيرَ الْمَقْبَرَتَانِ وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْنُهُمْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. (وَكَرِهَ جُلُوسٌ بِهَا) ، أَيْ: مَقَابِرِهِمْ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَصَابَهُمْ عَذَابٌ، قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] (وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا (بِحِلَاهُمْ بِحَذْفٍ) ، أَيْ: حَلْقِ، (مُقَدَّمِ شُعُورِ رُءُوسِهِمْ) بِأَنْ يَجُزُّوا نَوَاصِيَهُمْ وَهِيَ: مِقْدَارُ رُبْعِ الرَّأْسِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: هُوَ الشَّعْرُ الَّذِي بَيْنَ الْعَذَارِ وَالنَّزْعَتَيْنِ الْمَعْرُوفُ بِالسَّالِفِ. وَ (لَا) يَجْعَلُونَهُ (كَعَادَةِ الْأَشْرَافِ) بِأَنْ يَتَّخِذُوا شَرَابِينَ، (وَأَنْ لَا يُفَرِّقُوا شُعُورَهُمْ) بِأَنْ يَقْسِمُوا شُعُورَهُمْ نِصْفَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ، وَيَجْعَلُوهُ ذُؤَابَتَيْنِ، لِأَنَّ الْفَرْقَ مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ تَكُونُ شُعُورُ رُءُوسِهِمْ جَمَّةً، لِاشْتِرَاطِ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِيمَا كَتَبُوهُ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، وَكَتَبَ بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَتَبَ لَهُ عُمَرُ أَنْ امْضِ لَهُمْ مَا سَأَلُوا، رَوَاهُ الْخَلَّالُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 (وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا (بِكُنَاهُمْ وَأَلْقَابِهِمْ، فَيُمْنَعُونَ) مِنْ التَّكَنِّي بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ (نَحْوُ: أَبِي الْقَاسِمِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الْحَسَنِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعِزِّ الدِّينِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا هُوَ فِي الْغَالِبِ فِي الْمُسْلِمِينَ، لِقَوْلِهِمْ فِي الْخَبَرِ: وَلَا نَكَتْنِي بِكُنَاهُمْ، (وَلَا يُمْنَعُونَ مُطْلَقَ الْكُنَى) ، قَالَهُ أَحْمَدُ لِطَبِيبٍ نَصْرَانِيٍّ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِ عُمَرَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا بَأْسَ بِهِ، «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُسْقُفِ نَجْرَانَ: يَا أَبَا الْحَارِثِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ» ، وَعُمَرُ قَالَ لِنَصْرَانِيٍّ: يَا أَبَا حَسَّانَ، (وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا إذَا رَكِبُوا (بِرُكُوبِهِمْ عَرْضًا، رِجْلَاهُ لِجَانِبٍ وَظَهْرُهُ لِ) جَانِبٍ (آخَرَ بِإِكَافٍ، وَهُوَ: الْبَرْذَعَةُ عَلَى غَيْرِ خَيْلٍ) ، لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ: أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِجَزِّ نَوَاصِيَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنْ يَشُدُّوا الْمَنَاطِقَ، وَأَنْ يَرْكَبُوا الْأَكُفَّ بِالْعَرْضِ. (وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا (بِلِبَاسٍ عَسَلِيٍّ لِيَهُودٍ، وَلِبَاسِ ثَوْبٍ أَدْكَنَ، وَهُوَ الْفَاخِتِيُّ) : لَوْنٌ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ (لِلنَّصَارَى) ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. (وَ) مِمَّا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ (شَدُّ خَرْقٍ) صُفْرٍ أَوْ زُرْقٍ (بِقَلَانِسِهِمْ وَعَمَائِمِهِمْ) ، بِحَيْثُ تَكُونُ الْخِرْقَةُ يُخَالِفُ لَوْنُهَا لَوْنَ الْقَلَانِسِ وَالْعَمَائِمِ، لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ (وَ) مِمَّا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ شَدُّ (زُنَّارٍ، وَهُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ فَوْقَ ثِيَابِ نَصْرَانِيٍّ، وَتَحْتَ ثِيَابِ نَصْرَانِيَّةٍ) وَيَكْفِي الْغِيَارُ أَوْ الزُّنَّارُ، (وَيُغَايِرُ نِسَاءُ كُلٍّ) مِنْ يَهُودَ وَنَصَارَى (بَيْنَ لَوْنَيْ خُفٍّ) لِيَمْتَازُوا عَنَّا، وَلَا يُمْنَعُونَ فَاخِرَ الثِّيَابِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَالطَّيْلَسَانِ، لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِالْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ. (وَ) يَلْزَمُهُمْ (لِدُخُولِ حَمَّامِنَا جُلْجُلٌ) ، وَهُوَ: الْجَرَسُ الصَّغِيرُ، (أَوْ خَاتَمٌ رَصَاصٌ وَنَحْوُهُ) كَحَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ، أَوْ طَوْقٍ مِنْ ذَلِكَ لَا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، لِتَحْرِيمِهِمَا عَلَى الذُّكُورِ (بِرِقَابِهِمْ) ، لِيَتَمَيَّزُوا عَنَّا فِي الْحَمَّامِ، وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ صَلِيبٍ مَكَانَهُ، لِمَنْعِهِمْ مِنْ إظْهَارِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 (وَيُكْتَفَى بِتَمْيِيزِهِمْ بِالْعَمَائِمِ كَعِمَامَةٍ زَرْقَاءَ وَنَحْوِهَا) كَصَفْرَاءَ، لِحُصُولِ التَّمَيُّزِ الظَّاهِرِ بِهَا، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَقَبْلَهَا كَالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّهَا صَارَتْ مَأْلُوفَةً لَهُمْ. (وَلَوْ أَرَادُوا الْعُدُولَ عَنْ) لُبْسِ (ذَلِكَ مُنِعُوا) لِمُخَالَفَتِهِمْ زِيَّهُمْ الْمُعْتَادَ لَهُمْ. (وَقَدْ مَرَّ) فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ (يُكْرَهُ تَشَبُّهٌ بِهِمْ) بِمَا يُشْبِهُ شَدَّ الزُّنَّارِ فِي صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَذْهَبِ (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " (هُنَا) ، كَذَا قَالَ، وَعِبَارَتُهُ: وَإِنْ تَزَيَّا بِهَا، أَيْ: بِالْعِمَامَةِ الزَّرْقَاءِ مُسْلِمٌ، أَوْ عَلَّقَ صَلِيبًا بِصَدْرِهِ حُرِّمَ، وَلَمْ يَكْفُرْ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ بِلَا نِزَاعٍ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ التَّشَبُّهُ بِهِمْ نَهْيٌ عَنْهُ إجْمَاعًا، لِحَدِيثِ «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ التَّشَبُّهِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ كُفْرَ الْمُتَشَبَّهِ بِهِمْ، وَقَالَ: وَلَمَّا كَانَتْ الْعِمَامَةُ الصَّفْرَاءُ وَالزَّرْقَاءُ مِنْ شِعَارِهِمْ، حَرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِ لُبْسُهَا انْتَهَى وَقَوْلُهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ: يُكْرَهُ تَشَبُّهٌ بِهِمْ إذَا لَمْ يَقْوَ كَشَدِّ الزُّنَّارِ، وَلُبْسِ الْفَاخَّتِي، وَالْعَسَلِيِّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَشَبُّهٍ مَحْضٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْعَلُونَهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَأَمَّا الْمُخْتَصُّ بِهِمْ كَالْعِمَامَةِ الزَّرْقَاءِ وَالْقَلْوَصَةِ، وَتَعْلِيقِ الصَّلِيبِ فِي الصَّدْرِ فَهَذَا لَا رَيْبَ فِي تَحْرِيمِهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ مَخْصُوصًا بِمَا هُنَا، وَالْفَرْقُ مَا فِي هَذِهِ مِنْ شِدَّةِ الْمُشَابَهَةِ، وَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَوِيَتْ الْمُشَابَهَةُ. [فَصْلٌ الْقِيَام لأهل الذِّمَّة] (فَصْلٌ) (وَيَحْرُمُ قِيَامٌ لَهُمْ) ، أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ، لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهُمْ، (وَ) يَحْرُمُ قِيَامٌ (لِمُبْتَدِعٍ يَجِبُ هَجْرُهُ) كَرَافِضِي (وَ) يَحْرُمُ (تَصْدِيرُهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 بِمَجَالِسَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَ) يَحْرُمُ (بُدَاءَتُهُمْ بِسَلَامٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَ) يَحْرُمُ بُدَاءَةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ: (بِكَيْفَ أَصْبَحْت أَوْ) : كَيْفَ (أَمْسَيْت، أَوْ) : كَيْفَ (أَنْتَ أَوْ) : كَيْفَ (حَالُك) ، نَصَّ عَلَيْهِ، (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ، حَيْثُ جَوَّزَ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَهْلًا وَسَهْلًا، وَ: كَيْفَ أَصْبَحْت وَنَحْوُهُ فِي مَوْضِعٍ، وَجَزَمَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ (وَيُنْوَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، (مُسْلِمٌ مَعَهُمْ) ، أَيْ: الذِّمِّيِّينَ (بِسَلَامٍ) لِأَهْلِيَّتِهِ لَهُ (وَيُضْطَرُّونَ لِأَضْيَقِ طُرُقٍ) لِلْخَبَرِ، (وَلَا يُوَقَّرُونَ كَمُسْلِمٍ) ، لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِمْ. (وَيَجُوزُ) قَوْلُ مُسْلِمٍ لِذِمِّيٍّ: (أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك، مَعَ أَنَّ) الْإِمَامَ (أَحْمَدَ كَرِهَ الدُّعَاءَ) لِكُلِّ أَحَدٍ (بِالْبَقَاءِ) وَنَحْوُهُ، قَالَ: لِأَنَّهُ شَيْءٌ فَرَغَ مِنْهُ، إشَارَةً إلَى حَدِيثِ: «فَرَغَ رَبُّك مِنْ ثَلَاثٍ: رِزْقِك، وَأَجَلِك، وَشَقِيٍّ أَنْتَ أَوْ سَعِيدٍ» (وَ) يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: (أَكْثَرَ) اللَّهُ (مَالَك وَوَلَدَك قَاصِدًا بِذَلِكَ كَثْرَةَ الْجِزْيَةِ) ، لِيَنْتَفِعَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ. (وَ) يَجُوزُ: (أَكْرَمَك اللَّهُ، وَهَدَاك، يَعْنِي: بِالْإِسْلَامِ) ، قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ لِأَحْمَدَ: يَقُولُ لَهُ: أَكْرَمَك اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَعْنِي: بِالْإِسْلَامِ. (وَحَرُمَ تَهْنِئَتُهُمْ وَتَعْزِيَتُهُمْ وَعِيَادَتُهُمْ) إذَا مَرِضُوا، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " (وَ) حَرُمَ (شَهَادَةُ أَعْيَادِهِمْ) ، أَيْ: الْكُفَّارِ، وَ (لَا) يَحْرُمُ (بَيْعُنَا لَهُمْ) ، أَيْ: لِأَهْلِ الذَّمَّةِ (فِيهَا) ، أَيْ: أَعْيَادِهِمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمٌ لَهُمْ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ ": يَحْرُمُ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (وَعَنْهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (تَجُوزُ عِيَادَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 لِرَجَاءِ إسْلَامٍ) ، فَيَعْرِضُهُ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَ يَهُودِيًّا، وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. (وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى ذِمِّيٍّ) لَا يَعْلَمُهُ ذِمِّيًّا، (ثُمَّ عَلِمَهُ) ذِمِّيًّا، (سُنَّ قَوْلُهُ) لَهُ (جَهْرًا: رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي) ، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقِيلَ: إنَّهُ كَافِرٌ، فَقَالَ: رُدَّ عَلَيَّ مَا سَلَّمْت عَلَيْك، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَكْثَرَ اللَّهُ مَالَك وَوَلَدَك، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَكْثَرُ لِلْجِزْيَةِ. (وَإِنْ سَلَّمَ ذِمِّيٌّ) عَلَى مُسْلِمٍ، (لَزِمَ) الْمُسْلِمَ. (رَدُّهُ، فَيُقَالُ) فِي رَدِّهِ: (وَعَلَيْكُمْ) أَوْ: عَلَيْكُمْ، بِلَا وَاوٍ، وَبِهَا أَوْلَى، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «نُهِينَا، أَوْ أُمِرْنَا أَنْ لَا نَزِيدَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى: وَعَلَيْكُمْ» (وَيَكْتُبُ) الْمُسْلِمُ (فِي كِتَابٍ لِكَافِرٍ: سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى) ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى جَامِعٌ. (وَإِنْ شَمَّتَهُ) ، أَيْ: الْمُسْلِمَ الْعَاطِسَ (كَافِرٌ أَجَابَهُ) الْمُسْلِمُ بِهَدَاكَ اللَّهُ، لِأَنَّ طَلَبَ الْهِدَايَةِ لَهُمْ جَائِزٌ. (وَتُكْرَهُ مُصَافَحَتُهُ وَتَشْمِيتُهُ) ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ عَقِيلٍ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى: «إنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ، فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. (وَ) يُكْرَهُ (تَعَرُّضٌ لِمَا يُوجِبُ مَوَدَّةً بَيْنَهُمَا) ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الْآيَةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 (وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يُسْتَشَارَ) كَافِرٌ (وَيُؤْخَذَ بِرَأْيِهِ) ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ (أَوْ) ، أَيْ: وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ (يَسْتَطِبَّ ذِمِّيًّا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ دَوَاءً لَمْ يَقِفْ عَلَى مُفْرَدَاتِهِ) الْمُبَاحَةِ، وَكَذَا مَا وَضَعَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ أَوْ عَمِلَهُ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَخْلِطَهُ بِشَيْءٍ مِنْ السُّمُومَاتِ أَوْ النَّجَاسَاتِ، قَالَ تَعَالَى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118] (وَيُمْنَعُونَ) ، أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ (مِنْ حَمْلِ سِلَاحٍ وَ) مِنْ تَعَلُّمِ (ثِقَافٍ) ، وَهُوَ: الرَّمْيُ بِالْبُنْدُقِ، (وَ) مِنْ (رَمْيٍ) بِنَحْوِ نُبْلٍ، (وَ) مِنْ (لَعِبٍ بِرُمْحٍ وَدَبُّوسٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُعِينُ عَلَى الْحَرْبِ. وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ الْقُرْآنَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَلَّمُوا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَ) يُمْنَعُونَ مِنْ (تَعْلِيَةِ بِنَاءٍ فَقَطْ) لَا مِنْ مُسَاوَاتِهِ، لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى عُلُوِّ الْكُفْرِ، وَلَا إلَى اطِّلَاعِهِمْ عَلَى عَوْرَاتِنَا (عَلَى) بُنْيَانِ (جَارٍ مُسْلِم، وَلَوْ رَضِيَ) الْمُسْلِمُ بِذَلِكَ أَوْ قَصُرَ بُنْيَانُ الْمُسْلِمِ جِدًّا، فَلَيْسَ لَهُمْ التَّعْلِيَةُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، زَادَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: يَدُومُ عَلَى دَوَامِ الْأَوْقَاتِ، وَرِضَاهُ يُسْقِطُ حَقَّ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ. تَنْبِيهٌ يُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ تَعْلِيَةِ بِنَائِهِ عَلَى بِنَاءِ جَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاصِقْهُ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَارِ، قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَلِأَنَّ فِيهِ تَرَفُّعًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَمُنِعُوا مِنْهُ، كَالتَّصْدِيرِ فِي الْمَجَالِسِ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَدَلَّ أَنَّ قِسْمَةَ الْوَقْفِ قِسْمَةُ مَنَافِعَ لَا تَلْزَمُ، لِسُقُوطِ حَقِّ مَنْ يُحْدِثُ، لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِاجْتِنَابِهِ مُحَرَّمٌ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَيَجِبُ نَقْضُهُ) وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ، أَيْ: مَا عَلَا مِنْ بِنَائِهِمْ عَلَى بِنَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 جَارِهِمْ الْمُسْلِمِ، إزَالَةً لِعُدْوَانِهِمْ وَ (لَا) يُنْقَضُ مَا عَلَا مِنْ بِنَاءِ ذِمِّيٍّ (إنْ بَاعَهُ) الذِّمِّيُّ (لِمُسْلِمٍ) ، لِأَنَّهُ لَا غَضَاضَةَ بِهِ (وَيَضْمَنُ) ذِمِّيٌّ عَلَا بِنَاؤُهُ عَلَى بِنَاءِ جَارِهِ الْمُسْلِمِ (مَا تَلِفَ بِهِ) ، أَيْ: الْبِنَاءِ الْمُعَلَّى (قِبَلَهُ) ، أَيْ: النَّقْضُ لِتَعَدِّيهِ بِالتَّعْلِيَةِ، لِعَدَمِ إذْنِ الشَّرْعِ فِيهَا. وَ (لَا) يُهْدَمُ بِنَاءٌ عَالٍ (إنْ مَلَكُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ عَالِيًا) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَعْلِيَةٌ، (وَلَا يُعَادُ) عَالِيًا (لَوْ انْهَدَمَ) مَا مَلَكُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ عَالِيًا، لِأَنَّهُ بَعْدَ انْهِدَامِهِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ. (وَ) إنْ تَشَعَّثَ الْعَالِي الَّذِي لَا يَجِبُ هَدْمُهُ وَلَمْ يَنْهَدِمْ، فَيَجُوزُ أَنْ (يَرُمَّ شُعْثَهُ) لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لَهُ لَا إنْشَاءُ تَعْلِيَةٍ. (وَلَا) يُنْقَضُ بِنَاؤُهُمْ (إنْ بَنَى) مُسْلِمٌ (دَارًا عِنْدَهُمْ) فِي مَحَلَّتِهِمْ (دُونَ بِنَائِهِمْ) ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْلُوا بِنَاءَهُمْ عَلَى بِنَائِهِ (وَمَعَ شَكٍّ فِي سَبْقٍ) بِأَنْ وُجِدَتْ دَارُ ذِمِّيٍّ عَالِيَةُ عَلَى دَارِ مُسْلِمٍ بِجِوَارِهَا، وَشَكَّ فِي السَّابِقَةِ مِنْهُمَا، فَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: لَا تُقَرُّ دَارُ الذِّمِّيِّ عَالِيَةً، بَلْ (يَهْدِمُ) مَا عَلَا مِنْ بِنَائِهَا، لِأَنَّ التَّعْلِيَةَ مُفْسِدَةٌ، وَقَدْ شَكَكْنَا فِي شَرْطِ جَوَازِهَا. (وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ إحْدَاثِ كَنَائِسَ وَبِيَعٍ) فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (وَ) مِنْ (مُجْتَمَعٍ لِصَلَاةٍ وَصَوْمَعَةٍ لِرَاهِبٍ) ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " لِقَوْلِ ابْن عُمَرَ: " أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بِيعَةً وَلَا أَنْ يَضْرِبُوا فِيهِ نَاقُوسًا، وَلَا يَشْرَبُوا فِيهِ خَمْرًا، وَلَا يَتَّخِذُوا فِيهِ خِنْزِيرًا " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ. وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ وَوَاسِطَ، أَوْ مَا فُتِحَ عَنْوَةً كَمِصْرِ وَالشَّامِ، وَلَا يَصِحُّ صُلْحُهُمْ عَلَى إحْدَاثِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهَا مِلْكٌ لَهُمْ، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا بِنَاءُ مَجَامِعَ لِلْكُفْرِ (فَإِنْ فَعَلُوا) ، أَيْ: أَحْدَثُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، (وَجَبَ هَدْمُهُ) إزَالَةً لِعُدْوَانِهِمْ. (لَا) يَجِبُ (هَدْمُ مَا كَانَ مَوْجُودًا مِنْهَا) ، أَيْ: مِنْ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا (وَقْتَ فَتْحِ) الْأَرْضِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 الَّتِي هِيَ بِهَا، (فَإِنْ شَرَطُوا) ، أَيْ: الْكُفَّارُ (الْإِحْدَاثَ) لِبِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ وَنَحْوِهَا (فِيمَا فُتِحَ صُلْحًا عَلَى أَنَّهُ) ، أَيْ: الْبَلَدَ الْمَفْتُوحَ صُلْحًا (لَنَا) ، وَنُقِرُّهُ مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ، (جَازَ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفْتَحْ إلَّا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ. (وَيُمْنَعُونَ مِنْ بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا) ، أَيْ: الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَنَحْوِهَا (أَوْ هُدِمَ ظُلْمًا) مِنْهَا، (وَلَوْ) كَانَ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا أَوْ هُدِمَ ظُلْمًا (كُلُّهَا) ، لِأَنَّهُ بَعْدَ الْهَدْمِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ (كَ) مَا يُمْنَعُونَ مِنْ (زِيَارَتِهَا) ، أَيْ: الْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِيهَا لِمَا لَمْ يَكُنْ، فَيَدْخُلُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، «لَا تُبْنَى كَنِيسَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يُجَدَّدُ مَا خَرِبَ مِنْهَا» وَ (لَا) يُمْنَعُونَ (رَمَّ شُعْثَهَا) ، أَيْ: الْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا اسْتِدَامَتَهَا، فَمَلَكُوا رَمَّ شُعْثَهَا. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (الْكَنَائِسُ لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَيْسَ لَهُمْ مَنْعُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيهَا، لِأَنَّا صَالَحْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَالْعَابِدُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْغَافِلِينَ) عَنْ الْعِبَادَةِ (أَعْظَمُ أَجْرًا) ، وَفِي مَعْنَاهُ الَّتِي تَكْثُرُ فِيهَا الْمَعَاصِي لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهَا وَلِهَذَا قِيلَ: إنِّي اطَّلَعْت عَلَى الْبِقَاعِ وَجَدْتُهَا ... تَشْقَى كَمَا تَشْقَى الرِّجَالُ وَتَسْعَدُ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ إذَا رَأَى يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا غَمَّضَ عَيْنَيْهِ، وَيَقُولُ: لَا تَأْخُذُوا عَنِّي هَذَا، فَإِنِّي لَمْ أَجِدْهُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ، وَلَكِنْ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرَى مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ (وَحَرُمَ بَيْعُهُمْ) وَإِجَارَتُهُمْ (مَا يَعْمَلُونَهُ كَنِيسَةً أَوْ تِمْثَالًا) ، أَيْ: صَنَمًا (وَنَحْوَهُ) ، كَاَلَّذِي يَعْمَلُونَهُ صَلِيبًا، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ. قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] (وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ إظْهَارِ مُنْكَرٍ كَنِكَاحِ مَحَارِمَ، وَ) إظْهَارِ (عِيدٍ، وَ) إظْهَارِ (صَلِيبٍ وَ) إظْهَارِ (أَكْلٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 وَشُرْبٍ بِ) نَهَارِ (رَمَضَانَ، وَ) إظْهَارِ (خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) ، لِأَنَّهُ يُؤْذِينَا، (فَإِنْ فَعَلُوا) ، أَيْ: أَظْهَرُوا خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا (أُتْلِفَ) إزَالَةً لِلْمُنْكَرِ. (وَ) يُمْنَعُونَ مِنْ (رَفْعِ صَوْتٍ عَلَى مَيِّتٍ، وَ) مِنْ (قِرَاءَةِ قُرْآنٍ، وَ) مِنْ (ضَرْبِ نَاقُوسٍ وَجَهْرٍ بِكِتَابِهِمْ) ، لِأَنَّ فِي شُرُوطِهِمْ لِابْنِ غُنْمٍ: وَأَنْ لَا نَضْرِبَ نَاقُوسًا إلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا، وَلَا نَظْهَرَ عَلَيْهَا، وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا فِيمَا يَحْضُرُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَأَنْ لَا نُخْرِجَ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ لَا نَخْرُجَ بَاعُوثًا وَلَا سَعَانِينَ، وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا، وَأَنْ لَا نُجَاوِرَهُمْ بِالْجَنَائِزِ، وَلَا نُظْهِرَ شِرْكًا. وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِرَمَضَان لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ. وَالْبَاعُوثُ: اسْتِسْقَاءُ النَّصَارَى. وَالسَّعَانِينُ: عِيدٌ لِلنَّصَارَى قَبْلَ الْفِصْحِ بِأُسْبُوعٍ، يَخْرُجُونَ فِيهِ بِصُلْبَانِهِمْ، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ": (وَإِنْ صُولِحُوا) ، أَيْ: الْكُفَّارُ، (فِي بِلَادِهِمْ) ، أَيْ: مَا فُتِحَ صُلْحًا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ (عَلَى جِزْيَةٍ أَوْ خَرَاجٍ لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ فِيمَا سَبَقَ، لِأَنَّهُمْ فِي بِلَادِهِمْ أَشْبَهُوا أَهْلَ الْحَرْبِ زَمَنَ الْهُدْنَةِ. (وَبَائِعُ خَمْرٍ) مِنْ الذِّمِّيِّينَ (لَنَا يُعَاقَبُ وَيُؤْخَذُ) ، أَيْ: يَأْخُذُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ (مِنْهُ الثَّمَنَ) الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ، لِبُطْلَانِ بَيْعِ الْخَمْرِ، وَتَحْرِيمِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ (يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ) ، وَ (لَا) يُرَدُّ الثَّمَنُ (لِمُشْتَرٍ) مِنْهُمْ الْخَمْرَ، (فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ عِوَضٍ وَمُعَوَّضٍ) ، وَمَنْ بَاعَ خَمْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يَمْلِكْ ثَمَنَهُ، لِحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» فَيُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ (كَ) مَا قِيلَ فِي (مَهْرِ بَغْيٍ وَحُلْوَانِ كَاهِنٍ، وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ عِوَضٌ عَنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ) قَدْ (اُسْتُوْفِيَتْ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) ، لِأَنَّهُ كَالْمَالِ الْمَجْهُولِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 مَالِكُهُ، (وَ) هَذَا (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا، (وَقَالَ فِي بَيْعِ سِلَاحٍ فِي فِتْنَةٍ وَعِنَبٍ لِخَمْرٍ: يُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ) وَلَا يُرَدُّ لِمَالِكِهِ وَلَا لِلْبَائِعِ زَجْرًا لَهُمَا عَنْ ارْتِكَابِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، (كَذَا قَالَ) فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ فِي بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ وَالْعِنَبِ لِلْخَمْرِ تَقْتَضِي بُطْلَانَ الْعَقْدِ، وَرَدَّ الثَّمَنِ الَّذِي قُبِضَ لِلْمُشْتَرِي وَالْمُثَمَّنِ لِلْبَائِعِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِنْ تَلِفَ فَيَبْقَى الثَّمَنُ بِيَدِ الْبَائِعِ، لِئَلَّا يَذْهَبَ عَلَيْهِ مَالُهُ مَجَّانًا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْ فَيُقْضَى لِلْبَائِعِ بِعِوَضِهِ، بِخِلَافِ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَمَهْرِ الْبَغْيِ، وَأُجْرَةِ الْمَلُوطِ بِهِ وَالنَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فِي نَفْسِهَا، كَبَائِعِ نَحْوِ الْمَيْتَةِ أَوْ الْخِنْزِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِثَمَنِهَا، لِأَنَّ نَفْسَ هَذِهِ الْعَيْنِ مُحَرَّمَةٌ، أَفَادَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. (وَيُمْنَعُونَ) ، أَيْ: الْكُفَّارُ، (دُخُولُ حَرَمِ مَكَّةَ) بِحُدُودِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَجِّ لَا الْمَسْجِدِ (فَقَطْ) ، أَيْ: وَلَا حَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَلَوْ كَانَ دُخُولُهُمْ حَرَمَ مَكَّةَ لِلْإِسْلَامِ، كَمَا فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَالْمُرَادُ حَرَمُ مَكَّةَ {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: 28] ، أَيْ: ضَرَرًا بِتَأْخِيرِ الْجَلْبِ وَيُؤَيِّدُهُ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] ، أَيْ: الْحَرَمِ، لِأَنَّهُ «أُسْرِيَ بِهِ مِنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ» ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ دُونَ الْحِجَازِ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَمَاكِنِ الْعِبَادَاتِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَعْظَمُهَا، لِأَنَّهُ مَحَلُّ النُّسُكِ، فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ، سَوَاءٌ أَذِنَ بِالدُّخُولِ مُسْلِمٌ أَوْ لَا، لِإِقَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، (وَلَوْ بَذَلُوا مَالًا) لِأَجْلِ الدُّخُولِ (أَوْ صُولِحُوا عَلَيْهِ) ، أَيْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 الدُّخُولِ، لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ، وَلَمْ يُمَكَّنُوا، (وَمَا اُسْتُوْفِيَ مِنْ الدُّخُولِ مَلَكَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَالِ) الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ، فَإِنْ دَخَلُوا إلَى انْتِهَاءِ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ، فَعَلَيْهِمْ جَمِيعُ الْعِوَضِ، لِأَنَّهُمْ اسْتَوْفَوْا مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ (حَتَّى غَيْرَ مُكَلَّفٍ) كَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ، (وَ) حَتَّى (رَسُولُهُمْ) ، أَيْ: الْكُفَّارُ، فَيُمْنَعُونَ دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ، لِعُمُومِ الْآيَةِ. (وَيَخْرُجُ إمَامٌ إلَيْهِ) ، أَيْ: الرَّسُولِ إنْ أَبَى أَدَاءَ الرِّسَالَةِ إلَيْهِ (وَيُعَزِّرُ مَنْ دَخَلَ) مِنْهُمْ حَرَمَ مَكَّةَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْمَنْعِ، وَ (لَا) يُعَزَّرُ إنْ دَخَلَ (جَهْلًا) ، لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ، (وَيُخْرَجُ) وَيُهَدَّدُ، قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ. (وَلَوْ) صَارَ الدَّاخِلُ مَرِيضًا أَوْ (مَيِّتًا) فَيُخْرَجُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ إخْرَاجُهُ حَيًّا، فَإِخْرَاجُ جِيفَتِهِ أَوْلَى وَإِنَّمَا جَازَ دَفْنُهُ بِالْحِجَازِ سِوَى حَرَمَ مَكَّةَ، لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ حَرَمِ مَكَّةَ سَهْلٌ مُمْكِنٌ لِقُرْبِ الْحِلِّ مِنْهُ، وَخُرُوجُهُ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مَيِّتٌ صَعْبٌ مُشِقٌّ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ. (وَيُنْبَشُ إنْ دُفِنَ بِهِ) ، أَيْ: بِالْحَرَمِ، وَيُخْرَجُ مِنْهُ (مَا لَمْ يَبْلُ) ، فَيُتْرَكُ. وَكَذَا لَوْ تَصَعَّبَ إخْرَاجُهُ لِنَتِنِهِ وَتَقَطُّعِهِ لِلْمَشَقَّةِ فِي إخْرَاجِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ". (وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ إقَامَةٍ بِالْحِجَازِ كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَامَةِ وَخَيْبَرَ وَالْيَنْبُعِ وَفَدَكَ) ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: قَرْيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ (وَقُرَاهَا) ، وَسُمِّيَ حِجَازًا لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ تِهَامَةَ - بِكَسْرِ التَّاءِ، وَهِيَ: اسْمٌ لِكُلِّ مَا نَزَلَ عَنْ نَجْدٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ، وَمَكَّةَ مِنْ تِهَامَةَ - وَبَيْنَ نَجْدٍ، وَهُوَ: مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ وَ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَمِنْهُ) ، أَيْ: الْحِجَازِ، (تَبُوكَ وَنَحْوَهَا وَمَا دُونَ الْمُنْحَنَى، وَهُوَ: عُقْبَةُ الصَّوَّانُ مِنْ الشَّامِ كَمَعَانٍ) ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ «إنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْرِجُوا الْيَهُودَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَقَالَ عُمَرُ: «سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَلَا أَتْرُكُ فِيهَا إلَّا مُسْلِمًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْمُرَادُ: الْحِجَازُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَخْرَجَ أَحَدًا مِنْ الْيَمَنِ وَتَيْمَاءَ. قَالَ أَحْمَدُ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ الْمَدِينَةُ وَمَا وَالَاهَا، يَعْنِي: أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْ سُكْنَى الْكُفَّارِ بِهِ الْمَدِينَةِ وَمَا وَالَاهَا، وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَخَيْبَرُ وَالْيَنْبُعُ وَفَدَكُ وَمَخَالِيفُهَا، (وَلَيْسَ لَهُمْ دُخُولُهُ) ، أَيْ: الْحِجَازِ (بِلَا إذْنِ إمَامٍ) ، كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَا يَدْخُلُونَ دَارَ الْإِسْلَامِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. (وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِمَنْعِهِمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخَبَرِ (قَالَ أَصْحَابُنَا: الْمُرَادُ بِهِ: الْحِجَازُ) ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حُجِزَ بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَحَدُّ الْجَزِيرَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ) الْأَصْمَعِيُّ وَ (أَبُو عُبَيْدٍ) الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: (مِنْ عَدَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ) وَالرِّيفُ: أَرْضٌ فِيهَا زَرْعٌ وَخِصْبٌ، وَالْجَمْعُ: أَرْيَافٌ (طُولًا، وَمِنْ تِهَامَةَ إلَى مَا وَرَاءَهَا إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ) عَرْضًا قَالَ الْخَلِيلُ: إنَّمَا قِيلَ لَهَا جَزِيرَةٌ، لِأَنَّ بَحْرَ الْحَبَشَةِ وَبَحْرَ فَارِسَ وَالْفُرَاتِ أَحَاطَتْ بِهَا وَنُسِبَتْ إلَى الْعَرَبِ، لِأَنَّهَا أَرْضُهَا وَمَسْكَنُهَا وَمَعْدِنُهَا، (فَإِنْ دَخَلُوا الْحِجَازَ لِتِجَارَةٍ) أَوْ غَيْرِهَا (لَمْ يُقِيمُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، بَلْ يَنْتَقِلُوا) " لِأَنَّ عُمَرَ أَذِنَ لِمَنْ دَخَلَ تَاجِرًا فِي إقَامَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ " فَدَلَّ عَلَى الْمَنْعِ فِي الزَّائِدِ وَلَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَكَذَا فِي مَوْضِعٍ ثَالِثٍ، وَمَوْضِعٍ رَابِعٍ، وَهَكَذَا، (فَإِنْ أَقَامُوا بِمَوْضِعٍ) وَاحِدٍ مِنْ الْحِجَازِ (أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ عُزِّرُوا) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْرٌ فِي الْإِقَامَةِ (وَيُوَكَّلُونَ فِي) دَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ) مَنْ يَقْبِضْهُ لَهُمْ، (وَيُجْبَرُ مَنْ لَهُمْ عَلَيْهِ) دَيْنٌ (حَالٌّ عَلَى وَفَائِهِ) ، لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ، (فَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 تَعَذَّرَ) وَفَاؤُهُ لِنَحْوِ مَطْلٍ أَوْ تَغَيُّبٍ، (جَازَتْ إقَامَتُهُمْ لَهُ) إلَى اسْتِيفَائِهِ، لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَفِي إخْرَاجِهِمْ قَبْلَهُ ذَهَابٌ لِمَا لَهُمْ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَوْكِيلٌ. (وَمَنْ مَرِضَ) مِنْ كُفَّارٍ بِالْحِجَازِ (لَمْ يَخْرُجْ) مِنْهُ (حَتَّى يَبْرَأَ) ، لِمَشَقَّةِ الِانْتِقَالِ عَلَى الْمَرِيضِ، فَتَجُوزُ إقَامَتُهُ، (وَ) مَنْ يُمَرِّضُهُ. وَ (إنْ مَاتَ) كَافِرٌ بِالْحِجَازِ (دُفِنَ بِهِ) ، لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ إقَامَتِهِ لِلْمَرَضِ. (وَلَيْسَ لِكَافِرٍ دُخُولُ مَسْجِدٍ) مِنْ مَسَاجِدِ الْحِلِّ (وَلَوْ أَذِنَ) لَهُ فِيهِ (مُسْلِمٌ) " لِأَنَّ عَلِيًّا بَصَرَ بِمَجُوسِيٍّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَنَزَلَ وَضَرَبَهُ وَأَخْرَجَهُ " وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَلِأَنَّ حَدَثَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ يَمْنَعُ، فَالشِّرْكُ أَوْلَى. (وَعِنْدَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى: (يَجُوزُ) لِكَافِرٍ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ (إنْ رُجِيَ) مِنْهُ (إسْلَامٌ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ أَهْلِ الطَّائِفِ، فَأَنْزَلَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ إسْلَامِهِمْ» وَأُجِيبَ عَنْهُ وَعَنْ نَظَائِرِهِ بِأَنَّهُ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إلَيْهِ، وَبِأَنَّهُمْ كَانُوا يُخَاطِبُونَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْمِلُونَ إلَيْهِ الرَّسَائِلَ وَالْأَجْوِبَةَ، وَيَسْمَعُونَ مِنْهُ الدَّعْوَةَ، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَخْرُجَ لِكُلِّ مَنْ قَصَدَهُ مِنْ الْكُفَّارِ. (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ) ، أَيْ: الْكَافِرِ (لِبِنَائِهِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ (وَالذِّمِّيِّ) التَّاجِرِ (وَلَوْ أُنْثَى صَغِيرَةً) أَوْ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى وَنَحْوَهُ، (أَوْ تَغْلِيبًا إنْ اتَّجَرَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ) وَلَوْ إلَى غَيْرِ الْحِجَازِ (بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَصَاعِدًا) ، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا (ثُمَّ عَادَ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْوَاجِبُ فِيهَا) ، أَيْ: فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي (سَافَرَ إلَيْهِ مِنْ بِلَادِنَا، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُشْرِ مِمَّا مَعَهُ) ، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي " كِتَابِ الْأَمْوَالِ " عَنْ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ " أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى الْكُوفَةِ، فَجَعَلَ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ فِيهَا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا " وَكَانَ ذَلِكَ بِالْعِرَاقِ، وَاشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِمَّا مَعَهُمْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ نَصًّا، وَلَا فِيمَا اتَّجَرُوا فِيهِ مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ. (وَيَمْنَعُهُ) ، أَيْ: وُجُوبَ نِصْفِ الْعُشْرِ (دَيْنٌ كَزَكَاةٍ) ، فَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِمَّا يُقَابِلُهُ (إنْ ثَبَتَ) الدَّيْنُ (بِبَيِّنَةٍ) ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ. (وَيُصَدَّقُ) كَافِرٌ تَاجِرٌ (أَنَّ جَارِيَةً مَعَهُ أَهْلُهُ) ، أَيْ: زَوْجَتُهُ، (أَوْ) أَنَّهَا (بِنْتُهُ، وَنَحْوَهُمَا) كَأُخْتِهِ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ عَدَمُ مِلْكِهِ لَهَا، فَلَا تُعْشَرُ (وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَعَ حَرْبِيٍّ اتَّجَرَ إلَيْنَا الْعُشْرُ) سَوَاءٌ عَشَرُوا أَمْوَالَنَا أَوْ لَا، " لِأَنَّ عُمَرَ أَخَذَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ " وَاشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. و (لَا) يُؤْخَذُ عُشْرٌ وَلَا نِصْفُهُ (مِنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ مَعَهُمَا) ، أَيْ: الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ، لِأَنَّ الْعَشَرَةَ مَالٌ يَبْلُغُ وَاجِبُهُ نِصْفَ دِينَارٍ فَوَجَبَ فِيهِ كَالْعِشْرِينِ فِي زَكَاةِ مُسْلِمٍ. (وَلَا) يُؤْخَذُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ (أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ كُلَّ عَامٍ) ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ " أَنَّ شَيْخًا نَصْرَانِيًّا جَاءَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ: إنَّ عَامِلَك عَشَرَنِي فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ، قَالَ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفُ. ثُمَّ كَتَبَ إلَى عَامِلِهِ أَنْ لَا يَعْشُرَ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً " وَكَالْجِزْيَةِ وَالزَّكَاةِ. وَمَتَى أَخَذَ مِنْهُمْ كَتَبَ لَهُمْ بَرَاءَةً، لِتَكُونَ حُجَّةً مَعَهُمْ، فَلَا يُعْشَرُونَ ثَانِيًا، لَكِنْ إنْ كَانَ مَعَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ الْأَوَّلِ أُخِذَ مِنْ الزَّائِدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعْشَرْ. (وَلَا يُعْشَرُ ثَمَنُ خَمْرٍ، وَ) لَا ثَمَنُ (خِنْزِيرٍ) نَصًّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنْ الثَّمَنِ " حَمَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى مَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ جِزْيَةً وَخَرَاجًا، وَاسْتَدَلَّ لَهُ، (وَالْمُرَادُ: مَا لَمْ يَقْبِضُوا ثَمَنَهُمَا) مِمَّنْ يَعْتَقِدُ حِلَّهُمَا، فَيُعْشَرُ كَبَاقِي أَمْوَالِهِمْ، فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 رِوَايَةٍ جَزَمَ بِهَا فِي " الرَّوْضَةِ " " وَالْغُنْيَةِ " وَاحْتَجَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ مَا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ، فَإِنَّ نَفْسَ الْعَيْنِ، وَهُوَ الْحَلَالُ الْمُطْلَقُ طَعَامُ الْأَنْبِيَاءِ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (وَيَحِلُّ لَهُمْ ثَمَنُ) الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ (لَوْ أَسْلَمُوا) ، وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمْ، لِحَدِيثِ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» . [فَرْعٌ تَعْشِيرُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ] (فَرْعٌ: يَحْرُمُ تَعْشِيرُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُلَفُ الَّتِي ضَرَبَهَا الْمُلُوكُ عَلَى النَّاسِ) بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ (إجْمَاعًا) ، قَالَ الْقَاضِي: لَا يُسَوَّغُ فِيهَا اجْتِهَادٌ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إنَّ صَاحِبَ الْمَكْسِ لَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ يُؤْخَذُ كَمَا هُوَ فَيُلْقَى فِي النَّارِ» وَحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنِ الْقَارِيّ أَنْ ارْكَبْ إلَى الْبَيْتِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بَيْتُ الْمَكْسِ فَاهْدِمْهُ، ثُمَّ احْمِلْهُ إلَى الْبَحْرِ فَانْسِفْهُ فِيهِ نَسْفًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رَأَيْتُهُ بَيْنَ مِصْرَ وَالرَّمْلَةِ. وَحَدِيثِ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ إنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ، (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (لِوَلِيٍّ) فِي نِكَاحٍ (يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ) ، أَيْ: الْعُشْرَ، (مَنَعَ مُوَلِّيَتَهُ مِنْ التَّزْوِيجِ مِمَّنْ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْهُ) ، أَيْ: الْعُشْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّهُ مَكْسٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 [فَصْلٌ تَهَوَّدَ النَّصْرَانِيُّ] (فَصْلٌ) (وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ) لَمْ يُقَرَّ (أَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ لَمْ يُقَرَّ) ، لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى دِينٍ بَاطِلٍ قَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِهِ فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ كَالْمُرْتَدِّ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أُقِرَّ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَيُقَرُّ عَلَيْهِ ثَانِيًا، (فَإِنْ أَبَى مَا كَانَ عَلَيْهِ) مِنْ الدِّينِ، (وَ) أَبَى (الْإِسْلَامَ هُدِّدَ وَحُبِسَ وَضُرِبَ) حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يَرْجِعَ إلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، (وَلَمْ يُقْتَلْ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَلَا يُقْتَلُ لِلشُّبْهَةِ. (وَإِنْ اشْتَرَى الْيَهُودُ نَصْرَانِيًّا فَهَوَّدُوهُ) ، أَيْ: جَعَلُوهُ يَهُودِيًّا (عُزِّرُوا) لِفِعْلِهِمْ مُحَرَّمًا، وَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا، لِعَدَمِ إتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَفْظًا وَحُكْمًا. (وَإِنْ انْتَقَلَا) ، أَيْ: الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ، (أَوْ) انْتَقَلَ (مَجُوسِيٌّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ) ، لَمْ يُقَرَّ لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ دِينِهِ، أَشْبَهَ الْمُسْلِمَ إذَا ارْتَدَّ، و (لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ) نَصًّا، لِأَنَّ غَيْرَ الْإِسْلَامِ أَدْيَانٌ بَاطِلَةٌ قَدْ أُقِرَّ بِبُطْلَانِهَا، فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهَا كَالْمُرْتَدِّ، (فَإِنْ أَبَاهُ) ، أَيْ: الْإِسْلَامَ (قُتِلَ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ ثَلَاثَةً) ، أَيْ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَالْمُرْتَدِّ (وَإِنْ انْتَقَلَ غَيْرُ كِتَابِيٍّ) وَلَوْ مَجُوسِيًّا (إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ) بِأَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ أُقِرَّ، لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَأَعْلَى مِنْ دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، فَأُقِرَّ كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ أَصْلُ دِينِهِ (أَوْ تَمَجَّسَ وَثَنِيٌّ) ، أَيْ: أَحَدُ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ، (أُقِرَّ) عَلَى الْمَجُوسِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ تَزَنْدَقَ ذِمِّيٌّ) بِأَنْ لَمْ يَتَّخِذْ دِينًا مُعَيَّنًا (لَمْ يُقْتَلْ لِأَجْلِ جِزْيَةٍ نَصًّا) ، نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ. (وَإِنْ كُذَّبَ نَصْرَانِيٌّ بِمُوسَى، خَرَجَ مِنْ دِينِهِ) ، أَيْ: النَّصْرَانِيَّةِ لِتَكْذِيبِهِ لِنَبِيِّهِ عِيسَى فِي قَوْلِهِ: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} [آل عمران: 50] (وَلَمْ يُقَرَّ عَلَى غَيْرِ إسْلَامٍ) ، فَإِنْ أَبَاهُ (فَ) إنَّهُ (يُقْتَلُ بَعْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 اسْتِتَابَةِ) ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالْمُرْتَدِّ، (لَا إنْ كَذَّبَ يَهُودِيٌّ بِعِيسَى) ، فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِنَبِيِّهِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. [فَصْلٌ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] ِ (وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ مَنْ أَبَى) مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (بَذْلَ جِزْيَةٍ، أَوْ) أَبَى (الصَّغَارَ، أَوْ) أَبَى (الْتِزَامَ حُكْمِنَا) ، سَوَاءٌ شَرَطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَوْ لَا، وَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِهَا حَاكِمُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] قِيلَ: الصَّغَارُ: الْتِزَامُ أَحْكَامِنَا، (أَوْ قَاتَلَنَا مُنْفَرِدًا، أَوْ مَعَ أَهْلِ حَرْبٍ) ، لِأَنَّ إطْلَاقَ الْأَمَانِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْقِتَالِ، (أَوْ لَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ مُقِيمًا) لَا لِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا، لِصَيْرُورَتِهِ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ، (أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ) ، لِمَا " رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ أَرَادَ اسْتَكْرَاهُ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ عَلَى الزِّنَا، فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا صَالَحْنَاكُمْ، فَأَمَرَ بِهِ، فَصُلِبَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ". (وَيَتَّجِهُ) : لَوْ طَلَّقَ ذِمِّيٌّ زَوْجَتَهُ رَجْعِيًّا، فَأَسْلَمَتْ، وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَوَطِئَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ، (لَا) يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ بِوَطْئِهِ لَهَا (زَمَنَ عِدَّتِهَا مِنْهُ، وَلَمْ يُسْلِمْ) لِلشُّبْهَةِ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا، فَإِنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ وُقُوعَ طَلَاقٍ قَطُّ، فَشُبْهَتُهُ أَقْوَى مِنْ شُبْهَةِ غَيْرِهِ، وَهَذَا مُتَّجِهٌ. (أَوْ) ، أَيْ: وَكَذَا لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ إذَا (لَاطَ بِمُسْلِمٍ) ، وَإِنْ كَانَ اللِّوَاطُ أَفْحَشَ مِنْ الزِّنَا، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ، وَالطِّبَاعُ تَنْفِرُ مِنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْبَابِ، بَلْ قَالُوا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 الْحُدُودِ: إنَّهُ كَالزِّنَا، وَكَذَلِكَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ الشَّافِعِيُّ قَاسَهُ عَلَى الزِّنَا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، (أَوْ أَصَابَهَا) ، أَيْ: وَطِئَ الذِّمِّيُّ الْمُسْلِمَةَ (بِاسْمِ نِكَاحٍ) لَا إنْ أَصَابَهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ قَبْلَ إزَالَةِ يَدِهِ عَنْهَا لِلشُّبْهَةِ. (وَلَا يُعْتَبَرُ فِي زِنَاهُ) ، أَيْ: الذِّمِّيِّ مِنْ حَيْثُ نَقْضُ الْعَهْدِ (أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْمُسْلِمِ بَلْ يَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ) ، وَالِاشْتِهَارُ، (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَفِيهِ شَيْءٌ. (أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا) ، لِعَدَمِ وَفَائِهِ بِمُقْتَضَى الذِّمَّةِ مِنْ أَمْنِ جَانِبِهِ (أَوْ تَجَسَّسَ أَوْ آوَى جَاسُوسًا) ، لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَشْبَهَ الِامْتِنَاعَ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ، (أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ ذَكَرَ كِتَابَهُ أَوْ دِينَهُ) ، أَيْ: الْإِسْلَامَ، (أَوْ رَسُولَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِسُوءٍ) . (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) ذَكَرَ (نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ) - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، بِسُوءٍ. قَالَ تَعَالَى: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] ، وَهَذَا فِي حَقِّ نَبِيِّنَا وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْتَرِفُونَ بِنُبُوَّتِهِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَنْ جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ فَلَا يَظْهَرُ، وَطَائِفَةُ السَّمَارَةِ لَهُمْ حَطٌّ وَتَسَلُّطٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، لَا سِيَّمَا سَيِّدَنَا دَاوُد وَابْنَهُ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ السُّوءُ مَنْسُوبًا إلَى التَّوْرَاةِ، فَإِنَّ فِيهَا أَنَّ يَهُوذَا ضَاجَعَ ابْنَتَهُ وَلُوطًا ضَاجَعَ ابْنَتَيْهِ، وَهَذَا مِنْ افْتِرَائِهِمْ وَتَبْدِيلِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ أَقْرَرْنَاهُمْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِذِكْرِهِمْ بِذَلِكَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَذِيَّةٌ لَنَا، وَفِي ضِمْنِهِ تَكْذِيبٌ لِنَبِيِّنَا، وَهَضْمٌ لِدِينِنَا كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 لَا يَخْفَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ، فَقَالَ لَهُ: كَذَبْت، قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: يُقْتَلُ، أَوْ) ، أَيْ: وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ مَنْ (تَعَدَّى عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ) عَمْدًا. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ ". (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ (مَعْصُومٍ) ، فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِقَتْلِ مُرْتَدٍّ وَلَا زَانٍ مُحْصَنٍ أَوْ قَاتِلٍ مَعْصُومٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ فَتَنَهُ) ، أَيْ: فَتَنَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ (عَنْ دِينِهِ) ، لِأَنَّهُ ضَرَرٌ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَاتَلَهُمْ. وَ (لَا) يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ (بِقَذْفِهِ) ، أَيْ: الذِّمِّيُّ مُسْلِمًا، (وَ) لَا بِ (إيذَائِهِ بِسِحْرٍ فِي تَصَرُّفِهِ) نَصًّا. كَإِبْطَالِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ، لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَطَمَهُ (وَلَا إنْ أَظْهَرَ) الذِّمِّيُّ (مُنْكَرًا، أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ) ، فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّ فِيهِ غَضَاضَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ خُصُوصًا بِسَبِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ. (وَلَا) يُنْتَقَضُ بِنَقْضِ عَهْدِهِ (عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ) الْبَالِغِينَ الْمَوْجُودِينَ، لِأَنَّ النَّقْضَ وُجِدَ مِنْهُ دُونَهُمْ، فَاخْتَصَّ حُكْمُهُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَلْحَقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ، فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ وَلَوْ لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ وَمَنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ وَوَلَدَتْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 بَعْدَ النَّقْضِ، فَإِنَّهُ يُسْتَرَقُّ وَيُسْبَى، لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْأَمَانِ لَهُ وَإِنْ نَقَضَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ اخْتَصَّ حُكْمُ النَّقْضِ بِالنَّاقِضِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُضُوا لَكِنْ خَافَ مِنْهُمْ النَّقْضَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْبَذَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ، لِأَنَّهُ عَقَدَ الذِّمَّةَ لِحَقِّهِمْ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِمَامَ يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُمْ إلَيْهِ، بِخِلَافِ عَقْدِ الْأَمَانِ وَالْهُدْنَةِ، فَإِنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ. (وَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ) ، أَيْ: الْمُنْتَقَضِ عَهْدَهُ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ نَائِبُهُ) عِنْدَ غَيْبَتِهِ، لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَوْ قَالَ: تُبْت، كَأَسِيرٍ) حَرْبِيٍّ بَيْنَ رِقٍّ وَقَتْلٍ وَمِنْ فِدَاءٍ، لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ قَدَرْنَا عَلَيْهِ بِدَارِنَا بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَلَا عَهْدٍ وَلَا شُبْهَةَ ذَلِكَ، أَشْبَهَ اللِّصَّ الْحَرْبِيَّ، وَمَالُهُ فَيْءٌ، لِأَنَّ الْمَالَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِمَالِكِهِ حَقِيقَةً وَقَدْ اُنْتُقِضَ عَهْدُ الْمَالِكِ فِي نَفْسِهِ، فَكَذَا فِي مَالِهِ، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَمَان مُوَضَّحًا. (وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ) لِنَقْضِ الْعَهْدِ (إنْ أَسْلَمَ، وَلَوْ كَانَ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ ". (وَيَتَّجِهُ) : إنَّمَا يَحْرُمُ قَتْلُ سَابِّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إنْ كَانَ سَبَّهُ (بِغَيْرِ قَذْفٍ) ، وَأَمَّا قَاذِفُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ، وَيَأْتِي فِي الْقَذْفِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا) يَحْرُمُ (رِقُّهُ) ، أَيْ: مَنْ أَسْلَمَ، لِأَنَّهُ عَصَمَ نَفْسَهُ بِإِسْلَامٍ لِلْخَبَرِ، (لَا إنْ رُقَّ قَبْلَ) إسْلَامِهِ، فَلَا يَزُولُ رِقُّهُ بِهِ بَلْ يَسْتَمِرُّ. وَإِنْ كَانَ عَلَى مَنْ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ جِنَايَاتٌ مِنْ قَتْلٍ وَدِيَةٍ وَدُيُونٍ اُسْتُوْفِيَتْ مِنْهُ، لِأَنَّهَا حُقُوقُ آدَمِيِّينَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 فَلَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ. (وَقِيلَ: يُقْتَلُ سَابُّهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِكُلِّ حَالٍ) وَإِنْ أَسْلَمَ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالسَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُمْ، (وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ (وَقَالَ) الشَّيْخُ: (إنْ سَبَّهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (حَرْبِيٌّ، ثُمَّ تَابَ بِإِسْلَامِهِ، قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ إجْمَاعًا) ، لِلْآيَةِ وَالْحَدِيثِ السَّابِقَيْنِ وَقَالَ فِي كِتَابِهِ " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ عَلَى شَاتِمِ الرَّسُولِ ": وَالدَّلَالَةُ عَلَى انْتِقَاضِ عَهْدِ الذِّمِّيِّ لِسَبِّهِ اللَّهَ أَوْ كِتَابَهُ أَوْ دِينَهُ أَوْ رَسُولَهُ وَوُجُوبِ قَتْلِهِ وَقَتْلِ الْمُسْلِمِ إذَا أَتَى بِذَلِكَ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَمَّا الْكِتَابُ، فَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعَ، أَحَدُهَا: قَوْلُهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] . . . إلَى قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَلَا يَجُوزُ الْإِمْسَاكُ عَنْ قَتْلِهِمْ إلَّا إذَا كَانُوا صَاغِرِينَ حَالَ إعْطَائِهِمْ الْجِزْيَةَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ مِنْ حِينِ بَذْلِهَا وَالْتِزَامِهَا إلَى تَسْلِيمِهَا وَإِقْبَاضِهَا، فَإِنَّهُمْ إذَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ وَشَرَعُوا فِي الْإِعْطَاءِ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمْ إلَى أَنْ يُقْبِضُونَاهَا، فَيَتِمُّ الْإِعْطَاءُ، فَمَتَى لَمْ يَلْتَزِمُوهَا أَوْ الْتَزَمُوهَا أَوَّلًا وَامْتَنَعُوا مِنْ تَسْلِيمِهَا ثَانِيًا لَمْ يَكُونُوا مُلْتَزِمِينَ لِلْجِزْيَةِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِعْطَاءِ لَمْ يُوجَدْ وَإِذَا كَانَ الصَّغَارُ حَالًّا لَهُمْ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ، فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ سَبَّ نَبِيِّنَا فِي وُجُوهِنَا، وَشَتَمَ رَبَّنَا عَلَى رُءُوسِ الْمَلَأِ، وَطَعَنَ فِي دِينِنَا فِي مَجَامِعِنَا، فَلَيْسَ بِصَاغِرٍ، لِأَنَّ الصَّاغِرَ: الذَّلِيلُ الْحَقِيرُ، وَهَذَا فِعْلُ مُتَعَزِّزٍ مُرَاغِمٍ، بَلْ هَذَا غَايَةُ مَا يَكُونُ مِنْ الْإِذْلَالِ لَنَا وَالْإِهَانَةِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الصَّغَارُ: الذُّلُّ وَالضَّيْمُ، وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ إظْهَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 السَّبِّ وَالشَّتْمِ لِدِينِ الْأُمَّةِ، الَّذِي بِهِ اُكْتُسِبَ شَرَفَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لَيْسَ فِعْلُ رَاضٍ بِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَإِذَا كَانَ قِتَالُهُمْ وَاجِبًا عَلَيْنَا إلَّا أَنْ يَكُونُوا صَاغِرِينَ، وَلَيْسُوا بِصَاغِرِينَ، كَانَ الْقِتَالُ مَأْمُورًا بِهِ، وَكُلُّ مَنْ أُمِرْنَا بِقِتَالِهِ مِنْ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إذَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّا إذَا كُنَّا مَأْمُورِينَ أَنْ نُقَاتِلَهُمْ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَعْقِدَ لَهُمْ الذِّمَّةَ بِدُونِهَا، وَلَوْ عُقِدَ لَهُمْ كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا، فَيَبْقَى ذَلِكَ عَلَى الْإِبَاحَةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا. (وَقَالَ: مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانَ الْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ. (وَقَالَ: إنْ جَهَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللَّهِ) ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، (عُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ إمَّا بِالْقَتْلِ أَوْ بِمَا دُونَهُ) ، لِإِتْيَانِهِ بُهْتَانًا عَظِيمًا وَ (لَا) يُعَاقَبُ بِذَلِكَ (إنْ قَالَهُ سِرًّا) فِي نَفْسِهِ. (وَإِنْ قَالَ) ذِمِّيٌّ: (هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ الْكِلَابُ أَوْلَادُ الْكِلَابِ إنْ أَرَادَ طَائِفَةً مُعَيَّنَةً) مِنْ الْمُسْلِمِينَ (عُوقِبَ عُقُوبَةً تَزْجُرُهُ وَأَمْثَالَهُ) عَنْ أَنْ يَعُودَ لِذَلِكَ الْقَوْلِ الشَّنِيعِ (وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ الْعُمُومِ انْتَقَضَ عَهْدُهُ وَوَجَبَ قَتْلُهُ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَضَاضَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. (وَمَنْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ، فَحَصَلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ، ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ فَكَذِمِّيٍّ) ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ دُونَ ذُرِّيَّتِهِ. وَتَخْرُجُ نَصْرَانِيَّةٌ لِشِرَاءِ زُنَّارٍ، وَلَا يَشْتَرِيهِ مُسْلِمٌ لَهَا، لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْكُفْرِ، وَلَا يَأْذَنُ الْمُسْلِمُ لِزَوْجَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ أَمَتِهِ كَذَلِكَ أَنْ تَخْرُجَ إلَى عِيدٍ أَوْ تَذْهَبَ إلَى عِيدٍ أَوْ تَذْهَبَ إلَى بَيْعَةٍ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا ذَلِكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 [كِتَابُ الْبَيْعِ] ِ قَدَّمَهُ عَلَى الْأَنْكِحَةِ وَمَا بَعْدَهَا؛ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا غِنَى لِلْإِنْسَانِ عَنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَلِبَاسٍ، وَهُوَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُهْتَمَّ بِهِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى؛ إذْ لَا يَخْلُو مُكَلَّفٌ غَالِبًا مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ، فَيَجِبُ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهِ. وَقَدْ حَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُكَلَّفٍ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَبَعَثَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ يُقِيمُ مِنْ الْأَسْوَاقِ مَنْ لَيْسَ بِفَقِيهٍ. وَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِقْرَارِهِ أَصْحَابَهُ عَلَيْهِ، وَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ تَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَلَا يَبْذُلُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ غَالِبًا، فَفِي تَجْوِيزِ الْبَيْعِ وُصُولٌ لِغَرَضِهِ، وَدَفْعِ حَاجَتِهِ. وَهُوَ مَصْدَرُ بَاعَ يَبِيعُ إذَا مَلَكَ، وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى شَرَى، وَكَذَلِكَ شَرَى يَكُونُ لِلْمَعْنَيَيْنِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ: بَاعَ وَأَبَاعَ بِمَعْنًى، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْبَاعِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَمُدُّ بَاعَهُ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ. وَشَرْعًا: (مُبَادَلَةُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ) ، أَيْ دَفْعُهَا وَأَخْذِ عِوَضِهَا، فَلَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَهِيَ كُلُّ جِسْمٍ أُبِيحَ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ مُطْلَقًا، فَخَرَجَ نَحْوُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ النَّجِسَةِ وَالْحَشَرَاتِ وَالْكَلْبِ وَلَوْ لِصَيْدٍ (أَوْ) مُبَادَلَةُ (مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ) عَلَى الْإِطْلَاقِ، بِأَنْ لَا تَخْتَصَّ إبَاحَتُهَا بِحَالٍ دُونَ حَالٍ، كَمَمَرِّ دَارٍ وَبُقْعَةٍ تُحْفَرُ بِئْرًا، بِخِلَافِ نَحْوِ جِلْدِ مَيْتَةٍ مَدْبُوغٍ، فَلَا يُبَاعُ هُوَ، وَلَا نَفْعُهُ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مُطْلَقًا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 بَلْ فِي الْيَابِسَاتِ (بِإِحْدَاهُمَا) ، أَيْ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مُطْلَقًا. وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمُبَادَلَةٍ، فَيَشْمَلُ نَحْوَ بَيْعِ كِتَابٍ بِكِتَابٍ، أَوْ بِمَمَرٍّ فِي دَارٍ، وَبَيْعِ نَحْوِ مَمَرٍّ فِي دَارٍ بِكِتَابٍ، أَوْ بِمَمَرٍّ فِي دَارٍ أُخْرَى (أَوْ) مُبَادَلَةُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مُطْلَقًا، (بِمَالٍ فِي الذِّمَّةِ) مِنْ نَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَكَذَا مُبَادَلَةُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَيْنٍ مَالِيَّةٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ، أَوْ بِمَالٍ فِي الذِّمَّةِ، إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ (لِلْمِلْكِ) احْتِرَازًا عَنْ إعَارَةِ ثَوْبِهِ لِيُعِيرَهُ الْآخَرُ فَرَسَهُ (عَلَى التَّأْبِيدِ) بِأَنْ لَمْ تَتَقَيَّدْ مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِمُدَّةٍ، أَوْ عَمَلٍ مَعْلُومٍ، فَتَخْرُجُ الْإِجَارَةُ. (غَيْرَ رِبًا وَقَرْضٍ) إخْرَاجٌ لَهُمَا؛ فَإِنَّ الرِّبَا مُحَرَّمٌ، وَالْقَرْضُ وَإِنْ قُصِدَ فِيهِ الْمُبَادَلَةُ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ فِيهِ الْإِرْفَاقُ. (وَأَرْكَانُهُ) ؛ أَيْ الْبَيْعِ (إنْ لَمْ يَكُنْ ضِمْنِيًّا) ؛ كَ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي. فَإِذَا أَعْتَقَهُ؛ صَحَّ الْعِتْقُ عَنْ السَّائِلِ، وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ، مَعَ أَنَّهُ هُنَا لَمْ تُوجَدْ الْأَرْكَانُ كُلُّهَا. (أَرْبَعَةٌ: مُتَعَاقِدَانِ) ، وَهُمَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِ (وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ) ، وَهُوَ الْمَبِيعُ (وَصِيغَةٌ) قَوْلِيَّةٌ، (أَوْ مُعَاطَاةٌ) . وَبَدَأَ بِالصِّيغَةِ الْقَوْلِيَّةِ؛ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ، فَقَالَ: (فَيَنْعَقِدُ) الْبَيْعُ إنْ أُرِيدَ حَقِيقَتُهُ؛ بِأَنْ رَغِبَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا بَذَلَهُ مِنْ الْعِوَضِ، (لَا) إنْ وَقَعَ (هَزْلًا) بِلَا قَصْدٍ لِحَقِيقَتِهِ. (وَيُقْبَلُ) ، قَوْلُ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمَا أَنَّهُ وَقَعَ هَزْلًا (بِيَمِينِهِ مَعَ قَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ؛ لَمْ يُقْبَلْ. (وَلَا) إنْ وَقَعَ (تَلْجِئَةً وَأَمَانَةً وَهُوَ) ؛ أَيْ بَيْعُ التَّلْجِئَةِ وَالْأَمَانَةِ (إظْهَارُهُ) ؛ أَيْ الْبَيْعِ الَّذِي أُظْهِرَ؛ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ؛ (لِدَفْعِ ظَالِمٍ) عَنْ الْبَائِعِ، (وَلَا يُرَادُ) الْبَيْعُ (بَاطِنًا) ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ النِّيَّةُ فَقَطْ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (بَيْعُ الْأَمَانَةِ الْمَضْمُونَةِ) عَلَى الْقَابِضِ هُوَ (اتِّفَاقُهُمَا) ؛ أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا جَاءَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أَعَادَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ عَلَى الْبَائِعِ (مِلْكَهُ) الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 (يَنْتَفِعُ بِهِ) ؛ أَيْ: بِالْبَيْعِ (مُشْتَرٍ بِإِجَارَةٍ وَسَكَنٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَرُكُوبِ مَا يُرْكَبُ، وَحَلْبِ مَا يُحْلَبُ، (وَهُوَ عَقْدُ) الْبَيْعِ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ (بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَمَقْصُودُهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَيْنِ (إنَّمَا هُوَ الرِّبَا بِإِعْطَاءِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ لِأَجَلٍ، وَمَنْفَعَةُ الدَّارِ رِبْحٌ) ؛ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى قَرْضٌ بِعِوَضٍ، وَالْوَاجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ، وَرَدُّ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي مَا قَبَضَهُ مِنْهُ ثَمَنًا عَنْ الْمَبِيعِ. لَكِنْ يُحْسَبُ لِلْبَائِعِ مِنْهُ مَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَالِ الَّذِي سَمَّيَا أُجْرَةً. وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي سَكَنَ؛ حُسِبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ فَتَحْصُلُ الْمُقَاصَّةُ بِقَدْرِهِ، وَيُرَدُّ الْفَضْلُ (بِإِيجَابٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِ يَنْعَقِدُ - كَقَوْلِ بَائِعٍ (بِعْتُكَ) كَذَا، (أَوْ مَلَّكْتُك) كَذَا، (أَوْ وَلَّيْتُكَ) كَذَا، أَيْ: بِعْتُكَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَهُمَا يَعْلَمَانِهِ. (أَوْ أَشْرَكْتُكَ) فِيهِ فِي بَيْعِ الشَّرِكَةِ وَتَأْتِي صُورَةُ التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ فِي السَّادِسِ مِنْ بَابِ الْخِيَارِ (أَوْ وَهَبْتُكَ) هَذَا بِكَذَا، (أَوْ أَعْطَيْتُكَهُ) بِكَذَا. وَيَقُولُ؛ كَقَوْلِ مُشْتَرٍ: (ابْتَعْتُ) ذَلِكَ، (أَوْ قَبِلْت أَوْ تَمَلَّكْتُ، أَوْ اشْتَرَيْتُ أَوْ أَخَذْتَ، وَنَحْوَهُ) كَ اسْتَبْدَلْتُ. (وَشَرْطٌ) لِانْعِقَادِ بَيْعٍ (كَوْنُ قَبُولٍ عَلَى وَفْقِ إيجَابٍ قَدْرًا) ؛ فَلَوْ خَالَفَ؛ كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَهُ بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِثَمَانِيَةٍ؛ لَمْ يَنْعَقِدْ وَكَوْنُهُ عَلَى وَفْقِهِ (نَقْدًا وَصِفَةً وَحُلُولًا وَأَجَلًا. فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِأَلْفِ) دِرْهَمٍ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ (صَحِيحَةٍ مَثَلًا، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ) ؛ كَ اشْتَرَيْتُ بِأَلْفٍ نِصْفُهَا صَحِيحٌ وَنِصْفُهَا مُكَسَّرٌ، أَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ، أَوْ قَالَ الْبَائِعُ: بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى رَجَبٍ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: إلَى شَعْبَانَ، (لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ لِلْإِيجَابِ، لَا قَبُولَ لَهُ. (وَصَحَّ تَقَدُّمُ قَبُولٍ) عَلَى إيجَابٍ (بِلَفْظِ أَمْرٍ) ، وَيَأْتِي مِثَالُهُ أَوْ بِلَفْظِ مَاضٍ فَقَطْ مُجَرَّدٍ عَنْ نَحْوِ اسْتِفْهَامٍ، كَتَرَجٍّ وَتَمَنٍّ؛ كَقَوْلِ مُشْتَرٍ لِبَائِعٍ: (بِعْنِي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 كَذَا بِكَذَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ؛ صَحَّ، وَهَذَا مِثَالُ الْأَمْرِ. (أَوْ) قَالَ مُشْتَرٍ: (اشْتَرَيْتُ) مِنْك هَذَا بِكَذَا، (فَيَقُولُ) الْبَائِعُ: (بِعْتُكَ وَنَحْوَهُ) مِمَّا تَقَدَّمَ؛ صَحَّ الْبَيْعُ، وَهَذَا مِثَالُ الْمَاضِي. (أَوْ) قَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْنِي هَذَا بِكَذَا، أَوْ اشْتَرَيْتُهُ مِنْك بِكَذَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: (بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهِ، أَوْ) هُوَ (مُبَارَكٌ عَلَيْك) أَوْ قَالَ: (إنَّ اللَّهَ قَدْ بَاعَكَ) ؛ صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إنْ قَالَ الْبَائِعُ: (بِعْتُهُ) بِكَذَا، (فَقَالَ) الْمُشْتَرِي: (أَنَا آخُذُهُ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ بِأَخْذِهِ. فَلَوْ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْكَ، صَحَّ؛ لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. (وَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ إنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: (أَبِعْتنِي) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، (أَوْ لَيْتَك) بِعْتَنِي، بِالتَّمَنِّي، أَوْ لَعَلَّكَ تَبِيعُنِي، بِالتَّرَجِّي، (أَوْ تَبِيعُنِي) ، بِالْمُضَارِعِ. وَهَذِهِ مُحْتَرَزَاتُ قَوْلِهِ: بِلَفْظِ الْأَمْرِ، أَوْ مَاضٍ فَقَطْ، مُجَرَّدٍ عَنْ نَحْوِ اسْتِفْهَامٍ وَتَمَنٍّ، (أَوْ قَالَ بَائِعٌ لِمُشْتَرٍ: اشْتَرِهِ بِكَذَا، أَوْ ابْتَعْهُ بِكَذَا، فَقَالَ) مُشْتَرٍ: (اشْتَرَيْتُهُ، أَوْ ابْتَعْتُهُ) ؛ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، (مَا لَمْ يَقُلْ بَائِعٌ بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: بَعْدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ: بِعْتُكَ وَنَحْوَهُ كَمَلَّكْتُكَ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ". (وَصَحَّ تَرَاخِي أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عَنْ الْآخَرِ. (وَالْبَيِّعَانِ بِالْمَجْلِسِ لَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ) ؛ أَيْ: الْبَيْعَ عُرْفًا؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْقَبْضِ فِيهِ لِمَا يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِمَا بَقِيَ مِنْهُمَا، أَوْ تَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا، (فَلَا) يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إعْرَاضٌ عَنْ الْعَقْدِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَا بِالرَّدِّ. (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا يَضُرُّ التَّشَاغُلُ بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا، إذَا صَدَرَ الْعَقْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا. (لَا) إنْ صَدَرَ مِنْ (مُتَوَلِّي طَرَفَيْهِ) ؛ أَيْ: الْعَقْدِ، (لِإِجْزَاءِ أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عَنْ الْآخَرِ؛ كَصُدُورِ الْعَقْدِ مِنْ مُتَوَلِّي طَرَفَيْهِ فِي (نِكَاحٍ) ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُ فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ، وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 يَلْزَمُ قَوْلُهُ: وَقَبِلْتُ ذَلِكَ لَهُ، أَوْ يَقُولَ: تَزَوَّجْتُهَا لِفُلَانٍ، وَلَا يَلْزَمُ (قَوْلُهُ) : وَقَبِلْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَإِذَا كَانَ هُوَ الزَّوْجَ فَيَكْفِي قَوْلُهُ: تَزَوَّجْتُهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ: وَقَبِلْتُ ذَلِكَ لِنَفْسِي. وَالْبَيْعُ كَذَلِكَ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مَا بَطَلَ) بِهِ الْعَقْدُ (مِمَّا مَرَّ) مِنْ الصُّوَرِ؛ (يَصِحُّ) ؛ أَيْ: يَنْقَلِبُ صَحِيحًا (إذَا قَبَضَ) الثَّمَنَ؛ (لِوُجُودِ الْمُعَاطَاةِ إذَنْ) ؛ أَيْ: وَقْتَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ يَشْتَرِي مِنْ الْبَقَّالِ وَالْبَزَّازِ وَالْقَصَّابِ شَيْئًا فَشَيْئًا، بِنَفْسِهِ تَارَةً، وَبِوَكِيلِهِ تَارَةً أُخْرَى، مِنْ غَيْرِ مُسَاوَمَةٍ، وَلَا قَطْعِ ثَمَنٍ، ثُمَّ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ، يُحَاسِبُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَدْفَعُ لَهُ الثَّمَنَ. فَلَوْ اُعْتُبِرَ الْقَبْضُ فِي الْمُعَاطَاةِ كُلَّ مَرَّةٍ عَلَى حِدَتِهَا؛ لَضَاقَ الْأَمْرُ، وَلَزِمَ إبْطَالُ غَالِبِ الْعُقُودِ، وَاشْتِغَالُ الذِّمَمِ بِفَسَادِ الْمُعَامَلَةِ. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا يَسَعُ النَّاسُ الْعَمَلَ بِغَيْرِهِ، فَلِلَّهِ دَرُّ مُسْتَنْبِطِهِ عَلَى نَظَرِهِ الدَّقِيقِ، وَاسْتِخْرَاجِهِ الْأَنِيقِ. (وَإِنْ كَاتَبَ) الْبَائِعُ (أَوْ رَاسَلَ غَائِبًا) عَنْ الْمَجْلِسِ قَائِلًا: (إنِّي بِعْتُكَ) كَذَا بِكَذَا، (أَوْ) إنِّي (بِعْتُ فُلَانًا كَذَا) ، وَنَسَبَهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ بِكَذَا، (فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي) الْبَيْعَ (حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ) ، صَحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ التَّرَاخِيَ مَعَ غِيبَةِ الْمُشْتَرِي لَا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ عَنْ الْإِيجَابِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، فَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا، وَمَا إذَا كَانَ غَائِبًا وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ أَبِي طَالِبٍ فِي النِّكَاحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 قَالَ فِي رَجُلٍ يَمْشِي إلَيْهِ قَوْمٌ: فَقَالُوا: زَوِّجْ فُلَانًا فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُهُ عَلَى أَلْفٍ، فَرَجَعُوا إلَى الزَّوْجِ، فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُ (هَلْ يَكُونُ هَذَا نِكَاحًا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ) الْعَاقِدُ الْآخَرُ حَاضِرًا اُعْتُبِرَ قَبُولُهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا جَازَ تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْمَجْلِسِ، كَمَا قُلْنَا فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ. (وَيَنْعَقِدُ) الْبَيْعُ (فِي غَيْرِ كِتَابَةٍ) وَفِي غَيْرِ ضِمْنِيٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ: (اعْتِقْ عَبْدَكَ عَلَى كَذَا) كَأَلْفٍ مَثَلًا. (وَيَتَّجِهُ وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا فِي غَيْرِ (تَوَلِّي طَرَفَيْهِ) ؛ أَيْ: الْعَقْدِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِمُعَاطَاةٍ) نَصًّا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِدَلَالَةِ الْحَالِ. جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدِ الصَّحَابَةِ اسْتِعْمَالُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي بَيْعِهِمْ، وَلَوْ اُسْتُعْمِلَ لَنُقِلَ نَقْلًا شَائِعًا وَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَخْفَ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَبِيَاعَاتِهِمْ عَلَى الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ؛ كَقَوْلِ الْمُشْتَرِي: (أَعْطِنِي بِهَذَا) الدِّرْهَمِ (خُبْزًا، فَيُعْطِيهِ) الْبَائِعُ (مَا يُرْضِيهِ) ، وَهُوَ سَاكِتٌ، أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ: خُذْ هَذَا بِدِرْهَمٍ، فَيَأْخُذُهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ. (أَوْ يُسَاوِمُهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ، فَيَقُولُ) بَائِعُهَا: (خُذْهَا) ، فَيَأْخُذُهَا، وَهُوَ سَاكِتٌ، (وَنَحْوَهُ) ؛ كَ أَعْطَيْتُكهَا، (أَوْ هِيَ لَكَ، أَوْ) يَقُولُ (خُذْ هَذِهِ) السِّلْعَةَ (بِدِرْهَمٍ فَيَأْخُذُهَا) مُشْتَرٍ وَهُوَ سَاكِتٌ (أَوْ) يَقُولُ مُشْتَرٍ: (كَيْفَ تَبِيعُ الْخُبْزَ؟ فَيَقُولُ) الْبَائِعُ: (كَذَا بِدِرْهَمٍ، فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: خُذْهُ) ؛ أَيْ: الدِّرْهَمَ، (أَوْ اتَّزِنْهُ) ، فَيَأْخُذُهُ، (أَوْ وَضَعَ) مُشْتَرٍ (ثَمَنَهُ) الْمَعْلُومَ لِمِثْلِهِ (عَادَةً، وَأَخَذَهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْضُوعَ ثَمَنُهُ (عَقِبَهُ) ؛ أَيْ: عَقِبَ وَضْعِ ثَمَنِهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَ) قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 (فِي " الْمُبْدِعِ " ظَاهِرُهُ) الصِّحَّةُ، (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ حَاضِرًا) ؛ لِلْعُرْفِ. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ (هَذَا) ، أَيْ: وَضْعِ الثَّمَنِ وَأَخْذُ الْمُثَمَّنِ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ (فِي) مَبِيعٍ (يَسِيرٍ) عُرْفًا، كَحُزَمِ الْبَقْلِ وَنَحْوِهَا، مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ ثَمَنُهُ، بِخِلَافِ مَبِيعٍ لَهُ شَأْنٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ مَالِكِهِ، أَوْ وَكِيلِهِ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُعْتَبَرُ فِي) صِحَّةِ بَيْعٍ (مُعَاطَاةُ مُعَاقَبَةُ الْقَبْضِ) لِلطَّلَبِ، فِي نَحْوِ خُذْ هَذَا بِدِرْهَمٍ، (أَوْ) مُعَاقَبَةُ (الْإِقْبَاضِ) لِلطَّلَبِ، فِي نَحْوِ أَعْطِنِي بِهَذَا خُبْزًا؛ لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ عَدَمُ التَّأْخِيرِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اللَّفْظِيِّ، بِأَنْ لَا يَتَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ الْمَجْلِسِ، أَوْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا؛ فَفِي الْمُعَاطَاةِ أَوْلَى نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ قُنْدُسٍ. وَالْعَطْفُ بِالْفَاءِ، فِي نَحْوِ فَيُعْطِيهِ وَمَا بَعْدَهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِي الْمُعَاطَاةِ مُبْطِلٌ، وَلَوْ كَانَا بِالْمَجْلِسِ لَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ؛ لِضَعْفِهَا عَنْ الصِّيغَةِ الْقَوْلِيَّةِ. (وَكَذَا هِبَةٌ وَهَدِيَّةٌ وَصَدَقَةٌ) ؛ فَتَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ؛ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي الْمَعْنَى، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، اسْتِعْمَالُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) ؛ أَيْ: اعْتِبَارُ الْقَبْضِ، أَوْ الْإِقْبَاضِ: (لِصِحَّةِ الْبَيْعِ إذَنْ) ؛ أَيْ: وَقْتَ التَّنَاوُلِ، (وَإِلَّا؛ فَيَصِحُّ) الْبَيْعُ (بِقَبْضٍ مُتَأَخِّرٍ) عَنْ التَّنَاوُلِ. - وَإِنْ تَرَاخَى الْقَبْضُ - لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ تَقَدَّمَ آنِفًا مَعَنَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 (وَلَا بَأْسَ بِذَوْقٍ مَبِيعٍ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ) عِلْمٌ (عِنْدَ شِرَاءٍ نَصًّا وَلَوْ بِلَا إذْنٍ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " " وَالْمُبْدِعِ " " وَالْإِنْصَافِ " وَغَيْرِهَا، (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَ: مَعَ الْإِذْنِ، (وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ مَرَّةً: لَا أَدْرِي) إلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَالْوَرَعُ الْعَمَلُ بِالثَّانِي. [فَصْلٌ شُرُوطُ الْبَيْعِ] (فَصْلٌ) (وَشُرُوطُهُ) ؛ أَيْ: الْبَيْعِ (سَبْعَةٌ) أَحَدُهَا: (الرِّضَا) بِأَنْ يَتَبَايَعَا اخْتِيَارًا؛ فَلَا يَصِحُّ إنْ أُكْرِهَ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» ، (إلَّا مِنْ مُكْرَهٍ بِحَقٍّ؛ كَرَاهِنٍ) يُكْرِهُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ، كَإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ، (وَمُحْتَكِرٍ) يُكْرِهُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ غَلَّتِهِ زَمَنَ غَلَاءٍ، (وَمَدِينٌ مُمْتَنِعٍ) مِنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ؛ فَيُكْرِهُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ عَقَارِهِ الشَّرْطُ (الثَّانِي: الرُّشْدُ) يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ؛ أَيْ: حُرًّا مُكَلَّفًا رَشِيدًا؛ فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ، وَلَا مِنْ صَغِيرٍ، وَنَائِمٍ، وَسَكْرَانَ، وَمُبَرْسَمٍ، وَسَفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الرِّضَا، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الرُّشْدُ، كَالْإِقْرَارِ، (إلَّا فِي) شَيْءٍ (يَسِيرٍ) ؛ كَرَغِيفٍ، وَحُزْمَةِ بَقْلٍ، وَقِطْعَةِ حَلْوَى وَنَحْوِهَا؛ فَيَصِحُّ مِنْ قِنٍّ " صَغِيرٍ، وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمْ لِخَوْفِ ضَيَاعِ الْمَالِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْيَسِيرِ، وَإِلَّا (إذَا أَذِنَ لِمُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ وَلِيُّهُمَا) ؛ فَيَصِحُّ - وَلَوْ فِي الْكَثِيرِ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] (وَيَحْرُمُ) إذْنُ وَلِيٍّ لَهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمَا (بِلَا مَصْلَحَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ. (وَيَتَّجِهُ) وَأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى وَلِيِّ مُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ حِفْظُ مَالِهِمَا، وَتَنْمِيَتُهُ، وَفِعْلُ مَا فِيهِ (حَظٌّ) وَمَصْلَحَةٌ لَهُمَا، فَإِنْ أَذِنَ لَهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِلَا مَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَيْهِمَا؛ فَيَكُونُ مُفَرِّطًا، (وَيَضْمَنُ) مَا أَتْلَفَاهُ مِنْ مَالِهِمَا بِفِعْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ الْمُسَلِّطُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 لَهُمَا عَلَى مَا يَعُودُ ضَرَرُهُ عَلَيْهِمَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) أَذِنَ (لِقِنٍّ سَيِّدُهُ) ، فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ؛ لِزَوَالِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِإِذْنٍ لَهُ، (وَلَا يَصِحُّ مِنْ مُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ قَبُولُ هِبَةٍ، وَوَصِيَّةٍ بِلَا إذْنِ) وَلِيٍّ لَهُمَا؛ كَالْبَيْعِ؛ هَذَا الْمَذْهَبُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ لَوْ قَبِلَ الْمُمَيِّزُ مَا أُهْدِيَ أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِهِ؛ يَصِحُّ قَبُولُهُ، وَيَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ، (وَلَكِنْ) عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَحْفَظَهُ لَهُ؛ كَبَاقِي مَالِهِ، ثُمَّ (يَتَصَرَّفُ فِيهَا) ؛ أَيْ: الْهَدِيَّةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ مُمَيِّزٌ (إذَا بَلَغَ) رَشِيدًا؛ (لِرِضَا رَبِّهَا بِذَلِكَ) . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": الصَّوَابُ الصِّحَّةُ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ الشَّارِحُ (صِحَّتَهُ) ، أَيْ صِحَّةَ قَبُولِ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ (مِنْ مُمَيِّزٍ) بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ؛ (كَعَبْدٍ) ؛ أَيْ: كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ مَحْضٌ، فَهُوَ كَاحْتِشَاشِهِ وَاصْطِيَادِهِ، وَيَكُونَانِ لِسَيِّدِهِ، (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ قِنٍّ فِي ذِمَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا شِرَاءٌ بِعَيْنٍ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ؛ (كَسَفِيهٍ) بِجَامِعِ الْحَجْرِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا. (وَتُقْبَلُ هَدِيَّةٌ مِنْ مُمَيِّزٍ أُرْسِلَ بِهَا) ، وَمِمَّنْ دُونَهُ فِي السِّنِّ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا، كَقَبُولِ (إذْنِهِ فِي دُخُولِ مَنْزِلٍ) ؛ عَمَلًا بِالْعُرْفِ. (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى فِي جَامِعِهِ ": (وَ) تُقْبَلُ هَدِيَّةٌ (مِنْ كَافِرٍ وَفَاسِقٍ) أُرْسِلَ بِهَا، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي إجْمَاعًا فِي مَوْضِعٍ؛ يَقْبَلُهُ مِنْهُ (إذَا ظَنَّ صِدْقَهُ) بِقَرِينَةٍ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ ": وَهَذَا مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: كَوْنُ مَبِيعٍ) مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ثَمَنًا كَانَ أَوْ مُثَمَّنًا (مَالًا) ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُقَابَلُ بِهِ، (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْمَالُ شَرْعًا (مَا يُبَاحُ نَفْعُهُ مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ؛ (بِخِلَافِ جِلْدِ مَيْتَةٍ دُبِغَ) ؛ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ نَفْعُهُ إلَّا فِي الْيَابِسَاتِ، (وَ) يُبَاحُ (اقْتِنَاؤُهُ بِلَا حَاجَةٍ) ، فَيَخْرُجُ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ؛ كَالْحَشَرَاتِ، وَمَا فِيهِ نَفْعٌ مُحَرَّمٌ؛ كَخَمْرٍ، وَمَا لَا يُبَاحُ إلَّا عِنْدَ الِاضْطِرَارِ؛ كَالْمَيْتَةِ، وَمَا لَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ؛ كَالْكَلْبِ؛ (كَبَغْلٍ وَحِمَارٍ) ؛ لِانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِمَا، وَتَبَايُعِهِمَا فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، (وَكَدُودِ " قَزٍّ " وَبَذْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ الْحَرِيرُ الَّذِي هُوَ أَفْخَرُ الْمُلَابِسِ؛ بِخِلَافِ الْحَشَرَاتِ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا، (وَكَنَحْلٍ مُنْفَرِدٍ) عَنْ كُوَّارَتِهِ؛ أَيْ: خَارِجٍ عَنْهَا، بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ، يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهِ شَرَابٌ فِيهِ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ، فَهُوَ، كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، (أَوْ) نَحْلٍ (مَعَ كِوَارَتِهِ) خَارِجًا عَنْهَا، وَنَحْلٍ مَعَ كِوَارَتِهِ (فِيهَا إذَا شُوهِدَ دَاخِلًا إلَيْهَا) لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ. (وَشَرْطُ مَعْرِفَتِهِ) ؛ أَيْ: النَّحْلِ (بِفَتْحِ رَأْسِهَا) أَيْ: الْكِوَارَاتِ؛ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُشَاهَدَتُهُ دَاخِلًا إلَيْهَا، بَلْ يَكْفِي رُؤْيَتُهُ فِيهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ: (وَخَفَاءُ بَعْضِهِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ) ؛ أَيْ: صِحَّةَ الْبَيْعِ؛ (كَالصُّبْرَةِ) ؛ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِهَا اسْتِتَارُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَالْمَذْهَبُ لَا بُدَّ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ دَاخِلًا إلَيْهَا؛ فَلَا يَكْفِي فَتْحُ رَأْسِهَا وَمُشَاهَدَتُهُ فِيهَا. جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ " وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. (وَيَدْخُلُ الْعَسَلُ) الْمَوْجُودُ فِي الْكِوَارَةِ حَالَ الْبَيْعِ (تَبَعًا) لَهَا كَأَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ، وَ (لَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَا كَانَ مَسْتُورًا) مِنْ النَّحْلِ (بِأَقْرَاصِهِ) ، وَلَمْ يُعْرَفْ لِلْجَهَالَةِ، (وَلَا) بَيْعُ (كِوَارَةٍ بِمَا فِيهَا مِنْ عَسَلٍ وَنَحْلٍ) لِلْجَهَالَةِ (وَكَهِرٍّ) فَيَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِمَا فِي الصَّحِيحِ: «أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ لَهَا حَبَسَتْهَا» ) . وَالْأَصْلُ فِي اللَّامِ لِلْمِلْكِ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يُبَاحُ نَفْعُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 وَاقْتِنَاؤُهُ؛ أَشْبَهَ الْبَغْلَ، (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْفَائِقِ " " وَالْهَدْيِ " " وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ "؛ فَإِنَّهُمْ اخْتَارُوا عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِهِ؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ، فَقَالَ: (زَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ» ) وَفِي لَفْظٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ مِنْهَا، أَوْ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ مِنْهَا (وَكَفِيلٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ؛ أَشْبَهَ الْبَغْلَ. (وَمَا يُصَادُ عَلَيْهِ كَبُومَةٍ) تُجْعَلُ (شباشا) ؛ أَيْ: تُخَاطُ عَيْنَاهَا وَتُرْبَطُ؛ لِيَنْزِلَ عَلَيْهَا الطَّيْرُ، (وَكُرِهَ فِعْلُ ذَلِكَ) بِالْبُومَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهَا. (أَوْ) يُصَادُ (بِهِ؛ كَدِيدَانٍ وَسِبَاعِ بَهَائِمَ) تَصْلُحُ لِصَيْدٍ؛ كَفُهُودِ. (وَكَطَيْرٍ لِقَصْدِ صَوْتِهِ) ؛ كَهَزَارٍ وَبَبَّغَاءٍ - وَهِيَ الدَّرَّةُ - وَبُلْبُلٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا مُبَاحًا، فَيَصِحُّ بَيْعُهُ - وَإِنْ كُرِهَ حَبْسُهُ لِذَلِكَ - لِلتَّلَذُّذِ بِصَوْتِهِ؛ (لِكَوْنِهِ) ؛ أَيْ: حَبْسِهِ (مِنْ الْبَطَرِ) ؛ وَهُوَ قِلَّةُ احْتِمَالِ النَّعْمَةِ وَالدَّهَشِ وَالْحِيرَةِ، وَالطُّغْيَانِ بِالنَّعْمَةِ، وَكَرَاهَةِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْكَرَاهَةَ. (وَالْأَشِرُ) : هُوَ النِّشَادُ وَالِاخْتِيَالُ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (وَيُعَدُّ سَفَهًا) ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، (أَوْ) جَوَارِحِ طَيْرٍ (تَصْلُحُ لِصَيْدٍ) ؛ كَبَازٍ وَصَقْرٍ (وَوَلَدِهَا وَفَرْخِهَا وَبَيْضِهَا) ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ، (إلَّا الْكَلْبَ) ؛ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ. وَكَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ (بَقِيَّةِ حَشَرَاتٍ؛ كَعَقْرَبٍ وَفَأْرٍ) وَخَنَافِسَ وصراصر وَحَيَّاتٍ. (وَ) لَا يَصِحُّ بَيْعُ (سِبَاعِ) بَهَائِمَ لَا تَصْلُحُ لِصَيْدٍ، وَلَا (جَوَارِحَ لَا تَصْلُحُ) لِصَيْدٍ؛ كَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ وَسَبُعٍ، وَلَا جَوَارِحَ طَيْرٍ؛ (كَنِسْرٍ وَغُرَابٍ) لَا يُؤْكَلُ، وَعَقْعَقٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا كَالْحَشَرَاتِ. (وَمَنْ قَتَلَ كَلْبًا) يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ (مُعَلَّمًا) الصَّيْدَ؛ (أَسَاءَ لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا، وَلَا غُرْمَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ؛ فَلَا قِيمَةَ لَهُ، وَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 غَيْرِ أَسْوَدِ بَهِيمٍ وَعَقُورٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " هُنَاكَ. (وَحَرُمَ اقْتِنَاءُ) كَلْبٍ (غَيْرِ مُعَلَّمٍ - وَلَوْ لِحِفْظِ بُيُوتٍ - خِلَافًا لِجَمْعٍ) ، مِنْهُمْ الْحَارِثِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ كِتَابِهِ، فِي الْوَقْفِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْكَلْبِ: وَالصَّحِيحُ اخْتِصَاصُ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ بِمَا عَدَا كَلْبَ الصَّيْدِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ، (غَيْرَ كَلْبِ مَاشِيَةٍ وَصَيْدٍ وَحَرْثٍ) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيَجُوزُ تَرْبِيَةُ جَرْوٍ صَغِيرٍ لِذَلِكَ) ؛ أَيْ: لِمَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ حَرْثٍ؛ لِأَنَّهُ قُصِدَ بِهِ مَا يُبَاحُ. وَمَنْ اقْتَنَى كَلْبَ صَيْدٍ ثُمَّ تَرَكَ الصَّيْدَ مُدَّةً وَهُوَ يُرِيدُ الْعَوْدَةَ إلَيْهِ؛ لَمْ يَحْرُمْ اقْتِنَاؤُهُ فِي مُدَّةِ تَرْكِهِ وَكَذَا لَوْ اقْتَنَاهُ لِزَرْعٍ لَوْ حَصَدَ الزَّرْعَ؛ أُبِيحَ اقْتِنَاؤُهُ حَتَّى يَزْرَعَ زَرْعًا آخَرَ. وَكَذَا لَوْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ، أَوْ بَاعَهَا وَهُوَ يُرِيدُ شِرَاءَ غَيْرِهَا؛ فَلَهُ إمْسَاكُ كَلْبِهَا لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِي الَّتِي يَشْتَرِيهَا. (وَمَنْ مَاتَ وَفِي يَدِهِ كَلْبٌ) يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ؛ (فَوَرَثَتُهُ أَحَقُّ بِهِ) ؛ كَسَائِرِ الِاخْتِصَاصِ، (وَيَجُوزُ إهْدَاءُ كَلْبٍ مُبَاحٍ، وَالْإِثَابَةُ عَلَيْهِ) ، لَا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ. (وَكَقِرْدٍ لِحِفْظٍ) ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ، (وَلَا) يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ (لِلَّعِبِ، وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ بَيْعَهُ وَشِرَاءَهُ) قَالَ: أَكْرَهُ بَيْعَ الْقِرْدِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطَافَةِ بِهِ، وَاللَّعِبِ. فَأَمَّا بَيْعُهُ لِحِفْظٍ الْمَتَاعِ وَالدُّكَّانِ وَنَحْوِهِ؛ فَيَجُوزُ؛ كَالصَّقْرِ، (وَيَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ لِلَّعِبِ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَكَعَلَقٍ لِمَصِّ دَمٍ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 (وَكَلَبَنِ آدَمِيَّةٍ) انْفَصَلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ يُنْتَفَعُ بِهِ؛ كَلَبَنِ الشَّاةِ، (لَا) لَبَنِ (رَجُلٍ وَيُكْرَهُ) ؛ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ. (وَكَقِنٍّ مُرْتَدٍّ) ؛ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ يُنْتَفَعُ بِهِ. وَخَشْيَةُ هَلَاكِهِ لَا تَمْنَعُ بَيْعَهُ، وَكَقِنٍّ (مَرِيضٍ، وَلَوْ مَأْيُوسًا مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْرَأُ، فَيُنْتَفَعُ بِهِ، وَكَقِنٍّ (جَانٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، خَطَأً كَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْ عَمْدًا؛ عَلَى نَفْسٍ فَمَا دُونَهَا، أَوْجَبَتْ الْقِصَاصَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَقٌّ ثَبَتَ بِغَيْرِ رِضَا سَيِّدِهِ؛ فَلَمْ يُمْنَعْ بَيْعُهُ؛ كَالدَّيْنِ، وَلِجَاهِلٍ بِالرِّدَّةِ أَوْ الْجِنَايَةِ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ؛ كَالْعَيْبِ، وَيَأْتِي وَكَقِنٍّ (قَاتَلَ فِي مُحَارَبَةٍ) تَحَتَّمَ قَتْلُهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ إلَى قَتْلِهِ، أَوْ يُعْتَقُ فَيَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِهِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ (أَمَةٍ لِمَنْ بِهِ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ) كَجُذَامٍ وَبَرَصٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُرَادُ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ (وَفِي تَحْرِيمِ وَطْئِهَا وَجْهَانِ، أَوْلَاهُمَا: لَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ) لِمِلْكِهِ لَهَا وَلِمَنَافِعِهَا، (وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ حَكَاهُ) عَنْهُمْ (ابْنُ الْعِمَادِ) فِي كِتَابِ " التِّبْيَانِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْحَيَوَانِ. (وَيَتَّجِهُ بَلْ) يَجُوزُ لَهَا أَنْ (تَمْنَعَهُ؛ لِلْإِيذَاءِ؛ لِأَنَّ) وَطْأَهُ يُؤْذِيهَا، وَ (الْإِيذَاءُ حَرَامٌ) ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُمَّ الْجَذْمَاءَ أَوْ الْبَرْصَاءَ يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ حَضَانَةِ وَلَدِهَا، مَعَ أَنَّ الطِّفْلَ لَا يَعْقِلُ النَّفْرَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلَا التَّأَذِّي بِهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَنْذُورٍ عِتْقُهُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ؛ لِوُجُوبِ عِتْقِهِ بِالنَّذْرِ؛ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِبَيْعِهِ بِخِلَافِ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ. وَ (لَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَيْتَةٍ، وَلَوْ طَاهِرَةً) كَالْعَقْرَبِ وَمَيْتَةِ الْآدَمِيِّ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 لِعَدَمِ النَّفْعِ بِهَا (غَيْرَ نَحْوِ سَمَكٍ وَجَرَادٍ) مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ الَّتِي لَا تَعِيشُ إلَّا فِيهِ؛ لِحِلِّ مَيْتَتِهَا. (وَلَا) بَيْعَ (سِرْجِينٍ نَجِسٍ) ؛ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ بَيْعِ سِرْجِينٍ طَاهِرٍ، كَرَوْثِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ. (وَيَتَّجِهُ) يَحْرُمُ بَيْعُ سِرْجِينٍ (مُتَنَجِّسٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) بَيْعُ (دُهْنٍ نَجِسٍ) كَشَحْمِ مَيْتَةٍ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهَا، (أَوْ) دُهْنِ (مُتَنَجِّسٍ) ؛ كَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ لَاقَتْهُ نَجَاسَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِغَسْلٍ، أَشْبَهَ نَجَسَ الْعَيْنِ؛ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، (وَلَوْ لِكَافِرٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا حُرِّمَ شَيْءٌ حُرِّمَ ثَمَنُهُ؛ لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» (وَيَجُوزُ) دَفْعُ أَدْهَانٍ مُتَنَجِّسَةٍ لِكَافِرٍ (فِي فِكَاكِ) أَسِيرٍ (مُسْلِمٍ) ؛ تَخْلِيصًا لَهُ مِنْ الْأَسْرِ، وَهَذَا لَيْسَ بَيْعًا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ افْتِدَاءٌ. وَعَلَى دَافِعِ ذَلِكَ أَنْ (يُعْلِمَ الْكَافِرَ بِنَجَاسَتِهِ) ؛ أَيْ: الدُّهْنِ؛ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ؛ فَلَا يَبِيعُهُ لِمُسْلِمٍ. (وَيَجُوزُ اسْتِصْبَاحٌ) بِدُهْنٍ (مُتَنَجِّسٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ عَلَى وَجْهٍ لَا تَتَعَدَّى نَجَاسَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَاسْتِعْمَالُهَا عَلَى وَجْهٍ لَا تَتَعَدَّى، بِأَنْ تُجْعَلَ فِي إبْرِيقٍ وَيُصَبُّ مِنْهَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَلَا يُمَسُّ أَوْ يَدَعُ عَلَى رَأْسِ الْجَرَّةِ الَّتِي فِيهَا الدُّهْنُ سِرَاجًا مَثْقُوبًا، وَيُطَيِّنُهُ عَلَى رَأْسِ إنَاءِ الدُّهْنِ، وَكُلَّمَا نَقَصَ دُهْنُ السِّرَاجِ صَبَّ فِيهِ مَاءً بِحَيْثُ يَرْفَعُ الدُّهْنَ، فَيَمْلَأُ السِّرَاجَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (تِرْيَاقٍ فِيهِ لُحُومُ حَيَّاتٍ) ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ؛ فَخَلَا مِنْ نَفْعٍ مُبَاحٍ، وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ، وَيَصِحُّ بَيْعُهُ إذَا كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 خَالِيًا مِنْ لُحُومِ الْحَيَّاتِ وَمِنْ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ كَسَائِرِ الْمَعَاجِينِ الْخَالِيَةِ مِنْ مُحَرَّمٍ. (وَلَا) بَيْعُ (سُمُومٍ قَاتِلَةٍ؛ كَسُمِّ الْأَفَاعِي) ؛ لِخُلُوِّهَا مِنْ نَفْعٍ مُبَاحٍ، (فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ نَبَاتٍ) مَسْمُومٍ، (فَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ كَانَ يَقْتُلُ قَلِيلُهُ؛ فَكَذَلِكَ) بَيْعُهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) بِأَنْ انْتَفَعَ بِهِ؛ وَأَمْكَنَ التَّدَاوِي بِيَسِيرِهِ؛ (جَازَ؛ كَبَيْعِ سَقَمُونْيَا وَنَحْوِهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ. (وَحُرِّمَ بَيْعُ مُصْحَفٍ) مُطْلَقًا، وَلَوْ فِي دَيْنٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ ابْتِذَالِهِ وَتَرْكِ تَعْظِيمِهِ، (وَلَا يَصِحُّ) بَيْعُهُ (لِكَافِرٍ فَقَطْ) دُونَ الْمُسْلِمِ؛ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ لَهُ مَعَ الْحُرْمَةِ. (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ مَنَعَ صِحَّةَ بَيْعِهِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": وَلَا يَصِحُّ لِكَافِرٍ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى ". (وَإِنْ مَلَكَهُ) ؛ أَيْ: الْكَافِرُ، (بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ) (وَيَتَّجِهُ كَنَسْخِهِ) بِيَدِهِ، أَوْ اسْتِنْسَاخِهِ بِأُجْرَةٍ، (وَاسْتِيلَائِهِ) عَلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ اسْتِنْقَاذِهِ إيَّاهُ مِنْ (حَرْبِيٍّ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أُلْزِمَ بِإِزَالَةِ يَدِهِ عَنْهُ) خَشْيَةَ امْتِهَانِهِ (وَكَذَا) ، أَيْ: كَبَيْعِ الْمُصْحَفِ (إجَارَتُهُ) ، فَتَحْرُمُ وَلَا تَصِحُّ. (وَيَأْتِي ذِكْرُهُ) فِي بَابِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ، (وَكَذَا) يَحْرُمُ بَذْلُ مُصْحَفٍ (فِي سَائِرِ عُقُودٍ) كَبَذْلِهِ عِوَضًا عَنْ (مَهْرٍ) ، وَبَدَلِ عِوَضِ (خُلْعٍ) ، وَبَدَلِ أُجْرَةٍ نَحْوِ عَقَارٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعِهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ. وَاتِّجَاهُهُ فِي مَحَلِّهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 (تَنْبِيهٌ) يَلْزَمُ بَذْلُ الْمُصْحَفِ لِمُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ؛ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ، وَلَوْ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ افْتِئَاتٌ عَلَى رَبِّهِ. (وَلَا يُكْرَهُ شِرَاؤُهُ) ؛ أَيْ: الْمُصْحَفِ مِمَّنْ يَبْتَذِلُهُ؛ (اسْتِنْقَاذًا) لَهُ؛ كَشِرَاءِ الْأَسِيرِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يُكْرَهُ (إبْدَالُهُ لِمُسْلِمٍ بِمُصْحَفٍ آخَرَ) ، وَلَوْ مَعَ دَرَاهِمَ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرَّغْبَةِ عَنْهُ، وَلَا عَلَى الِاسْتِبْدَالِ بِهِ بِعِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ، بِخِلَافِ أَخْذِ ثَمَنِهِ. وَلَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ - وَلَوْ فِي دَيْنٍ - لَمْ يُبَعْ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَجُوزُ نَسْخُهُ) ؛ أَيْ: الْمُصْحَفِ (بِأُجْرَةٍ) حَتَّى مِنْ مُحْدِثٍ وَكَافِرٍ بِلَا حَمْلٍ وَلَا مَسٍّ، وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ. وَيَجُوزُ (وَقْفُهُ) ؛ أَيْ: الْمُصْحَفِ، (وَهِبَتُهُ، وَوَصِيَّةٌ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِيَاضَ فِي ذَلِكَ عَنْهُ. (وَيَصِحُّ شِرَاءُ كُتُبِ زَنْدَقَةٍ، وَنَحْوِهَا) كَتَنْجِيمٍ، وَسِحْرٍ، وَكِيمْيَاءَ، وَكُتُبٍ مُبْتَدَعَةٍ (لِيُتْلِفَهَا) ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ مَالِيَّةِ الْوَرَقِ، وَتَعُودُ وَرَقًا مُنْتَفَعًا بِهِ بِالْمُعَالَجَةِ. وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ (خَمْرٍ لِيُرِيقَهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا، وَلَا مَالِيَّةَ. وَلَا شِرَاءُ (آلَةِ لَهْوٍ لِيَكْسِرَهَا) ؛ كَمِزْمَارٍ، وَطُنْبُورٍ، وَنَرْدٍ، وَشَطْرَنْجٍ، وَنَحْوِهِ. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ) الْمَبِيعُ (مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ) وَقْتَ الْعَقْدِ، وَكَذَا الثَّمَنُ (مِلْكًا تَامًّا) ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِلْكًا تَامًّا الْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنٍ، وَالْإِثَارَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ مُسْتَأْجِرِ أَرْضِ الْوَقْفِ، مِنْ حَرْثٍ وَزَرْعٍ؛ لِعَدَمِ حُصُولِ الْإِحْيَاءِ بِذَلِكَ، (بِخِلَافِ نَحْوِ مَكِيلٍ) ؛ كَمَوْزُونٍ، وَمَعْدُودٍ، وَمَزْرُوعٍ (قَبْلَ قَبْضٍ) ؛ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ حَتَّى يُقْبَضَ؛ لِعَدَمِ تَمَامِ الْمِلْكِ فِيهِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَالِكُ (أَسِيرًا) ؛ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِمِلْكِهِ، إذْ الْأَسْرُ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ، (أَوْ) يَكُونُ (مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْبَيْعِ (مِنْ مَالِكٍ) وَقْتَ عَقْدٍ؛ لِقِيَامِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 الْمَأْذُونِ لَهُ مَقَامَ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ يُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ نَفْسِهِ، (أَوْ) يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ مِنْ شَارِعٍ كَوَلِيٍّ صَغِيرٍ، وَنَاظِرِ وَقْفٍ (وَقْتَ عَقْدِ) الْبَيْعِ، (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) أَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ. (فَلَوْ بَاعَ أَوْ رَهَنَ قِنًّا يَعْتَقِدُهُ مَغْصُوبًا، فَبَانَ) أَنْ مُورَثَهُ قَدْ مَاتَ، وَصَارَ الْقِنُّ (مِلْكَهُ) أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَأْذُونٌ لَهُ بِالْإِذْنِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ وُكِّلَ فِيهِ؛ (صَحَّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمُعَامَلَاتِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ. (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ فُضُولِيٍّ مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: بِبَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، (وَلَوْ أُجِيزَ) تَصَرُّفُهُ (بَعْدَ) وُقُوعِهِ، (إلَّا إنْ اشْتَرَى) الْفُضُولِيُّ (فِي ذِمَّتِهِ) وَنَوَى الشِّرَاءَ لِشَخْصٍ لَمْ يُسَمِّهِ، فَيَصِحُّ، أَوْ اشْتَرَى بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَدَفَعَهُ مِنْ (نَقْدٍ حَاضِرٍ، وَنَوَى) الشِّرَاءَ (لِشَخْصٍ لَمْ يُسَمِّهِ) ؛ فَيَصِحُّ، سَوَاءٌ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الَّذِي اشْتَرَى لَهُ، أَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَهِيَ قَابِلَةٌ لِلتَّصَرُّفِ، وَاَلَّذِي نَقَدَهُ إنَّمَا هُوَ عِوَضٌ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ سَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ؛ لَمْ يَصِحَّ، إنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ. إنَّمَا أَخْرَجْتُ كَلَامَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ لِيُوَافِقَ أَصْلَيْهِ، وَغَيْرَهُمَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ فِي الذِّمَّةِ؛ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. (ثُمَّ إنْ أَجَازَهُ) أَيْ: الشِّرَاءَ (مَنْ اُشْتُرِيَ لَهُ) ، وَلَمْ يُسَمِّ (مِلْكَهُ مِنْ حِينِ شِرَاءٍ) ؛ فَمَنَافِعُهُ وَنَمَاؤُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ اُشْتُرِيَ لِأَجْلِهِ، وَنَزَّلَ الْمُشْتَرِي نَفْسَهُ مَنْزِلَةَ الْوَكِيلِ، (وَإِلَّا) يُجْزِهِ مَنْ اُشْتُرِيَ لَهُ؛ (وَقَعَ) الشِّرَاءُ (لِمُشْتَرٍ، وَلَزِمَهُ) حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ، (وَلَيْسَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي (تَصَرُّفٌ فِيهِ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 أَيْ: الْمَبِيعِ (قَبْلَ) ؛ أَيْ: قَبْلَ عَرْضِهِ عَلَى مَنْ اُشْتُرِيَ لَهُ. (وَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّةِ) عَقْدٍ (مُخْتَلَفٍ فِيهِ) مَنْ يَرَاهُ (كَتَصَرُّفِ فُضُولِيٍّ أُجِيزَ؛ صَحَّ) الْعَقْدُ، وَاعْتُبِرَتْ آثَارُهُ مِنْ حِينِ (حَكَمَ) لَا مِنْ حِينِ (عَقَدَ) . ذَكَرَهُ الْقَاضِي فَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَاطِلٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى الْحُكْمِ. (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ مَا) ؛ أَيْ: شَيْءٍ مُعَيَّنٍ (لَا يَمْلِكُهُ) الْبَائِعُ، وَلَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ (كَحُرٍّ، وَمُبَاحٍ قَبْلَ حِيَازَتِهِ) ؛ لِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مَرْفُوعًا: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. (إلَّا مَوْصُوفًا) بِصِفَاتِ سَلَمٍ (لَمْ يُعَيَّنْ) ؛ فَيَصِحُّ؛ لِقَبُولِ ذِمَّتِهِ لِلتَّصَرُّفِ (إذَا قَبَضَ) الْمَبِيعَ، (أَوْ) قَبَضَ (ثَمَنَهُ بِمَجْلِسِ عَقْدٍ) ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ أَحَدُهُمَا فِيهِ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ. (وَلَا) يَصِحُّ (بِلَفْظِ) سَلَفٍ، أَوْ (سَلَمٍ) - وَلَوْ قَبَضَ ثَمَنَهُ بِمَجْلِسِ عَقْدٍ -؛ لِأَنَّ السَّلَمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَجَلٍ مَعْلُومٍ. (وَالْمَوْصُوفُ الْمُعَيَّنُ، كَبِعْتُكَ عَبْدِي فُلَانًا، وَيَسْتَقْصِي صِفَتَهُ) بِكَذَا؛ فَيَصِحُّ (وَيَجُوزُ تَفَرُّقٌ) فِيهِ (قَبْلَ قَبْضٍ) لَهُ، أَوْ لِثَمَنِهِ؛ كَمَبِيعٍ (حَاضِرٍ) بِالْمَجْلِسِ؛ كَأَمَةٍ مَلْفُوفَةٍ بِيعَتْ بِالصِّفَةِ (وَيَنْفَسِخُ عَقْدٌ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ؛ لِفَقْدِ صِفَةٍ) مِنْ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِيهِ؛ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى عَيْنِهِ. بِخِلَافِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ؛ فَلَهُ رَدُّهُ، وَطَلَبُ بَدَلِهِ. (وَ) يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عَلَى مَوْصُوفٍ (بِتَلَفٍ قَبْلَ قَبْضٍ) ؛ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْعَقْدِ. (بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ) ، وَهُوَ الْمَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ: (وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ) ذِكْرِ (صِفَةٍ فِيهِمَا) ؛ أَيْ: فِي الْمُعَيَّنِ، وَالْمَوْصُوفِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ (عَلَى عَقْدٍ) ؛ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي (سَلَمٍ) ؛ كَأَنْ يَقُولَ بَائِعٌ: (بِعْتُكَ) صَاعَ بُرٍّ صِفَتُهُ كَذَا، (أَوْ) يَقُولَ مُشْتَرٍ: (أُرِيدُ أَنْ أُسَلِّفُكَ فِي صَاعِ بُرٍّ، وَوَصَفَهُ) بِصِفَاتٍ، (ثُمَّ يَقُولُ أَسْلَفْتُكَ فِيهِ) عَلَى الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، (أَوْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 يَقُولُ مُشْتَرٍ: (اشْتَرَيْتُ عَلَى الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ) ؛ فَيَصِحُّ ذَلِكَ. (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ بِمَا فُتِحَ عَنْوَةً) ، وَلَمْ يُقَسَّمْ بَيْنَ الْفَاتِحِينَ؛ كَمَزَارِعِ (مِصْرَ وَالشَّامِ) وَمَا جَلَا أَهْلُهَا عَنْهَا خَوْفًا مِنَّا، أَوْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ، وَلَنَا الْخَرَاجُ عَلَيْهَا؛ (لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) وَقَفَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ (وَكَذَا الْعِرَاقُ) لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ أُقِرَّتْ بِأَيْدِي أَهْلِهَا بِالْخَرَاجِ. هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ يَصِحُّ. ذَكَرَهَا الْحَلْوَانِيُّ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَذَكَرَهُ قَوْلًا عِنْدَنَا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي زَمَنِنَا، وَقَدْ جَوَّزَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إصْدَاقَهَا، وَقَالَهُ الْمَجْدُ. (غَيْرَ الْحِيرَةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، مَدِينَةٍ قُرْبَ الْكُوفَةِ، وَغَيْرَ أُلَّيْسٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ، ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ، مَدِينَةٍ بِالْجَزِيرَةِ، وَغَيْرَ (بانقيا) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَبَعْدَ الْأَلْفِ نُونٌ مَكْسُورَةٌ، ثُمَّ قَافٌ سَاكِنَةٌ، مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ، نَاحِيَةٍ بِالنَّجَفِ، دُونَ الْكُوفَةِ، وَغَيْرَ (أَرْضٍ بِنَحْوِ صَلُوبًا) ، بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَضَمِّ اللَّامِ، بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ، تَلِيهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ؛ (لِفَتْحِهَا) ، أَيْ: هَذِهِ الْأَمَاكِنِ (صُلْحًا، فَهِيَ كَمَنْ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا) ؛ كَأَرْضِ الْمَدِينَةِ؛ فَإِنَّهَا مِلْكُ أَرْبَابِهَا، (إلَّا الْمَسَاكِنَ) ، وَلَوْ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، فَيَصِحُّ بَيْعُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ حَالَ الْفَتْحِ مَوْجُودَةً، أَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، (وَلَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ فَتْحٍ، وَآلَتُهَا) أَيْ الْمَسَاكِنِ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اقْتَطَعُوا الْخِطَطَ فِي الْكُوفَةِ، وَالْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَبَنَوْهَا مَسَاكِنَ، وَتَبَايَعُوهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَكَغَرْسٍ مُتَجَدِّدٍ. (وَيَتَّجِهُ فِي مَسَاكِنَ) فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ إذَا (بِيعَتْ، فَلَا تَدْخُلُ الْأَرْضُ تَبَعًا) لَهَا، بَلْ الْأَرْضُ تَبْقَى وَقْفًا؛ كَالْمَزَارِعِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الِاتِّجَاهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 مِنْ الْغَفْلَةِ عَمَّا أَسْلَفَهُ فِي بَابِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ، حَيْثُ قَالَ: وَكَانَ أَحْمَدُ يَمْسَحُ دَارِهِ، وَيَخْرُجُ عَنْهَا وَرَعًا؛ لِأَنَّ بَغْدَادَ حِينَ فُتِحَتْ كَانَتْ مَزَارِعَ؛ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ وَغَيْرِهِ هُنَاكَ؛ أَنَّ الْمَوْقُوفَ إنَّمَا هُوَ الْمَزَارِعُ فَقَطْ، وَلِذَلِكَ حُمِلَ فِعْلُ الْإِمَامِ عَلَى الْوَرَعِ، كَمَا حَمَلَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْ أَهْلَ بَغْدَادَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ عَنْ أَرْضِ الْمَسَاكِنِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَ الْأَمْرَ بِهِ؛ إذْ هُوَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَوْ أَمَرَ بِهِ لَنُقِلَ عَنْهُ، وَاشْتُهِرَ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ؛ أَنَّ الْمَسَاكِنَ مَمْلُوكَةٌ أَرْضًا وَبِنَاءً وَلَمْ تَزَلْ تُبَاعُ، وَتُوهَبُ وَتُوقَفُ، وَتَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ إمَام لَهَا) ؛ أَيْ: الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً (لِمَصْلَحَةٍ) رَآهَا؛ كَاحْتِيَاجِهَا لِلْعِمَارَةِ، وَلَا يَعْمُرُهَا إلَّا مَنْ يَشْتَرِيهَا؛ كَصِحَّةِ (وَقْفِهِ) لَهَا، (وَإِقْطَاعِهِ) إيَّاهَا (تَمْلِيكًا) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِهِ. وَحُكْمُهُ بِذَلِكَ يَصِحُّ كَبَقِيَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، هَذَا مَعْنَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " صِحَّةَ الْبَيْعِ مِنْهُ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرَى صِحَّةَ بَيْعِهِ، أَوْ وَقْفِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ حَاكِمٍ بِمَا يَعْتَقِدُ خِلَافَهُ. وَفِي صِحَّةِ الْوَقْفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ إمَّا مَوْقُوفَةٌ؛ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا ثَانِيًا، أَوْ فَيْءٌ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَالْوَقْفُ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوَقْفَ هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْإِرْصَادِ وَالْإِفْرَازِ لِشَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ مُسْتَحِقِّيهِ، لِيَصِلُوا إلَيْهِ بِسُهُولَةٍ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَصِحُّ بَيْعُهَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ (غَيْرَ إمَامٍ، وَحَكَمَ بِهِ) ؛ أَيْ: الْبَيْعِ (مَنْ يَرَى صِحَّتَهُ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ فَنَفَذَ كَسَائِرِ مَا فِيهِ اخْتِلَافٌ. (وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا) ؛ أَيْ: الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، مُدَّةً مَعْلُومَةً، بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إقْرَارِهَا بِأَيْدِيهِمْ، وَضَرَبَ عُمَرُ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا، وَجَعَلَهُ أُجْرَةً لَهَا. وَالْمُسْتَأْجِرُ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ) رِبَاعِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ، (وَلَا إجَارَةُ رِبَاعِ) بِكَسْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 الرَّاءِ (مَكَّةَ) ، وَلَا رِبَاعِ الْحَرَمِ (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الرِّبَاعُ (الْمَنَازِلُ، وَكَذَا بِقَاعُ الْمَنَاسِكِ) كَالْمَسْعَى، وَالْمَرْمَى وَالْمَوْقِفِ، وَنَحْوِهَا، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ بِقَاعِ الْمَنَاسِكِ (أَوْلَى) مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ رِبَاعِ مَكَّةَ؛ (إذْ هِيَ) ؛ أَيْ: بِقَاعُ الْمَنَاسِكِ؛ (كَالْمَسَاجِدِ) ؛ لِعُمُومِ نَفْعِهَا؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَّةَ: لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا، وَلَا تُكْرَى بُيُوتُهَا» ، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ مَرْفُوعًا: «مَكَّةُ حَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا، وَحَرَامٌ إجَارَتُهَا» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ تُدْعَى السَّوَائِبَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ. (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ) عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الرِّبَاعِ وَالْحَرَمِ، وَإِجَارَتِهِمَا (بِفَتْحِهَا عَنْوَةً، بَلْ لِلنَّهْيِ) الْمَذْكُورِ، (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " " وَالْإِقْنَاعِ " حَيْثُ عَلَّلَا عَدَمَ الصِّحَّةِ بِفَتْحِهَا عَنْوَةً. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: إنَّمَا حُرِّمَ بَيْعُ رِبَاعِهَا، وَإِجَارَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَرَمَ حَرِيمُ الْبَيْتِ، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّخْصِيصُ بِمِلْكِهِ، وَتَحْجِيرِهِ، لَكِنْ إنْ احْتَاجَ إلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْهُ سَكَنَهُ، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ وَجَبَ بَذْلُ فَاضِلِهِ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَهُوَ مَسْلَكُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ " وَسَلَكَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ "، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ انْتَهَى. وَعَلَّلَ الشَّارِحُ بِالنَّهْيِ وَالْفَتْحِ عَنْوَةً، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ فَتْحَ الْعَنْوَةِ فَقَطْ؛ لَيْسَ كَافِيًا فِي الْعِلَّةِ. وَدَلِيلُ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَإِنْ سَكَنَ بِأُجْرَةٍ) فِي رِبَاعِ مَكَّةَ، (لَمْ يَأْثَمْ بِدَفْعِهَا) ، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 (وَيَجِبُ بَذْلُ فَاضِلِ مَسْكَنٍ لِمُحْتَاجٍ مَجَّانًا) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ؛ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَاءٍ عِدٍّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَتَشْدِيدِ الدَّالِ؛ أَيْ: الَّذِي لَهُ مَادَّةٌ لَا تَنْقَطِعُ، مَا لَمْ يَحُزْهُ؛ (كَمَاءِ عَيْنٍ) ، (وَنَفْعِ بِئْرٍ) ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ، فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْأَثْرَمُ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَعْدِنٍ جَارٍ) إذَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ خَلَفَهُ غَيْرُهُ (فَقَطْ) ، بِخِلَافِ الْجَامِدِ؛ فَإِنَّهُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، وَيَأْتِي مِثَالُ الْمَعْدِنِ الْجَارِي؛ (كَقَارٍ، وَمِلْحٍ، وَنِفْطٍ) مَا لَمْ يَحُزْهُ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُمُّ؛ فَلَا يُمْلَكُ؛ كَالْمَاءِ الْعِدِّ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (نَابِتٍ مِنْ كَلَأٍ وَشَوْكٍ، وَنَحْوِهِ) ؛ كَأُشْنَانٍ نَابِتٍ فِي أَرْضٍ قَبْلَ حِيَازَتِهِ، وَطَائِرٍ عَشَّشَ فِي أَرْضِهِ وَلَوْ مَحُوطَةً، وَسَمَكٍ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ بِأَرْضِهِ (مَا لَمْ يَحُزْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْحَوْزِ، فَإِذَا حَازَهُ (وَلَوْ بِمَصَانِعَ مُعَدَّةٍ) مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ فِيهَا؛ (فَلَا يَدْخُلُ) شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (فِي بَيْعِ أَرْضٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُحَازَ، (وَلَكِنَّ مُشْتَرِيَهَا) ؛ أَيْ: الْأَرْضِ (أَحَقُّ بِهِ) أَيْ: بِمَا فِي الْأَرْضِ؛ لِكَوْنِهِ فِي أَرْضِهِ، (وَمَنْ أَخَذَهُ مَلَكَهُ) بِحَوْزِهِ، وَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ إلَّا مَا حُمِلَ مِنْهُ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْأَمْوَالِ. وَفِي مَعْنَاهُ الْكَلَأُ، وَالشَّوْكُ، وَنَحْوُهُ وَالْمَعْدِنُ الْجَارِي. (وَحُرِّمَ دُخُولٌ لِأَجْلِ أَخْذِ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْأَرْضِ إنْ حُوِّطَتْ) ؛ لِتُعَدِّيهِ بِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَوْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَلَكَهُ مَعَ تَحْرِيمِ الدُّخُولِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُحَوَّطْ؛ (جَازَ) دُخُولُهُ لِأَخْذِهِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ (بِلَا ضَرَرٍ) عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ، فَإِنْ تَضَرَّرَ بِالدُّخُولِ حُرِّمَ. (وَحُرِّمَ) عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ (مَنْعُ مُسْتَأْذِنٍ) فِي دُخُولٍ (إذَنْ) . (وَيَتَّجِهُ) وَلِمُسْتَأْذِنٍ مُنِعَ مِنْ دُخُولِ أَرْضِ الْغَيْرِ، أَنْ (يَدْخُلَ قَهْرًا) ، وَيَأْخُذَ مَا يَحْتَاجُهُ مِمَّا فِيهَا مِنْ الْمُبَاحِ، إنْ لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ بِدُخُولِهِ، فَإِنْ حَصَلَ ضَرَرٌ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 فَلَيْسَ لَهُ الدُّخُولُ؛ لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَطُلُولٌ) جَمْعُ طَلٍّ - وَهُوَ الْمَطَرُ الْخَفِيفُ - (يَجْنِي) ، أَيْ: يَتَغَذَّى (نَحْلٌ مِنْهَا) ؛ أَيْ: الطُّلُولِ، عَلَى الزَّهْرِ وَالشَّجَرِ مِنْ النَّدَى، (كَكَلَأٍ) فِي الْحُكْمِ، (وَأَوْلَى) بِالْإِبَاحَةِ مِنْ الْكَلَأِ، (وَنَحْلُ رَبِّ الْأَرْضِ أَحَقُّ بِهِ) ؛ أَيْ: بَطَلَ فِي أَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ، (لَكِنْ لَا شَيْءَ) لِمَالِكِ أَرْضٍ (عَلَى رَبِّ نَحْلِ غَيْرِهِ) ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ مِنْ مِلْكِهِ شَيْئًا، وَلَا يَكَادُ يَجْتَمِعُ مِنْهُ مَا يَعْدِلُ شَيْئًا إلَّا بِمَشَقَّةٍ [فَرْعٌ بَيْعُ دَارٍ تَسْتَحِقُّ زَوْجَةٌ مُعْتَدَّةٌ سُكْنَاهَا] (فَرْعٌ) يَصِحُّ بَيْعُ دَارٍ تَسْتَحِقُّ زَوْجَةٌ (مُعْتَدَّةٌ لِوَفَاةِ) زَوْجِهَا (سُكْنَاهَا) ؛ أَيْ: الدَّارِ، (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الزَّوْجَةُ (حَامِلٌ) ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا لِمَنَافِعِ الدَّارِ، لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِ عَيْنِهَا، كَالْمُؤَجَّرَةِ، (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) فَإِنَّهُ قَالَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. الشَّرْطُ (الْخَامِسُ: الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ، وَكَذَا الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالْمَعْدُومِ، (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ مُعَيَّنٍ مِنْ نَحْوِ إنَاءٍ وَسَيْفٍ) مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لَوْ كُسِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ مُفْرَدًا إلَّا بِإِتْلَافِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ الْمَالِيَّةِ. وَلَا بَيْعُ نِصْفِ مُعَيَّنٍ مِنْ (حَيَوَانٍ) ، بِخِلَافِ بَيْعِ جُزْءٍ مُشَاعًا؛ فَيَصِحُّ. وَلَا بَيْعُ (دَيْنٍ) كُلِّهِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ (لِغَيْرِ مَدِينٍ) ؛ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، (وَلَا) بَيْعُ قِنٍّ (آبِقٍ) ؛ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ، وَلَا نَحْوُ جَمَلٍ (شَارِدٍ) عُلِمَ مَكَانُهُ، أَوْ لَا؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ بِمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَظْهَرَ، (وَلَوْ) كَانَ بَيْعُ آبِقٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 وَشَارِدٍ (لِقَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَوَهُّمٍ لَا يُنَافِي تَحَقُّقَ عَدَمِهِ وَلَا ظَنَّهُ، بِخِلَافِ ظَنِّ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِ مَغْصُوبٍ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (سَمَكٍ بِمَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ (إلَّا) سَمَكًا (مَرْئِيًّا) لِصَفَاءِ الْمَاءِ (بِمَاءٍ مَحُوزٍ يَسْهُلُ أَخْذُهُ مِنْهُ) ؛ كَحَوْضٍ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مُمْكِنٌ تَسْلِيمُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ بِطَشْتٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ بِحَيْثُ يَعْجَزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا، أَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَحُوزٍ كَمُتَّصِلٍ بِنَهْرٍ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (طَائِرٍ) بِمَوْضِعٍ (يَصْعُبُ أَخْذُهُ) مِنْهُ؛ كَكَوْنِهِ عَلَى سَطْحٍ، وَلَوْ أَلِفَ الرُّجُوعَ، (أَوْ) كَانَ الطَّائِرُ (فِي الْهَوَاءِ، وَأَلِفَ الرُّجُوعَ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، (إلَّا) إذَا كَانَ بِمَكَانٍ مُغْلَقٍ - وَلَوْ طَالَ زَمَنُ تَحْصِيلِهِمَا -؛ أَيْ: السَّمَكِ وَالطَّائِرِ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَغْصُوبٍ إلَّا لِغَاصِبِهِ) الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ بِغَصْبِهِ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيعَهُ لَهُ رَبُّهُ؛ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ (أَوْ لِقَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ) ؛ أَيْ: الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ؛ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْغَرَرِ (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي الَّذِي كَانَ قَادِرًا حِينَهُ (الْفَسْخُ إنْ عَجَزَ) عَنْ تَحْصِيلِ الْمَغْصُوبِ؛ لِتَأَخُّرِ التَّسْلِيمِ الشَّرْطُ (السَّادِسُ: مَعْرِفَةُ مَبِيعٍ) ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ بِهِ غَرَرٌ، وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ، فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ، كَالْمُسْلَمِ وقَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا عُلِمَ الْمَبِيعُ، وَحَدِيثُ: «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ» يَرْوِيهِ عُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَيَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ إذَا أَرَادَ شِرَاءَهُ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَتَرْكِهِ، (بِرُؤْيَةِ مُتَعَاقِدَيْنِ) بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ بِرُؤْيَةٍ يُعْرَفُ بِهَا الْمَبِيعُ، مُقَارَنَةً رُؤْيَتُهُ لِلْعَقْدِ، بِأَنْ لَا تَتَأَخَّرَ عَنْهُ، فَإِنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ، أَوْ رَآهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَا هُوَ، أَوْ ذُكِرَ لَهُ مِنْ صِفَتِهِ مَا لَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ؛ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَمِثْلُهُ الْبَائِعُ إذَا بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ؛ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ، فَلَمْ يَصِحَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 مَعَ الْجَهْلِ بِصِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الْمُشْتَرِيَ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَا مِنْهُمَا، فَتُعْتَبَرُ الرُّؤْيَةُ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الرِّضَا مِنْهُمَا (لِجَمِيعِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ مُتَعَلِّقٌ بِرُؤْيَةٍ؛ لِوَجْهَيْ ثَوْبٍ مَنْقُوشٍ (أَوْ) بِرُؤْيَةِ (بَعْضٍ) مِنْ مَبِيعٍ (يَدُلُّ عَلَى بَقِيَّتِهِ) ؛ كَرُؤْيَةِ (أَحَدِ وَجْهَيْ ثَوْبٍ غَيْرِ مَنْقُوشٍ) ، وَرُؤْيَةِ (وَجْهِ رَقِيقٍ) ، وَرُؤْيَةِ (ظَاهِرِ صُبْرَةٍ مُتَسَاوِيَةِ الْأَجْزَاءِ مِنْ حَبٍّ وَثَمَرٍ) ، وَرُؤْيَةِ (مَا فِي ظُرُوفٍ) وَأَعْدَالٍ (مِنْ جِنْسٍ مُتَسَاوِي) الْأَجْزَاءِ وَنَحْوِهَا؛ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ بِذَلِكَ؛ (فَلَا يَصِحُّ) الْبَيْعُ (إنْ سَبَقَتْ رُؤْيَةٌ) مِنْ مُشْتَرٍ (الْعَقْدَ) ؛ أَيْ: عَقْدَ الْبَيْعِ، (بِزَمَنٍ يَتَغَيَّرُ فِيهِ مَبِيعٌ) ظَاهِرًا (وَلَوْ) كَانَ التَّغَيُّرُ فِيهِ (شَكًّا) ؛ بِأَنْ مَضَى زَمَنٌ يَشُكُّ فِي تَغَيُّرِهِ تُغَيِّرَا ظَاهِرًا فِيهِ فِي وُجُودِ شَرْطِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَإِنْ سَبَقَتْ الْعَقْدَ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ عَادَةً تَغَيُّرًا ظَاهِرًا صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ، وَلَا حَدَّ لِذَلِكَ الزَّمَنِ؛ إذْ الْمَبِيعُ مِنْهُ مَا يُسْرِعُ مِنْ تَغَيُّرِهِ، وَمَا يَتَبَاعَدُ، وَمَا يَتَوَسَّطُ، فَيَتَغَيَّرُ كُلٌّ بِحَسَبِهِ. (وَلَا إنْ أَرَاهُ صَاعًا) مِنْ صُبْرَةٍ، (وَيَبِيعُهُ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ جِنْسِهِ) ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِعَدَمِ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ وَقْتَ الْعَقْدِ، (وَهُوَ بَيْعُ النَّمُوذَجِ) بِفَتْحِ النُّونِ، مِثَالُ الشَّيْءِ، مُعَرَّبٌ، وَالْأُنْمُوذَجُ لَحْنٌ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ. (وَلَا) يَصِحُّ (إنْ قَالَ) : بِعْتُكَ (هَذَا الْبَغْلَ، فَبَانَ فَرَسًا أَوْ) قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا (الزَّيْتَ، فَبَانَ شَيْرَجًا) ، أَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا (الثَّوْبَ الْقُطْنَ، فَبَانَ كَتَّانًا) بِضَمِّ الْكَافِ، (وَنَحْوُهُ) ؛ كَبِعْتُك هَذِهِ النَّاقَةَ، فَتَبَيَّنَ جَمَلًا؛ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ (وَكَرُؤْيَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (مَعْرِفَتُهُ بِلَمْسٍ أَوْ شَمٍّ، أَوْ ذَوْقٍ) فِيمَا يُعْرَفُ بِهَذِهِ؛ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْمَبِيعِ. (أَوْ) مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ (بِوَصْفِ مَا) أَيْ: مَبِيعٍ (يَصِحُّ سَلَمٌ فِيهِ، بِمَا) ؛ أَيْ: وَصْفٍ (يَكْفِي فِيهِ) أَيْ: السَّلَمُ، بِأَنْ يَذْكُرَ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 غَالِبًا، وَيَأْتِي فِي السَّلَمِ؛ لِقِيَامِ ذَلِكَ مَقَامَ رُؤْيَتِهِ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ، فَالْبَيْعُ بِالْوَصْفِ مَخْصُوصٌ بِمَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. وَيَصِحُّ تَقَدُّمُ الْوَصْفِ عَلَى الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ؛ كَتَقَدُّمِ الرُّؤْيَةِ فِي الْعَقْدِ؛ (فَيَصِحُّ بَيْعُ أَعْمَى وَشِرَاؤُهُ فِي نَحْوِ) مَبِيعٍ (مَذُوقٍ) وَمَشْمُومٍ وَمَلْمُوسٍ، عَرَفَهُ بِذَوْقٍ أَوْ شَمٍّ أَوْ لَمْسٍ؛ كَمَا يَصِحُّ (تَوْكِيلُهُ) ؛ أَيْ: الْأَعْمَى فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ، سَوَاءً كَانَ يَصِحُّ مِنْهُ أَوْ لَا. (ثُمَّ إنْ وَجَدَ) مُشْتَرٍ (مَا وُصِفَ) لَهُ، (أَوْ تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ) الْعَقْدَ بِزَمَنٍ (يَسِيرٍ) لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ الْمَبِيعُ تَغَيُّرًا ظَاهِرًا (مُتَغَيِّرًا فَلِمُشْتَرٍ الْفَسْخُ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَيْبِهِ، (وَيَحْلِفُ) مُشْتَرٍ (إنْ اخْتَلَفَا) فِي نَقْصِهِ صِفَةً، أَوْ تَغَيُّرِهِ عَمَّا كَانَ رَآهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي؛ (فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا) مِنْ مُشْتَرٍ بِنَقْصِ صِفَتِهِ أَوْ تَغَيُّرِهِ (مِنْ سَوْمٍ وَنَحْوِهِ) كَوَطْءِ أَمَةٍ بِيعَتْ كَذَلِكَ، فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ لِذَلِكَ، وَ (لَا) يَسْقُطُ خِيَارُهُ (إنْ اسْتَعْمَلَهُ) ؛ أَيْ: الْبَيْعَ الْمَوْصُوفَ، أَوْ الْمُتَقَدِّمَةَ رُؤْيَتُهُ (بِطَرِيقِ رَدٍّ؛ كَرُكُوبِ دَابَّةٍ) لِيَرُدَّهَا، (وَحَلْبِ شَاةٍ) ؛ لِلِاخْتِبَارِ، (وَطَحْنِ رَحًى؛ لِلِاخْتِبَارِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ، لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالنَّقْصِ، أَوْ التَّغَيُّرِ. (وَإِنْ أَسْقَطَ) مُشْتَرٍ (حِصَّةَ مَنْ رُدَّ) بِنَقْصِ صِفَةٍ شُرِطَتْ أَوْ تَغَيَّرَ بَعْدَ رُؤْيَةٍ (فَلَا أَرْشَ) لَهُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا يُعْتَاضُ عَنْهَا، وَكَالْمُسْلَمِ فِيهِ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ حَمْلٍ بِبَطْنٍ) مُفْرَدًا عَنْ أُمِّهِ إجْمَاعًا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِلْجَهَالَةِ بِهِ؛ إذْ لَا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ، وَلَا صِفَاتُهُ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: بَيْعُ الْحَمْلِ بِالْبَطْنِ (بَيْعُ الْمَضَامِينِ) وَالْمَجْرِ قَالَ ابْنُ خَطِيبِ الدَّهْشَةِ: الْمَضَامِينُ وَالْمَلَاقِيحُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا فِي بُطُونِ النُّوقِ مِنْ الْأَجِنَّةِ، (لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمَجْرِ) قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمَجْرُ مَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ، وَالْمَجْرُ الرِّبَا، وَالْمَجْرُ الْقِمَارُ، وَالْمَجْرُ الْمُحَاقَلَةُ، وَالْمُزَابَنَةُ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا. وَلَا بَيْعُ (لَبَنٍ بِضَرْعٍ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «نَهَى أَنْ يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 ظَهْرٍ، أَوْ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ. وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِجَهَالَةِ صِفَتِهِ وَقَدْرِهِ، أَشْبَهَ الْحَمْلَ. وَلَا بَيْعُ (نَوًى بِتَمْرٍ) ، أَيْ: فِيهِ كَبَيْضٍ فِي طَيْرٍ. وَلَا بَيْعُ (صُوفٍ عَلَى ظَهْرٍ) ؛ لِلْخَبَرِ، (إلَّا) إذَا؛ بِيعَ الْحَمْلُ وَاللَّبَنُ وَالنَّوَى وَالصُّوفُ (تَبَعًا) لِأَصْلِهِ؛ بِأَنْ بَاعَ الْأَصْلَ، وَسَكَتَ عَنْ الْفُرُوعِ؛ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَبَعًا لِلْحَامِلِ وَذَاتِ اللَّبَنِ وَالتَّمْرِ وَذَاتِ الصُّوفِ، إنْ اتَّحَدَ مَالِكُهُمَا، أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْوَرَثَةُ أَمَةً مُوصًى بِحَمْلِهَا، فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْحَمْلَ مِلْكٌ لِلْغَيْرِ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَائِهِ لَفْظًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا يَأْتِي فِيمَا إذَا بَاعَ أَمَةً حَامِلًا بِحُرٍّ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، فَهُوَ مُسْتَثْنًى شَرْعًا. وَيَأْتِي. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْأَصْلِ مَعَ ذِكْرِ فَرْعِهِ، كَقَوْلِ بَائِعٍ: (بِعْتُكَ هَذِهِ الْبَهِيمَةَ وَحَمْلَهَا) ، أَوْ هَذِهِ الشَّاةَ، وَمَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ لَبَنٍ، أَوْ مَا عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ صُوفٍ، مِثْلُهُ بِعْتُكَ هَذِهِ (الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا مِنْ بَذْرٍ) لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ، فَلَمْ يَصِحَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ الْأَصْلَ وَسَكَتَ فَيَتْبَعُهُ الْفَرْعُ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّبَعِيَّةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاسْتِقْلَالِ وَكَبَيْعِ الدَّارِ يَتْبَعُهُ أَسَاسَاتُ الْحِيطَانِ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (عَسْبِ فَحْلٍ) ، أَيْ: ضِرَابُهُ؛ لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلَاقِيحِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَلَاقِيحُ مَا فِي الْبُطُونِ - وَهِيَ الْأَجِنَّةُ - وَالْمَضَامِينُ مَا فِي صِلَابِ الْفُحُولِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَبِيعُونَ الْحَمْلَ فِي بَطْنِ النَّاقَةِ، وَالْفَحْلُ يَبِيعُونَ ضِرَابَهُ فِي عَامِهِ أَوْ أَعْوَامِهِ. وَلَا بَيْعُ (نِتَاجِ نِتَاجٍ) ، وَيُقَالُ لَهُ: حَبَلُ الْحَبَلَةِ. وَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 الصِّحَّةِ مِنْ بَيْعِ الْحَمْلِ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ (مَا) قَدْ (تَحْمِلُ هَذِهِ الشَّجَرَةُ أَوْ) مَا قَدْ تَحْمِلُ هَذِهِ الدَّابَّةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ مَعَ أَنَّهُ مَجْهُولٌ أَيْضًا، وَغَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ حَالَ الْبَيْعِ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مِسْكٍ فِي فَارٍ) - وَهُوَ وِعَاؤُهُ وَسُمِّيَ النَّافِجَةَ - مَا لَمْ يُفْتَحْ وَيُشَاهَدْ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، كَاللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. (وَلَا) بَيْعُ (لِفْتٍ أَوْ بَصَلٍ، وَنَحْوِهِ) ؛ كَثُومٍ، وَفُجْلٍ، وَجَزَرٍ، وَقُلْقَاسٍ (قَبْلَ قَلْعٍ) ، نَصًّا؛ لِجَهَالَتِهِ بِاسْتِتَارِ مَا يُرَادُ مِنْهُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يَظْهَرُ إلَّا وَرَقُهُ فَقَطْ. (وَلَا) بَيْعُ (ثَوْبٍ مَطْوِيٍّ) ، وَلَوْ قَالَ النَّسْجُ تَامٌّ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " حَيْثُ لَمْ يَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى بَقِيَّتِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ يَتَبَايَعُونَ الثِّيَابَ الْمَطْوِيَّةَ، وَيَكْتَفُونَ بِتَقْلِيبِهِمْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى بَقِيَّتِهَا، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِ " الْمُغْنِي ": وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَنَشَرَهُ، فَوَجَدَهُ مَعِيبًا، فَلَهُ الرَّدُّ، وَالْإِمْسَاكُ وَالْأَرْشُ (فَقَوْلُهُ) : فَنَشَرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَطْوِيًّا، وَكَوْنُهُ يَمْلِكُ (رَدَّهُ) بِالْعَيْبِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، (أَوْ) ثَوْبٍ (نُسِجَ بَعْضُهُ عَلَى أَنْ يُنْسَجَ بَقِيَّتُهُ) ، وَلَوْ مَنْشُورًا؛ لِلْجَهَالَةِ وَالتَّعْلِيقِ (فَإِنْ أَحْضَرَ) بَائِعٌ مَا نَسَجَهُ مِنْ الثَّوْبِ، وَأَحْضَرَ بَقِيَّتَهُ (لُحْمَتَهُ وَبَاعَهَا) ، أَيْ: اللُّحْمَةَ (مَعَهُ) ؛ أَيْ: مَعَ الثَّوْبِ، (وَشَرَطَ) مُشْتَرٍ (عَلَى بَائِعٍ نَسْجَهُ) ، أَيْ: الثَّوْبِ؛ (صَحَّ) الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ؛ إذْ هُوَ اشْتِرَاطُ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ. (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ عَطَاءٍ) : وَهُوَ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيوَانِ (قَبْلَ قَبْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَغِيبٌ، فَيَكُونُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا بَيْعُ (رُقْعَةٍ بِهِ) ؛ أَيْ: الْعَطَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيْعُ الْعَطَاءِ دُونَهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ مَعْدِنٍ وَحِجَارَتِهِ) قَبْلَ حَوْزِهِ إنْ كَانَ جَارِيًا. وَتَقَدَّمَ وَكَذَا إنْ كَانَ جَامِدًا وَجُهِلَ. وَلَا يَصِحُّ (سَلَفٌ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْمَعْدِنِ، نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا فِيهِ، فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. (وَلَا) بَيْعُ (مُلَامِسِهِ، كَبِعْتُكَ ثَوْبِي هَذَا عَلَى أَنَّكَ مَتَى لَمَسْتَهُ) فَعَلَيْكَ بِكَذَا، (أَوْ) عَلَى أَنَّكَ (إنْ لَمَسْتَهُ) فَعَلَيْكَ بِكَذَا، لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُعَلَّقٌ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، (أَوْ أَيَّ ثَوْبٍ لَمَسْتَهُ فَعَلَيْكَ بِكَذَا) ؛ لِوُرُودِ الْبَيْعِ عَلَى غَيْرِ مَعْلُومٍ. (وَلَا) بَيْعُ (مُنَابَذَةٍ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ» ) كَقَوْلِهِ (مَتَى) نَبَذْتَ هَذَا الثَّوْبَ فَعَلَيْكَ بِكَذَا (أَوْ إنْ نَبَذْتَ؛) أَيْ: طَرَحْتَ (هَذَا) الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ فَلَكَ بِكَذَا (أَوْ أَيَّ ثَوْبٍ نَبَذْتَهُ فَلَكَ بِكَذَا) ؛ فَلَا يَصِحُّ، لِلْجَهَالَةِ، أَوْ التَّعْلِيقِ. وَلَا يَصِحُّ (بَيْعُ الْحَصَاةِ كَارْمِهَا فَعَلَى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ فَهُوَ لَكَ بِكَذَا) ، أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ قَدْرَ مَا تَبْلُغُ هَذِهِ الْحَصَاةُ إذَا رَمَيْتُهَا بِكَذَا، أَوْ بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى رَمَيْتُ هَذِهِ الْحَصَاةَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَالْجَهَالَةِ، وَتَعْلِيقِ الْبَيْعِ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ» ) . (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ مَا لَمْ يُعَيَّنْ، كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدٍ، وَكَشَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ وَكَشَجَرَةٍ مِنْ بُسْتَانٍ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ، (وَلَوْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمْ) ، أَيْ: الْعَبِيدِ، وَالشِّيَاهِ، وَالْأَشْجَارِ (وَلَا) بَيْعُ (الْجَمِيعِ إلَّا غَيْرَ مُعَيَّنٍ) ؛ بِأَنْ بَاعَ الْعَبِيدَ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَالْقَطِيعَ إلَّا شَاةً مُبْهَمَةً، أَوْ الشَّجَرَ إلَّا وَاحِدَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ، إلَّا أَنْ تُعْلَمَ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمُسْتَثْنَى؛ صَحَّ الْبَيْعُ وَالِاسْتِثْنَاءُ. (وَلَا) بَيْعُ (شَيْءٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا إلَّا مَا) أَيْ: قَدْرًا مِنْ الْمَبِيعِ (يُسَاوِي دِرْهَمًا) ، لِجَهَالَةِ الْمُسْتَثْنَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 (وَيَصِحُّ) بَيْعُ شَيْءٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا (إلَّا بِقَدْرِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ) قَوْلِهِ: (بِعْتُكَ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ بِعَشَرَةٍ) ، وَذَلِكَ لَا جَهَالَةَ فِيهِ. (وَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ إنْ قَالَ: (كُلَّمَا أَخَذْتَ قَفِيزًا) مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا (فَعَلَيْكَ دِرْهَمٌ، أَوْ) قَالَ: كُلَّمَا (أَوْقَدْت مِنْ) هَذَا (الدُّهْنِ رِطْلًا فَعَلَيْكَ دِرْهَمٌ) ؛ لِجَهَالَةِ الْمَأْخُوذِ وَالْمَوْقُودِ ابْتِدَاءً، (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ فَإِنَّهُ قَالَ بِالصِّحَّةِ فِيهِمَا، (وَصَحَّ) قَوْلُ شَخْصٍ لِآخَرَ: (كُلَّمَا أَعْتَقْتَ عَبْدًا) مِنْ عَبِيدِك (فَعَلَيَّ ثَمَنُهُ) ، فَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدًا مِنْهُمْ، صَحَّ الْعِتْقُ وَرَجَعَ عَلَى الْقَائِلِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ. (وَ) يَصِحُّ (بَيْعُ مَا شُوهِدَ مِنْ نَحْوِ حَيَوَانٍ) ؛ كَقَطِيعٍ يُشَاهَدُ كُلُّهُ، (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ مَا شُوهِدَ مِنْ (ثِيَابٍ) مُعَلَّقَةٍ أَوْ لَا، وَنَحْوِهَا، (وَإِنْ جَهِلَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَانِ (عَدَدَهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعَ الْمُشَاهَدَ بِالرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَعْرِفَتُهُ لَا مَعْرِفَةُ عَدَدِهِ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ أَمَةٍ (حَامِلٍ بِحُرٍّ) ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَجَهَالَةُ الْحَمْلِ لَا تَضُرُّ وَقَدْ يُسْتَثْنَى بِالشَّرْعِ مَا لَا يُسْتَثْنَى بِاللَّفْظِ، كَبَيْعِ أَمَةٍ مُزَوَّجَةٍ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالشَّرْعِ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا بِاللَّفْظِ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (حَيَوَانٍ مَذْبُوحٍ) ، كَمَا قَبْلَ الذَّبْحِ، (وَ) بَيْعُ (لَحْمِهِ) وَهُوَ (فِي جِلْدِهِ) قَبْلَ سَلْخِهِ عَنْهُ، وَبَيْعُ (جِلْدِهِ وَحْدَهُ) أَيْ: دُونَ لَحْمِهِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ (مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ، كَرُمَّانٍ وَبَيْضٍ) ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى بَيْعِهِ كَذَلِكَ لِفَسَادِهِ إذَا أُخْرِجَ مِنْ قِشْرِهِ. (وَ) بَيْعُ (بَاقِلَاءَ) وَحِمَّصٍ (وَجَوْزٍ) وَلَوْزٍ (وَنَحْوِهِ) ؛ كَفُسْتُقٍ فِي قِشْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِحَائِلٍ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، أَشْبَهَ الْبَيْضَ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (طَلْعٍ قَبْلَ تَشَقُّقِهِ) ، (وَ) بَيْعُ (حَبٍّ مُشْتَدٍّ فِي سُنْبُلِهِ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ الِاشْتِدَادَ غَايَةً لِلْمَنْعِ، وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا. (وَيَدْخُلُ السَّاتِرُ) لِنَحْوِ جَوْزٍ [بَلَغَ] ، وَحَبٍّ مُشْتَدٍّ، مِنْ قِشْرٍ وَتِبْنٍ (تَبَعًا) ، كَنَوَى ثَمَرٍ، (وَيَبْطُلُ بَيْعٌ بِاسْتِثْنَائِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَبَيْعِ النَّوَى فِي التَّمْرِ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ تِبْنٍ قَبْلَ تَصْفِيَةِ حَبٍّ) مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ الْقِشْرَ دُونَ مَا دَاخَلَهُ، أَوْ التَّمْرَ دُونَ نَوَاهُ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (قَفِيزٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ) ، وَهِيَ الْكَوْمَةُ الْمَجْمُوعَةُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، سُمِّيَتْ صُبْرَةً لِإِفْرَاغِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّحَابِ فَوْقَ السَّحَابِ: صَبِيرٌ، وَيُقَالُ: صَبَرْتُ الْمَتَاعَ إذَا جَمَعْتَهُ، وَضَمَمْتَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ، (إنْ تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهَا، وَزَادَتْ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْقَفِيزِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مُقَدَّرٌ مَعْلُومٌ مِنْ جُمْلَةٍ مُتَسَاوِيَةِ الْأَجْزَاءِ؛ أَشْبَهَ بَيْعَ جُزْءٍ مَشَاعٍ مِنْهَا؛ كَرُبُعِهَا، أَوْ ثُلُثِهَا، سَوَاءٌ عَلِمَا مَبْلَغَ قُفْزَانِهَا، أَوْ جَهِلَاهُ، (وَإِلَّا) تَسَاوَى أَجْزَاؤُهَا (فَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى يُعَيِّنَهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى قَفِيزٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ أَجْزَاؤُهَا؛ (كَصُبْرَةِ بَقَّالٍ) ، وَمُحَدَّدٍ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ (بِجَمِيعِ مَا بِيعَ بِهِ) مِنْ بُرٍّ مُخْتَلِفٍ أَوْ صَافٍ، (وَشَعِيرٍ مُخْتَلِفٍ أَوْ صَافٍ) وَبَاعَ قَفِيزًا مِنْهَا، لَمْ يَصِحَّ؛ لِعَدَمِ تَسَاوِي أَجْزَائِهَا الْمُؤَدِّي إلَى الْجَهَالَةِ بِالْقَفِيزِ الْمَبِيعِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ (رَطْلٍ) مَثَلًا (مِنْ دَنٍّ) نَحْوِ عَسَلٍ، أَوْ زَيْتٍ، (أَوْ) رَطْلٍ (مِنْ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَرَصَاصٍ وَنُحَاسٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَبِتَلَفِ) الصُّبْرَةِ، أَوْ مَا فِي الدَّنِّ، أَوْ الزُّبْرَةِ (مَا عَدَا قَدْرَ مَبِيعٍ) مِنْ ذَلِكَ (يَتَعَيَّنُ) الْبَاقِي؛ لَأَنْ يَكُونَ مَبِيعًا؛ لِتَعَيُّنِ الْمَحَلِّ لَهُ، وَإِنْ بَقِيَ بَعْضُ الْمَبِيعِ؛ أَخَذَهُ بِقِسْطِهِ، (وَلَوْ فَرَّقَ قُفْزَانًا) مِنْ صُبْرَةٍ تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهَا، (وَبَاعَ) مِنْهَا قَفِيزًا (وَاحِدًا مُبْهَمًا) أَوْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (مَعَ تَسَاوِي أَجْزَائِهَا) أَيْ: الْقُفْزَانِ (صَحَّ) الْبَيْعُ، كَمَا لَوْ لَمْ يُفَرِّقْهَا [وَيَصِحُّ بَيْعُ صُبْرَةٍ] جُزَافًا (مَعَ جَهْلِهِمَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 أَيْ: الْمُتَبَايِعَيْنِ، (أَوْ عِلْمِهِمَا) بِقَدْرِهَا؛ لِعَدَمِ التَّغْرِيرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، (وَمَعَ عِلْمِ بَائِعٍ وَحْدَهُ) قَدْرُهَا (يَحْرُمُ) عَلَيْهِ بَيْعُهَا جُزَافًا نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَلِمَ مَبْلَغَ شَيْءٍ؛ فَلَا يَبِيعُهُ جُزَافًا حَتَّى يُعَيِّنَهُ» : وَلِأَنَّهُ لَا يَعْدِلُ إلَى الْبَيْعِ جُزَافًا مَعَ عِلْمِهِ بِقَدْرِ الْكَيْلِ إلَّا لِلتَّغْرِيرِ ظَاهِرًا (وَيَصِحُّ) الْبَيْعُ مَعَ التَّحْرِيمِ؛ لِعِلْمِ الْمَبِيعِ بِالْمُشَاهَدَةِ (وَلِمُشْتَرٍ) كَتَمَهُ بَائِعٌ الْقَدْرَ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ (الرَّدَّ) ؛ لِأَنَّ كَتْمَهُ ذَلِكَ غِشٌّ وَغَرَرٌ، (وَكَذَا) مَعَ (عِلْمِ مُشْتَرٍ وَحْدَهُ) بِقَدْرِ الصُّبْرَةِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ شِرَاؤُهَا جُزَافًا مَعَ جَهْلِ بَائِعٍ بِهِ، (وَلِبَائِعٍ الْفَسْخُ) بِهِ؛ لِتَغْرِيرِ الْمُشْتَرِي لَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ مَعْرِفَةُ بَاطِنِ الصُّبْرَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ الْأَجْزَاءِ، اكْتِفَاءً بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهَا؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا تَسَاوِي مَوْضِعِهَا؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ؛ (كَتَدْلِيسٍ) ؛ أَيْ: كَمَا يَحْرُمُ عَلَى بَائِعٍ تَدْلِيسُ صُبْرَةٍ؛ (بِجَعْلِ جَيِّدٍ فَوْقَ) رَدِيءٍ؛ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى مُشْتَرٍ (عَكْسُهُ) ؛ أَيْ: جَعْلُهُ الرَّدِيءَ فَوْقَ الْجَيِّدِ، (أَوْ) جَعَلَ بَائِعٌ الصُّبْرَةَ (فَوْقَ رَبْوَةٍ) ، أَوْ دَكَّةٍ، أَوْ حَجَرٍ يُنْقِصُهَا، أَوْ الرَّدِيءَ، أَوْ الْمَبْلُولَ فِي بَاطِنِهَا، كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْغِشِّ مِنْ الْأَرْضِ، (وَعَكْسُهُ) كَجَعْلِ الصُّبْرَةِ عَلَى حُفْرَةٍ، (وَلِمُشْتَرٍ) لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا فَوْقَ رَبْوَةٍ الْخِيَارُ بَيْنَ (فَسْخٍ أَوْ أَخْذِ تَفَاوُتِ) مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ، لَكِنْ لَوْ ظَهَرَ أَنَّ بَاطِنَهَا خَيْرٌ مِنْ ظَاهِرِهَا، أَوْ ظَهَرَ تَحْتَهَا حُفْرَةٌ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ بَائِعٌ؛ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ، وَلِبَائِعٍ الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُفْرَةِ، أَوْ بَانَ بَاطِنُهَا خَيْرًا مِنْ ظَاهِرِهَا، فَلِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ، وَأَخْذِ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ؛ بِأَنْ تُقَوَّمَ غَيْرَ مَغْشُوشَةٍ بِهِ، وَيُؤْخَذُ بِقِسْطٍ مَا نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ صُبْرَةٍ عُلِمَ قُفْزَانُهَا إلَّا قَفِيزًا) ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 «نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ» ، وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ، وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ إلَّا مَكُّوكًا؛ جَازَ، وَصَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُمَا مِكْيَالَانِ مَعْلُومَانِ، وَاسْتِثْنَاءُ الْمَعْلُومِ صَحِيحٌ، قَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ ": الْقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ، وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا (إنْ لَمْ تُعْلَمُ) قُفْزَانُهَا، وَاسْتَثْنَى مِنْهَا قَفِيزًا؛ لِأَنَّ جَهْلَ قُفْزَانِهَا يُؤَدِّي إلَى جَهْلِ مَا يَبْقَى بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى؛ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ (ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ إلَّا صَاعًا) ؛ لِجَهَالَةِ آصُعِهَا، فَتُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ مَا يَبْقَى بَعْدَ الصَّاعِ. (وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مُشَاعٍ) مِنْ صُبْرَةٍ، أَوْ ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ، (كَثُلُثٍ وَثُمُنٍ) ؛ لِلْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ وَالثُّنْيَا. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (نِصْفِ دَارِهِ الَّذِي يَلِيهِ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي، (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي إلَى أَيْنَ يَنْتَهِي) قِيَاسُ النِّصْفِ؛ فَيُؤَدِّي إلَى الْجَهَالَةِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ ثَوْبٍ، أَوْ أَرْضٍ وَعَيَّنَ ابْتِدَاءَهَا دُونَ انْتِهَائِهَا، فَإِنْ بَاعَهُ نِصْفَ دَارِهِ الَّتِي تَلِيهِ عَلَى الشُّيُوعِ؛ صَحَّ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، وَأَرَاهُ حُدُودَهَا؛ صَحَّ الْمَبِيعُ، أَوْ بَاعَهُ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهَا؛ كَخُمُسٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْهَا، وَعَيَّنَ الِابْتِدَاءَ وَالِانْتِهَاءَ؛ صَحَّ؛ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ. وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ نَصِيبِي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، وَجَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (دَارٍ لَمْ يَرَهَا، وَلَمْ يَعْرِفْ حُدُودَهَا) ؛ لِلْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ يَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي جَرِيبٍ) غَيْرِ مُعَيَّنٍ (مِنْ أَرْضٍ مُتَسَاوِيَةٍ) جُرْبَانُهَا، (أَوْ ذِرَاعٍ) غَيْرِ مُعَيَّنٍ (مِنْ ثَوْبٍ مُتَسَاوٍ) نَسْجُهُ (إنْ زَادَ) مَا بَقِيَ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ الثَّوْبِ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى الْجَرِيبِ، أَوْ الذِّرَاعِ، (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا) أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ (ذَرْعَهُمَا) ؛ أَيْ: الْأَرْضِ أَوْ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُمَا بِالذَّرْعِ: كَالصُّبْرَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ الْأَجْزَاءِ، (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 وَالْإِقْنَاعِ " كَذَا قَالَ وَعِبَارَةُ " الْإِقْنَاعِ ": أَوْ جَرِيبًا مِنْ أَرْضٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِ جُرْبَانَهَا؛ صَحَّ، وَكَانَ مُشَاعًا فِيهَا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا الثَّوْبُ وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى ": وَلَا جَرِيبَ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ ذِرَاعَ مِنْ ثَوْبٍ مُبْهَمًا، إلَّا إنْ عَلِمَا ذَرْعَهُمَا، وَعِبَارَةُ " الْمُسْتَوْعِبِ ": وَإِنْ كَانَا يَجْهَلَانِ مَبْلَغَ أَذْرُعِ الدَّارِ؛ لَمْ يَصِحَّ الْمَبِيعُ، مَعَ كَوْنِ الْمَبِيعِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ مُشَاعًا مِنْ جُمْلَةٍ مَعْلُومَةٍ بِالْإِشَارَةِ، بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْجَرِيبِ: وَإِنْ كَانَ مَنْشُورًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الدَّارِ فِيمَا ذَكَرْنَا. وَعِبَارَةُ " الْفُرُوعِ ": وَإِنْ بَاعَ ذِرَاعًا مُبْهَمًا مِنْ أَرْضٍ، أَوْ ثَوْبٍ؛ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَيَّنًا، وَلَا مُشَاعًا، إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَذْرُعُ الْكُلِّ؛ فَيَصِحُّ، إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا جَزَمَا بِهِ هُوَ الْأَصَحُّ؛ فَلِلْمُتَعَاقِدِينَ التَّبَايُعُ مَعَ عِلْمِهِمَا قَدْرَ الْأَذْرُعِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ كَعِبَارَةِ " الْمُنْتَهَى " حَرْفًا بِحَرْفٍ، وَعَلَيْهِ؛ فَلَا مُخَالَفَةَ، (وَيَكُونُ) الْجَرِيبُ أَوْ الذِّرَاعُ (مُشَاعًا) ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ أَوْ الثَّوْبُ مَثَلًا عَشَرَةً، وَبَاعَهُ وَاحِدًا مِنْهَا؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْعَشَرَةِ، (كَمَا يَصِحُّ) اسْتِثْنَاءُ جَرِيبٍ مِنْ أَرْضٍ، وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى (مُعَيَّنًا بِابْتِدَاءٍ وَانْتِهَاءٍ مَعًا) لِأَنَّهَا ثُنْيَا مَعْلُومَةٌ، فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ؛ لَمْ يَصِحَّ. (ثُمَّ إنْ نَقَصَ ثَوْبٌ بِقَطْعٍ، وَلَا شَرْطَ) ؛ بِأَنْ لَمْ يَشْتَرِطَا قَطْعَهُ، (وَتَشَاحَّا) فِي قَطْعِهِ؛ (كَانَا شَرِيكَيْنِ) فِي الثَّوْبِ، وَلَا فَسْخَ، وَلَا قَطْعَ، بَلْ يُبَاعُ، وَيُقَسَّمُ ثَمَنُهُ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 شَرَطَ قَطْعَ الثَّوْبِ، أَوْ كَانَ الْقَطْعُ لَا يَنْقُصُهُ، قَطَعَاهُ. (وَكَذَا خَشَبَةٌ بِسَقْفٍ، وَفَصٌّ لِخَاتَمٍ) بِيعَا، وَنَقَصَ السَّقْفُ أَوْ الْخَاتَمُ بِالْقَلْعِ، فَيُبَاعُ السَّقْفُ بِالْخَشَبَةِ، وَالْخَاتَمُ بِفَصِّهِ، وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ بِالْمُحَاصَّةِ. (وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ حَمْلٍ مَبِيعٍ) مِنْ أَمَةٍ، أَوْ بَهِيمَةٍ مَأْكُولَةٍ أَوْ لَا، (أَوْ) اسْتِثْنَاءُ (شَحْمِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ الْمَأْكُولِ؛ لِأَنَّهُمَا مَجْهُولَانِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ، (أَوْ) اسْتِثْنَاءُ (نَحْوِ رَطْلِ شَحْمٍ، أَوْ لَحْمٍ) ، كَرَطْلٍ مِنْ أَلْيَةٍ مِنْ مَأْكُولٍ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِجَهَالَةِ مَا يَبْقَى، وَكَذَا اسْتِثْنَاءُ كَسْبِ سِمْسِمٍ مَبِيعٍ، أَوْ شَيْرَجَةٍ، أَوْ حَبِّ قُطْنٍ لِلْجَهَالَةِ. (أَوْ) اسْتِثْنَاءُ (نَحْوِ طِحَالٍ وَكَبِدٍ) ، كَقَلْبٍ وَكُلَى؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِلْجَهَالَةِ، (إلَّا رَأْسَ مَأْكُولٍ، وَجِلْدَهُ، وَأَطْرَافَهُ) ؛ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا نَصًّا، حَضَرًا وَسَفَرًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَرُّوا بِرَاعِي غَنَمٍ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعَامِرٌ فَاشْتَرَيَا مِنْهُ شَاةً، وَاشْتَرَطَا لَهُ سَلَبَهَا» . (وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُفْرَدًا، إلَّا فِي هَذِهِ) الصُّورَةِ؛ لِلْخَبَرِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي هَذِهِ دُونَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِبْقَاءٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ ابْتِدَاءً لِعَقْدٍ؛ بِدَلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَدَمِ انْفِسَاخِ نِكَاحِ زَوْجَةٍ وُطِئَتْ بِنَحْوِ شُبْهَةٍ. (وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ) الْمُسْتَثْنَى فِيهِ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُفْرَدًا، إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ، (وَلَوْ بَاعَ فِي هَذِهِ) الصُّورَةِ (مَا اسْتَثْنَاهُ) مِنْ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ وَالْأَطْرَافِ (مُفْرَدًا) ؛ أَيْ: مُسْتَقِلًّا؛ (لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ، كَبَيْعِ الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ، (وَلَعَلَّ الْمُرَادَ) بِعَدَمِ الصِّحَّةِ (مَا لَمْ تُبَعْ) رَأْسٌ وَأَطْرَافٌ (لِمَالِكِ الْأَصْلِ) ؛ أَيْ: الذَّبِيحَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الذَّبِيحَةُ لَهُ، وَاشْتَرَى أَطْرَافَهَا قَبْلَ أَنْ تُذْبَحَ؛ صَحَّ؛ كَبَيْعِ (ثَمَرَةٍ) قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِمَنْ الْأَصْلُ لَهُ. (قَالَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ ") وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " الْإِنْصَافِ "، (وَلَوْ أَبَى مُشْتَرٍ ذَبْحَهُ) ، أَيْ: الْمَأْكُولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 الْمُسْتَثْنَى جِلْدُهُ وَرَأْسُهُ وَأَطْرَافُهُ، (وَلَمْ يَشْتَرِطْ) الْبَائِعُ عَلَيْهِ ذَبْحَهُ فِي الْعَقْدِ؛ (لَمْ يُجْبَرْ) مُشْتَرٍ عَلَى ذَبْحِهِ؛ لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، (وَتَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِيَ (قِيمَةُ ذَلِكَ) الْمُسْتَثْنَى نَصًّا (تَقْرِيبًا) ، فَإِنْ شَرَطَ بَائِعٌ عَلَى مُشْتَرٍ ذَبْحَهُ؛ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ، وَدَفَعَ الْمُسْتَثْنَى لِبَائِعٍ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ، فَالتَّسْلِيمُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي (الْفَسْخُ بِعَيْبٍ يَخْتَصُّ الْمُسْتَثْنَى) ؛ كَعَيْبٍ بِرَأْسِهِ؛ أَوْ جِلْدِهِ؛ لِأَنَّ الْجَسَدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، يَتَأَلَّمُ كُلُّهُ بِتَأَلُّمِ بَعْضِهِ. [فَرْعٌ اشْتَرَى مَعْدُودًا فَعَدَّ أَلْفَ جَوْزَةٍ] (فَرْعٌ: لَوْ اشْتَرَى مَعْدُودًا فَعَدَّ أَلْفَ جَوْزَةٍ مَثَلًا، وَوَضَعَهَا فِي كَيْلٍ) عَلَى قَدْرِهَا، (ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِلَا عَدٍّ) ؛ بِأَنْ صَارَ يَمْلَأُ الْكَيْلَ، وَيَعْتَبِرُ مَلَأَهُ بِأَلْفٍ؛ (لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدِّ؛ لِاخْتِلَافِ الْجَوْزِ كِبَرًا أَوْ صِغَرًا. الشَّرْطُ (السَّابِعُ: مَعْرِفَتُهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ (لِثَمَنٍ حَالَ عَقْدِ) الْمَبِيعِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) مَعْرِفَتُهُمَا الثَّمَنَ (قَبْلَهُ) ؛ كَمَا تُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُمَا (لِمَبِيعٍ) ، وَلَوْ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ، أَوْ وَصْفٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ؛ كَالْمَبِيعِ، وَكَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ) كَانَتْ مَعْرِفَتُهُمَا الثَّمَنَ (بِمُشَاهَدَةٍ) ؛ كَصُبْرَةٍ شَاهَدَاهَا، وَلَمْ يَعْرِفَا قَدْرَهَا (وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَالثَّمَنِ فِيمَا ذُكِرَ (أَجَرَّةٌ) ؛ فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَاقِدَيْنِ لَهَا، وَلَوْ بِمُشَاهَدَةٍ؛ (فَيَصِحَّانِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعُ وَالْإِجَارَةُ إذَا عَقَدَا عَلَى ثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ (بِوَزْنِ صَنْجَةٍ وَمِلْءِ كَيْلٍ مَجْهُولَيْنِ) عُرْفًا، وَعَرَفَهُمَا الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْمُشَاهَدَةِ؛ كَبِعْتُكَ أَوْ أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ فِضَّةً، أَوْ بِمِلْءِ هَذَا الْوِعَاءِ أَوْ الْكِيسِ دَرَاهِمَ. وَيَصِحُّ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ بِصُبْرَةٍ مُشَاهَدَةٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، وَنَحْوِهَا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا كَيْلَهَا، وَلَا وَزْنَهَا، وَلَا عَدَّهَا، (وَ) يَصِحُّ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ (بِنَفَقَةِ عَبْدِهِ) فُلَانٍ، أَوْ أَمَتِهِ فُلَانَةَ، أَوْ نَفْسِهِ، أَوْ زَوْجَتِهِ، أَوْ وَلَدِهِ، وَنَحْوُهُ (شَهْرًا) أَوْ يَوْمًا، وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّ لَهَا عُرْفًا يُرْجَعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ دَابَّتِهِ. (وَيَرْجِعُ) مُشْتَرٍ عَلَى بَائِعٍ (مَعَ تَعَذُّرِ) قَدْرِ (مَعْرِفَةِ ثَمَنٍ) ؛ بِأَنْ تَلِفَتْ الصُّبْرَةُ، أَوْ اخْتَلَطَتْ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ قَبْلَ اعْتِبَارِهَا، أَوْ تَلِفَتْ الصَّنْجَةُ، أَوْ الْكَيْلُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ أَخَذَتْ النَّفَقَةَ، وَجَهِلَتْ (عِنْدَ فَسْخِ) بَيْعٍ لِنَحْوِ عَيْبٍ (بِقِيمَةِ مَبِيعٍ، وَأُجْرَةِ مِثْلٍ حَالَ عَقْدٍ فِيهِمَا) ؛ أَيْ: فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ، وَإِجَارَتِهِ بِقِيمَةِ مَنْفَعَتِهِ. (وَلَوْ بَاعَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَوَزَنَهَا) الْبَائِعُ (بِصَنْجَةٍ، ثُمَّ وَجَدَ الصَّنْجَةَ زَائِدَةً، فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْبَائِعِ (الرُّجُوعُ) بِالزِّيَادَةِ، (كَعَكْسِهِ) أَيْ: كَمَا لَوْ بَاعَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَوَزَنَهَا بِصَنْجَةٍ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي الصَّنْجَةَ نَاقِصَةً؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِالنَّقْصِ، (وَكَذَا مَكِيلٌ) كَصُبْرَةٍ بَاعَهَا بِمِكْيَالٍ مَعْهُودٍ، ثُمَّ اعْتَبَرَهَا الْبَائِعُ، فَوَجَدَ الْمِكْيَالَ زَائِدًا، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِالزِّيَادَةِ، كَعَكْسِهِ. (وَلَوْ أَسَرَّا ثَمَنًا بِلَا عَقْدٍ) ؛ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ عَشَرَةٌ، (ثُمَّ عَقَدَاهُ) ظَاهِرًا بِثَمَنٍ آخَرَ كَعِشْرِينَ؛ (فَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ) ، وَهُوَ الْعَشَرَةُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا زَادَ. (وَلَوْ عُقِدَ) الْبَيْعُ (سِرًّا بِثَمَنٍ) مُعَيَّنٍ، (ثُمَّ) عُقِدَ (عَلَانِيَةً بِأَكْثَرَ) مِنْ الْأَوَّلِ (أَوْ أَقَلَّ) مِنْهُ، فَالثَّمَنُ هُوَ (الثَّانِي إنْ كَانَ فِي مُدَّةِ خِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ. اسْتَظْهَرَهُ فِي (التَّنْقِيحِ) وَصَحَّحَهُ فِي الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّ مَا يُزَادُ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ، أَوْ يُحَطُّ مِنْهُمَا زَمَنُهُ مُلْحَقٌ بِهِ، وَيُخَيَّرُ بِهِ فِي الْبَيْعِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ فِي مُدَّةِ خِيَارٍ؛ فَالثَّمَنُ هُوَ (الْأَوَّلُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ، وَلَا يُخَيَّرُ بِهِ، إذَا بِيعَ بِتَنْجِيزِ الثَّمَنِ وَفِي " الْإِقْنَاعِ " الثَّمَنُ مَا عُقِدَ بِهِ سِرًّا؛ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا؛ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (لَا إنْ) عَقَدَا سِرًّا عَلَى الْأَقَلِّ، وَعَلَانِيَةً عَلَى الْأَكْثَرِ، وَأَرَادَا بِذَلِكَ تَجَمُّلًا؛ فَالثَّمَنُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ مَا عَقَدَا بِهِ عَلَانِيَةً؛ لَيْسَ مَقْصُودً وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَصِحُّ) بَيْعُ ثَوْبٍ (بِرَقْمٍ) وَهُوَ الْقَدْرُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ؛ لِلْجَهَالَةِ بِهِ حَالَ الْعَقْدِ، (وَلَا) بَيْعُ سِلْعَةٍ (بِمَا بَاعَ) بِهِ (زَيْدٌ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (إلَّا إنْ عَلِمَاهُمَا) ؛ أَيْ: عَلِمَ الْمُتَعَاقِدَانِ الرَّقْمَ، وَمَا بَاعَ بِهِ زَيْدٌ حَالَ الْعَقْدِ؛ فَيَصِحُّ. (وَلَا) بَيْعُ سِلْعَةٍ (بِأَلْفِ دِرْهَمٍ) ، أَوْ مِثْقَالٍ (ذَهَبًا وَفِضَّةً) ؛ لِأَنَّ قَدْرَ كُلِّ جِنْسٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ. كَمَا لَوْ قَالَ بِأَلْفٍ بَعْضُهَا ذَهَبٌ وَبَعْضُهَا فِضَّةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِأَلْفٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَلَمْ يَقُلْ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ (بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَرَطْلِ خَمْرٍ) ، أَوْ وَكَلْبِ، أَوْ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ نَجَسٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَا قِيمَةَ لَهَا؛ فَلَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهَا الْبَدَلُ. أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ كُلُّهُ كَذَلِكَ. (وَلَا) الْبَيْعُ (بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ) ؛ أَيْ: يَقِفُ عَلَيْهِ؛ لِلْجَهَالَةِ، (وَلَا كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَلَا بِدِينَارٍ) مُطْلَقٍ، (أَوْ دِرْهَمٍ مُطْلَقٍ) ، أَوْ قِرْشٍ مُطْلَقٍ، (وَثَمَّ) بِالْبَلَدِ (نُقُودٌ) مُخْتَلِفَةٌ مِنْ الْمُسَمَّى الْمُطْلَقِ (مُتَسَاوِيَةٌ رَوَاجًا) ؛ لِتَرَدُّدِ الْمُطْلَقِ بَيْنَهَا، وَرَدُّهُ إلَى أَحَدِهَا مَعَ التَّسَاوِي تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ؛ فَهُوَ مَجْهُولٌ. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) بِالْبَلَدِ (إلَّا) دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ أَوْ قِرْشٌ (وَاحِدٌ) ؛ صَحَّ، وَصَرَفَهُ إلَيْهِ لِتَعَيُّنِهِ، (أَوْ غَلَبَ أَحَدُهَا) ؛ أَيْ: النُّقُودِ رَوَاجًا؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ، (وَصُرِفَ) الْمُطْلَقُ مِنْ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ قِرْشٍ (إلَيْهِ) ؛ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ. (وَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ (بِعَشَرَةٍ صِحَاحًا، أَوْ إحْدَى عَشَرَةَ مُكَسَّرَةً، وَلَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 الْبَيْعُ (بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ عِشْرِينَ نَسِيئَةً) ؛ «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» . وَفَسَّرَهُ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ لَهُ بِبَيْعٍ وَاحِدٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ، وَلِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، (إلَّا إنْ تَفَرَّقَا) ، أَيْ: الْمُتَعَاقِدَانِ (فِيهِمَا) ، أَيْ: الصُّورَتَيْنِ (عَلَى أَحَدِهِمَا) ، أَيْ: أَحَدِ الثَّمَنَيْنِ فِي الْكُلِّ؛ فَيَصِحُّ؛ لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ (بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى قِيمَةَ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّينَارِ، وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَاسْتِثْنَاءُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا، (وَلَا) الْبَيْعُ (بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا، أَوْ إلَّا قَفِيزًا، أَوْ نَحْوَهُ) ، مِمَّا فِيهِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ " الْمُنْتَهَى " " وَالْإِقْنَاعِ " جَعَلَا شُرُوطَ الْبَيْعِ سَبْعَةً، وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَهَا تِسْعَةً، فَلِذَلِكَ قَالَ: (وَيَتَّجِهُ أَنْ يُزَادَ) عَلَى مَا ذَكَرَاهُ شَرْطَانِ آخَرَانِ لِتَتِمَّ بِهِمَا الشُّرُوطُ التِّسْعَةُ، وَإِلَيْهِمَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: الشَّرْطُ (الثَّامِنُ: خُلُوُّ ثَمَنٍ) ، وَخُلُوُّ (مُثَمَّنٍ، وَ) خُلُوُّ (مُتَعَاقِدَيْنِ عَنْ مَوَانِعَ) فِي الْعَقْدِ تَمْنَعُ (صِحَّةَ) الْبَيْعِ، كَبِعْتُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ (رِبًا) ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا، (أَوْ اشْتِرَاطَ) شَرْطٍ مُفْسِدٍ لِلْبَيْعِ؛ كَبِعْنِي هَذَا بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ أَرْهَنَكَ بِهَا، وَبِالْمِائَةِ الَّتِي لَكَ عِنْدِي غَيْرُهَا هَذَا الشَّيْءَ؛ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ الْمِائَةُ، وَمَنْفَعَةٌ هِيَ وَثِيقَةٌ بِالْمِائَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَجْهُولَةٌ، وَلِأَنَّهُ شَرَطَ عَقْدَ الرَّهْنِ بِالْمِائَةِ الْأُولَى، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ دَارِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ الْآخَرُ دَارِهِ (أَوْ غَيْرَهُمَا) أَيْ: غَيْرَ الرِّبَا وَالِاشْتِرَاطِ مِنْ الْمُبْطِلَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْآتِيَةِ؛ (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ أُمِّ وَلَدٍ، وَلَا) بَيْعُ قِنٍّ (مَنْذُورٍ عِتْقُهُ، أَوْ) مَنْذُورٍ (تُصُدِّقَ بِهِ نَذْرَ تَبَرُّرٍ) ؛ بِخِلَافِ نَذْرِ الْغَضَبِ وَاللَّجَاجِ، وَنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ؛ فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ؛ لِلْخَبَرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 (وَ) لَا يَصِحُّ بَيْعُ (أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ وَاجِبَيْنِ إلَّا بِخَيْرٍ مِنْهُمَا) . وَتَقَدَّمَ. (وَ) لَا بَيْعُ (وَقْفٍ بِلَا مُسَوِّغٍ) شَرْعِيٍّ؛ كَاضْمِحْلَالِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَتَعْطِيلِ مَنَافِعِهِ. وَيَأْتِي مُفَصَّلًا، (وَ) لَا بَيْعُ (رَهْنٍ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ) يُمْكِنُ اسْتِئْذَانُهُ. وَيَأْتِي (وَ) لَا بَيْعُ (مَاءٍ وَسُتْرَةٍ لِمُصَلٍّ عَادِمٍ غَيْرَهُمَا) وَتَقَدَّمَ. (وَ) لَا بَيْعُ (قِنٍّ) مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ، وَيَأْتِي (وَ) لَا بَيْعُ (مُصْحَفٍ لِكَافِرٍ) . وَتَقَدَّمَ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعٌ (بَعْدَ نِدَاءِ جُمُعَةٍ) ثَانٍ (وَ) لَا مَعَ (ضِيقِ) وَقْتِ صَلَاةٍ (مَكْتُوبَةٍ، وَسَيَأْتِي كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ) فِي مَوَاضِعِهِ، فَلَا حَاجَةَ لِاسْتِقْصَائِهِ هُنَا. الشَّرْطُ (التَّاسِعُ) وَهُوَ ثَانِي الشَّرْطَيْنِ الْمَزِيدَيْنِ عَلَى " الْمُنْتَهَى " " وَالْإِقْنَاعِ " (أَنْ لَا يَكُونَ الْمَبِيعُ مُوَقَّتًا، وَلَا مُعَلَّقًا بِغَيْرِ مَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى) ، كَقَوْلِ بَائِعِ شِقْصٍ لِمُشْتَرٍ: (بِعْتُكَهُ سَنَةً) ، وَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَهُوَ لِي، (أَوْ) قَوْلِهِ (بِعْتُ) هَذَا الشِّقْصَ إنْ رَضِيَ زَيْدٌ، (أَوْ) قَوْلِ مُشْتَرٍ لِبَائِعِ (اشْتَرَيْتُ) مِنْكَ ذَلِكَ (إنْ رَضِيَ زَيْدٌ. وَيَأْتِي) الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى. [فَصْلٌ بَيْع صُبْرَةٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ] (فَصْلٌ) (وَلَا يَصِحُّ بَيْعٌ مِنْ صُبْرَةٍ، أَوْ ثَوْبٍ، أَوْ قَطِيعٍ، كُلُّ قَفِيزٍ، أَوْ) كُلُّ (ذِرَاعٍ، أَوْ) كُلُّ (شَاةٍ بِدِرْهَمٍ) ؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَكُلَّ لِلْعَدَدِ؛ فَيَكُونُ مَجْهُولًا. (وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ أَوْ) بَيْعُ (الثَّوْبِ) ، أَوْ بَيْعُ (الْقَطِيعِ كُلُّ قَفِيزٍ) مِنْ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ، (أَوْ) كُلُّ (شَاةٍ) مِنْ الْقَطِيعِ (بِدِرْهَمٍ) ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا عَدَدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالثَّمَنُ يُعْلَمُ بِجِهَةٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَاقِدِينَ، وَهِيَ كَيْلُ الصُّبْرَةِ، أَوْ ذَرْعُ الثَّوْبِ، أَوْ عَدُّ الْقَطِيعِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَصِحُّ بَيْعُ (عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ، كُلُّ قَفِيزٍ بِدِينَارٍ إنْ) تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهَا، (وَزَادَتْ) قُفْزَانُ الصُّبْرَةِ (عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: عَلَى الْعَشَرَةِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا. (وَ) قَالَ (بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ قَفِيزًا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 أَوْ أُنْقِصَكَ، قَفِيزًا؛ لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ؛ لِلْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَزِيدُهُ الْقَفِيزَ، أَوْ يُنْقِصُهُ إيَّاهُ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ قَفِيزًا؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِلْجَهْلِ بِالْقَفِيزِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ، وَلَمْ يَصِفْهُ. (وَ) إنْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ (عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ الْأُخْرَى، أَوْ وَصَفَهُ) ، أَيْ: الْقَفِيزَ (بِصِفَةٍ يُعْلَمُ، صَحَّ) الْبَيْعُ؛ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ، وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنْ أُنْقِصَكَ قَفِيزًا، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بِعْتُكهَا إلَّا قَفِيزًا كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَشَيْءٍ مَجْهُولٍ. (وَ) إنْ قَالَ بِعْتُكهَا، أَيْ: الصُّبْرَةَ (كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ قُفْزَانِهَا عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ الْأُخْرَى) ؛ لَمْ يَصِحَّ (أَوْ وَصَفَهُ) ؛ أَيْ: الْقَفِيزَ (صِفَةً لَمْ يُعْلَمْ بِهَا، لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ فِيهِمَا؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى جَهَالَةِ الْمُثَمَّنِ فِي التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ قَفِيزًا وَشَيْئًا بِدِرْهَمٍ، وَهُمَا لَا يُعْرَفَانِ؛ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمَا بِكَمِّيَّةِ مَا فِي الصُّبْرَةِ مِنْ الْقُفْزَانِ. وَلَوْ قَصَدَ الْبَائِعُ بِقَوْلِهِ: عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ قَفِيزًا، أَنِّي أَحُطُّ ثَمَنَ قَفِيزٍ مِنْ الصُّبْرَةِ لَا أَحْتَسِبُ بِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ أَيْضًا؛ لِلْجَهَالَةِ (فَإِنْ بَيَّنَ) الْبَائِعُ (قَدْرَ قُفْزَانِهَا) ، أَوْ كَانَا يَعْلَمَانِهِ، صَحَّ الْبَيْعُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: هَذِهِ الصُّبْرَةُ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ بِعْتُكهَا، كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ، أَوْ عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ قَفِيزًا، وَوَصَفَهُ بِصِفَةٍ يُعْلَمُ بِهَا؛ صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بِعْتُكَ كُلَّ قَفِيزٍ، وَعُشْرِ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ لَا جَهَالَةَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْقَفِيزُ؛ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، وَلَمْ يَصِفْهُ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ، أَوْ جَعَلَهُ هِبَةً؛ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِكَذَا عَلَى أَنْ أَهَبَكَ قَفِيزًا - وَلَوْ عَيَّنَهُ - لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِشَرْطِ عَقْدٍ آخَرَ، وَهُوَ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي، وَإِنْ عَلِمَا أَنَّ الصُّبْرَةَ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ، أَوْ قَالَ: هَذِهِ الصُّبْرَةُ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ بِعْتُكهَا، كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أُنْقِصَكَ قَفِيزًا، وَأَرَادَ عَلَى أَنِّي لَا أَحْتَسِبُ عَلَيْكَ بِثَمَنِ قَفِيزٍ مِنْهَا؛ صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بِعْتُكَ هَذِهِ الْعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ بِتِسْعَةِ دَرَاهِمَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 وَذَلِكَ مَعْلُومٌ. وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، عَلَى أَنْ أُنْقِصَكَ قَفِيزًا مِنْهَا؛ صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بِعْتُكَ تِسْعَةَ أَقْفِزَةٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَا خَفَاءَ فِي ذَلِكَ. وَمَا لَا تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ كَأَرْضٍ، وَثَوْبٍ، وَقَطِيعِ غَنَمٍ، فِيهِ شَبَهٌ مِنْ مَسَائِلِ الصُّبْرَةِ؛ فَهُوَ عَلَى مِنْوَالِهَا، عَلَى مَا فُصِّلَ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ مَا بِوِعَاءٍ) كَسَمْنٍ مَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ (مَعَ وِعَائِهِ مُوَازَنَةً، كُلُّ رَطْلٍ بِكَذَا) سَوَاءٌ (عَلِمَا مَبْلَغَ كُلٍّ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: الْوِعَاءِ وَمَا بِهِ، (أَوْ لَا) ؛ لِرِضَاهُ بِشِرَاءِ الظَّرْفِ، كُلُّ رَطْلٍ بِكَذَا كَاَلَّذِي فِيهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى ظَرْفَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا زَيْتٌ، وَالْآخَرِ شَيْرَجٌ، كُلُّ رَطْلٍ بِدِرْهَمٍ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ مَا بِوِعَاءٍ (دُونَهُ) ؛ أَيْ: الْوِعَاءِ (مَعَ الِاحْتِسَابِ بِزِنَتِهِ) ؛ أَيْ: الْوِعَاءِ (عَلَى مُشْتَرٍ إنْ عَلِمَا) حَالَ عَقْدٍ (مَبْلَغَ كُلٍّ مِنْهُمَا) وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ مَا بِالْوِعَاءِ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ، وَأَنَّ الْوِعَاءَ رَطْلَانِ، وَاشْتَرَى كَذَلِكَ كُلَّ رَطْلٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُحْتَسَبَ عَلَيْهِ زِنَةُ الظَّرْفِ؛ صَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَشَرَةَ الَّتِي بِالْوِعَاءِ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مَبْلَغَ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَدَائِهِ إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ مَا بِوِعَاءٍ (جُزَافًا مَعَ ظَرْفِهِ، أَوْ دُونَهُ) ؛ أَيْ: الظَّرْفِ، (أَوْ) بَيْعُهُ مُوَازَنَةً، (كُلُّ رَطْلٍ بِكَذَا عَلَى أَنْ يُسْقِطَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: مَبْلَغِ وَزْنِهِمَا، (وَزْنَ الظَّرْفِ) ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: بِعْتُكَ مَا فِي هَذَا الظَّرْفِ، كُلُّ رَطْلٍ بِكَذَا. (وَمَنْ اشْتَرَى نَحْوَ زَيْتٍ) كَسَمْنٍ وَشَيْرَجٍ (فِي ظَرْفٍ فَوَجَدَ فِيهِ رِبًا) ، أَوْ غَيْرَهُ؛ (صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي الْبَاقِي) مِنْ الزَّيْتِ، وَنَحْوِهِ (بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَهُ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ، فَبَانَتْ تِسْعَةً، (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي (الْخِيَارُ) ؛ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، (وَلَمْ يَلْزَمْهُ) ؛ أَيْ: الْبَائِعَ (بَدَلُ الرِّبَا) ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 أَوْ نَحْوُهُ لِمُشْتَرٍ، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى إعْطَاءِ الْبَدَلِ جَازَ. [فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ] (فَصْلٌ: فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ) وَهِيَ: الْمَرَّةُ مِنْ صَفَّقَ لَهُ بِالْبَيْعَةِ وَالْبَيْعِ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِهِ، وَهِيَ عَقْدُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ، وَمَعْنَى تَفْرِيقِهَا؛ أَيْ: تَفْرِيقُ مَا اشْتَرَاهُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. (وَ) الصَّفْقَةُ: (هِيَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ) بَيْعُهُ، صَفْقَةً وَاحِدَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ؛ أَيْ: عَقْدٍ جَمَعَ فِيهِ ذَلِكَ. وَلَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ، أُشِيرَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: (مَنْ بَاعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ) ؛ كَهَذَا الْعَبْدِ، وَثَوْبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ (صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي الْمَعْلُومِ بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ، وَبَطَلَ فِي الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ صَدَرَ فِيهِ الْبَيْعُ مِنْ أَهْلِهِ بِشَرْطِهِ، وَمَعْرِفَةُ ثَمَنِهِ مُمْكِنَةٌ؛ بِتَقْسِيطِ الثَّمَنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَهُوَ مُمْكِنٌ. (لَا إنْ تَعَذَّرَ) عِلْمُ الْمَجْهُولِ، (وَلَمْ يُبَيِّنْ ثَمَنَ الْمَعْلُومِ) ؛ كَبِعْتُك هَذِهِ الْفَرَسَ، وَمَا فِي بَطْنِ الْفَرَسِ الْأُخْرَى بِكَذَا؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِجَهَالَتِهِ، وَالْمَعْلُومُ مَجْهُولُ الثَّمَنِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِتَقْسِيطِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا، وَالْمَجْهُولُ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ، فَإِنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ مِنْهُمَا، صَحَّ فِي الْمَعْلُومِ بِثَمَنِهِ. الثَّانِيَةُ الْمَذْكُورَةُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ بَاعَ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُ بَعْضَهُ؛ صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي مِلْكِهِ بِقِسْطِهِ) ، وَبَطَلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمِلْكَيْنِ لَهُ حُكْمٌ لَوْ انْفَرَدَ، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا وَيُشْبِهُهُ بَيْعُ عَيْنٍ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ شِرَاؤُهَا، وَمَنْ لَا يَصِحُّ؛ كَعَبْدٍ مُسْلِمٍ لِمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ، (وَلِمُشْتَرٍ الْخِيَارُ) بَيْنَ رَدٍّ وَإِمْسَاكٍ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْحَالَ؛ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، (وَ) لَهُ (الْأَرْشُ إنْ أَمْسَكَ فِيمَا يُنْقِصُهُ تَفْرِيقٌ) ، كَزَوْجَيْ خُفٍّ، وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ، أَحَدُهُمَا مِلْكُ الْبَائِعِ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ، وَقِيمَةُ كُلٍّ مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ، وَمُجْتَمَعَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 ثَمَانِيَةٌ، وَاشْتَرَاهُمَا الْمُشْتَرِي بِهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ؛ فَلَهُ إمْسَاكُ مِلْكِ الْبَائِعِ بِالْقِسْطِ مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، وَلَهُ أَرْشٌ نَقْصِ التَّفْرِيقِ دِرْهَمَانِ؛ فَيَسْتَقِرُّ لَهُ بِدِرْهَمَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ تَلِفَ أَحَدُ مَا يَضْمَنُ قَبْلَ قَبْضِهِ) ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ مُدَّ شَعِيرٍ وَمُدَّ بُرٍّ بِحِمَّصٍ، فَتَلِفَ الْبُرُّ مَثَلًا، (فَقَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى: (لِمُشْتَرٍ الْخِيَارُ بَيْنَ إمْسَاكٍ بَاقٍ) - وَهُوَ الشَّعِيرُ فِي الْمِثَالِ - (بِحِصَّتِهِ) ؛ أَيْ: قِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، (وَبَيْنَ فَسْخٍ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي كَوْنِ الْمَبِيعِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ حُكْمُ مَا قَبْلَ الْعَقْدِ، بِدَلِيلٍ أَنَّهُ لَوْ تَغَيَّبَ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لَمَلَكَ الْمُشْتَرِي الْفَسْخَ بِهِ الثَّالِثَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ بَاعَ قِنَّهُ مَعَ قِنِّ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ، أَوْ) بَاعَ (مَعَ حُرٍّ أَوْ) بَاعَ (خَلًّا مَعَ خَمْرٍ، أَوْ) بَاعَ (طَاهِرًا مَعَ مُتَنَجِّسٍ؛ صَحَّ فِي قِنِّهِ) الْمَبِيعِ مَعَ قِنِّ غَيْرِهِ، أَوْ مَعَ حُرٍّ بِقِسْطِهِ، (وَ) صَحَّ الْبَيْعُ (فِي خَلٍّ) بِيعَ مَعَ خَمْرٍ بِقِسْطِهِ، (وَ) صَحَّ الْبَيْعُ فِي (طَاهِرٍ بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ عَلَى الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ ثَمَنٍ فِي مَبِيعٍ وَسُقُوطَ بَعْضِهِ؛ لَا يُوجِبُ جَهَالَةً تَمْنَعُ الصِّحَّةَ، (وَيُقَدَّرُ خَمْرٌ خَلًّا، وَحُرٌّ قِنًّا) ، وَمُتَنَجِّسٌ طَاهِرًا؛ لِيَقُومَ؛ لِتَقْسِيطِ الثَّمَنِ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ، (وَلِمُشْتَرٍ لَمْ يَعْلَمْ) الْحَالَ (الْخِيَارُ بَيْنَ إمْسَاكِ) مَا صَحَّ فِيهِ الْبَيْعُ (بِقِسْطِهِ، وَبَيْنَ رَدِّهِ) ؛ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَمَعَ الْعِلْمِ) بِالْحَالِ؛ (فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ مَنْ عَلِمَ الْحَالَ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَمَا قَالَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " تَبِعَ فِيهِ الْقَاضِيَ فِي الْمُجَرَّدِ " وَابْنَ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ " فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا، وَهُوَ مَنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ، وَإِنْ بَعَّضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ؛ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ؛ فَيَكُونُ قَدْ دَخَلَ عَلَى بَذْلِ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ خَاصَّةً كَمَا نَقُولُ فِيمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ يَعْلَمُ مَوْتَهُ: إنَّ الْوَصِيَّةَ كُلَّهَا لِلْحَيِّ، وَلَا يَخْفَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ تَشْبِيهَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوَصِيَّةِ بَعِيدٌ جِدًّا؛ إذْ الْمُوصِي يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. فَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (كَمَا لَوْ بَاعَهُ شَاةً وَكَلْبًا بِدِينَارٍ، أَوْ اشْتَرَى) مِنْهُ شِقْصًا (بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَرَطْلِ خَمْرٍ) مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ، وَيَكُونُ الْبَيْعُ بَاطِلًا، (كَمَا مَرَّ) آنِفًا، وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " " وَالْخُلَاصَةِ " وَالنَّظْمِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " " وَالْحَاوِيَيْنِ " وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ) بِثَمَنٍ وَاحِدٍ صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ؛ كَمَا لَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ، وَقَسَّطَ الثَّمَنَ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ، فَيَأْخُذُ كُلَّ مَا يُقَابِلُ عَبْدَهُ، (أَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ لِاثْنَيْنِ، لَا) إنْ بَاعَ الْعَبْدَيْنِ (مُشَاعَيْنِ، بَلْ) بِيعَ (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (عَبْدٌ) بِثَمَنٍ وَاحِدٍ؛ صَحَّ الْبَيْعُ، وَقَسَّطَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ، وَيُؤَدِّي كُلُّ مُشْتَرٍ مَا يُقَابِلُ عَبْدَهُ. (أَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ) مِنْ (وَكِيلِهِمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، صَحَّ) الْعَقْدُ، (وَقَسَّطَ) الثَّمَنَ (عَلَى قِيمَتِهِمَا) ، أَيْ: الْعَبْدَيْنِ؛ لِيُعْلَمَ ثَمَنُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيَأْخُذَ كُلٌّ مَا قَابَلَ عَبْدَهُ، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ لِاثْنَيْنِ عَبْدَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدٌ، فَبَاعَاهُمَا لِرَجُلَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ؛ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيُقَسِّطُ الثَّمَنَ، (فَلَوْ بِيعَا) ؛ أَيْ: الْعَبْدَانِ (بِمِائَةٍ) مَثَلًا، (ثُمَّ قُوِّمَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ الْعَبْدَيْنِ (بِعِشْرِينَ، وَ) قُوِّمَ (الْآخَرُ بِأَرْبَعِينَ، فَلِرَبِّ) الْعَبْدِ الَّذِي قُوِّمَ (بِعِشْرِينَ ثُلُثُ الْمِائَةِ) ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْعِشْرِينَ إلَى السِّتِّينَ الَّتِي هِيَ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ ثُلُثٌ، (وَلِلْآخَرِ) أَيْ: الَّذِي قُوِّمَ عَبْدُهُ بِأَرْبَعِينَ (ثُلُثَاهَا) أَيْ: الْمِائَةِ كَمَا ذُكِرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 (وَكَبَيْعٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ (إجَارَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ، فَلَوْ أَجَّرَهُ دَارِهِ وَدَارَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ بِأُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ صَحَّتْ، وَقُسِّطَتْ الْأُجْرَةُ عَلَى الدَّارَيْنِ، وَكَذَا بَاقِي الصُّوَرِ، قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: الْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ إذَا جَمَعَتْ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ كَالْحُكْمِ فِي الْبَيْعِ، إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ فِيهَا الصِّحَّةُ؛ أَيْ: وَلَوْ لَمْ نُصَحِّحْ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عُقُودَ مُعَاوَضَةٍ؛ فَلَا تُوجَدُ جَهَالَةُ الْعِوَضِ فِيهَا. (وَإِنْ جَمَعَ) فِي عَقْدٍ (بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ) ، بِأَنْ بَاعَهُ عَبْدَهُ، وَأَجَّرَهُ دَارِهِ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ؛ صَحَّا، (أَوْ) جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ (وَصَرْفٍ) ، بِأَنْ بَاعَهُ عَبْدَهُ، وَصَارَفَهُ دِينَارًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا، صَحَّا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، (أَوْ) جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ (وَخُلْعٍ) ، بِأَنْ قَالَتْ: ابْتَعْتُ مِنْك عَبْدَك، وَاخْتَلَعْتُ نَفْسِي بِعِشْرِينَ دِينَارًا صَحَّا، (أَوْ) جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ (وَنِكَاحٍ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ؛ صَحَّا) ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَقْدَيْنِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ؛ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَا فِيهِ شُفْعَةٌ وَمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ، (وَقَسَّطَ) الْعِوَضَ (عَلَيْهِمَا) ، يَصْرِفُ عِوَضَ كُلٍّ مِنْهُمَا تَفْصِيلًا (وَ) إنْ جَمَعَ بَيْنَ (بَيْعٍ وَكِتَابَةٍ) ؛ بِأَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ، وَبَاعَهُ دَارِهِ بِمِائَةٍ؛ لِكُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةٌ، مَثَلًا؛ (بَطَلَ) الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَهُ لِمَا لَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ، (وَصَحَّتْ) الْكِتَابَةُ بِقِسْطِهَا؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ. (وَمَتَى اُعْتُبِرَ قَبْضٌ) فِي الْمَجْلِسِ (لِأَحَدِهِمَا) ، أَيْ: الْعَقْدَيْنِ الْمَجْمُوعِ بَيْنَهُمَا، كَالصَّرْفِ فِيمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا وَحُلِيَّ ذَهَبٍ بِدَرَاهِمَ صَفْقَةً، وَافْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ؛ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْحُلِيِّ؛ بِقِسْطِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، (وَلَوْ لَمْ يَبْطُلْ) الْعَقْدُ (الْآخَرُ) الَّذِي لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ (بِتَأَخُّرِهِ) ؛ أَيْ: الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهِ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ، فَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ. [فَرْعٌ اشْتَبَهَ عَبْدُهُ بِعَبْدِ غَيْره فَمَا حُكْم الْبَيْع] (فَرْعٌ: لَوْ اشْتَبَهَ عَبْدُهُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ، لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ قُرْعَةٍ) . قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي فِي خِلَافِهِ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 (وَيَتَّجِهُ يَصِحُّ) بَيْعُ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ (قَبْلَهَا) ، أَيْ: قَبْلَ الْقُرْعَةِ (إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدُهُ) بِأَمَارَةٍ لَا خَفَاءَ مَعَهَا؛ لِزَوَالِ الِاشْتِبَاهِ الْمَوْقِعِ فِي الرِّيبَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ الْبَيْع فِي الْمَسْجِد] (فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ بَيْعٌ) - وَلَوْ قَلَّ الْمَبِيعُ - (وَلَا شِرَاءٌ) وَلَا إجَارَةٍ (فِي الْمَسْجِدِ) لِمُعْتَكِفٍ وَغَيْرِهِ، احْتَاجَ إلَيْهِ أَوْ لَا هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَيْعِ وَعَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسَاجِدِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ وَجَمْعٍ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُصُولِ " وَالشَّارِحِ " وَالْمُسْتَوْعِبِ " فَإِنَّهُمْ جَزَمُوا بِالْكَرَاهَةِ. (وَلَا يَصِحُّ) بَيْعٌ وَشِرَاءُ (مِمَّنْ تَلْزَمُهُ جُمُعَةٌ) - وَلَوْ بِغَيْرِهِ - (بَعْدَ) شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي نِدَائِهَا؛ أَيْ: الْجُمُعَةِ (الَّذِي عِنْدَ الْمِنْبَرِ) عَقِبَ الْجُلُوسِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ؛ (لِوُجُودِ الْبَيْعِ إذَنْ) ؛ أَيْ: وَقْتِ النِّدَاءِ الثَّانِي. وَأَمَّا النِّدَاءُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ حَدَثَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وقَوْله تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] ظَاهِرٌ فِي تَحْرِيمِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ عَنْ الصَّلَاةِ، وَيَكُونُ ذَرِيعَةً إلَى فَوَاتِهَا، وَالشِّرَاءُ أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ؛ فَكَانَ كَالشِّقِّ الْآخَرِ. قَالَ (الْمُنَقِّحِ: أَوْ قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: النِّدَاءِ الثَّانِي (لِمَنْ مَنْزِلُهُ بَعِيدٌ، بِحَيْثُ إنَّهُ) إذَا سَعَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (يُدْرِكُهَا) ؛ أَيْ: الصَّلَاةَ مَعَ الْخُطْبَةِ (انْتَهَى) . (وَإِنْ تَعَدَّدَ نِدَاءٌ كَجَامِعَيْنِ) فِي الْبَلَدِ فَأَكْثَرَ؛ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِمَا، لِسَعَةِ الْبَلَدِ وَنَحْوِهَا؛ (امْتَنَعَ بَيْعٌ) بِنِدَاءٍ فِي جَامِعٍ (أَوَّلَ) قَبْلَ نِدَاءِ الْجَامِعِ الْآخَرِ. صَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَفِي نُسْخَةٍ فِي " الْفُصُولِ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 (وَيَتَّجِهُ هَذَا) ؛ أَيْ: امْتِنَاعُ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِنِدَاءِ أَوَّلِ الْجَامِعَيْنِ (فِي حَقِّ مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ مَعَ إمَامِهِ) ؛ أَيْ: إمَامِ الْجَامِعِ الَّذِي سَبَقَ نِدَاؤُهُ، وَأَمَّا إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَ مَنْ فِي الْجَامِعِ الْمُتَأَخِّرِ نِدَاؤُهُ؛ فَتَسْتَمِرُّ صِحَّةُ عُقُودِهِ إلَى الشُّرُوعِ فِي نِدَاءِ الْجَامِعِ الْآخَرِ؛ كَمَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي النَّافِلَةِ بَعْدَ إقَامَةِ صَلَاةٍ لِمَنْ لَا يُرِيدُ الدُّخُولَ فِيهَا مَعَ إمَامِهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ) الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ الثَّانِي؛ (فِي اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ) ؛ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ. وَيَصِحُّ الْبَيْعُ (لِحَاجَةٍ؛ كَمُضْطَرٍّ لِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ يُبَاعُ) ؛ فَلَهُ شِرَاؤُهُ لِحَاجَتِهِ، (وَكَعُرْيَانٍ وَجَدَ سُتْرَةً، وَكَمُحْدِثٍ) وَجَدَ (مَاءً [فَلَهُ] ) ؛ شِرَاءُ ذَلِكَ، (وَكَكَفَنٍ وَمُؤْنَةِ تَجْهِيزٍ لِمَيِّتٍ خِيفَ فَسَادُهُ بِتَأَخُّرِ) تَجْهِيزِهِ حَتَّى تُصَلَّى، (وَكَوُجُودِ أَبِيهِ وَنَحْوِهِ) كَأُمِّهِ وَأَخِيهِ (يُبَاعُ مَعَ مَنْ لَوْ تَرَكَهُ) حَتَّى يُصَلِّيَ؛ (لَذَهَبَ) بِهِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ يَبِيعُهُ لِغَيْرِهِ) ، وَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِخْلَاصُهُ مِمَّنْ يَشْتَرِيهِ بِطِيبِ نَفْسِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 (وَكَشِرَاءِ مَرْكُوبٍ لِعَاجِزٍ) عَنْ الْمَشْيِ إلَى الْجُمُعَةِ، (أَوْ شِرَاءِ ضَرِيرٍ عَدِمَ قَائِدًا) يَقُودُهُ إلَى الْجُمُعَةِ، (وَحَيْثُ جَازَ شِرَاءٌ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ) الْجُمُعَةُ؛ جَازَ مِنْ غَيْرِهِ (بَيْعٌ لَهُ، وَصَحَّ) ؛ لِإِذْنِ الشَّارِعِ فِي ذَلِكَ (لَا إنْ بَاعَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ) الْجُمُعَةُ؛ كَمَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ وَعَبْدٍ (لِمَنْ تَلْزَمُهُ) ؛ فَلَا يَصِحُّ (بِلَا حَاجَةٍ) وَتَقَدَّمَ. (وَيُبَاحُ) الْبَيْعُ (بِلَا كَرَاهَةٍ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُ) الْجُمُعَةُ (لِمِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا. (وَيَسْتَمِرُّ الْمَنْعُ) مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَمِنْ الصِّنَاعَاتِ كُلِّهَا، مِنْ الشُّرُوعِ فِي الْأَذَانِ الثَّانِي، أَوْ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي إذَا سَعَى فِيهِ أَدْرَكَهَا مِنْ مَنْزِلٍ بَعِيدٍ (إلَى فَرَاغِهَا) ؛ أَيْ: فَرَاغِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ. (وَكَذَا) يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْخَمْسُ الْمَكْتُوبَاتُ، (لَوْ تَضَايَقَ وَقْتُ مَكْتُوبَةٍ) غَيْرِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ فِعْلِ الْمَكْتُوبَةِ، لَتَعَيَّنَ ذَلِكَ الْوَقْتُ لَهَا، فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا؛ لَمْ يَحْرُمْ الْبَيْعُ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْرُمَ إذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ بِذَلِكَ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى حَيْثُ قُلْنَا: بِوُجُوبِهَا، انْتَهَى. فَإِنْ لَمْ يُؤَذَّنْ لِلْجُمُعَةِ حَرُمَ الْبَيْعُ إذَا تَضَايَقَ وَقْتُهَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَلَوْ) كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي تَضَايَقَ (وَقْتَ اخْتِيَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ؛ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ انْعِقَادِ النَّافِلَةِ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ فَوَاتَهُ كَفَوَاتِ الْوَقْتِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَمَتَى قَالُوا: فُوِّتَ وَقْتٌ، فَمَا كَانَتْ ذَاتَ وَقْتٍ كَالْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ، فَمُرَادُهُمْ فُوِّتَ الْوَقْتُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَا كَانَتْ ذَاتَ [وَقْتَيْنِ كَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، فَوَقْتُ الِاخْتِيَارِ] ، تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ كَغَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 (وَيَصِحُّ إمْضَاءُ بَيْعِ خِيَارٍ، وَبَقِيَّةُ الْعُقُودِ؛ كَنِكَاحٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ وَرَهْنٍ) وَقَرْضٍ وَغَيْرِهَا بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ لَا يُسَاوِيهِ فِي التَّشَاغُلِ الْمُؤَدِّي إلَى فَوَاتِهَا. (وَيَتَّجِهُ وَيَحْرُمُ) إمْضَاءُ بَيْعٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بَعْدَ النِّدَاءِ الثَّانِي؛ لِلِاخْتِلَافِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ الْإِمْضَاءَ لَيْسَ بِبَيْعٍ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَحْرُمُ مُسَاوَمَةٌ وَمُنَادَاةٌ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يَشْغَلُ) عَنْ الْجُمُعَةِ بَعْدَ نِدَائِهَا الثَّانِي؛ كَالْبَيْعِ بَعْدَهُ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا قُصِدَ بِهِ الْحَرَامُ إنْ عَلِمَ) الْبَائِعُ ذَلِكَ - وَلَوْ بِقَرَائِنَ - (كَعِنَبٍ أَوْ عَصِيرِهِ لِمُتَّخِذِهِ خَمْرًا) ، وَكَذَا زَبِيبٌ وَنَحْوُهُ، (وَلَوْ) كَانَ بَيْعُ ذَلِكَ لِذِمِّيٍّ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا؛ لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. (وَ) لَا يَصِحُّ بَيْعُ [سِلَاحٍ وَنَحْوِهِ] فِي فِتْنَةٍ وَلِأَهْلِ حَرْبٍ أَوْ قُطَّاعِ طَرِيقٍ أَوْ بُغَاةٍ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ ذَلِكَ مِنْ مُشْتَرِيهِ - وَلَوْ بِقَرَائِنَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وَيَصِحُّ بَيْعُ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الْعَدْلِ لِقِتَالِ الْبُغَاةِ، وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. (وَ) لَا يَصِحُّ [بَيْعُ] (مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَمَشْمُومٍ وَقَدَحٍ لِمَنْ يَشْرَبُ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْمُومِ وَالْمَشْرُوبِ مُسْكِرًا، (أَوْ) لِمَنْ يَشْرَبُ (بِهِ) ؛ أَيْ: الْقَدَحِ (مُسْكِرًا) ، (وَ) لَا بَيْعُ (نَحْوِ جَوْزٍ وَبَيْضٍ لِقِمَارٍ) ، (وَ) لَا بَيْعُ (غُلَامٍ وَأَمَةٍ لِمَنْ عُرِفَ بِوَطْءِ دُبُرٍ أَوْ لِغِنَاءٍ) ، وَكَذَا إجَارَتُهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إثْمٌ وَعُدْوَانٌ. (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا يَحْرُمُ بَيْعُ الْأَمَةِ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا اُشْتُرِيَتْ لِتُغَنِّيَ (بِآلَةِ لَهْوٍ) مُطْلَقًا، (أَوْ) اُشْتُرِيَتْ لِتُغَنِّيَ (لِلنَّاسِ) ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تُغَنِّي لِسَيِّدِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 بِلَا آلَةِ لَهْوٍ؛ فَلَا رَيْبَ فِي إبَاحَةِ بَيْعِهَا وَاقْتِنَائِهَا لِذَلِكَ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (دَرَاهِمَ) رَدِيئَةٍ (لِمَنْ يُدَلِّسُ فِيهَا) ، وَيُرَوِّجُهَا عَلَى النَّاسِ، (وَلَا) بَيْعُ (أَوَانِي نَحْوِ فِضَّةٍ) ؛ كَذَهَبٍ (لِمَنْ يَقْتَنِيهَا) - وَلَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا - لِمَا فِيهَا مِنْ الْخُيَلَاءِ، وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَتَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ، وَأَمَّا أَوَانِي الْجَوَاهِرِ، فَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَاِتِّخَاذُهَا وَاسْتِعْمَالُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا خَوَاصُّ النَّاسِ. (وَ) لَا بَيْعُ (نَحْوِ لُجُمٍ وَسَرْجٍ) كَرِكَابٍ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، أَوْ (مُحَلَّاةٍ بِهِ، وَ) لَا بَيْعُ (دِيبَاجٍ لِرِجَالٍ، وَهُوَ) ؛ أَيْ: تَحْرِيمُ بَيْعِ مَا ذُكِرَ (ظَاهِرُ عِبَارَةِ " الْمُغْنِي ") ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا؛ كَإِجَارَةِ الْأَمَةِ لِلزِّنَى أَوْ الْغِنَاءِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى بِهِ أَوْ فِيهِ؛ كَبَيْعِ الْغِلْمَانِ لِمَنْ يُوقِنُ أَنَّهُ يَفْسُقُ بِهِمْ، أَوْ يَخْصِيهِمْ، وَبَيْعِ الدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ لِمَنْ يُوقِنُ أَنْ يُدَلِّسَ فِيهَا، وَكَبَيْعِ الْحَرِيرِ مِمَّنْ يُوقِنُ أَنَّهُ يَلْبَسُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] انْتَهَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ اُتُّهِمَ بِغُلَامِهِ، فَدَبَّرَهُ أَوْ لَا، وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْمُتَّهَمُ (فَاجِرٌ مُعْلِنٌ) لِفُجُورِهِ (حِيلَ بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ الرَّجُلِ وَغُلَامِهِ؛ خَوْفًا مِنْ إتْيَانِهِ لَهُ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يُدَبِّرْهُ، (وَكَمَجُوسِيٍّ تُسْلِمُ أُخْتُهُ) أَوْ نَحْوُهَا، (وَيُخَافُ أَنْ يَأْتِيَهَا) ؛ فَيُحَالُ بَيْنَهُمَا؛ دَفْعًا لِذَلِكَ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ رَقِيقِنَا، وَ) لَوْ كَانَ رَقِيقُنَا (كَافِرًا لِكَافِرٍ) . أَمَّا فِي الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ فَوَاضِحٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَأَمَّا فِي الْكَافِرِ فَقَالَ الْمَجْدُ: لَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ عَبْدًا كَافِرًا مِنْ كَافِرٍ؛ لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 يَجُزْ بَيْعُهُ مِنْ ذِمِّيٍّ وَلَا حَرْبِيٍّ، عَلَى ظَاهِرِ مَا رَوَاهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَإِنَّهُ شَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا يَتَّخِذُوا شَيْئًا مِنْ الرَّقِيقِ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ مَا مَلَكْنَاهُ بِالسَّبْيِ أَوْ بِالشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. (وَلَوْ) كَانَ الْكَافِرُ (وَكِيلَ مُسْلِمٍ) فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِيهِ (إلَّا إنْ عَتَقَ عَلَيْهِ) أَيْ الْكَافِرِ الْمُشْتَرَى لَهُ بِمِلْكِهِ إيَّاهُ لِقَرَابَةٍ أَوْ تَعْلِيقٍ؛ فَيَصِحُّ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى حُرِّيَّتِهِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ) قِنٌّ (فِي يَدِهِ) ؛ أَيْ: الْكَافِرِ، أَوْ مَلَكَهُ بِنَحْوِ إرْثٍ؛ (أُجْبِرَ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ) بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ؛ لِلْآيَةِ (وَلَا تَكْفِي كِتَابَتُهُ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ الْمُسْلِمِ بِيَدِ كَافِرٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْهُ، وَقَدْ يَعْجَزُ عَنْ الْأَدَاءِ فَيَعُودُ إلَى الرِّقِّ، (وَلَا يَكْفِي بَيْعُهُ بِخِيَارٍ) ؛ لِأَنَّ عَلَاقَتَهُ لَمْ تَنْقَطِعْ. (وَيَدْخُلُ رَقِيقُنَا - وَلَوْ مُسْلِمًا - فِي مِلْكِ الْكَافِرِ فِيمَا مَرَّ) مِنْ شِرَاءِ قَرِيبِهِ أَوْ إسْلَامِهِ فِي يَدِهِ، (وَ) كَذَا يَمْلِكُهُ (بِإِرْثٍ) مِنْ قَرِيبٍ أَوْ مَوْلًى أَوْ زَوْجٍ، (وَبِاسْتِرْجَاعِهِ بِإِفْلَاسِ مُشْتَرٍ) ؛ بِأَنْ اشْتَرَى [كَافِرٌ] قِنًّا كَافِرًا مِنْ كَافِرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْقِنُّ، وَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي، وَحُجِرَ عَلَيْهِ، فَفَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ، (وَبِرُجُوعِهِ) ؛ أَيْ: الْكَافِرِ (فِي هِبَةٍ لِوَلَدِهِ) ؛ بِأَنْ وَهَبَ قِنَّهُ الْكَافِرَ لِوَلَدِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْقِنُّ، وَرَجَعَ الْأَبُ فِي هِبَتِهِ، (وَبِرَدِّهِ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ) ؛ بِأَنْ بَاعَهُ كَافِرًا، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ، فَرَدَّهُ بِهِ، أَوْ رَدَّهُ (بِشَرْطِ خِيَارِ) مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَأَسْلَمَ الْقِنُّ فِيهَا، وَفَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ إبَانَةُ) كَافِرَةٍ أَصْدَقَهَا زَوْجُهَا الْكَافِرُ قِنًّا كَافِرًا، فَأَسْلَمَ الْقِنُّ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ هِيَ، أَوْ فَسَخَتْ نِكَاحَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَإِنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ، وَيَسْقُطُ صَدَاقُهَا لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا، وَيَسْتَرِدُّ الزَّوْجُ قِنَّهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 (وَبِاسْتِيلَاءِ حَرْبِيٍّ) عَلَى رَقِيقٍ مُسْلِمٍ قَهْرًا؛ فَيَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، وَبِقَوْلِهِ؛ أَيْ: الْكَافِرِ (لِمُسْلِمٍ: اعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ) ، فَفَعَلَ الْمُسْلِمُ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْوَلَاءِ. فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ يَدْخُلُ فِيهَا الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ ابْتِدَاءً وَيُزَادُ. عَاشِرَةٌ: إذَا وَجَدَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ مَعِيبًا، فَرَدَّهُ وَاسْتَرْجَعَ الْقِنَّ، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ. وَحَادِيَةَ عَشَرَ: إذَا اسْتَوْلَدَ الْكَافِرُ أَمَةً مُسْلِمَةً لِوَلَدِهِ؛ فَإِنْ مَلَكَهَا تُنْقَلْ إلَى الْأَبِ بِمُجَرَّدِ الْوَطْءِ. وَثَانِيَةَ عَشَرَ: إذَا وَطِئَ الْمُسْلِمُ أَمَةً لِكَافِرٍ شُبْهَةً، فَوَلَدَتْ؛ فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ وَمِلْكُهُ لِلْكَافِرِ تَبَعًا لِأُمِّهِ. (وَحَرُمَ وَلَا يَصِحُّ بَيْعٌ عَلَى بَيْعِ مُسْلِمٍ) زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «لَا يَبِعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. وَ (لَا) يَحْرُمُ بَيْعٌ عَلَى بَيْعِ (كَافِرٍ) ؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ (كَقَوْلِهِ لِمُشْتَرٍ شَيْئًا بِعَشَرَةٍ) : أَنَا أُعْطِيكَ مِثْلَهُ بِتِسْعَةٍ، أَوْ (قَالَ أُعْطِيكَ خَيْرًا مِنْهُ بِعَشَرَةٍ، أَوْ يَعْرِضُ عَلَى مُشْتَرٍ سِلْعَةً يَرْغَبُ فِيهَا) الْمُشْتَرِي (لِيَفْسَخَ) الْبَيْعَ، وَيَعْقِدَ مَعَهُ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِلْخَبَرِ (وَ) يَحْرُمُ، وَلَا يَصِحُّ (شِرَاءٌ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى شِرَاءِ مُسْلِمٍ؛ (كَقَوْلِهِ لِبَائِعٍ شَيْئًا بِتِسْعَةٍ: أُعْطِيكَ فِيهِ عَشَرَةً زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ) ؛ أَيْ: خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، بَلْ يُسَمَّى بَيْعًا؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِ، وَالْإِفْسَادِ عَلَيْهِ، أَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ الْخِيَارِ وَلُزُومِ الْبَيْعِ؛ فَلَا يَحْرُمُ؛ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفَسْخِ إذَنْ. (وَكَذَا) أَيْ: كَالْبَيْعِ (إجَارَةٌ) ؛ فَيَحْرُمُ أَنْ يُؤَجِّرَ أَوْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى مُسْلِمٍ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَحْرُمُ (اقْتِرَاضُهُ عَلَى اقْتِرَاضِهِ) بِالْقَافِ بِأَنْ يَعْقِدَ مَعَهُ الْقَرْضَ، فَيَقُولَ لَهُ آخَرُ: أَقْرِضْنِي ذَلِكَ قَبْلَ تَقْبِيضِهِ لِلْأَوَّلِ، فَيَفْسَخُهُ وَيَدْفَعُهُ لِلثَّانِي، (وَ) يَحْرُمُ (افْتِرَاضُهُ بِالْفَاءِ فِي الدِّيوَانِ) عَلَى افْتِرَاضِهِ، وَاتِّهَابُهُ عَلَى اتِّهَابِهِ (وَ) مِثْلُهُ (طَلَبُ الْعَمَلِ مِنْ الْوِلَايَاتِ) بَعْدَ طَلَبِ غَيْرِهِ (وَكَذَا) طَلَبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 (مُسَاقَاةٍ وَمُزَارَعَةٍ وَجَعَالَةٍ وَنَحْوِهَا) ؛ كَشَرِكَةٍ، فَهَذِهِ كُلُّهَا كَالْبَيْعِ؛ فَتَحْرُمُ وَلَا تَصِحُّ إذَا سَبَقَتْ لِلْغَيْرِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِيذَاءِ، وَ (لَا) يَحْرُمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (بَعْدَ رَدٍّ لِلْعَقْدِ) لِأَنَّ الرِّضَا بَعْدَ الرَّدِّ غَيْرُ مَوْجُودٍ (وَلَا) يَحْرُمُ (بَذْلٌ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَى كَقَوْلِهِ لِمُشْتَرٍ) شَيْئًا (بِعَشَرَةٍ) : أَنَا (أُعْطِيكَ مِثْلَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ) ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَأْبَى إجَابَتَهُ. (وَحَرُمَ سَوْمٌ عَلَى سَوْمِهِ) ؛ أَيْ: الْمُسْلِمِ (مَعَ الرِّضَا) مِنْ الْبَائِعِ (صَرِيحًا) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَسُمْ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَيَصِحُّ عَقْدٌ) مَعَ سَوْمِهِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ السَّوْمُ لَا الْبَيْعُ، وَ (لَا) يَحْرُمُ (زِيَادَةٌ فِي مُنَادَاةٍ) قَبْلَ الرِّضَا إجْمَاعًا، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَزَالُوا يَتَبَايَعُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ بِالْمُزَايَدَةِ. (وَإِنْ حَضَرَ) ؛ أَيْ: قَدِمَ (غَرِيبٌ) بَلَدًا غَيْرَ بَلَدِهِ (لِبَيْعِ سِلْعَتِهِ بِسِعْرِ يَوْمِهَا) ؛ أَيْ: ذَلِكَ الْوَقْتِ (وَجَهِلَهُ) ؛ أَيْ: جَهِلَ الْغَرِيبُ سِعْرَ سِلْعَتِهِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ (وَقَصَدَهُ) ؛ أَيْ: الْغَرِيبُ (حَاضِرٌ) بِالْبَلَدِ (عَارِفٌ بِهِ) ؛ أَيْ: السِّعْرِ (وَبِالنَّاسِ إلَيْهَا) ؛ أَيْ: السِّلْعَةِ (حَاجَةٌ، حَرُمَتْ مُبَاشَرَتُهُ) ؛ أَيْ: الْحَاضِرِ (الْبَيْعَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْغَرِيبِ؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ مَتَى تَرَكَ الْغَرِيبَ يَبِيعُ سِلْعَتَهُ اشْتَرَاهَا النَّاسُ بِرُخْصٍ وَوَسَّعَ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا تَوَلَّى الْحَاضِرُ بَيْعَهَا امْتَنَعَ مِنْهُ إلَّا بِسِعْرِ الْبَلَدِ فَيُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ. (وَبَطَلَ) بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْغَرِيبِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ (رَضَوْا) ؛ أَيْ: أَهْلُ الْبَلَدِ بِذَلِكَ (أَوْ لَا) ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ (فَإِنْ فُقِدَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ) بِأَنْ كَانَ الْقَادِمُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، أَوْ بَعَثَ بِهَا لِلْحَاضِرِ، أَوْ قَدِمَ الْغَرِيبُ لَا لِبَيْعِ السِّلْعَةِ، أَوْ لِبَيْعِهَا لَا بِسِعْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 الْوَقْتِ، أَوْ لِبَيْعِهَا بِهِ وَلَكِنْ لَا يَجْهَلُهُ، أَوْ جَهِلَهُ وَلَمْ يَقْصِدْهُ الْحَاضِرُ الْعَارِفُ، أَوْ قَصَدَهُ وَلَمْ يَكُنْ بِالنَّاسِ إلَيْهَا حَاجَةٌ؛ (صَحَّ) الْبَيْعُ؛ لِزَوَالِ الْمَنْعِ الَّذِي لِأَجْلِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لَهُ (كَشِرَاءِ حَاضِرٍ لِبَادٍ) ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِلَفْظِهِ وَلَا مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الشِّرَاءِ لَهُ تَوْسِعَةٌ عَلَى النَّاسِ وَلَا تَضْيِيقٌ. (وَكَتَعْلِيمِهِ) ؛ أَيْ: الْبَادِي (كَيْفَ يَبِيعُ بِلَا مُبَاشَرَةٍ) لِلْبَيْعِ لَهُ؛ فَيَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَجِبُ) عَلَى عَارِفٍ بِالسِّعْرِ (إخْبَارُ مُسْتَخْبِرٍ) جَاهِلٍ بِهِ (عَنْ سِعْرٍ جَهِلَهُ؛ لِوُجُوبِ نُصْحِ الْمُسْتَنْصِحِ) لِحَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . (وَمَنْ خَافَ ضَيْعَةَ مَالِهِ بِنَهْبٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ غَصْبٍ) وَنَحْوِهِ إنْ بَقِيَ بِيَدِهِ (وَلَا تَوَاطُؤُ) مَعَ الْمُشْتَرِي بِجَعْلِ الْبَيْعِ تَلْجِئَةً أَوْ أَمَانَةً (أَوْ) خَافَ (أَخْذَهُ) مِنْهُ (ظُلْمًا) فَبَاعَهُ؛ (صَحَّ بَيْعُهُ لَهُ) ؛ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ (وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِ مَالٍ، فَبَاعَ نَحْوَ دَارِهِ فِي ذَلِكَ؛ صَحَّ) الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ. (وَكُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ) ؛ وَيُسَمَّى بَيْعَ الْمُضْطَرِّينَ. قَالَ فِي " الْمُنْتَخَبِ " لِبَيْعِهِ بِدُونِ ثَمَنِهِ. (وَمَنْ) (اسْتَوْلَى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا حَقٍّ) ؛ كَغَصْبِهِ (أَوْ حَجْزِهِ) ؛ أَيْ: حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ إيَّاهُ، (أَوْ مَنَعَهُ) إلَى الْغَيْرِ حَقَّهُ (حَتَّى يَبِيعَهُ إيَّاهُ فَفَعَلَ) ؛ أَيْ: بَاعَهُ إيَّاهُ لِذَلِكَ؛ (لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ إلَيْهِ (إنْ ثَبَتَ) اسْتِيلَاؤُهُ عَلَيْهِ، أَوْ جَحَدَهُ أَوْ مَنْعِهِ إيَّاهُ وَنَحْوَهُ (بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِذَلِكَ، (فَمَنْ أَشْهَدَ) ؛ أَيْ: أَوْدَعَ شَهَادَةً مَعَ جَمَاعَةٍ خَوْفًا عَلَى ضَيَاعِ مَالِهِ فَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنِّي (أَبِيعُهُ) ؛ أَيْ: مِلْكِي لِزَيْدٍ مَثَلًا خَوْفًا وَتَقِيَّةً، (أَوْ) أَنِّي (أَتَبَرَّعُ بِهِ) لَهُ (خَوْفًا) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، (وَتَقِيَّةً) لِشَرِّهِ، ثُمَّ بَاعَهُ لَهُ، أَوْ تَبَرَّعَ لَهُ بِهِ، (عُمِلَ بِهِ) ؛ أَيْ: بِإِيدَاعِهِ الشَّهَادَةَ، لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى حِفْظِ مَالِهِ؛ إذْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ إنْ بَاعَهُ أَوْ تَبَرَّعَ خَوْفًا وَتَقِيَّةً بِلَا بَيِّنَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: اشْتَرِنِي مِنْ زَيْدٍ، فَإِنِّي عَبْدُهُ، فَفَعَلَ) ؛ أَيْ: اشْتَرَاهُ مِنْهُ (فَبَانَ) الْقَائِلُ (حُرًّا، فَإِنْ أَخَذَ) الْقَائِلُ (شَيْئًا) مِنْ الثَّمَنِ؛ (غَرِمَهُ) لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْغَصْبِ (وَإِلَّا) يَأْخُذْ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ؛ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) مِمَّا قَبَضَهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ (عَلَى الْأَصَحِّ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ سَوَاءٌ (حَضَرَ الْبَائِعُ أَوْ غَابَ) ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ دُونَ الضَّمَانِ؛ كَقَوْلِ إنْسَانٍ لِآخَرَ: (اشْتَرِ مِنْهُ عَبْدَهُ هَذَا) ، فَاشْتَرَاهُ وَظَهَرَ حُرًّا، فَإِنْ أَخَذَ الْقَائِلُ شَيْئًا رَدَّهُ، وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْهُ الْعُهْدَةُ. وَلَوْ غَابَ الْبَائِعُ (وَأُدِّبَ) مَنْ قَالَ اشْتَرِنِي مِنْ زَيْدٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ، أَوْ قَالَ: اشْتَرِ مِنْهُ عَبْدَهُ هَذَا (هُوَ وَبَائِعٌ) نَصًّا؛ لِتَغْرِيرِهِمَا الْمُشْتَرِيَ. (وَتُحَدُّ مُقِرَّةٌ) ؛ أَيْ: حُرَّةٌ قَالَتْ لِآخَرَ: اشْتَرِنِي مِنْ فُلَانٍ فَإِنِّي أَمَتُهُ، فَفَعَلَ وَ (وُطِئَتْ) ؛ لِزِنَاهَا مَعَ الْعِلْمِ، (وَلَا مَهْرَ) لَهَا نَصًّا؛ لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةً. (وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ) بِمُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا يَعْتَقِدُهَا أَمَتَهُ، فَوَطْؤُهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا (مُشْتَرٍ) مَنْ يُجْهَلُ الْحَالَ. (تَتِمَّةٌ) لَوْ أَقَرَّ شَخْصٌ لِآخَرَ أَنَّهُ عَبْدُهُ؛ فَرَهَنَهُ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ بَاعَهُ، فَلَا تَلْزَمُ الْعُهْدَةُ الْقَائِلَ، حَضَرَ الْبَائِعُ أَوْ غَابَ عَلَى الْمُخْتَارِ. [فَصْلٌ بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ نَسِيئَةً] " فَصْلٌ " (وَمَنْ بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ نَسِيئَةً) ؛ أَيْ: مُؤَجَّلًا (أَوْ) بِثَمَنٍ حَالٍّ (لَمْ يُقْبَضْ؛ حَرُمَ، وَبَطَلَ شِرَاؤُهُ) ؛ أَيْ: الْبَائِعِ (لَهُ) ؛ أَيْ: لِمَا بَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ (قَبْلَ تَغَيُّرِ صِفَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ، بِمَا يُنْقِصُهَا؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ؛ فَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَوَسُّلَ بِهِ إلَى الرِّبَا، (مِنْ مُشْتَرِيهِ) مِنْهُ - مُتَعَلِّقٌ بِحَرُمَ - وَلَوْ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ، (بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِ) النَّقْدِ (الْأَوَّلِ) الَّذِي بَاعَهُ بِهِ إنْ كَانَ (أَقَلَّ مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ الْأَوَّلِ، (وَلَوْ) كَانَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ ثَانِيًا (نَسِيئَةً) ؛ لِخَبَرِ أَحْمَدَ وَسَعِيدٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ الْعَالِيَةِ قَالَتْ: دَخَلْتُ أَنَا وَأُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: إنِّي بِعْتُ غُلَامًا مِنْ زَيْدٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ، ثُمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا، فَقَالَتْ لَهَا: بِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا شَرَيْتِ، أَبْلَغِي زَيْدًا أَنَّ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَطَلَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ. وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّبَا. (وَكَذَا الْعَقْدُ الْأَوَّلُ، حَيْثُ كَانَ وَسِيلَةً لِلثَّانِي) ؛ فَيَحْرُمُ، وَيَبْطُلُ لِلتَّوَسُّلِ بِهِ إلَى مُحَرَّمٍ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (هُوَ قَوْلُ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ، وَ) الْإِمَامِ (أَبِي حَنِيفَةَ، وَ) الْإِمَامِ (مَالِكٍ) . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا بَطَلَ الثَّانِي - وَهُوَ كَوْنُهُ ذَرِيعَةً لِلرِّبَا - مَوْجُودَةٌ إذَنْ فِي الْأَوَّلِ، (وَتُسَمَّى) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ) ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ (لِأَنَّ مُشْتَرِيَ السِّلْعَةِ إلَى أَجَلٍ يَأْخُذُ بَدَلَهَا عَيْنًا) ؛ أَيْ: نَقْدًا (حَاضِرًا) . قَالَ الشَّاعِرُ: أَنِدَّانِ أَمْ نَعْتَانِ أَمْ يَنْبَرِي لَنَا ... فَتًى مِثْلُ نَصْلِ السَّيْفِ مِيزَتْ مَضَارِبُهُ وَمَعْنَى نَعْتَانِ: نَشْتَرِي عِينَةً كَمَا وَصَفْنَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ» . (وَعَكْسُهَا) ؛ أَيْ: عَكْسُ مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ، بِأَنْ يَبِيعَ شَيْئًا بِنَقْدٍ حَاضِرٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ أَوْ وَكِيلِهِ بِنَقْدٍ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ مِنْ جِنْسِهِ غَيْرَ مَقْبُوضٍ، إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ بِنَحْوِ ثَمَنٍ أَوْ تَعَلُّمِ صَنْعَةٍ (مِثْلِهَا) فِي الْحُكْمِ نَقَلَهُ حَرْبٌ؛ لِأَنَّهُ يُتَّخَذُ وَسِيلَةً إلَى الرِّبَا (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهَا) ؛ أَيْ: السِّلْعَةِ (بِمَا يُنْقِصُهَا) ؛ كَهُزَالِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ؛ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِدُونِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَيَصِحُّ (أَوْ) تَغَيَّرَتْ صِفَةُ السِّلْعَةِ بِمَا (يَزِيدُهَا) - كَمَا فِي نُسْخَةٍ - كَالثَّمَنِ وَتَعَلُّمِ الصَّنْعَةِ؛ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (أَوْ اشْتَرَاهَا) بَائِعُهَا بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ (مِنْ غَيْرِ مُشْتَرِيهَا) ؛ كَمَا لَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 اشْتَرَاهَا مِنْ وَارِثِهِ، أَوْ مِمَّنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ جَازَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ (أَوْ) اشْتَرَاهَا (بِمِثْلِ الثَّمَنِ) الْأَوَّلِ (أَوْ بِنَقْدٍ آخَرَ) غَيْرِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ": فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ جَازَ. وَقَالَ " الْمُوَفَّقُ " وَالشَّارِحُ ": وَإِنْ بَاعَهَا بِنَقْدٍ وَاشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ آخَرَ فَقَالَ الْأَصْحَابُ: يَجُوزُ انْتَهَى. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِعِوَضٍ أَوْ بَاعَهَا بِعِوَضٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ؛ (صَحَّ) الشِّرَاءُ، وَلَمْ يَحْرُمْ؛ لِانْتِفَاءِ الرِّبَا الْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ بِهِ (وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ غُلَامُهُ) الَّذِي يَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ، فَيَعُمُّ التَّابِعَ وَالرَّقِيقَ (وَنَحْوُهُ) كَزَوْجَتِهِ وَمُكَاتَبِهِ؛ صَحَّ الشِّرَاءُ، قَالَ فِي " الْفَائِقِ " بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَاطَأَةِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْخَبِيرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشِّرَاءِ، (مَا لَمْ يَكُنْ) بَائِعُهَا اشْتَرَاهَا (حِيلَةً) عَلَى الرِّبَا؛ (فَلَا يَصِحُّ) كَالْعِينَةِ. (وَيَتَّجِهُ) وَلَا يَصِحُّ شِرَاؤُهَا لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرَ، وَلَا غَيْرِهِمْ بِقَصْدِ الْحِيلَةِ (حَتَّى) فِي صُورَةِ مَا (لَوْ اشْتَرَاهَا) بَائِعُهَا نَفْسُهُ (بِنَقْدٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ) النَّقْدِ (الْأَوَّلِ، أَوْ) اشْتَرَاهَا (بِأَكْثَرَ عَنْ نَقْصٍ أَوْ) عَنْ (زِيَادَةٍ بِفَاحِشٍ) ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْحِيلَةَ، (خِلَافًا لَهُمْ) ؛ أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " وَالْإِقْنَاعِ " (فِيهِمَا) ؛ أَيْ: فِي مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ وَعَكْسِهَا، (فِيمَا يُوهِمُ) مِنْ عِبَارَتَيْهِمَا، (وَصَوَّبَهُ) ؛ أَيْ: عَدَمَ صِحَّةِ الشِّرَاءِ (فِي الْإِنْصَافِ) تَبَعًا لِلِانْتِصَارِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا فِي وَجْهٍ، إلَّا إذَا كَانَ بِعِوَضٍ؛ فَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَا؛ أَيْ: الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِنَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ (لِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: شِرَاءَهَا مِنْ مُشْتَرِيهَا مَعَ بَقَائِهَا عَلَى حَالِهَا (ذَرِيعَةٌ إلَى رِبَا النَّسِيئَةِ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَكِنْ مَا قَالَاهُ أَصْوَبُ حَيْثُ لَا حِيلَةَ، بَلْ هُوَ الْمَذْهَبُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 (وَفِي " شَرْحِ الْمُقْنِعِ ": الذَّرَائِعُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الشَّرْعِ) ، بِدَلِيلِ مَنْعِ الْقَاتِلِ وَلَوْ خَطَأً مِنْ الْإِرْثِ. (وَإِنْ بَاعَ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا) ؛ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِثَمَنٍ (نَسِيئَةً، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ مُشْتَرِيهِ بِثَمَنِهِ) الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ (قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ جِنْسِهِ) ، أَيْ: جِنْسِ مَا كَانَ بَاعَهُ؛ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بُرًّا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ بِالدَّرَاهِمِ بُرًّا، (أَوْ) اشْتَرَى بِالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَبِيعِ (مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ) ؛ أَيْ: بِالْمَبِيعِ (نَسِيئَةً) ، بِأَنْ اشْتَرَى بِثَمَنِ الْمَكِيلِ مَكِيلًا، أَوْ بِثَمَنِ الْمَوْزُونِ مَوْزُونًا؛ (لَمْ يَصِحَّ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٍ (حَسْمًا لِمَادَّةِ رِبَا النَّسِيئَةِ) ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ الْأَوَّلُ حَيَوَانًا أَوْ ثِيَابًا. (وَإِلَّا) نُقِلَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ (كَانَ) ذَلِكَ (ذَرِيعَةً لِبَيْعِ نَحْوِ مَكِيلٍ بِمَكِيلٍ) أَوْ مَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ (نَسِيئَةً) ، وَهُوَ حَرَامٌ. (فَإِنْ اشْتَرَاهُ) أَيْ: الرِّبَا (بِثَمَنٍ آخَرَ، وَسَلَّمَهُ) ؛ أَيْ: الثَّمَنَ (لَهُ) ؛ أَيْ: لِلْبَائِعِ، (ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ وَفَاءً عَنْ ثَمَنِ) الرِّبَوِيِّ الْأَوَّلِ؛ جَازَ، أَوْ لَمْ يُسَلِّمْهُ الثَّمَنَ، بَلْ (اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ وَقَاصَّهُ؛ جَازَ) ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ ". وَمَعْنَى قَاصَّهُ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ مِثْلُ مَا لَهُ عَلَيْهِ؛ سَقَطَ عَنْهُ، وَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ لِرِضَاهُمَا وَلَا لِقَوْلِهِمَا، كَمَا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ. (وَكَذَا لَوْ احْتَاجَ) إنْسَانٌ (لِنَقْدٍ، فَاشْتَرَى مَا يُسَاوِي مِائَةً بِأَكْثَرَ) ؛ كَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مَثَلًا (لِيَتَوَسَّعَ بِثَمَنِهِ) ؛ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ، (وَهِيَ) ؛ أَيْ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى (مَسْأَلَةَ التَّوَرُّقِ) مِنْ الْوَرِقِ، وَهُوَ الْفِضَّةُ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ السِّلْعَةِ يَبِيعُ بِهَا. (وَيَتَّجِهُ وَعَكْسُهَا) ؛ أَيْ: عَكْسُ مَسْأَلَةِ التَّوَرُّقِ (مِثْلُهَا) فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ أَنْ يَحْتَاجَ لِنَقْدٍ، فَيَبِيعَ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِخَمْسِينَ بِاخْتِيَارِهِ لِيَتَوَسَّعَ بِهَا؛ فَيَجُوزَ ذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 (وَحَرُمَ قَلْبُ دَيْنٍ) مُؤَجَّلٍ عَلَى مُعْسِرٍ لِأَجَلٍ (آخَرَ اتِّفَاقًا) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَحْرُمُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ إنْظَارِ الْمُعْسِرِ حَتَّى يُقْلَبَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَمَتَى قَالَ رَبُّ الدَّيْنِ: إمَّا أَنْ تَقْلِبَ الدَّيْنَ، وَإِمَّا أَنْ تَقُومَ مَعِي إلَى عِنْدِ الْحَاكِمِ، وَخَافَ أَنْ يَحْبِسَهُ الْحَاكِمُ؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِ إعْسَارِهِ عِنْدَهُ، وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَقُلِبَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، كَانَتْ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ حَرَامًا غَيْرَ لَازِمَةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْغَرِيمَ مُكْرَهٌ عَلَيْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَنْ نَسَبَ جَوَازَ الْقَلْبِ عَلَى الْمُعْسِرِ بِحِيلَةٍ مِنْ الْحِيَلِ إلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ فَقَدْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ وَغَلِطَ، وَإِنَّمَا تَنَازُعُ النَّاسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مِثْلِ التَّوَرُّقِ وَالْعِينَةِ. [فَصْلٌ التَّسْعِيرُ عَلَى النَّاسِ] " فَصْلٌ " (يَحْرُمُ التَّسْعِيرُ) عَلَى النَّاسِ، بَلْ يَبِيعُونَ أَمْوَالَهُمْ عَلَى مَا يَخْتَارُونَ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ، إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: التَّسْعِيرُ (تَقْدِيرُ السُّلْطَانِ) أَوْ نَائِبِهِ (لِلنَّاسِ سِعْرًا، وَيُجْبِرُهُمْ عَلَى التَّبَايُعِ بِهِ) ؛ أَيْ: بِمَا قَدَّرَهُ، (وَيُكْرَهُ الشِّرَاءُ بِهِ) ؛ أَيْ: بِمَا قَدَّرَهُ، (وَإِنْ هَدَّدَ مَنْ خَالَفَهُ) ؛ أَيْ: التَّسْعِيرَ؛ (حَرُمَ) ؛ الْبَيْعُ (وَبَطَلَ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْوَعِيدَ إكْرَاهٌ. (وَحَرُمَ قَوْلُهُ لِبَائِعٍ) غَيْرِ مُحْتَكِرٍ: (بِعْ كَالنَّاسِ) ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لَهُ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ، (وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (إلْزَامَ السُّوقَةِ الْمُعَاوَضَةَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ) ، وَقَالَ: إنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَتِمُّ مَصْلَحَةُ النَّاسِ إلَّا بِهَا كَالْجِهَادِ. (وَيَتَّجِهُ وَهُوَ) إلْزَامٌ (حَسَنٌ فِيمَا) ؛ أَيْ: مَبِيعٍ (ثَمَنُهُ مَعْلُومٌ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَتَفَاوَتُ؛ كَمَوْزُونٍ) وَنَحْوِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 (وَحَرُمَ احْتِكَارُ قُوتِ آدَمِيٍّ فَقَطْ) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُحْتَكَرَ الطَّعَامُ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» . (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ الِاحْتِكَارُ فِي (نَحْوِ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ) كَالْأَقِطِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، كَمَا فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ وَلَفْظُهُ عَنْهُ: وَمَا يَأْكُلُهُ النَّاسُ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَاتُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ، لِحَدِيثِ: «مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَ (لَا) يَحْرُمُ احْتِكَارُ (أُدْمٍ) ؛ كَعَسَلٍ وَزَيْتٍ وَنَحْوِهِمَا (وَلَا عَلَفِ بَهَائِمَ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهَا، أَشْبَهَتْ الثِّيَابَ وَالْحَيَوَانَ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الِاحْتِكَارُ (شِرَاؤُهُ) ؛ أَيْ: الْقُوتِ (لِتِجَارَةٍ لِيَحْبِسَهُ) طَلَبًا (لِلْغَلَاءِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ) ، وَهُوَ بِالْحَرَمَيْنِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا. (وَيَصِحُّ الشِّرَاءُ) مِنْ الْمُحْتَكِرِ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الِاحْتِكَارُ، وَلَا تُكْرَهُ التِّجَارَةُ فِي الطَّعَامِ إذَا لَمْ يُرِدْ الِاحْتِكَارَ. (وَمَنْ حَبَسَ مَا اسْتَغَلَّهُ مِنْ مِلْكِهِ وَنَحْوِهِ) ، كَمَا لَوْ اسْتَغَلَّهُ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ اكْتَسَبَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ زَمَنَ الرُّخْصِ، وَلَمْ يَضِقْ عَلَى النَّاسِ؛ (فَلَيْسَ بِمُحْتَكِرٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ كَمِصْرِ وَبَغْدَادَ) وَنَحْوِهَا. قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " بَعْدَ حِكَايَتِهِ ذَلِكَ قُلْتُ: إنْ أَرَادَ بِفِعْلِ ذَلِكَ وَتَأْخِيرِهِ مُجَرَّدَ الْكَسْبِ فَقَطْ كُرِهَ، وَإِنْ أَرَادَهُ لِلتَّكَسُّبِ وَنَفْعِ النَّاسِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ لَهُ الشِّرَاءَ مِنْ الْبَلَدِ الْكَبِيرِ وَحَبْسَهُ حَتَّى يَغْلُوَ (مَا لَمْ يَضِقْ) عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ؛ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْتَكِرٍ، لَكِنَّ تَرْكَ ادِّخَارِهِ لِذَلِكَ أَوْلَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكُرِهَ لِغَيْرِ مُحْتَكِرٍ تِجَارَةٌ فِي قُوتِ) آدَمِيٍّ، (إنْ تَرَبَّصَ بِهِ السِّعْرَ) ، وَ (لَا) يُكْرَهُ لَهُ التِّجَارَةُ بِالْقُوتِ إذَا كَانَ (جَالِبًا) مِنْ خَارِجٍ لِيَبِيعَهُ (بِسِعْرِ يَوْمِهِ) لِمَا فِي فِعْلِ ذَلِكَ مِنْ التَّوْسِعَةِ عَلَى النَّاسِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ. (وَيُجْبَرُ مُحْتَكِرٌ عَلَى بَيْعِ) مَا احْتَكَرَهُ؛ (كَمَا فِي مَبِيعِ النَّاسِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ، (فَإِنْ أَبَى) أَنْ يَبِيعَ مَا احْتَكَرَهُ مِنْ الطَّعَامِ، (وَخِيفَ التَّلَفُ) لِحَبْسِهِ عَنْ النَّاسِ، (فَرَّقَهُ السُّلْطَانُ) عَلَى الْمُحْتَاجِينَ إلَيْهِ، (وَيَرُدُّونَ بَدَلَهُ) عِنْدَ زَوَالِ الْحَاجَةِ؛ (وَكَذَا سِلَاحٌ لِحَاجَةٍ) ؛ أَيْ: اُحْتِيجَ إلَيْهِ، فَيُفَرِّقُهُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ، وَيَرُدُّونَهُ أَوْ بَدَلَهُ عِنْدَ زَوَالِ الْحَاجَةِ. (وَيَتَّجِهُ: لَكِنْ يُرَدُّ) السِّلَاحُ (بِعَيْنِهِ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا) بِأَنْ تَلِفَ (فَ) يَرُدُّ آخِذُهُ (قِيمَتَهُ) ؛ لِتَعَذُّرِ رَدِّ عَيْنِهِ، (وَلَا أُجْرَةَ لِاسْتِعْمَالِهِ) ، أَشْبَهَ السِّلَاحَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ. (وَيُحْتَمَلُ) وُجُوبُ رَدِّهِ بِعَيْنِهِ (مَا لَمْ يُفَرِّقْهُ) ؛ أَيْ: يُفَرِّقُهُ السُّلْطَانُ (تَفْرِيقَ تَمْلِيكٍ) ، فَإِنْ فَرَّقَهُ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ تَفْرِيقَ تَمْلِيكٍ؛ (فَ) تُرَدُّ (قِيمَتُهُ) يَوْمَ أَخْذِهِ (لَا غَيْرَ) ؛ أَيْ: دُونَ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ فِيهَا شُبْهَةً، وَقَوِيَتْ بِتَمَلُّكِهَا لَهُمْ صُورَةً، مَعَ أَنَّ السُّلْطَانَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَمْلِيكُ سِلَاحٍ مُرْصَدٍ لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَاغَ لَهُ اسْتِرْدَادُ قِيمَةِ مَا دَفَعَهُ لَهُمْ، يَشْتَرِي بِهِ سِلَاحًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 مَكَانَهُ يَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ، لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَلِفَ بَعْضُهَا وَنَقَصَتْ قِيمَةُ بَاقِيهَا، فَالْمَصْلَحَةُ رَدُّ الْقِيمَةِ وَالِاتِّجَاهُ مُتَّجِهٌ، وَالِاحْتِمَالُ غَرِيبٌ. (وَلَا يُكْرَهُ) لِأَحَدٍ (ادِّخَارُ قُوتِ أَهْلِهِ وَدَوَابِّهِ وَلَوْ سِنِينَ) ، وَنَصُّهُ سَنَةً وَسَنَتَيْنِ، وَلَا يَنْوِي التِّجَارَةَ، وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ادَّخَرَ قُوتَ أَهْلِهِ سَنَةً» . (وَلَيْسَ لِمُضْطَرٍّ سَنَةَ مَجَاعَةٍ بَذْلُ قُوتِهِ) وَقُوتِ عِيَالِهٍ (لِمُضْطَرِّينَ) ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْهُ لِذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَهْلِكَ، (وَيَأْتِيَ آخِرَ الْأَطْعِمَةِ) مُسْتَوْفًى. (وَمَنْ ضَمِنَ مَكَانًا مُبَاحًا لِيَبِيعَ) فِيهِ وَحْدَهُ، (وَيَشْتَرِي فِيهِ وَحْدَهُ؛ كُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ بِلَا حَاجَةٍ) ؛ لِبَيْعِهِ بِفَرْقِ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَشِرَائِهِ بِدُونِهِ؛ (كَمَا يُكْرَهُ) الشِّرَاءُ بِلَا حَاجَةٍ (مِنْ مُضْطَرٍّ وَمُحْتَاجٍ لِنَقْدٍ) ، لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ، (وَ) كَمَا يُكْرَهُ الشِّرَاءُ مِنْ (جَالِسٍ عَلَى طَرِيقٍ؛ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الَّذِي ضَمِنَ مَكَانًا لِيَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِيهِ وَحْدَهُ (أَخْذُ زِيَادَةٍ) عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ مُثَمَّنٍ (بِلَا حَقٍّ) ، (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ: تَحْرِيمُ أَخْذِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ (إنْ لَزِمَتْ) بِإِلْزَامِ السُّلْطَانِ (الْمُعَاوَضَةُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ) ، وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ زِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» . وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ مِنْ مَكَانٍ أُلْزِمَ النَّاسُ بِهِمَا) ؛ أَيْ: بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (فِيهِ) ؛ أَيْ: فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، لَا الشِّرَاءِ مِمَّنْ الْتَزَمَ بِالْبَيْعِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى ذَلِكَ. [بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ] ِ أَيْ: مَا يَشْتَرِطُهُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِيهِ (وَ) فِي (شَبَهِهِ) ؛ كَنِكَاحٍ وَشَرِكَةٍ وَإِجَارَةٍ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا (إلْزَامُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْآخَرَ بِسَبَبِ الْعَقْدِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِلْزَامُ (مَا) ؛ أَيْ: شَيْءٌ (لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُلْزِمِ (فِيهِ مَنْفَعَةٌ) ؛ أَيْ: غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ، (وَتُعْتَبَرُ هُنَا) ؛ أَيْ: فِي الْبَيْعِ (مُقَارَنَةُ شَرْطِ الْعَقْدِ) ؛ أَيْ: بِأَنْ يَقَعَ الشَّرْطُ فِي صُلْبِهِ. (وَفِي " الْفُرُوعِ ": وَيُتَوَجَّهُ كَنِكَاحٍ) فَيَكْفِي اتِّفَاقُهُمَا عَلَيْهِ قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُ الِاتِّفَاقِ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، لَا سِيَّمَا إنْ عَلِمَا أَنَّهُمَا لَا يَرْضَيَانِ بِالْعَقْدِ إلَّا بِالشَّرْطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَعَقْدٍ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ) ؛ أَيْ: خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ؛ فَيَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ فِيهِمَا؛ كَمَا يَصِحُّ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ زَمَنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ حَالِ الْعَقْدِ وَيَأْتِي. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 (وَصَحِيحُهُ) أَيْ: الشَّرْطُ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ (أَنْوَاعٍ) . أَحَدُهَا (مَا يَقْتَضِيهِ بَيْعٌ) ؛ أَيْ: بِطَلَبِهِ الْبَيْعَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ (كَ) شَرْطِ (تَقَابُضٍ، وَحُلُولِ ثَمَنٍ، وَتَصَرُّفِ كُلٍّ) مِنْ مُتَبَايِعَيْنِ (فِيمَا يَصِيرُ إلَيْهِ) مِنْ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ (وَ) اشْتِرَاطِ (رَدِّهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (بِعَيْبٍ قَدِيمٍ) يَجِدُهُ بِهِ (وَلَا أَثَرَ لِهَذِهِ الشُّرُوطِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِيهِ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلِأَنَّهُ بَيَانٌ وَتَأْكِيدٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ. النَّوْعُ (الثَّانِي) : مَا كَانَ (مِنْ مَصْلَحَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرَطِ لَهُ (كَتَأْجِيلِ) كُلِّ (ثَمَنٍ أَوْ بَعْضِهِ) إلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ نَقْدِ الثَّمَنِ مَعَ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْبَلَدِ وَبُعْدِهِ، (أَوْ) اشْتِرَاطِ (رَهْنٍ وَلَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (الْمَبِيعَ) ؛ فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُ رَهْنِهِ عَلَى ثَمَنِهِ، (أَوْ) اشْتِرَاطِ (ضَمِينٍ بِهِ) ؛ أَيْ: الثَّمَنِ (مُعَيَّنَيْنِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنَ وَالضَّمِينَ، وَكَذَا شَرْطُ كَفِيلٍ بِبَدَنِ مُشْتَرٍ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ طَلَبُ رَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ مِنْ مُشْتَرٍ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِلْمُشْتَرِي بِمَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ. (أَوْ) يَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي (صِفَةً فِي مَبِيعٍ، كَ) كَوْنِ (الْعَبْدِ) الْمَبِيعِ (كَاتِبًا أَوْ فَحْلًا) كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطُ أَوْ فَحْلًا كَمَا فِي " الْإِقْنَاعِ " لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ؛ إذْ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَبَانَ خَصِيًّا؛ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ (أَوْ خَصِيًّا أَوْ صَانِعًا) ؛ أَيْ: خَيَّاطًا وَنَحْوَهُ (أَوْ مُسْلِمًا وَ) كَوْنِ (الْأَمَةِ بِكْرًا أَوْ تَحِيضُ، وَ) كَوْنِ (الدَّابَّةِ هملاجة) بِكَسْرِ الْهَاءِ؛ أَيْ: تَمْشِي الْهَمْلَجَةَ، وَهِيَ مِشْيَةٌ سَهْلَةٌ فِي سُرْعَةٍ، (أَوْ) كَوْنِ الدَّابَّةِ (لَبُونًا أَيْ: كَثِيرَةُ لَبَنٍ أَوْ) كَوْنِهَا (حَامِلًا وَ) كَوْنِ (الْفَهْدِ أَوْ الْبَازِي صَيُودًا) ؛ أَيْ: مُعَلَّمَ الصَّيْدِ، (وَ) كَوْنِ (الْأَرْضِ) الْمَبِيعَةِ خَرَاجُهَا كَذَا فِي كُلِّ سَنَةٍ، (وَ) كَوْنِ (الطَّائِرِ) الْمَبِيعِ (مَصُوتًا، أَوْ يَبِيضُ، أَوْ يَجِيءُ مِنْ مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ يَصِيحُ عِنْدَ صَبَاحٍ أَوْ مَسَاءٍ، فَهَذِهِ شُرُوطٌ لَازِمَةٌ) ؛ لِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِهَا قَصْدًا صَحِيحًا، وَتَخْتَلِفُ الرَّغَبَاتُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ، فَلَوْلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 صِحَّةُ اشْتِرَاطِهَا وَلُزُومِهَا لَفَاتَتْ الْحِكْمَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا شُرِعَ الْبَيْعُ. (فَإِنْ وُجِدَتْ) هَذِهِ الشُّرُوطُ؛ أَيْ: حَصَلَ لِمُشْتَرِطٍ شَرْطُهُ؛ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَلَا فَسْخَ لَهُ (وَإِلَّا) يُوجَدْ الشَّرْطُ (ثَبَتَ) لَهُ (الْفَسْخُ) ؛ لِفَقْدِ الشَّرْطِ، وَلِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . (أَوْ أَرْشُ فَقْدِ الصِّفَةِ) الْمَشْرُوطَةِ، إنْ لَمْ يُفْسَخْ؛ كَأَرْشِ عَيْبٍ ظَهَرَ عَلَيْهِ (وَإِنْ تَعَذَّرَ لَا) لِنَحْوِ تَلَفِ مَبِيعٍ (تَعَيَّنَ أَرْشُ) فَقْدِ الصِّفَةِ؛ كَمَعِيبٍ تَعَذَّرَ رَدُّهُ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) ؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ (فِي الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ) ، بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا شَرَطْتُ كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ يَجْرِ شَرْطٌ؛ (فَقَوْلُ مُنْكِرِهِ) ؛ أَيْ: الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. (وَ) اخْتَلَفَا (فِي بَكَارَةِ) أَمَةٍ مَبِيعَةٍ وَعَدَمِهَا، (وَلَوْ) كَانَ اخْتِلَافُهُمَا (بَعْدَ وَطْءِ) الْمُشْتَرِي؛ (فَقَوْلُ مُشْتَرٍ) بِيَمِينِهِ، وَحَذْفُ كَلِمَةِ لَوْ أَظْهَرُ فِيمَا يَظْهَرُ. (وَ) إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْبَكَارَةِ وَعَدَمِهَا (قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: الْوَطْءِ (تُرَى لِلنِّسَاءِ) ، فَمَا شَهِدَ بِهِ النِّسَاءُ قُبِلَ، (وَيَكْفِي) فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ (ثِقَةٍ) ؛ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ تَحْتَ الثِّيَابِ. (وَإِنْ شَرَطَ) الْمُشْتَرِي (أَنْ الطَّائِرَ يُوقِظُهُ لِلصَّلَاةِ، أَوْ) أَنَّهُ (يَصِيحُ عِنْدَ دُخُولِهَا) ؛ أَيْ: أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِهِ. (أَوْ) شَرَطَ أَنْ الدَّابَّةَ تَحْلُبُ كُلَّ يَوْمٍ (كَذَا) ؛ أَيْ: قَدْرًا مُعَيَّنًا، (أَوْ) شَرَطَ (الْكَبْشَ مُنَاطِحًا، أَوْ الدِّيكَ مُنَاقِرًا، أَوْ الْأَمَةَ مُغَنِّيَةً أَوْ) زَانِيَةً، أَوْ مُسَاحَقَةٍ، أَوْ (لَا تَحْمِلُ؛ لَمْ يَصِحَّ) الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ إمَّا لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ، أَوْ مُحَرَّمٌ، وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ شَرْعًا. (وَيَتَّجِهُ: وَلِمَنْ فَاتَهُ غَرَضُهُ الْمُبَاحُ الْفَسْخُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ مَا اشْتَرَطَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ أَخْبَرَ بَائِعٌ) مُشْتَرِيًا (بِصِفَةٍ) فِي مَبِيعٍ يُرْغَبُ فِيهِ لَهَا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 (فَصَدَّقَهُ مُشْتَرٍ بِلَا شَرْطٍ) ، فَبَانَ فَقْدُهَا؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَقْصِيرٌ بِعَدَمِ الشَّرْطِ. (أَوْ شَرَطَ صِفَةً أَوْلَى؛ كَ) مَا لَوْ شَرَطَ (الْأَمَةَ ثَيِّبًا) ، فَبَانَتْ أَعْلَى؛ فَلَا خِيَارَ. وَلَعَلَّ هَذَا حَيْثُ لَا غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي اشْتِرَاطِهِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ؛ كَالشَّيْخِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفُضَّ الْبَكَارَةَ، فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ غَرَضًا صَحِيحًا مُوَافِقًا لِقَصْدِهِ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُنَجَّى وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَغَيْرِهِ. (أَوْ) شَرَطَهَا (كَافِرَةً، أَوْ هُمَا) ؛ أَيْ: ثَيِّبًا كَافِرَةً (أَوْ) شَرَطَهَا (سَبْطَةَ) الشَّعْرِ، (أَوْ حَامِلًا، أَوْ لَا تَحِيضُ، فَبَانَتْ أَعْلَى) ، بِأَنْ وَجَدَ الْقَادِرُ عَلَى الْوَطْءِ الْمَشْرُوطَةَ ثَيِّبًا بِكْرًا، أَوْ الْمَشْرُوطَةَ كَافِرَةً مُسْلِمَةً، أَوْ الْمَشْرُوطَةَ سَبْطَةً (جَعْدَةً، أَوْ) الْمَشْرُوطَةَ حَامِلًا (حَائِلًا، أَوْ تَحِيضُ؛ فَلَا خِيَارَ) لِمُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، وَكَذَا لَوْ شَرَطَهَا لَا تَحِيضُ فَبَانَتْ تَحِيضُ، أَوْ حَمْقَاءَ فَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، أَوْ شَرَطَ الْعَبْدَ كَافِرًا فَبَانَ مُسْلِمًا. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) ؛ أَيْ: لَا خِيَارَ لِمُشْتَرٍ أَمَةً (شَرَطَهَا يَهُودِيَّةً فَبَانَتْ نَصْرَانِيَّةً) ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ، وَأَرَقُّ طَبْعًا، وَأَكْثَرُ نَفْعًا. (لَا عَكْسُهُ) ، بِأَنْ شَرَطَهَا نَصْرَانِيَّةً فَبَانَتْ يَهُودِيَّةً؛ فَلَهُ الْخِيَارُ؛ (لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ سَبْتٍ) عَلَيْهَا بِاعْتِقَادِهَا، فَلَا يَتَمَكَّنُ السَّيِّدُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا خِيَارَ بِحَمْلِ بَهِيمَةٍ) مَبِيعَةٍ (شُرِطَتْ) ؛ أَيْ: شَرَطَ مُشْتَرِيهَا عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 الْبَائِعِ كَوْنَهَا (حَائِلًا) ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي الْبَهَائِمِ زِيَادَةُ تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، بِخِلَافِهِ فِي الْآدَمِيَّاتِ. (قَالَ بَعْضُهُمْ) : مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ " وَالْحَاوِي " وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " فِي الصَّدَاقِ (إنْ لَمْ يَضُرَّ) الْحَمْلُ (بِاللَّحْمِ) ؛ أَيْ: لَحْمِ الْبَهِيمَةِ الْمَبِيعَةِ؛ فَإِنْ ضَرَّ فَلَهُ الْخِيَارُ. (الثَّالِثُ شَرَطَ بَائِعٌ) عَلَى مُشْتَرٍ (نَفْعًا غَيْرَ وَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ) ؛ كَمُبَاشَرَةٍ دُونَ فَرْجٍ وَقُبْلَةٍ، فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمِلْكِ عَيْنٍ، أَوْ عَقْدِ نِكَاحٍ. (مَعْلُومًا) ؛ أَيْ: النَّفْعَ (فِي مَبِيعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِنَفْعًا؛ (كَ) اشْتِرَاطِ (سُكْنَى الدَّارِ) الْمَبِيعَةِ (شَهْرًا) مَثَلًا، (وَحِمْلَانِ الْبَعِيرِ) الْمَبِيعَ وَنَحْوَهُ (لِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، وَ) كَاشْتِرَاطِ (خِدْمَةِ الْقِنِّ) الْمَبِيعِ (مُدَّةً مَعْلُومَةً) ؛ فَيَصِحُّ نَصًّا؛ لِحَدِيثِ «جَابِرٍ أَنَّهُ بَاعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَلًا، وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَفِي لَفْظٍ قَالَ: فَبِعْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَنَفَقَةُ الْمَبِيعِ الْمُسْتَثْنَى نَفْعُهُ مُدَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ، الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي كَالْعَيْنِ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا لَا كَالْمُؤَجَّرَةِ وَالْمُعَارَةِ. (وَلِبَائِعٍ إجَارَةُ) مَا اسْتَثْنَى، (وَ) لَهُ (إعَارَةُ مَا اسْتَثْنَى) مِنْ النَّفْعِ لِمِثْلِهِ أَوْ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ؛ كَالْمُسْتَأْجِرِ (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْبَائِعِ (عَلَى مُشْتَرٍ إنْ تَعَذَّرَ انْتِفَاعُهُ) ؛ أَيْ: الْبَائِعِ بِالنَّفْعِ الْمُسْتَثْنَى (بِسَبَبِهِ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي، بِأَنْ أَتْلَفَ الْعَيْنَ الْمُسْتَثْنَى نَفْعُهَا، أَوْ أَعْطَاهَا لِمَنْ أَتْلَفَهَا، أَوْ تَلِفَتْ (وَلَوْ بِتَفْرِيطِهِ، أُجْرَةُ مِثْلِهِ) ؛ أَيْ: النَّفْعِ الْمُسْتَثْنَى نَصًّا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ مُشْتَرٍ، بِأَنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَلَا تَفْرِيطِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا نَصًّا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَمْلِكْهَا مِنْ جِهَتِهِ؛ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ نَخْلَةٌ يَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ ثَمَرَتَهَا. (وَلَوْ بِيعَ) ؛ أَيْ: بَاعَ الْمُشْتَرِي مَا اسْتَثْنَى نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً؛ صَحَّ الْبَيْعُ، وَكَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مُسْتَثْنَى النَّفْعِ؛ كَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 (فَالِانْتِفَاعُ) أَيْ: انْتِفَاعُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِمَا اسْتَثْنَاهُ (بِحَالِهِ) لَمْ يَتَغَيَّرْ بِبَيْعِ الْمَبِيعِ ثَانِيًا (وَلِمُشْتَرٍ) ثَانٍ (لَمْ يَعْلَمْ) بِالْحَالِ (الْخِيَارَ) ؛ كَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً، أَوْ دَارًا مُؤَجَّرَةً غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ (وَلَوْ أَرَادَ مُشْتَرٍ إعْطَاءَ بَائِعٍ عِوَضًا عَنْ نَفْعِ مَا اسْتَثْنَى؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ) ، وَلَهُ اسْتِيفَاءُ النَّفْعِ مِنْ عَيْنِ الْمَبِيعِ نَصًّا؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ؛ كَالْمُؤَجَّرَةِ، وَكَذَا لَوْ طَلَبَ بَائِعٌ الْعِوَضَ، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ. (وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَشَرْطِ بَائِعٍ نَفْعًا مَعْلُومًا فِي مَبِيعٍ (شَرَطَ مُشْتَرٍ نَفْعَ بَائِعٍ) نَفْسِهِ (فِي مَبِيعٍ؛ كَ) شَرْطِ (حَمْلِ حَطَبٍ) مَبِيعٍ؛ (أَوْ تَكْسِيرِهِ، وَ) كَشَرْطِهِ (خِيَاطَةَ ثَوْبٍ) مَبِيعٍ، (أَوْ تَفْصِيلَهُ، أَوْ) شَرْطِ (جَزِّ رَطْبَةٍ) مَبِيعَةٍ. قَالَ فِي " الْمُطْلِعِ ": الرَّطْبَةُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ - نَبْتٌ مَعْرُوفٌ، يُقِيمُ فِي الْأَرْضِ سِنِينَ، كُلَّمَا جُزَّ نَبَتَ، وَهُوَ الْقَضْبُ أَيْضًا، وَهِيَ الْفِصْفِصَةُ - بِفَائَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ، وَصَادَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ - وَتُسَمَّى فِي الشَّامِ فِي زَمَنِنَا الْفِصَّةَ. (أَوْ) شَرْطِ (حَصَادِ زَرْعٍ) ، أَوْ جُذَاذِ ثَمَرَةٍ، أَوْ ضَرْبِ حَدِيدٍ سَيْفًا أَوْ سِكِّينًا، (بِشَرْطِ عِلْمِهِ) ؛ أَيْ: النَّفْعِ الْمَشْرُوطِ، بِأَنْ يُعْلَمَ مَثَلًا الْمَحَلُّ الْمَشْرُوطُ حَمْلُ الْحَطَبِ إلَيْهِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ اشْتَرَى مِنْ نَبَطِيٍّ جُرْذَةَ حَطَبٍ، وَشَارَطَهُ عَلَى حَمْلِهَا. وَلِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ الْحَطَبَ، وَأَجَّرَهُ نَفْسَهُ لِحَمْلِهِ، أَوْ بَاعَهُ الثَّوْبَ، وَأَجَّرَهُ نَفْسَهُ لِخِيَاطَتِهِ، وَكُلٌّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالْإِجَارَةِ يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ؛ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ كَالْعَيْنَيْنِ وَمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِفُ مِنْ «نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ؛ لَمْ يَصِحَّ. قَالَ أَحْمَدُ إنَّمَا النَّهْيُ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَهَذَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ الشَّرْطِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ النَّفْعُ، بِأَنْ شَرَطَ حَمْلَ الْحَطَبِ عَلَى بَائِعِهِ إلَى مَنْزِلِهِ، وَهُوَ لَا يُعْلَمُ؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً؛ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ بَائِعٌ نَفْعَ غَيْرِ مَبِيعٍ، أَوْ مُشْتَرٍ نَفْعَ بَائِعٍ فِي غَيْرِ مَبِيعٍ وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ. (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْبَائِعُ الْمَشْرُوطُ نَفْعُهُ فِي الْمَبِيعِ (كَأَجِيرٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 فَإِنْ مَاتَ بَائِعٌ) قَبْلَ حَمْلِ الْحَطَبِ أَوْ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَنَحْوٍ مِمَّا شُرِطَ عَلَيْهِ، (أَوْ تَلِفَ مَبِيعٌ) قَبْلَ عَمَلِ بَائِعٍ فِيهِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ، (أَوْ اُسْتُحِقَّ نَفْعُ بَائِعٍ) ، بِأَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ إجَارَةً خَاصَّةً؛ (فَلِمُشْتَرٍ عِوَضُ ذَلِكَ) النَّفْعِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ فِي الْمَبِيعِ؛ لِفَوَاتِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ بِذَلِكَ، فَانْفَسَخَتْ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا خَاصًّا فَمَاتَ. وَإِنْ مَرِضَ بَائِعٌ وَنَحْوُهُ؛ أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ، وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ، كَالْإِجَارَةِ وَإِنْ أَرَادَ بَائِعٌ دَفْعَ عِوَضِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ، وَأَبَى مُشْتَرٍ، أَوْ أَرَادَ مُشْتَرٍ أَخْذَهُ بِلَا رِضَا بَائِعٍ؛ لَمْ يُجْبَرْ مُمْتَنِعٌ. (وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَخَذَهُ) ؛ أَيْ: الْعِوَضِ، وَلَوْ (بِلَا عُذْرٍ؛ جَازَ) ؛ لِجَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا مَعَ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، فَكَذَا مَعَهُ، وَكَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ وَالْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا. (وَإِنْ تَعَذَّرَ نَفْعُ بَائِعٍ بِنَحْوِ مَرَضٍ؛ أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ، وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى الْبَائِعِ كَالْإِجَارَةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيُبْطِلُهُ) ؛ أَيْ: الْبَيْعَ (جَمْعٌ بَيْنَ شَرْطَيْنِ وَلَوْ صَحِيحَيْنِ) مُنْفَرِدَيْنِ؛ كَحَمْلِ الْحَطَبِ وَتَكْسِيرِهِ، أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَتَفْصِيلِهِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (مَا لَمْ يَكُونَا) ؛ أَيْ: الشَّرْطَانِ (مِنْ مُقْتَضَاهُ) ؛ أَيْ: الْبَيْعِ، كَاشْتِرَاطِهِ حُلُولَ الثَّمَنِ، وَتَصَرُّفَ كُلٍّ فِيمَا يَصِيرُ إلَيْهِ. (أَوْ) يَكُونَا مِنْ (مَصْلَحَتِهِ) ؛ كَاشْتِرَاطِ رَهْنٍ وَضَمِينٍ مُعَيَّنَيْنِ بِالثَّمَنِ؛ فَيَصِحُّ. (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ فَسْخٍ) ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ بِأَمْرٍ يَحْدُثُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، أَشْبَهَ شَرْطَ الْخِيَارِ. (غَيْرَ خُلْعٍ) ، فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، إلْحَاقًا لَهُ بِعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِاشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فِيهِ، (بِشَرْطٍ) مُتَعَلِّقٍ بِتَعْلِيقِهِ؛ (كَ) قَوْلِهِ: (بِعْتُكَ) كَذَا بِكَذَا، (عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إلَى كَذَا) ؛ أَيْ: وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، (أَوْ) بِعْتُكَ (عَلَى أَنْ تَرْهَنَهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعَ (بِثَمَنِهِ، وَإِلَّا) تَفْعَلْ ذَلِكَ (فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا) ؛ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْقَبُولِ، (وَيَنْفَسِخُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ) ؛ أَيْ: بِنَقْدِهِ الثَّمَنَ إلَى الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ بِرَهْنِهِ الْمَبِيعَ بِثَمَنِهِ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهِ. وَمِثْلُهُ لَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ، وَأَقْبَضَهُ لَهُ، وَشَرَطَ إنْ رَدَّ بَائِعٌ إلَى وَقْتِ كَذَا فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَكُنْ حِيلَةً لِيَرْبَحَ فِي قَرْضٍ. وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثٍ، (وَإِلَّا فَلِيَ الْفَسْخُ؛ فَلَهُ الْفَسْخُ) إنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ عَلَى أَنْ تُسَلِّمَنِي الْمَبِيعَ إلَى ثَلَاثٍ، وَإِلَّا فَلِيَ الْفَسْخُ؛ صَحَّ، وَلَهُ شَرْطُهُ. لَكِنْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا بِقَوْلِهِ: فَسَخْتُ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا. (وَ) قَالَ: (بِعْتُكَ عَلَى أَنْ أَسْتَأْمِرَ فُلَانًا، وَحَدَّدَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: اسْتِئْمَارَهُ (بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ) كَأُسْبُوعٍ مَثَلًا؛ (صَحَّ) الْبَيْعُ، (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْبَائِعِ (الْفَسْخُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْمِرَ) فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ. [فَصْلٌ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ] (فَصْلٌ: وَفَاسِدُهُ) ؛ أَيْ: الشَّرْطُ الْفَاسِدُ، ثَلَاثَةُ (أَنْوَاعٍ) أَحَدُهَا (مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ) مِنْ أَصْلِهِ (كَشَرْطِ بَيْعٍ آخَرَ) ؛ كَبِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذِهِ الْفَرَسَ، (أَوْ) شَرْطِ (سَلَفٍ) ؛ كَبِعْتُك عَبْدِي عَلَى أَنْ تُسَلِّفَنِي كَذَا فِي كَذَا، (أَوْ) شَرْطِ (قَرْضٍ) ؛ كَعَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا، (أَوْ) شَرْطِ (إجَارَةٍ) ؛ كَعَلَى أَنْ تُؤَجِّرَنِي دَارَكَ بِكَذَا، (أَوْ) شَرْطِ (شَرِكَةٍ) ؛ كَعَلَى أَنْ تُشَارِكَنِي فِي كَذَا، (أَوْ) شَرْطِ (صَرْفِ الثَّمَنِ) ؛ كَبِعْتُكَ الْأَمَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ تَصْرِفَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، (أَوْ) شَرْطِ صَرْفِ (غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: الثَّمَنِ؛ كَبِعْتُك الثَّوْبَ عَلَى أَنْ تَصْرِفَ لِي هَذِهِ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» (وَهُوَ) ؛ أَيْ: هَذَا النَّوْعُ (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ) ، قَالَ أَحْمَدُ: وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ رِبًا وَلَا شَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ؛ فَلَمْ يَصِحَّ؛ كَنِكَاحِ الشِّغَارِ. (وَمِثْلُهُ) فِي الْبُطْلَانِ (بِعْتُكَ كَذَا بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تَرْهَنَ كَذَا) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 دَارَكَ مَثَلًا (بِهَا وَبِالْمِائَةِ الَّتِي عَلَيْك) ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ، (أَوْ) يَقُولُ: (بِعْتُكَ) ثَوْبِي (بِكَذَا) كَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا (عَلَى أَنْ آخُذَ مِنْكَ الدِّينَارَ بِكَذَا) دِرْهَمٍ كَخَمْسَةٍ مَثَلًا. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) يَقُولُ بِعْتُكَ دَارِيَ (بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ) مَثَلًا، بِحَيْثُ إنَّهُ (يَعْدِلُ كُلُّ دِينَارٍ) مِنْهَا (عَشَرَةَ دَرَاهِمَ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ) : بِعْتُكَ دَارِيَ بِكَذَا (عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتك، أَوْ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَكَ بِنْتِي، وَكَذَا عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَى عَبْدِي، أَوْ) عَلَى (دَابَّتِي، أَوْ) عَلَى (حِصَّتِي) مِنْ ذَلِكَ قَرْضًا أَوْ مَجَّانًا قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " عَنْ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إلَى آخِرِهِ: هُوَ مَقِيسٌ عَلَى كَلَامِ أَحْمَدَ، وَلَيْسَ مَقُولَهُ. النَّوْعُ (الثَّانِي) مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ شَرْطٌ (فَاسِدٌ) فِي نَفْسِهِ (غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْبَيْعِ، كَشَرْطٍ) فِي الْعَقْدِ (يُنَافِي مُقْتَضَاهُ) ؛ أَيْ: الْبَيْعِ؛ (كَ) اشْتِرَاطِ مُشْتَرٍ (أَنْ لَا يَخْسَرَ) فِي مَبِيعٍ، (أَوْ مَتَى نَفَقَ) الْمَبِيعُ، (وَإِلَّا رَدَّهُ) لِبَائِعِهِ؛ (أَوْ) اشْتِرَاطِ بَائِعٍ عَلَى مُشْتَرٍ أَنْ (لَا يَقِفَهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعَ، (أَوْ) أَنْ (يَبِيعَهُ، أَوْ) أَنْ (لَا يَهَبَهُ، أَوْ) أَنْ لَا (يُعْتِقَهُ، أَوْ) إنْ (أَعْتَقَهُ فَلِبَائِعٍ وَلَاؤُهُ، أَوْ) اشْتَرَطَ عَلَيْهِ (أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: يَقِفَ الْمَبِيعَ أَوْ يَهَبَهُ؛ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِعَوْدِ الشَّرْطِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ، نَحْوِ بِعْتُكَهُ عَلَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهِ أَخُوكَ أَوْ زَيْدٌ وَنَحْوُهُ؛ لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، كُلَّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي، فَقُلْتُ: إنْ أَحَبَّ أَهْلُكَ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونَ وَلَاؤُكَ لِي، فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إنِّي عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْوَلَاءُ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ؛ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَدِينُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَبْطَلَ الشَّرْطَ، وَلَمْ يُبْطِلْ الْعَقْدَ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ وَاشْتَرِطِي عَلَيْهِمْ الْوَلَاءَ، بِدَلِيلِ أَمْرِهَا بِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِفَاسِدٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَهَا بِإِعْتَاقِهَا، فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطٍ، وَلِأَنَّهُمْ أَبَوْا الْبَيْعَ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ لَهُمْ، فَكَيْفَ يَأْمُرُهَا بِمَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَهُ، وَأَمَّا أَمْرُهَا بِذَلِكَ فَلَيْسَ بِأَمْرٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ صِيغَةُ أَمْرٍ بِمَعْنَى التَّسْوِيَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} [الطور: 16] ، وَالتَّقْدِيرُ: اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ أَوْ لَا تَشْتَرِطِي، وَلِهَذَا قَالَ عَقِبَهُ: إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ (إلَّا شَرْطَ عِتْقٍ؛ فَيَلْزَمُ) بِاشْتِرَاطِ بَائِعٍ عَلَى مُشْتَرٍ؛ لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ. (وَيُجْبَرُ مُشْتَرٍ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عِتْقِ مَنْ اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ (إنْ أَبَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِكَوْنِهِ قُرْبَةً الْتَزَمَهَا الْمُشْتَرِي، فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَالنَّذْرِ (فَإِنْ أَصَرَّ) مُمْتَنِعًا؛ (أَعْتَقَهُ حَاكِمٌ) كَطَلَاقِهِ عَلَى مُولٍ. (وَكَذَا شَرْطُ رَهْنٍ فَاسِدٍ) كَمَجْهُولِ خَمْرِهِ (وَنَحْوِهِ) كَشَرْطِ ضَمِينٍ أَوْ كَفِيلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ (وَكَ) شَرْطِ (خِيَارٍ أَوْ أَجَلٍ) فِي ثَمَنٍ (مَجْهُولَيْنِ، أَوْ) شَرْطِ (تَأْخِيرِ تَسْلِيمِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (بِلَا انْتِفَاعِ) بَائِعٍ بِهِ، (أَوْ) شَرْطِ بَائِعٍ (إنْ بَاعَهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعَ مُشْتَرٍ؛ (فَهُوَ) ؛ أَيْ: الْبَائِعُ (أَحَقُّ بِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (بِالثَّمَنِ) ؛ أَيْ: بِمِثْلِهِ؛ (أَوْ) شَرْطِ (أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَحْمِلُ) ؛ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ، وَتَبْطُلُ هَذِهِ الشُّرُوطُ. قِيَاسًا عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 لِبَيَّاعٍ. (وَلِمَنْ فَاتَ غَرَضُهُ) بِفَسَادِ الشَّرْطِ مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرِطِ (الْفَسْخِ فِي الْكُلِّ) ؛ أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، (وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِفَسَادِ شَرْطٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ. (وَيُرَدُّ ثَمَنٌ وَمُثَمَّنٌ لَمْ يَفُتْ) بِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ فَاتَ؛ (فَ) يَلْزَمُ (أَرْشُ نَقْصِ ثَمَنٍ لِبَائِعٍ) ، إنْ كَانَ الْمُشْتَرِطُ بَائِعًا، فَإِنْ بَاعَهُ بِأَنْقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَشَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا؛ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ بِنَقْصٍ مِنْ ثَمَنِهِ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْغَرَضِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ رَجَعَ بِالنَّقْصِ. (أَوْ اسْتِرْجَاعُ زِيَادَتِهِ) ؛ أَيْ: الثَّمَنِ (لِمُشْتَرٍ) إنْ كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِطَ، بِأَنْ اشْتَرَى بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ، وَشَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا؛ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَأَخْذِ مَا زَادَ؛ (لِفَوَاتِ غَرَضِ كُلٍّ مِنْهُمَا) . (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا) حُكْمُ (كُلِّ شَرْطٍ فَسَدَ كَشَرْطِ لَبَنِ) حَيَوَانٍ (مَبِيعٍ مُدَّةً) مَعْلُومَةً كَشَهْرٍ مَثَلًا؛ لِجَهَالَةِ قَدْرِ اللَّبَنِ فِي الْمُدَّةِ، وَكَشَرْطِ نَفْعِ دَابَّةٍ بِيعَتْ عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا الْبَائِعُ مَا شَاءَ ثُمَّ يُسَلِّمَهَا لِلْمُشْتَرِي، فَهَذَا الشَّرْطُ فَاسِدٌ؛ (لِأَنَّ النَّفْعَ غَيْرُ مَعْلُومٍ) ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ. (وَ) هُوَ مُتَّجِهٌ وَمَنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ: (بِعْنِي هَذَا) الشَّيْءَ (عَلَى أَنْ أَقْضِيك دَيْنَك مِنْهُ، فَبَاعَهُ) إيَّاهُ؛ (صَحَّ الْبَيْعُ) قِيَاسًا عَلَى مَا سَبَقَ، (لَا الشَّرْطُ) ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ الْقَضَاءِ، وَمُقْتَضَى الْبَيْعِ أَنْ يَتَصَرَّفَ مُشْتَرٍ بِمَا يَخْتَارُ، وَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، أَوْ أَخْذُ أَرْشِ نَقْصِ ثَمَنٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ دَيْنٍ: (اقْضِنِي دَيْنِي عَلَى أَنْ أَبِيعَكَ كَذَا بِكَذَا) ، فَقَضَاهُ دَيْنَهُ؛ (صَحَّ قَضَاءٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْبَضَهُ دَيْنَهُ (فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ بَيْعٍ مَشْرُوطٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى الْقَضَاءِ، وَيَأْتِي أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 تَعْلِيقُهُ. (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ دَيْنٍ: (اقْضِنِي أَجْوَدَ مِنْ) مَالِي (عَلَيْك، عَلَى أَنْ أَبِيعَكَ كَذَا، فَفَعَلَا) ؛ أَيْ: قَضَاهُ حَقَّهُ أَجْوَدَ، وَبَاعَهُ مَا وَعَدَهُ بِهِ، (فَ) الْبَيْعُ وَالْقَضَاءُ (بَاطِلَانِ) ، وَيَرُدُّ الْأَجْوَدَ قَابِضُهُ، وَيُطَالِبُ بِمِثْلِ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمَدِينَ لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِ الْأَجْوَدِ إلَّا طَمَعًا فِي حُصُولِ الْمَبِيعِ لَهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ. النَّوْعُ (الثَّالِثُ: مَا) أَيْ شَرَطَ (لَا يَنْعَقِدُ مَعَهُ بَيْعٌ) ، وَهُوَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ؛ (كَبِعْتُك) كَذَا إنْ جِئْتَنِي، أَوْ رَضِيَ زَيْدٌ بِكَذَا، (أَوْ اشْتَرَيْتُ) كَذَا (إنْ جِئْتَنِي) ، أَوْ إنْ رَضِيَ زَيْدٌ، أَوْ إنْ (جَاءَ) رَأْسُ الشَّهْرِ مَثَلًا (كَذَا) بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَقْتَضِي نَقْلَ الْمِلْكِ حَالَ الْعَقْدِ، وَالشَّرْطُ يَمْنَعُهُ. (وَيَصِحُّ بِعْتُ) إنْ شَاءَ اللَّهُ، (وَقَبِلْتُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّبَرُّكُ لَا التَّرَدُّدُ غَالِبًا. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ عَقْدٍ مُعَلَّقٍ عَلَى الْمَشِيئَةِ، (وَلَوْ) كَانَ إتْيَانُهُ بِهَا (لِلشَّكِّ) ؛ لِعُمُومِ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ. وَيَتَّجِهُ (إنْ إجَارَةً) فِي ذَلِكَ (كَبَيْعٍ) ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ الْعُرْبُونِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ، وَفِيهِ لُغَةٌ عَلَى وَزْنِ عُصْفُورٍ، وَيُقَالُ أَرْبُوَن، (وَ) يَصِحُّ (إجَارَتُهُ) إلَى الْعُرْبُونِ. قَالَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ بِهِ، فَعَلَهُ عُمَرُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَازَهُ. (وَهُوَ) ؛ أَيْ: بَيْعُ الْعُرْبُونِ (دَفْعُ بَعْضِ ثَمَنٍ) فِي بَيْعٍ عَقَدَاهُ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَإِجَارَةُ الْعُرْبُونِ دَفْعُ بَعْضِ (أُجْرَةٍ بَعْدَ عَقْدِ) إجَارَةٍ (لَا قَبْلَهُ. وَيَقُولُ) مُشْتَرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٌ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 (إنْ أَخَذْتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعَ أَوْ الْمُؤَجَّرَ، احْتَسِبْ مَا دَفَعْتُ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ، وَإِلَّا فَهُوَ لَكَ. (أَوْ) يَقُولُ: إنْ (جِئْتُ بِالْبَاقِي) مِنْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِمْ، (وَإِلَّا فَهُوَ) ؛ أَيْ: مَا قَبَضْتَهُ (لَكَ) ، (فَ) يُحْتَسَبُ (مَا دَفَعَهُ) مِنْ الثَّمَنِ (أَوْ) الْأُجْرَةِ، (وَإِلَّا) يُوَفِّهِ (فَ) الْعُرْبُونُ (لِبَائِعٍ وَمُؤَجِّرٍ) ؛ لِمَا رَوَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ أَنَّهُ اشْتَرَى لِعُمَرَ دَارَ السِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ ابْنِ ابْنِهِ، فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ، وَإِلَّا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ الْأَثْرَمُ قُلْتُ لِأَحْمَدَ: تَذْهَبُ إلَيْهِ؟ قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَقُولُ؟ هَذَا عُمَرُ وَضَعَّفَ حَدِيثَ ابْنِ مَاجَهْ؛ أَيْ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبُونِ» . (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ (هَذَا) الِاشْتِرَاطِ فِي بَيْعِ الْعُرْبُونِ وَإِجَارَتِهِ (إنْ قَيَّدَ) الْمُتَعَاقِدَانِ ذَلِكَ (بِزَمَنٍ) مُعَيَّنٍ؛ كَإِلَى شَهْرٍ مِنْ الْآنَ، (وَفَاتَ) ذَلِكَ الزَّمَنُ، (وَإِلَّا) يُقَيِّدَاهُ بِزَمَنٍ؛ (فَ) لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَوْ الْمُؤَجِّرَ لَا يَدْرِي (إلَى مَتَى يَنْتَظِرُ) ، فَالْإِطْلَاقُ لَا يُنَاسِبُ؛ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ طُولِ الْأَمَدِ بِلَا نِهَايَةٍ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ. جَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " " وَالْحَاوِيَيْنِ " " وَالْفَائِقِ " لَكِنَّهُ مَرْجُوحٌ، وَالْمَذْهَبُ الصَّمْتُ، سَوَاءٌ قَبِلَهُ بِوَقْتٍ أَوْ لَا. (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعٍ وَمُؤَجِّرٍ لِزَامُهُ) ؛ أَيْ: إلْزَامُ مُشْتَرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٍ (بِ) دَفْعِ (بَقِيَّةِ ثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ) فِي مُدَّةِ الِاشْتِرَاطِ، (وَإِنْ لَزِمَ عَقْدٌ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ (بِتَصَرُّفٍ؛ لِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: هَذَا الْعَقْدَ (يُشْبِهُ تَعْلِيقَ فَسْخٍ) عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 شَرْطٍ، (وَيَأْتِي) . وَحَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ دَفْعُ الْبَقِيَّةِ؛ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَمَامِ الْعَقْدِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [تَتِمَّةٌ دَفَعَ إنْسَانٌ لِبَائِعٍ قَبْلَ الْعَقْدِ دِرْهَمًا وَقَالَ لَا تَعْقِدْ مَعَ غَيْرِي] (تَتِمَّةٌ) إذَا دَفَعَ إنْسَانٌ لِبَائِعٍ أَوْ مُؤَجِّرٍ قَبْلَ الْعَقْدِ دِرْهَمًا مَثَلًا، وَقَالَ: لَا تَعْقِدْ مَعَ غَيْرِي، وَإِنْ لَمْ آخُذْ فَالدِّرْهَمُ لَك، ثُمَّ عَقَدَ مَعَهُ وَاحْتَسَبَ الدِّرْهَمَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ؛ صَحَّ لِخُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ شَرْطٍ، وَإِلَّا رَجَعَ بِالدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ عِوَضٍ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ عِوَضًا عَنْ انْتِظَارِهِ وَتَأْخِيرِهِ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهُ، وَلَوْ جَازَتْ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ كَالْإِجَارَةِ. وَ (لَا) يَصِحُّ بَيْعٌ إنْ رَهَنَهُ شَيْئًا، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ (إنْ جَاءَ لِمُرْتَهِنٍ بِحَقِّهِ) إلَى حُلُولِ ثَمَنِهِ، (وَ) إلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ؛ لِحَدِيثِ: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَفَسَّرَهُ أَحْمَدُ بِذَلِكَ. وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ؛ فَلَمْ يَصِحَّ لِمَا تَقَدَّمَ. وَمَنْ قَالَ لِقِنِّهِ: (إنْ بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ) وَبَاعَهُ؛ عَتَقَ عَلَيْهِ بِتَمَامِ قَبُولٍ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: إنْ بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، (وَقَالَ آخَرُ: إنْ اشْتَرَيْتُهُ) مِنْك (فَ) هُوَ (حُرٌّ، فَبَاعَهُ) ؛ لِمَنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْتُهُ مِنْك فَهُوَ حُرٌّ؛ (عَتَقَ عَلَى بَائِعٍ بِتَمَامِ قَبُولِ) مُشْتَرٍ، (وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِلْكٌ) فِيهِ لِمُشْتَرٍ نَصَّا؛ لِأَنَّهُ يُعْتِقُ عَلَى الْبَائِعِ فِي حَالِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَنُفُوذِ الْعِتْقِ، وَيَتَدَافَعَانِ فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيَشْهَدُ لَهَا تَشْبِيهُ أَحْمَدَ بِالْمُدَبَّرِ وَالْوَصِيَّةِ، وَفِيهَا طُرُقٌ خَمْسَةٌ هَذِهِ أَقْوَاهَا. وَحَيْثُ عَتَقَ فَمِنْ مَالِ الْبَائِعِ. وَقَوْلُهُ: بِتَمَامِ قَبُولِهِ، هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " تَبَعًا " لِلْمُغْنِي " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " عَتَقَ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ؛ أَيْ: لِأَنَّهُ عَلَّقَ حُرِّيَّتَهُ عَلَى فِعْلِهِ لِلْبَيْعِ، فَمَتَى قَالَ لِلْمُشْتَرِي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 بِعْتُكَ؛ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحُرِّيَّةِ، فَيُعْتَقُ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ؛ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَهُ؛ أَيْ: إنْ بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، بَائِعٌ فَقَطْ، فَبَاعَهُ؛ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ (أَوْ) قَالَهُ (مُشْتَرٍ فَقَطْ) ؛ أَيْ: إنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَاشْتَرَاهُ. (وَعِنْدَ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ طَرِيقَةٌ سَادِسَةٌ، وَهِيَ (إنْ) كَانَ الْمُعَلِّقُ (قَصَدَ بِالتَّعْلِيقِ الْيَمِينَ) دُونَ التَّبَرُّرِ بِعِتْقِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ؛ لَمْ يُعْتَقْ، وَ (أَجْزَأَهُ يَمِينٌ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، فَبَقِيَ كَنَذْرِهِ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ غَيْرِهِ، فَيَجْزِيهِ الْكَفَّارَةُ، قَالَ: وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّقَرُّبَ؛ صَارَ عِتْقُهُ مُسْتَحَقًّا كَالنَّذْرِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَيَكُونُ الْعِتْقُ مُعَلَّقًا عَلَى صُورَةِ الْبَيْعِ؛ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ: إذَا بِعْتَهُ فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ قَالَ لِأُمِّ وَلَدِهِ: إنْ بِعْتُكِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ لَكَ أَنَّ طَرِيقَةَ أَبِي الْخَطَّابِ أَقْوَى. [فَصْلٌ بَاعَ شَيْئًا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ] " فَصْلٌ " (وَمَنْ بَاعَ) شَيْئًا (بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ) فِيمَا بَاعَهُ؛ لَمْ يَبْرَأْ، (أَوْ) بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ (مِنْ عَيْبِ كَذَا) ، إنْ كَانَ فِي الْمَبِيعِ (لَمْ يَبْرَأْ بَائِعٌ) بِذَلِكَ، وَلِمُشْتَرٍ الْفَسْخُ بِعَيْبٍ لَمْ يُعْلَمْ حَالَةَ عَقْدٍ؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَاعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَبْدًا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَصَابَ زَيْدٌ بِهِ عَيْبًا، فَأَرَادَ رَدَّهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَقْبَلْهُ، فَتَرَافَعَا إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: تَحْلِفُ أَنَّكَ لَمْ تَعْلَمْ بِهَذَا الْعَيْبِ؟ قَالَ: لَا، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَبَاعَهُ ابْنُ عُمَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ. وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ اشْتَهَرَتْ، وَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ كَالْإِجْمَاعِ. وَأَيْضًا خِيَارُ الْعَيْبِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ قَبْلَهُ، كَالشُّفْعَةِ، (وَإِنْ سَمَّاهُ) ؛ أَيْ: سَمَّى بَائِعٌ الْعَيْبَ لِمُشْتَرٍ؛ بَرِئَ مِنْهُ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ. (أَوْ أَبْرَأَهُ مُشْتَرٍ) مِنْ عَيْبِ كَذَا، أَوْ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ (بَعْدَ عَقْدٍ بَرَأَ مِنْهُ) بَائِعٌ؛ لِإِسْقَاطِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَهُ، كَالشُّفْعَةِ. (وَمَنْ بَاعَ مَا) ؛ أَيْ: شَيْئًا (يُذْرَعُ) كَأَرْضٍ وَثَوْبٍ (عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ) أَذْرُعٍ، أَوْ أَشْبَارٍ أَوْ أَجْرِبَةٍ وَنَحْوِهَا، (فَبَانَ) الْمَبِيعُ (أَكْثَرَ) مِمَّا عَيَّنَ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 (صَحَّ) الْبَيْعُ، وَالزَّائِدُ لِبَائِعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْبَيْعِ، كَالْعَيْبِ. (وَلِكُلٍّ) مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ (الْفَسْخُ) ؛ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، (مَا لَمْ يُعْطِ بَائِعٌ) لِمُشْتَرٍ (الزَّائِدَ مَجَّانًا) بِلَا عِوَضٍ؛ فَيَسْقُطُ خِيَارُ مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ زَادَهُ خَيْرًا. (وَإِنْ بَانَ) مَبِيعٌ أَنَّهُ عَشَرَةٌ (أَقَلَّ) مِنْهَا؛ (صَحَّ) الْبَيْعُ، (وَالنَّقْصُ) عَنْ الْعَشَرَةِ (عَلَى بَائِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ. (وَيُخَيَّرُ) بَائِعٌ (إنْ أَخَذَهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعَ النَّاقِصَ (مُشْتَرٍ بِقِسْطِهِ) مِنْ ثَمَنٍ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ، أَوْ فَسَخَ دَفْعًا لِضَرَرِهِ. (وَلَا) خِيَارَ لِبَائِعٍ (إنْ أَخَذَهُ) مُشْتَرٍ (بِجَمِيعِ الثَّمَنِ) ؛ لِزَوَالِ ضَرَرِهِ إنْ لَمْ يَفْسَخْ مُشْتَرٍ الْبَيْعَ، وَلَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَعْوِيضِهِ عَنْهُ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُ [تَنْبِيهٌ بَاعَ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ أَحَدَ عَشَرَ] تَنْبِيهٌ لَوْ بَاعَ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ، أَوْ زُبْرَةَ حَدِيدٍ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَرْطَالٍ، فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ؛ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَالزَّائِدُ لِبَائِعٍ مُشَاعًا، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلَا لِلْبَائِعِ؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَإِنْ بَانَتْ الصُّبْرَةُ أَوْ الزُّبْرَةُ تِسْعَةً؛ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَيُنْقَصُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ نَقْصِ الْبَيْعِ، وَلَا خِيَارَ لَهُمَا أَيْضًا، بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُنْقِصُهُ التَّفْرِيقُ. (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفٌ فِي مَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِهِ، فَلَا يَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفٌ (بِغَيْرِ عِتْقٍ) ، فَيَنْفُذُ لِقُوَّتِهِ وَسَرَيَانِهِ وَتَشَوُّقِ الشَّارِعِ إلَيْهِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ فِي مَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ مَنْ يَرَاهُ، وَإِلَّا نَفَذَ. (وَيُضْمَنُ) مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ إذَا (تَلِفَ هُوَ وَزِيَادَتُهُ) الْمُتَّصِلَةُ وَالْمُنْفَصِلَةُ؛ (كَمَغْصُوبٍ) بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلِفَ بِبَلَدٍ قَبَضَهُ فِيهِ، إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، وَإِلَّا فَبِمِثْلِهِ، وَ (لَا) يُضْمَنُ (بِالثَّمَنِ) الَّذِي يَبِيعُ بِهِ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ. (فَسِلَاحٌ بِيعَ فِي فِتْنَةٍ) ، أَوْ لِأَهْلِ حَرْبٍ، (وَنَحْوُ عِنَبٍ) ، كَتَمْرٍ (وَعَصِيرٍ لِخَمْرٍ، وَفَاتَ؛ يُضْمَنُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ) بِمَحَلِّ فَوَاتِهِ، (وَيَلْزَمُ) مُشْتَرِيًا (رَدُّهُ) حَيْثُ كَانَ (بَاقِيًا، بِنَمَائِهِ مُطْلَقًا) مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، (وَ) رَدُّ (أُجْرَةِ مِثْلِهِ) مُدَّةَ بَقَائِهِ فِي يَدِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 انْتَفَعَ بِهِ أَوْ لَا، (وَ) يَلْزَمُهُ (مَئُونَةُ رَدِّهِ) ، وَإِنْ نَقَصَ بِيَدِهِ ضَمِنَ نَقْصَهُ، (وَلَا يَرْجِعُ) مُشْتَرٍ (بِنَفَقَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (وَلَا بِخَرَاجِ أَرْضٍ) مُدَّةَ بَقَائِهَا بِيَدِهِ. (وَلَا حَدَّ) عَلَى مُشْتَرٍ (بِوَطْءِ أَمَةٍ) اشْتَرَاهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ لِلشُّبْهَةِ. (وَيَتَّجِهُ) لَا حَدَّ عَلَيْهِ (إلَّا فِي) وَطْءِ أَمَةٍ بِيعَتْ بِعَقْدٍ (مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ لِعَالِمٍ) بِذَلِكَ، فَإِذَا وَطِئَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ إجْمَاعًا؛ حُدَّ؛ لِأَنَّهُ زَانٍ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (بَلْ) يَلْزَمُ مِنْ وَطْءِ أَمَةٍ اشْتَرَاهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (مَهْرُ مِثْلٍ، وَأَرْشُ بَكَارَةٍ) ، فَلَا يُتَدَرَّجُ فِي مَهْرِهَا، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ (وَالْوَلَدُ حُرٌّ) ؛ لِلشُّبْهَةِ، (وَعَلَيْهِ إنْ وُلِدَ حَيًّا قِيمَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى مَالِكِهِ بِاعْتِقَادِهِ الْحُرِّيَّةَ (يَوْمَ وُضِعَ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ، (وَإِلَّا) يُولَدْ حَيًّا، بَلْ سَقَطَ مَيِّتًا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ؛ (فَ) عَلَى مُشْتَرٍ ضَمَانُ (نَقْصِ وِلَادَةِ) أَمَةٍ (فَقَطْ) ، دُونَ ضَمَانِهِ هُوَ كَنَقْصِ مَغْصُوبَةٍ، (وَإِنْ مُلِكَتْ) ؛ أَيْ: مَلَكَهَا وَاطِئُهَا فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ (بَعْدَ) أَنْ حَمَلَتْ مِنْهُ؛ (لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) لَهُ بِذَلِكَ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهَا حِينَئِذٍ (وَيَتَّجِهُ: لَوْ بَاعَهُ) ؛ أَيْ: الْمَقْبُوضَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (قَابِضُهُ لِآخَرَ، فَلِمَالِكِ) رَقَبَةٍ (مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِهِ) إنْ كَانَ بَاقِيًا، (وَ) إنْ تَلِفَ فَ (قَرَارُ ضَمَانٍ عَلَى تَالِفٍ عِنْدَهُ) مِنْهُمَا. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ تَفْصِيلَهُ كَغَصْبٍ كَمَا يَأْتِي) فِي بَابِهِ (إلَّا فِي صِحَّةِ عِبَادَةٍ فِيهِ) ، فَتَنْعَقِدُ صَحِيحَةً وَلَا تُعَادُ؛ (لِإِعْرَاضِ رَبِّهِ عَنْهُ بِطِيبِ نَفْسٍ) مِنْهُ، فَفَارَقَ الْغَصْبَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَوْ بَانَ مَبِيعٌ حُرًّا يَغْرَمُ مُشْتَرٍ لَهُ) ؛ أَيْ: لِلْحُرِّ الْمَبِيعِ (أُجْرَةَ عَمَلِهِ، إنْ جَهِلَ) الْمَبِيعُ (حُرِّيَّةَ نَفْسِهِ) ، أَوْ أَكْرَهَهُ مُشْتَرٍ (عَلَيْهِ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 أَيْ: عَلَى الْعَمْدِ، (وَلَوْ أَجَّرَ) مُشْتَرٍ؛ (غَرِمَ مُسْتَأْجِرٌ) لِلْحُرِّ أُجْرَةَ عَمَلِهِ، (لَكِنْ يَرْجِعُ) الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمُشْتَرِي (بِمَا دَفَعَهُ) لِلْحُرِّ (أُجْرَةً) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِي غُرْمِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَرْعٌ تَعَاطِي عُقُودٍ فَاسِدَةٍ] (فَرْعٌ يَحْرُمُ) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (تَعَاطِي عُقُودٍ فَاسِدَةٍ) ؛ إذَا كَانَ عَالِمًا بِفَسَادِهَا، وَلَمْ يُقَلِّدْ مَنْ يَرَى صِحَّتَهَا، فَإِنْ قَلَّدَ؛ جَازَ، (وَالنَّاسُ وَاقِعُونَ فِي ذَلِكَ) ، يَتَعَاطَوْنَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ، تَهَاوُنًا مِنْهُمْ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. [بَابُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ] (بَابُ الْخِيَارِ) فِي الْبَيْعِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَمَا يَحْصُلُ بِهِ قَبْضُهُ، وَالْإِقَالَةُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ (الْخِيَارُ اسْمُ مَصْدَرِ اخْتَارَ) يَخْتَارُ اخْتِيَارًا لَا مَصْدَرُهُ؛ لِعَدَمِ جَرَيَانِهِ عَلَى الْفِعْلِ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْخِيَارُ (طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إمْضَاءٍ أَوْ فَسْخٍ، وَأَقْسَامُهُ) ؛ أَيْ: الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ بِحَسَبِ أَسْبَابِهِ (ثَمَانِيَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ. (أَحَدُهَا خِيَارُ مَجْلِسٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ، مَوْضِعُ الْجُلُوسِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَكَانُ التَّبَايُعِ. (وَيَثْبُتُ) خِيَارُ مَجْلِسٍ (فِي بَيْعٍ) عِنْدَ أَشْهَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ؛ لِحَدِيثِ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَقَوْلُ عُمَرَ: الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ مَعْنَاهُ تَقْسِيمُ الْبَيْعِ إلَى مَا شُرِطَ فِيهِ، وَمَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ، سَمَّاهُ صَفْقَةً؛ لِقَصْرِ مُدَّةِ الْخِيَارِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ مِثْلَ مَذْهَبِنَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْبَيْعِ عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لَهُ قَبْلَهُ غَالِبًا، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى خِيَارٍ بَعْدَهُ. (غَيْرَ كِتَابَةٍ) ، فَلَا خِيَارَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلْعِتْقِ. (وَ) (تَوَلِّي طَرَفَيْ عَقْدِ) بَيْعٍ، بِأَنْ انْفَرَدَ بِالْبَيْعِ وَاحِدٌ لِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ، كَالشَّفِيعِ. وَ [غَيْرَ] (شِرَاءِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِنَسَبٍ) ؛ كَقَرِيبِهِ، (أَوْ قَوْلٍ) أَوْ تَعْلِيقٍ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 كَإِنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ؛ كَمَا لَوْ بَاشَرَ عِتْقَهُ. (أَوْ اعْتِرَافٍ بِحُرِّيَّتِهِ قَبْلَ شِرَائِهِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِنْقَاذٌ، لَا شِرَاءٌ حَقِيقَةً؛ لِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، (أَوْ تَبَايَعَا عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ) ، كَقَوْلِ بَائِعٍ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَنَا، فَيَقُولُ مُشْتَرٍ: قَبِلْتُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُمْ، أَوْ أَسْقَطَا الْخِيَارَ بَعْدَ الْبَيْعِ. (وَكَبَيْعٍ) فِي ثُبُوتِ خِيَارِ مَجْلِسٍ، فِيهِ (صُلْحٌ) بِمَعْنَى بَيْعٍ؛ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْهُ بِعِوَضٍ، (وَ) كَبَيْعِ (قِسْمَةٍ) بِمَعْنَى بَيْعٍ - وَهِيَ قِسْمَةُ التَّرَاضِي - (وَ) كَبَيْعِ (هِبَةٍ بِمَعْنَاهُ) - وَهِيَ الَّتِي فِيهَا عِوَضٌ مَعْلُومٌ - فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ، كَالْبَيْعِ، (وَ) كَبَيْعِ (إجَارَةٍ) عَلَى عَيْنٍ؛ كَدَارٍ وَحَيَوَانٍ، أَوْ عَلَى نَفْعٍ فِي الذِّمَّةِ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، (وَكَذَا مَا) ؛ أَيْ: عَقْدٌ (قَبَضَهُ) ؛ أَيْ: الْعِوَضَ فِيهِ، (شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ) ؛ أَيْ: لِدَوَامِهَا؛ (كَصَرْفٍ وَسَلَمٍ) (وَ) بَيْعٍ (رِبَوِيٍّ) مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ (بِرِبَوِيٍّ) ؛ كَبَيْعِ بُرٍّ بِبُرٍّ مِثْلِهِ، أَوْ شَعِيرٍ؛ فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ مَوْضِعَهُ النَّظَرُ فِي الْحَظِّ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا. وَلَا يَثْبُتُ خِيَارُ مَجْلِسٍ (فِي حَوَالَةٍ) ؛ لِاسْتِقْلَالِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِهَا، (وَ) لَا فِي (وَقْفٍ، وَإِقَالَةٍ، وَأَخْذٍ بِشُفْعَةٍ، وَنِكَاحٍ، وَإِبْرَاءٍ، وَعِتْقٍ، وَضَمَانٍ، وَتَلْزَمُ) هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ جَمِيعُهَا (فِي الْحَالِ) . (وَلَا) خِيَارَ أَيْضًا فِي (قَرْضٍ، وَرَهْنٍ، وَهِبَةٍ بَعْدَ قَبْضٍ، وَلَا) خِيَارَ (فِي مُسَاقَاةٍ، وَمُزَارَعَةٍ، وَجَعَالَةٍ، وَوَكَالَةٍ، وَشَرِكَةٍ، وَمُضَارَبَةٍ، وَعَارِيَّةٍ، الْوَدِيعَةٍ، وَسَبْقٍ؛ بَلْ هِيَ عُقُودٌ جَائِزَةٌ، لِكُلٍّ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ) ؛ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ. (وَيَبْقَى خِيَارُ مَجْلِسٍ) حَيْثُ ثَبَتَ. (وَلَوْ أَقَامَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَانِ (سَنَةً إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا) ؛ لِلْخَبَرِ، بِمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ تَفَرُّقًا (عُرْفًا) ؛ لِإِطْلَاقِ الشَّارِعِ التَّفَرُّقَ وَعَدَمِ بَيَانِهِ؛ فَدَلَّ أَنَّهُ أَرَادَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ؛ كَالْقَبْضِ وَالْإِحْرَازِ. (بِأَبْدَانِهِمَا اخْتِيَارًا) ، فَإِنْ حُجِزَ بَيْنَهُمَا بِنَحْوِ حَائِطٍ، أَوْ نَامَا؛ لَمْ يَعُدْ تَفَرُّقًا؛ لِبَقَائِهِمَا بِأَبْدَانِهِمَا بِمَحَلِّ عَقْدٍ، وَخِيَارُهُمَا بَاقٍ - وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، أَوْ قَامَا كَرْهًا - لِعَدَمِ التَّفَرُّقِ. (وَلَوْ) كَانَ تَفَرُّقُهُمَا (بِهَرَبِ أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ (مِنْ صَاحِبِهِ) ؛ فَيَبْطُلُ الْخِيَارُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَإِنْ مَشَى أَحَدُهُمَا، أَوْ فَرَّ؛ لِيَلْزَمَ الْعَقْدُ قَبْلَ اسْتِقَالَةِ الْآخَرِ وَفَسْخِهِ وَرِضَاهُ؛ حَرُمَ، وَبَطَلَ خِيَارُ الْآخَرِ فِي الْأَشْهَرِ. وَ (لَا) يَبْطُلُ خِيَارُهُمَا إنْ تَفَرَّقَا (مَعَ إكْرَاهٍ) لَهُمْ أَوْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى التَّفَرُّقِ؛ بَلْ يَبْقَى الْخِيَارُ إلَى زَوَالِ الْإِكْرَاهِ (أَوْ) تَفَرَّقَا بِحُدُوثِ (فَزَعٍ مِنْ مَخُوفٍ) ؛ كَسَبُعٍ أَوْ ظَالِمٍ خَشِيَاهُ؛ فَهَرَبَا مِنْهُ، (أَوْ) تَفَرَّقَا مَعَ (إلْجَاءٍ) ؛ كَتَفَرُّقٍ (بِسَيْلٍ) أَوْ نَارٍ وَنَحْوِهِمَا، (أَوْ) تَفَرَّقَا مَعَ (حِمْلٍ) لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا مِنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، أَوْ فَرَّقَتْهُمَا رِيحٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ وَالْمُلْجَأِ كَعَدَمِهِ، (إلَّا إنْ تَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسٍ زَالَ فِيهِ ذَلِكَ) الْإِكْرَاهُ أَوْ الْإِلْجَاءُ، (فَإِنْ أُكْرِهَ أَحَدُهُمَا؛ بَقِيَ خِيَارُهُ) إلَى زَوَالِ الْإِكْرَاهِ وَالتَّفَرُّقِ مِنْ مَجْلِسٍ زَالَ فِيهِ الْإِكْرَاهُ (فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ خِيَارِ صَاحِبِهِ. (وَإِنْ أَسْقَطَاهُ) ؛ أَيْ: الْخِيَارَ (بَعْدَ عَقْدٍ) [قَبْلَ] تَفَرُّقِهِمَا؛ (سَقَطَ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْمُسْقِطِ بِعَقْدِ الْمَبِيعِ، فَسَقَطَ بِإِسْقَاطِهِ؛ كَالشُّفْعَةِ؛ (كَقَوْلِ كُلٍّ) مِنْهُمَا [اخْتَرْتُ] (إمْضَاءَ الْعَقْدِ، أَوْ) اخْتَرْتُ (الْتِزَامَهُ، أَوْ) اخْتَرْتُ (إبْطَالَ الْخِيَارِ، وَنَحْوَهُ) مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْإِسْقَاطِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ؛ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» ؛ أَيْ: لَزِمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالتَّخَايُرُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَاحِدٌ، فَلَوْ قَالَ بَائِعٌ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَنَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْت، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُمَا. (وَإِنْ أَسْقَطَهُ) أَيْ الْخِيَارَ (أَحَدُهُمَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ؛ بَقِيَ خِيَارُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 صَاحِبِهِ، (أَوْ قَالَ) أَحَدُهُمَا (لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ؛ سَقَطَ) خِيَارُ الْقَائِلِ (وَبَقِيَ خِيَارُ صَاحِبِهِ) ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» . (وَتَحْرُمُ فُرْقَةٌ خَشْيَةَ اسْتِقَالَةٍ) ؛ أَيْ: خَشْيَةَ أَنْ يَفْسَخَ صَاحِبُهُ الْبَيْعَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ؛ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ يَمْشِي خُطُوَاتٍ؛ لِيَلْزَمَ الْبَيْعُ [مَحْمُولٌ] عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ، أَوْ عَلَى إلْزَامِ نَفْسِهِ حَتَّى لَا تُرَاوِدَهُ بِالرَّدِّ؛ لَا عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِ مِنْ الِاسْتِقَالَةِ، وَهَذَا أَوْلَى (وَيَنْقَطِعُ خِيَارُ) مَجْلِسٍ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ أَعْظَمُ الْفُرْقَتَيْنِ. (وَلَا يَنْقَطِعُ خِيَارُ مَجْنُونٍ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِعَدَمِ التَّفَرُّقِ، وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْمَجْنُونُ (عَلَى خِيَارِهِ إذَا أَفَاقَ) مِنْ جُنُونِهِ، (وَلَا يَثْبُتُ) الْخِيَارُ (لِوَلِيِّهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " " وَالتَّلْخِيصِ " " وَالْحَاوِيَيْنِ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْمَبِيعِ وَعَدَمَهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ إلَّا فِي جُنُونٍ مُطْبِقٍ) ؛ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِوَلِيِّهِ حِينَئِذٍ؛ لِلْيَأْسِ مِنْ إفَاقَتِهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوجٍ يَأْتِي قَرِيبًا. (وَلَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَيْنِ؛ (قَامَتْ إشَارَتُهُ مَقَامَ نُطْقِهِ) ؛ لِدَلَالَتِهَا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نُطْقُهُ، (فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ) إشَارَتُهُ، (أَوْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْأَخْرَسُ؛ (قَامَ وَلِيُّهُ) أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ (مَقَامَهُ) ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ "، وَلَمْ يُعَلِّلْهُ، وَلَعَلَّهُ إلْحَاقًا [بِالسَّفِيهِ] ، لَكِنْ يَأْتِي فِي الْحَجْرِ أَنَّ مَنْ جُنَّ؛ لَا يَنْظُرُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 مَالِهِ إلَّا الْحَاكِمُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " عَلَى الصَّحِيحِ [مِنْ] الْمَذْهَبِ تَنْبِيهٌ لَوْ أَلْحَقَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ خِيَارًا بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ، لَمْ يَلْحَقْ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمُعْتَبَرِ مِنْ الشُّرُوطِ صُلْبُ الْعَقْدِ. (وَيَخْتَلِفُ عُرْفُ تَفَرُّقٍ بِاخْتِلَافِ مَوَاضِعِ بَيْعٍ) ؛ فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ (بِفَضَاءٍ وَاسِعٍ، أَوْ مَسْجِدٍ كَبِيرٍ) - إنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ فِيهِ، وَالْمَذْهَبُ لَا يَصِحُّ - (أَوْ) فِي (سُوقٍ) ؛ فَالتَّفَرُّقُ (بِمَشْيِ أَحَدِهِمَا مُسْتَدْبِرًا لِصَاحِبِهِ خُطُوَاتٍ) - جَمْعُ خُطْوَةٍ - قَالَ أَبُو الْحَارِثِ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ تَفْرِقَةِ الْأَبَدَانِ، فَقَالَ: إذَا أَخَذَ هَذَا كَذَا أَوْ أَخَذَ هَذَا كَذَا فَقَدْ تَفَرَّقَا، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ " " وَالْحَاوِيَيْنِ " وَقِيلَ: بَلْ يَبْعُدُ (بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ كَلَامُهُ الْمُعْتَادُ) . قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ ". (وَ) إنْ كَانَ الْبَيْعُ (بِسَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ) فَبِصُعُودِ أَحَدِهِمَا لِأَعْلَاهَا؛ أَوْ نُزُولِهِ لِأَسْفَلِهَا (وَبِسَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ) فَبِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا مِنْهَا، وَيَمْشِي. (وَ) كَانَ (فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ ذَاتِ مَجَالِسَ وَبُيُوتٍ) ، فَالتَّفَرُّقُ (بِخُرُوجِهِ) ؛ أَيْ: أَحَدِهِمَا (مِنْ بَيْتٍ) إلَى بَيْتٍ (أَوْ مِنْ مَجْلِسٍ لِآخَرَ) ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 أَوْ مِنْ صُفَّةٍ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ، (وَ) إنْ كَانَا (فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ؛ فَبِصُعُودِ أَحَدِهِمَا السَّطْحَ، أَوْ خُرُوجِهِ مِنْهَا) (وَلَا يَحْصُلُ) تَفَرُّقٌ (بِبِنَاءِ حَائِطٍ بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْمَجْلِسِ؛ (وَلَا إنْ نَامَا فِيهِ) ، أَوْ قَامَا مِنْهُ، (وَمَشَيَا جَمِيعًا) ، وَلَمْ يَتَفَرَّقَا؛ لِبَقَائِهِمَا بِأَبْدَانِهِمَا بِمَحَلِّ الْعَقْدِ. (وَيَتَّجِهُ لَوْ) كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي بَلْدَتَيْنِ، أَوْ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ مِنْهَا، (فَتَبَايَعَا بِمُكَاتَبَةٍ) ؛ فَيَحْصُلُ تَفَرُّقُهُمَا (بِمُفَارَقَةِ مَجْلِسٍ) وَقَعَ فِيهِ (قَبُولٌ) مِنْ مُشْتَرٍ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ وَلِيِّهِ، (أَوْ) تَبَايَعَا (بِمُنَادَاةٍ مِنْ بُعْدٍ) - بِضَمِّ الْبَاءِ - فَيَحْصُلُ التَّفَرُّقُ (بِمُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا مَكَانَهُ) الَّذِي نُودِيَ [فِيهِ] ، وَهُوَ فِيهِ (بِحَيْثُ لَوْ كَانَ) الْآخَرُ (مَعَهُ) فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ (عُدَّ) ؛ أَيْ: عَدَّهُ الْعُرْفُ (تَفَرُّقًا) . (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ يُصَدَّقُ مُنْكِرٌ) مِنْهُمَا (عَدَمَ تَفَرُّقٍ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، (وَكَذَا لَوْ ادَّعَى) أَحَدُهُمَا (بَعْدَ تَفَرُّقٍ) مِنْ مَجْلِسِ عَقْدٍ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ (الْفَسْخُ قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: قَبْلَ التَّفَرُّقِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ تَفَرُّقٍ؛ فَدَعْوَى الْفَسْخِ) مِنْ أَحَدِهِمَا (فَسْخٌ) لِلْعَقْدِ، فَلَا يُكَلَّفُ مُدَّعِي ذَلِكَ إلَى بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ: (خِيَارُ شَرْطٍ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَاهُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ) ؛ أَيْ: خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةٍ حَالَ الْعَقْدِ (إلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ - وَإِنْ طَالَ) الْأَمَدُ - لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . (وَيَتَّجِهُ لَا) إنْ كَانَ طُولُهُ خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ؛ (كَأَلْفِ سَنَةٍ وَمِائَةِ) سَنَةٍ كَذَلِكَ؛ (لِإِفْضَائِهِ) ؛ أَيْ: الشَّرْطِ عَلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ، (لِلْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ) فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ (الْمُنَافِي لِلْعَقْدِ) الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِعُ إرْفَاقًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَيَصِحُّ) الشَّرْطُ، وَلَوْ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ حَتَّى يُعْتَمَدَ الشَّرْطُ، فَرَجَعَ فِي تَقْدِيرِهِ إلَى مُشْتَرِطِهِ؛ كَالْأَجَلِ. وَلَمْ يَثْبُتْ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: مِنْ تَقْدِيرِهِ بِثَلَاثٍ، وَرَوَى أَنَسٌ خِلَافَهُ. (وَلَوْ) كَانَ الْخِيَارُ الْمَشْرُوطُ (فِيمَا) أَيْ: عَقْدِ بَيْعٍ (يَفْسُدُ) مَعْقُودٌ عَلَيْهِ قَبْلَهُ؛ أَيْ: قَبْلَ انْتِهَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ؛ كَأَنْ تَبَايَعَا طَبِيخًا، وَشَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمَيْنِ؛ فَيَصِحُّ، (وَيُبَاعُ) الطَّبِيخُ؛ أَيْ: يَبِيعُهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ، (وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: إلَى مُضِيِّ الْخِيَارِ، فَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ مُضِيِّهِ؛ أَخَذَهُ بَائِعٌ، وَإِلَّا؛ أَخَذَهُ مُشْتَرٍ، عَلَى قِيَاسِ مَا يَأْتِي فِي رَهْنِ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ عَلَى مُؤَجَّلٍ. وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ خِيَارٍ (فِي عَقْدِ) بَيْعٍ جُعِلَ (حِيلَةً؛ لِيَرْبَحَ) فِي ثَمَنِ تَرْكِ مَنْزِلِهِ (قَرْضًا) بِسَبَبِ الْخِيَارِ (فَيَحْرُمُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى قَرْضٍ يَجُرُّ نَفْعًا، (وَلَا يَحِلُّ تَصَرُّفُهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي ثَمَنٍ وَلَا مُثَمَّنٍ، وَلَا خِيَارَ لَهُمَا. قَالَ (الْمُنَقِّحُ: فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ) ؛ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَرِيعَةً لِلرِّبَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَهُ شَيْئًا - وَهُوَ يَخَافُ أَنْ يَذْهَبَ بِمَا أَقْرَضَهُ لَهُ - فَاشْتَرَى مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 شَيْئًا بِمَا أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَهُ لَهُ، وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَلَمْ يُرِدْ الْحِيلَةَ عَلَى الرِّبْحِ فِي الْقَرْضِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: جَائِزٌ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ؛ فَلَا خِيَارَ لِوَرَثَتِهِ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ: جَائِزٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَبِيعٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِإِتْلَافِهِ؛ كَنَقْدٍ وَبُرٍّ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْمَبِيعِ مُدَّةَ الْخِيَارِ؛ لِكَوْنِهِ بِيَدِ الْبَائِعِ مُدَّتَهُ؛ فَلَا يَجُرُّ قَرْضُهُ نَفْعًا؛ فَلَا حِيلَةَ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مُحَرَّمٍ. (وَيَثْبُتُ) خِيَارُ الشَّرْطِ (فِيمَا ثَبَتَ فِيهِ خِيَارُ مَجْلِسٍ) ؛ كَبَيْعٍ، وَصُلْحٍ بِمَعْنَاهُ، وَقِسْمَةٍ بِمَعْنَاهُ، وَهِبَةٍ بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صُوَرِ الْبَيْعِ. (وَ) يَثْبُتُ (فِي إجَارَةٍ) فِي ذِمَّةٍ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، أَوْ إجَارَةٍ (مُدَّةً لَا تَلِي الْعَقْدَ) ، إنْ انْقَضَى قَبْلَ دُخُولِهَا؛ كَمَا لَوْ أَجَّرَهُ دَارِهِ سَنَةَ ثَلَاثٍ فِي سَنَةِ اثْنَيْنِ، وَشَرَطَ الْخِيَارَ مُدَّةً مَعْلُومَةً تَنْقَضِي قَبْلَ دُخُولِ سَنَةِ ثَلَاثٍ، فَإِنْ وَلِيَتْهُ، أَوْ دَخَلَتْ فِي مُدَّةِ إجَارَةٍ؛ فَلَا؛ لِأَدَائِهِ إلَى فَوَاتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، أَوْ اسْتِيفَائِهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ، وَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ ضَمَانٍ وَغَيْرِهِ. وَ (لَا) يَثْبُتُ خِيَارُ شَرْطٍ (فِيمَا) ؛ أَيْ: مَبِيعٍ (قَبَضَهُ) ؛ - أَيْ: قَبَضَ عِوَضَهُ - (شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ) ؛ أَيْ: الْعَقْدِ؛ (كَصَرْفٍ وَسَلَمٍ) وَرِبَوِيٍّ بِرِبَوِيٍّ - وَلَوْ قَبَضَ - لِأَنَّ وَصْفَهَا عَلَى أَنْ لَا يَبْقَى بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عُلْقَةٌ بَعْدَ التَّفَرُّقِ؛ لِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ، وَثُبُوتِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهَا؛ يُنَافِي ذَلِكَ؛ فَيَلْغُو الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ. (وَيَتَّجِهُ وَيَبْطُلُ بَيْعُ) مَبِيعٍ، قَبْضُ عِوَضِهِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ، إذَا شُرِطَ فِيهِ خِيَارٌ؛ (لِعَدَمِ حُلُولٍ) كَذَا قَالَ: وَتَقَدَّمَ لَكَ آنِفًا أَنَّهُ يَلْغُو الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ قَوْلًا وَاحِدًا. (وَابْتِدَاءُ أَمَدِ خِيَارِ) الشَّرْطِ (مِنْ عَقْدٍ) شُرِطَ فِيهِ؛ كَأَجَلِ ثَمَنٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 فَإِنْ شُرِطَ بَعْدَ عَقْدِ زَمَنِ الْخِيَارَيْنِ، فَمِنْ حِينِ شُرِطَ، وَإِنْ شُرِطَ مِنْ تَفَرُّقٍ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِجَهَالَتِهِ. (وَيَسْقُطُ) خِيَارُ شَرْطٍ (بِأَوَّلِ الْغَايَةِ، فَإِنْ مَضَتْ) الْغَايَةُ (قَبْلَ تَفَرُّقٍ؛ بَقِيَ خِيَارُ مَجْلِسٍ) ، فَإِنْ شُرِطَ إلَى رَجَبٍ؛ سَقَطَ بِأَوَّلِهِ، (وَإِلَى صَلَاةٍ) مَكْتُوبَةٍ؛ كَالظُّهْرِ مَثَلًا؛ سَقَطَ (بِدُخُولِ وَقْتِهَا) ؛ كَمَا إذَا شُرِطَ إلَى (الْغَدِ) ؛ فَيَسْقُطُ (بِطُلُوعِ فَجْرِهِ، وَ) إنْ شُرِطَ (بِطُلُوعِ شَمْسٍ، أَوْ إلَى غُرُوبِهَا، وَيَشُكُّ فِيهِ) ؛ أَيْ: الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ؛ فَيَصِحُّ الشَّرْطُ، وَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ (حَتَّى يَتَعَيَّنَ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَإِنْ جُعِلَ الْخِيَارُ (إلَى طُلُوعِهَا) ؛ أَيْ: الشَّمْسِ (مِنْ تَحْتِ غَيْمٍ) ؛ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ إلَى غَيْبَتِهَا تَحْتَهُ؛ (لَمْ يَصِحَّ) شَرْطُ الْخِيَارِ الْمَذْكُورِ؛ (لِجَهَالَتِهِ) ؛ كَمَا لَوْ شُرِطَ (نُزُولُ الْمَطَرِ وَقُدُومُ زَيْدٍ) وَهُبُوبُ رِيحٍ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَاهُ (لِحَصَادٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَجُذَاذٍ؛ فَيَلْغُوَا الشَّرْطُ (وَيَصِحُّ الْبَيْعُ) ؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ، (وَإِنْ شَرَطَاهُ) ؛ أَيْ: الْخِيَارَ شَهْرًا، مَثَلًا (يَوْمًا) يَثْبُتُ، (وَيَوْمًا) لَا يَثْبُتُ؛ (صَحَّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ) لَا مَكَانَهُ (فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَزِمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي؛ لَمْ يَعُدْ إلَى الْجَوَازِ. (وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ شَرْطِ يَوْمٍ لَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ، (وَيَوْمٍ لِأَجْنَبِيٍّ) عَنْهُمَا، أَوْ شُرِطَ (يَوْمٌ لِأَجْنَبِيٍّ وَثَانِيهِ) ؛ أَيْ: ذَلِكَ الْيَوْمُ (لِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ) ؛ أَيْ: مَعَهُمَا، لَا دُونَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ شَرْطُهُ) ؛ أَيْ: الْخِيَارِ (لَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، (وَ) يَصِحُّ شَرْطُهُ (مُتَفَاوِتًا) ؛ كَأَنْ يَشْرِطَاهُ لِأَحَدِهِمَا مُدَّةً وَلِلْآخَرِ دُونَهَا، (وَ) يَصِحُّ شَرْطُهُ (لِأَحَدِهِمَا) دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُمَا، وَإِنَّمَا جُوِّزَ؛ رِفْقًا بِهِمَا، فَكَيْفَمَا تَرَاضَيَا بِهِ جَازَ. وَيَصِحُّ شَرْطُ بَائِعَيْنِ غَيْرِ وَكِيلَيْنِ الْخِيَارَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 (لِغَيْرِهِمَا) ، [أَيْ: غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، (وَلَوْ) كَانَ الْغَيْرُ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْخِيَارُ (الْمَبِيعَ) ؛ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا قِنًّا] ، وَشَرَطَا لَهُ الْخِيَارَ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، (وَيَكُونُ) جَعْلُ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ (اشْتِرَاطًا لِنَفْسِهِ وَتَوْكِيلًا) ؛ [لَهُ فِيهِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَقَامَاهُ مَقَامَ نَفْسَيْهِمَا؛ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُ الْخِيَارِ لِوَكِيلٍ دُونَهُمَا] ؛ أَيْ: دُونَ الْمُتَبَايِعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْحَظِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. فَلَا يَكُونُ لِمَنْ لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ، وَأَمَّا صِحَّةُ جَعْلِهِ لِلْمَبِيعِ؛ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ. (فَلَوْ شَرَطَهُ وَكِيلٌ لِنَفْسِهِ؛ ثَبَتَ) الْخِيَارُ (لَهُمَا) ، فَيَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِهِ، وَيَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مُوَكِّلِهِ فِي الْبَيْعِ، وَالْخِيَارُ مِنْ تَعَلُّقَاتِهِ؛ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَكِيلُ. قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ شَرَطَهُ الْوَكِيلُ (لِنَفْسِهِ دُونَ مُوَكِّلِهِ) ؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ كَمَا لَوْ شَرَطَهُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَجْنَبِيٍّ دُونَهُ، (أَوْ) شَرَطَ الْوَكِيلُ (لِأَجْنَبِيٍّ؛ لَمْ يَصِحَّ) الشَّرْطُ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ دُونِي؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، (وَ) يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ لِمُتَعَاقِدَيْنِ - وَلَوْ كَانَا وَكِيلَيْنِ - لِأَنَّ النَّظَرَ فِي تَحْصِيلِ الْحَظِّ مُفَوَّضٌ إلَى الْوَكِيلِ (وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرَا) ؛ أَيْ: يَأْمُرْ الْمُوَكِّلَانِ الْوَكِيلَيْنِ (بِهِ) ؛ أَيْ: شَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِمَا مَرَّ: أَنَّ شَرْطَ الْحَظِّ مُفَوَّضٌ إلَى الْوَكِيلِ. وَيَصِحُّ شَرْطُ خِيَارٍ (فِي مَبِيعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَبِيعَيْنِ بِعَقْدٍ) وَاحِدٍ؛ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا عَبْدَيْنِ صَفْقَةً، وَشَرَطَا الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ جَمَعَ مَا بَيْنَ مَبِيعٍ فِيهِ الْخِيَارُ، وَمَبِيعٍ لَا خِيَارَ فِيهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى شِرَاءِ مَا فِيهِ شُفْعَةٌ، وَمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ، (وَمَتَى فُسِخَ) الْبَيْعُ (فِيهِ) ؛ أَيْ: فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ مِنْهُمَا؛ (رَجَعَ) مُشْتَرٍ أَقْبَضَ ثَمَنَهُمَا. (بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ) ؛ كَمَا لَوْ رُدَّ أَحَدُهُمَا لِعَيْبِهِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَقْبَضَهُ؛ سَقَطَ عَنْهُ بِقِسْطِهِ، وَدَفَعَ الْبَاقِيَ. (وَيَخْتَصُّ خِيَارُ مَجْلِسٍ بِوَكِيلٍ) حَيْثُ لَمْ يَحْضُرْ الْمُوَكِّلُ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُتَعَاقِدِينَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 (فَإِنْ حَضَرَ مُوَكِّلٌ) بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ، (وَحَجَرَ عَلَى وَكِيلِهِ فِي خِيَارٍ؛ رَجَعَ الْخِيَارُ) حَقِيقَةً (لِمُوَكِّلٍ) ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، (وَلَا يَفْتَقِرُ فَسْخُ مَنْ يَمْلِكُهُ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (لِحُضُورِ صَاحِبِهِ) الْعَاقِدِ مَعَهُ، (وَلَا) إلَى (رِضَاهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ حَلَّ عَقْدٌ جُعِلَ إلَيْهِ؛ فَجَازَ فِي غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَمَعَ سَخَطِهِ؛ كَالطَّلَاقِ. (وَلَا فَسْخَ لِمُحْرِمٍ فِي صَيْدٍ) بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ أَحْرَمَ فِي مُدَّتِهِ؛ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ (قَبْلَ حِلِّهِ) مِنْ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءً تَمْلِيكٌ لِلصَّيْدِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَحْظُورَاتِهِ. (وَيَجِبُ) الْفَسْخُ (فِي لُقَطَةٍ) بَاعَهَا الْمُلْتَقِطُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَتَعْرِيفِهَا فِيهِ، ثُمَّ (عَرَفَ رَبَّهَا) فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ فَعَلَى الْمُلْتَقِطِ فَسْخُ الْمَبِيعِ فِي الْحَالِ، وَرَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي ". وَ (لَا) يَجِبُ الْفَسْخُ (فِي صَدَاقٍ) بَاعَتْهُ الزَّوْجَةُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ (سَقَطَ) الصَّدَاقُ بِتَطْلِيقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهَا عَلَى ذَلِكَ بِالْعَقْدِ مَعَهَا؛ بِخِلَافِ رَبِّ اللُّقَطَةِ مَعَ الْمُلْتَقِطِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ، (وَعَنْهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: (لَا فَسْخَ لِبَائِعٍ إلَّا بِرَدِّ الثَّمَنِ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ؛ (كَالشَّفِيعِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: وَكَذَا التَّمَلُّكَاتُ الْقَهْرِيَّةُ؛ كَأَخْذِ غِرَاسٍ، وَبِنَاءِ مُسْتَأْجِرٍ) بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، (وَمُسْتَعِيرٍ وَزَرْعِ غَاصِبٍ) إذَا أَدْرَكَهُ بِالْأَرْضِ قَبْلَ حَصَادِهِ. (وَفِي " الْإِنْصَافِ " هَذَا هُوَ الصَّوَابُ) الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ، (خُصُوصًا فِي زَمَنِنَا هَذَا، وَقَدْ كَثُرَتْ الْحِيَلُ) . أَقُولُ: وَهَذَا زَمَنُهُ، فَكَيْفَ بِزَمَنِنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ. (انْتَهَى) " كَلَامُ الْإِنْصَافِ ". (وَيَتَّجِهُ) عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ رَدِّ الثَّمَنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لَكِنْ (لَهُ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (حَبْسُهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ، (لِيَرُدَّ) الْبَائِعُ (الثَّمَنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 وَنَحْوَهُ) . وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ مَضَى زَمَنُهُ) ؛ أَيْ: الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ (وَلَمْ يُفْسَخْ) بَيْعٌ مَشْرُوطٌ لَهُ؛ (بَطَلَ خِيَارُهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَيْنِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا، أَوْ خِيَارُ أَحَدِهِمَا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ، (وَلَزِمَ بَيْعٌ إنْ كَانَا تَفَرَّقَا) بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ الْمَجْلِسِ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى بَقَاءِ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ مُدَّتِهِ الْمَشْرُوطَةِ. [فَصْلٌ يَنْتَقِلُ مِلْكٌ فِي ثَمَنٍ إلَى بَائِعٍ بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ] (فَصْلٌ: وَيَنْتَقِلُ مِلْكٌ فِي ثَمَنٍ) إلَى بَائِعٍ، (وَفِي مُثَمَّنٍ) إلَى مُشْتَرٍ إذْ كَانَا (مُعَيَّنَيْنِ) أَوْ مَقْبُوضَيْنِ (بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ) ، سَوَاءٌ شُرِطَ الْخِيَارُ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا؛ لِظَاهِرِ حَدِيثِ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَجَعْلُ الْمَالِ لِلْمُبْتَاعِ بِاشْتِرَاطِهِ، وَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ؛ يَشْمَلُ بَيْعَ الْخِيَارِ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ؛ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ بِقَوْلِ: مَلَّكْتُكَ؛ فَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ؛ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ التَّمْلِيكَ يَدُلُّ عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَيَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيهِ؛ لَا يُنَافِيهِ، (وَلَوْ فَسَخَاهُ) ؛ أَيْ: الْبَيْعَ (بَعْدُ) بِخِيَارٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ تَقَايُلٍ وَنَحْوِهَا، (أَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا) دُونَ الْآخَرِ، (فَيُعْتَقُ) بِشِرَاءِ (مَنْ) ؛ أَيْ: رَقِيقٍ (يُعْتَقُ عَلَى مُنْتَقِلٍ إلَيْهِ) لِرَحِمٍ أَوْ تَعْلِيقٍ أَوْ اعْتِرَافٍ بِحُرِّيَّةٍ، (وَعَلَيْهِ نَقْصُهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِحَقِّ تَوَفِّيهِ) ؛ كَغَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَالْمَزْرُوعِ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى مُشْتَرٍ - وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ - إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ الْبَائِعُ، أَوْ كَانَ مَبِيعًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ زَرْعٍ، وَقَبَضَهُ مُشْتَرٍ بِذَلِكَ، وَتَلِفَ أَوْ نَقَصَ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ؛ فَمِنْ ضَمَانِ مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ تَلِفَ بِيَدِهِ. (وَيَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: يَلْزَمُ مَنْ اشْتَرَى قِنًّا بِالْخِيَارِ (فِطْرَتُهُ) بِغُرُوبِ الشَّمْسِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ قَبْلَ فَسْخِهِ، (وَ) تَلْزَمُ (زَكَاتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَى نِصَابَ مَاشِيَةٍ سَائِمَةٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَوْلًا؛ زَكَّاهُ الْمُشْتَرِي، أَمْضَى الْبَيْعَ أَوْ فَسَخَهُ؛ لِمُضِيِّ الْحَوْلِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، (وَ) تَلْزَمُهُ (مُؤْنَتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ مِنْ نَفَقَةٍ وَأُجْرَةِ مَخْزَنٍ وَكُلْفَةِ نَقْلٍ أَوْ نَشْرٍ احْتَاجَ إلَيْهِ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ. (وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ) إذَا كَانَ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ، وَاشْتَرَى الْآخَرُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُجَامِعُ الْمِلْكَ. (وَكَسْبُ) مَبِيعٍ (وَنَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ) مِنْهُ مُدَّةَ خِيَارٍ (لَهُ) أَيْ: لِمُشْتَرٍ؛ لِحَدِيثِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَيَتْبَعُ نَمَاءٌ مُتَّصِلٌ الْمَبِيعَ؛ لِتَعَذُّرِ انْفِصَالِهِ، (وَمَا أَوْلَدَ) ؛ أَيْ: أَحْبَلَ مُشْتَرٍ مِنْ أَمَةٍ مَبِيعَةٍ وَطِئَهَا زَمَنَ الْخِيَارِ (فَأُمُّ وَلَدٍ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ مِلْكًا لَهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَحْبَلَهَا بَعْدَ مُدَّةِ الْخِيَارِ، إذْ الْوِلَادَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ مُجَرَّدُ الْعُلُوقِ. (وَوَلَدُهُ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي (حُرٌّ) ثَابِتُ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَمْلُوكَتِهِ؛ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ، وَلَا تَلْزَمُهُ قِيمَةُ وَلَدِهِ، وَإِذَا فَسَخَ الْبَائِعُ ثَبَتَ لَهُ قِيمَتُهَا؛ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ فِيهَا نَفْسِهَا، (لَكِنْ لَا شُفْعَةَ مُدَّةَ خِيَارٍ) - وَلَوْ قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ - لِقُصُورِهِ وَمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِاخْتِيَارِهِ؛ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةُ الْخِيَارِ، وَأَمَّا الشَّفِيعُ إذَا بَاعَ حِصَّتَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ انْتِزَاعُ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ ثَانِيًا مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُ الشَّفِيعِ حَالَ بَيْعِهِ، سَوَاءٌ أُمْضِيَ الْبَيْعُ أَوْ فُسِخَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُهُ شَرِيكًا حَالَ الْبَيْعِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْبَائِعُ؛ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِبَيْعِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِشِرَائِهِ؛ كَمَا يَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ. (وَعَلَى مُنْتَقِلٍ عَنْهُ) الْمِلْكِ وَهُوَ الْبَائِعُ (بِوَطْءِ) مَبِيعَةٍ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ (الْمَهْرُ) لِمُشْتَرٍ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إنْ جَهِلَ، وَعَلَيْهِ (مَعَ عِلْمِ تَحْرِيمِهِ) ؛ أَيْ: الْوَطْءِ (وَ) عِلْمِ (زَوَالِ مِلْكِهِ) عَنْ مَبِيعٍ بِعَقْدٍ، (وَأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ) الْمَبِيعَةَ (الْحَدَّ، نَصًّا) ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 (وَيَتَّجِهُ لَا حَدَّ) عَلَى الْبَائِعُ بِوَطْئِهِ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ، سَوَاءٌ عَلِمَ التَّحْرِيمَ أَوْ جَهِلَهُ؛ (لِلشُّبْهَةِ) بِسَبَبِ الِاخْتِلَافِ فِي بَقَاءِ مِلْكِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَكُونُ الْمِلْكُ لَهُ. (وَاخْتَارَهُ) ؛ أَيْ: الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ (جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ: الْمُوَفَّقُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّارِحُ " وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ " وَالنَّاظِمُ وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ "؛ (لِقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ: بِعَدَمِ نَقْلِ مِلْكٍ عَمَّنْ انْفَرَدَ بِالْخِيَارِ) ، وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي " الْكَافِي ": الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ انْتَهَى. قَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا عَلِمَ زَوَالَ مِلْكِهِ، وَأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ بِالْوَطْءِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِهِ، وَيَأْتِي فِي حَدِّ الزِّنَا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُحَدُّ، وَلَوْ انْفَرَدَ بِالْخِيَارِ حَيْثُ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ. (وَوَلَدُهُ) ؛ أَيْ: الْبَائِعِ (قِنٌّ) لِمُشْتَرٍ لَا يَلْحَقُ الْبَائِعَ نَسَبُهُ، وَأَمَّا مَعَ جَهْلِهِ بِوَاحِدٍ مِمَّا سَبَقَ؛ فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَيَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ وِلَادَةٍ لِمُشْتَرٍ، وَلَا حَدَّ. (وَالْحَمْلُ) الْمَوْجُودُ (وَقْتَ عَقْدِ مَبِيعٍ) مَعَ أُمِّهِ، (لَا نَمَاءَ) لِلْمَبِيعِ؛ فَهُوَ كَالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ " الْمُوَفَّقُ " " وَالشَّارِحُ " وَغَيْرُهُمَا؛ (فَتُرَدُّ الْأُمَّاتُ) ؛ مِنْ الْبَهَائِمِ (بِفَسْخِ) مُشْتَرٍ لِعَيْبٍ وُجِدَ (فِيهَا بِقِسْطِهَا) مِنْ الثَّمَنِ؛ كَعَيْنٍ مَعِيبَةٍ بِيعَتْ مَعَ غَيْرِهَا. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) ؛ أَيْ: رَدُّ الْأُمَّاتِ بِفَسْخٍ لِعَيْبٍ - (إنْ وَضَعَتْهُ) ؛ أَيْ: الْوَلَدَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ - لِيَصِيرَ مُنْفَصِلًا عَنْهَا، وَيُمْكِنُ تَقْوِيمُهَا، وَيُعْلَمُ قِسْطُهَا مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (أَوْ) كَانَ قَدْ (بَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ) مِنْ الْأُمِّ وَحَمْلِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ (لِيُعْلَمَ الْقِسْطُ [فَضَعِيفٌ] ، وَلَا يُرَدُّ) وَلَدُ بَهِيمَةٍ مَبِيعَةٍ حَامِلٍ وَلَدَتْهُ فِي مُدَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 الْخِيَارِ، ثُمَّ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ (مَعَهَا) ؛ أَيْ: أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ؛ كَثَمَرَةٍ جُزَّتْ، (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: " لِلْإِقْنَاعِ " حَيْثُ جَزَمَ بِرَدِّ الْوَلَدِ مَعَهَا. وَمَا قَالَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " تَبِعَ فِيهِ الْقَاضِي، وَابْنَ عَقِيلٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ " الْمُصَنِّفُ "، كَمَا فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ فِي الْمَبِيعِ مِنْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ - وَلَوْ مِنْ عَيْنِهِ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ - فَهُوَ لِمُشْتَرٍ، هَذَا فِي الْبَهَائِمِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ. (وَحَرُمَ تَصَرُّفُهُمَا) أَيْ: الْمُتَبَايِعَيْنِ (مَعَ خِيَارِهِمَا) أَيْ: مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا زَمَنَهُ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِلْغَيْرِ وَحْدَهُ، وَإِلَّا فَفَاسِدٌ؛ كَمَا تَقَدَّمَ. (فِي ثَمَنٍ مُعَيَّنٍ) أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَقَبْضٍ (وَمُثَمَّنٍ) ؛ لِزَوَالِ مِلْكِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، وَعَدَمِ انْقِطَاعٍ عُلِّقَ زَائِلُ الْمِلْكِ عَنْهُ، (وَ) كَذَا يَحْرُمُ تَصَرُّفُ مُؤَجِّرٍ فِي (أُجْرَةٍ، وَ) مُسْتَأْجِرٍ فِي شَيْءٍ (مُؤَجَّرٍ) مُدَّةَ الْخِيَارِ. (وَيَسْقُطُ خِيَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِتَصَرُّفِهِ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ، بِنَحْوِ سَوْمٍ) ؛ كَتَعْرِيضٍ لِلْبَيْعِ، لَا بِتَجْرِبَتِهِ وَنَقْدِهِ وَتَثْمِينِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ سَوْمًا، (أَوْ) تَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ (بِوَقْفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ لَمْسِ) أَمَةٍ مَبِيعَةٍ (لِشَهْوَةٍ وَنَحْوِهِ) كَتَقْبِيلِهَا، فَمَتَى وُجِدَ مِنْ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ سَقَطَ خِيَارُهُ وَكَذَا يَسْقُطُ خِيَارٌ بِرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ وَمُسَاقَاةٍ وَنَحْوِهَا، (وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ) ؛ أَيْ: أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (إنْ كَانَ الْخِيَارُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 لَهُ وَحْدَهُ فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ صَاحِبِهِ، وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ، فَإِنْ كَانَ مُشْتَرِيًا فَتَصَرُّفُهُ فِي الْمَبِيعِ دَلِيلٌ عَلَى رِضَاهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بَائِعًا فَتَصَرُّفُهُ فِي الثَّمَنِ كَذَلِكَ؛ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا مَعًا فَتَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا (مَعَ شَرِيكِهِ) ؛ بِأَنْ بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ؛ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ، (أَوْ) بَاعَ السِّلْعَةَ مُشْتَرٍ لِأَجْنَبِيٍّ (بِإِذْنِهِ) ؛ أَيْ: بِإِذْنِ شَرِيكِهِ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ؛ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، وَيَكُونُ الْبَيْعُ مِنْهُمَا، (وَإِلَّا) يَكُنْ الْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ، وَتَصَرَّفَ لَا مَعَ شَرِيكِهِ وَلَا بِإِذْنِهِ؛ (فَلَا) يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، (إلَّا) إذَا كَانَ الْمُتَصَرِّفُ الْمُشْتَرِيَ، وَتَصَرَّفَ (بِعِتْقِ) الرَّقِيقِ الْمَبِيعِ، فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ رَقِيقًا وَتَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِيهِ بِالْعِتْقِ. وَ (لَا) يَبْطُلُ الْخِيَارُ (بِتَصَرُّفِهِ) ؛ أَيْ: أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (فِيمَا انْتَقَلَ عَنْهُ) ؛ كَتَصَرُّفِ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ، وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ، (وَلَا يَنْفُذُ) تَصَرُّفُ بَائِعٍ فِي مَبِيعٍ وَلَا مُشْتَرٍ فِي ثَمَنٍ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعَ أَوْ غَيْرَهُ، وَكَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، (إلَّا) إذَا كَانَ التَّصَرُّفُ (بِتَوْكِيلٍ مُنْتَقَلٍ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، (وَيَبْطُلُ خِيَارُهُمَا إنْ كَانَ) تَوْكِيلُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ (فِيمَا) ؛ أَيْ: تَصَرُّفٍ (يَنْقُلُ الْمِلْكَ) ؛ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَوَقْفٍ، وَوَكِيلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِثْلُهُمَا فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ مُوَكِّلِهِ. (وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ) مُشْتَرٍ (بِتَصَرُّفٍ) فِي مَبِيعٍ (لِتَجْرِبَةٍ؛ كَرُكُوبِ) دَابَّةٍ (لِمَعْرِفَةِ سَيْرِهَا، وَحَلْبِ) شَاةٍ (لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ لَبَنِهَا) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ زَمَنَ الْخِيَارِ؛ فَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ، (وَلَا) يَسْقُطُ (بِاسْتِخْدَامِ قِنٍّ - وَلَوْ) كَانَ اسْتِخْدَامُهُ (لِغَيْرِ تَجْرِبَةٍ) - لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَسْقُطُ إنْ (قَبَّلَتْهُ) الْأَمَةُ (الْمَبِيعَةُ، وَلَمْ يَمْنَعْهَا) ، نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إبْطَالِهِ، وَالْخِيَارُ لَهُ، لَا لَهَا، (أَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ) حَالَ كَوْنِهِ (نَائِمًا، وَلَمْ تَحْبَلْ) ؛ كَمَا لَوْ قَبَّلَتْ الْبَائِعَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 (وَيَبْطُلُ خِيَارُهُمَا) ؛ أَيْ: الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ خِيَارَ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ (بِتَلَفِ مَبِيعٍ) لَا يَحْتَاجُ لِحَقِّ تَوْفِيَةٍ - وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ - عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (خِلَافًا) " لِلْمُنْتَهَى " حَيْثُ قَالَ: بَعْدَ قَبْضٍ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَبْطُلُ خِيَارٌ فِي مَبِيعٍ (احْتَاجَ لِحَقِّ تَوْفِيَةٍ) ؛ كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ وَمَزْرُوعٍ بِيعَ بِذَلِكَ، وَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضٍ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ لَا يَتَأَتَّى عَلَيْهِ الْفَسْخُ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ فَكَذَلِكَ يَبْطُلُ الْخِيَارُ؛ لَكِنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي؛ (كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعَ (مُشْتَرٍ) ؛ فَمِنْ ضَمَانِهِ، وَيَسْقُطُ الْخِيَارُ، سَوَاءٌ قُبِضَ أَوْ لَمْ يُقْبَضْ، اشْتَرَى بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، أَوْ لَا؛ لِاسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ بِذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ. (وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا) أَيْ: الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي؛ (بَطَلَ خِيَارُهُ وَحْدَهُ) ، وَلَمْ يُورَثْ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ فَسْخٍ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ؛ فَلَمْ يُورَثْ؛ كَخِيَارِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، (لَا إنْ طَالَبَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ، فَإِنْ طَالَبَ بِهِ قَبْلَهُ؛ (فَيُورَثُ؛ كَشُفْعَةٍ وَحَدِّ قَذْفٍ) . قَالَ أَحْمَدُ: الْمَوْتُ يَبْطُلُ بِهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الشُّفْعَةُ، وَالْحَدُّ إذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ، وَالْخِيَارُ إذَا مَاتَ الَّذِي اشْتَرَطَ الْخِيَارَ لَمْ تَكُنْ لِلْوَرَثَةِ، هَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَشْيَاءَ إنَّمَا هِيَ بِالطَّلَبِ، فَإِذَا لَمْ يَطْلُبْ فَلَيْسَ يَجِبُ، إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنِّي عَلَى حَقِّي مِنْ كَذَا أَوْ كَذَا، أَوْ أَنِّي قَدْ طَلَبَتْهُ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ؛ كَانَ لِوَارِثِهِ الطَّلَبُ بِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي إرْثِ خِيَارٍ غَيْرِ خِيَارِ الشَّرْطِ. (وَإِنْ جُنَّ) مَنْ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ، (أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ؛ فَوَلِيُّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ) ؛ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ، أَمَّا فِي الْمَجْنُونِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ فَلَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ لِأَحَدٍ، (وَكَذَا إنْ خَرِسَ) مَنْ اشْتَرَطَ لَهُ الْخِيَارَ، (فَلَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ) فَهُوَ؛ كَمَجْنُونٍ، وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ؛ قَامَتْ مَقَامَ نُطْقِهِ. (وَيُورَثُ خِيَارُ عَيْبٍ وَتَدْلِيسٍ مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ طَلَبَهُ مُسْتَحِقُّهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، أَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ فِيهِ الْمَالُ لِمُورَثٍ، فَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ؛ كَقَبُولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 الْوَصِيَّةِ؛ بِخِلَافِ خِيَارٍ. الْقِسْمُ (الثَّالِثُ) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ (خِيَارُ غَبْنٍ يَخْرُجُ عَنْ عَادَةٍ) ، نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَحْدِيدِهِ، فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ؛ كَالْقَبْضِ وَالْحَرْزِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ عَادَةٍ؛ فَلَا فَسْخَ؛ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ بِهِ. (وَيَثْبُتُ) خِيَارُ غَبْنٍ وَلَوْ [كَانَ] وَكِيلًا قَبْلَ إعْلَامِ مُوَكِّلِهِ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: (لِرُكْبَانٍ) - جَمْعُ رَاكِبٍ - يَعْنِي الْقَادِمَ مِنْ سَفَرٍ، (وَلِمُشَاةٍ تَلَقَّوْا) ؛ أَيْ: تَلَقَّاهُمْ حَاضِرٌ عِنْدَ قُرْبِهِمْ مِنْ الْبَلَدِ - (وَلَوْ) كَانَ التَّلَقِّي (بِلَا قَصْدٍ) - نَصًّا؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِإِزَالَةِ ضَرَرِهِمْ بِالْغَبْنِ، وَلَا أَثَرَ لِلْقَصْدِ فِيهِ، (إذَا بَاعُوا) ؛ أَيْ: الرُّكْبَانُ، (أَوْ اشْتَرَوْا) قَبْلَ الْعِلْمِ بِالسِّعْرِ، (وَغُبِنُوا) ؛ لِحَدِيثِ: «لَا تَتَلَقَّوْا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ، فَاشْتَرَى مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَصَحَّ الشِّرَاءُ مَعَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ لِعَيْبٍ فِي الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْخَدِيعَةِ، وَيُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهَا بِالْخِيَارِ؛ أَشْبَهَ الْمُصَرَّاةَ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلِمُسْتَرْسِلٍ) ؛ أَيْ مُعْتَمِدٍ عَلَى صِدْقِ غَيْرِهِ؛ لِسَلَامَةِ سَرِيرَتِهِ، فَيَنْقَادُ لَهُ انْقِيَادَ الدَّابَّةِ [ (غَبْنٌ) فِي مَبِيعٍ. وَيَتَّجِهُ بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَ) مَحَلُّ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِمُسْتَرْسِلٍ] (إذَا لَمْ يَتَوَلَّ طَرَفَيْ عَقْدٍ) ، أَمَّا إذَا تَوَلَّاهُمَا؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَهُوَ) مَنْ اسْتَرْسَلَ إذَا اطْمَأَنَّ وَاسْتَأْنَسَ، وَشَرْعًا (مَنْ جَهِلَ الْقِيمَةَ) ؛ أَيْ: قِيمَةَ الْمَبِيعِ، (وَلَا يُحْسِنُ تَمَاكُسًا) ؛ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَمَاكَسَا فِي الْبَيْعِ تَشَاحَّا؛ وَمَاكَسَهُ شَاحَّهُ. (مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ) ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْغَبْنُ بِجَهْلِهِ بِالْبَيْعِ؛ أَشْبَهَ الْقَادِمَ مِنْ سَفَرٍ، (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي جَهْلِ قِيمَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 الْأَصْلُ (بِلَا قَرِينَةٍ تُكَذِّبُهُ) فِي دَعْوَى الْجَهْلِ؛ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ (وَلَا خِيَارَ لِذِي خِبْرَةٍ بِسِعْرِ) مَبِيعٍ، وَيَدْخُلُ عَلَى بَصِيرَةٍ بِالْغَبْنِ، (وَلَا لِمُسْتَعْجِلٍ غُبِنَ لِاسْتِعْجَالِهِ) فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ تَوَقَّفَ فِيهِ، وَلَمْ يَتَعَجَّلْ لَمْ يُغْبَنْ؛ لِعَدَمِ التَّغْرِيرِ، وَكَذَا إجَارَةٌ يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْغَبْنِ إذَا جَهِلَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَلَمْ يُحْسِنْ الْمُمَاكَسَةَ فِيهَا. الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي نَجْشٍ بِأَنْ يُزَايِدَهُ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِيَ (مَنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءً) لِغَيْرِهِ - مِنْ نَجَشْتُ الصَّيْدَ إذَا أَثَرْتَهُ، كَأَنَّ الْمُنَاجِشَ يُثِيرُ كَثْرَةَ الثَّمَنِ بِنَجْشِهِ -. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حِذْقِ الَّذِي زَادَ فِيهَا، لِأَنَّ تَغْرِيرَ الْمُشْتَرِي لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا، فَلَوْ كَانَ عَارِفًا، وَاغْتَرَّ بِذَلِكَ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِعَجَلَتِهِ، وَعَدَمِ تَأَمُّلِهِ، (وَلَوْ) كَانَتْ زِيَادَةَ مَنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءً (بِلَا مُوَاطَأَةٍ) مِنْ الْبَائِعِ مَعَ مَنْ يَزِيدُ فِيهَا، أَوْ زَادَ فِيهَا الْبَائِعُ نَفْسُهُ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، (وَمِنْهُ) ؛ أَيْ: النَّجْشِ، قَوْلُ بَائِعٍ (أُعْطِيتُ) فِي السِّلْعَةِ (كَذَا، وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْبَائِعُ (كَاذِبٌ. وَهُوَ) ؛ أَيْ: النَّجْشُ حَرَامٌ؛ (لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْرِيرِ مُشْتَرٍ، وَلِذَا حَرُمَ عَلَى بَائِعٍ سَوْمُ مُشْتَرٍ كَثِيرًا لِيَبْذُلَ) الْمُشْتَرِي (قَرِيبًا مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِمَّا سَامَهُ. (ذَكَرَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ. وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِكَذَا، وَكَانَ زَائِدًا عَمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ؛ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ، وَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ. صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَيَتَّجِهُ) حُرْمَةُ (هَذَا) ؛ أَيْ: فِعْلُ مُزَايَدَةِ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ لَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ (إنْ زَايَدَهُ) تَرْغِيبًا لَهُ فِي أَخْذِ السِّلْعَةِ (لِيُغْرِهِ) بِهَا، فَيَأْخُذَهَا بِثَمَنٍ زَائِدٍ عَلَى قِيمَتِهَا، (فَإِنْ زَادَ فِيهَا) ، أَوْ سَامَهَا بَائِعٌ كَثِيرًا (لِيَبْلُغَ الْقِيمَةَ) ؛ أَيْ: قِيمَةَ الْمِثْلِ؛ (فَلَا تَحْرِيمَ) فِي ذَلِكَ؛ لِعَدَمِ التَّغْرِيرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا أَرْشَ فِي غَبْنٍ مَعَ إمْسَاكِ) مَبِيعٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَجْعَلْهُ لَهُ، وَلَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 يَفُتْ عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ مَبِيعٍ يَأْخُذُ الْأَرْشَ فِي مُقَابَلَتِهِ، (لَكِنْ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ) فِي " شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ ": (يُحَطُّ مِنْ الثَّمَنِ) ؛ أَيْ: يَسْقُطُ عَنْهُ (مَا غُبِنَ بِهِ) ، وَيَرْجِعُ بِهِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ (الْمُنَقِّحُ: وَلَمْ نَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ قِيَاسُ خِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ عَلَى قَوْلٍ. انْتَهَى) كَلَامُ الْمُنَقِّحِ. اخْتَارَ الْقَوْلَ فِي التَّدْلِيسِ أَبُو بَكْرٍ فِي " التَّنْبِيهِ " وَصَاحِبُ " الْمُبْهِجِ " " وَالتَّلْخِيصِ " " وَالتَّرْغِيبِ " " وَالْبُلْغَةِ " وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ". (وَمَنْ قَالَ) مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ (عِنْدَ الْعَقْدِ لَا خِلَابَةَ أَيْ: لَا خَدِيعَةَ؛ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا خُلِبَ) ؛ أَيْ: خُدِعَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: إذَا لَمْ تَغْلِبْ فَاخْلِبْ، رُوِيَ: «أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ: إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ ثَمَرَةَ قَوْلِ عَاقِدٍ: لَا خِلَابَةَ. ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ، (وَلَوْ) كَانَ غَبْنُهُ (يَسِيرًا) لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ عَادَةً، (وَإِلَّا فَهُوَ) ؛ أَيْ: الْخِيَارُ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ (ثَابِتٌ شَرْعًا؛ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) عَاقِدٌ شَيْئًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَخِيَارُ غَبْنٍ مُتَرَاخٍ) كَخِيَارِ (عَيْبٍ) ؛ لِثُبُوتِهِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَحَقِّقٍ؛ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالتَّأْخِيرِ بِلَا رِضًا؛ كَالْقِصَاصِ، (وَلَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ) لِغَبْنٍ (تَعَيُّبُهُ) ؛ أَيْ: حُدُوثُ عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ عِنْدَ مُشْتَرٍ، (وَعَلَى مُشْتَرٍ الْأَرْشُ) لِعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَهُ إذَا رَدَّهُ؛ كَالْمَعِيبِ إذَا تَعَيَّبَ عِنْدَهُ وَرَدَّهُ، (وَلَا) يَمْنَعُ الْفَسْخَ (تَلَفُهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ، (وَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي، (قِيمَتُهُ) لِبَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مِثْلِيًّا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 (وَلِلْإِمَامِ) الْأَعْظَمِ، (وَيَتَّجِهُ أَوْ نَائِبِهِ) لِأَمِيرٍ أَوْ الْقَاضِي؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا هُنَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (جَعْلُ عَلَامَةٍ تَنْفِي الْغَبْنَ عَمَّنْ يَغْبِنُ كَثِيرًا) ، لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ (وَكَبَيْعٍ) فِي غَبْنٍ (إجَارَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ. (وَيَتَّجِهُ وَصُلْحٌ) عَنْ حَقٍّ مُقَرٍّ بِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِمَعْنَى بَيْعٍ، (وَ) كَذَا (هِبَةٌ) عَلَى عِوَضٍ (بِمَعْنَاهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ، فَإِذَا وَجَدَ مُصَالَحٌ أَوْ مُتَّهَبٌ فِي عَيْنٍ مُصَالَحٍ بِهَا أَوْ مَوْهُوبَةٍ غَبْنًا فَاحِشًا؛ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَهُوَ مُتَّجِهُ. (وَتَبْطُلُ قِسْمَةُ) تَرَاضٍ: وَهِيَ مَا فِيهَا ضَرَرٌ، أَوْ رَدُّ عِوَضٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) ظَهَرَ بَعْدَ أَنْ تَمَّتْ؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَيْعِ؛ إذْ صَاحِبُ الزَّائِدِ بَذَلَ الْمَالَ عِوَضًا عَمَّا حَصَلَ لَهُ مِنْ حَقِّ شَرِيكِهِ، وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ، (لَا نِكَاحَ) ؛ فَلَا فَسْخَ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إنْ غُبِنَ فِي الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَيْسَ رُكْنًا فِي النِّكَاحِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَلِكَ) لَا فَسْخَ فِي (خُلْعٍ، وَلَا فِي بَقِيَّةِ عُقُودٍ) لَازِمَةً كَانَتْ أَوْ جَائِزَةً سِوَى الْمَذْكُورَاتِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ فَسَخَ) مَغْبُونٌ مِنْ مُؤَجِّرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٍ (فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ إجَارَةٍ؛ ارْتَفَعَ الْعَقْدُ) ؛ أَيْ: عَقْدُ الْإِجَارَةِ (مِنْ أَصْلِهِ) ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا بَيْعٌ) فُسِخَ لِغَبْنٍ (فَيُرَدُّ نَمَاءٌ) انْفَصَلَ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 مَبِيعٍ قَبْلَ الْفَسْخِ؛ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ؛ فَغَبْنٌ، نُظِرَ؛ لِمَا يَأْتِي فِي آخِرِ فَصْلِ الْإِقَالَةِ، وَالْفَسْخُ رَفْعُ عَقْدٍ مِنْ حِينِ فَسْخٍ، فَمَا حَصَلَ مِنْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ؛ فَلِمُشْتَرٍ، (وَ) حَيْثُ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ فَسْخِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَعَقْدِ الْبَيْعِ، فَإِنْ فَسَخَ مُؤَجِّرٌ لِغَبْنٍ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، (أَخَذَ) مِنْ مُسْتَأْجِرٍ (الْقِسْطَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ) ، لِمَا مَضَى، (وَلَا) يَأْخُذُ الْقِسْطَ مِنْ أَجْرٍ (مُسَمًّى) فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَدْرِكَ ظُلَامَةَ الْغَبْنِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ لِمُدَّتِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ بِمُؤَجَّرَةٍ، فَفَسَخَ؛ فَيَرْجِعُ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ يَسْتَدْرِكُ ظُلَامَتَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِسْطِهِ مِنْهَا مَعِيبًا؛ فَيَرْتَفِعُ عَنْهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ. نَقَلَهُ الْمَجْدُ عَنْ الْقَاضِي. (وَرَجَعَ مَغْبُونٌ) فِي عَقْدِ إجَارَةٍ (بِمَا زَادَ) عَنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ إنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ. وَإِنْ كَانَ الْمَغْبُونُ الْمُؤَجِّرَ؛ فَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ عَنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ؛ لِمَا مَضَى. (وَبِفَسْخِ) عَقْدِ إجَارَةٍ (لِعَيْبٍ) ظَهَرَ فِي عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ (يُؤْخَذُ) ؛ أَيْ: يَأْخُذُ مُؤَجِّرٌ (الْقِسْطَ مِنْ) الْأَجْرِ (الْمُسَمَّى) فِي الْعَقْدِ، (وَيَرْجِعُ) مُسْتَأْجِرٌ عَلَى مُؤَجِّرٍ (بِأَرْشِ عَيْبٍ) ، فَلَوْ كَانَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ عَشَرَةً عَنْ مُدَّةِ سَنَةٍ، وَاسْتَوْفَى مُسْتَأْجِرٌ نِصْفَهَا، ثُمَّ فَسَخَ لِعَيْبٍ، وَأَخَذَ مِنْهُ، وَكَانَتْ الْأُجْرَةُ مَعَ الْعَيْبِ تُسَاوِي ثَمَانِيَةً؛ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِوَاحِدٍ بَدَلَ أَرْشِ الْعَيْبِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ مَعَ الْعَيْبِ؛ فَلَا أَرْشَ لَهُ، بَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْمُسَمَّى كَامِلًا. الْقِسْمُ (الرَّابِعُ) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ (خِيَارُ تَدْلِيسٍ) - مِنْ الدَّلَسِ بِالتَّحْرِيكِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 بِمَعْنَى الظُّلْمَةِ - كَأَنَّ الْبَائِعَ بِفِعْلِهِ الْآتِي صَيَّرَ الْمُشْتَرِيَ فِي ظُلْمَةٍ (بِمَا يَزِيدُ بِهِ الثَّمَنَ) ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) بِمَا يَزِيدُ بِهِ (الْأُجْرَةَ) فِي الْمَأْجُورِ، صَرَّحَ بِمِثْلِهِ فِي " مُخْتَارِ الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ " وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (كَتَصْرِيَةِ لَبَنٍ) ؛ أَيْ: (بِضَرْعٍ) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنْ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا، إنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: لَا تُصَرُّوا - بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ - وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، (وَكَتَحْمِيرِ وَجْهٍ، وَتَسْوِيدِ شَعْرٍ) رَقِيقٍ، (وَتَجْعِيدِهِ) ؛ أَيْ: الشَّعْرِ، (وَجَمْعِ مَاءِ رَحًى، وَإِرْسَالِهِ عِنْدَ عَرْضٍ) لِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ، لِيَشْتَدَّ دَوَرَانُهَا، فَيَظُنُّهُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ عَادَتَهَا، فَيَزِيدُ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ؛ فَلَهُ الْخِيَارُ؛ كَالْمُصَرَّاةِ، وَلِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ، فَأَشْبَهَ النَّجْشَ، (وَ) كَذَا (تَحْسِينُ وَجْهِ صُبْرَةٍ) ، أَوْ تَصَنُّعُ نَسَّاجٍ وَجْهَ (ثَوْبٍ) ، وَصَقْلَ وَجْهِ مَتَاعٍ، وَنَحْوَهُ، (وَيَحْرُمُ فِعْلُ ذَلِكَ؛ كَمَا يَحْرُمُ كَتْمُ عَيْبٍ، فَيَجِبُ بَيَانُهُ عَلَى عَالِمٍ بِهِ) ؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ. (وَ) يَثْبُتُ (لِمُشْتَرٍ لَمْ يَعْلَمْ) بِالتَّدْلِيسِ، خِيَارُ رَدٍّ، (وَلَوْ حَصَلَ تَدْلِيسٌ بِلَا قَصْدٍ؛ كَحُمْرَةِ وَجْهِ جَارِيَةٍ بِخَجَلٍ أَوْ تَعَبٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إزَالَةِ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ عَلِمَ مُشْتَرٍ بِتَدْلِيسٍ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَكَذَا لَوْ دَلَّسَهُ بِمَا لَا يَزِيدُ بِهِ الثَّمَنُ؛ كَتَسْبِيطِ الشَّعْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ بِذَلِكَ عَلَى مُشْتَرٍ. (وَلَا يَثْبُتُ) خِيَارٌ (بِتَسْوِيدِ كَفِّ عَبْدٍ وَ) تَسْوِيدِ (ثَوْبِهِ لِيُظَنَّ أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 كَاتِبٌ أَوْ حَدَّادٌ) ؛ لِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي؛ إذْ كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غُلَامًا لِأَحَدِهِمَا. (وَلَا خِيَارَ بِعَلَفِ نَحْوِ شَاةٍ لِيَظُنَّ أَنَّهَا حَامِلٌ، أَوْ كَانَتْ كَبِيرَةَ ضَرْعٍ خِلْقَةً، فَظَنَّهَا كَثِيرَةَ لَبَنٍ) ؛ لِأَنَّ كِبَرَ الْبَطْنِ وَالضَّرْعِ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْحَمْلِ وَكَثْرَةِ اللَّبَنِ، (أَوْ تَصَرَّفَ) الْمُشْتَرِي (فِي مَبِيعٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَدْلِيسٍ) ؛ فَلَا خِيَارَ؛ لِتَعَذُّرِهِ. (وَمَتَى عَلِمَ) مُشْتَرٍ (التَّصْرِيَةَ خُيِّرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ [فَقَطْ] مُنْذُ عَلِمَ) بِهَا: لِحَدِيثِ: «مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ إنْ حَلَبَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (بَيْنَ إمْسَاكٍ بِلَا أَرْشٍ) ؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، (وَبَيْنَ رَدٍّ مَعَ صَاعِ تَمْرٍ سَلِيمٍ إنْ حَلَبَهَا) ؛ لِلْخَبَرِ - (وَلَوْ زَادَ) صَاعُ التَّمْرِ (عَلَيْهَا قِيمَةً) - نَصًّا؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، (وَيَتَعَدَّدُ صَاعٌ بِتَعَدُّدِ مُصَرَّاةٍ) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَتَقَدَّمَ. وَلَهُ رَدُّهَا بَعْدَ رِضَاهُ بِالتَّصْرِيَةِ بِعَيْبِ غَيْرِهَا، (فَإِنْ عُدِمَ تَمْرٌ) بِمَحَلِّ الْمُصَرَّاةِ؛ فَعَلَيْهِ (قِيمَتُهُ) ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مِثْلِهِ عِنْدَ إعْوَازِهِ (مَوْضِعَ عَقْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْوُجُوبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ صَاعٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِهِ وِفَاقًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ) ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ غَالِبُ قُوتِ الْحِجَازِ إذْ ذَاكَ، (وَيُقْبَلُ رَدُّ اللَّبَنِ) إنْ كَانَ بَاقِيًا (بِحَالِهِ بَدَلَ التَّمْرِ) لِأَنَّ اللَّبَنَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالتَّمْرُ إنَّمَا وَجَبَ بَدَلًا عَنْهُ، فَإِذَا رَدَّ الْأَصْلَ؛ أَجْزَأَ؛ كَسَائِرِ الْأُصُولِ مَعَ مُبْدَلَاتِهَا، (فَإِنْ تَغَيَّرَ) اللَّبَنُ (بِحُمُوضَةٍ؛ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ قَبُولُهُ) ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، (وَإِنْ رَضِيَ) مُشْتَرٍ بِأَخْذِ (مُصَرَّاةٍ) فَأَمْسَكَهَا، (ثُمَّ رُدَّتْ) ؛ أَيْ: رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ؛ إذْ رِضَاهُ بِعَيْبٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ [بِعَيْبٍ] آخَرَ؛ (لَزِمَ) الْمُشْتَرِيَ التَّمْرُ عِوَضَ (اللَّبَنِ) الَّذِي حَلَبَهُ مِنْهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَخِيَارُ غَيْرِهَا) ؛ أَيْ: الْمُصَرَّاةِ (عَلَى التَّرَاخِي) ؛ كَخِيَارِ (مَعِيبٍ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَبْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 (وَإِنْ صَارَ لَبَنُهَا) ؛ أَيْ: الْمُصَرَّاةِ (عَادَةً؛ يَسْقُطُ الرَّدُّ؛ كَعَيْبٍ زَالَ) لِزَوَالِ الضَّرَرِ، (وَكَأَمَةٍ مُزَوَّجَةٍ) اشْتَرَاهَا، (وَبَانَتْ) قَبْلَ رَدٍّ؛ فَيَسْقُطُ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا؛ فَلَا، (وَإِنْ كَانَ) وَقْتَ عَقْدٍ (بِغَيْرِ مُصَرَّاةٍ لَبَنٌ كَثِيرٌ فَحَلَبَهُ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ؛ رَدَّهُ) ؛ أَيْ: اللَّبَنَ إنْ بَقِيَ (أَوْ رَدَّ مِثْلَهُ إنْ عُدِمَ) اللَّبَنُ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهُ وَلَا بُدَّ لَهُ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا يَرُدُّهُ، وَإِنْ كَثُرَ؛ فَإِنَّهُ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي (رَدّ مُصَرَّاةٍ مِنْ غَيْرِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ كَآدَمِيَّةٍ وَفَرَسٍ مَجَّانًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعَاضُ عَنْهُ عَادَةً. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": كَذَا قَالُوا، وَلَيْسَ بِمَانِعٍ، قَالَ (الْمُنَقِّحُ: بَلْ بِقِيمَةِ مَا تَلِفَ مِنْ اللَّبَنِ) إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ [رَدِّ] قِيمَةِ لَبَنٍ تَلِفَ إذَا كَانَ (غَيْرَ لَبَنِ أَتَانٍ) أَمَّا لَبَنُهَا فَغَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّهُ بَخْسٌ فَلَا قِيمَةَ لَهُ تُعْتَبَرُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الْقِسْمُ (الْخَامِسُ) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ (خِيَارُ عَيْبٍ، وَمَا بِمَعْنَاهُ) ؛ أَيْ: الْعَيْبِ. وَيَأْتِي. (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْعَيْبُ وَمَا بِمَعْنَاهُ (نَقْصُ عَيْنِ مَبِيعٍ؛ كَخِصَاءِ) رَقِيقٍ، (وَلَوْ زَادَ) بِهِ الرَّقِيقُ (قِيمَةً) ، لَكِنْ يَفُوتُ بِهِ. غَرَضٌ صَحِيحٌ، (أَوْ نَقْصِ قِيمَتِهِ عُرْفًا) ؛ أَيْ: فِي عُرْفِ التُّجَّارِ - وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ عَيْنُهُ - (كَمَرَضٍ) بِحَيَوَانٍ عَلَى جَمِيعِ حَالَاتِهِ، (وَبَخَرٍ) فِي فَمٍ أَوْ تَحْتَ إبِطٍ أَوْ فَرْجٍ، (وَحَوَلٍ) فِي عَيْنٍ، (وَحَوَصٍ - بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ - هُوَ ضِيقُ الْعَيْنِ، وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ضِيقُهَا) ؛ أَيْ: الْعَيْنِ (مَعَ عَوَرِهَا، وَسَبَلٍ وَهُوَ زِيَادَةُ أَجْفَانِ) الْعَيْنِ، (وَلَخَصٍ) : هُوَ (غِلَظُ جَفْنٍ أَسْفَلَ) مِنْ الْعَيْنِ، (وَقِيلَ) إنَّ اللَّخَصَ (مَيْلُ أَحَدِ الْحَدَقَتَيْنِ لِلْأُخْرَى فِي نَظَرِهَا) ، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْحَوَلِ؛ وَفِي الْقَامُوسِ: لَخِصَتْ عَيْنُهُ كَفَرِحَ، وَرِمَ مَا حَوْلَهَا، وَاللَّخَصُ مُحَرَّكَةٌ أَيْضًا كَوْنُ الْجَفْنِ الْأَعْلَى لَحْمًا، (وَمَيَلٍ: هُوَ كَوْنُ إحْدَى الْخَدَّيْنِ مَائِلًا إلَى الْآخَرِ، وَصَدَرٍ) هُوَ (مَيَلُ عُنُقٍ، وَزَوَرٍ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 مَيَلُ مَنْكِبٍ) ، وَوَكَعٍ: وَهُوَ إقْبَالُ الْإِبْهَامِ عَلَى السَّبَّابَةِ مِنْ الرِّجْلِ حَتَّى يُرَى أَصْلُهَا خَارِجًا؛ كَالْعُقْدَةِ، (وَظُفْرٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالظُّفْرُ جُلَيْدَةٌ تُغَشِّي الْعَيْنَ كَالظَّفَرَةِ مُحَرَّكَةً، وَقَدْ ظَفِرَتْ الْعَيْنُ كَفَرِحَ فَهِيَ ظَفِرَةٌ (وَكَثْرَةِ كَذِبٍ) ، فَإِنَّهُ أَقْبَحُ الْعُيُوبِ، (وَإِهْمَالِ أَدَبٍ بِمَوْضِعِهِ) ؛ أَيْ: الْأَدَبِ، (وَلَعَلَّهُ) ؛ أَيْ: إهْمَالَ الْأَدَبِ، يَكُونُ عَيْبًا (فِي غَيْرِ) رَقِيقِ (جَلْبٍ، وَ) فِي غَيْرِ (صَغِيرٍ) ، أَمَّا فِيهِمَا؛ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ، (وَضِرْسٍ، وَكَلْفٍ) : هُوَ تَبْقِيعُ الْوَجْهِ فِي السَّوَادِ، (وَطَرَشٍ، وَقَرَعٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِيحٌ مُنْكَرَةٌ، (وَخُنُوثَةٍ) ؛ أَيْ: تَكَسُّرٍ وَتَثَنٍّ، (وَتَخَنُّثٍ) إذَا خَنَّثَ غَيْرَهُ، يُقَال: خَنَّثَهُ تَخْنِيثًا: عَطَفَهُ، فَتَخَنَّثَ، (وَتَحْرِيمِ عَامٍّ) بِمِلْكٍ وَنِكَاحٍ؛ (كَمَجُوسِيَّةٍ، لَا) تَحْرِيمٍ خَاصٍّ بِمُشْتَرٍ (نَحْوِ) أُخْتِهِ مِنْ (رَضَاعٍ، وَعَفَلٍ) ، وَهُوَ لَحْمٌ يَحْدُثُ فِي الْفَرْجِ، فَيَسُدُّهُ، (وَقَرْنٍ) : هُوَ عَظْمٌ أَوْ غُدَّةٌ تَمْنَعُ وُلُوجَ الذَّكَرِ، (وَفَتْقٍ) : هُوَ انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ، (وَرَتْقٍ) : هُوَ كَوْنُ الْفَرْجِ مَسْدُودًا مُلْتَصِقًا لَا يَسْلُكُهُ ذَكَرٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ (وَاسْتِحَاضَةٍ، وَجُنُونٍ، وَسُعَالٍ، وَبُحَّةٍ، وَحَمْلِ أَمَةٍ دُونَ بَهِيمَةٍ،) فَالْحَمْلُ زِيَادَةٌ فِيهَا (إنْ لَمْ يَضُرَّ) حَمْلُهَا (بِلَحْمٍ، وَتَزَوَّجَهَا) ؛ أَيْ: الْأَمَةَ، (وَدَيْنٍ بِرَقَبَةِ قِنٍّ - وَالسَّيِّدُ مُعْسِرٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ - فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ فَلَا فَسْخَ لِلْمُشْتَرِي، وَيَتْبَعُ رَدُّ الدَّيْنِ الْبَائِعَ، (وَ) جِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ (لِقَوَدٍ) فِي النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهَا، (وَآثَارِ قُرُوحٍ) وَجُرُوحٍ وَشِجَاجٍ، وَجَفَافِ ضَرْعٍ، وَوَسَخٍ يَرْكَبُ أُصُولَ أَسْنَانٍ، وَهُوَ الْحَفْرُ، (وَثُلُومٍ فِيهَا) ؛ أَيْ: الْأَسْنَانِ (وَوَشْمٍ) فِي وَجْهٍ رَقِيقٍ، لِأَنَّهُ يَشِينُهُ، (وَشَامَاتٍ) بِغَيْرِ مَوْضِعِهَا، (وَمَحَاجِمَ بِغَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَشَرْطٍ يَشِينُ) ؛ أَيْ: يَعِيبُ (وَأَكْلِ طِينٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْلُبُهُ إلَّا مَنْ بِهِ مَرَضٌ، (وَذَهَابِ جَارِحَةٍ؛ كَإِصْبَعٍ) ، أَوْ ذَهَابِ (سِنٍّ مِنْ كَبِيرٍ؛ أَيْ؛ مِمَّنْ ثُغِرَ) أَيْ: دُقَّ فَمُهُ، فَسَقَطَتْ أَسْنَانُهُ، وَلَوْ كَانَ السَّاقِطُ مِنْهَا آخِرَ الْأَضْرَاسِ، (وَزِيَادَتِهَا) ؛ أَيْ: الْجَارِحَةِ؛ كَإِصْبَعِ جَارِحَةٍ، أَوْ السِّنِّ، (وَاخْتِلَافِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 أَضْلَاعٍ وَأَسْنَانٍ) ، وَطُولِ أَحَدِ ثَدْيَيْ أُنْثَى، وَخَرْمٍ؛ أَيْ: شَقِّ (شَفَةٍ) عُلْيَا أَوْ سُفْلَى، وَفِي " الْإِقْنَاعِ " وَحَرُمَ شُنُوفُهَا قَالَ فِي " الصِّحَاحِ ": الشُّنُوفُ جَمْعُ شَنْفٍ، وَهُوَ الْقُرْطُ الْأَعْلَى، (وَزِنَى مَنْ بَلَغَ عَشْرًا) عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ قِيمَتَهُ، وَيُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ فِيهِ، وَكَذَا لِوَاطَتُهُ فَاعِلًا كَانَ أَوْ مَفْعُولًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْبَحُ مِنْ الزِّنَا، (وَشُرْبِهِ مُسْكِرًا) ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ كَانَ) الرَّقِيقُ (كَافِرًا) ؛ لِأَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ لَا يَعْتَقِدُ بِتَرْكِهِ خَلَلًا فِي دِينِهِ؛ فَلَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهِ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسَرِقَتِهِ، وَإِبَاقِهِ، وَبَوْلِهِ بِفِرَاشِهِ - وَلَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ -) وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَيْبًا فِي الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ يَدُلُّ عَلَى نُقْصَانِ عَقْلِهِ، وَضَعْفِ بِنْيَتِهِ، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى دَاءٍ فِي بَطْنِهِ، (وَحُمْقٍ بَالِغٍ، وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْحُمْقُ (ارْتِكَابُهُ الْخَطَأَ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَلَا يُبَالِي بِمَا يَعْقُبُهُ مِنْ الْمَضَارِّ، وَاسْتِطَالَتِهِ) ؛ أَيْ: الْبَالِغِ (عَلَى النَّاسِ وَفَزَعِهِ شَدِيدٍ، أَوْ عَدَمِ خِتَانِهِ) - إنْ كَانَ (ذَكَرًا) كَبِيرًا - لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ، (لَا أُنْثَى) ، وَلَا صَغِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ عَلَيْهِمَا، (وَكَوْنُهُ) ؛ أَيْ: الرَّقِيقِ (أَعْسَرَ لَا يَعْمَلُ بِيَمِينِهِ عَمَلَهَا الْمُعْتَادَ) ، فَإِنْ عَمِلَهُ؛ فَزِيَادَةُ خَيْرٍ، (لَا ثُيُوبَةَ) ؛ لِأَنَّهَا الْغَالِبُ عَلَى الْجَوَارِي، وَالْإِطْلَاقُ لَا يَقْتَضِي خِلَافَهَا، [وَلَا كَوْنُ الرَّقِيقِ (وَلَدَ زِنًا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ] ، (وَلَا مَعْرِفَةَ غِنَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَقْصَ فِي قِيمَةٍ وَلَا عَيْنٍ، (وَلَا عَدَمَ حَيْضٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لَا يَقْتَضِي الْحَيْضَ وَلَا عَدَمَهُ؛ فَلَيْسَ فَوَاتُهُ عَيْبًا، (وَ) لَا عَدَمَ (مَعْرِفَةِ طَبْخٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَعَجْنٍ وَخَبْزٍ، (وَ) لَا كُفْرٍ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الرَّقِيقِ، (وَلَا فِسْقٍ بِاعْتِقَادٍ) ؛ كَرَفْضٍ (أَوْ فِعْلٍ) غَيْرِ زِنًا وَشُرْبِ مُسْكِرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 سَبَقَ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْكُفْرِ، (وَلَا تَفْضِيلَ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الرَّقِيقِ عَدَمُ الْحِذْقِ، (وَ) لَا (عُجْمَةَ لِسَانٍ وَلُثْغٍ وَتَمْتَمَةٍ) أَوْ فَأْفَأَةٍ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِيهِ، (وَلَا إحْرَامَ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، (إنْ مَلَكَ بَائِعٌ تَحْلِيلَهُ) ؛ كَمَا لَوْ عَقَدَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، (وَلَا عِدَّةَ بَائِنٍ) ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَيْبًا؛ بِخِلَافِ عِدَّةِ رَجْعِيَّةٍ؛ فَهِيَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ، (وَلَا قَرَابَةٍ) وَرَضَاعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْمَالِيَّةِ، وَالتَّحْرِيمُ خَاصٌّ بِهِ، (وَلَا صُدَاعٍ وَحُمَّى يَسِيرَيْنِ، وَ) لَا (سُقُوطِ آيَاتٍ يَسِيرَةٍ) عُرْفًا (بِمُصْحَفٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَسُقُوطِ بَعْضِ كَلِمَاتٍ بِالْكُتُبِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُتَسَامَحُ فِيهِ غَالِبًا. (قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَنْ اشْتَرَى مُصْحَفًا، فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ؛ لَيْسَ هَذَا عَيْبًا قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى: (لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ عَادَةً مِنْ ذَلِكَ) قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: لَا يُنْقِصُ شَيْئًا مِنْ أُجْرَةِ النَّاسِخِ بِعَيْبٍ يَسِيرٍ؛ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ [عَنْهُ غَالِبًا، وَإِلَّا فَلَا أُجْرَةَ لِمَا وَضَعَهُ النَّاسِخُ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ، وَعَلَيْهِ نَسْخُهُ فِي مَكَانِهِ] ، وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ الْكَاغِدِ؛ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهِ. (وَ) لَا يَضُرُّ (يَسِيرُ تُرَابٍ وَ) يَسِيرُ (عَقْدِ بِئْرٍ) فَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ؛ فَلَهُ الْخِيَارُ. (وَمِنْ الْعَيْبِ عَثْرَةُ مَرْكُوبٍ وَكَدْمُهُ) ؛ أَيْ: عَضُّهُ بِأَدْنَى (فَمِهِ، وَرَفْسُهُ، وَحِرَانُهُ، وَقُوَّةُ رَأْسِهِ، وَكَيُّهُ، وَكَوْنُهُ شَمُوسًا، أَوْ كَوْنُهُ بِعَيْنِهِ ظُفْرَةً) : وَهِيَ جُلَيْدَةٌ تُغَشِّي الْعَيْنَ، (أَوْ بِأُذُنِهِ شَقٌّ قَدْ خُيِّطَ، أَوْ بِحَلْقِهِ غُدَّةٌ) ؛ أَوْ نَغَانِغُ وَهِيَ: لَحْمَاتٌ تَكُونُ فِي الْحَلْقِ عِنْدَ اللَّهَاةِ، وَاحِدُهَا نُغْنُغٌ بِالضَّمِّ، (أَوْ بِهِ زَوَرٌ: وَهُوَ) ؛ أَيْ الزَّوَرُ (نُتُوءٌ) ؛ أَيْ: ارْتِفَاعُ (صَدْرٍ عَنْ بَطْنٍ، أَوْ بِيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ شِقَاقٌ، أَوْ بِقَدَمِهِ فَدَعٌ: وَهُوَ نُتُوءٌ وَسَطَ الْقَدَمِ) . قَالَ فِي " الصِّحَاحِ ": رَجُلٌ أَفْدَعُ بَيِّنُ الْفَدَعِ: وَهُوَ الْمُعْوَجُّ الرُّسْغِ مِنْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ، (أَوْ بِهِ دخش وَهُوَ وَرَمٌ حَوْلَ حَافِرٍ، أَوْ كَوْعٌ: وَهُوَ خُرُوجُ عُرْقُوبِ رِجْلَيْنِ عَنْ قَدَمٍ) ، وَفِي " الْإِنْصَافِ " الْكَوْعُ انْقِلَابُ أَصَابِعِ الْقَدَمَيْنِ عَلَيْهِمَا، (أَوْ بِعَقِبَيْهِمَا) ؛ أَيْ: الرِّجْلَيْنِ (حَكَكٌ: وَهُوَ تَقَارُبُهُمَا؛ أَوْ بِالْفَرَسِ خَيَفٌ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 وَهُوَ كَوْنُ أَحَدِ عَيْنَيْهِ زَرْقَاءَ وَالْأُخْرَى سَوْدَاءَ، وَكَثَوْبٍ بَانَ غَيْرَ جَدِيدٍ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ أَثَرُ اسْتِعْمَالِهِ) ، فَإِنْ ظَهَرَ؛ فَالتَّقْصِيرُ عَلَى الْمُشْتَرِي (وَمَاءٍ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ) أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ غُمِسَتْ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْمَاءِ الطَّهُورِ - وَهُوَ قَلِيلٌ - كُلُّ (يَدِ) مُكَلَّفٍ (نَائِمٍ لَيْلًا) قِيلَ: غَسَلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، (أَوْ) اُسْتُعْمِلَ (فِي تَجْدِيدٍ - وَلَوْ اُشْتُرِيَ لِشُرْبٍ - لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ) [وَهُوَ مُتَّجِهٌ] . (وَمَا بِمَعْنَى عَيْبٍ؛ كَبَقٍّ بِدَارٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ بِهَا، وَكَوْنِهَا) ؛ أَيْ: الدَّارِ يَنْزِلُهَا الْجُنْدُ، (وَكَبَيْعٍ بِقَرْيَةٍ وَحَيَّةٍ بِحَانُوتٍ، وَجَارِ سُوءٍ) ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، (وَصَخْرٍ بِأَرْضٍ يَضُرُّ عُرُوقَ شَجَرٍ، وَكَزَرْعٍ وَغَرْسٍ، وَإِجَارَةٍ، وَطُولِ مُدَّةِ نَقْلِ مَا فِي دَارٍ) مَبِيعَةٍ (عُرْفًا، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ طُولَ الْمُدَّةِ (فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلِمُشْتَرٍ إجْبَارُهُ) ؛ أَيْ: الْبَائِعِ (عَلَى تَفْرِيغِ مِلْكِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لِمُشْتَرٍ لِمُدَّةِ نَقْلٍ اتَّصَلَ عَادَةً وَتَثْبُتُ عَلَيْهَا الْيَدُ) ؛ أَيْ: يَدُ الْمُشْتَرِي، فَتَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ - وَإِنْ كَانَتْ بِهَا أَمْتِعَةُ الْبَائِعِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهَا - (وَتُسَوَّى الْحُفَرُ الْحَادِثَةُ) فِي الدَّارِ بَعْدَ بَيْعٍ لِاسْتِخْرَاجِ دَفِينٍ (عَلَى حَافِرِهَا) ؛ لِحُدُوثِهَا بِفِعْلِهِ، (وَيُزِيلُ بَائِعُ أَرْضٍ عُرُوقَ زَرْعٍ) كَانَتْ فِيهَا قَبْلَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا (تَضُرُّ) بِالْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ يُزَالُ. [فَصْلٌ يُخَيَّرُ مُشْتَرٍ فِي مَبِيعٍ مَعِيبٍ قَبْلَ عَقْدٍ] (فَصْلٌ:) (وَيُخَيَّرُ مُشْتَرٍ فِي) مَبِيعٍ (مَعِيبٍ قَبْلَ عَقْدٍ) فِيمَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ مُشْتَرٍ بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ، كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ، (أَوْ) قَبْلَ (قَبْضِ مَا) ، أَيْ: مَبِيعٍ (يَضْمَنُهُ بَائِعٌ قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ قَبْضِ ذَلِكَ، (كَثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ، وَمَوْصُوفٍ مُعَيَّنٍ، وَمَرْئِيٍّ قَبْلَ عَقْدٍ) بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ مُتَغَيِّرٌ تَغَيُّرًا يَسُوغُ بِهِ الْفَسْخُ مِمَّا يُسَمَّى عَيْبًا، وَإِلَّا فَقَدْ قَدَّمَ فِي الشَّرْطِ السَّادِسِ أَنَّ مَا تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 يَسِيرًا إذَا وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّهُ، وَأَخْذُ جَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَا أَرْشَ. وَسَمَّاهُ خِيَارَ الْخُلْفِ فِي الصِّفَةِ، فَيُحْمَلُ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا تَغَيُّرًا لَا يَسُوغُ بِهِ الْفَسْخُ، لِئَلَّا يَتَنَاقَضَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ (وَمَا بِيعَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ ذَرْعٍ) ؛ لِأَنَّ تَعَيُّبَ الْمَبِيعِ، كَتَلَفِ جُزْءٍ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَيَّبَ مَا لَا يَضْمَنُهُ بَائِعٌ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَلَا خِيَارَ لِمُشْتَرٍ (إذَا جَهِلَ الْعَيْبَ) حِينَ الْعَقْدِ، (ثُمَّ بَانَ) ، أَيْ: ظَهَرَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ، فَلَا خِيَارَ لَهُ، لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ (بَيْنَ رَدِّ) الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، فَيُرَدُّ لِاسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَهُ (وَمُؤْنَتُهُ) ، أَيْ: الرَّدِّ (عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ الرَّدَّ، فَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ التَّوْفِيَةِ. (وَيَتَّجِهُ لَا) يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ، (إنْ دَلَّسَ بَائِعٌ) الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِتَدْلِيسِهِ، وَحِينَئِذٍ إذَا غَرِمَ الْمُشْتَرِي مُؤْنَةَ الرَّدِّ، فَقَرَارُ ضَمَانِهَا عَلَى الْبَائِعِ، لِتَغْرِيرِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَبِأَخْذِ) مُشْتَرٍ رَدَّ الْمَبِيعِ (مَا دَفَعَهُ) هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِهِ (أَوْ أُبْرِئَ) ، أَيْ: أَبْرَأهُ بَائِعٌ مِنْهُ، (أَوْ) بَدَلُ مَا (وَهَبَ لَهُ) بَائِعٌ (مِنْ ثَمَنِهِ) كُلًّا كَانَ أَوْ بَعْضًا، لِاسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ اسْتِرْجَاعَ جَمِيعِ الثَّمَنِ، كَزَوْجٍ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ - وَقَدْ أُبْرِئَ مِنْ الصَّدَاقِ - أَوْ وُهِبَ لَهُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ، (وَبَيْنَ إمْسَاكٍ مَعَ أَرْشِ) عَيْبٍ، لِرِضَا الْمُتَبَايِعِينَ عَلَى أَنَّ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُعَوَّضِ، فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْمُعَوَّضِ يُقَابِلُهُ جُزْءٌ مِنْ الْعِوَضِ، وَمَعَ الْعَيْبِ فَاتَهُ جُزْءٌ فَيَرْجِعُ بِبَدَلِهِ وَهُوَ الْأَرْشُ، بِخِلَافِ نَحْوِ مُصَرَّاةٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 عَيْبٌ، وَإِنَّمَا لَهُ الْخِيَارُ بِالتَّدْلِيسِ، لَا لِفَوَاتِ جُزْءٍ، فَلَا يَسْتَحِقُّ أَرْشًا، (وَهُوَ) ، أَيْ: الْأَرْشُ (قِسْطُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ) ، أَيْ: الْمَعِيبِ (صَحِيحًا وَمَعِيبًا مِنْ ثَمَنِهِ) نَصًّا، فَلَوْ قُوِّمَ الْمَبِيعُ (صَحِيحًا بِعَشَرَةِ) دَرَاهِمَ مَثَلًا، (وَمَعِيبًا بِثَمَانِيَةِ) دَرَاهِمَ، (وَ) كَانَ (الثَّمَنُ) الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَقْدُ (خَمْسَةَ عَشْرَ، فَالنَّقْصُ خُمُسُ) الثَّمَنِ، فَيَكُونُ (الْأَرْشُ) فِي الْمِثَالِ (ثَلَاثَةً) ، فَيَرْجِعُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَى مُشْتَرٍ بِثَمَنِهِ، فَإِذَا فَاتَهُ جُزْءٌ مِنْهُ سَقَطَ عَنْهُ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّا لَوْ ضَمَّنَّاهُ نَقْصَ الْقِيمَةِ لَأَدَّى إلَى اجْتِمَاعِ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ فِي نَحْوِ مَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ، وَوُجِدَ بِهِ عَيْبٌ يُنْقِصُ النِّصْفَ، فَأَخَذَهَا، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ. (وَمَا ثَمَنُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مَثَلًا، فَقُوِّمَ صَحِيحًا بِمِائَةٍ، وَمَعِيبًا بِتِسْعِينَ) ، فَقَدْ (نَقَصَ) بِسَبَبِ الْعَيْبِ (عَشَرَةً نِسْبَتُهَا) ، أَيْ: الْعَشَرَةِ (لِقِيمَتِهِ) الَّتِي هِيَ الْمِائَةُ حَالَ كَوْنِهِ (صَحِيحًا عُشْرُهَا، فَيُنْسَبُ) ذَلِكَ الْعُشْرُ (لِلْمِائَةِ وَخَمْسِينَ، فَيَكُونُ) عُشْرُ الْمِائَةِ وَخَمْسِينَ (خَمْسَةَ عَشْرَ، وَهُوَ الْأَرْشُ) الْوَاجِبُ لِلْمُشْتَرِي، فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ، (وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ) فِي الْمِثَالِ (خَمْسِينَ وَجَبَ لَهُ) ، أَيْ: لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ (خَمْسَةٌ) ، وَهِيَ عُشْرُ الْخَمْسِينَ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ، لَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَوْ أَسْقَطَ مُشْتَرٍ خِيَارَ رَدٍّ بِعِوَضٍ بَذَلَهُ لَهُ بَائِعٌ) أَوْ غَيْرُهُ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، (وَقَبِلَهُ) مُشْتَرٍ، (جَازَ) لَهُ ذَلِكَ، (وَلَيْسَ) مَا يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي (مِنْ الْأَرْشِ فِي شَيْءٍ، وَنَصَّ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِهِ (فِي خِيَارِ مُعْتَقَةٍ تَحْتَ عَبْدٍ) إذَا أَسْقَطَتْ خِيَارَهَا بِعِوَضٍ بَذَلَهُ لَهَا زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا أَوْ غَيْرُهُمَا، وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ النُّزُولُ عَنْ الْوَظَائِفِ وَنَحْوِهَا بِعِوَضٍ، وَيَأْتِي. (وَلَا أَرْشَ إنْ أَفْضَى) أَخْذِ الْأَرْشِ (إلَى رِبًا، كَشِرَاءِ حُلِيِّ فِضَّةٍ بِزِنَتِهِ دَرَاهِمَ) فِضَّةً، (وَيَجِدُهُ مَعِيبًا، أَوْ شِرَاءِ قَفِيزٍ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ رِبًا) ، كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ (بِمِثْلِهِ) جِنْسًا وَقَدْرًا، (وَيَجِدُهُ مَعِيبًا، فَيَرُدُّهُ) مُشْتَرٍ، (أَوْ يُمْسِكُ مَجَّانًا) بِلَا أَرْشٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 لِأَنَّ أَخْذَهُ يُؤَدِّي إلَى رِبَا الْفَضْلِ، أَوْ مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ (وَإِنْ تَعَيَّبَ [الْحُلِيُّ أَوْ] ) الْقَفِيزُ الْمَعِيبُ كَمَا سَبَقَ أَيْضًا بِعَيْبٍ آخَرَ (عِنْدَ مُشْتَرٍ فَسَخَهُ) ، أَيْ: الْعَقْدَ (حَاكِمٌ) ، لِتَعَذُّرِ فَسْخِ كُلٍّ مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ أَحَدِهِمَا، إنَّمَا هُوَ لِاسْتِدْرَاكِ ظِلَامَتِهِ، وَهَذَا إنْ فَسَخَ بَائِعٌ فَالْحَقُّ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ بَاعَ مَعِيبًا، وَإِنْ فَسَخَ مُشْتَرٍ فَالْحَقُّ عَلَيْهِ، لِتَعَيُّبِهِ عِنْدَهُ، فَكُلٌّ إذَا فَسَخَ يَضُرُّ مِمَّا عَلَيْهِ، وَالْعَيْبُ لَا يُهْمَلُ بِلَا رِضًا، فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى الْحَقِّ إلَّا فَسْخُ الْحَاكِمِ، هَذَا مَعْنَى تَعْلِيلِ الْمُنَقِّحِ فِي حَوَاشِي التَّنْقِيحِ ". (وَرَدَّ بَائِعُ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضَ، وَطَالَبَ) مُشْتَرِيًا (بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ مَعِيبًا بِالْعَيْبِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يُهْمَلُ بِلَا رِضًا، وَلَا أَخْذِ أَرْشٍ) ، وَلَمْ يَرْضَ مُشْتَرٍ بِإِمْسَاكِهِ مَجَّانًا، وَلَا يُمْكِنُهُ أَخْذُ أَرْشِ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ، وَلَا رَدُّهُ مَعَ أَرْشِ مَا حَدَثَ عَنْهُ، لِإِفْضَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الرِّبَا، فَإِنْ اخْتَارَ مُشْتَرٍ إمْسَاكَهُ، فَلَا فَسْخَ. (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَ الرِّبَوِيِّ حَتَّى تَلِفَ) الْمَبِيعُ (عِنْدَهُ، وَلَمْ يَرْضَ بِعَيْبِهِ، فُسِخَ الْعَقْدُ) ، لِيَسْتَدْرِكَ ظِلَامَتَهُ، (وَرَدَّ) مُشْتَرٍ (بَدَلَهُ) ، أَيْ: الْمَعِيبِ التَّالِفِ عِنْدَهُ (وَاسْتَرْجَعَ الثَّمَنَ) إنْ كَانَ أَقْبَضَهُ لِبَائِعٍ، لِتَعَذُّرِ أَخْذِ الْأَرْشِ، لِإِفْضَائِهِ لِلرِّبَا. (وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا بِأَمَةٍ مَثَلًا فَمَاتَ الْعَبْدُ) عِنْدَ الْمُشْتَرِي، (وَوَجَدَ الْبَائِعُ بِهَا) ، أَيْ الْأَمَةِ (عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهَا بِهِ، وَيَرْجِعُ) الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي (بِقِيمَةِ الْعَبْدِ) ، لِتَعَيُّنِهَا بِمَوْتِهِ، وَإِنْ بَاعَ أَمَةً بِعَبْدٍ، ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ بِالْعَبْدِ عَيْبًا، فَلَهُ الْفَسْخُ وَاسْتِرْجَاعُ الْأَمَةِ - إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، أَوْ قِيمَتِهَا - إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا بِمَوْتِهَا أَوْ وَقْفِهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ السِّلَعِ الْمَبِيعَةِ أَوْ الْمَجْعُولَةِ ثَمَنًا إذَا ظَهَرَ بِهَا عَيْبٌ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَلِمُشْتَرِيهَا الْفَسْخُ، وَاسْتِرْجَاعُ عِوَضِهَا مِنْ قَابِضِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، أَوْ بَدَلِهِ إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ. (وَلَا رَدَّ بِعَيْبٍ حَادِثٍ) فِي مَبِيعٍ حَيَوَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (عِنْدَ مُشْتَرٍ، وَلَوْ) كَانَ حُدُوثُهُ (قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) مِنْ قَبْضِهِ لَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، (أَوْ حَدَثَ بِقِنٍّ بَرَصٌ، أَوْ) حَدَثَ بِهِ (جُنُونٌ أَوْ) حَدَثَ بِهِ (جُذَامٌ قَبْلَ مُضِيِّ سَنَةٍ) (وَهُوَ) ، أَيْ: الْقِنُّ الَّذِي حَدَثَ بِهِ الْعَيْبُ بَعْدَ الْقَبْضِ (مِنْ ضَمَانِ مُشْتَرٍ) ، فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَلَا أَرْشُ نَقْصٍ، لِبَرَاءَتِهِ مِنْ عُهْدَتِهِ بِإِقْبَاضِهِ، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا رَدٌّ إنْ (زِنَا قِنٌّ عِنْدَهُ) ، أَيْ: عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ (فَقَطْ) ، أَيْ: دُونَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَلَا مَدْخَلَ لِلْبَائِعِ بِذَلِكَ. (وَمَا كَسَبَ مَبِيعٌ مَعِيبٌ قَبْلَ رَدٍّ فَ [هُوَ] لِمُشْتَرٍ) ، لِحَدِيثِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ) . وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ، لَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِ. (وَلَا يَرُدُّ) مُشْتَرٍ رَدَّ مَعِيبًا لِعَيْبِهِ (نَمَاءً مُنْفَصِلًا) مِنْهُ كَثَمَرَةٍ وَوَلَدِ بَهِيمَةٍ (إلَّا لِعُذْرٍ، كَوَلَدِ أَمَةٍ) ، فَيَرُدُّ مَعَهَا، لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ، (وَلَهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي (قِيمَتُهُ) ، أَيْ: الْوَلَدِ عَلَى بَائِعٍ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ. (وَيَرُدُّ) مُشْتَرٍ رَدَّ مَعِيبًا لِعَيْبِهِ نَمَاءً (مُتَّصِلًا، كَسِمَنٍ، وَكِبَرٍ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، وَعُودِ حَبٍّ زَرْعًا، وَ) صَيْرُورَةِ (بَيْضَةٍ فَرْخًا) فَتَتْبَعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْمَبِيعَ إذَا رُدَّ، لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ بِدُونِهَا. وَفِي (" الْإِقْنَاعِ " وَ) يَرُدُّ مُشْتَرٍ رَدَّ شَجَرًا لِعَيْبِهِ (ثَمَرَةً) عَلَيْهِ (قَبْلَ ظُهُورِهَا) ؛ لِأَنَّهَا نَمَاءٌ مُتَّصِلٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهَا بَعْدَ ظُهُورِهَا زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً - وَلَوْ لَمْ تُجَذَّ - وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّفْلِيسِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَجَعَلَهُ مَنْصُوصَ أَحْمَدَ. (وَيَتَّجِهُ الْأَصَحُّ) أَنَّ الثَّمَرَةَ (قَبْلَ جَذِّهَا) زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، سَوَاءٌ أُبِّرَتْ أَوْ لَمْ تُؤَبَّرْ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي: وَابْنُ عَقِيلٍ، فِي الصَّدَاقِ. وَقَالَ فِي " الْكَافِي ": كُلُّ ثَمَرَةٍ عَلَى شَجَرَةٍ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، (وَإِلَّا) تُجَذَّ فَهِيَ زِيَادَةٌ (مُتَّصِلَةٌ) مِنْ بَابِ أَوْلَى قَوْلًا وَاحِدًا، (وَلَوْ ظَهَرَتْ) ، فَتُرَدُّ مَعَ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ، وَلَا تَصِيرُ مُنْفَصِلَةً إلَّا بِجَذِّهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 (وَلَهُ) ، أَيْ: لِمُشْتَرٍ (رَدُّ) أَمَةٍ (ثَيِّبٍ) لِعَيْبِهَا [إنْ] (وَطِئَهَا) الْمُشْتَرِي قَبْلَ عِلْمِهِ عَيْبَهَا، وَلَمْ تَحْبَلْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ، فَلَوْ حَبِلَتْ، فَلَا رَدَّ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَمْلَ عَيْبٌ فِي الْإِمَاءِ (مَجَّانًا) ، أَيْ: بِلَا عِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ نَقْصُ جُزْءٍ وَلَا عَيْبٌ، وَلَا نَقْصُ صِفَةٍ، كَمَا لَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ. (وَإِنْ وَطِئَ مُشْتَرٍ بِكْرًا) ، ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهَا، (أَوْ تَعَيَّبَ) الْمَبِيعُ عِنْدَهُ، كَثَوْبٍ قَطَعَهُ، (أَوْ نَسِيَ) رَقِيقٌ (صَنْعَتَهُ عِنْدَهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي، ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ، أَوْ (زَوَّجَ) الْمُشْتَرِي (الْأَمَةَ) الْمَعِيبَةَ، (وَدَامَتْ الْعِصْمَةُ) ، بِأَنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي عَيْبَهَا، (أَوْ قَطَعَ) الْمُشْتَرِي (الثَّوْبَ) ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهَا، (فَلَهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا (الْأَرْشُ) لِلْعَيْبِ الْأَوَّلِ، (أَوْ رَدُّهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ عَلَى بَائِعِهِ (مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ) الْحَادِثِ عِنْدَهُ لِقَوْلِ عُثْمَانَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى ثَوْبًا، وَلَبِسَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ: فَرَدَّهُ وَمَا نَقَصَ. فَأَجَازَ الرَّدَّ مَعَ النُّقْصَانِ. رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، (وَهُوَ) ، أَيْ: الْأَرْشُ (هُنَا مَا نَقَصَهُ) الْمَبِيعُ بَيْنَ قِيمَتِهِ بِالْعَيْبِ الْأَوَّلِ وَقِيمَتِهِ بِالْعَيْبَيْنِ. فَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ (بِكْرًا بِمِائَةٍ وَثَيِّبًا بِثَمَانِينَ، يَرُدُّ مَعَهَا عِشْرِينَ) أَرْشَ نَقْصِهَا (بِثَمَانِينَ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ) أَيْ: بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ (مُشْتَرٍ) رَدَّ مَعِيبًا مَعَ أَرْشِ عَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَهُ، لَوْ (زَالَ) عَيْبُهُ (سَرِيعًا بَعْدَ رَدِّهِ) ، كَتَذَكُّرِهِ صَنْعَةً نَسِيَهَا (لِأَنَّهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعَ (بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ) عَلَى مَا لَيْسَ قَبْضُهُ شَرْطًا لِصِحَّتِهِ، صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، (أَوْ بِمُجَرَّدِ قَبْضِ) مَا قَبَضَهُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ، (صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ، (بِخِلَافِ بَائِعٍ أُخِذَ مِنْهُ أَرْشٌ) ، أَيْ أَخَذَهُ مِنْهُ مُشْتَرٍ (لِعَيْبٍ، فَزَالَ) الْعَيْبُ (سَرِيعًا) ، فَيَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي، لِزَوَالِ النَّقْصِ الَّذِي لِأَجْلِهِ وَجَبَ الْأَرْشُ. (وَإِنْ دَلَّسَ بَائِعٌ) عَيْبًا، بِأَنْ عَلِمَهُ، وَكَتَمَهُ، (فَلَا أَرْشَ لَهُ) عَلَى مُشْتَرٍ (بِعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَ مُشْتَرٍ، وَلَوْ) كَانَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ (بِفِعْلِهِ) ، أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 الْمُشْتَرِي (مِمَّا أُذِنَ لَهُ فِيهِ شَرْعًا، كَوَطْءِ بِكْرٍ وَخَتْنٍ) ، بِخِلَافِ قَطْعِ عُضْوٍ وَقَلْعِ سِنٍّ، فَإِنَّهُ لَا يَذْهَبُ هَدَرًا. (وَذَهَبَ) مَبِيعٌ (عَلَى بَائِعٍ) مُدَلِّسٍ، (إنْ تَلِفَ) الْمَبِيعُ بِغَيْرِ فِعْلِ الْمُشْتَرِي، (أَوْ أَبَقَ) نَصًّا، وَأَخَذَ الثَّمَنَ كَامِلًا مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ غَشَّهُ. (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا، فَأَبَقَ، فَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنْ إبَاقَهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْبَائِعِ: يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الْمُشْتَرِيَ، وَيَتْبَعُ الْبَائِعُ عَبْدَهُ) ، فَإِنْ وَجَدَهُ، كَانَ لَهُ وَإِنْ فَاتَ ضَاعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِتَدْلِيسِهِ، وَسَوَاءٌ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، أَوْ تَلِفَ بِفِعْلِ اللَّهِ، كَالْمَرَضِ، أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَوَطْءِ الْبِكْرِ، أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، مِثْلُ أَنْ يَجْنِيَ عَلَيْهِ، أَوْ بِفِعْلِ الْعَبْدِ، كَالسَّرِقَةِ إذَا قُطِعَ بِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُذْهِبًا لِلْجُمْلَةِ أَوْ بَعْضِهَا. (وَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ) الْبَائِعُ الْعَيْبَ، (فَتَلِفَ) مَبِيعٌ بِعَيْبٍ بِيَدِ مُشْتَرٍ، (بِنَحْوِ أَكْلِ) الْمَبِيعِ، تَعَيَّنَ أَرْشٌ (أَوْ عِتْقٍ) ، بِأَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِقَرَابَةٍ أَوْ تَعْلِيقٍ، ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ، (أَوْ أَعْتَقَ) الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَبِيعَ، ثُمَّ عَلِمَ [عَيْبَهُ] ، (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مُشْتَرٍ عَيْبَهُ حَتَّى صَبَغَ) الثَّوْبَ، (أَوْ نَسَجَ) الثَّوْبَ، (أَوْ رَهَنَهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعَ، (أَوْ وَقَفَهُ، أَوْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ، أَوْ) بَاعَ، أَوْ وَهَبَ، أَوْ وَقَفَ، أَوْ رَهَنَ (بَعْضَهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ، (أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ) ، ثُمَّ عَلِمَ، (تَعَيَّنَ أَرْشٌ) ، وَسَقَطَ رَدٌّ، لِتَعَذُّرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ، لَمْ يُوفِ مَا أَوْجَبَهُ لَهُ الْعَقْدُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا بِهِ نَاقِصًا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَالِمًا بِعَيْبِهِ، فَلَا أَرْشَ لَهُ، لِرِضَاهُ بِالْمَبِيعِ نَاقِصًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا رَدَّ لَهُ فِي الْبَاقِي بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فِي الْبَعْضِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي إنْ تَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ عِلْمِ عَيْبِهِ (فِي قِيمَتِهِ) ، لِاتِّفَاقِ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى عَدَمِ قَبْضِ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ، وَهُوَ مَا قَابَلَ الْأَرْشَ، فَقُبِلَ قَوْلُ مُشْتَرٍ فِي قَدْرِهِ، (لَكِنْ لَوْ بَاعَ) مُشْتَرٍ الْمَبِيعَ قَبْلَ عِلْمِهِ، و (رُدَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 عَلَيْهِ) قَبْلَ أَخَذَهُ أَرْشَهُ، (فَلَهُ) ، أَيْ: الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، (أَرْشُهُ) ، أَيْ الْمَعِيبِ، (أَوْ رَدُّهُ) ، لِزَوَالِ الْمَانِعِ، كَمَا لَوْ [لَمْ] يَبِعْهُ. (وَإِنْ بَاعَهُ) ، أَيْ: الْمَعِيبَ (مُشْتَرِيهِ) قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ (لِبَائِعِهِ) لَهُ، وَكَانَ هُوَ وَبَائِعُهُ (غَيْرَ عَالِمَيْنِ) بِالْعَيْبِ، (ثُمَّ بَانَ) لَهُمَا عَيْبُهُ، (فَلَهُ) ، أَيْ: الْبَائِعِ الْأَوَّلِ - وَهُوَ الْمُشْتَرِي - لَهُ ثَانِيًا (رَدُّهُ) عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي، (ثُمَّ لِلْبَائِعِ الثَّانِي رَدُّهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ الْمَرْدُودِ (عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ (وَفَائِدَتُهُ) ، أَيْ: الرَّدِّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (اخْتِلَافُ الثَّمَنَيْنِ) إذْ اخْتَارَ الرَّدَّ أَوْ الْأَرْشَ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَرْشَ قِسْطُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَعِيبًا مِنْ ثَمَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا (قَدْرًا) ، بِأَنْ بَاعَهُ أَحَدُهُمَا بِثَمَانِينَ وَالْآخَرُ بِمِائَةٍ (أَوْ جِنْسًا) ، بِأَنْ كَانَ بَاعَهُ أَحَدُهُمَا بِدَرَاهِمَ وَالْآخَرُ بِعُرُوضٍ. وَإِنْ كَانَا (عَالِمَيْنِ) بِالْعَيْبِ، (فَلَا تَرَادَّ) لَهُمَا، وَكَذَا لَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ، فَلَا رَدَّ، لِمَا سَبَقَ. (وَإِنْ كَسَرَ) مُشْتَرٍ (مَا مَأْكُولَهُ فِي جَوْفِهِ، فَوَجَدَهُ) ، أَيْ: الْمَأْكُولَ (فَاسِدًا، وَلَيْسَ لِمَكْسُورِهِ قِيمَةٌ، كَبِيضِ دَجَاجٍ وَبِطِّيخٍ وَرُمَّانٍ، رَجَعَ بِثَمَنِهِ كُلِّهِ) ، لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، وَإِنْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا، رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، (وَلَيْسَ عَلَيْهِ [رَدُّ] مَبِيعٍ) وَجَدَ مَا فِي جَوْفِهِ فَاسِدًا إلَى بَائِعِهِ (حَيْثُ لَا نَفْعَ فِيهِ يَقْصِدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، (وَإِنْ كَانَ لَهُ) ، أَيْ: لِمَكْسُورِهِ (قِيمَةٌ، كَبِيضِ نَعَامٍ وَجَوْزِ هِنْدٍ، خُيِّرَ) مُشْتَرٍ (بَيْنَ) أَخْذِ (أَرْشِهِ) لِنَقْصِهِ بِكَسْرِهِ (وَبَيْنَ رَدِّهِ مَعَ أَرْشِ كَسْرِهِ) الَّذِي يَبْقَى لَهُ مِنْ قِيمَةٍ، إنْ لَمْ يُدَلِّسْ بَائِعٌ، كَمَا مَرَّ، (وَأَخَذَ ثَمَنَهُ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، (وَيَتَعَيَّنُ) لِمُشْتَرٍ أَخْذُ (أَرْشٍ مَعَ كَسْرٍ لَا تَبْقَى مَعَهُ قِيمَةٌ) ، كَجَوْزِ هِنْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ. [فَرْعٌ أَنْعَلَ مُشْتَرٍ الدَّابَّةَ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِعَيْبٍ] (فَرْعٌ: لَوْ أَنْعَلَ مُشْتَرٍ الدَّابَّةَ، ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِعَيْبٍ) ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَنَزَعَ النَّعْلَ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، (وَإِنْ كَانَ نَزْعُ النَّعْلِ يَعِيبُهَا، لَمْ يَنْزِعْ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إدْخَالًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 لِلضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ، (وَلَا) يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي (قِيمَةَ) النَّعْلِ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِفِعْلِهِ، (بَلْ) عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ (يَصْبِرَ لِسُقُوطِهِ) ، أَيْ: النَّعْلِ، أَوْ مَوْتِ الدَّابَّةِ، (فَيَأْخُذَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ. [تَتِمَّةٌ اشْتَرَى ثَوْبًا مَطْوِيًّا فَنَشَرَهُ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا] تَتِمَّةٌ: لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مَطْوِيًّا، إمَّا بِالصِّفَةِ، أَوْ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ الدَّالِّ عَلَى بَقِيَّتِهِ، فَنَشَرَهُ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا، فَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقِصُهُ النَّشْرُ، فَلَهُ رَدُّهُ مَجَّانًا، وَإِنْ كَانَ يُنْقِصُهُ النَّشْرُ، كالهسنجاني الَّذِي يُطْوَى عَلَى طَاقَيْنِ، فَكَجَوْزِ هِنْدٍ كَسَرَهُ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهُ، فَلَهُ ذَلِكَ مَعَ رَدِّ أَرْشِهِ، لِنَقْصِهِ بِالنَّشْرِ، وَلَهُ أَخْذُ أَرْشِهِ إنْ أَمْسَكَهُ [فَصْلٌ خِيَارُ عَيْبٍ مُتَرَاخٍ] (فَصْلٌ: وَخِيَارُ عَيْبٍ مُتَرَاخٍ) ، كَخِيَارٍ (لِإِفْلَاسِ مُشْتَرٍ) بِالثَّمَنِ (وَ) خِيَارِ (خُلْفٍ فِي صِفَةٍ) أَوْ لِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ مُتَرَاخٍ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ رَدُّ ضَرَرٍ مُسْتَحَقٍّ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِالتَّأْخِيرِ، كَالْقِصَاصِ، (لَا يَسْقُطُ إلَّا إنْ وُجِدَ دَلِيلُ رِضَا مُشْتَرٍ) ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الرِّضَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِهِ، (كَتَصَرُّفِهِ) فِي مَبِيعٍ (بَعْدَ عِلْمِهِ) بِعَيْبِهِ (وَقَبْلَ فَسْخٍ) بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ، (أَوْ قَبْلَ اخْتِيَارِ إمْسَاكٍ) فِي مَبِيعٍ، (وَكَاسْتِعْمَالِهِ) الْمَبِيعَ (لِغَيْرِ، تَجْرِبَةٍ) ، كَوَطْءٍ وَحَمْلٍ عَلَى دَابَّةٍ، (فَيَسْقُطُ أَرْشٌ، كَرَدٍّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا. وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي بَعْضِهِ، فَلَهُ أَرْشُ الْبَاقِي، لَا رَدُّهُ (وَعَنْهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (لَهُ الْأَرْشُ) فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. (اخْتَارَهُ جَمْعٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ " الرِّعَايَةِ " وَاسْتَظْهَرَهُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: فِيهِ بُعْدٌ. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، (وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ") قَالَ فِي " الشَّرْحِ " " وَالْفَائِق " وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ. (وَيَتَّجِهُ صِحَّتُهُ) ، أَيْ: الْقَوْلِ بِالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ، إنْ وُجِدَ دَلِيلُ الرِّضَا (مِنْ جَاهِلٍ) بِالْحُكْمِ، أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ، فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَا أَرْشَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 وَفِي هَذَا الِاتِّجَاهِ مِنْ صِنَاعَةِ التَّعْبِيرِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاقِدِ الْبَصِيرِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَتَصْحِيحِ كِلْتَا الْعِبَارَتَيْنِ، بِفَهْمٍ أَنِيقً وَنَظَرٍ دَقِيقٍ. (وَلَا يَفْتَقِرُ رَدُّ) مُشْتَرٍ مَبِيعًا لِنَحْوِ عَيْبٍ (إلَى حُضُورِ بَائِعٍ، وَلَا إلَى رِضَاهُ، وَلَا لِحُكْمِ) حَاكِمٍ، كَالطَّلَاقِ، (وَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ) فِي الْمُعَامَلَاتِ (قُلْنَا إنَّ لَهُ) ، أَيْ: الْعَاقِدِ (الْفَسْخَ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ) ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ. (وَلِمُشْتَرٍ مَعَ غَيْرِهِ) ، بِأَنْ اشْتَرَى شَخْصَانِ فَأَكْثَرُ (مَعِيبًا) صَفْقَةً وَاحِدَةً، أَوْ اشْتَرَيَا مَعِيبًا (بِشَرْطِ خِيَارٍ) ، أَوْ غُبِنَا، أَوْ دُلِّسَ عَلَيْهِمَا (إذَا رَضِيَ الْآخَرُ) بِالْبَيْعِ، وَأَمْضَاهُ (الْفَسْخُ فِي نَصِيبِهِ) مِنْ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ، فَجَازَ، (كَشِرَاءِ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ) شَيْئًا، ثُمَّ بَانَ عَيْبُهُ، أَوْ بِشَرْطِ خِيَارٍ وَنَحْوِهِ، فَلَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا بَاعَهُ لَهُ، وَلَا تَشْقِيصَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُشَقَّصًا قَبْلَ الْبَيْعِ، و (لَا) يَرُدُّ وَاحِدٌ نَصِيبَهُ مِنْ مَعِيبٍ أَوْ مَبِيعٍ بِشَرْطِ خِيَارٍ أَوْ نَحْوِهِ (إذَا وَرِثَ) الْمَعِيبَ أَوْ خِيَارَ الشَّرْطِ، (فَرَضِيَ بَعْضُ وَرَثَةٍ) ، لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَشْقِيصِ السِّلْعَةِ عَلَى الْبَائِعِ بِرَدِّ أَحَدِهِمْ دُونَ الْبَاقِي، وَقَدْ أَخْرَجَهَا الْبَائِعُ عَنْ مِلْكِهِ غَيْرَ مُنْتَقِصَةٍ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهَا لِوَاحِدٍ، لَكِنْ لِمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنْ الْوَرَثَةِ الْمُطَالَبَةُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْأَرْشِ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ. (وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ يَكُنْ) الْمَبِيعُ الْمَعِيبُ (نَحْوَ مَكِيلٍ) ، كَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ، رَضِيَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِنَصِيبِهِ مِنْهُ مَعِيبًا، فَلِمَنْ سَخِطَهُ رَدُّ حِصَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ [وَهُوَ مُتَّجِهٌ] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 (وَلِحَاضِرٍ [مِنْ] مُشْتَرِي نَحْوِ مَكِيلٍ) ، كَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ (نَقْدُ ثَمَنِ نِصْفِهِ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ لَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، (وَقَبْضُ نِصْفِهِ) ، لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ مُشَقَّصًا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ، أَيْ: مِنْ جَوَازِ فَسْخِ الْحَاضِرِ وَرَدِّ حِصَّتِهِ، وَمِنْ نَقْدِهِ ثَمَنَ النِّصْفِ وَأَخْذِهِ، (جَوَازُ تَصَرُّفِ شَرِيكٍ فِي مَبِيعٍ مِثْلِيٍّ) ، كَمَكِيلٍ وَنَحْوِهِ (بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَقْصَ فِيهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ نَقَدَهُ) ، أَيْ: الثَّمَنَ (كُلَّهُ) عَنْ نَفْسِهِ وَشَرِيكِهِ، (لَمْ يَقْبِضْ إلَّا نِصْفَهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ بِالْعَقْدِ غَيْرَهُ، وَهَذَا فِي الْمَكِيلِ وَنَحْوِهِ، فَإِذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ نَحْوَهُ، فَلَيْسَ لِبَائِعٍ إقْبَاضُهُ، بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ، (وَرَجَعَ) مُقْبِضُ كُلِّ الثَّمَنِ (عَلَى غَائِبٍ) بِنَظِيرِ مَا عَلَيْهِ مِنْهُ، إنْ نَوَى الرُّجُوعَ. وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ لِاثْنَيْنِ: (بِعْتُكُمَا) بِكَذَا وَكَذَا، (فَقَالَ: أَحَدُهُمَا قَبِلْت) وَسَكَتَ الْآخَرُ، صَحَّ الْبَيْعُ (لَهُ) ، أَيْ: لِلْقَائِلِ: قَبِلْتُ: (فِي نِصْفِهِ) ، أَيْ: نِصْفِ الْمَبِيعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، لِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ، بِتَعَدُّدِ الْمَعْقُودِ مَعَهُ. (وَمَنْ اشْتَرَى مَعِيبَيْنِ) مِنْ وَاحِدٍ صَفْقَةً، (أَوْ) اشْتَرَى (مَعِيبًا فِي وِعَاءَيْنِ صَفْقَةً، لَمْ يَمْلِكْ رَدَّ أَحَدِهِمَا) ، أَيْ: أَحَدِ الْمَعِيبَيْنِ أَوْ مَا فِي أَحَدِ الْوِعَاءَيْنِ (بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ لِلصَّفْقَةِ مَعَ إمْكَانِ عَدَمِهِ، أَشْبَهَ رَدَّ بَعْضَ الْمَعِيبِ الْوَاحِدِ، وَلَهُ مَعَ الْإِمْسَاكِ الْأَرْشُ، (إلَّا إنْ تَلِفَ الْآخَرُ) فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِقِسْطِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ، كَرَدِّ الْجَمِيعِ، (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي (بِيَمِينِهِ فِي قِيمَةِ تَالِفٍ) لِيُوَزِّعَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لَمَا يَدَّعِيه الْبَائِعُ مِنْ زِيَادَةِ قِيمَتِهِ (وَمَعَ عَيْبِ أَحَدِهِمَا) ، أَيْ: أَحَدِ الْمَعِيبَيْنِ أَوْ مَا فِي الْوِعَاءَيْنِ (فَقَطْ) دُونَ الْآخَرِ (لَهُ رَدُّهُ) ، أَيْ: الْمَعِيبِ (بِقِسْطِهِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا يَرُدُّ أَحَدَهُمَا (إنْ نَقَصَ) مَبِيعٌ (بِتَفْرِيقٍ، كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ، وَزَوْجَيْ خُفٍّ) بِيعَا، وَوُجِدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ، فَلَا يَرُدُّهُ وَحْدَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ بِنَقْصِ الْقِيمَةِ، (أَوْ حَرُمَ) بِتَفْرِيقٍ، (كَأَخَوَيْنِ) ، وَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ بِيعَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَبَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا، (فَيَرُدُّهُمَا) مَعًا، (أَوْ) يَأْخُذُ مِنْ الْبَائِعِ (الْأَرْشَ) ، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ، لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، (وَمِثْلُهُ) ، أَيْ: مِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَخَوَيْنِ، رَقِيقٌ (جَانٍ لَهُ وَلَدٌ) أَوْ أَخٌ وَنَحْوُهُ، وَأُرِيدَ بَيْعُ الْجَانِي فِي الْجِنَايَةِ، فَلَا يُبَاعُ وَحْدَهُ، لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ، بَلْ (يُبَاعَانِ) وَقِيمَةُ جَانٍ تُصْرَفُ فِي أَرْشِ جِنَايَةٍ، عَلَى مَا يَأْتِي، (وَقِيمَةُ الْوَلَدِ) أَوْ نَحْوِهِ (لِمَوْلَاهُ) ، لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ بِهِ، وَإِنَّمَا بِيعَ ضَرُورَةَ تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ. (وَالْمَبِيعُ بَعْدَ فَسْخٍ) لِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَمَانَةٌ بِيَدِ مُشْتَرٍ) ، لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ، (لَكِنْ يَرُدُّهُ) مُشْتَرٍ (فَوْرًا، فَإِنْ قَصَّرَ فِي رَدِّهِ) ، فَتَلِفَ، (ضَمِنَهُ) ، كَثَوْبٍ أَطَارَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ. [فَصْلٌ اخْتَلَفَا بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ عِنْدَ مَنْ حَدَثَ الْعَيْبُ] (فَصْلٌ: وَإِنْ اخْتَلَفَا) ، أَيْ: بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ (عِنْدَ مَنْ حَدَثَ الْعَيْبُ) فِي الْمَبِيعِ (مَعَ الِاحْتِمَالِ) ، لِحُصُولِهِ عِنْدَ بَائِعٍ وَحُدُوثِهِ عِنْدَ مُشْتَرٍ، كَخَرْقِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ، (وَلَا بَيِّنَةَ) لِأَحَدِهِمَا [ف] الْقَوْلُ (قَوْلُ مُنْتَقَلٍ إلَيْهِ) ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي الْمَبِيعِ، وَالْبَائِعُ إنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي الثَّمَنِ (بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْقَبْضَ، فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، كَقَبْضِ الْمَبِيعِ (عَلَى الْبَتِّ) ، فَيَحْلِفُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ الْعَيْبُ، أَوْ أَنَّهُ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ، (إنْ لَمْ يَخْرُجْ) الْمَبِيعُ (عَنْ يَدِهِ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي، إلَى يَدِ غَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يُشَاهِدُهُ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ، ثُمَّ رُدَّ إلَيْهِ بِعَيْبِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ الْحَلِفُ وَلَا رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْهُ اُحْتُمِلَ حُدُوثُهُ عِنْدَ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ، (وَإِلَّا) ، بِأَنْ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُهُ، فَلَوْ اُسْتُحْلِفَ، حَلَفَ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) ، وَامْتَنَعَ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ شِرَائِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 فَإِذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، حَلَفَ الْبَائِعُ، وَأُلْزِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ خِلَافُ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ نُصُوصَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ. (وَإِنْ لَمْ يُحْتَمَلْ إلَّا قَوْلُ أَحَدِهِمَا) ، أَيْ: الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي، (كَإِصْبَعٍ زَائِدَةٍ) ، وَشَجَّةٍ مُنْدَمِلَةٌ لَا يُمْكِنُ حُدُوثُ مِثْلِهَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ حُدُوثَهَا، قُبِلَ قَوْلُ مُشْتَرٍ بِلَا يَمِينٍ، (وَكَجُرْحٍ طَرِيٍّ) لَا يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ قَدِيمًا، (قُبِلَ) قَوْلُ بَائِعٍ (بِلَا يَمِينٍ) ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى اسْتِحْلَافِهِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ بَائِعِ) شِقْصٍ (مُعَيَّنٍ) بِيَمِينِهِ (أَنَّهُ) ، أَيْ: الْمَعِيبَ الْمُعَيَّنَ بِعَقْدٍ، (لَيْسَ الْمَرْدُودَ) نَصًّا؛؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ كَوْنَ هَذِهِ سِلْعَتَهُ، وَيُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ، (إلَّا فِي خِيَارِ شَرْطٍ) إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّ مَبِيعٍ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ كَوْنَهُ الْمَبِيعَ، فَالْقَوْلُ (قَوْلُ مُشْتَرٍ) بِيَمِينِهِ أَنَّهُ الْمَرْدُودُ؛ لِأَنَّهُمَا هُنَا اتَّفَقَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَكَذَا اعْتِرَافُ الْبَائِعِ بِعَيْبٍ مَا بَاعَهُ، فَفَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ، ثُمَّ أَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ الْمَبِيعَ هُوَ الْمَرْدُودُ، فَقَوْلُ الْمُشْتَرِي، لِمَا تَقَدَّمَ. صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " فِي التَّفْلِيسِ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ (قَابِضٍ) مِنْ بَائِعٍ وَغَيْرِهِ بِيَمِينِهِ فِي (ثَابِتٍ فِي ذِمَّةٍ مِنْ ثَمَنِ) مَبِيعٍ. (وَيَتَّجِهُ وَمُثَمَّنٌ) أَقَرَّ بِقَبْضِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْإِنْصَافِ " " وَتَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " " وَفُرُوقِ السَّامِرِيِّ " وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي " حَوَاشِي الْفُرُوعِ " [وَأَنَّهُ مُرَادُهُمْ] وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَقَرْضٌ وَسَلَمٌ وَأُجْرَةٌ وَقِيمَةُ مُتْلَفٍ وَصَدَاقٌ وَنَحْوُهُ) ، كَجَعَالَةٍ مِمَّا هُوَ فِي ذِمَّةِ دَافِعٍ إذَا دَفَعَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ، وَأَنْكَرَ مَقْبُوضٌ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَأْخُوذَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ يَدِهِ بِحَيْثُ يَغِيبُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فِي الذِّمَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ حُكْمَ (كُلٍّ عِوَضٌ مُعَيَّنٌ قُبِضَ) وَاخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمَرْدُودَ، (كَمَبِيعٍ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُقْبَلُ إقْرَارُ وَكِيلٍ بِعَيْبٍ مُحْتَمَلٍ عَلَى مُوَكِّلِهِ الْمُنْكِرِ) لَهُ، أَيْ: إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ شَيْئًا، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِيهِ، وَكَانَ يُمْكِنُ حُدُوثُهُ، فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَةَ الْعَقْدِ، وَأَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالْعَيْبِ كَمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (بِخِيَارِ شَرْطٍ) ، وَتَقَدَّمَ، فَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ، وَيَرُدُّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ جَزَمَ بِعَدَمِ قَبُولِ إقْرَارِ الْوَكِيلِ (هُنَا. وَيَأْتِي) تَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمُوَافَقَةُ " الْإِقْنَاعِ " لِغَيْرِهِ (فِي بَابِ الْوَكَالَةِ) مُسْتَوْفًى. (وَمَنْ بَاعَ قِنًّا) عَبْدًا أَوْ أَمَةً - وَلَوْ مُدَبَّرًا وَنَحْوَهُ - (تَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ مِنْ نَحْوِ قِصَاصٍ) ، كَحَدٍّ (وَلِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ) ، أَيْ: لُزُومَ الْعُقُوبَةِ لَهُ، (فَلَا شَيْءَ لَهُ) ؛ لِرِضَاهُ بِهِ مَعِيبًا، (وَإِنْ عَلِمَ) بِذَلِكَ (بَعْدَ الْبَيْعِ، خُيِّرَ بَيْنَ رَدٍّ) وَأَخْذِ مَا دَفَعَ مِنْ ثَمَنٍ، (وَ) بَيْنَ أَخْذِ (أَرْشٍ) ؛ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ، (وَهُوَ) ، أَيْ: الْأَرْشُ قِسْطُ (مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ جَانِيًا وَسَلِيمًا) ، فَلَوْ قُوِّمَ سَلِيمًا بِمِائَةٍ، وَجَانِيًا بِثَمَانِينَ، فَمَا بَيْنَهُمَا الْخُمُسُ، فَالْأَرْشُ إذَا خَمَّسَ الْمِائَةَ، وَهُوَ عِشْرُونَ، وَإِنْ دَلَّسَ بَائِعٌ، فَاتَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ مُشْتَرٍ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ عَلِمَ مُشْتَرٍ (بَعْدَ قَطْعٍ) قِصَاصًا، أَوْ لِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا (وَلَا تَدْلِيسَ، فَحُكْمُهُ، كَمَا لَوْ) اشْتَرَى مَبِيعًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 مَعِيبًا عَلَى أَنَّهُ سَلِيمٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ مَعِيبٌ، ثُمَّ (عَابَ عِنْدَهُ) ، أَيْ الْمُشْتَرِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ لِلْعَيْبِ الْأَوَّلِ مَعَ الْإِمْسَاكِ، وَلَهُ الرَّدُّ مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، قَالَهُ " الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَطْعِ دُونَ حَقِيقَةٍ، وَقَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَعْنِي الْقَطْعَ لَيْسَ بِحُدُوثِ عَيْبٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ قَبْلَ الْبَيْعِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا، فَلَا يُسْقِطُ ذَلِكَ حَقَّ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ، انْتَهَى. فَعَلَيْهِ يَكُونُ تَشْبِيهُهُ بِمَا تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَقَطْ، لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ قَدْ دَلَّسَ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنْ دَلَّسَ عَلَيْهِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، وَذَهَبَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ إنْ قُتِلَ أَوْ قُطِعَ. (وَيَتَّجِهُ وَأَرْشُهُ) قِسْطُ (مَا بَيْنَ كَوْنِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ (مَقْطُوعًا) طَرَفُهُ (بِالْفِعْلِ، أَوْ) كَوْنِهِ (مُسْتَحِقًّا لِلْقَطْعِ) ، فَيُقَوَّمُ مُسْتَحِقَّ الْقَطْعِ وَمَقْطُوعًا، وَيُرَدُّ مَا بَيْنَهُمَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ لَزِمَهُ) ، أَيْ: الْقِنَّ الْمَبِيعَ، أَيْ: تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ (مَالٌ) أَوْجَبَتْهُ جِنَايَتُهُ (قَبْلَ بَيْعِهٍ) ، أَوْ جَنَى عَمْدًا، وَعَفَا عَنْهُ إلَى مَالٍ - وَالسَّيِّدُ مُعْسِرٌ - (قَدَّمَ بِهِ حَقُّ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ) ؛ لِسَبَقِهِ عَلَى مُشْتَرٍ، فَيُبَاعُ فِيهَا، وَيُوَفِّي الْمَالَ الْوَاجِبَ بِالْجِنَايَةِ، (وَلِمُشْتَرٍ) جَهِلَ الْحَالَ (الْخِيَارُ) ، لِتَمَكُّنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ انْتِزَاعِهِ، كَسَائِرِ الْعُيُوبِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ، وَاسْتَوْعَبَتْ الْجِنَايَةُ رَقَبَةَ الْمَبِيعِ، وَأَخَذَ بِهَا، رَجَعَ مُشْتَرٍ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ مِثْلِ ذَلِكَ جَمِيعُ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَوْعِبَةً، فَيَرْجِعُ بِقَدْرِ أَرْشِهِ، أَيْ: نِسْبَتِهِ إلَى قِيمَتِهِ مِنْ ثَمَنِهِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَانِي مِائَةً وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ خَمْسِينَ، رَجَعَ مُشْتَرٍ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، (وَإِنْ كَانَ) بَائِعٌ (مُوسِرًا، تَعَلَّقَ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشٍ) وَجَبَ بِجِنَايَةِ مَبِيعٍ قَبْلَ بَيْعٍ، (وَقِيمَةُ) الْجَانِي (بِذِمَّتِهِ) ، أَيْ: الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ فِي الْجِنَايَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 وَفِدَائِهِ، فَإِذَا بَاعَهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِدَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ أَرْشُهُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ، (وَلَا خِيَارَ لِمُشْتَرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، لِرُجُوعِ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ عَلَى بَائِعٍ. [فَرْعٌ مَنْ اشْتَرَى مَتَاعًا فَوَجَدَهُ خَيْرًا مِمَّا اشْتَرَى] (فَرْعٌ: مَنْ اشْتَرَى مَتَاعًا، فَوَجَدَهُ خَيْرًا مِمَّا اشْتَرَى، فَعَلَيْهِ رَدُّهُ لِبَائِعِهِ الْجَاهِلِ) بِأَنَّهُ خَيْرٌ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِذَلِكَ، فَلَا رَدَّ، لِرِضَاهُ بِذَلِكَ، (كَمَا أَنَّ لَهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي (رَدَّهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعَ (لَوْ وَجَدَهُ أَرْدَأَ) . نَصَّ عَلَيْهِ. الْقِسْمُ (السَّادِسُ) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ (خِيَارٌ فِي الْمَبِيعِ بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ) ، إذَا أَخْبَرَ بَائِعٌ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ، (وَبَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ أَسْهَلُ مِنْهُ نَصًّا) ، لِبُعْدِهِ عَنْ الرِّيبَةِ، وَقَالَ فِي " الْحَاوِي الْكَبِيرِ " لِضِيقِ الْمُرَابَحَةِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِيَ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ النَّقْدِ وَالْوَزْنِ وَتَأْخِيرِ الثَّمَنِ، وَمِمَّنْ اشْتَرَاهُ، وَيَلْزَمُهُ الْمُؤْنَةُ وَالرَّقْمُ وَالْقِصَارَةُ وَالسُّمْرَةُ وَالْحَمْلُ، وَلَا يُغَرُّ فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ، لِيَعْلَمَ الْمُشْتَرِي بِكُلِّ مَا يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ [الْمُسَاوَمَةُ] انْتَهَى. (وَيَثْبُتُ) الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ: وَهِيَ التَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُرَابَحَةُ وَالْمُوَاضَعَةُ، وَاخْتَصَّتْ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ كَاخْتِصَاصِ السَّلَمِ بِاسْمِهِ (فِي تَوْلِيَةٍ، كَقَوْلِهِ: وَلَّيْتُكَهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعَ (أَوْ بِعْتُكَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ، أَوْ) بِعْتُكَهُ (بِمَا اشْتَرَيْتُهُ) بِهِ، (أَوْ) بِعْتُكَهُ (بِرَقْمِهِ) أَيْ: بِثَمَنِهِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ، (وَ) هُمَا (يَعْلَمَانِهِ) ، أَيْ: الثَّمَنَ أَوْ الرَّقْمَ. (وَفِي شَرِكَةٍ، وَهِيَ بَيْعُ بَعْضِهِ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ (بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ، كَقَوْلِهِ: (أَشْرَكْتُكَ فِي ثُلُثِهِ) ، أَوْ أَشْرَكْتُكَ فِي (رُبْعِهِ) ، أَوْ ثُلُثَيْهِ، أَوْ ثُمُنِهِ. (وَأَشْرَكْتُكَ فَقَطْ، يَنْصَرِفُ لِنِصْفِهِ) ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، (فَإِنْ) قَالَ لِوَاحِدٍ: أَشْرَكْتُكَ، ثُمَّ (قَالَ لِآخَرَ عَالِمٍ بِشَرِكَةِ الْأَوَّلِ، فَلَهُ نِصْفُ نَصِيبِهِ) ، أَيْ: الرَّبْعُ؛ لِأَنَّ إشْرَاكَهُ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَمْلِكُهُ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا، (وَإِلَّا) يَعْلَمْ مَقُولٌ لَهُ بِشَرِكَةِ الْأَوَّلِ، (أَخَذَ نَصِيبَهُ كُلَّهُ) - وَهُوَ النِّصْفُ -؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ نِصْفَ الْمَبِيعِ، وَأَجَابَهُ إلَيْهِ، (وَإِنْ قَالَ) ثَالِثُ لَهُمَا ابْتِدَاءً (أَشْرِكَانِي فَأَشْرَكَاهُ مَعًا، أَخَذَ ثُلُثَهُ) ، لِاقْتِضَائِهِ التَّسْوِيَةَ، وَإِنْ أَشْرَكَاهُ (فُرَادَى) ، بِأَنْ أَشْرَكَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، (فَلَهُ نِصْفُ مَا لِكُلٍّ) مِنْهَا، وَهُوَ رَبْعُ الْكَامِلِ، فَيَتِمُّ لَهُ النِّصْفُ، وَلَهُمَا النِّصْفُ، (وَمَنْ أَشْرَكَ آخَرَ فِي قَفِيزٍ) اشْتَرَاهُ مِنْ نَحْوِ بُرٍّ، أَوْ شَعِيرٍ (أَوْ نَحْوِهِ) ، كَرِطْلِ حَدِيدٍ، أَوْ ذِرَاعٍ مِنْ نَحْوِ ثَوْبٍ، (قَبَضَ) الَّذِي أُشْرِكَ (بَعْضَهُ) ، أَيْ: الْقَفِيزَ وَنَحْوَهُ، (أَخَذَ) الَّذِي أَشْرَكَهُ (نِصْفَ الْمَقْبُوضِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ) ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ بِنَحْوِ كَيْلٍ، لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا قُبِضَ مِنْهُ، (وَإِنْ بَاعَهُ) مُشْتَرِي الْقَفِيزِ، (كُلَّهُ، أَوْ) بَاعَهُ (مِنْ كُلِّهِ) ، أَيْ: كُلِّ الْقَفِيزِ (جُزْءًا) ، كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ (يُسَاوِي مَا قَبَضَ) قَدْرًا، (انْصَرَفَ) الْبَيْعِ (إلَى الْمَقْبُوضِ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ. (وَفِي مُرَابَحَةٍ وَهِيَ بَيْعُهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعَ (بِثَمَنِهِ) ، أَيْ رَأْسِ مَالِهِ، (وَبِرِبْحٍ مَعْلُومٍ) ، بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا ثَمَنُهُ مِائَةٌ بِعْتُكَهُ بِهَا وَبِرِبْحِ خَمْسَةٍ، (وَلَا كَرَاهَةَ) فِي ذَلِكَ. (وَإِنْ قَالَ) بِعْتُكَهُ بِثَمَنِهِ (عَلَى أَنْ أَرْبَحَ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا كُرِهَ) نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِكَرَاهَةِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَأَنَّهُ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ، كَمَا يُكْرَهُ قَوْلُهُ لَهُ (ده يازده) ، أَيْ الْعَشْرُ أَحَدَ عَشَرَ (أَوْ) قَوْلُهُ (ده دوازده) ، أَيْ: الْعَشَرَةُ اثْنَا عَشَرَ. قَالَ أَحْمَدُ: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْأَعَاجِمِ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ لَا يُعْلَمُ فِي الْحَالِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (اعْتِبَارُ الْخِطَابِ بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مَكْرُوهٌ، فَإِنَّهُ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ، قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: إيَّاكُمْ وَرَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ) . (وَفِي مُوَاضِعَةٍ: وَهِيَ بَيْعٌ بِخُسْرَانٍ) ، كَبِعْتَكَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ وَوَضِيعَةِ عَشَرَةٍ (وَكُرِهَ فِيهَا) ، أَيْ: الْمُوَاضَعَةِ (مَا كُرِهَ فِي مُرَابَحَةٍ) ، كَعَلَيَّ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 أَضَعَ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا، (فَمَا ثَمَنُهُ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ (مِائَةٌ، وَبَاعَهُ بِهِ) ، أَيْ: بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ، (وَوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ، وَقَعَ) الْبَيْعُ (بِتِسْعِينَ) ، لِسُقُوطِ عَشَرَةٍ مِنْ الْمِائَةِ (وَ) إنْ بَاعَهُ بِثَمَنِهِ الْمِائَةِ وَوَضِيعَةِ دِرْهَمَ (لِكُلِّ) عَشَرَةٍ، (أَوْ عَنْ كُلِّ عَشَرَةٍ، وَقَعَ) الْبَيْعُ (بِتِسْعِينَ وَعَشَرَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ) فِي الصُّورَتَيْنِ (مِنْ أَحَدَ عَشَرَ) ، لَا مِنْ الْعَشَرَةِ، فَيُحَطُّ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، فَيَسْقُطُ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ تِسْعَةٌ، وَمِنْ دِرْهَمٍ جُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْهُ، فَيَبْقَى مَا ذُكِرَ، (وَلَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ حِينَئِذٍ) وَقَعَ الْعَقْدُ، (لِزَوَالِهَا بِالْحِسَابِ) بَعْدَ ذَلِكَ. (وَيُعْتَبَرُ لِلْأَرْبَعَةِ) ، أَيْ: التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُرَابَحَةِ وَالْمُوَاضَعَةِ (عِلْمُهُمَا) ، أَيْ: الْعَاقِدَيْنِ (بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ) كَانَ الْعِلْمُ (بِإِخْبَارِ بَائِعٍ) ثِقَةٍ (لِمُشْتَرٍ) - لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ الْعِلْمُ بِالثَّمَنِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ. وَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِمَّا أَخْبَرَ بَائِعٌ، تَبِعَ فِيهِ " الْمُقْنِعَ " وَهُوَ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ. (وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ مَتَى بَانَ رَأْسُ مَالٍ أَقَلَّ) مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ بَائِعٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ (أَوْ) بَانَ (مُؤَجَّلًا) وَلَمْ يُبَيِّنْهُ، (حُطَّ الزَّائِدُ) عَنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ فَقَطْ، أَوْ مَعَ قَدْرِهِ مِنْ رِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ، فَإِذَا بَانَ رَأْسُ مَالِهِ دُونَ مَا أَخْبَرَ بِهِ كَانَ مَبِيعًا بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَلَا خِيَارَ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِسْقَاطِ قَدْ زِيدَ خَيْرًا، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مَعِيبًا، فَبَانَ سَلِيمًا، وَكَمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ يَشْتَرِيهِ بِمِائَةِ، فَاشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ. (وَيُحَطْ) أَيْضًا (قِسْطُهُ) ، أَيْ: الزَّائِدُ (فِي مُرَابَحَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ، (وَيَنْقُصُ) قِسْطُ الزِّيَادَةِ (فِي مُوَاضَعَةٍ) ، كَأَنْ: يَقُولَ: هِيَ بِمِائَةٍ، فَتَبِينُ بِخَمْسِينَ، وَيَكُونُ قَدْ وَضَعَ لَهُ عِشْرِينَ، فَإِنَّهُ يَحُطُّ الزِّيَادَةَ، وَيَحُطُّ مِنْ الْوَضِيعَةِ عَشَرَةً قِسْطَ الزِّيَادَةِ مِنْهَا، فَتَبْقَى [عَلَيْهِ] بِأَرْبَعِينَ، كَمَا فِي " حَوَاشِي ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 (وَأَجَلُ) ثَمَنٍ (فِي مُؤَجَّلٍ) لَمْ يُخَيَّرْ بِهِ [بَائِعٌ] عَلَى وَجْهِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ، فَيَكُونُ عَلَى حُكْمِهِ، وَأَجَلِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ إلَيْهِ بَائِعُهُ. (وَلَا خِيَارَ) لِمُشْتَرٍ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى بَائِعٍ غَلَطًا) فِي إخْبَارٍ بِرَأْسِ مَالٍ، كَأَنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ قَالَ غَلِطْتُ، بَلْ اشْتَرَيْتُهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ (بِلَا بَيِّنَةٍ) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى "؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالثَّمَنِ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَكَوْنُهُ مُؤْتَمَنًا لَا يَجِبُ قَبُولَ دَعْوَاهُ الْغَلَطَ، أَشْبَهَ الْمُضَارِبَ إذَا ادَّعَى الْغَلَطَ فِي الرِّبْحِ بَعْدَ إقْرَارِهِ. (وَيَتَّجِهُ كَهِيَ) ، أَيْ: كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُ مُدَّعٍ) أَنْكَرَ خَصْمُهُ مَا ادَّعَاهُ (لَا بَيِّنَةَ لِي، ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ أَتَى بِبَيِّنَةٍ، و (ادَّعَى عَدَمَ عِلْمِهِ بِهَا) ، أَيْ: الْبَيِّنَةِ، (وَأَقَامَ بِذَلِكَ) الشَّيْءِ الَّذِي ادَّعَى بِهِ عَلَى خَصْمِهِ (بَيِّنَةً) ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، وَيُحْكَمُ لَهُ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ شَهَادَتُهُمَا، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَلَا يَعْلَمُهَا، وَنَفْيُ الْعِلْمِ بِهَا، لَيْسَ نَفْيًا لَهَا، فَلَا يَكُونُ مُكَذِّبًا لَهَا، وَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ مُسْتَوْفًى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ) مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ: الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ " قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَجَزَمَ فِي " الْمُنَوِّرِ " وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ (يُقْبَلُ قَوْلُ بَائِعٍ بِيَمِينِهِ) ، فَيَحْلِفُ، بِطَلَبِ مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا دَخَلَ مَعَ الْبَائِعِ فِي الْمُرَابَحَةِ، فَقَدْ ائْتَمَنَهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ بِيَمِينِهِ، (لَا سِيَّمَا) إنْ كَانَ الْبَائِعُ مِمَّنْ هُوَ (مَعْرُوفٌ بِصِدْقِ) الْمَقَالِ، فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: مُشْتَرَاهُ مِائَةٌ ثُمَّ قَالَ: غَلِطْتُ وَالثَّمَنُ زَائِدٍ عَمَّا أَخْبَرْتُ بِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ وَقْتَ الْبَيْعِ أَنَّ ثَمَنَهَا أَكْثَرُ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ، (وَيُخَيَّرُ مُشْتَرٍ إذَنْ) ، أَيْ: بَعْدَ حَلِفِ بَائِعٍ (بَيْنَ رَدٍّ وَ) بَيْنَ (دَفْعِ زِيَادَةٍ) ادَّعَاهَا الْبَائِعُ، وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ، قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِعَدَمِ الْغَلَطِ، (وَلَا يَحْلِفُ مُشْتَرٍ بِدَعْوَى بَائِعٍ عَلَيْهِ عِلْمَ غَلَطٍ) ، أَيْ: لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ غَلَطًا، وَقَالَ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَعْلَمُ، وَالْتَمَسَ مِنْ الْحَاكِمِ تَحْلِيفَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَلَا يَجِبُ تَحْلِيفُهُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ فَيَسْتَغْنِي بِالْإِقْرَارِ عَنْ الْيَمِينِ. (وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِدُونِ ثَمَنِهَا) الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ (عَالِمًا) بِالنَّقْصِ عَنْ ثَمَنِهَا، (لَزِمَهُ) الْبَيْعُ، وَلَا خِيَارَ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ - (وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً) بِأَنَّ مَا بَاعَهَا بِهِ دُونَ ثَمَنِهَا - (وَإِلَّا) نَقَلَ بِإِلْزَامِهِ الْبَيْعَ، (فَالْجَاهِلُ مِثْلُهُ) ، وَهَذَا لَا قَائِلَ بِهِ، وَلَا يَبْقَى مَزِيَّةٌ لِقَوْلِهِمْ عَالِمًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اشْتَرَاهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعَ تَوْلِيَةً أَوْ شَرِكَةً أَوْ مُرَابَحَةً أَوْ مُوَاضَعَةً (مِمَّنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ) ، كَأَحَدِ عَمُودَيْ نَسَبِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ، لَزِمَهُ بَيَانُ الْحَالِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَابَاهُمْ، وَسَمَحَ لَهُمْ بِزِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ، (أَوْ) اشْتَرَاهُ (مِمَّنْ حَابَاهُ) ، أَيْ: اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، لَزِمَهُ بَيَانُ الْحَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ غُلَامِ دُكَّانِهِ الْحُرِّ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ حِيلَةً، فَيَلْزَمُهُ بَيَانُ الْحَالِ، (أَوْ) اشْتَرَاهُ (لِرَغْبَةٍ تَخُصُّهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِيَ، (كَسَمْنِ) جَارِيَةٍ، أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا بِجِوَارِ مَنْزِلِهِ، أَوْ أَمَةً لِرَضَاعِ وَلَدِهِ، لَزِمَهُ بَيَانُ الْحَالِ، (أَوْ) اشْتَرَاهُ (لِمَوْسِمٍ ذَهَبَ) ، كَاَلَّذِي يُبَاعُ عَلَى الْعِيدِ، [أَنَّهُ اشْتَرَاهُ قُرْبَهُ، وَبَقِيَ عِنْدَهُ لَزِمَهُ بَيَانُ الْحَالِ، أَوْ اشْتَرَاهُ بِدَنَانِيرَ فَأَخْبَرَ فِي الْبَيْعِ] بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ، أَنَّهُ اشْتَرَاهُ (بِدَرَاهِمَ، أَوْ) أَخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ وَعَكْسِهِ، بِأَنْ اشْتَرَاهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ عَرَضٍ، لَزِمَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 بَيَانُ الْحَالِ. (أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ (بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ، (وَلَيْسَ) الْمَبِيعُ (مِثْلِيًّا) ، كَمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مُتَسَاوِي الْأَجْزَاءِ، (لَزِمَهُ بَيَانُ الْحَالِ) لِمُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرْضَى بِهِ إذَا عَلِمَهُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً مُثْمِرَةً، وَأَرَادَ بَيْعَهَا دُونَ ثَمَرَتِهَا مُرَابَحَةً، وَنَحْوَهَا، وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا وَنَحْوَهُ، جَازَ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً وَنَحْوَهَا، وَإِنْ لَمْ يَبِنْ الْحَالُ. (فَإِنْ كَتَمَ) بَائِعٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، (خُيِّرَ مُشْتَرٍ بَيْنَ رَدٍّ وَإِمْسَاكٍ بِلَا أَرْشٍ) ، كَالتَّدْلِيسِ، وَهُوَ حَرَامٌ، كَتَدْلِيسِ الْعَيْبِ، وَهَذَا إنْ نَقَصَ الْمَبِيعُ بِمَرَضٍ، أَوْ وِلَادَةٍ، أَوْ عَيْبٍ، أَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ، أَوْ أَخَذَ مُشْتَرٍ صُوفًا أَوْ لَبَنًا وَنَحْوَهُ كَانَ حِينَ بِيعَ، أَخْبَرَ بِالْحَالِ، وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَ أَحَدِهِمَا بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ، أَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا وَتَقَاسَمَا، وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا بَيْعَ نَصِيبِهِ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً أَوْ مُوَاضَعَةً، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ الَّتِي لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهَا الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ، كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَنَحْوِهَا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ حَتَّى يُبَيِّنَ الْحَالَ عَلَى وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الثَّمَنِ عَلَى ذَلِكَ تَخْمِينٌ، وَاحْتِمَالُ الْخَطَأِ فِيهِ كَثِيرٌ. (لَكِنْ لَوْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبَيْنِ) وَنَحْوِهِمَا (بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ) ، وَأَخَذَهُمَا عَلَى الصَّفْقَةِ، (فَلَهُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا) بِتَخْبِيرِ ثَمَنِهِ (مُرَابَحَةً) أَوْ مُوَاضَعَةً (بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، فَهُمَا كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ الْمُتَمَاثِلَةِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَابَلَهُ فِي أَحَدِهِمَا، أَوْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ، كَانَ لَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ، وَإِنْ حَصَّلَ فِي أَحَدِهِمَا زِيَادَةً عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَوْقَعَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ، جَرَتْ مَجْرَى النَّمَاءِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَلَا يُؤَثِّرُ عَدَمُ الْإِخْبَارِ بِهِ فِي بَيْعِ الثَّانِي بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ. [تَتِمَّةٌ إذَا أَرَادَ الْبَائِعُ الْإِخْبَارَ بِثَمَنِ سِلْعَةٍ] ٍ، وَكَانَتْ بِحَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، أَوْ زَادَتْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ أَخْبَرَ بِثَمَنِهَا [الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ، سَوَاءٌ غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ، فَإِنْ رَخُصَتْ وَأَخْبَرَهُ بِدُونِ ثَمَنِهَا] ، وَلَمْ يُبِنْ الْحَالَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَالْكَذِبُ حَرَامٌ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 (وَمَا يُزَادُ فِي ثَمَنٍ) زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ (أَوْ) يُزَادُ فِي (مُثَمَّنٍ) زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ، (أَوْ) يُزَادُ فِي (أَجَلٍ) زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ (أَوْ) يُزَادُ فِي (خِيَارِ) شَرْطٍ فِي بَيْعٍ، يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ، فَيُخَيَّرُ بِهِ، كَأَصْلِهِ، (أَوْ) ، أَيْ: وَمَا (يُحَطُّ) ، أَيْ: يُوضَعُ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ أَوْ أَجَلٍ أَوْ خِيَارٍ (زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ) ، أَيْ: خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ، (يَلْحَقُ بِهِ) ، أَيْ: الْعَقْدِ، فَيَجِبُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ، كَأَصْلِهِ، تَنْزِيلًا لِحَالِ الْخِيَارِ مَنْزِلَةَ حَالِ الْعَقْدِ، وَإِنْ حُطَّ الثَّمَنُ كُلُّهُ، فَهِبَةٌ، وَلَا يَلْحَقُ بِعَقْدِ مَا زِيدَ، أَوْ حُطَّ فِيمَا ذُكِرَ (بَعْدَ لُزُومِهِ) ، أَيْ: الْعَقْدِ، فَلَا يَجِبُ [أَنْ يُخْبِرَ بِهِ، (وَلَا إنْ جَنَى مَبِيعٌ فَفَدَاهُ مُشْتَرٍ، أَوْ مَرِضَ فَدَاوَاهُ) ، فَلَا يَلْحَقُ] ذَلِكَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ بِهِ الْمَبِيعُ ذَاتًا وَلَا قِيمَةً، وَإِنَّمَا هُوَ مُزِيلٌ لِنَقْصِهِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ الْمَرَضِ، (أَوْ) ، أَيْ: وَكَذَا لَوْ (مَانَهُ) أَوْ كَسَاهُ، لَا تَلْحَقُ بِالثَّمَنِ، (وَإِنْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ، فَحَسَنٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَمُّ فِي الصِّدْقِ. (وَإِنْ أَخَذَ) الْمُشْتَرِي (أَرْشًا لِعَيْبٍ أَوْ) أَرْشًا (لِجِنَايَةٍ) عَلَى مَبِيعٍ، (أَخْبَرَ بِهِ) إذَا بَاعَ بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ عَلَى وَجْهِهِ - وَلَوْ كَانَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ -؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ، فَيُخْبِرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِهَذَا، أَوْ أَخَذَ أَرْشَهُ كَذَا. و (لَا) يَلْزَمُ إخْبَارٌ (بِأَخْذِ نَمَاءٍ حَادِثٍ، وَاسْتِخْدَامٍ، وَوَطْءٍ، مَا لَمْ يُنْقِصْهُ) الْوَطْءُ، كَبِكْرٍ، فَيَلْزَمُهُ الْإِخْبَارُ بِهِ، كَمَا لَوْ وَطِئَهَا غَيْرُهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ. (وَهِبَةُ مُشْتَرٍ لِوَكِيلٍ بَاعَهُ) شَيْئًا مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ غَيْرِهِ، (كَزِيَادَةٍ) فِي الثَّمَنِ، فَتَكُونُ لِبَائِعٍ وَيُخَيَّرُ بِهَا. (وَهِبَةُ بَائِعٍ لِوَكِيلٍ) اشْتَرَى مِنْهُ، (كَنَقْصٍ) مِنْ الثَّمَنِ، فَتَلْحَقُ بِالْعَقْدِ (لِأَنَّهَا لِمُوَكِّلِهِ) ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي، وَيُخَيَّرُ بِهَا. (وَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ، [وَعَمِلَ] ) فِيهِ بِنَفْسِهِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً، (أَوْ) عَمِلَ (غَيْرُهُ فِيهِ) ، أَيْ: الثَّوْبِ، فَصَبَغَهُ، أَوْ قَصَّرَهُ (- وَلَوْ بِأُجْرَةٍ - مَا يُسَاوِي عَشَرَةً، أَخْبَرَ بِهِ) عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنْ ضَمَّهُ إلَى الثَّمَنِ، وَأَخْبَرَ بِهِ، كَانَ كَاذِبًا، وَتَغْرِيرًا لِلْمُشْتَرِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 (وَلَا يَجُوزُ) قَوْلُهُ: (تَحَصَّلَ) عَلَيَّ (بِعِشْرِينَ) ؛ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ. (وَمِثْلُهُ أُجْرَةُ نَحْوِ مَكَانِ) الْمَبِيعِ، (وَ) أُجْرَةُ (كَيْلِهِ) ، وَأُجْرَةُ (وَزْنِهِ، وَ) أُجْرَةُ (حَمْلِهِ) وَسِمْسَارِهِ، فَيُخْبِرُ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَا يَضُمُّهُ إلَى الثَّمَنِ، فَيُخَيِّرُ بِهِ، وَلَا يَقُولُ تَحَصَّلَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِدَنَانِيرَ، فَأَخْبَرَ بِدَرَاهِمَ وَعَكْسِهِ، أَوْ بِنَقْدٍ، وَأَخْبَرَ بِعَرَضٍ وَنَحْوِهِ، فَلِمُشْتَرٍ الْخِيَارُ. (وَإِنْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، لَمْ يَبْقَ مُرَابَحَةٌ، بَلْ يُخَيَّرُ بِالْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الصِّدْقِ، وَأَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ، (أَوْ يَحُطُّ الرِّبْحَ مِنْ) الْعَشَرَةِ (الثَّمَنِ الثَّانِي، وَيُخْبِرُ أَنَّهُ) تَحَصَّلَ (عَلَيْهِ بِخَمْسَةٍ) ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ أَحَدُ نَوْعَيْ النَّمَاءِ، فَوَجَبَ الْإِخْبَارُ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَنَحْوِهَا، كَالنَّمَاءِ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ، كَالثَّمَرَةِ وَنَحْوِهَا، و (لَا) يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ (أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ) ، وَهُوَ حَرَامٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (وَقِيلَ يَجُوزُ) أَنْ يُخْبِرَ (أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " " وَالْإِنْصَافِ ") وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ - (لَوْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ) ، بِأَنْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِعِشْرِينَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، (أَخْبَرَ بِالْحَالِ) عَلَى وَجْهِهِ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَهُمْ، (وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ بَيْنَهُ) ، أَيْ: الثَّمَنِ الثَّانِي، إذْ بَاعَ بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ، (وَلَا يَضُمُّ الْخَسَارَةَ لِثَمَنٍ ثَانٍ) ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ. (وَمَا بَاعَهُ اثْنَانِ) مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا (مُرَابَحَةً، فَثَمَنُهُ) بَيْنَهُمَا (بِحَسَبِ مِلْكِيَّتِهَا) ، كَمُسَاوَمَةٍ، و (لَا) يَكُونُ ثَمَنُهُ (عَلَى رَأْسِ مَالَيْهِمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ عِوَضُ الْمَبِيعِ فَهُوَ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا، (وَلَوْ اشْتَرَيَا) ، أَيْ: اثْنَانِ (ثَوْبًا بِعِشْرِينَ، فَسِيمَ) الثَّوْبُ مِنْهُمَا (بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِذَلِكَ) السِّعْرِ الْمَبْذُولِ لَهُمَا، (أَخْبَرَ فِي الْمُرَابَحَةِ) وَنَحْوِهَا (بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ) ، عَشَرَةٍ ثَمَنِ نَصِيبِهِ الْأَوَّلِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 وَأَحَدَ عَشَرَ ثَمَنِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، (لَا بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ) ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ. الْقِسْمُ (السَّابِعُ) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ (خِيَارٌ) يَثْبُتُ (لِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعِينَ) فِي الثَّمَنِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ. (إذَا) (اخْتَلَفَا، أَوْ) اخْتَلَفَ (وَرَثَتُهُمَا) ، أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَرَثَةُ الْآخَرِ (فِي قَدْرِ ثَمَنٍ) قَبْلَ قَبْضِهِ، بِأَنْ قَالَ: بَائِعٌ أَوْ وَارِثُهُ: الثَّمَنُ أَلْفٌ، وَقَالَ مُشْتَرٍ أَوْ وَارِثُهُ: ثَمَانِمِائَةٍ، (وَلَا بَيِّنَةَ) لِأَحَدِهِمَا، تَحَالَفَا، أَوْ كَانَ (لَهُمَا) ، أَيْ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَاهُ، (وَتَعَارَضَتَا) ، أَيْ: الْبَيِّنَتَانِ، (تَحَالَفَا) ، أَيْ، الْمُتَعَاقِدَانِ، وَسَقَطَتْ بَيِّنَتَاهُمَا، فَيَصِيرَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ (- وَلَوْ بَعْدَ تَلَفِ مَبِيعٍ -؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ صُورَةً، وَكَذَا حُكْمًا لِسَمَاعِ بَيِّنَتِهِمَا) ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ، وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ، وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا تَحَالَفَا» ) وَإِنَّمَا قُلْنَا يَتَحَالَفَانِ - وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ تَالِفَةً - لِقَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: لَمْ يَقُلْ فِيهِ وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ إلَّا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَقَدْ أَخْطَأَ. رَوَاهُ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ لَمْ يَقُولُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ، وَلَكِنَّهَا فِي حَدِيثِ مَعْنٍ. (وَلَا يُسْمَعُ فِي الدَّيْنِ إلَّا بَيِّنَةُ مُدَّعٍ بِاتِّفَاقِنَا) . قَالَهُ " فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ". إذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، (فَيَحْلِفُ بَائِعٌ أَوَّلًا) ، لِقُوَّةِ بَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يُرَدُّ إلَيْهِ (مُقَدَّمَا لِلنَّفْيِ عَلَى الْإِثْبَاتِ) قَائِلًا فِي حَلِفِهِ: (مَا بِعْتُهُ بِكَذَا، أَوْ إنَّمَا بِعْتُهُ بِكَذَا) ، فَالنَّفْيُ لِمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ وَالْإِثْبَاتُ لِمَا ادَّعَاهُ، (ثُمَّ) يَحْلِفُ (مُشْتَرٍ مَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَحْلِفُ وَارِثٌ حَضَرَ الْعَقْدَ عَلَى الْبَتِّ) ، إنْ عَلِمَ الثَّمَنَ، (وَإِلَّا) يَحْضُرْ الْعَقْدَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ الثَّمَنَ، فَيَحْلِفُ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ. ثُمَّ بَعْدَ التَّحَالُفِ (إنْ) (رَضِيَ أَحَدُهُمَا) ، أَيْ: الْعَاقِدَيْنِ (بِقَوْلِ الْآخَرِ) ، أَخَّرَ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ صَاحِبُهُ بِقَوْلِهِ مِنْهُمَا، حَصَلَ مَا ادَّعَاهُ، فَلَا خِيَارَ لَهُ، (أَوْ نَكَلَ) أَحَدُهُمَا عَنْ الْيَمِينِ، (وَحَلَفَ الْآخَرُ) ، (أَقَرَّ الْعَقْدَ) بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 (وَلَزِمَ نَاكِلًا) مِنْهُمَا (مَا حَلَفَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ) لِقَضَاءِ عُثْمَانَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّ النُّكُولَ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ نَكَلَ، وَبِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ بَدَّلَ أَحَدَ شِقَّيْ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ نَاكِلًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا بِالْمَجْمُوعِ، (وَإِلَّا) يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ الْآخَرِ بَعْدَ التَّحَالُفِ، (فَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا (الْفَسْخُ) ، وَلَوْ (بِلَا حَاكِمٍ) ؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةَ، أَشْبَهَ رَدَّ الْمَعِيبِ. (وَيُفْسَخُ) الْبَيْعُ بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا (ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي حَقِّهِمَا - وَلَوْ مَعَ ظُلْمِ أَحَدِهِمَا -) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ. (وَلَا يُفْسَخُ) الْعَقْدُ (بِتَحَالُفٍ أَوْ جُحُودٍ) ، بَلْ مِنْ تَصْرِيحِ أَحَدِهِمَا بِالْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ، فَلَمْ يُفْسَخْ بِاخْتِلَافِهِمَا وَتَعَارُضِهِمَا فِي الْحُجَّةِ، كَمَا لَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً. قَالَ الْمُنَقِّحُ: (فَإِنْ نَكَلَا) ، أَيْ: امْتَنَعَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مِنْ الْحَلِفِ، (صَرَفَهُمَا) حَاكِمٌ، (كَمَا لَوْ نَكَلَ مَنْ تُرَدُّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ) عَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ. (وَكَذَا إجَارَةٌ) اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرَانِ أَوْ وَرَثَتُهُمَا فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ، (فَإِذَا تَحَالَفَا) - كَمَا تَقَدَّمَ - (وَفُسِخَتْ) الْإِجَارَةُ (بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةٍ) ، فَعَلَى مُسْتَأْجِرٍ (أُجْرَةُ مِثْلِ) الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، (وَ) إنْ فُسِخَتْ أَثْنَاءَهَا، أَيْ: مُدَّةِ الْإِجَارَةِ يُؤْخَذُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ (بِالْقِسْطِ) مِنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ. (وَيَحْلِفُ بَائِعٌ فَقَطْ، إنْ كَانَ التَّحَالُفُ) فِي قَدْرِ الثَّمَنِ (بَعْدَ قَبْضِ ثَمَنٍ وَفَسْخِ عَقْدٍ، بِنَحْوِ إقَالَةٍ أَوْ عَيْبٍ) ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَبْضِ. (وَإِذَا تَحَالَفَا) ، أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (بَعْدَ تَلَفِ بَيْعٍ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنٍ، غَرِمَ مُشْتَرٍ مِثْلَهُ) أَيْ: الْمَبِيعِ، إنْ كَانَ مِثْلِيًّا (أَوْ قِيمَتَهُ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَكِنَّ الْجَمَاعَةَ، وَصَاحِبَ " الْمُنْتَهَى " أَوْجَبُوا الْقِيمَةَ، وَأَطْلَقُوا. وَقَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ ": وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ تَالِفَةً، وَتَحَالَفَا، رَجَعَا إلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا، إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى الْخِلَافِ، كَمَا الْتَزَمَ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ (فِيهَا) ، أَيْ: قِيمَةِ الْمَبِيعِ التَّالِفِ، نَصًّا؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، (إذَا لَمْ تُعْرَفْ قِيمَةُ مِثْلِهِ) فَلَوْ عُرِفَتْ، رَجَعَ إلَيْهَا. (وَ) يُقْبَلُ قَوْلُ مُشْتَرٍ (فِي قَدْرِهِ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ التَّالِفِ، (وَفِي صِفَتِهِ) : بِأَنْ قَالَ بَائِعٌ: كَانَ الْعَبْدُ كَاتِبًا، وَأَنْكَرَهُ مُشْتَرٍ، فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَلَوْ وَصَفَ السِّلْعَةَ التَّالِفَةَ مُشْتَرٍ بِعَيْبٍ، كَبَرَصٍ وَجُنُونٍ وَخَرْقِ ثَوْبٍ وَقَطْعِ إصْبَعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَيْبِ. (وَإِنْ تَعَيَّبْ) مَبِيعٌ عِنْدَ مُشْتَرٍ (قَبْلَ تَلَفِهِ، ضَمَّ أَرْشَهُ إلَيْهِ) إلَى قِيمَتِهِ حَالَ عَقْدٍ، لِاعْتِبَارِهَا حِينَئِذٍ، لَا حِينَ تَلَفٍ. قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي " حَاشِيَةِ الْإِقْنَاعِ ". (وَكَذَا كُلُّ غَارِمٍ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قِيمَةِ مَا يَغْرَمُهُ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، كَمُشْتَرٍ، (وَلَا) يُقْبَلُ (وَصْفُهُ) ، أَيْ: وَصْفُ مُشْتَرٍ الْمَبِيعَ التَّالِفَ، وَالْغَارِمِ لِمَا يَغْرَمُ (بِعَيْبٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، (وَإِنْ ثَبَتَ عَيْبُهُ، قَبْلَ قَوْلِهِ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي، أَوْ الْغَارِمِ (فِي تَقَدُّمِهِ) ، أَيْ: الْعَيْبِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ التَّلَفِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا يُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ قَبُولِهِ قَوْلُهُ (حَيْثُ اُحْتُمِلَ) صِدْقُهُ، بِأَنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ، كَمَا لَوْ وُجِدَ بِهِ جُرْحٌ طَرِيٌّ، وَادَّعَى قِدَمَهُ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . الْقِسْمُ (الثَّامِنُ) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ (خِيَارٌ يَثْبُتُ لِلْخُلْفِ فِي الصِّفَةِ) إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 بَاعَهُ بِالْوَصْفِ، (وَلِتَغَيُّرِ مَا تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ الْعَقْدَ، وَتَقَدَّمَ) فِي السَّادِسِ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ. (وَيَتَّجِهُ أَنْ يُزَادَ) عَلَى أَقْسَامِ الْخِيَارِ قِسْمًا تَاسِعًا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: الْقِسْمُ (التَّاسِعُ) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ (خِيَارٌ يَثْبُتُ) لِلْمُشْتَرِي (لِفَقْدِ شَرْطٍ صَحِيحٍ أَوْ) فَقْدِ شَرْطٍ (فَاسِدٍ) سَوَاءٌ كَانَ يُبْطِلُ الْعَقْدَ أَوْ لَا يُبْطِلُهُ، فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا اشْتِرَاطَهُ، وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ، فَقَوْلُ مُنْكِرِهِ (عَلَى مَا مَرَّ) تَفْصِيلُهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. (وَ) يَثْبُتُ الْخِيَارُ أَيْضًا (لِفَوَاتِ غَرَضٍ مِنْ ظَنٍّ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (دُخُولَ مَا لَمْ يَدْخُلْهُ فِي شِرَاءٍ، أَوْ) ظَنِّ (عَدَمِهِ) ، أَيْ: الدُّخُولِ (فِي بَيْعٍ كَمَا يَأْتِي) قَرِيبًا. (وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا (بِظُهُورِ عُسْرِ مُشْتَرٍ - وَلَوْ بِبَعْضِ الثَّمَنِ -) سَوَاءٌ (هَرَبَ) الْمُشْتَرِي (أَوْ لَا) ، فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ فِي الْحَالِ (أَوْ) ، أَيْ: وَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ (حُجِرَ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْمُشْتَرِي (لِفَلَسٍ) ، وَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ أَنَّهُ لَهُ الرُّجُوعُ بِعَيْنِ مَالِهِ بِشُرُوطِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ إذَا ظَهَرَ الْإِعْسَارُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إنْظَارِهِ، (أَوْ) ، أَيْ: وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ إذَا (غَيَّبَ) مُشْتَرٍ (مَالَهُ) بِمَحَلٍّ (بَعِيدٍ) ، كَمَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ. (وَلَا فَسْخَ لِبَائِعٍ بِكَوْنِ مُشْتَرٍ مُوسِرًا مُمَاطِلًا) ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَنْدَفِعُ بِرَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: بَلْ (لَهُ) أَيْ: الْبَائِعِ (الْفَسْخُ) إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُوسِرًا مُمَاطِلًا، دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُخَاصَمَةِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ. قُلْتُ لَوْ رَأَى فُقَهَاؤُنَا أَهْلَ زَمَانِنَا وَحُكَّامَنَا، لَحَذَفُوا هَذَا الْفَرْعَ مِنْ أَصْلِهِ، وَحَكَمُوا بِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ الْمُوسِرِ الْمُمَاطِلِ. (وَلَا) فَسْخَ لِلْبَائِعِ (بِهُرُوبِهِ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي الْمُوسِرِ قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَنِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 (وَيُوفِي حَاكِمٌ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ إنْ وُجِدَ) لَهُ مَالٌ، (وَإِلَّا بَاعَ الْمَبِيعَ، وَوَفَّى ثَمَنَهُ مِنْهُ) ، وَحَفِظَ الْبَاقِيَ إنْ كَانَ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةَ مَالِ الْغَائِبِ، كَمَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ. وَإِنْ لَمْ يُوفِ الْمَبِيعُ بِالثَّمَنِ، فَيَتْبَعُ بَائِعٌ مُشْتَرِيًا بِمَا بَقِيَ لَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ هَرَبِهِ. [فَصْلٌ اخْتَلَفَا الْبَائِعَانِ فِي صِفَةِ الثَّمَن] (فَصْلٌ: وَإِنْ اخْتَلَفَا) ، أَيْ: الْبَائِعَانِ (فِي صِفَةِ ثَمَنٍ) اتَّفَقَا عَلَى ذِكْرِهِ فِي الْبَيْعِ (وَيَتَّجِهُ أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (جِنْسِهِ) ، كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَقَدَ بِذَهَبٍ، وَالْآخَرُ بِفِضَّةٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِنَقْدٍ وَالْآخَرُ بِعَرَضٍ، أَيْ: فَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَاخْتِلَافٍ فِي الصِّفَةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِوَجِيهٍ، إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ عَيْنِهِ. وَتَقَدَّمَ، (أُخِذَ بِيَمِينِ مُدَّعِي نَقْدِ الْبَلَدِ) إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا إلَّا نَقْدٌ وَاحِدٌ وَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا، فَيَقْضِي لَهُ بِهِ عَمَلًا بِالْقَرِينَةِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْعَقْدِ بِهِ، فَلَوْ أَبْطَلَ السُّلْطَانُ ذَلِكَ النَّقْدَ، لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ إلَّا ذَلِكَ النَّقْدُ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ حِنْطَةً، فَرَخُصَتْ، فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا. (ثُمَّ) إنْ كَانَ بِالْبَلَدِ نُقُودٌ وَاخْتَلَفَتْ رَوَاجًا، أَخَذَ (غَالِبَهُ رَوَاجًا) ، لِغَلَبَتِهِ وَكَثْرَةِ الْمُعَامَلَةِ بِهِ، (فَإِنْ اسْتَوَتْ) النُّقُودُ رَوَاجًا (فَالْوَسَطُ) مِنْهَا، تَسْوِيَةً بَيْن حَقَّيْهِمَا، وَدَفْعًا لِلْمِيلِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَى مُدَّعِي الْمَأْخُوذِ الْيَمِينَ، لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ خَصْمُهُ. (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى مَا ذُكِرَ حَيْثُ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا، (وَإِلَّا) بِأَنْ ادَّعَيَا غَيْرَهُ، (تَحَالَفَا، أَوْ تَفَاسَخَا) - ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ - (لِعَدَمِ) دَلِيلٍ (ظَاهِرٍ) يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ أَحَدِهِمَا، (وَاحْتُمِلَ) لَوْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا (مَعَ تَفَاوُتِ الثَّمَنَيْنِ قِيمَةً، أَنْ يَكُونَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْر) ، أَيْ: فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 وَتَقَدَّمَ إذَا تَخَالَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ صُورَةً وَحُكْمًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ صَحِيحٍ أَوْ) شَرْطٍ (فَاسِدٍ) يُبْطِلُ الْعَقْدَ، أَوْ لَا، بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا اشْتِرَاطَهُ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، فَقَوْلُ مُنْكِرِهِ، (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (أَجَلٍ فِي غَيْرِ سَلَمٍ) - إذْ السَّلَمُ لَا يَكُونُ حَالًّا، وَيَأْتِي - (وَ) فِي غَيْرِ (إقْرَارٍ) - إذْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى كَذَا مُؤَجَّلَةً إلَى كَذَا، وَلَوْ عَزَاهُ إلَى سَبَبٍ قَابِلٍ لِأَمْرَيْنِ، كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ - (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (رَهْنٍ، أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (قَدْرِهِمَا) ، أَيْ: الْأَجَلِ وَالرَّهْنِ، (أَوْ) فِي شَرْطِ (ضَمِينٍ) بِالثَّمَنِ أَوْ بِعُهْدَتِهِ أَوْ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ، (فَقَوْلُ مُنْكِرِهِ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، كَمَا يُقْبَلُ (مُنْكِرٌ مُفْسِدٌ) لِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ، فَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ (مِنْ نَحْوِ إكْرَاهٍ) ، كَسَفَهٍ (أَوْ جُنُونٍ) . (وَلَوْ عَمَلًا لَهُ حَالَةَ جُنُونٍ) ، وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ، فَقَوْلُ الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ، (وَنَصَّ عَلَيْهِ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (فِي دَعْوَى عَبْدٍ عَدِمَ الْإِذْنِ) مِنْ سَيِّدِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إنْكَارُ الْمُشْتَرِي، (وَ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى (بَائِعِ الصِّغَرِ) ، بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ حَالَ الْعَقْدِ كَانَ صَغِيرًا، وَأَنْكَرَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 الْمُشْتَرِي، فَقَوْلُهُ مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَتَعَاطَى إلَّا عَقْدًا صَحِيحًا. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَبِيعٍ) ، بِأَنْ قَالَ بَائِعٌ: بِعْتُكَ قَفِيزَيْنِ، فَقَالَ مُشْتَرٍ: بَلْ ثَلَاثَةً (فَقَوْلُ بَائِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، وَالْبَيْعُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَبِيعِ، فَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَقْدًا آخَرَ يُنْكِرُهُ الْبَائِعُ، بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ قَبُولِ قَوْلِ الْبَائِعِ (إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْحِسُّ) ، فَإِنْ كَذَّبَهُ الْحِسُّ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا) لَوْ اخْتَلَفَا (فِي عَيْنِهِ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ، كَبِعْتَنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ، فَيَقُولُ: بَلْ الْعَبْدَ، فَقَوْلُ بَائِعٍ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ كَالْغَارِمِ. وَوَرَثَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَتِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ. (فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ) مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ (بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، ثَبَتَ الْعَقْدَانِ مَعًا، لِعَدَمِ تَنَافِيهِمَا) ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ، ثُمَّ الْعَبْدَ، (وَكَذَا حُكْمُ إجَارَةٍ) فِي سَائِرِ مَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ تَشَاحَّا فِي أَيِّهِمَا يُسَلِّمُ قَبْلَ) الْآخَرِ، فَقَالَ الْبَائِعُ: لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَتَسَلَّمَ الثَّمَنَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أُسَلِّمُ الثَّمَنَ حَتَّى أَتَسَلَّمَ الْمَبِيعَ، (وَالثَّمَنُ عَيْنٌ) ، أَيْ: مُعَيَّنٌ فِي الْعَقْدِ، (نُصِبَ عَدْلٌ) ، أَيْ: نَصَّبَهُ الْحَاكِمُ، لِيَقْطَعَ النِّزَاعَ (يَقْبِضُ مِنْهُمَا الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ، وَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ) لِمُشْتَرٍ، (ثُمَّ) يُسَلِّمُ (الثَّمَنَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 لِبَائِعٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مِنْ تَتِمَّاتِ الْبَيْعِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ، وَاسْتِحْقَاقُ الثَّمَنِ مُرَتَّبٌ عَلَى تَمَامِ الْبَيْعِ، وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ، (وَإِنْ بَادَرَ أَحَدَهُمَا بِالتَّسْلِيمِ) ، أَيْ: تَسْلِيمِ مَا عَلَيْهِ، (أُجْبِرَ الْآخَرُ) عَلَى قَبْضِهِ وَتَسْلِيمِ مَا عَلَيْهِ أَيْضًا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ) ، أَيْ: تَشَاحِّهِمَا فِي أَيِّهِمَا يُسَلِّمُ مَا بِيَدِهِ قَبْلَ الْآخَرِ (جَوَازُ حَبْسِ الْمَبِيعِ عَلَى ثَمَنِهِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ صَحَّ قَبْضُهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ (بِلَا رِضَا بَائِعٍ) ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ جَوَازَ حَبْسِهِ عَلَى ثَمَنِهِ، (فَمِنْ ضَمَانِهِ) ، أَيْ: الْبَائِعِ، كَمَا لَوْ كَانَ غَاصِبًا فَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا حَالًّا، أُجْبِرَ بَائِعٌ) عَلَى تَسْلِيمِ مَبِيعٍ، لِتَعَلُّقِ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بِعَيْنِهِ، (وَلَا يُحْبَسُ الْمَبِيعُ عَلَى قَبْضِ ثَمَنِهِ إذَنْ، نَصًّا) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ، وَحَقَّ الْبَائِعِ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ، كَتَقْدِيمِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، (ثُمَّ أُجْبِرَ مُشْتَرٍ) عَلَى تَسْلِيمِ ثَمَنٍ (إنْ كَانَ الثَّمَنُ حَاضِرًا) مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ وَمَطْلُهُ ظُلْمٌ، (وَ) إنْ كَانَ الثَّمَنُ الْحَالُّ (غَائِبًا دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ، حَجَرَ حَاكِمٌ عَلَى مُشْتَرٍ فِي مَالِهِ كُلِّهِ) حَتَّى الْمَبِيعِ (حَتَّى يُسَلِّمَهُ) ، أَيْ: الثَّمَنَ، خَوْفًا مِنْ تَصَرَّفْهُ، فَيَضُرُّ بِبَائِعٍ. وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَائِبًا (أَوْ) غَيَّبَهُ مُشْتَرٍ (فَوْقَهَا) ، أَيْ: فَوْقَ مَسَافَةِ قَصْرٍ، (أَوْ ظَهَرَ مُعْسِرًا، فَيَفْسَخُ) الْبَائِعُ، لِتَعَذُّرِ قَبْضِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ، (وَتَقَدَّمَ) قَرِيبًا. (وَكَذَا) ، أَيْ: كَبَائِعٍ فِيمَا ذُكِرَ (مُؤَجِّرٌ بِنَقْدٍ حَالٍّ) ، فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا، لَمْ يُطَالَبْ بِهِ حَتَّى يَحِلَّ. (وَإِنْ أَحْضَرَ مُشْتَرٍ بَعْضَ الثَّمَنِ، لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَ مَا يُقَابِلُهُ) مِنْ مَبِيعٍ (إنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 نَقَصَ) مَبِيعٌ (بِتَشْقِيصٍ) ، كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ، وَقُلْنَا: لِبَائِعٍ حَبْسُ مَبِيعٍ عَلَى ثَمَنِهِ لِئَلَّا يَتَصَرَّفَ فِيهِ، وَلَا يَقْدِرَ عَلَى بَاقِي الثَّمَنِ، فَيَتَضَرَّرَ بَائِعٌ بِنَقْصِ قِيمَةِ مَا بِيَدِهِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا حَضَرَ بَعْضَ الثَّمَنِ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ مَا يُقَابِلُهُ (فِي) مُشْتَرٍ (مُعْسِرٍ) بِبَاقِي الثَّمَنِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ مُعْسِرًا، (فَلَا) يُمْنَعُ مِنْ أَخْذِ مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ، (لِمَا مَرَّ) قَرِيبًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَمْلِكُ بَائِعٌ مُطَالَبَةً بِثَمَنٍ بِذِمَّةٍ [زَمَنَ] خِيَارِ شَرْطٍ، وَلَا) يَمْلِكُ (أَحَدُهُمَا قَبْضَ مُعَيَّنٍ) مِنْ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ (زَمَنَهُ) ، أَيْ: زَمَنَ خِيَارِ شَرْطٍ (بِغَيْرِ إذْنٍ صَرِيحٍ) فِي قَبْضِهِ (مِمَّنْ الْخِيَارُ لَهُ) ، لِعَدَمِ انْقِطَاعِ عَلَقِهِ عَنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَى بَائِعٍ تَسْلِيمُ مَبِيعٍ، فَلِمُشْتَرٍ الْفَسْخُ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ لَا خِيَارَ مَجْلِسٍ) فِيمَا يَمْلِكُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَبْضَ مُعَيَّنٍ فِي الْمَجْلِسِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ صَاحِبُهُ - إذْ قَبْضُهُ لِذَلِكَ لَا يَقْطَعُ خَيْرَ صَاحِبِهِ، فَإِنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ] (فَصْلٌ) فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ (وَمَا) (اُشْتُرِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (بِكَيْلٍ) ، كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ، (أَوْ) اُشْتُرِيَ (بِوَزْنٍ) ، كَرَطْلٍ مِنْ زُبْرَةِ حَدِيدٍ، (أَوْ) اُشْتُرِيَ (بِذِرَاعٍ) ، كَثَوْبٍ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ (أَوْ) اُشْتُرِيَ (بِعَدٍّ) ، كَبَيْضٍ عَلَى أَنَّهُ مِائَةٌ، (مُلِكَ) الْمَبِيعُ بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ، فَنَمَاؤُهُ لِمُشْتَرٍ أَمَانَةٌ بِيَدِ بَائِعٍ، (وَلَزِمَ) الْبَيْعُ فِيهِ (بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ) لَا خِيَارَ فِيهِ كَسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَبِيعُ (قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ، أَوْ) كَانَ (رَطْلًا مِنْ زُبْرَةِ) حَدِيدٍ، أَوْ نَحْوَهُ، (لَكِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي، فَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَمِنْ ضَمَانِ بَائِعٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» ) . وَالْمُرَادُ بِهِ رِبْحُ مَا بِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " لَكِنْ لَوْ عَرَضَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَامْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ، ثُمَّ تَلِفَ، كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِكَلَامِ " الْكَافِي " (بَلْ) عَلَى الْبَائِعِ (ضَمَانُ نَمَائِهِ) إنْ تَلِفَ بِتَعَدِّيهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ. (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) ، أَيْ الْمُشْتَرِي فِيهِ، أَيْ: الْمَبِيعِ بِنَحْوِ كَيْلٍ (قَبْلَ قَبْضِهِ - وَلَوْ أُقْبِض ثَمَنَهُ - بِإِجَارَةٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِتَصَرُّفِهِ - (وَلَا بِبَيْعٍ - وَلَوْ لِبَائِعِهِ - وَلَا بِهِبَةٍ - وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ - وَلَا بِرَهْنٍ - وَلَوْ عَلَى ثَمَنِهِ - وَلَا بِاعْتِيَاضٍ عَنْهُ) ، أَيْ: أَخْذِ بَدَلِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. (وَيَتَّجِهُ تَصِحُّ حَوَالَةٌ) مِنْ مُشْتَرٍ (عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى بَائِعٍ بِمَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ، (وَ) تَصِحُّ حَوَالَةُ بَائِعٍ مُشْتَرِيًا (بِهِ) ، أَيْ: بِمَا شَرَاهُ مِنْهُ عَلَى مَنْ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ مِثْلُهُ (حَيْثُ كَانَ) الْمَبِيعُ ثَابِتًا (فِي الذِّمَّةِ) ، أَيْ: ذِمَّةِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، كَكَوْنِهِ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَوَالَةُ عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَحْوُ قَرْضٍ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا حَوَالَةٌ عَلَى ثَابِتٍ مُسْتَقِرٍّ فِي الذِّمَّةِ، (خِلَافًا لَهُمَا) ، أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " " وَالْإِقْنَاعِ " (فِيمَا يُوهَمُ) مِنْ عِبَارَتَيْهِمَا، فَإِنَّ ظَاهِرَ مَا قَالَاهُ مَنْعُ الْحَوَالَةِ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ، وَلَوْ كَانَتْ بِثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ، كَبَدَلِ قَرْضٍ وَمُتْلَفٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ، كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ. وَأَمَّا الْحَوَالَةُ عَلَى مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ، فَلَا تَصِحُّ بِاتِّفَاقِ فُقَهَائِنَا، لِحَدِيثِ: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ يَشْمَلُ بَيْعَهُ مِنْ بَائِعِهِ وَغَيْرِهِ، وَقِيسَ عَلَى الْبَيْعِ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ، وَلِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ بَائِعِهِ، فَلَمْ يَجُزْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ بِيعَ مَكِيلٌ وَنَحْوُهُ جُزَافًا، كَصُبْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَثَوْبٍ، جَازَ تَصَرُّفٌ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَا أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ حَبًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 كَالْقَبْضِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) قَبْلَ قَبْضِهِ (بِعِتْقٍ) ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ عَبِيدٍ مَثَلًا، فَأَعْتَقَهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، فَيَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا، لِقُوَّةِ الْعِتْقِ وَسِرَايَتِهِ. (وَ) يَصِحُّ جَعْلُ مَبِيعٍ بِنَحْوِ كَيْلٍ عِوَضًا عَنْ (مَهْرٍ، وَ) يَصِحُّ (خُلْعٌ) عَلَيْهِ، (وَوَصِيَّةٌ) ، لِاغْتِفَارِ الْغَرَرِ فِيهَا. (وَيَنْفَسِحُ الْعَقْدُ) ، أَيْ: عَقْدُ الْبَيْعِ (فِيمَا) ، أَيْ: مَبِيعٍ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ ذَرْعٍ (تَلِفَ مِنْهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ) ، لَا صُنْعَ لِآدَمِيٍّ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» ) . وَالْمُرَادُ بِهِ رِبْحُ مَا بِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ. (وَيُخَيَّرُ مُشْتَرٍ إنْ) تَلِفَ بَعْضُهُ و (بَقِيَ) مِنْهُ (شَيْءٌ، بَيْنَ أَخْذِهِ) ، أَيْ: الْبَاقِي (بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ رَدِّهِ) وَأَخْذِ الثَّمَنِ كُلِّهِ، لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، (كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ) عِنْدَ الْبَائِعِ (بِلَا فِعْلِ) آدَمِيٍّ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ. (وَ) تَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ (لَهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي (الْأَرْشَ إنْ رَضِيَ بِهِ مَعِيبًا) ، خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى " هُنَاكَ حَيْثُ قَالَ: وَلَا أَرْشَ، قَالَ مُحَشِّيهِ: يَعْنِي لِلْمُشْتَرِي إذَا أَخَذَهُ مَعِيبًا؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ أَخَذَهُ مَعِيبًا، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ رَاضِيًا بِعَيْبِهِ. قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ: أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ، وَوَجْهُهُ وَاضِحٌ، فَالْأَوْلَى عَوْدٌ، وَلَا أَرْشَ لِلْمُشَبَّهِ، دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 أَيْ: وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ، خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَخْذِهِ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا أَرْشَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَنَحْوَهُ لَا يَنْقُصُ بِالتَّفْرِيقِ. انْتَهَى. (وَيَبْرَأُ) مُشْتَرٍ (بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِ الرَّدِّ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَوْ خَلَطَ) الْمَبِيعَ بِنَحْوِ كَيْلٍ (بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ) ، كَزَيْتٍ بِشَيْرَجٍ، (لَمْ يَنْفَسِخْ) الْبَيْعُ، لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَبِيعِ (وَهُمَا) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي وَمَالِكُ مَا اخْتَلَطَ بِهِ الْمَبِيعُ (شَرِيكَانِ) فِيهِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا، (وَلِمُشْتَرٍ الْخِيَارُ) ، لِعَيْبِ الشَّرِكَةِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ خُلِطَ مَبِيعٌ مِنْ نَحْوِ مَكِيلٍ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ (بِأَجْوَدَ) مِنْهُ، فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ (لِبَائِعٍ) ، إزَالَةً لِضَرَرِهِ بِنَقْصِ سِلْعَتِهِ، وَأَمَّا لَوْ خُلِطَ (بِمُمَاثِلٍ، فَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) ، لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَحِينَئِذٍ فَيُبَاعُ الْمُخْتَلِطُ، وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مِلْكَيْهِمَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ تَلِفَ مَبِيعٌ بِنَحْوِ كَيْلٍ، أَوْ عَابَ قَبْلَ قَبْضِهِ (بِإِتْلَافِ مُشْتَرٍ أَوْ تَعْيِيبِهِ لَهُ، فَلَا خِيَارَ) لَهُ؛ لِأَنَّ إتْلَافَهُ كَقَبْضِهِ، وَإِذَا عَيَّبَهُ فَقَدْ عَيَّبَ مَالَ نَفْسِهِ، فَلَا يَرْجِعُ بِأَرْشِهِ عَلَى غَيْرِهِ. (وَ) إنْ تَلِفَ، أَوْ تَعَيَّبَ (بِفِعْلِ بَائِعٍ، أَوْ) بِفِعْلِ (أَجْنَبِيٍّ) غَيْرِ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ، (يُخَيَّرُ مُشْتَرٍ بَيْنَ فَسْخِ) بَيْعٍ، وَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعٍ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إلَى قَبْضِهِ، (وَ) بَيْنَ (إمْضَاءِ) بَيْعٍ، (وَيُطَالِبُ مُتْلِفَهُ بِمِثْلِ مِثْلِيٍّ، أَوْ قِيمَةِ مُتَقَوِّمٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَخَ الْمُشْتَرِي، عَادَ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ، فَكَانَ لَهُ الطَّلَبُ عَلَى الْمُتْلِفِ، (وَ) بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ، وَمُطَالَبَةِ مَنْ عَيَّبَهُ بِأَرْشٍ (نَقَصَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 مَعَ تَعَيُّبٍ) ، أَيْ: فِي مَسْأَلَةِ التَّعَيُّبِ، لِتَعَدِّيهِ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ، بِخِلَافِ تَلَفِهِ بِفِعْلِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا مُقْتَضِي لِلضَّمَانِ سِوَى حُكْمِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ إتْلَافِ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الضَّمَانَ بِالْبَدَلِ إنْ أُمْضِيَ الْعَقْدُ. وَحُكْمُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الضَّمَانَ بِالثَّمَنِ إنْ فُسِخَ، فَكَانَتْ الْخِيرَةُ لِلْمُشْتَرِي بَيْنَهُمَا. (وَ) حُكْمُ (شَاةٍ بِيعَتْ بِشَعِيرٍ، فَأَكَلَتْهُ) الشَّاةُ (قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَيْسَتْ) الشَّاةُ (بِيَدِ أَحَدٍ) ، انْفَسَخَ الْبَيْعُ، كَمَا لَوْ تَلِفَ الشَّعِيرُ (بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ هُنَا لَا يُنْسَبُ إلَى آدَمِيٍّ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ الشَّاةُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَدِ أَجْنَبِيٍّ، (فَيَضْمَنُ) الشَّعِيرَ (مَنْ هِيَ بِيَدِهِ) ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ. (وَلَوْ بِيعَ أَوْ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ مَا) ، أَيْ: مَبِيعٌ (اُشْتُرِيَ بِمَكِيلٍ وَنَحْوِهِ) كَمَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ أَوْ مَذْرُوعٍ، بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ شِقْصًا مَشْفُوعًا بِنَحْوِ صُبْرَةِ بُرٍّ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ، ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدَ، أَوْ أَخَذَ الشِّقْصَ بِشُفْعَةٍ، (ثُمَّ تَلِفَ الثَّمَنُ) - وَهُوَ الصُّبْرَةُ - بِآفَةٍ (قَبْلَ قَبْضِهِ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ) الْوَاقِعُ بِالصُّبْرَةِ بِتَلَفِهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ مُثَمَّنًا فَقَطْ، أَيْ: دُونَ الثَّانِي الْوَاقِعِ عَلَى الْعَبْدِ ثَانِيًا، وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، لِتَمَامِهِ قَبْلَ فَسْخِ الْأَوَّلِ، (فَيَغْرَمُ مُشْتَرِيهِ) ، أَيْ: مُشْتَرِي الْعَبْدِ أَوْ الصُّبْرَةِ (لِبَائِعٍ) لَهَا (قِيمَةَ الْمَبِيعِ) ، أَيْ: الْعَبْدِ أَوْ الشِّقْصِ، لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا أَوْ أَحْبَلَ أَمَةً اشْتَرَاهَا بِذَلِكَ، ثُمَّ تَلِفَ، (وَيَأْخُذُ) الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ (مِنْ الشَّفِيعِ مِثْلَ الطَّعَامِ أَوْ نَحْوَهُ) ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ الشِّقْصِ، وَمِنْ مُشْتَرِي الْعَبْدِ مِنْهُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُهُ، (وَمَا عَدَا ذَلِكَ) ، أَيْ: مَا اُشْتُرِيَ بِوَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ ذَرْعٍ، (كَعَبْدٍ وَصُبْرَةٍ وَدَارٍ، يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ مُطْلَقًا) بِبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَهِبَةٍ وَرَهْنٍ وَعِتْقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ قَبْلَ قَبْضِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ، كَالْقَبْضِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «كُنَّا نَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ بِالدَّرَاهِمِ، فَنَأْخُذُ عَنْهَا الدَّنَانِيرَ وَبِالْعَكْسِ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تُؤْخَذَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا، مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» ) ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. (إلَّا الْمَبِيعَ بِصِفَةٍ) - وَلَوْ مُعَيَّنًا - (أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ) عَلَى الْعَقْدِ، (فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ) مُشْتَرٍ قَبْلَ قَبْضِهِ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: لَا بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ لَكِنْ يَصِحُّ عِتْقُ) مَبِيعٍ بِصِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ، لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ وَعَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَاحْتُمِلَ لَا) يَصِحُّ جَعْلُهُ (نَحْوَ صَدَاقٍ) ، فَهَذَا الِاحْتِمَالُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، إذْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ وَصَرِيحِ غَيْرِهِ مَا يُخَالِفُهُ، فَيَكُونُ إمَّا غَلَطًا مِنْ النُّسَّاخِ، أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ الْمُصَنِّفِ. وَمَا عَدَا مَا اُشْتُرِيَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ ذَرْعٍ أَوْ بِوَصْفٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ (مِنْ ضَمَانِ مُشْتَرٍ) - وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ - (لِحَدِيثِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ) . وَهَذَا الْمَبِيعُ رِبْحُهُ لِلْمُشْتَرِي، فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ، (إلَّا إنْ مَنْعَهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِيَ (بَائِعٌ مِنْ قَبْضِهِ) - وَلَوْ لِقَبْضِ ثَمَنِهِ - فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ كَغَاصِبٍ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ كَوْنِ الْمَبِيعِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ إذَا مَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ (بِغَيْرِ حَقٍّ) ، بِأَنْ مَنَعَهُ عِنَادًا مِنْهُ، (بِخِلَافِ) مَا لَوْ مَنَعَهُ (لِنَحْوِ رَهْنِهِ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ، أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَهَنَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ (عَلَى ثَمَنِهِ، و) كَذَلِكَ لَوْ مَنَعَ الْبَائِعُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ (لِظُهُورِ عُسْرِ مُشْتَرٍ) بِثَمَنِهِ، فَيَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَى مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْهُ بِحَقٍّ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 (أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَمَرًا عَلَى شَجَرٍ) عَلَى مَا يَأْتِي، (أَوْ) كَانَ مَبِيعًا (بِصِفَةٍ أَوْ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، فَتَلَفُهُ مِنْ ضَمَانِ بَائِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوَفِّيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اُشْتُرِيَ بِنَحْوِ كَيْلٍ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْحُكْمَ (فِي تَلَفِهِ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ الْمَذْكُورِ (بِآفَةٍ) سَمَاوِيَّةٍ لَا صُنْعَ لِآدَمِيٍّ فِيهَا، (أَوْ) تَلَفِهِ بِفِعْلِ (آدَمِيٍّ مَا مَرَّ) مِنْ التَّفْصِيلِ مِنْ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْأُولَى، أَوْ بِقَدْرِ مَا تَلِفَ مِنْهُ، وَيُخَيَّرُ فِيمَا بَقِيَ بَيْنَ أَخْذِهِ بِقِسْطِهِ وَرَدِّهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يُخَيَّرُ بَيْنَ فَسْخٍ، وَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعٍ بِمَا أَقْبَضَهُ لَهُ، وَبَيْنَ إمْضَاءٍ وَمُطَالَبَةِ مُتْلِفٍ بِمِثْلِ مِثْلِيٍّ أَوْ قِيمَةِ مُتَقَوِّمٍ، (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى " فِي إطْلَاقِهِ) مِنْ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ مُشْتَرٍ فِيهِ، يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِتَلَفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِطْلَاقُهُ لَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ بِالتَّلَفِ قَبْلَ الْقَبْضِ خَاصٌّ بِالْمَوْصُوفِ، فَلَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْمَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَثَمَنٌ لَيْسَ فِي ذِمَّةٍ) وَهُوَ الْمُعَيَّنُ، (كَمُثَمَّنٍ) فِي كُلِّ مَا سَبَقَ مِنْ أَحْكَامِ التَّلَفِ، وَجَوَازِ الْقَبْضِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُشْتَرِي. (وَمَا فِي الذِّمَّةِ) مِنْ ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ إذَا تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، (لَهُ أَخْذُ بَدَلِهِ) ، وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ غَيْرُ سَلَمٍ - وَيَأْتِي - (لِاسْتِقْرَارِهِ) فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِتَلَفِهِ - وَلَوْ مَكِيلًا وَنَحْوَهُ -؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ، لَا عَيْنُ التَّالِفِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 (وَكَبَيْعِ مَا) ، أَيْ: عَرَضٍ (مَلَكَ مِنْ نَحْوِ مَكِيلٍ) ، كَمَوْزُونٍ (بِعَقْدٍ مَوْصُوفٍ) بِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْعِوَضِ قَبْلَ قَبْضِهِ، كَأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي (إجَارَةٍ، وَعِوَضٍ) مُعَيَّنٍ فِي (صُلْحٍ) بِمَعْنَى بَيْعٍ، بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَصَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ مُعَيَّنٍ، (وَ) عِوَضٍ مُعَيَّنٍ فِي (هِبَةٍ) بِمَعْنَى بَيْعٍ، (وَقِسْمَةٍ، بِمَعْنَى بَيْعٍ فِي انْفِسَاخِ) الْعَقْدِ (بِتَلَفِهِ) قَبْلَ قَبْضِهِ، (وَفِي صِحَّةِ تَصَرُّفٍ) فِيهِ إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِحَقِّ تَوْفِيَةٍ، (وَمَنْعِهِ) ، أَيْ: التَّصَرُّفِ، إنْ كَانَ كَذِبًا بِمُعَيَّنٍ عَتَقَ. (وَكَذَا) الْحُكْمُ (فِي غَيْرِ انْفِسَاخِ) عَقْدِهِ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، (كَمَا مَلَكَ بِعِوَضِ عِتْقٍ، وَصَدَاقٍ، وَخُلْعٍ، وَطَلَاقٍ، وَمَهْرٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ، وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَصُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ) ، فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ نَحْوِ عِتْقٍ قَبْلَ قَبْضِهِ، إنْ احْتَاجَ لِحَقِّ تَوْفِيَةٍ، وَإِلَّا جَازَ، (وَيَجِبُ بِتَلَفِهِ) عَلَى مَنْ تَلِفَ ذَلِكَ بِيَدِهِ قَبْلَ إقْبَاضِهِ (مِثْلُهُ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، (أَوْ قِيمَتُهُ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ مُسْتَحِقُّهُ، إلْحَاقًا لَهُ بِالْمَبِيعِ، وَلَا فَسْخَ بِتَلَفِ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِهِ. (وَلَوْ تَعَيَّنَ مِلْكُهُ) ، أَيْ: الْجَائِزِ التَّصَرُّفِ (فِي شَيْءٍ مَلَكَهُ بِلَا عِوَضٍ، كَمَوْرُوثٍ، وَوَصِيَّةٍ، وَغَنِيمَةٍ، وَصَدَقَةٍ، فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) ، لِتَمَامِ مِلْكِهِ، وَعَدَمِ تَوَهُّمِ عَدَمِ الْفَسْخِ فِيهِ، (وَكَوَدِيعَةٍ، وَعَارِيَّةٍ، وَمَالِ شَرِكَةٍ) ، فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، لِمَا تَقَدَّمَ، و [لَا] تَصَرُّفَ قَبْلَ قَبْضٍ (فِيمَا قَبْضُهُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ، كَصَرْفٍ وَ) رَأْسِ مَالِ (سَلَمٍ، وَرِبَوِيٍّ) بِرِبَوِيٍّ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ تَامٍّ، أَشْبَهَ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ. [فَصْلٌ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ] (فَصْلٌ) فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ (وَيَحْصُلُ قَبْضُ مَا بِيعَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ ذَرْعٍ بِذَلِكَ) ، أَيْ: بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدِّ أَوْ الذَّرْعِ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا: «إذَا بِعْتُ فَكِلْ، وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. وَحَدِيثِ: «إذَا سَمَّيْتَ الْكَيْلَ فَكِلْ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 يُعْتَبَرُ نَقْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، (بِشَرْطِ - حُضُورِ مُسْتَحِقِّهِ) لِمَكِيلٍ وَنَحْوِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ» ) . (أَوْ) حُضُورِ (نَائِبِهِ) ، أَيْ: الْمُسْتَحِقِّ، لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. (وَوِعَاؤُهُ) ، أَيْ: الْمُسْتَحِقِّ (كَيَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا مَا فِيهِ كَانَ لِرَبِّهِ. (وَيَصِحُّ الْقَبْضُ جُزَافًا إنْ عَلِمَا) ، أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (قَدْرَهُ) ، أَيْ: (الْمَقْبُوضِ، كَمَا لَوْ شَاهَدَا كَيْلَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ بِهِ) ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إعَادَةِ كَيْلِهِ ثَانِيًا، (لَا إنْ اُشْتُرِيَ مَعْدُودًا) ، كَجَوْزٍ وَنَحْوِهِ، (فَعَدَّ مِنْهُ أَلْفًا، وَوَضَعَهُ) ، أَيْ: الْأَلْفَ (بِكَيْلٍ) ، أَيْ: مِكْيَالٍ، (ثُمَّ اكْتَالَ بِهِ) ، أَيْ: بِذَلِكَ الْمِكْيَالِ (بِلَا عَدٍّ. وَتَقَدَّمَ) فِي أَوَاخِرِ السَّادِسِ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ. (وَتُكْرَهُ زَلْزَلَةُ الْكَيْلِ) عِنْدَ الْقَبْضِ، نَصًّا، لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاجِبِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي كَيْفِيَّةِ الِاكْتِيَالِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي أَسْوَاقِهِمْ، وَلَمْ تُعْهَدْ فِيهَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا تُكْرَهُ زَلْزَلَةُ الْكَيْلِ (مَا لَمْ يَحْصُلْ بِهَا زِيَادَةٌ مُحَقَّقَةٌ) ، فَإِنْ حَصَلَ بِهَا زِيَادَةٌ مُحَقَّقَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ، (فَيَحْرُمُ) فِعْلُهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] الْآيَةَ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ لَا تَسْمَحُ بِالزِّيَادَةِ عَادَةً، وَكَلَامُ الْإِمَامِ مَحْمُولٌ عَلَى زِيَادَةٍ يُتَسَامَحُ بِهَا فِي الْعَادَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَكُونُ) الْكَيْلُ (مَمْسُوحًا) بَلْ مُعَرَّمًا، (مَا لَمْ تَكُنْ عَادَةٌ) ، فَيُعْمَلُ بِهَا. (وَيَصِحُّ قَبْضُ وَكِيلٍ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ) ، بِأَنْ يَكُونَ لِمَدِينٍ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 رَبِّ الدَّيْنِ مِنْ جِنْسِهِ، فَيُوَكِّلُهُ فِي أَخْذِ قَدْرِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ نَفْسِهِ، فَيَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي الْقَبْضِ مِنْهَا، (إلَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَالِهِ) ، أَيْ: الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ دَنَانِيرَ، الْوَدِيعَةُ دَرَاهِمَ، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا عِوَضُ الدَّنَانِيرِ، (لِافْتِقَارِهِ) ، أَيْ: الْأَخْذِ (لِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ) ، وَلَمْ يُوجَدْ. (وَيَتَّجِهُ الصِّحَّةُ) ، أَيْ: صِحَّةُ قَبْضِ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ فِي صُورَةِ مَا (لَوْ وَكَّلَهُ) ، أَيْ: وَكَّلَ مُسْتَدِينٌ دَرَاهِمَ مَدِينَهُ الَّذِي عِنْدَهُ دَنَانِيرُ وَوَدِيعَةٌ (فِي عَقْدٍ) مَعَ نَفْسِهِ، بِأَنْ يَقْبِضَ الدَّنَانِيرَ مِنْ نَفْسِهِ عَلَى أَنَّهَا لِمُوَكِّلِهِ، (وَقَبْضٍ) لِلدَّنَانِيرِ عِوَضًا عَنْ مَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِي قَبْضٍ مِنْ نَفْسِهِ وَصَرْفِهِ مِنْهَا، وَذَلِكَ جَائِزٌ، فَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ وَجَدَ مَا قَبَضَهُ) مِنْ نَحْوِ مَكِيلٍ (زَائِدًا مَا) ، أَيْ: قَدْرًا (لَا يُتَغَابَنُ بِهِ) عَادَةً، (أَعْلَمَ رَبَّهُ وُجُوبًا) ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِلَا طَلَبٍ، (وَ) إنْ وَجَدَهُ (نَاقِصًا، فَإِنْ) كَانَ (قَبَضَهُ ثِقَةٌ بِقَوْلِ بَاذِلٍ: أَنَّهُ قَدْرُ حَقِّهِ، وَلَمْ يَحْصُرْ نَحْوَ كَيْلٍ) ، كَعَدٍّ وَذَرْعٍ (وَوَزْنٍ) ، ثُمَّ اخْتَبَرَهُ، وَوَجَدَهُ نَاقِصًا، (قُبِلَ قَوْلُهُ) ، أَيْ: الْقَابِضِ (فِي) قَدْرِ نَقْصِهِ، إنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَتَلِفَ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي بَقَائِهِ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى بَقَائِهِ بِحَالِهِ، اُعْتُبِرَ بِالْكَيْلِ وَنَحْوِهِ، (وَإِنْ صَدَّقَهُ) قَابِضٌ فِي قَدْرِ نَحْوِ الْمَكِيلِ، بَرِئَ مُقْبِضٌ مِنْ عُهْدَتِهِ، (فَلَا) تُقْبَلُ دَعْوَى نَقْصِهِ بَعْدَ تَصْدِيقِهِ وَتَلَفِهِ عَلَيْهِ، (وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَابِضٌ بِنَحْوِ بَيْعٍ قَبْلَ اعْتِبَارِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 لِفَسَادِ الْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لِكَيْلِهِ وَنَحْوِهِ مَعَ حُضُورِ مُسْتَحِقِّهِ، أَوْ نَائِبِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ. [تَتِمَّةٌ لَوْ أَذِنَ رَبُّ دَيْنٍ لِغَرِيمِهِ بِالصَّدَقَةِ عَنْهُ بِدَيْنِهِ] ِ، أَوْ صَرْفِ الدَّيْنِ، أَوْ الشِّرَاءِ بِهِ، لَمْ يَصِحَّ الْإِذْنُ، وَلَمْ يَبْرَأْ مَدِينٌ بِفِعْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْآذِنَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِ غَرِيمِهِ، إلَّا بِقَبْضِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَإِذَا تَصَدَّقَ، أَوْ صَرَفَ، أَوْ اشْتَرَى بِمَا مَيَّزَهُ لِذَلِكَ، فَقَدْ حَصَلَ بِغَيْرِ مَالِ الْإِذْنِ، فَلَمْ يَبْرَأْ بِهِ، وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ - وَلَوْ لِغَرِيمِهِ - تَصَدَّقْ عَنِّي بِكَذَا، أَوْ اشْتَرِ لِي بِهِ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ دَيْنِي، صَحَّ، وَكَانَ اقْتِرَاضًا مِنْ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَتَوْكِيلًا لَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا بِهِ، لَكِنْ يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ غَرِيمٍ بِقَدْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ بِالْمُقَاصَّةِ بِشَرْطِهَا. (وَإِتْلَافُ مُشْتَرٍ) لِمَبِيعٍ - وَلَوْ غَيْرَ عَمْدٍ - قَبْضٌ، (وَ) وَإِتْلَافُ (مُتَّهَبٍ) لِعَيْنٍ مَوْهُوبَةٍ (بِإِذْنِ وَاهِبٍ قَبْضٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ وَقَدْ أَبْلَغَهُ. (وَيَتَّجِهُ وَ) إتْلَافُ مُتَّهَبِ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ (بِلَا إذْنِهِ) ، أَيْ: الْوَاهِبِ لَهُ فِي قَبْضِهَا (يَضْمَنُ) ذَلِكَ، تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْغَاصِبِ. (وَفِيهِ) ، أَيْ: هَذَا الِاتِّجَاهِ (تَأَمُّلٌ) ، لَمَا يَأْتِي فِي الْهِبَةِ: أَنَّهُ يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا (وَلَيْسَ غَصْبُهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي مَعِيبًا لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَلَا غَصْبُ مَوْهُوبٍ لَهُ عَيْنًا وُهِبَتْ لَهُ (قَبْضًا) ، فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي ذَلِكَ، لِعُدْوَانِهِ. (وَكَذَا) (غَصْبُ بَائِع) مِنْ مُشْتَرٍ (ثَمَنًا بِذِمَّةٍ) لَيْسَ مُعَيَّنًا، (أَوْ) كَانَ (مُعَيَّنًا مِنْ نَحْوِ مَكِيلٍ) ، كَمَوْزُونٍ قَبْلَ اعْتِبَارِهِ، (أَوْ أَخَذَهُ) ، أَيْ: الْبَائِعُ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ مُشْتَرٍ (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ، (لَيْسَ قَبْضًا) لِلثَّمَنِ، بَلْ غَصْبٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيمَا قَبَضَهُ بِعَيْنِهِ، كَغَصْبِ الْبَائِعِ ثَمَنًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، (إلَّا مَعَ الْمُقَاصَّةِ) ، بِأَنْ أَتْلَفَهُ، أَوْ تَلِفَ بِيَدِهِ، وَكَانَ مُوَافِقًا لِمَالِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي نَوْعًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 وَقَدْرًا، فَيَتَسَاقَطَانِ، وَكَذَا إنْ رَضِيَ مُشْتَرٍ بِجَعْلِهِ عِوَضًا عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ. (وَأُجْرَةِ كَيْلٍ وَوَزْنٍ وَعَدٍّ وَذَرْعٍ وَنَقْدٍ) قَبْلَ قَبْضٍ (عَلَى بَاذِلٍ) بَائِعٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، وَلَا تَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، أَشْبَهَ السَّعْيَ عَلَى بَائِعِ الثَّمَرَةِ. (وَأُجْرَةُ نَقْلٍ) لِمَبِيعٍ مَنْقُولٍ (عَلَى آخِذٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَأُجْرَةُ دَلَّالٍ عَلَى بَائِعٍ، إلَّا مَعَ شَرْطٍ، (لَكِنْ لَوْ نَقَدَهُ) ، أَيْ: الثَّمَنَ الْبَائِعُ (بَعْدَ أَخَذَهُ) مِنْ الْمُشْتَرِي، فَأُجْرَةُ نَقْدِهِ (عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِقَبْضِهِ. (وَلَا يَضْمَنُ نَاقِلٌ حَاذِقٌ أَمِينٌ خَطَأً) مُتَبَرِّعًا كَانَ، أَوْ بِأُجْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاذِقًا أَوْ أَمِينًا، ضَمِنَ، كَمَا لَوْ كَانَ عَمْدًا. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا نَحْوُ كَيَّالٍ) ، كَوَزَّانٍ وَعَدَّادٍ وَذَرَّاعٍ أَمِينٍ، لَا يَضْمَنُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً، ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يَحْصُلُ (قَبْضُ صُبْرَةٍ) بِيعَتْ جُزَافًا بِنَقْلٍ. (وَ) قَبْضُ مَا يُنْقَلُ، كَأَحْجَارِ طَوَاحِينَ (بِنَقْلٍ) . وَقَبْضُ حَيَوَانٍ بِتَمْشِيَتِهِ. (وَ) قَبْضُ (مَا يُتَنَاوَلُ) كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَكُتُبٍ وَنَحْوِهَا (بِتَنَاوُلِهِ) بِالْيَدِ. (وَ) قَبْضُ (غَيْرِهِ) ، أَيْ: الْمَذْكُورِ، كَأَرْضٍ وَبِنَاءٍ وَشَجَرٍ (بِتَخْلِيَةِ) بَائِعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُشْتَرٍ بِلَا حَائِلٍ، وَلَوْ كَانَ الدَّارُ مَتَاعَ بَائِعٍ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مُطْلَقٌ فِي الشَّرْعِ، فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، كَالْحِرْزِ وَالتَّفَرُّقِ، وَالْعُرْفُ فِي ذَلِكَ مَا سَبَقَ. (وَيَتَّجِهُ فَائِدَةُ هَذَا) الْقَبْضِ تَظْهَرُ (فِي رَهْنٍ وَقَرْضٍ وَهِبَةٍ) لِمَقْبُوضٍ، فَكُلُّ مَا قُبِضَ بِنَوْعٍ مِمَّا ذُكِرَ، يَصِحُّ رَهْنُهُ وَقَرْضُهُ وَهِبَتُهُ، كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَمْلُوكَاتِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 (وَيُعْتَبَرُ لِجَوَازِ قَبْضٍ) ، كَثُلُثٍ وَنِصْفٍ مِمَّا (يُنْقَلُ) ، كَنِصْفِ فَرَسٍ أَوْ بَعِيرٍ (إذْنُ شَرِيكِهِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ نَقْلُهُ، وَلَا يَتَأَتَّى إلَّا بِنَقْلِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْر بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرَامٌ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ قَبْضَ مَشَاعٍ لَا يُنْقَلُ، كَنِصْفِ عَقَارٍ، لَا يُعْتَبَرُ لَهُ إذْنُ شَرِيكٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ تَخْلِيَةٌ، وَلَيْسَ فِيهَا تَصَرُّفٌ، (فَإِنْ أَبَى) الشَّرِيكُ الْإِذْنَ لِلْبَائِعِ فِي تَسْلِيمِ الْكُلِّ، قِيلَ لِلْمُشْتَرِي: وَكِّلْ الشَّرِيكَ فِي الْقَبْضِ، لِيَصِلَ إلَى مَقْصُودِهِ، فَإِنْ (تَوَكَّلَ) الشَّرِيكُ (فِيهِ) ، أَيْ: الْقَبْضِ (عَنْ مُشْتَرٍ) ، قَبَضَهُ نِيَابَةً عَنْهُ. وَفِي نُسْخَةٍ: عَنْ بَاذِلِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ عَنْ مُشْتَرٍ، وَلَعَلَّهَا سَبْقُ قَلَمٍ، أَوْ تَحْرِيفٌ مِنْ النُّسَّاخِ. (فَإِنْ أَبَى) الْمُشْتَرِي أَنْ يُوَكِّلَ، أَوْ أَبَى الشَّرِيكُ أَنْ يَتَوَكَّلَ، (نَصَّبَ حَاكِمٌ مَنْ يَقْبِضُ) الْكُلَّ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، فَيَكُونُ فِي يَدِ الْقَابِضِ أَمَانَةً، أَوْ بِأُجْرَةٍ، وَأُجْرَتُهُ عَلَيْهِمَا، (فَلَوْ سَلَّمَهُ) بَائِعٌ (بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ) ، فَالْبَائِعُ (غَاصِبٌ) لِحِصَّةِ شَرِيكِهِ، لِتَعَدِّيهِ بِتَسْلِيمِهَا بِلَا إذْنِهِ، (وَقَرَارُ الضَّمَانِ) - فِيهِ إنْ تَلِفَ - (عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْبَائِعِ، لِتَغْرِيرِهِ الْمُشْتَرِيَ، (مَا لَمْ يَعْلَمْ آخِذٌ) وَهُوَ الْمُشْتَرِي، أَنَّ لِلْبَائِعِ شَرِيكًا لَمْ يَأْذَنْ فِي تَسْلِيمِ حِصَّتِهِ، فَإِنْ عَلِمَ، فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ عَلِمَ الشَّرِكَةَ، وَجَهِلَ وُجُوبَ الْإِذْنِ، وَتَسَلَّمَ الْمَبِيعَ، فَتَلِفَ أَوْ بَعْضُهُ، فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ، لِمَا تَقَدَّمَ. [فَصْلٌ إقَالَةُ النَّادِمِ] (فَصْلٌ: وَإِقَالَةُ النَّادِمِ مُسْتَحَبَّةٌ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (وَهِيَ) ، أَيْ: الْإِقَالَةُ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ، لَا بَيْعٌ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الرَّفْعِ وَالْإِزَالَةِ. يُقَالُ: أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَكَ، أَيْ: أَزَالَهَا، وَبِدَلِيلِ جَوَازِهَا فِي السَّلَمِ مَعَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، (فَتَصِحُّ) الْإِقَالَةُ (قَبْلَ قَبْضِ) مَا بِيعَ مِنْ (نَحْوِ مَكِيلٍ) ، كَمَوْزُونٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ، وَمَبِيعٍ فِي ذِمَّةٍ أَوْ بِصِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، وَفِي سَلَمٍ قَبْلَ قَبْضِهِ، (وَبَعْدَ نِدَاءِ جُمُعَةٍ) كَسَائِرِ الْفُسُوخِ. (وَ) تَصِحُّ الْإِقَالَةُ (مِنْ مُضَارِبٍ وَشَرِيكٍ، وَلَوْ بِلَا إذْنِ) رَبِّ الْمَالِ وَالشَّرِيكِ الْآخَرِ، (وَ) تَصِحُّ مِنْ (مُفْلِسٍ بَعْدَ حَجْرِ) الْحَاكِمِ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) يَصِحُّ مِنْ (نَاظِرِ) وَقْفٍ (وَ) مِنْ (وَلِيِّ) نَحْوِ يَتِيمٍ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (لِمَصْلَحَةٍ فِيهِنَّ) ؛ لِأَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا. (وَ) تَصِحُّ (بِلَا شُرُوطِ بَيْعٍ) ، كَمَا لَوْ تَقَايَلَا فِي آبِقٍ أَوْ شَارِدٍ، كَمَا لَوْ فُسِخَ فِيهَا لِخِيَارِ شَرْطٍ، بِخِلَافِ بَيْعٍ. وَتَصِحُّ بِلَفْظِهَا (وَبِلَفْظِ صُلْحٍ، وَ) بِلَفْظِ (بَيْعٍ، وَبِمَا يَدُلُّ عَلَى مُعَاطَاةٍ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى فَيُكْتَفَى بِمَا أَدَّاهُ، كَالْبَيْعِ. (وَلَا خِيَارَ فِيهَا) ، أَيْ: الْإِقَالَةِ، لَا لِمَجْلِسٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ، وَالْفَسْخُ لَا يُفْسَخُ. (وَلَا شُفْعَةَ) فِيهَا، نَصًّا، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. (وَلَا يَحْنَثُ بِهَا) ، أَيْ: الْإِقَالَةِ (مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ) ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ، (وَعَكْسُهُ) ، أَيْ: لَا يَبَرُّ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعَنَّ، سَوَاءٌ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. (وَمُؤْنَةُ رَدِّ) مَبِيعٍ تَقَايَلَا فِيهِ (عَلَى بَائِعٍ) ، لِرِضَاهُ بِبَقَاءِ الْمَبِيعِ أَمَانَةً بِيَدِ مُشْتَرٍ بَعْدَ التَّقَايُلِ، فَلَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ رَدِّهِ، كَوَدِيعٍ، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، لِاعْتِبَارِهِ مَرْدُودًا. (وَلَا تَمْنَعُ) الْإِقَالَةُ (رُجُوعَ أَبٍ فِي هِبَةٍ) ، أَيْ: لَوْ وَهَبَ وَالِدٌ وَلَدَهُ شَيْئًا، ثُمَّ بَاعَ الْوَلَدُ مَا وَهَبَهُ لَهُ أَبُوهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْوَلَدِ بِإِقَالَةٍ، لَمْ يَمْنَعْ رُجُوعَ الْأَبِ فِيهِ، كَمَا لَوْ رَجَعَ إلَى الِابْنِ بِفَسْخِ الْخِيَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ رُجُوعَ الْأَبِ. (وَلَا تَصِحُّ مَعَ تَلَفِ مُثَمَّنٍ) ، سَوَاءٌ احْتَاجَ لِحَقِّ تَوْفِيَةٍ أَوْ لَا، لِفَوَاتِ مَحَلِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 الْفَسْخِ، وَتَصِحُّ مَعَ تَلَفِ ثَمَنٍ، (وَ) لَا مَعَ (مَوْتِ عَاقِدٍ) بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ، لِعَدَمِ تَأَتِّيهَا. (وَ) كَذَا لَا تَصِحُّ مَعَ (غَيْبَةِ أَحَدِهِمَا) ، فَلَوْ قَالَ: أَقِلْنِي وَهُوَ غَائِبٌ، لَمْ تَصِحَّ، لِاعْتِبَارِ رِضَاهُ، وَالْغَائِبُ حَالُهُ مَجْهُولٌ. (وَلَا بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنٍ) مَعْقُودٍ بِهِ، (أَوْ) مَعَ (نَقْصِهِ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِقَالَةِ رَدُّ الْأَمْرِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَرُجُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى مَا كَانَ لَهُ، فَلَوْ قَالَ مُشْتَرٍ لِبَائِعٍ: أَقِلْنِي، وَلَك كَذَا، فَفَعَلَ، فَقَدْ كَرِهَهُ أَحْمَدُ، لِشَبَهِهِ بِمَسَائِلِ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّ السِّلْعَةَ تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا، وَيَبْقَى لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَضْلُ دَرَاهِمَ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: لَكِنَّ مَحْذُورَ الرِّبَا هُنَا بَعِيدٌ جِدًّا، (مَا لَمْ يَسْتَأْنِفَا) ، أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ بَيْعًا آخَرَ بِزِيَادَةٍ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، أَوْ نَقْصٍ عَنْهُ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَيَجُوزُ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا) يُبَاحُ (قَصْدُ) عَاقِدٍ بِالْإِقَالَةِ (مَسْأَلَةَ عِينَةٍ) ، فَإِنْ فَعَلَهَا، وَقَصَدَ بِهَا الْمُعَيَّنَةَ، صَحَّتْ الْإِقَالَةُ وَلَمْ يَطْلُبْ لَهُ أَكْلُ الزِّيَادَةِ، لِمَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تَصِحُّ الْإِقَالَةُ (مِنْ وَكِيلٍ) فِي عَقْدٍ (بِلَا إذْنِ مُوَكِّلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكَّلْ فِي الْفَسْخِ. (وَتَصِحُّ) الْإِقَالَةِ فِي إجَارَةٍ (مِنْ مُؤَجِّرِ وَقْفٍ) إنْ كَانَ (الِاسْتِحْقَاقُ كُلُّهُ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَالِكِ لَهُ، وَظَاهِرُهُ إنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مُشْتَرَكًا أَوْ لِمُعَيَّنٍ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جُمْلَةٍ، لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ، وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ. (وَالْفَسْخُ) بِالْإِقَالَةِ أَوْ غَيْرِهَا (رَفْعُ عَقْدٍ مِنْ حِينِ فَسْخٍ) ، لَا مِنْ أَصْلِهِ، كَالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، (فَمَا حَصَلَ مِنْ) كَسْبٍ و (نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ، فَلِمُشْتَرٍ) ، لِحَدِيثِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ) . (وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ) حَاكِمٍ (بِصِحَّةِ) عَقْدِ (بَيْعٍ فَاسِدٍ بَعْدَ) تَقَايُلٍ، لِحُصُولِ (فَسْخِ) الْعَقْدِ وَارْتِفَاعِهِ، فَلَمْ يَبْقَ مَا يُحْكَمُ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 [بَابُ الرِّبَا وَالصَّرْفِ] الرِّبَا مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ، وَهُوَ لُغَةً الزِّيَادَةُ، قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5] ، أَيْ: عَلَتْ وَارْتَفَعَتْ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل: 92] ، أَيْ أَكْثَرَ عَدَدًا، وَهُوَ (مِنْ الْكَبَائِرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» وَهُوَ) شَرْعًا (تَفَاضُلٌ فِي) [أَشْيَاءَ] كَمَكِيلٍ بِجِنْسِهِ، أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ، (وَنَسَاءٌ فِي أَشْيَاءَ) ، كَمَكِيلٍ بِمَكِيلٍ، وَمَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ - وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ - (مُخْتَصٌّ بِأَشْيَاءَ) ، وَهِيَ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ، (وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهَا) ، أَيْ: تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا، نَصًّا فِي الْبَعْضِ، وَقِيَاسًا فِي الْبَاقِي مِنْهَا، كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ. (فَيَحْرُمُ رِبَا فَضْلٍ فِي كُلِّ مَكِيلٍ) بِجِنْسِهِ، (أَوْ مَوْزُونٍ) مِنْ نَقْدٍ، أَوْ غَيْرِهِ، مَطْعُومٍ، كَسُكَّرٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَقُطْنٍ (بِجِنْسِهِ) ، لِمَا رَوَى عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَيَجْرِي الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ، (وَلَوْ) كَانَ (غَيْرَ مَطْعُومٍ) ، كَأُشْنَانٍ وَنَوْرَةٍ وَقُطْنٍ وَحَرِيرٍ وَصُوفٍ وَحِنَّاءٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنَحْوِهَا، (أَوْ قَلَّ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 الْمَبِيعُ، (كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَةٍ) ، أَوْ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ، لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِتَسَاوِيهَا فِي الْكَيْلِ، (وَفِيمَا) ، أَيْ: يَسِيرٍ (دُونَ الْأَرُزَّةِ مِنْ نَقْدِ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ. و (لَا) يَحْرُمُ الرِّبَا (فِي مَاءٍ) بِحَالٍ، لِإِبَاحَتِهِ أَصْلًا، وَعَدَمِ تَمَوُّلِهِ عَادَةً. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ الْعِلَّةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ هِيَ الْمَالِيَّةَ، لَكِنْ لَمَّا ضَعُفَتْ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ الْكَيْلُ فِيهِ، فَلَمْ تُؤَثِّرْ. (وَلَا) رِبَا (فِيمَا لَا يُوزَنُ عُرْفًا لِصِنَاعَتِهِ) ، لِارْتِفَاعِ سِعْرِهِ بِهَا (مِنْ غَيْرِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) ، فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، فَيَحْرُمُ فِيهِمَا مُطْلَقًا، (كَمَعْمُولٍ مِنْ نُحَاسٍ) ، كَأَسْطَالٍ وَدُسُوت، (وَ) مَعْمُولٍ مِنْ (حَدِيدٍ) ، كَنِعَالٍ وَسَكَاكِينَ (وَ) كَمَعْمُولٍ مِنْ حَرِيرٍ و (قُطْنٍ) ، كَثِيَابٍ (وَنَحْوِهِ) ، كَأَكْسِيَةٍ مِنْ صُوفٍ وَثِيَابٍ مِنْ كَتَّانٍ، (فَمَصْنُوعٌ مِنْ نَقْدٍ يُبَاعُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا لَا قِيمَةً) سَوَاءٌ مَاثَلَهُ فِي الصِّنَاعَةِ أَوْ لَا لِعُمُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ حَيْثُ جَوَّزَ بَيْعَ مَصْنُوعٍ مُبَاحِ الِاسْتِعْمَالِ، كَخَاتَمٍ وَنَحْوِهِ بِجِنْسِهِ بِقِيمَتِهِ حَالًّا، جَعْلًا لِلزَّائِدِ فِي مُقَابَلَةِ الصَّنْعَةِ. (وَلَا) رِبَا (فِي فُلُوسٍ) يُتَعَامَلُ بِهَا (عَدَدًا - وَلَوْ) كَانَتْ (نَافِقَةً - حَيْثُ لَا نَسَاءَ) ، لِخُرُوجِهَا عَنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَعَدَمٍ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَعِلَّةُ الرِّبَا فِي [الذَّهَبِ] وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا مَوْزُونَيْ جِنْسٍ، وَفِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ كَوْنُهُنَّ مَكِيلَاتِ جِنْسٍ، نَصًّا، وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ كُلُّ مَوْزُونٍ وَمَكِيلٍ، لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، فَيَجِبُ اسْتِخْرَاجُ عِلَّةِ هَذَا الْحُكْمِ، وَإِثْبَاتُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَثْبُتُ عِلَّتُهُ فِيهِ، وَلَا يَجْرِي فِي مَطْعُومٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، كَجَوْزٍ وَبَيْضٍ وَحَيَوَانٍ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ صُبْرَةٍ) مِنْ مَكِيلٍ بِصُبْرَةٍ مِنْ (جِنْسِهَا) ، كَصُبْرَةِ تَمْرٍ بِصُبْرَةِ تَمْرٍ (إنْ عَلِمَا كَيْلَهُمَا) ، أَيْ: الصُّبْرَتَيْنِ، وَعَلِمَا (تَسَاوِيَهُمَا وَخُلُوَّهُمَا عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 مُخَالِفٍ لَهُمَا) ، لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ التَّمَاثُلُ، (لَكِنْ لَا يَضُرُّ) فِي التَّمَاثُلِ وُجُودُ (يَسِيرٍ نَحْوِ حَبَّاتِ شَعِيرٍ) أَوْ تِبْنٍ، أَوْ عَقْدٍ (بِحِنْطَةٍ) وَنَحْوِهَا، إذْ لَا تَخْلُو الْحُبُوبُ غَالِبًا مِنْ ذَلِكَ، (أَوْ لَا) ، أَيْ: أَوْ لَمْ يَعْلَمَا كَيْلَهُمَا وَلَا تَسَاوِيَهُمَا، (وَتَبَايَعَاهُمَا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَكُيِّلَتَا، فَكَانَتَا سَوَاءً) ، لِوُجُودِ التَّمَاثُلِ، فَإِنْ نَقَصَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى، بَطَلَ، وَكَذَا زُبْرَةُ حَدِيدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، لَمْ يَجِبْ التَّمَاثُلُ. وَيَأْتِي. لَكِنْ إنْ تَبَايَعَا صُبْرَةً مِنْ بُرٍّ بِصُبْرَةٍ مِنْ شَعِيرٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَكُيِّلَتَا فَزَادَتْ إحْدَاهُمَا، فَالْخِيَارُ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (حَبٍّ جَيِّد) بِحَبٍّ (خَفِيفٍ) مِنْ جِنْسِهِ، إنْ تَسَاوَيَا كَيْلًا؛ لِأَنَّهُ مِعْيَارُهُمَا الشَّرْعِيُّ، وَلَا يُؤَثِّرُ اخْتِلَافُ الْقِيمَةِ. و (لَا) يَصِحُّ بَيْعُ حَبٍّ بِحَبٍّ (مُسَوَّسٍ) مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى الْعِلْمِ بِالتَّمَاثُلِ، وَالْجَهْلُ بِهِ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَكِيلٍ) ، كَتَمْرٍ وَبُرٍّ وَشَعِيرٍ (بِجِنْسِهِ وَزْنًا) ، كَرِطْلِ تَمْرٍ بِرِطْلِ تَمْرٍ، (وَ) لَا بَيْعُ (مَوْزُونٍ) ، كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَزَبَدٍ (بِجِنْسِهِ كَيْلًا) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا، بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا: «الْبُرُّ بِالْبُرِّ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ، فَمَنْ زَادَ، أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى» . فَاعْتَبَرَ الشَّارِعُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمَوْزُونَاتِ بِالْوَزْنِ وَفِي الْمَكِيلَاتِ بِالْكَيْلِ، فَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ، خَرَجَ عَنْ الْمَشْرُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ، إذْ الْمُسَاوَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، هِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي مِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ. (إلَّا إذَا عُلِمَ مُسَاوَاتُهُ لَهُ) ، أَيْ: الْمَكِيلِ الْمَبِيعِ بِجِنْسِهِ وَزْنًا، أَوْ الْمَوْزُونِ الْمَبِيعِ بِجِنْسِهِ كَيْلًا (فِي مِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ) فَيَصِحُّ الْمَبِيعُ، لِلْعِلْمِ بِالتَّمَاثُلِ. (وَيَصِحُّ) الْبَيْعُ (إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ) ، كَتَمْرٍ بِبُرٍّ (كَيْلًا) - وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَوْزُونًا - (وَوَزْنًا) - وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا - (وَجُزَافًا) ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا، فَجَازَ جُزَافًا، وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ لَا يُدْرَى مَا كَيْلُ هَذَا وَمَا كَيْلُ هَذَا، مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. (وَ) يَصِحُّ (بَيْعُ لَحْمٍ بِمِثْلِهِ) وَزْنًا (مِنْ جِنْسِهِ) رَطْبًا وَيَابِسًا (إذَا نُزِعَ عَظْمُهُ) ، فَإِنْ بِيعَ يَابِسٌ مِنْهُ بِرَطْبٍ، لَمْ يَصِحَّ، لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ، أَوْ لَمْ يُنْزَعْ عَظْمُهُ، لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ لَحْمٍ (بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) ، كَقِطْعَةٍ مِنْ نَحْوِ إبِلٍ بِشَاةٍ؛ لِأَنَّهُ رِبَوِيٌّ بِيعَ بِغَيْرِ أَصْلِهِ وَلَا جِنْسِهِ، فَجَازَ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (عَسَلٍ بِمِثْلِهِ) كَيْلًا (إذَا صُفِّيَ) كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ شَمْعَةٍ، وَإِلَّا، لَمْ يَصِحَّ لِمَا سَبَقَ، إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ، وَإِلَّا، جَازَ التَّفَاضُلُ كَعَسَلِ قَصَبٍ بِعَسَلِ نَحْلٍ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (فَرْعٍ) مِنْ جِنْسٍ (مَعَهُ) ، أَيْ: الْفَرْعِ (غَيْرُهُ لِمَصْلَحَتِهِ) ، كَجُبْنٍ، فَإِنَّ فِيهِ مِلْحًا لِمَصْلَحَتِهِ، أَوْ مُنْفَرِدًا لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، كَسَمْنٍ (بِنَوْعِهِ، كَجُبْنٍ بِجُبْنٍ مُتَمَاثِلًا) وَزْنًا، وَكَسَمْنٍ بِسَمْنٍ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا إنْ كَانَ مَائِعًا، وَإِلَّا فَوَزْنًا، (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ فَرْعٍ مَعَهُ غَيْرُهُ لِمَصْلَحَتِهِ أَوْ لَا (وَ) بِنَوْعٍ (غَيْرِ نَوْعِهِ، كَزُبْدٍ بِمَخِيضٍ، وَلَوْ مُتَفَاضِلًا) ، كَرَطْلِ زُبْدٍ بِرَطْلِ مَخِيضٍ، لِاخْتِلَافِهِمَا نَوْعًا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَإِنْ كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا مَا دَامَ الِانْفِصَالُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، كَالتَّمْرِ وَنَوَاهُ. و (لَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مِثْلِ زُبْدٍ بِسَمْنٍ، لِاسْتِخْرَاجِهِ) ، أَيْ: السَّمْنِ (مِنْهُ) ، أَيْ: الزُّبْدِ فَيُشْبِهُ بَيْعَ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ. (وَلَا) بَيْعُ (مَا) ، أَيْ: شَيْءٍ (مَعَهُ مَا) ، أَيْ شَيْءٌ (لَيْسَ لِمَصْلَحَتِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 كَكِشْكٍ بِنَوْعِهِ) ، أَيْ كِشْكٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ. (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا بَيْعُ فَرْعٍ مَعَهُ غَيْرُهُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ (بِفَرْعِ غَيْرِهِ، كَكِشْكٍ بِجُبْنٍ) أَوْ بِهَرِيسَةٍ، لِعَدَمِ إمْكَانِهِ التَّمَاثُلَ. (وَلَا بَيْعُ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ، كَأَقِطٍ أَوْ جُبْنٍ) أَوْ زُبْدِ أَوْ لَبَنٍ أَوْ مَخِيضٍ (بِلَبَنِ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخْرَجٌ مِنْهُ، أَشْبَهَ بَيْعَ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ، و (لَا) بَيْعُ (زَيْتٍ بِزَيْتُونٍ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ (وَ) لَا (شَيْرَجٍ بِسِمْسِمٍ) ، لِمَا مَرَّ. (وَلَا) بَيْعُ (نَوْعٍ مَسَّتْهُ النَّارُ) ، كَخُبْزِ شَعِيرٍ (بِنَوْعِهِ الَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ) ، كَعَجِينِ شَعِيرٍ، لِذَهَابِ النَّارِ بِبَعْضِ رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا، فَيُجْهَلُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا. (وَالْجِنْسُ مَا) ، أَيْ: مُسَمًّى خَاصٌّ (شَمِلَ أَنْوَاعًا) ، أَيْ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً بِالْحَقِيقَةِ، وَالنَّوْعُ مَا شَمِلَ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً بِالشَّخْصِ، وَقَدْ يَكُونُ النَّوْعُ جِنْسًا بِاعْتِبَارِ مَا تَحْتَهُ، وَالْجِنْسُ نَوْعًا بِاعْتِبَارِ مَا فَوْقَهُ، (كَالذَّهَبِ) يَشْمَلُ الْبَنْدُوقِيَّ وَالتَّكْرُورِيَّ وَغَيْرَهُمَا، (وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ) لِشُمُولِ كُلِّ اسْمٍ مِنْ ذَلِكَ الْأَنْوَاعَ (وَ) فُرُوعُ الْأَجْنَاسِ كَالْأَدِقَّةِ (وَالْأَخْبَازِ وَالْأَدْهَانِ) وَالْخُلُولِ وَنَحْوِهَا أَجْنَاسٌ، فَدَقِيقُ الْبُرِّ جِنْسٌ، وَخُبْزُهُ جِنْسٌ، وَدَقِيقُ الشَّعِيرِ جِنْسٌ، وَخُبْزُهُ جِنْسٌ، وَزَيْتُ الْقُرْطُمِ جِنْسٌ، وَزَيْتُ السَّلْجَمِ جِنْسٌ، وَزَيْتُ الْكَتَّانِ جِنْسٌ، وَهَكَذَا، وَدُهْنُ وَرْدٍ وَبَنَفْسَجٍ وَيَاسَمِينٍ وَنَحْوِهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ إنْ كَانَتْ مِنْ دُهْنٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ مَقَاصِدُهَا. (وَاللَّحْمُ وَاللَّبَنُ وَالْجُبْنُ وَالسَّمْنُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهَا) ، فَلَحْمُ الْإِبِلِ جِنْسٌ، وَلَبَنُهَا جِنْسٌ وَجُبْنُهَا جِنْسٌ، وَسَمْنُهَا جِنْسٌ، وَهَكَذَا الْبَقَرُ وَالضَّأْنُ (لَكِنَّ الْبَقَرَ وَالْجَامُوسَ) نَوْعَا (جِنْسٍ) وَاحِدٍ، (وَالضَّأْنَ وَالْمَعْزَ) نَوْعَا (جِنْسٍ) ، لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَكَذَا الْبَخَاتِيُّ وَالْعُرْبُ. (وَاللَّحْمُ الْأَبْيَضُ، كَسَمِينِ الظَّهْرِ) وَالْجَنْبِ، (وَاللَّحْمُ الْأَحْمَرُ جِنْسٌ) وَاحِدٌ يَتَنَاوَلُهُ اللَّحْمُ (وَنَحْرُ بَقَرٍ أَهْلِيَّةٍ وَ) بَقَرٍ (وَحْشِيَّةٍ جِنْسَانِ) ، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَقَرَةٍ أَهْلِيَّةٍ، بِبَقَرَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ، (وَالشَّحْمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 وَالْمُخُّ وَالْأَلْيَةُ) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - (وَالْقَلْبُ وَالطِّحَالُ) - بِكَسْرِ الطَّاءِ - وَالرِّئَةُ وَالْكُلْيَةُ وَالْكَبِدُ وَالْكَارِعُ أَجْنَاسٌ، فَيَجُوزُ بَيْعُ رَطْلَيْ لَحْمِ بَقَرٍ بِرَطْلِ شَحْمٍ مِنْهُ، وَرَطْلِ شَحْمٍ مِنْهُ بِرَطْلَيْ مُخٍّ مِنْهُ - وَالْمُخُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْعِظَامِ - وَرَطْلُ شَحْمٍ بِرَطْلِ أَلْيَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ دَقِيقٍ رِبَوِيٍّ) كَدَقِيقِ ذُرَةٍ (بِدَقِيقٍ) مِثْلًا بِمِثْلٍ، (إذَا اسْتَوَيَا) أَيْ: الدَّقِيقَانِ (نُعُومَةً، لِتَسَاوِيهِمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالنَّقْصِ) فَجَازَ، كَبَيْعِ التَّمْرِ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (مَطْبُوخِهِ) ، أَيْ: الرِّبَوِيِّ (بِمَطْبُوخِهِ) مِنْ جِنْسِهِ، كَرَطْلِ سَمْنٍ بَقَرِيٍّ بِرَطْلٍ مِنْهُ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (خُبْزِهِ بِخُبْزِهِ) ، كَخُبْزِ بُرٍّ بِخُبْزِ بُرٍّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، (إذَا اسْتَوَيَا) ، أَيْ: الْخُبْزَانِ (نِشَافًا أَوْ رُطُوبَةً) ، لَا إنْ اخْتَلَفَا، (لَكِنْ لَا يَضُرُّ يَسِيرُ زِيَادَةِ أَخْذِ نَارٍ مِنْ أَحَدِهِمَا) ، أَيْ الْخُبْزَيْنِ (أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ) ، لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ عَادَةً. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (عَصِيرِهِ بِعَصِيرِهِ) كَمُدِّ مَاءِ عِنَبٍ بِمِثْلِهِ، (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (رَطْبِهِ بِرَطْبِهِ) ، كَرُطَبٍ بِرُطَبٍ، وَعِنَبٍ بِعِنَبٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (يَابِسِهِ بِيَابِسِهِ) ، كَتَمْرٍ بِتَمْرٍ، وَزَبِيبٍ بِزَبِيبٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (مَنْزُوعٍ نَوَاهُ) مِنْ زَبِيبٍ وَتَمْرٍ (بِمِثْلِهِ) مَنْزُوعِ النَّوَى مِنْ جِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، كَمَا لَوْ كَانَا مَعَ نَوَاهُمَا، (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (نَوًى بِتَمْرٍ فِيهِ نَوًى - وَلَوْ مُتَفَاضِلًا -) يَدًا بِيَدٍ، (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (تَمْرٍ فِيهِ نَوًى بِمِثْلِهِ) ، أَيْ: بِتَمْرٍ فِيهِ نَوًى مِثْلًا بِمِثْلٍ، و (لَا) يَصِحُّ بَيْعُ مَنْزُوعٍ نَوَاهُ (مَعَ نَوَاهُ بِمَا) ، أَيْ: بِمَنْزُوعِ النَّوَى (مَعَ نَوَاهُ) ، لِزَوَالِ التَّبَعِيَّةِ، فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، (وَلَا) بَيْعُ (مَنْزُوعٍ نَوَاهُ بِمَا نَوَاهُ فِيهِ) ، لِعَدَمِ التَّسَاوِي، (وَلَا) بَيْعُ (خَلِّ عِنَبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ) - وَلَوْ مُتَمَاثِلًا - لِانْفِرَادِ خَلِّ الزَّبِيبِ بِالْمَاءِ (بَلْ) يَجُوزُ بَيْعُ (خَلِّ كُلٍّ مِنْهُمَا) ، أَيْ: الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ (بِمِثْلِهِ) ، لِتَسَاوِيهِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 (وَيَتَّجِهُ وَلَا) : يَصِحُّ بَيْعُ (خَلِّ رُطَبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ) ، لِمَا فِي خَلِّ التَّمْرِ مِنْ الْمَاءِ، (بَلْ) يَصِحُّ بَيْعُ (كُلٍّ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ) ، لِتَسَاوِيهِمَا قِيَاسًا عَلَى الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ. (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (وَ) لَا يَصِحُّ بَيْعُ (خَلِّ زَبِيبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ) ، لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمَاءِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ، كَمَا لَا يَخْفَى، (أَوْ) خَلُّ زَبِيبٍ بِخَلِّ (رُطَبٍ) ، لِانْفِرَادِ خَلِّ الزَّبِيبِ بِالْمَاءِ (بَلْ) يَصِحُّ بَيْعُ (خَلِّ عِنَبٍ) بِخَلِّ (رُطَبٍ) ، لِتَقَارُبِ اسْتِوَائِهَا فَهُمَا كَالْمُتَمَاثِلِينَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) بَيْعُ (حَبٍّ) مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَذُرَةٍ وَنَحْوِهَا (بِدَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ) ، لِانْتِشَارِ أَجْزَاءِ الْحَبِّ بِالطَّحْنِ، فَيَتَعَذَّرُ التَّسَاوِي، وَلِأَخْذِ النَّارِ مِنْ السَّوِيقِ، (وَلَا) بَيْعُ (دَقِيقٍ حَبٍّ) ، كَبُرٍّ (بِسَوِيقِهِ) لِأَخْذِ النَّارِ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَكَحَبٍّ مَقْلِيٍّ بِنِيءٍ، (وَلَا) بَيْعُ (خُبْزٍ بِحَبِّهِ أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ) ، لِلْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي، لِمَا فِي الْخُبْزِ مِنْ الْمَاءِ، (وَلَا) بَيْعُ (نِيئِهِ) ، أَيْ الرِّبَوِيِّ (بِمَطْبُوخِهِ) ، كَلَحْمٍ نِيءٍ بِلَحْمٍ مَطْبُوخٍ مِنْ جِنْسِهِ، لِأَخْذِ النَّارِ مِنْ الْمَطْبُوخِ، (وَلَا) بَيْعُ (أَصْلِهِ) ، كَعِنَبٍ (بِعَصِيرِهِ) ، كَبَيْعِ لَحْمٍ مِنْ حَيَوَانِهِ مِنْ جِنْسِهِ، (وَلَا) بَيْعُ (خَالِصِهِ) ، أَيْ: الرِّبَوِيِّ، كَلَبَنٍ بِمَشُوبِهِ، (أَوْ مَشُوبِهِ بِمَشُوبِهِ) ، لِانْتِفَاءِ التَّسَاوِي، أَوْ الْجَهْلِ بِهِ (وَلَا) بَيْعُ (رَطْبِهِ) ، أَيْ الْجِنْسِ الرِّبَوِيِّ (بِيَابِسِهِ) ، كَرُطَبٍ بِتَمْرٍ، وَعِنَبٍ بِزَبِيبٍ، لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، قَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ» . رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد. [فَصْلٌ حُكْم الْمُحَاقَلَةُ] (وَلَا تَصِحُّ الْمُحَاقَلَةُ) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُحَاقَلَةِ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، (وَهِيَ) مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْحَقْلِ، وَهُوَ الزَّرْعُ إذَا تَشَعَّبَ قَبْلَ أَنْ تَغْلُظَ سُوقُهُ، وَقِيلَ: الْحَقْلُ الْأَرْضُ الَّتِي تُزْرَعُ وَقَالَ صَاحِبُ " الْمَطَالِعِ " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ، أَوْ كِرَاؤُهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَقِيلَ: بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ طِيبِهِ، أَوْ بَيْعُهُ فِي سُنْبُلِهِ بِالْبُرِّ مِنْ الْحَقْلِ وَهُوَ الْفَدَّانُ، وَالْمَحَاقِلُ الْمَزَارِعُ. قَالَ فِي " الْمُطْلِعِ " وَفِي الِاصْطِلَاحِ (بَيْعُ الْحَبِّ) ، كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ (الْمُشْتَدِّ فِي سُنْبُلِهِ بِجِنْسِهِ) مِنْ حَبٍّ وَغَيْرِهِ، كَبَيْعِ بُرٍّ مُشْتَدٍّ فِي سُنْبُلِهِ (وَيَصِحُّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) مِنْ حَبٍّ وَغَيْرِهِ، كَبَيْعِ بُرٍّ مُشْتَدٍّ فِي سُنْبُلِهِ بِشَعِيرٍ أَوْ فِضَّةٍ، لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسَاوِي، فَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ الْحَبُّ وَبِيعَ - وَلَوْ بِجِنْسِهِ - لِمَالِكِ الْأَرْضِ، أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، صَحَّ إنْ انْتَفَعَ بِهِ. (وَلَا) بَيْعُ (الْمُزَابَنَةِ) مِنْ الزَّبْنِ، وَهُوَ الدَّفْعُ الشَّدِيدُ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، يَزْبِنُ صَاحِبَهُ عَنْ حَقِّهِ وَيُرَاوِدُهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الشَّرْطِيُّ زَبِينًا؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّاسَ بِشِدَّةٍ وَعُنْفٍ، (وَهِيَ) ، أَيْ: الْمُزَابَنَةُ شَرْعًا: (بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِالتَّمْرِ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (إلَّا فِي الْعَرَايَا) جَمْعُ عَرِيَّةٍ (وَهِيَ بَيْعُ رُطَبٍ عَلَى نَخْلٍ خَرْصًا بِمِثْلِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ) الرُّطَبُ (إذَا جَفَّ) ، وَصَارَ تَمْرًا (كَيْلًا) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَسَقَطَ فِي أَحَدِهِمَا، وَأُقِيمَ الْخَرْصُ مَكَانَهُ، لِلْحَاجَةِ، فَيَبْقَى الْآخَرُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ (فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا بِأَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ، لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِيهَا، وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ، (لِمُحْتَاجٍ لِرُطَبٍ، وَلَا ثَمَنَ) ، أَيْ: ذَهَبَ أَوْ فِضَّةَ (مَعَهُ) ، لِحَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: «قُلْت لِزَيْدٍ: مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ، فَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَتَبَايَعُونَ بِهِ رُطَبًا، وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ التَّمْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَتَبَايَعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ يَأْكُلُونَهُ رُطَبًا» (بِشَرْطِ حُلُولٍ وَتَقَابُضٍ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ (بِمَجْلِسِ عَقْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَكِيلٍ بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ شُرُوطُهُ، إلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ مِمَّا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهُ فِي الْعَرَايَا، فَالْقَبْضُ (فِيمَا) عَلَى (نَخْلٍ بِتَخْلِيَةٍ، وَفِي تَمْرٍ بِكَيْلٍ) ، أَوْ نَقْلٍ، لِمَا عُلِمَ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ تَمْرٍ عِنْدَ نَخْلٍ، (فَلَوْ) تَبَايَعَا، وَ (سَلَّمَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ مَشَيَا، فَسَلَّمَ الْآخَرُ) قَبْلَ تَفَرُّقٍ، (صَحَّ) ، لِحُصُولِ الْقَبْضِ قَبْلَ تَفَرُّقٍ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الرُّطَبَ لَوْ كَانَ مَجْذُوذًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِالتَّمْرِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَالرُّخْصَةُ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ، لِيُؤْخَذَ شَيْئًا فَشَيْئًا، لِحَاجَةِ الْمُشْتَرِي إلَى التَّفَكُّهِ، لَا لِحَاجَةِ الْبَائِعِ، وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا لِلرُّطَبِ، أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَمَعَهُ نَقْدٌ، لَمْ تَصِحَّ. وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْعَرِيَّةِ كَوْنُهَا مَوْهُوبَةً لِبَائِعٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ تَرَكَ الْعَرِيَّةَ مُشْتَرِيهَا حَتَّى أَتْمَرَتْ، بَطَلَ الْبَيْعُ، وَيَأْتِي. (وَلَا تَصِحُّ فِي بَقِيَّةِ الثِّمَارِ) ، لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا: «نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ، وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ» ، وَلِأَنَّ الْعَرَايَا رُخْصَةٌ، وَلَا يُسَاوِيهَا غَيْرُهَا فِي كَثْرَةِ الِافْتِئَاتِ، وَسُهُولَةِ الْخَرْصِ، (وَلَا) تَصِحُّ (فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَقَدَّمَ، (وَلَوْ مِنْ عَدَدِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (فِي صَفَقَاتٍ) اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ. (وَلَا يَضُرُّ تَعَدُّدُ الْعَرَايَا لِبَائِعٍ) ، كَمَا لَوْ بَاعَ رَجُلٌ عَرِيَّةً مِنْ شَخْصَيْنِ فَأَكْثَرَ، فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، جَازَ حَيْثُ كَانَ مَا أَخَذَهُ كُلُّ وَاحِدٍ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى إنْسَانٌ عَرِيَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ شَخْصَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَفِيهَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، جَازَ، لِوُجُودِ شَرْطِهِ، (وَبَطَلَ) الْبَيْعُ (إنْ أَتَمَرَ) الرُّطَبُ، أَيْ: صَارَ تَمْرًا (قَبْلَ أَخْذِهِ) ، وُقُوفًا مَعَ مَوْرِدِ النَّصِّ. (وَيَصِحُّ، بَيْعُ نَوْعَيْ جِنْسٍ) مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ بِنَوْعَيْهِ أَوْ نَوْعِهِ، (أَوْ) ، أَيْ: وَيَصِحُّ بَيْعُ (نَوْعٍ بِنَوْعَيْهِ أَوْ نَوْعِهِ) ، كَبَيْعِ (دِينَارِ قِرَاضَةٍ، وَهِيَ قِطَعُ ذَهَبٍ، أَوْ) قِطَعُ (فِضَّةٍ وَ) دِينَارٍ (صَحِيحٍ) مَعَهَا، بِدِينَارَيْنِ (صَحِيحَيْنِ أَوْ قِرَاضَتَيْنِ) إذَا تَسَاوَتْ وَزْنًا، (أَوْ) بَيْعُ دِينَارٍ (صَحِيحٍ) بِدِينَارٍ (صَحِيحٍ) مِثْلِهِ وَزْنًا، (وَ) كَبَيْعِ (حِنْطَةٍ حَمْرَاءَ وَسَمْرَاءَ) بِحِنْطَةٍ (بَيْضَاءَ) ، وَعَكْسِهِ، (وَ) كَبَيْعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 (تَمْرٍ مَعْقِلِيٍّ وَبَرْنِيِّ بِإِبْرَاهِيمِيٍّ) ، وَعَكْسِهِ، وَكَبَرْنِيِّ وَصَيْحَانِيٍّ بِمَعْقِلِيٍّ وَإِبْرَاهِيمِيٍّ مِثْلًا بِمِثْلٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمِثْلِيَّةُ فِي الْوَزْنِ أَوْ الْكَيْلِ، لَا الْقِيمَةُ وَالْجَوْدَةُ، وَالْمَعْقِلِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى مَعْقِلِ بْنِ بَشَّارٍ، وَالْبَرْنِيُّ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ تَمْرٌ أَصْفَرُ مُدَوَّرٌ، وَهُوَ أَجْوَدُ التَّمْرِ. (وَ) يَصِحُّ، بَيْعُ (لَبَنٍ بِذَاتِ لَبَنٍ) - وَلَوْ مِنْ جِنْسِهِ - (وَ) بَيْعُ (صُوفٍ بِمَا) ، أَيْ: حَيَوَانٍ (عَلَيْهِ صُوفٌ) مِنْ جِنْسِهِ، (وَ) بَيْعُ (ذَاتِ لَبَنٍ) بِمِثْلِهَا، (أَوْ ذَاتِ صُوفٍ بِمِثْلِهَا) [؛ لِأَنَّ النَّوَى] بِالتَّمْرِ وَالصُّوفَ وَاللَّبَنَ بِالْحَيَوَانِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، فَلَا أَثَرَ لَهُ. (وَ) بَيْعُ (دِرْهَمٍ فِيهِ نُحَاسٌ بِنُحَاسٍ) خَالِصٍ، (أَوْ) بِدِرْهَمٍ (مُسَاوِيهِ فِي غِشٍّ بِيَقِينٍ) فَإِنْ زَادَ غِشُّ أَحَدِهِمَا، بَطَلَ الْبَيْعُ، وَكَذَا إنْ جُهِلَ؛ لِأَنَّ النُّحَاسَ فِي الدِّرْهَمِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، فَلَا أَثَرَ لَهُ، وَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، أَشْبَهَ، الْمِلْحَ فِي الشَّيْرَجِ، وَحَبَّاتِ شَعِيرٍ بِحِنْطَةٍ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (تُرَابِ مَعْدِنٍ) بِغَيْرِ جِنْسِهِ، (وَ) بَيْعُ تُرَابِ (صَاغَةٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) ، لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ إذَنْ، فَإِنْ بِيعَ تُرَابُ مَعْدِنٍ ذَهَبٍ أَوْ صَاغَةٍ بِفِضَّةٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ، اُعْتُبِرَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ بِالْمَجْلِسِ، وَلَا تَضُرُّ جَهَالَةُ الْمَقْصُودِ، لِاسْتِتَارِهِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فِي الْمَعْدِنِ، وَحُمِلَ عَلَيْهِ تُرَابُ الصَّاغَةِ، وَلَا يَصِحُّ بِجِنْسِهِ، لِلْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (مَا مُوِّهَ بِنَقْدٍ بِنَحْوِ دَارٍ) ، كَبَابٍ وَشُبَّاكٍ، (لَا حُلِيَّ بِجِنْسِهِ) ، أَيْ: النَّقْدِ الْمُمَوَّهِ بِهِ (وَ) بَيْعُ (نَخْلٍ عَلَيْهِ تَمْرٌ) أَوْ رُطَبٌ (بِمِثْلِهِ) ، أَيْ: بِنَخْلٍ عَلَيْهِ تَمْرٌ أَوْ رُطَبٌ، (وَ) بَيْعُ نَخْلٍ عَلَيْهِ تَمْرٌ (بِتَمْرٍ) ، أَوْ رُطَبٍ؛ لِأَنَّ الرِّبَوِيَّ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْبَيْعِ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، (وَثَمَرَةُ كُلٍّ) مِنْ نَخْلٍ عَلَيْهِ تَمْرٌ (لِبَائِعِهِ) . (وَيَتَّجِهُ إنْ قَصَدَ الثَّمَرَ أَيْضًا) بِالْبَيْعِ حَالَ الْعَقْدِ (وَلَا) يَصِحُّ، لِشَبَهِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 بِمَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ رِبَوِيٍّ بِجِنْسِهِ مَعَهُمَا) ، أَيْ: الْعِوَضَيْنِ، (أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمَا، كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمِثْلِهِمَا) ، أَيْ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ - وَلَوْ أَنَّ الْمُدَّيْنِ وَالدِّرْهَمَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ - (أَوْ) بَيْعُ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ (بِمُدَّيْنِ) مِنْ عَجْوَةٍ، (أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ) ، وَكَبَيْعِ مُحَلًّى بِذَهَبٍ بِذَهَبٍ، أَوْ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ بِفِضَّةٍ، نَصًّا لِحَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِلَادَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ، ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ سَبْعَةِ دَنَانِيرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا، قَالَ: فَرَدَّهُ حَتَّى مَيَّزَ بَيْنَهُمَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» ) . وَلِلْأَصْحَابِ فِي تَوْجِيهِ الْبُطْلَانِ مَأْخَذَانِ: أَحَدُهُمَا: مَأْخَذُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ: أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا اجْتَمَعَتْ بِشَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ انْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهَا، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا وَسَيْفًا، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِقِسْطِهِ مِنْهُ، وَهَذَا يُؤَدِّي هُنَا إمَّا إلَى الْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، أَوْ إلَى الْجَهْلِ، بِالتَّسَاوِي، وَكِلَاهُمَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَمُدًّا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ بِمُدَّيْنِ يُسَاوِيَانِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، كَانَ الدِّرْهَمُ فِي مُقَابَلَةِ ثُلُثَيْ مُدٍّ، وَيَبْقَى مَدٌّ فِي مُقَابَلَةِ مُدٍّ وَثُلُثٍ، وَذَلِكَ رِبًا. وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: سَدُّ ذَرِيعَةِ الرِّبَا، لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ حِيلَةً عَلَى الرِّبَا الصَّرِيحِ، كَبَيْعِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كِيسٍ بِمِائَتَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 جَعْلًا لِلْمِائَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْكِيسِ، وَقَدْ لَا يُسَاوِي دِرْهَمًا، وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ إيمَاءٌ لِهَذَا الْمَأْخَذِ، (إلَّا أَنْ يَكُونَ) مَا مَعَ الرِّبَوِيِّ (يَسِيرًا لَا يُقْصَدُ) بِعَقْدٍ، (كَخُبْزٍ فِيهِ مِلْحٌ بِمِثْلِهِ) ، أَيْ: يُخْبَزُ فِيهِ مِلْحٌ، (وَ) كَخُبْزٍ فِيهِ مِلْحٌ (بِمِلْحٍ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْحَ فِي الْخُبْزِ لَا يُؤَثِّرُ فِي وَزْنٍ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، (أَوْ) يَكُونَ مَا مَعَ الرِّبَوِيِّ (كَثِيرًا) لَا يُقْصَدُ، (لَكِنْ) جُعِلَ فِيهِ ( لِمَصْلَحَةِ الْمَقْصُودِ، كَمَاءٍ بِخَلِّ تَمْرٍ أَوْ) خَلِّ (زَبِيبٍ وَدِبْسٍ) ، فَلَا يَمْنَعُ الْمَاءُ بَيْعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْخَلِّ وَالدِّبْسِ (بِمِثْلِهِ) ، فَيَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ، وَخَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ، وَدِبْسِ التَّمْرِ بِدِبْسِ التَّمْرِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَلَا أَثَرَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَصْلَحَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ الْبَيْعُ إنْ كَانَ مَعَ الرِّبَوِيِّ (مَاءٌ) كَثِيرٌ، لَكِنَّهُ (لَيْسَ لِمَصْلَحَتِهِ) ، أَيْ: مَصْلَحَةِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ، (كَلَبَنٍ مَشُوبٍ) بِمَاءٍ إذَا بِيعَ (بِمِثْلِهِ) ، وَكَالْأَثْمَانِ الْمَغْشُوشَةِ إذَا بِيعَتْ بِأَثْمَانٍ خَالِصَةٍ، فَلَا يَجُوزُ، لِلْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ. (وَيَصِحُّ) قَوْلُهُ: (أَعْطِنِي بِنِصْفِ هَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ، وَبِالنِّصْفِ الْآخَرِ فُلُوسًا) ، كَدَفْعِ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ بِنِصْفِهِ نِصْفًا، وَبِنِصْفِهِ فُلُوسًا، وَكَمَا لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفًا وَفُلُوسًا، لِوُجُودِ التَّسَاوِي. ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ أَنَّ) - بِتَشْدِيدِ النُّونِ - (صَارِفَ) قِطَعِ (دَرَاهِمَ) عَدَدٍ (بِنَحْوِ قِرْشٍ مَثَلًا) ، كَرِيَالٍ (إذَا) أَعْطَى مَنْ يُصَارِفُهُ الْقِرْشَ، وَ (أَخَذَ) بَدَلَ بَعْضِ قِطَعِ دَرَاهِمَ، وَأَخَذَ (تَتِمَّتَهُ فُلُوسًا أَوْ حَاجَةً، يَجُوزُ) ، وَقَوْلُهُمْ: أَعْطِنِي بِنِصْفِ هَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفًا وَبِالْآخَرِ فُلُوسًا، لَيْسَ بِقَيْدٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ وَالتَّضْيِيقِ، بَلْ إنْ كَانَتْ الْفُلُوسُ مِقْدَارَ الْعُشْرِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، جَازَ، طَلَبًا لِلْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ، وَلَا يَرِدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ بَيْعِ دِرْهَمٍ فِيهِ غِشٌّ بِدِرْهَمٍ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْغِشِّ يَقِينًا، فَإِنَّ ذَاكَ فِي بَيْعِ دِرْهَمٍ فِي دِرْهَمٍ مِثْلِهِ، وَأَمَّا هُنَا فَبَيْعُ قِرْشٍ بِقِطَعِ دَرَاهِمَ، وَتَتِمَّتِهِ فُلُوسًا أَوْ غَيْرَهَا، وَهَذَا لَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ، لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ وَدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ [إنْ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 ثَبَتَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، (أَوْ) ، أَيْ: وَيَصِحُّ قَوْلُهُ: أَعْطِنِي بِنِصْفِ هَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفًا، وَبِالنِّصْفِ الْآخَرِ (حَاجَةً) ، كَلَحْمٍ، (أَوْ) قَوْلُهُ لِمَنْ أَعْطَاهُ دِرْهَمَيْنِ: (أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ فُلُوسًا، وَبِالْآخَرِ نِصْفَيْنِ) ، لِوُجُودِ التَّسَاوِي؛ لِأَنَّ قِيمَةَ النِّصْفِ فِي الدِّرْهَمِ، كَقِيمَةِ النِّصْفِ مَعَ الْفُلُوسِ أَوْ الْحَاجَةِ، وَقِيمَةَ الْفُلُوسِ أَوْ الْحَاجَةِ كَقِيمَةِ النِّصْفِ الْآخَرِ. (وَ) يَصِحُّ (قَوْلُهُ لِصَايِغٍ: صُغْ لِي خَاتَمًا) مِنْ فِضَّةٍ (وَزْنُهُ دِرْهَمٌ، وَأُعْطِيَكَ مِثْلَ زِنَتِهِ، وَ) أُعْطِيَكَ (أُجْرَتَكَ دِرْهَمًا، وَلِلصَّائِغِ أَخْذُ الدِّرْهَمَيْنِ، أَحَدُهُمَا فِي مُقَابَلَةِ) فِضَّةِ (الْخَاتَمِ، وَ) الدِّرْهَمُ (الثَّانِي أُجْرَةٌ لَهُ) ، وَلَيْسَ بَيْعَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ. . (وَمَرْجِعُ كَيْلٍ عُرْفُ الْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) مَرْجِعُ (وَزْنٍ عُرْفُ مَكَّةَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 لِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكَ بْنِ عُمَيْرٍ مَرْفُوعًا: «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ، وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ مَكَّةَ» . (وَمَا لَا عُرْفَ لَهُ هُنَاكَ) ، أَيْ: بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ (يُعْتَبَرُ) عُرْفُهُ (فِي مَوْضِعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ شَرْعًا، أَشْبَهَ الْقَبْضَ وَالْحِرْزَ، (فَإِنْ اخْتَلَفَ) عُرْفٌ فِي بِلَادِهِ، (اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ) مِنْهَا، (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لَهُ عُرْفٌ غَالِبٌ، (رُدَّ إلَى أَقْرَبِ مَا يُشْبِهُهُ بِالْحِجَازِ) ، كَرَدِّ الْحَوَادِثِ إلَى أَقْرَبِ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ بِهَا. (وَكُلُّ مَائِعٍ) ، كَلَبَنٍ وَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ (وَحَبٍّ وَثَمَرٍ، كَتَمْرٍ فَدُونَهُ مَكِيلٌ) ، فَرُطَبٌ وَبُسْرٌ وَبَاقِي ثَمَرِ النَّخْلِ، وَكَزَبِيبٍ وَبُنْدُقٍ وَفُسْتُقٍ وَلَوْزٍ وَبُطْمٍ وَعُنَّابٍ وَمِشْمِشٍ يَابِسٍ وَزَيْتُونٍ مَكِيلٌ، وَكَذَا سَائِرُ الْحُبُوبِ، وَالْمِلْحُ وَالْأُشْنَانُ وَالْأَبَازِيرُ وَالصَّعْتَرُ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَيَجُوزُ التَّعَامُلُ بِكَيْلٍ لَمْ يُعْهَدْ. (وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مُطْلَقًا) مَسْبُوكًا كَانَ أَوْ لَا مَوْزُونٌ، (وَغَيْرِ مَعْمُولٍ مِنْ نُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَغَزْلِ كَتَّانٍ وَقُطْنٍ وَحَرِيرٍ وَقَزٍّ وَشَعْرٍ) وَصُوفٍ وَوَبَرٍ مَوْزُونٌ، (وَكَذَا شَمْعٌ وَعِنَبٌ وَزَعْفَرَانٌ) وَوَرَسٌ (وَعُصْفُرٌ وَخُبْزٌ وَجُبْنٌ وَلُؤْلُؤٌ) وَزِئْبَقٌ (مَوْزُونٌ، وَمِنْهُ) ، أَيْ: الْمَوْزُونِ (زُبْدٌ وَسَمْنٌ جَامِدٌ وَعَجْوَةٌ تَجَبَّلَتْ) وَزُجَاجٌ وَطِينٌ أَرْمَنِيٌّ يُؤْكَلُ دَوَاءً وَلَحْمٌ وَشَحْمٌ، (وَمَا عَدَا ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، (فَمَعْدُودٌ لَا رِبًا فِيهِ، كَحَيَوَانٍ وَجَوْزٍ وَبَيْضٍ وَرُمَّانٍ وَقِثَّاءٍ وَخِيَارٍ وَسَفَرْجَلٍ وَخَوْخٍ وَخُضَرٍ وَبِقَوْلٍ) بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا، وَإِجَّاصٍ وَكُلِّ فَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، (وَ) كَذَا (مَعْمُولٌ مِنْ مَوْزُونٍ كَثِيَابٍ وَخَوَاتِمَ وَإِبَرٍ وَسَكَاكِينَ، وَنَحْوِهَا) ، كَسُيُوفٍ وَدُرُوعٍ. [فَصْلٌ حُكْم رِبَا النَّسِيئَةِ] (فَصْلٌ وَيَحْرُمُ رِبَا النَّسِيئَةِ) - مِنْ النَّسَاءِ بِالْمَدِّ - وَهُوَ التَّأْخِيرُ - (بَيْنَ مَا) ، أَيْ: مَبِيعَيْنِ (اتَّفَقَا فِي عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ) ، وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، وَأَمَّا الْجِنْسُ فَشَرْطٌ لِتَحْرِيمِ الْفَضْلِ، كَمَا أَنَّ الزِّنَا عِلَّةُ الْحَدِّ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 وَالْإِحْصَانُ شَرْطٌ لِلرَّجْمِ، كَبَيْعِ (مُدِّ بُرٍّ بِمِثْلِهِ) أَيْ: مُدِّ بُرٍّ (أَوْ بِشَعِيرٍ وَكَبَيْعِ) دِرْهَمٍ مِنْ (قَزٍّ) بِرَطْلٍ مِنْ (خُبْزٍ، فَيُشْتَرَطُ) لِذَلِكَ (حُلُولٌ وَقَبْضٌ بِالْمَجْلِسِ) - سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ - وَتَمَاثَلَ - إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ - وَتَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُمَا مَالَانِ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا عِلَّتُهُمَا مُتَّفِقَةٌ، فَحَرُمَ التَّفَرُّقُ فِيهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، كَالصَّرْفِ. تَنْبِيهٌ: التَّقَابُضُ هُنَا وَحَيْثُ اُعْتُبِرَ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ، لَا لِصِحَّتِهِ، إذْ الْمَشْرُوطُ لَا يَتَقَدَّمُ شَرْطَهُ. وَ (لَا) يُعْتَبَرُ ذَلِكَ (إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا) ، أَيْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، كَسُكَّرٍ بِدَرَاهِمَ، وَحَرِيرٍ بِدَنَانِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَرُمَ النَّسَاءُ فِي ذَلِكَ لَسُدَّ بَابُ السَّلَمِ فِي الْمَوْزُونَاتِ - وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ الشَّرْعُ - وَأَصْلُ رَأْسِ مَالِهِ النَّقْدَانِ، (إلَّا فِي صَرْفِهِ) ، أَيْ: النَّقْدِ (بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ، فَكَنَقْدٍ) ، نَصًّا، فَيُشْتَرَطُ الْحُلُولُ وَالْقَبْضُ، إلْحَاقًا لَهَا بِالنَّقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ " الْمُنَقِّحُ "، وَتَبِعَهُ فِي " الْمُنْتَهَى "، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ جَوَّزَ النَّسَاءَ فِي صَرْفِ الْفُلُوسِ بِالنَّقْدِ، تَبَعًا لِاخْتِيَارِ ابْنِ عَقِيلٍ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. (وَيَحِلُّ نَسَاءٌ) ، أَيْ: تَأْخِيرٌ (فِي) بَيْعِ (مَكِيلٍ بِمَوْزُونٍ) ، كَبُرٍّ بِسُكَّرٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ، أَشْبَهَ بَيْعَ غَيْرِ الرِّبَوِيِّ بِغَيْرِهِ، (وَ) يَحِلُّ نَسَاءٌ (فِيمَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا فَضْلٍ، كَثِيَابٍ) بِثِيَابٍ أَوْ نَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَحَيَوَانٍ) بِحَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَتَبِنٍ بِتَبِنٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ، فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَصَحَّحَهُ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ كَالِئٍ بِكَالِئٍ) بِالْهَمْزِ، (وَهُوَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ - وَلَوْ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ) - «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْغَرِيبِ "، فَمِنْ صُورَةِ بَيْعِ مَا فِي الذِّمَّةِ حَالًّا مِنْ عُرُوضٍ وَأَثْمَانٍ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ، لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ إلَى أَجَلٍ، فَلَا يَصِحُّ، وَمِنْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا جَعْلُهُ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ) ، بِأَنْ يَكُونَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ، فَيَقُولَ: جَعَلْتُ مَا فِي ذِمَّتِكَ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ عَلَى كَذَا. (وَلَا) يَصِحُّ (تُصَارَفُ الْمَدِينَيْنِ بِجِنْسَيْنِ فِي ذِمَّتِهَا مِنْ نَقْدٍ) ، بِأَنْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو ذَهَبٌ، وَلِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ فِضَّةٌ، وَتُصَارِفَاهُمَا، وَلَمْ يَحْضُرْ أَحَدُهُمَا أَوْ هُمَا، فَلَا يَجُوزُ، سَوَاءٌ كَانَا حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ، (أَوْ رِبَوِيٌّ) ، بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا بُرٌّ وَلِلْآخَرِ شَعِيرٌ وَتَبَايَعَاهُمَا. (وَتَصِحُّ مُعَاوَضَةٌ) ، أَيْ: مُصَارَفَةٌ وَغَيْرُهَا (إنْ أُحْضِرَ عِوَضٌ) ، أَيْ: أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ، (أَوْ كَانَ) أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ دَيْنًا وَالْآخَرُ (أَمَانَةً عِنْدَهُ) أَوْ غَصْبًا أَوْ نَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِعَيْنٍ، (وَتَعَاوَضَا عَلَى مَا يَرْضَيَانِهِ مِنْ السِّعْرِ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، فَيَجُوزُ مَا تَرَاضَيَا بِهِ، وَلَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى سِعْرٍ لَا يُرِيدُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَنْ تَرَاضٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى سِعْرٍ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الْوَاجِبُ. (وَمَنْ عَلَيْهِ دِينَارٌ دَيْنًا، فَقَضَاهُ دَرَاهِمَ مُتَفَرِّقَةً) شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَإِنْ أَعْطَاهُ (كُلَّ نَقْدَةٍ بِحِسَابِهَا مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ الدِّينَارِ، بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: خُذْ هَذَا الدِّرْهَمَ عَنْ عُشْرِ دِينَارٍ مَثَلًا أَوْ هَذَانِ الدِّرْهَمَانِ عَنْ خُمُسِهِ، (صَحَّ) الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِعَيْنٍ، (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) ، بِأَنْ أَعَطَاهُ، وَسَكَتَ، (ثُمَّ تَحَاسَبَا بَعْدَ) إعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ، (فَصَارَفَهُ بِهَا وَقْتَ الْمُحَاسَبَةِ، فَلَا) يَصِحُّ، (لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ) ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ) عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَ (وَكَّلَ غَرِيمَهُ) رَبَّ الْحَقِّ (فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ) لِلْمَدِينِ، (وَ) فِي (أَخْذِ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهَا) ، أَيْ: السِّلْعَةِ، (فَبَاعَ) الْوَكِيلُ السِّلْعَةَ (بِغَيْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 جِنْسِ مَا عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْمُوَكِّلِ، (لَمْ يَصِحَّ أَخْذُهُ) ، أَيْ: الْوَكِيلِ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ، نَصًّا، (لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي مُصَارَفَةِ نَفْسِهِ) ، وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ. (وَيَتَّجِهُ الصِّحَّةُ) ، أَيْ: صِحَّةُ أَخْذِ الْوَكِيلِ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ (مَعَ إذْنِهِ) ، أَيْ: الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ (فِيهَا) ، أَيْ: الْمُصَارَفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ عَلَيْهِ دِينَارٌ) دَيْنًا (فَبَعَثَ إلَى غَرِيمِهِ) صَاحِبِ الدِّينَارِ (دِينَارًا) نَاقِصًا (وَتَتِمَّتُهُ دَرَاهِمَ) ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، (أَوْ) (أَرْسَلَ مَنْ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ غَرِيمَهُ) الَّذِي لَهُ الدَّنَانِيرُ فِي ذِمَّتِهِ (إلَى مَنْ لَهُ) ، أَيْ: لِلْمُرْسِلِ (عَلَيْهِ دَرَاهِمُ، وَقَالَ) الْمُرْسِلُ لِغَرِيمِهِ: (خُذْ) قَدْرَ (حَقِّكَ مِنْهُ دَنَانِيرَ، فَقَالَ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْهِ) لِلرَّسُولِ: (خُذْ دَرَاهِمَ) صِحَاحًا (بِالدَّنَانِيرِ) ، (لَمْ يَجُزْ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ فِي الصَّرْفِ، وَلَوْ أَخَذَ الرَّسُولُ رَهْنًا أَوْ عِوَضًا عَنْهُ بَعَثَهُ الْمَدِينُ، فَذَهَبَ، فَمِنْ مَالِ بَاعِثٍ. (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ بِعَقْدٍ، فَأَعْطَى عَنْهَا) ، أَيْ: عَنْ الدَّرَاهِمِ (دَنَانِيرَ، ثُمَّ انْفَسَخَ) الْعَقْدُ، (رَجَعَ) مُعْطِي الدَّنَانِيرَ (بِالدَّرَاهِمِ) الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، لَا بِمَا أُعْطِيَ عَنْهَا [فَصْلٌ الصَّرْفُ بَيْعُ نَقْدٍ بِنَقْدِ] (فَصْلٌ وَالصَّرْفُ بَيْعُ نَقْدٍ بِنَقْدِ) مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ - مَأْخُوذٌ مِنْ الصَّرِيفِ وَهُوَ تَصْوِيتُ النَّقْدِ بِالْمِيزَانِ - (وَيَبْطُلُ) صَرْفٌ كَبُطْلَانِ (سَلَمٍ بِتَفَرُّقٍ) بِبَدَنٍ (يُبْطِلُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ) قَبْلَ تَقَابُضٍ، (وَ) يَبْطُلُ أَيْضًا (بِمَوْتِ) أَحَدِ الْمُتَصَارِفَيْنِ (قَبْلَ تَقَابُضٍ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي صَرْفٍ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَدًا بِيَدٍ» . وَفِي سَلَمٍ قُبِضَ رَأْسُ مَالِهِ، لِمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. (وَإِنْ تَأَخَّرَ) تَقَابُضٌ فِي صَرْفٍ، أَوْ فِي رَأْسِ مَالِ سَلَمٍ (فِي بَعْضٍ) مِنْ ذَلِكَ، (بَطَلَ) ، أَيْ: الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ (فِيهِ) ، أَيْ: الْمُتَأَخِّرِ قَبْضُهُ (فَقَطْ) ، لِفَوَاتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 شَرْطِهِ، وَصَحَّا فِيمَا قَبَضَ، لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَيَقُومُ الِاعْتِيَاضُ مِنْ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ، وَسُقُوطُهُ عَنْ ذِمَّةِ أَحَدِهِمَا مَقَامَ قَبْضِهِ. (وَيَصِحُّ تَوْكِيلٌ) مِنْ الْعَاقِدِينَ أَوْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ عَقْدٍ (فِي قَبْضٍ رِبَوِيٍّ) وَسَلَمٍ، وَيَقُومُ قَبْضُ وَكِيلٍ مَقَامَ قَبْضِ مُوَكِّلِهِ (مَا دَامَ مُوَكِّلُهُ بِالْمَجْلِسِ) ، أَيْ: مَجْلِسِ الْعَقْدِ، لِتَعَلُّقِهِ بِهِ، سَوَاءٌ بَقِيَ الْوَكِيلُ بِالْمَجْلِسِ إلَى قَبْضٍ أَوْ فَارَقَهُ ثُمَّ عَادَ وَقَبَضَ؛ لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ، فَإِنْ فَارَقَ مُوَكِّلٌ قَبْلَهُ، بَطَلَ، وَإِنْ وَكَّلَ فِي الْعَقْدِ، اُعْتُبِرَ حَالُ الْوَكِيلِ، وَلَا يَبْطُلُ صَرْفٌ وَنَحْوُهُ بِاشْتِرَاطِ خِيَارٍ فِيهِ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ، وَيَبْطُلُ بِالتَّفَرُّقِ. (وَإِنْ تَصَارَفَا عَلَى عَيْنَيْنِ) ، أَيْ: مُعَيَّنَيْنِ (مِنْ جِنْسَيْنِ) ، كَصَارَفْتُكَ هَذَا الدِّينَارَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ تَصَرُّفُهُمَا (بِلَا وَزْنٍ) مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْعَقْدِ (أَوْ) بِلَا (إخْبَارِ) صَاحِبِهِ (بِهِ) ، أَيْ: بِأَنَّ وَزْنَهُ كَذَا، (خِلَافًا لَهُمَا) ، أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " " وَالْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَا: وَلَوْ بِوَزْنٍ مُتَقَدِّمٍ، (لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ) ، إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ صَرِيحًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَظَهَرَ غَصْبٌ) ، أَيْ: أَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ مَغْصُوبٌ، بَطَلَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ، (أَوْ) ظَهَرَ (عَيْبٌ فِي جَمِيعِهِ) ، أَيْ: جَمِيعِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ - (وَلَوْ) كَانَ الْعَيْبُ (يَسِيرًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَنُحَاسٍ بِنَقْدٍ - بَطَلَ الْعَقْدُ) ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ غَيْرَ مَا سَمَّى لَهُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَبِعْتُكَ هَذَا الْبَغْلَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فَرَسٌ، (وَإِنْ ظَهَرَ) الْغَصْبُ أَوْ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ (فِي بَعْضِهِ) ، بِأَنْ صَارَفَهُ دِينَارَيْنِ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَوَجَدَ أَحَدَ الدِّينَارَيْنِ مَغْصُوبًا أَوْ مَعِيبًا، (بَطَلَ) الْعَقْدُ (فِيهِ) ، أَيْ: الْمَغْصُوبِ أَوْ الْمَعِيبِ (فَقَطْ) بِمَا يُقَابِلُهُ، وَصَحَّ فِي السَّلِيمِ بِمَا يُقَابِلُهُ. (وَإِنْ كَانَ) الْعَيْبُ (مِنْ جِنْسِهِ) ، أَيْ: جِنْسِ الْمَعِيبِ، (كَرَدَاءَةٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 مِنْ وُضُوحٍ فِي الذَّهَبِ، وَسَوَادٍ وَخُشُونَةٍ فِي الْفِضَّةِ، وَكَوْنِهَا تَتَفَطَّرُ عِنْدَ الضَّرْبِ، (أَوْ تَغَيَّرَ سَكُّهُ) ، كَكَوْنِهَا مُخَالِفَةً لِسِكَّةِ السُّلْطَانِ، (أَوْ تَبَيَّنَ نَقْصٌ، فَلِآخِذِهِ) الَّذِي صَارَ إلَيْهِ الْمَعِيبُ (الْخِيَارُ) بَيْنَ فَسْخٍ وَإِمْسَاكٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ بَدَلِهِ، لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى عَيْنِهِ، فَإِنْ أَخَذَ غَيْرَهُ أَخَذَ مَا لَمْ يُعْقَدْ عَلَيْهِ، (فَإِنْ رَدَّهُ) ، أَيْ: الْمَعِيبَ، ((بَطَلَ) الْعَقْدُ، لِمَا تَقَدَّمَ، (وَإِنْ أَمْسَكَهُ) ، أَيْ: الْمَعِيبَ، (فَلَهُ أَرْشُهُ) ، أَيْ الْمَعِيبِ) كَسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ الْمَبِيعَةِ (بِالْمَجْلِسِ) ، لِاعْتِبَارِ التَّقَابُضِ فِيهِ، (لَا مِنْ جِنْسِ) النَّقْدِ (السَّلِيمِ) ، لِئَلَّا يَصِيرَ كَمَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، وَكَذَا يَجُوزُ أَخْذُ أَرْشِ الْعَيْبِ (بَعْدَ الْمَجْلِسِ) إنْ جُعِلَ الْأَرْشُ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمَا) ، أَيْ: النَّقْدَيْنِ، كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ، لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ إذَنْ، (وَكَذَا كُلُّ رِبَوِيٍّ نَسَاءٍ بِيعَ) بِرِبَوِيٍّ مِنْ (غَيْرِ جِنْسِهِ) مِمَّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، (فَبُرٌّ) بِيعَ (بِشَعِيرٍ، وَوُجِدَ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ: الْبُرِّ أَوْ الشَّعِيرِ (عَيْبٌ) مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ (بَعْدَ تَفَرُّقٍ فَأَرْشٌ بِدِرْهَمٍ) ، أَيْ: أَخْذُ أَرْشِهِ، (أَوْ) أَخْذُ (نَحْوِهِ مِمَّا لَا يُشَارِكُهُ فِي عِلَّةِ الْكَيْلِ، جَازَ) ، لِمَا سَبَقَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُشَارِكُهُ فِي الْعِلَّةِ، جَازَ فِي الْمَجْلِسِ فَقَطْ، لَا مِنْ جِنْسِ السَّلِيمِ. (وَإِنْ تَصَارَفَا [عَلَى] جِنْسَيْنِ، بِذِمَّةٍ) كَدِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِضَّةً، (وَتَقَابَضَا قَبْلَ تَفَرُّقٍ) ، ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ فِي أَحَدِهِمَا - (وَالْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ - فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ) ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَيْبٌ، (وَلَهُ) إنْ ظَهَرَ الْعَيْبُ (قَبْلَ تَفَرُّقٍ إبْدَالُهُ) بِسَلِيمٍ، لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى مُطْلَقٍ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ مِنْ الْعَيْبِ، (أَوْ) أَخْذُ (أَرْشِهِ) ، أَيْ: الْعَيْبِ. (وَيَتَّجِهُ لَا مِنْ جِنْسِ السَّلِيمِ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ ظَهَرَ الْعَيْبُ (بَعْدَهُ) ، أَيْ: التَّفَرُّقُ، لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ، وَ (لَهُ إمْسَاكٌ مَعَ أَرْشِ) عَيْبِهِ، لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَ (لَا) يُؤْخَذُ الْأَرْشُ (مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 جِنْسِهِمَا) ، أَيْ: السَّلِيمِ وَالْمَعِيبِ، كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ رَدُّهُ (وَأَخْذُ بَدَلِهِ) ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ إبْدَالُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ بَعْدَهُ، كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ (بِمَجْلِسٍ رُدَّ، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ أَخْذِ بَدَلِهِ، (بَطَلَ الْعَقْدُ) ، لِحَدِيثِ: «لَا تَبِيعُوا غَائِبًا مِنْهَا بِنَاجِزٍ» (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ، فَتَفَرَّقَا) ، أَيْ: الْمُتَصَارِفَانِ مِنْ الْمَجْلِسِ (قَبْلَ رَدِّ) مَعِيبٍ (وَأَخْذِ بَدَلِهِ، بَطَلَ) الصَّرْفُ، لِلتَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ، (وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا) ، أَيْ: الْعِوَضَيْنِ مِنْ جِنْسٍ فِي صَرْفٍ (دُونَ) الْعِوَضِ (الْآخَرِ) ، بِأَنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، كَصَارَفْتُكَ هَذَا الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَذَا، وَهَذِهِ الْفِضَّةَ بِدِينَارٍ مِصْرِيٍّ، ثُمَّ ظَهَرَ فِي أَحَدِهِمَا عَيْبٌ، (فَلِكُلٍّ) مِنْ الْمُعَيَّنِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ (حُكْمُ نَفْسِهِ) ، فَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ الْمُعَيَّنَ وَالْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، بَطَلَ الْعَقْدُ، وَمِنْ جِنْسِهِ يُخَيَّرُ، لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ مَا فِي الذِّمَّةِ، فَفِيهِ حُكْمُ التَّصَارُفِ عَلَى جِنْسَيْنِ فِي الذِّمَّةِ إذَا ظَهَرَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِمَا، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، فَإِنْ عَلِمَهُ قَبْلَ تَفَرُّقٍ فَلَهُ إبْدَالُهُ أَوْ أَرْشُهُ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَهُ إمْسَاكُهُ مَعَ الْأَرْشِ، وَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ (وَالْعَقْدُ عَلَى عَيْنَيْنِ رِبَوِيَّيْنِ مِنْ جِنْسٍ) كَهَذَا الدِّينَارِ بِهَذَا الدِّينَارِ، كَالْعَقْدِ عَلَى رِبَوِيَّيْنِ (مِنْ جِنْسَيْنِ) ، لَكِنْ لَا أَرْشَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا مِنْ وَاحِدٍ، كَبُرٍّ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ بِبُرٍّ كَذَلِكَ، (إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُ أَرْشٍ مُطْلَقًا) ، لَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَلَا بَعْدَهُ، وَلَا مِنْ الْجِنْسِ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ إنْ كَانَ مِنْ الْجِنْسِ، وَإِلَى مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. (وَلَا بُدَّ) فِيمَا إذَا كَانَ الْعَيْنَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (مِنْ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ) كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، (وَلَوْ) كَانَ الْعِلْمُ بِهَا (بِوَزْنٍ) أَوْ كَيْلٍ (مُتَقَدِّمٍ) عَلَى الْعَقْدِ، (أَوْ) كَانَ (بِخَبَرِ صَاحِبِهِ) حَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 (وَيَتَّجِهُ) اشْتِرَاطُ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ، (وَلَوْ) ظَهَرَ الْعِلْمُ بِهَا (بَعْدَ تَبَايُعٍ) لِلْعَيْنَيْنِ (إنْ) اُعْتُبِرَ بِمِعْيَارِهِمَا (فَبَانَ - سَوَاءٌ) ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، كَمَا لَوْ تَبَايَعَا صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ، فَاعْتُبِرَتْ، فَبَانَتْ كَذَلِكَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَإِنْ) (تَلِفَ عِوَضٌ قُبِضَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (فِي صَرْفِ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ مَثَلًا، (ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ) ، أَيْ: التَّالِفِ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ، كَأَنْ شَاهَدَهُ قَبْلَ تَلَفِهِ (- وَقَدْ تَفَرَّقَا -) (فُسِخَ صَرْفٌ) ، أَيْ: فَسَخَهُ الْحَاكِمُ، (وَرُدَّ مَوْجُودٌ) لِبَاذِلِهِ، (وَتَبْقَى) قِيمَةُ مَعِيبٍ (تَالِفٍ فِي ذِمَّةِ مَنْ تَلِفَ بِيَدِهِ) ، لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ، (فَيَرُدُّ) مَنْ تَلِفَ بِيَدِهِ (مِثْلَهُ) ، أَيْ: الْمَعِيبِ دَرَاهِمَ مَعِيبَةً، [أَوْ] يَرُدُّ (قِيمَتَهُ إنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ) ، أَيْ، عَلَى رَدِّ الْقِيمَةِ. قَالَهُ فِي " الْفُصُولِ "، وَنَقَلَهُ فِي " الْمُغْنِي " عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ (وَيَصِحُّ أَخْذُ أَرْشِ الْعَيْبِ فِي) الصَّرْفِ إنْ كَانَ الْعِوَضَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ، (وَلَوْ تَفَرَّقَا) ، أَيْ: الْمُتَصَارِفَانِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ كَجُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ، وَقَدْ حَصَلَ قَبْضُهُ بِالْمَجْلِسِ، وَ (لَا) يَصِحُّ أَخْذُهُ (مِنْ جِنْسِهِمَا) بَعْدَ التَّفَرُّقِ، (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى " فِيمَا يُوهِمُ) ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَصِحُّ أَخْذُ أَرْشِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إنْ كَانَ الْعِوَضَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مُوَافِقٌ لِمَا سَبَقَ [فَصْلٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَصَارِفَيْنِ الشِّرَاءُ مِنْ الْآخَرِ مِنْ جِنْسِ مَا صَرَفَ بِلَا مُوَاطَأَةٍ] (فَصْلٌ: وَلِكُلٍّ) مِنْ الْمُتَصَارِفَيْنِ (الشِّرَاءُ مِنْ الْآخَرِ مِنْ جِنْسِ مَا صَرَفَ) الْآخَرُ مِنْهُ (بِلَا مُوَاطَأَةٍ) ، كَأَنْ صَرَفَ مِنْهُ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ صَرَفَ مِنْهُ الدَّرَاهِمَ، بِدِينَارٍ آخَرَ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَفْعَلْ بِعْ التَّمْرَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِ مَا اشْتَرَى مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْفِ الْحَاجَةِ (وَصَارِفُ فِضَّةٍ بِدِينَارٍ) إنْ (أَعْطَى فِضَّةً أَكْثَرَ) مِمَّا بِالدِّينَارِ (لِيَأْخُذَ) رَبُّ الدِّينَارِ (قَدْرَ حَقِّهِ) مِمَّا أُعْطِيَهُ، (فَأَخَذَ) صَاحِبُ الدِّينَارِ مِنْ الْفِضَّةِ قَدْرَ حَقِّهِ، (جَازَ) هَذَا الْفِعْلُ مِنْهُمَا - (وَلَوْ) كَانَ أَخْذُهُ قَدْرَ حَقِّهِ (بَعْدَ تَفَرُّقٍ) - لِوُجُودِ التَّقَابُضِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ لِلتَّمْيِيزِ، (وَالزَّائِدُ) عَنْ قَدْرِ حَقِّهِ (أَمَانَةٌ) لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ، فَلَوْ دَفَعَ لَهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا لِيَأْخُذَ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، فَتَلِفَ مِنْهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ خَمْسَةٌ قَبْلَ التَّمْيِيزِ، كَانَ التَّالِفُ عَلَيْهِمَا أَسْدَاسًا، عَلَى الدَّافِعِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ سُدُسُ الْخَمْسَةِ، وَيَبْقَى لَهُ أَرْبَعَةٌ وَسُدُسٌ، وَذَلِكَ سُدُسُ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الثَّلَاثِينَ بَيْنَهُمَا أَسْدَاسًا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ إذَا طَلَبَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ اقْتِرَاضَ دِينَارٍ فَدَفَعَ لَهُ جُمْلَةَ دَنَانِيرَ فَتَلِفَتْ كُلُّهَا إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا، (فَلَا يَضْمَنُ زَائِدًا) تَلِفَ بِيَدِهِ (آخِذٌ) - فَاعِلُ يَضْمَنُ - مِنْ (دَنَانِيرَ) أُعْطِيَهَا (لِيَخْتَارَ وَاحِدًا) مِنْهَا (قَرْضًا) ، إذَا لَمْ يَتَعَدَّ، وَلَمْ يُفَرِّطْ، إذْ الدَّنَانِيرُ بِيَدِهِ أَمَانَةٌ، وَهِيَ لَا تُضْمَنْ إلَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ التَّفْرِيطِ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ بَعْدَمَا تَلِفَ مِنْ الزَّائِدِ فِيمَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْفِضَّةَ لِيُخْرِجَ مِنْهَا قَدْرَ حَقِّهِ، صَارَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ فَمَا تَلِفَ مِنْهَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا فِيهَا، بِخِلَافِ هَذِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ذِمَّةِ الْمُقْرِضِ شَيْءٌ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُ فِي الدَّنَانِيرِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 (وَ) لَوْ صَارَفَ (خَمْسَةَ دَرَاهِمَ) فِضَّةً (بِنِصْفِ دِينَارٍ فَأَعْطَى) صَارِفَ الْفِضَّةِ (دِينَارًا، صَحَّ) الصَّرْفُ، لِحُصُولِ الْقَبْضِ بِالْمَجْلِسِ، (وَلَهُ) ، أَيْ: قَابِضِ الدِّينَارِ (مُصَارَفَتُهُ بَعْدَ) ذَلِكَ (بِالْبَاقِي) مِنْ الدِّينَارِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ. (وَلَوْ اقْتَرَضَ) صَارِفُ الْخَمْسَةِ دَرَاهِمَ (الْخَمْسَةَ) الَّتِي دَفَعَهَا لِصَاحِبِ الدِّينَارِ، (وَصَارَفَهُ بِهَا عَنْ) النِّصْفِ (الْبَاقِي) [مِنْ الدِّينَارِ، (صَحَّ بِلَا حِيلَةٍ) ، لِوُجُودِ التَّقَابُضِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حِيلَةٌ] ، لَمْ يَصِحَّ (وَهِيَ) ، أَيْ: الْحِيلَةُ (التَّوَسُّلُ إلَى مُحَرَّمٍ بِمَا ظَاهِرُهُ الْإِبَاحَةُ، وَالْحِيَلُ كُلُّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ) أُمُورِ (الدِّينِ) ، لِحَدِيثِ: «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ - وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ - فَهُوَ قِمَارٌ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْن فَرَسَيْنِ - وَلَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَسْبِقَ - فَلَيْسَ بِقِمَارٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. فَجَعَلَهُ قِمَارًا مَعَ إدْخَالِ الْفَرَسِ الثَّالِثِ، لِكَوْنِهِ لَا يَمْنَعُ مَعْنَى الْقِمَارَ، وَهُوَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهِ آخِذًا أَوْ مَأْخُوذًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا دَخَلَ تَحَيُّلًا عَلَى إبَاحَةِ الْمُحَرَّمِ. وَسَائِرُ الْحِيَلِ مِثْلُ ذَلِكَ. (كَأَنْ يُظْهِرَا) ، أَيْ: الْمُتَعَاقِدَانِ (عَقْدًا) ظَاهِرُهُ الْإِبَاحَةُ، (يُرِيدَانِ بِهِ مُحَرَّمًا مُخَادَعَةً) وَتَوَسُّلًا إلَى فِعْلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ الرِّبَا وَنَحْوِهِ، أَوْ إسْقَاطِ وَاجِبٍ لَهُ - تَعَالَى - أَوْ دَفْعِ حَقٍّ، (فَيَحْرُمُ قَرْضُهُ شَيْئًا لِيَبِيعَهُ) ، أَيْ: الْمُقْرِضُ لِلْمُسْتَقْرِضِ (سِلْعَةً بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، أَوْ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ سِلْعَةً بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا، تَوَسُّلًا لِجَرِّ النَّفْعِ) ، وَكَمَسْأَلَةِ الْعِينَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ مَعَ الْإِجَارَةِ الْآتِيَةِ. (وَذَكَرَ) خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ (ابْنُ الْقَيِّمِ) فِي كِتَابِهِ " إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، (صُوَرًا كَثِيرَةً جِدًّا) . فَلْتُرَاجَعْ هُنَاكَ. فَمِمَّا ذُكِرَ فِيهِ قَوْلُهُ: فَصْلٌ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْحِيَلِ وَتَحْرِيمِهَا أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - إنَّمَا أَوْجَبَ الْوَاجِبَاتِ، وَحَرَّمَ الْمُحَرَّمَاتِ، لِمَا تَتَضَمَّنَ مِنْ مَصَالِحِ عِبَادِهِ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، فَالشَّرِيعَةُ لِقُلُوبِهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْغِذَاءِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ، وَالدَّوَاءِ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ الدَّاءُ إلَّا بِهِ، فَإِذَا احْتَالَ الْعَبْدُ عَلَى تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وَإِسْقَاطَ مَا فَرَضَ اللَّهُ، وَتَعْطِيلَ مَا شَرَعَ اللَّهُ، كَانَ سَاعِيًا فِي دِينِ اللَّهِ بِإِفْسَادٍ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: إبْطَالُ مَا فِي الْأَمْرِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مِنْ حِكْمَةِ الشَّارِعِ، وَنَقْضِ حِكْمَتِهِ، فِيهِ وَمُنَاقَضَةٍ لَهُ. وَالثَّانِي أَنَّ الْأَمْرَ الْمُحْتَالَ بِهِ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ حَقِيقَةٌ، وَلَا هُوَ مَقْصُودَهُ، بَلْ الْمَقْصُودُ لَهُ هُوَ الْمُحَرَّمُ نَفْسُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ كُلَّ الظُّهُورِ، فَإِنَّ الْمُرَابِيَ مَثَلًا مَقْصُودُهُ الرِّبَا الْمُحَرَّمُ، وَصُورَةُ الْبَيْعِ الْجَائِزِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُتَحَيِّلُ عَلَى إسْقَاطِ الزَّكَاةِ بِتَمْلِيكِ مَالِهِ لِمَنْ لَا يَهَبُهُ دِرْهَمًا وَاحِدًا حَقِيقَةً، مَقْصُودُهُ إسْقَاطُ الْفَرْضِ، وَظَاهِرُ الْهِبَةِ الْمَشْرُوعَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ لَهُ. الثَّالِثُ: نِسْبَةُ ذَلِكَ إلَى الشَّارِعِ الْحَكِيمِ، وَإِلَى شَرِيعَتِهِ الَّتِي هِيَ غِذَاءُ الْقُلُوبِ وَدَوَاؤُهَا وَشِفَاؤُهَا، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَحَيَّلَ عَلَى قَلْبِ الدَّوَاءِ أَوْ الْغِذَاءِ إلَى ضِدِّهِ، فَجَعَلَ الْغِذَاءَ دَوَاءً، وَالدَّوَاءَ غِذَاءً، إمَّا بِتَغَيُّرِ اسْمِهِ أَوْ صُورَتِهِ مَعَ حَقِيقَتِهِ، لَأَهْلَكَ النَّاسَ، فَمَنْ عَمَدَ إلَى الْأَدْوِيَةِ الْمُسَهِّلَةِ، فَغَيَّرَ صُورَتَهَا أَوْ أَسْمَاءَهَا، وَجَعَلَهَا غِذَاءً لِلنَّاسِ، أَوْ عَمَدَ إلَى السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ، فَغَيَّرَ صُورَتَهَا أَوْ أَسْمَاءَهَا، وَجَعَلَهَا أَدْوِيَةً، أَوْ إلَى الْأَغْذِيَةِ فَغَيَّرَ أَسْمَاءَهَا وَصُوَرَهَا، كَانَ سَاعِيًا بِالْفَسَادِ بِالطَّبِيعَةِ، كَمَا أَنَّ هَذَا سَاعٍ بِالْفَسَادِ فِي الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ لِلْقُلُوبِ بِمَنْزِلَةِ الْغِذَاءِ وَالدَّوَاءِ لَلْأَبَدَانِ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ جِدًّا (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ) دَنَانِيرَ مَثَلًا (وَزْنًا، فَوَفَّاهَا) ، أَيْ: الْعَشَرَةَ (عَدَدًا، فَوُجِدَتْ) الْعَشَرَةُ (وَزْنًا أَحَدَ عَشَرَ) دِينَارًا، فَالدِّينَارُ (الزَّائِدُ مَشَاعٌ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ) لِمَالِكِهِ الْمُقْبِضِ (لِأَنَّهُ) ، أَيْ: الْقَابِضَ (قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ) عَلَى أَنَّهُ عِوَضُ مَالِهِ، فَكَانَ مَضْمُونًا بِهَذَا الْقَبْضِ، (وَلِمَالِكِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ) بِصَرْفٍ وَغَيْرِهِ، مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ وَغَيْرِهِ، لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ. وَإِنْ صَارَفَ بِوَدِيعَةٍ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَ آخَرَ دِينَارٌ وَدِيعَةً، فَصَارَفَ رَبُّ الدِّينَارِ الْوَدِيعَ، صَحَّ - وَلَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 شَكَّ فِي بَقَائِهَا -[وَفِي الْمِثَالِ لَا إنْ] ظَنَّ عَدَمَهُ، وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمَهُ حَالَ الْعَقْدِ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا. (وَمَنْ) (بَاعَ دِينَارًا بِدِينَارٍ مُعَيَّنَيْنِ بِإِخْبَارِ صَاحِبِهِ) الْبَاذِلِ لَهُ (بِوَزْنِهِ) ثِقَةً بِهِ، (وَتَقَابَضَا وَافْتَرَقَا، فَوَجَدَ أَحَدَهُمَا) ، أَيْ: الدِّينَارَيْنِ (نَاقِصًا) عَنْ وَزْنِهِ الْمَعْهُودِ، (أَوْ) وَجَدَهُ (زَائِدًا) عَنْ وَزْنِهِ الْمَعْهُودِ، (بَطَلَ الْعَقْدُ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ مُتَفَاضِلًا، (وَ) إنْ كَانَا (فِي الذِّمَّةِ) بِأَنْ قَالَ: بِعْتُكَ دِينَارًا بِدِينَارٍ وَوَصَفَاهُمَا - وَقَدْ تَقَابَضَا وَافْتَرَقَا - ثُمَّ وَجَدَ أَحَدَهُمَا زَائِدًا، (فَالزَّائِدُ بِيَدِ قَابِضٍ مَشَاعٌ مَضْمُونٌ) لِرَبِّهِ، لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ دِينَارًا بِمِثْلِهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْقَبْضُ لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، (وَلَهُ) ، أَيْ: الْقَابِضِ (دَفْعُ عِوَضِهِ) ، أَيْ: الزَّائِدِ لِرَبِّهِ (مِنْ جِنْسِهِ) ، أَيْ: الزَّائِدِ، (وَ) مِنْ (غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ مُعَاوَضَةٍ، (وَلِكُلٍّ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (فَسْخُ الْعَقْدِ) ، أَمَّا الْقَابِضُ فَلِأَنَّهُ وَجَدَ الْمَبِيعَ مُخْتَلِطًا، بِغَيْرِهِ، وَالشَّرِكَةُ عَيْبٌ، وَأَمَّا الدَّافِعُ، فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ عِوَضِ الزَّائِدِ، وَإِنْ كَانَا فِي الْمَجْلِسِ، اسْتَرْجَعَهُ رَبُّهُ، وَدَفَعَ بَدَلَهُ. (وَيَجُوزُ صَرْفٌ وَمُعَامَلَةٌ) بِنَقْدٍ (مَغْشُوشٍ) مِنْ جِنْسِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ) جَوَازُ الصَّرْفِ وَالْمُعَامَلَةِ بِنَقْدٍ مَغْشُوشٍ (غَيْرِ جَارٍ) بَيْنَ النَّاسِ، لِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ، وَلَا أَقُولُ إنَّهُ حَرَامٌ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ. (وَلَوْ كَانَ) غَشَّهُ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ) ، كَالدَّرَاهِمِ تُغَشُّ بِنُحَاسٍ (لِمَنْ يَعْرِفُهُ) ، أَيْ: الْغِشَّ، لِعَدَمِ الْغَرَرِ، وَكَذَا يَجُوزُ ضَرْبُ النَّقْدِ الْمَغْشُوشِ. نَقَلَ صَالِحٌ عَنْ الْإِمَامِ فِي دَرَاهِمَ يُقَالُ لَهَا الْمُسَيِّبَةُ عَامَّتُهَا نُحَاسٌ إلَّا شَيْئًا فِيهَا فِضَّةٌ، فَقَالَ: إذَا كَانَ شَيْئًا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ كَالْفُلُوسِ اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا، فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهَا بَأْسٌ، وَلِأَنَّ غَايَتَهُ اشْتِمَالُهُ عَلَى جِنْسَيْنِ وَلَا غَرَرَ فِيهِمَا، وَلِاسْتِفَاضَتِهِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، (وَأَلَّا) يَعْرِفَ قَابِضُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 غِشَّهُ، (حَرُمَ) ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ. (وَالْكِيمْيَا غِشٌّ، فَتَحْرُمُ) ؛ لِأَنَّهَا تُشَبِّهُ الْمَصْنُوعَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بِالْمَخْلُوقِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ بَاطِلَةٌ فِي الْعَقْلِ مُحَرَّمَةٌ (بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، ثَبَتَتْ عَلَى الروباص أَوْ لَا، وَيَقْتَرِنُ بِهَا) ، أَيْ: الْكِيمْيَاءِ (كَثِيرٌ مِنْ السِّيمِيَاءِ الَّتِي هِيَ مِنْ السِّحْرِ) وَالزُّجَاجُ مَصْنُوعٌ لَا مَخْلُوقٌ، وَمَنْ ظَنَّ زِيَادَةَ الْمَالِ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ، عُوقِبَ بِنَقِيضِهِ، كَالْمُرَابِي، وَهِيَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْ الرِّبَا، لِتَعَدِّي ضَرَرِهَا، (وَلَوْ كَانَتْ) الْكِيمْيَاءُ (حَقًّا مُبَاحًا، لَوَجَبَ فِيهَا خُمْسٌ) ، كَالرِّكَازِ، أَوْ وَجَبَتْ فِيهَا (زَكَاةٌ) كَالزُّرُوعِ وَالثَّمَرِ وَالْمَعْدِنِ، (وَلَمْ يُوجِبْ عَالِمٌ فِيهَا شَيْئًا) ، فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِهَا. (وَالْقَوْلُ بِأَنَّ قَارُونَ عَمِلَهَا بَاطِلٌ) ، وَلَمْ يَعْمَلْهَا إلَّا فَيْلَسُوفٌ أَوْ اتِّحَادِيٌّ أَوْ مَلِكٌ ظَالِمٌ، (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كُتُبٍ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ صِنَاعَتِهَا، وَيَجُوزُ إتْلَافُهَا) ، لِتَعَدِّي ضَرَرِهَا. (انْتَهَى) مُلَخَّصًا. (وَيَتَّجِهُ بِنَاءُ هَذَا) أَيْ: مَا قَالَهُ الشَّيْخُ (عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ قَلْبِ الْأَعْيَانِ حَقِيقَةً) ، كَمَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَإِنَّ قَلْبَهَا بَاطِلٌ فِي الشَّرْعِ مُحَالٌ فِي الْعَقْلِ، وَمَا وُجِدَ مِنْهَا كَذَلِكَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ التَّمْوِيهَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ بِالسِّيمِيَاءِ وَسِحْرِ الْعُيُونِ. قَالَ تَعَالَى عَنْ الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] . وَالْحَالُ لَا، إنَّهُ مُجَرَّدُ تَخْيِيلٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ الْأَعْيَانُ تَنْقَلِبُ حَقِيقَةً، (فَلَا) يَكُونُ فِعْلُ الْكِيمْيَاءِ مَحْظُورًا؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا لِمَا يَتَرَتَّبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 عَلَيْهَا مِنْ ظُهُورِ الْغِشِّ وَعَوْدِهَا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَبَعْدَ انْقِلَابِهَا حَقِيقَةً يُؤْمَنُ مَا يُتَرَقَّبُ مِنْ ضَرَرِ النَّاسِ بِسَبَبِهَا، وَهَذَا اعْتِقَادُ الْفَلَاسِفَةِ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إذَا ثَبَتَتْ عَلَى الروباص، فَلَا تَتَغَيَّرُ وَلَا تَتَبَدَّلُ مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَلَهُمْ افْتِرَاءَاتٌ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاللَّائِقُ أَنْ يُقَالَ: (إنَّ لِلَّهِ) سُبْحَانَهُ (خَوَاصَّ وَأَسْرَارًا) خَلَقَهَا وَأَوْدَعَهَا (فِي الْعَالَمِ) ، أَيْ: عَالَمِ الْجَمَادَاتِ، (يَنْقَلِبُ بِهَا نَحْوُ النُّحَاسِ) ، كَالرَّصَاصِ وَغَيْرِهِ (ذَهَبًا خَالِصًا) ، يَظْهَرُ لِلرَّائِي، وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، (لَكِنَّهُ نَادِرُ الْوُقُوعِ) ، وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ لَكِنَّهُ عَزِيزٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ، وَفِي أُخْرَى لَكِنَّهُ غَيْرُ نَيِّرٍ، أَيْ: لَيْسَ رَوْنَقُهُ كَرَوْنَقِ الذَّهَبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (وَيَحْرُمُ كَسْرُ السِّكَّةِ الْجَائِزَةِ) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَارِيَةِ بَيْنَهُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ، (وَلَوْ) كَانَ كَسْرُهَا (لِصِيَاغَةٍ وَإِعْطَاءِ سَائِلٍ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ، (إلَّا أَنْ يُخْتَلَفَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا هَلْ هُوَ رَدِيءٌ أَوْ جَيِّدٌ؟) فَيَجُوزُ كَسْرُهَا اسْتِظْهَارًا لِحَالِهِ. (وَكَانَ) عَبْدُ اللَّهِ (بْنُ مَسْعُودٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَكْسِرُ الزُّيُوفَ، أَيْ: النُّحَاسَ وَهُوَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ اجْتَمَعَ عِنْدَ السُّلْطَانِ دَرَاهِمُ زُيُوفٌ، فَإِنَّهُ يَسْبِكُهَا وَلَا يَبِيعُهَا. (وَلَا يَحِلُّ) ، أَيْ: لَا يُبَاحُ بِلَا كَرَاهَةٍ (لِقَابِضِهَا) ، أَيْ: الزُّيُوفِ (إخْرَاجُهَا فِي مُعَامَلَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ، لِمَا فِيهِ) ، أَيْ: إخْرَاجُهَا (مِنْ تَغْرِيرِ الْمُسْلِمِينَ) وَإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ قَابِضَهَا رُبَّمَا خَلَطَهَا بِدَرَاهِمَ جَيِّدَةٍ، وَأَخْرَجَهَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 حَالَهَا. قَالَ أَحْمَدُ: إنِّي أَخَافُ أَنْ يَغُرَّ بِهَا مُسْلِمًا. وَقَالَ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَغُرَّ بِهَا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا أَقُولُ إنَّهُ حَرَامٌ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَهُ " لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِالْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى. وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَتَوَقَّى لَفْظَ الْحَرَامِ عَلَى مَا لَمْ يَسْتَيْقِنْ تَحْرِيمَهُ مِمَّا فِيهِ نَوْعُ شُبْهَةٍ، أَوْ اخْتِلَافٍ، فَيَقُولُ: أَكْرَهُهُ، وَلِذَلِكَ تَوَقَّفَ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ الْحَرَامِ عَلَى مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ وَتَعَارَضَتْ أَدِلَّتُهُ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ، فَقَالَ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ: لَا أَقُولُ هِيَ حَرَامٌ، وَلَكِنْ نُهِيَ عَنْهُ، وَقَالَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ: لَا أَقُولُ حَرَامٌ، وَلَكِنْ نُهِيَ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي إطْلَاقِ لَفْظَةِ الْحَرَامِ دُونَ مَعْنَاهَا، لِاخْتِلَافِ النُّصُوصِ وَالصَّحَابَةِ فِيهَا، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ فِي الْكَلَامِ، حَذَرًا مِنْ الدُّخُولِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل: 116] . أَفَادَهُ ابْنُ رَجَبٍ. (وَكُرِهَ كَتْبُ قُرْآنٍ) ، أَيْ: عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالْحِيَاصَةِ: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي (وَنَثْرُهَا) ، أَيْ: الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى النَّاسِ. وَيَأْتِي فِي الْوَلِيمَةِ: يُكْرَهُ نِثَارٌ وَالْتِقَاطُهُ. (وَأَوَّلُ ضَرْبِ الدَّرَاهِمِ) فِي الْإِسْلَامِ (عَلَى عَهْدِ الْحَجَّاجِ) الثَّقَفِيِّ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ. (وَلَا يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ تَحْرِيمُ النُّقُودِ الَّتِي بِأَيْدِي النَّاسِ) وَضَرْبُهُ غَيْرَهَا لَهُمْ، (لِيُفْسِدَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْأَمْوَالِ) ، وَيَتَّجِرَ بِمَا ضَرَبَ، بَلْ يَضْرِبُ لَهُمْ النُّقُودَ بِقِيمَتِهَا مِنْ غَيْرِ رِبْحٍ فِيهِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، فَإِنَّ فِي التِّجَارَةِ فِيهَا ظُلْمًا عَظِيمًا، مِنْ أَبْوَابِ ظُلْمِ النَّاسِ، وَأَكْلِ أَمْوَالِهِمْ بِالْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ إذَا حَرَّمَ الْمُعَامَلَةَ بِهَا صَارَتْ عَرَضًا، وَإِذَا ضَرَبَ لَهُمْ نُقُودًا أُخْرَى أَفْسَدَ مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْهَا بِنَقْصِ أَسْعَارِهِمْ، فَظَلَمَهُمْ فِيمَا يَضْرِبُهُ بِإِغْلَاءِ سِعْرِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 (وَكُرِهَ ضَرْبُ نَقْدٍ مَغْشُوشٍ وَاِتِّخَاذُهُ، نَصًّا) وَتَقَدَّمَ. (وَكُرِهَ ضَرْبٌ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ. قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: لَا يَصْلُحُ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ إلَّا فِي دَارِ الضَّرْبِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ) ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا رُخِّصَ لَهُمْ، رَكِبُوا الْعَظَائِمَ. قَالَ الْقَاضِي: فَقَدْ مُنِعَ مِنْ الضَّرْبِ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِئَاتِ عَلَيْهِ، (وَيُعْطِي أُجْرَةَ الصُّنَّاعِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. [فَصْلٌ يَتَمَيَّزُ ثَمَنٌ عَنْ مُثَمَّنٍ بِبَاءِ الْبَدَلِيَّةِ] (فَصْلٌ وَيَتَمَيَّزُ ثَمَنٌ عَنْ مُثَمَّنٍ بِبَاءِ الْبَدَلِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا) ، أَيْ: الْعِوَضَيْنِ (نَقْدٌ، فَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ) الْبَاءُ، فَهُوَ (ثَمَنٌ) ، فَدِينَارٌ بِثَوْبٍ، الثَّمَنُ الثَّوْبُ، لِدُخُولِ الْبَاءِ عَلَيْهِ (وَيَصِحُّ اقْتِضَاءُ نَقْدٍ مِنْ) نَقْدٍ (آخَرَ) ، كَذَهَبٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَعَكْسِهِ (إنْ أَحْضَرَ أَحَدَهُمَا) ، أَيْ: النَّقْدَيْنِ، وَإِلَّا، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، (أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَمَانَةً) أَوْ عَارِيَّةً أَوْ غَصْبًا (وَ) النَّقْدُ (الْآخَرُ مُسْتَقِرٌّ فِي الذِّمَّةِ) ، كَثَمَنٍ وَقَرْضٍ وَأُجْرَةٍ اُسْتُوْفِيَ نَفْعُهَا، بِخِلَافِ دَيْنِ كِتَابَةٍ وَجُعِلَ قَبْلَ عَمَلٍ وَرَأْسِ مَالٍ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ. (وَلَوْ) كَانَ مَا فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ حَالٍّ، كَكَوْنِهِ مُؤَجَّلًا وَقَضَاهُ عَنْهُ بِسِعْرِ يَوْمِ الْقَضَاءِ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَعْجِيلِ مَا فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ (بِسِعْرِ يَوْمِهِ) ، أَيْ: يَوْمِ الِاقْتِضَاءِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كُنَّا نَبِيعُ الْأَبْقِرَةَ بِالْبَقِيعِ بِالدَّنَانِيرِ، وَنَأْخُذُ عَنْهَا الدَّرَاهِمَ، وَبِالدَّرَاهِمِ وَنَأْخُذُ عَنْهَا الدَّنَانِيرَ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَنَّهُ صَرْفٌ بِعَيْنٍ وَذِمَّةٍ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَسْبِقْهُ اشْتِغَالُ ذِمَّةٍ، وَاعْتُبِرَ سِعْرُ يَوْمِ الْقَضَاءِ، لِلْجَبْرِ، وَلِجَرَيَانِ ذَلِكَ مَجْرَى الْقَضَاءِ فَتَقَيَّدَ بِالْمِثْلِ، وَهُوَ هُنَا مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةِ، لِتَعَذُّرِهِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي ". (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَيُجْبَرُ هَذَا عَلَى دَفْعِهِ، وَهَذَا عَلَى قَبُولِهِ، وَبِهِ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ (إنْ تَشَاحَّا) فِي ذَلِكَ، (وَإِلَّا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 بِأَنْ تَرَاضَيَا، جَازَ الِاقْتِضَاءُ (بِأَنْقَصَ) مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَزْيَدَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا، فَإِنْ رَدَّا رَجَحَ مِنْ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ، أَوْ أَجْوَدَ مِنْهُ، جَازَ نَدْبًا، وَإِنْ رَضِيَ الْمُقْرِضُ (بِأَقَلَّ مِنْهُ) أُبْرِئَ مِنْ الْبَاقِي. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ تَقَدَّمَ فِي (فَصْلِ وَيَحْرُمُ رِبَا النَّسِيئَةِ) بِمَعْنَاهُ، فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: وَتَعَاوَضَا عَلَى مَا يَرْضَيَانِهِ مِنْ السِّعْرِ. [تَنْبِيهٌ لَوْ سُمِّيَ فِي عَقْدِ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ أُجْرَةٍ ثُمَّ تغير سعر المعاملة] تَنْبِيهٌ: لَوْ سُمِّيَ فِي عَقْدِ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ أُجْرَةٍ اُسْتُوْفِيَ نَفْعُهَا أَلْفٌ مِنْ الْفُلُوسِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ الْمَعْلُومِ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ سِعْرُ الْمُعَامَلَةِ، فَلَا يَجِبُ إلَّا مَا يُسَمَّى أَلْفًا عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا طَرَأَ، فَلَوْ كَانَ الْمُسَمَّى فِي الْمِثَالِ نَوْعًا مِنْ الْفِضَّةِ، وَكَانَتْ سَائِرُ أَنْوَاعِهَا مُسْتَوِيَةً رَوَاجًا وَثَمَنًا، ثُمَّ تَغَيَّرَ السِّعْرُ، وَكَانَ التَّغَيُّرُ فِي بَعْضِهَا كَثِيرًا، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَدْفَعَ مِنْهَا مَا كَانَ أَقَلَّ ضَرَرًا إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَالْوَسَطُ مُرَاعَاةً لِلْمَصْلَحَتَيْنِ، وَدَفْعًا لِأَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ سِعْرُ يَوْمِ الِاقْتِضَاءِ فِيمَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ اقْتِضَاءُ نَقْدٍ عَنْ نَقْدٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ بِعَيْنٍ وَذِمَّةٍ، وَإِذَا تَحَصَّلَ رِيعُ الْوَقْفِ عِنْدَ النَّاظِرِ أَوْ الْجَابِي، فَنُودِيَ عَلَيْهِ بِرُخْصٍ، فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فِي صَرْفٍ، بِأَنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الصَّرْفَ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَحَصَلَ الرِّيعُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَأُخِّرَ الصَّرْفُ يَوْمًا وَاحِدًا مَعَ حُضُورِ الْمُسْتَحَقِّينَ فِي الْبَلَدِ، عَصَى وَأَثِمَ، وَلَزِمَهُ ضَمَانُ مَا نَقَصَ بِالْمُنَادَاةِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَحَبْسِهِ عَنْ الْمُسْتَحَقِّينَ، وَإِنْ نُودِيَ عَلَيْهِ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - بِزِيَادَةٍ، كَانَتْ لِلْوَقْفِ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ، بِأَنْ كَانَ شَرْطُ الْوَقْفِ الصَّرْفَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَثَلًا، فَحَصَلَ الرِّيعُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ، أَوْ حَصَلَ عِنْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 الْوَقْتِ الَّذِي شَرَطَ الصَّرْفَ عِنْدَهُ بَعْضُ الرِّيعِ وَهُوَ يَسِيرٌ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، وَأُخِّرَ لِيَجْتَمِعَ مَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، فَهَذَا لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ، وَالنَّقْصُ الْحَاصِلُ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْوَقْفِ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ سِهَامِ الْمُسْتَحَقِّينَ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ رَخُصَتْ أُجْرَةُ عَقَارِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ عَلَى الْوَقْفِ حَيْثُ كَانَ فِيهِ فَضْلَةٌ، وَلَا يَنْقُصُ بِسَبَبِهَا شَيْءٌ مِنْ مَعَالِيمِ الْمُسْتَحَقِّينَ، وَلَوْ نُودِيَ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِزِيَادَةٍ، كَانَتْ لِلْوَقْفِ، وَيَأْتِي لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَتِمَّةٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قُبَيْلَ بَابِ الْهِبَةِ. (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا) كِتَابًا أَوْ نَحْوَهُ (بِنِصْفِ دِينَارٍ، لَزِمَهُ) نِصْفٌ مِنْ دِينَارٍ، (ثُمَّ إنْ اشْتَرَى) شَيْئًا (آخَرَ) ، كَثَوْبٍ (بِنِصْفٍ آخَرَ، لَزِمَهُ) نِصْفٌ أَيْضًا، لِدُخُولِهِ بِالْعَقْدِ عَلَى ذَلِكَ، (وَيَجُوزُ إعْطَاؤُهُ) ، أَيْ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ (عَنْهُمَا صَحِيحًا) ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، فَإِنْ كَانَ نَاقِصًا، أَوْ اشْتَرَى بِمُكَسَّرَةٍ وَأَعْطَى عَنْهَا صِحَاحًا أَقَلَّ مِنْهَا، أَوْ بِصِحَاحٍ وَأَعْطَى عَنْهَا مُكَسَّرَةً أَكْثَرَ مِنْهَا، لَمْ يَجُزْ، لِلتَّفَاضُلِ، (لَكِنْ إنْ شَرَطَ ذَلِكَ) ، أَيْ: إعْطَاءَ صَحِيحٍ عَنْ الشِّقَّيْنِ (فِي الْعَقْدِ الثَّانِي، أَبْطَلَهُ) ، لِتَضَمُّنِهِ اشْتِرَاطَ زِيَادَةٍ عَنْ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، (وَ) اشْتِرَاطُ ذَلِكَ (قَبْلَ لُزُومِ) الْعَقْدِ (الْأَوَّلِ بِخِيَارِ) مَجْلِسٍ، كَمَا لَوْ لَمْ يَتَفَرَّقَا، (يُبْطِلُهُمَا) ، أَيْ: الْعَقْدَيْنِ، لِوُجُودِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ انْبِرَامِهِ لَازِمًا. (وَتَتَعَيَّنُ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ) بِتَعْيِينٍ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ (غَيْرُهَا) ، أَيْ: غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (بِتَعْيِينٍ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ قَوْلًا وَاحِدًا بِلَا رَيْبٍ (فِي جَمِيعِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْغَصْبِ، فَتَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ، كَالْقَرْضِ، وَلِأَنَّهَا أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ، فَأَشْبَهَتْ الْآخَرَ (وَتُمْلَكُ) دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ (بِهِ) ، أَيْ: بِالتَّعْيِينِ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، (فَلَا يَصِحُّ إبْدَالُهَا) إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنِهَا، لِتَعَيُّنِهَا، (وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) ، أَيْ: مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ (فِيهَا قَبْلَ قَبْضٍ، وَ) إنْ تَلِفَتْ، أَوْ تَغَيَّبَتْ، فَهِيَ (مِنْ ضَمَانِهِ) ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ. قَالَ (الْمُنَقِّحُ: إنْ لَمْ تَحْتَجْ لِوَزْنٍ أَوْ عَدٍّ وَنَحْوِهِ) ، كَذَرْعٍ، فَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى ذَلِكَ، لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، لِاحْتِيَاجِهَا لِحَقِّ تَوْفِيَةٍ، وَتَكُونُ مِنْ ضَمَانِ بَاذِلٍ، فَيَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ التَّلَفِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا طَرَأَ مِنْ زِيَادَةِ السِّعْرِ أَوْ نَقْصِهِ، إذْ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً، لَمْ يَكُنْ سِوَاهَا. (وَيَبْطُلُ غَيْرُ نِكَاحٍ وَخُلْعٍ) وَطَلَاقٍ (وَعِتْقٍ) عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ (وَ) غَيْرُ (صُلْحٍ) بِهَا (عَنْ دَمٍ عَمْدٍ) فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ (بِكَوْنِهَا) ، أَيْ: الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الْمُعَيَّنَةِ (مَغْصُوبَةً) ، كَالْمَبِيعِ يَظْهَرُ مُسْتَحَقًّا، (أَوْ) بِكَوْنِهَا (مَعِيبَةً) عَيْبًا (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا) ، كَكَوْنِ الدَّرَاهِمِ نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ غَيْرَ مُسَمٍّ لَهُ، يَبْطُلُ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاؤُهُ (فِي بَعْضٍ هُوَ كَذَلِكَ) ، أَيْ: مَغْصُوبٌ أَوْ مَعِيبٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا (فَقَطْ) ، كَسَوَادِ دِرْهَمٍ، وَوُضُوحِ دَنَانِيرَ، (يُخَيَّرُ مُشْتَرِيهَا بَيْنَ فَسْخِ) الْعَقْدِ الْمَعِيبِ (أَوْ إمْسَاكٍ، وَلَا أَرْشَ كَمَا مَرَّ) ، فَيُمْسِكُ بِلَا أَرْشٍ إنْ تَعَاقَدَا عَلَى مِثْلَيْنِ، كَدِينَارٍ بِدِينَارٍ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى التَّفَاضُلِ، أَوْ إلَى مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، وَإِنْ تَعَاقَدَا عَلَى جِنْسَيْنِ، كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَلَهُ الْأَرْشُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ، إنْ جَعَلَاهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ. [تَتِمَّة يَحْصُلُ التَّعْيِينُ بِالْإِشَارَةِ] ِ، سَوَاءٌ ضَمَّ إلَيْهَا الِاسْمَ أَمْ لَا، كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، أَوْ بِهَذِهِ فَقَطْ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الدَّرَاهِمِ، أَوْ بِعْتُكَ هَذَا بِهَذَا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْعِوَضَيْنِ، وَيَحْصُلُ التَّعْيِينُ أَيْضًا بِالِاسْمِ، كَبِعْتُكَ عَبْدِي سَالِمًا، أَوْ دَارِي بِمَوْضِعِ كَذَا، أَوْ بِمَا فِي يَدِي أَوْ كِيسِي مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ (وَمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِدِرْهَمٍ بِعَيْنِهِ تَعَيَّنَ، قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي يَعْلَى وَحَفِيدِهِ الشَّهِيرِ بِأَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُمَا جَزَمَا بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ (لَا يَضْمَنُهُ أَجْنَبِيٌّ تَصَدَّقَ بِهِ) بِلَا أَمْرٍ مِنْ عَيْنِهِ (وَيَحْرُمُ رِبًا بِدَارِ حَرْبٍ، وَلَوْ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ) ، كَمَا يَحْرُمُ فِي دَارِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 الْإِسْلَامِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا أَمَانٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، وَعُمُومِ السُّنَّةِ، وَلِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ، كَدَارِ الْبَغْيِ فِي أَنَّهُ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِمَا، وَحَدِيثُ مَكْحُولٍ مَرْفُوعًا: «لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ» رُدَّ بِأَنَّهُ خَبَرٌ مَجْهُولٌ، لَا يُتْرَكُ لَهُ تَحْرِيمُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ. وَ (لَا) يَحْرُمُ الرِّبَا (بَيْنَ سَيِّدٍ وَرَقِيقٍ - وَلَوْ) كَانَ الرَّقِيقُ (مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ -) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمَالَ كُلُّهُ لِلسَّيِّدِ، (أَوْ مُكَاتَبًا فِي مَالٍ كِتَابَةً فَقَطْ) ، بِأَنْ عَوَّضَهُ عَنْ مُؤَجَّلِهَا دُونَهُ. وَيَأْتِي لَا يَجُوزُ الرِّبَا بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ هَذِهِ. [بَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] (الْأُصُولُ) : جَمْعُ أَصْلٍ وَهُوَ مَا يَتَفَرَّعُ عَنْ غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ (هُنَا أَرْضٌ وَدُورٌ وَبَسَاتِينُ وَنَحْوُ مَعَاصِرَ) ، كَحَمَّامَاتٍ (وَطَوَاحِينَ. وَالثِّمَارُ) : جَمْعُ ثَمَرٍ، كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ، وَهِيَ (مَا حَمَلَتْهُ الْأَشْجَارُ، سَوَاءٌ أُكِلَ أَوْ لَا) ، فَيَشْمَلُ الْقَرْظَ وَنَحْوَهُ. (فَمَنْ) (بَاعَ) دَارًا، (أَوْ رَهَنَ) دَارًا، (أَوْ وَقَفَ) دَارًا (أَوْ أَقَرَّ) بِدَارٍ، (أَوْ وَصَّى) بِدَارٍ، وَيَتَّجِهُ، (أَوْ جَعَلَهَا) ، أَيْ: الدَّارَ (نَحْوَ صَدَاقٍ) كَعِوَضِ طَلَاقٍ وَخُلْعٍ (وَأُجْرَةٍ) . وَهُوَ مُتَّجِهٌ (تَنَاوَلَ) ذَلِكَ (أَرْضَهَا) . قَالَ فِي (" الْمُبْدِعِ " مَا لَمْ تَكُنْ وَقْفًا، كَسَوَادِ الْعِرَاقِ) وَمِصْرَ وَالشَّامِ، وَمُقْتَضَى مَا سَبَقَ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ الْمَسَاكِنِ دُخُولُهَا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 وَالسَّوَادُ هُوَ سَوَادُ كِسْرَى الَّذِي فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ، سُمِّيَ سَوَادًا، لِسَوَادِهِ بِالزُّرُوعِ وَالْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَاخَمَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ الَّتِي لَا زَرْعَ فِيهَا وَلَا شَجَرَ، كَانُوا إذَا خَرَجُوا مِنْ أَرْضِهِمْ إلَيْهِ ظَهَرَتْ لَهُمْ خُضْرَةُ الزَّرْعِ وَالْأَشْجَارِ، وَهُمْ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْخُضْرَةِ وَالسَّوَادِ فِي الِاسْمِ، فَسَمَّوْا خُضْرَةَ الْعِرَاقِ سَوَادًا، وَسُمِّيَ عِرَاقًا، لِاسْتِوَاءِ أَرْضِهِ حِينَ خَلَتْ مِنْ جِبَالٍ تَعْلُو، أَوْ أَوْدِيَةٍ تُخْفَضْ، وَحَدُّهُ طُولًا مِنْ حَدِيثَةِ الْمَوْصِلِ إلَى عَبَّادَانَ، وَعَرْضًا مِنْ عذيب الْفَارِسِيَّةِ إلَى حُلْوَانَ، فَيَكُونُ طُولُهُ مِائَةً وَسِتِّينَ فَرْسَخًا، وَعَرْضُهُ ثَمَانِينَ فَرْسَخًا إلَّا قَرْيَاتٍ سَمَّاهَا أَحْمَدُ بانقيا، وَأَرْضَ بَنِي صلوبا وَالْحِيرَةَ وَأُلَّيْسَ كَانُوا صُلْحًا، فَأَمَّا الْعِرَاقُ فَهُوَ فِي الْعَرْضِ مُسْتَوْعِبٌ لِعَرْضِ السَّوَادِ عُرْفًا، وَيَقْصُرُ عَنْ طُولِهِ فِي الْعَرْضِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَهُ فِي شَرْقِيِّ دِجْلَةَ، ثُمَّ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ أَعْمَالِ الْبَصْرَةِ مِنْ جَزِيرَةِ عَبَّادَانَ، فَيَكُونُ طُولُهُ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا [يَقْصُرُ عَنْ طُولِ السَّوَادِ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فَرْسَخًا، وَعَرْضُهُ ثَمَانُونَ فَرْسَخًا] كَالسَّوَادِ. قَالَ قُدَامَةُ بْنُ جَعْفَرٍ: يَكُونُ ذَلِكَ مُكَسَّرًا عَشَرَةَ آلَافِ فَرْسَخٍ (بِمَعْدِنِهَا الْجَامِدِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، بِخِلَافِ الْجَارِي. (وَلِبَائِعٍ لَمْ يَعْلَمْ) أَنْ فِي الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ مَعْدِنًا جَامِدًا (الْفَسْخُ) وَالْإِمْضَاءُ، وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ فِيهَا بِئْرٌ أَوْ عَيْنُ مَاءٍ، وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ إعْلَامُ الْبَائِعِ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَتَاعًا فَوَجَدَهُ خَيْرًا مِمَّا اشْتَرَى. (وَ) تَنَاوَلَ (بِنَاءَهَا) ، أَيْ: الدَّارِ، لِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّاهَا، (وَ) تَنَاوَلَ (فِنَاءَهَا) - بِكَسْرِ الْفَاءِ. مَا اتَّسَعَ أَمَامَهَا - (إنْ كَانَ) لَهَا فِنَاءٌ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الدُّورِ لَا فِنَاءَ لَهَا، (وَ) تَنَاوَلَ (مُتَّصِلًا بِهَا) ، أَيْ: الدَّارِ (لِمَصْلَحَتِهَا، كَسَلَالِيمَ) مِنْ خَشَبٍ مُسَمَّرَةٍ - جَمْعُ سُلَّمٍ بِضَمِّ السِّينِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَفْتُوحَةً، وَهِيَ الْمِرْقَاةُ - مَأْخُوذَةٌ مِنْ السَّلَامَةِ تَفَاؤُلًا، (وَكَرُفُوفٍ مُسَمَّرَةٍ، وَكَأَبْوَابٍ) مَنْصُوبَةٍ وَحَلْقِهَا، (وَكَرَحًى مَنْصُوبَةٍ، وَكَخَوَابٍ مَدْفُونَةٍ، وَأَجْرِفَةٍ مَبْنِيَّةٍ) ، وَأَسَاسَاتِ حِيطَانٍ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَةُ لِمَصْلَحَتِهَا، أَشْبَهَ الْحِيطَانَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ السَّلَالِيمُ وَالرُّفُوفُ مُسَمَّرَةً، أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 كَانَتْ الْأَبْوَابُ وَالرَّحَى غَيْرَ مَنْصُوبَةٍ، أَوْ الْخَوَابِي غَيْرَ مَدْفُونَةٍ، لَمْ يَتَنَاوَلْهَا الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا، أَشْبَهَتْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فِيهَا، (وَ) تَنَاوَلَ (مَا فِيهَا) ، أَيْ: الدَّارِ (مِنْ شَجَرٍ) مَغْرُوسٍ (وَ) مِنْ (عُرُشٍ) - جَمْعِ عَرِيشٍ - (وَهِيَ الظُّلَّةُ) لِاتِّصَالِهِمَا بِهَا (أَوْ) هِيَ (مَا تُحْمَلُ عَلَيْهَا الْكَرْمُ) قَالَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ "، وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا فِيهَا مِنْ كَنْزٍ وَحَجَرٍ مَدْفُونَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا مُودَعَانِ فِيهَا لِلنَّقْلِ عَنْهَا، أَشْبَهَ السِّتْرَ وَالْفُرُشَ، بِخِلَافِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَحْجَارِ الْمَخْلُوقَةِ، فَإِنْ ضَرَبَ بِعُرُوقِ الْأَشْجَارِ وَنَقَصَتْ الْأَرْضُ فَعَيْبٌ. (وَلَا) يَتَنَاوَلُ مَا فِيهَا مِنْ (مُنْفَصِلٍ) ، (كَحَبْلٍ وَدَلْوٍ وَبَكْرَةٍ وَقُفْلٍ وَفُرُشٍ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَشْمَلُهُ، وَلَا هُوَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا، (وَ) لَا (مِفْتَاحٍ) لِنَحْوِ دَارٍ (وَحَجَرِ رَحًى فَوْقَانِيٍّ) ، لِعَدَمِ اتِّصَالِهِ وَتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ، وَإِنْ قَالَ مَثَلًا بِعْتُكَ هَذِهِ الطَّاحُونَ أَوْ الْمَعْصَرَةَ وَنَحْوَهَا، شَمِلَ الْحَجَرَ الْفَوْقَانِيَّ كَالتَّحْتَانِيِّ، لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ، (وَلَا) مَا فِيهَا مِنْ (مَعْدِنٍ جَارٍ، وَمَا نَبَعَ) ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ إلَى مِلْكِهِ، أَشْبَهَ مَا يَجْرِي مِنْ الْمَاءِ فِي نَهْرٍ إلَى مِلْكِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْحِيَازَةِ. وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ. (وَ) لَا يَتَنَاوَلُ مَا فِيهَا مِنْ (رُفُوفٍ مَوْضُوعَةٍ عَلَى أَوْتَادٍ بِلَا تَسْمِيرٍ أَوْ) بِلَا (غَرْزٍ بِحَائِطٍ) ، لِعَدَمِ اتِّصَالِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُسَمَّرَةً أَوْ مَغْرُوزَةً فِي الْحَائِطِ دَخَلَتْ، (وَ) كَذَا (خَوَابٍ مَوْضُوعَةٌ بِلَا تَطْيِينٍ عَلَيْهَا) ، فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْبَيْعُ، لِعَدَمِ اتِّصَالِهَا بِالْأَرْضِ. (وَيَتَّجِهُ دُخُولُ عُلُوِّ بَيْتٍ) وَهُوَ مَا فَوْقَ سَقْفِهِ الْمَشْهُورِ بِالْهَوَاءِ (بِيعَ) ذَلِكَ الْبَيْتُ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، وَ (لَا) يَدْخُلُ (مَا فَوْقَهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ (مِنْ مَسْكَنٍ مُسْتَقِلٍّ) إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 (وَ) مَنْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ رَهَنَ أَوْ وَقَفَ أَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى (بِأَرْضٍ أَوْ بُسْتَانٍ) أَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا أَوْ عِوَضَ خُلْعٍ وَنَحْوِهِ، (دَخَلَ غِرَاسٌ وَبِنَاءٌ) فِيهَا - وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا - لِاتِّصَالِهِمَا بِهِمَا، وَكَوْنِهِمَا مِنْ حُقُوقِهَا، وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ أَرْضٍ وَبُسْتَانٍ (شَجَرٌ مَقْطُوعٌ وَمَقْلُوعٌ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَتَنَاوَلُهُ، وَالتَّبَعِيَّةُ انْقَطَعَتْ بِانْفِصَالِهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) لَا يَدْخُلُ (بِنَاءٌ مَهْدُومٌ) ، لِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ بِانْهِدَامِهِ، فَلَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يَدْخُلُ فِي نَحْوِ بَيْعِ أَرْضٍ (مَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ لَا يُحْصَدُ إلَّا مَرَّةً، كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ) وَأُرْزٍ (وَقُطْنِيَّاتٍ) ، وَهِيَ الْفُولُ وَالْعَدَسُ وَالْحِمَّصُ وَالْجُلُبَّانُ وَالتُّرْمُسُ وَاللُّوبِيَا وَالْكِرْسِنَّةُ وَالْبِسِلَّةُ وَنَحْوُهَا - وَهِيَ بِكَسْرِ الْقَافِ - سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لِقُطُونِهَا، أَيْ: مُكْثِهَا بِالْبُيُوتِ، (وَكَجَزَرٍ وَفُجْلٍ وَثُومٍ) وَبَصَلٍ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِي الْأَرْضِ يُرَادُ لِلنَّقْلِ، أَشْبَهَ الشَّجَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ، (وَيَبْقَى) فِي الْأَرْضِ (فَقَطْ إلَى وَقْتِ أَخْذِهِ لِمُعْطٍ، وَلَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ أَنْفَعَ لَهُ) ، كَالثَّمَرَةِ [ (بِلَا أُجْرَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُسْتَثْنَاةٌ لَهُ، (مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ) ، أَيْ: الزَّرْعَ (آخِذٌ) مِنْ مُشْتَرٍ وَمُتَّهِبٍ] ، فَإِنْ شَرَطَهُ آخِذٌ، (فَهُوَ لَهُ) قَصِيرًا كَانَ أَوْ ذَا حَبٍّ، مُسْتَتِرًا أَوْ ظَاهِرًا، مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّهُ بِالشَّرْطِ يَدْخُلُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، كَأَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ، (وَإِنْ حَصَدَهُ) ، أَيْ: الزَّرْعَ بَائِعٌ (قَبْلَ أَوَانِهِ) ، أَيْ: الْحَصَادِ، (لِيَنْتَفِعَ بِالْأَرْضِ فِي غَيْرِهِ) ، أَيْ: غَيْرِ ذَلِكَ الزَّرْعِ، (لَمْ يَمْلِكْ) الْبَائِعُ (الِانْتِفَاعَ) بِهَا، لِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْهَا، كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ لَا يُنْقَلُ فِي الْعَادَةِ إلَّا فِي شَهْرٍ، فَتَكَلَّفَ نَقْلَهُ فِي يَوْمٍ لِيَنْتَفِعَ بِالدَّارِ فِي غَيْرِهِ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ، لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، لِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْهَا، وَإِنَّمَا أُمْهِلَ لِلتَّحْوِيلِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، دَفْعًا لِضَرَرِهِ، وَحَيْثُ تَكَلَّفَهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 [فَرْعٌ الْبُسْتَانُ اسْمٌ لِأَرْضٍ وَشَجَرٍ وَحَائِطٍ] (فَرْعٌ: الْبُسْتَانُ اسْمٌ لِأَرْضٍ وَشَجَرٍ وَحَائِطٍ) بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَرْضَ الْمَكْشُوفَةَ لَا تُسَمَّى بِهِ، (وَمَنْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ وَثُلُثَ بِنَائِهَا، أَوْ) بِعْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ (وَثُلُثَ غِرَاسِهَا، أَوْ) بِعْتُكَ هَذَا (الْبُسْتَانَ وَثُلُثَ غِرَاسِهِ، لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ) مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ (إلَّا الْجُزْءُ الْمُسَمَّى) ، لِقَرِينَةِ الْعَطْفِ. (وَإِنْ كَانَ مَا فِي الْأَرْضِ يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، كَرَطْبَةٍ) - بِفَتْحِ الرَّاءِ - وَهِيَ الْفَصَّةُ، فَإِذَا يَبِسَتْ فَهِيَ قَتٌّ، (وَبُقُولٍ، كَنَعْنَاعٍ) وَشَمَرٍ، (أَوْ) كَانَ مَا فِيهَا (تُكَرَّرُ ثَمَرَتُهُ كَقِثَّاءٍ وَبَاذِنْجَانٍ) وَدُبَّاءَ وَهِنْدِبَاءَ، أَوْ يَتَكَرَّرُ زَهْرُهُ، كَوَرْدٍ وَيَاسَمِينٍ (فَأُصُولُ) جَمِيعِ هَذِهِ (لِآخِذٍ) بِشِرَاءٍ أَوْ اتِّهَابٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ، أَشْبَهَ الشَّجَرَ، (وَجُذَّةٌ ظَاهِرَةٌ) وَقْتَ عَقْدٍ لِمُعْطٍ، (وَزَهْرٌ تَفَتَّحَ وَلُقَطَةٌ أَوْلَى لِمُعْطٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُجْنَى مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ، أَشْبَهَ الشَّجَرَ الْمُؤَبَّرَ، (وَعَلَيْهِ) ، أَيْ: الْمُعْطِي (قَطْعُهُ) ، أَيْ: مَا كَانَ فِي الْأَرْضِ جِزَّةً ظَاهِرَةً وَلُقَطَةً أَوْلَى وَقْتَ عَقْدٍ (فِي الْحَالِ) ، أَيْ: فَوْرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ، وَرُبَّمَا ظَهَرَ غَيْرَ مَا كَانَ ظَاهِرًا، فَيَعْسُرُ التَّمْيِيزُ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ [آخِذٌ] دُخُولَ مَا لِبَائِعٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَرَطَهُ كَانَ لَهُ، (وَقَصَبُ سُكَّرٍ كَزَرْعٍ) ، يَبْقَى لِمُعْطٍ إلَى أَوَانِ أَخْذِهِ، (وَ) قَصَبٌ (فَارِسِيٌّ كَثَمَرَةٍ) ، فَمَا ظَهَرَ مِنْهُ فَلِمُعْطٍ، وَيَقْطَعُهُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ الَّذِي يُؤْخَذُ فِيهِ، (وَعُرُوقُهُ) ، أَيْ: الْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ (لِمُشْتَرٍ) [وَنَحْوِهِ] ؛ لِأَنَّهَا تُتْرَكْ فِي الْأَرْضِ لِلْبَقَاءِ فِيهَا، أَشْبَهَتْ الشَّجَرَةَ، فَإِنْ طَلَبَ (مِنْ بَائِعٍ) وَنَحْوِهِ (إزَالَةَ عُرُوقِ) قَصَبِ (سُكَّرٍ مُضِرَّةٍ بِالْأَرْضِ لَزِمَهُ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الْأَرْضِ خَالِيَةً، وَكَذَا يَلْزَمُهُ إزَالَةُ عُرُوقِ قُطْنٍ وَذُرَةٍ، كَنَقْلِ مَتَاعٍ وَتَسْوِيَةِ حُفَرٍ، لِمَا فِي بَقَائِهَا مِنْ الضَّرَرِ، (وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعٍ) ، عَلَى الْبَائِعِ إزَالَتُهُ، وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمُشْتَرِي. (وَبَذْرٌ يَبْقَى أَصْلُهُ مِنْ نَحْوِ رَطْبَةٍ) ، كَبُقُولٍ وَقِثَّاءٍ وَبَاذِنْجَانٍ، (كَشَجَرٍ) يَتْبَعُ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا لَوْ كَانَ ظَاهِرًا، فَأَوْلَى إذَا كَانَ مُسْتَتِرًا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 وَلِأَنَّهُ يُتْرَكُ فِيهَا لِلْبَقَاءِ (مَا لَمْ يَكُنْ الْقَاصِدُ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ الْبَذْلِ الَّذِي يَبْقَى أَصْلُهُ (الشَّتْلَ) : فَإِنْ أُرِيدَ مِنْهُ النَّقْلُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُشْتَلَ فِي مَكَان آخَرَ، (فَهُوَ لِبَائِعٍ) ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ. (وَمَا لَا يَبْقَى) أَصْلُهُ فِي الْأَرْضِ، كَبَذْرِ بُرٍّ وَقُطْنِيَّاتٍ، (فَكَزَرْعٍ) لِبَائِعٍ وَنَحْوِهِ، كَمَا لَوْ ظَهَرَ، (وَلِمُشْتَرٍ جَهِلَهُ) ، أَيْ: جَهِلَ بَذْرًا لَا يَتْبَعُ الْأَرْضَ، بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، (الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِ) بَيْعٍ، لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعَامَ، (وَ) بَيْنَ (إمْضَاءٍ مَجَّانًا) بِلَا أَرْشٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَقْصَ فِي الْأَرْضِ، (وَيَسْقُطُ) خِيَارُ مُشْتَرٍ (إنْ حَوَّلَهُ) ، أَيْ: الْبَذْرَ بَائِعٌ مِنْ أَرْضٍ (مُبَادِرًا بِزَمَنٍ يَسِيرٍ) ، لِزَوَالِ الْعَيْبِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ الْأَرْضَ، (أَوْ وَهَبَهُ) ، أَيْ: وَهَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ (مَا هُوَ مِنْ حَقِّهِ) ، أَيْ: الْبَاذِلِ، فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، لَأَنْ زَادَهُ خَيْرًا، وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا يَبْذُرُهَا فِيهَا، صَحَّ وَدَخَلَ تَبَعًا، (وَكَذَا مُشْتَرٍ نَخْلًا) عَلَيْهَا طَلْعٌ (ظَنَّ) الْمُشْتَرِي (طَلْعَهَا لَمْ يَتَشَقَّقْ) ، فَيَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ (فَبَانَ مُتَشَقِّقًا) ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَيَسْقُطُ إنْ وَهَبَهُ بَائِعٌ الطَّلْعَ، (لَكِنَّهُ لَا يَسْقُطُ) خِيَارُ مُشْتَرٍ (بِقَطْعٍ) لِطَلْعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إزَالَةِ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِفَوَاتٍ، كَثَمَرَةِ ذَلِكَ الْعَامِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا فَإِنَّهُ بِتَحْوِيلِهِ الْبَذْرَ يَزُولُ الْعَيْبُ، فَيَنْتَفِعُ الْمُشْتَرِي بِهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزَّرْعِ. وَيَثْبُتُ خِيَارٌ لِمُشْتَرٍ أَرْضًا أَوْ شَجَرًا (ظَنَّ دُخُولَ زَرْعٍ أَوْ) دُخُولَ (ثَمَرَةٍ) عَلَى شَجَرٍ مِمَّا يَكُونُ (لِبَائِعٍ، كَمَا لَوْ جَهِلَ وُجُودَهُمَا) ، أَيْ: الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِبَذْلِ مَالِهِ عِوَضًا عَنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ بِمَا فِيهِمَا، فَإِذَا بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، كَالْمُشْتَرِي لِلْمَعِيبِ يَظُنُّهُ صَحِيحًا، لِتَفَرُّدِهِ بِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ ذَلِكَ الْعَامَ، (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ، أَيْ: الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ فِي جَهْلٍ، كَذَلِكَ إنْ جَهِلَهُ مِثْلُهُ، كَعَامِّيٍّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، (وَلَا تَدْخُلُ مَزَارِعُ قَرْيَةٍ) بِيعَتْ؛ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ النَّاسَ (بِلَا نَصٍّ أَوْ قَرِينَةٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 كَبَذْلِ ثَمَنٍ كَثِيرٍ) لَا يَصْلُحُ إلَّا فِيهَا، (أَوْ ذِكْرِ حُدُودَهَا) ، أَيْ: الْمَزَارِعِ، أَوْ الْمُسَاوِمَةِ عَلَى أَرْضِهَا، أَوْ ذِكْرِ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ الَّذِي فِيهَا، (وَإِلَّا) تُذْكَرُ مَزَارِعُهَا، وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى دُخُولِهَا، فَيَدْخُلْ فِي بَيْعِ قَرْيَةٍ (بُيُوتٌ وَحِصْنٌ) إنْ كَانَ بِهَا، وَسُوَرٌ (دَائِرًا عَلَيْهَا) ، أَيْ: عَلَى الْقَرْيَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُسَمَّى الْقَرْيَةِ، (وَ) يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا (الشَّجَرُ) الْقَائِمُ (بَيْنَ بِنَائِهَا) تَبَعًا لَهَا، (وَأُصُولُ بُقُولٍ وَزَرْعٍ، كَمَا تَقَدَّمَ) قَرِيبًا، وَلَا يَدْخُلُ زَرْعٌ وَلَا بَذْرَةٌ، وَلَا مُنْفَصِلٌ عَنْ الْقَرْيَةِ مِنْ نَحْوِ مَفَاتِحَ وَأَحْجَارِ رَحًى فَوْقِيَّةٍ وَأَحْبَالٍ وَبَكَرَاتٍ وَأَدْلِيَةٍ وَنَحْوِهَا، بِخِلَافِ الْمُتَّصِلِ مِنْ عَرْشٍ وَخَوَابٍ مَبْنِيَّةٍ وَأَبْوَابٍ مُرَكَّبَةٍ وَحَجَرِ رَحًى سُفْلَانِيٍّ إنْ كَانَ مَنْصُوبًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ دَارٍ. [فَصْلٌ بَاعَ نَخْلًا أَوْ رَهَنَ نَخْلًا أَوْ وَهَبَ نَخْلًا] (فَصْلٌ وَمَنْ) (بَاعَ نَخْلًا، أَوْ رَهَنَ) نَخْلًا، (أَوْ وَهَبَ) نَخْلًا، (أَوْ أَخَذَ بِشُفْعَةٍ نَخْلًا تَشَقَّقَ طِلْعُهُ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا - وِعَاءُ الْعُنْقُودِ، وَهُوَ مَا يَطْلُعُ مِنْ النَّخْلَةِ، ثُمَّ يَصِيرُ تَمْرًا إنْ كَانَ أُنْثَى، وَإِنْ كَانَتْ ذَكَرًا، لَمْ يَصِرْ تَمْرًا، بَلْ يُؤْكَلُ طَرِيًّا، وَيُتْرَكُ عَلَى النَّخْلَةِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ شَيْءٌ أَبْيَضُ مِثْلُ الدَّقِيقِ، وَلَهُ رَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ فَيُلَقَّحُ بِهِ الْأُنْثَى (وَلَوْ لَمْ يُؤَبَّرْ) ، أَيْ: يُلَقَّحْ، (أَوْ) بَاعَ، أَوْ وَهَبَ، أَوْ رَهَنَ نَخْلًا بِهِ (طَلْعُ فُحَّالٍ) يُرَادُ لِتَلْقِيحٍ، (أَوْ صَالَحَ بِهِ) ، أَيْ: بِنَخْلٍ بِهِ ذَلِكَ، (أَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا أَوْ أُجْرَةً، أَوْ عِوَضَ خُلْعٍ) أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ (فَثَمَرٌ) وَطَلْعُ فُحَّالٍ (لَمْ يَشْتَرِطْهُ) كُلُّهُ (أَوْ بَعْضُهُ لِمَعْلُومٍ) ، كَنِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ (آخِذٍ لِمُعْطٍ مَتْرُوكًا إلَى جَذَاذٍ) ، لِحَدِيثِ «مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ يُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ لِمُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ التَّأْبِيرَ حَدًّا لِمِلْكِ الْبَائِعِ لِلثَّمَرَةِ، وَنَصَّ عَلَى التَّأْبِيرِ، وَالْحُكْمُ مَنُوطٌ بِالتَّشَقُّقِ؛ لِمُلَازَمَتِهِ لَهُ غَالِبًا، وَأُلْحِقَ بِالْبَيْعِ بَاقِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهُ، وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ الْهِبَةُ، لِزَوَالِ الْمِلْكِ فِيهَا بِغَيْرِ فَسْخٍ وَتَصَرُّفِ الْمُتَّهِبِ بِمَا شَاءَ، أَشْبَهَ الْمُشْتَرَى وَالرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْبَيْعِ لِيُسْتَوْفَى الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ، وَتُرِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 إلَى الْجِذَاذِ إذَنْ؛ لِأَنَّ تَفْرِيغَ الْمَبِيعِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، كَدَارٍ فِيهَا أَطْعِمَةٌ أَوْ مَتَاعٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَهُ كُلَّهُ مُشْتَرٍ، أَوْ اشْتَرَطَ بَعْضًا مَعْلُومًا، فَلَهُ مَا شَرَطَ، لِلْخَبَرِ، (مَا لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِأَخْذِهِ) ، أَيْ: التَّمْرِ بُسْرًا، أَوْ يَكُنْ بُسْرُهُ (خَيْرًا مِنْ رُطَبِهِ) ، فَيَجُذَّهُ بَائِعٌ إذَا اسْتَحْكَمَتْ حَلَاوَةُ بُسْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ أَخْذِهِ، (وَإِنْ تَضَرَّرَ الْأَصْلُ بِبَقَائِهِ، أَوْ شَرَطَ عَلَى بَائِعٍ الْقَطْعَ، قَطَعَ) ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، بِخِلَافِ وَقْفٍ وَوَصِيَّةٍ. (وَيَتَّجِهُ وَإِقْرَارٌ) مِثْلُ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ فِي الْحُكْمِ، لَكِنَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " فِي بَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الثَّمَرَةَ كَالْبَيْعِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ اتِّجَاهِ الْمُصَنِّفِ، (فَتَدْخُلُ ثَمَرَةٌ فِيهَا) ، أَيْ: فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ، (نَصًّا) ، أُبِّرَتْ أَوْ لَمْ تُؤَبَّرْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ مِنْ وَقْفِ الشَّجَرَةِ الِانْتِفَاعُ بِثَمَرَتِهَا، دَخَلَتْ، وَلَوْ بَعْدَ التَّشَقُّقِ، وَالْوَصِيَّةُ شَبِيهَةٌ بِالْوَقْفِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، (كَفَسْخِ) بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ قَبْلَ دُخُولٍ (لِعَيْبٍ، وَإِقَالَةِ بَيْعٍ، وَرُجُوعِ أَبٍ فِي هِبَةٍ) وَهَبَهَا لِوَلَدِهِ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْهُ، فَتَدْخُلُ الثَّمَرَةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا نَمَاءٌ مُتَّصِلٌ، أَشْبَهَتْ السِّمَنَ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ "، (وَكَلَامُهُ هُنَا فِيهِ نَظَرٌ) ، فَإِنَّهُ جَعَلَهَا زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً، فَلَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ فِي الْفَسْخِ، وَرُجُوعِ الْأَبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ أَيْضًا بِكَوْنِهِ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً فِيمَا تَقَدَّمَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ تَبَعًا لِلْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّفْلِيسِ، وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الصَّدَاقِ، وَصَاحِبُ " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " " وَالْكَافِي " " وَالْمُنَقَّحِ "؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مَا دَامَتْ عَلَى الشَّجَرَةِ، فَهِيَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَلَا تَصِيرُ مُنْفَصِلَةً إلَّا بِجَذِّهَا. (وَكَنَخْلٍ مَا بَدَا) ، أَيْ: ظَهَرَ (مِنْ ثَمَرَةٍ) لَا قِشْرَ عَلَيْهَا وَلَا نَوْرَ لَهَا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 (كَعِنَبٍ) قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": الْعِنَبُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَهُ نَوْرٌ لِأَنَّهُ يُبْدَأُ فِي قُطُوفِهِ شَيْءٌ صِغَارٌ كَحَبِّ الدَّخَنِ، ثُمَّ يَتَفَتَّحُ وَيَتَنَاثَرُ كَتَنَاثُرِ النَّوْرِ، فَهُوَ مِنْ قِسْمِ مَا لَهُ نَوْرٌ يَتَنَاثَرُ نَوْرُهُ، فَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ، كَالتُّفَّاحِ وَنَحْوِهِ، وَمِثْلُهُ الزَّيْتُونُ. وَالْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِيهِ " الْمُنْتَهَى " " وَالْكَافِي " وَفِيهِ مِنْ النَّظَرِ مَا لَا يَخْفَى، فَعَلَى هَذَا كَانَ مَحَلُّ ذِكْرِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُ نَوْرُهُ. (وَتِينٍ وَتُوتٍ) ، وَجُمَّيْزٍ (وَ) كَذَا مَا بَدَا فِي قِشْرِهِ وَبَقِيَ فِيهِ إلَى أَكْلِهِ، (كَرُمَّانٍ) وَمَوْزٍ، (وَ) مَا بَدَا فِي قِشْرَيْنِ، (كَجَوْزٍ، أَوْ ظَهَرَ مِنْ نَوْرِهِ كَمِشْمِشٍ وَتُفَّاحٍ وَسَفَرْجَلٍ وَلَوْزٍ وَخَوْخٍ وَإِجَّاصٍ أَوْ خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ) جَمْعُ كِمٍّ - بِكَسْرِ الْكَافِ - وَهُوَ الْغِلَافُ، (كَوَرْدٍ وَيَاسَمِينٍ وَنَرْجِسِ وَبَنَفْسَجٍ وَقُطْنٍ يُحْمَلُ كُلُّ عَامٍ كَالْحِجَازِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلُّهُ بِمَثَابَةِ تَشَقُّقِ الطَّلْعِ، (وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ) ، أَيْ: قَبْلَ الْبُدُوِّ، فِي نَحْوِ عِنَبٍ، وَالْخُرُوجِ مِنْ النَّوْرِ فِي نَحْوِ مِشْمِشٍ، وَالظُّهُورِ مِنْ الْأَكْمَامِ فِي نَحْوِ الْوَرْدِ، فَهُوَ (لِآخِذٍ) مِنْ مُشْتَرٍ وَمُتَّهِبٍ وَنَحْوِهِمَا، (كَوَرَقِ) شَجَرٍ (مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ كَانَ مَقْصُودًا، كَوَرَقِ التُّوتِ أَوْ لَا، كَوَرَقِ الْمِشْمِشِ، وَكَذَا الْعَرَاجِينُ وَنَحْوُهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَائِهَا خُلِقَتْ لِمَصْلَحَتِهَا كَأَجْزَاءِ سَائِرِ الْمَبِيعِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُعْطٍ) مِنْ بَائِعٍ وَنَحْوِهِ (بِيَمِينِهِ فِي بُدُوِّ ذَلِكَ) ، أَيْ: الثَّمَرَةِ قَبْلَ عَقْدٍ، لِتَكُونَ بَاقِيَةً لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْتِفَائِهَا عَنْهُ (حَيْثُ اُحْتُمِلَ) صِدْقُهُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، (وَكَزَرْعٍ قُطْنٌ يُحْصَدُ كُلَّ عَامٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ، أَشْبَهَ الْبُرَّ، وَمِنْهُ نَوْعٌ لَهُ أَصْلٌ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ أَعْوَامًا، فَحُكْمُهُ كَالشَّجَرَةِ. (وَيَصِحُّ شَرْطُ مُعْطٍ لِنَفْسِهِ مَا لِآخِذٍ، أَوْ) شَرْطِهِ (جُزْءًا مِنْهُ مَعْلُومًا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 نَحْوَ رُبْعٍ أَوْ خُمُسٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَلْعِ النَّخْلِ، وَلَهُ تَبْقِيَتُهُ إلَى جِذَاذِهِ، مَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ قَطْعَ غَيْرِ الْمُشَاعِ (وَإِنْ ظَهَرَ، أَوْ تَشَقَّقَ بَعْضُ ثَمَرِهِ، أَوْ) بَعْضُ (طَلْعٍ - وَلَوْ مِنْ نَوْعٍ -) ، فَمَا ظَهَرَ أَوْ تَشَقَّقَ (لِمُعْطٍ) ، لِمَا سَبَقَ، (وَغَيْرُهُ) ، أَيْ: الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ أَوْ يَتَشَقَّقْ (لِآخِذٍ) ، لِلْخَبَرِ، (إلَّا) إنْ ظَهَرَ أَوْ تَشَقَّقَ بَعْضُ ثَمَرَةٍ (فِي شَجَرَةٍ، فَالْكُلُّ) ، أَيْ: كُلُّ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ مَا ظَهَرَ وَتَشَقَّقَ، وَمَا لَمْ يَظْهَرْ أَوْ يَتَشَقَّقْ، (لِمُعْطٍ) ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ يَتْبَعُ بَعْضَهُ. (وَلِكُلٍّ) مِنْ مُعْطٍ وَآخِذٍ (السَّقْيُ) لِمَالِهِ (لِمَصْلَحَتِهِ) ، وَيُرْجَعُ فِيهَا إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ (- وَلَوْ تَضَرَّرَ الْآخَرُ) بِالسَّقْيِ - لِدُخُولِهِمَا فِي الْعَقْدِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَتُهُ فِي السَّقْيِ مُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ السَّقْيَ يَتَضَمَّنُ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَالْأَصْلُ الْمَنْعُ، وَإِبَاحَتُهُ لِلْمَصْلَحَةِ. (وَمَنْ اشْتَرَى شَجَرًا) فِي أَرْضٍ لَمْ تَتْبَعْهُ الْأَرْضُ، وَإِنْ (لَمْ يَشْتَرِطْ قَطْعَهُ) ، أَيْ: الشَّجَرِ (أَبْقَاهُ فِي أَرْضِ بَائِعٍ) ، كَتَمْرٍ عَلَى الشَّجَرِ (بِلَا أُجْرَةٍ، وَلَا يَغْرِسُ مَكَانَهُ لَوْ بَادَ، لِعَدَمِ مِلْكِهِ الْأَرْضَ تَبَعًا لِلشَّجَرِ،) فَإِنْ تَكَسَّرَ الشَّجَرُ، أَوْ احْتَرَقَ وَنَحْوُهُ وَنَبَتَ شَيْءٌ مِنْ عُرُوقِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِصَاحِبِهِ، وَيَبْقَى إلَى أَنْ يَبِيدَ، (وَلَهُ) ، أَيْ: لِآخِذٍ (الدُّخُولُ لِمَصَالِحِهِ) ، أَيْ، مَصَالِحِ أَشْجَارِهِ، لِثُبُوتِ حَقِّ الِاجْتِيَازِ لَهُ، وَلَا يَدْخُلُ لِتَفَرُّجٍ وَنَحْوِهِ. [فَصْلٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ ثَمَرَةٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا] (فَصْلٌ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ ثَمَرَةٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا) : «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أُجْمِعَ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (زَرْعٍ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تُزْهِيَ، وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَعْدِلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 عَنْ الْقَوْلِ بِهِ، (لِغَيْرِ مَالِكِ الْأَصْلِ) ، أَيْ: الشَّجَرِ، (أَوْ) لِغَيْرِ مَالِكِ (الْأَرْضِ، وَيَتَّجِهُ، أَوْ) لِغَيْرِ مَالِكِ (مَنْفَعَتِهَا) ، أَيْ: الْأَرْضِ (بِإِجَارَةٍ فَقَطْ) ، كَأَنْ يَسْتَأْجِرَ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو أَرْضَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً، ثُمَّ يُعِيرَهَا لِبَكْرٍ سَنَةً مَثَلًا، فَيَزْرَعَهَا بَكْرٌ، فَقَبْلَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ يَبِيعُهُ لِزَيْدٍ، فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ، خِلَافًا لِمَا مَالَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ بَكْرٌ الزَّرْعَ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - لِعَمْرٍو الْمَالِكِ لِرَقَبَةِ الْأَرْضِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ لِزَيْدٍ، وَعَمْرٌو لَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِالْأَرْضِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (إلَّا مَعَهُمَا) ، أَيْ: الْأَصْلِ وَالْأَرْضِ، فَلَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِمَالِكِ أَصْلِهَا، أَوْ بَاعَ الزَّرْعَ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ لِمَالِكِ أَرْضِهِ، صَحَّ الْبَيْعُ لِحُصُولِ التَّسْلِيمِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْكَمَالِ، لِمِلْكِ الْأَصْلِ وَالْقَرَارِ، فَصَحَّ، كَبَيْعِهِمَا مَعًا، وَلِأَنَّهُ إذَا بِيعَ مَعَ الْأَصْلِ، دَخَلَ تَبَعًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ يَضُرَّ احْتِمَالُ الضَّرَرِ فِيهِ، كَمَا احْتَمَلَتْ الْجَهَالَةُ فِي بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ مَعَ الشَّاةِ، وَالنَّوَى فِي الثَّمَرِ مَعَ التَّمْرِ، (أَوْ) ، أَيْ وَإِلَّا إذَا بِيعَتْ الثَّمَرَةُ وَالزَّرْعُ (بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِخَوْفِ التَّلَفِ، وَحُدُوثِ الْعَاهَةِ قَبْلَ الْأَخْذِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: «أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ؟ بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا مَأْمُونٌ فِيمَا يَقْطَعُ، فَصَحَّ بَيْعُهُ، كَمَا لَوْ بَدَا صَلَاحُهُ (إنْ انْتَفَعَ بِهِمَا) ، أَيْ: الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ الْمَبِيعَيْنِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 كَثَمَرَةِ الْجَوْزِ وَزَرْعِ التُّرْمُسِ - وَهُوَ حَبٌّ عَرِيضٌ أَصْغَرَ مِنْ الْبَاقِلَّا، لَمْ يَصِحَّ (وَلَيْسَا) ، أَيْ: الثَّمَرَةُ وَالزَّرْعُ (مُشَاعَيْنِ) ، فَإِنْ كَانَا كَذَلِكَ، بِأَنْ بَاعَهُ النِّصْفَ وَنَحْوَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، لَمْ يَصِحَّ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْقَطْعُ إلَّا بِقَطْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، (فَإِنْ) اشْتَرَى الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، ثُمَّ (اسْتَأْجَرَ الْأُصُولَ أَوْ اسْتَعَادَهَا) ، أَيْ: الْأُصُولَ (مُشْتَرٍ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِتَبْقِيَةِ) الثَّمَرَةِ (لِجِذَاذٍ، لَمْ يَصِحَّ،) وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الزَّرْعَ الْأَخْضَرَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ، ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ، وَاسْتَعَادَهَا لِتَبْقِيَتِهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِأَوَّلِ الزِّيَادَةِ، (وَكَذَا رَطْبَةٌ وَبُقُولٌ، فَلَا تُبَاعُ مُفْرَدَةً عَنْ أَرْضٍ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا) لِغَيْرِ مَالِكِ الْأَرْضِ، (إلَّا جِزَّةً جِزَّةً بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ مَعْلُومٌ لَا جَهَالَةَ فِيهِ وَلَا غَرَرَ، بِخِلَافِ مَا فِي الْأَرْضِ مَسْتُورٌ مَغِيبٌ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ مَعْدُومٌ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، كَاَلَّذِي يَحْدُثُ مِنْ الثَّمَرَةِ (وَظَاهِرُ " الْمُبْدِعِ " مَا لَمْ تُبَعْ) رَطْبَةٌ وَبُقُولٌ (مَعَ أَصْلٍ) أَوْ أَرْضٍ أَوْ لِرَبِّ الْأَرْضِ، فَإِنْ بِيعَتْ كَذَلِكَ، صَحَّ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نَحْوِ قِثَّاءٍ وَبِطِّيخٍ) ، كَبَاذِنْجَانٍ وَبَامْيَاءَ (إلَّا لَقْطَةً لَقْطَةً) مَوْجُودَةً؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يُخْلَقْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، (أَوْ إلَّا مَعَ أَصْلِهِ) ، فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ تَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُهُ، أَشْبَهَ الشَّجَرَ، (وَلَوْ) أُبِيعَ مَعَ أَصْلِهِ (بِدُونِ أَرْضِهِ) ، كَالثَّمَرِ إذَا بِيعَ مَعَ الشَّجَرِ، (أَوْ لَمْ تَبْدُ ثَمَرَتُهُ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُصُولِ، وَأَمَّا الثَّمَرَةُ، فَهِيَ تَابِعَةٌ، كَالْحَمْلِ مَعَ أُمِّهِ (وَإِنْ تَلِفَ بِجَائِحَةٍ) - وَهِيَ مَا لَا صُنْعَ لِآدَمِيٍّ فِيهَا - (مَا بِيعَ لَقْطَةً، أَوْ) تَلِفَ مَا بِيعَ (بِشَرْطِ قَطْعٍ قَبْلَ تَمَكُّنِ) الْمُشْتَرِي مِنْ (أَخْذِهِ، فَمِنْ) ضَمَانِ (بَائِعٍ، وَإِلَّا) ، بِأَنْ تَلِفَ بَعْدَ تَمَكُّنٍ مِنْ أَخْذِهِ، فَمِنْ ضَمَانِ (مُشْتَرٍ) ، لِتَفْرِيطِهِ فِي أَخْذِهِ. (وَحَصَادُ) زَرْعِ بَيْعٍ حَيْثُ صَحَّ عَلَى مُشْتَرٍ، (وَجِذَاذُ) ثَمَرِ بَيْعٍ حَيْثُ يَصِحُّ عَلَى مُشْتَرٍ، (وَلُقَاطُ) مَا يُبَاعُ لَقْطَةً لُقْطَةً (عَلَى مُشْتَرٍ وَنَحْوِهِ،) كَمُتَّهَبٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 لِأَنَّ نَقْلَ الْمَبِيعِ وَتَفْرِيغَ مِلْكِ الْبَائِعِ مِنْهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، كَنَقْلِ مَبِيعٍ مِنْ مَحَلِّ بَائِعٍ، بِخِلَافِ كَيْلِ وَزْنٍ فَعَلَى بَائِعٍ، كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مُؤْنَةِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَهِيَ عَلَى الْبَائِعِ، وَهُنَا حَصَلَ التَّسْلِيمُ بِالتَّخْلِيَةِ بِدُونِ الْقَطْعِ، لِجَوَازِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَرَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. (وَيَصِحُّ شَرْطُهُ) ، أَيْ: الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ وَاللُّقَاطِ (عَلَى بَائِعٍ) ، كَشَرْطِ حَمْلِ الْحَطَبِ أَوْ تَكْسِيرِهِ، (وَإِنْ تَرَكَ) مُشْتَرٍ (مَا) ، أَيْ: تَمْرًا أَوْ زَرْعًا (شَرَطَ قَطْعَهُ) حَيْثُ لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ، (بَطَلَ بَيْعٌ) فِي رِوَايَةٍ، وَهِيَ أَشْبَهَ بِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا يَبْطُلُ (مَا بِمَعْنَاهُ) ، أَيْ: الْمَبِيعِ، كَهِبَةٍ عَلَى عِوَضٍ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِزِيَادَتِهِ) لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَتَرْكُهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَوَسَائِلُ الْحَرَامِ حَرَامٌ، كَبَيْعِ الْعِينَةِ (غَيْرَ خَشَبٍ) اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَيَأْتِي. (وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا) ، أَيْ: الزِّيَادَةِ (عُرْفًا) لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَكَذَا يَبْطُلُ بَيْعُ رُطَبٍ اشْتَرَاهَا عَرِيَّةً لِيَأْكُلَهَا، فَتَرَكَهَا - وَلَوْ لِعُذْرٍ - حَتَّى صَارَتْ تَمْرًا - لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» ، وَلِأَنَّ شِرَاءَهَا كَذَلِكَ إنَّمَا جَازَ لِحَاجَةِ أَكْلِ الرُّطَبِ، فَإِذَا أَتْمَرَ تَبَيَّنَّا عَدَمَ الْحَاجَةِ، وَحَيْثُ بَطَلَ الْمَبِيعُ عَادَتْ الثَّمَرَةُ كُلُّهَا لِبَائِعٍ، تَبَعًا لِأَصِلْهَا. (وَإِنْ حَدَثَ مَعَ ثَمَرَةٍ اُشْتُرِيَتْ) بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا (ثَمَرَةٌ أُخْرَى) غَيْرَ الْمُشْتَرَاةِ، (كَلَيْمُونٍ وَعَفْصٍ وَنَحْوِ قِثَّاءٍ) ، كَبَاذِنْجَانٍ، فَاخْتَلَطَا، (أَوْ اخْتَلَطَتْ) ثَمَرَةٌ (مُشْتَرَاةٌ بِغَيْرِهَا، وَلَمْ تَتَمَيَّزْ) ، إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى، (فَإِنْ عَلِمَ قَدْرَهَا) ، أَيْ: الْحَادِثَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُولَى، كَثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ (فَالْآخِذُ) ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 أَيْ: الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَادِثَةِ (شَرِيكٌ بِهِ) ، أَيْ: بِذَلِكَ الْقَدْرِ الْمَعْلُومِ، (وَإِلَّا) يُعْلَمُ قَدْرُهَا (اصْطَلَحَا) عَلَى الثَّمَرَةِ، (وَلَا يَبْطُلُ بَيْعٌ) ، لِعَدَمِ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى صُبْرَةً، وَاخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا، وَلَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ كُلٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ شِرَاءِ ثَمَرَةٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِشَرْطِ قَطْعٍ، فَتَرَكَهَا حَتَّى بَدَا صَلَاحُهَا، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ، كَمَا تَقَدَّمَ، لِاخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ بِارْتِكَابِ نَهْيٍ، وَكَوْنِهِ يُتَّخَذُ حِيلَةً عَلَى شِرَاءِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَيُفَارِقُ أَيْضًا مَسْأَلَةَ الْعَرِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ حِيلَةً عَلَى شِرَاءِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ بِلَا حَاجَةٍ إلَى أَكْلِهِ رُطَبًا، وَحَيْثُ بَقِيَ الْبَيْعُ، فَهُوَ (كَتَأْخِيرِ قَطْعِ خَشَبٍ) اُشْتُرِيَ، وَ (شَرَطَ قَطْعَهُ) [فَلَمْ يُقْطَعْ] حَتَّى نَمَا، وَزَادَ، فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ (وَيَشْتَرِكَانِ) ، أَيْ: الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي (فِي زِيَادَتِهِ) ، أَيْ: الْخَشَبِ، نَصًّا، لِحُصُولِهَا فِي مِلْكَيْهِمَا، إذْ الْخَشَبُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي، وَأَصْلُهُ مِلْكُ الْبَائِعِ، وَهُمَا سَبَبُ الزِّيَادَةِ، فَيُقَوَّمُ الْخَشَبُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْأَخْذِ، فَالزِّيَادَةُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا. (وَمَتَى بَدَا صَلَاحُ ثَمَرٍ) جَازَ بَيْعُهُ، (أَوْ اشْتَدَّ حَبٌّ، جَازَ بَيْعُهُ مُطْلَقًا) ، أَيْ: بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ، (وَ) جَازَ بَيْعُهُ (بِشَرْطِ تَبْقِيَةِ) ثَمَرٍ إلَى جِذَاذٍ، وَزَرْعٍ إلَى حَصَادٍ، لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ وَأَمْنِ الْعَاهَةِ. (وَلِمُشْتَرٍ بَيْعُهُ) ، أَيْ: الثَّمَرِ الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ، وَالزَّرْعِ الَّذِي اشْتَدَّ حَبُّهُ (قَبْلَ جَذِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِالتَّخْلِيَةِ، فَجَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ. (وَ) لِمُشْتَرٍ (قَطْعَهُ) فِي الْحَالِ، (وَ) لَهُ (تَبْقِيَتُهُ لِحَصَادٍ وَجِذَاذٍ، لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ) ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَهُ فِي الْحَالِ لَاحْتَاجَ لِعَمَلٍ كَثِيرٍ، وَقَدْ يَنْضَرُّ بِعَدَمِ تَمَامِ نُمُوِّهِ وَنُضْجِهِ. (وَيَتَّجِهُ) لَا يَلْزَمُهُ جَذُّهُ فِي الْحَالِ (إلَّا مَعَ شَرْطِ قَطْعٍ) ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ أَخْذَهُ فِي الْحَالِ، وَكَانَ ذَلِكَ (لِغَرَضٍ) صَحِيحٍ، أَجَابَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ، عَمَلًا بِالشَّرْطِ، لِلْخَبَرِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 (وَعَلَى نَحْوِ بَائِعٍ) ، كَوَاهِبٍ (سَقْيَهُ) ، أَيْ: الثَّمَرَ، بِسَقْيِ شَجَرِهِ - وَلَوْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ -؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ كَامِلًا، بِخِلَافِ شَجَرِ بَيْعٍ وَعَلَيْهِ ثَمَرٌ لِبَائِعٍ، فَلَا يَلْزَمُ مُشْتَرِيًا سَقْيَهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَمْلِكْهُ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (حِرَاسَتُهُ) ، أَيْ: الثَّمَرَ، إلَى أَنْ يَتِمَّ نُضْجُهُ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ (وَلَوْ تَضَرَّرَ أَصْلٌ) ، أَيْ: شَجَرٌ بِالسَّقْيِ، (وَيُجْبَرُ) بَائِعٌ عَلَى سَقْيٍ (إنْ أَبَى) السَّقْيَ، لِدُخُولِهِ عَلَيْهِ، (مَا لَمْ تُبَعْ ثَمَرَةٌ بِأَصْلٍ) ، أَيْ: مَعَهُ، فَإِنْ بِيعَتْ مَعَ أَصْلِهَا صَارَتْ مِنْ ضَمَانِ مُشْتَرٍ. (وَمَا تَلِفَ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ) عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ فِي الزَّرْعِ، (وَنَحْوِ قِثَّاءٍ) ، كَخِيَارٍ وَبَاذِنْجَانٍ بِيعَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ، (سِوَى يَسِيرٍ) مِنْهُ (لَا يَنْضَبِطُ) لِقِلَّتِهِ (بِجَائِحَةٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِتَلَفٍ - (وَهِيَ) ، أَيْ: الْجَائِحَةُ (مَا) ، أَيْ: آفَةٌ (لَا صُنْعَ لِآدَمِيٍّ فِيهَا) كَجَرَادٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ وَعَطَشٍ - (وَلَوْ) كَانَ تَلَفُهُ (بَعْدَ قَبْضٍ بِتَخْلِيَةٍ) - فَضَمَانُهُ (عَلَى بَائِعِ) الثَّمَرَةِ التَّالِفَةِ وَنَحْوِهَا، (وَيُوضَعُ مِنْ الثَّمَنِ) ، أَيْ: ثَمَنِ مَا تَلِفَ بَعْضُهُ (بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ، (وَبِتَلَفِ) الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ (كُلِّهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ» ، وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا. بِمَ تَأْخُذُ مِنْ مَالِ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَنَحْوِهِ إلَى تَتِمَّةِ صَلَاحِهِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ مِنْ ضَمَانِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ بَائِعٍ فِي قَدْرٍ تَالِفٍ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، (مَا لَمْ يُبَعْ) ثَمَرٌ (مَعَ أَصْلِهِ) ، فَإِنْ بِيعَ مَعَهُ، فَمِنْ ضَمَانِ مُشْتَرٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ، أَيْ: وَكَذَا لَوْ بِيعَ الثَّمَرُ (لِمَالِكِ أَصْلِهِ) ، ثُمَّ تَلِفَ، فَمِنْ ضَمَانِ مُشْتَرٍ، لِحُصُولِ الْقَبْضِ التَّامِّ، وَانْقِطَاعِ عَلَاقَةِ الْبَائِعِ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا بِيعَ مُنْفَرِدًا عَنْ أَصْلِهِ، وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَذَاكَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ لَيْسَتْ بِقَبْضٍ تَامٍّ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ يُؤَخِّرُ) مُشْتَرٍ (أَخَذَهُ) ، أَيْ: الثَّمَرَ (عَنْ عَادَتِهِ) ، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا، فَمِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، لِتَلَفِهِ بِتَقْصِيرِهِ. (وَإِنْ يُعَبْ) ثَمَرٌ (بِهَا) ، أَيْ: الْجَائِحَةِ، قَبْلَ أَوَانِ جِذَاذِهِ، (خُيِّرَ) مُشْتَرٍ (بَيْنَ إمْضَاءِ) بَيْعٍ (وَ) أَخْذِ (أَرْشٍ، أَوْ رَدِّ) مَبِيعٍ، (وَأَخْذِ ثَمَنٍ كَامِلًا) ؛ لِأَنَّ مَا ضُمِنَ تَلَفُهُ بِسَبَبٍ فِي وَقْتٍ كَانَ ضَمَانُ تَعَيُّبِهِ فِيهِ بِذَلِكَ مِنْ بَابٍ أَوْلَى. (وَ) إنْ تَلِفَ (بِصُنْعِ آدَمِيٍّ - وَلَوْ كَعَسْكَرٍ وَلِصٍّ) - فَحَرَقَهُ وَنَحْوَهُ، (خُيِّرَ مُشْتَرٍ بَيْنَ فَسْخِ) بَيْعٍ، وَطَلَبِ بَائِعٍ بِمَا قَبَضَهُ وَنَحْوَهُ مِنْ ثَمَنٍ، (أَوْ إمْضَاءِ) بَيْعٍ (وَطَلَبِ مُتْلِفٍ) ، وَلَوْ بَائِعًا بِبَدَلِهِ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ مُشْتَرٍ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، كَمَبِيعٍ بِكَيْلٍ وَنَحْوِهِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ مَا بِمَعْنَى بَيْعٍ فِيمَا مَرَّ) ، كَهِبَةٍ عَلَى عِوَضٍ حُكْمُهَا (كَبَيْعٍ) ، إذْ مَا كَانَ بِمَعْنَى شَيْءٍ فَهُوَ تَابِعٌ لَهُ فِي الْحُكْمِ، (وَكَذَا غَيْرُهُ) ، كَالْإِجَارَةِ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ بُسْتَانًا أَوْ أَرْضًا، وَسَاقَاهُ عَلَى الشَّجَرِ بِجُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ، فَتَلِفَ الثَّمَرُ بِجَرَادٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْآفَاتِ السَّمَاوِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ وَضْعُ الْجَائِحَةِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ صُورَةَ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً، فَيَحُطُّ عَنْهُ مِنْ الْعِوَضِ مَا تَلِفَ مِنْ الثَّمَرَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا. قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: وَيَكُونُ حُكْمُ مَا بِمَعْنَى بَيْعٍ، كَبَيْعٍ (فِي فَسْخِ عَقْدٍ بِتَلَفِ) مَعْقُودٍ عَلَيْهِ كُلِّهِ. (وَيَلْزَمُ) نَحْوَ وَاهِبٍ ثَمَرَةٌ عَلَى عِوَضٍ أَوْ مَكِيلٌ لَمْ يَتِمَّ قَبْضُهُ، وَفَسْخُ عَقْدٍ بِتَلَفِهِ كُلِّهِ (مِثْلُهُ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 (أَوْ قِيمَتُهُ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، فَلَا تُعْطَى حُكْمَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مُصَرَّحٌ [بِهِ] فِي الْجُمْلَةِ. تَنْبِيهٌ: أَصْلُ كُلِّ نَبَاتٍ يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ مِنْ شَجَرٍ وَقِثَّاءٍ وَنَحْوِهِ، كَثَمَرِ شَجَرٍ فِي جَائِحَةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ، بِخِلَافِ زَرْعِ بُرٍّ وَنَحْوِهِ إذَا تَلِفَ بِجَائِحَةٍ، فَمِنْ ضَمَانِ مُشْتَرٍ حَيْثُ صَحَّ الْمَبِيعُ. (وَصَلَاحُ [بَعْضِ] ثَمَرِ شَجَرَةٍ إنْ بِيعَتْ صَلَاحٌ لِجَمِيعِ) ثَمَرِ أَشْجَارِ (نَوْعِهَا الَّذِي بِالْبُسْتَانِ) ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الصَّلَاحِ فِي الْجَمِيعِ يَشُقُّ، وَكَالشَّجَرَةِ الْوَاحِدَةِ وَلِأَنَّهُ يَتَتَابَعُ غَالِبًا، (وَكَذَا صَلَاحُ) ، أَيْ: اشْتِدَادُ (بَعْضِ حَبِّ نَوْعِ زَرْعِ بُسْتَانٍ) صَلَاحٌ لِجَمِيعِهِ، فَيَصِحُّ بَيْعُ الْكُلِّ تَبَعًا، لَا إفْرَادُ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِالْبَيْعِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ صَلَاحَ نَوْعٍ لَيْسَ صَلَاحًا لِنَوْعِ غَيْرِهِ (وَالصَّلَاحُ فِيمَا يَظْهَرُ) مِنْ الثَّمَرِ (فَمًا وَاحِدًا كَبَلَحٍ وَعِنَبٍ وَبَقِيَّةِ ثَمَرٍ [طِيبُ] أَكْلِهِ وَظُهُورُ نُضْجِهِ) ، لِحَدِيثِ: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَطِيبَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ يَحْمَرَّ لَوْنُهُ) . (وَيَتَّجِهُ أَوْ يَصْفَرَّ) ، قَالَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " فَلَا حَاجَةَ لِاتِّجَاهِهِ (أَوْ يَتَمَوَّهُ عِنَبٌ بِحُلْوٍ) ، أَيْ: يَصْفَرُّ لَوْنُهُ، وَيَظْهَرُ مَاؤُهُ، وَتَذْهَبُ عُفُوصَتُهُ مِنْ الْحَلَاوَةِ. قَالَهُ فِي " حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ " وَقَالَ: إنْ كَانَ أَبْيَضَ، حَسُنَ قِشْرُهُ، وَضَرَبَ إلَى الْبَيَاضِ، وَإِنْ كَانَ أَسْوَدَ، فَحِينَ يَظْهَرُ فِيهِ السَّوَادُ (وَ) الصَّلَاحُ (فِيمَا يَظْهَرُ فَمًا بَعْدَ فَمٍ، كَقِثَّاءٍ أَنْ يُؤْكَلَ عَادَةً) ، كَالثَّمَرَةِ، (وَ) الصَّلَاحُ (فِي حَبٍّ أَنْ يَشْتَدَّ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 أَوْ يَبْيَضَّ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ اشْتِدَادَهُ غَايَةً لِصِحَّةِ بَيْعِهِ، كَبُدُوِّ صَلَاحِ ثَمَرٍ. [فَصَلِّ يَشْمَلُ بَيْعُ دَابَّةٍ كَفَرَسٍ عِذَارًا] (فَصْلٌ: وَيَشْمَلُ بَيْعُ دَابَّةٍ) ، كَفَرَسٍ (عِذَارًا - وَهُوَ اللِّجَامُ - وَمِقْوَدًا) - بِكَسْرِ الْمِيمِ - (وَنَعْلًا) ، لِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا عُرْفًا. (وَ) يَشْمَلُ بَيْعُ (قِنٍّ لِبَاسًا مُعْتَادًا) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عَلَى الْعَادَةِ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ حَاجَةُ الْمَبِيعِ وَمَصْلَحَتُهُ، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِبَيْعِهِ مَعَهُ. (وَلَا يَأْخُذُ) مُشْتَرٍ (مَا لِجَمَالٍ) مِنْ لُبْسٍ وَحُلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ [عَلَى الْعَادَةِ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ حَاجَةُ الْمَبِيعِ، وَإِنَّمَا يُلْبِسُهُ إيَّاهُ لِيُنْفِقَهُ بِهِ، وَهَذِهِ حَاجَةُ] الْبَائِعِ، لَا حَاجَةُ الْمَبِيعِ، (وَ) لَا يَشْمَلُ الْبَيْعُ (مَالًا مَعَهُ) ، أَيْ: الرَّقِيقِ (أَوْ بَعْضِ ذَلِكَ) ، أَيْ: بَعْضِ مَا لِجَمَالٍ وَبَعْضِ الْمَالِ، (إلَّا بِشَرْطٍ) ، بِأَنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، أَوْ بَعْضَهُ فِي الْعَقْدِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، (ثُمَّ إنْ قَصَدَ) مَا اشْتَرَطَ، وَلَا يَتَنَاوَلُهُ بَيْعٌ لَوْلَا الشَّرْطُ، بِأَنْ لَمْ يُرَدَّ تَرَكَهُ لِلْقِنِّ، (اشْتَرَطَ لَهُ شُرُوطَ بَيْعٍ) مِنْ الْعِلْمِ بِهِ، وَأَنْ لَا يُشَارِكَ الثَّمَنَ فِي عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ وَنَحْوِهِ، كَمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْمُعَيَّنَيْنِ الْمَبِيعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَقْصُودٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ ضَمَّ إلَى الْقِنِّ عَيْنًا أُخْرَى، وَبَاعَهُمَا. (وَلَهُ) ، أَيْ: الْمُبْتَاعِ (الْفَسْخُ بِعَيْبِ مَالِهِ) ، أَيْ: مَالِ الرَّقِيقِ الْمَقْصُودِ، (كَهُوَ) ، أَيْ: كَمَا أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ بِعَيْبٍ يَجِدُهُ فِي الرَّقِيقِ. (وَإِنْ رَدَّ) الرَّقِيقَ (بِإِقَالَةٍ أَوْ خِيَارِ) شَرْطٍ، (أَوْ) خِيَارِ (عَيْبٍ) ، أَوْ غَبْنٍ، أَوْ تَدْلِيسٍ، (رَدَّ مَالَهُ) مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بِهِ، فَيَرُدَّهُ بِالْفَسْخِ، كَالْعَبْدِ، (وَ) رَدَّ (بَدَلَ) ، أَيْ: قِيمَةَ (مَا تَلِفَ) مِنْ الْمَالِ عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَامْرَأَتِهِ بِبَيْعِهِ، بَلْ النِّكَاحُ بَاقٍ مَعَ الْبَيْعِ، لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ التَّفْرِيقَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَالَ الْقِنِّ أَوْ ثِيَابَ جَمَالِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 أَوْ حِلْيَةً، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطُ الْبَيْعِ، لِدُخُولِهِ تَبَعًا غَيْرَ مَقْصُودٍ، أَشْبَهَ أَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ وَتَمْوِيهَ سَقْفٍ بِذَهَبٍ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ بِالتَّمْلِيكِ. [بَابُ السَّلَمِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ] ِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: السَّلَمُ وَالسَّلَفُ وَاحِدٌ فِي قَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ، إلَّا أَنَّ السَّلَفَ يَكُونُ قَرْضًا، لَكِنَّ السَّلَمَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالسَّلَفَ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَسُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ، وَسَلَفًا لِتَقْدِيمِهِ. وَالسَّلَمُ شَرْعًا (عَقْدٌ عَلَى) مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ (مَوْصُوفٌ) بِمَا يَضْبِطُهُ (بِذِمَّةٍ) ، وَهِيَ وَصْفٌ يَصِيرُ بِهِ الْمُكَلَّفُ أَهْلًا لِلْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ (مُؤَجَّلٌ) أَيْ: الْمَوْصُوفُ (بِثَمَنٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِعَقْدٍ - (مَقْبُوضٍ) ذَلِكَ الثَّمَنُ (بِمَجْلِسِ عَقْدٍ) . قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَبْضَ الثَّمَنِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهِ؛ لَا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَتِهِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ بَيْعٌ مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ، وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] . وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَأَذِنَ فِيهِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ " وَهَذَا اللَّفْظُ يَصْلُحُ لِلسَّلَمِ، وَيَشْمَلُهُ بِعُمُومِهِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلِأَنَّ الْمُثَمَّنَ أَحَدُ عِوَضَيْ الْبَيْعِ، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ، كَالثَّمَنِ، وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ. (وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (بِلَفْظِهِ) ؛ كَأَسْلَمْتُكَ هَذَا الدِّينَارَ فِي كَذَا مِنْ الْقَمْحِ، (وَ) يَصِحُّ (بِلَفْظِ سَلَفٍ) ؛ كَأَسْلَفْتُكَ كَذَا فِي كَذَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقِيقَةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 لِلْبَيْعِ الَّذِي عُجِّلَ ثَمَنُهُ وَأُجِّلَ مُثَمَّنُهُ. (وَ) بِلَفْظِ (بَيْعٍ وَبِمَا) ؛ أَيْ: لَفْظٍ (صَحَّ بِهِ) الْبَيْعُ. (وَهُوَ) ؛ أَيْ: السَّلَمُ (نَوْعٌ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْبَيْعِ، (فَيُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطُهُ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ إلَى أَجَلٍ، فَيُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِلْبَيْعِ (إلَّا أَنَّهُ) ؛ أَيْ: السَّلَمَ (لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَعْدُومِ) ؛ لَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي الْمَوْجُودِ وَفِي الْمَعْدُومِ بِالصِّفَةِ؛ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْمُرَادُ بِالْمَعْدُومِ هُنَا الْمَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ جِنْسُهُ مَوْجُودًا. (وَشُرُوطُهُ) ؛ أَيْ: السَّلَمِ (سَبْعَةٌ) تَأْتِي مُفَصَّلَةً (أَحَدُهَا) كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِمَّا يُمْكِنُ (انْضِبَاطُ صِفَاتِهِ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا تَنْضَبِطُ صِفَاتُهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا، فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَطْلُوبِ عَدَمُهَا شَرْعًا (كَمَكِيلٍ) مِنْ حُبُوبٍ وَأَدْهَانٍ وَأَلْبَانٍ، (وَمَوْزُونٍ) مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ (شَهِدَا بِشَمْعِهِ، أَوْ شَحْمًا، أَوْ لَحْمًا نِيئًا - وَلَوْ مَعَ عَظْمِهِ -) لِأَنَّهُ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ، (إنْ عُيِّنَ مَوْضِعٌ قُطِعَ؛ كَلَحْمِ فَخِذٍ وَجَنْبٍ) وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ؛ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِ بِعَظْمِهِ؛ لِاخْتِلَافِهِ، (وَيُعْتَبَرُ قَوْلُهُ) إذَا أَسْلَمَ فِي لَحْمٍ (لَحْمِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مَعَ بَيَانِ نَوْعٍ) ؛ كَبَقَرٍ أَوْ جَوَامِيسَ أَوْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ (وَ) بَيَانِ صِفَةٍ مِنْ (سِمَنٍ وَهُزَالٍ وَخَصْيٍ أَوْ غَيْرِهِ، رَضِيعٍ أَوْ فَطِيمٍ، مَعْلُوفٍ أَوْ رَاعٍ) مِنْ الْكَلَأِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَخْتَلِفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَاعْتُبِرَ بَيَانُهَا، (وَإِنْ كَانَ لَحْمَ صَيْدٍ لَمْ يَحْتَجْ) فِي الْوَصْفِ (لِذِكْرِ عَلَفٍ وَخِصَاءٍ) وَذُكُورِيَّةٍ وَأُنُوثِيَّةٍ، (لَكِنْ يَذْكُرُ الْآلَةَ أُحْبُولَةً أَوْ كَلْبًا أَوْ غَيْرَهَا) مِنْ الْجَوَارِحِ، وَالشَّبَكَةَ وَالْفَخَّ؛ (لِأَنَّ الْأُحْبُولَةَ يُؤْخَذُ فِيهَا الصَّيْدُ سَلِيمًا، وَنَكْهَةُ الْكَلْبِ أَطْيَبُ مِنْ) نَكْهَةِ (الْفَهْدِ) . (وَيَلْزَمُ) الْمُسْلِمَ إذَا أَسْلَمَ فِي لَحْمٍ وَأَطْلَقَ (قَبُولُ لَحْمًا بِعَظْمٍ؛) لِأَنَّ اتِّصَالَهُ بِالْعَظْمِ اتِّصَالُ خِلْقَةٍ؛ (كَنَوًى بِتَمْرٍ) ، وَ (لَا) يَلْزَمُ (قَبُولُ رَأْسٍ وَسَاقَيْنِ) ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 لِأَنَّهُ لَا لَحْمَ بِهَا (فَإِنْ أَسْلَمَ فِي لَحْمِ طَيْرٍ؛ لَمْ يَحْتَجْ) فِي وَصْفِهِ (لِذِكْرِ ذُكُورَةٍ وَأُنُوثَةٍ، إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ) اللَّحْمُ (بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ؛ (كَلَحْمِ دَجَاجٍ) ، فَيُحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ (وَلَا) يُحْتَاجُ أَيْضًا فِي السَّلَمِ فِي الطَّيْرِ (لِذِكْرِ مَوْضِعِ قَطْعٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ) الطَّيْرُ (كَبِيرًا يَأْخُذُ مِنْهُ بَعْضَهُ) ؛ كَخَمْسَةِ أَرْطَالٍ مِنْ لَحْمِ نَعَامٍ فَيُبَيِّنُ مَوْضِعَ الْقَطْعِ؛ لِاخْتِلَافِ الْعَظْمِ. (وَيَذْكُرُ فِي سَمَكٍ) إذَا أَسْلَمَ فِيهِ (النَّوْعَ وَالنَّهْرَ) وَيَذْكُرُ (نَحْوَ سِمَنٍ) وَهُزَالٍ (وَصِغَرٍ وَطَرِيٍّ وَمِلْحٍ، وَلَا يُقْبَلُ رَأْسٌ وَذَنَبٌ، بَلْ) يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ أَنْ يَقْبَلَ (مَا بَيْنَهَا) ؛ أَيْ: بَيْنَ الذَّنَبِ وَالرَّأْسِ بِعِظَامِهِ (وَلَا يَصِحُّ) السَّلَمُ (فِي لَحْمٍ طُبِخَ أَوْ لَحْمٍ شُوِيَ) ؛ لِاخْتِلَافِهِ، وَيَصِحُّ فِي شُحُومٍ؛ كَلُحُومٍ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: إنَّهُ يَخْتَلِفُ، فَقَالَ: كُلُّ سَلَفٍ يَخْتَلِفُ. (وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (فِي مَذْرُوعِ ثِيَابٍ) وَخُيُوطٍ؛ (وَ) فِي (مَعْدُودِ حَيَوَانٍ، وَلَوْ) كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ (آدَمِيًّا) وَ (لَا) يَصِحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِ حَيَوَانٍ مُسْلَمٍ فِيهِ (حَامِلًا) ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مَجْهُولٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ (أَوْ) كَوْنِهِ (لَبُونًا) ؛ لِأَنَّهُ كَالْحَمْلِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ سَلَمٌ فِي (أَمَةٍ وَوَلَدِهَا وَنَحْوِ عَمَّتِهَا؛) كَخَالَتِهَا؛ (لِنُدْرَةِ جَمْعِهِمَا فِي الصِّفَةِ، وَلَا) يَصِحُّ (فِي مَعْدُودِ فَوَاكِهَ؛ كَرُمَّانٍ) وَسَفَرْجَلٍ وَخَوْخٍ وَنَحْوِهَا؛ لِاخْتِلَافِهَا صِغَرًا وَكِبَرًا، (بَلْ) يَصِحُّ فِي (الْمَكِيلِ) مِنْهَا، كَرُطَبٍ، (وَ) فِي (الْمَوْزُونِ، كَعِنَبٍ) ، كَسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ. (وَلَا) يَصِحُّ السَّلَمُ فِي (بُقُولٍ) ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ، وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهَا بِالْحَزْمِ، (وَ) لَا فِي (جُلُودٍ) ؛ لِاخْتِلَافِ أَطْرَافِهَا وَلَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا، (وَ) لَا (فِي رُءُوسٍ وَأَكَارِعَ) ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا عِظَامٌ وَمَشَافِرُ، وَاللَّحْمُ فِيهَا قَلِيلٌ، وَلَيْسَتْ مَوْزُونَةً. (وَ) لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي (بِيضٍ) ؛ لِاخْتِلَافِهِ كِبَرًا وَصِغَرًا، (وَ) لَا فِي (كُتُبٍ) ؛ لِلِاخْتِلَافِ أَيْضًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 (وَ) لَا فِي (أَوَانِي مُخْتَلِفَةٍ رُءُوسًا وَأَوْسَاطًا؛ كَقَمَاقِمَ) جَمْعِ قُمْقُمٍ بِضَمِّ الْقَافَيْنِ، (وَكَأَسْطَالٍ) ضَيِّقَةِ رُءُوسٍ؛ لِاخْتِلَافِهَا (وَلَا) يَصِحُّ (فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ؛ كَجَوْهَرٍ وَعَقِيقٍ) وَلُؤْلُؤٍ وَمَرْجَانَ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا صِغَرًا وَكِبَرًا، وَحُسْنَ تَدْوِيرٍ وَزِيَادَةَ ضَوْءٍ وَصَفَاءً، وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهَا بِبِيضِ عُصْفُورٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، وَلَا بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ. (وَ) (لَا فِي مَغْشُوشِ أَثْمَانٍ) ؛ لِأَنَّ غِشَّهُ يَمْنَعُ الْعِلْمَ بِالْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، (أَوْ يُجْمَعُ أَخْلَاطًا) مَقْصُودَةً (غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ؛ كَمَعَاجِينَ) مُبَاحَةٍ، (وَ) لَا فِي (نُدُوِّ غَالِيَةٍ) - نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ مَرْكَبٌ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ، وَعُودٍ، وَدُهْنٍ - لِعَدَمِ ضَبْطِهَا فِي الصِّفَةِ. (وَ) لَا فِي (قِسِيٍّ) مُشْتَمِلَةٍ عَلَى الْخَشَبِ، وَالْعَصَبِ، وَالْعُرَى، (وَ) لَا (فِي تُرْسٍ) لِعَدَمِ انْضِبَاطِ مِقْدَارِهِ. (وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (فِيمَا) ؛ أَيْ: شَيْءٍ (فِيهِ لِمَصْلَحَةِ شَيْءٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ؛ كَجُبْنٍ) فِيهِ إنْفَحَةٌ، (وَكَخُبْزٍ) فِيهِ مِلْحٌ أَوْ مَاءٌ، (وَكَخَلِّ تَمْرٍ) وَزَبِيبٍ فِيهِ مَاءٌ، (وكسكنجيل) فِيهِ خَلٌّ، (وَكَشَيْرَجٍ) فِيهِ مِلْحٌ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ يَسِيرٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْمُعَاوَضَةِ لِمَصْلَحَةِ الْمَخْلُوطِ؛ فَلَمْ يُؤَثِّرْ. (وَ) يَصِحُّ (فِيمَا يُجْمَعُ أَخْلَاطًا مُتَمَيِّزَةً؛ كَثَوْبٍ نُسِجَ مِنْ نَوْعَيْنِ) كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ، أَوْ إبْرَيْسَمٍ وَقُطْنٍ، (وَكَنُشَّابٍ وَنَبْلٍ مُرَيَّشَيْنِ، وَخِفَافٍ وَرِمَاحٍ متوزة) ؛ أَيْ: مَصْنُوعَةٍ؛ لِإِمْكَانِ ضَبْطِهَا بِصِفَةٍ لَا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهَا مَعَهَا غَالِبًا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ (لَا) يَصِحُّ السَّلَمُ فِي (ثِيَابٍ مَخِيطَةٍ) ؛ لِاخْتِلَافِهَا كِبَرًا وَصِغَرًا وَطُولًا وَعَرْضًا، وَالتَّفْصِيلُ وَالْخِيَاطَةُ تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كُلِّيًّا. (وَلَا) فِي ثِيَابٍ (مَنْقُوشَةٍ) بِالطِّبَاعَةِ أَوْ التَّطْرِيزِ أَوْ الْحِيَاكَةِ؛ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ عُرُوقِهَا كَثْرَةً وَقِلَّةً، وَصِنَاعَاتُهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 (وَ) يَصِحُّ السَّلَمُ (فِي أَثْمَانٍ) خَالِصَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا، فَتَثْبُتُ سَلَمًا؛ كَعُرُوضٍ، (وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ غَيْرَهَا) ؛ أَيْ: الْأَثْمَانِ؛ كَثَوْبٍ وَفَرَسٍ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى رِبَا النَّسِيئَةِ. (وَ) يَصِحُّ (فِي فُلُوسٍ) ، وَلَوْ نَافِقَةٍ وَزْنًا وَعَدَدًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَيَكُونُ رَأْسُ مَالِهَا) أَيْ: الْفُلُوسِ (عَرْضًا، لَا أَثْمَانًا) ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنَّقْدَيْنِ هُنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ صَحَّحَ فِيهَا السَّلَمَ عَدَدًا وَوَزْنًا. قَالَ: وَلَوْ كَانَ رَأْسُ مَالِهَا أَثْمَانًا، وَقَالَ: إنَّهُ أَصْوَبُ. وَيَصِحُّ السَّلَمُ (فِي عَرْضٍ بِعَرْضٍ) ؛ كَتَمْرٍ فِي فَرَسٍ، وَحِمَارٍ فِي حِمَارٍ، وَ (لَا) يَصِحُّ (إنْ جَرَى بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُسْلَمِ فِيهِ وَرَأْسِ مَالِهِ (رِبًا) فِي إسْلَامٍ؛ (كَبُرٍّ فِي شَعِيرٍ، وَنُحَاسٍ فِي فُلُوسٍ) ، وَزَيْتٍ فِي شَيْرَجٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ مَكِيلٍ بِمَكِيلٍ، وَمَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ نَسِيئَةً. (وَمَنْ جِيءَ لَهُ بِعَيْنِ مَا أَسْلَمَهُ عِنْدَ مَحَلِّهِ) ؛ أَيْ: السَّلَمِ؛ كَمَنْ أَسْلَمَ عَبْدًا صَغِيرًا فِي عَبْدٍ كَبِيرٍ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَجَاءَهُ بِعَيْنِ الْعَبْدِ عِنْدَ الْحُلُولِ، وَقَدْ كَبِرَ وَاتَّصَفَ بِصِفَاتِ السَّلَمِ؛ (لَزِمَ) الْمُسْلِمَ (قَبُولُهُ) ؛ لِاتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَاءَهُ بِغَيْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّخَاذُ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي الذِّمَّةِ وَهَذَا عِوَضٌ عَنْهُ. وَمَحَلُّهُ (مَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً وَلِوَطْءٍ؛ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ جَارِيَةً صَغِيرَةً فِي) جَارِيَةٍ (كَبِيرَةٍ) إلَى أَمَدٍ تَكْبَرُ فِيهِ، وَوَصَفَهَا، (فَلَمْ يَأْتِ الْأَجَلُ إلَّا وَهِيَ) ؛ أَيْ: الْجَارِيَةُ (بِصِفَةِ مُسْلَمٍ فِيهِ) ، وَهُوَ الْجَارِيَةُ الْكَبِيرَةُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً لِيَنْتَفِعَ بِالْعَيْنِ، أَوْ يَسْتَمْتِعَ بِالْجَارِيَةِ، ثُمَّ يَرُدَّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَحْرِيمِ الْحِيَلِ. وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي السُّكَّرِ وَالْفَانِيذِ وَالدِّبْسِ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ النَّارِ فِيهِ مَعْلُومٌ عَادَةً يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالنِّشَافِ وَالرُّطُوبَةِ؛ أَشْبَهَ الْمُجَفَّفَ بِالشَّمْسِ. والفانيذ مُعَرَّبُ يانيد هُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْحَلْوَى، قَالَهُ فِي " السَّبْعَةِ أَبْحُرٍ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 الشَّرْطُ (الثَّانِي ذِكْرُ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ) مِنْ صِفَاتٍ (ثَمَنُهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْلَمِ فِيهِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي الذِّمَّةِ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ؛ كَالثَّمَنِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ النَّادِرَ لَا أَثَرَ لَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ الصِّفَاتِ فِي الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ؛ (كَنَوْعِ) الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِذِكْرِ جِنْسِهِ، (وَ) ذِكْرِ (قَدْرِ حَبٍّ) ؛ كَصِغَارِ حَبٍّ أَوْ كِبَارِهِ، مُتَطَاوِلِ الْحَبِّ أَوْ مُدَوَّرِهِ، وَذِكْرِ (لَوْنٍ) ؛ كَأَحْمَرَ أَوْ أَبْيَضَ (إنْ اخْتَلَفَ) ثَمَنُهُ بِذَلِكَ؛ لِيَتَمَيَّزَ بِالْوَصْفِ، وَذِكْرِ (بَلَدِهِ) ؛ أَيْ: الْحَبِّ، فَيَقُولُ مِنْ بَلَدِ كَذَا؛ بِشَرْطِ أَنْ تَبْعُدَ الْآفَةُ فِيهَا، (وَ) ذِكْرِ (حَدَاثَتِهِ وُجُودَتِهِ أَوْ ضِدِّهِمَا) ، فَيَقُولُ: حَدِيثٌ أَوْ قَدِيمٌ، جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ، وَيُبَيِّنُ قَدِيمَ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَنَحْوَهُ، وَيُبَيِّنُ كَوْنَهُ بِهِ شَعِيرٌ وَنَحْوُهُ أَوْ زَرْعِيٌّ، (وَ) ذِكْرِ (سِنِّ حَيَوَانٍ) وَيُرْجَعُ فِي سِنِّ رَقِيقٍ بَالِغٍ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَوْلُ سَيِّدِهِ، وَإِنْ جَهِلَهُ؛ رُجِعَ إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ تَقْرِيبًا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَبِذِكْرِ نَوْعِهِ؛ كَضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ ثَنِيٍّ أَوْ جَذَعٍ (وَ) ذِكْرِ مَا يُمَيَّزُ بِهِ مُخْتَلِفُهُ؛ كَذَكَرٍ أَوْ سَمِينٍ أَوْ مَعْلُوفٍ [أَوْ] ضِدِّهَا؛ [كَأُنْثَى وَهَزِيلٍ وَرَاعٍ أَوْ مَعْلُوفٍ] ، (وَذِكْرِ جِنْسٍ) مُسْلَمٍ فِيهِ فَيَقُولُ: تَمْرًا أَوْ حِنْطَةً، (وَ) ذِكْرِ (قَدْرٍ) ؛ كَقَفِيزٍ أَوْ رِطْلٍ، وَذِكْرِ (جُودَةٍ) ؛ كَحَرِيرٍ بَلَدِيٍّ، (وَ) ذِكْرِ (رَدَاءَةٍ) كَحَرِيرٍ حِصْنِيٍّ؛ (شَرْطٌ) - خَبَرُ قَوْلِهِ ذِكْرُ جِنْسٍ إلَى آخِرِهِ - (فِي كُلِّ مُسْلَمٍ فِيهِ) ، مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، (فَيَصِفُ التَّمْرَ بِنَوْعِهِ؛ كَبَرْنِيِّ أَوْ مَعْقِلِيٍّ، صَغِيرِ حَبٍّ أَوْ كَبِيرِهِ، وَ) يَصِفُهُ (بِذِكْرِ لَوْنِهِ إنْ اخْتَلَفَ) لَوْنُهُ، (كَأَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ) ، وَيُقَالُ لَهُ: الطبرزد، (وَ) يَصِفُهُ بِذِكْرِ (بَلَدِهِ، كَبَصْرِيٍّ أَوْ كُوفِيٍّ) أَوْ حِجَازِيٍّ، (وَ) بِذِكْرِ (قِدَمِهِ وَحَدَاثَتِهِ، فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَتِيقَ) ، فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِعَامٍ أَوْ أَكْثَرَ (أَجْزَأَ، أَيَّ عَتِيقٍ كَانَ) ، لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ، (مَا لَمْ يَكُنْ مُسَوَّسًا أَوْ مُتَغَيِّرًا) ؛ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، (وَإِنْ شُرِطَ) فِي الْعَقْدِ (عَتِيقُ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ؛ فَهُوَ عَلَى مَا شُرِطَ) ؛ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى ذَلِكَ، (وَيُذْكَرُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 تَمْرٌ (جَيِّدٌ) ؛ كَبَرْنِيِّ (أَوْ رَدِيءٌ) ؛ كَحَشْفٍ. (وَرُطَبٌ كَتَمْرٍ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ) ، إلَّا الْحَدِيثَ وَالْعَتِيقَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ (وَلَهُ) أَيْ: الْمُسْلِمِ فِي رُطَبٍ (مَا أَرْطَبَ كُلُّهُ) ؛ لِانْصِرَافِ الِاسْمِ إلَيْهِ، وَ (لَا) يَأْخُذُ رُطَبًا (مُشَدَّخًا) ؛ كَمُعَظَّمٍ بُسْرٌ يُغْمَرُ حَتَّى يَنْشَدِخَ، (وَلَا) يَلْزَمُ أَخْذُ (مَا قَارَبَ أَنْ يُتْمِرَ) ؛ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ، (وَهَكَذَا) ؛ أَيْ: كَالرُّطَبِ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ (مَا يُشْبِهُهُ مِنْ عِنَبٍ وَفَوَاكِهَ) يَصِحُّ فِيهَا السَّلَمُ، (وَ) كَذَلِكَ (سَائِرُ الْأَجْنَاسِ) الَّتِي يُسْلَمُ فِيهَا. (وَلَا يَلْزَمُ أَخْذُ نَحْوِ تَمْرٍ) ؛ كَزَبِيبٍ (إلَّا جَافًّا) الْجَفَافَ الْمُعْتَادَ (لَا أَنْ يَتَنَاهَى جَفَافُهُ) ؛ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ؛ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ إلَّا أَقَلُّ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ. (وَيَصِفُ الْخُبْزَ بِنَوْعٍ كَخُبْزِ) [بُرٍّ] أَوْ شَعِيرٍ أَوْ ذُرَةٍ، مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ خُبْزَ الْبُرِّ جِنْسٌ، وَخُبْزَ الشَّعِيرِ جِنْسٌ، فَفِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ تَدَافُعٌ، وَيَذْكُرُ فِي وَصْفِهِ (نَشَافَتَهُ وَرُطُوبَتَهُ وَلَوْنَهُ كَحُوَّارَى) - بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الرَّاءِ -، أَيْ: أَبْيَضَ خَالِصَ مِنْ النُّخَالَةِ، (وخشكار) ؛ أَيْ: أَسْمَرَ، (وَ) لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ (جُودَةٍ وَرَدَاءَةٍ، وَيَصِفُ الْحِنْطَةَ بِالنَّوْعِ؛ كَسَلْمُونِيٍّ، وَالْبَلَدِ كَحُورَانِيٍّ وَبِقَاعِيٍّ) ، إذَا كَانَ بِالشَّامِ وَبَحِيرِيٍّ إذَا كَانَ بِمِصْرَ، (وَبِالْقَدْرِ، كَصَغِيرِ حَبٍّ أَوْ كَبِيرِهِ، وَحَدِيثٍ أَوْ عَتِيقٍ، وَإِنْ كَانَ النَّوْعُ الْوَاحِدُ يَخْتَلِفُ لَوْنُهُ ذَكَرَهُ) ؛ لَمَا تَقَدَّمَ، (وَلَا يُسْلَمُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْبُرِّ (إلَّا مُصَفًّى) مِنْ تِبْنِهِ وَعُقَدِهِ، (وَكَذَلِكَ الشَّعِيرُ وَالْقُطْنِيَّاتُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ) ، فَيَضْمَنُهَا بِأَوْصَافِ الْبُرِّ. (وَيَلْزَمُ) مُسْلَمًا إلَيْهِ (دَفْعُ حَبٍّ) مُسْلَمٍ فِيهِ (بِلَا تِبْنٍ، وَ) لَا (عُقَدٍ فَإِنْ كَانَ بِهِ) أَيْ: الْحَبِّ (نَحْوُ تُرَابٍ يَأْخُذُ مَوْضِعًا مِنْ الْمِكْيَالِ؛ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا) ؛ بِأَنْ كَانَ فِيهِ تُرَابٌ يَسِيرٌ لَا يَأْخُذُ مَوْضِعًا مِنْ الْمِكْيَالِ؛ (لَزِمَ) مُسْلِمًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 (أَخْذُهُ) ؛ لِأَنَّ الْحُبُوبَ لَا تَخْلُو مِنْ يَسِيرِ التُّرَابِ غَالِبًا، (وَيَصِفُ الْعَسَلَ بِالْبَلَدِ) ؛ كَمِصْرِيٍّ وَثَقَفِيٍّ وَحَلَبُونِيٍّ، (وَرَبِيعِيٌّ أَوْ صَيْفِيٌّ، أَبْيَضُ أَوْ أَشْقَرُ أَوْ أَسْوَدُ) ، جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مُصَفًّى مِنْ الشَّمْعِ، (وَيَصِفُ السَّمْنَ بِالنَّوْعِ، كَمِنْ ضَأْنٍ) أَوْ مَعْزٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ جَامُوسٍ، (وَ) يَصِفُهُ (بِاللَّوْنِ، كَأَبْيَضَ) أَوْ أَصْفَرَ، وَجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ. (قَالَ الْقَاضِي: وَيَذْكُرُ الْمَرْعَى، وَلَا يُحْتَاجُ لِذِكْرِ عَتِيقٍ أَوْ حَدِيثٍ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي الْحَدِيثَ، وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي عَتِيقِهِ) ؛ أَيْ: السَّمْنِ؛ (لِأَنَّهُ عَيْبٌ، وَلَا يَنْتَهِي إلَى حَدٍّ يُضْبَطُ بِهِ، وَيَصِفُ الزُّبْدَ؛ كَالسَّمْنِ) ؛ أَيْ: بِأَوْصَافِ السَّمْنِ، (وَيَزِيدُ) عَلَى وَصْفِ السَّمْنِ (زُبْدَ يَوْمِهِ، أَوْ) زُبْدَ (أَمْسَهُ) . (وَلَا يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْلِمَ (قَبُولُ مُتَغَيِّرٍ مِنْ سَمْنٍ وَزُبْدٍ) ، وَلَا قَبُولُ سَمْنٍ أَوْ زُبْدٍ رَقِيقٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ رِقَّتُهُمَا مِنْ الْحَرِّ، (وَيَصِفُ اللَّبَنَ بِنَوْعٍ وَمَرْعًى، وَلَا يُحْتَاجُ لِلَّوْنِ) ؛ لِعَدَمِ اخْتِلَافِهِ، وَلَا إلَى كَوْنِهِ (حَلِيبَ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ) ، فَإِنْ ذَكَرَ كَانَ مُؤَكِّدًا. وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ لَبَنٍ مُتَغَيِّرٍ بِنَحْوِ حُمُوضَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ. (وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَخِيضِ نَصًّا) ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ يَسِيرٌ لِمَصْلَحَتِهِ، وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ، فَهُوَ كَالْمِلْحِ فِي الْجُبْنِ. (وَيَصِفُ الْجُبْنَ بِنَوْعٍ وَمَرْعًى، وَرَطْبٍ، أَوْ يَابِسٍ) ، جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ. (وَ) يَصِفُ (اللِّبَأَ) كَمَا يَصِفُ (اللَّبَنَ) ؛ أَيْ: بِالنَّوْعِ وَالْمَرْعَى، (وَيَزِيدُ) ذِكْرَ (اللَّوْنِ وَالطَّبْخِ أَوْ عَدَمِهِ، وَيُسْلِمُ فِيهِ) ؛ أَيْ: اللِّبَأِ (وَزْنًا) ؛ لِأَنَّهُ يَجْمُدُ عَقِبَ حَلْبِهِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْكَيْلُ. (وَيَصِفُ الْحَيَوَانَ مُطْلَقًا) آدَمِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرِهِ (بِالنَّوْعِ وَالسِّنِّ وَالذُّكُورَةِ وَضِدِّهَا) - وَهِيَ الْأُنُوثَةُ - (فَإِنْ كَانَ) الْحَيَوَانُ الْمُسْلَمُ فِيهِ (رَقِيقًا ذَكَرَ نَوْعَهُ؛ كَتُرْكِيٍّ) وَزِنْجِيٍّ، (وَ) ذَكَرَ (سِنَّهُ، وَيُرْجَعُ فِي سِنِّ الْغُلَامِ) ، وَكَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 الْجَارِيَةُ (إلَيْهِ إنْ كَانَ بَالِغًا) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا، فَيُرْجَعُ إلَى (قَوْلِ سَيِّدِهِ) فِي قَدْرِ سِنِّهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّغِيرِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) سَيِّدُهُ سِنَّهُ، فَيُرْجَعُ إلَى (قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِمْ تَقْرِيبًا) ؛ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ، (وَيُعْتَبَرُ ذِكْرُ طُولِ) رَقِيقٍ؛ (كَخُمَاسِيٍّ أَوْ سُدَاسِيٍّ، يَعْنِي خَمْسَةَ أَشْبَارٍ أَوْ سِتَّةً، أَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ، أَعْجَمِيٍّ أَوْ فَصِيحٍ، وَ) الْجَارِيَةُ (كَحْلَاءَ وَدَعْجَاءَ) - وَالْكَحَلُ مُحَرَّكٌ: سَوَادُ الْعَيْنِ مَعَ سِعَتِهَا وَالدَّعَجُ سَوَادٌ يَعْلُو الْأَجْفَانَ خِلْقَةً مَوْضِعَ الْكُحْلِ - (وَتَكَلْثُمِ وَجْهٍ) ؛ أَيْ: اسْتِدَارَتِهِ، (وَبَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ، وَنَحْوِهَا، وَيَذْكُرُ كَوْنَ الْجَارِيَةِ خَمِيصَةً ثَقِيلَةَ الْأَرْدَافِ [أَوْ] سَمِينَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ، وَلَا يُشَدِّدُ) فِي الْأَوْصَافِ بِحَيْثُ يَنْتَهِي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ، (فَإِنْ اسْتَقْصَى الصِّفَاتِ حَتَّى انْتَهَى إلَى حَالٍ يَنْدُرُ وُجُودُ مُسْلَمٍ فِيهِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ؛ بَطَلَ) السَّلَمُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ عَامَّ الْوُجُودِ عِنْدَ الْحُلُولِ، وَاسْتِقْصَاءُ الصِّفَاتِ يَمْنَعُ مِنْهُ؛ كَمَا يَبْطُلُ السَّلَمُ بِقَوْلِهِ: أَسْلَمْتُكَ (فِي مِثْلِ هَذَا الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ) ؛ لِعَدَمِ الضَّبْطِ. (وَلَا يُحْتَاجُ فِي) وَصْفِ (شَعْرِ الْجَارِيَةِ) الْمُسْلَمِ فِيهَا لِقَوْلِهِ: ذَاتُ شَعْرٍ (جَعْدٍ أَوْ سَبْطٍ، أَوْ أَسْوَدَ أَوْ أَشْقَرَ) ؛ لِأَنَّهُ [لَا] يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ اخْتِلَافًا بَيِّنًا؛ (كَمَا لَا تُرَاعَى صِفَاتُ حُسْنٍ وَمَلَاحَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِهَا اخْتِلَافًا ظَاهِرًا، (فَإِنْ ذَكَرَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ (ذَلِكَ) ، وَعَقَدَ عَلَيْهِ؛ (لَزِمَ) الْوَفَاءُ بِهِ. (وَيَصِفُ الْإِبِلَ بِالنِّتَاجِ؛ كَمِنْ نِتَاجِ بَنِي فُلَانٍ، وَاللَّوْنِ؛ كَبِيضٍ وَحُمْرٍ) ، وَبِالسِّنِّ؛ كَبِنْتِ مَخَاضٍ أَوْ لَبُونٍ أَوْ حِقَّةٍ، وَبِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ. (وَأَوْصَافُ الْخَيْلِ كَإِبِلٍ) . (وَتُنْسَبُ بِغَالٌ وَحَمِيرٌ لِبَلَدِهَا) ؛ كَشَامِيٍّ وَمِصْرِيٍّ وَيَمَنِيٍّ، لِأَنَّهَا لَا تُنْسَبُ لِنِتَاجٍ. (وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ إنْ عُرِفَ لَهَا نِتَاجٌ نُسِبَتْ إلَيْهِ) ؛ كَبَلَدِيٍّ وَجَبَلِيٍّ، إذَا كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 بِالشَّامِ، (وَإِلَّا) يُعْرَفْ لَهَا [نِتَاجٌ] ؛ (فَكَحَمِيرٍ) تُنْسَبُ إلَى بَلَدِهَا. (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ نَوْعِ) هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ؛ كَأَنْ يَقُولَ فِي وَصْفِ (إبِلٍ بُخْتِيَّةٍ أَوْ عَرَابِيَّةٍ، وَ) فِي وَصْفِ (خَيْلٍ عَرَبِيَّةٍ أَوْ هَجِينٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ) ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهَا فِي قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ، (وَ) : يَقُولُ فِي وَصْفِ (غَنَمٍ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ، إلَّا الْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ فَلَا أَنْوَاعَ فِيهِمَا) غَالِبًا. (وَيَصِفُ غَزْلَ قُطْنٍ وَ) غَزْلَ (كَتَّانٍ بِبَلَدٍ وَلَوْنٍ، وَرِقَّةٍ، وَنُعُومَةٍ وَخُشُونَةٍ، وَيَصِفُ الْقُطْنَ بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: بِالْبَلَدِ وَاللَّوْنِ، (وَيَجْعَلُ مَكَانَ غِلَظٍ وَدِقَّةٍ طَوِيلَ شَعْرَةٍ أَوْ قَصِيرَهَا، وَإِنْ شَرَطَ فِيهِ مَنْزُوعَ الْحَبِّ؛ جَازَ) ، وَلَهُ شَرْطُهُ، (وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ) الْقُطْنُ (بِحَبِّهِ؛ كَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ) . (وَيَصِفُ الْإِبْرَيْسَمَ بِبَلَدٍ وَلَوْنٍ وَغِلَظٍ وَدِقَّةٍ) . (وَ) يَصِفُ (الصُّوفَ بِبَلَدٍ وَلَوْنٍ وَطَوِيلِ شَعْرِهِ وَقَصِيرِهِ، وَ) يَصِفُهُ بِزَمَانٍ؛ كَقَوْلِهِ: (خَرِيفِيٌّ أَوْ رَبِيعِيٌّ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) ، وَفِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " احْتِمَالُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ يَسِيرٌ. (وَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (تَسْلِيمُهُ) ؛ أَيْ: الصُّوفِ (نَقِيًّا مِنْ شَوْكٍ وَبَعْرٍ) ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ، (وَكَذَا شَعْرٌ وَوَبَرٌ) ، فَيُوصَفَانِ بِأَوْصَافِ الصُّوفِ، وَيُسْلَمَانِ نَقِيَّيْنِ مِنْ الشَّوْكِ وَالْبَعْرِ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ. (وَيَصِفُ الثِّيَابَ) إذَا أَسْلَمَ فِيهَا (بِنَوْعٍ وَقُطْنٍ) وَكَتَّانٍ وَصُوفٍ وَحَرِيرٍ (وَ) يَصِفُهُ (بِبَلَدٍ؛ كَبَغْدَادِيٍّ) وَشَامِيٍّ وَمِصْرِيٍّ (وَ) يَصِفُهُ (بِطُولٍ وَعَرْضٍ، وَصَفَاقَةٍ وَرِقَّةٍ، وَغِلَظٍ وَنُعُومَةٍ وَخُشُونَةٍ، وَلَا يَذْكُرُ الْوَزْنَ فَإِنْ ذَكَرَهُ؛ لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ؛ لِنُدْرَةِ جَمْعِ الْأَوْصَافِ مَعَ الْوَزْنِ، (وَإِنْ ذَكَرَ) فِي الْوَصْفِ الْخَامَ (أَوْ الْمَقْصُودَ؛ فَلَهُ شَرْطُهُ) ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَخْتَلِفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 بِذَلِكَ، (وَمَعَ الْإِطْلَاقِ فَلَهُ خَامٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. (وَإِنْ ذَكَرَ) فِي وَصْفِ الثَّوْبِ (مَغْسُولًا أَوْ لَبِيسًا؛ لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ يَخْتَلِفُ، وَلَا يَنْضَبِطُ، (وَإِنْ أَسْلَمَ فِي مَصْبُوغٍ مِمَّا يُصْبَغُ غَزْلُهُ؛ صَحَّ) السَّلَمُ؛ لِأَنَّهُ مَضْبُوطٌ، وَ (لَا) يَصِحُّ (فِيمَا يُصْبَغُ بَعْدَ نَسْجِهِ) ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ لَا يَنْضَبِطُ، وَلِأَنَّ صَبْغَ الثَّوْبِ يَمْنَعُ الْوُقُوفَ عَلَى نُعُومَتِهِ وَخُشُونَتِهِ. [وَإِنْ أَسْلَمَ] (فِي) ثَوْبٍ (مُخْتَلِفِ غَزْلٍ) ؛ أَيْ: مِنْ نَوْعَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ (كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ أَوْ) قُطْنٍ و (إبْرَيْسَمٍ) ، أَوْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ (وَكَانَ الْغَزْلُ) مِنْ كُلِّ نَوْعٍ (مَضْبُوطًا) ، كَكَوْنِ (السُّدَى) مِنْ (إبْرَيْسَمٍ وَاللُّحْمَةِ مِنْ كَتَّانِ أَوْ نَحْوِهِ) ؛ كَقُطْنٍ وَصُوفٍ؛ (صَحَّ) السَّلَمُ؛ لِلْعِلْمِ بِالسَّلَمِ فِيهِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ. (وَيَصِفُ الْكَاغَدَ بِطُولٍ وَعَرْضٍ، وَدِقَّةٍ وَغِلَظٍ وَاسْتِوَاءِ صَنْعَةٍ) ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافٌ يَسِيرٌ جِدًّا فِي دِقَّةٍ وَغِلَظٍ؛ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْ ذَلِكَ. (وَيَصِفُ نَحْوَ نُحَاسٍ) - بِضَمِّ النُّونِ - (وَرَصَاصٍ) - بِفَتْحِ الرَّاءِ - (بِنَوْعٍ؛ كَرَصَاصٍ قَلْعِيٍّ أَوْ أُسْرُبٍ) - وَالْقَلْعِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى بَلَدٍ بِالْهِنْدِ أَوْ بِالْأَنْدَلُسِ - وَالْأُسْرُبُّ كَقُنْفُذٍ الْآنُكُ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، (وَ) يَصِفُهُ (بِنُعُومَةٍ وَخُشُونَة، وَلَوْنٍ إنْ كَانَ يَخْتَلِفُ) لَوْنُهُ، (وَيَزِيدُ) فِي وَصْفِ (حَدِيدٍ بِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَإِنَّ الذَّكَرَ أَحَدُّ) وَأَمْضَى مِنْ الْأُنْثَى، (وَيَصِفُ السَّيْفَ بِنَوْعِ حَدِيدٍ، وَ) ضَبْطِ (طُولِهِ وَعَرْضِهِ، وَبَلَدِهِ وَقِدَمِهِ) ؛ أَيْ: قَدِيمِ الطَّبْعِ أَوْ حَدِيثِهِ (مَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَصِفُ قَبِيعَتَهُ) وَقِرَابَهُ. (وَيَصِفُ خَشَبَ بِنَاءٍ بِذِكْرِ نَوْعٍ، كَجَوْزٍ وَحَوَرٍ، وَرُطُوبَةٍ وَيُبْسٍ، وَطُولٍ وَدَوْرٍ) إنْ كَانَ مُدَوَّرًا (أَوْ سُمْكٍ وَعَرْضٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُدَوَّرًا، (وَيَلْزَمُ دَفْعُهُ) ؛ أَيْ الْخَشَبِ (كُلِّهِ) ؛ أَيْ: مِنْ طَرَفِهِ إلَى طَرَفِهِ (كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: بِالْعَرْضِ وَالدَّوْرِ الْمَوْصُوفَيْنِ، (فَإِنْ كَانَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ أَغْلَظَ مِمَّا وَصَفَ لَهُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 وَالْآخَرُ كَمَا وَصَفَ؛ (فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا) ، وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، (وَإِلَّا) ؛ بِأَنْ كَانَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ أَدَقَّ مِمَّا وَصَفَ لَهُ؛ (لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ) ؛ لِأَنَّهُ دُونَ مَا أَسْلَمَ فِيهِ، (وَإِنْ ذَكَرَ الْوَزْنَ) ؛ أَيْ: وَزْنَ الْخَشَبِ، أَوْ كَوْنَهُ سَمْحًا أَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ؛ (جَازَ) السَّلَمُ وَصَحَّ، وَلَهُ سَمْحٌ، أَيْ: خَالٍ مِنْ الْعُقَدِ؛ لِأَنَّهُ؛ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ، (وَإِنْ كَانَ) الْخَشَبُ الْمُسْلَمُ فِيهِ (لِلْقِسِيِّ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ، وَزَادَ سَهْلِيًّا أَوْ جَبَلِيًّا) ، أَوْ خُوطًا؛ أَيْ: قَضِيبًا، أَوْ فَلَقَةً؛ فَإِنَّ الْجَبَلِيَّ أَقْوَى مِنْ السَّهْلِيِّ، وَالْخُوطَ أَقْوَى مِنْ الْفَلَقَةِ (وَيَصِفُ حَطَبَ وُقُودٍ بِغِلَظٍ) وَدِقَّةٍ، (وَيُبْسٍ وَرُطُوبَةٍ، وَوَزْنٍ، وَ) يَصِفُ (مَا) يُرِيدُهُ (لِلنَّصَبِ بِغِلَظٍ وَضِدِّهِ) ؛ أَيْ: دِقَّةٍ (وَسَائِرَ مَا يُحْتَاجُ لِمَعْرِفَتِهِ) مِنْ نَوْعٍ وَأَرْضٍ وَغَيْرِهِمَا. (وَيَصِفُ نَحْوَ نُشَّابٍ وَنَبْلٍ بِنَوْعِ خَشَبِهِ، وَطُولٍ وَقِصَرٍ، وَدِقَّةٍ وَغِلَظٍ، وَلَوْنٍ وَنَصْلٍ وَرِيشٍ) . (وَيَصِفُ نَحْوَ قِصَاعٍ وَأَقْدَاحٍ) مِنْ خَشَبٍ (بِذِكْرِ نَوْعِ خَشَبٍ) ، فَيَقُولُ: مِنْ جَوْزٍ أَوْ تُوتٍ أَوْ نَحْوِهِ، (وَقَدْرٍ) مِنْ (صِغَرٍ وَكِبَرٍ، وَعُمْقٍ وَضِيقٍ، وَثَخَانَةٍ وَرِقَّةٍ) ، وَيَصِفُ الْأَوَانِيَ الْمُتَسَاوِيَةَ الرُّءُوسِ وَالْأَوْسَاطِ بِقَدْرٍ مِنْ كِبَرٍ وَصِغَرٍ، وَطُولٍ، وَسُمْكٍ وَدَوْرٍ؛ كَالْأَسْطَالِ الْقَائِمَةِ الْحِيطَانِ. (وَيَصِفُ حَجَرَ رَحًى بِدَوْرٍ وَثَخَانَةٍ، وَبَلَدٍ وَنَوْعٍ إنْ كَانَ يَخْتَلِفُ) . (وَ) يَصِفُ (حَجَرَ بِنَاءٍ بِلَوْنٍ، وَقَدْرٍ وَنَوْعٍ وَوَزْنٍ،) وَيَصِفُ حِجَارَةَ الْآنِيَةِ بِالنَّوْعِ وَاللَّوْنِ وَاللِّينِ، وَالْقَدْرِ وَالْوَزْنِ، (وَيَصِفُ الْآجُرَّ وَاللَّبِنَ بِمَوْضِعِ تُرْبَةٍ وَلَوْنٍ، وَدَوْرٍ وَثَخَانَةٍ) . (وَيَصِفُ الْجِصَّ وَالنُّورَةَ بِلَوْنٍ وَوَزْنٍ) هَكَذَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " الْمُبْدِعِ " وَ " الْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِمْ، وَتَقَدَّمَ فِي الرِّبَا أَنَّهُمَا مِنْ الْمَكِيلَاتِ، وَقَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " هُنَاكَ، وَعَلَيْهِ فَيُبَدَّلُ الْوَزْنُ بِالْكَيْلِ، (وَلَا يَقْبَلُ) الْمُسْلِمُ مِنْ الْجِصِّ وَالنُّورَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 (مَا أَصَابَهُ الْمَاءُ فَجَفَّ) ؛ لِذَهَابِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا (وَلَا) يَقْبَلُ أَيْضًا مِنْهُمَا (قَدِيمًا بِمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ) الْقِدَمُ تَغْيِيرًا. (وَيَصِفُ الْبَلُّورَ بِأَوْصَافِهِ) الْمَعْلُومَةِ لَهُ. (وَ) يَصِفُ (الْعَنْبَرَ بِلَوْنٍ وَوَزْنٍ وَبَلَدٍ، وَإِنْ شَرَطَهُ قِطْعَةً أَوْ قِطْعَتَيْنِ) أَوْ أَكْثَرَ؛ (جَازَ) ، وَلَهُ شَرْطُهُ، (وَإِلَّا) يَشْرِطْهُ كَذَلِكَ؛ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (إعْطَاؤُهُ صِغَارًا) بِالْوَزْنِ. (وَيَصِفُ الْعُودَ الْهِنْدِيَّ بِبَلَدِهِ، وَمَا يُعْرَفُ بِهِ وَ) يَصِفُ (الْمِسْكَ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ، وَاللُّبَانَ وَالْمُصْطَكَى، وَصَمْغَ الشَّجَرِ) بِاللَّوْنِ وَالْبَلَدِ وَمَا يَخْتَلِفُ بِهِ. (وَ) يَصِفُ (السُّكَّرَ وَالدِّبْسَ وَسَائِرَ مَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ) الثَّمَنُ. وَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُهُ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ) ؛ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ إلَّا نَادِرًا؛ إذْ مَا مِنْ جَيِّدٍ إلَّا وَيُحْتَمَلُ أَجْوَدُ مِنْهُ وَلَا رَدِيءٍ إلَّا وَيُحْتَمَلُ أَرْدَأُ مِنْهُ. (وَلِمُسْلِمٍ أَخْذُ دُونَ مَا وَصَفَ) لَهُ، (وَ) لَهُ أَيْضًا أَخْذُ (غَيْرِ نَوْعِهِ) ؛ أَيْ: الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا كَانَ (مِنْ جِنْسِهِ) ؛ كَتَمْرٍ مَعْقِلِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمِيٍّ وَعَكْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَقَدْ رَضِيَ بِدُونِهِ، وَمَعَ اتِّحَادِهِمَا فِي الْجِنْسِ هُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ أَخْذُ دُونَ مَا وَصَفَ لَهُ، وَلَا أَخْذُ نَوْعٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ، وَإِنْ جَاءَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِجِنْسٍ آخَرَ؛ بِأَنْ اسْتَلَمَ فِي بُرٍّ فَجَاءَ بِأُرْزٍ أَوْ شَعِيرٍ؛ لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهُ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ فِي غَيْرِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ (وَيَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْلِمَ إنْ جَاءَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِأَجْوَدَ مِمَّا وَصَفَ لَهُ (أَخْذُ أَجْوَدَ مِنْهُ) إذَا كَانَ (مِنْ نَوْعِهِ) ؛ أَيْ: نَوْعِ مَا أَسْلَمَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ جَاءَهُ بِمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ وَزَادَهُ نَفْعًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ، وَلَوْ أَجْوَدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 كَضَأْنٍ عَنْ مَعْزٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَ مَا وَصَفَاهُ عَلَى شَرْطَيْهِمَا، وَالنَّوْعُ صِفَةٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَاتَ غَيْرَهُ مِنْ الصِّفَاتِ، فَإِنْ رَضِيَا؛ جَازَ؛ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَجُوزُ لِمُسْلِمٍ رَدُّ) سَلَمٍ (مَعِيبٍ) أَخَذَهُ غَيْرَ عَالَمٍ بِعَيْبِهِ، وَيَطْلُبُ بَدَلَهُ، (وَ) لَهُ (أَخْذُ أَرْشِهِ) مَعَ؛ إمْسَاكِهِ؛ كَمَبِيعٍ غَيْرِ سَلَمٍ. (وَ) لِمُسْلَمٍ إلَيْهِ أَخْذُ (عِوَضِ زِيَادَةِ قَدْرٍ دُفِعَتْ) ؛ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي قَفِيزٍ فَجَاءَهُ بِقَفِيزَيْنِ. لِجَوَازِ إفْرَادِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِالْبَيْعِ، وَ (لَا) يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ (عِوَضِ جُودَةٍ) إنْ جَاءَهُ بِأَجْوَدَ مِمَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجُودَةَ صِفَةٌ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْمَبِيعِ، (وَلَا) أَخْذُ عِوَضِ (نَقْصِ رَدَاءَةٍ) ، لَوْ جَاءَهُ بِأَرْدَأ؛ لِمَا سَبَقَ. (وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ إلَّا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ) الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا، فَإِذَا أَتَاهُ بِهِ لَا يَطْلُبُ مِنْهُ أَعْلَى مِنْهُ، لِأَنَّهُ أَتَاهُ بِمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ فَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ ذِكْرُ) قَدْرِ (كَيْلٍ فِي مَكِيلٍ) ، (وَ) قَدْرُ (وَزْنٍ فِي مَوْزُونٍ) ، (وَ) قَدْرِ (ذَرْعٍ فِي مَذْرُوعٍ مُتَعَارَفٍ) ؛ أَيْ: الْمِكْيَالِ وَالرِّطْلِ مَثَلًا وَالذِّرَاعِ (أَوْ) قَدْرِ (عَدٍّ فِي مَعْدُودٍ) ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي الذِّمَّةِ فَاشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ؛ كَالثَّمَنِ، (فَلَا يَصِحُّ) سَلَمٌ (فِي مَكِيلٍ) ؛ كَلَبَنٍ وَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ وَتَمْرٍ (وَزْنًا أَوْ) فِي (مَوْزُونٍ كَيْلًا) ، نَصًّا. اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْعَامَّةِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْمُذَهَّبِ لِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ، فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ مَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِهِ فِي الْأَصْلِ؛ كَبَيْعِ الرِّبَوِيَّاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَلِأَنَّ قَدْرَهُ بِغَيْرِ مَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِهِ فِي الْأَصْلِ، فَلَمْ يَجُزْ؛ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي مَذْرُوعٍ وَزْنًا. (وَعَنْهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (يَصِحُّ) نَقَلَهَا الْمَرْوَزِيِّ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ وَإِمْكَانُ تَسْلِيمِهِ مِنْ غَيْرِ تَنَازُعٍ، فَبِأَيِّ قَدْرٍ قَدَّرَهُ؛ جَازَ، (اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ، وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ الشَّارِحُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ " وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ " و (لَا) يَصِحُّ سَلَمٌ (بِنَحْوِ ذِرَاعٍ) ؛ كَصَنْجَةٍ أَوْ مِكْيَالٍ (لَا عُرْفَ لَهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ) مِنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ بِهِ، وَذَلِكَ مُخِلٌّ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي اُشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ لِأَجْلِهَا، (وَإِنْ عَيَّنَ فَرْدٌ مِمَّا لَهُ عُرْفٌ) ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: (بِمِكْيَالِ فُلَانٍ) أَوْ رِطْلِهِ أَوْ ذِرَاعِهِ أَوْ مِيزَانِهِ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ؛ (صَحَّ عَقْدٌ) ؛ لِلْعِلْمِ بِهِ وَ (لَا) يَصِحُّ (تَعْيِينٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَا لَا يَلْزَمُ. فَائِدَةٌ: الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ وَزْنُهُ بِمِيزَانٍ؛ كَالْأَحْجَارِ الْكِبَارِ يُجْعَلُ فِي سَفِينَةٍ وَنَحْوِهَا؛ وَيُنْظَرُ إلَى أَيْ مَوْضِعٍ تَغُوصُ فِي الْمَاءِ فَيُعْلَمُ، ثُمَّ يُرْفَعُ، وَيُحَطُّ رَمْلٌ وَأَحْجَارٌ إلَى صِغَارٍ أَنْ يَبْلُغَ الْمَاءُ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ بَلَغَهُ، ثُمَّ يُوزَنُ، فَمَا بَلَغَ كَانَ زِنَةَ ذَلِكَ الْحَجَرِ. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ ذِكْرُ أَجَلٍ مَعْلُومٍ) ، نَصًّا؛ لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ، فَأُمِرَ بِالْأَجَلِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ السَّلَمَ رُخْصَةٌ، جَازَ لِلرِّفْقِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْأَجَلِ، فَإِذَا انْتَفَى الْأَجَلُ انْتَفَى الرِّفْقُ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ كَالْكِتَابَةِ، وَالْحُلُولُ، يُخْرِجُهُ عَنْ اسْمِهِ وَمَعْنَاهُ؛ بِخِلَافِ بُيُوعِ الْأَعْيَانِ (لَهُ) ؛ أَيْ: الْأَجَلِ (وَقْعٌ فِي الثَّمَنِ عَادَةً) ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَجَلِ لِتَحَقُّقِ الرِّفْقِ، وَلَا يَحْصُلُ بِمُدَّةٍ لَا وَقْعَ لَهَا فِي الثَّمَنِ؛ (كَشَهْرٍ) ، مِثَالٌ لِمَا لَهُ وَقْعٌ فِي الثَّمَنِ، (وَفِي " الْكَافِي " أَوْ نِصْفِهِ) وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَمَا قَارَبَ الشَّهْرَ، (قَالَ بَعْضُهُمْ) ؛ أَيْ: بَعْضُ الْأَصْحَابِ: (وَ) يُشْتَرَطُ (أَنْ تَفِيَ بِهِ مُدَّتُهُ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ كَمِائَتَيْ سَنَةٍ) ؛ لِأَنَّ آجَالَ النَّاسِ لَا تَبْلُغُهَا غَالِبًا. وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَإِنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ حَالًّا، لَمْ يَصِحَّ بَيْعًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) ؛ أَيْ: عَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِهِ حَالًّا (فِيمَا) أَيْ: فِي مَبِيعٍ مَوْصُوفٍ (فِي ذِمَّةٍ) ؛ أَيْ: فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا وُصِفَ كَذَلِكَ بِلَفْظِ سَلَمٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 اُشْتُرِطَ حُلُولُهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ السَّلَمِ يَقْتَضِي التَّأْجِيلَ، وَقَدْ اُشْتُرِطَ فِيهِ الْحُلُولُ؛ فَلَمْ يَصِحَّ سَلَمًا وَلَا بَيْعًا، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ لَفْظِ السَّلَمِ فِيهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيَصِحُّ أَنْ يُسْلِمَ (فِي جِنْسَيْنِ) ؛ كَأُرْزٍ وَعَسَلٍ (إلَى أَجَلٍ) وَاحِدٍ (إنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ) مِنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ؛ لَمْ يَصِحَّ. وَيَصِحُّ أَنْ يُسْلِمَ (فِي جِنْسٍ) وَاحِدٍ (إلَى أَجَلَيْنِ) ؛ كَسَمْنٍ يَأْخُذُ بَعْضَهُ فِي رَجَبٍ وَبَعْضَهُ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ جَازَ إلَى أَجَلٍ جَازَ إلَى أَجَلَيْنِ وَآجَالٍ (إنْ بَيَّنَ قِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ وَثَمَنَهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ الْأَبْعَدَ لَهُ زِيَادَةُ وَقْعٍ عَلَى الْأَقْرَبِ، فَمَا يُقَابِلُهُ أَقَلُّ، فَاعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ قِسْطِهِ وَثَمَنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ؛ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فِي جِنْسٍ؛ كَأُرْزٍ؛ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُبَيِّنَ حِصَّةَ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ. (وَ) يَصِحُّ (أَنْ يُسْلِمَ فِي شَيْءٍ) كَلَحْمٍ وَخُبْزٍ وَعَسَلٍ (يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءًا مَعْلُومًا مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ قِسْطٍ أَوْ لَا؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَمَتَى قَبَضَ الْبَعْضَ، وَتَعَذَّرَ الْبَاقِي؛ رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا يَجْعَلُ لِلْمَقْبُوضِ فَضْلًا عَلَى الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَاحِدٌ مُتَمَاثِلُ الْأَجْزَاءِ، فَقَسَّطَ الثَّمَنَ عَلَى أَجْزَائِهِ بِالسَّوِيَّةِ؛ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ أَجَلُهُ. (وَمَنْ أَسْلَمَ، أَوْ بَاعَ) مُطْلَقًا، أَوْ لِمَجْهُولٍ، (أَوْ أَجَرَ، أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ مُطْلَقًا) بِأَنْ لَمْ يُغَيِّهِ بِغَايَةٍ، (أَوْ) جَعَلَهَا لِأَجَلٍ (مَجْهُولٍ) ؛ (كَحَصَادٍ وَجُذَاذٍ) وَنُزُولِ مَطَرٍ؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ وَالْعَقْدُ فِي السَّلَمِ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْأَجَلُ الْمَعْلُومُ؛ لِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَكَذَا لَوْ أَبْهَمَ الْأَجَلَ؛ كَإِلَى وَقْتٍ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 زَمَنٍ، (أَوْ) جَعَلَهَا إلَى (عِيدٍ أَوْ رَبِيعٍ أَوْ جُمَادَى) - بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ - قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: لَيْسَ فِي الشُّهُورِ مُؤَنَّثٌ سِوَى جُمَادَى، وَلِذَلِكَ كَانَ نَعْتُهَا مُؤَنَّثًا فَيُقَالُ: جُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةُ، وَلَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ (أَوْ) جَعَلَهَا إلَى (النَّفْرِ؛ لَمْ يَصِحَّ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَلَمٍ وَإِجَارَةٍ وَخِيَارِ شَرْطٍ؛ لِلْجَهَالَةِ، (غَيْرُ الْبَيْعِ) ، فَيَصِحُّ (لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ) ؛ أَيْ: الْبَيْعِ (بِالْأَجَلِ) ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ حَالًّا، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ مَعَ اسْتِرْجَاعِ الزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ حَالًّا، وَبَيْنَ الْفَسْخِ، فَإِنْ عَيَّنَ عِيدَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى أَوْ رَبِيعَ أَوَّلٍ أَوْ ثَانٍ أَوْ جُمَادَى كَذَلِكَ، أَوْ النَّفْرَ الْأَوَّلَ وَهُوَ ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، أَوْ الثَّانِيَ وَهُوَ ثَالِثُهَا؛ صَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ. (وَإِنْ قَالَا) ؛ أَيْ عَاقِدَا سَلَمٍ: (مَحَلُّهُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْكَسْرُ لُغَةٌ -: مَوْضِعُ الْحُلُولِ (رَجَبٌ، أَوْ) مَحَلُّهُ (إلَيْهِ) ؛ أَيْ: رَجَبٌ مَحَلُّهُ (أَوْ فِيهِ) ؛ أَيْ: فِي رَجَبٍ؛ (صَحَّ) السَّلَمُ، (وَحَلَّ) مُسْلَمٌ فِيهِ (بِأَوَّلِهِ) ؛ أَيْ: رَجَبٍ، وَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى رَجَبٍ أَوْ فِيهِ، وَلَيْسَ مَجْهُولًا؛ لِتَعَلُّقِهِ؛ بِأَوَّلِهِ. (وَ) إنْ قَالَا مَحَلُّهُ (إلَى أَوَّلِهِ) ؛ أَيْ: شَهْرِ كَذَا، (أَوْ) إلَى (آخِرِهِ؛ يَحِلُّ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهَا) ؛ أَيْ: مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ؛ كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ، (وَلَا يَصِحُّ) إنْ قَالَا: (يُؤَدِّيه فِيهِ) ؛ أَيْ فِي شَهْرِ كَذَا؛ لِجَعْلِهِ كُلِّهِ ظَرْفًا، فَيُحْتَمَلُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ؛ فَهُوَ مَجْهُولٌ. (وَ) إنْ قَالَا (إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِلَى انْقِضَائِهَا) وَإِنْ كَانَتْ مُبْهَمَةً فَابْتِدَاؤُهَا حِينَ تَلَفُّظِهِ بِهَا، وَإِنْ قَالَ إلَى شَهْرٍ انْصَرَفَ إلَى الْهِلَالِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَثْنَائِهِ؛ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ الْعَدَدَ، وَيَنْصَرِفُ إطْلَاقُ الْأَشْهُرِ إلَى الْأَشْهُرِ (الْهِلَالِيَّةِ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 (وَيَصِحُّ) تَأْجِيلُ السَّلَمِ (بِشَهْرٍ وَعِيد رُومِيَّيْنِ إنْ عُرِفَا؛ كَشُبَاطَ وَآذَارَ وَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ؛ أَشْبَهَ الْأَشْهُرَ الْعَرَبِيَّةَ وَأَعْيَادَ الْمُسْلِمِينَ؛ (وَإِلَّا) ؛ بِأَنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ الْعِيدُ الْمَشْهُورُ؛ (فَلَا) يَصِحُّ السَّلَمُ؛ (كَالسَّعَانِينَ وَعِيدِ الْفَطِيرِ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَجْهَلُهُ الْمُسْلِمُونَ غَالِبًا، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيهِ، وَالسَّعَانِينُ - بِسِينٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَتَيْنِ - قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَغَيْرُهُ: هُوَ عِيدٌ لِلنَّصَارَى قَبْلَ عِيدِهِمْ الْكَبِيرِ بِأُسْبُوعٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَقُولُ الْعَوَامُّ وَشِبْهُهُمْ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ: بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَذَلِكَ خَطَأٌ. تَتِمَّةٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ مُسْلَمٍ إلَيْهِ فِي قَدْرِ أَجَلٍ وَمُضِيِّهِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى الْأَجَلَ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ التَّسْلِيمِ، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ، نَصًّا؛ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ مُؤْنَةِ نَقْلِهِ إلَى مَوْضِعٍ ادَّعَى الْمُسْلِمُ شَرْطَ التَّسْلِيمِ فِيهِ (وَمَنْ أُتِيَ لَهُ) - الْبِنَاءُ لِلْمَفْعُولِ - (بِمَا) ؛ أَيْ: دَيْنٍ (لَهُ مِنْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ قَبْلَ مَحِلِّهِ) - بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - أَيْ: حُلُولِهِ، (وَلَا ضَرَرَ) عَلَيْهِ؛ أَيْ: الْمُسْلِمِ؛ كَخَوْفٍ وَتَحَمُّلِ مُؤْنَةٍ، أَوْ اخْتِلَافِ قَدِيمِ مُسْلَمٍ فِيهِ وَحَدِيثِهِ (فِي قَبْضِهِ) ؛ كَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَزَيْتٍ وَعَسَلٍ وَنَحْوِهَا؛ (لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: رَبَّ الدَّيْنِ قَبْضُهُ نَصًّا؛ لِحُصُولِ غَرَضِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ؛ كَالْأَطْعِمَةِ وَالْحُبُوبِ وَالْحَيَوَانِ، أَوْ الزَّمَنُ مَخُوفًا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْضُهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَإِنْ أَحْضَرَهُ فِي مَحِلِّهِ؛ لَزِمَهُ قَبْضُهُ مُطْلَقًا؛ كَمَبِيعٍ مُعَيَّنٍ، (فَإِنْ أَبَى) قَبْضَهُ حَيْثُ لَزِمَهُ؛ (قَالَ لَهُ حَاكِمٌ: إمَّا أَنْ تَقْبِضَ أَوْ تُبَرِّئَ) مِنْ الْحَقِّ، (فَإِنْ أَبَاهُمَا) ؛ أَيْ: الْقَبْضَ وَالْإِبْرَاءَ؛ (قَبَضَهُ) الْحَاكِمُ (لَهُ) ؛ أَيْ: لِرَبِّ الدَّيْنِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ، كَمَا يَأْتِي فِي السَّيِّدِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِ مَالِ الْكِتَابَةِ، (وَمَعَ ضَرَرٍ) فِي قَبْضِهِ؛ لِكَوْنِهِ مِمَّا يَتَغَيَّرُ؛ (كَالْفَاكِهَةِ) الَّتِي يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا مِنْ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَنَحْوِهِمَا؛ فَإِنَّهَا (تَتْلَفُ) سَرِيعًا، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، أَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 فِيهِ قَدِيمُهُ دُونَ حَدِيثِهِ؛ كَالْحُبُوبِ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَكَذَلِكَ مَا يُحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ لِكُلْفَةٍ؛ كَقُطْنٍ (وَحَيَوَانٍ يَحْتَاجُ لِمُؤْنَةٍ، أَوْ) يَخْشَى الْمُسْلِمُ عَلَى مَا يَقْبِضُهُ مِنْ (خَوْفٍ) فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان؛ (فَلَا) يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ؛ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ فِيهِ. (وَ) إنْ جَاءَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْمُسْلِمَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ (بَعْدَ مَحِلِّهِ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ) الْمُسْلِمَ قَبُولُ الْمُسْلَمِ فِيهِ (مُطْلَقًا) ، تَضَرَّرَ بِقَبْضِهِ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. (وَمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ دَيْنٍ عَنْ مَدِينٍ غَيْرِهِ، فَأَبَى رَبُّهُ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ قَبْضَهُ مِنْ غَيْرِ مَدِينِهِ، (أَوْ أَعْسَرَ زَوْجٌ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْسِرْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، (فَبَذَلَهَا أَجْنَبِيٌّ) ؛ أَيْ: لَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ هِبَةً لَا دَيْنًا وَهُوَ (غَيْرُ وَكِيلِ) الْمَدِينِ، وَلَا الزَّوْجِ، فَأَبَتْ الزَّوْجَةُ قَبُولَ نَفَقَتِهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ (لَمْ تُجْبَرْ) ؛ أَيْ: الزَّوْجَةُ وَلَا رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَاذِلُ لِذَلِكَ وَكِيلًا وَنَحْوَهُ؛ لَزِمَ الْقَبُولُ تَبْرِئَةً لِذِمَّةِ الْمَبْذُولِ عَنْهُ، (وَتَمْلِكُ) الزَّوْجَةُ (الْفَسْخَ) لِإِعْسَارِ زَوْجِهَا؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْذُلْهَا أَحَدٌ، فَإِنْ مَلَّكَهُ لِمَدِينٍ وَزَوْجٍ، وَقَبَضَاهُ، وَدَفَعَاهُ لَهُمَا؛ أُجْبِرَا عَلَى قَبُولِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ إلَّا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ. الشَّرْطُ (الْخَامِسُ غَلَبَةُ مُسْلَمٍ فِيهِ وَقْتَ مَحِلِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهِ، وَإِنْ عُدِمَ وَقْتَ عَقْدٍ؛ كَسَلَمٍ فِي رُطَبٍ وَعِنَبٍ فِي الشِّتَاءِ إلَى الصَّيْفِ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ غَالِبًا عِنْدَ وُجُوبِهِ؛ أَشْبَهَ بَيْعَ الْآبِقِ، بَلْ أَوْلَى. (وَيَصِحُّ) سَلَمٌ (إنْ عَيَّنَ) مُسْلِمٌ مُسْلَمًا فِيهِ مِنْ (نَاحِيَةٍ تَبْعُدُ فِيهَا آفَةٌ) ؛ كَتَمْرِ الْمَدِينَةِ، وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إنْ عَيَّنَ (قَرْيَةً صَغِيرَةً أَوْ بُسْتَانًا - وَلَوْ) كَانَ الْبُسْتَانُ الْمُعَيَّنُ (كَبِيرًا - وَلَا) إنْ أَسْلَمَ فِي شَاةٍ (مِنْ غَنَمِ زَيْدٍ، أَوْ) أَسْلَمَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 بَعِيرٍ مِنْ (نِتَاجِ فَحْلِهِ) ، أَوْ فِي عَبْدٍ مِثْلِ هَذَا الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ: «أَنَّهُ أَسْلَفَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ دَنَانِيرَ فِي تَمْرٍ مُسَمًّى، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ مِنْ تَمْرِ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ فَلَا، وَلَكِنْ كَيْلٌ مُسَمًّى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ انْقِطَاعُهُ، وَلَا تَلَفُ الْمُسْلَمِ فِي مِثْلِهِ، أَشْبَهَ تَقْدِيرَهُ بِمِكْيَالٍ لَا يُعْرَفُ. (وَإِنْ أَسْلَمَ لِمَحِلٍّ) ؛ أَيْ: وَقْتٍ (يُوجَدُ فِيهِ) مُسْلَمٌ فِيهِ (عَامًا، فَانْقَطَعَ وَتَحَقَّقَ بَقَاؤُهُ؛ لَزِمَهُ تَحْصِيلُهُ - وَلَوْ شَقَّ -) كَبَقِيَّةِ الدُّيُونِ. (فَإِنْ هَرَبَ) مُسْلَمٌ إلَيْهِ (أُخِذَ) مُسْلَمٌ فِيهِ (مِنْ مَالِهِ) ؛ كَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ تَعَذَّرَ) مُسْلَمٌ فِيهِ (أَوْ) تَعَذَّرَ (بَعْضُهُ) ؛ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ؛ (خُيِّرَ مُسْلِمٌ بَيْنَ صَبْرٍ) إلَى وُجُودِهِ، فَيُطَالِبُ بِهِ، (أَوْ فَسْخٍ فِيمَا تَعَذَّرَ) مِنْهُ؛ كَمَنْ اشْتَرَى قِنًّا، فَأَبَقَ قَبْلَ قَبْضِهِ، (وَيَرْجِعُ) إنْ فَسَخَ، لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ كُلِّهِ (بِرَأْسِ مَالِهِ) إنْ وُجِدَ، (أَوْ عِوَضِهِ؛ لِعَدَمِ) مُسْلَمٍ فِيهِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ فِي خَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا؛ رَدَّ) لِمُسْلِمٍ (رَأْسَ مَالِهِ) إنْ وُجِدَ أَوْ عِوَضَهُ إنْ تَعَذَّرَ. الشَّرْطُ (السَّادِسُ قَبْضُ رَأْسِ مَالِهِ) ؛ أَيْ: الْمُسْلِمِ (قَبْلَ تَفَرُّقٍ) مِنْ مَجْلِسِ عَقْدِهِ تَفَرُّقًا يُبْطِلُ خِيَارَ مَجْلِسٍ؛ لِئَلَّا يَصِيرَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَاسْتَنْبَطَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ» أَيْ: فَلِيُعْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ اسْمُ السَّلَفِ فِيهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا سَلَفَهُ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ مَنْ أَسْلَفَهُ، (فَإِنْ قَبَضَ) مُسْلَمٌ إلَيْهِ (بَعْضَهُ) ؛ أَيْ: بَعْضَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ؛ (صَحَّ فِيهِ) ؛ أَيْ: فِيمَا قَبَضَ بِقِسْطِهِ (فَقَطْ) ؛ أَيْ: وَبَطَلَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ؛ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. (وَإِنْ بَانَ) ؛ أَيْ: ظَهَرَ رَأْسُ مَالٍ مُسْلِمٍ مَقْبُوضٍ (غَصْبًا أَوْ مَعِيبًا) عَيْبًا (مِنْ الْجِنْسِ أَوْ غَيْرِهِ) ؛ فَحُكْمُهُ (كَمَا مَرَّ فِي صَرْفٍ) مِنْ أَنَّهُ إنْ ظَهَرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 أَنَّهُ مَغْصُوبٌ، أَوْ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، بَطَلَ؛ كَمَا لَوْ ظَهَرَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ الْجِنْسِ؛ فَلِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ إمْسَاكُهُ وَأَخْذُ أَرْشِ عَيْبِهِ، أَوْ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، لَا مِنْ جِنْسِ السَّلِيمِ، وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذُ بَدَلِهِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ؛ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، (وَكَقَبْضٍ) فِي الْحُكْمِ (مَا بِيَدِهِ) ؛ أَيْ: الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (أَمَانَةٌ أَوْ غَصْبٌ) وَنَحْوُهُ، فَيَصِحُّ جَعْلُهُ رَأْسَ مَالٍ مُسْلِمٍ فِي ذِمَّةِ مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ، وَقَوْلُهُ أَمَانَةٌ أَوْ غَصْبٌ بَدَلٌ مِنْ مَا. (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ (مَعَ رُؤْيَةِ) مَا جَعَلَاهُ مِنْ الْأَمَانَةِ أَوْ الْغَصْبِ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ (أَوْ تَقَدُّمُهَا) ؛ أَيْ: الرُّؤْيَةِ عَلَى الْعَقْدِ (بِزَمَنٍ يَسِيرٍ) ؛ لِئَلَّا يَصِيرَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (لَا) يَصِحُّ جَعْلُ (مَا فِي ذِمَّةٍ) رَأْسَ مَالِ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ مَالِهِ دَيْنًا كَانَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، بِخِلَافِ أَمَانَةٍ وَغَصْبٍ. (وَشَرْطِ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ) ؛ أَيْ: رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، (وَ) مَعْرِفَةِ (صِفَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فَسْخُ الْمُسْلِمِ، لِتَأَخُّرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ مَعْرِفَةُ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِيُرَدَّ بَدَلُهُ؛ كَالْقَرْضِ، وَاعْتُبِرَ التَّوَهُّمُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَوَازِهِ، وَإِنَّمَا جَوَّزَهُ مَعَ الْأَمْنِ مِنْ الْغَرَرِ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا. (فَلَا تَكْفِي مُشَاهَدَتُهُ) أَيْ: رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؛ كَمَا لَوْ عَقَدَهُ بِصُبْرَةٍ لَا يَعْلَمَانِ قَدْرَهَا وَوَصْفَهَا، (وَلَا يَصِحُّ بِمَا لَا يَنْضَبِطُ كَجَوْهَرٍ) وَثَوْبٍ غَرِيبِ النَّسْجِ وَكُتُبٍ (وَمَغْشُوشٍ، وَيَرُدُّ) مَا قَبَضَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ رَأْسُ مَالِ سَلَمٍ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ (إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا يُوجَدْ فَقِيمَتُهُ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، وَمِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا؛ كَصُبْرَةٍ مِنْ نَحْوِ حُبُوبٍ؛ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) فِيهَا؛ أَيْ: الْقِيمَةِ، فِي قِيمَةِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْبَاطِلِ، أَوْ فِي قَدْرِ الصُّبْرَةِ الْمَجْعُولَةِ رَأْسَ مَالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 سَلَمٍ؛ (فَقَوْلُ مُسْلَمٍ إلَيْهِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) قَوْلُ مُسْلَمٍ إلَيْهِ؛ بِأَنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ قِيمَةَ مَا قَبَضْتُهُ؛ (فَقِيمَةُ مُسْلَمٍ فِيهِ مُؤَجَّلًا) إلَى الْأَجَلِ الَّذِي عَيَّنَاهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْأَشْيَاءِ أَنْ تُبَاعَ بِقِيمَتِهَا؛ وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُسْلَمٍ إلَيْهِ فِي قَبْضِ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَالْآخَرُ بَعْدَهُ؛ فَقَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ، وَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ عِنْدَ التَّعَارُضِ. (فَرْعٌ: لَوْ تَعَاقَدَا عَلَى) نَحْوِ (مِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ بُرٍّ، وَشَرَطَا تَعْجِيلَ خَمْسِينَ وَتَأْجِيلَ أُخْرَى؛ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ) - وَلَوْ قُلْنَا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ - (لِأَنَّ مَا عُجِّلَ يُقَابَلُ بِأَكْثَرَ مِمَّا أُجِّلَ، وَهُوَ مَجْهُولٌ) ؛ فَلَمْ يَصِحَّ لِذَلِكَ. الشَّرْطُ (السَّابِعُ أَنْ يُسْلَمَ فِي ذِمَّةٍ؛ فَلَا يَصِحُّ) السَّلَمُ (فِي عَيْنٍ) نَابِتَةٍ؛ كَشَجَرَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ فِي الْحَالِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى السَّلَمِ فِيهِ، (وَبَعْضُهُمْ) ؛ أَيْ: بَعْضُ الْأَصْحَابِ (نَفَاهُ) ؛ أَيْ: نَفَى هَذَا الشَّرْطَ، فَلَمْ يَذْكُرْهُ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِذَكَرِ الْأَجَلِ؛ (لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يَكُونُ إلَّا بِذِمَّةٍ) . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": فَائِدَةٌ هَذِهِ الشُّرُوطُ السَّبْعَةُ هِيَ الْمُشْتَرَطَةُ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ لَا غَيْرُ، لَكِنْ هَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَى شُرُوطِ الْبَيْعِ. [فَصْلٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي السَّلَمِ ذِكْرُ مَكَانِ الْوَفَاءِ] (فَصْلٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي السَّلَمِ (ذِكْرُ مَكَانِ الْوَفَاءِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ، وَكَبَاقِي الْبُيُوعِ (إنْ لَمْ يُعْقَدْ بِنَحْوِ بَرِّيَّةٍ وَسَفِينَةٍ) وَنَحْوِهِمَا؛ كَدَارِ حَرْبٍ وَجَبَلٍ غَيْرِ مَسْكُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَيَكُونُ مَحَلُّ التَّسْلِيمِ مَجْهُولًا فَاشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ بِالْقَوْلِ كَالزَّمَانِ (وَيَجِبُ مَعَ تَشَاحٍّ وَفَاءُ مَكَانِ عَقْدِ) السَّلَمِ إذَا كَانَ مَحِلُّ إقَامَةٍ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ التَّسْلِيمُ فِي مَكَانِهِ، (وَشَرْطُهُ) ؛ أَيْ: الْوَفَاءِ (فِيهِ) ؛ أَيْ: مَكَانِ الْعَقْدِ مُؤَكَّدٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَلَا يُؤَثِّرُ (وَإِنْ دَفَعَ) مُسْلَمٌ إلَيْهِ السَّلَمَ (فِي غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: الْمَكَانِ الَّذِي شُرِطَ بِهِ إنْ عُقِدَ بِنَحْوِ بَرِّيَّةٍ، أَوْ مَكَانِ الْعَقْدِ إنْ عُقِدَ بِغَيْرِ نَحْوِ بَرِّيَّةٍ، (لَا مَعَ أُجْرَةِ حَمْلِهِ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: إلَى مَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِيهِ؛ (صَحَّ) ؛ أَيْ: جَازَ الدَّفْعُ؛ لِتَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 وَبَرِئَ دَافِعٌ؛ كَمَا يَصِحُّ (شَرْطُهُ) ؛ أَيْ: الْوَفَاءِ (فِيهِ) ؛ أَيْ: غَيْرِ مَحَلِّ الْعَقْدِ؛ كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ، فَإِنْ دَفَعَهُ، فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَدَفَعَ مَعَهُ أُجْرَةَ حَمْلِهِ إلَيْهِ؛ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ تَرَاضَيَا؛ لِأَنَّهُ كَالِاعْتِيَاضِ عَنْ بَعْضِ السَّلَمِ. (وَلَا يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ أَوْ ضَمَانٍ بِمُسْلِمٍ فِيهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيِّ فِي خِصَالِهِ " وَصَاحِبُ " الْمُبْهِجِ " وَالْإِيضَاحِ "، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي " الْخُلَاصَةِ ": لَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَرُوِيَتْ كَرَاهَتُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا يَجُوزُ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ، وَالضَّمَانُ يُقِيمُ مَا فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ مَقَامَ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْعِوَضِ وَالْبَدَلِ عَنْهُ، وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِلْخَبَرِ، (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ " وَالْوَجِيزِ " وَالتَّصْحِيحِ " وَغَيْرُهُمْ؛ (وَلَا يَصِحُّ اعْتِيَاضٌ عَنْهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْلَمِ فِيهِ، (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُهُ، أَوْ) بَيْعُ (رَأْسِ مَالِهِ) الْمَوْجُودِ (بَعْدَ فَسْخِ) عَقْدٍ (وَقَبْلَ قَبْضٍ) عَلَى غَيْرِهِ حَوَالَةُ رَأْسِ مَالِهِ - (وَلَوْ) كَانَ الْبَيْعُ (لِمَنْ) هُوَ (عَلَيْهِ - وَلَا حَوَالَةَ بِهِ) مِنْ جَانِبِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى غَيْرِهِ، (وَلَا) حَوَالَةَ (عَلَيْهِ) مِنْ جَانِبِ الْمُسْلِمِ؛ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَحَدِيثِ: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ، فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ؛ أَشْبَهَ الْمَكِيلَ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَأَيْضًا فَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ فَسْخِهِ وَقَبْلَ قَبْضِهِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِعَقْدِ السَّلَمِ؛ أَشْبَهَ الْمُسْلَمَ فِيهِ. وَتَصِحُّ هِبَةُ كُلِّ دَيْنٍ - وَلَوْ سَلَمًا - لِمَدِينٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، فَإِنْ وَهَبَهُ دَيْنَهُ حَقِيقَةً؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَاقْتِضَاءِ الْهِبَةِ وُجُودَ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَمِنْ هُنَا امْتَنَعَ هِبَتُهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَ (لَا) يَصِحُّ هِبَةُ الدَّيْنِ (لِغَيْرِهِ) ؛ أَيْ: غَيْرِ الْمَدِينُ، (إلَّا لِضَامِنِهِ) بِهِ، فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِسْقَاطِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ ضَمِنَهُ حِيلَةً) ؛ لِإِسْقَاطِ الدَّيْنِ؛ كَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ إذَا ضَمِنَ الْمَدِينَ لَدَائِنِهِ، وَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهُ مِنْهُ، يُسْقِطُهُ الدَّائِنُ عَنْهُ؛ فَيَصِحُّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ دَيْنٌ مُسْتَقِرٌّ مِنْ ثَمَنٍ وَقَرْضٍ وَمَهْرٍ بَعْدَ دُخُولٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يُقَرِّرُهُ، (وَأُجْرَةٌ اُسْتُوْفِيَ نَفْعُهَا، وَأَرْشُ جِنَايَةٍ، وَقِيمَةُ مُتْلَفٍ) ، وَجُعْلٌ بَعْدَ عَمَلٍ، (وَعِوَضٌ نَحْوَ خَلْعٍ لِمَدِينٍ فَقَطْ، وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ الْبَيْعِ (قَبْضُ عِوَضِهِ قَبْلَ تَفَرُّقٍ) لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ. وَتَقَدَّمَ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ عِوَضَهُ؛ لِمَجْلِسٍ؛ لَمْ يَصِحَّ (إنْ بِيعَ) الدَّيْنُ (بِمَا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً) ؛ كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، وَبُرٍّ بِشَعِيرٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) بِيعَ الدَّيْنُ (بِمَوْصُوفٍ بِذِمَّةٍ) ، سَوَاءٌ كَانَ يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً، أَوْ لَا، وَلَمْ يُقْبَضْ بِالْمَجْلِسِ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، فَإِنْ بِيعَ مَكِيلٌ بِمَوْزُونٍ مُعَيَّنٍ، وَعَكْسُهُ؛ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ عِوَضُهُ بِالْمَجْلِسِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَيَتَّجِهُ بَلْ) وَلَا يَصِحُّ؛ بَيْعُ دَيْنٍ بِمَوْصُوفٍ (- وَلَوْ بِغَيْرِ ذِمَّةٍ -) إذَا لَمْ يُقْبَضْ بِالْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ قَبْضُ عِوَضِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ بِالْمَجْلِسِ، (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " وَالْإِقْنَاعِ " فِي تَقْيِيدِهِمَا اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ فِيمَا إذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِالذِّمَّةِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ فِيمَ إذَا كَانَ الْعِوَضُ بِعَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ بِغَيْرِ ذِمَّةٍ؛ كَمَا لَوْ كَانَ مُشَاهَدًا بِحَيْثُ لَوْ أَرَادَ قَبْضَهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ أَحَدٌ؛ وَكَذَا مُتَقَدِّمًا رُؤْيَتُهُ يَسِيرٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِعَيِّنٍ، فَلَا وَجْهَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَيَصِحُّ بَيْعُ دَيْنٍ مُطْلَقًا (لِغَيْرِهِ) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَرْضُهُ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً، أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ أَشْبَهَ الْآبِقَ، (وَلَا) بَيْعُ دَيْنٍ [غَيْرِ] (مُسْتَقِرٍّ؛ كَدَيْنِ كِتَابَةٍ، وَأُجْرَةٍ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ، وَصَدَاقٍ قَبْلَ دُخُولٍ) لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ غَيْرُ تَامٍّ. (وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ مُصَالَحَةٍ عَنْ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: عَنْ الدَّيْنِ غَيْرِ الْمُسْتَقِرِّ، دَفْعًا لِلنِّزَاعِ، وَطَلَبًا لِلسُّهُولَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَصِحُّ إقَالَةٌ فِي سَلَمٍ) ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ، وَتَصِحُّ إقَالَةٌ فِي (بَعْضِهِ) ؛ لِأَنَّهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، وَكُلُّ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ صَحَّ فِي شَيْءٍ؛ صَحَّ فِي بَعْضِهِ؛ كَالْإِبْرَاءِ (بِدُونِ) - مُتَعَلِّقٌ بِ تَصِحُّ - (قَبْضِ رَأْسِ مَالِهِ) ؛ أَيْ: السَّلَمِ إنْ وُجِدَ (أَوْ) بِدُونِ قَبْضِ (عِوَضِهِ) ؛ أَيْ: رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ مُسْلَمٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ، فَإِذَا حَصَلَتْ بَقِيَ الثَّمَنُ بِيَدِ الْبَائِعِ أَوْ ذِمَّتِهِ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ، كَالْقَرْضِ (وَبِفَسْخِ) سَلَمٍ (يَجِبُ) عَلَى مُسْلَمٍ إلَيْهِ (رَدُّ مَا أَخَذَ) مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ؛ بَقِيَ لِرُجُوعِهِ لِمُسْلِمٍ، (وَإِلَّا) يَكُنْ بَاقِيًا؛ فَعَلَيْهِ (مِثْلُهُ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، (ثُمَّ قِيمَتُهُ) إنْ مُتَقَوِّمًا، أَوْ تَعَذَّرَ الْمِثْلُ؛ لِأَنَّ مَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ يَرْجِعُ بِبَدَلِهِ، (فَإِنْ أَخَذَ بَدَلَهُ) ؛ أَيْ: بَدَلَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ (ثَمَنًا) ؛ أَيْ: نَقْدًا، (وَهُوَ ثَمَنٌ؛ فَهُوَ صَرْفٌ) لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، (وَإِلَّا جَازَ فِي عِوَضٍ مُعَيَّنٍ تَفَرُّقٌ قَبْلَ قَبْضٍ إنْ لَمْ يَجُزْ) بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ (رِبَا نَسَاءٍ) بِأَنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَرْضًا، فَأَخَذَ الْمُسْلِمُ عَنْهُ عَرْضًا أَوْ ثَمَنًا بَعْدَ الْفَسْخِ؛ فَيَجُوزُ فِيهِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَيَكُونُ بَيْعًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَكِيلًا عَنْ مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونًا عَنْ مَوْزُونٍ؛ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، كَالصَّرْفِ. (وَمَنْ لَهُ سَلَمٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ جِنْسِهِ، فَقَالَ لِغَرِيمِهِ: اقْبِضْ سَلَمِي لِنَفْسِك) ، فَفَعَلَ؛ (لَمْ يَصِحَّ) قَبْضُهُ (لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ حَوَالَةٌ) بِالسَّلَمِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 بِهِ] ، (وَلَا) قَبْضُهُ (لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ) فِي قَبْضِهِ، فَلَمْ يَقَعْ لَهُ، فَيُرَدُّ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، (وَصَحَّ) قَبْضُهُ لَهُمَا إنْ قَالَ: اقْبِضْهُ (لِي، ثُمَّ) اقْبِضْهُ (لَكَ) ؛ لِاسْتِنَابَتِهِ فِي قَبْضِهِ لَهُ، ثُمَّ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا أُقْبِضَهُ لِمُوَكِّلِهِ؛ جَازَ أَنْ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، وَتَقَدَّمَ يَصِحُّ قَبْضُ وَكِيلٍ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ دَيْنِهِ، (وَ) إنْ دَفَعَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو دَرَاهِمَ، وَعَلَى زَيْدٍ طَعَامٌ لِعَمْرٍو، فَقَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو: (اشْتَرِ لَك بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي عَلَيَّ، فَفَعَلَ؛ لَمْ يَصِحَّ) الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ، (وَ) إنْ قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو: اشْتَرِ لِي بِالدَّرَاهِمِ طَعَامًا (ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِك) ، فَفَعَلَ؛ (صَحَّ شِرَاؤُهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ، (دُونَ قَبْضِ) ذَلِكَ (لِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لِنَفْسِهِ فَرْعٌ عَنْ قَبْضِ مُوَكِّلِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ. وَإِنْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لِي بِالدَّرَاهِمِ مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي عَلَيَّ وَ (اقْبِضْهُ لِي، ثُمَّ) اقْبِضْهُ (لِنَفْسِك) ، فَفَعَلَ؛ (صَحَّا) ؛ أَيْ: الْقَبْضَانِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ، ثُمَّ الْقَبْضِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ. (وَيَتَّجِهُ لَوْ قَبَضَ دَيْنَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ) ؛ أَيْ: إذْنِ رَبِّ الدَّيْنِ (بِشَرْطِ كَوْنِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ الْمَقْبُوضِ (قَرْضًا أَوْ) بِشَرْطِ كَوْنِ قَبْضِهِ لِذَلِكَ (بَيْعًا) ؛ أَيْ: مَبِيعًا؛ (لَمْ يَصِحَّا) ؛ أَيْ: الْقَرْضُ وَالْبَيْعُ، (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْقَابِضِ (أَجْرُ مِثْلِ التَّقَاضِي) ؛ أَيْ: أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ اشْتِغَالِهِ بِالتَّقَاضِي؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ نَفْسَهُ عَنْ الْعَمَلِ أَنْ لَوْ كَانَ لِتَحْصِيلِ مَالِ غَيْرِهِ بِإِذْنٍ، فَوَجَبَ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 وَإِنْ قَالَ رَبُّ سَلَمٍ لِغَرِيمِهِ: (أَنَا أَقْبِضُهُ) ؛ أَيْ: السَّلَمَ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ (لِنَفْسِي، وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الَّذِي تُشَاهِدُ؛ صَحَّ) قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ؛ لِوُجُودِ قَبْضِهِ مِنْ مُسْتَحِقِّهِ. وَإِنْ قَالَ رَبُّ سَلَمٍ لِغَرِيمِهِ: (أَحْضِرْ اكْتِيَالِي مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ الْحَقُّ، (لِأَقْبِضَهُ لَك) ، فَفَعَلَ (صَحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ،) وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ لِأَقْبِضَهُ لَكَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مَعَ نِيَّتِهِ لِغَرِيمِهِ كَمَعَ نِيَّتِهِ لِنَفْسِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بُدِّلَ قَوْلُهُ صَحَّ إلَى قَوْلِهِ وَاقْبِضْ لِغَرِيمِهِ صَحَّ لَهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ؛ أَيْ: الْقَبْضُ لَهُمَا؛ أَيْ: لِرَبِّ السَّلَمِ. وَغَرِيمِهِ، خِلَافًا لَهُمَا؛ أَيْ: " لِلْإِقْنَاعِ " وَالْمُنْتَهَى " حَيْثُ قَالَا بِصِحَّتِهِ تَبَعًا لِتَصْحِيحِ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَتَذْكِرَةِ " ابْنِ عَبْدُوسٍ "، وَقَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَإِنْ صَحَّ نِسْبَةُ مَا فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ إلَى الْمُصَنِّفِ؛ فَمَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةِ مَرْجُوحَةٍ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهَا، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ صَحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ، أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَبْضًا " لِغَرِيمٍ " مَقُولٍ لَهُ ذَلِكَ؛ لِعَدَمِ كَيْلِهِ إيَّاهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ جُزَافًا إنْ عَلِمَا، (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) ؛ أَيْ: مَنْ حَضَرَ الِاكْتِيَالَ [ (فِيهِ) ؛ أَيْ: الْمَكِيلِ] (بِدُونِ اعْتِبَارِهِ، وَإِنْ بَرَأَتْ ذِمَّةُ دَافِعٍ) ؛ لِفَسَادِ الْقَبْضِ، (وَإِنْ تَرَكَهُ) ؛ أَيْ: تَرَكَ الْقَابِضُ الْمَقْبُوضَ (بِمِكْيَالِهِ، وَأَقْبَضَهُ لِغَرِيمِهِ؛ صَحَّ) الْقَبْضُ (لَهُمَا) ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْكَيْلِ كَابْتِدَائِهِ، وَقَبْضُ الْآخَرِ فِي مِكْيَالِهِ جَرَى لِمُصَاعِهِ فِيهِ، (وَلَوْ أَذِنَ لِغَرِيمِهِ بِالصَّدَقَةِ فِي دَيْنِهِ) الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ (عَنْهُ، أَوْ) أَذِنَ لَهُ فِي (صَرْفِهِ) وَالْمُضَارَبَةِ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ قَالَ: اعْزِلْهُ وَضَارِبْ بِهِ، فَفَعَلَ؛ (لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، وَلَمْ يَبْرَأْ) الْغَرِيمُ مِنْ الدَّيْنِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الدَّيْنَ لِغَرِيمِهِ: (تَصَدَّقْ عَنِّي بِكَذَا، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ دَيْنِي) أَوْ قَالَ: أَعْطِ فُلَانًا كَذَا، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ دَيْنِي؛ ذَلِكَ، (وَكَانَ اقْتِرَاضًا) ، لَا تَصَرُّفًا فِي الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ كَمَا لَوْ قَالَهُ لِغَيْرِ غَرِيمِهِ، (لَكِنْ يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ غَرِيمِهِ بِقَدْرِهِ) ؛ أَيْ: قَدْرِ مَا قَالَ لَهُ تَصَدَّقْ عَنِّي وَنَحْوِهِ. (بِالْمُقَاصَّةِ) الْآتِيَةِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 (وَ) لَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ (اشْتَرِ لِي بِدَيْنِي) الَّذِي لِي (عَلَيْك طَعَامًا) ، فَفَعَلَ؛ لَمْ يَصِحَّ، (أَوْ) قَالَ لَهُ (أَسْلِفْ لِي أَلْفًا مِنْ مَالِكَ فِي كُرِّ طَعَامٍ، فَفَعَلَ، لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِقَبْضِهِ، (فَإِنْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ لِي فِي ذِمَّتِك أَوْ قَالَ لَهُ أَسْلِفْ لِي أَلْفًا فِي كُرِّ طَعَامٍ، وَاقْبِضْ الثَّمَنَ عَنِّي مِنْ مَالِكَ، أَوْ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك؛ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ عَنْهُ مِنْ نَفْسِهِ وَفِي السَّلَفِ. (وَمَنْ قَبَضَ) مِنْ غَرِيمِهِ (دَيْنًا جُزَافًا فَاقْبَلْ قَوْلَهُ) ؛ أَيْ: الْقَابِضِ (فِي قَدْرِهِ) ؛ أَيْ: الْمَقْبُوضِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزَّائِدَ؛ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَلَا يَتَصَرَّفُ مَنْ قَبَضَ مَكِيلًا وَنَحْوَهُ جُزَافًا فِي قَدْرِ حَقِّهِ (بِلَا اعْتِبَارِهِ) بِمِعْيَارِهِ؛ لِفَسَادِ الْقَبْضِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ قَابِضٍ (إنْ قَبَضَهُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، ثُمَّ ادَّعَى نَحْوَ غَلَطٍ) ؛ كَسَهْوٍ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. (وَمَا قَبَضَهُ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، فَأَكْثَرُ (مِنْ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بِإِرْثٍ أَوْ إتْلَافِ) عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ (أَوْ بِعَقْدٍ) ؛ كَبَيْعِ مُشْتَرَكٍ أَوْ إجَارَتِهِ (أَوْ بِضَرِيبَةٍ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا وَاحِدٌ) ؛ كَوَقْفٍ عَلَى عَدَدٍ مَحْصُورٍ، وَوَظِيفَةٍ لِكُلِّ مِنْهُمَا اسْتِحْقَاقٌ فِيهَا؛ (فَشَرِيكُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذٍ مِنْ غَرِيمٍ) ؛ لِبَقَاءِ اشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ، (أَوْ) أَخْذٍ مِنْ (قَابِضٍ) ؛ لِلِاسْتِوَاءِ فِي الْمِلْكِ، وَعَدَمِ تَمْيِيزِ حِصَّةِ الْآخَرِ، فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بِهِ (- وَلَوْ بَعْدَ تَأْجِيلِ الطَّالِبِ لِحَقِّهِ -) لِمَا سَبَقَ؛ (مَا لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ) ؛ أَيْ: الشَّرِيكُ فِي الْقَبْضِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ فِي: نَصِيبِهِ، فَقَبَضَهُ لِنَفْسِهِ؛ لَمْ يُحَاصِصْهُ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: اقْبِضْ لَكَ (أَوْ) مَا لَمْ (يَتْلَفْ) مَقْبُوضٌ (فَيَتَعَيَّنُ غَرِيمٌ) ، وَالتَّالِفُ مِنْ حِصَّةِ قَابِضٍ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا، وَظَاهِرُهُ - وَلَوْ كَانَ التَّلَفُ بِفِعْلِ قَابِضِهِ - لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا شَارَكَهُ لِثُبُوتِهِ مُشْتَرَكًا، مَعَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا: لَوْ أَخْرَجَهُ الْقَابِضُ بِرَهْنٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ؛ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ؛ كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (لَا إنْ تَعَذَّرَ) الِاسْتِيفَاءُ مِنْ الْغَرِيمِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِمَّا قَبَضَهُ بِإِذْنِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَقِيمَتِهِ إنْ تَالِفًا (وَمَنْ اسْتَحَقَّ) ؛ أَيْ: تَجَدَّدَ لَهُ دَيْنٌ (عَلَى غَرِيمِهِ مِثْلُ مَا لَهُ عَلَيْهِ) مِنْ دَيْنٍ (جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً حَالَّيْنِ) ؛ بِأَنْ اقْتَرَضَ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو دِينَارًا مِصْرِيًّا مَثَلًا، ثُمَّ اشْتَرَى عَمْرٌو مِنْ زَيْدٍ بِدِينَارٍ مِصْرِيٍّ حَالٍّ، (أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ أَجَلًا وَاحِدًا) ؛ كَثَمَنَيْنِ اتَّحَدَ أَجَلُهُمَا، (وَيَتَّجِهُ وَكَانَا) ؛ أَيْ: الثَّمَنَانِ (مُسْتَقِرَّيْنِ) فِي الذِّمَّةِ؛ كَبَدَلِ الْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَقِيمَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَنَحْوِهَا، لِاشْتِرَاطِ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْمُقَاصَّةِ، مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي مَوَاضِعَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِقْرَارِ، مِنْهَا مَا إذَا بَاعَ عَبْدَهُ لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِثَمَنٍ مِنْ جِنْسِ مَا سَمَّى لَهَا. وَمِنْهَا صِحَّةُ الْمُقَاصَّةِ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الِاسْتِقْرَارُ فِي الْمُقَاصَّةِ غَالِبًا؛ (تَسَاقَطَا) إنْ اسْتَوَيَا، (وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا) أَوْ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَدَفْعِهِ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ شَبَّهَهُ بِالْعَبَثِ (أَوْ) سَقَطَ مِنْ الْأَكْثَرِ (بِقَدْرِ الْأَقَلِّ) إنْ تَفَاوَتَا قَدْرًا بِدُونِ تَرَاضٍ، وَلَا يَتَسَاقَطَانِ (إذَا كَانَا) ؛ أَيْ: الْمَدِينَانِ دَيْنَ سَلَمٍ، (أَوْ) كَانَ (أَحَدُهُمَا دَيْنَ سَلَمٍ) - وَلَوْ تَرَاضَيَا - لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي دَيْنِ سَلَمٍ قَبْلَ قَبْضِهِ، (أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ) ؛ أَيْ: أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ (حَقٌّ؛ كَرَهْنٍ وَمَالِ مُفْلِسٍ بِيعَا) ؛ أَيْ: الرَّهْنُ وَمَالُ الْمُفْلِسِ (لِذِي) ؛ أَيْ: صَاحِبِ (حَقٍّ لَهُ عَلَيْهِمَا) ؛ أَيْ: عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُفْلِسِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ لِتَوْفِيَةِ دَيْنِهِ مِنْ مَدِينِهِ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ، وَكَمَا لَوْ بَاعَ الْمُفْلِسُ بَعْضَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 مَالِهِ عَلَى بَعْضِ غُرَمَائِهِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ عَلَى الْمُفْلِسِ، فَإِنَّهُ لَا مُقَاصَّةَ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، (أَوْ كَانَ لَهُ) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ (عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: عَلَى زَوْجَتِهِ (دَيْنٌ مِنْ جِنْسِ وَاجِبِ نَفَقَتِهَا) ؛ لَمْ يَحْتَسِبْ بِهِ (عُسْرَتَهَا) ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِمَا فَضَلَ وَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ مُوَضَّحًا. (وَيَتَّجِهُ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (مُعْسِرًا وَ) الزَّوْجُ (الْآخَرُ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ) إنَّمَا يَتَعَلَّقُ (بِمَا فَضَلَ عَمَّا يَحْتَاجُهُ) الْمَدِينُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَمَتَى نَوَى مَدْيُونٌ وَفَاءً) عَمَّا عَلَيْهِ (بِدَفْعٍ بَرِئَ) مِنْهُ، (وَإِلَّا) يَنْوِ وَفَاءً، بَلْ نَوَى التَّبَرُّعَ (فَمُتَبَرِّعٌ) ، وَالدَّيْنُ بَاقٍ عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . هَكَذَا ذَكَرُوهُ هُنَا، وَقَالَ فِي " مُخْتَصَرِ التَّحْرِيرِ " وَغَيْرِهِ: وَمِنْ الْوَاجِبِ مَا لَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ؛ كَنَفَقَةٍ وَرَدِّ وَدِيعَةٍ وَغَصْبٍ وَنَحْوِهِ؛ كَعَارِيَّةٍ وَدَيْنٍ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ [مَعَ غَفْلَتِهِ] ؛ لِعَدَمِ النِّيَّةِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الثَّوَابُ. انْتَهَى. فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا نَوَى التَّبَرُّعَ لَا عَلَى مَا إذَا غَفَلَ عَنْ النِّيَّةِ جَمْعًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، (وَتَكْفِي نِيَّةُ حَاكِمٍ وَفَّاهُ قَهْرًا مِنْ مَالِ مَدْيُونٍ) ؛ لِامْتِنَاعِهِ أَوْ مَعَ غَيْبَتِهِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ رَبُّهُ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) قَوْلُ قَابِضِ مَالٍ لِغَرِيمِهِ: (قَبَضْته مِنْ دَيْنِي) الَّذِي لِي فِي ذِمَّتِك، (فَقَالَ مَدِينٌ: بَلْ) هُوَ (قَرْضٌ) عِنْدَك وَدَيْنُكَ بَاقٍ، فَإِنْ وُجِدَ (مَعَ) ذَلِكَ (شَرْطُ الْمُقَاصَّةِ) مِنْ اتِّفَاقِ الدَّيْنِ وَالْمَقْبُوضِ قَدْرًا وَجِنْسًا وَصِفَةً؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 (فَالْقَوْلُ قَوْلُ قَابِضٍ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّةِ نَفْسِهِ، (وَإِلَّا) يُوجَدْ شَرْطُ الْمُقَاصَّةِ؛ (فَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِافْتِقَارِ ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ إلَى عَقْدٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [بَابُ الْقَرْضِ] ُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا مَصْدَرُ قَرَضَ الشَّيْءَ يَقْرِضُهُ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - إذَا قَطَعَهُ، وَمِنْهُ الْمِقْرَاضُ، وَالْقَرْضُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الِاقْتِرَاضِ. وَشَرْعًا: (دَفْعُ مَالٍ إرْفَاقًا لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ) ؛ أَيْ: الْمَالِ، (وَيَرُدُّ بَدَلَهُ) ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسِهَا لِمَصْلَحَةٍ لَاحَظَهَا الشَّارِعُ؛ رِفْقًا بِالْمَحَاوِيجِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ؛ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَهُوَ) أَيْ: الْقَرْضُ (مِنْ الْمَرَافِقِ) - جَمْعُ مَرْفِقٍ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا - وَهُوَ ارْتَفَقْتُ بِهِ وَانْتَفَعْتُ (الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا) فِي حَقّ الْمُقْرِضِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مِنْ كَشَفَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَأَنْ أُقْرِضَ دِينَارَيْنِ، ثُمَّ يُرَدَّانِ، ثُمَّ أُقْرِضَهُمَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِمَا. (وَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْقَرْضِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إلَّا كَانَا كَصَدَقَةٍ مَرَّةً» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 (وَلَا إثْمَ عَلَى مَنْ سُئِلَ) الْقَرْضَ (فَلَمْ يُقْرِضْ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، بَلْ مَنْدُوبٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْمُومَةِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ بِعِوَضِهِ، فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ. (وَيَنْبَغِي) لِلْمُقْتَرِضِ (أَنْ يُعْلِمَ الْمُقْرِضَ بِحَالِهِ وَلَا يَغُرَّهُ؛ كَفَقِيرٍ يَتَزَوَّجُ) بِامْرَأَةٍ (مُوسِرَةٍ) ، فَيُعْلِمُهَا بِفَقْرِهِ لِئَلَّا يَغُرَّهَا، (وَلَا يَقْتَرِضُ إلَّا مَا يَقْدِرُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ) إلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَتَعَذَّرُ مِثْلُهُ عَادَةً؛ لِئَلَّا يَضُرَّ بِالْمُقْرِضِ، (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ الشِّرَاءَ بِدَيْنٍ، وَلَا وَفَاءَ عِنْدَهُ إلَّا) الشَّيْءَ (الْيَسِيرَ. وَقَالَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: (مَا أُحِبُّ أَنْ يَقْتَرِضَ بِجَاهِهِ لِإِخْوَانِهِ) . قَالَ الْقَاضِي: إذَا كَانَ مَنْ يَقْتَرِضُ لَهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْوَفَاءِ؛ لِكَوْنِهِ تَغْرِيرًا بِمَالِ الْمُقْرِضِ وَإِضْرَارًا بِهِ، أَمَّا إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْوَفَاءِ؛ فَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُ وَتَفْرِيجٌ لِكُرْبَتِهِ. ( [وَيَصِحُّ قَرْضٌ] وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ الْمُقْرَضُ (مُعَلَّقًا) ؛ كَالْمُنَجَّزِ؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (بِلَفْظِهِ) ؛ أَيْ: بِلَفْظِ الْقَرْضِ (وَلَفْظِ سَلَفٍ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ، وَبِكُلِّ (مَا) ؛ أَيْ: لَفْظٍ (يُؤَدِّي مَعْنَاهُ) ؛ أَيْ: الْقَرْضِ كَقَوْلِهِ: (مَلَّكْتُكَ هَذَا لِتَرُدَّ) لِي (بَدَلَهُ) ، أَوْ خُذْ هَذَا انْتَفَعَ بِهِ، وَرُدَّ لِي؛ بَدَلَهُ، (أَوْ تُوجَدُ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى إرَادَتِهِ) ؛ أَيْ: الْقَرْضِ؛ كَأَنْ سَأَلَهُ قَرْضًا، (وَإِلَّا) بِأَنْ قَالَ: مَلَّكْتُك، وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ، وَلَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ؛ فَهُوَ هِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْمُعْطِي: هُوَ قَرْضٌ، وَقَالَ الْآخِذُ: هُوَ هِبَةٌ؛ (فَقَوْلُ آخِذٍ بِيَمِينِهِ فِي مَلَّكْتُكَ أَنَّهُ هِبَةٌ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ. (وَمَنْ سَأَلَهُ فَقِيرٌ إعْطَاءَ شَيْءٍ) ؛ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ قَالَ الْمُعْطِي: هُوَ قَرْضٌ، وَقَالَ الْآخِذُ هُوَ هِبَةٌ، (فَقَوْلُ دَافِعٍ أَنَّهُ قَرْضٌ) بِقَرِينَةِ السُّؤَالِ. (فَإِنْ قَالَ لَهُ: أَعْطِنِي إنِّي فَقِيرٌ) ، وَلَمْ يَقُلْ قَرْضًا فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ ادَّعَى الْمُعْطِي أَنَّهُ قَرْضٌ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 وَادَّعَى الْفَقِيرُ أَنَّهُ صَدَقَةٌ؛ (فَقَوْلُ فَقِيرٍ أَنَّهُ صَدَقَةٌ) بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ إنَّهُ فَقِيرٌ؛ إذْ مَنْ طَلَبَ لِلْفَقْرِ إنَّمَا يَطْلُبُ صَدَقَةً غَالِبًا. (وَشُرِطَ. عِلْمُ قَدْرِ قَرْضٍ) بِمُقَدَّرٍ مَعْرُوفٍ، فَلَا يَصِحُّ قَرْضُ دَنَانِيرَ وَنَحْوِهَا عَدَدًا إنْ لَمْ يُعْرَفْ وَزْنُهَا، إلَّا إنْ كَانَتْ يُتَعَامَلُ بِهَا عَدَدًا، فَيَجُوزُ، وَيُرَدُّ بَدَلُهَا عَدَدًا، (وَ) مَعْرِفَةُ (وَضْعِهِ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ رَدِّ بَدَلِهِ. (وَ) شُرِطَ (كَوْنُ مُقْرِضٍ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ) ، فَلَا يُقْرِضُ نَحْوُ وَلِيِّ يَتِيمٍ مِنْ مَالِهِ، وَلَا مُكَاتَبٌ وَلَا نَاظِرُ وَقْفٍ مِنْهُ، كَمَا لَا يُحَابِي؛ (فَلَا يَصِحُّ قَرْضٌ نَحْوِ مَكِيلٍ) ؛ كَمَوْزُونٍ (جُزَافًا أَوْ مُقَدَّرًا بِمِكْيَالٍ بِعَيْنِهِ غَيْرِ مَعْرُوفٍ عِنْدَ الْعَامَّةِ) ؛ كَالسَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ تَلَفَ ذَلِكَ فَيَتَعَذَّرُ رَدُّ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا غَرَضٌ فِي ذَلِكَ؛ صَحَّ الْقَرْضُ، لَا التَّعْيِينُ، (وَمِنْ شَأْنِهِ) ؛ أَيْ: الْقَرْضِ (أَنْ يُصَادِفَ ذِمَّةً) فِي الْغَالِبِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الدَّيْنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الذِّمَمِ، وَمَتَى أُطْلِقَتْ بِالْأَعْوَاضِ تَعَلَّقَتْ بِهَا، وَلَوْ عُيِّنَتْ الدُّيُونُ مِنْ أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ؛ لَمْ يَصِحَّ. (فَلَا يَصِحُّ قَرْضُ جِهَةٍ؛ كَمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ (مَعَ قَوْلِهِمْ) ؛ أَيْ: الْأَصْحَابِ فِي كِتَابِ (الْوَقْفِ: وَلِلنَّاظِرِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَيْهِ) بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ لِمَصْلَحَتِهِ؛ كَشِرَائِهِ لَهُ نَسِيئَةً، أَوْ بِنَقْدٍ لَمْ يُعِنْهُ. (وَفِي بَابِ اللَّقِيطِ) يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِنَفَقَةِ اللَّقِيطِ، وَكَذَا قَالَ فِي " الْمُوجَزِ ": يَصِحُّ قَرْضُ حَيَوَانٍ وَثَوْبٍ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْتُ الْمَالِ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ) . قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الدَّيْنَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ، وَبِهَذِهِ الْجِهَاتِ؛ كَتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي؛ فَلَا يَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ الْوَفَاءُ مِنْ مَالِهِ، بَلْ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ، وَمَا يَحْدُثُ لِبَيْتِ الْمَالِ. أَوْ يُقَالُ لَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ رَأْسًا، وَمَا هُنَا بِمَعْنَى الْغَالِبِ فَلَا تَرِدُ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ لِنُدْرَتِهَا. (وَيَصِحُّ) الْقَرْضُ (فِي كُلِّ عَيْنٍ يَصِحُّ بَيْعُهَا) مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ وَغَيْرِهِ، (إلَّا بَنِي آدَمَ) ؛ فَلَا يَصِحُّ قَرْضُهُ [ذَكَرًا] كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَلَا هُوَ مِنْ الْمَرَافِقِ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ يَقْتَرِضَ جَارِيَةً يَطَؤُهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا. (وَيَتَّجِهُ وَ) إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَرْضُ (حِيلَةً) عَلَى الرِّبَا، (كَقَرْضِ حُلِيٍّ بِنَقْدٍ يُقْصَدُ بَيْعُهُ بِهِ) ؛ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا يَصِحُّ قَرْضُ الْمَنَافِعِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْهُودٍ، (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ جَوَّزَ قَرْضَهَا؛ (كَأَنْ يَحْصُدَ مَعَهُ) إنْسَانٌ (يَوْمًا لِيَحْصُدَ الْآخَرُ مَعَهُ مِثْلَهُ، أَوْ يُسْكِنَهُ دَارِهِ لِيُسْكِنَهُ الْآخَرُ) دَارًا (بَدَلَهَا) كَالْعَارِيَّةِ بِشَرْطِ الْعِوَضَ. [فَصْلٌ يَتِمُّ عَقْدُ قَرْضٍ بِقَبُولٍ] (فَصْلٌ: وَيَتِمُّ) عَقْدُ (قَرْضٍ بِقَبُولٍ) ؛ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، (وَيَلْزَمُ) الْقَرْضُ، (وَيُمْلَكُ بِقَبْضٍ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقِفُ التَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى الْقَبْضِ، فَوَقَفَ الْمِلْكُ عَلَيْهِ؛ كَالْهِبَةِ، (فَلَا يَمْلِكُ مُقْرِضٌ اسْتِرْجَاعَهُ، لِفَلْسٍ) ، فَيَمْلِكُ مُقْرِضٌ الرُّجُوعَ فِيهِ بِشَرْطِهِ، لِحَدِيثِ: «مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ» وَيَأْتِي. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) إلَّا إنْ (أَقْرَضَهُ) شَيْئًا (بِشَرْطِ أَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ كَذَا، وَامْتَنَعَ) مِنْ ذَلِكَ، فَيَمْلِكُ مُقْرِضٌ الرُّجُوعَ بِقَرْضِهِ، وَيُجْبَرُ الْمُقْتَرِضُ عَلَى رَدِّهِ لَهُ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لِلْمُقْرِضِ شَرْطُهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلِرَبِّ قَرْضٍ طَلَبُ بَدَلِهِ) ؛ أَيْ: الْقَرْضِ مِنْ مُقْتَرِضٍ (فَوْرًا) ؛ أَيْ: فِي الْحَالِ (لِثُبُوتِهِ) فِي ذِمَّتِهِ (حَالًّا - وَلَوْ مَعَ تَأْجِيلِهِ -) لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 الْقِيمَةِ، فَأَوْجَبَهُ حَالًّا؛ كَالْإِتْلَافِ، فَلَوْ أَقْرَضَهُ تَفَارِيقَ، فَلَهُ طَلَبُهُ بِهَا جُمْلَةً؛ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بُيُوعًا مُتَفَرِّقَةً، ثُمَّ طَالَبَهُ بِثَمَنِهَا جُمْلَةً. (وَالْمُؤَجَّلُ كَثَمَنِ) مَبِيعٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (لَا يَحِلُّ قَبْلَ حُلُولِهِ) ؛ أَيْ: الْأَجَلِ؛ (وَلَوْ أَلْزَمَ) نَحْوُ مُشْتَرٍ (نَفْسَهُ بِتَعْجِيلِهِ) ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ، (وَكَقَرْضِ كُلِّ) دَيْنٍ (حَالٍّ أَوْ) كَانَ مُؤَجَّلًا، وَ (حَلَّ) أَجَلُهُ؛ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَيَحْرُمُ الْإِلْزَامُ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُقْرِضَ الْوَفَاءُ بِتَأْجِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ. نَصًّا. (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (صِحَّةَ تَأْجِيلِ قَرْضٍ وَغَيْرِهِ) ؛ كَثَمَنِ مَبِيعٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَغَيْرِهِ، وَلُزُومُهُ إلَى أَجَلِهِ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» (وَإِنْ شَرَطَ) مُقْرِضٌ (رَدَّهُ) ؛ أَيْ: الْقَرْضِ (بِعَيْنِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ) الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِالتَّصَرُّفِ، وَرَدُّهُ بِعَيْنِهِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. (وَيَجِبُ قَبُولُ قَرْضٍ مِثْلِيٍّ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ) وَفَاءً - وَلَوْ تَغَيَّرَ سِعْرُهُ - لِرَدِّهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صِفَةً؛ فَلَزِمَ قَبُولُهُ؛ كَالسَّلَمِ، بِخِلَافِ مُتَقَوِّمٍ رُدَّ - وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ سِعْرُهُ - فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَهُ قِيمَتُهُ، (مَا لَمْ يَتَعَيَّبْ) مِثْلِيٌّ رُدَّ بِعَيْنِهِ؛ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ، فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ، (أَوْ) مَا لَمْ (يَكُنْ) الْقَرْضُ (فُلُوسًا، أَوْ) يَكُنْ دَرَاهِمَ (مُكَسَّرَةً، فَيُحَرِّمُهَا) ؛ أَيْ: يَمْنَعُ النَّاسَ الْمُعَامَلَةَ بِهَا (السُّلْطَانُ) أَوْ نَائِبُهُ - وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقْ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ التَّعَامُلِ بِهَا - (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُقْرِضِ (قِيمَتُهُ) ؛ أَيْ: الْقَرْضِ الْمَذْكُورِ (وَقْتَ قَرْضٍ) ، نَصًّا؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ فِي مِلْكِهِ، وَسَوَاءٌ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا (وَتَكُونُ) الْقِيمَةُ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) ؛ أَيْ: الْقَرْضِ (إنْ جَرَى فِيهِ) ؛ أَيْ: أَخْذُ الْقِيمَةِ مِنْ جِنْسِهِ (رِبَا فَضْلٍ) ؛ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ (مُكَسَّرَةً) أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 مَغْشُوشَةً (فَحَرُمَتْ) ؛ أَيْ: حَرَّمَهَا السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ وَقِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَرْضِ أَنْقَصُ مِنْ وَزْنِهَا؛ فَإِنَّهُ (يُعْطِيهِ بِقِيمَتِهَا ذَهَبًا) ؛ حَذَارِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ، فَلَوْ أَقْرَضَهُ دَنَانِيرَ مُكَسَّرَةً، فَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ؛ أَعْطَى قِيمَتَهَا فِضَّةً، (وَ) كَذَا حُكْمُ (حُلِيٍّ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ وَزْنِهِ) ، فَيُعْطِي قِيمَتَهُ وَقْتَ قَرْضٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ [وَيَتَّجِهُ] (فَمُقْرِضُ قِرْشٍ) لِآخَرَ، (يَأْخُذُ مِنْهُ دَرَاهِمَ) بَدَلَهُ؛ (لَا يَجُوزُ) حَيْثُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ رِبًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَكَذَا ثَمَنٌ لَمْ يُقْبَضْ) إذَا كَانَ فُلُوسًا أَوْ مَغْشُوشَةً حَرَّمَهَا السُّلْطَانُ، (أَوْ رُدَّ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - ثَمَنٌ؛ أَيْ: رَدَّهُ بَائِعٌ (بِرَدِّ) مُشْتَرٍ (لِمَبِيعٍ) وَجَدَهُ مَعِيبًا وَنَحْوِهِ، وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَخْذَ ثَمَنِهِ الَّذِي أَقْرَضَهُ لِلْبَائِعِ، وَكَانَ الثَّمَنُ فُلُوسًا أَوْ دَرَاهِمَ مُكَسَّرَةً، فَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ، وَكَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا، فَرَدَّهُ الْبَائِعُ؛ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ قَبُولُهُ مِنْهُ؛ لِتَعَيُّبِهِ عِنْدَهُ، وَلَهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ عَقَدَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا إنْ جَرَى بَيْنَهُمَا رِبَا فَضْلٍ، وَنَصَّهُ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُكَسَّرَةِ قَالَ: يُقَوِّمُهَا كَمْ تُسَاوِي يَوْمَ أَخَذَهَا ثُمَّ يُعْطِيهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا (أُجْرَةُ صَدَاقٍ وَعِوَضُ خُلْعٍ) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ " وَقِيَاسُ ذَلِكَ؛ أَيْ: الْقَرْضِ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُكَسَّرَةً أَوْ فُلُوسًا، وَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ، وَقُلْنَا يَرُدُّ قِيمَتَهَا، جَمِيعُ الدُّيُونِ فِي بَدَلِ الْمُتْلَفِ وَالْمَغْصُوبِ وَالصَّدَاقِ وَالْفِدَاءِ وَالصُّلْحِ عِنْدَ الْقِصَاصِ وَالْكِتَابَةِ انْتَهَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ . (وَيَجِبُ) عَلَى مُقْتَرِضٍ (رَدُّ مِثْلِ فُلُوسٍ) اقْتَرَضَهَا، وَلَمْ تَحْرُمْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا، (وَ) رَدُّ مِثْلِ دَرَاهِمَ (مُكَسَّرَةٍ) أَوْ مَغْشُوشَةٍ (غَلَتْ، أَوْ رَخُصَتْ، أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 كَسَدَتْ) ، أَوْ نَفَقَتْ مَعَ بَقَاءِ التَّعَامُلِ بِهَا وَعَدَمِ تَحْرِيمِ السُّلْطَانِ لَهَا؛ فَيَرُدُّ مِثْلَهَا، سَوَاءٌ كَانَ الْغُلُوُّ وَالرُّخْصُ كَثِيرًا؛ بِأَنْ كَانَتْ عَشَرَةً بِدَانَقٍ فَصَارَتْ عِشْرِينَ بِدَانَقٍ، وَعَكْسُهُ، أَوْ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا شَيْءٌ؛ إنَّمَا تَغَيَّرَ السِّعْرُ؛ فَأَشْبَهَ الْحِنْطَةَ إذَا رَخُصَتْ أَوْ غَلَتْ. (وَ) يَجِبُ رَدُّ (مِثْلِ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ) يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، لَا صِنَاعَةَ فِيهِ مُبَاحَةٌ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يُضْمَنُ فِي الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ بِمِثْلِهِ، فَكَذَا هُنَا. قَالَ الْمُوَفَّقُ إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْفُلُوسِ أَوْ نَقَصَتْ؛ رَدَّ مِثْلَهَا؛ كَمَا لَوْ اقْتَرَضَ عَرَضًا مِثْلِيًّا؛ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ مِثْلَهُ وَإِنْ غَلَا أَوْ رَخُصَ؛ لِأَنَّ غُلُوَّ قِيمَتِهِ أَوْ نُقْصَانَهَا لَا يُسْقِطُ الْمِثْلَ عَنْ ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ، فَلَا يُوجَدُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقِيمَةِ، وَهَذَا هُوَ مُعَيَّنُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ نَصَّ الْإِمَامِ بِرَدِّ الْقِيمَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَبْطَلَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا، لَا فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَنُقْصَانِهَا، (فَإِنْ أَعْوَزَ) الْمِثْلُ، فَلَمْ يُوجَدْ؛ فَتُرَدُّ (قِيمَتُهُ يَوْمَ إعْوَازِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ ثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ. (وَ) يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ رَدُّ (قِيمَةِ غَيْرِهِمَا) ؛ أَيْ: الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ، فَضُمِنَ بِقِيمَتِهِ؛ كَالْغَصْبِ (يَوْمَ قَبْضٍ، وَلَوْ) كَانَ الْقَرْضُ (غَيْرَ جَوْهَرٍ) مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ بِكَثْرَةِ الرَّاغِبِ وَقِلَّتِهِ، فَتَزِيدُ زِيَادَةً كَثِيرَةً، فَيَنْضَرُّ الْمُقْتَرِضُ، وَتَنْقُصُ فَيَنْضَرُّ الْمُقْرِضُ، (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ: فَجَوْهَرٌ وَنَحْوُهُ يَوْمَ قَبْضٍ، وَغَيْرُهُ يَوْمَ قَرْضٍ، وَمَا فِي الْمُنْتَهَى " جَزَمَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَالْإِنْصَافِ " وَالْمُغْنِي " وَالشَّرْحِ " وَالْكَافِي " وَالْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلِ وَيَتَمَيَّزُ عَنْ مُثَمَّنٍ بِالْبِدَايَةِ، وَبَيَّنَّاهَا بَيَانًا لَا لَبْسَ مَعَهُ، فَلْتُرَاجَعْ هُنَاكَ، فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ، خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ. (وَيُرَدُّ مِثْلُ كَيْلِ مَكِيلٍ دُفِعَ وَزْنًا) ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ هُوَ مِعْيَارُهُ الشَّرْعِيُّ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 (وَعَكْسُهُ) ؛ أَيْ: مِثْلُ وَزْنِ مَوْزُونٍ دُفِعَ كَيْلًا؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ هُوَ مِعْيَارُهُ الشَّرْعِيُّ. (وَيَجُوزُ قَرْضُ مَا كِيلَ) ؛ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ (وَ) يَجُوزُ قَرْضُهُ (لِسَقْيٍ مُقَدَّرًا بِأُنْبُوبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا) مِمَّا يُعْمَلُ عَلَى هَيْئَتِهَا مِنْ فَخَّارٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ؛ (لِقَوْلِ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ: إذَا كَانَ مَحْدُودًا يُعْرَفُ كَمْ يَخْرُجُ مِنْهُ؛ فَلَا بَأْسَ) ؛ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّ مِثْلِهِ، (وَ) وَيَجُوزُ قَرْضُهُ مُقَدَّرًا (بِزَمَنٍ مِنْ نَوْبَةِ غَيْرِهِ؛ لِيَرُدَّ) مُقْتَرِضٌ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُقْرِضِ (مِثْلَهُ) فِي الزَّمَنِ (مِنْ نَوْبَتِهِ) ، نَصًّا قَالَ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْدُودٍ كَرِهْتُهُ؛ أَيْ: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ مِثْلِهِ. (وَ) يَجُوزُ قَرْضُ (خُبْزِ خَمِيرٍ عَدَدًا وَرَدُّهُ عَدَدًا بِلَا قَصْدِ زِيَادَةٍ أَوْ جُودَةٍ) ؛ «لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ الْجِيرَانُ يَسْتَقْرِضُونَ الْخُبْزَ وَالْخَمِيرَ، وَيَرُدُّونَ زِيَادَةً وَنُقْصَانًا، فَقَالَ: لَا بَأْسَ إنَّمَا ذَلِكَ مِنْ مَرَافِقِ النَّاسِ، لَا يُرَادُ بِهِ الْفَضْلُ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي " الشَّافِي " وَلِمَشَقَّةِ اعْتِبَارِهِ بِالْوَزْنِ مَعَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. [فَصْلٌ شَرْطُ رَهْنٍ فِي القرض] (فَصْلٌ: وَيَجُوزُ شَرْطُ رَهْنٍ فِيهِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَقْرَضَ مِنْ يَهُودِيٍّ شَعِيرًا، وَوَدَعَهُ دِرْعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَا جَازَ فِعْلُهُ جَازَ شَرْطُهُ. (وَ) يَجُوزُ [شَرْطُ] (ضَمِينٍ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَ) يَجُوزُ (بَذْلُ جُعْلٍ عَلَى اقْتِرَاضِهِ لَهُ بِجَاهِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَبْذُلُهُ مِنْ جَاهِهِ فَقَطْ، وَ (لَا) يَجُوزُ بَذْلُ جُعْلٍ (عَلَى ضَمَانِهِ لَهُ) ، نَصَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ، فَيَلْزَمُهُ الدَّيْنُ، وَإِنْ أَدَّاهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَصَارَ كَالْقَرْضِ، فَإِذَا أَخَذَ عِوَضًا؛ صَارَ الْقَرْضُ جَارًّا لِلْمَنْفَعَةِ؛ فَلَمْ يَجُزْ. (وَلَا) يَجُوزُ الْإِلْزَامُ بِشَرْطِ (تَأْجِيلِ) قَرْضٍ، (أَوْ) شَرْطِ (نَقْصٍ فِي وَفَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ (أَوْ) شَرْطِ (جَرِّ نَفْعٍ) ؛ فَيَحْرُمُ؛ كَشَرْطِ (أَنْ يُسْكِنَهُ) الْمُقْتَرِضُ (دَارِهِ، أَوْ يَقْضِيَهُ خَيْرًا مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ) مِمَّا أَقْرَضَهُ (أَوْ) أَنْ يَقْضِيَهُ (بِبَلَدٍ آخَرَ) ، وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَقُرْبَةٍ، فَشَرْطُ النَّفْعِ فِيهِ يُخْرِجُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، فَقَالَ فِي " الْمُغْنِي ": الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 الصَّحِيحُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ. (أَوْ) شَرَطَ الْمُقْرِضُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ (أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا رَخِيصًا) ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهِ نَفْعًا (أَوْ) [شَرَطَ (أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا، أَوْ) أَنْ (يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ، أَوْ) أَنْ (يُسَاقِيَهُ) عَلَى شَجَرَةٍ أَوْ يُزَارِعَهُ] عَلَى أَرْضٍ، (أَوْ) لِشَرْطِ مُقْتَرَضٍ أَنْ (يُسْكِنَهُ مُقْرِضٌ عَقَارًا يَفُوقُ أَجْرَ مِثْلِهِ) ، أَوْ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي صَنْعَةٍ، وَيُعْطِيَهُ أُنْقَصَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ (وَنَحْوُهُ مِمَّا يَجُرُّ نَفْعًا) ؛ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ فَعَلَ مَا يَحْرُمُ اشْتِرَاطُهُ؛ (فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَالْقَرْضُ صَحِيحٌ، وَإِنْ فَعَلَهُ) ؛ أَيْ: فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ (بِلَا شَرْطٍ بَعْدَ وَفَاءٍ) . وَلَا مُوَاطَأَةٍ؛ جَازَ، (أَوْ أَهْدَى) مُقْتَرِضٌ (لَهُ) هَدِيَّةً (بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: الْوَفَاءِ؛ جَازَ، (وَقَضَى) مُقْتَرِضٌ (خَيْرًا مِنْهُ بِلَا مُوَاطَأَةٍ) ؛ جَازَ؛ كَصِحَاحٍ عَنْ مُقَدَّرَةٍ أَوْ أَجْوَدَ نَقْدًا أَوْ سِكَّةٍ مِمَّا اقْتَرَضَ، وَكَذَا رَدُّ نَوْعٍ خَيْرًا مِمَّا أَخَذَ، أَوْ أَرْجَحَ يَسِيرًا فِي قَضَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. وَفِي " الْمُغْنِي " وَالْكَافِي " تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ؛ لِلْخَبَرِ (أَوْ عُلِمَتْ زِيَادَتُهُ) ؛ أَيْ: الْمُقْتَرِضِ عَلَى مِثْلِ الْقَرْضِ وَقِيمَتِهِ؛ (لِشُهْرَةِ سَخَائِهِ؛ جَازَ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَلَفَ بَكْرًا، فَرَدَّ خَيْرًا مِنْهُ، وَقَالَ: «خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ. وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تُجْعَلْ عِوَضًا فِي الْقَرْضِ، وَلَا وَسِيلَةً إلَيْهِ، وَلَا إلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ قَرْضٌ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ تَعْلِيلِ الْأَصْحَابِ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (جَوَازُ رَدِّ مِثْلٍ مُتَقَوِّمٍ مَعَ تَرَاضٍ) . قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِي الْمُتَقَوِّمِ أَنْ يَجُوزَ رَدُّ الْمِثْلِ بِتَرَاضِيهِمَا. انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا. وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 (وَ) إنْ قَالَ مُقْتَرِضٌ: (أَقْرَضَنِي أَلْفًا) لِأَشْتَرِيَ بِهَا بَقَرًا وَبِذَارًا، (وَادْفَعْ لِي أَرْضَكَ أَزْرَعُهَا بِالثُّلُثِ) أَوْ نَحْوَهُ؛ (حَرُمَ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهِ نَفْعًا (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ النَّاظِمُ وَصَاحِبُ " الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " وَالْمُوَفَّقِ. (وَلَوْ أَقْرَضَ) إنْسَانٌ (مَنْ لَهُ عَلَيْهِ بُرٌّ يَشْتَرِيهِ) ؛ أَيْ: الْبُرَّ بِمَا اقْتَرَضَهُ، (ثُمَّ يُوَفِّيهِ إيَّاهُ؛ جَازَ) الْعَقْدُ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ (كَإِرْسَالِهِ نَفَقَةً لِعِيَالِهِ، فَأَقْرَضَهَا) ؛ أَيْ: النَّفَقَةَ (رَجُلًا لِيُوَفِّيَهَا لَهُمْ) ؛ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، إذَا لَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهَا شَيْئًا زَائِدًا عَنْهَا، (وَكَقَرْضِهِ غَرِيمَهُ الْمُعْسِرَ أَلْفًا لِيُوَفِّيَهُ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْأَلْفِ (وَمِنْ دَيْنِهِ الْأَوَّلِ كُلَّ وَقْتٍ شَيْئًا) ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ أَيْضًا بِلَا كَرَاهَةٍ. (وَإِنْ فَعَلَ) مُقْتَرِضٌ (مَا) ؛ أَيْ: شَيْئًا (فِيهِ نَفْعٌ) ؛ بِأَنْ أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً، أَوْ عَمِلَ لَهُ عَمَلًا (قَبْلَ الْوَفَاءِ وَلَمْ يَنْوِ) مُقْرِضٌ (احْتِسَابَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ) لَمْ يَنْوِ (مُكَافَأَتَهُ) عَلَيْهِ؛ (لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ جَرَتْ عَادَةٌ بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: بَيْنَ الْمُقْرِضِ وَالْمُقْتَرِضِ (بِهِ) ؛ أَيْ: بِذَلِكَ الْفِعْلِ (قَبْلَ قَرْضٍ) ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ، فَأَهْدَى إلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ؛ فَلَا يَرْكَبْهَا، وَلَا يَقْبَلْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَكَذَا الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَالشُّعَبِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: " قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ، فَقَالَ لِي إنَّكَ بِأَرْضٍ فِيهَا الرِّبَا فَاشٍ، فَإِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ؛ فَلَا تَأْخُذْهُ؛ فَإِنَّهُ رِبًا " وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا» (وَكَذَا كُلُّ غَرِيمٍ) ؛ أَيْ: مَدِينٍ؛ حُكْمُهُ كَالْمُقْتَرِضِ فِيمَا تَقَدَّمَ (غَيْرُ اسْتِعْمَالِ رَهْنٍ وَيَأْتِي) أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الرَّهْنِ لِمَصْلَحَتِهِ؛ كَخَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ عُثٍّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 (فَإِنْ اسْتَضَافَهُ) مُقْتَرِضٌ (حَسَبَ لَهُ) مُقْرِضٌ (مَا أَكَلَ) عِنْدَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ نَصًّا، أَوْ كَافَأَهُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بَيْنَهُمَا بِهِ قَبْلَ الْقَرْضِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا) يَحْسُبُ لَهُ مَا أَكَلَ عِنْدَهُ مِنْ (ضِيَافَةٍ وَاجِبَةٍ) ؛ كَكَوْنِ الْمُقْتَرِضِ عَمِلَ وَلِيمَةَ عُرْسٍ، وَدَعَا الْمُقْرِضَ إلَيْهَا، وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ وَمَرَّ عَلَيْهِ، فَقَدَّمَ لَهُ طَعَامًا؛ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ أَكْلُهُ بِلَا احْتِسَابٍ وَلَا نِيَّةِ مُكَفَّأَةٍ؛ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْقَرْضُ (فِي الدَّعَوَاتِ) إذَا فَعَلَ الْمُقْتَرِضُ وَلِيمَةً أَوْ عَقِيقَةً وَنَحْوَهَا؛ (كَغَيْرِهِ) مِمَّنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ. (وَمَنْ طُولِبَ) مِنْ مُقْتَرِضٍ وَغَيْرِهِ؛ أَيْ: طَالَبَهُ رَبُّ دَيْنِهِ (بِبَذْلِ قَرْضٍ) ، أَوْ ثَمَنٍ فِي ذِمَّةٍ، (أَوْ) طُولِبَ بِبَدَلِ (غَصْبٍ بِبَلَدٍ آخَرَ) غَيْرِ بَلَدِ قَرْضٍ وَغَصْبٍ؛ (لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الْمَدِينَ أَوْ الْغَاصِبَ رَدُّ الْبَدَلِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ قَضَاءِ الْحَقِّ بِلَا ضَرَرٍ، (إلَّا مَا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ) ؛ كَحَدِيدٍ وَقُطْنٍ وَبُرٍّ (وَقِيمَتُهُ بِبَلَدِ الْقَرْضِ) أَوْ الْغَصْبِ (أَنْقَصُ) مِنْ قِيمَتِهِ بِبَلَدِ الطَّلَبِ؛ (فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَتُهُ بِهَا) ؛ أَيْ: [بَلَدِ] الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمْهُ حَمْلٌ إلَى بَلَدِ الطَّلَبِ، فَيَصِيرُ كَالْمُتَعَذَّرِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ، وَاعْتُبِرَتْ بِبَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ، وَ (لَا) يَلْزَمُ مُقْتَرِضًا أَوْ غَاصِبًا بَذْلُ (الْمِثْلِ، وَلَا) بَذْلُ (الْقِيمَةِ بِمَحَلِّ طَلَبٍ) ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ طُولِبَ بِعَيْنِ الْغَصْبِ بِغَيْرِ بَلَدِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَكَذَا لَوْ طُولِبَ بِأَمَانَةٍ أَوْ عَارِيَّةً وَنَحْوِهَا بِغَيْرِ بَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهَا إلَيْهِ، (وَمَعَ تَسَاوٍ) ؛ أَيْ: بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِبَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ مُسَاوِيَةً لِبَلَدِ الطَّلَبِ، (أَوْ أَكْثَرَ؛ لَزِمَ) مُقْتَرِضًا وَغَاصِبًا دَفْعُ (الْمِثْلِ) بِبَلَدِ الطَّلَبِ؛ لِمَا سَبَقَ. (وَلَوْ بَذَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمِثْلَ (مُقْتَرِضٌ أَوْ غَاصِبٌ بِغَيْرِ بَلَدِهِ) ؛ أَيْ: بَلَدِ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ، (وَلَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ) إلَيْهِ؛ كَأَثْمَانٍ؛ (لَزِمَ) مُقْرِضًا وَمَغْصُوبًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 مِنْهُ (قَبُولُهُ مَعَ أَمْنِ بَلَدٍ وَطَرِيقٍ) ؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ إذَنْ. وَكَذَا ثَمَنٌ وَأُجْرَةٌ وَنَحْوُهُمَا، فَإِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، أَوْ الْبَلَدُ أَوْ الطَّرِيقُ غَيْرَ آمِنٍ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ - وَلَوْ تَضَرَّرَ الْمُقْتَرِضُ أَوْ الْغَاصِبُ - لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. (وَمَعَ بَقَاءِ مَغْصُوبٍ) إذَا بَذَلَ الْغَاصِبُ بَدَلَهُ لِرَبِّهِ؛ (لَمْ يُجْبَرْ رَبُّهُ عَلَى قَبُولِهِ) ؛ أَيْ: الْبَدَلِ (بِحَالٍ) لَا مَعَ مُؤْنَةٍ لِلْحَمْلِ، وَلَا عَدَمِهَا، وَلَا مَعَ أَمْنِ الْبَلَدِ أَوْ الطَّرِيقِ، وَلَا مَعَ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْبَدَلِ مُعَاوَضَةٌ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ. وَلَوْ أَقْرَضَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا خَمْرًا، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا؛ بَطَلَ الْقَرْضُ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُقْتَرِضِ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ مُقْرِضٌ لِمُقْتَرَضٍ: إنْ مِتَّ - بِضَمِّ التَّاءِ - فَأَنْتَ فِي حِلٍّ؛ فَوَصِيَّتُهُ صَحِيحَةٌ؛ كَسَائِرِ الْوَصَايَا، وَإِنْ قَالَ لَهُ: إنْ مِتَّ - بِفَتْحِهَا - فَأَنْتَ فِي حِلٍّ؛ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وَشَرْطُ الْإِبْرَاءِ أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا؛ كَالْهِبَةِ. [بَابُ الرَّهْنِ] ِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ، يُقَالُ: مَاءٌ رَاهِنٌ؛ أَيْ: رَاكِدٌ، وَنِعْمَةٌ رَاهِنَةٌ؛ أَيْ: دَائِمَةٌ، وَقِيلَ هُوَ الْحَبْسُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ: مَحْبُوسَةٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَحْبُوسَ ثَابِتٌ فِي مَكَان لَا يُزَايِلُهُ. وَشَرْعًا (تَوْثِقَةُ دَيْنٍ) غَيْرُ سَلَمٍ وَدَيْنِ كِتَابَةٍ؛ لِعَدَمِ لُزُومِهِ، (أَوْ) تَوْثِقَةُ (عَيْنٍ) مَضْمُونَةٍ؛ كَعَارِيَّةٍ وَمَقْبُوضٍ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ (بِعَيْنٍ) ؛ أَيْ: جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ (يُمْكِن أَخْذُهُ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ كُلِّهِ، (أَوْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 (بَعْضِهِ) ، إنْ لَمْ تَفِ بِهِ (مِنْهَا) ؛ أَيْ: الْعَيْنِ إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، (أَوْ) يُمْكِنُ أَخْذُهُ أَوْ بَعْضِهِ مِنْ (ثَمَنِهَا) ، إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] . وَحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ حَضَرًا وَسَفَرًا لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَذِكْرُ الْآيَةِ فِي السَّفَرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَدَمُ الْكَاتِبِ. (وَالْمَرْهُونُ عَيْنٌ مَعْلُومَةٌ) قَدْرًا وَجِنْسًا وَصِفَةً (جُعِلَتْ وَثِيقَةً بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) ؛ أَيْ: الْحَقِّ (أَوْ) اسْتِيفَاءُ (بَعْضِهِ مِنْهَا أَوْ مِنْ ثَمَنِهَا) ؛ كَمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ نَحْوِ وَقْفٍ وَحُرٍّ وَأُمِّ وَلَدٍ وَدَيْنِ سَلَمٍ وَكِتَابَةٍ. (وَيَنْعَقِدُ) الرَّهْنُ (بِلَفْظٍ) . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَالْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِمَا: وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِدُونِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ؛ كَسَائِرِ الْعُقُودِ. (وَ) يَنْعَقِدُ (بِمُعَاطَاةٍ) ؛ كَالْبَيْعِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ". (وَتَصِحُّ زِيَادَةُ رَهْنٍ) ؛ بِأَنْ رَهَنَهُ شَيْئًا عَلَى دَيْنٍ ثُمَّ رَهَنَهُ شَيْئًا آخَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْثِقَةٌ، (وَلَا) تَصِحُّ زِيَادَةُ (دَيْنِهِ) ؛ بِأَنْ اسْتَدَانَ مِنْهُ دِينَارًا وَرَهَنَهُ كِتَابًا، أَوْ أَقْبَضَهُ لَهُ مِنْهُ، ثُمَّ اقْتَرَضَ مِنْهُ دِينَارًا آخَرَ، وَجَعَلَ الْكِتَابَ رَهْنًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ رَهْنُ مَرْهُونٍ، وَالْمَشْغُولُ لَا يُشْغَلُ. (وَيَتَّجِهُ) لَا تَصِحُّ زِيَادَةُ دَيْنِ الرَّهْنِ (إلَّا بِعَقْدٍ مُتَجَدِّدٍ) ؛ كَأَنْ يَفْسَخَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، ثُمَّ يُجَدِّدَ مَعَ الرَّاهِنِ عَقْدًا عَلَى الدَّيْنَيْنِ بِذَلِكَ الرَّهْنِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 (وَ) يَصِحُّ (رَهْنُ) كُلِّ (مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) مِنْ الْأَعْيَانِ لَا الْمَنَافِعِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاشْتِيَاقُ لِلْوُصُولِ لِلدَّيْنِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ، (وَلَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّرًا مُعَارًا) ؛ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ (بِإِذْنِ) رَبِّهِ لَهُ فِي رَهْنِهِ - وَلَوْ لِرَبِّ دَيْنٍ - لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ (وَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْعَارِيَّةِ) ؛ لِانْتِقَالِهَا لِلْأَمَانَةِ إنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا الْمُرْتَهِنُ، (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مَعِيبًا؛ كَقِنٍّ مُرْتَدٍّ) وَقَاتِلٍ فِي مُحَارَبَةٍ - وَلَوْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ - (وَ) قِنٍّ (جَانٍ) عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى نَفْسٍ أَوْ دُونِهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي مَحَلِّ الْحَقِّ، (وَلَا خِيَارَ لِمُرْتَهِنٍ عَالِمٍ) بِالْحَالِ مِنْ الرِّدَّةِ وَالْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ أَوْ الْجِنَايَةِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، (وَإِلَّا) يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِالْحَالِ، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَفِدَاءِ الْجَانِي؛ وَكَذَلِكَ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ زَالَ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ (فَلَهُ رَدُّهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (وَفَسْخُ بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ) ؛ أَيْ: عَقْدُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، فَلَمْ يُوفِ لَهُ بِشَرْطِهِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: لِلْمُرْتَهِنِ (الْإِمْسَاكُ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (بِلَا أَرْشٍ) لَهُ لِذَلِكَ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَوْ تَلِفَ بِجُمْلَتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لَمْ يُمْلَكْ بَدَلُهُ، فَبَعْضُهُ أُولَى، وَكَذَلِكَ لَا أَرْشَ لِلْمُرْتَهِنِ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ حَتَّى قُتِلَ الْعَبْدُ بِالرِّدَّةِ أَوْ الْمُحَارَبَةِ أَوْ الْقِصَاصِ أَوْ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ أَوْ سُلِّمَ لِوَلِيِّهَا، وَمَتَى امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ فِدَاءِ الْجَانِي؛ لَمْ يُجْبَرْ، وَيُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى الرَّهْنِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَنَى بَعْدَ الرَّهْنِ. (وَإِنْ تَعَيَّبَ) الرَّهْنُ (قَبْلَ قَبْضٍ) ، أَوْ اسْتَحَالَ الْعَصِيرُ الْمَرْهُونُ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضٍ؛ (فَكَذَلِكَ) ؛ أَيْ: يُخَيِّرُ بَيْنَ إمْسَاكِهِ مَعِيبًا، أَوْ رَدِّهِ وَفَسْخِ الْبَيْعِ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا [فِيهِ] ، (فَلَوْ رَهَنَهُ دَارًا فَانْهَدَمَتْ) الدَّارُ (قَبْلَ قَبْضِهَا؛ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ) لَمْ يَبْطُلْ بِتَهَدُّمِهَا؛ لِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ، (وَلِمُرْتَهِنٍ الْخِيَارُ) بَيْنِ إمْسَاكهَا مُتَهَدِّمَةً، أَوْ رَدِّهَا وَفَسْخِ الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِيهِ، وَكَذَا قَرْضٌ (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مَبِيعًا) - وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ - لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ إذَنْ، فَصَحَّ رَهْنُهُ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ (غَيْرَ مَكِيلٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ، وَمَا بِيعَ بِصِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ (قَبْلَ قَبْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إذَنْ، فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ، (وَلَوْ) كَانَ رَهْنُ الْمَبِيعِ (عَلَى ثَمَنِهِ) ؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنٌ، وَالْمَبِيعُ مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي؛ فَجَازَ رَهْنُهُ؛ كَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ، (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مُشَاعًا) وَلَوْ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَيَّنٍ فِي مُشَاعٍ يُقَسَّمُ إجْبَارًا؛ بِأَنْ رَهَنَ نَصِيبَهُ مِنْ بَيْتٍ مِنْ دَارٍ يَمْلِكُ نِصْفَهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ فَصَحَّ رَهْنُهُ [وَاحْتِمَالُ حُصُولِهِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ بِالْقِسْمَةِ مَمْنُوعٍ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَتَصَرَّفُ بِمَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ] . وَإِذَا رَهَنَهُ الْمَتَاعَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُولًا؛ [لَمْ يَحْتَجْ فِي التَّخْلِيَةِ لِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ يُنْقَلُ وَرَضِيَ الشَّرِيكُ وَالْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ] بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا؛ جَازَ (وَإِنْ لَمْ يَرْضَ شَرِيكٌ وَمُرْتَهِنٌ بِكَوْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرَكِ (بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ) ، بِيَدِ (غَيْرِهِمَا؛ جَعَلَهُ حَاكِمٌ بِيَدِ أَمِينٍ أَمَانَةً، أَوْ) جَعَلَهُ بِيَدِ أَمِينٍ (بِأُجْرَةٍ) يَأْخُذُهَا الْأَمِينُ (مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ عَلَى حِفْظِهِ، (أَوْ أَجَرَهُ) الْحَاكِمُ عَلَيْهِمَا، فَيَجْتَهِدُ فِي الْأَصْلَحِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا فِيهِ، فَتَعَيَّنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِحِفْظِهِ عَلَيْهِمَا. (وَإِنْ رَهَنَ نِصْفَ بَيْتٍ مُعَيَّنٍ مُشَاعٍ مِنْ دَارٍ مُشَاعَةٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ، وَاقْتَسَمَا؛ أَيْ: الرَّاهِنُ وَشَرِيكُهُ الدَّارَ الْمُشْتَرَكَةَ، (فَوَقَعَ) الْمُعَيَّنُ (الْمَرْهُونُ) بَعْضُهُ - وَهُوَ الْبَيْتُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ - (لِغَيْرِ رَاهِنٍ؛ لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ) ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ بِمَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ فَيُمْنَعُ مِنْ الْقِسْمَةِ الْمُضِرَّةِ؛ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ، (قَطَعَ بِهِ) ؛ أَيْ: بِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ (الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ) ، وَمَعْنَاهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ". (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مُدَبَّرًا) ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَالْحُكْمُ فِيمَا إذًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ وُجُودَ التَّدْبِيرِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ؛ كَالْحُكْمِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ، (أَوْ) كَانَ (مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَهَا) ؛ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي شَعْبَانَ؛ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ؛ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، (أَوْ) كَانَ وُجُودُ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ (يُحْتَمَلُ) قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ وَبَعْدَهُ؛ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى (قُدُومِ زَيْدٍ) ؛ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ أَيْضًا؛ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمَرِيضِ، (وَيُبَاعُ مُدَبَّرٌ) كُلُّهُ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ يَفْضُلُ عَنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ، (وَاسْتَغْرَقَهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَبَّرَ (الدَّيْنُ) وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ؛ كَالْوَصِيَّةِ، (وَإِلَّا) يَسْتَغْرِقْهُ الدَّيْنُ (بِيعَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَبَّرُ (بِقَدْرِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ (وَعَتَقَ ثُلُثُ الْبَاقِي) مِنْهُ بِالتَّدْبِيرِ (وَبَاقِيهِ لِلْوَرَثَةِ) ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْوَفَاءِ، فَعَتَقَ الْمُدَبَّرُ لِخُرُوجِهِ كُلِّهِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ؛ بَطَلَ رَهْنُهُ؛ كَمَا لَوْ مَاتَ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْضُهُ لِعَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ؛ بَقِيَ الرَّهْنُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ قِنًّا، كَمَا لَوْ تَلِفَ الْبَعْضُ وَبَقِيَ الْبَعْضُ. (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مُكَاتَبًا) ؛ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ. لِجَوَازِ بَيْعِهِ وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ. وَ (لَا) يَصِحُّ رَهْنُهُ (لِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) ؛ بِأَنْ رَهَنَ الْمُكَاتَبَ عِنْدَ رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ؛ (لِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: مُرْتَهِنَ رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ (لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ) عِنْدَ جَوَازِهِ، وَيَأْتِي فِي الْكِتَابَةِ. (وَيُمَكِّنُ) ؛ أَيْ: يُمَكِّنُهُ الْمُرْتَهِنُ (مِنْ كَسْبٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ، وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَمَا أَدَّاهُ مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ رَهْنٌ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ كَنَمَائِهِ، (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَعَادَ قِنًّا؛ (فَهُوَ وَكَسْبُهُ رَهْنٌ؛) لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ، (وَإِنْ عَتَقَ) بِأَدَاءٍ أَوْ إعْتَاقٍ (فَمَا أَدَّى بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ رَهْنٌ) ؛ كَقِنٍّ مَرْهُونٍ اكْتَسَبَ وَمَاتَ. (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (يَسْرُعُ فَسَادُهُ) ؛ كَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ وَطَبِيخٍ - وَلَوْ رَهَنَهُ (بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ) - لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ، (وَيُبَاعُ) ؛ أَيْ: يَبِيعُهُ حَاكِمٌ (إنْ لَمْ يَكُنْ تَجْفِيفُهُ) ؛ لِحِفْظِهِ بِالْبَيْعِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 (وَلَوْ شُرِطَ) فِي رَهْنِ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ (عَدَمُ بَيْعِهِ) ؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ لِمُنَافَاتِهِ الْعَقْدَ؛ كَمَا لَوْ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ عَدَمُ النَّفَقَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ، فَيُبَاعُ، (وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا) مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَيُوَفَّى مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ حَالًّا، (وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ رَهَنَهُ ثِيَابًا فَخَافَ) الْمُرْتَهِنُ (تَلَفَهَا، أَوْ) رَهَنَهُ (حَيَوَانًا، فَخَافَ مَوْتَهُ) ؛ فَيُبَاعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (قِنًّا مُسْلِمًا) وَلَوْ بِدَيْنٍ (لِكَافِرٍ إذَا شُرِطَ) فِي الرَّهْنِ (كَوْنُهُ بِيَدِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ) ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] (وَيَتَّجِهُ) لَا سِيَّمَا (إنْ كَانَ) الْقِنُّ الْمَرْهُونُ (أُنْثَى أَوْ كَانَ أَمْرَدَ) ، فَيَتَأَكَّدُ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ بِيَدِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَكَقِنٍّ) فِي الْحُكْمِ رَهْنُ (كُتُبِ حَدِيثٍ وَتَفْسِيرٍ) لِكَافِرِ؛ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ جَعْلِهَا بِيَدِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ؛ لِأَمْنِ الْمَفْسَدَةِ، فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ؛ لَمْ يَصِحَّ (لَا مُصْحَفًا) ، فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ - وَلَوْ لِمُسْلِمٍ - لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى بَيْعِهِ الْمُحَرَّمِ، (أَوْ دَيْنًا) ؛ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ (- وَلَوْ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ -) صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " فِي آخِرِ السَّلَمِ بِصِحَّتِهِ، وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي " الِانْتِصَارِ " لَكِنَّ صَرِيحَ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُ مَا فِي " الْإِقْنَاعِ " وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ جِلْدَ عَقِيقَةٍ) ؛ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ، كَذَا قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُبَاعُ الْجِلْدُ وَالرَّأْسُ وَالسَّوَاقِطُ، وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَالْخُلَاصَةِ " وَالْمُنَوِّرِ " وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى. وَفِي الشَّرْحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ صِحَّةَ بَيْعِ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ وَالسَّوَاقِطِ قَالَ: لِأَنَّ الذَّبِيحَةَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى. وَحَيْثُ تَقَرَّرَ صِحَّةُ بَيْعِ الْجِلْدِ؛ فَلَا رَيْبَ فِي صِحَّةِ رَهْنِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهِ. لَوْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ، يَضْمَنُهَا الرَّاهِنُ بَدَلَ ثَمَنِهِ لِلْفُقَرَاءِ (وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) ؛ كَحُرٍّ وَأُمِّ وَلَدٍ وَوَقْفٍ وَعَيْنٍ مَرْهُونَةٍ وَكَلْبٍ - وَلَوْ مُعَلَّمًا - وَآبِقٍ وَمَجْهُولٍ؛ (لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ، وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ؛ (كَكِيسٍ بِمَا فِيهِ) ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِلْجَهَالَةِ، وَكَذَا أَحَدُ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ، وَهَذَا الْبَيْتُ بِمَا فِيهِ (وَنَحْوِ أَرْضِ مِصْرَ) ؛ كَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، وَلَمْ يُقَسَّمْ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَفَهَا، وَأَقَرَّهَا بِأَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ (وَكَذَا حُكْمُ بِنَائِهَا) ؛ أَيْ: الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ آلَتُهُ (مِنْهَا) ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَالْكَافِي " وَالْمُبْدِعِ " هُنَا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ بَيْعَ الْمَسَاكِنِ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَتَّجِهُ صِحَّتُهُ) ؛ أَيْ: صِحَّةُ رَهْنِ مَا بُنِيَ مِنْ مَسَاكِنِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْبِنَاءُ مَوْجُودًا قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ أُحْدِثَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اقْتَطَعُوا الْخُطَطَ فِي الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَبَنَوْهَا مَسَاكِنَ، وَتَبَايَعُوهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ؛ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 (سِوَى رَهْنِ ثَمَرَةٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا) بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ، (وَ) سِوَى رَهْنِ (زَرْعٍ أَخْضَرَ بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ) ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِهِمَا؛ لِعَدَمِ أَمْنِ الْعَاهَةِ وَبِتَقْدِيرِ تَلَفِهِمَا لَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ الْمُرْتَهِنِ، (وَ) سِوَى (قِنٍّ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَيَصِحُّ رَهْنُهُ (دُونَ وَلَدِهِ وَنَحْوِهِ) ؛ كَوَالِدِهِ وَأَخِيهِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ بَيْعِهِ وَحْدَهُ؛ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا؛ فَإِنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ بَيْعُ الرَّهْنِ (يُبَاعَانِ) مَعًا لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ (وَيَخْتَصُّ الْمُرْتَهِنَ بِمَا يَخُصُّ الْمَرْهُونَ مِنْ ثَمَنِهِمَا) ، فَيُوَفَّى مِنْهُ دَيْنُهُ، وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ؛ فَلِرَاهِنٍ، وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ فَبِذِمَّةِ مَدِينٍ، فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ مَعَ كَوْنِهِ ذَا وَلَدٍ مِائَةً وَقِيمَةُ الْوَلَدِ خَمْسُونَ؛ فَحِصَّةُ الرَّاهِنِ ثُلُثًا الثَّمَنِ، (لَكِنْ لَوْ رَهَنَ ثَمَرَةً عَلَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ) إلَى أَجَلٍ (تَحْدُثُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْأَجَلِ ثَمَرَةٌ (أُخْرَى) بِحَيْثُ (لَا تَتَمَيَّزُ) عَنْ الثَّمَرَةِ الْمَرْهُونَةِ؛ فَالرَّهْنُ (بَاطِلٌ) ؛ لِجَهَالَتِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْحَقِّ (وَإِنْ) جُعِلَتْ الثَّمَرَةُ رَهْنًا عَلَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ؛ وَ (شُرِطَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - فِي الْعَقْدِ (قَطْعٌ) عِنْدَ حُدُوثِ غَيْرِهَا؛ (فَلَا) يَكُونُ الرَّهْنُ بَاطِلًا؛ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ، وَعَدَمِ الْغَرَرِ. (وَلَوْ) تُرِكَ قَطْعُهَا حَتَّى (حَدَثَتْ) ثَمَرَةٌ (أُخْرَى) ، وَاخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا؛ فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا، فَإِنْ سَمَحَ الرَّاهِنُ بِبَيْعِ الثَّمَرَةِ الْمَرْهُونَةِ، وَمَا اخْتَلَطَتْ بِهِ عَلَى أَنَّهُ رَهْنٌ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَزِيَادَةِ الرَّهْنِ، أَوْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرٍ مِنْهُ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا، (وَ) إنْ اخْتَلَفَا وَتَشَاحَّا؛ (فَيُقْبَلُ قَوْلُ رَاهِنٍ) بِيَمِينِهِ (فِي قَدْرِ حَادِثٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. [فَصَلِّ شَرْطُ تَنْجِيزِ الرَّهْن] (فَصْلٌ) : لَمَّا كَانَتْ صِحَّةُ الرَّهْنِ تَفْتَقِرُ إلَى شُرُوطٍ سِتَّةٍ اُحْتِيجَ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا. فَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (وَشَرْطُ تَنْجِيزِ رَهْنٍ، فَلَا يَصِحُّ مُعَلَّقًا) ؛ كَالْبَيْعِ. وَالثَّانِي: (كَوْنُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (مَعَ حَقٍّ) ؛ كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ تَرْهَنُنِي بِهَا عَبْدَك هَذَا، فَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْت؛ فَيَصِحُّ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْقِدْهُ مَعَ الْحَقِّ؛ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إلْزَامِ الْمُشْتَرِي بِهِ بَعْدُ، (أَوْ بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: الْحَقِّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ، فَجَعَلَهُ بَدَلًا عَنْ الْكِتَابَةِ، فَيَكُونُ فِي مَحِلِّهَا وَهُوَ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَقِّ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَابِعٌ لَهُ؛ كَالشَّهَادَةِ، فَلَا يَتَقَدَّمُهُ. (وَ) الثَّالِثُ كَوْنُ رَاهِنٍ (مِمَّنْ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَتَبَرُّعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فِي الْمَالِ، فَلَمْ يَصِحَّ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ؛ كَالْبَيْعِ، (وَلَوْ) كَانَ الرَّاهِنُ (غَيْرَ مَدِينٍ) لِلْمُرْتَهِنِ (فَيَصِحُّ رَهْنُ مَالِهِ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ) - وَلَوْ (بِلَا إذْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمَدِينِ أَوْ رِضَاهُ -[كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَأَوْلَى] وَهُوَ نَظِيرُ إعَارَةِ الْمَدِينُ شَيْئًا يَرْهَنُهُ. صَرَّحَ بِجَوَازِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَ) الرَّابِعُ (كَوْنُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (مِلْكَهُ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنِ، (وَلَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ) ؛ أَيْ: الْمِلْكِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ مِلْكُهُ؛ صَحَّ؛ كَمَنْ رَهَنَ قِنَّ أَبِيهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ قَبْلَ الرَّهْنِ، وَانْتَقَلَ الْقِنُّ إلَيْهِ، (أَوْ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَعَارَ دَارًا مَثَلًا، وَأَذِنَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ الْمُعِيرُ لَهُ بِرَهْنِهَا، فَرَهَنَهَا؛ صَحَّ؛ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِذْنِ تَعْيِينُ الدَّيْنِ، وَلَا وَصْفُهُ، وَلَا مَعْرِفَةُ رَبِّ الدَّيْنِ، (وَيَنْبَغِي) لِلْمَدِينِ (أَنْ يُذَكِّرَ الْآذِنَ) مِنْ نَحْوِ مُؤَجِّرٍ وَمُعِيرٍ (الْمُرْتَهَنَ) ، فَيَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أَرْهَنَهُ عِنْدَ زَيْدٍ مَثَلًا، (وَ) يَذْكُرُ لَهُ (قَدْرَ دَيْنٍ) يَرْهَنُهُ بِهِ، (وَ) يَذْكُرُ لَهُ (جِنْسَهُ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ؛ كَذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، (وَ) يَذْكُرُ لَهُ (مُدَّةَ رَهْنٍ) ؛ كَشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، (فَإِنْ شُرِطَ) فِي الْإِذْنِ (شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: شَرَطَ الْآذِنُ عَلَى الْمَدِينِ أَنْ لَا يَرْهَنَهُ إلَّا عِنْدَ زَيْدٍ مَثَلًا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى مُدَّةِ كَذَا، فَخَالَفَ الْمَدِينُ، (وَرَهَنَهُ بِغَيْرِهِ) ؛ أَيْ: غَيْرِ شَرْطِهِ؛ (لَمْ يَصِحَّ) الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ (لَكِنْ لَوْ رَهَنَهُ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 أَيْ: رَهَنَ الْمَدِينُ الْمُؤَجَّرَ أَوْ الْمُعَارِ الْمَأْذُونَ فِيهِ (بِأَنْقَصَ مِمَّا قُدِّرَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بَعْضَ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، (وَ) لَوْ رَهَنَهُ (بِأَكْثَرَ؛ صَحَّ) الرَّهْنُ (فِيمَا قُدِّرَ) لَهُ (فَقَطْ) ، وَبَطَلَ فِي الزِّيَادَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَهُ فِي دَنَانِيرَ، فَرَهَنَهُ بِدَرَاهِمَ وَعَكْسُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِلْمُخَالَفَةِ. (وَيَمْلِكُ آذِنٌ) مُؤَجِّرًا كَانَ أَوْ مُعِيرًا (الرُّجُوعَ) فِي الْإِذْنِ فِي الرَّهْنِ (قَبْلَ إقْبَاضِهِ) الْمُرْتَهَنَ، (لَا بَعْدَهُ) ؛ لِلُزُومِهِ. (وَيُطَالِبُ) مُعِيرٌ (رَاهِنًا بِفَكِّهِ) فِي مَحِلِّ الْحَقِّ وَقَبْلَ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَلْزَمُ، وَلَا يَمْلِكُ مُؤَجِّرٌ الرُّجُوعَ (فِي إجَارَةِ عَيْنِ الرَّهْنِ قَبْلَ) مُضِيِّ (مُدَّتِهَا) ؛ أَيْ: الْإِجَارَةُ؛ لِلُزُومِهَا (وَإِنْ بِيعَ) رَهْنٌ مُؤَجَّرٌ أَوْ مُعَارٍ (مَأْذُونٌ) لِلرَّاهِنِ (فِيهِ) لِوَفَاءِ دَيْنٍ؛ (رَجَعَ) مُؤَجِّرٌ أَوْ مُعِيرٌ (عَلَى رَاهِنٍ بِمِثْلٍ مِثْلِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى رَبِّهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ، (وَ) رَجَعَ (بِالْأَكْثَرِ مِنْ مُتَقَوِّمٍ، أَوْ مَا) ؛ أَيْ: ثَمَنٍ (بِيعَ بِهِ) اخْتَارَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " " وَالتَّلْخِيصِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " " وَالْمُنَوِّرِ " قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ": (فَإِنْ بِيعَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا؛ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْأَصَحِّ) ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ " وَصَوَّبَهُ فِي " حَوَاشِي الْفُرُوعِ " " وَالْإِنْصَافِ " وَقَدَّمَهُ فِي " التَّنْقِيحِ "، لِأَنَّهُ إنْ بِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَ الرَّاهِنُ نَقْصَهُ، وَبِالْأَكْثَرِ فَثَمَنُهُ كُلُّهُ لِمَالِكِهِ؛ إذْ لَوْ أَسْقَطَ مُرْتَهِنٌ حَقَّهُ مِنْ رَهْنٍ؛ رَجَعَ ثَمَنُهُ كُلُّهُ لِرَبِّهِ، فَإِذَا قَضَى رَبُّهُ دَيْنَ الرَّاهِنِ؛ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ضَمَانِ نَقْصِهِ أَلَّا تَكُونَ زِيَادَتُهُ لِرَبِّهِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ. (وَإِنْ تَلَفَ) رَهْنٌ مُعَارٍ أَوْ مُؤَجَّرٌ بِتَفْرِيطِهِ؛ ضَمِنَهُ رَاهِنٌ بِبَدَلِهِ، وَبِلَا تَفْرِيطٍ؛ (ضَمِنَ رَاهِنٌ لَا مُرْتَهِنٌ الْمُعَارَ، لَا الْمُؤَجَّرَ) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ وَالْمُؤَجَّرَ أَمَانَةٌ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ التَّفْرِيطِ. (وَإِنْ قَالَ مَأْذُونٌ) فِي الرَّهْنِ لِمَالِكِهِ: (أَذِنْتُ لِي فِي رَهْنِهِ بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ) الْمَالِكُ: (بَلْ) أَذِنْتُ لَك فِي رَهْنِهِ (بِخَمْسَةٍ؛ فَقَوْلُ آذِنٍ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْإِذْنِ فِي الزِّيَادَةِ، وَيَكُونُ رَهْنًا بِالْخَمْسَةِ فَقَطْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 (وَ) الْخَامِسُ (كَوْنُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (مَعْلُومًا جِنْسُهُ وَقَدْرُهُ وَصِفَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَالٍ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ؛ كَالْبَيْعِ. (وَ) السَّادِسُ كَوْنُهُ (بِدَيْنٍ وَاجِبٍ) ؛ كَقَرْضٍ وَثَمَنٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ (غَيْرِ سَلَمٍ) ، وَتَقَدَّمَ (أَوْ) بِشَيْءٍ (مَآلُهُ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ الْوَاجِبِ؛ (كَثَمَنٍ) فِي (مُدَّةِ خِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ (وَأُجْرَةٍ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ) مَأْجُورٍ (وَمَهْرٍ قَبْلَ دُخُولٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ (وَبِعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ؛ كَغَصْبٍ وَعَارِيَّةٍ وَمَقْبُوضٍ) عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ (بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْوَثِيقَةُ بِالْحَقِّ، وَهَذَا حَاصِلٌ؛ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهَذِهِ الْأَعْيَانِ يَحْمِلُ الرَّاهِنَ عَلَى أَدَائِهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ أَدَاؤُهَا اُسْتُوْفِيَ بِهِ لَهَا مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ، فَأَشْبَهَتْ مَا فِي الذِّمَّةِ. وَيَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَى (نَفْعِ إجَارَةٍ بِذِمَّةٍ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ دَارٍ) ، وَحَمْلِ مَعْلُومٍ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، وَيَكُنْ وَفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ؛ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ ثَمَنِهِ مَنْ يَعْمَلُهُ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ (بِنَفْعِ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِجَارَةُ مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ، وَلِذَا كَانَ سَاقِطًا فِي أَصْلَيْهِ فَلْيُنْتَبَهْ لَهُ. (وَلَا) يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ (بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ، وَلَا بِجُعْلٍ قَبْلَ) مُضِيِّ (حَوْلٍ) فِي مَسْأَلَةِ الدِّيَةِ (وَ) قَبْلَ تَمَامِ (عَمَلٍ) فِي مَسْأَلَةِ الْجَعْلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ. (وَيَصِحُّ) أَخْذُ رَهْنٍ بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ، وَبِجُعْلٍ (بَعْدَهُمَا) ؛ أَيْ: الْحَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ لِاسْتِقْرَارِهِمَا. (وَلَا) يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ (بِدَيْنِ كِتَابَةٍ) ؛ لِفَوَاتِ الْإِرْفَاقِ بِالْأَجَلِ الْمَشْرُوعِ؛ إذْ يُمْكِنُهُ بَيْعُ الرَّهْنِ وَإِيفَاءُ الْكِتَابَةِ، (وَلَا بِعُهْدَةِ مَبِيعٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ، فَيَعُمُّ ضَرَرُهُ بِمَنْعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَإِذَا وَثَّقَ الْبَائِعُ عَلَى عُهْدَةِ الْمَبِيعِ، فَكَأَنَّهُ مَا قَبَضَ الثَّمَنَ، وَلَا ارْتَفَقَ بِهِ، (وَلَا بِعِوَضٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةٍ؛ كَثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ مُعَيَّنَيْنِ وَإِجَارَةِ مَنَافِعَ) عَيْنٍ (مُعَيَّنَةٍ؛ كَدَارٍ وَنَحْوِهَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 كَفَرَسٍ وَعَبْدٍ زَمَنًا مُعَيَّنًا، (أَوْ دَابَّةٍ لِحَمْلٍ مُعَيَّنٍ) إلَى مَكَان مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْيَانِ هَذِهِ، وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا بِتَلَفِهَا، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ حَقٌّ. (وَحَرُمَ) عَلَى وَلِيٍّ، (وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ رَهْنُ مَالِ يَتِيمٍ لِفَاسِقٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِهِ لِلْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ يَجْحَدُهُ الْفَاسِقُ، أَوْ يُفَرِّطُ فِيهِ فَيَضِيعُ. (وَيَتَّجِهُ) مَحِلُّ عَدَمِ صِحَّةِ رَهْنِ مَالِ يَتِيمٍ لِفَاسِقٍ (إنْ جَعَلَ) مَالَ الْيَتِيمِ (تَحْتَ يَدِهِ) ؛ أَيْ: الْفَاسِقِ، أَمَّا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى جَعْلِهِ تَحْتَ يَدِ عَدْلٍ، فَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ؛ لِانْتِفَاءِ الْمَحْظُورِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَيَتِيمٍ مُكَاتَبٍ وَ) قِنٍّ (مَأْذُونًا لَهُ) فِي تِجَارَةٍ؛ لِاشْتِرَاطِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَيَتِيمٍ (نَحْوُ سَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ) ، فَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ كَانَتْ أَمْوَالُهُمَا تَحْتَ يَدِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا تَحْتَ يَدِ فَاسِق عَلَى طَرِيقِ رَهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، بَلْ عَلَيْهِ صِيَانَتُهَا وَحِفْظُهَا عَنْ الضَّيَاعِ، وَطَلَبُ تَنْمِيَتِهَا لَهُمَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ؛ لِضَعْفِهِمَا عَنْ ذَلِكَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ رَهَنَ ذِمِّيٌّ عِنْدَ مُسْلِمٍ خَمْرًا) - وَلَوْ بِشَرْطِ جَعْلِهِ (بِيَدِ ذِمِّيٍّ - لَمْ يَصِحَّ) الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، (فَإِنْ بَاعَهَا) ؛ أَيْ: الْخَمْرَ (الذِّمِّيُّ) الَّتِي هِيَ عِنْدَهُ، أَوْ بَاعَهَا رَبُّهَا، (لَا) إنْ بَاعَهَا (الْمُسْلِمُ؛ حَلَّ) لِرَبِّ دَيْنٍ أَخْذُ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَ، وَحَيْثُ بَاعَهَا الذِّمِّيُّ أَوْ رَبُّهَا (فَيَقْضِيهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَهَنَ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ مَعَهُمْ الْخُمُورُ: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا مِنْ أَثْمَانِهَا، (أَوْ يُبْرِئُ) رَبَّ الدَّيْنِ مِنْهُ. وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ رَهْنٍ مِنْ مَدِينٍ وَلَا بِإِذْنِهِ، لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ، دَيْنَهُ بِلَا إذْنِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَرْهَنَ عَنْهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الْإِنْسَانُ مَالَ نَفْسِهِ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ؛ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُضَمِّنَهُ وَأَوْلَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 [فَصْلٌ لُزُومُ الرَّهْن] (فَصْلٌ: وَلَا يَلْزَمُ) رَهْنٌ (إلَّا فِي حَقِّ رَاهِنٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ، فَلَزِمَ مِنْ جِهَتِهِ؛ كَالضَّمَانِ، بِخِلَافِ مُرْتَهَنٍ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ لَهُ فِيهِ وَحْدَهُ، فَكَانَ لَهُ فَسْخُهُ؛ كَالْمَضْمُونِ لَهُ (بِقَبْضٍ) لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ لِمَنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] . وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ، فَافْتَقَرَ إلَى الْقَبْضِ؛ كَالْقَرْضِ (بِإِذْنِهِ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ فَلَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ إسْقَاطَ حَقِّهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ كَالْمَوْهُوبِ، (وَلَوْ) كَانَ الْإِذْنُ (بِإِشَارَةٍ) مَفْهُومَةٍ مِنْ (أَخْرَسَ) وَمِنْ مُعْتَقَلٍ لِسَانُهُ. وَقَبْضُ رَهْنٍ (كَقَبْضِ مَبِيعٍ عَلَى مَا مَرَّ) تَفْصِيلُهُ (قُبَيْلَ الْإِقَالَةِ) فَلْيُرَاجَعْ. (وَلَوْ) كَانَ الْقَبْضُ (مِمَّنْ اتَّفَقَا) ؛ أَيْ: الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مُرْتَهِنٍ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ اسْتَنَابَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ فِي الْقَبْضِ؛ وَلَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ لَازِمًا؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَقْبِضْهُ هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ (إلَّا عَبْدٌ رَاهِنٌ وَأُمُّ وَلَدِهِ؛ فَكَهُوَ) ؛ أَيْ: فَكَالرَّاهِنِ، فَلَا تَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُمَا فِي قَبْضِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ يَدَ سَيِّدِهِمَا ثَابِتَةٌ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَا بِيَدِهِمَا، (لَكِنْ تَصِحُّ اسْتِنَابَةُ مُكَاتَبِهِ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنِ (وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ) فِي التِّجَارَةِ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ؛ لِاسْتِقْلَالِهِمَا بِالتَّصَرُّفِ. (وَيُعْتَبَرُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْقَبْضِ (إذْنُ وَلِيِّ أَمْرٍ) ؛ أَيْ: حَاكِمٍ، (وَيَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمَ فِعْلُ (الْأَحَظِّ لِمَنْ جُنَّ، أَوْ بُرْسِمَ، أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ) بَعْدَ عَقْدِ رَهْنٍ وَقَبْلَ إقْبَاضِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لِلْحَاكِمِ كَمَا يَأْتِي. وَهُوَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فِي الْمَالِ فَاحْتِيجَ إلَى نَظَرٍ فِي الْحَظِّ. فَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي إقْبَاضِهِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ شَرَطَاهُ فِي بَيْعٍ وَالْحَظُّ فِي إتْمَامِهِ أَقْبَضَهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي تَرْكِهِ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَقْبِيضُهُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْإِذْنُ لِشَبَهِهِ بِالْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ، فَلَوْ تَعَدَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 الْمُرْتَهِنُ، وَقَبَّضَهُ بِلَا إذْنِ رَاهِنٍ أَوْ وَلِيِّهِ؛ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا. وَإِنْ مَاتَ رَاهِنٌ قَبْلَ إقْبَاضِهِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ؛ فَإِنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ؛ كَالْمَيِّتِ، وَإِنْ أَحَبَّ إقْبَاضَهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَيِّتِ سِوَى هَذَا الدَّيْنِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ. (وَيَبْطُلُ إذْنُ) رَاهِنٍ (بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: بِالْجُنُونِ وَالْبِرْسَامِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ (وَبِخَرَسٍ) ، وَلَيْسَ لَهُ كِتَابَةٌ وَلَا إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ كِتَابَةٌ أَوْ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ؛ فَكَمُتَكَلِّمٍ، (وَ) يَبْطُلُ إذْنُ رَاهِنٍ (بِإِغْمَاءٍ) طَرَأَ عَلَى مُرْتَهِنٍ قَبْلَ إقْبَاضِهِ الرَّهْنَ، (وَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ) مِنْ إغْمَائِهِ؛ (لِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ) فِي مَظِنَّةِ الْإِفَاقَةِ، (فَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ) لِأَحَدٍ؛ لِقِصَرِ مُدَّةِ الْإِغْمَاءِ غَالِبًا. (وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ رَاهِنٍ مَاتَ إقْبَاضُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ، (وَثَمَّ غَرِيمٌ) لِمَيِّتٍ (لَمْ يَأْذَنْ) فِيهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لَهُ بِرَهْنٍ لَمْ يَلْزَمْ، وَسَوَاءٌ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ قَبْلَ الْإِذْنِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِبُطْلَانِ الْإِذْنِ بِهِمَا. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) حُكْمُ (مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ) ؛ أَيْ: إذَا عَقَدَ الرَّهْنَ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ إقْبَاضِهِ الرَّهْنَ، فَلَيْسَ لَلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الرَّهْنِ إلَّا بِإِذْنِ حَاكِمٍ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلِرَاهِنٍ الرُّجُوعُ) فِي رَهْنٍ؛ أَيْ: فَسْخُهُ (قَبْلَ قَبْضِ) مُرْتَهَنٍ - (وَلَوْ أَذِنَ) الرَّاهِنُ (فِيهِ) ؛ أَيْ: الْقَبْضِ - لِعَدَمِ لُزُومِ الرَّهْنِ، (وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ) ؛ أَيْ الرَّهْنِ (بِمَا شَاءَ) ، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ مِنْ هِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا أَوْ عِوَضًا فِي خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ جَعَلَهُ أُجْرَةً أَوْ جُعْلًا فِي جِعَالَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ، أَوْ رَهَنَهُ ثَانِيًا، نَفَذَ تَصَرُّفُهُ؛ لِعَدَمِ لُزُومِ الرَّهْنِ، وَبَطَلَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تَمْنَعُ الرَّهْنَ، فَانْفَسَخَ بِهَا، وَسَوَاءٌ قَبَضَ الرَّاهِنُ الْهِبَةَ أَوْ الْبَيْعَ أَوْ الرَّهْنَ الثَّانِي، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ رَهَنَهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْتَدِينُ (مَا) ؛ أَيْ: عَيْنًا مَالِيَّةً (بِيَدِهِ) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 بِيَدِ الْمُسْتَدِينِ أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونَةً - (وَلَوْ) كَانَتْ (غَصْبًا) - صَحَّ الرَّهْنُ، (وَصَارَ أَمَانَةً) ، وَزَالَ ضَمَانُهُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ؛ لِانْتِقَالِهِ؛ إلَى الْأَمَانَةِ، (وَلَزِمَ بِمُجَرَّدِ) عَقْدِ (هـ) ؛ كَهِبَةٍ - (وَلَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ قَبْضُهُ فِيهِ) - لِأَنَّ يَدَهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ وَاسْتِمْرَارَ الْقَبْضِ قَبْضٌ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ الْحُكْمُ، وَيُمْكِنُ تَغَيُّرُهُ مَعَ اسْتِدَامَةِ الْقَبْضِ؛ كَوَدِيعَةٍ جَحَدَهَا مُودَعٌ، فَصَارَتْ مَضْمُونَةً، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا فَعَادَتْ أَمَانَةً بِإِبْقَاءِ رَبِّهَا لَهَا عِنْدَهُ. (وَاسْتِدَامَةُ قَبْضِ) رَهْنٍ مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ مِمَّنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ (شَرْطٌ لِلُزُومِ) عَقْدِهِ؛ لِلْآيَةِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إحْدَى حَالَتَيْ الرَّهْنِ؛ فَكَانَتْ شَرْطًا؛ كَابْتِدَاءِ الْقَبْضِ؛ (فَيُزِيلُهُ) ؛ أَيْ: اللُّزُومَ (أَخْذُ رَاهِنٍ) رَهْنًا، (أَوْ) أَخْذُ (وَكِيلِهِ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ) لَهُ فِي أَخْذِهِ، (وَلَوْ) أَخَذَهُ إجَارَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ (نِيَابَةً لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (فِي حِفْظِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ كَاسْتِيدَاعٍ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ شَرْطٌ لِلُّزُومِ - وَقَدْ زَالَتْ - فَيَنْتَفِي الْمَشْرُوطُ بِانْتِقَاءِ شَرْطِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُزِيلَتْ يَدُ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ الرَّهْنَ أَوْ أَبَقَ أَوْ شَرَدَ أَوْ سَرَقَ؛ فَلُزُومُهُ بَاقٍ؛ لِأَنَّ يَدَهُ ثَابِتَةٌ حُكْمًا، فَكَأَنَّهَا لَمْ تَزُلْ. (وَ) يُزِيلُ لُزُومَهُ (تَخَمُّرُ عَصِيرٍ بَعْدَ قَبْضِهِ) ؛ لِمَنْعِهِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، فَأَوْلَى أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ اللُّزُومِ، وَتَجِبُ إرَاقَتُهُ، فَإِنْ أُرِيقَ؛ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَلَا خِيَارَ لِمُرْتَهِنٍ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ، (وَلَا يَبْطُلُ) عَقْدُ الرَّهْنِ بِأَخْذِ الرَّاهِنِ أَوْ وَكِيلِهِ الرَّهْنَ، (فَيَعُودُ رَهْنًا لَازِمًا بِرَدِّهِ) ؛ أَيْ: بِرَدِّ مَنْ أَخَذَ الرَّهْنَ لَلْمُرْتَهِنِ (اخْتِيَارًا) بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْبَضَهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَزِمَ؛ كَالْأَوَّلِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُبْطِلُهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَاخَى الْقَبْضُ عَنْ الْعَقْدِ، وَيَعُودُ لُزُومٌ فِي عَصِيرٍ تَخَمَّرَ، وَلَمْ يُرَقْ، ثُمَّ (تَخَلَّلَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ) ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ مِلْكًا بِحُكْمِ الْأَوَّلِ فَيَعُودُ حُكْمُ الرَّهْنِ، وَإِنْ اسْتَحَالَ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضِهِ؛ بَطَلَ رَهْنُهُ، وَلَمْ يَعُدْ بِعَوْدِهِ خَلًّا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ ضَعِيفٌ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 لِعَدَمِ الْقَبْضِ؛ أَشْبَهَ إسْلَامَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ أُرِيقَ وَجُمِعَ، ثُمَّ تَخَلَّلَ؛ فَلِجَامِعِهِ (أَوْ كَاتِبِهِ، أَوْ زَوْجِ الْأَمَةِ) الْمَرْهُونَةِ، (أَوْ أَجَرَهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنَ رَاهِنٌ، [أَوْ] (أَعَارَهُ رَاهِنٌ لِمُرْتَهِنٍ أَوْ لِغَيْرِهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (بِإِذْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ؛ (صَحَّ) تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ - وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِإِذْنِهِ - (وَلُزُومُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (بَاقٍ) ؛ لِأَنَّهُ - تَصَرُّفٌ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ؛ فَلَمْ يَفْسُدْ الْقَبْضُ، وَإِنْ فَعَلَ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّدْبِيرِ وَمَا بَعْدَهُ (بِلَا إذْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ؛ (لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَثِيقَةِ، وَلَيْسَ بِمَبْنِيٍّ عَلَى السِّرَايَةِ وَالتَّغْلِيبِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ كَفَسْخِ الرَّهْنِ. (وَإِنْ تَصَرَّفَ) الرَّاهِنُ (فِيهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (بِمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ؛ كَهِبَةٍ وَصَدَاقٍ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ؛ صَحَّ) تَصَرُّفُهُ، (وَبَطَلَ الرَّهْنُ) لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ يَمْنَعُ الرَّهْنَ ابْتِدَاءً، فَامْتَنَعَ مَعَهُ دَوَامًا (لَكِنْ إنْ بَاعَهُ) ؛ أَيْ: بَاعَ رَاهِنٌ الرَّهْنَ (بِإِذْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (وَالدَّيْنُ حَالٌّ) ؛ صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِلْإِذْنِ فِيهِ، أَوْ (أَخَذَ) الدَّيْنَ (مِنْ ثَمَنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ عَلَى الرِّضَى بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الدَّيْنِ - وَلَا مُقْتَضَيْ لِتَأْخِيرِ وَفَائِهِ - فَوَجَبَ الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ. (وَإِنْ كَانَ) الدَّيْنُ (مُؤَجَّلًا) ، وَأَذِنَ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ، (وَشَرَطَ) فِي الْإِذْنِ (رَهْنَ ثَمَنِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (مَكَانَهُ) فَعَلَ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ جُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ؛ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُ رَاهِنٍ فِي نَفْيِهِ) ؛ أَيْ: الِاشْتِرَاطِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ؛ (فَعَلَ) - جَوَابُ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا - أَيْ: وَجَبَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ، فَإِذَا بِيعَ كَانَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ؛ لِرِضَاهُمَا بِإِبْدَالِ الرَّهْنِ بِغَيْرِهِ، (وَإِلَّا) يُشْتَرَطْ كَوْنُ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ؛ (بَطَلَ) الرَّهْنُ؛ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي هِبَتِهِ، وَإِنْ شَرَطَ تَعْجِيلَ مُؤَجَّلٍ مِنْ ثَمَنِهِ؛ صَحَّ الْبَيْعُ، (وَشَرْطُ تَعْجِيلِ الدَّيْنِ لَاغٍ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 لِأَنَّ التَّأْجِيلَ أَخَذَ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا أَسْقَطَ بَعْضَ مُدَّةِ الْأَجَلِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِذْنِ؛ فَقَدْ أَذِنَ بِعِوَضٍ، وَهُوَ الْمُقَابِلُ لِبَاقِي مُدَّةِ الْأَجَلِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ؛ فَيَلْغُو الشَّرْطُ، (وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا) مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ، لَمْ يَأْذَنْ بِالْبَيْعِ إلَّا طَامِعًا فِي وَفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْهُ، مُطْلَقًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي إذْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ فَقَوْلُ مُرْتَهِنٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (الرُّجُوعُ فِيمَا أَذِنَ فِيهِ) لِرَاهِنٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ (قَبْلَ وُقُوعِهِ) ؛ لِعَدَمِ لُزُومِهِ؛ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ فِعْلِهِ، فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ تَصَرُّفٍ؛ فَلَا أَثَرَ لَهُ، (فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ رَاهِنٍ) أَذِنَ لَهُ مُرْتَهِنٌ، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ، (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الرَّاهِنُ رُجُوعَ الْمُرْتَهِنِ عَنْ إذْنِهِ، (مَا لَمْ يَكُنِ الرَّاهِنُ وَكَّلَ) غَيْرَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ (فِي التَّصَرُّفِ؛ فَلَا يَصِحُّ) حِينَئِذٍ (رُجُوعُ مُرْتَهِنٍ) عَنْ إذْنِهِ (بِحَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ ثَالِثٌ؛ فَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ لِتَلَاعُبِهِ. (وَإِنْ) اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ، (وَاخْتَلَفَا فِي الرُّجُوعِ) هَلْ هُوَ (بَعْدَ التَّصَرُّفِ) أَوْ قَبْلَهُ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ رَاهِنٍ) بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَيَتَّجِهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ) ؛ أَيْ: صَدَّقَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ فِي كَوْنِ التَّصَرُّفِ بَعْدَ الرُّجُوعِ؛ (لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنَ (بَدَلُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ يَكُونُ (رَهْنًا) مَكَانَهُ، (وَلَمْ يَبْطُلْ تَصَرُّفٌ) مِنْ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِحَقٍّ ثَالِثٍ لَمْ يُصَدِّقْهُمَا فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، (إلَّا إنْ صَدَّقَهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنَ (آخِذٌ) مِنْ نَحْوِ مُشْتَرٍ مَعَ تَصْدِيقِ الرَّاهِنِ، (وَ) إنْ صَدَّقَهُ (آخِذٌ فَقَطْ) بِدُونِ تَصْدِيقِ الرَّاهِنِ؛ (رَدَّهُ) ؛ أَيْ: رَدَّ الرَّهْنَ الْآخِذُ (لِمُرْتَهِنٍ) وُجُوبًا فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِإِقْرَارِهِ بِعَدَمِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ. (فَإِنْ بِيعَ) الرَّهْنُ (فِي دَيْنٍ) عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَمْ يَرْجِعْ الْآخِذُ عَنْ التَّصْدِيقِ؛ (ذَهَبَ) الرَّاهِنُ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْآخِذِ؛ لِتَقْصِيرِهِ بِالتَّصْدِيقِ، (وَإِنْ وَفَّى) الدَّيْنَ (مِنْ غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: غَيْرِ الرَّهْنِ، وَبَقِيَ ثَمَنُهُ، (وَرَجَعَ الْآخِذُ عَنْ تَصْدِيقِهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ؛ (أَخَذَهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنَ، وَيَرُدُّ ثَمَنَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 مَعَ اعْتِرَافِ الْمَدِينِ بِرُجُوعِهِ، (أَوْ صَدَّقَهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ فِي الرُّجُوعِ (رَاهِنٌ) فَقَطْ - وَقَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ - (فَلَهُ) ؛ أَيْ: لِلرَّاهِنِ التَّصَرُّفُ بِهِ، (وَيَرُدُّ ثَمَنَهُ) لَلْمُرْتَهِنِ؛ لِيَكُونَ رَهْنًا بَدَلَهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَحَرُمَ فِي) مُدَّةِ (لُزُومِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (تَصَرُّفُهُ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنِ فِيهِ بِمَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ عَقْدِهِ؛ كَهِبَةٍ وَوَقْفٍ وَبَيْعٍ وَرَهْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ) لَهُ فِي ذَلِكَ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَثِيقَةِ. (وَلَا يَنْفُذُ) مِنْ أَنْوَاعِ تَصَرُّفَاتِ الرَّاهِنِ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ (غَيْرُ عِتْقٍ) مَعَ تَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ وَالتَّغْلِيبِ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ لَهُ وَلَوْ مُعْسِرًا، [وَيُؤْخَذُ قِيمَتُهُ وَقْتَ عِتْقِهِ تُجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَهُ مَتَى أَيْسَرَ مُعْسِرٌ بِقِيمَتِهِ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ طُولِبَ بِالدَّيْنِ فَقَطْ] ، (فَإِنْ نَجَزَهُ) ؛ أَيْ: الْعِتْقَ رَاهِنٌ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى صِفَةٍ، فَوُجِدَتْ قَبْلَ فَكِّهِ، (أَوْ أَقَرَّ) رَاهِنٌ (بِهِ) ؛ أَيْ: بِعِتْقِهِ (قَبْلَ عَقْدِ) الرَّهْنِ، (فَكَذَّبَهُ مُرْتَهِنٌ، أَوْ أَحْبَلَ) رَاهِنٌ (الْأَمَةَ) الْمَرْهُونَةَ (بِلَا إذْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (فِي وَطْءٍ) وَبِلَا اشْتِرَاطٍ فِي رَهْنٍ، (أَوْ ضَرَبَهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنَ رَاهِنٌ (بِلَا إذْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ، (فَتَلِفَ) بِهِ رَهْنٌ، (وَيُصَدَّقُ) مُرْتَهِنٌ (بِيَمِينِهِ) فِي عَدَمِهِ، (وَ) يُصَدَّقُ (وَارِثُهُ) بِيَمِينِهِ (فِي عَدَمِهِ) ؛ أَيْ: الْإِذْنِ إنْ اخْتَلَفَا فِي إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَهَذِهِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (فَعَلَى) رَاهِنٍ (مُوسِرٍ وَمُعْسِرٍ أَيْسَرَ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ قِيمَتُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ الْفَائِتِ عَلَى مُرْتَهِنٍ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ، وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ طُولِبَ بِالدَّيْنِ فَقَطْ (وَقْتَ عِتْقٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 وَتَلَفٍ تَكُونُ رَهْنًا) مَكَانَهُ؛ كَبَدَلِ أُضْحِيَّةٍ وَنَحْوِهَا (بِمُجَرَّدِ أَخْذِهَا) أَيْ: الْقِسْمَةِ؛ لِإِبْطَالِهِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَثِيقَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ؛ كَمَا لَوْ أَبْطَلَهَا أَجْنَبِيٌّ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حَالَ إعَاقَتِهِ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ، أَوْ إحْبَالٍ أَوْ ضَرْبٍ، وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ فَمَاتَ؛ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ حَالَ جَرْحٍ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ حَلَّ؛ طُولِبَ بِهِ خَاصَّةً؛ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِهِ مِنْ الْحَقَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَا سَبَقَ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ؛ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَلَا عِوَضَ لَهُ حَتَّى فِي الْإِذْنِ فِي الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْإِحْبَالِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ، فَإِذْنُهُ فِي سَبَبِهِ إذْنٌ فِيهِ، (وَإِنْ) وَطِئَ رَاهِنٌ مَرْهُونَةً بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنٍ، (وَلَمْ تَحْبَلْ؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ بِكْرٍ) فَقَطْ يُجْعَلُ رَهْنًا مَعَهَا؛ (كَجِنَايَةٍ) عَلَيْهَا، (وَإِنْ ادَّعَى رَاهِنٌ) بَعْدَ وِلَادَةِ مَرْهُونَةٍ: (أَنْ الْوَلَدَ مِنْهُ، وَأَمْكَنَ) كَوْنُهُ مِنْهُ؛ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مُنْذُ وَطِئَهَا، (وَأَقَرَّ مُرْتَهِنٌ؛ بِإِذْنِهِ) لِرَاهِنٍ بِوَطْئِهَا، وَأَقَرَّ مُرْتَهِنٌ (بِوَطْئِهِ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنِ لَهَا، (وَ) أَقَرَّ (بِأَنَّهَا) ؛ أَيْ: الْمَرْهُونَةَ (وَلَدَتْهُ؛ قَبْلَ) قَوْلِ رَاهِنٍ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ شَرْعًا؛ لَا بِدَعْوَاهُ، (وَخَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ، وَأَخَذَتْ مِنْهُ قِيمَتَهَا حِينَ أَحْبَلَهَا، فَجَعَلَتْ رَهْنًا مَكَانَهَا؛ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِسَبَبِ الْحَمْلِ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبٍ كَانَ مِنْهُ، (وَإِلَّا) ؛ يُمْكِنْ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ رَاهِنٍ؛ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ، وَعَاشَ، وَأَنْكَرَ مُرْتَهِنٌ الْإِذْنَ، أَوْ قَالَ: أَذِنَتْ، وَلَمْ يَطَأْ، أَوْ أَذِنَتْ، وَوَطِئَ، لَكِنَّهُ لَيْسَ وَلَدَهَا، بَلْ اسْتَعَارَتْهُ؛ (فَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُ رَاهِنٍ فِي بُطْلَانِ رَهْنِ الْأَمَةِ وَعَدَمِ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ، وَبَقَاءُ التَّوْثِقَةِ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ رَاهِنٍ (مَا لَمْ يُوفِ الدَّيْنَ) ، فَإِنْ وَفَّاهُ، فَإِنَّهُ (يُقْبَلُ) قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ (عَلَى نَفْسِهِ) بِاسْتِيلَادِهَا مِنْهُ فِي مِلْكِهِ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ إذَا لَمْ تُكَذِّبْهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 (فَلَوْ أَقَرَّ رَاهِنٌ بَعْدَ لُزُومِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ بِالْإِقْبَاضِ - (بِوَطْءِ) أَمَةِ (رَهْنٍ قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: اللُّزُومِ، (أَوْ) قَالَ رَاهِنٌ: (إنَّهُ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنَ (جَنَى، أَوْ) أَقَرَّ أَنَّهُ (غَصَبَهُ؛ قَبْلَ) إقْرَارِهِ (عَلَى نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ، وَ (لَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (عَلَى مُرْتَهِنٍ أَنْكَرَهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي صِحَّةَ الرَّهْنِ؛ وَالْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ، (فَإِنْ نَكَلَ) الرَّاهِنُ عَنْ إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ أَوْ الْجِنَايَةِ أَوْ الْغَصْبِ؛ (قُضِيَ عَلَيْهِ) بِالنُّكُولِ. (وَلِرَاهِنٍ غَرْسٌ مَا) ؛ أَيْ: أَرْضٍ مَرْهُونَةٍ (عَلَى) دَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ) ؛ لِأَنَّ تَعْطِيلَ مَنْفَعَتِهَا إلَى حُلُولِ الدَّيْنِ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى فَكِّ الرَّهْنِ بِالْوَفَاءِ أَوْ بَيْعِهِ، فَلَا يُعَطَّلُ نَفْعُهَا، وَيَكُونُ الْغَرْسُ مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا، سَوَاءٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الرَّاهِنِ؛ كَمَا فِي " الْكَافِي "، (وَكَذَا) لِرَاهِنٍ (انْتِفَاعٌ) بِرَهْنٍ (بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ مِنْ اسْتِخْدَامٍ وَسُكْنَى وَرُكُوبٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا لَهُ انْتِفَاعٌ بِأَرْضٍ مَرْهُونَةٍ (بِزَرْعٍ) ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ لَا تَطُولُ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنَ لَوْ زَرَعَهَا (بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ (يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنَ (الْأُجْرَةُ) ؛ أَيْ: أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ تَكُونُ (رَهْنًا) مَعَهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) لِلرَّاهِنِ (وَطْءُ) أَمَةٍ مَرْهُونَةٍ (بِشَرْطِ) وَطْئِهَا (أَوْ إذْنِ) مُرْتَهِنٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِإِذْنِهِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إذْنٌ وَلَا شَرْطٌ؛ حَرُمَ ذَلِكَ؛ فَإِنْ فَعَلَ؛ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا مَهْرَ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 (وَلَا يُمْنَعُ) الرَّاهِنُ (مِنْ إصْلَاحِ الرَّهْنِ وَدَفْعِ الْفَسَادِ عَنْهُ، فَلَهُ سَقْيُ شَجَرٍ، وَتَلْقِيحُ) نَخْلٍ، (وَإِنْزَاءُ فَحْلٍ عَلَى مَرْهُونَةٍ، وَمُدَاوَاةٌ، وَفَصْدٌ، وَتَعْلِيمُ صِنَاعَةٍ، وَ) تَعْلِيمُ (دَابَّةٍ السَّيْرَ) ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِلرَّهْنِ ، وَزِيَادَةٌ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِ، فَلَا يَمْلِكُ مَنْعَهُ مِنْهُ، (وَالرَّهْنُ) مَعَ ذَلِكَ (بِحَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مُفْسِدٌ، وَلَا مُزِيلٌ لِلُزُومِهِ، وَ (لَا) يَجُوزُ لِرَاهِنٍ (خِتَانُ) قِنٍّ مَرْهُونٍ (غَيْرَ مَا عَلَى) دَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ يَبْرَأُ) جُرْحُهُ (قَبْلَ) مَجِيءِ (أَجَلِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ بِهِ ثَمَنُهُ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الزَّمَانُ مُعْتَدِلًا لَا يُخَافُ عَلَى الْمَخْتُونِ فِيهِ، (وَلَا) يَجُوزُ لِرَاهِنٍ (قَطْعُ سِلْعَةٍ خَطِرَةٍ) مِنْ مَرْهُونٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى عَلَيْهِ مِنْ قَطْعِهَا، بِخِلَافِ أَكْلَةٍ، فَإِنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ السِّلْعَةُ خَطِرَةً؛ فَلَهُ قَطْعُهَا (أَوْ) قَطْعُ (أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ) وَبَاسُورٍ؛ لِمَا فِي قَطْعِ ذَلِكَ مِنْ الْخَطَرِ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ (إنْزَاءُ فَحْلٍ) مَرْهُونٍ (لَا يَتَضَرَّرُ) الْفَحْلُ (بِتَرْكِهِ) ؛ أَيْ: الْإِنْزَاءِ، فَإِنْ تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُدَاوَاةِ. (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ) الْمُتَّصِلِ؛ كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، وَالْمُنْفَصِلِ (وَلَوْ صُوفًا وَلَبَنًا) وَوَرَقَ شَجَرٍ مَقْصُودٍ؛ رَهْنٌ، (وَكَسْبُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ رَهْنٌ، (وَمَهْرُهُ) إنْ كَانَ أَمَةً حَيْثُ وَجَبَ؛ رَهْنٌ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ، (وَأَرْشُ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ رَهْنٌ، (وَغَلَّتُهُ وَمَا قُطِعَ مِنْ شَجَرٍ) مَرْهُونٍ (وَأَنْقَاضِ بِنَاءِ) دَارٍ مَرْهُونَةٍ؛ (رَهْنٌ) ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ بَدَلُ جِزْيَةٍ، فَكَانَ مِنْهُ؛ كَقِيمَتِهِ لَوْ أُتْلِفَ، (وَإِنْ أَسْقَطَ مُرْتَهِنٌ) عَنْ جَانٍ (أَرْشًا) ؛ لَزِمَهُ، (أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ؛ سَقَطَ حَقُّهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ الْأَرْشِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَ أَصْلِهِ (دُونَ حَقِّ رَاهِنٍ) ، فَلَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلَيْسَ لِمُرْتَهِنٍ تَصَرُّفٌ عَلَيْهِ؛ (كَعَكْسِهِ) ؛ أَيْ: كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الرَّاهِنُ أَرْشًا، أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ؛ سَقَطَ حَقُّهُ فَقَطْ، وَكَانَ لَلْمُرْتَهِنِ الطَّلَبُ بِهِ، وَجَعْلُهُ رَهْنًا مَعَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 (وَمُؤْنَتُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَسْكَنِهِ وَحَافِظِهِ (وَأُجْرَةُ مَخْزَنِهِ) ، إنْ احْتَاجَ لِخَزْنٍ، (وَمُدَاوَاتُهُ) إنْ مَرِضَ، (وَنَحْوَ جُذَاذِهِ) ؛ كَقَطْعِ أَغْصَانِهِ الرَّدِيئَةِ، (وَ) أُجْرَةِ (تَصْفِيَتِهِ) وَتَلْقِيحِهِ (وَرَدِّهِ مِنْ إبَاقِهِ) وَخِتَانِهِ (عَلَى مَالِكِهِ) ؛ لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: غَلِقَ الرَّهْنُ - كَفَرِحَ - اسْتَحَقَّهُ الْمُرْتَهِنُ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يُفْتَكَكْ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوطِ. انْتَهَى. (كَكَفَنِهِ وَمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ) ، وَمِثْلُهُ إخْرَاجُ الْبَهِيمَةِ إذَا مَاتَتْ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) إنْفَاقٌ عَلَيْهِ، أَوْ أُجْرَةُ مَخْزَنِهِ، أَوْ رَدُّهُ مِنْ إبَاقِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ مَالِكِهِ؛ لِعُسْرَتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَنَحْوِهَا؛ (بِيعَ) مِنْ مُرْتَهِنٍ (بِقَدْرِ حَاجَةٍ) إلَى ذَلِكَ، (أَوْ بِيعَ) كُلُّهُ، (إنْ خِيفَ اسْتِغْرَاقُهُ) لِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا . (وَلِرَاهِنٍ السَّفَرُ بِمَاشِيَةٍ) مَرْهُونَةٍ (لِيَرْعَاهَا إنْ أَجْدَبَ مَحَلُّ مُرْتَهِنٍ) ، وَالرَّهْنُ بَاقٍ عَلَى لُزُومِهِ؛ لِعَدَمِ زَوَالِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَنْهُ حُكْمًا. [فَصْلٌ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِن أَمَانَةٌ] (فَصْلٌ: وَالرَّهْنُ) بِيَدِ مُرْتَهِنٍ أَوْ مَنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ (أَمَانَةٌ - وَلَوْ قَبْلَ عَقْدٍ -) عَلَيْهِ نَصًّا، (كَبَعْدِ وَفَاءِ) دَيْنٍ، أَوْ إبْرَاءٍ مِنْهُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ خَوْفًا مِنْ ضَمَانِهِ فَتَتَعَطَّلُ الْمُدَايَنَاتُ ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، (وَيُطَالَبُ) مُرْتَهِنٌ (بِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (إنْ غُصِبَ) ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ ذَلِكَ، (وَيَأْتِي فِي الْوَدِيعَةِ) مُفَصَّلًا. (وَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ أَوْ نَائِبِهِ (بِتَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ) فِيهِ، كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ. (وَلَا يَبْطُلُ) الرَّهْنُ بِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ لِجَمْعِ الْعَقْدِ أَمَانَةً وَاسْتِيثَاقًا، فَإِذَا بَطَلَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ، (بَلْ يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنَ (بَدَلُهُ) ، وَيَكُونُ (رَهْنًا بِمُجَرَّدِهِ) ؛ أَيْ: بِمُجَرَّدِ تَحْصِيلِهِ، وَلَا يَفْتَقِرُ لِعَقْدِ رَهْنٍ جَدِيدٍ، (أَوْ تَقَاصَّا) ؛ أَيْ: الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (بِقَدْرِهِ) ؛ أَيْ: التَّالِفِ (بَعْدَ حُلُولِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 الدَّيْنِ، (وَلَا يَضْمَنُهُ) الْمُرْتَهِنُ (بِتَلَفِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (بِلَا) تَعَدٍّ وَلَا (تَفْرِيطٍ) ؛ كَمَا لَوْ تَلِفَ بِيَدِ الْعَدْلِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ. (وَلَوْ شَرَطَ) الرَّاهِنُ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (ضَمَانَهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ فَشَرْطُهُ لَغْوٌ، (وَكَذَا كُلُّ أَمِينٍ) ؛ لَا يَضْمَنُ مَا تَلَفَ بِيَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ، وَلَوْ شَرَطَ الضَّمَانَ، (وَلَا يَسْقُطُ) بِتَلَفِ الرَّهْنِ (شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ نَصًّا؛ لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ قَبْلَ التَّلَفِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ، فَبَقِيَ بِحَالِهِ. وَحَدِيثُ عَطَاءٍ: «أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ فَرَسًا، فَنَفَقَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: ذَهَبَ حَقُّكَ» مُرْسَلٌ، وَكَانَ يُفْتَى بِخِلَافِهِ، فَإِنْ صَحَّ؛ حُمِلَ عَلَى ذَهَابِ حَقِّهِ مِنْ التَّوْثِقَةِ وَمَعْنَى نَفَقَ: مَاتَ، (وَكَذَلِكَ عَيْنٌ لَهُ) ؛ أَيْ: لِغَرِيمِهِ (لِيَبِيعَهَا، وَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهَا، وَكَحَبْسِ عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ بَعْدَ فَسْخِ) الْإِجَارَةُ (عَلَى الْأُجْرَةِ) الْمُعَجَّلَةِ (فَتَتْلَفَانِ) ؛ أَيْ: الْعَيْنَانِ، وَالْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ أَنَّهَا عَيْنٌ مَحْبُوسَةٌ بِيَدِهِ بِعَقْدٍ عَلَى اسْتِيفَاءِ حَقٍّ لَهُ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) حُكْمُ (حَبْسِ مُشْتَرٍ لِمَبِيعٍ عَلَى ثَمَنِهِ بَعْدَ فَسْخٍ) لِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَيَتْلَفُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ. قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَهِيَ؛ أَيْ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، قَرِيبَةٌ مِنْ حَبْسِ الصَّانِعِ، بِخِلَافِ حَبْسِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهَا الضَّمَانُ وَفِي " الْإِقْنَاعِ " بِخِلَافِ حَبْسِ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ الْمُتَمَيِّزَ عَلَى ثَمَنِهِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الرَّهْنِ فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْحَقِّ) ؛ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الرَّهْنِ، (وَإِنْ ادَّعَى) مُرْتَهِنٌ (تَلَفَهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (بِحَادِثٍ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ) بِوُجُودِ حَادِثٍ (ظَاهِرٍ) ادَّعَى التَّلَفَ بِهِ؛ كَنَهْبٍ وَحَرِيقٍ؛ حَلَفَ أَنَّهُ تَلِفَ بِهِ، وَبَرِئَ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ السَّبَبِ الظَّاهِرِ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلَا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهُ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ، كَسَرِقَةٍ (أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ سَبَبًا؛ حَلَفَ) ، وَبَرِئَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ؛ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. (وَإِنْ ادَّعَى رَاهِنٌ تَلَفَهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (بَعْدَ قَبْضٍ فِي بَيْعٍ شُرِطَ) الرَّهْنُ (فِيهِ؛ فَقَوْلُ مُرْتَهِنٍ إنَّهُ) تَلِفَ (قَبْلَهُ) ، فَلَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَشَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَهْنًا مُعَيَّنًا بِالثَّمَنِ، ثُمَّ تَلِفَ الرَّهْنُ، فَقَالَ بَائِعٌ: تَلِفَ قَبْلَ أَنْ أُقَبِّضَهُ، فَلِي فَسْخُ الْبَيْعِ لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ، وَقَالَ مُشْتَرٍ: تَلِفَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، فَلَا خِيَارَ لَكَ لِلْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ؛ فَقَوْلُ مُرْتَهِنٍ - وَهُوَ الْبَائِعُ - (وَمَلَكَ) الْمُرْتَهِنُ (فَسْخَ الْبَيْعِ) : لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ، (وَإِنْ تَعَيَّبَ) الرَّهْنُ (قَبْلَ قَبْضِهِ؛ فَكَذَلِكَ) يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ فَسْخَ الْبَيْعِ. (وَلَا يَنْفَكُّ بَعْضُ الرَّهْنِ بِقَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ، وَهُوَ رَهْنٌ حَتَّى يُقْضَى) الدَّيْنُ (كُلُّهُ) ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَثِيقَةِ بِجَمِيعِ الرَّهْنِ، فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ. (وَلَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مَوْرُوثًا، فَقَضَى أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الْوَارِثَيْنِ (مَا يَخُصُّهُ) مِنْ الدَّيْنِ؛ أَيْ: يَنْفَكُّ مِنْ الرَّهْنِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يَنْقَسِمُ إجْبَارًا. (وَمَنْ قَضَى) بَعْضَ دَيْنٍ (أَوْ أَسْقَطَ) عَنْ مَدِينِهِ (بَعْضَ دَيْنٍ) عَلَيْهِ (وَبِبَعْضِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ (رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ وَقَعَ) قَضَاءُ الْبَعْضِ أَوْ إسْقَاطُهُ (عَمَّا نَوَاهُ) قَاضٍ وَمُسْقِطٌ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ لَهُ، فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ، فَلَوْ نَوَاهُ عَمَّا عَلَيْهِ الرَّهْنُ أَوْ بِهِ الْكَفْلُ وَهُوَ بِقَدْرِهِ؛ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَبَرِئَ الْكَفِيلُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، (فَإِنْ أَطْلَقَ) قَاضٍ وَمُسْقِطٌ الْقَضَاءَ وَالْإِسْقَاطَ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 بِأَنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا؛ (صَرَفَهُ) أَيْ: الْبَعْضَ بَعْدَهُ (لِمَا شَاءَ) ؛ لِمِلْكِهِ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ فَمَلَكَهُ بَعْدُ؛ كَمَنْ أَدَّى قَدْرَ زَكَاةِ أَحَدِ مَالَيْهِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ؛ فَلَهُ صَرْفُهُ لِمَا شَاءَ. (وَإِنْ رَهَنَهُ) ؛ أَيْ: رَهَنَ الرَّاهِنُ مَا يَصِحُّ رَهْنُهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (عِنْدَ اثْنَيْنِ) بِدَيْنٍ لَهُمَا، فَكُلٌّ مِنْهُمَا ارْتَهَنَ نِصْفَهُ، فَمَتَى (وَفَّى) رَاهِنٌ (أَحَدُهُمَا) دَيْنَهُ؛ انْفَكَّ نَصِيبُهُ مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ وَاحِدٍ مَعَ اثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ رَهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ النِّصْفَ مُفْرَدًا، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ لَا تَنْقُصُهُ الْقِسْمَةُ كَمَكِيلٍ؛ فَلِرَاهِنٍ مُقَاسَمَةُ مَنْ لَمْ يُوَفِّهِ، وَأَخْذُ نَصِيبِ مَنْ وَفَّاهُ، وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ قِسْمَتُهُ؛ لِضَرَرِ الْمُرْتَهِنِ، وَيَبْقَى بِيَدِهِ نِصْفُهُ رَهْنٌ وَنِصْفُهُ وَدِيعَةٌ حَتَّى يُوَفِّيَهُ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، (أَوْ رَهَنَاهُ) ؛ أَيْ: رَهَنَ اثْنَانِ وَاحِدًا (شَيْئًا، فَوَفَّاهُ أَحَدُهُمَا) مَا عَلَيْهِ؛ (انْفَكَّ) الرَّهْنُ (فِي نَصِيبِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوفِي لِمَا عَلَيْهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ رَهَنَ اثْنَانِ عَبْدًا لَهُمَا عِنْدَ اثْنَيْنِ بِأَلْفٍ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ، وَكُلُّ رُبُعٍ مِنْ الْعَبْدِ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، فَمَتَى قَضَاهَا أَحَدُهُمَا، انْفَكَّ مِنْ الرَّهْنِ ذَلِكَ الْقَدْرُ. (وَمَنْ أَبِي وَفَاءَ) دَيْنٍ (حَالٍّ) عَلَيْهِ - (وَقَدْ أَذِنَ فِي بَيْعِ رَهْنٍ وَلَمْ يَرْجِعْ) عَنْ إذْنِهِ - (بِيعَ) ؛ أَيْ: بَاعَ الرَّهْنَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي بَيْعِهِ مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، (وَوَفَّى) مُرْتَهِنٌ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ رَبِّهِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ أَذِنَ فِي بَيْعِهِ، أَوْ كَانَ أَذِنَ ثُمَّ رَجَعَ؛ لَمْ يَبِعْ، وَرَفَعَ الْأَمْرَ لِحَاكِمٍ، (فَأَجْبَرَ) رَاهِنًا (عَلَى بَيْعِ) رَهْنٍ لِيُوَفِّيَ ثَمَنَهُ، (أَوْ) عَلَى (وَفَاءِ) دَيْنٍ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِيهِ وَالْمَقْصُودُ الْوَفَاءُ، (فَإِنْ أَبَى) رَاهِنٌ بَيْعًا وَوَفَاءً؛ (حُبِسَ) ؛ أَيْ: حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَفْعَلَ مَا أَمَرَهُ، (أَوْ عُزِّرَ) عِنْدَ امْتِنَاعِهِ كَمَا فِي " الْفُصُولِ "، وَسَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ مِثْلُهُ، فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَحُمِلَ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا أَمْكَنَ الْبَيْعُ وَالْوَفَاءُ بِدُونِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 تَعَيَّنَ كَمَا هُوَ دَلِيلُ ضِيَعِ " الْفُصُولِ "، (فَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى امْتِنَاعٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ (بَاعَهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنَ (الْحَاكِمُ) ، نَصًّا؛ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ، (وَوَفَّى الدَّيْنَ) ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ. (وَحُكْمُ) رَاهِنٍ (غَائِبٍ) مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ؛ كَحُكْمِ (مُمْتَنِعٍ) ، فَيَبِيعُ الْحَاكِمُ رَهْنَهُ، وَلَا يَبِيعُهُ مُرْتَهِنٌ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ أَوْ الْحَاكِمِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُ رَهْنٍ إلَّا بِخُرُوجِ رَبِّهِ) وَهُوَ الْمَدْيُونُ (مِنْ الْحَبْسِ) ؛ وَجَبَ إخْرَاجُهُ، (أَوْ كَانَ فِي بَيْعِهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ) إذَا كَانَ (مَحْبُوسًا؛ وَجَبَ إخْرَاجُهُ) مِنْ الْحَبْسِ لِيَبِيعَهُ، وَيُوَفِّيَ مَا عَلَيْهِ، وَوُكِّلَ بِهِ مَا يَكُونُ مَعَهُ إنْ خِيفَ هَرَبُهُ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ. [فَرْعٌ شَرْط الرَّاهِن عَلَى نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَأْتِ لِلْمُرْتَهِنِ بِحَقِّهِ فَالرَّهْنُ لَهُ] (فَرْعٌ: لَوْ شَرَطَ) رَاهِنٌ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ (إنْ جَاءَ لِمُرْتَهِنٍ بِحَقِّهِ فِي مَحِلِّهِ الْمَبِيعِ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ بِالدَّيْنِ، أَوْ) فَالرَّهْنُ (مَبِيعٌ لَهُ بِهِ) ؛ أَيْ: بِالدَّيْنِ؛ (صَحَّ رَهْنٌ، لَا شَرْطٌ) ؛ لِلْخَبَرِ، وَتَقَدَّمَ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَدْفَعُ رَهْنًا لِرَجُلٍ وَيَقُولُ: إنْ جِئْتُكَ بِالدَّرَاهِمِ إلَى كَذَا، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ. وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَى غَلْقَ الرَّهْنِ دُونَ أَصْلِهِ، فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ، (لَكِنْ يَصِيرُ) الرَّهْنُ (مَضْمُونًا) عَلَى الْمُرْتَهِنِ (بَعْدَ الْحُلُولِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ؛ كَمُؤَقَّتٍ فَرَغَتْ مُدَّتُهُ) ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَصِيرَ؛ كَالْعَارِيَّةِ، وَهِيَ مَضْمُونَةٌ. وَيَأْتِي: إذَا شَرَطَ فِي الرَّهْنِ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. [فَصْلٌ جَعْلُ الرَّهْن بِاتِّفَاقِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ بِيَدِ ثَالِثٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ] (فَصْلٌ: وَيَصِحُّ جَعْلُ رَهْنٍ بِاتِّفَاقِهِمَا) ؛ أَيْ الْمُتَرَاهِنَيْنِ (بِيَدِ ثَالِثٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) ؛ أَيْ: حُرٍّ بَالِغٍ رَشِيدٍ، (وَلَوْ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. قَالَ فِي الشَّرْحِ: يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَا الرَّهْنَ عَلَى يَدَيْ مَنْ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ، وَهُوَ الْجَائِزُ التَّصَرُّفِ مُطْلَقًا. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّى: وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى شَخْصٍ يَصِفَانِهِ عِنْدَهُ جَازَ. وَتَبِعَهُمَا فِي " الْإِقْنَاعِ " وَلَمْ يَعْتَبِرُوا الْعَدَالَةَ، بَلْ صَرَّحَ الشَّارِحُ بِخِلَافِهَا حَيْثُ قَالَ: جَائِزُ التَّصَرُّفِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي قَبْضٍ فِي عَقْدٍ؛ فَجَازَ؛ كَغَيْرِهِ، فَإِذَا قَبَضَهُ قَامَ مَقَامَ قَبْضِ مُرْتَهِنٍ، بِخِلَافِ صَبِيٍّ؛ فَإِنَّ قَبْضَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ (خِلَافًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ تَبَعًا " لِلْمُقْنِعِ " وَغَيْرِهِ: بِيَدِ عَدْلٍ مَعَ أَنَّ الْعَدَالَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ هُنَا، إلَّا فِي رَهْنِ مَالِ يَتِيمٍ أَوْ رَهْنِ أَمَةٍ أَوْ غُلَامٍ جَمِيلٍ عِنْدَ فَاسِقٍ. وَتَقَدَّمَ؛ (لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَرَاهِنَيْنِ لَا يَعْدُوهُمَا . (وَلَا يَحْفَظُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنَ (مُكَاتَبٌ بِلَا جُعْلٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ فِي مَنَافِعِ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ جَازَ؛ لِأَنَّ لَهُ الْكَسْبَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا يُجْعَلُ الرَّهْنُ تَحْتَ يَدِ قِنٍّ (بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِسَيِّدِهِ، فَلَا يَمْلِكُ تَضْيِيعَهَا فِي الْحِفْظِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) ؛ أَيْ: مَنْعُ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْحِفْظِ بِلَا شَرْطِ جُعْلٍ، وَمَنْعُ جَعْلِهِ تَحْتَ يَدِ قِنٍّ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ (فِيمَا) ؛ أَيْ: رَهْنٍ، لَهُ خَطَرٌ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِفْرَاغٍ وَسَعْيٍ فِي حِفْظِهِ، وَ (يُؤْخَذُ عَلَيْهِ) عَادَةً (أُجْرَةٌ لَهَا وَقَعَ عُرْفًا) ، أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُعْتَنًى بِهِ لِجِنْسِهِ، وَلَا يَشْغَلُهُ عَنْ عَمَلِهِ، فَلَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِهِ تَحْتَ يَدِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ شَرَطَ) جَعْلَ رَهْنٍ (بِيَدِ أَكْثَرَ) مِنْ وَاحِدٍ؛ كَاثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ؛ (صَحَّ وَلَمْ يَنْفَرِدْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِحِفْظِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَرَاهِنَيْنِ لَمْ يَرْضَيَا إلَّا بِحِفْظِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ؛ كَالْإِيصَاءِ لِعَدَدٍ، (فَإِنْ جُعِلَ) الرَّهْنُ (بِنَحْوِ بَيْتٍ) ؛ كَمَخْزَنٍ، (جُعِلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَوْ مِنْهُمْ (قُفْلٌ) - بِضَمِّ الْقَافِ - وَهُوَ الْغَلَقُ مِنْ خَشَبَةٍ أَوْ حَدِيدٍ، (فَإِنْ سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ؛ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النِّصْفِ) ، لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي تَعَدَّى فِيهِ، (وَلَا يُنْقَلُ) رَهْنٌ (عَنْ يَدٍ مِنْ شَرْطِ) كَوْنِهِ بِيَدِهِ (مَعَ بَقَاءِ حَالِهِ) ؛ أَيْ أَمَانَتِهِ (إلَّا بِاتِّفَاقِ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا؛ (وَلَا يَمْلِكُ) الْعَدْلُ (رَدَّهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ لِأَحَدِهِمَا؛ أَيْ: الْمُتَرَاهِنَيْنِ، سَوَاءٌ امْتَنَعَ أَوْ سَكَتَ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِحَظِّ الْآخَرِ، (فَإِنْ فَعَلَ) ؛ أَيْ: رَدَّهُ لِأَحَدِهِمَا بِلَا إذْنِ الْآخَرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 (وَفَاتَ) الرَّهْنُ عَلَى الْآخَرِ؛ (ضَمِنَ) الْعَدْلُ (حَقَّ الْآخَرِ) مِنْ الْمُتَرَاهِنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفُتْ؛ رَدَّهُ الدَّافِعُ إلَى يَدِ نَفْسِهِ لِيُوَصِّلَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ؛ (وَإِنْ رَدَّهُ) الْعَدْلُ (عَلَيْهِمَا) ؛ أَيْ؛ الْمُتَرَاهِنَيْنِ؛ (فَامْتَنَعَا) مِنْ أَخَذَهُ؛ (أَجْبَرَهُمَا حَاكِمٌ) عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ؛ لِتَطَوُّعِهِ بِالْحِفْظِ، فَإِنْ تَغَيَّبَا نَصَبَ حَاكِمٌ أَمِينًا يَقْبِضُهُ لَهُمَا؛ لِوِلَايَتِهِ عَلَى مُمْتَنِعٍ مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِ؛ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْعَدْلُ (حَاكِمًا، فَتَرَكَهُ لِعُذْرٍ عِنْدَ عَدْلٍ آخَرَ؛ لَمْ يَضْمَنْ) ؛ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعَا، وَدَفَعَهُ عَدْلٌ أَوْ حَاكِمٌ إلَى آخَرَ؛ ضَمِنَهُ دَافِعٌ وَقَابِضٌ، وَإِنْ غَابَ مُتَرَاهِنَانِ، وَأَرَادَ الْمَشْرُوطُ جَعْلَهُ عِنْدَهُ رَدَّهُ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ؛ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ دَفَعَهُ إلَى حَاكِمٍ، فَقَبَضَهُ مِنْهُ، أَوْ نَصَبَ لَهُ عَدْلًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا أَوْدَعَهُ ثِقَةً. (وَلَا يُسَافِرْ) الْعَدْلُ بِهِ؛ أَيْ: الرَّهْنِ بِلَا (إذْنٍ) ؛ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِي السَّفَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، وَغَيْبَتُهُمَا مَسَافَةُ قَصْرٍ؛ قَبَضَهُ حَاكِمٌ؛ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ دَفَعَهُ إلَى عَدْلٍ، وَإِنْ غَابَا دُونَ الْمَسَافَةِ فَكَحَاضِرَيْنِ، وَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا فَكَمَا لَوْ غَابَا. (وَيَضْمَنُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنَ؛ (مُرْتَهِنٌ بِغَصْبِهِ مِمَّنْ هُوَ مَعَهُ) ؛ أَيْ: الْعَدْلِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهِ، (وَيَزُولُ) الْغَصْبُ وَالضَّمَانُ (بِرَدِّهِ لَهُ) ؛ أَيْ: الْعَدْلِ؛ لِنِيَابَةِ يَدِهِ عَنْ يَدِ مَالِكِهِ؛ كَمَا لَوْ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ، وَ (لَا) يَزُولُ حُكْمُ ضَمَانِهِ (بِرَدِّهِ) ؛ أَيْ: عَوْدِهِ (مِنْ سَفَرٍ بِهِ) ؛ أَيْ: لَوْ سَافَرَ أَحَدُهُمَا بِالرَّهْنِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ؛ صَارَ ضَامِنًا لَهُ، فَإِنْ عَادَ مِنْ سَفَرِهِ؛ لَمْ يَزُلْ ضَمَانُهُ بِمُجَرَّدِ عَوْدِهِ. وَ (لَا بِزَوَالِ تَعَدِّيهِ) عَلَى الرَّهْنِ؛ كَمَا لَوْ لَبِسَ الْمَرْهُونَ لَا لِمَصْلَحَتِهِ، ثُمَّ خَلِقَ؛ لِزَوَالِ ائْتِمَانٍ، فَلَمْ يَعُدْ بِخَلْعِهِ مَعَ بَقَائِهِ بِيَدِهِ (بِلَا عَقْدٍ مُتَجَدِّدٍ) ، فَإِنْ رَدَّهُ لِمَالِكٍ، وَجَدَّدَ مَعَهُ عَقْدَ الرَّهْنِ؛ زَالَ الضَّمَانُ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ السَّفَرُ بِرَهْنٍ، بِخِلَافِ وَدِيعَةٍ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِبَلَدِ الرَّهْنِ مِنْ الْبَيْعِ بِنَقْدِهِ وَبَيْعِهِ فِيهِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ؛ فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ بَقَاؤُهُ فِيهِ عِنْدَ ثِقَةٍ أَوْ حَاكِمٍ. (وَإِنْ) (حَدَثَ لِعَدْلٍ) مَشْرُوطٍ جُعِلَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ (فِسْقٌ أَوْ خِيَانَةٌ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 ضَعْفٌ) عَنْ حِفْظِهِ (أَوْ عَدَاوَةٌ مَعَ أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَرَاهِنَيْنِ (أَوْ مَاتَ) الْعَدْلُ، (أَوْ) مَاتَ (مُرْتَهِنٌ) عِنْدَهُ الرَّهْنُ؛ (وَلَمْ يَرْضَ رَاهِنٌ بِكَوْنِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (بِيَدِ وَرَثَةٍ أَوْ) بِيَدِ (وَصِيٍّ) لَهُ، أَوْ حَدَثَ لِمُرْتَهِنٍ فِسْقٌ وَنَحْوُهُ وَالرَّهْنُ بِيَدِهِ؛ (جَعَلَهُ حَاكِمٌ بِيَدِ أَمِينٍ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ حُقُوقِهِمَا وَقَطْعِ نِزَاعِهِمَا ؛ مَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وَضْعِهِ بِيَدِ آخَرَ، (فَإِنْ اخْتَلَفَا) ؛ أَيْ: الْمُتَرَاهِنَانِ (فِي تَغَيُّرِ حَالِهِ) ؛ أَيْ: الْعَدْلِ (بَحَثَ عَنْهُ حَاكِمٌ، وَعَمِلَ بِمَا ظَهَرَ لَهُ) مِنْ حَالِهِ، (وَكَذَا لَوْ تَغَيَّرَ حَالُ مُرْتَهِنٍ؛ فَلِرَاهِنٍ دَفْعُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (لِحَاكِمٍ يَضَعُهُ فِي يَدِ عَدْلٍ) ؛ بِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ (وَإِنْ أَذِنَا) ؛ أَيْ: الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (لَهُ) ؛ أَيْ: الْعَدْلِ فِي بَيْعِ رَهْنٍ، (أَوْ) أَذِنَ (رَاهِنٌ لِمُرْتَهِنٍ فِي بَيْعِ) رَهْنٍ (وَعُيِّنَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - لِعَدْلٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ (نَقْدٌ؛ تَعَيَّنَ؛ فَلَا يَصِحُّ) بَيْعُهُ (بِغَيْرِهِ، وَإِلَّا) يُعَيَّنْ لَهُ نَقْدٌ؛ (بِيعَ) رَهْنٌ (بِنَقْدِ الْبَلَدِ) إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا نَقْدٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ لَهُ لِرَوَاجِهِ، (فَإِنْ تَعَدَّدَ) نَقْدُ الْبَلَدِ (فَبِأَغْلَبِهِ رَوَاجًا) يُبَاعُ؛ لِمَا سَبَقَ؛ (فَإِنْ تَسَاوَى) ؛ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَغْلَبُ رَوَاجًا؛ (فَإِنَّهُ) يُبَاعُ (بِجِنْسِ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى وَفَاءِ الْحَقِّ، (وَإِلَّا) يَكُنْ فِيهِ جِنْسُ الدَّيْنِ؛ فَإِنَّهُ يُبَاعُ (بِمَا يَرَاهُ) مَأْذُونٌ لَهُ فِي بَيْعٍ (أَصْلَحَ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ تَحْصِيلُ الْحَظِّ ؛ (فَإِنْ تَرَدَّدَ) رَأْيُهُ، أَوْ اخْتَلَفَ رَاهِنٌ وَمُرْتَهِنٌ عَلَى عَدْلٍ فِي تَعْيِينِ ثَمَنِهِ؛ بِأَنْ (عَيَّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَمَنًا؛ عَيَّنَهُ حَاكِمٌ - وَلَوْ) كَانَ مَا عَيَّنَهُ الْحَاكِمُ (غَيْرَ جِنْسِ الْحَقِّ -) لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْحَظِّ؛ وَأَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ. (وَتَلِفَ ثَمَنُ) رَهْنٍ (بِيَدِ عَدْلٍ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنْ ضَمَانِ رَاهِنٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي الْبَيْعِ، وَالثَّمَنُ مِلْكُهُ، وَهُوَ أَمِينٌ فِي قَبْضِهِ؛ فَيَضِيعُ عَلَى مُوَكِّلِهِ؛ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ، وَإِنْ أَنْكَرَ رَاهِنٌ وَمُرْتَهِنٌ قَبْضَ عَدْلٍ ثَمَنًا، وَادَّعَاهُ؛ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْعَدْلُ (فِي وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ وَغَيْرِهِ) فِي الْبَيْعِ؛ (كَوَكِيلٍ) عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ. (وَمَتَى خَالَفَ) الْعَدْلُ (لَزِمَهُ) فِي مُخَالَفَتِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 (مَا يَلْزَمُ وَكِيلًا خَالَفَ) فِي وَكَالَتِهِ، (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ رَهْنٌ بِيعَ) ؛ أَيْ: بَانَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِ رَاهِنٍ؛ (لَمْ يَرْجِعْ بِثَمَنٍ مُشْتَرٍ أُعْلِمَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ -؛ أَيْ: أَعْلَمَهُ بَائِعٌ مِنْ عَدْلٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي بَيْعِهِ (عَلَى عَدْلٍ بَائِعٍ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ) وَحُقُوقُ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُوَكِّلِ، وَأَمَّا رَبُّ الْعَيْنِ فَلَهُ طَلَبُهُ بِهَا؛ كَمَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ؛ لَا يُقَالُ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَدْلِ لِأَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا سُلِّمَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ أَمِينٌ فِي قَبْضِهِ لِيُسَلِّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ؛ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ وَهَكَذَا كُلُّ وَكِيلٍ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ؛ وَأَعْلَمَ الْمُشْتَرِي بِالْحَالِ، (بَلْ) يَرْجِعُ مُشْتَرٍ (عَلَى رَاهِنٍ مُفْلِسًا كَانَ) الرَّاهِنُ (أَوْ مَيِّتًا) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَهُ، فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ، (وَإِلَّا) يُعْلِمْ عَدْلٌ مُشْتَرٍ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ، فَيَرْجِعُ مُشْتَرٍ (عَلَى بَائِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، (وَيَرْجِعُ هُوَ) ؛ أَيْ: الْبَائِعُ (عَلَى الرَّاهِنِ) إنْ أَقَرَّ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ؛ (وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ مُرْتَهِنٌ؛ رَجَعَ مُشْتَرٍ عَلَيْهِ) بِهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ سَارَ إلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبَانَ فَسَادُ الرَّهْنِ؛ فَلَهُ فَسْخُ بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ، (وَإِنْ رَدَّهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنَ (مُشْتَرٍ بِعَيْبٍ ثَابِتٍ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى مُرْتَهِنٍ) بِالثَّمَنِ؛ (لِقَبْضِهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (الثَّمَنَ بِحَقٍّ، وَلَا) عَلَى (بَائِعٍ أَعْلَمَهُ) بِالْحَالِ؛ (لِأَنَّهُ أَمِينٌ) ؛ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ، (بَلْ) يَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ (عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِلْكُهُ، وَعُهْدَتُهُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ تَلِفَ مَبِيعٌ اُسْتُحِقَّ) ؛ أَيْ: لَوْ بِيعَ الرَّهْنُ، ثُمَّ بَانَ مُسْتَحَقًّا لِلْغَيْرِ، وَكَانَ تَلَفُهُ (بِيَدِ مُشْتَرٍ قَبْلَ وَزْنِ ثَمَنِهِ) أَوْ بَعْدَهُ؛ (فَلِرَبِّهِ تَضْمِينُ) مَنْ شَاءَ مِنْ (غَاصِبٍ) - وَهُوَ الرَّاهِنُ - (أَوْ بَائِعٍ) - وَهُوَ الْعَدْلُ - (أَوْ مُرْتَهِنٍ أَوْ مُشْتَرٍ) . ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي الْمُغْنِي " وَالْكَافِي " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ "؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ وَضَعَ الْمُرْتَهِنُ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا طَلَبَ عَلَيْهِ؛ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ؛ أَيْ: صَاحِبِ الْمُغْنِي " قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: إذْ لَا تَعَلُّقَ لِلْمُرْتَهِنِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَلَا قَبَضَ ثَمَنَهُ، فَكَيْفَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 يَضْمَنُهُ، (وَالْقَرَارُ) ؛ أَيْ: قَرَارُ الضَّمَانِ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي - وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ - (لِتَلَفِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (تَحْتَ يَدِهِ) ، وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْهُ، وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ بَيْعًا فَاسِدًا؛ وَجَبَ رَدُّهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ؛ فَلِلْمُرْتَهِنِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْعَدْلِ وَالْمُشْتَرِي أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ ذَلِكَ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ دَيْنِهِ، وَمَا بَقِيَ لِلرَّاهِنِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَإِنْ وَفَّى الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ؛ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ قَالَ فِي الْكَافِي " (وَإِنْ قَضَى الْعَدْلُ مُرْتَهِنًا) دَيْنَهُ (مِنْ الثَّمَنِ) ؛ أَيْ: ثَمَنِ الرَّهْنِ (فِي غَيْبَةِ رَاهِنٍ، فَأَنْكَرَ مُرْتَهِنٌ الْقَضَاءَ - وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ - ضَمِنَ الْعَدْلُ) ؛ لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ مَدِينٌ، فَإِنْ حَضَرَ رَاهِنٌ الْقَضَاءَ؛ لَمْ يَضْمَنْ الْعَدْلُ؛ وَكَذَا إنْ شَهِدَ الْعَدْلُ، وَلَوْ غَابَ شُهُودُهُ، أَوْ مَاتُوا، إنْ صَدَّقَهُ رَاهِنٌ، (وَلَا يُصَدَّقُ) الْعَدْلُ (عَلَيْهِمَا) ؛ أَيْ: الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، أَمَّا الرَّاهِنُ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ فِي الْقَضَاءِ، عَلَى وَجْهٍ يَبْرَأُ بِهِ، وَهُوَ لَمْ يَبْرَأْ بِهَذَا، وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي الْحِفْظِ فَقَطْ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِوَكِيلٍ فِيهِ، (فَيَحْلِفُ مُرْتَهِنٌ) أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى دَيْنَهُ (وَيَرْجِعُ) بِدَيْنِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْ عَدْلٍ وَرَاهِنٍ، (فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ؛ لَمْ يَرْجِعْ) الْعَدْلُ (عَلَى أَحَدٍ) ؛ لِدَعْوَاهُ ظُلْمَ مُرْتَهِنٍ لَهُ وَأَخْذَ مَالٍ مِنْهُ ثَانِيًا بِغَيْرِ حَقٍّ، (وَإِنْ رَجَعَ) مُرْتَهِنٌ (عَلَى رَاهِنٍ؛ رَجَعَ) الرَّاهِنُ (عَلَى الْعَدْلِ) ؛ لِتَفْرِيطِهِ؛ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ؛ كَمَا لَوْ تَلِفَ الرَّهْنُ بِتَفْرِيطِهِ، (وَكَذَا فِيمَا مَرَّ) مِنْ الْأَحْكَامِ (كُلُّ وَكِيلٍ) فِي قَضَاءِ دَيْنٍ إذَا قَضَاهُ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلٍ، وَلَمْ يُشْهِدْ، فَيَضْمَنُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَأْتِي فِي الضَّمَانِ حُكْمُ مَا لَوْ أَشْهَدَ) الْوَكِيلُ عَلَى الْقَضَاءِ مُسْتَوْفًى. [فَصْلٌ شَرْط الْمُتَرَاهِنَيْنِ مَا يَقْتَضِيهِ عَقْدُ الرَّهْن] (فَصْلٌ: وَيَصِحُّ شَرْطُ كُلِّ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ) بِلَا نِزَاعٍ، وَذَلِكَ؛ كَشَرْطِ (بَيْعِ مُرْتَهِنٍ) لِرَهْنٍ، (وَ) كَشَرْطِ بَيْعِ (عَدْلٍ لِرَهْنٍ عِنْدَ حُلُولِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 (وَيَنْعَزِلَانِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنُ وَالْعَدْلُ الْمَأْذُونُ لَهُمَا فِي بَيْعِ الرَّهْنِ (بِعَزْلِ رَاهِنٍ وَمَوْتِهِ - وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا -) كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ وَالْوَكَالَاتِ، فَلَا يَمْلِكَانِ الْبَيْعَ وَ (لَا) يَصِحُّ شَرْطُ (مَا لَا يَقْتَضِيهِ) عَقْدُ الرَّهْنِ؛ (كَكَوْنِ مَنَافِعِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (لِمُرْتَهِنٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الرَّاهِنِ، فَلَا تَكُونُ مَنَافِعُهُ لِغَيْرِهِ، (أَوْ هُوَ) ؛ أَيْ: الرَّهْنُ (لَهُ) ؛ أَيْ: لَلْمُرْتَهِنِ (إنْ لَمْ يَأْتِهِ بِحَقِّهِ فِي مَحِلِّهِ) أَوْ إنْ لَمْ يَأْتِهِ فِي مَحِلِّهِ فَالرَّهْنُ مَبِيعٌ لَهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، (أَوْ) شَرْطُ مَا (يُنَافِيهِ) ؛ أَيْ: يُنَافِي مُقْتَضَى عَقْدِ الرَّهْنِ؛ (كَتَوْقِيتِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ بِأَنْ قَالَ: هُوَ رَهْنٌ لِسَنَةٍ مَثَلًا، (وَكَوْنِهِ يَوْمًا رَهْنًا وَيَوْمًا لَا) يَكُونُ رَهْنًا، (أَوْ) شَرْطُ أَنْ (لَا يُبَاعَ إلَّا بِثَمَنٍ يَرْضَاهُ رَاهِنٌ، أَوْ) شَرْطَ (أَنْ يَبِيعَهُ بِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ، أَوْ) شَرْطُ (كَوْنِ رَهْنِهِ بِيَدِهِ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنِ، (أَوْ) شَرْطُ أَنَّهُ (غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّهِ) ؛ أَيْ الرَّهْنِ، (أَوْ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَهُ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنِ، (أَوْ) شَرْطُ أَنْ (لَا يُبَاعَ) الرَّهْنُ (عِنْدَ حُلُولِ الْحَقِّ) ، أَوْ لَا يُبَاعُ مَا خِيفَ تَلَفُهُ مِمَّا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، (أَوْ) شَرْطُ كَوْنِهِ (مِنْ ضَمَانِ مُرْتَهِنٍ) ، أَوْ مِنْ ضَمَانِ عَدْلٍ، (أَوْ) شَرْطُ الرَّاهِنِ أَنْ (لَا يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ) فَلَا يَصِحُّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، لِمُنَافَاتِهِ الرَّهْنَ، (وَلَا يَفْسُدُ عَقْدُ) الرَّهْنِ (بِذَلِكَ) ؛ لِحَدِيثِ: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ» ، وَتَقَدَّمَ. (بَلْ) يَفْسُدُ (الشَّرْطُ) فَقَطْ؛ حَيْثُ سَمَّاهُ فِي الْحَدِيثِ رَهْنًا، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ رَهْنٌ وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ، نَصَّ عَلَى مَعْنَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ؛ كَشَرْطِ (كَوْنِ أَمَةٍ مَرْهُونَةً بِيَدِهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ، (أَوْ) بِيَدِ (أَجْنَبِيٍّ عَلَى وَجْهٍ يُفْضِي لِلْخَلْوَةِ) بِهَا، مِثْلُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْأَجْنَبِيِّ زَوْجَاتٌ وَلَا سَرَارِيُّ وَلَا نِسَاءٌ مَعَهَا فِي دَارِهِمَا؛ فَيَفْسُدُ الشَّرْطُ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلَا يَفْسُدُ الرَّهْنُ، وَيَجْعَلُهَا الْحَاكِمُ تَحْتَ يَدِ مَنْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ أَمِينٍ لَهُ زَوْجَاتٌ أَوْ سَرَارِيُّ أَوْ مَحَارِمُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفْضِي إلَى الْخَلْوَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 الْمُحَرَّمَةِ، (أَوْ) كَوْنِ (قِنٍّ بِيَدِهَا) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنَةِ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا؛ بِأَنْ شَرَطَتْ كَوْنَهُ عِنْدَهَا عَلَى وَجْهٍ يُفْضِي إلَى خَلْوَتِهِ بِهَا؛ (كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ عِنْدَهَا حَيْثُ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا مَحْرَمَ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَيَجْعَلُهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ أَمِينٍ. (وَ) إنْ قَالَ غَرِيمٌ: (رَهَنْتُك هَذَا) ؛ أَيْ: دَارِي مَثَلًا (عَلَى أَنْ لَا تَزِيدَنِي فِي الْأَجَلِ) ، بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا إلَى مُحَرَّمٍ، فَرَهَنَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ إلَى صَفَرٍ؛ (فَرَهْنٌ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يَثْبُتُ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدٍ وَجَبَ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَجَلُ فَسَدَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَتِهِ. [تَتِمَّةٌ فَسَدَ الرَّهْنُ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ] تَتِمَّةٌ: إذَا فَسَدَ الرَّهْنُ؛ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ تَلِفَ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّ فَاسِدَ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَالرَّهْنُ الصَّحِيحُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ، وَالْمَبِيعُ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ مَضْمُونٌ، فَكَذَا الْمَقْبُوضُ بِعَقْدِهِ فَاسِدٌ؛ كَمَا سَبَقَ. [فَصْلٌ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي أَنَّ الرَّاهِنَ أَقْبَضَ الْمُرْتَهِنَ خَمْرًا] (فَصْلٌ: وَإِنْ اخْتَلَفَا) ؛ أَيْ: الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (فِي أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنَ (أَقْبَضَهُ) ؛ أَيْ: أَقْبَضَ الْمُرْتَهِنَ (عَصِيرًا أَوْ) أَقْبَضَهُ (خَمْرًا فِي عَقْدٍ شَرَطَ فِيهِ) رَهْنَهُ، بِأَنْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَشَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ هَذَا الْعَصِيرَ، وَقَبَضَهُ، ثُمَّ عَلِمَهُ خَمْرًا، فَقَالَ مُشْتَرٍ: أَقْبَضْتُكَ عَصِيرًا وَتَخَمَّرَ عِنْدَك، فَلَا أَفْسَخُ لَك؛ لِأَنِّي وَفَيْتُ بِالشَّرْطِ. وَقَالَ بَائِعٌ كَانَ تَخَمَّرَ قَبْلَ قَبْضٍ فَلِي الْفَسْخُ لِلشَّرْطِ؛ فَقَوْلُ رَاهِنٍ؛ أَيْ: مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ. (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (رَدِّ رَهْنٍ) ؛ بِأَنْ ادَّعَاهُ مُرْتَهِنٌ، وَأَنْكَرَهُ رَاهِنٌ؛ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ - وَالْمُرْتَهِنُ قَبَضَ الرَّهْنَ لِمَنْفَعَتِهِ - فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ؛ كَمُسْتَعِيرٍ وَمُسْتَأْجِرٍ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي عَيْنِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ، وَيَأْتِي مِثَالُهُ. (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (قَدْرِهِ) ؛ بِأَنْ قَالَ: رَهَنْتُك هَذَا الْعَبْدَ، فَقَالَ مُرْتَهِنٌ: بَلْ هُوَ وَهَذَا الْآخَرَ، فَقَوْلُ رَاهِنٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (قَدْرِ) دَيْنٍ بِهِ؛ بِأَنْ يَقُولَ رَاهِنٌ: رَهَنْتُك بِأَلْفٍ، فَقَالَ مُرْتَهِنٌ: بَلْ بِأَلْفَيْنِ؛ فَقَوْلُ رَاهِنٍ بِيَمِينِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى الدَّيْنِ أَلْفَانِ أَوْ اخْتَلَفَا. أَوْ اخْتَلَفَا (فِي صِفَةِ دَيْنٍ بِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ كَرَهَنْتُكَ (بِنِصْفِ الدَّيْنِ، أَوْ) رَهَنْتُك (بِالْمُؤَجَّلِ) مِنْهُ؛ فَقَوْلُ رَاهِنٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِرَهْنِهِ بِالزَّائِدِ. (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (قَبْضِهِ، وَلَيْسَ هُوَ بِيَدِ مُرْتَهِنٍ) عِنْدَ الِاخْتِلَافِ؛ فَقَوْلُ رَاهِنٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (بِيَدِهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ، (وَقَالَ) الرَّاهِنُ: (قَبَضْته بِلَا إذْنِهِ؛ فَقَوْلُ رَاهِنٍ بِيَمِينِهِ) . جَزَمَ بِهِ فِي " الْحَاوِيَيْنِ " وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْمُغْنِي " " " وَالشَّرْحِ " لِأَنَّهُ مُنْكِرُ الْإِذْنِ. وَقَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " تَبَعًا لِلتَّلْخِيصِ ": وَلَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْهُ؛ قُبِلَ مِنْهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ. فَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ: (رَهَنْتُك هَذَا الْعَبْدَ، فَقَالَ) الْمُرْتَهِنُ: (بَلْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ؛ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ الرَّهْنِ) ؛ لِإِقْرَارِ الْمُرْتَهِنِ بِأَنَّهُ لَيْسَ رَهْنًا، (وَكَذَا) خَرَجَتْ (الْجَارِيَةُ) مِنْ الرَّهْنِ (إنْ حَلَفَ) الرَّاهِنُ (أَنَّهُ مَا رَهَنَهَا) ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ رَهْنِهَا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. وَهَذَا مِثَالٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي عَيْنِ الرَّهْنِ. (وَ) لَوْ قَالَ: (رَهَنْتُك عَبْدِي) الَّذِي بِيَدِكَ (بِأَلْفٍ، فَقَالَ) ذُو الْيَدِ: (بَلْ بِعْتَنِيهِ بِهِ) ؛ أَيْ: الْأَلْفِ، (أَوْ) قَالَ: (بِعْتُكَ بِهِ، فَقَالَ: بَلْ رَهَنْتَنِيهِ) بِهِ - وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا - (حَلَفَ كُلٌّ) مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَسَقَطَتْ دَعْوَاهُمَا، وَيَأْخُذُ الرَّاهِنُ رَهْنَهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 (وَبَقِيَ الْأَلْفُ بِلَا رَهْنٍ) ، وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، فَإِنْ نَكَلَا صَرَفَهُمَا، عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ. (وَ) لَوْ قَالَ: (رَهَنْتنِي عَبْدَك) هَذَا (بِأَلْفٍ، فَقَالَ) مَالِكُهُ: (بَلْ غَصَبْتَنِيهِ؛ أَوْ) قَالَ: (هُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَك أَوْ عَارِيَّةُ؛ فَقَوْلُ رَبِّهِ) سَوَاءٌ (اعْتَرَفَ بِالدَّيْنِ أَوْ لَا) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّهْنِ. وَإِنْ قَالَ مَنْ بِيَدِهِ رَهْنٌ لِرَبِّهِ: (أَرْسَلْتُ وَكِيلَك زَيْدًا لِيَرْهَنَهُ بِعِشْرِينَ، وَقَبَضَهَا زَيْدٌ، وَصَدَّقَ الْوَكِيلُ) أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ الْعِشْرِينَ، وَأَنَّهُ سَلَّمَهَا لِرَبِّ الرَّهْنِ؛ (فَقَوْلُ رَاهِنٍ) ، وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ زَيْدًا، بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ زَيْدًا لِيَرْهَنَهُ إلَّا (بِعَشَرَةٍ) وَلَمْ يَقْبِضْ سِوَاهَا؛ (كَمَا) يُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ بِيَمِينِهِ (لَوْ عَدِمَ الْوَكِيلَ) ، فَإِذَا حَلَفَ رَاهِنٌ بَرِيءَ مِنْ الْعَشَرَةِ، (وَيَغْرَمُ الْوَكِيلُ) الْعَشَرَةَ (الْأُخْرَى) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِهَا، (وَإِنْ صَدَّقَ) الْوَكِيلُ (مُوَكِّلَهُ) - وَهُوَ الرَّاهِنَ - (فَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْوَكِيلِ الَّذِي هُوَ الرَّسُولُ (الْيَمِينُ لِنَفْيِهَا) ؛ أَيْ: الْعَشَرَةِ الْأُخْرَى، فَيَحْلِفُ مَا رَهَنَهُ إلَّا بِعَشَرَةٍ، وَلَا قَبَضَ إلَّا عَشَرَةً، وَلَا يَمِينَ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِهِ، فَإِذَا حَلَفَ الْوَكِيلُ بَرِيءَ هُوَ وَمُوَكِّلُهُ، (وَإِلَّا) يَحْلِفْ؛ بِأَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ؛ (غَرِمَ) الْعَشَرَةَ الْمُخْتَلِفَ فِيهَا، وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ الْمُرْتَهِنَ ظَلَمَهُ. وَلَا يَرْجِعُ الْإِنْسَانُ بِظُلَامَتِهِ إلَّا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ، أَوْ تَسَبَّبَ فِي ظُلْمِهِ. [فَصْلٌ الِانْتِفَاع بِالْمَرْهُونِ] (فَصْلٌ: وَلِمُرْتَهِنٍ رُكُوبُ حَيَوَانٍ مَرْهُونٍ) ؛ كَفَرَسٍ وَبَعِيرٍ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ، نَصًّا وَلَوْ (بِلَا إذْنِ رَاهِنٍ؛ وَلَوْ) كَانَ الرَّاهِنُ (حَاضِرًا، أَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ الْإِنْفَاقِ) عَلَيْهِ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ» . (وَ) لِمُرْتَهِنٍ (حَلْبُهُ فَقَطْ) ؛ أَيْ: لَيْسَ لَهُ إلَّا الرُّكُوبُ وَالْحَلْبُ بِقَدْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 النَّفَقَةِ، لَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا. (وَ) لَهُ (اسْتِرْضَاعُ أَمَةٍ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ لِلْخَبَرِ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا حَدِيثَ: «وَلَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» ؛ لِأَنَّا نَقُولُ النَّمَاءُ لِلرَّاهِنِ، لَكِنْ لِلْمُرْتَهِنِ وِلَايَةُ صَرْفِهِ لِنَفَقَةِ الرَّهْنِ؛ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَلِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ، وَلِمُرْتَهِنٍ فِيهِ حَقٌّ؛ فَهُوَ كَالنَّائِبِ عَنْ الْمَالِكِ فِي ذَلِكَ، وَلِحَدِيثِ: «إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً؛ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلْفُهَا» ، فَجَعَلَ الْمُرْتَهِنَ هُوَ الْمُنْفِقُ، فَيَكُونُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ. (مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ) فِي كَوْنِ الرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ؛ (فَلَا يُنْهِكُهُ) ؛ أَيْ: الْمَرْكُوبَ وَالْمَحْلُوبَ (بِذَلِكَ) الرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَلَا يَضْمَنُ) الْمُرْتَهِنُ تَلَفَ دَابَّةٍ مَرْهُونَةٍ رَكِبَهَا بِنَفَقَتِهَا إذَا لَمْ يُنْهِكْهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَبِيعُ) مُرْتَهِنٌ (فَضْلَ لَبَنٍ) مَرْهُونٍ (بِإِذْنِ رَاهِنٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، (وَإِلَّا) ؛ يَأْذَنْ لِامْتِنَاعِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ؛ (فَحَاكِمٌ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، (وَيَرْجِعُ) مُرْتَهِنٌ (بِفَضْلِ نَفَقَتِهِ) عَنْ رُكُوبٍ وَحَلْبٍ وَاسْتِرْضَاعٍ (عَلَى رَاهِنٍ) بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فِي غَيْرِهِ. (وَلَا يَتَصَرَّفُ) مُرْتَهِنٌ (فِي) رَهْنٍ (غَيْرِ مَرْكُوبٍ) (وَ) غَيْرِ (مَحْلُوبٍ بِاسْتِعْمَالٍ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ ": لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، وَيَسْتَخْدِمَهَا بِقَدْرِ النَّفَقَةِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (انْتِفَاعٌ بِمَرْهُونٍ بِإِذْنِ رَاهِنٍ مَجَّانًا) بِلَا عِوَضٍ، وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِعِوَضٍ (وَبِمُحَابَاةٍ) ؛ بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ بِعِوَضٍ أَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ الرَّهْنِ (مَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ قَرْضًا) ؛ فَيَحْرُمُ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 لِجَرِّهِ النَّفْعَ، (وَيَصِيرُ) الرَّهْنُ الْمَأْذُونُ فِي اسْتِعْمَالِهِ مَجَّانًا (مَضْمُونًا بِالِانْتِفَاعِ) بِهِ؛ لِصَيْرُورَتِهِ عَارِيَّةً، وَظَاهِرُهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا قَبْلَ الِانْتِفَاعِ بِهِ. (وَإِنْ أَنْفَقَ) مُرْتَهِنٌ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (لِيَرْجِعَ) عَلَى رَاهِنٍ (بِلَا إذْنِ رَاهِنٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِأَنْفَقَ - (وَأَمْكَنَ) اسْتِئْذَانُهُ، فَالْمُنْفِقُ (مُتَبَرِّعٌ) حُكْمًا؛ لِتَصَدُّقِهِ بِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِعِوَضِهِ؛ كَالصَّدَقَةِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَلِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الِاسْتِئْذَانِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، (وَإِنْ تَعَذَّرَ) اسْتِئْذَانُهُ (بِنَحْوِ غَيْبَةٍ) أَوْ تَوَارٍ، أَوْ أَنْفَقَ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ؛ (رَجَعَ) ؛ أَيْ: فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى رَاهِنٍ (بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَنْفَقَ) عَلَى رَهْنٍ، (أَوْ نَفَقَةِ مِثْلِهِ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ حَاكِمًا) مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، (أَوْ لَمْ يَشْهَدْ) أَنَّهُ يُنْفِقُ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهِ؛ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى الْإِنْفَاقِ لِحِرَاسَةِ حَقِّهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَجَزَ عَنْ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ. (وَ) حَيَوَانٌ (مُعَارٌ وَمُؤَجَّرٌ وَمُودَعٌ، وَيَتَّجِهُ وَمُشْتَرَكٌ) بِيَدِ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ؛ (كَرَهْنٍ) فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ، وَإِنْ مَاتَ فَكَفَنُهُ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ؛ كَذَلِكَ (وَإِنْ انْهَدَمَتْ مَرْهُونَةٌ، فَعَمَرَهَا مُرْتَهِنٌ بِلَا إذْنِ) رَاهِنٍ؛ (لَمْ يَرْجِعْ) الْمُرْتَهِنُ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي عِمَارَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الرَّاهِنِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ - (وَلَوْ نَوَاهُ) ؛ أَيْ: نَوَى الْمُرْتَهِنُ الرُّجُوعَ - (لَكِنْ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ - إذَا عَمَرَ - (أَخْذُ أَعْيَانِ آلَتِهِ) الَّتِي عَمَرَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالِهِ مَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ (فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ ثَمَنِ مَاءٍ وَرَمَادٍ وَطِينٍ وَجِصٍّ وَنَوْرَةٍ وَأُجْرَةِ مُعَمِّرِينَ، وَكَذَا مُسْتَأْجِرٌ وَوَدِيعٌ. [فَصْلٌ جَنَى الرَّقِيق الْمَرْهُون وَاخْتِيرَ الْمَالُ] (فَصْلٌ وَإِنْ جَنَى) رَقِيقٌ (رَهْنَهُ) عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٌ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَا قَوَدَ فِيهِ أَوْ فِيهِ قَوَدٌ، وَاخْتِيرَ الْمَالُ؛ (تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِقِيمَتِهِ) ؛ أَيْ: الْجَانِي، هَكَذَا وَقَعَ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ النُّسَخِ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " " وَالْإِنْصَافِ " بِرَقَبَتِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 بَدَلُ قِيمَتِهِ، فَعَلَى قَوْلِهِمْ؛ يَصِحُّ قَوْلُهُ: (وَقُدِّمَ) حَقُّ الْجِنَايَةِ (عَلَى حَقِّ مُرْتَهِنٍ) . قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ ثَبَتَ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ بِعَقْدِهِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْجِنَايَةِ فَقَدْ ثَبَتَ بِغَيْرِهِ اخْتِيَارُهُ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّهِ، فَقُدِّمَ عَلَى مَا ثَبَتَ بِعَقْدِهِ، وَلِاخْتِصَاصِ حَقِّ الْجِنَايَةِ بِالْعَيْنِ فَيَفُوتُ بِفَوَاتِهَا. (فَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ؛ (خُيِّرَ سَيِّدُهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ) أُمُورٍ فِدَاؤُهُ؛ أَيْ: الْقِنِّ الْمَرْهُونِ (بِالْأَقَلِّ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْأَرْشِ (وَمِنْ قِيمَتِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنْ كَانَ أَقَلَّ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْهُ؛ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَكْثَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ عِوَضُ الْجَانِي؛ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ؛ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ (وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ) ؛ لِقِيَامِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِوُجُودِ سَبَبٍ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِقُوَّتِهِ وَقَدْ زَالَ (أَوْ بَيْعِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (فِي الْجِنَايَةِ، أَوْ تَسْلِيمِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (لِوَلِيِّهَا) ؛ أَيْ الْجِنَايَةِ، (فَيَمْلِكُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ؛ (وَيَبْطُلُ) الرَّهْنُ (فِيهِمَا) ؛ أَيْ: فِيمَا إذَا بَاعَهُ فِي الْجِنَايَةِ، وَفِيمَا إذَا سَلَّمَهُ فِيهَا؛ لِاسْتِقْرَارِ كَوْنِهِ عِوَضًا عَنْهَا بِذَلِكَ، فَبَطَلَ كَوْنُهُ مَحِلًّا لِلرَّهْنِ؛ كَمَا لَوْ تَلِفَ أَوْ بَانَ مُسْتَحَقًّا. (وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهُ) ؛ أَيْ: لَمْ يَسْتَغْرِقْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ الرَّهْنَ (بِيعَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (بِقَدْرِهِ) ؛ أَيْ: الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لِلضَّرُورَةِ، فَيَتَقَيَّدُ بِقَدْرِهَا، (وَبَاقِيهِ رَهْنٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) بَيْعُ بَعْضِهِ؛ فَكُلُّهُ يُبَاعُ لِلضَّرُورَةِ، (وَبَاقِي الثَّمَنِ رَهْنٌ) ، وَكَذَا إنْ نَقَصَ بِتَشْقِيصٍ، فَيُبَاعُ كُلُّهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ " (وَإِنْ فَدَاهُ) ، أَيْ: الرَّهْنَ (مُرْتَهِنٌ؛ بِلَا إذْنِ رَاهِنٍ؛ لَمْ يَرْجِعْ) عَلَى رَاهِنٍ (- وَلَوْ نَوَى) الرُّجُوعَ - جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُجَرَّدِ " وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ " " وَالْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَالنَّظْمِ " حَتَّى (وَلَوْ تَعَذَّرَ إذْنُ رَاهِنٍ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 الْمُرْتَهِنِ. وَفِي فِدَائِهِ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ تَآمُرٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَكَذَا لَا يَرْجِعُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَنَوَى التَّبَرُّعَ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَهَى " لَمْ يَرْجِعْ إلَّا إنْ نَوَى، وَهُوَ رِوَايَةٌ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ. (وَ) إنْ فَدَاهُ مُرْتَهِنٌ (بِإِذْنِهِ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنِ؛ فَلَهُ أَنْ (يَرْجِعَ) ؛ كَمَا لَوْ قَضَى عَنْهُ دَيْنَهُ بِإِذْنِهِ. (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ) مُرْتَهِنٍ (كَوْنِهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (رَهْنًا بِفِدَائِهِ مَعَ دَيْنِهِ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَرْهُونٌ بِهِ بِدَيْنٍ، فَلَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ بِآخَرَ؛ (لِصِحَّةِ زِيَادَةِ رَهْنٍ؛ لَا) زِيَادَةِ (دَيْنِهِ) ؛ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ أَوْجَبَتْ جِنَايَتُهُ؛ أَيْ: الْمَرْهُونِ (الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ) ؛ فَلِوَلِيِّهَا اسْتِيفَاؤُهُ، (فَإِنْ اقْتَصَّ مِنْهُ وَلِيُّهَا؛ بَطَلَ الرَّهْنُ) ؛ كَمَا لَوْ تَلِفَ؛ (وَ) إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ (فِي طَرَفٍ، اقْتَصَّ مِنْهُ؛ وَبَاقِيهِ رَهْنٌ) ؛ لِزَوَالِ الْمُعَارِضِ، (وَمَعَ عَفْوٍ) مِنْ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ عَنْ الْقِصَاصِ (قَالَ لِمَالٍ؛ فَكَمَا مَرَّ) ؛ أَيْ: فَيَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَصَارَ كَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ جَنَى) الْمَرْهُونُ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَ) كَانَ (يَعْلَمُ التَّحْرِيمَ) ؛ أَيْ: تَحْرِيمَ الْجِنَايَةِ، (وَ) يَعْلَمُ (أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ ذَلِكَ) الْأَمْرِ مِنْ سَيِّدِهِ؛ (فَكَالْجِنَايَةِ بِلَا إذْنِهِ) مِنْ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَتَقَدَّمَ مُفَصَّلًا. (وَإِنْ كَانَ) الْمَرْهُونُ (صَبِيًّا أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: تَحْرِيمَ الْجِنَايَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْ سَيِّدِهِ؛ (فَالْجَانِي هُوَ السَّيِّدُ) ، وَالْعَبْدُ كَالْآلَةِ؛ (فَيَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدَ (الْأَرْشُ كُلُّهُ) ، وَلَا يُبَاعُ [الْعَبْدُ] ، فِيهَا لِعَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ، مُوسِرًا كَانَ السَّيِّدُ أَوْ مُعْسِرًا؛ كَمَا لَوْ بَاشَرَ الْقَتْلَ. (وَحُكْمُ إقْرَارِ الرَّهْنِ بِالْجِنَايَةِ؛ حُكْمُ إقْرَارِ غَيْرِ الْمَرْهُونِ) عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْحَجْرِ وَالْإِقْرَارِ. (وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى الْمَرْهُونِ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ أَوْ الْمَالِ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 (فَالْخَصْمُ سَيِّدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لَهُ، وَالْأَرْشُ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ مِلْكُهُ، وَإِنَّمَا لَلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقُّ الْوَثِيقَةِ، (فَإِنْ أَخَّرَ السَّيِّدُ الطَّلَبَ لِغَيْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) ، كَمَرَضٍ؛ (فَالْمُرْتَهِنُ) الْمُطَالِبُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُعَلَّقٌ بِمُوجِبِهَا؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْجَانِيَ سَيِّدُهُ. (وَيَتَّجِهُ سُقُوطُ حَقِّهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ مِنْ التَّوْثِقَةِ (لَوْ عَفَا) عَنْ الْجَانِي؛ لِأَنَّ عَفْوَهُ بِمَنْزِلَةِ دَفْعِهِ جُزْءًا مِنْ الرَّهْنِ لِمَالِكِهِ، فَيَنْفَكُّ عَقْدُ الرَّهْنِ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْجُزْءِ، لَكِنَّ لِلرَّاهِنِ الْمُطَالَبَةَ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ؛ لِمِلْكِهِ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مَرْجُوحٌ، وَاَلَّذِي صَوَّبَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " عَدَمُ السُّقُوطِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَفْوِهِ عَنْ التَّوْثِقَةِ [سُقُوطُ حَقِّهِ مِنْ التَّوَثُّقِ بِهِ] . (وَلِسَيِّدٍ أَنْ) يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ. وَيَأْتِيَ. وَلَهُ أَنْ (يَقْتَصَّ) مِنْ جَانٍ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ (إنْ أَذِنَ) لَهُ فِيهِ (مُرْتَهِنٌ، أَوْ أَعْطَاهُ) ؛ أَيْ: أَعْطَى السَّيِّدُ الْمُرْتَهِنَ (مَا) ؛ أَيْ: شَيْئًا (يَكُونُ رَهْنًا) ؛ لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّهُ مِنْ التَّوَثُّقِ بِقِيمَتِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، (فَإِنْ) اقْتَصَّ السَّيِّدُ (بِدُونِهِمَا) ؛ أَيْ: الْإِذْنِ وَإِعْطَاءِ مَا يَكُونُ رَهْنًا (فِي نَفْسٍ أَوْ دُونِهَا) مِنْ طَرَفٍ أَوْ جُرْحٍ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا تُجْعَلُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ بِسَبَبِ إتْلَافِ الرَّهْنِ؛ فَلَزِمَهُ غُرْمُهُ؛ كَمَا لَوْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ مَالًا (أَوْ عَفَا) السَّيِّدُ عَنْ الْجِنَايَةِ (عَلَى مَالٍ) كَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ؛ (فَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ (قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا) ؛ أَيْ: الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (تُجْعَلُ) رَهْنًا (مَكَانَهُ) ، فَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي مِائَةً وَالْجَانِي تِسْعِينَ، وَبِالْعَكْسِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا تِسْعُونَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ إلَّا بِهِ: قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " هَذَا الْمَذْهَبَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " " وَالْمُذَهَّبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " " وَالْوَجِيزِ " " وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ " وَغَيْرِهِمْ، (وَفِي رِوَايَةٍ) عَلَى السَّيِّدِ (قِيمَةُ الرَّهْنِ أَوْ أَرْشُهُ) الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ تُجْعَلُ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُمَا بَدَلُ مَا فَاتَ عَلَى مُرْتَهِنٍ، (وَكَذَا لَوْ جَنَى) رَهْنٌ (عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ هُوَ) ؛ أَيْ: السَّيِّدُ، (أَوْ) اقْتَصَّ مِنْهُ (وَارِثُهُ) ، فَعَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 قِيمَتُهُ أَوْ أَرْشُهُ يُجْعَلُ رَهْنًا إنْ لَمْ يَأْذَنْ مُرْتَهِنٌ، (وَإِنْ عَفَا) السَّيِّدُ (عَنْ الْمَالِ) الْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ؛ (صَحَّ) عَفْوُهُ فِي حَقِّهِ لِمِلْكِهِ إيَّاهُ، وَ (لَا) يَصِحُّ (فِي حَقِّ مُرْتَهِنٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَمْلِكُ تَفْوِيتَهُ عَلَيْهِ؛ فَيُؤْخَذُ مِنْ جَانٍ، وَيَكُونُ رَهْنًا، (فَإِذَا انْفَكَّ) الرَّهْنُ (بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ؛ رَدَّ مَا أَخَذَ مِنْ جَانٍ) إلَيْهِ؛ لِسُقُوطِ التَّعَلُّقِ بِهِ، (وَإِنْ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ مِنْ الْأَرْشِ؛ رَجَعَ جَانٍ [رَاهِنٌ] ) ، لِذَهَابِ مَالِهِ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ؛ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَهُ، فَرَهَنَهُ، فَبِيعَ فِي الدَّيْنِ. (وَإِنْ جَنَى قِنٌّ رُهِنَ عَلَى قِنِّ سَيِّدِهِ غَيْرِ الْمَرْهُونِ؛ فَكَالْجِنَايَةِ عَلَى) طَرَفِ (سَيِّدِهِ) إنْ أَوْجَبَتْ مَالًا؛ فَهَدَرٌ، وَإِنْ أَوْجَبَتْ قِصَاصًا؛ فَلِسَيِّدِهِ الْقِصَاصُ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ، أَوْ إعْطَائِهِ مَا يَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَبِدُونِهِمَا عَلَيْهِ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى مَوْرُوثِ سَيِّدِهِ، وَكَانَتْ عَلَى طَرَفِهِ أَوْ مَالِهِ؛ فَكَأَجْنَبِيٍّ، وَلَهُ الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ مُوحِيَةً لَهُ، وَالْعَفْوُ عَلَى مَالٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ انْتَقَلَ ذَلِكَ إلَى السَّيِّدِ بِمَوْتِ الْمُسْتَحِقِّ، فَلَهُ مَا لِمَوْرُوثِهِ مِنْ الْقِصَاصِ، وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِيهَا مَا لَا يَثْبُتُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَتْلِ؛ ثَبَتَ الْحُكْمُ لِسَيِّدِهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ. وَمُكَاتَبُ السَّيِّدِ كَوَلَدِهِ، وَتَعْجِيزُهُ كَمَوْتِ وَلَدِهِ. (وَإِنْ كَانَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ) وَالْجِنَايَةُ مُوجِبَةٌ لِلْقِصَاصِ (فَإِنْ اقْتَصَّ سَيِّدُهُ بَطَلَ) الرَّهْنُ (فِي مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ) ؛ كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، (وَعَلَيْهِ قِيمَةُ مُقْتَصٍّ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، (وَإِنْ عَفَا) السَّيِّدُ عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ، (وَكَانَا) ؛ أَيْ: الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (رَهْنًا بِحَقٍّ وَاحِدٍ؛ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا قُتِلَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْحَقُّ مُتَعَلِّقًا بِالْآخَرِ؛ كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ رَهْنًا (بِحَقَّيْنِ) ؛ أَيْ: كُلٌّ مِنْهُمَا مَرْهُونٌ بِحَقٍّ مُنْفَرِدٍ مِنْ جِنْسٍ أَوْ جِنْسَيْنِ، سَوَاءٌ (تَمَاثَلَا) فِي الْجِنْسِيَّةِ (وَ) كَانَتْ (قِيمَتُهَا سَوَاءً) فَالْجِنَايَةُ (هَدَرٌ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِهَا، وَتَعَلُّقِ دَيْنِ الْمَقْتُولِ بِرَقَبَةِ الْقَاتِلِ. ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي "، (وَإِنْ اخْتَلَفَ الْحَقَّانِ وَاتَّفَقَتْ الْقِيمَتَانِ) ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا مِائَةً وَدَيْنُ الْآخَرِ مِائَتَيْنِ، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ (وَدَيْنُ الْقَاتِلِ أَكْثَرُ) وَهُوَ الْمِائَتَانِ؛ (لَمْ يُنْقَلْ لِدَيْنِ مَقْتُولٍ) ؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، (وَ) إنْ كَانَ (دَيْنُ الْمَقْتُولِ أَكْثَرَ) ؛ بِأَنْ كَانَ مَرْهُونًا بِالْمِائَتَيْنِ [ (يُنْقَلُ) دَيْنُهُ - وَهُوَ الْمِائَتَانِ - (لِقَاتِلٍ) بِحَالِهِ، فَيَصِيرُ رَهْنًا بِالْمِائَتَيْنِ] ؛ (وَلَا يُبَاعُ) الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، بَلْ إذَا حَلَّتْ الْمِائَتَانِ، (وَإِنْ اتَّفَقَ الدَّيْنَانِ، وَاخْتَلَفَ الْقِيمَتَانِ) ؛ بِأَنْ يَكُونَ دَيْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةً، وَقِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَةً وَالْآخَرُ مِائَتَيْنِ، (وَ) كَانَتْ (قِيمَةُ مَقْتُولٍ أَكْثَرَ) - وَهِيَ الْمِائَتَانِ - (بَقِيَ حَالُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ فِي النَّقْلِ (وَ) إنْ كَانَ (قِيمَةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ؛ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ جِنَايَةٍ يَكُونُ رَهْنًا بِدَيْنِ الْمَقْتُولِ، وَالْبَاقِي رَهْنٌ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ اتَّفَقَا) ؛ أَيْ: الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (عَلَى تَبْقِيَتِهِ) ؛ أَيْ: الْقَاتِلِ، (وَنَقْلُ الدَّيْنِ) ؛ أَيْ: دَيْنِ الْمَقْتُولِ (إلَيْهِ؛ صَارَ الْقَاتِلُ مَرْهُونًا بِهِمَا) ؛ أَيْ: بِدَيْنِ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ، (فَإِنْ حَلَّ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الدَّيْنَيْنِ؛ (بِيعَ بِكُلِّ حَالٍّ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ دَيْنَهُ الْمُعَجَّلَ؛ بِيعَ لِيُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِهِ، وَمَا بَقِيَ مِنْهُ رَهْنٌ بِالدَّيْنِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ الْآخَرَ؛ بِيعَ مِنْهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ، وَالْبَاقِي رَهْنٌ بِدَيْنِهِ، (وَإِنْ اخْتَلَفَ الدَّيْنَانِ وَالْقِيمَتَانِ) ؛ كَأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ خَمْسِينَ، وَالْآخَرُ ثَمَانِينَ، وَتَكُونُ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَةً، وَقِيمَةُ الْآخَرِ مِائَتَيْنِ، (وَ) كَانَ (دَيْنُ الْمَقْتُولِ أَكْثَرَ؛ نُقِلَ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: إلَى الْقَاتِلِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ أَكْثَرَ؛ (فَلَا) يُنْقَلُ إلَيْهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ رَهْنًا عِنْدَ) إنْسَانٍ (آخَرَ) غَيْرِ مُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ، (وَاقْتَصَّ السَّيِّدُ) مِنْ الْقَاتِلِ؛ بَطَلَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ لَمْ تُوجِبْ مَالًا يُجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَحَيْثُ بَطَلَ؛ (فَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ السَّيِّدِ (قِيمَةُ) عَبْدٍ (مُقْتَصٍّ مِنْهُ) تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّ الْوَثِيقَةِ فِيهِ بِاخْتِيَارِهِ (وَإِنْ عَفَا) السَّيِّدُ (عَلَى مَالٍ) صَارَتْ الْجِنَايَةُ كَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 فَيَثْبُتُ الْمَالُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ (فِي رَقَبَةِ الْقَنِّ) الْجَانِي؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ جَنَى عَلَى الْعَبْدِ؛ لَوَجَبَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَلَأَنْ يَثْبُتَ عَلَى عَبْدِهِ أَوْلَى، (فَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ لَا يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ) ؛ أَيْ: الْقَنِّ (بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ) ؛ أَيْ: الْأَرْشِ يَكُونُ (رَهْنًا عِنْدَ مُرْتَهِنٍ مَقْتُولٍ، وَبَاقِيهِ) ؛ أَيْ: الْقَنِّ (رَهْنٌ عِنْدَ مُرْتَهِنِهِ) ؛ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمُعَارِضِ، (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُ بَعْضِهِ؛ بِيعَ كُلُّهُ، وَقُسِّمَ ثَمَنُهُ) ؛ لِلضَّرُورَةِ (بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنَيْنِ (بِحَسَبِ ذَلِكَ) فَقَدْرُ الْأَرْشِ مِنْ ثَمَنِهِ يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ مُرْتَهِنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَبَاقِيهِ رَهْنٌ عِنْدَ مُرْتَهِنِهِ (وَإِنْ كَانَ) الْأَرْشُ (يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ؛ نُقِلَ الْجَانِي) ، فَجُعِلَ (رَهْنًا عَنْهُ) الْمُرْتَهِنُ (الْآخَرُ) ؛ لِمَا سَبَقَ، وَلَا يُبَاعُ حَتَّى يَحِلَّ دَيْنُهُ. (وَمَنْ قَالَ: جَنَيْتُ عَلَى الرَّهْنِ، فَكَذَّبَهُ رَاهِنٌ وَمُرْتَهِنٌ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا) ؛ لِتَكْذِيبِهِمَا لَهُ، (وَإِنْ كَذَّبَهُ مُرْتَهِنٌ فَقَطْ؛ فَلِرَاهِنٍ الْأَرْشُ) ، وَلَا حَقَّ لَلْمُرْتَهِنِ فِيهِ؛ لِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ. (وَإِنْ صَدَّقَهُ) ؛ أَيْ: الْمُقِرَّ (مُرْتَهِنٌ فَقَطْ؛ فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (الْأَرْشُ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (فَإِذَا وَفَّى) رَاهِنٌ (الْحَقَّ) ، أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْهُ؛ (رَجَعَ الْأَرْشُ لِجَانٍ) ؛ لِإِقْرَارِ السَّيِّدِ لَهُ بِذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ لِلرَّاهِنِ فِيهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَإِنْ اسْتَوْفَى) الْمُرْتَهِنُ (الْحَقَّ مِنْ الْأَرْشِ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى رَاهِنٍ) بِمَا اسْتَوْفَاهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْأَرْشِ، (لِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْجَانِيَ (مُقِرٌّ لَهُ) ؛ أَيْ: لِلرَّاهِنِ (بِاسْتِحْقَاقِهِ) الْأَرْشَ. [تَتِمَّةٌ كَانَ الرَّهْنُ أَمَةً فَضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا] تَتِمَّةٌ: إذَا كَانَ الرَّهْنُ أَمَةً فَضَرَبَ بَطْنَهَا، فَأَلْقَتْ جَنِينًا، فَمَا وَجَبَ فِيهِ مِنْ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ إنْ سَقَطَ مَيِّتًا، أَوْ قِيمَتِهِ إنْ سَقَطَ حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ فِيهِ لِمِثْلِهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَهُوَ رَهْنٌ مَعَهَا، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ بَهِيمَةً، فَأَلْقَتْ وَلَدَهَا مَيِّتًا؛ فَفِيهِ مَا نَقَصَهَا لَا غَيْرُ يَكُونُ رَهْنًا مَعَهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ؛ فَمَا قَبَضَ مِنْهُ جُعِلَ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَتَقَدَّمَ. [فَصْلٌ وَطِئَ مُرْتَهِنٌ أَمَةً مَرْهُونَةً وَلَا شُبْهَةَ لَهُ فِي وَطْئِهَا] (فَصْلٌ: وَإِنْ وَطِئَ مُرْتَهِنٌ أَمَةً مَرْهُونَةً، وَلَا شُبْهَةَ لَهُ) فِي وَطْئِهَا؛ (حُدَّ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 لِتَحْرِيمِهِ إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] . وَلَيْسَتْ زَوْجَةً وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ، وَكَالْمُسْتَأْجَرَةِ مَعَ مِلْكِهِ نَفْعَهَا، فَهُنَا أَوْلَى، (وَرُقَّ وَلَدُهُ) إنْ وَلَدَتْ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ، وَهُوَ وَلَدُ زِنًا، وَسَوَاءٌ أَذِنَ رَاهِنٌ أَوْ لَا، (وَلَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنَ (الْمَهْرُ) إنْ لَمْ يَأْذَنْ رَاهِنٌ بِوَطْئِهَا، أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ، أَوْ أَطَاعَتْ، وَلَوْ اعْتَقَدَ الْحِلَّ أَوْ اشْتَبَهَتْ، لِأَنَّهُ يَجِبُ لِلسَّيِّدِ، فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا وَإِذْنِهَا فِي الْوَطْءِ؛ كَإِذْنِهَا فِي قَطْعِ يَدِهَا وَكَأَرْشِ بَكَارَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا. (وَإِنْ أَذِنَ رَاهِنٌ) مُرْتَهِنًا فِي وَطْئِهَا، (فَلَا مَهْرَ) ؛ لِإِذْنِ الْمَالِكِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ؛ كَالْحُرَّةِ الْمُطَاوِعَةِ، (وَكَذَا لَا حَدَّ) بِوَطْءِ مُرْتَهِنٍ مَرْهُونَةً (إنْ ادَّعَى) مُرْتَهِنٌ (جَهْلَ تَحْرِيمِهِ) ؛ أَيْ: الْوَطْءِ، (وَمِثْلُهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (بِجَهْلِهِ) ؛ أَيْ: التَّحْرِيمِ (كَنَاشِئٍ بِبَادِيَةٍ) بَعِيدَةٍ، (وَحَدِيثِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ) سَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ رَاهِنٌ أَوْ لَا. (وَوَلَدُهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ مِنْ وَطْءٍ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ (حُرٌّ) ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَهَا أَمَةً، (وَلَا فِدَاءَ) عَلَيْهِ. صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " " وَالنِّهَايَةِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " " وَالْفُصُولِ " " وَالْمُذَهَّبِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " " وَالتَّلْخِيصِ " " وَالْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِحُدُوثِ الْوَلَدِ مِنْ وَطْءٍ مَأْذُونٍ فِيهِ. وَالْإِذْنُ فِي الْوَطْءِ إذْنٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ رَاهِنٌ فِي الْوَطْءِ وَوَطِئَ بِشُبْهَةٍ؛ فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ، فَيَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى "؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِاعْتِقَادِهِ الْحُرِّيَّةَ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ أَيْضًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: لِلْمُرْتَهِنِ (بَيْعُ رَهْنٍ جَهِلَ رَبُّهُ، وَأَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ " وَالصَّدَقَةُ بِثَمَنِهِ بِشَرْطِ ضَمَانِهِ) لِرَبِّهِ أَوْ وَارِثِهِ إذَا عَرَفَهُ، فَإِذَا عَرَفَ أَرْبَابُ رُهُونٍ وَوَدَائِعَ بَعْدَ أَنْ تَصَدَّقَ بِهَا؛ خُيِّرُوا بَيْنَ الْأَجْرِ، أَوْ يَغْرَمُ لَهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 الْمُتَصَدِّقُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ بَيْعُهُ - وَلَوْ بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ - وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَارِثِيِّ؛ لَكِنَّهُ صَوَّبَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " اسْتِئْذَانَ الْحَاكِمِ فِي بَيْعِهِ إنْ كَانَ أَمِينًا (وَلَا يَسْتَوْفِي) الْمُرْتَهِنُ (حَقَّهُ مِنْ الثَّمَنِ) الَّذِي بَاعَ بِهِ الرَّهْنَ، (نَصًّا) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ إذْنِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ": وَالصَّوَابُ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا عَدِمَ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِهِ، (وَعَنْهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (بَلَى) ؛ أَيْ: لَهُ أَخْذُ حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِهَا، (وَإِنْ بَاعَهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنَ (حَاكِمٌ، وَوَفَّاهُ) حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ؛ (جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَهُ [وِلَايَةُ] مَالِ الْغَائِبِ، (وَيَأْتِي فِي) بَابِ (الْغَصْبِ تَتِمَّتُهُ) ؛ أَيْ: تَتِمَّةُ هَذَا الْبَحْثِ مُسْتَوْفًى. [بَابُ الضَّمَانِ] (بَابُ الضَّمَانِ) الضَّمَانُ: جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الزَّعِيمُ الْكَفِيلُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الضَّمِّ أَوْ مِنْ التَّضْمِينِ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الضَّامِنِ تَتَضَمَّنُ الْحَقَّ أَوْ مِنْ الضِّمْنِ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الضَّامِنِ فِي ضِمْنِ ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ وَثِيقَةٍ. وَشَرْعًا (الْتِزَامُ مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ) ، وَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا سَفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ إيجَابُ مَالٍ بِعَقْدٍ؛ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمْ؛ كَالشِّرَاءِ (بِمَا) ؛ أَيْ: دَيْنٍ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْتِزَامٍ (وَجَبَ عَلَى غَيْرِهِ) ، (أَوْ بِمَا يَجِبُ) عَلَى غَيْرِهِ مَعَ بَقَاءِ مَا وَجَبَ أَوْ يَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ، (غَيْرَ) ضَمَانِ مُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ (جِزْيَةٍ) - وَلَوْ بَعْدَ الْحَوْلِ - لِأَنَّهَا إذَا أُخِذَتْ مِنْ الضَّامِنِ فَاتَ صِغَارُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ، (أَوْ الْتِزَامُ مُفْلِسٍ، وَيَتَّجِهُ أَوْ) الْتِزَامُ (سَفِيهٍ لَمْ يُحْجَرْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فِي مَالِهِمَا لَا فِي ذِمَّتِهِمَا؛ كَالرَّاهِنِ يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) كَذَا الْتِزَامُ (مَرِيضٍ مَرَضَ الْمَوْتِ) ؛ فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ؛ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ (أَوْ) الْتِزَامُ (قِنٍّ أَوْ مُكَاتَبٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا لِحَقِّهِ فَإِذَا أَذِنَهُمَا؛ انْفَكَّ؛ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِمَا، فَإِذَا لَمْ يَأْذَنْهُمَا فِيهِ؛ لَمْ يَصِحَّ، سَوَاءٌ أَذِنَ فِي التِّجَارَةِ أَوْ لَا؛ إذْ الضَّمَانُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إيجَابَ مَالٍ؛ كَالنِّكَاحِ. (وَيُؤْخَذُ) مَا ضَمِنَ فِيهِ مُكَاتَبٌ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (مِمَّا بِيَدِ مُكَاتَبٍ) ؛ كَثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ وَنَحْوِهِ، (وَ) يُؤْخَذُ (مَا ضَمِنَهُ قِنٌّ) بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (مِنْ سَيِّدِهِ) ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ؛ كَاسْتِدَانَةٍ، (إلَّا) الْقِنَّ (الْمَأْذُونَ لَهُ) فِي الضَّمَانِ (لِيَقْضِيَ مِمَّا) ؛ أَيْ: مَالٍ (بِيَدِهِ) ؛ فَيَصِحُّ ذَلِكَ، (وَيَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِهِ) مِنْ الْمَالِ (خَاصَّةً) ؛ كَتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَهُ كَذَلِكَ؛ (كَقَوْلِ حُرٍّ ضَمِنْتُ) لَكَ هَذَا (الدَّيْنَ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ) مَا ضَمِنْتُهُ (مِنْ مَالِي هَذَا) ، فَيَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ الَّذِي عَيَّنَهُ، فَإِذَا تَلِفَ الْمَالُ سَقَطَ الضَّمَانُ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِبَدَلِهِ، (وَ) يُؤْخَذُ (مَا ضَمِنَهُ مَرِيضٌ) مَرَضَ الْمَوْتِ (مِنْ الثُّلُثِ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ؛ فَهُوَ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ، وَكَالْوَصِيَّةِ، وَقِيَاسُ الْمَرِيضِ فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ بِاللُّجَّةِ عِنْدَ الْهَيَجَانِ، أَوْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدِهِ، وَنَحْوَهُمَا مِمَّا أَلْحَقَ بِالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ، كَمَا سَيَأْتِي فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ. (وَ) يُؤْخَذُ (مِمَّا بِيَدِ مُفْلِسٍ بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ) كَسَائِرِ دُيُونِهِ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ الثَّابِتَةِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ. وَ (لَا) يَصِحُّ (ضَمَانُ أَوْ كَفَالَةُ جِزْيَةٍ) وَجَبَتْ أَوْ تَجِبُ - (وَلَوْ) كَانَ الضَّامِنُ (كَافِرًا) - لِفَوَاتِ الصِّغَارِ. وَتَقَدَّمَ (خِلَافًا لِمَفْهُومِهِ) ؛ أَيْ: فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 الْإِقْنَاعِ "، فَإِنَّهُ قَالَ: غَيْرُ ضَمَانِ مُسْلِمٍ جِزْيَةً وَكَفَالَتُهُ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ صِحَّةُ ضَمَانِ الْكَافِرِ الْجِزْيَةَ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. (وَصَحَّ) الضَّمَانُ (بِلَفْظِ ضَمِينٍ وَكَفِيلٍ وَقَبِيلٍ وَحَمِيلٍ وَصَبِيرٍ وَزَعِيمٍ) بِمَا عَلَيْهِ، يُقَالُ: قَبِلَ بِهِ - بِكَسْرِ الْبَاءِ - فَهُوَ قَبِيلٌ، وَحَمَلَ بِهِ حَمَالَةً فَهُوَ حَمِيلٌ، وَزَعَمَ بِهِ يَزْعُمُ - بِالضَّمِّ - زَعْمًا، وَصَبَرَ يَصْبِرُ - بِالضَّمِّ - صَبْرًا أَوْ صَبَارَةً بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ مَعْنَى كَفَلَ. وَيَصِحُّ الضَّمَانُ أَيْضًا بِلَفْظِ (ضَمِنْتُ دَيْنَكَ، أَوْ تَحَمَّلْتُهُ، وَهُوَ) ؛ أَيْ: دَيْنُكَ (عِنْدِي، أَوْ) هُوَ (عَلَيَّ، أَوْ لَا تَعْرِفُهُ إلَّا مِنِّي، أَوْ بِعْهُ أَوْ زَوِّجْهُ، وَعَلَيَّ الثَّمَنُ أَوْ الْمَهْرُ) . (وَ) يَصِحُّ الضَّمَانُ (بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ مِنْ أَخْرَسَ) ؛ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّهَا كَاللَّفْظِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ، وَ (لَا) يَصِحُّ ضَمَانُهُ بِإِشَارَةٍ خَفِيَّةٍ (غَيْرِ مَفْهُومَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ) مُنْفَرِدَةٍ عَنْ إشَارَةٍ يُفْهَمُ مِنْهَا قَصْدُهُ الضَّمَانَ [ (لِكَتْبِهِ) ؛ أَيْ: الْأَخْرَسِ] (نَحْوَ تَجْوِيدِ) خَطٍّ أَحْيَانًا وَعَبَثًا وَتَجْرِبَةً؛ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِالِاحْتِمَالِ. وَمَنْ لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ لَا يَصِحَّ - وَلَوْ بِكِتَابَةٍ - لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً، وَكَذَلِكَ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ؛ فَتَصِحُّ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ، لَا بِكِتَابَةٍ مُفْرَدَةٍ عَنْ إشَارَةٍ يُفْهَمُ بِهَا الْمَقْصُودُ، وَلَا مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ. وَتَأْتِي صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ بِالْكِتَابَةِ. (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ صِحَّةِ ضَمَانِ الْأَخْرَسِ بِالْكِتَابَةِ الْمُنْفَرِدَةِ عَنْ الْإِشَارَةِ (حَيْثُ لَا قَرِينَةَ) تَدُلُّ عَلَى الضَّمَانِ؛ كَكَوْنِ الْمَضْمُونِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَخْرَسِ مُخَالَطَةٌ وَمُعَامَلَةٌ، فَكَتَبَ لِشَخْصٍ أَنْ ادْفَعْ لِهَذَا كَذَا وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، فَدَفَعَ لَهُ بِكِتَابَتِهِ، فَيُعْمَلُ بِهَا. (وَ) يَتَّجِهُ (وَلَا) يَصِحُّ الضَّمَانُ بِلَفْظِ (ضَمِنْت فُلَانًا أَوْ ضَمَانُهُ عَلَيَّ، وَيَكُونُ) قَوْلُهُ ذَلِكَ (كَفَالَةً، مَا لَمْ يَنْوِ الدَّيْنَ) ، أَمَّا لَوْ نَوَى الدَّيْنَ فَلَا رَيْبَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 صِحَّةِ ضَمَانِهِ (إذْ الضَّمَانُ الِالْتِزَامُ بِمَا عَلَيْهِ) ، فَإِذَا قَالَ: ضَمِنْتُ فُلَانًا فَكَأَنَّهُ قَالَ: ضَمِنْتُ ذَاتَه. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ قَالَ: أَنَا أُؤَدِّي) مَا عَلَيْهِ، (أَوْ) أَنَا (أُحْضِرُ) مَا عَلَيْهِ (أَوْ أَضْمَنُ) مَا عَلَيْهِ؛ (لَمْ يَصِرْ ضَامِنًا) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، بَلْ يُسَنُّ، (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَصِحُّ) الضَّمَانُ (بِكُلِّ لَفْظٍ فُهِمَ مِنْهُ الضَّمَانُ عُرْفًا) ؛ كَقَوْلِهِ: (زَوِّجْهُ وَأَنَا أُؤَدِّي الصَّدَاقَ، أَوْ) قَوْلُهُ: (بِعْهُ وَأَنَا أُعْطِيكَ الثَّمَنَ أَوْ) قَوْلُهُ: (اُتْرُكْهُ أَوْ لَا تُطَالِبْهُ وَأَنَا أُعْطِيكَ) مَا عَلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحُدَّ ذَلِكَ بِحَدٍّ، فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ؛ كَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ. [فَرْعٌ أَرْكَانُ الضَّمَانِ] (فَرْعٌ: أَرْكَانُ الضَّمَانِ أَرْبَعَةٌ ضَامِنٌ وَمَضْمُونٌ) ؛ أَيْ: لِشَخْصٍ مَضْمُونٍ عَنْهُ، وَكَذَا عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، (وَمَضْمُونٌ لَهُ، وَصِيغَةٌ) ، وَتَقَدَّمَتْ أَلْفَاظُهَا. (وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَضْمَنَ الْمَضْمُونُ) وَهُوَ الْمَدِينُ (الضَّامِنَ فِيمَا ضَمِنَهُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَرْعًا؛ (كَمَا لَوْ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ اثْنَيْنِ (مَا) ؛ أَيْ: دَيْنًا (عَلَى شَخْصٍ، ثُمَّ ضَمِنَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ أَحَدُ الضَّامِنَيْنِ (صَاحِبَهُ) - وَهُوَ الضَّامِنُ الْآخَرُ - فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ بِضَمَانِ الْأَصْلِ، فَهُوَ أَصْلٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ فَرْعًا، (وَصَحَّ لَوْ ضَمِنَاهُ) ؛ أَيْ: ضَمِنَ الْمَدِينُ اثْنَانِ، (ثُمَّ ضَمِنَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: أَحَدُ الضَّامِنَيْنِ (حِصَّةَ صَاحِبِهِ) مِنْ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ. (وَلِرَبِّ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ ضَامِنٍ وَمَضْمُونٍ مَعًا لِثُبُوتِهِ) ؛ أَيْ: الْحَقِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 (بِذِمَّتَيْهِمَا، وَ) لَهُ مُطَالَبَةُ (أَيِّهِمَا شَاءَ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ قَالَ: الْتَزَمْت أَوْ تَكَفَّلْتُ بِالْمُطَالَبَةِ دُونَ أَصْلَ الدَّيْنِ؛ لَمْ يَصِحَّ (فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ) ؛ لِمَا سَبَقَ، فَإِنْ قِيلَ: الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَشْغَلُ مَحِلَّيْنِ أُجِيبُ بِأَنَّ إشْغَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَلُّقِ وَالِاسْتِيثَاقِ؛ كَتَعَلُّقِ دَيْنِ الرَّهْنِ بِهِ وَبِذِمَّةِ الرَّاهِنِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا) يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ (الْمُعْسِرِ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: مِنْ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] : (وَلَا) مُطَالَبَةَ (مِنْ) ؛ أَيْ: ضَامِنٍ (ضَمِنَ) الدَّيْنَ (الْحَالَّ مُؤَجَّلًا) حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ الَّذِي ضَمِنَهُ إلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» فَلَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتٍ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ الْوَفَاءَ - وَلَوْ كَانَ حَالًّا - لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهِ إلَّا مُؤَجَّلًا، وَأَمَّا الْمَضْمُونُ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ فِي الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ لَمْ يُؤَجَّلْ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ أَحَالَ رَبُّ دَيْنٍ) عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ بِدَيْنِهِ؛ بَرِئَ ضَامِنٌ. (أَوْ أُحِيلَ) ؛ أَيْ: أَحَالَهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ (بِدَيْنِهِ) ؛ بَرِئَ ضَامِنٌ، (أَوْ زَالَ عَقْدٌ) ؛ بِأَنْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ الَّذِي ضَمِنَ فِيهِ الثَّمَنَ، أَوْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ - وَقَدْ ضَمِنَ الْأُجْرَةَ - (بَرِئَ ضَامِنٌ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَالضَّمَانُ وَثِيقَةٌ، فَإِذَا بَرِئَ الْأَصْلُ زَالَتْ الْوَثِيقَةُ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " (وَبَرِئَ كَفِيلٌ، وَبَطَلَ رَهْنٌ) إنْ كَانَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالتَّسْلِيمِ؛ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ (وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ) رَبُّ دَيْنٍ (بِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ (لِلْغَيْرِ) فَيَبْرَأُ ضَامِنٌ وَكَفِيلٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَهُ لَهُ، لَا لِلْغَيْرِ. وَلَا يَبْرَأُ ضَامِنٌ وَكَفِيلٌ، وَلَا يَبْطُلُ رَهْنٌ (إنْ مَاتَ رَبُّ دَيْنٍ) ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 فَوَرِثَ الْحَقَّ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ لِلْمَيِّتِ، فَتُورَثُ عَنْهُ؛ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَكَذَا لَا يَبْرَأُ ضَامِنٌ وَكَفِيلٌ إنْ مَاتَ (مَدِينٌ) ، وَتَعَجَّلَ أَخْذُ الدَّيْنِ مِنْ تَرِكَتِهِ. (وَإِنْ أَحَالَ رَبُّ دَيْنٍ عَلَى اثْنَيْنِ) مَدِينَيْنِ لَهُ (وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِآخَرَ ثَالِثًا) - مَفْعُولُ أَحَالَ - (لِيَقْبِضَ) الْمُحْتَالُ الدَّيْنَ (مِنْهُمَا) جَمِيعًا، (أَوْ) يَقْبِضَ (مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ هُنَا فِي نَوْعٍ وَلَا أَجَلَ وَلَا عَدَدَ، وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ اسْتِيثَاقٍ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنَ الْآخَرِ، وَأَحَالَهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْحَقَّ مِنْ وَاحِدٍ؛ جَازَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ اثْنَيْنِ، (وَكَذَا) لَوْ أَحَالَهُ أَنْ يَقْبِضَ (مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ) ؛ صَحَّ؛ لِاسْتِقْرَارِ الدَّيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، (لَكِنْ مَنْ لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ؛ فَالظَّاهِرُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْمُحِيلِ) ؛ لِانْتِقَالِ حَقِّهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ اسْتِيفَاءٌ، وَيَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَكِنْ لَا يُطَالَبُ الْآخَرُ حَتَّى يُؤَدِّيَ؛ كَمَا فِي ضَمَانِ الضَّامِنِ. قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ، وَأَطَالَ، (وَاخْتَارَ) ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمَضْمُونِ يَصِيرُ لِلضَّامِنِ، لَكِنْ لَا يُطَالَبُ الْمَضْمُونُ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى الْمُحْتَالِ) عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ: أَنَّ لِلضَّامِنِ مُطَالَبَةَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ. فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. (وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ الْمَضْمُونَ قَبْلَ أَدَاءِ) الدَّيْنِ، (لَا إبْرَاءُ مُحْتَالٍ لَهُ) ، وَإِنْ أَقَرَّ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ الرَّهْنِ؛ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ رَهَنَهُ بِغَيْرِ دَيْنٍ لَهُ، وَالْأَصَحُّ فِي الضَّمَانِ أَنَّهُ إنْ قَالَ: ضَمِنْت مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَضْمُونَ لَهُ؛ فَالضَّمَانُ بَاقٍ، وَإِنْ عَيَّنَ الْمَضْمُونَ لَهُ بِالدَّيْنِ؛ لَمْ يَصِحَّ الضَّامِنُ. (انْتَهَى) مَا قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (مُلَخَّصًا) . وَإِنْ أَحَالَ أَحَدُ اثْنَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ الْآخَرَ رَبَّ الدَّيْنِ بِهِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مَعًا؛ كَمَا لَوْ قَضَاهُ. (وَإِنْ أُبْرِئَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: أَبْرَأَهُ رَبُّ الدَّيْنِ (مِنْ الْكُلِّ) بَرِئَ مِمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 عَلَيْهِ أَصَالَةً وَضَمَانًا، (وَبَقِيَ عَلَى الْآخَرِ أَصَالَةً) ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَمْ يُصَادِفْهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَالَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْهُ بِإِبْرَاءِ الْأَصْلِ. (وَإِنْ أَحَالَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَضَامِنَيْنِ أَوْ الْمَدِينُ وَالضَّامِنِ (رَبَّ الدَّيْنِ) عَلَى مَلِيءٍ [بِدَيْنِهِ] (بَرِئَا) جَمِيعًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ بَرِئَ مَدْيُونٌ) بِوَفَاءٍ، أَوْ إبْرَاءٍ أَوْ حَوَالَةٍ (بَرِئَ ضَامِنُهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَالضَّمَانُ وَثِيقَةٌ - فَإِذَا بَرِئَ الْأَصِيلُ زَالَتْ الْوَثِيقَةُ؛ كَالرَّهْنِ، (وَلَا عَكْسُ) ؛ أَيْ: لَا يَبْرَأُ مَدِينٌ بِبَرَاءَةِ ضَامِنِهِ؛ لِعَدَمِ تَبَعِيَّتِهِ لَهُ (وَلَوْ لَحِقَ ضَامِنٌ بِدَارِ حَرْبٍ مُرْتَدًّا أَوْ) كَانَ (كَافِرًا أَصْلِيًّا) فَضَمِنَ وَلَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ؛ (لَمْ يَبْرَأْ) مِنْ الضَّمَانِ؛ كَالدَّيْنِ الْأَصْلِيِّ (وَإِنْ قَالَ رَبُّ دَيْنٍ لِضَامِنٍ: [بَرِئْتُ] إلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ) الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَرَاءَتِهِ بِفِعْلٍ وَاصِلٍ إلَيْهِ مِنْ الضَّامِنِ، وَالْبَرَاءَةُ لَا تَكُونُ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ إلَّا بِأَدَائِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَلَا يَرْجِعُ) بَعْدَ ذَلِكَ (عَلَى) مَدِينٍ (مَضْمُونٌ) ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يَكُونُ قَوْلُهُ لِلضَّامِنِ: (أَبْرَأْتُكَ) مِنْ الدَّيْنِ، (أَوْ بَرِئْتَ مِنْهُ) - مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ: إلَيَّ - إقْرَارًا بِقَبْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، أَمَّا فِي أَبْرَأْتُكَ؛ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي بَرِئْتَ مِنْهُ؛ فَلِأَنَّ الْبَرَاءَةَ قَلَّمَا تُضَافُ إلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ: بَرِئَتْ ذِمَّتُكَ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْبَرَاءَةُ بِفِعْلِ الضَّامِنِ أَوْ الْمَضْمُونِ لَهُ، فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ) عَنْ الضَّامِنِ فَقَطْ، فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِإِبْرَاءِ رَبِّ الْحَقِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 قَوْلًا وَاحِدًا، وَلِرَبِّ الدَّيْنِ مُطَالَبَةُ الْمَدِينِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) قَوْلُ رَبِّ دَيْنٍ لِضَامِنٍ: (وَهَبْتُكَهُ) ؛ أَيْ: الدَّيْنَ (تَمْلِيكٌ لَهُ) ؛ أَيْ: لِلضَّامِنِ، (فَيَرْجِعُ الضَّامِنُ بِالدَّيْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى مَضْمُونٍ) عَنْهُ؛ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ عَنْهُ، ثُمَّ وَهَبَهُ إيَّاهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ هِبَةِ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلَوْ ضَامِنًا. (وَلَوْ) ضَمِنَ (ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ عَنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا، فَأَسْلَمَ مَضْمُونٌ لَهُ أَوْ) مَضْمُونٌ (عَنْهُ بَرِئَ) الْمَضْمُونُ عَنْهُ (كَضَامِنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا، وَلَا يَجُوزُ وُجُوبُ الْخَمْرِ عَلَى مُسْلِمٍ، وَالضَّامِنُ فَرْعُهُ. (وَإِنْ أَسْلَمَ ضَامِنٌ) فِي خَمْرٍ دُونَ مَضْمُونٍ لَهُ وَمَضْمُونٍ عَنْهُ؛ (بَرِيءَ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وُجُوبُ الْخَمْرِ عَلَى مُسْلِمٍ وَجَدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ، فَلَا يَبْرَأُ الْأَصْلُ بِبَرَاءَتِهِ. (وَإِذَا تَبَايَعَ ذِمِّيَّانِ خَمْرًا بِثَمَنٍ بِذِمَّةٍ، وَأُقْبِضَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - (الْخَمْرُ ثُمَّ مَاتَ بَائِعُهُ) ؛ أَيْ: الْخَمْرِ، (وَأَسْلَمَ وَارِثُهُ؛ جَازَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْوَارِثِ (أَخْذُ الثَّمَنِ نَصًّا) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ: «وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا» . (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا فِي جَوَازِ أَخْذِ الثَّمَنِ لَوْ أَسْلَمَ بَائِعُهُ) ؛ أَيْ: الْخَمْرِ وَحْدَهُ (أَوْ) أَسْلَمَ (مُشْتَرِي) الْخَمْرِ وَحْدَهُ، (أَوْ) أَسْلَمَا (هُمَا) ؛ أَيْ: الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا وَتَقَابُضِ الْخَمْرِ (أَوْ لَمْ يَمُوتَا) ؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ، (لِاسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ) بِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي (بِقَبْضِ الْخَمْرِ، وَاحْتُمِلَ) إنَّمَا يَحْكُمُ لَهُ بِهِ وَيَطِيبُ لَهُ أَكْلُهُ (إنْ أَسْلَمَا) أَوْ أَحِدُهُمَا (بَعْدَ أَنْ تَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسِ عَقْدٍ) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ إلَّا بِالتَّفَرُّقِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 [فَرْعٌ قَالَ الضَّامِنُ كَانَ ضَمَانِي قَبْلَ بُلُوغِي وَقَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ كَانَ بَعْدَ الْبُلُوغِ] (فَرْعٌ لَوْ قَالَ) الضَّامِنُ: (ضَمِنْت) وَكَانَ ضَمَانِي لِذَلِكَ (قَبْلَ بُلُوغِي) ، وَقَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ: بَلْ كَانَ الضَّمَانُ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ الصِّحَّةُ، (أَوْ) قَالَ: ضَمِنْت (حَالَ جُنُونِي) ، وَأَنْكَرَهُ مَضْمُونٌ لَهُ؛ (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْ الضَّامِنِ (- وَلَوْ عُرِفَ لَهُ حَالُ جُنُونٍ -) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَةُ الْعَقْدِ. [فَصْلٌ شَرْط صِحَّةِ الضَّمَان] (فَصْلٌ: وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ ضَمَانٍ (رِضَا ضَامِنٍ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ بِالْتِزَامِ الْحَقِّ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الرِّضَى؛ كَالتَّبَرُّعِ بِالْأَعْيَانِ، وَ (لَا) يُعْتَبَرُ رِضَى (مَنْ ضُمِنَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - لِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ ضَمِنَ الْمَيِّتَ بِالدِّينَارَيْنِ بِغَيْرِ رِضَى الْمَضْمُونِ لَهُ، وَأَقَرَّهُ الشَّارِعُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِصِحَّةِ قَضَاءِ دَيْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَأَوْلَى ضَمَانُهُ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَى مَنْ (ضُمِنَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَا يُعْتَبَرُ لَهَا قَبْضٌ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ لَهَا رِضًى؛ كَالشَّهَادَةِ. (وَلَا) يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الضَّمَانِ (أَنْ يَعْرِفَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمَضْمُونَ لَهُ وَالْمَضْمُونَ عَنْهُ (ضَامِنٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا، فَكَذَا مَعْرِفَتُهُمَا. (وَلَا) تُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ ضَامِنٍ (الْعِلْمَ بِالْحَقِّ) ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِحَقٍّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ؛ كَالْإِقْرَارِ. (وَلَا) تُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ (وُجُوبِهِ) ؛ أَيْ: الْحَقِّ (إنْ آلَ إلَيْهَا) ؛ أَيْ: إلَى الْعِلْمِ وَالْوُجُوبِ؛ فَيَصِحُّ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبُ إذَا آلَ إلَى الْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] . فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى ضَمَانِ حِمْلِ الْبَعِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ. لَا يُقَالُ الضَّمَانُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ شَيْءٌ فَلَا ضَمٌّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمَّ ذِمَّتَهُ إلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 وَثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ مَا يَثْبُتُ فِيهَا، وَهَذَا كَافٍ. (فَيَصِحُّ) قَوْلُهُ (ضَمِنْتُ لِزَيْدٍ مَا عَلَى بَكْرٍ) أَوْ مَا عَلَى زَيْدٍ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي وَنَحْوُهُ. وَهَذِهِ أَمْثِلَةُ الْمَجْهُولِ، (أَوْ) ضَمِنْتُ لَهُ (مَا يُدَايِنُهُ) وَهُوَ [مِنْ] أَمْثِلَةِ مَا يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ، (أَوْ) ضَمِنْتُ لَهُ (مَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ) ، أَوْ مَا تَقُومُ لَهُ بِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، أَوْ مَا يُخْرِجُهُ الْحِسَابُ بَيْنَهُمَا، أَوْ مَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ، وَهَذِهِ أَمْثِلَةُ الْمَجْهُولِ أَيْضًا. (وَلَهُ) أَيْ: الضَّامِنِ (إبْطَالُهُ) ؛ أَيْ: الضَّمَانِ (قَبْلَ وُجُوبِهِ) ، لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْوُجُوبِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ ضَامِنٍ، (وَإِنْ) قَالَ إنْسَانٌ لِزَيْدٍ: (مَا أَعْطَيْتُهُ لَهُ) ؛ أَيْ: لِعَمْرٍو فَهُوَ (- عَلَيَّ وَلَا قَرِينَةَ) تَدُلُّ عَلَى مَا أَعْطَاهُ فِي الْمَاضِي أَوْ مَا يُعْطِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ - فَهُوَ (لِمَا وَجَبَ فِي الْمَاضِي) ، حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، إذْ هِيَ الْمُتَبَادِرَةُ مِنْهُ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " (وَمِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ ضَمَانِ مَا يَجِبُ (ضَمَانُ السُّوقِ، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ مَا يَلْزَمُ التَّاجِرَ مِنْ دَيْنٍ، وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ غَيْنٍ مَضْمُونَةٍ) . قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ تَجُوزُ كِتَابَتُهُ وَالشَّهَادَةُ بِهِ لِمَنْ لَمْ يَرَ جَوَازَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادِهِ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِعَانَةِ عَلَيْهِمْ فَحَرَامٌ، (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (صِحَّةَ ضَمَانِ حَارِسٍ وَنَحْوِهِ وَتُجَّارِ حَرْبٍ مَا يَذْهَبُ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ الْبَحْرِ) ، وَإِنَّ غَايَتَهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَضَمَانُ الْمَجْهُولِ كَضَمَانِ السُّوقِ، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ الضَّامِنُ مَا يَجِبُ عَلَى التُّجَّارِ مِنْ الدُّيُونِ، وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَأَحْمَدَ. وَقَالَ أَيْضًا: الطَّائِفَةُ الْوَاحِدَةُ الْمُمْتَنِعَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّتِي يَنْصُرُ بَعْضُهَا بَعْضًا تَجْرِي مَجْرَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ فِي مُعَاهَدَتِهِنَّ، وَإِذَا شَرَطُوا عَلَى أَنَّ تُجَّارَهُمْ يَدْخُلُونَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَأْخُذُوا لِلْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، وَمَا أَخَذُوهُ كَانُوا ضَامِنِينَ لَهُ، وَالْمَضْمُونُ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِ التُّجَّارِ؛ جَازَ ذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إذَا أَخَذُوا مَالًا لِتُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُطَالِبَهُمْ بِمَا ضَمِنُوهُ وَيَحْبِسَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ. انْتَهَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 (وَيَصِحُّ ضَمَانُ مَا صَحَّ أَخْذُ رَهْنٍ بِهِ) مِنْ دَيْنٍ وَعَيْنٍ، لَا عَكْسُهُ؛ لِصِحَّةِ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ دُونَ أَخْذِ الرَّهْنِ بِهَا. (وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (نَحْوِ جُعْلٍ) فِي جَعَالَةٍ وَمُسَابَقَةٍ وَمُنَاضَلَةٍ - وَلَوْ قَبْلَ الْعَمَلِ - لِأَنَّ الْجُعْلَ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ إذَا عَمِلَ الْعَمَلَ، لَا ضَمَانِ الْعَمَلِ فِي الْجَعَالَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ وَالْمُسَابَقَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ. (وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (دَيْنِ ضَامِنٍ) بِأَنْ يَضْمَنَهُ ضَامِنٌ آخَرُ، وَكَذَا ضَامِنُ الضَّامِنِ، فَأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَازِمٌ [فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ، فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، فَيَثْبُتُ الْحَقُّ] عَلَى الْجَمِيعِ أَيُّهُمْ قَضَاهُ بَرِئُوا، وَإِنْ بَرِئَ الْمَدِينُ، بَرِئَ الْكُلُّ، وَإِنْ أَبْرَأَ مَضْمُونٌ لَهُ أَحَدَهُمْ؛ بَرِئَ وَمَنْ بَعْدَهُ لَا مَنْ قَبْلَهُ. (وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (مَيِّتٍ) وَإِنْ (لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً) لِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِرَجُلٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ دِينَارَانِ قَالَ: هَلْ تَرَكَ لَهُمَا وَفَاءً؟ قَالُوا: لَا، فَتَأَخَّرَ، فَقَالُوا: لِمَ لَا تُصَلِّي؟ فَقَالَ: مَا تَنْفَعُهُ صَلَاتِي وَذِمَّتُهُ مَرْهُونَةٌ، أَلَا قَامَ أَحَدُكُمْ فَضَمِنَهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتِ (قَبْلَ وَفَاءِ) دَيْنِهِ (نَصًّا) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى دَيْنُهُ» . وَلَمَّا أَخْبَرَ أَبُو قَتَادَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَفَاءِ الدِّينَارَيْنِ قَالَ: «الْآنَ بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِدَيْنِهِ؛ أَشْبَهَ الرَّهْنَ، وَكَالْحَيِّ. (وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (مُفْلِسٍ مَجْنُونٍ) ؛ لِعُمُومِ: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ.» . (مَعَ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ دَيْنًا وَأُخْرَى إنْ لَمْ يُفَرِّطْ قَبْلُ) . قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ لَكِنَّ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ لَا يُسْقِطُهُ. (وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (نَقْصِ صَنْجَةٍ أَوْ) (كَيْلٍ) أَيْ: مِكْيَالٍ فِي بَذْلِ وَاجِبٍ أَوْ مَآلِهِ إلَيْهِ، مَا لَمْ يَكُنْ دَيْنَ سَلَمٍ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ بَاذِلٍ، فَصَحَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ؛ وَلِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ ضَمَانٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ؛ كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ، (وَيَرْجِعُ) قَابِضٌ (بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ) فِي قَدْرِ نَقْصٍ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا ادَّعَاهُ بَاذِلٌ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ اشْتِغَالِ ذِمَّةِ بَاذِلٍ، وَلِرَبِّ الْحَقِّ طَلَبُ ضَامِنٍ بِهِ؛ لِلُزُومِهِ مَا يَلْزَمُ الْمَضْمُونُ. (وَيَتَّجِهُ لَا) يَرْجِعُ قَابِضُ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ وَجَدَهُ نَاقِصًا عَلَى ضَامِنِ نَقْصِهِ (مَعَ تَصْدِيقِ بَاذِلٍ) ، فَيُطَالِبُ الْبَاذِلَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ لَهُ بِذَلِكَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (عُهْدَةِ مَبِيعٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى الْوَثِيقَةِ، وَالْوَثَائِقُ ثَلَاثَةٌ: الشَّهَادَةُ وَالرَّهْنُ وَالضَّمَانُ، وَالشَّهَادَةُ لَا يُسْتَوْفَى مِنْهَا الْحَقُّ؛ وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ ضَمَانُهُ فِيهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ حَبْسُ الرَّهْنِ إلَى أَنْ يُؤَدَّى، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيُؤَدِّي إلَى حَبْسِهِ أَبَدًا [؛ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الضَّمَانِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَامْتَنَعَتْ الْمُعَامَلَاتُ مَعَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ] ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ رَافِعٌ لِأَصْلِ الْحِكْمَةِ الَّتِي شُرِعَ الْبَيْعُ مِنْ أَجْلِهَا. وَعُهْدَةُ الْمَبِيعِ لُغَةً الصَّكُّ يُكْتَبُ فِيهِ الِابْتِيَاعُ، وَاصْطِلَاحًا ضَمَانُ الثَّمَنِ (عَنْ بَائِعٍ لِمُشْتَرٍ بِأَنْ يَضْمَنَ) الضَّامِنُ (عَنْهُ) ؛ أَيْ: الْبَائِعِ. (الثَّمَنَ) - وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ - لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ (إنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ) ؛ أَيْ: ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِ بَائِعٍ، (أَوْ رُدَّ) الْمَبِيعُ عَلَى بَائِعٍ (بِعَيْبٍ) أَوْ غَيْرِهِ، (أَوْ) يَضْمَنُ (أَرْشَهُ) إنْ اخْتَارَ مُشْتَرٍ إمْسَاكَهُ مَعَ عَيْبٍ، (وَ) يَكُونُ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ (عَنْ مُشْتَرٍ لِبَائِعٍ بِأَنْ يَضْمَنَ) الضَّامِنُ (عَنْهُ الثَّمَنَ الْوَاجِبَ) فِي الْمَبِيعِ (قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، أَوْ إنْ ظَهَرَ بِهِ) ؛ أَيْ: الثَّمَنِ (عَيْبٌ، أَوْ اُسْتُحِقَّ) الثَّمَنُ؛ أَيْ: خَرَجَ مُسْتَحَقًّا؛ فَضَمَانُ الْعُهْدَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ أَوْ جُزْءٌ مِنْهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 (وَلَوْ بَنَى مُشْتَرٍ) فِي مَبِيعٍ، ثُمَّ بَانَ مُسْتَحَقًّا، (فَهَدَمَهُ مُسْتَحِقٌّ، فَالْأَنْقَاضُ لِرَبِّهَا) - وَهُوَ الْمُشْتَرِي - لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَمْ يَزُلْ عَنْهَا. (وَيَرْجِعُ مُشْتَرٍ) لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمَبِيعَ مَغْصُوبٌ (بِقِيمَةِ تَالِفٍ) مِنْ ثَمَنِ مَاءِ وَرَدٍ وَطِينٍ وَنَوْرَةٍ وَجِصٍّ وَنَحْوِهِ (عَلَى بَائِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَكَذَا أُجْرَةُ مُعَمَّرِينَ وَثَمَنُ الْمُؤْنَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ وَأَرْشُ النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِالْقَلْعِ وَأُجْرَةُ الْمَبِيعِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، (وَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْعُهْدَةِ) ؛ فَلِمُشْتَرٍ رُجُوعٌ بِهِ عَلَى ضَامِنِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَرَكِ الْمَبِيعِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ قُلِعَ غِرَاسٌ) بِظُهُورِ اسْتِحْقَاقِ أَرْضٍ مَبِيعَةٍ، فَيَرْجِعُ مُشْتَرٍ بِمَا غَرِمَ عَلَى الْغَرْسِ وَبِمَا نَقَصَهُ الْغِرَاسُ بِسَبَبِ الْقَلْعِ عَلَى ضَامِنِ الْعُهْدَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَأَلْفَاظُ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ ضَمِنْتُ عُهْدَتَهُ أَوْ ثَمَنَهُ أَوْ دَرَكَهُ، أَوْ يَقُولُ) الضَّامِنُ (لِلْمُشْتَرِي: ضَمِنْتُ خَلَاصَكَ مِنْهُ، أَوْ مَتَى خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَقَدْ ضَمِنْتُ كَذَا الثَّمَنُ) . وَ (لَا) يَصِحُّ (إنْ ضَمِنَ لِمُشْتَرٍ خَلَاصَ الْمَبِيعِ. قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: كَيْفَ يَسْتَطِيعُ الْخَلَاصَ؟) وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ (إذَا خَرَجَ حُرًّا) أَوْ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَسْتَطِعْ خَلَاصَهُ. (وَيَصِحُّ ضَمَانُ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ كَمَقْبُوضٍ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ وَوَلَدِهِ) ؛ أَيْ: الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الضَّمَانِ، وَكَذَا غَصْبٌ وَعَارِيَّةٌ؛ فَيَصِحُّ ضَمَانُهُمَا (فِي بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِسَوْمٍ - لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ يَضْمَنُهَا مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لَوْ تَلِفَتْ؛ فَصَحَّ ضَمَانُهَا كَعُهْدَةِ الْمَبِيعِ (إنْ قَطَعَ ثَمَنَهُ أَوْ أُجْرَتَهُ أَوْ سَامَهُ فَقَطْ) بِلَا قَطْعِ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ (لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ إنْ رَضُوهُ وَإِلَّا رَدَّهُ) ؛ فَهُوَ فِي حُكْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى حُكْمِ الْبَدَلِ وَالْعِوَضِ، لَكِنْ فِي الْإِجَارَةِ يَنْبَغِي ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ، لَا الْعَيْنِ؛ إذْ فَاسِدُ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا؛ كَمَا يَأْتِي. . وَ (لَا) ضَمَانَ عَلَى أَخْذِهِ (إنْ أَخَذَهُ لِذَلِكَ) ؛ أَيْ: لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ (بِلَا مُسَاوَمَةٍ أَوْ قَطْعِ ثَمَنٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا سَوْمَ فِيهِ؛ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانٌ. وَمَعْنَى ضَمَانِ الْغَصْبِ وَنَحْوِهِ ضَمَانُ انْتِقَاضِهِ وَالْتِزَامُ تَحْصِيلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ عِنْدَ تَلَفِهِ؛ فَهُوَ كَعُهْدَةِ الْمَبِيعِ (وَيَتَّجِهُ) . (وَلَا) يَصِحُّ ضَمَانٌ (زَائِدٍ عَنْ قَدْرِ مَا يَأْخُذُ مِنْهُ) ؛ بِأَنْ سَاوَمَهُ عَلَى عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ ثَوْبٍ بَيَّنَ لَهُ ابْتِدَاءَهَا وَانْتِهَاءَهَا، ثُمَّ أَخَذَ الثَّوْبَ لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ فَقَطَعَ مِنْهُ عَشَرَةً؛ فَلَا ضَمَانَ فِيمَا زَادَ عَنْ الْعَشَرَةِ إنْ تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ سَوْمٌ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يَصِحُّ ضَمَانُ (بَعْضٍ لَمْ يُقَدَّرْ مِنْ دَيْنٍ) ؛ لِجَهَالَتِهِ حَالًا وَمَآلًا (أَوْ) ضَمَانُ (أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ) ؛ لِلْجَهَالَةِ أَيْضًا. (وَلَا) يَصِحُّ ضَمَانُ (دَيْنِ كِتَابَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلَا يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ الْأَدَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ الْأَصْلُ فَالْفَرْعُ أَوْلَى. (وَلَا) يَصِحُّ ضَمَانُ (أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ وَمُؤَجَّرٍ) وَمَالِ الشَّرِكَةِ وَعَيْنٍ وَثَمَنٍ بِيَدِ وَكِيلٍ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُومَةٍ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ، فَكَذَا عَلَى ضَامِنِهِ، (إلَّا أَنْ يَضْمَنَ التَّعَدِّيَ فِيهَا) ؛ فَيَصِحُّ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّهَا مَعَ التَّعَدِّي كَالْغَصْبِ. (وَصَحَّ ضَمَانُ أَرْشِ جِنَايَةٍ) ، نُقُودًا كَانَ الْأَرْشُ كَقِيمَةِ مُتْلَفٍ أَوْ حَيَوَانًا كَالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 (وَ) صَحَّ ضَمَانُ (نَقْدٍ وَ) ضَمَانُ (نَفَقَةِ زَوْجَةٍ، مُسْتَقْبَلَةً) كَانَتْ (أَوْ مَاضِيَةً) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَيَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الضَّامِنَ (مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ) عَلَى مَا يَأْتِي، وَلَوْ زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ مِنْ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ. (وَيَتَّجِهُ) لُزُومُ الضَّامِنِ مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ (مَا دَامَتْ) الزَّوْجَةُ (فِي عِصْمَتِهِ) ؛ أَيْ: زَوْجِهَا، أَمَّا لَوْ بَانَتْ فَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ سِوَى النَّفَقَةِ مِنْ حِينِ الضَّمَانِ إلَى وَقْتِ الْبَيْنُونَةِ، (وَلَوْ مَاتَ ضَامِنٌ) قَبْلَ زَوَالِ الْعِصْمَةِ فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَتَلْزَمُ الضَّامِنَ النَّفَقَةُ بِالْتِزَامِهِ - وَلَوْ (لَمْ يُقَدِّرْ زَمَنٌ) - لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ إيصَالَهَا لِلزَّوْجَةِ «وَالْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ بَاعَ) شَيْئًا (بِشَرْطِ ضَمَانِ دَرَكِهِ إلَّا مِنْ) [زَيْدٍ] ؛ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ زَيْدٍ مِنْ ضَمَانِ دَرَكِهِ يَدُلُّ عَلَى حَقٍّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بَاطِلًا، (ثُمَّ) إنْ (ضَمِنَ دَرَكَهُ مِنْهُ) أَيْضًا؛ (لَمْ يَعُدْ الْبَيْعُ صَحِيحًا) ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا. (وَإِنْ شُرِطَ خِيَارٌ فِي ضَمَانٍ أَوْ فِي كَفَالَةٍ) ؛ بِأَنْ قَالَ: أَنَا ضَامِنٌ بِمَا عَلَيْهِ أَوْ كَفِيلٌ بِبَدَنِهِ وَلِي الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا؛ (فَسَدَا) ؛ أَيْ: الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ؛ لِمُنَافَاتِهِ لَهُمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 [فَرْعٌ خِيفَ غَرَقُ سَفِينَةٍ فَأَلْقَى بَعْضُ مَنْ فِيهَا مَتَاعَهُ فِي الْبَرِّ] (فَرْعٌ: لَوْ خِيفَ غَرَقُ سَفِينَةٍ) فَأَلْقَى بَعْضُ مَنْ فِيهَا مَتَاعَهُ فِي الْبَرِّ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ - وَلَوْ نَوَى الرُّجُوعَ - وَيَجِبُ الْإِلْقَاءُ إنْ خِيفَ تَلَفُ الرُّكْبَانِ بِالْغَرَقِ، فَيُلْقَى مَا لَا رُوحَ فِيهِ، فَإِنْ خِيفَ الْغَرَقُ بَعْدَ ذَلِكَ أُلْقِيَ الْحَيَوَانُ غَيْرُ الْآدَمِيِّ، فَإِنْ خَافُوا الْغَرَقَ، (فَقَالَ) بَعْضُ مَنْ فِيهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: (أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ) ، فَأَلْقَاهُ؛ (فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْآمِرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى إلْقَائِهِ، وَلَمْ يَضْمَنْهُ لَهُ، (وَإِنْ قَالَ) : أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ (وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، ضَمِنَ) الْآمِرُ الْجَمِيعَ وَحْدَهُ؛ لِصِحَّةِ ضَمَانِ مَا لَمْ يَجِبْ، (وَ) إنْ قَالَ: أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ، وَ (أَنَا وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ ضَامِنُونَ؛ ضَمِنَ الْآمِرُ وَحْدَهُ بِحِصَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ بِالْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ حِصَّتَهُ، وَأَخْبَرَ عَنْ سَائِرِ رُكَّابِ السَّفِينَةِ بِضَمَانِ سَائِرِهِ؛ فَلَزِمَتْهُ حِصَّتُهُ، وَلَمْ يَسْرِ قَوْلُهُ عَلَى الْبَاقِينَ، (وَ) إنْ قَالَ: أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ و (كُلُّ وَاحِدٍ) مِنَّا (ضَامِنٌ كُلَّ مَتَاعِكَ) أَوْ قِيمَتِهِ (فَعَلَى الْقَائِلِ) وَحْدَهُ ضَمَانُ (الْجَمِيعِ. وَلَوْ سَمِعُوا) ؛ أَيْ: رُكَّابُ السَّفِينَةِ (قَوْلَهُ، فَسَكَتُوا) ، أَوْ قَالُوا: لَا تَفْعَلْ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ بِهِ حَقٌّ، (وَإِنْ رَضُوا) ؛ أَيْ: الرُّكَّابُ (بِمَا قَالَ؛ لَزِمَهُمْ) الْغُرْمُ، وَيُوَزَّعُ عَلَى عَدَدِهِمْ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الضَّمَانِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ضَمَانِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى مَدِينٍ، فَإِنْ قَالُوا ضَمِنَّا لَكَ الدَّيْنَ كَانُوا شُرَكَاءَ، عَلَى كُلٍّ حِصَّتُهُ، وَإِنْ قَالُوا كُلٌّ مِنَّا ضَامِنٌ لَكَ الدَّيْنَ؛ طُولِبَ كُلُّ وَاحِدٍ كَامِلًا. (وَ) لَوْ قَالَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ مَثَلًا: (اعْتِقْ عَبْدَك، أَوْ طَلِّقْ امْرَأَتَكَ وَعَلَيَّ كَذَا) ؛ أَيْ: أَلْفٌ مَثَلًا (أَوْ) عَلَيَّ (مَهْرُهَا) ، فَطَلَّقَهَا؛ (لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الْقَائِلَ مَا الْتَزَمَهُ. (وَ) لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ: (بِعْهُ) ؛ أَيْ: بِعْ عَمْرًا مَثَلًا (عَبْدُك بِمِائَةٍ وَعَلَيَّ مِائَةٌ أُخْرَى؛ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الثَّانِي إتْلَافٌ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. (وَ) لَوْ قَالَ: (بِعْهُ وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ؛ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ حَالَ عُقِدَ، (وَإِنْ كَانَ) قَوْلُهُ: بِعْهُ وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ (عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ) ؛ أَيْ: أَرَادَ وَأَنَا ضَامِنٌ ثَمَنَهُ؛ (صَحَّا) ؛ أَيْ: الْبَيْعُ وَالضَّمَانُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 [فَصْلٌ أَحَالَ ضَامِنٌ رَبَّ دَيْنٍ بِهِ وَلَمْ يَنْوِ رُجُوعًا عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ بِمَا قَضَاهُ] [فَصْلٌ] : (وَإِنْ) (قَضَى الدَّيْنَ ضَامِنٌ، أَوْ أَحَالَ) ضَامِنٌ رَبَّ دَيْنٍ (بِهِ، وَلَمْ يَنْوِ) ضَامِنٌ (رُجُوعًا) عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ بِمَا قَضَاهُ أَوْ أَحَالَ بِهِ عَنْهُ - (وَلَوْ) كَانَ عَدَمُ نِيَّةِ الرُّجُوعِ (ذُهُولًا) - (لَمْ يَرْجِعْ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ سَوَاءٌ كَانَ الضَّمَانُ وَالْقَضَاءُ وَالْحَوَالَةُ بِإِذْنِ الْمَضْمُونِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ مُبَرِّئٌ مِنْ دَيْنٍ وَاجِبٍ، فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ كَالْحَاكِمِ إذَا قَضَى عَنْهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ - (وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ) الْمَضْمُونُ (فِي ضَمَانٍ وَلَا قَضَاءٍ) - لِمَا سَبَقَ. وَأَمَّا قَضَاءُ عَلِيٍّ وَأَبِي قَتَادَةَ عَنْ الْمَيِّتِ، فَكَانَ تَبَرُّعًا؛ لِقَصْدِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عِلْمِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً. وَالْكَلَامُ فِيمَنْ نَوَى الرُّجُوعَ، لَا مَنْ تَبَرَّعَ وَيَرْجِعُ ضَامِنٌ (بِالْأَقَلِّ مِمَّا قَضَى، وَلَوْ) كَانَ مَا قَضَاهُ لَا (قِيمَةَ عِوَضٍ عَوَّضَهُ) الضَّامِنُ (بِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ (أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ) ، فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَوَفَّاهُ عَنْهُ ثَمَانِيَةً، أَوْ عَوَّضَهُ عَنْهُ عِوَضًا قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ؛ رَجَعَ بِالثَّمَانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ أَقَلَّ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ، وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ غَرِيمٌ؛ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ الدَّيْنَ فَالزَّائِدُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمَضْمُونِ فَالضَّامِنُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ. (وَكَذَا) فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ (كَفِيلٌ وَكُلُّ مُؤَدٍّ عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا وَاجِبًا) ، فَيَرْجِعُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ. وَإِلَّا فَلَا، (بِخِلَافِ دَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ؛ فَلَا يَرْجِعُ قَاضِيهِ) عَلَى الْمَدِينِ (قَبْلَ حُلُولِهِ) ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (وَيَتَّجِهُ فِي دَيْنِ كِتَابَةٍ) إذَا قَضَاهُ شَخْصٌ عَنْ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ حُلُولِ نَجْمِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِنَظِيرِهِ؛ فَلَهُ (الرُّجُوعُ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى عَنْهُ دَيْنًا وَاجِبًا صُورَةً، (وَ) أَمَّا إذَا قَضَاهُ قَبْلَ حُلُولِ النَّجْمِ، فَيَتَّجِهُ (عَدَمُهُ) ؛ أَيْ: الرُّجُوعِ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِمَا أَدَّاهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْجِزُ نَفْسَهُ وَيَعُودُ إلَى الرِّقِّ، فَيَفُوتُ الْمَالُ عَلَى الدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ مَالًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ؛ أَشْبَهَ الْمُتَبَرِّعَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 وَ (لَا) يَرْجِعُ مُؤَدٍّ عَنْ غَيْرِهِ (زَكَاةً وَنَحْوَهَا) مِمَّا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ كَكَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ، (لَكِنْ يَرْجِعُ ضَامِنُ الضَّامِنِ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى الضَّامِنِ (وُجُوبًا) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الدَّفْعَ عَنْ الَّذِي ضَمِنَهُ دُونَ الْأَصِيلِ، (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الضَّامِنُ لِلْأَصِيلِ يَرْجِعُ (عَلَى الْأَصِيلِ) الْمَضْمُونِ عَنْهُ. (وَإِنْ أُحِيلَ) ؛ أَيْ: أَحَالَ رَبَّ الدَّيْنِ بِهِ (عَلَى الضَّامِنِ؛ فَلَهُ) ؛ أَيْ: الضَّامِنِ (مُطَالَبَةُ الْمَضْمُونِ) عَنْهُ (بِمُجَرَّدِهَا) ؛ أَيْ: الْحَوَالَةِ؛ كَالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ، (فَلَوْ مَاتَ الضَّامِنُ) قَبْلَ أَدَاءِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ (وَلَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً؛ فَلِمُحْتَالٍ مُطَالَبَةُ وَرَثَتِهِ) ؛ أَيْ: الضَّامِنِ الْمَيِّتِ، (وَ) لِوَرَثَتِهِ (أَنْ يُطَالِبُوا الْأَصِيلَ) وَيَدْفَعُوا لِلْمُحْتَالِ، (وَلَهُمْ الِامْتِنَاعُ) مِنْ الدَّفْعِ وَالْمُطَالَبَةِ؛ (لِعَدَمِ لُزُومِ الدَّيْنِ حِينَئِذٍ) لَهُمْ؛ أَيْ: حَيْثُ لَمْ يَجِدُوا تَرِكَةً، (وَيَرْفَعُ) الْمُحْتَالُ (الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ، فَيَأْخُذُ الدَّيْنَ مِنْ الْأَصِيلِ، وَيَدْفَعُهُ لِمُحْتَالٍ، وَلَمْ يَسْقُطْ دَيْنُهُ؛ لِعَدَمِ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَ لَهُ تَرِكَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَسْتَحِقُّ بِذِمَّةِ الْأَصِيلِ) ، وَكَذَا إذَا أَدَّى ضَامِنُ الضَّامِنِ وَمَاتَ الضَّامِنُ، قَبْلَ أَدَائِهِ إلَى ضَامِنِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا. (قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ) بَحْثًا. وَهُوَ ضَعِيفٌ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. ثُمَّ (قَالَ وَقَدْ نُقِلَ لِي أَنَّ) شَيْخَ الْإِسْلَامِ (الْبُلْقِينِيَّ الشَّافِعِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ انْتَهَى) . (وَإِنْ أَبْرَأَ مُحْتَالٌ الضَّامِنَ بَرِئَ، وَطَالَبَ) مُحْتَالٌ (الْأَصِيلَ وَتَرَدَّدَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ) فِي ذَلِكَ. (فَإِنْ أَنْكَرَ مُقْتَضِي الْقَضَاءِ) ؛ أَيْ: أَنْكَرَ رَبُّ الدَّيْنِ أَخْذَهُ مِنْ نَحْوِ ضَامِنٍ، (وَحَلَفَ) رَبُّ الْحَقِّ؛ (لَمْ يَرْجِعْ قَاضٍ) ؛ أَيْ مُدَّعِي الْقَضَاءِ (عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 مَدِينٍ) ؛ لِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ بِهَذَا الْقَضَاءِ (وَلَوْ صَدَّقَ) مَدِينٌ عَلَى دَفْعِ الدَّيْنِ - لِأَنَّ عَدَمَ الرُّجُوعِ لِتَفْرِيطِ الضَّامِنِ وَنَحْوِهِ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ، (إلَّا إنْ ثَبَتَ) الْقَضَاءُ بِبَيِّنَةٍ (أَوْ حَضَرَهُ) ؛ أَيْ: الْقَضَاءَ مَضْمُونٌ عَنْهُ، (وَثَبَتَ) حُضُورُهُ بِاعْتِرَافٍ أَوْ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ، (أَوْ أَشْهَدَ) دَافِعُ الدَّيْنِ (وَمَاتَ شُهُودُهُ أَوْ غَابُوا) ؛ أَيْ: شُهُودُهُ، (وَصَدَّقَهُ) ؛ أَيْ: الدَّافِعُ - وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُضُورَ - فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَدِينٍ عَلَى حُضُورِهِ أَوْ غَيْبَةِ شُهُودِهِ أَوْ مَوْتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ، وَلَيْسَ الْمَوْتُ أَوْ الْغَيْبَةُ مِنْ فِعْلِهِ. (وَيَتَّجِهُ فَيَرْجِعُ ضَامِنٌ) عَلَى مَدِينٍ ادَّعَى أَنَّهُ قَضَى عَنْهُ الدَّيْنَ، وَأَنْكَرَهُ الدَّائِنُ، وَأَخَذَهُ مِنْهُ ثَانِيًا، وَكَانَ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى الْقَضَاءِ، وَمَاتَ شُهُودُهُ، أَوْ غَابُوا، وَصَدَّقَهُ الْمَدِينُ فِي دَعْوَاهُ، وَيَأْخُذُ مِنْ الْمَدِينِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي دَفَعَهُ أَوَّلًا؛ لِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِهِ بَاطِنًا، وَ (لَا) يَرْجِعُ عَلَيْهِ (بِمَا أَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا) ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الدَّائِنَ ظَلَمَهُ؛ فَلَا يَحْمِلُ ظُلْمَهُ لِغَيْرِهِ، (وَعَكْسُهُ وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ) ؛ أَيْ: لَمْ يُصَدِّقْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ الضَّامِنَ وَلَا بَيِّنَةَ؛ فَيَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ الدَّائِنُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْمَدِينَ لَمْ يَبْرَأْ ظَاهِرًا إلَّا فِي الْقَضَاءِ الثَّانِي وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 (وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ) ؛ أَيْ: الشُّهُودِ (بِنَحْوِ فِسْقٍ ظَاهِرٍ؛ لَمْ يَرْجِعْ) الضَّامِنُ؛ لِتَفْرِيطِهِ، وَإِنْ رُدَّتْ (بِأَمْرٍ خَفِيٍّ) ؛ كَالْفِسْقِ الْبَاطِنِ، أَوْ لِكَوْنِ الشَّهَادَةِ مُخْتَلَفًا فِيهَا؛ كَشَهَادَةِ الْعَبِيدِ؛ (فَاحْتِمَالَانِ) أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ (وَيَرْجِعُ مَعَ شَاهِدٍ) وَاحِدٍ (وَيَمِينٍ) . قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى (وَصَوَّبَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ") لِقَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ مَعَ الْيَمِينِ فِي الْأَمْوَالِ. (وَإِنْ اعْتَرَفَ رَبُّ دَيْنٍ بِالْقَضَاءِ وَأَنْكَرَ مَدِينٌ؛ لَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ) ؛ لِاعْتِرَافِ رَبِّ الْحَقِّ بِأَنَّ الَّذِي لَهُ صَارَ لِلضَّامِنِ؛ فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ. (وَمَنْ) (أَرْسَلَ آخَرَ إلَى مَنْ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْسِلِ (عِنْدَهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْسَلِ إلَيْهِ (مَالٌ لِأَخْذِ دِينَارٍ) مِنْ الْمَالِ، (فَأَخَذَ) الرَّسُولُ مِنْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ (أَكْثَرَ) مِنْ دِينَارٍ، فَضَاعَ؛ (ضَمِنَهُ) ؛ أَيْ: الْمَأْخُوذَ (مُرْسِلٌ) لِأَنَّهُ الْمُسَلِّطُ لِلرَّسُولِ، (وَرَجَعَ) مُرْسَلٌ (بِهِ) ؛ أَيْ: الْمَأْخُوذِ (عَلَى رَسُولِهِ) . نَقَلَهُ مُهَنَّا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ فِي بَابِ الْحَوَالَةِ وَابْنُ رَجَبٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهِ، وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ (إنْ ثَبَتَ) أَخْذُهُ الْأَكْثَرَ (بِاعْتِرَافِهِ) ؛ أَيْ: الرَّسُولِ (أَوْ إقَامَةِ بَيِّنَةِ دَافِعٍ) بِذَلِكَ، فَإِنْ ضَمِنَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِيَدِهِ. (وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا) نَصًّا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَلِأَنَّهُ مَالٌ لَزِمَ مُؤَجَّلًا بِعَقْدٍ، فَكَانَ كَمَا الْتَزَمَهُ؛ كَالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَالْحَقُّ يَتَأَجَّلُ فِي ابْتِدَاءِ ثُبُوتِهِ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِعَقْدٍ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الضَّامِنِ حَالًّا وَتَأَجَّلَ، وَيَجُوزُ تَخَالُفُ مَا فِي الذِّمَّتَيْنِ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرَيْنِ؛ لَمْ يُطَالِبْ قَبْلَ مُضِيِّهَا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (فَلَا يُطَالَبُ ضَامِنٌ قَبْلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 حُلُولِهِ) ؛ أَيْ: الْأَجَلِ، (وَ) لِلدَّائِنِ مُطَالَبَةُ (مَدِينٍ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَأَجَّلْ فِي حَقِّهِ. (وَضَامِنُ) دَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ حَالًا لَا يَلْزَمُهُ) أَدَاؤُهُ (قَبْلَ حُلُولِهِ) ؛ أَيْ: أَجَلِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، فَلَا يُلْزَمُ مَا لَا يَلْزَمُ الْمَضْمُونَ عَنْهُ؛ كَمَا أَنَّ الْمَضْمُونَ لَوْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ تَعْجِيلَ [الْمُؤَجَّلِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ تَأْجِيلُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ الْحَالَ ثَابِتٌ] مُسْتَحِقُّ الْقَضَاءَ فِي جَمِيعِ الزَّمَانِ، فَإِذَا ضَمِنَهُ مُؤَجَّلًا؛ فَقَدْ الْتَزَمَ بَعْضَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ فَصَحَّ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً، فَضَمِنَ خَمْسَةً، وَأَمَّا الْمُؤَجَّلُ؛ فَلَا يُسْتَحَقُّ قَضَاؤُهُ إلَّا عِنْدَ أَجَلِهِ؛ فَإِذَا ضَمِنَهُ حَالًا؛ الْتَزَمَ مَا لَمْ يَجِبْ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً، فَضَمِنَ عِشْرِينَ. (وَإِنْ عَجَّلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُؤَجَّلَ ضَامِنٌ (بِلَا إذْنِ مَدِينٍ؛ لَمْ يَرْجِعْ) ضَامِنٌ عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ (حَتَّى يَحِلَّ) الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ لَا يُغَيِّرُهُ عَنْ تَأْجِيلِهِ؛ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَذِنَ مَضْمُونٌ عَنْهُ بِتَعْجِيلِهِ؛ (رَجَعَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ. (وَلَا يَحِلُّ) دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ (بِمَوْتِ مَضْمُونٍ) عَنْهُ، (وَ) لَا بِمَوْتِ (ضَامِنٍ إنْ وَثَّقَ الْوَرَثَةُ) [رَبَّ الدَّيْنِ] بِرَهْنٍ بِحِرْزٍ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ، (وَإِلَّا) تَوَثَّقَ الْوَرَثَةُ؛ (حَلَّ) الدَّيْنُ، فَيُطَالَبُونَ بِهِ فِي الْحَالِ. (وَمَنْ ضَمِنَ أَوْ كَفَلَ) شَخْصًا، (ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمَضْمُونِ أَوْ الْمَكْفُولِ (حِينَئِذٍ) ؛ أَيْ: حِينَ ضَمِنْته أَوْ كَفَلْته (حَقٌّ) لِلْمَضْمُونِ أَوْ الْمَكْفُولِ لَهُ؛ (صَدَّقَ خَصْمُهُ) ؛ أَيْ: الْمَضْمُونُ أَوْ الْمَكْفُولُ (بِيَمِينِهِ) ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ نَكَلَ مَضْمُونٌ وَمَكْفُولٌ لَهُ؛ قُضِيَ عَلَيْهِ بِبَرَاءَةِ الضَّمِينِ وَالْأَصِيلِ. (فَرْعٌ مَنْ ادَّعَى أَلْفًا عَلَى حَاضِرٍ وَغَائِبٍ وَأَنَّ كُلًّا) مِنْهُمَا (ضَمِنَ صَاحِبَهُ) مَا عَلَيْهِ، فَإِنَّ اعْتَرَفَ الْحَاضِرُ بِذَلِكَ فَلِلْمُدَّعِي أَخْذُ الْأَلْفِ مِنْهُ؛ لِاعْتِرَافِهِ لَهُ بِهِ أَصَالَةً وَضَمَانًا، فَإِذَا رَجَعَ الْغَائِبُ، وَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ؛ رَجَعَ عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 صَاحِبُهُ بِنِصْفِهِ الَّذِي أَدَّاهُ عَنْهُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْغَائِبُ ذَلِكَ - وَلَا بَيِّنَةَ - فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ، وَإِنْ (أَنْكَرَ الْحَاضِرُ) ذَلِكَ فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، (فَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) بِالدَّعْوَى، (وَأَخَذَ) الْمُدَّعِي (مِنْهُ الْأَلْفَ؛ لَمْ يَرْجِعْ) الْغَارِمُ (عَلَى الْغَائِبِ بِشَيْءٍ) ؛ لِإِقْرَارِهِ أَنْ لَا حَقَّ عَلَيْهِمَا، وَأَنَّ الْمُدَّعِيَ ظَلَمَهُ، (مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ) ؛ أَيْ: يُصَدِّقُ الْغَائِبُ الْغَارِمَ؛ بِأَنْ يَعْتَرِفَ الْغَائِبُ بِمَا عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ الْحَاضِرُ عَنْ إنْكَارِهِ؛ فَلِلْحَاضِرِ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَائِبِ بِمَا غَرِمَهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا يَعْتَرِفُ لَهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَى الْحَاضِرِ بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْأَلْفِ أَصَالَةً وَضَمَانًا؛ حَلَفَ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَبَرِئَ؛ أَيْ: انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي؛ فَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ فَإِنْ أَنْكَرَ مَا كَانَ ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَصَالَةِ وَالضَّمَانِ، وَحَلَفَ؛ بَرِئَ؛ أَيْ؛ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ مَعَهُ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالدَّعْوَى؛ لَزِمَهُ دَفْعُ الْأَلْفِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِاعْتِرَافِهِ، وَلَا رُجُوعَ عَلَى الْحَاضِرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ مِنْ الْحَاضِرِ. [فَصْلٌ فِي تَعْرِيف الْكَفَالَةِ] (فَصْلٌ فِي الْكَفَالَةِ) (وَهِيَ) مَصْدَرُ كَفَلَ بِمَعْنَى (الْتِزَامِ رَشِيدٍ مُخْتَارٍ إحْضَارَ مَنْ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: تَعَلَّقَ بِهِ (حَقٌّ مَالِيٌّ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا (إلَى رَبِّهِ) ؛ أَيْ؛ الْحَقِّ - مُتَعَلِّقٌ بِإِحْضَارٍ - وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِهَا؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى الِاسْتِيثَاقِ بِضَمَانِ الْمَالِ أَوْ الْبَدَنِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَمْتَنِعُ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِ، فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الْكَفَالَةُ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ، وَتَعَطَّلَتْ الْمُعَامَلَاتُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا. (وَيَتَّجِهُ وَتَصِحُّ) الْكَفَالَةُ (مِنْ قِنٍّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) وَكَذَا مِنْ مُكَاتَبٍ [كَبَاقِي الْمُعَامَلَاتِ] ، (وَ) مِنْ (مُفْلِسٍ) بَعْدَ أَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ؛ لِقَبُولِ ذِمَّتِهِ الِالْتِزَامَ، (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ إحْضَارِ مَكْفُولٍ وَتَسْلِيمِهِ؛ (لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسَ أَدَاءُ مَا عَلَيْهِ (بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 (وَلَا يُعْتَبَرُ) لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ (رِضَى مَكْفُولٍ وَلَا مَكْفُولٍ لَهُ) ؛ لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ لَا قَبْضَ فِيهَا، فَصَحَّتْ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُمَا كَالشَّهَادَةِ. (وَتَصِحُّ) الْكَفَالَةُ (حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً كَضَمَانٍ) وَثَمَنٍ فِي بَيْعٍ، (وَمَعَ إطْلَاقٍ) ؛ كَقَوْلِهِ: أَنَا كَفِيلٌ بِبَدَنِ فُلَانٍ (فَحَالَّةً) كَالضَّمَانِ إذَا أُطْلِقَ يَكُونُ حَالًّا؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَدْخُلُهُ الْحُلُولُ؛ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةِ وَالصَّدَاقِ اقْتَضَى إطْلَاقُهُ الْحُلُولَ. (وَتَنْعَقِدُ) الْكَفَالَةُ (بِمَا) ؛ أَيْ: لَفْظٍ (يَنْعَقِدُ بِهِ ضَمَانٌ) ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهُ فَانْعَقَدَتْ بِمَا يَنْعَقِدُ بِهِ قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّتُهَا مِمَّنْ يَصِحُّ ضَمَانُهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا تَنْعَقِدُ (بِشَرْطِ إضَافَةِ اللَّفْظِ لِإِحْضَارِ مَكْفُولٍ) ؛ كَأَنَا ضَامِنٌ إحْضَارَهُ، (وَعَلَى قِيَاسِ كَلَامِ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الضَّمَانِ؛ (لَا) تُشْتَرَطُ إضَافَةُ اللَّفْظِ إلَى مَكْفُولٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ، إلَّا مَا اتَّجَهَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَمَنْ ضَمِنَ مَعْرِفَةَ شَخْصٍ) بِأَنْ جَاءَ إنْسَانٌ آخَرُ يَسْتَدِينُ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ: لَا أُعْطِيك؛ لِأَنَّنِي لَا أَعْرِفُكَ، فَضَمِنَ لَهُ إنْسَانٌ مَعْرِفَتَهُ، فَدَايَنَهُ؛ ثُمَّ غَابَ الْمُسْتَدِينُ، أَوْ تَوَارَى؛ (أُخِذَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - ضَامِنُ الْمَعْرِفَةِ (بِتَعْرِيفِهِ) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَعْنَاهُ أَنِّي أُعَرِّفُكَ مَنْ هُوَ وَأَيْنَ هُوَ (لَا بِحُضُورِهِ) فِي قَوْلٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْكَفِيلِ الْمَكْفُولَ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ وَإِعْلَامَهُ بِمَكَانِهِ، يَبْرَأُ بِهِ وَيُعَدُّ تَسْلِيمًا، (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ ضَمِنَ مَعْرِفَتَهُ أُخِذَ بِهِ؛ أَيْ بِالْمُسْتَدِينِ نَصًّا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ ضَمِنَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 غَرِمَ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهَذَا يُعْطِي أَنَّ أَحْمَدَ جَعَلَ ضَمَانَ مَعْرِفَتِهِ تَوْثِقَةً لِمَنْ لَهُ الْمَالُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ حُضُورَهُ مَتَى حَضَرْتَ كَأَنَّكَ أَنْتَ لَا تَعْرِفُهُ وَلَا يُمْكِنُكَ إحْضَارُ مَنْ لَا تَعْرِفُهُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ فَأُحْضِرُهُ لَكَ مَتَى أَرَدْتَ فَصَارَ كَقَوْلِهِ تَكَفَّلْتُ بِبَدَنِهِ. انْتَهَى. فَطَالَبَ ضَامِنَ الْمَعْرِفَةِ بِإِحْضَارِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ مَعَ حَيَاتِهِ؛ لَزِمَهُ لِمَنْ ضَمِنَ مَعْرِفَتَهُ لَهُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أُخِذَ بِهِ؛ أَيْ: بِدَلِّ رَبِّ الدَّيْنِ عَلَى اسْمِهِ وَمَكَانِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَقَالَ الْإِمَامُ أُمِرَ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ أُخِذَ بِمَعْرِفَتِهِ، وَقَالَ كُلِّفَ تَعْرِيفَهُ، وَفِي قَوْلِهِ أُخِذَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ. الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَاسْتَغْنَى رَبُّ الدَّيْنِ؛ بِسُؤَالِهِ عَنْ نِسْبَةِ الْمُسْتَدِينِ وَمَكَانِهِ وَإِنْ ارْتَابَ فِي صِحَّةِ قَوْلِهِ حَصَلَ زَوَالُ الرِّيبَةِ بِصِدْقِهِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ مَعْرِفَتِهِ. الثَّالِثُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ضَمَانِ الْمَعْرِفَةِ التَّوَثُّقُ، فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُنْسَبَ لَهُ أَوْ يُذْكَرَ لَهُ أَنَّهُ سَاكِنٌ بِمَحَلَّةِ كَذَا، وَلَوْ مَعَ غَنَائِهِ، مَعَ غَيْبَتِهِ وَغَيْبَةِ مَالِهِ الرَّاجِحُ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ ضَمِنَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَالتَّعْرِيفُ قَادِرٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ طُلِبَ مِنْهُ، إمَّا بِلَفْظِهِ أَوْ بِكِتَابَتِهِ، أَوْ إشَارَتِهِ إنْ عَرَضَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّلَفُّظِ انْتَهَى. (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ) مَنْ هُوَ وَأَيْنَ هُوَ؛ (ضَمِنَ) مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ عَرَّفَهُ ذَلِكَ؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 أَنْ يُحْضِرَهُ. هَذَا تَتِمَّةُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، فَرَّعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ. (وَتَصِحُّ) الْكَفَالَةُ (بِبَدَنِ مَنْ عِنْدَهُ عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ أَوْ أَمَانَةٌ) أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ غَصْبٌ، (وَكَفَلَهُ فِي التَّعَدِّي، أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) وَجَبَ أَوْ يَجِبُ غَيْرُ جِزْيَةٍ وَدَيْنِ سَلَمٍ، وَتَصِحُّ بِبَدَنِ كُلِّ مَنْ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ (وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، وَيَحْضُرَانِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا) بِالْإِتْلَافِ، وَبِبَدَنِ مَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَثِيقَةٍ صَحَّتْ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَالْحُضُورِ؛ صَحَّتْ مَعَ الْحَبْسِ وَالْغَيْبَةِ؛ كَالدَّيْنِ وَضَمَانِ الْمَالِ. وَ (لَا) تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ (حَدٌّ) لِلَّهِ؛ كَحَدِّ الزِّنَا أَوْ لِآدَمِيٍّ؛ كَحَدِّ قَذْفٍ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ» وَلِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِسْقَاطِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، فَلَا يَدْخُلُهُ الِاسْتِيثَاقُ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ الْجَانِي (أَوْ) عَلَيْهِ (قِصَاصٌ) ؛ فَلَا تَصِحُّ كَفَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ (وَلَا بِزَوْجَةٍ) لِزَوْجِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِيَّةِ لَهُ عَلَيْهَا، (وَ) لَا (بِشَاهِدٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ، وَلَا بِمُكَاتَبٍ لِدَيْنِ كِتَابَةٍ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ لَا يَلْزَمُهُ؛ إذْ لَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ، وَلَا وَلَدٍ بِوَالِدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إحْضَارُهُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ (وَلَا إلَى أَجَلٍ أَوْ بِشَخْصٍ مَجْهُولِينَ) ، أَمَّا عَدَمُ صِحَّتِهَا إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ؛ فَلِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ فِيهِ، وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّتِهَا بِشَخْصٍ مَجْهُولٍ؛ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ؛ فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، بِخِلَافِ ضَمَانِ دَيْنٍ مَجْهُولٍ يَئُولُ إلَى الْعِلْمِ، (وَلَوْ فِي ضَمَانٍ؛ كَإِلَى مَجِيءِ الْمَطَرِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يُسْتَحَقُّ طَلَبٌ فِيهِ) . (وَكَذَا) لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ (لِحَصَادٍ وَجُذَاذٍ وَعَطَاءٍ) ؛ لِلْجَهَالَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، (وَفِي الْإِقْنَاعِ كَالْمُغْنِي " وَالشَّرْحِ " وَالْأَوْلَى صِحَّتُهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِلَا عِوَضٍ) جَعَلَ لَهُ أَجَلًا لَا يَمْنَعُ حُصُولَ الْمَقْصُودِ مِنْهُ؛ فَصَحَّ؛ كَالنَّذْرِ، وَهَكَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 كُلُّ مَجْهُولٍ لَا يَمْنَعُ مَقْصُودَ الْكَفَالَةِ. (وَإِنْ كَفَلَ) رَشِيدٌ (بِجُزْءٍ مُشَاعٍ) ؛ كَثُلُثِ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ وَرُبُعِهِ، (أَوْ) كَفَلَ (بِعُضْوٍ) مِنْهُ ظَاهِرًا؛ كَرَأْسِهِ وَيَدِهِ، (وَيَتَّجِهُ) أَوْ كَانَ الْعُضْوُ جِسْمًا بَاطِنًا؛ كَقَلْبِهِ أَوْ كَبِدِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ (كَرُوحِهِ أَوْ نَفْسِهِ) ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ إلَّا بِإِحْضَارِ الْكُلِّ. وَالنَّفْسُ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الذَّاتِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) تَكَفَّلَ (بِشَخْصٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَ بِهِ) فَقَدْ بَرِئَ (وَإِلَّا) يَجِئْ بِهِ (فَهُوَ كَفِيلٌ بِآخَرَ) مُعَيَّنٍ، (أَوْ) فَهُوَ (ضَامِنٌ مَا عَلَيْهِ) مِنْ الْمَالِ؛ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ عَلَى شَرْطٍ؛ كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ، (أَوْ) قَالَ (إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَأَنَا كَفِيلٌ بِزَيْدٍ شَهْرًا؛ صَحَّ) ذَلِكَ (وَ) الْمَسْأَلَةُ (الْأُخْرَى جَمَعَتْ تَعْلِيقًا وَتَوْقِيتًا) وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مَعَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَا مَعَ الِاجْتِمَاعِ. (وَيَبْرَأُ) مَنْ كَفَلَ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ (إنْ لَمْ يُطَالِبْ) مَكْفُولٌ لَهُ بِإِحْضَارِهِ (فِيهِ) ؛ أَيْ: الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمُضِيِّهِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا، وَأَمَّا تَوْقِيتُ الضَّمَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لَكِنْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَإِنْ عَلَّقَ الضَّمَانَ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ؛ صَحَّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " " وَالْمُنَوِّرِ " وَغَيْرِهِمَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ " وَصَاحِبُ " الْفَائِقِ " وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّرِيفُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُمْ. (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ) الْكَفَالَةِ (بِسَبَبِ الْحَقِّ) ؛ كَالْعُهْدَةِ وَالدَّرَكِ وَمَا لَمْ يَجِبْ وَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُهُ (بِلَا نِزَاعٍ) فِي ذَلِكَ (كَإِنْ أَقْرَضْتَ فُلَانًا كَذَا فَضَمَانُهُ عَلَيَّ، أَوْ) يَقُولُ (وَأَنَا كَفِيلٌ) بِهِ، (وَ) إنْ قَالَ: (أَبْرِئْ الْكَفِيلَ وَأَنَا كَفِيلٌ؛ فَسَدَ الشَّرْطُ) ، وَهُوَ قَوْلُهُ أَبْرِئْ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ أَنَا كَفِيلٌ بِبَدَنِ فُلَانٍ إنْ أَبْرَأْتَ فُلَانًا الْكَفِيلَ؛ (فَيَفْسُدُ عَقْدُ الْكَفَالَةِ) لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) لَوْ أَجَابَهُ لِمَا سَأَلَهُ وَأُبْرِئَ الْكَفِيلُ، ثُمَّ امْتَنَعَ السَّائِلُ مِنْ الْكَفَالَةِ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 يَفْسُدُ الْعَقْدُ، (وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ) ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: لَا يَبْرَأُ مَكْفُولٌ بِهَذِهِ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إنَّمَا أَبْرَأَهُ اعْتِمَادًا عَلَى صِدْقِ السَّائِلِ، (وَكَذَا كَفَلْتُ أَوْ ضَمِنْتُ فُلَانًا عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ) الْآخَرِ (أَوْ) مِنْ (ضَمَانِهِ، أَوْ) قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ (هَذَا الدَّيْنَ عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ) ضَمَانِ الدَّيْنِ (الْآخَرِ) ، أَوْ قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ هَذَا الْمَدِينَ عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ الْكَفَالَةِ بِفُلَانٍ؛ فَيَفْسُدُ الشَّرْطُ وَالْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ فَسْخٍ فِي عَقْدٍ؛ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ فَسْخِ بَيْعٍ آخَرَ، (وَكَذَا لَوْ شَرَطَ فِي كَفَالَةٍ وَضَمَانٍ أَنْ يَتَكَفَّلَ الْمَكْفُولَ لَهُ أَوْ الْمَكْفُولَ بِهِ آخَرُ) ؛ بِأَنْ قَالَ: أَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ عَلَى أَنْ يَتَكَفَّلَ لِي بِفُلَانٍ أَوْ يَضْمَنَهُ لِي، أَوْ أَنَا ضَامِنٌ مَا عَلَى فُلَانٍ عَلَى أَنْ يَتَكَفَّلَ لِي بِفُلَانٍ أَوْ يَضْمَنَهُ لِي (أَوْ) كَفَلَ؛ أَوْ ضَمِنَ عَلَى أَنْ (يَضْمَنَ) الْمَكْفُولُ بِهِ أَوْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ (دَيْنًا عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى الْكَفِيلِ أَوْ الضَّامِنِ، (أَوْ) ضَمِنَ أَوْ كَفَلَ عَلَيَّ (بِبَيْعِهِ) الْمَكْفُولَ بِهِ أَوْ الْمَضْمُونَ عَنْهُ شَيْئًا عَيَّنَهُ الْكَفِيلُ أَوْ الضَّامِنُ، (أَوْ) عَلَى أَنْ (يُؤَجِّرَهُ كَذَا) ؛ أَيْ: دَارِهِ مَثَلًا، أَوْ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ كَذَا؛ فَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ وَلَا الْكَفَالَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ كَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. [فَصْلٌ سَلَّمَ كَفِيلٌ مَكْفُولًا بِهِ لِمَكْفُولٍ لَهُ] (فَصْلٌ: وَمَتَى سَلَّمَ كَفِيلٌ مَكْفُولًا) بِهِ لِمَكْفُولٍ لَهُ، (وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) : بَرِئْتُ إلَيَّ مِنْهُ أَوْ قَدْ (أَسْلَمْتُ) أَوْ قَدْ أَخْرَجْتُ نَفْسِي مِنْ كَفَالَتِهِ (بِمَحَلِّ عَقْدٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 إنْ عَيَّنَ مَحَلَّ الْعَقْدِ، أَوْ وَقَعَتْ الْكَفَالَةُ مُطْلَقَةً؛ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهَا مَوْضِعَ التَّسْلِيمِ (لَا بِغَيْرِهِ) ، فَإِنْ سَلَّمَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْعَقْدِ وَمَوْضِعِ شَرْطِهِ؛ لَمْ يَبْرَأْ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَقِّ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُجَّةِ فِيهِ لِغَيْبَةِ نَحْوِ شُهُودِهِ، (إلَّا إنْ عَيَّنَ) غَيْرَ مَحَلِّ الْعَقْدِ فَيَتَعَيَّنُ - (وَقَدْ حَلَّ أَجَلُ كَفَالَةٍ إنْ كَانَ) عَقْدُهَا مُؤَجَّلًا - بَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ فَبَرِئَ مِنْهُ بِعَمَلِهِ؛ كَالْإِجَارَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ أَوْ لَا؛ كَمَا لَوْ حَضَرَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ، (أَوْ لَا) ؛ أَيْ: أَوْ سَلَّمَهُ وَلَمْ يَحِلَّ أَجَلُ الْكَفَالَةِ؛ بِأَنْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً إلَى رَمَضَانَ مَثَلًا، فَسَلَّمَهُ فِي رَجَبٍ - (وَلَا ضَرَرَ) عَلَى مَكْفُولٍ لَهُ (فِي قَبْضِ مَكْفُولٍ) - بَرِئَ كَفِيلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَادَ خَيْرًا بِتَعْجِيلِ حَقِّهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ (مِنْ غَيْبَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ تَأْجِيلِ دَيْنٍ) لَا يُمْكِنُ اقْتِضَاؤُهُ مِنْهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ لَمْ يَبْرَأْ كَفِيلٌ، (وَلَيْسَ ثَمَّ) - بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ - (يَدٌ حَائِلَةٌ) بَيْنَ رَبِّ الْحَقِّ وَالْمَكْفُولِ (ظَالِمَةً) ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ كَلَا تَسْلِيمٍ، (أَوْ سَلَّمَ مَكْفُولٌ نَفْسَهُ) لِرَبِّ الْحَقِّ (بِمَحَلِّ عَقْدٍ) ؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَضَى مَضْمُونٌ عَنْهُ الدَّيْنَ، (أَوْ مَاتَ) الْمَكْفُولُ؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ، سَوَاءٌ تَوَانَى الْكَفِيلُ فِي تَسْلِيمِهِ حَتَّى مَاتَ أَوْ لَا؛ لِسُقُوطِ الْحُضُورِ عَنْهُ بِمَوْتِهِ، (أَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْأَمَانَةُ) الَّتِي تَكَفَّلَ بِبَدَنِ مَنْ هِيَ عِنْدَهُ (بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى) . وَيَتَّجِهُ (أَوْ ضَاعَتْ) الْأَمَانَةُ (بِلَا تَقْصِيرٍ) فِي حِفْظِهَا. . وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (قَبْلَ طَلَبٍ؛ بَرِئَ كَفِيلٌ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِ الْمَكْفُولِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِتَلَفِهَا بَعْدَ طَلَبِهِ بِهَا، وَلَا بِتَلَفِهَا بِفِعْلِ آدَمِيٍّ، وَلَا بِغَصْبِهَا، (وَيَسْتَرِدُّ الْكَفِيلُ مَا دَفَعَهُ إنْ ثَبَتَ مَوْتُ مَكْفُولٍ قَبْلَ غُرْمِهِ) ؛ أَيْ: الْكَفِيلِ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ؛ لِظُهُورِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَخْذَ مِنْهُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَكْفُولٍ بَعْدَ أَدَائِهِ عَنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 مَا لَزِمَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ كَضَامِنٍ، وَأَنَّهُ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ، ثُمَّ يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ، بِخِلَافِ مَغْصُوبٍ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ مَعَ بَقَائِهِ؛ لِامْتِنَاعِ بَيْعِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ " (وَكَذَا لَوْ تَلِفَتْ بِفِعْلِ اللَّهِ عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ) ؛ كَعَارِيَّةٍ وَنَحْوِهَا (تَكَفَّلَ بِإِحْضَارِهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ، صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " (لَا إنْ مَاتَ كَفِيلٌ) ؛ أَيْ: لَا يَبْرَأُ بِمَوْتِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ مَا كَفَلَ بِهِ حَيْثُ تَعَذَّرَ إحْضَارُ مَكْفُولٍ بِهِ؛ كَمَا لَوْ مَاتَ الضَّامِنُ، (وَ) لَا يَبْرَأُ كَفِيلٌ بِمَوْتِ (مَكْفُولٍ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ أَحَدُ نَوْعَيْ الضَّمَانِ، فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ مَكْفُولٍ لَهُ كَالضَّمَانِ، (وَوَارِثُ كَفِيلٍ كَهُوَ فِي إحْضَارِ مَكْفُولٍ) ، فَيَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ أَوْ دَفْعُ مَا عَلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ الْكَفِيلِ، مَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَيُوَثَّقُ مَكْفُولٌ لَهُ بِرَهْنٍ يُحْرَزُ. أَوْ كَفِيلٍ مَالِيٍّ، (وَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى كَفِيلٍ (إحْضَارُهُ) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولِ (مَعَ حَيَاتِهِ) بِأَنْ تَوَارَى، (أَوْ غَابَ) عَنْ الْبَلَدِ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا (غَيْبَةً تُعْلَمُ) أَخْبَارُهُ، (وَلَوْ) كَانَتْ غَيْبَتُهُ (مُنْقَطِعَةً) ؛ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ مُقِيمًا. هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: غَيْبَةً تُعْلَمُ غَيْرَ مُنْقَطِعَةٍ (وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ) كَفِيلًا (رَدُّهُ) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولِ (فِيهِ، أَوْ مَضَى زَمَنٌ عَيَّنَهُ) كَفِيلٌ (لِإِحْضَارِهِ) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولِ (فِيهِ) ؛ أَيْ: الزَّمَنِ؛ (كَقَوْلِ) كَفِيلٍ (كَفَلْتُهُ عَلَى أَنْ أُحْضِرَهُ) لَكَ (غَدًا، فَمَضَى) الْغَدُ (وَلَمْ يُحْضِرْهُ؛ ضَمِنَ) الْكَفِيلُ (مَا عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولِ نَصًّا، (وَلَوْ أَحْضَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ) ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْمَالُ بِإِحْضَارِهِ؛ بَعْدَ الْوَقْتِ الْمُسَمَّى، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ؛ (كَمَا لَوْ غَابَ) الْمَكْفُولُ (غَيْبَتَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ خَبَرٌ؛ فَيَلْزَمُ الْكَفِيلَ) ؛ أَيْ: يُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ (بِمَا عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولِ (بِلَا مُهْلَةٍ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (إلَّا إذَا شَرَطَ) الْكَفِيلُ (الْبَرَاءَةَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِمَّا عَلَى الْمَكْفُولِ (إنْ عَجَزَ) عَنْ إحْضَارِهِ، (أَوْ) شَرَطَ الْكَفِيلُ (أَنْ لَا مَالَ عَلَيْهِ بِتَلَفِ عَيْنٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 مَكْفُولٍ بِهَا) بِفِعْلِ آدَمِيٍّ أَوْ هَرَبِهِ وَنَحْوِهِ، (وَأَفْتَى ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ بِعَدَمِ بَرَاءَةِ كَفِيلٍ بِمَوْتِ مَكْفُولٍ مَعَ شَرْطِ الْقِيَامِ بِمَا عَلَيْهِ، أَوْ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ) . قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَلَوْ قَالَ فِي الْكَفَالَةِ: إنْ عَجَزْتُ عَنْ إحْضَارِهِ أَوْ مَتَى عَجَزْتُ عَنْ إحْضَارِهِ كَانَ عَلَيَّ الْقِيَامُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لَمْ يَبْرَأْ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ، وَلَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ، قَالَ: وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَأَفْتَيْتُ فِيهَا بِلُزُومِ الْمَالِ. (وَالسَّجَّانُ كَالْكَفِيلِ) عَلَيْهِ إحْضَارُ الْخَصْمِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ؛ ضَمِنَ مَا عَلَيْهِ، (أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَتَبِعَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " (وَقَيَّدَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ) ، فَقَالَ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْوَكِيلِ يُجْعَلُ فِي حِفْظِ الْغَرِيمِ (إنْ هَرَبَ مَنْ فِي السِّجْنِ؛ بِتَفْرِيطِهِ) ؛ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ، وَإِلَّا فَلَا؛ (وَكَذَا رَسُولُ الشَّرْعِ وَنَحْوُهُ) مِمَّنْ هُوَ وَكِيلٌ عَلَى بَدَنِ الْغَرِيمِ بِمَنْزِلَةِ كَفِيلِ الْبَدَنِ، فَإِنْ هَرَبَ غَرِيمٌ مِنْهُ فَعَلَيْهِ إحْضَارُهُ، أَوْ يَغْرَمُ مَا عَلَيْهِ عَلَى الْأَوَّلِ مُطْلَقًا وَعَلَى الثَّانِي إنْ كَانَ بِتَفْرِيطِهِ؛ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ، وَإِلَّا فَلَا. (وَإِذَا طَالَبَ كَفِيلٌ مَكْفُولًا بِهِ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ) لِيُسَلِّمَهُ لِغَرِيمِهِ وَيَبْرَأَ مِنْهُ؛ لَزِمَهُ الْحُضُورُ، (أَوْ) طَالَبَ (ضَامِنٌ مَضْمُونًا بِتَخْلِيصِهِ مِنْ ضَمَانِهِ بِتَوْفِيَةِ الْحَقِّ) إلَى رَبِّهِ؛ (لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولُ أَوْ الْمَضْمُونُ، (وَطُولِبَ) كَفِيلٌ أَوْ ضَامِنٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ ذِمَّتَهُ مِنْ أَجَلِهِ بِإِذْنِهِ، فَلَزِمَهُ تَخْلِيصُهَا؛ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ عَبْدَهُ، فَرَهَنَهُ بِإِذْنِهِ، ثُمَّ طَالَبَهُ سَيِّدُهُ بِفَكِّهِ، (وَيَكْفِي فِي) الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ (الْكَفَالَةِ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الْإِذْنُ أَوْ مُطَالَبَةُ رَبِّ الدَّيْنِ الْكَفِيلَ، أَمَّا مَعَ الْإِذْنِ فَلِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مَعَ الْمُطَالَبَةِ؛ فَلِأَنَّ حُضُورَ الْمَكْفُولِ حَقٌّ لِلْمَكْفُولِ لَهُ - وَقَدْ اسْتَنَابَ الْكَفِيلَ فِي ذَلِكَ بِمُطَالَبَتِهِ بِهِ - أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ. (وَمَنْ كَفَلَهُ اثْنَانِ) مَعًا أَوْ لَا، (فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا بِمَا لَمْ يُبْرِئْ الْآخَرَ) ، لِإِحْلَالِ إحْدَى الْوَثِيقَتَيْنِ بِلَا اسْتِيفَاءٍ، فَلَا تَنْحَلُّ الْأُخْرَى؛ كَمَا لَوْ أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا أَوْ انْفَكَّ أَحَدُ الرَّهْنَيْنِ بِلَا قَضَاءٍ، (وَإِنْ أَسْلَمَ) مَكْفُولٌ (نَفْسَهُ بَرِئَ) ؛ أَيْ: الْكَفِيلَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 لِأَدَاءِ الْأَصْلِ مَا عَلَيْهِمَا، (وَإِنْ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَكْفُولَيْنِ) الْأَوْلَى كَفِيلَيْنِ. فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ ارْتَكَبَ مَجَازَ الْأَوَّلِ، لِشَخْصٍ (آخَرَ فَأَحْضَرَ) هَذَا الْآخَرُ (الْمَكْفُولَ) بِهِ؛ أَيْ: مَكْفُولَ مَكْفُولِهِ (بَرِئَ) مَنْ أَحْضَرَهُ (هُوَ وَمَنْ تَكَفَّلَ بِهِ) مِنْ الْكَفِيلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِمَا؛ كَمَا لَوْ سَلَّمَهُ مَنْ تَكَفَّلَ بِهِ (فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ الْكَفِيلِ الثَّانِي وَكَفِيلِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ تَكَفَّلَ ثَلَاثَةٌ بِوَاحِدٍ وَكُلٌّ مِنْهُمْ بِصَاحِبِهِ؛ صَحَّ، وَمَتَى سَلَّمَهُ أَحَدُهُمْ؛ بَرِئَ هُوَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ كَفَالَتِهِمَا بِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ لَهُمَا وَهُمَا فَرْعَانِ لَهُ، وَيَبْقَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْكَفَالَةُ بِالْمَدِينِ؛ لِأَنَّهُمَا أَصْلَانِ فِيهَا. (وَمَنْ كَفَلَ لِاثْنَيْنِ فَأَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا) مِنْ الْكَفَالَةِ، أَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولَ بِهِ لِأَحَدِهِمَا؛ (لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْآخَرِ) ؛ لِبَقَاءِ حَقِّهِ؛ كَمَا لَوْ ضَمِنَ دَيْنًا لِاثْنَيْنِ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا. (وَإِنْ كَفَلَ الْكَفِيلَ) شَخْصٌ (آخَرُ وَ) كَفَلَ (الْآخَرُ آخَرَ) وَهَكَذَا؛ (أُبْرِئَ كُلٌّ) مِنْ الْكُفَلَاءِ (بِبَرَاءَةِ مَنْ قَبْلَهُ) ، فَيَبْرَأُ الثَّانِي بِبَرَاءَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ بِبَرَاءَةِ الثَّانِي، وَهَكَذَا؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ، (وَلَا عَكْسَ) ، فَلَا يَبْرَأُ وَاحِدٌ بِبَرَاءَةِ مَنْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ؛ (كَضَمَانٍ، لَكِنْ لَوْ سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولَ (أَحَدُهُمْ فِي الْكَفَالَةِ؛ بَرِئَ الْجَمِيعُ) لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِمْ؛ (كَمَا لَوْ سَلَّمَ) مَكْفُولٌ (نَفْسَهُ) . (وَلَوْ ضَمِنَ اثْنَانِ وَاحِدًا) فِي مَالٍ، (وَقَالَ كُلٌّ) لِرَبِّ الْحَقِّ: (ضَمِنْت لَك الدَّيْنَ) ، فَهُوَ (ضَمَانُ اشْتِرَاكٍ) ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ (فِي الِالْتِزَامِ) بِالدَّيْنِ (فِي انْفِرَادٍ بِالطَّلَبِ) ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الدَّيْنِ عَلَى انْفِرَادِهِ؛ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: رَبِّ الدَّيْنِ (طَلَبُ كُلٍّ) مِنْهُمَا (بِالدَّيْنِ كُلِّهِ) ؛ لِالْتِزَامِهِ (بِهِ، وَإِنْ قَالَا) ؛ أَيْ: الِاثْنَانِ (ضَمِنَّا لَكَ الدَّيْنَ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِالْحِصَصِ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَعَلَى كُلٍّ ثُلُثُهُ، (وَ) إنْ قَالَ أَحَدُهُمْ: (أَنَا وَهَذَانِ ضَامِنُونَ لَكَ الْأَلْفَ) مَثَلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 (فَسَكَتَا) ؛ أَيْ: الْآخَرَانِ (فَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: قَائِلِ ذَلِكَ (فَقَطْ ثُلُثُهُ) ؛ أَيْ: ثُلُثُ الْأَلْفِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ أَوْ حِصَّتَهُ مِنْهُ حَيْثُ صَحَّ؛ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أَصْلِيٌّ، لَا ضَامِنٌ عَنْ الضَّامِنِ. [فَرْعٌ قَالَ لِآخَرَ اضْمَنْ فُلَانًا فَفَعَلَ] (فَرْعٌ: لَوْ قَالَ) شَخْصٌ لِآخَرَ: (اضْمَنْ) فُلَانًا (أَوْ) قَالَ: (اُكْفُلْ فُلَانًا) ، أَوْ اضْمَنْ عَنْ فُلَانٍ، أَوْ اُكْفُلْ عَنْهُ، (فَفَعَلَ؛ لَزِمَ) الضَّمَانُ أَوْ الْكَفَالَةُ (الْمُبَاشِرَ، لَا الْآمِرَ) ؛ لِأَنَّهُ كَفِيلٌ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا الْآمِرُ لِلْإِرْشَادِ، فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ (وَ) إنْ قَالَ شَخْصٌ آخَرُ: (أَعْطِهِ) [أَيْ:] فُلَانًا (كَذَا) ؛ أَيْ: أَلْفًا مَثَلًا، (فَفَعَلَ) ؛ أَيْ أَعْطَاهُ الْأَلْفَ؛ (لَمْ يَرْجِعْ) الْمُعْطِي (عَلَى الْآمِرِ) بِشَيْءٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا أَنْ يَقُولَ: أَعْطِهِ عَنِّي) ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. (وَيَتَّجِهُ وَمِثْلُهُ) ؛ أَيْ: مِثْلُ أَعْطِهِ كَذَا فِي الْحُكْمِ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَر: (أَطْعِمْ هَذَا الْفَقِيرَ، أَوْ أَعْطِهِ) كَذَا، (أَوْ) أَعْطِ (هَذَا الشَّاعِرَ) كَذَا، (أَوْ) أَعْطِ هَذَا (الظَّالِمَ كَذَا) ، فَفَعَلَ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ بِشَيْءٍ. (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: أَعْطِهِ) ؛ أَيْ: فُلَانًا (مِنْ جِهَتِي أَلْفًا وَأُعْطِيكَ بِهَا) ؛ أَيْ: الْأَلْفِ (حِنْطَةً) مَثَلًا، (فَفَعَلَ) ؛ أَيْ: أَعْطَاهُ الْأَلْفَ؛ (لَزِمَهُ الْأَلْفُ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِقَوْلِهِ مِنْ جِهَتِي، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي دَفْعِهَا عَنْ ذِمَّتِهِ، (وَلَا) يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِهَا (الْحِنْطَةَ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ لَهُ وَعْدٌ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 [بَابُ الْحَوَالَةِ] (بَابُ الْحَوَالَةِ) (الْحَوَالَةُ) : - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا - مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ؛ لِأَنَّهَا تُحَوِّلُ الْحَقَّ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ. وَهِيَ (عَقْدُ إرْفَاقٍ) مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ مَحْمُولًا عَلَى غَيْرِهِ، (لَا خِيَارَ فِيهِ) وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمُخَالَفَةِ الْأَصَمِّ، وَسَنَدُهُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، فَمِنْهَا مَا خَرَّجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ» . وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ» . (وَلَيْسَتْ) الْحَوَالَةُ (بَيْعًا) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَكَانَتْ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَمَا جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ، وَلَجَازَتْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَبَيْنَ جِنْسَيْنِ كَالْبَيْعِ كُلِّهِ، وَلِأَنَّ لَفْظَهَا يُشْعِرُ بِالتَّحَوُّلِ، وَلَيْسَتْ أَيْضًا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ؛ لِعَدَمِ الْعَيْنِ فِيهَا، (بَلْ هِيَ) ؛ أَيْ: الْحَوَالَةُ (انْتِقَالُ مَالٍ) مُحَالٍ بِهِ (مِنْ ذِمَّةِ) مُحِيلٍ (إلَى ذِمَّةِ) مُحَالٍ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا رُجُوعَ [لِلْمُحْتَالِ] عَلَى الْمُحِيلِ بِحَالٍ إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهَا؛ لِأَنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنْ دَيْنٍ لَيْسَ فِيهَا قَبْضٌ مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا مِمَّنْ يَدْفَعُ عَنْهُ؛ أَشْبَهَ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ. وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ (بِلَفْظِهَا أَوْ بِمَعْنَاهَا الْخَاصِّ) بِهَا؛ (كَ ابْتَعْتُكَ بِدَيْنِكَ عَلَى فُلَانٍ أَوْ خُذْ) دَيْنَكَ (أَوْ اُطْلُبْ دَيْنَكَ مِنْهُ) ؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ. (وَشَرْطُ) الْحَوَالَةِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا (رِضَى مُحِيلٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ مِنْ جُمْلَةِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. (وَ) الثَّانِي (عِلْمُ) مَالٍ (مُحَالٍ بِهِ) وَاسْتِقْرَارُهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ (عَلَيْهِ) ؛ لِاعْتِبَارِ التَّسْلِيمِ، وَالْجَهَالَةُ تَمْنَعُ مِنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 (وَ) الثَّالِثُ إمْكَانُ (الْمُقَاصَّةِ؛ بِأَنْ يَسْتَوِيَ الدَّيْنَانِ جِنْسًا وَصِفَةً وَحُلُولًا وَأَجَلًا وَقَدْرًا؛ فَلَا تَصِحُّ) الْحَوَالَةُ (بِذَهَبٍ عَلَى فِضَّةٍ، وَلَا بِصِحَاحٍ عَلَى مُكَسَّرَةٍ، وَعَكْسُهُ) كَمُكَسَّرَةٍ عَلَى صِحَاحٍ، وَلَا بِحَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ، (وَلَا مَعَ اخْتِلَافِ أَجَلٍ) ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ إرْفَاقٍ كَالْقَرْضِ، فَلَوْ جُوِّزَتْ مَعَ الِاخْتِلَافِ؛ لَصَارَ الْمَطْلُوبُ مِنْهَا الْأَفْضَلَ، فَتَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهَا، (وَلَوْ كَانَا) ؛ أَيْ: الدَّيْنَانِ الْمُحَالُ بِهِ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ (حَالَّيْنِ، فَشُرِطَ عَلَى مُحْتَالٍ تَأْخِيرُ حَقِّهِ أَوْ) تَأْخِيرُ (بَعْضِهِ) إلَى أَجَلٍ - وَلَوْ مَعْلُومًا - (لَمْ تَصِحَّ) الْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ لَا يَتَأَجَّلُ، (لَكِنْ إذَا صَحَّتْ) الْحَوَالَةُ، (فَرَضِيَا) ؛ أَيْ: الْمُحْتَالُ وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ (بِدَفْعِ أَدْنَى) مِنْ الدَّيْنِ، (أَوْ) بِدَفْعِ (أَعْلَى) مِنْهُ، (أَوْ) رَضِيَا (بِتَأْجِيلِهِ) وَهُوَ مُعَجَّلٌ، (أَوْ تَعْجِيلِهِ) وَهُوَ مُؤَجَّلٌ، (أَوْ بِدَفْعِ عِوَضٍ عَنْهُ، جَازَ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ فَهُنَا أَوْلَى، لَكِنْ إنْ جَرَى بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ رِبَا النَّسِيئَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ بِهِ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ فَعِوَضُهُ عَنْهُ مَوْزُونًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، أَوْ كَانَ مَكِيلًا، فَعِوَضُهُ عَنْهُ مَكِيلًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ اشْتَرَطَ فِيهِ التَّقَابُضَ بِمَجْلِسِ التَّعْوِيضِ (وَ) يُشْتَرَطُ [فِي] الْحَوَالَةِ تَمَاثُلُ الدَّيْنَيْنِ فِي الْقَدْرِ؛ (فَلَا يَصِحُّ بِقَلِيلٍ عَلَى كَثِيرٍ) كَعَشَرَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ، (وَ) لَا (عَكْسُهُ) كَخَمْسَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ؛ لِلِاخْتِلَافِ، (وَتَصِحُّ) الْحَوَالَةُ، (بِقَلِيلٍ عَلَى قَدْرِهِ مِنْ كَثِيرٍ) ؛ بِأَنْ أَحَالَهُ بِخَمْسَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ، (وَعَكْسُهُ) ؛ بِأَنْ أَحَالَهُ بِخَمْسَةٍ مِنْ الْعَشَرَةِ عَلَى خَمْسَةٍ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ سَبَبِ الدَّيْنَيْنِ؛ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا مِنْ قَرْضٍ وَالْآخَرِ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ. (الرَّابِعُ اسْتِقْرَارُ) دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ (مُحَالٍ عَلَيْهِ) نَصًّا كَبَدَلِ قَرْضٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ بَعْدَ لُزُومِ بَيْعٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَقِرِّ عُرْضَةٌ لِلسُّقُوطِ وَمُقْتَضَى الْحَوَالَةِ إلْزَامُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ مُطْلَقًا، وَيُشْتَرَطُ اسْتِقْرَارُ دَيْنٍ مُحَالٍ (بِهِ) ، فَتَصِحُّ بِجَعْلٍ قَبْلَ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِمَنْزِلَةِ وَفَائِهِ، وَيَصِحُّ الْوَفَاءُ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ، (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ (فَلَا تَصِحُّ) الْحَوَالَةُ، (عَلَى صَدَاقٍ قَبْلَ دُخُولٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 وَنَحْوِهِ مِمَّا يُقَرِّرُ الصَّدَاقَ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارٍ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى (مَالِ كِتَابَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ أَيْضًا، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا عَلَى (أُجْرَةٍ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةٍ) فِيمَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِعَمَلٍ (أَوْ) قَبْلَ (فَرَاغِ مُدَّةٍ) إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ إلَى مُدَّةٍ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا. (وَلَا) تَصِحُّ الْحَوَالَةُ (عَلَى ثَمَنِ مَبِيعٍ عَلَى مُشْتَرٍ فِي مُدَّةِ خِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ (عَلَى قِيمَةِ مُتْلَفٍ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا) وَجَهَالَتِهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تَصِحُّ الْحَوَالَةُ (عَلَى مَالِ مُسْلَمٍ) ؛ أَيْ: مُسْلَمٍ فِيهِ (أَوْ) عَلَى (رَأْسِهِ) ؛ أَيْ: رَأْسِ مَالِ سُلِّمَ (بَعْدَ فَسْخِ) عَقْدِ سَلَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَاصَّةَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. . (أَوْ) أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى (عَيْنٍ مِنْ نَحْوِ وَدِيعَةٍ) كَمُضَارَبَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ عَلَى دَيْنٍ (أَوْ) أَيْ: وَلَا عَلَى (اسْتِحْقَاقٍ فِي وَقْفٍ أَوْ عَلَى نَاظِرِهِ أَوْ عَلَى نَاظِرِ بَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ فِي كُلٍّ، (فَلَوْ أَحَالَ نَاظِرٌ لِوَقْفٍ وَنَحْوِهِ) كَصَاحِبِ الْعَطَاءِ فِي الدُّيُونِ (بَعْضَ الْمُسْتَحَقِّينَ) فِي الْوَقْفِ (عَلَى جِهَةٍ) مِنْ جِهَاتِ الْوَقْفِ؛ (لَمْ تَصِحَّ) الْحَوَالَةُ، لَكِنَّ ذَلِكَ وِكَالَةٌ؛ كَالْحَوَالَةِ عَلَى مَالِهِ فِي الدِّيوَانِ. (وَتَصِحُّ) الْحَوَالَةُ مِنْ مُكَاتَبٍ (إنْ أَحَالَ سَيِّدَهُ) بِمَالِ كِتَابَةٍ، (أَوْ) أَحَالَ (زَوْجَ امْرَأَتِهِ) بِصَدَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (وَنَحْوُهُ) ؛ كَمَا لَوْ أَحَالَ مُشْتَرٍ بَائِعًا بِثَمَنِ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْرَارُ مُحَالٍ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَ (لَا) تَصِحُّ الْحَوَالَةُ (بِجِزْيَةٍ) عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ؛ لِفَوَاتِ الصَّغَارِ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 الْمُحِيلِ، وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهَا لِذَلِكَ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِأَخْذِ (دَيْنِ سَلَمٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ. (وَلَا) يَصِحُّ (أَنْ يُحِيلَ وَلَدٌ عَلَى أَبِيهِ) إلَّا بِرِضَى الْأَبِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَبَ أَبِيهِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِحَقِّ الْأَبِ، فَإِذَا رَضِيَ بِهِ جَازَ، وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ عَلَى أُمِّهِ وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا، (وَلَا يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: رَبَّ الدَّيْنِ، (أَنْ يَحْتَالَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى وَالِدِ الْمُحِيلِ. (الْخَامِسُ كَوْنُ مُحَالٍ عَلَيْهِ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ مِنْ مِثْلِيٍّ) ؛ كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ لَا صِنَاعَةَ فِيهِ غَيْرَ جَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ، (وَغَيْرِهِ) ؛ أَيْ: غَيْرِ الْمِثْلِيِّ (كَمَعْدُودٍ) بِيعَ بِوَصْفٍ (وَمَذْرُوعٍ بِيعَ بِوَصْفٍ) ؛ فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِمَا (أَوْ خُولِعَ) زَوْجٌ (بِهِ) ؛ بِأَنْ خَالَعَتْهُ عَلَى ثَوْبٍ ذَرْعُهُ كَذَا وَصِفَتُهُ كَذَا، فَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَى الثَّوْبِ، (أَوْ أَصْدَقَ) زَوْجَتَهُ الْمَدْخُولَ بِهَا عَبْدًا صِفَتُهُ كَذَا، فَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ؛ لِاسْتِقْرَارِهِ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ بِالدُّخُولِ وَنَحْوِهِ. (وَلَا تَصِحُّ) الْحَوَالَةُ (بِإِبِلِ الدِّيَةِ) عَلَى إبِلِ الْقَرْضِ؛ لِوُجُوبِ رَدِّ الْمِثْلِ عَلَى الْمُقْرِضِ، وَكَذَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِإِبِلِ الدِّيَةِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ مِثْلُهَا. قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فِي السِّنِّ وَالْقِيمَةِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ. وَ (لَا) تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِإِبِلِ الْقَرْضِ (عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: عَلَى إبِلِ الدِّيَةِ الَّتِي عَلَى الْعَاقِلَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلِ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. [فَصْلٌ رِضَى الْمُحَالّ عَلَيْهِ] (فَصْلٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ (رِضَى مُحَالٍ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُحِيلَ أَقَامَ الْمُحْتَالَ مُقَامَ نَفْسِهِ فِي الْقَبْضِ مَعَ جَوَازِ اسْتِيفَائِهِ بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ، فَلَزِمَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ. (وَلَا) يُشْتَرَطُ رِضَى (مُحَالٍ. وَيَتَّجِهُ وَلَا) يُشْتَرَطُ (حُضُورُهُ) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 الْمُحْتَالِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ وَيَجْبُرُهُ) مُحْتَالٌ (عَلَى اتِّبَاعِهِ) نَصًّا؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. وَتَقَدَّمَ (أَوْ) كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ (مَيِّتًا) ، فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَهُ، وَوَجَبَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مُسْتَقِرٌّ، بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمِنَ مَا يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ؛ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُجُوبِهِ، (أَوْ) كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ (مَيِّتًا) ؛ فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ كَالْحَيِّ وَفِي " الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " (" وَالْحَاوِيَيْنِ " إنْ قَالَ: أَحَلْتُك) [بِمَا عَلَيْهِ] أَيْ: الْمَيِّتِ؛ (صَحَّ، لَا أَحَلْتُكَ بِهِ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتِ، فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ خَرِبَتْ. (وَيَبْرَأُ مُحِيلٌ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ، وَلَوْ أَفْلَسَ مُحَالٌ عَلَيْهِ) بَعْدَهَا، (أَوْ مَاتَ) خَلَّفَ تَرِكَةً أَوْ لَا؛ إذْ الْحَوَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْإِيفَاءِ، (أَوْ جَحَدَ) مُحَالٌ عَلَيْهِ الدَّيْنَ (بَعْدَ ثُبُوتِهِ) عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، فَمَاتَتْ (أَوْ تَصْدِيقِ مُحْتَالٍ) مُحِيلًا، (وَإِلَّا) يَثْبُتُ الدَّيْنُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ يُصَدِّقُ الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ؛ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُحِيلٍ فِيهِ بِمُجَرَّدِهِ، فَلَا يَبْرَأُ بِهَا، (فَيَرْجِعُ) مُحْتَالٌ (عَلَى مُحِيلٍ كَمَا) يَرْجِعُ عَلَيْهِ (لَوْ أُحِيلَ بِلَا رِضَاهُ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ مَلِيئًا، فَبَانَ عَدَمُهُ، أَوْ أُحِيلَ بِرِضَاهُ، وَاشْتَرَطَ) الْمُحْتَالُ (الْمَلَاءَةَ) ؛ أَيْ: مَلَاءَةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، (فَانْتَفَتْ) الْمَلَاءَةُ بِأَنْ ظَهَرَ غَيْرَ مَلِيءٍ، وَلَا يَرْجِعُ مُحْتَالٌ عَلَى مُحِيلٍ إذَا أَحَالَهُ عَلَى شَخْصٍ بِرِضَاهُ، فَبَانَ غَيْرَ مَلِيءٍ (بِلَا شَرْطِ) الْمَلَاءَةِ (وَالْمَلِيءُ) الَّذِي يُجْبِرُ مُحْتَالًا عَلَى اتِّبَاعِهِ (نَصًّا: هُوَ الْقَادِرُ بِمَالِهِ وَقَوْلِهِ وَبَدَنِهِ فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ فِعْلِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَدَاءِ (فَعِنْدَ الزَّرْكَشِيّ) فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: الْقُدْرَةُ (بِمَالِهِ) هِيَ (الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَفَاءِ، وَ) الْقُدْرَةُ (بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُمَاطِلًا وَ) ، الْقُدْرَةُ (بِبَدَنِهِ إمْكَانُ حُضُورِهِ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَلَا يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: رَبَّ الدَّيْنِ (احْتِيَالٌ عَلَى وَالِدِهِ أَوْ) احْتِيَالٌ (عَلَى مَنْ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ) ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُمَا إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 (وَيَتَّجِهُ وَلَا) يَلْزَمُ رَبَّ الدَّيْنِ احْتِيَالٌ (عَلَى ذِي شَوْكَةٍ) ؛ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ بَيْعٍ) كَأَنْ بَانَ مَبِيعٌ مُسْتَحَقًّا أَوْ حُرًّا (وَقَدْ أُحِيلَ بَائِعُ) الثَّمَنَ، أَيْ: أَحَالَهُ مُشْتَرِيهِ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ دَيْنٌ مُمَاثِلٌ لَهُ؛ بَطَلَتْ، (أَوْ أَحَالَ) بَائِعٌ مَدِينًا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي (بِالثَّمَنِ؛ بَطَلَتْ) الْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنْ لَا ثَمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ، فَيَرْجِعُ مُشْتَرٍ عَلَى مَنْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى وَعَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ، لَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِبَقَاءِ الْحَقِّ عَلَى مَا كَانَ بَالِغًا الْحَوَالَةَ. وَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ (إنْ فُسِخَ) الْبَيْعُ بَعْدَ أَنْ أُحِيلَ بَائِعٌ أَوْ أَحَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ الْفَسْخُ؛ كَكَوْنِهِ (لِعَيْبٍ وَخِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ (وَإِقَالَةٍ) وَغَيْرِهَا، (وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ ثَمَنٌ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُقْبِضْهُ الْمُحْتَالُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَرْتَفِعْ مِنْ أَصْلِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ، وَلِمُشْتَرٍ الرُّجُوعُ فِيهِمَا؛ أَيْ: فِيمَا إذَا أُحِيلَ بَائِعٌ أَوْ أَحَالَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّ الْمُعَوَّضَ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِالْعِوَضِ - وَقَدْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ لِلُزُومِ الْحَوَالَةِ - فَوَجَبَ فِي بَدَلِهِ. (وَكَذَا نِكَاحٌ فُسِخَ) - وَقَدْ أُحِيلَتْ الزَّوْجَةُ بِالْمَهْرِ - (وَإِجَارَةٌ) فُسِخَتْ وَقَدْ أُحِيلَ مُؤَجِّرٌ أَوْ أَحَالَ بِأُجْرَةٍ - فَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ. (وَلِبَائِعٍ) أُحِيلَ بِثَمَنٍ، ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ؛ (أَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِيَ) بِالثَّمَنِ الَّذِي عَادَ إلَيْهِ بِالْفَسْخِ (عَلَى مَنْ أَحَالَهُ) الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى) ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي أَحَالَ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ لِثُبُوتِ دَيْنِهِ عَلَى مَنْ أَحَالَهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ؛ أَشْبَهَ سَائِرَ الدُّيُونِ الْمُسْتَقِرَّةِ. (وَلِمُشْتَرٍ أَنْ يُحِيلَ مُحَالًا عَلَيْهِ) مِنْ قِبَلِ بَائِعٍ (عَلَى بَائِعٍ فِي) الْمَسْأَلَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 (الثَّانِيَةُ) : [وَهِيَ] مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ أَحَالَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ؛ لِاسْتِقْرَارِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ؛ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيُعْتَبَرُ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ) الْمَذْكُورِ (ثُبُوتُهُ) ؛ أَيْ: الْبُطْلَانِ (بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ حُرًّا، (أَوْ اتِّفَاقِهِمْ) ؛ أَيْ: الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ وَالْمُحْتَالِ عَلَى حُرِّيَّتِهِ، (فَلَوْ اتَّفَقَ الْبَائِعَانِ عَلَى حُرِّيَّةِ بَيْعٍ، وَكَذَّبَهُمَا مُحْتَالٌ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ حَقَّهُ (أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدَ الْمَذْكُورَ (مُشْتَرِيهِ لِثَانٍ، ثُمَّ اعْتَرَفَ هُوَ) ؛ أَيْ: مُشْتَرِيهِ الَّذِي بَاعَهُ لِثَانٍ (وَبَائِعُهُ) الْأَوَّلُ (بِحُرِّيَّتِهِ؛ فَلَا يُقْبَلُ) قَوْلُهُمَا (عَلَى) الْمُشْتَرِي (الثَّانِي، وَإِنْ أَقَامَا) ؛ أَيْ: الْمُحِيلُ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ (بَيِّنَةً بِحُرِّيَّتِهِ؛ لَمْ تُسْمَعْ) بَيِّنَتُهُمَا؛ (لِأَنَّهُمَا كَذَّبَاهَا بِدُخُولِهِمَا فِي التَّبَايُعِ، وَإِنْ أَقَامَهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةَ (الْعَبْدُ أَوْ شَهِدَتْ) بِحُرِّيَّتِهِ (حِسْبَةٌ) لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْعَبْدِ اسْتِشْهَادَهَا؛ (قُبِلَتْ) الْبَيِّنَةُ؛ لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُهَا، (وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ) ؛ لِأَنَّ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ ظَهَرَ أَنْ لَا ثَمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالْحَوَالَةُ فَرْعٌ عَلَى سَلَامَةِ الثَّمَنِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) فِي عَدَمِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ (كُلُّ بَائِعٍ ادَّعَى عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ مَا بَاعَهُ، وَ) قَدْ كَانَ (اعْتَرَفَ بِمِلْكِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ وَقْتَ الْعَقْدِ؛ (كَبَائِعِ دَارٍ) عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ، ثُمَّ (ادَّعَى وَقْفَهَا) وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً؛ (فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) ؛ لِتَكْذِيبِهِ لَهَا بِاعْتِرَافِهِ بِمِلْكِيَّةِ الدَّارِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ إنْ) بَاعَ الدَّارَ عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ، ثُمَّ (ادَّعَى) أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ وَقْفًا، لَكِنَّهُ حَصَلَ لَهُ (نَحْوُ ذُهُولٍ) عَنْ كَوْنِهَا وَقْفًا (وَنِسْيَانٍ) لِوَقْفِيَّتِهَا، (فَشَهِدَتْ) الْبَيِّنَةُ (بِهِ) ؛ أَيْ: الْوَقْفِ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ؛ (قُبِلَتْ) بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي تَكْذِيبَهَا، وَالذُّهُولُ وَالنِّسْيَانُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَالْخَطَإِ؛ لِلْخَبَرِ، وَهَذَا أَيْضًا لَوْلَا إطْلَاقُهُمْ لَكَانَ مُتَّجِهًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 (وَإِنْ صَدَّقَهُمَا) ؛ أَيْ: الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِيَ (مُحْتَالٌ) عَلَى حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ (وَادَّعَاهَا) ؛ أَيْ: ادَّعَى أَنْ الْحَوَالَةَ (بِغَيْرِ ثَمَنِ الْعَبْدِ) الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَى حُرِّيَّتِهِ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُهُ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي سَلَامَةَ الْعَقْدِ وَهِيَ الْأَصْلُ (حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا) ؛ أَيْ: لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِثَمَنِ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَتْ؛ عَمِلَ بِهَا، (وَإِنْ اتَّفَقَ مُحِيلٌ وَمُحْتَالٌ عَلَى حُرِّيَّتِهِ) ؛ أَيْ؛ الْعَبْدِ، (وَكَذَّبَهُمَا مُحَالٌ عَلَيْهِ؛ لَمْ يُقْبَلَا) ؛ أَيْ: قَوْلَاهُمَا (عَلَيْهِ فِي الْحُرِّيَّةِ) ؛ أَيْ: حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِمَا، (وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ؛ لِاعْتِرَافِ مُحْتَالٍ بِعَدَمِ الدَّيْنِ) وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ يَعْتَرِفُ لِلْمُحْتَالِ بِدَيْنٍ لَا يُصَدِّقُهُ الْمُحْتَالُ فِيهِ، فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا (وَإِنْ اعْتَرَفَ مُحَالٌ عَلَيْهِ وَمُحْتَالٌ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ؛ عَتَقَ) الْعَبْدُ؛ (لِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا) مُؤَاخَذَةً إلَيْهِمَا بِحُكْمِ إقْرَارِهِمَا. (وَلَا يَرْجِعُ مُحْتَالٌ عَلَى مُحِيلٍ لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَتِهِ) بِدُخُولِهِ مَعَهُ فِي الْحَوَالَةِ. [فَرْعٌ اتَّفَقَ رَبُّ دَيْنٍ وَمَدِينٍ عَلَى قَوْلِ مَدِينٍ لِرَبِّ دَيْنٍ أَحَلْتُكَ عَلَى فُلَانٍ] (فُرُوعٌ: لَوْ اتَّفَقَا) ؛ أَيْ: رَبُّ دَيْنٍ وَمَدِينٍ (عَلَى) قَوْلِ مَدِينٍ لِرَبِّ دَيْنٍ: (أَحَلْتُك) عَلَى فُلَانٍ، (أَوْ) عَلَى قَوْلِهِ: (أَحَلْتُك بِدَيْنِي) عَلَى فُلَانٍ، (وَادَّعَى أَحَدُهُمَا إرَادَةَ الْوَكَالَةِ) ، وَادَّعَى الْآخَرُ إرَادَةَ الْحَوَالَةِ؛ (صُدِّقَ) مُدَّعٍ إرَادَةَ الْوَكَالَةِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الدَّيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَمُدَّعِي الْحَوَالَةِ يَدَّعِي نَقْلَهُ، وَمُدَّعِي الْوَكَالَةِ يُنْكِرُهُ، وَلَا مَوْضِعَ لِلْبَيِّنَةِ هُنَا؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي النِّيَّةِ، (وَ) إنْ اتَّفَقَا (عَلَى) قَوْلِ مَدِينٍ لِرَبِّ دَيْنٍ: (أَحَلْتُك بِدَيْنِكَ) ، وَادَّعَى أَحَدُهُمَا إرَادَةَ الْحَوَالَةِ، وَالْآخَرُ إرَادَةَ الْوَكَالَةِ؛ (فَقَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ) ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِدَيْنِهِ لَا تَحْتَمِلُ الْوَكَالَةَ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِيهَا. (وَلَوْ قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو: أَحَلْتنِي بِدَيْنِي عَلَى بَكْرٍ) ، وَاخْتَلَفَا هَلْ جَرَى بَيْنَهُمَا لَفْظُ الْحَوَالَةِ أَوْ الْوَكَالَةِ؛ بِأَنْ قَالَ زَيْدٌ: أَحَلْتَنِي بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، (فَقَالَ عَمْرٌو: بَلْ وَكَّلْتُكَ) بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ؛ عُمِلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي اللَّفْظِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ؛ (صُدِّقَ عَمْرو) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَقَاءَ الْحَقِّ عَلَى مَا كَانَ، وَهُوَ الْأَصْلُ، (فَلَا يَقْبِضُ زَيْدٌ مِنْ بَكْرٍ لِعَزْلِهِ) نَفْسَهُ (بِالْإِنْكَارِ) لِلْوَكَالَةِ، (وَمَا قَبَضَهُ) زَيْدٌ مِنْ بَكْرٍ قَبْلَ ذَلِكَ وَالْمَقْبُوضُ قَائِمٌ لَمْ يَتْلَفْ؛ (فَلِعَمْرٍو أَخْذُهُ) مِنْ زَيْدٍ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِيهِ، (وَلِزَيْدٍ طَلَبُ عَمْرٍو بِدَيْنِهِ) عَلَيْهِ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِبَقَائِهِ فِي ذِمَّتِهِ بِإِنْكَارِهِ الْحَوَالَةَ (وَالتَّالِفُ بِيَدِ زَيْدٍ) سَوَاءٌ كَانَ (بِتَفْرِيطٍ أَوْ لَا؛ يَبْرَأُ بِهِ كُلٌّ) مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو (مِنْ صَاحِبِهِ) ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، صَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " " وَالْفُرُوعِ " (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) حَيْثُ قَالَ: وَالتَّالِفُ مِنْ عَمْرٍو لِزَيْدٍ طَلَبُهُ بِدَيْنِهِ. . (وَلَوْ قَالَ عَمْرٌو) لِزَيْدٍ مَثَلًا: (أَحَلْتُك) بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، (وَقَالَ زَيْدٌ: وَكَّلْتَنِي) فِي قَبْضِهِ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ - وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا - (صُدِّقَ زَيْدٌ) بِيَمِينِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: زَيْدٌ (الْقَبْضُ) ؛ لِأَنَّهُ إمَّا وَكِيلٌ أَوْ مُحْتَالٌ (ثُمَّ لَا يُخْفِي الْحُكْمَ) ، فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَالِهِ عَلَى عَمْرٍو فَأَقَلَّ قَبْلَ أَخْذِ دَيْنِهِ؛ فَلَهُ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ؛ لِقَوْلِ عَمْرٍو: هُوَ لَكَ، وَقَوْلِ زَيْدٍ: هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِي، وَلِي مِثْلُهُ عَلَى عَمْرٍو، فَإِذَا أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ؛ حَصَلَ غَرَضُهُ، وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ قَبَضَهُ وَأَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِتَفْرِيطِهِ؛ سَقَطَ حَقُّهُ، وَبِلَا تَفْرِيطٍ؛ فَالتَّالِفُ مِنْ عَمْرٍو، وَلِزَيْدٍ طَلَبُهُ بِحَقِّهِ، وَلَيْسَ لِعَمْرٍو الرُّجُوعُ عَلَى بَكْرٍ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَتِهِ. (وَالْحَوَالَةُ) مِنْ مَدِينٍ (عَلَى مَالِهِ فِي الدِّيوَانِ أَوْ) مِنْ (النَّاظِرِ لِلْمُسْتَحِقِّ) عَلَى مَالِهِ فِي الْوَقْفِ (إذْنٌ) لَهُ (فِي الِاسْتِيفَاءِ) فَقَطْ، لَا حَوَالَةٌ حَقِيقَةٌ؛ (لِأَنَّ الْحَوَالَةَ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى ذِمَّةٍ) ؛ فَلَا تَصِحُّ بِمَالِ الْوَقْفِ، وَلَا عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 (فَلِلْمُحْتَالِ) بِذَلِكَ (طَلَبُ مُحِيلِهِ) بِحَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ بِوَفَاءٍ وَلَا إبْرَاءٍ وَلَا حَوَالَةٍ صَحِيحَةٍ. (وَإِحَالَةُ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ) شَخْصًا (مَنْ دَيْنُهُ عَلَيْهِ وَكَالَةٌ لَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ) - وَلَوْ جَرَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ - إذْ لَيْسَ فِيهَا تَحْوِيلُ حَقٍّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ، وَإِنَّمَا جَازَتْ الْوَكَالَةُ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْوَكِيلِ مُطَالَبَةَ مَنْ عَلَيْهِ؛ الدَّيْنُ كَاسْتِحْقَاقِ الْمُحْتَالِ مُطَالَبَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَتَثْبُتُ فِيهَا أَحْكَامُ الْوَكَالَةِ مِنْ عَزْلِ الْوَكِيلِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَعَزْلِهِ وَنَحْوِهِ. (وَ) إحَالَةُ (مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَلَى مِثْلِهِ) ؛ أَيْ: مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ (وَكَالَةٌ فِي اقْتِرَاضٍ، وَكَذَا) إحَالَةُ (مَدِينٍ عَلَى بَرِيءٍ) وَكَالَةٌ فِي اقْتِرَاضٍ (فَلَا يُصَارِفُهُ) الْمُحْتَالُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ وَكَالَةٌ فِي الِاقْتِرَاضِ لَا فِي الْمُصَارَفَةِ، فَإِنْ قَبَضَ الْمُحْتَالُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ؛ رَجَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ إذَنْ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَا دَفَعَهُ عَنْهُ لِلْمُحْتَالِ؛ لِأَنَّهُ قَرَضَ وَلَمْ يَتَبَرَّعْ، وَإِنْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ مِنْهُ؛ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ؛ لِأَنَّهَا بَرَاءَةٌ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَبَضَ الْمُحْتَالُ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ؛ مَلَكَهُ، وَرَجَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَا دَفَعَهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ، وَهِبَةُ الْمُحْتَالِ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُ نَافِعَةٍ. [بَابُ الصُّلْحِ] (بَابُ الصُّلْحِ) (الصُّلْحُ) : لُغَةً (التَّوْفِيقُ وَالسَّلْمُ) - بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا -؛ أَيْ: قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ، (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الصُّلْحُ (مِنْ أَكْبَرِ الْعُقُودِ فَائِدَةً) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الِائْتِلَافِ، بَعْدَ الِاخْتِلَافِ وَقَطْعِ النِّزَاعِ وَالشِّقَاقِ، (وَلِذَلِكَ حَسُنَ) ؛ أَيْ: أُبِيحَ (فِيهِ الْكَذِبُ) كَمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ مُوَضَّحًا. وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] . وَلِحَدِيثِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ:. أَحَدُهَا (يَكُونُ بَيْنَ مُسْلِمِينَ وَأَهْلِ حَرْبٍ) لِعَقْدِ الذِّمَّةِ أَوْ الْهُدْنَةِ أَوْ الْأَمَانِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ. (وَ) الثَّانِي (بَيْنَ أَهْلِ عَدْلٍ وَ) أَهْلِ (بَغْيٍ) وَيَأْتِي فِي قِتَالِ أَهْل الْبَغْيِ. (وَ) الثَّالِثُ (بَيْنَ زَوْجَيْنِ خِيفَ شِقَاقٌ بَيْنَهُمَا أَوْ خَافَتْ) الزَّوْجَةُ (إعْرَاضَهُ) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ عَنْهَا. وَيَأْتِي فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ. (وَ) الرَّابِعُ (بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ فِي غَيْرِ مَالٍ) وَالْخَامِسُ بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ فِيهِ. وَ (هُوَ) ؛ أَيْ: الصُّلْحُ (فِيهِ) ؛ أَيْ: الْمَالِ شَرْعًا (مُعَاقَدَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مُوَافَقَةٍ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ) فِيهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، (وَلَا يَقَعُ) هَذَا الصُّلْحُ (غَالِبًا إلَّا بِأَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُدَارَةِ) مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ؛ (لِبُلُوغِ) بَعْضِ (الْغَرَضِ وَهُوَ) أَيْ: الصُّلْحُ عَلَى مَالٍ (قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا) صُلْحٌ (عَلَى إقْرَارٍ وَهُوَ) ؛ أَيْ: الصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ (نَوْعَانِ: نَوْعٌ) يَقَعُ (عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ، مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ (أَوْ) ؛ أَيْ: لِمَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ (بِدَيْنٍ) مَعْلُومٍ، (أَوْ) يُقِرُّ لَهُ (بِعَيْنٍ) بِيَدِهِ، (فَيَضَعُ) الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْمُقِرِّ بَعْضَ الدَّيْنِ كَنِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ، (أَوْ يَهَبُ) لَهُ (الْبَعْضَ) مِنْ الْعَيْنِ الْمُقَرِّ بِهَا، (وَيَأْخُذُ) الْمُقَرُّ لَهُ (الْبَاقِيَ) مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ؛ (فَيَصِحُّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَائِزَ التَّصَرُّفِ لَا يُمْنَعُ مِنْ إسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ أَوْ هِبَتِهِ، كَمَا لَا يُمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ، «وَقَدْ كُلِّمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غُرَمَاءُ جَابِرٍ لِيَضَعُوا عَنْهُ» ، وَقَضِيَّةُ كَعْبٍ مَعَ أَبِي حَدْرَدٍ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ. وَ (لَا) يَصِحُّ (بِلَفْظِ الصُّلْحِ) ؛ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ (أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 الْبَاقِيَ) وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّرْطَ كَعَلَيَّ أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا مِنْهُ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِمَا يَأْتِي فِي الْهِبَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا وَلَا تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ وَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ، فَكَأَنَّهُ عَاوَضَ بِبَعْضِ حَقِّهِ عَنْ بَعْضٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَلْحُوظٌ فِي لَفْظِ الصُّلْحِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لَفْظٍ يَتَعَدَّى بِهِ كَالْبَاءِ وَعَلَى، وَهُوَ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ، وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَالشَّرْطِ؛ فَلِرَبِّ الْحَقِّ الْمُطَالَبَةُ بِجَمِيعِهِ بَعْدَ وُقُوعِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّهِ، (أَوْ يَمْنَعُهُ) ؛ أَيْ: يَمْنَعُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ رَبَّهُ (حَقَّهُ بِدُونِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ) ، فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ فَإِنْ أَعْطَاهُ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ؛ صَحَّ. (وَلَا) يَصِحُّ الصُّلْحُ بِأَنْوَاعِهِ (مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ؛ كَمُكَاتَبٍ وَ) قِنٍّ (مَأْذُونٍ) لَهُ فِي التِّجَارَةِ (وَوَلِيٍّ) نَحْوُ صَغِيرٍ وَسَفِيهٍ (وَنَاظِرِ) وَقْفٍ وَوَكِيلٍ فِي اسْتِيفَاءِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ (إلَّا إنْ أَنْكَرَ الْخَصْمُ) - وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ - (وَلَا بَيِّنَةَ) لِمُدَّعِيهِ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْبَعْضِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ أَوْلَى مِنْ التَّرْكِ . (وَيَصِحُّ) مِنْ وَلِيِّ الصُّلْحِ وَيَجُوزُ (عَمَّا اُدُّعِيَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - بِهِ (عَلَيْهِمْ) ؛ أَيْ؛ عَلَى مُوَلِّيهِ مِنْ صَغِيرٍ وَسَفِيهٍ وَقِنٍّ تَحْتَ نِظَارَتِهِ، (وَبِهِ بَيِّنَةٌ) ، فَيَدْفَعُ الْبَعْضَ وَيَقَعُ الْإِبْرَاءُ أَوْ الْهِبَةُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يُصَالِحْ عَنْهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلِمَهُ الْوَلِيُّ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ كَانَ الْمُدَّعِي شِرِّيرًا يُخْشَى) أَذَاهُ؛ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ حِينَئِذٍ مِنْ وَلِيٍّ عَمَّا ادَّعَى بِهِ عَلَى مُوَلِّيهِ - وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بِهِ بَيِّنَةٌ - دَرْءًا لَلْمَفْسَدَةِ، وَمَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 (وَلَا يَصِحُّ) الصُّلْحُ (عَنْ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ بِبَعْضِهِ) ؛ أَيْ: الْمُؤَجَّلِ (حَالًا) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمَحْطُوطَ عِوَضٌ عَنْ التَّعْجِيلِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحُلُولِ وَالْأَجَلِ (إلَّا فِي) دَيْنِ (كِتَابَةٍ) إذَا عَجَّلَ مُكَاتَبٌ لِسَيِّدِهِ بَعْضَ مَالِ كِتَابَتِهِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الرِّبَا لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ، (وَإِنْ وَضَعَ) رَبُّ دَيْنٍ (بَعْضَ) دَيْنٍ (حَالٍّ، وَأَجَّلَ بَاقِيَهُ؛ صَحَّ الْوَضْعُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ تَأْجِيلٍ كَمَا لَوْ وَضَعَهُ كُلَّهُ، وَ (لَا) يَصِحُّ (التَّأْجِيلُ) ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ لَا يَتَأَجَّلُ؛ وَلِأَنَّهُ وَعْدٌ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَةٍ صِحَاحٍ بِخَمْسِينَ مُكَسَّرَةٍ؛ فَهُوَ إبْرَاءٌ مِنْ الْخَمْسِينَ وَوَعْدٌ فِي الْأُخْرَى، فَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ. (وَلَا يَصِحُّ) صُلْحٌ (عَنْ حَقٍّ كَدِيَةٍ خَطَإٍ) عَمْدًا، وَعَمْدٍ لَا قَوْدَ فِيهِ كَجَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ (أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ غَيْرِ مِثْلِيٍّ) ؛ كَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ (بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ) لِمُصَالِحٍ عَنْهُ (مِنْ جِنْسِهِ) ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَالْقِيمَةَ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِقَدْرِهِ، وَالزَّائِدُ لَا مُقَابِلَ لَهُ، فَيَكُونُ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ؛ كَالثَّابِتِ عَنْ قَرْضٍ (وَيَصِحُّ) الصُّلْحُ (عَنْ مُتْلَفٍ مِثْلِيٍّ) ؛ كَبُرٍّ (بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ) مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ. (وَ) يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ حَقٍّ كَدِيَةٍ خَطَإٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَعَنْ مِثْلِيٍّ (بِعِوَضٍ قِيمَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةٍ أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ) أَوْ مِثْلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا رِبَا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ؛ فَصَحَّ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِدِرْهَمٍ. (وَلَوْ) (صَالَحَهُ عَنْ بَيْتٍ) ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ، (وَأَقَرَّ لَهُ بِهِ عَلَى بَعْضِهِ) ؛ أَيْ: الْبَيْتِ (أَوْ) عَلَى (سُكْنَاهُ) ؛ أَيْ: سُكْنَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْتَ (مُدَّةً) مَعْلُومَةً؛ كَسَنَةِ كَذَا أَوْ مَجْهُولَةً كَمَا عَاشَ، (أَوْ عَلَى بِنَاءِ غُرْفَةٍ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَوْقَهُ) أَيْ: الْبَيْتِ، لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَهُ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى مِلْكِهِ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةِ مِلْكِهِ. (أَوْ ادَّعَى) مُكَلَّفٌ (رِقَّ مُكَلَّفٍ أَوْ) ادَّعَى (زَوْجِيَّةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 مُكَلَّفَةً فَأَقَرَّ) أَيْ: الْمُدَّعِي رِقَّهُ وَالْمُدَّعِي زَوْجِيَّتَهَا (لَهُ) أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَى الرِّقِّ الزَّوْجِيَّةَ (بِعِوَضٍ مِنْهُ) أَيْ: الْمُدَّعِي؛ (لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ وَالْإِقْرَارُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: [ «إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا» . لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الرِّقَّ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِرَقِيقٍ وَالزَّوْجِيَّةَ عَلَى] مَنْ لَمْ يَنْكِحْهَا، وَلَوْ أَرَادَ الْحُرُّ بَيْعَ نَفْسِهِ أَوْ الْمَرْأَةُ بَذْلَ نَفْسِهَا؛ لَمْ يَجُزْ (وَيَرْجِعُ) الْمُقَرُّ لَهُ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى الْمُقِرِّ (بِأُجْرَةِ سُكْنَاهُ) فِي الْبَيْتِ، أَوْ بِأُجْرَةِ مَا كَانَ فِي يَدِهِ بَعْضُهُ (إنْ اعْتَقَدَ) الْمُقَرُّ لَهُ (وُجُوبَهُ) ؛ أَيْ: مَا ذَكَرَ مِنْ السُّكْنَى أَوْ بَعْضِ الْبَيْتِ أَوْ الْبِنَاءِ (عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، (وَإِلَّا) يَعْتَقِدُ الْمُقَرُّ لَهُ وُجُوبَ ذَلِكَ؛ (فَلَا) يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، (وَيُجْبَرُ) الْمُقِرُّ (عَلَى نَقْضِ غُرْفَتِهِ) الَّتِي بَنَاهَا؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيُجْبَرُ أَيْضًا عَلَى (أَدَاءِ أُجْرَةِ السَّطْحِ) مُدَّةَ مَقَامِهِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ بِيَدِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، (وَيَأْخُذُ) الْمُقِرُّ (آلَتَهُ) الَّتِي بَنَى بِهَا الْغَرْفَةَ، لِبَقَائِهَا فِي مِلْكِهِ. (وَإِنْ بَذَلَا) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعُبُودِيَّةَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهَا الزَّوْجِيَّةَ (مَالًا) (صُلْحًا عَنْ دَعْوَاهُ) ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ عَنْ دَعْوَاهُ الرِّقَّ أَوْ النِّكَاحَ، وَالدَّافِعُ يَقْطَعُ بِهِ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ؛ فَجَازَ كَعِوَضِ الْخُلْعِ، لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَى الْآخِذِ إنْ عَلِمَ كَذِبَ نَفْسِهِ لِأَخْذِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، (أَوْ بَذَلَتْ) امْرَأَةٌ مَالًا (لِمُبِينِهَا لِيُقِرَّ) لَهَا (بِبَيْنُونَتِهَا؛ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهَا (فَإِنْ ثَبَتَتْ الزَّوْجِيَّةُ فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى) ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ دَعْوَاهُ الزَّوْجِيَّةَ (بَعْدَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: بَعْدَ أَنْ دَفَعَتْ لَهُ الْعِوَضَ صُلْحًا عَنْ دَعْوَاهُ الزَّوْجِيَّةَ (بِإِقْرَارِهَا أَوْ بَيِّنَةٍ؛ فَالنِّكَاحُ) بَاقٍ (بِحَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ طَلَاقٌ وَلَا خُلْعٌ (وَيَتَّجِهُ وَفِي) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهِيَ دَعْوَاهَا أَنَّهُ أَبَانَهَا، وَأَنْكَرَ فَدَفَعَتْ لَهُ مَالًا لِيُقِرَّ لَهَا بِالْبَيْنُونَةِ، فَأَقَرَّ بِهَا (لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ) بِالزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِالْبَيْنُونَةِ، [وَلَا] يُسْمَعُ مِنْهَا (إقْرَارٌ) بِهَا كَذَلِكَ لِسَبْقِ إقْرَارِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 الزَّوْجِ بِبَيْنُونَةِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ. (بَلْ إنْ وَافَقَهَا) ؛ أَيْ: شَهَادَةَ الْبَيِّنَةِ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، وَكَانَ الزَّوْجُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْبَيْنُونَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَصَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى ذَلِكَ (دِينَا) فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يُقْبَلْ حُكْمًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . (وَلَمْ يُمْكِنْ مَا أَخَذَهُ) الزَّوْجُ مِنْ الْعِوَضِ (صُلْحًا) عَنْ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ فِي الْأُولَى (خُلْعًا) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْذُلْهُ فِي مُقَابَلَةِ إبَانَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْتَرِفْ بِالزَّوْجِيَّةِ حَتَّى تَطْلُبَ الْإِبَانَةَ، (وَلَوْ أَبَانَهَا) بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ أَوْ أَقَلَّ (فَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ لِتَتْرُكَ دَعْوَاهَا) الطَّلَاقَ؛ (لَمْ يَجُزْ) الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ يُحِلُّ حَرَامًا. (وَ) مَنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ: (أَقِرَّ لِي بِدَيْنِي، وَأُعْطِيكَ) مِنْهُ مِائَةً، (أَوْ) أَقِرَّ لِي بِدَيْنِي، وَ (خُذْ مِنْهُ مِائَةً) مَثَلًا؛ (فَفَعَلَ) أَيْ: أَقَرَّ؛ (لَزِمَهُ) أَيْ: الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ، (وَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ) ؛ لِوُجُوبِ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ، فَلَمْ يُبَحْ لَهُ الْعِوَضُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ. (النَّوْعُ الثَّانِي) مَنْ قِسْمِ الصُّلْحِ عَلَى إقْرَارِ أَنْ يُصَالِحَ (عَلَى غَيْرِ جِنْسِهِ) ؛ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، (وَهُوَ بَيْعٌ يَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ) ؛ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَنْ الشَّيْءِ بِبَعْضِهِ مَمْنُوعَةٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: فَالصُّلْحُ (بِنَقْدٍ عَنْ نَقْدٍ) ؛ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدِينَارٍ، فَصَالَحَهُ عَنْهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا (صَرْفٌ) يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِقَمْحٍ وَعَوَّضَهُ عَنْهُ شَعِيرًا أَوْ نَحْوَهُ، مِمَّا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً (وَ) الصُّلْحُ عَنْ نَقْدٍ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 بِدِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَنْهُ (بِعِوَضٍ) ؛ كَثَوْبٍ بِيعَ، (أَوْ) صَالَحَهُ (عَنْهُ) ؛ أَيْ: عَنْ عِوَضٍ أَقَرَّ لَهُ بِهِ؛ كَفَرَسٍ (بِنَقْدِ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةِ بَيْعٍ، (أَوْ) صَالَحَهُ عَنْ عِوَضٍ كَثَوْبٍ (بِعِوَضِ بَيْعٍ) تُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطُهُ، كَالْعِلْمِ بِهِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ رِبَا، (فَلَوْ ادَّعَى زَرْعًا فَصُولِحَ عَلَى دَرَاهِمَ؛ جَازَ ذَلِكَ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ عَلَى مَا مَرَّ) مِنْ كَوْنِهِ بَعْدَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ. (وَ) الصُّلْحُ عَنْهُ أَوْ عِوَضٌ مُقَرٌّ بِهِ (بِمَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى) دَارٍ (وَخِدْمَةِ) عَبْدٍ (مُعَيِّنِينَ إجَارَةً) ، فَيَعْتَبِرُ لَهُ شُرُوطَهَا، (وَتَبْطُلُ بِتَلَفِ دَارٍ أَوْ مَوْتِ عَبْدٍ) ؛ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ، وَ (لَا) تَبْطُلُ بِعِتْقِهِ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ هِبَتِهِ أَوْ بَيْعِ الدَّارِ، (فَإِنْ كَانَ) التَّلَفُ (قَبْلَ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ) ؛ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَ (رَجَعَ بِمَا صَالَحَ عَنْهُ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، (وَ) إنْ كَانَ التَّلَفُ (بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِهَا) ؛ أَيْ: بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ؛ انْفَسَخَتْ فِيمَا بَقِيَ، وَ (يَرْجِعُ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ) مِنْ الْمُدَّةِ. (وَ) الصُّلْحُ (عَنْ دَيْنٍ يَصِحُّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِأَقَلَّ) مِنْهُ (وَأَكْثَرَ) مِنْهُ وَمُسَاوٍ لَهُ، وَ (لَا) يَصِحُّ صُلْحٌ عَنْ حَقٍّ (بِجِنْسِهِ) كَعَنْ بُرٍّ بِبُرٍّ (أَوْ أَقَلَّ) مِنْهُ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْهُ (عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ) ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى رِبَا الْفَضْلِ، (لَا) عَلَى وَجْهِ (الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ) ، فَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ عَلَى وَجْهِ الْإِبْرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ؛ صَحَّ لَا بِلَفْظِ الصُّلْحِ. (وَ) الصُّلْحُ عَنْ دَيْنٍ (بِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ) كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ دِينَارٍ فِي ذِمَّةٍ بِإِرْدَبِّ قَمْحٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي الذِّمَّةِ؛ يَصِحُّ، (وَيَحْرُمُ تَفَرُّقٌ قَبْلَ قَبْضٍ؛ لِأَنَّهُ) يَصِيرُ (بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ) ، وَهُوَ حَرَامٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ صَالَحَهُ) ؛ أَيْ: صَالَحَ الْمُقِرُّ الْمُقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ (لِيُزَوِّجَهُ أَمَتَهُ، وَحَلَّ لَهُ) ؛ أَيْ: لِلْمُقَرِّ لَهُ (نِكَاحُهَا) ، كَكَوْنِهِ عَادِمَ الطَّوْلِ خَائِفَ الْعَنَتِ؛ (صَحَّ) الصُّلْحُ، (وَكَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ (صَدَاقَهَا) ؛ لِأَنَّهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 جَعَلَاهُ نَظِيرَ تَزْوِيجِهَا، (فَإِنْ حَصَلَ فَسْخٌ مُسْقِطٌ لَهُ) ؛ أَيْ: الصَّدَاقِ، كَفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ؛ (رَجَعَ) الزَّوْجُ الْمُقَرُّ لَهُ (بِمُصَالِحٍ عَنْهُ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ؛ لِعَوْدِهِ إلَيْهِ بِالْفَسْخِ، (وَ) إنْ [حَصَلَ] فَسْخٌ (مُنَصَّفُ) ؛ كَأَنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ تَنَصَّفَ الصَّدَاقُ، وَرَجَعَ الزَّوْجُ (بِنِصْفِهِ) ؛ أَيْ: بِنِصْفِ مَا صَالَحَ عَنْهُ (وَ) إنْ حَصَلَ فَسْخٌ (بَعْدَ تَقَرُّرِهِ) ؛ أَيْ: الصَّدَاقِ؛ بِأَنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَنَحْوِهِ؛ (فَلَا) رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ؛ لِتَقَرُّرِ الصَّدَاقِ بِنَحْوِ الدُّخُولِ. (وَمَنْ صَالَحَتْ) عَنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ أَقَرَّتْ بِهِ (بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا) ؛ صَحَّ الصُّلْحُ وَالنِّكَاحُ (وَكَانَ مَا أَقَرَّتْ بِهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ صَدَاقَهَا) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ التَّزْوِيجِ يَقْتَضِي عِوَضًا، وَلَمْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهِ لِظُهُورِهِ. . (وَمَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ) ؛ أَيْ: صَالَحَ عَنْ عَيْبِ مَبِيعِهِ (بِشَيْءٍ) ؛ أَيْ: بِعَيْنٍ كَدِينَارٍ وَمَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى دَارٍ مُعَيَّنَةٍ؛ صَحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ عَيْبِ الْمَبِيعِ، وَ (رَجَعَ) الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي (بِهِ) ؛ أَيْ: بِمَا صَالَحَ بِهِ (إنْ بَانَ عَدَمُهُ) ؛ أَيْ: الْعَيْبِ، كَانْتِفَاخِ بَطْنِ أَمَةٍ ظَنَّ أَنَّهُ حَمْلٌ، فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ، (أَوْ زَالَ) الْعَيْبُ (سَرِيعًا عُرْفًا بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا عِلَاجٍ) ؛ لِظُهُورِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي لَهُ؛ لِعَدَمِ الْعَيْبِ فِي الْأُولَى وَزَوَالِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ. (وَتَرْجِعُ امْرَأَةٌ صَالَحَتْ عَنْهُ) ؛ أَيْ: عَنْ عَيْبٍ أَقَرَّتْ بِهِ فِي مَبِيعِهَا (بِتَزْوِيجِهَا) إنْ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ، وَتَبَيَّنَ عَدَمُ الْعَيْبِ؛ كَبَيَاضٍ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ الَّذِي بَاعَتْهُ ظَنَّتْهُ عَمًى، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ عَمًى، أَوْ زَالَ الْبَيَاضُ سَرِيعًا بِغَيْرِ كُلْفَةٍ وَعِلَاجٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ تَعْطِيلُ نَفْعٍ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ (بِأَرْشِهِ) عَلَى الزَّوْجِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ أَصْدَقَهَا الَّذِي رَضِيَتْ بِهِ؛ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَبَانَ حُرًّا وَنَحْوُهُ، وَ (لَا) تَرْجِعُ (بِمَهْرِ مِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّهُ مُسَمًّى لَهَا؛ (فَإِنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا بِمُقْسِطٍ لَهُ) ؛ أَيْ: الصَّدَاقِ؛ لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا كَفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ؛ (رَجَعَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 الزَّوْجُ (عَلَيْهَا بِأَرْشِهِ) ؛ أَيْ: الْعَيْبِ، وَهُوَ قِسْطُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَعِيبًا مِنْ ثَمَنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ صَدَاقُهَا. (وَلَوْ صَالَحَ وَرَثَةً مَنْ وَصَّى لَهُ) مِنْ قِبَلِ مُوَرِّثِهِمْ (بِخِدْمَةِ) رَقِيقٍ مِنْ التَّرِكَةِ، (أَوْ سُكْنَى) دَارٍ مُعَيَّنَةٍ (أَوْ حَمْلِ أَمَةٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ) كَدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ؛ (جَازَ ذَلِكَ صُلْحًا) ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ، فَيَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ لِلْحَاجَةِ، (لَا بَيْعًا) ؛ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ. (وَيَصِحُّ) (الصُّلْحُ عَمَّا) ؛ أَيْ: مَجْهُولٍ لَهُمَا أَوْ لِلْمَدِينِ (تَعَذَّرَ عِلْمُهُ مِنْ دَيْنٍ) ؛ كَمَنْ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ وَحِسَابٌ مَضَى عَلَيْهِ زَمَنٌ طَوِيلٌ، (أَوْ) تَعَذَّرَ عِلْمُهُ مِنْ (عَيْنٍ) ؛ كَقَفِيزِ حِنْطَةٍ وَقَفِيزِ شَعِيرٍ اُخْتُلِطَا وَطُحِنَا، (بِ) مَالٍ (مَعْلُومٍ نَقْدٍ) ؛ أَيْ: حَالٍّ (وَنَسِيئَةٍ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِرَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ بَيْنَهُمَا: «اسْتَهِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ، وَلْيَحْلِلْ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ؛ فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ لِلْحَاجَةِ؛ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ لَأَفْضَى إلَى ضَيَاعِ الْحَقِّ ، وَبَقَاءِ شَغْلِ الذِّمَّةِ؛ إذْ لَا طَرِيقَ إلَى التَّخَلُّصِ إلَّا بِهِ؛ (كَصُلْحِهَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَةِ (عَنْ صَدَاقِهَا) الَّذِي لَا بَيِّنَةَ لَهَا بِهِ، (وَلَا عِلْمَ لَهَا وَلَا وَارِثَ بِقَدْرِهِ، وَكَالرَّجُلَيْنِ) أَوْ الْمَرْأَتَيْنِ أَوْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ وَحِسَابٌ) قَدْ مَضَى عَلَيْهِ زَمَنٌ طَوِيلٌ (وَلَا عِلْمَ لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (بِمَا عَلَيْهِ لِصَاحِبِهِ، أَوْ لَا عِلْمَ لِمَنْ عَلَيْهِ) الدَّيْنُ؛ بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ لَا عِلْمَ لَهُ بِقَدْرِهِ، (وَلَوْ عَلِمَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ) ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِمَا يَدَّعِيهِ، (وَيَتَّجِهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَأْخُذَ) صَاحِبُ الْحَقِّ الْعَالِمُ بِهِ (أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِ) ، فَإِنْ أَخَذَ زِيَادَةً عَمَّا يَعْلَمُ؛ حُرِّمَ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ الصُّلْحُ بَاطِلًا فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ أَحَلَّ حَرَامًا، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ قِيَاسَهُ عَكْسُهُ) ؛ أَيْ: بِأَنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ يَعْلَمُ قَدْرَهُ، وَصَاحِبُ الْحَقِّ لَا يَعْلَمُ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ بِأَقَلَّ مِمَّا يَعْلَمُهُ؛ لِلْخَبَرِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بِمَجْهُولٍ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ وَاجِبٌ، وَالْجَهْلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 يَمْنَعُهُ، (فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ) الْمَجْهُولُ، بَلْ أَمْكَنَتْ مَعْرِفَتُهُ (فَكَبَرَاءَةٍ مِنْ مَجْهُولٍ تَصِحُّ فِي الدَّيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْهِبَةِ) . جَزَمَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَقَدْ نَزَّلَ أَصْحَابُنَا الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ الْمُقَرِّ بِهِ بِمَعْلُومٍ مَنْزِلَةَ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ؛ فَيَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَطْعِ النِّزَاعِ انْتَهَى. [ثُمَّ ذَكَرَ] مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ، فَقَالَ: (وَلَوْ صَالَحَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ عَنْ مِيرَاثِهِ) الَّذِي لَا يَعْرِفُ كَمِّيَّتَهُ (فِي تَرِكَةٍ مَوْجُودَةٍ لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهَا بِشَيْءٍ؛ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ) فِي ظَاهِرِ نُصُوصِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ "، وَقَطَعَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: إنْ صُولِحَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ ثَمَنِهَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ شُرَيْحٍ (وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعَيْنِ كَالدَّيْنِ حَيْثُ كَانَتْ) الْعَيْنُ (فِي يَدِ الْمُبْرَأِ) كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ، صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " " وَالْمُبْدِعِ " (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَ هُنَا: وَلَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ عَيْنٍ بِحَالٍ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ مَعْلُومَةً أَوْ مَجْهُولَةً بِيَدِ الْمُبْرِئِ أَوْ الْمُبْرَأِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّدَاقِ: إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَعَفَا الَّذِي لَيْسَ بِيَدِهِ؛ يَصِحُّ بِلَفْظِ الْعَفْوِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا. (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ قِسْمَيْ الصُّلْحِ فِي الْمَالِ الصُّلْحُ (عَلَى إنْكَارٍ، وَشَرْطُ صِحَّتِهِ) ؛ أَيْ: الصُّلْحِ عَلَى إنْكَارٍ (اعْتِقَادُ مُدَّعٍ حَقِيقَةَ مَا ادَّعَاهُ) عَلَى غَرِيمِهِ، (وَ) اعْتِقَادُ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَكْسَهُ) ؛ أَيْ: بُطْلَانَ جَمِيعِ مَا ادَّعَى بِهِ أَوْ بَعْضِهِ، بَيَانُ ذَلِكَ (بِأَنْ يَدَّعِيَ) شَخْصٌ عَلَى آخَرَ (عَيْنًا أَوْ دَيْنًا) فِي ذِمَّتِهِ، (فَيُنْكِرُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ يَسْكُتُ، وَهُوَ) أَيْ: الْمُدَّعِي (يَجْهَلُهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى بِهِ، (ثُمَّ يُصَالِحُهُ عَلَى نَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مُلْجَأٌ إلَى التَّأْخِيرِ بِتَأْخِيرِ خَصْمِهِ؛ (فَيَصِحُّ) الصُّلْحُ؛ لِلْخَبَرِ، لَا يُقَالُ: هَذَا يُحِلُّ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَحَلَّ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُوجَدُ فِي الصُّلْحِ بِمَعْنَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يُحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ قَبْلَهُ، وَكَذَا الصُّلْحُ بِمَعْنَى الْهِبَةِ؛ فَيُحِلُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ قَبْلَهَا، وَالْإِبْرَاءُ يُحِلُّ لَهُ تَرْكَ أَدَاءِ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَأَيْضًا لَوْ حَلَّ بِهِ الْمُحَرَّمَ لَكَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا، فَإِنَّ الصُّلْحَ الْفَاسِدَ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى تَحْرِيمِهِ؛ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى اسْتِرْقَاقِ حُرٍّ أَوْ إحْلَالِ بُضْعٍ مُحَرَّمٍ، أَوْ صَالَحَهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ صُلْحٌ يَصِحُّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ؛ فَصَحَّ مَعَ الْخَصْمِ؛ كَالصُّلْحِ مَعَ الْإِقْرَارِ. (وَيَكُونُ) الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارِ (إبْرَاءٍ فِي حَقِّهِ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِدَفْعِهِ الْمَالَ افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ، فِي مُقَابَلَةِ حَقٍّ ثَبَتَ عَلَيْهِ، فَلَا شُفْعَةَ فِي عَقَارِهِ) ؛ أَيْ: الْمُصَالَحِ عَنْهُ إنْ كَانَ شِقْصًا مِنْ عَقَارٍ، (وَلَا يَسْتَحِقُّ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (لِعَيْبٍ) وَجَدَهُ فِي مُصَالَحٍ عَنْهُ (شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَتِهِ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الصُّلْحِ فَلَا مُعَاوَضَةَ، (وَ) يَكُونُ الصُّلْحُ (بَيْعًا فِي حَقِّ مُدَّعٍ، فَلَهُ رَدُّ مَا أَخَذَهُ بِعَيْبٍ) يَجِدُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَمَّا ادَّعَاهُ، (وَفَسْخُ الصُّلْحِ) إنْ وَقَعَ عَلَى عَيْنِهِ، وَإِلَّا رَدَّهُ، وَطَالَبَهُ بِبَدَلِهِ، وَلَهُ الْأَرْشُ مَعَ الْإِمْسَاكِ. (وَثَبَتَ فِي) شِقْصٍ (مَشْفُوعٍ) صُولِحَ بِهِ (الشُّفْعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَمَّا ادَّعَاهُ؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِهِ (إلَّا إذَا صَالَحَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِيَ (بِبَعْضِ عَيْنٍ مُدَّعٍ بِهَا) ؛ كَمَنْ ادَّعَى نِصْفَ دَارٍ بِيَدِ آخَرَ، فَأَنْكَرَهُ، وَصَالَحَهُ عَلَى رُبْعِهَا، فَالْمُدَّعِي فِي الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ كَالْمُنْكِرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، (فَلَا) يُؤْخَذُ مِنْهُ بِشُفْعَةٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّ لِعَيْبٍ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَخَذَ بَعْضَ عَيْنِ مَالِهِ مُسْتَرْجِعًا لَهُ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ. (وَمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِ نَفْسِهِ) مِنْ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ؛ (فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ) ، أَمَّا الْمُدَّعِي فَلِأَنَّ الصُّلْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَاهُ الْبَاطِلَةِ، وَأَمَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَحْدِهِ حَقَّ الْمُدَّعِي لِيَأْكُلَ مَا يَنْتَقِصُهُ بِالْبَاطِلِ، (وَمَا أَخَذَهُ) مُدَّعٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 عَالِمٌ كَذِبَ نَفْسِهِ مِمَّا صُولِحَ بِهِ، أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ مِمَّا انْتَقَصَهُ مِنْ الْحَقِّ بِجَحْدِهِ؛ فَهُوَ (حَرَامٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَالَ الْغَيْرِ بِالْبَاطِلِ. (وَلَا يَشْهَدُ لَهُ إنْ عَلِمَ ظُلْمَهُ) نَصًّا، وَإِنْ صَالَحَ الْمُنْكِرُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ أَقَامَ مُدَّعٍ بَيِّنَةً أَنْ الْمُنْكِرَ أَقَرَّ قَبْلَ الصُّلْحِ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي؛ لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ شَهِدَتْ بِأَصْلِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَنْقُصْهُ الصُّلْحُ؛ لِاحْتِمَالِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ بَعْدَ إشْهَادِهَا بِمَا ذَكَرَ. (وَمَنْ قَالَ) لِآخَرَ: (صَالِحْنِي عَنْ الْمِلْكِ الَّذِي تَدَّعِيهِ، أَوْ) قَالَ لَهُ (بِعَيْنِهِ؛ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِهِ) ؛ أَيْ: بِالْمِلْكِ لِلْمَقُولِ لَهُ؛ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ صِيَانَةِ نَفْسِهِ عَنْ التَّبَذُّلِ وَحُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ أَوْ) قَالَ لَهُ: صَالِحْنِي عَنْ مِلْكِك الَّذِي تَدَّعِيهِ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ فِي مَحَلِّ الْمُشَاجَرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ لَوْ سَاعَدَتْهُ النُّصُوصُ. (وَإِنْ صَالَحَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مُتَنَكِّرٍ لِدَيْنٍ) بِإِذْنِهِ أَوْ بِدُونِهِ؛ صَحَّ؛ لِجَوَازِ قَضَائِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِفِعْلِ عَلِيٍّ وَأَبِي قَتَادَةَ، وَأَقَرَّهُمَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَتَقَدَّمَ، (أَوْ) صَالَحَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مُنْكِرٍ (لِعَيْنٍ بِإِذْنِهِ) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ اعْتَرَفَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُنْكِرِ أَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ؛ (صَحَّ) الصُّلْحُ (وَرَجَعَ) الْأَجْنَبِيُّ (بِالْأَقَلِّ) مِمَّا دَفَعَهُ أَوْ ادَّعَى بِهِ، أَمَّا مَعَ الْإِذْنِ فِي الْأَدَاءِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعَ الْإِذْنِ فِي الصُّلْحِ فَقَطْ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الصُّلْحِ فَإِذَا أَدَّى فَقَدْ أَدَّى وَاجِبًا عَنْهُ غَيْرُهُ مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، (وَ) إنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ (بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: إذْنِ الْمُنْكِرِ؛ (صَحَّ) الصُّلْحُ، (وَلَمْ يَرْجِعْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 الْأَجْنَبِيُّ بِشَيْءٍ مِمَّا صَالَحَ عَنْ الْمُنْكِرِ - وَلَوْ نَوَى الرُّجُوعَ - لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ، فَكَانَ مُتَبَرِّعًا كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ. (وَإِنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ) الْمُدَّعِيَ (لِنَفْسِهِ لِيَكُونَ الطَّلَبُ لَهُ) ؛ أَيْ: الْأَجْنَبِيِّ - وَقَدْ (أَنْكَرَ) الْأَجْنَبِيُّ (الدَّعْوَى -) ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْمُدَّعِي مَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ، وَلَمْ تَتَوَجَّهْ إلَيْهِ خُصُومَةٌ يَفْتَدِي مِنْهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ مِلْكَ غَيْرِهِ، (أَوْ لَا) ؛ أَيْ: وَلَمْ يُنْكِرْ الْأَجْنَبِيُّ (وَالْمُدَّعَى بِهِ دَيْنٌ) ؛ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، (أَوْ) الْمُدَّعَى بِهِ (عَيْنٌ) ، وَأَقَرَّ الْأَجْنَبِيُّ بِهَا، (وَعَلِمَ) الْأَجْنَبِيُّ (عَجْزَهُ عَنْ اسْتِنْقَاذِهَا) مِنْ مُدَّعًى عَلَيْهِ؛ (لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ؛ (لِأَنَّهُ) فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ (بَيْعُ دَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَ) فِي الْعَيْنِ بَيْعُ (مَغْصُوبٍ لِغَيْرِ قَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ) ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، بَعْضُهَا فِي الْبَيْعِ، وَبَعْضُهَا فِي السَّلَمِ، بَلْ مَسْأَلَةُ الدَّيْنِ تَكَرَّرَتْ فِيهِمَا، (وَإِنْ ظَنَّ) الْأَجْنَبِيُّ (الْقُدْرَةَ) عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ مَالِكٍ مِلْكَهُ الْقَادِرِ عَلَى أَخْذِهِ فِي اعْتِقَادِهِ، (أَوْ) ظَنَّ (عَدَمَهَا) ؛ أَيْ؛ الْقُدْرَةِ، (ثُمَّ تَبَيَّنَتْ) قُدْرَتُهُ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا؛ (صَحَّ) الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَنَاوَلَ مَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ ظَنُّ عَدَمِهِ، (ثُمَّ إنْ عَجَزَ الْأَجْنَبِيُّ) بَعْدَ الصُّلْحِ ظَانًّا الْقُدْرَةَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا؛ (خُيِّرَ بَيْنَ فَسْخِ) الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ لَهُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى بَدَلِهِ (وَ) بَيْنَ (إمْضَاءِ) الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَإِنْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: أَنَا وَكِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مُصَالَحَتِك عَنْ الْعَيْنِ، وَهُوَ مُقِرٌّ لَك بِهَا فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا يَجْحَدُك فِي الظَّاهِرِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ. [فَصْلٌ فِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ] (فَصْلٌ:) فِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ (وَيَصِحُّ) (صُلْحٌ مَعَ إقْرَارٍ وَمَعَ إنْكَارٍ عَنْ قَوْلٍ فِي نَفْسٍ وَعُضْوٍ وَعَنْ سُكْنَى) دَارٍ وَنَحْوِهَا (وَ) عَنْ (عَيْبٍ) فِي عِوَضٍ أَوْ مُعَوَّضٍ. قَالَ فِي " الْمُجَرَّدِ ": وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ، فَيَصِحُّ عَنْ قَوْلِ (بِفَرْقِ دِيَةٍ) ، وَلَوْ بَلَغَ دِيَاتٍ، أَوْ قِيلَ: الْوَاجِبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 إحْدَى شَيْئَيْنِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ بَذَلُوا لِلَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى هُدْبَةَ بْنِ خَشْرَمٍ سَبْعَ دِيَاتٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَلِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَلَمْ يَقَعْ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَتِهِ. وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَمَّا تَقَدَّمَ (مَهْرًا) فِي نِكَاحٍ مِنْ عِوَضٍ أَوْ نَقْدٍ، قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ (بِمَا يَثْبُتُ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ إسْقَاطُهُ. وَ (لَا) يَصِحُّ الصُّلْحُ (بِعِوَضٍ عَنْ خِيَارٍ) فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ (أَوْ) عَنْ (شُفْعَةٍ أَوْ) عَنْ (حَدِّ قَذْفٍ) وَلِأَنَّهَا لَمَا تَشْرَعُ لِاسْتِفَادَةِ مَالٍ، بَلْ الْخِيَارُ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحُظِّ، وَالشُّفْعَةِ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لِلزَّجْرِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ، (وَتَسْقُطُ جَمِيعًا) أَيْ: الْخِيَارُ وَالشُّفْعَةُ وَحَدُّ الْقَذْفِ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَرْكِهَا. (وَلَا) يَصِحُّ أَنْ يُصَالِحَ (سَارِقًا أَوْ شَارِبًا لِيُطْلِقَهُ) وَلَا يَرْفَعُهُ لِلسُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ، (أَوْ يُصَالِحَ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ) ؛ لِتَحْرِيمِ كِتْمَانِهَا، فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، (أَوْ) يُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ (لَا يَشْهَدَ) عَلَيْهِ (بِزُورٍ) ، فَهُوَ حَرَامٌ؛ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ لَا يَقْتُلَهُ، أَوْ يَغْصِبَهُ مَالَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ يَلْزَمُهُ الشَّهَادَةُ بِهِ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ أَوْ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالزَّكَاةِ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا كَزِنًا وَسَرِقَةٍ، فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ فِي الْكَدِّ. (وَمَنْ صَالَحَ) آخَرَ (عَنْ نَحْوِ دَارٍ) ؛ كَكِتَابٍ أَوْ حَيَوَانٍ (بِعِوَضٍ مُعَيَّنٍ، فَبَانَ) الْعِوَضُ (مُسْتَحَقًّا) لِغَيْرِ الْمُصَالِحِ، أَوْ بَانَ الْقِنُّ حُرًّا؛ (رَجَعَ بِالدَّارِ) الْمُصَالَحِ عَنْهَا إنْ بَقِيَتْ، (أَوْ) رَجَعَ (بِقِيمَتِهَا) ؛ أَيْ: الدَّارِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ كَانَتْ (تَالِفَةً) إنْ كَانَ الصُّلْحُ (مَعَ إقْرَارِ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقَةً - وَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ لِفَسَادِ عِوَضِهِ - فَرَجَعَ فِيمَا كَانَ لَهُ، (وَ) رَجَعَ بِالدَّعْوَى؛ أَيْ: إلَى دَعْوَاهُ قَبْلَ الصُّلْحِ (مَعَ إنْكَارٍ) ، لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِهِ، (وَ) رَجَعَ الْمُصَالِحُ (عَنْ قَوْدٍ) مِنْ نَفْسٍ أَوْ دُونِهَا بِعِوَضٍ بَانَ مُسْتَحَقًّا (بِقِيمَةِ عِوَضٍ) مُصَالَحٍ بِهِ؛ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ مَا جُعِلَ عِوَضًا عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَ عَنْهُ بِقِنٍّ، فَخَرَجَ حُرًّا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 (وَإِنْ عَلِمَا) ؛ أَيْ: عَلِمَ الْمُتَصَالِحَانِ الْعِوَضَ [مُسْتَحَقًّا] أَوْ حُرًّا حَالَ الصُّلْحِ، (فَبِالدِّيَةِ) يَرْجِعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ؛ لِحُصُولِ الرِّضَى عَلَى تَرْكِ الْقِصَاصِ، فَيَسْقُطُ إلَى الدِّيَةِ؛ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَجْهُولًا كَدَارٍ وَشَجَرَةٍ، فَتَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، وَإِنْ صَالَحَ فِي الْقَوْدِ عَلَى عَبْدٍ أَوْ بَعِيرٍ وَنَحْوِهِ مُطْلَقًا؛ صَحَّ وَلَهُ الْوَسَطُ. (وَحَرُمَ أَنْ يُجْرِيَ) شَخْصٌ (فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ فِي سَطْحِهِ) ؛ أَيْ: الْغَيْرِ (مَاءً) - وَلَوْ تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ - (بِلَا إذْنِهِ) ؛ أَيْ: رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ السَّطْحِ؛ لِتَضَرُّرِهِ أَوْ تَضَرُّرِ أَرْضِهِ، وَكَزَارِعِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا اسْتِعْمَالٌ لِمَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، (وَلَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ) رَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّطْحِ (بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: بِالْإِجْرَاءِ، وَلَمْ تَتَضَرَّرْ الْأَرْضُ أَوْ السَّطْحُ، (وَاضْطُرَّ الْمُجْرِي) إلَى الْإِجْرَاءِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ؛ (جَازَ) ؛ كَوَضْعِ خَشَبٍ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ، كَمَا يَأْتِي. . قَطَعَ بِهِ الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " " وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفَائِقِ " وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِنْ لَمْ يُضَرَّ بَدَلَ قَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْجَوَازِ. (وَيَصِحُّ صُلْحُهُ عَلَى ذَلِكَ) ؛ أَيْ: إجْرَاءِ مَائِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ سَطْحِهِ (بِعِوَضٍ) مَعْلُومٍ، فَإِنْ صَالَحَهُ (مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ) ؛ أَيْ: رَبِّ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ، بِأَنْ تَصَالَحَا عَلَى إجْرَائِهِ فِيهِ، وَمِلْكِهِ فِيهِ، وَمَلَكَهُ بِحَالِهِ؛ فَهُوَ (إجَارَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ، (وَإِلَّا) ؛ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْمَحَلِّ بَاقٍ لَهُ؛ فَهُوَ (بَيْعٌ) ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَحَلِّ، (وَيُعْتَبَرُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 لِصِحَّةِ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ إجَارَةً (عِلْمُ قَدْرِ الْمَاءِ) الَّذِي يُجْرِيهِ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِهِ بِكَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ (بِسَاقِيَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَاءِ (الَّتِي يَجْرِي فِيهَا) ، وَهِيَ الْأُنْبُوبَةُ، لَا الْقَنَاةُ - وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ - لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ مِلْئِهَا (وَعِلْمُ) قَدْرِ (مَاءِ مَطَرٍ بِرُؤْيَةِ مَا) ؛ أَيْ: مَحَلٍّ (يَزُولُ عَنْهُ) مِنْ سَطْحٍ أَوْ أَرْضٍ (أَوْ مِسَاحَتِهِ) ؛ أَيْ: ذِكْرُ قَدْرِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ لِيُعْلَمَ مَبْلَغُهُ، (وَتَقْدِيرِ مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ) مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَ (لَا) يُعْتَبَرُ عِلْمُ قَدْرِ (عُمْقِهِ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ) ؛ أَيْ: فَلَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِجَارَةِ أَيْضًا عِلْمُ قَدْرِ الْعُمْقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ عَيْنَ الْأَرْضِ أَوْ نَفْعَهَا فَلَهُ أَنْ يُنْزِلَ فِيهَا مَا شَاءَ، (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ إجَارَةً اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْعُمْقِ. (وَلَا) يُعْتَبَرُ أَيْضًا عِلْمُ قَدْرِ (مُدَّتِهِ لِلْحَاجَةِ كَنِكَاحٍ، فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": لَا قَدْرَ مُدَّتِهِ لِلْحَاجَةِ كَالنِّكَاحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ وَتَبِعَهُمْ فِي الْمُنْتَهَى "، وَفِي " الْإِقْنَاعِ " يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: لَيْسَ بِأُجْرَةٍ مَحْضَةٍ؛ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ، بَلْ هُوَ بِالْبَيْعِ. (وَلِمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ الصُّلْحُ عَلَى سَاقِيَةٍ؛ أَيْ: قَنَاةٍ مَحْفُورَةٍ) فِي أَرْضٍ اسْتَأْجَرَهَا أَوْ اسْتَعَارَهَا لِيُجْرِيَ الْغَيْرُ مَاءَهُ فِيهَا؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَى رَسْمٍ قَدِيمٍ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إلَّا (بِقَدْرِ مُدَّةِ [الْإِجَارَةِ] ) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ السَّاقِيَّةُ مَحْفُورَةً؛ لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُهَا فِيهَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (كَوْنُ عِوَضٍ) مُصَالَحٍ بِهِ عَلَى السَّاقِيَةِ الْمُؤَجَّرَةِ (لِمُسْتَأْجِرٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْعَهَا وَانْتِفَاعَهَا، وَأَمَّا الْعِوَضُ الَّذِي صَالَحَ بِهِ الْمُسْتَعِيرُ؛ فَهُوَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، كَمَا يَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ فِيمَا لَوْ أَجَرَهَا بِإِذْنِ مُعِيرٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ أَوْ يُعِيرَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيَجُوزُ لِمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ الصُّلْحُ (عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ مَطَرٍ عَلَى سَطْحٍ أَوْ) عَلَى (أَرْضٍ) ؛ لِأَنَّ السَّطْحَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ - وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ - وَالْأَرْضُ يُجْعَلُ لِغَيْرِ صَاحِبِهَا رَسْمًا؛ فَرُبَّمَا ادَّعَى رَبُّ الْمَاءِ الْمِلْكَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ (وَ) أَرْضٌ (مَوْقُوفَةٌ - وَلَوْ عَلَيْهِ - كَمُؤَجَّرَةٍ) فِي الصُّلْحِ عَنْ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ عَلَى سَاقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ، لَا عَلَى إحْدَاثِ سَاقِيَةٍ أَوْ إجْرَاءِ مَاءِ مَطَرٍ عَلَيْهَا. قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " (وَ) قَالَ (فِي " الْمُغْنِي ": الْأَوْلَى الْجَوَازُ) ؛ أَيْ: يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَفْرُ السَّاقِيَةِ؛ (لِأَنَّ الْأَرْضَ لَهُ) ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ، مَا لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فِيهَا إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَدَلَّ أَنَّ الْبَابَ وَالْخَوْخَةَ وَالْكُوَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، وَفِي مَوْقُوفِهِ الْخِلَافُ أَوْ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَ صَاحِبِ " الْمُغْنِي " لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا لَمْ يُفْدَ، وَظَاهِرُهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ وَإِذْنُ الْحَاكِمِ ، بَلْ عَدَمُ الضَّرَرِ، وَأَنَّ إذْنَهُ، يُعْتَبَرُ لِرَفْعِ الْخِلَافِ. وَجَعَلَ ابْنُ عَقِيلٍ إذْنَ الْحَاكِمِ فِيهِ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْذُونِ الْمُمْتَازِ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ، فَلِمَصْلَحَةِ الْمَوْقُوفِ أَوْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَهُوَ مَعْنَى نَصِّهِ فِي تَجْدِيدِهِ لِمَصْلَحَةٍ كالحكورة، وَعَمِلَهُ حُكَّامُ الشَّامِ حَتَّى صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ، وَقَدْ زَادَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيَّرَا بِنَاءَهُ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَزَادَ فِيهِ أَبْوَابًا، ثُمَّ الْمَهْدِيُّ، ثُمَّ الْمَأْمُونُ قُلْتُ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنَّ الْمَوْقُوفَةَ كَمُؤَجَّرَةٍ شَامِلٌ لِلْمَوْقُوفَةِ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلِلنَّاظِرِ فِعْلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ (وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى سَقْيِ أَرْضِهِ) ؛ أَيْ: زَيْدٍ مَثَلًا (مِنْ نَهْرِهِ) ؛ أَيْ: عَمْرٍو (أَوْ) مِنْ (عَيْنِهِ) أَوْ بِئْرِهِ الْمُعَيَّنِ (مُدَّةً - وَلَوْ) كَانَتْ مُدَّةُ السَّقْيِ (مُعَيَّنَةً - لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ بِعِوَضٍ؛ (لِعَدَمِ مِلْكِهِ الْمَاءَ) ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْعَيْنِ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، كَمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 (وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى سَهْمٍ مِنْهَا) ؛ أَيْ: مِنْ النَّهْرِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْبِئْرِ (كَثُلُثٍ) وَرُبْعٍ وَخُمُسٍ؛ (جَازَ) الصُّلْحُ، (وَكَانَ) ذَلِكَ (بَيْعًا لِ) الْجُزْءِ الْمُسَمَّى مِنْ (الْقَرَارِ، وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهُ) ؛ أَيْ: لِلْقَرَارِ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ صَالَحَهُ عَلَى سَاقِيَةٍ (بِأَرْضٍ) مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (نَحْوُ) أَرْضِ (مِصْرَ) كَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، وَلَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ (إنْ كَانَتْ) السَّاقِيَةُ (مَبْنِيَّةً، فَكَذَلِكَ) يَجُوزُ الصُّلْحُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعًا لِلْبِنَاءِ، وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهُ، (وَإِلَّا) تَكُنْ السَّاقِيَةُ مَبْنِيَّةً؛ (فَلَا) يَجُوزُ الصُّلْحُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لَهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ شِرَاءُ مَمَرٍّ فِي دَارٍ) وَنَحْوِهَا (وَ) شِرَاءُ (مَوْضِعٍ بِحَائِطٍ يُفْتَحُ بَابًا) وَنَحْوَهُ. (وَيَتَّجِهُ وَأَحْجَارُهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْضِعِ الَّذِي يُنْقَضُ مِنْهُ (لِبَائِعٍ) ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُشْتَرِي الْمَحَلُّ الَّذِي يَفْتَحُهُ، لَا الْأَحْجَارُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . (وَ) يَصِحُّ (شِرَاءُ بُقْعَةٍ تُحْفَرُ بِئْرًا) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، فَجَازَ بَيْعُهَا؛ كَالْأَعْيَانِ. (وَ) يَصِحُّ شِرَاءُ (عُلْوِ بَيْتٍ) مَمْلُوكٍ - (وَلَوْ لَمْ يُبْنَ) الْبَيْتُ الَّذِي اشْتَرَى عُلْوَهُ - (إذَا وَصَفَ) الْعُلْوَ وَالسُّفْلَ لِيَكُونَا مَعْلُومَيْنِ؛ (لِيَبْنِيَ) الْمُشْتَرِي (أَوْ يَضَعَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْعُلْوِ (بُنْيَانًا أَوْ خَشَبًا مَوْصُوفَيْنِ) ، وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُلْوَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، فَكَانَ لَهُ بَيْعُهُ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَالْقَرَارِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى الْعِوَضِ، (وَمَعَ زَوَالِهِمَا) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 أَيْ: الْمَأْجُورِ عُلْوُهُ؛ أَيْ: الْبُنْيَانِ وَالْخَشَبِ عَنْ الْعُلْوِ (يَرْجِعُ) رَبُّهُمَا عَلَى رَبِّ السُّفْلِ الْمَأْجُورِ (مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مُدَّةِ الزَّوَالِ) ؛ أَيْ: زَوَالِ بِنَائِهِ أَوْ خَشَبِهِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ سُقُوطًا لَا يَعُودُ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْإِنْصَافِ " " وَالْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِمَا، فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَائِعِ وَالصُّلْحِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَا فِيمَا إذَا كَانَ سُقُوطًا يُمْكِنُ عَوْدُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ إذَا حَصَلَ الزَّوَالُ بِفِعْلِ رَبِّ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِمَا، أَمَّا إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ. (وَلَهُ إعَارَتُهُ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إبْقَاءَهُ بِعِوَضٍ، (سَوَاءٌ زَالَ بِسُقُوطِهِ أَوْ سُقُوطِ مَا تَحْتَهُ أَوْ لِهَدْمِهِ إيَّاهُ) أَوْ غَيْرِهِ، (وَلَهُ) ؛ أَيْ: رَبِّ الْبَيْتِ: (الصُّلْحُ عَلَى عَدَمِ إعَادَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُهُ مِنْهُ جَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ، كَمَا لَهُ الصُّلْحُ (عَلَى زَوَالِهِ) ؛ أَيْ: رَفْعِ مَا عَلَى الْعُلْوِ مِنْ بُنْيَانٍ أَوْ خَشَبٍ، سَوَاءٌ كَانَ صَالَحَهُ عَنْهُ بِمِثْلِ الْعِوَضِ الْمُصَالَحِ بِهِ عَلَى وَضْعِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَهُ، فَصَحَّ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ لَهُ (مَسِيلُ مَاءٍ) فِي أَرْضِ غَيْرِهِ (أَوْ مِيزَابٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ؛ فَصُولِحَ) ؛ أَيْ: صَالَحَ رَبُّ الْأَرْضِ صَاحِبَ الْمَسِيلِ أَوْ الْمِيزَابِ (لِتَرْكِ ذَلِكَ) بِعِوَضٍ؛ جَازَ. (وَلَهُ وَضْعُ بِنَاءٍ وَخَشَبٍ عَلَى بِنَاءِ غَيْرِهِ صُلْحًا أَبَدًا) ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ؛ فَجَازَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِالصُّلْحِ؛ وَكَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَمَرِّ وَفَتْحِ الْبَابِ بِالْحَائِطِ وَحَفْرِ الْبُقْعَةِ بِالْأَرْضِ بِئْرًا، (أَوْ) فَعَلَ ذَلِكَ (إجَارَةً مُدَّةً مُعَيَّنَةً) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ؛ (وَإِذَا مَضَتْ) الْمُدَّةُ (بَقِيَ وُجُوبًا؛ وَلَهُ) ؛ أَيْ: مَالِكِ الْعُلْوِ (أُجْرَةُ الْمِثْلِ) ، وَلَا يُطَالِبُ بِإِزَالَةِ بِنَائِهِ وَخَشَبِهِ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُسْتَأْجَرُ لِذَلِكَ إلَّا لِلتَّبَايُعِ؛ وَمَعَ التَّسَاكُتِ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. ذَكَرَ مَعْنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ: وَعَلَى قِيَاسِهِ الحكورة الْمَعْرُوفَةُ. [فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْجِوَارِ] (فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْجِوَارِ) - بِكَسْرِ الْجِيمِ - مَصْدَرُ جَاوَرَ، وَأَصْلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 الْمُلَازَمَةُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُعْتَكِفِ مُجَاوِرًا؛ لِمُلَازَمَةِ الْجَارِ جَارَهُ فِي الْمَسْكَنِ. . وَفِي الْحَدِيثِ «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ (إذَا حَصَلَ فِي هَوَائِهِ) ؛ أَيْ: الْإِنْسَانِ أَوْ عَلَى جِدَارِهِ الْمَمْلُوكِ لَهُ هُوَ أَوْ مَنْفَعَتِهِ، (أَوْ فِي أَرْضِهِ) الَّتِي يَمْلِكُهَا أَوْ بَعْضَهَا أَوْ يَمْلِكُ نَفْعَهَا أَوْ بَعْضَهُ (غُصْنُ شَجَرِ غَيْرِهِ أَوْ عِرْقُهُ) ؛ أَيْ: حَصَلَ فِي هَوَائِهِ غُصْنُ شَجَرِ غَيْرِهِ، أَوْ حَصَلَ فِي أَرْضِهِ عِرْقُ شَجَرِ غَيْرِهِ، فَطَالَبَ رَبُّ الْعَقَارِ أَوْ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ رَبَّ الْغُصْنِ بِإِزَالَتِهِ؛ (لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: رَبَّ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ (إزَالَتُهُ) بِرَدِّهِ إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى أَوْ قَطْعِهِ؛ سَوَاءٌ أَثَّرَ ضَرَرًا أَوْ لَا، لِيُخْلِيَ لَا مِلْكُهُ الْوَاجِبُ إخْلَاؤُهُ، وَالْهَوَاءُ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ؛ (فَيَأْثَمُ) رَبُّ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ (بِتَرْكِهِ) فِي هَوَاءِ جَارِهِ، أَوْ أَرْضِهِ، (وَلَا يُجْبَرُ) رَبُّ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ عَلَى إزَالَتِهِ بِصَيْرُورَتِهِ مُتَعَدِّيًا بِإِبْقَائِهِ. قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، بِخِلَافِ مَنْ مَالَ حَائِطُهُ، فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ - وَلَوْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ وَأَمْكَنَهُ - كَمَا يَأْتِي. . (فَإِنْ أَبَى) رَبُّ عِرْقٍ أَوْ غُصْنٍ إزَالَتَهُ؛ (فَلِرَبِّ الْهَوَاءِ) وَالْأَرْضِ (قَطْعُهُ) ؛ أَيْ: الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ (حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُ إزَالَتُهُ بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: الْقَطْعِ، (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ إزَالَتُهُ بِلَا إتْلَافٍ وَلَا قَطْعٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَلَا غَرَامَةٍ؛ مِثْلُ أَنْ يَلْوِيَهُ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ إتْلَافُهُ؛ كَالْبَهِيمَةِ الصَّائِلَةِ إذَا انْدَفَعَتْ بِدُونِ الْقَتْلِ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ غَرِمَهُ؛ لِتَعَدِّيهِ، وَ (لَا) يَصِحُّ (صُلْحُهُ) ؛ أَيْ: رَبِّ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ (عَنْ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: بَقَائِهِ كَذَلِكَ (بِعِوَضٍ) ؛ لِأَنَّ شَغْلَهُ لِمِلْكِ الْآخَرِ لَا يَنْضَبِطُ، (وَلَا) صُلْحَ (مَنْ مَالِ حَائِطُهُ لِمِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: رَبَّ الْحَائِطِ الْمَائِلِ (نَقْضُهُ) ؛ لِأَنَّ مَيْلَهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ صُلْحُ مَنْ (زَلِقَ) ؛ أَيْ: زَلَّ (خَشَبُهُ) إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِعِوَضٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَيُزَالُ زَائِدٌ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْحَائِطِ وَالْخَشَبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 (وَإِنْ اتَّفَقَ ذُو غُصْنٍ وَهَوَاءٍ) وَأَرْضٍ وَعِرْقٍ عَلَى (أَنْ الثَّمَرَةَ) ؛ أَيْ: ثَمَرَةَ الْغُصْنِ (لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْهَوَاءِ، (أَوْ أَنْ) الثَّمَرَةَ (بَيْنَهُمَا؛ جَازَ) الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الْقَطْعِ، (وَلَمْ يَلْزَمْ) الصُّلْحُ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا إبْطَالُهُ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرِ رَبِّ الشَّجَرِ؛ لِتَأْبِيدِ اسْتِحْقَاقِ الثَّمَرَةِ عَلَيْهِ، أَوْ مَالِكِ الْهَوَاءِ أَوْ الْأَرْضِ؛ لِتَأْبِيدِ بَقَاءِ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ فِي مِلْكِهِ؛ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ، فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ، ثُمَّ امْتَنَعَ رَبُّ الشَّجَرِ مِنْ دَفْعِ مَا صَالَحَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، (وَكَذَلِكَ) الْحُكْمُ فِي (الِاتِّفَاقِ فِيمَا نَبَتَ مِنْ عِرْقٍ) ؛ أَيْ: لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ مَا نَبَتَ فِي الْعِرْقِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ لَهُمَا؛ جَازَ، وَلَمْ يَلْزَمْ. وَصِحَّةُ الصُّلْحِ هُنَا مَعَ جَهَالَةِ الْعِوَضِ وَهُوَ الثَّمَرَةُ أَوْ النَّابِتُ؛ خِلَافُ، الْقِيَاسِ؛ لِخَبَرِ مَكْحُولٍ يَرْفَعُهُ: «أَيُّمَا شَجَرَةٍ ظَلَّلَتْ عَلَى قَوْمٍ؛ فَهُمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قَطْعِ مَا ظَلَّلَ وَأَكْلِ ثَمَرِهَا» . (وَفِي " الْمُبْهِجِ ") فِي الْأَطْعِمَةِ (ثَمَرَةُ غُصْنٍ فِي هَوَاءِ طَرِيقٍ عَامٍّ لِلْمُسْلِمِينَ) ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ إذْنٌ فِي تَنَاوُلِ مَا سَقَطَ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ بِمَعْنَاهُ: وَإِنْ امْتَدَّ عُرُوقُ شَجَرِهِ إلَى أَرْضِ جَارِهِ، فَأَثَّرَتْ الْعُرُوقُ ضَرَرًا كَتَأْثِيرِ الْمُمْتَدِّ فِي الْمَصَانِعِ. (وَيَتَّجِهُ بَلْ) تَكُونُ الثَّمَرَةُ الَّتِي غُصْنُهَا فِي هَوَاءِ الطَّرِيقِ الْعَامِّ (لِلْمَارَّةِ) مُطْلَقًا، (وَ) أَمَّا إذَا كَانَ الْغُصْنُ بِهَوَاءِ (الْمَسْجِدِ) ؛ فَثَمَرَتُهُ (لِلْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ) تَكُونُ لَهُمْ (بَعْدَ طَلَبِ حَاكِمٍ) رَبَّ الْغُصْنِ (بِزَوَالِهِ) ؛ أَيْ: إزَالَتِهِ عَنْ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يَضُرَّ بَقَاؤُهُ بِالْمَسْجِدِ؛ فَلَمْ يَفْعَلْ (أَوْ اتِّفَاقِ) رَبِّ الْغُصْنِ مَعَ الْحَاكِمِ عَلَى إبْقَائِهِ عَلَى حَالِهِ - وَلَا ضَرَرَ - وَتَكُونُ ثَمَرَتُهُ لَهُمْ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ؛ كَمَا مَرَّ آنِفًا؛ جَازَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 وَطَيُّ الْآبَارِ وَأَسَاسَاتُ الْحِيطَانِ أَوْ كَتَأْثِيرِهِ فِي مَنْعِ الْأَرْضِ الَّتِي امْتَدَّتْ إلَيْهَا الْعُرُوقُ مِنْ نَبَاتِ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ؛ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، أَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ الْمُمْتَدُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ فَالْحُكْمُ فِي قَطْعِهِ وَفِي الصُّلْحِ عَنْهُ كَالْحُكْمِ فِي الْأَغْصَانِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلًا. (وَحَرُمَ) (إخْرَاجُ نَحْوِ دَكَّةٍ) كَدُكَّانٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالدَّكَّةُ - بِالْفَتْحِ - وَالدُّكَّانُ - بِالضَّمِّ - بِنَاءٌ يَصْلُحُ أَعْلَاهُ لِلْمَقْعَدِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَرُمَّانِ الْحَانُوتِ (بِطَرِيقٍ نَافِذٍ - وَلَوْ) كَانَ الطَّرِيقُ (وَاسِعًا) - سَوَاءٌ ضَرَّ بِالْمَارَّةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ حَالًا فَقَدْ يَضُرُّ مَآلًا - (وَ) لَوْ (أَذِنَ فِيهِ إمَامٌ) - لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ؛ لَا سِيَّمَا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَضُرَّ؛ (فَيَضْمَنُ) مُخْرِجُ دُكَّانٍ أَوْ دَكَّةٍ (مَا تَلِفَ بِهِ) ؛ لِتَعَدِّيهِ؛ كَمَا يَحْرُمُ (حَفْرُ بِئْرٍ بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ) ، وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ. [تَتِمَّةٌ لَا يَحْفِر فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ] تَتِمَّةٌ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْفِرَ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ جَعَلَهَا لِمَاءِ الْمَطَرِ أَوْ اسْتَخْرَجَ مِنْهَا مَاءً عَذْبًا يَنْتَفِعُ بِهِ بِلَا ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَإِذْنُهُمْ كُلُّهُمْ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَإِذَا أَرَادَ حَفْرَهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَنَفْعَهُمْ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ، أَوْ كَانَتْ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً، وَأَرَادَ حَفْرَهَا فِي مَمَرِّ النَّاسِ بِحَيْثُ يُخَافُ سُقُوطُ إنْسَانٍ أَوْ دَابَّةٍ فِيهَا، أَوْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ مَمَرَّهُمْ؛ لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ حَفَرَهَا فِي زَاوِيَةٍ مِنْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ، وَجَعَلَ عَلَيْهَا مَا يَمْنَعُ الْوُقُوفَ فِيهَا؛ جَازَ؛ كَتَمْهِيدِهَا وَبِنَاءِ رَصِيفٍ فِيهَا. وَحَفْرُ الْبِئْرِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا مِنْ أَجْزَاءِ الْبِنَاءِ حَتَّى إنَّهُ يُنْهَى عَنْ تَجْصِيصِ الْحَائِطِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ) رَبُّ الْحَائِطِ بِهِ (فِي حَدِّهِ بِقَدْرِ غِلَظِ الْجِصِّ) انْتَهَى. (وَكَذَا جَنَاحٌ - وَهُوَ الرَّوْشَنُ) عَلَى أَطْرَافِ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ مَدْفُونَةٍ فِي الْحَائِطِ - (وَسَابَاطٌ - وَهُوَ سَقِيفَةٌ) مُسْتَوْفِيَةٌ لِلطَّرِيقِ (بَيْنَ حَائِطَيْنِ) ؛ أَيْ: عَلَى جِدَارَيْنِ - (وَمِيزَابٌ) ؛ فَيَحْرُمُ إخْرَاجُهَا بِنَافِذٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 (إلَّا بِإِذْنِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِذْنُهُ كَإِذْنِهِمْ، وَلِحَدِيثِ أَحْمَدَ «أَنَّ عُمَرَ اجْتَازَ عَلَى دَارِ الْعَبَّاسِ، وَقَدْ نَصَبَ مِيزَابًا إلَى الطَّرِيقِ، فَقَلَعَهُ، فَقَالَ: تَقْلَعُهُ - وَقَدْ نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ - فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا تَنْصِبُهُ إلَّا عَلَى ظَهْرِي، فَانْحَنَى حَتَّى صَعِدَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَنَصَبَهُ» ، وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، (وَلَا ضَرَرَ بِأَنْ؛ يُمْكِنَ عُبُورُ مَحْمِلٍ) كَمَجْلِسٍ وَمِقْوَدٍ (وَنَحْوِهِ تَحْتَهُ) ؛ أَيْ: مَا ذَكَرَ مِنْ الرَّوْشَنِ وَالسَّابَاطِ وَالْمِيزَابِ، (وَإِلَّا) يُمْكِنُ عُبُورُ نَحْوِ الْمَحْمَلِ؛ (لَمْ يَجُزْ) وَضْعُهُ، وَلَا الْإِذْنُ فِيهِ. (قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ) : وَالسَّابَاطُ الَّذِي يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ مِثْلُ أَنْ يَحْتَاجَ الرَّاكِبُ أَنْ يَحْنِيَ رَأْسَهُ إذَا مَرَّ هُنَاكَ، وَإِنْ غَفَلَ الرَّاكِبُ عَنْ نَفْسِهِ رَمَى السَّابَاطُ عِمَامَتَهُ، أَوْ شَجَّ رَأْسَهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَمُرَّ هُنَاكَ جَمَلٌ عَالٍ إلَّا كَسَرَ السَّابَاطُ قَتَبَهُ، وَالْجَمَلُ الْمُحَمَّلُ لَا يَمُرُّ هُنَاكَ، فَمِثْلُ هَذَا السَّابَاطِ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَارَّةِ (بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ) ، بَلْ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إزَالَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ إلْزَامُهُ بِإِزَالَتِهِ حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرُ. انْتَهَى. (وَقَالَ) الشَّيْخُ أَيْضًا: (إخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ إلَى الدَّرْبِ النَّافِذِ هُوَ السُّنَّةُ) ، لِخَبَرِ الْعَبَّاسِ، وَتَقَدَّمَ. (فَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مُنْخَفِضًا) وَقْتَ وَضْعِ السَّابَاطِ، (ثُمَّ ارْتَفَعَ) الطَّرِيقُ (لِطُولِ الزَّمَنِ؛ وَجَبَ) عَلَى رَبِّهِ (إزَالَتُهُ) دَفْعًا لِضَرَرِهِ، (وَيَحْرُمُ فِعْلُ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: إخْرَاجِ دَكَّةٍ وَدُكَّانٍ وَجَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَمِيزَابٍ (فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ هَوَائِهِ) ؛ أَيْ: الْغَيْرِ، (أَوْ) فِي (دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، أَوْ فَتْحِ بَابٍ فِي ظَهْرِ دَارٍ فِيهِ) ؛ أَيْ: الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ (لِاسْتِطْرَاقٍ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ) إنْ كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 الْمَالِكُ غَيْرَهُ، (أَوْ) إلَّا بِإِذْنِ (أَهْلِهِ) ؛ أَيْ: الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ؛ فَلَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِلَا إذْنِهِمْ، (وَيَجُوزُ صُلْحٌ عَنْ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: عَنْ إخْرَاجِ دُكَّانٍ وَدَكَّةٍ بِمِلْكِ غَيْرِهِ وَجَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَمِيزَابٍ بِهَوَاءِ غَيْرِهِ، أَوْ عَنْ الِاسْتِطْرَاقِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ (بِعِوَضٍ) ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ؛ كَالْقَرَارِ؛ كَمَا سَبَقَ، وَمَحَلُّهُ فِي الْجَنَاحِ وَنَحْوُهُ إذَا عَلِمَ مِقْدَارَ خُرُوجِهِ وَعُلْوِهِ (وَيَجُوزُ فَتْحُهُ) ، أَيْ: الْبَابِ فِي ظَهْرِ دَارٍ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ بِلَا إذْنِ أَهْلِهِ (لِغَيْرِ اسْتِطْرَاقٍ كَالضَّوْءِ وَهَوَاءٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِأَهْلِهِ فِي الِاسْتِطْرَاقِ؛ وَلَمْ يُزَاحِمْهُمْ فِيهِ، وَلِأَنَّ غَايَتَهُ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِرَفْعِ بَعْضِ حَائِطِهِ. (وَ) يَجُوزُ (نَقْلُ بَابٍ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ) مِنْ آخِرِهِ (إلَى أَوَّلِهِ) لِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِطْرَاقِ؛ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ (بِلَا ضَرَرٍ) ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ؛ مُنِعَ مِنْهُ؛ كَأَنْ فَتَحَهُ (فِي مُقَابَلَةِ بَابِ غَيْرِهِ) ، وَكَنَحْوِهِ؛ كَمَا لَوْ (فَتَحَهُ عَالِيًا) يَصْعَدُ إلَيْهِ بِسُلَّمٍ (لِيُشْرِفَ مِنْهُ عَلَى دَارِ غَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ) ؛ أَيْ: الْبَابِ بِدَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى دَاخِلٍ مِنْهُ نَصًّا (إنْ لَمْ يَأْذَنْ مَنْ فَوْقَهُ) ؛ أَيْ: الدَّاخِلِ عَنْهُ؛ لِتَقَدُّمِهِ إلَى مَوْضِعٍ لَا اسْتِطْرَاقَ لَهُ فِيهِ، (فَإِنْ أَذِنَ) لَهُ مَنْ فَوْقَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَيَكُونُ (إعَارَةً لَازِمَةً) ، فَلَا رُجُوعَ لِلْآذِنِ بَعْدَ فَتْحِ الدَّاخِلِ وَسَدِّ الْأَوَّلِ؛ كَإِذْنِهِ فِي نَحْوِ بِنَاءٍ عَلَى جِدَارِهِ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ، فَإِنْ سَدّ الْمَالِكُ بَابَهُ الدَّاخِلَ، ثُمَّ أَرَادَ فَتْحَهُ؛ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا بِإِذْنٍ ثَانٍ. (وَحَقُّ ذِي بَابَيْنِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ إلَى دَاخِلٍ وَمَا بَعْدَهُ؛ فَلِلْآخَرِ) ؛ أَيْ: لَوْ كَانَ فِي الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ بَابَانِ فَقَطْ لِرَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا قَرِيبٌ إلَى بَابِ الزُّقَاقِ، وَالْبَابُ الْآخَرُ مِنْ دَاخِلِهِ، فَتَنَازَعَ الرَّجُلَانِ فِي الدَّرْبِ؛ حُكِمَ بِالدَّرْبِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى الْبَابِ الَّذِي يَلِي أَوَّلَ الدَّرْبِ بَيْنَهُمَا، وَلَهُمَا الِاسْتِطْرَاقُ فِيهِ جَمِيعًا: وَحُكِمَ بِمَا بَعْدَ الْبَابِ الْأَوَّلِ إلَى صَدْرِ الدَّرْبِ لِلْآخَرِ (يَخْتَصُّ بِهِ مِلْكًا لَهُ) ؛ أَيْ: إنَّ الِاسْتِطْرَاقَ فِي ذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ، فَلَهُ الْيَدُ وَالتَّصَرُّفُ فِيمَا جَاوَزَ بَابَهُ، (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 لِلْآخَرِ (جَعْلُهُ) ؛ أَيْ: جَعْلُ مَا بَعْدَ الْبَابِ الْأَوَّلِ (دِهْلِيزًا لِنَفْسِهِ، وَلَهُ إدْخَالُهُ فِي دَارِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِجَارِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ كَيْفَ شَاءَ بِلَا ضَرَرٍ. (وَمَنْ لَهُ بَابُ سِرٍّ) يَخْرُجُ مِنْهُ النِّسَاءُ أَوْ الرِّجَالُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَطْرِقَ مِنْهُ اسْتِطْرَاقًا عَامًّا، فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الِاسْتِطْرَاقَ كَذَلِكَ، فَلَا يَتَجَاوَزُهُ. (وَمَنْ خَرَقَ بَيْنَ دَارَيْنِ لَهُ) ؛ أَيْ: الْخَارِقِ (مُتَلَاصِقَتَيْنِ) مِنْ ظَهْرِهِمَا (بَابُهُمَا فِي دَرْبَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ) ؛ أَيْ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَاسْتَطْرَقَ بِالْخَرْقِ (إلَى كُلٍّ) مِنْ الدَّارَيْنِ (مِنْ) الْبَابِ (الْآخَرِ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَطْرَقَ مِنْ كُلِّ دَرْبٍ إلَى دَارِهِ الَّتِي فِيهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ مِنْهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ؛ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ لَهَا بَابَانِ يَدْخُلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَخْرُجُ مِنْ الْآخَرِ. [فَصْلٌ يَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِ أَنْ يُحْدِثَ بِمِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ] (فَصْلٌ:) (وَحَرُمَ) عَلَى مَالِكٍ (أَنْ يُحْدِثَ بِمِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ) ؛ لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ (كَحَمَّامٍ) يَتَأَذَّى جَارُهُ بِدُخَانِهِ، أَوْ يُنَضِّرُ حَائِطَهُ بِمَائِهِ، وَمِثْلُهُ مَطْبَخُ سُكَّرٍ (وَكَنِيفٌ مُلَاصِقٌ لِحَائِطِ جَارِهِ) يَتَأَذَّى بِرِيحِهِ، أَوْ يَصِلُ إلَى بِئْرِهِ، (وَرَحًى) يَهْتَزُّ بِهَا حِيطَانُهُ، (وَتَنُّورٌ) يَتَعَدَّى دُخَانُهُ إلَيْهِ، (وَعَمَلُ دُكَّانِ قِصَارَةٍ أَوْ حِدَادَةٍ يَتَأَذَّى بِكَثْرَةِ دَقًّ وَبِهَزِّ الْحِيطَانِ) ؛ لِلْخَبَرِ. (وَ) يَحْرُمُ (غَرْسُ شَجَرٍ نَحْوِ تِينٍ) كَجُمَّيْزٍ (تَسْرِي عُرُوقُهُ) ؛ أَيْ: أُصُولُهُ (فَتَشُقُّ مَصْنَعَ غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: جَارِهِ (وَحَفْرُ بِئْرٍ يَقْطَعُ مَاءَ بِئْرِ جَارِهِ وَسَقْيٌ وَإِشْعَالُ نَارٍ يَتَعَدَّيَانِ) إلَى جَارِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يُؤْذِيهِ. (وَيَضْمَنُ) مَنْ أَحْدَثَ بِمِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ (مَا تَلِفَ بِذَلِكَ) بِسَبَبِ الْإِحْدَاثِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، (وَلِجَارِهِ مَنْعُهُ إنْ أَحْدَثَ ذَلِكَ كَابْتِدَاءِ إحْيَائِهِ) ؛ أَيْ: كَمَا لَهُ مَنْعُهُ مِنْ إحْيَاءِ مَا بِجِوَارِهِ؛ لِتَعَلُّقِ مَصَالِحِهِ بِهِ كَمَا لَهُ مَنْعُهُ مِنْ دَقٍّ وَسَقْيٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 يَتَعَدَّى إلَيْهِ، (بِخِلَافِ طَبْخِهِ وَخَبْزِهِ فِي مِلْكِهِ، فَلَا يُمْنَعُ) مِنْهُ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَ (لِيُسْرِ ضَرَرِهِ) ، لَا سِيَّمَا بِالْقُرَى. وَإِنْ ادَّعَى فَسَادَ بِئْرِهِ بِكَنِيفِ جَارِهِ أَوْ بَالُوعَتِهِ، اُخْتُبِرَ بِالنِّفْطِ يُلْقَى فِيهَا، فَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ بِالْمَاءِ؛ نُقِلَتْ إنْ لَمْ يُمْكِنْ إصْلَاحُهَا بِنَحْوِ بِنَاءٍ يَمْنَعُ وُصُولَهُ إلَى الْبِئْرِ (وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ) الْمُضِرُّ بِالْجَارِ (سَابِقٌ بِضَرَرٍ لَاحِقٍ؛ كَمَنْ لَهُ فِي مُلْكِهِ نَحْوُ مَدْبَغَةٍ) كَرَحًى وَتَنُّورٍ (فَأَحْيَا) إنْسَانٌ (آخَرُ بِجَانِبِهَا مَوَاتًا) أَوْ بَنَى دَارًا، أَوْ اشْتَرَى دَارًا بِجَانِبِهِ بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُ صَاحِبُ الْمِلْكِ الْمُحْدَثِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ الْمَدْبَغَةِ؛ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الْمَدْبَغَةِ وَنَحْوِهَا إزَالَةُ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ بِمُلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ. (وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ) : (مَنْ كَانَتْ لَهُ سَاحَةٌ يُلْقِي فِيهَا التُّرَابَ وَالْحَيَوَانَ) الْمَيِّتَ، (وَيَتَضَرَّرُ الْجِيرَانُ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهَا دَفْعُ تَضَرُّرِ الْجِيرَانِ، إمَّا بِإِعْمَارٍ بِهَا، أَوْ إعْطَائِهَا لِمَنْ يَعْمُرُهَا، أَوْ مَنْعِ مَنْ يُلْقِي فِيهَا) مَا يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ. (وَلَا يُمْنَعُ جَارٌ غَيْرُ مُضَارٍّ) لِجَارِهِ (مِنْ تَعْلِيَةِ بِنَاءِ دَارِهِ) ، وَلَوْ أَفْضَى إعْلَاؤُهُ (لِسَدِّ فَضَاءِ جَارِهِ، أَوْ) أَفْضَى [إلَى] (نَقْصِ أُجْرَتِهِ) انْتَهَى. (وَيَلْزَمُ الْأَعْلَى) مِنْ الْجَارَيْنِ (بِنَاءُ سُتْرَةٍ تَمْنَعُ مُشَارَفَةَ الْأَسْفَلِ) ؛ لِأَنَّ الْإِشْرَافَ عَلَى الْجَارِ إضْرَارٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَكْشِفُهُ، وَيَطَّلِعُ عَلَى حُرَمِهِ؛ فَمُنِعَ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ السُّتْرَةُ قَدِيمَةً، فَانْهَدَمَتْ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ إعَادَتُهَا، (فَإِنْ اسْتَوَيَا) فِي الْعُلُوِّ؛ (اشْتَرَكَا فِي بِنَائِهَا) ؛ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بِالسُّتْرَةِ؛ فَلَزِمَتْهُمَا (وَيُجْبَرُ مُمْتَنِعٌ) مِنْهُمَا عَلَى الْبِنَاءِ مَعَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ؛ لِتَضَرُّرِ جَارِهِ بِمُجَاوَرَتِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ، فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ كَانَ سَطْحُ أَحَدِهِمَا أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ؛ فَلَيْسَ لَهُ الصُّعُودُ عَلَى سَطْحِهِ عَلَى وَجْهٍ يُشْرِفُ عَلَى بَيْتِ جَارِهِ، إلَّا مَعَ السُّتْرَةِ؛ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يَلْزَمُ الْأَعْلَى سَدُّ طَاقَةٍ) إذَا لَمْ يَنْظُرْ مِنْهَا مَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ مِنْ جِهَةِ جَارِهِ؛ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهَا عَلَى الْجَارِ حِينَئِذٍ، فَإِنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْهَا لَزِمَهُ سَتْرُهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 (وَلَا يُمْنَعُ مِنْ صُعُودِ سَطْحِهِ حَيْثُ لَمْ يَنْظُرْ حَرَامًا عَلَى جَارِهِ) ، فَإِنْ نَظَرَ ذَلِكَ حَرُمَ، وَمُنِعَ. (وَإِنْ حَفَرَ إنْسَانٌ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ) ، فَانْقَطَعَ مَاءُ بِئْرِ جَارِهِ، (وَتَوَهَّمَ انْقِطَاعَ مَاءِ بِئْرِ جَارِهِ) بِسَبَبِ حَفْرِ بِئْرِهِ الْحَادِثَةِ؛ (طُمَّتْ) الْحَادِثَةُ (لِيَعُودَ مَاءُ بِئْرِهِ) ؛ أَيْ: الْجَارُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الِانْقِطَاعَ بِسَبَبِهَا، (فَإِنْ) سَدَّ الثَّانِي بِئْرَهُ، (وَلَمْ يَعُدْ) مَاءُ الْأُولَى؛ (كُلِّفَ الْجَارُ) ؛ أَيْ: صَاحِبُ الْبِئْرِ الْقَدِيمَةِ (حَفْرُ الْبِئْرِ الْمَطْمُومَةِ) الَّتِي سُدَّتْ مِنْ أَجَلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي سَدِّهَا بِغَيْرِ حَقٍّ. (وَمَنْ لَهُ حَقُّ مَاءٍ يَجْرِي عَلَى سَطْحِ جَارِهِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدٌ سَطْحَهُ) لِآخَرَ؛ (لَمْ يَجُزْ لِجَارِهِ تَعْلِيَةُ سَطْحِهِ لِيَمْنَعَ الْمَاءَ) أَنْ يَجْرِيَ عَلَى سَطْحِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ جَارِهِ، (أَوْ) أَنْ يُعْلِيَهُ (لِكَيْ يُكْثِرَ ضَرَرَهُ) ؛ أَيْ: صَاحِبُ الْحَقِّ بِإِجْرَائِهِ مَا عَلَاهُ لِلْمُضَارَّةِ بِهِ. (وَيَحْرُمُ تَصَرُّفٌ فِي جِدَارِ جَارٍ أَوْ فِي) جِدَارٍ (مُشْتَرَكٍ) بَيْنَ الْمُتَصَرِّفِ وَغَيْرِهِ (بِفَتْحِ رَوْزَنَةٍ) ، وَهِيَ الْكَوَّةُ - بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا -؛ أَيْ: الْخَرْقُ فِي الْحَائِطِ (أَوْ) بِفَتْحِ (طَاقٍ، أَوْ بِضَرْبِ وَتَدٍ) - وَلَوْ لِسُتْرَةٍ -، (أَوْ) (لِوَضْعِ دُفٍّ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْجِدَارِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَحْرُمُ أَنْ (يُحْدِثَ عَلَيْهِ سُتْرَةً أَوْ خُصًّا يَحْجِزُ بِهِ) ؛ أَيْ: الْخُصِّ (بَيْنَ السَّطْحَيْنِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) أَوْ شَرِيكِهِ كَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ، (وَكَذَا) يَحْرُمُ (وَضْعُ خَشَبٍ) عَلَى جِدَارِ دَارٍ مُشْتَرَكٍ، (إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ) ؛ فَيَجُوزُ (بِلَا ضَرَرِ حَائِطٍ) نَصًّا، (وَيُجْبَرُ) رَبُّ الْجِدَارِ أَوْ الشَّرِيكُ فِيهِ عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْهُ (إنْ أَبَى بِلَا عِوَضٍ) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ لَأَضَعَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ، وَلِأَحْمِلَنكُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا، وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَأَضَعَنَّ جُذُوعَ الْجِيرَانِ عَلَى أَكْتَافِكُمْ مُبَالَغَةً، وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 بِحَائِطِ جَارِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّهُ؛ أَشْبَهَ الِاسْتِنَادَ إلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَالْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَاقِلِ، وَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ. قَالَ فِي الْمُبْدِعِ؛ (وَإِنْ صَالَحَهُ) عِنْدَ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِهِ (بِشَيْءٍ) . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " (جَازَ) فِي الْأَصَحِّ. (وَيَتَّجِهُ وَلَمْ يَلْزَمْ) الصُّلْحُ (قَبْلَ قَبْضِ) عِوَضٍ صَالَحَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ (وَ) قَبْلَ (وَضْعِ) الْخَشَبِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَقَدْ صَارَ لَازِمًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَجِدَارُ مَسْجِدٍ كَجِدَارِ دَارٍ وَأَوْلَى) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ فِي مِلْكِ الْجَارِ - مَعَ أَنَّ حَقَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ - فَفِي حُقُوقِ اللَّهِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ أَوْلَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ فَتْحِ الْبَابِ وَالطَّاقِ، وَبَيْنَ وَضْعِ الْخَشَبِ أَنَّ الْخَشَبَ يُمْسِكُ الْحَائِطَ وَالطَّاقَ وَالْبَابُ يُضْعِفُهُ، وَوَضْعُ الْخَشَبِ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلِرَبِّ الْحَائِطِ هَدْمُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ. (وَ) جِدَارٌ (مُؤَجَّرٌ كَمُشْتَرَى) فِيمَا تَقَدَّمَ (وَفِي) وَضْعِ خَشَبٍ عَلَى جِدَارٍ (مَوْقُوفٍ) وَقْفًا أَهْلِيًّا أَوْ عَلَى جِهَةِ بِرِّ (الْخِلَافِ) بَيْنَ الْأَصْحَابِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ، (أَوْ) يُقَالُ: إنَّهُ (يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ الْمُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُنَوِّرِ " (وَفِي الْفُرُوعِ وَهُوَ) ؛ أَيْ: جَوَازُ وَضْعِ خَشَبٍ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ (أَوْلَى وَالْمُرَادُ وَلَا ضَرَرَ) فِي وَضْعِهِ عَلَى الْجِدَارِ الْمَوْقُوفِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ) بِنَاءً مُسْتَقِلًّا - وَلَوْ جَعَلَهُ وَقْفًا عَلَى جِهَة بِرٍّ - (عَلَى) جِدَارٍ أَوْ سَقْفٍ (وَقْفٍ) ، أَهْلِيًّا كَانَ الْوَقْفُ أَوْ غَيْرُهُ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ الْمَنْعِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْوَقْفِ إذَا (لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنَافِعُهُ) . وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (مَا) ؛ أَيْ: بِنَاءٌ (يَضُرُّ بِهِ) ؛ أَيْ: الْوَقْفِ، أَمَّا إذَا ضَرَّ بِهِ؛ فَيَحْرُمُ (اتِّفَاقًا) بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، (وَكَذَا إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ) . وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ. وَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ مُسْتَوْفًى. (وَمَنْ مَلَكَ وَضْعَ خَشَبٍ عَلَى حَائِطٍ، فَزَالَ الْخَشَبُ) عَنْ الْحَائِطِ، (أَوْ) زَالَ (الْحَائِطُ، ثُمَّ أُعِيدَ؛ فَلِرَبِّ الْخَشَبِ إعَادَتُهُ) ؛ أَيْ: الْخَشَبِ (بِشَرْطِهِ) بِأَنْ لَا يُمْكِنَ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ بِلَا ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُجَوِّزَ لِوَضْعِهِ مُسْتَمِرٌّ، فَاسْتَمَرَّ اسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ، (وَإِنْ خِيفَ سُقُوطُ الْحَائِطِ بِاسْتِمْرَارِهِ) ؛ أَيْ: الْخَشَبِ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْحَائِطِ بَعْدَ وَضْعِهِ؛ (لَزِمَهُ إزَالَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ، وَ (لَا) تَلْزَمُهُ الْإِزَالَةُ (إنْ اسْتَغْنَى رَبُّ الْخَشَبِ عَنْ إبْقَائِهِ) عَنْ الْحَائِطِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي. " (وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْجِدَارِ) الَّذِي اسْتَحَقَّ الْجَارُ وَضْعَ خَشَبِهِ عَلَيْهِ (هَدَمَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ) ؛ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، (أَوْ) أَرَادَ (إعَارَتَهُ أَوْ إجَارَتَهُ [عَلَى وَجْهٍ] يَمْنَعُ جَارَهُ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ؛ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ بِذَلِكَ حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَاعَهُ؛ صَحَّ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَمْلِكْ الْمُشْتَرِي مَنْعَهُ، وَإِنْ احْتَاجَ رَبُّ الْحَائِطِ إلَى هَدْمِهِ لِلْخَوْفِ مِنْ انْهِدَامِهِ، أَوْ لِتَحْوِيلِهِ إلَى مَكَانٍ آخَرَ، أَوْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ؛ مَلَكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ؛ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ غَيْرُ مُضَارٍّ لِجَارِهِ. (وَمَنْ وَجَدَ بِنَاءَهُ، أَوْ وَجَدَ خَشَبَهُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ، أَوْ) وَجَدَ (مَسِيلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 مَائِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ،) أَوْ جَنَاحَهُ أَوْ سَابَاطَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، (أَوْ) وَجَدَ (مَجْرَى مَاءِ سَطْحِهِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ سَبَبَهُ؛ فَهُوَ) ؛ أَيْ: مَا وَجَدَهُ حَقٌّ (لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَضْعُهُ بِحَقٍّ) مِنْ صُلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ خُصُوصًا مَعَ تَطَاوُلِ الْأَزْمِنَةِ، (فَإِنْ اخْتَلَفَا) [فِي أَنَّهُ وُضِعَ] بِحَقٍّ أَوْ لَا؛ (فَقَوْلُهُ) ؛ أَيْ: صَاحِبِ الْبِنَاءِ وَالْخَشَبِ وَالْمَسِيلِ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ (بِيَمِينِهِ) ؛ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ. (وَلَوْ أَذِنَ جَارٌ لِجَارِهِ فِي الْبِنَاءِ عَلَى حَائِطِهِ، أَوْ فِي وَضْعِ سُتْرَةٍ، أَوْ) فِي وَضْعِ (خَشَبٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: حَائِطِهِ (حَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ وَضْعَهُ) عَلَيْهِ؛ (جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، (وَصَارَ) ذَلِكَ (عَارِيَّةً لَازِمَةً) . وَيَأْتِي. [فَصْلٌ يَجُوزُ لِغَيْرِ مَالِكِ الْجِدَارِ الِاسْتِنَاد إلَيْهِ] (فَصْلٌ) (وَ) يَجُوزُ (لِغَيْرِ مَالِكِ جِدَارٍ اسْتِنَادٌ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: جِدَارِ غَيْرِهِ، (وَ) لَهُ (إسْنَادُ قُمَاشِهِ) وَغَيْرُهُ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ، (وَلَهُ جُلُوسٌ بِظِلِّهِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ - وَالتَّحَرُّزُ مِنْهُ يَشُقُّ - (كَنَظَرِهِ فِي ضَوْءِ سِرَاجِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ) نُصَّ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ (كَتْبُهُ) شَيْئًا (يَسِيرًا) كَكَلِمَةٍ وَسَطْرٍ (بِقَلَمِهِ) ؛ أَيْ: قَلَمِ نَفْسِهِ (مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ) بِلَا إذْنِهِ؛ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ مِمَّا يُتَسَامَحُ بِهِ عَادَةً وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ) : (الْعَيْنُ) كَحَبَّةِ بُرٍّ، (وَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا عَادَةً؛ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهَا عَقْدُ بَيْعٍ، وَلَا) عَقْدُ (إجَارَةٍ اتِّفَاقًا كَمَسْأَلَتِنَا) ؛ أَيْ: كَالِاسْتِنَادِ إلَى الْجِدَارِ وَنَحْوِهِ. (وَإِنْ طَالَبَ شَرِيكٌ فِي حَائِطٍ) انْهَدَمَ، (أَوْ) فِي (سَقْفٍ) فِيمَا بَيْنَهُمَا مُشَاعًا، أَوْ بَيْنَ سُفْلِ أَحَدِهِمَا [وَعُلُوِّ الْآخَرِ] (وَلَوْ وَقْفًا انْهَدَمَ شَرِيكُهُ الْمُوسِرُ) فِيهِ (بِبِنَاءٍ مَعَهُ) ؛ أَيْ: الطَّالِبِ؛ (أُجْبِرَ) الْمَطْلُوبُ عَلَى الْبِنَاءِ مَعَهُ نَصًّا؛ كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 يُجْبَرُ عَلَى (نَقْضِ) ذَلِكَ (عِنْدَ خَوْفِ) [سُقُوطِ] الْحَائِطِ أَوْ السَّقْفِ؛ دَفْعًا لِضَرَرِهِ؛ لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . وَكَوْنُ الْمِلِكِ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ تُوجِبُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ مُسَلَّمٌ، لَكِنَّ حُرْمَةَ الشَّرِيكِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْبِنَاءِ تُوجِبُ ذَلِكَ، (وَيَلْزَمُهُمَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ (نَقْضُهُ) ؛ أَيْ: جِدَارَهُمَا أَوْ سَقْفَهُمَا (إنْ خِيفَ ضَرَرُهُ) ، وَإِلَّا فَلَا، (فَإِنْ أَبَى) شَرِيكٌ الْبِنَاءَ مَعَ شَرِيكِهِ، وَأَجْبَرَهُ عَلَيْهِ حَاكِمٌ، وَأَصَرَّ؛ (أَخَذَ حَاكِمٌ) - تَرَافَعَا إلَيْهِ - (مِنْ مَالِهِ) ؛ أَيْ: الْمُمْتَنِعِ النَّقْدِ، وَأُنْفِقَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، (أَوْ بَاعَ) الْحَاكِمُ (عَرَضَهُ) ؛ أَيْ: الْمُمْتَنِعِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْدٌ، (وَأُنْفِقَ) مِنْ ثَمَنِهِ مَعَ شَرِيكِهِ بِالْمُحَاصَّةِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ لِنَحْوِ تَغْيِيبِ مَالِهِ (اقْتَرَضَ عَلَيْهِ) الْحَاكِمُ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ؛ كَنَفَقَةِ نَحْوِ زَوْجَتِهِ. (وَإِنْ بَنَاهُ) شَرِيكٌ (بِإِذْنِ شَرِيكٍ - وَلَوْ مُعْسِرًا - أَوْ) بَنَاهُ بِإِذْنِ (حَاكِمٍ أَوْ) بِدُونِ إذْنِهِمَا (لِيَرْجِعَ) عَلَى شَرِيكِهِ حَالَ كَوْنِ مَا يَبْنِيهِ (شَرِكَةً؛ رَجَعَ) ؛ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْمُنْفِقِ عَنْهُ، (وَ) إنْ بَنَاهُ (لِنَفْسِهِ بِآلَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُنْهَدِمَ؛ فَالْمَبْنِيُّ (شَرِكَةٌ) بَيْنَهُمَا؛ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْبَانِيَ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى التَّأْلِيفِ، وَهُوَ أَثَرٌ لَا عَيْنٌ يَمْلِكُهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ شَرِيكَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ أَخْذِ نِصْفِ نَفَقَةِ تَأْلِيفِهِ؛ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ. وَإِنْ بَنَى لِنَفْسِهِ (بِغَيْرِ آلَتِهِ) ؛ أَيْ: غَيْرِ آلَةِ الْمُنْهَدِمِ؛ فَالْبِنَاءُ (لَهُ) ؛ أَيْ: الْبَانِي خَاصَّةً، (وَلَهُ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، لَا إنْ دَفَعَ لَهُ شَرِيكُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ) ، فَلَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ، فَأُجْبِرَ عَلَى الْإِبْقَاءِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْبَانِي نَقْضُهُ، وَلَا إجْبَارُ الْبَانِي عَلَى نَقْضِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْ بِنَائِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ إجْبَارَهُ عَلَى نَقْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَطَالَبَهُ الْبَانِي بِالْغَرَامَةِ أَوْ الْقِيمَةِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا إنْ أَذِنَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ رَسْمُ انْتِفَاعٍ وَوَضْعُ خَشَبٍ، وَقَالَ: إمَّا أَنْ تَأْخُذَ مِنِّي نِصْفَ قِيمَتِهِ لِأَنْتَفِعَ بِهِ، أَوْ تُقْلِعَهُ [لِنُعِيدَ الْبِنَاءَ] بَيْنَنَا؛ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ رُسُومِهِ وَانْتِفَاعِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 (وَكَذَا إنْ احْتَاجَ لِعِمَارَةِ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ دُولَابٍ أَوْ نَاعُورَةٍ أَوْ قَنَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ) بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ فَيُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْعِمَارَةِ إنْ امْتَنَعَ، وَفِي النَّفَقَةِ مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ الْعِمَارَةِ إذَا أَرَادَهَا كَالْحَائِطِ، فَإِنْ عَمَرَهُ أَحَدُهُمْ؛ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ الْمُعَمِّرُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ مِلْكِهِمَا، وَإِنَّمَا أَثَّرَ أَحَدُهُمْ فِي نَقْلِ الطِّينِ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِيهِ عَيْنُ مَالٍ. وَالْحُكْمُ فِي الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَائِطِ [تَتِمَّةٌ إذَا كَانَ بَعْضُ شُرَكَاءَ فِي نَهْرٍ أَقْرَبَ إلَى أَوَّلِهِ مِنْ بَعْضٍ] تَتِمَّةٌ إذَا كَانَ بَعْضُ شُرَكَاءَ فِي نَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ أَقْرَبَ إلَى أَوَّلِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ اشْتَرَكَ الْكُلُّ فِي كَرْيِهِ وَإِصْلَاحِهِ حَتَّى يَصِلُوا إلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ إذَا وَصَلُوا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِانْتِهَاءِ اسْتِحْقَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَيَشْتَرِكُ الْبَاقُونَ حَتَّى يَصِلُوا إلَى الثَّانِي، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لَمَا تَقَدَّمَ، وَيَشْتَرِكُ مَنْ بَعْدَ الثَّانِي حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الثَّالِثِ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا كُلَّمَا انْتَهَى الْعَمَلُ إلَى مَوْضِعِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِهِ. (وَمَنْ هَدَمَ بِنَاءً) مُشْتَرَكًا مِنْ حَائِطٍ أَوْ سَقْفٍ (لَهُ فِيهِ حِصَّةٌ. وَيَتَّجِهُ أَوْ لَا) حِصَّةَ لَهُ فِيهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (إنْ خِيفَ سُقُوطُهُ) ؛ وَجَبَ هَدْمُهُ لِذَلِكَ، (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ، (وَإِلَّا) يَخَفْ سُقُوطَهُ؛ وَهَدْمَهُ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، (لَزِمَهُ إعَادَتُهُ كَمَا كَانَ) ؛ لِتَعَدِّيهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ إلَّا بِإِعَادَتِهِ جَمِيعِهِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يُلْزِمُ أَرْشَ نَقْصِهِ بِالنَّقْضِ. (وَإِنْ بَنَيَا مَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) مِنْ الْحَائِطِ أَوْ غَيْرِهِ، (وَالنَّفَقَةُ نِصْفَيْنِ عَلَى أَنْ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ) مِمَّا لِلْآخَرِ؛ بِأَنْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَيْنِ مَثَلًا؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَ عَنْ بَعْضِ مِلْكِهِ بِبَعْضِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَارٍ، فَصَالَحَهُ بِسُكْنَاهَا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 (أَوْ) بَنَيَاهُ عَلَى (أَنْ كُلًّا مِنْهُمَا يُحَمِّلُهُ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ؛ لَمْ يَصِحَّ - وَلَوْ وُصِفَ الْحَمْلُ) لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ. (وَإِنْ عَجَزَ قَوْمٌ عَنْ عِمَارَةِ نَحْوِ قَنَاتِهِمْ) كَنَهَرِهِمْ (وَيَتَّجِهُ أَوْ لَمْ يَعْجِزُوا) عَنْ ذَلِكَ؛ فَالْمَفْهُومُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] . وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَأَعْطَوْهَا لِمَنْ يَعْمُرُهَا، وَيَكُونُ لَهُ مِنْهَا جُزْءٌ مَعْلُومٌ) كَنِصْفٍ أَوْ رُبْعٍ؛ (صَحَّ) كَدَفْعِ رَقِيقٍ لِمَنْ يُرَبِّيهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ، وَغَزْلٍ لِمَنْ يَنْسِجُهُ كَذَلِكَ. (وَمَنْ لَهُ عُلُوٌّ) مِنْ طَبَقَتَيْنِ وَالسُّفْلَى لِلْآخَرِ، (أَوْ لَهُ طَبَقَةٌ ثَانِيَةٌ) ، وَمَا تَحْتَهَا لِغَيْرِهِ، فَانْهَدَمَ السُّفْلُ فِي الْأُولَى وَالْوَسَطِ، أَوْ هُمَا فِي الثَّانِيَةِ؛ (لَمْ يُشَارِكْ) رَبُّ الْعُلُوِّ (فِي) النَّفَقَةِ [عَلَى] (بِنَاءِ) مَا (انْهَدَمَ تَحْتَهُ) مِنْ سُفْلٍ أَوْ وَسَطٍ؛ لِأَنَّ الْحِيطَانَ إنَّمَا تُبْنَى لِمَنْعِ النَّظَرِ وَالْوُصُولِ إلَى السَّاكِنِ، وَهَذَا يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ تَحْتَهُ، دُونَ رَبِّ الْعُلُوِّ، (وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى بِنَائِهِ (مَالِكُهُ) ؛ أَيْ: الْمُنْهَدِمِ تَحْتَهُ؛ لِيَتَمَكَّنَ رَبُّ الْعُلُوِّ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِهِ. وَلَوْ كَانَ السُّفْلُ لِوَاحِدٍ وَالْعُلُوُّ لِآخَرَ، وَتَنَازَعَا فِي السَّقْفِ - وَلَا بَيِّنَةَ - فَالسَّقْفُ بَيْنَهُمَا؛ لِانْتِفَاعِ كُلٍّ بِهِ، لَا لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ وَحْدَهُ. وَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 [كِتَابُ الْحَجْرِ] (كِتَابُ الْحَجْرِ) الْحَجْرُ: هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَالتَّضْيِيقُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَرَامُ حَجْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] ؛ أَيْ: حَرَامًا مُحَرَّمًا، وَسُمِّيَ الْعَقْدُ حَجْرًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ ارْتِكَابِ مَا يَقْبُحُ، وَتَضُرُّ عَاقِبَتُهُ. وَشَرْعًا (مَنْعُ مَالِكٍ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ غَالِبًا) ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ كَالصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ، أَوْ الْحَاكِمِ كَمَنْعِهِ الْمُشْتَرِيَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ حَتَّى يَقْضِيَ الثَّمَنَ الْحَالَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] أَيْ: أَمْوَالَهُمْ، لَكِنْ أُضِيفَتْ إلَى الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ عَلَيْهَا مُدَبِّرُونَ لَهَا وقَوْله تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] الْآيَةَ. (وَ) الْحَجْرُ (لِفَلَسٍ مَنْعُ حَاكِمٍ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ الْمَوْجُودِ) . (وَيَتَّجِهُ وَالْمَعْدُومُ) كَالْمُتَجَدِّدِ بَعْدَ الْحَجْرِ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، (فَلَا) يَجُوزُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَنْ (يُبْرِئَ) مَدِينَهُ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا أَنْ (يُحِيلَ) عَلَيْهِ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ الْبَاقِي (مُدَّةَ الْحَجْرِ) ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْجَمِيعِ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْمُفْلِسُ لُغَةً مَنْ لَا مَالَ) ؛ أَيْ: نَقْدَ (لَهُ) ، وَلَا مَا يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ. (وَ) الْمُفْلِسُ (شَرْعًا مَنْ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ) ، سُمِّيَ مُفْلِسًا - وَإِنْ كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 ذَا مَالٍ - لِأَنَّ مَالَهُ مُسْتَحِقُّ الصَّرْفِ فِي جِهَةِ دَيْنِهِ، فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ، أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يُؤَوَّلُ مِنْ عَدَمِ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاءِ دَيْنِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ إلَّا الشَّيْءَ التَّافِهَ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ كَالْفُلُوسِ وَنَحْوِهَا. (وَالْحَجْرُ) الَّذِي يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهٍ (ضَرْبَانِ) : أَحَدُهُمَا: (لِحَقِّ الْغَيْرِ) ؛ أَيْ: غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ كَالْحَجْرِ (عَلَى مُفْلِسٍ) لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، (وَعَلَى رَاهِنٍ) لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ بَعْدَ لُزُومِهِ، (وَ) عَلَى (مَرِيضِ) مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، (وَ) عَلَى (قِنٍّ وَمُكَاتَبٍ) لِحَقِّ سَيِّدِهِ، (وَ) عَلَى (مُرْتَدٍّ) لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ تَرِكَتَهُ فَيْءٌ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِئَلَّا يُفَوِّتَهُ عَلَيْهِمْ، (وَ) عَلَى (مُشْتَرٍ) فِي شِقْصٍ مَشْفُوعٍ اشْتَرَاهُ (بَعْدَ طَلَبِ شَفِيعٍ) لَهُ لِحَقِّ الشَّفِيعِ، (أَوْ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ) ؛ أَيْ: تَسْلِيمِ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِيَ (الْمَبِيعَ) بِثَمَنٍ حَالٍّ إذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنَ، (وَمَالُهُ بِالْبَلَدِ) أَوْ بِمَكَانٍ (قَرِيبٍ مِنْهُ) ، فَيُحْجَرُ عَلَى مُشْتَرٍ فِي كُلِّ مَالِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ لِحَقِّ الْبَائِعِ. وَتَقَدَّمَ. الضَّرْبُ (الثَّانِي) الْحَجْرُ عَلَى الشِّقْصِ (لِحَظِّ نَفْسِهِ) ؛ كَالْحَجْرِ (عَلَى صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ) ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ عَائِدَةٌ إلَيْهِمْ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِمْ عَامٌّ فِي أَمْوَالِهِمْ وَذِمَمِهِمْ، (وَلَا يُطَالَبُ) مَدِينٌ بِدَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ، (وَلَا يُحْجَرُ) عَلَيْهِ (بِدَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ حُلُولِهِ - (وَلَوْ الْتَزَمَ تَعْجِيلَهُ) - لِأَنَّ الْتِزَامَهُ تَعْجِيلَ ذَلِكَ وَعْدٌ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ. (وَلِغَرِيمٍ مِنْ) أَيْ: مَدِينٍ وَظَاهِرُهُ - وَلَوْ ضَامِنًا - (أَرَادَ سَفَرًا طَوِيلًا) فَوْقَ مَسَافَةِ قَصْرٍ عِنْدَ الْمُوَفَّقِ وَابْنِ أَخِيهِ وَجَمَاعَةٍ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَلَعَلَّهُ أَوْلَى؛ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " " وَالْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِمَا، فَمُقْتَضَاهُ الْعُمُومُ - (وَلَوْ) كَانَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ (حَجًّا وَاجِبًا) - لَتَقَدَّمَ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، (سِوَى سَفَرِ جِهَادٍ مُتَعَيِّنٍ) ؛ لِاسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ لَهُ وَنَحْوِهِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ لَهُ. وَالْفَرْقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 بَيْنَ الْجِهَادِ وَبَيْنَ الْحَجِّ أَنَّ الْجِهَادَ نَفْعُهُ عَامٌّ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، (أَوْ) كَانَ السَّفَرُ (غَيْرَ مَخُوفٍ، أَوْ) كَانَ الدَّيْنُ (لَا يَحِلُّ فِي مُدَّتِهِ) ؛ أَيْ: السَّفَرِ، (وَلَيْسَ بِدَيْنِهِ) ؛ أَيْ: الْغَرِيمِ الَّذِي يُرِيدُ مَدِينُهُ السَّفَرَ (رَهْنٌ يُحْرَزُ) الدَّيْنُ؛ أَيْ: يَفِي بِهِ، (أَوْ) لَيْسَ بِهِ (كَفِيلٌ مَلِيءٌ) قَادِرٌ بِالدَّيْنِ؛ (مَنْعُهُ) ، مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ خَبَرُهُ وَلِغَرِيمِ الْمُتَقَدِّمُ؛ أَيْ: لِرَبِّ الدَّيْنِ مَنْعُ مَدِينَهُ مِنْ السَّفَرِ، (وَمَنْعُ ضَامِنَهُ حَقٌّ يُوَثِّقُهُ بِأَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: بِرَهْنٍ يُحْرَزُ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ بِسَفَرِهِ، وَقُدُومُهُ عِنْدَ مَحَلِّهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَلَا ظَاهِرٌ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ لَا يُحْرَزُ أَوْ كَفِيلٌ غَيْرُ مَلِيءٍ؛ لَهُ مَنَعَهُ أَيْضًا حَتَّى يُوَثِّقَ بِالْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَرِيمُ مَدِينٍ وَضَامِنُهُ السَّفَرَ مَعًا، فَلَهُ مَنْعُهُمَا وَمَنْعُ أَيِّهِمَا شَاءَ حَتَّى يُوَثِّقَ كَمَا سَبَقَ. وَ (لَا) يَمْلِكُ رَبُّ دَيْنٍ (تَحْلِيلَهُ) ؛ أَيْ: الْمَدِينُ (إنْ أَحْرَمَ) - وَلَوْ بِنَفْلٍ قَبْلَ إتْمَامِهِ - قَالَ تَقِيُّ الدِّينِ: لَهُ مَنْعُ عَاجِزٍ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلًا بِبَدَنِهِ؛ أَيْ: لِأَنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ لَهُ مَيْسَرَةٌ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ لِغَيْبَتِهِ عَنْ بَلَدِهِ، فَيَطْلُبُهُ مِنْ الْكَفِيلِ (وَيَجُوزُ سَفَرُهُ) ؛ أَيْ: الْمَدِينُ (قَبْلَ الْمَنْعِ) ؛ أَيْ: قَبْلَ مَنْعِ غَرِيمِهِ إيَّاهُ مِنْ السَّفَرِ (أَوْ) قَبْلَ (الطَّلَبِ) . (وَيَجِبُ فَوْرًا وَفَاءُ) دَيْنٍ (حَالٍّ) بِطَلَبِ رَبِّهِ لَهُ (أَوْ مُؤَجَّلٍ) ابْتِدَاءً، ثُمَّ (حَلَّ) أَجَلُهُ (عَلَى) مَدِينٍ (قَادِرٍ بِطَلَبِ رَبِّهِ) لَهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» . وَبِالطَّلَبِ يَتَحَقَّقُ الْمَطْلُ، (فَلَا يَجِبُ) الْوَفَاءُ (بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: الطَّلَبِ - (وَلَوْ عُيِّنَ وَقْتُ وَفَاءٍ - خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِيمَا يُفْهَمُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَجِبُ عَلَى قَادِرٍ وَفَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ بِطَلَبِ رَبِّهِ أَوْ عِنْدَ أَجَلِهِ إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا. فَأَوْجَبَ الْوَفَاءَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالطَّلَبِ؛ (فَلَا يَتَرَخَّصُ مَنْ سَافَرَ قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: الْوَفَاءُ بَعْدَ الطَّلَبِ (بِفِطْرٍ وَلَا قَصْرِ) رُبَاعِيَّةٍ؛ (وَ) لَا (مَسْحٍ) عَلَى خُفٍّ (ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ بِسَفَرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 (وَيُمْهَلُ) مَدِينٌ (بِقَدْرِ مَا) ؛ أَيْ: مُدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا أَنْ (يُحْضِرَ الْمَالَ) ؛ كَمَا لَوْ طُولِبَ بِمَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ، وَمَالُهُ بِدَارِهِ أَوْ حَانُوتِهِ أَوْ بَلَدٍ آخَرَ، فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُحْبَسُ؛ لِعَدَمِ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْأَدَاءِ، وَ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، (وَيَحْتَاطُ) رَبُّ دَيْنٍ (إنْ خِيفَ هُرُوبُهُ) ؛ أَيْ: الْمَدِينِ (بِمُلَازَمَتِهِ) إلَى وَفَائِهِ، (أَوْ) يَحْتَاطُ (بِكَفِيلٍ مَلِيءٍ، أَوْ تَرْسِيمٍ) عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. (وَكَذَا لَوْ طَلَبَ مَحْبُوسٌ أَوْ وَكِيلُهُ تَمْكِينَهُ مِنْ وَفَاءِ) بَيْعِ سِلْعَةٍ أَوْ احْتِيَالٍ عَلَى اقْتِرَاضٍ، فَيُمَكَّنُ مِنْهُ، وَيَحْتَاطُ إنْ خِيفَ هُرُوبُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَفِي " الْمُغْنِي " لِغُرْمِ) مَدِينٍ (مُوسِرٍ مُمْتَنِعٍ مِنْ قَضَاءِ) مَا عَلَيْهِ (مُلَازَمَتُهُ، وَ) لَهُ (الْإِغْلَاظُ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ؛ كَيَا ظَالِمُ يَا مُتَعَدِّي) يَا مُمَاطِلُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَلِيقُ بِحَالِهِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ وَيَأْتِي. (وَإِنْ مَطَلَهُ) ؛ أَيْ: مَطَلَ الْمَدِينُ رَبَّ الدَّيْنِ (حَتَّى شَكَاهُ) رَبُّ الدَّيْنِ؛ (وَجَبَ عَلَى حَاكِمٍ) ثَبَتَ لَدَيْهِ (أَمْرُهُ بِوَفَائِهِ بِطَلَبِ غَرِيمِهِ) وُجُوبًا إنْ عَلِمَ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ، أَوْ جَهِلَ لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ، (وَلَمْ يَحْجُرْ) ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَيَقْضِي دَيْنَهُ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا تُتَّقَى شُبْهَةٌ بِتَرْكِ وَاجِبٍ. (وَمَا غُرِّمَ) رَبُّ دَيْنٍ (بِسَبَبِهِ) ؛ أَيْ: بِسَبَبِ مَطْلِ مَدِينٍ أَحْوَجَ رَبَّ الدَّيْنِ إلَى شَكَوَاهُ؛ (فَعَلَى مُمَاطِلٍ) لِتَسَبُّبِهِ فِي غُرْمِهِ، أَشْبَهُ مَا لَوْ تَعَدَّى عَلَى مَالٍ لِحَمْلِهِ أُجْرَةً، وَحَمَلَهُ لِبَلَدٍ آخَرَ، وَغَابَ؛ ثُمَّ غَرِمَ مَالِكُهُ أُجْرَةَ حَمْلِهِ لِعَوْدِهِ إلَى مَحَلِّهِ الْأَوَّلِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ تَعَدَّى بِنَقْلِهِ. (وَإِنْ تَغَيَّبَ مَضْمُونٌ) عَنْهُ - (أَطْلَقَهُ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (فِي مَوْضِعٍ وَقَيَّدَهُ فِي) مَوْضِعٍ (آخَرَ بِقَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ، فَغَرِمَ ضَامِنٌ بِسَبَبِهِ) ؛ رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ، (أَوْ غَرِمَ شَخْصٌ لِكَذِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ أَمْرٍ؛ رَجَعَ غَارِمٌ) بِمَا غَرِمَهُ (عَلَى كَاذِبٍ وَمَضْمُونٍ) عَنْهُ؛ (وَإِنْ ضَمِنَهُ بِإِذْنِهِ) ، وَإِنْ ضَمِنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ فَلَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ، وَلَا تَسَبُّبَ (وَإِنْ أَهْمَلَ شَرِيكٌ بِنَاءَ حَائِطِ بُسْتَانٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ (وَقَدْ اتَّفَقَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَانِ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْبِنَاءِ وَبَنَى شَرِيكُهُ، (وَيَتَّجِهُ أَوْ طَلَبَ) شَرِيكٌ (مِنْهُ) أَنْ يَبْنِيَ مَعَهُ، (فَأَهْمَلَ) ذَلِكَ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَمَا تَلِفَ مِنْ ثَمَرَتِهِ) ، أَيْ: الْبُسْتَانِ، (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أ (وَ) تَلِفَ (مِنْ شَجَرِهِ) بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا - وَهُوَ مُتَّجِهٌ (بِسَبَبِ ذَلِكَ الْإِهْمَالِ؛ ضَمِنَهُ) ؛ أَيْ: ضَمِنَ التَّالِفَ مِنْ حِصَّةِ شَرِيكِهِ؛ لِحُصُولِ تَلَفِهِ بِسَبَبِ تَفْرِيطِهِ (وَلَوْ أَحْضَرَ مُدَّعَى) عَلَيْهِ مُدَّعَى (بِهِ) لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً تَقَعُ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهِ (وَلَمْ يَثْبُتْ لِمُدَّعٍ - لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي (مُؤْنَةَ إحْضَارِهِ وَرَدِّهِ) إلَى مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الرُّجُوعُ بِالْغُرْمِ عَلَى مَنْ تَسَبَّبَ فِيهِ ظُلْمًا، (وَإِلَّا) ؛ بِأَنْ أَثْبَتَهُ؛ (لَزِمَتْ) مُؤْنَةُ الْإِحْضَارِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ (الْمُنْكِرَ) ؛ لِحَدِيثِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» . (فَإِنْ أَبَى) مَدِينٌ وَفَاءَ مَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَمْرِ الْحَاكِمِ لَهُ بِطَلَبِ رَبِّهِ؛ (حَبَسَهُ) ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا «لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ وَكِيعٌ -: عِرْضُهُ شَكَوَاهُ وَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَيْثُ تَوَجَّهَ حَبْسُهُ - (وَلَوْ) كَانَ (أَجِيرًا) خَاصًّا (فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ) كَانَ (امْرَأَةً مُزَوَّجَةً) - لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَالزَّوْجِيَّةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْحَبْسِ قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ وَلَا يَجِبُ حَبْسُهُ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ، بَلْ الْمَقْصُودُ مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَقَّ؛ فَيُحْبَسُ وَلَوْ فِي دَارِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْخُرُوجِ. (فَإِنْ أَبَى) مَحْبُوسٌ مُوسِرٌ دَفْعَ مَا عَلَيْهِ؛ (عَزَّرَهُ) حَاكِمٌ، (وَيُكَرِّرُ) حَبْسَهُ وَتَعْزِيرَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ؛ كَالْقَوْلِ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 (وَلَا يُزَادُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى أَكْثَرِ التَّعْزِيرِ) ؛ أَيْ: الْعَشْرِ ضَرَبَاتٍ، (فَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى الْقَضَاءِ مَعَ مَا سَبَقَ؛ (بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَقَضَاهُ) . نَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا تَقَاعَدَ بِحُقُوقِ النَّاسِ يُبَاعُ عَلَيْهِ، وَيُقْضَى؛ أَيْ: لِقِيَامِ الْحَاكِمِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ. [فَائِدَةٌ حَبْسُ الْمُوسِر الْمُمْتَنِع مِنْ دَفْعِ مَا عَلَيْهِ] فَائِدَةٌ: قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَالْقَوْلُ بِالْحَبْسِ اخْتَارَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَا تَخْلُصُ الْحُقُوقُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ إلَّا بِهِ وَبِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ. وَقَالَ فِي " الْإِفْصَاحِ ": أَوَّلُ مَنْ حَبَسَ عَلَى الدَّيْنِ شُرَيْحٌ الْقَاضِي، وَمَضَتْ السُّنَّةُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ عَلَى الدُّيُونِ، لَكِنْ يَتَلَازَمُ الْخَصْمَانِ، (وَإِلَّا) يَظْهَرُ لَهُ مَالٌ (فَلَيْسَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ (إخْرَاجُهُ) ؛ أَيْ: الْمَدِينَ مِنْ الْحَبْسِ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرَهُ) ؛ أَيْ: أَنَّهُ مُعْسِرٌ، فَيَجِبُ إطْلَاقُهُ، (أَوْ يُبْرِئُهُ) غَرِيمُهُ، (أَوْ يُوَفِّيهِ) دَيْنَهُ، أَوْ يَرْضَى الْغَرِيمُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ حَقٌّ لِرَبِّ الدَّيْنِ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ. (وَلَيْسَ عَلَى مَحْبُوسٍ قَبُولُ مَا يَبْذُلُهُ غَرِيمُهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنَّةٌ فِيهِ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مَذَلَّةِ النَّفْسِ أَوْ انْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا (وَيَجِبُ تَخْلِيَتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَحْبُوسِ (وَإِنْظَارُهُ إنْ بَانَ مُعْسِرًا) ، سَوَاءً رَضِيَ غَرِيمُهُ أَوْ سَخِطَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ؛ قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": لَيْسَ لَهُ إثْبَاتُ إعْسَارِهِ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ حَبَسَهُ بِلَا إذْنِهِ، (وَفِي إنْظَارِهِ) ؛ أَيْ: الْمُعْسِرَ (فَضْلٌ عَظِيمٌ) ؛ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، (وَتَحْرُمُ مُطَالَبَتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَدِينُ الَّذِي ظَهَرَتْ عُسْرَتُهُ بِمَا عَجَزَ عَنْهُ (وَمُلَازَمَتُهُ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 لِلْآيَةِ، «وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِغُرَمَاءِ الَّذِي كَثُرَ دَيْنُهُ؛ خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» . (فَإِنْ ادَّعَى) مَدِينٌ (الْعُسْرَةَ) ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ رَبُّ الدَّيْنِ، (وَدَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ مَالِيٍّ كَثَمَنِ) مَبِيعٍ (وَ) ؛ بَدَلِ (قَرْضٍ وَأُجْرَةِ) مَأْجُورٍ، حُبِسَ، (أَوْ) كَانَ دَيْنُهُ (عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ مَالِيٍّ؛ كَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ) وَضَمَانٍ (وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَنَفَقَةِ زَوْجَةٍ، وَ) كَانَ الْمَدِينُ (أَقَرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ، أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ - وَالْغَالِبُ بَقَاؤُهُ - حُبِسَ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ) مَدِينٌ (بَيِّنَةً بِالْإِعْسَارِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِإِعْسَارِهِ (أَنْ تَخْبُرَ بَاطِنَ حَالِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا فِي الْغَالِبِ إلَّا الْمُخَالِطُ لَهُ، لَا يُقَالُ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ؛ فَلَا تُسْمَعُ؛ كَالشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا دَيْنَ لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ لَا تُرَدُّ مُطْلَقًا؛ إذْ لَوْ شَهِدَتْ؛ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ؛ قُبِلَتْ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ، وَإِنْ كَانَتْ تَتَضَمَّنُ النَّفْيَ، فَهِيَ تُثْبِتُ حَالَةً تَظْهَرُ وَتَقِفُ عَلَيْهَا الْمُشَاهَدَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْهَدُ بِهِ حَالَةً يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَتِهِ. (وَلَا يَحْلِفُ مَدِينٌ مَعَهَا) ، أَيْ: مَعَ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِإِعْسَارِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الْبَيِّنَةِ، (أَوْ) إلَّا أَنْ (يَدَّعِيَ نَحْوَ تَلَفٍ) لِمَالِهِ وَنَفَادِهِ فِي نَفَقَةٍ أَوْ وَضِيعَةٍ، (وَيُقِيمُ بِهِ) ؛ أَيْ: التَّلَفِ وَنَحْوِهِ (بَيِّنَةً) ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ تَخْبُرَ بَاطِنَ حَالِهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ وَالنَّفَادَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَنْ خَبِرَ بَاطِنَ حَالِهِ وَغَيْرُهُ؛ (وَيَحْلِفُ) الْمَدِينُ (مَعَهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِتَلَفِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ (أَنَّهُ مُعْسِرٌ) ، إنْ طَلَبَ رَبُّ الْحَقِّ يَمِينَهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ غَيْرُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، (وَيَكْفِي فِي الْحَالَيْنِ أَنْ تَشْهَدَ بِالتَّلَفِ أَوْ الْإِعْسَارِ) يَعْنِي يَكْفِي فِي الْإِعْسَارِ أَنْ تَشْهَدَ بِهِ، وَفِي التَّلَفِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، (وَتُسْمَعَ) بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ أَوْ التَّلَفِ وَنَحْوِهِ (قَبْلَ حَبْسِ) الْمَدِينِ؛ كَمَا تُسْمَعُ (بَعْدَهُ) - وَلَوْ بِيَوْمٍ - لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ جَازَ سَمَاعُهَا بَعْدُ جَازَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 سَمَاعُهَا فِي الْحَالِ. ، وَإِنْ سَأَلَ مُدِعٍّ حَاكِمًا تَفْتِيشَ مَدِينٍ مُدَّعِيًا أَنْ الْمَالَ مَعَهُ؛ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ، (أَوْ) إلَّا أَنْ (يُسْأَلَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - أَيْ: يَسْأَلُ الْمَدِينُ (الْمُدَّعِيَ عَنْ عِلْمِ حَالِهِ) ، فَتَكُونَ دَعْوَى مُسْتَقِلَّةً (فَيُصَدِّقُ) الْمُدَّعِي الْمَدِينَ (أَنَّهُ مُعْسِرٌ، فَلَا يُحْبَسُ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عُسْرَتِهِ، أَوْ عَلَى نَفَادِ مَالِهِ، أَوْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَنْكَرَ مُدَّعٍ) عُسْرَةَ مَدِينٍ، (وَحَلَفَ) مُدَّعٍ (بِحَسَبِ جَوَابِهِ) ؛ أَيْ: حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ أَوْ أَنَّهُ مُوسِرٌ أَوْ ذُو مَالٍ أَوْ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ؛ حُبِسَ، (أَوْ أَقَامَ) مُدَّعٍ (بَيِّنَةً بِقُدْرَتِهِ) ؛ أَيْ: قُدْرَةِ مُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْوَفَاءِ؛ (حُبِسَ) ؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِ عُسْرَتِهِ إلَى أَنْ يَبْرَأَ أَوْ تَظْهَرَ عُسْرَتُهُ. (وَإِلَّا) يَكُنْ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ؛ كَصَدَاقٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَلَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ، وَلَمْ يَحْلِفْ مُدَّعِي طَلَبٍ يَمِينَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ؛ (حَلَفَ مَدِينٌ) أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، (وَخُلِّيَ) سَبِيلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ عُقُوبَةٌ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ ذَنْبٌ يُعَاقَبُ بِهِ. (وَحَرُمَ إنْكَارُ مُعْسِرٍ وَحَلِفُهُ) لَا حَقَّ عَلَيْهِ، (وَلَوْ تَأَوَّلَ) بِحَلِفِ كُنْيَتِهِ بِحَلِفِهِ (لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ الْآنَ) ؛ فَلَا يَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ؛ لِظُلْمِهِ رَبَّ الدَّيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ جَوَازِ تَأَوُّلِ الْمَدِينِ بِحَلِفِهِ (إنْ نَوَى بِقَلْبِهِ عَدَمَ الْوَفَاءِ بَعْدَ) ذَلِكَ؛ أَيْ: وَقْتَ إيسَارِهِ، (وَإِلَّا) تَكُنْ نِيَّةُ عَدَمِ الْوَفَاءِ، (فَلَا) يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّأْوِيلُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَيْهِ يَجِبُ وَفَاؤُهُ حِينَئِذٍ، وَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الِاتِّجَاهَ فِي " الْإِنْصَافِ " قَالَ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ مَا ذَكَرَ: قُلْتُ لَوْ قِيلَ بِجَوَازِهِ إذَا تَحَقَّقَ ظُلْمُ رَبِّ الْحَقِّ لَهُ وَحَبْسُهُ وَمَنْعُهُ مِنْ الْقِيَامِ عَلَى عِيَالِهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 (وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِمُفْلِسٍ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ، فَأَنْكَرَ) الْمُفْلِسُ، وَلَمْ يُقِرَّ بِالْمَالِ لِأَحَدٍ؛ (أَوْ أَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ، فَكَذَّبَهُ زَيْدٌ قَضَى مِنْهُ دَيْنَهُ) ، وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ. قَالَ " فِي الْفُرُوعِ ": وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ لَهَا تَقَدُّمُ دَعْوَى. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ؛ أَيْ: مِنْ الْمَالِكِ بَلْ قَدْ تَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى الْغَرِيمِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ أَوْ لِلْمُقِرِّ لَهُ بَيِّنَةٌ قُدِّمَتْ لِإِقْرَارِ رَبِّ الدَّيْنِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْضَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ لَهُ بِهِ تُكَذِّبُهُ فِي إقْرَارِهِ مَعَ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ، وَ (لَا) يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ (إنْ صَدَّقَهُ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسُ (زَيْدٌ، فَيَأْخُذُهُ) ؛ أَيْ: الْمَالَ زَيْدٌ (بِيَمِينِهِ) ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ عَمَلًا بِإِقْرَارِ رَبِّ الدَّيْنِ. (وَإِنْ سَأَلَ غُرَمَاءُ مَنْ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ) الْحَالِّ (أَوْ) (سَأَلَ بَعْضُهُمْ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمَدِين؛ (لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمَ (إجَابَتُهُمْ) ؛ أَيْ: السَّائِلِينَ، وَحَجَر عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَر عَلَى مُعَاذٍ، وَبَاعَ مَالَهُ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ فَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ؛ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ، (لَا إنْ سَأَلَهُ الْمُفْلِسُ) أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ، فَلَا تَلْزَمُ الْحَاكِمَ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِغُرَمَائِهِ، لَا لَهُ. (وَسُنَّ إظْهَارُ حَجْرِ سَفَهٍ وَفَلَسٍ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ [لِيَنْتَشِرَ ذَلِكَ] ) بَيْنَ النَّاسِ، (وَتُجْتَنَبَ مُعَامَلَتُهُ) ، وَيُسَنُّ لِلْحَاكِمِ الْإِشْهَادُ عَلَى حَجْرِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا عُزِلَ أَوْ مَاتَ، فَيَثْبُتُ الْحَجْرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْآخَرِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ابْتِدَاءِ حَجْرٍ ثَانٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ، (وَتَصَرُّفُ مُفْلِسٍ قَبْلَ حَجْرٍ) عَلَيْهِ (فِي مَالِهِ مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِقْرَارٍ نَافِذٌ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَالِكٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، (وَلَوْ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ مَالِهِ مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ) عَلَى الْمَدِينِ التَّصَرُّفُ (إنْ أَضَرَّ) تَصَرُّفُهُ (بِغَرِيمِهِ) . وَتَقَدَّمَ. [فَصْلٌ أَحْكَامٌ أَرْبَعَةٌ تَتَعَلَّقُ بِحَجْرِ الْمُفْلِسِ] (فَصْلٌ) (وَيَتَعَلَّقُ بِحَجْرِ الْمُفْلِسِ أَحْكَامٌ) أَرْبَعَةٌ. (أَحَدُهَا تَعَلُّقُ حَقِّ غُرَمَائِهِ) مَنْ سَأَلَ الْحَجْرَ وَغَيْرُهُ (بِمَالِهِ) الْمَوْجُودِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 وَالْحَادِثِ بِنَحْوِ إرْثٍ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِي دُيُونِهِمْ، فَتَعَلَّقَتْ حُقُوقُهُمْ بِهِ؛ كَالرَّهْنِ، (فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقِرَّ بِهِ) الْمُفْلِسُ (عَلَيْهِمْ) ؛ أَيْ: الْغُرَمَاءِ (وَلَوْ) كَانَ إقْرَارُهُ (بِزَكَاةٍ أَوْ) كَانَ الْمُفْلِسُ (قَصَّارًا) أَوْ حَائِكًا (أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ) مِنْ الْمَتَاعِ (لِأَرْبَابِهِ) ؛ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ؛ (بَلْ) يَكُونُ مَا أَقَرَّ بِهِ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ؛ (كَرَاهِنٍ) أَقَرَّ بِأَنَّ الرَّهْنَ لِزَيْدٍ مَثَلًا، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ، بَلْ يُبَاعُ بِدَيْنِهِ حَيْثُ جَازَ بَيْعُ الرَّهْنِ، وَيُتْبَعُ بِهِ لِزَيْدٍ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ. (وَلَا) يَصِحُّ (أَنْ يَتَصَرَّفَ) مُفْلِسٌ (فِيهِ) أَيْ: مَالِهِ (بِغَيْرِ تَدْبِيرٍ، وَقِيَاسُهُ) ؛ أَيْ: التَّدْبِيرِ (الْوَصِيَّةُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَخُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَلِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَا يُعْتَقُ إلَّا إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ وَفَاءِ الدُّيُونِ. وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " (وَغَيْرُ صَدَقَةٍ بِتَافِهٍ) ؛ أَيْ: يَسِيرٍ فَيَصِحُّ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ " بِشَرْطِ أَنْ لَا يَضُرَّ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ مِمَّا جَرَتْ بِهِ، وَتُسَامِحُ بِمِثْلِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي " الْإِقْنَاعِ " وَشَرْحِهِ وَلَوْ كَانَ تَصَرُّفُهُ عِتْقًا أَوْ صَدَقَةً بِشَيْءٍ كَثِيرٍ أَوْ يَسِيرٍ، فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ. (وَلَا) يَصِحُّ (أَنْ يَبِيعَهُ) الْمُفْلِسُ؛ أَيْ: مَالَهُ (لِغُرَمَائِهِ) كُلِّهِمْ (أَوْ بَعْضِهِمْ بِكُلِّ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ؛ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ إلَّا لِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ - وَالْقَوْلُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ يُبْطِلُهُ - وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِلْحَاكِمِ فِيهِ، بِخِلَافِ مَالِ الْمُفْلِسِ؛ لِاحْتِمَالِ غَرِيمٍ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَصَرَّفَ فِي اسْتِيفَاءِ دَيْنٍ أَوْ الْمُسَامَحَةِ فِيهِ وَنَحْوِهِ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ؛ لَمْ يَصِحَّ. (وَيَصِحُّ) مِنْ مُفْلِسٍ تَصَرُّفٌ غَيْرُ مُسْتَأْنَفٍ؛ (كَإِمْضَاءِ خِيَارٍ وَفَسْخٍ لِعَيْبٍ) فِيمَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ إتْمَامٌ لِتَصَرُّفٍ سَابِقٍ عَلَى حَجْرِهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 مِنْهُ؛ كَاسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ أُودِعَهَا قَبْلَ حَجْرِهِ - (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) فِي إمْضَائِهِ (حَظٌّ) - لِمَا ذَكَرنَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (لَا مَعَ ضَرَرِ) غُرَمَائِهِ بِهَذَا الْإِمْضَاءِ؛ فَلَا يَصِحُّ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُكَفِّرُ هُوَ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسُ بِصَوْمٍ لِئَلَّا يَضُرَّ بِغُرَمَائِهِ، (وَ) يُكَفِّرُ (سَفِيهٌ) وُجُوبًا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) ضَعِيفٍ (وَ) يُكَفِّرُ (صَغِيرٌ) أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ الْقَلَمُ. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الْمَذْهَبِ، بَلْ لِلْمُصَنِّفِ نَفْسِهِ فِي الْحَجِّ (بِصَوْمٍ) ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا مِنْ مَالِهِ يَضُرُّ بِهِ وَلِلْمَالِ الْمُكَفَّرِ بِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ لَا مَالَ لَهُ. (فَإِنْ أَعْتَقَا) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسُ وَالسَّفِيهُ؛ (لَمْ يَصِحَّ) عِتْقُهُمَا، لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا إنْ فُكَّ حَجْرُ مَحْجُورٍ) عَلَيْهِ، (وَقَدَرَ) عَلَى مَالٍ يُكَفِّرُ بِهِ (قَبْلَ تَكْفِيرِهِ) ؛ فَكَمُوسِرٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ أَيْ: فَيُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَقْتَ الْأَدَاءِ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ. (وَيَتَّجِهُ فَيُخَيَّرُ) مَنْ أَيْسَرَ قَبْلَ تَكْفِيرِهِ بَيْنَ فِعْلِ الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ؛ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَقْتُ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَأْتِي فِي الظِّهَارِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. بَلْ الْمَصِيرُ إلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ. (وَإِنْ تَصَرَّفَ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ (فِي ذِمَّتِهِ بِنَحْوِ شِرَاءٍ وَاسْتِئْجَارٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 وَإِقْرَارٍ) وَإِصْدَاقٍ وَضَمَانٍ؛ (صَحَّ) لِأَهْلِيَّتِهِ لِلتَّصَرُّفِ، وَالْحَجْرُ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ لَا بِذَمَّتِهِ، (وَتَبِعَ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ (بِهِ) ؛ أَيْ: بِمَا لَزِمَهُ بِذِمَّتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ (بَعْدَ فَكِّهِ) ؛ أَيْ: الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ مَنَعَ تَعَلُّقِهِ بِمَالِهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ السَّابِقِ عَلَيْهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى فَقَدْ زَالَ الْمُعَارِضُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْغُرَمَاءَ. (وَلَوْ عَزَا مَا أَقَرَّ بِهِ لِمَا قَبْلَ حَجْرٍ) أَوْ بَعْدَهُ؛ بِأَنْ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْهُ كَذَا قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ أُطْلِقَ، (وَكَذَا مَا ثَبَتَ) عَلَى الْمُفْلِسِ (بِنُكُولٍ) عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ تَوَجُّهِهَا عَلَيْهِ، فَيُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ، وَ (لَا) كَذَلِكَ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ (بِبَيِّنَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُشَارِكُ بِهِ صَاحِبُهُ الْغُرَمَاءَ؛ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ. (وَإِنْ جَنَى) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا أَوْ قِصَاصًا، وَاخْتِيرَ الْمَالُ؛ (شَارَكَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءَ) ؛ لِثُبُوتِ حَقِّهِ عَلَى الْجَانِي بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ؛ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْجَانِي قَبْلَ الْحَجْرِ، (وَقُدِّمَ) - بِالْبِنَاءِ. لِلْمَفْعُولِ - (مَنْ جُنِيَ عَلَيْهِ قِنُّهُ) ؛ أَيْ الْمُفْلِسُ (بِهِ) ؛ أَيْ: بِالْقِنِّ الْجَانِي؛ كَتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ؛ كَمَا يُقَدَّمُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَغَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ تَقْدِيمِ حَقِّ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ بِالْقِنِّ الْجَانِي (مَا لَمْ يَكُنْ) جَنَى الْقِنُّ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) مَعَ جَهْلِهِ التَّحْرِيمَ وَعَدَمِ وُجُوبِ الطَّاعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِإِذْنِهِ فَلَا تَقْدِيمَ؛ (لِتَعَلُّقِهَا) حِينَئِذٍ (بِذِمَّتِهِ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْجَانِي، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ؛ كَمَا يَأْتِي وَهُوَ مُتَّجِهٌ الْحُكْمُ (الثَّانِي) : مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَجْرِ (إنْ وَجَدَ عَيْنَ مَا بَاعَهُ) لِلْمُفْلِسِ (أَوْ) عَيْنَ مَا (أَقْرَضَهُ) لَهُ (أَوْ) عَيْنَ مَا (أَصْدَقَهُ ثُمَّ تَنَصَّفَ) الْمَهْرُ بِفِرَاقِهِ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، (أَوْ أُسْقِطَ) ؛ كَفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ - وَقَدْ أَفْلَسَتْ - وَوَجَدَ الزَّوْجُ عَيْنَ مَالِهِ، (وَلَوْ بَعْدَ حَجْرِهِ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ) ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، (أَوْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 وَجَدَ (مَا أَعْطَاهُ لَهُ رَأْسَ مَالٍ سُلِّمَ، أَوْ) وَجَدَ شَيْئًا (أَجَرَهُ) لِلْمُفْلِسِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُؤَجِّرُ لِلْمُفْلِسِ (نَفْسُهُ) ؛ أَيْ: غَرِيمُ الْمُفْلِسِ، (وَلَمْ يَمْضِ مِنْ مُدَّتِهَا) ؛ أَيْ: الْإِجَارَةِ (شَيْءٌ وَيَتَّجِهُ) كَوْنُ ذَلِكَ الشَّيْءِ (لَهُ وَقَعَ) فِي الْأُجْرَةِ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنْ مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ لَهُ وَقَعَ؛ فَلَا فَسْخَ؛ تَنْزِيلًا لِلْمُدَّةِ مَنْزِلَةَ الْمَبِيعِ وَمُضِيِّ بَعْضِهِ كَتَلَفِ بَعْضِهِ، وَكَذَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَهُ الْفَسْخُ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ وَجَدَ شِقْصًا أَخَذَهُ مُفْلِسٌ بِشُفْعَةٍ؛ فَهُوَ) ؛ أَيْ: وَاجِدُ عَيْنِ مَالِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ (أَحَقُّ بِهَا) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ أَفْلَسَ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالَفَهُمَا. أَمَّا مَنْ عَامَلَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ جَاهِلًا؛ فَلِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَلَيْسَ مُقَصِّرًا بِعَدَمِ السُّؤَالِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ عَدَمُ الْحَجْرِ، فَإِنْ عَلِمَ بِالْحَجْرِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهَا؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَيُتْبَعُ بِبَدَلِهَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ، وَحَيْثُ كَانَ رَبُّهَا أَحَقَّ بِهَا، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا. (وَلَوْ قَالَ الْمُفْلِسُ: أَنَا أَبِيعُهَا وَأُعْطِيكَ ثَمَنَهَا) ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَلَهُ أَخْذُ سِلْعَتِهِ نَصًّا؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَوْ (بَذَلَهُ) ؛ أَيْ: الثَّمَنَ (غَرِيمٌ) مِنْ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ لِرَبِّ السِّلْعَةِ، فَإِنْ بَذَلَهُ لِلْمُفْلِسِ، ثُمَّ بَذَلَهُ هُوَ لِرَبِّهَا؛ فَلَا فَسْخَ لَهُ، (أَوْ خَرَجَتْ) السِّلْعَةُ، فَإِنْ بَذَلَهُ لِلْمُفْلِسِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَعَادَتْ لِمِلْكِهِ) بِفَسْخٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ كَمَا لَوْ وَهَبَهَا لِوَلَدِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ. (وَيَتَّجِهُ) كَوْنُ عَوْدِهَا لِمِلْكِهِ (بِغَيْرِ وَقْفٍ) ؛ أَمَّا لَوْ بَاعَهَا لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ وَقَفَهَا مُشْتَرِيهَا عَلَى مَحْجُورٍ عَلَيْهِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِرَبِّهَا عَلَيْهَا؛ لِوُقُوعِ الْوَقْفِ لَازِمًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 (وَقَرَعَ إنْ بَاعَهَا) ؛ أَيْ بَاعَ السِّلْعَةَ الْمُفْلِسُ، (ثُمَّ اشْتَرَاهَا) مِنْ مُشْتَرٍ مِنْهُ أَوْ غَيْرِهِ (بَيْنَ الْبَائِعَيْنِ) فَمَنْ قَرَعَ الْآخَرَ كَانَ أَحَقَّ بِهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ عِنْدَ مَنْ أَفْلَسَ - وَلَا مُرَجِّحَ - فَاحْتِيجَ إلَى تَمْيِيزِهِ بِالْقُرْعَةِ، وَلَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى سُقُوطِ حَقِّهِمَا مِنْ الرُّجُوعِ فِيهَا، فَلَا يُقَالُ كُلٌّ مِنْ الْبَائِعَيْنِ تَعَلَّقَ اسْتِحْقَاقُهُ بِهَا، بَلْ يُقَالُ أَحَدُهُمَا أَحَقُّ بِأَخْذِهَا لَا بِعَيْنِهِ، فَيُمَيِّزُ بِقُرْعَةٍ وَالْمَقْرُوعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَمَنْ قُلْنَا إنَّهُ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ الَّذِي أَدْرَكَهُ لَهُ [تَرْكَهُ] وَالضَّرْبُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَإِذَا تَرَكَ أَحَدُ الْبَائِعَيْنِ فِيمَا سَبَقَ تَمْثِيلُهُ تَعَيَّنَ الْآخَرُ وَلَا يُحْتَاجُ لِقُرْعَةٍ. (وَشُرِطَ) لِرُجُوعِ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَهُ سِتَّةُ شُرُوطٍ، شَرْطٌ فِي الْمُفْلِسِ وَالْبَائِعِ، وَشَرْطٌ فِي الْعِوَضِ، وَأَرْبَعَةٌ فِي الْعَيْنِ، وَإِلَى الْأَوَّلِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (كَوْنُ) كُلٍّ مِنْ (مُفْلِسٍ وَبَائِعٍ حَيًّا) إلَى أَخْذِهَا. جَزَمَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " أَنَّ لِلْبَائِعِ أَخْذُهَا دُونَ وَرَثَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ حَيًّا؛ إذْ لَا رُجُوعَ لِلْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ حَيًّا (إلَى أَخْذِهَا) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا، فَوَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» . رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد مُسْنَدًا، وَقَالَ: حَدِيثُ مَالِكٍ أَصَحُّ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ مِنْ الْمُفْلِسِ إلَى الْوَرَثَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي: (بَقَاءُ كُلِّ عِوَضِهَا) ؛ أَيْ: الْعَيْنِ (فِي ذِمَّتِهِ) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 الْمُفْلِسِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلِمَا فِي الرُّجُوعِ مِنْ قِسْطِ بَاقِي الْعِوَضِ مِنْ التَّشْقِيصِ وَإِضْرَارِ الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَرْغَبُ فِيهِ كَالرَّغْبَةِ فِي الْكَامِلِ، (لَا إنْ دَفَعَ) الْمُفْلِسُ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ شَيْئًا، (أَوْ أُبْرِئَ مِنْ بَعْضِهِ) ؛ أَيْ: الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ أَوْ الْقَرْضِ أَوْ السَّلَمِ، فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ (كَوْنُ كُلِّهَا) ؛ أَيْ: السِّلْعَةِ (فِي مِلْكِهِ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ، فَلَا رُجُوعَ إنْ تَلِفَ بَعْضُهَا أَوْ بِيعَ أَوْ وُقِفَ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ وَنَحْوَهُ إذَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَتَاعَهُ، وَإِنَّمَا أَدْرَكَ بَعْضَهُ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ بِأَخْذِ الْبَعْضِ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَانْقِطَاعُ مَا بَيْنَهُمَا، وَسَوَاءٌ رَضِيَ بِأَخْذِ الْبَاقِي بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ بِقِسْطِهِ؛ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، (إلَّا إذَا جَمَعَ الْعَقْدَ عَدَدًا) ، كَثَوْبَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَيَأْخُذُ بَائِعٌ وَنَحْوُهُ مَعَ تَعَذُّرِ بَعْضِهِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَيْنِ السَّالِمَةِ نَصًّا؛ لِأَنَّ السَّالِمَ مِنْ الْعَيْنَيْنِ وَجَدَهُ رَبُّهُ بِعَيْنِهِ، فَيُؤْخَذُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ لَا) يَجْمَعُ الْعَقْدُ عَدَدًا، (وَ) لَكِنْ (كَانَ) الْمَبِيعُ وَنَحْوُهُ (مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا) ؛ كَقَفِيزِ بُرٍّ وَقِنْطَارِ حَدِيدٍ تَلِفَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَوْ نَحْوِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَيَأْخُذُ) بَائِعٌ وَنَحْوُهُ (مَعَ تَعَذُّرِ بَعْضِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ بِتَلَفِ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ أَوْ بَعْضِهِ (مَا بَقِيَ) ؛ أَيْ: الْعَيْنَ نَصًّا؛ لِأَنَّ السَّالِمَ مِنْ الْمَبِيعِ وَجَدَهُ الْبَائِعُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، (فَلَوْ رَهَنَ) أَوْ وَهَبَ أَوْ وَقَفَ (أَوْ بَاعَ أَحَدٌ عَبْدَيْنِ؛ رَجَعَ) الْبَائِعُ (فِي) الْعَبْدِ (الْآخَرِ) ، فَيَأْخُذُهُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ الثَّمَنِ يُقَسَّطُ عَلَى الْمَبِيعِ، فَيَقَعُ الْقَبْضُ مِنْ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعَيْنَيْنِ، وَقَبْضُ شَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ مَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ فِيهِ مُبْطِلٌ لَهُ، بِخِلَافِ التَّلَفِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَلَفِ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ تَلَفُ شَيْءٍ مِنْ الْعَيْنِ الْأُخْرَى، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 (إنْ رَهَنَ) الْمُشْتَرِي، (أَوْ بَاعَ بَعْضَ الْعَبْدِ) ، لِمَا ذَكَرْنَا. (وَ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ (كَوْنُ الْعَيْنِ بِحَالِهَا) ؛ [بِأَنْ لَمْ تَنْقُصْ] مَالِيَّتُهَا لِذَهَابِ صِفَةٍ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا؛ بِأَنْ (لَمْ تُوطَأْ بِكْرٌ، وَلَمْ يُجْرَحْ قِنٌّ بِمَا) ؛ أَيْ: جُرْحٍ (يُنْقِصُ بِهِ قِيمَتَهُ) ، فَإِنْ وُطِئَتْ، أَوْ جُرِحَ؛ فَلَا رُجُوعَ لِذَهَابِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ لَهُ بَدَلٌ، وَهُوَ الْمَهْرُ وَالْأَرْشُ، فَمَنْعُ الرُّجُوعِ؛ كَقَطْعِ الْيَدِ، بِخِلَافِ وَطْءٍ يَثْبُتُ بِلَا حَمْلٍ وَهُزَالٍ وَنِسْيَانِ صَنَعَةٍ، (وَ) بِأَنْ (لَمْ تُخْلَطْ بِغَيْرِ تَمَيُّزٍ) ، فَإِنْ خَلَطَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ؛ فَلَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَيْنَ مَالِهِ، بِخِلَافِ خَلْطِ نَحْوِ بُرٍّ بِحِمَّصٍ؛ فَلَا أَثَرَ لَهُ، (وَ) بِأَنْ (لَمْ تَتَغَيَّرْ صَنْعَتُهَا بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا؛ كَنَسْجِ غَزْلٍ وَخَبْزِ دَقِيقٍ) ؛ أَيْ: جَعْلِهِ خُبْزًا (وَجَعْلِ دُهْنٍ) كَزَيْتٍ (صَابُونًا) وَشَرِيطٍ إبَرًا وَنَحْوَهُ، وَقَطْعِ ثَوْبٍ قَمِيصًا وَنَحْوَهُ، فَإِنْ جُعِلَ كَذَلِكَ؛ فَلَا رُجُوعَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) الشَّرْطُ الْخَامِسُ (كَوْنُهَا) ؛ أَيْ السِّلْعَةِ (لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ كَشُفْعَةٍ) قَبْلَ طَلَبٍ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ شُفْعَةٍ؛ فَلَا رُجُوعَ لِسَبْقِ حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ، وَحَقُّ الْبَائِعِ ثَبَتَ بِالْحَجْرِ، وَالسَّابِقُ أَوْلَى (وَكَجِنَايَةٍ) ؛ بِأَنْ كَانَ قِنًّا، فَجَنَى عَلَى الْمُفْلِسِ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِرَبِّهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَمْنَعُهُ، وَحَقُّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ (وَرَهْنٍ) ؛ كَمَا لَوْ رَهَنَ الْمُفْلِسُ الْمَبِيعِ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى حَقِّ الْبَائِعِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِرَبِّهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ عَقَدَ قَبْلَ الْحَجْرِ عَقْدًا مَنَعَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَمُنِعَ بَاذِلُهُ الرُّجُوعَ فِيهِ؛ كَالْهِبَةِ، وَلِأَنَّ رُجُوعَهُ إضْرَارٌ بِالْمُرْتَهِنِ، وَلَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، فَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ دُونَ قِيمَةِ الرَّهْنِ؛ بِيعَ كُلُّهُ، وَرُدَّ بَاقِي ثَمَنِهِ فِي الْمُقْسَمِ، وَإِنْ: بِيعَ بَعْضُهُ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ؛ فَبَاقِيهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، (وَإِنْ أَسْقَطَهُ) ؛ أَيْ: الْحَقَّ (رَبُّهُ) كَإِسْقَاطِ الشَّفِيعِ شُفْعَتَهُ، وَوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَرْشَهَا، وَرَدِّ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ (فَكَمَا لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ) بِالْعَيْنِ الْحَقُّ؛ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا لِوُجْدَانِهَا بِعَيْنِهَا خَالِيَةً مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهَا، (وَلَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 كَانَتْ الْعَيْنُ) صِبْغًا، فَصَبَغَ الْمُشْتَرِي بِهِ ثِيَابًا وَحَجَرَ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَتْ زَيْتًا، فَلَتَّ بِهِ سَوِيقًا، أَوْ كَانَتْ (مَسَامِيرَ فَسَمَّرَ بِهَا) بَابًا، (أَوْ) كَانَتْ (حَجَرًا، فَبَنَى عَلَيْهَا) بُنْيَانًا، (أَوْ) (كَانَتْ خَشَبًا، فَسَقَفَ بِهَا) سَقْفًا؛ (فَلَا رُجُوعَ) لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَغَلَ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ، فَلَمْ يَمْلِكْ بَائِعُهُ الرُّجُوعَ فِيهِ، (وَإِنْ اشْتَرَى دُفُوفًا) . - جَمْعُ دُفٍّ - أَيْ: أَلْوَاحَ خَشَبٍ (وَمَسَامِيرَ مِنْ وَاحِدٍ، وَسَمَّرَهَا بِهَا) ؛ أَيْ: بِالْمَسَامِيرِ؛ (رَجَعَ) بَائِعُهُمَا (فِيهِمَا) ؛ أَيْ: الدُّفُوفِ وَالْمَسَامِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ. (وَ) الشَّرْطُ السَّادِسُ (كَوْنُهَا) ؛ أَيْ: السِّلْعَةِ (لَمْ تَزِدْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ) . (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ تَعَلُّمُ صَنْعَةٍ (مُبَاحَةٍ) كَقِرَاءَةٍ وَكِتَابَةٍ وَتِجَارَةٍ وَتَجَدُّدِ حَمْلٍ فِي بَهِيمَةٍ، فَإِنْ زَادَتْ كَذَلِكَ؛ فَلَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ رَبُّ الْعَيْنِ أَخْذَهَا مِنْهُ كَغَيْرِهَا مِنْ أَمْوَالِهِ، وَيُفَارِقُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الزِّيَادَةِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عَلَى صِفَتِهِ لَيْسَ بِزَائِدٍ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالزِّيَادَةِ، وَأَمَّا الصَّنْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ كَالْغِنَاءِ وَالشِّطْرَنْجِ وَآلَةِ الشَّعْبَذَةِ وَنَحْوِهَا، فَلَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ؛ إذْ وُجُودُهَا كَلَا وُجُودٍ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ) ؛ أَيْ: الْمُدْرِكِ لِمَتَاعِهِ عِنْدَ الْمُفْلِسِ بِشَرْطِهِ (بِقَوْلٍ؛ كَرَجَعْتُ فِي مَتَاعِي أَوْ أَخَذْتُهُ) أَوْ اسْتَرْجَعْتُهُ أَوْ فَسَخْتُ الْبَيْعَ إنْ كَانَ مَبِيعًا، (وَلَوْ مُتَرَاخِيًا) ؛ كَرُجُوعِ أَبٍ فِي هِبَةٍ، فَلَا يَحْصُلُ رُجُوعُهُ بِفِعْلٍ كَأَخْذِ الْعَيْنِ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الرُّجُوعَ (بِلَا حَاكِمٍ) ؛ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ؛ كَفَسْخِ الْمُعْتَقَةِ (فَسْخٌ) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 رُجُوعُ مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ عِنْدَ الْمُفْلِسِ، (وَهُوَ) ؛ أَيْ؛ كَالْفَسْخِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ ثَمَّ عَقْدٌ يُفْسَخُ؛ كَاسْتِرْجَاعِ زَوْجٍ الصَّدَاقَ إذَا فُسِخَ النِّكَاحُ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُهُ؛ كَفَسْخِ الْمَرْأَةِ لِعَيْبِهِ قَبْلَ فَلَسِهَا، وَكَانَتْ بَاعَتْهُ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا وَإِلَّا فَيَرْجِعُ إلَى مِلْكِهِ قَهْرًا حَيْثُ اسْتَمَرَّ فِي مِلْكِهَا بِصِفَتِهِ (لَا يَحْتَاجُ) الْفَسْخَ (لِمَعْرِفَةِ) مَرْجُوعٍ فِيهِ، (وَ) لَا إلَى (قُدْرَةِ) مُفْلِسٍ (عَلَى تَسْلِيمٍ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ. (فَلَوْ رَجَعَ فِي) قِنٍّ (آبِقٍ؛ صَحَّ) رُجُوعُهُ، (وَصَارَ) الْآبِقُ (لَهُ) ؛ أَيْ: الرَّاجِعُ، (فَإِنْ قَدَرَ) ، الرَّاجِعُ عَلَى الْآبِقِ (أَخَذَهُ، وَإِنْ) عَجَزَ عَنْهُ أَوْ (تَلِفَ) بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَهُوَ (مِنْ مَالِهِ) ؛ أَيْ: الرَّاجِعِ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِالرُّجُوعِ، (وَإِنْ بَانَ تَلَفُهُ حِينَ رَجَعَ) ؛ بِأَنْ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ؛ (بَطَلَ اسْتِرْجَاعُهُ) ؛ أَيْ: ظَهَرَ بُطْلَانُهُ؛ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْفَسْخِ. (وَإِنْ رَجَعَ بِشَيْءٍ اشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ) ؛ بِأَنْ رَجَعَ فِي عَبْدٍ مَثَلًا وَلَهُ عَبِيدٌ، وَاخْتَلَفَ الْمُفْلِسُ وَرَبُّهُ فِيهِ؛ (قُدِّمَ تَعْيِينُ مُفْلِسٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الرَّاجِعِ؛ وَالْأَصْلُ مَعَهُ. (وَمَنْ رَجَعَ) ؛ أَيْ: أَرَادَ الرُّجُوعَ (فِيمَا) ؛ أَيْ: بِيعَ (ثَمَنُهُ مُؤَجَّلٌ أَوْ فِي صَيْدٍ وَهُوَ) ؛ أَيْ: الرَّاجِعُ (مُحْرِمًا لَمْ يَأْخُذْهُ) ؛ أَيْ: مَا ثَمَنُهُ مُؤَجَّلٌ (قَبْلَ حُلُولِهِ) قَالَ أَحْمَدُ: يَكُونُ مَالُهُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَحِلَّ دَيْنُهُ، فَيَخْتَارُ الْفَسْخَ أَوْ التَّرْكَ؛ أَيْ: فَلَا يُبَاعُ فِي الدُّيُونِ الْحَالَّةِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَائِعِ بِعَيْنِهِ. (وَلَا) يَأْخُذُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ (حَالَ إحْرَامِهِ) ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ تَمْلِيكٌ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ الْإِحْرَامِ؛ كَشِرَائِهِ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا وَالْمُفْلِسُ مُحْرِمًا، لَمْ يُمْنَعْ بَائِعُهُ أَخْذَهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ؛ (وَوَقَفَ) الصَّيْدَ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْمُحْرِمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إرْثٍ. (وَيَتَّجِهُ لَوْ تَلِفَ) مَا ثَمَنُهُ مُؤَجَّلٌ (قَبْلَ) حُلُولِ أَجَلِهِ (فَمِنْ) ضَمَانِ (مُفْلِسٍ) ، وَهَذَا مَفْهُومُ مَنْصُوصِ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ: يَكُونُ مَالُهُ مَوْقُوفًا إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 أَنْ يَحُلَّ دَيْنُهُ، فَيَخْتَارُ الْفَسْخَ أَوْ التَّرْكَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَمْنَعُهُ) ؛ أَيْ: الرُّجُوعُ (نَقْصَ) سِلْعَةٍ؛ (كَهُزَالٍ وَجُنُونٍ وَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ) وَمَرَضٍ وَتَزْوِيجٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَيْنَ مَالِهِ، وَمَتَى أَخَذَهُ نَاقِصًا؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ، وَإِلَّا ضَرَبَ بِثَمَنِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَتَقَسَّطُ عَلَى صِفَةِ سِلْعَةٍ مَنْ سِمَنٍ أَوْ هُزَالٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَيَصِيرُ كَنَقْصِهِ؛ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ. (وَلَا) يَمْنَعُهُ أَيْضًا (صَبْغُ ثَوْبٍ أَوْ قَصْرُهُ) وَلَتُّ سَوِيقٍ بِدُهْنٍ؛ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ قَائِمَةً مُشَاهَدَةً لَمْ يَتَغَيَّرْ اسْمُهَا. (وَلَوْ نَقَصَ) الثَّوْبُ (بِهِمَا) ؛ أَيْ: الصَّبْغِ وَالْقَصْرِ. هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ فِي " الْهِدَايَةِ " وَالْمُذَهَّبِ " وَالْخُلَاصَةِ " وَالْكَافِي " " وَالْوَجِيزِ " وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّقْصَ نَقْصُ صِفَةٍ، فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ؛ كَنِسْيَانِ صِفَةٍ وَهُزَالِ عَبْدٍ. قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ: الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: إذَا صُبِغَ الثَّوْبُ أَوْ لُتَّ السَّوِيقُ بِزَيْتٍ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لِبَائِعِ الثَّوْبِ وَالسَّوِيقِ الرُّجُوعُ فِي أَعْيَانِ أَمْوَالِهِمَا، (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ أَيْ: " الْمُنْتَهَى " " وَالْإِقْنَاعِ " حَيْثُ جَزَمَا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ، مَا لَمْ يَنْقُصْ الثَّوْبُ بِهِمَا (وَالزِّيَادَةُ) عَنْ قِيمَةِ الثَّوْبِ الْحَاصِلَةِ (بِصَبْغِهِ أَوْ قَصْرِهِ) أَوْ عَنْ قِيمَةِ السَّوِيقِ بِاللَّتِّ؛ (لِمُفْلِسٍ) ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ فِي مِلْكِهِ، فَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ فِيمَا زَادَ عَنْ قِيمَةِ الثَّوْبِ وَالسَّوِيقِ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِصَارَةُ بِفِعْلِ الْمُفْلِسِ أَوْ بِأُجْرَةٍ وَفَّاهَا؛ فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي الثَّوْبِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْبَائِعُ دَفْعَ قِيمَةِ الزِّيَادَةِ إلَى الْمُفْلِسِ؛ لَزِمَهُ قَبُولُهَا، لِأَنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِذَلِكَ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ بَيْعَ الثَّوْبِ، وَأَخَذَ كُلٌّ قَدْرَ حَقِّهِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الثَّوْبُ بِخَمْسَةٍ، فَصَارَ يُسَاوِي سِتَّةً؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 فَلِلْمُفْلِسِ سُدُسُهُ وَلِلْبَائِعِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ صَانِعٍ لَمْ يَسْتَوْفِ أَجْرَهُ؛ فَلَهُ حَبْسُ الثَّوْبِ عَلَى اسْتِيفَاءِ أُجْرَتِهِ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الشَّرْحِ ". (وَلَوْ كَانَ الصَّبْغُ وَالثَّوْبُ لِوَاحِدٍ) ، وَاشْتَرَاهُمَا مِنْهُ وَصَبَغَ الثَّوْبَ بِالصِّبْغِ، وَحَجَرَ عَلَيْهِ؛ (رَجَعَ) الْبَائِعُ (فِي الثَّوْبِ وَحْدَهُ، وَيَكُونُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا) لِلْبَائِعِ بِزِيَادَةِ الصِّبْغِ، (وَيَضْرِبُ رَبُّ الصِّبْغِ بِثَمَنِ الصِّبْغِ مَعَ الْغُرَمَاءِ) ؛ كَمَا لَوْ كَانَا لِاثْنَيْنِ؛ (وَلَا) يَمْنَعُهُ (زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ) ؛ كَثَمَرَةٍ وَكَسْبٍ وَوَلَدٍ، نَقَصَ بِهَا الْمَبِيعُ أَوْ لَمْ يَنْقُصْ إنْ كَانَ نَقْصُ صِفَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ لَمْ تَنْقُصْ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ اسْمُهَا، (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الزِّيَادَةُ (لِرَاجِعٍ) - وَهُوَ الْبَائِعُ - (نَصَّ عَلَيْهِ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَنِتَاجِ الدَّابَّةِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " " وَالْخِلَافِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُنَوِّرِ " " وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ " (وَاسْتَظْهَرَ فِي " التَّنْقِيحِ " رِوَايَةَ كَوْنِهَا) ؛ أَيْ: الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ (لِمُفْلِسٍ) . هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتِيَارِ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي فِي رِوَايَتِهِ وَالْمُجَرَّدِ وَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَابْنِ عَقِيلٍ. (وَيَتَّجِهُ وَهُوَ) ؛ أَيْ: كَوْنُ الزِّيَادَةِ لِلْمُفْلِسِ (الصَّحِيحُ) قَالَ الشَّارِحُ هَذَا أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُتَّصِلَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا تُتَّبَعُ فِي الْفُسُوخِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، بِخِلَافِ الْمُتَّصِلَةِ. قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا خِلَافٌ لِظُهُورِهِ. (وَحَمَلَ الْمُوَفَّقُ) فِي مُغْنِيهِ " (النَّصَّ) الْمَذْكُورَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ - مِنْ كَوْنِ وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَنِتَاجِ الدَّابَّةِ لِبَائِعٍ - (عَلَى بَيْعِهَا حَالَ حَمْلِهَا، فَكَانَا مَبِيعَيْنِ) حِينَئِذٍ، وَلِهَذَا خَصَّ هَذَيْنِ بِالذِّكْرِ دُونَ بَقِيَّةِ النَّمَاءِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . (وَلَا) يَمْنَعُ رُجُوعَهُ (غَرْسُ أَرْضٍ بِيعَتْ وَبِنَاءٌ) حَدَثَ (فِيهَا) ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ؛ كَالثَّوْبِ إذَا صُبِغَ، (فَإِنْ رَجَعَ) رَبُّ أَرْضٍ فِيهَا (قَبْلَ قَلْعِ) غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ (وَاخْتَارَهُ) ؛ أَيْ: الْقَلْعَ (غَرِيمٌ؛ ضَمِنَ نَقْصًا حَصَلَ بِقَلْعٍ وَيُسَوِّي حَفْرًا) ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى غَرْسًا وَغَرَسَهُ بِأَرْضِهِ أَوْ أَرْضٍ اشْتَرَاهَا مِنْ آخَرَ، ثُمَّ أَفْلَسَ، بِخِلَافِ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ نَاقِصَةً، فَرَجَعَ فِيهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي النَّقْصِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ، وَهُنَا حَدَثَ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الْعَيْنِ، فَلِهَذَا ضَمِنُوهُ وَيَضْرِبُ بِالنَّقْصِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. (وَلِمُفْلِسٍ مَعَ الْغُرَمَاءِ الْقَلْعُ) لِغَرْسٍ وَبِنَاءٍ، (وَيُشَارِكُهُمْ رَاجِعٌ) فِي الْأَرْضِ بِأَرْشِ (نَقْصِ أَرْضِهِ؛ لِحُصُولِهِ) ؛ أَيْ: النَّقْصِ (بِتَخْلِيصِ مِلْكِ مُفْلِسٍ) ، فَكَانَ عَلَيْهِ، (وَيَضْرِبُ بِهِ) ؛ أَيْ: أَرْشِ النَّقْصِ (مَعَ الْغُرَمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْغِرَاسِ وَلَا الْبِنَاءِ، (فَإِنْ أَبَوْهُ) ؛ أَيْ: أَبَى الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ الْقَلْعَ؛ (لَمْ يُجْبَرُوا) عَلَيْهِ؛ لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ، (وَ) حِينَئِذٍ (فَلِرَاجِعٍ) فِي أَرْضِهِ (الْقَلْعُ) لِلْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ، (وَيَضْمَنُ النَّقْصَ) ، لِأَنَّهُمَا حَصَلَا فِي مِلْكِهِ لِغَيْرِهِ بِحَقٍّ؛ كَالشَّفِيعِ وَالْمُعِيرِ ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلِرَاجِعٍ (أَخْذُ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ بِقِيمَتِهِ) ، وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ؛ كَالْمُؤَجِّرِ إذَا أَخَذَ الْأَرْضَ وَفِيهَا غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ، (فَإِنْ أَبَاهُمَا) ؛ أَيْ: أَبَى مَنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ فِي الْأَرْضِ الْقَلْعَ مَعَ ضَمَانِ النَّقْصِ؛ وَأَخْذِ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ (أَيْضًا) ؛ أَيْ مَعَ إبَاءِ الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ الْقَلْعَ؛ (سَقَطَ رُجُوعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَى الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الثَّوْبِ إذَا صُبِغَ حَيْثُ يَرْجِعُ رَبُّ الثَّوْبِ بِهِ، وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْمُفْلِسِ بِزِيَادَةِ الصِّبْغِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ إذَا غُرِسَتْ أَوْ بُنِيَتْ حَيْثُ يَسْقُطُ رُجُوعُهُ بِإِبَاءِ، مَا سَبَقَ بِأَنَّ الصِّبْغَ يَتَفَرَّقُ فِي الثَّوْبِ، فَيَصِيرُ كَالصِّفَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فَإِنَّهُمَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ وَأَصْلَانِ فِي أَنْفُسِهِمَا، وَالثَّوْبُ لَا يُرَادُ لِلْإِبْقَاءِ، بِخِلَافِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ. [وَلَوْ اشْتَرَى] (أَرْضًا مِنْ شَخْصٍ، وَ) اشْتَرَى (غِرَاسًا مِنْ) شَخْصٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 (آخَرَ، فَغَرَسَهُ فِيهَا) ، ثُمَّ أَفْلَسَ، (وَلَمْ يَزِدْ) الْغِرَاسُ؛ (فَلِكُلٍّ) مِنْ الْبَائِعَيْنِ (الرُّجُوعُ فِي) عَيْنِ (مَالِهِ، وَلِذِي أَرْضٍ قَلْعُ غِرَاسٍ بِلَا ضَمَانِهِ) ؛ أَيْ: الْغِرَاسِ (لِيَبِيعَهُ مَقْلُوعًا، وَعَكْسُهُ) ؛ بِأَنْ قَلَعَهُ بَائِعُهُ (يَضْمَنُ) الْبَائِعُ أَرْشَ (نَقْصِ أَرْضٍ) حَصَلَ بِقَلْعِهِ، وَتَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ، فَإِنْ بَذَلَ صَاحِبُ الْغِرَاسِ قِيمَةَ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا؛ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الْعَكْسِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْقَلْعِ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. (وَلَوْ زَرَعَ) الْمُشْتَرِي (الْأَرْضَ) الَّتِي اشْتَرَاهَا، ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي؛ (بَقِيَ الزَّرْعُ لِمُفْلِسٍ مَجَّانًا) ؛ أَيْ: بِلَا أُجْرَةٍ (لِحَصَادٍ) ؛ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ اتَّفَقَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ عَلَى التَّرْكِ أَوْ الْقَطْعِ؛ جَازَ؛ فَإِنْ اخْتَلَفُوا - وَلَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَطْعِ - قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ يَطْلُبُهُ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": إذَا اشْتَرَى غِرَاسًا، فَغَرَسَهُ فِي أَرْضِهِ، ثُمَّ أَفْلَسَ، وَلَمْ يَزِدْ الْغَرْسُ؛ فَلِبَائِعِهِ الرُّجُوعُ فِيهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ؛ لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَأَرْشُ نَقْصِهَا، فَإِنْ بَذَلَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ لَهُ الْقِيمَةَ؛ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى قَبُولِهَا، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَلْعِ، فَبَذَلُوا الْقِيمَةَ لَهُ لِيَمْتَلِكَهُ الْمُفْلِسُ، وَأَرَادُوا قَلْعَهُ وَضَمَانَ النَّقْصِ؛ فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ أَرَادُوا قَلْعَهُ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ فِي الْأَصَحِّ. . (وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ مَدِينًا أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ؛ فَمُشْتَرٍ أَحَقُّ بِمَبِيعِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ - وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ) نَصًّا - لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْبَيْعِ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مُنَازَعَتَهُ فِيهِ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ بَائِعُهُ مَدِينًا، (لَا إنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَالسِّلْعَةُ بِيَدِ بَائِعٍ) ؛ فَيَصِيرُ الْبَائِعُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ يَضْرِبُ لَهُ مَعَهُمْ بِالثَّمَنِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ. (وَيَتَّجِهُ هُنَا) الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا إلَى آخِرِهِ؛ يَضْرِبُ لِلْبَائِعِ مَعَ الْغُرَمَاءِ (فِي إفْلَاسٍ طَرَأَ بَعْدَ شِرَاءٍ) ، وَإِلَّا يَطْرَأُ الْإِفْلَاسُ بَعْدَ الشِّرَاءِ، بَلْ كَانَ مُفْلِسًا قَبْلَ ذَلِكَ - وَجَهِلَ الْبَائِعُ ذَلِكَ - (فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَاسِعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 أَقْسَامِ الْخِيَارِ: أَنَّ ظُهُورَ إعْسَارِ الْمُشْتَرِي) بِبَعْضِ الثَّمَنِ؛ (يَثْبُتُ بِهِ الْفَسْخُ مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ هَرَبَ الْمُشْتَرِي، أَوْ لَمْ يَهْرُبْ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ ": لَوْ بَاعَ سِلْعَةً، فَبَانَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَالسِّلْعَةُ بِيَدِ الْبَائِعِ؛ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّ إطْلَاقَ مَا مَرَّ) فِي الْخِيَارِ (مِنْ كَوْنِ مُفْلِسٍ وَبَائِعٍ حَيًّا إلَى أَخْذِهَا) ؛ أَيْ: السِّلْعَةِ (مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا) . وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (الثَّالِثُ) : مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَجْرِ (أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ قِسْمُ مَالِهِ) ؛ أَيْ: - الْمُفْلِسِ (الَّذِي مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ) الَّذِي عَلَيْهِ (كَنَقْدٍ وَمَكِيلٍ) وَتَوْزِيعُهُ فَوْرًا عَلَى الْغُرَمَاءِ، (وَ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ (بَيْعُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ غَالِبِهِ رَوَاجًا أَوْ الْأَصْلَحِ أَوْ الَّذِي مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ (فِي سُوقِهِ نَدْبًا) ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ لِطُلَّابِهِ وَأَحْوَطُ (أَوْ غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: غَيْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 سُوقِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَحْصِيلُ الثَّمَنِ كَالْوَكَالَةِ (بِثَمَنِ مِثْلِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ الْمُسْتَقِرِّ فِي وَقْتِهِ (فَأَكْثَرَ) مِنْهُ إنْ حَصَلَ فِيهِ رَاغِبٌ. (وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ بَاعَهُ (بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: دُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ؛ (فَلَا يَصِحُّ) الْبَيْعُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ الْمُسْتَقِرِّ فِي وَقْتِهِ أَوْ أَكْثَرَ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فَلَا يَتَصَرَّفُ لَهُ فِيهِ إلَّا بِمَا فِيهِ حَظٌّ كَمَالِ السَّفِيهِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيَضْمَنُ النَّقْصَ (وَقِسْمَهُ) ؛ أَيْ: الثَّمَنَ (فَوْرًا) ؛ لِأَنَّ هَذَا جُلُّ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَتَأْخِيرُهُ مَطْلٌ وَظُلْمٌ لِلْغُرَمَاءِ، «وَلَمَّا حَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُعَاذٍ بَاعَ مَالَهُ فِي دَيْنِهِ، وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ» وَلِفِعْلِ عُمَرَ، وَلِاحْتِيَاجِهِ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ، فَجَازَ لِبَيْعِ مَالِهِ فِيهِ كَالسَّفِيهِ. (وَيَتَّجِهُ وَلِلْحَاكِمِ فِي غَيْرِ) دَيْنٍ (سُلِّمَ مَعَ رِضَا مُفْلِسٍ وَغُرَمَاءَ تَعْوِيضُهُمْ) ؛ أَيْ: الْغُرَمَاءَ (بِالْقِيمَةِ) . - كَذَا قَالَ وَعِبَارَةُ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ مِنْ نِسَبِ الْأَثْمَانِ، فِيهِمْ مِنْ دَيْنِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ، وَلَيْسَ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ مِنْ جِنْسِهِ، وَرَضِيَ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضَهُ مِنْ الْأَثْمَانِ جَازَ، فَظَهَرَ، عَلَى أَنَّ الْإِيهَامَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ رَأْسًا - حَيْثُ لَا مَحْظُورَ فِي الِاعْتِيَاضِ، (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " وَ " وَالْإِقْنَاعِ " (فِيمَا يُوهَمُ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 (وَسُنَّ) [إحْضَارُهُ] ؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ (الْبَيْعَ) ؛ أَيْ: بَيْعَ مَالِهِ لِيَضْبِطَ الثَّمَنَ، وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْجَيِّدِ مِنْ مَتَاعِهِ، فَيَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِهِ، وَوَكِيلُهُ كَهُوَ، وَلَا يَحْتَاجُ الْحَاكِمُ إلَى اسْتِئْذَانِهِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ، فَجَازَ بَيْعُ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَالسَّفِيهِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إحْضَارُهُ أَوْ وَكِيلُهُ (مَعَ) إحْضَارِ (غُرَمَائِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِقُلُوبِهِمْ، وَأَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ، وَرُبَّمَا وَجَدَ أَحَدُهُمْ عَيْنَ مَالِهِ، أَوْ رَغِبَ فِي شَيْءٍ فَزَادَ فِي ثَمَنِهِ. (وَ) سُنَّ (بَدْءٌ بِأَقَلِّهِ) ؛ أَيْ: الْمَالِ (بَقَاءً كَفَاكِهَةٍ) ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهَا إضَاعَةٌ لَهَا، (وَ) أَنْ يَبْدَأَ (بِأَكْثَرِهِ كَبَهَائِمَ) ؛ لِاحْتِيَاجِ بَقَائِهَا إلَى مُؤْنَةٍ، وَهُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ، وَعُهْدَةُ مَبِيعٍ ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا عَلَى مُفْلِسٍ فَقَطْ. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ. (وَإِنْ زِيدَ فِي السِّلْعَةِ مُدَّةَ خِيَارٍ؛ لَزِمَ) أَمِينَ الْحَاكِمِ (الْفَسْخُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ بَيْعُهُ بِثَمَنٍ فَلَمْ يَجُزْ إمْضَاؤُهُ بِدُونِهِ؛ كَمَا لَوْ زِيدَ فِيهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، (وَ) إنْ زَادَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ (بَعْدَهَا) ؛ أَيْ: بَعْدَ مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ (فَلَا) يَلْزَمُ فَسْخُ الْعَقْدِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْمُشْتَرِي الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَنَةٌ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمُفْلِسِ وَدَفْعِ حَاجَتِهِ. . (وَيَجِبُ) عَلَى حَاكِمٍ أَوْ أَمِينِهِ (تَرْكُ مَا يَحْتَاجُهُ مُفْلِسٌ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ) صَالِحَيْنِ (لِمِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا غِنَى لَهُ عَنْهُ، فَلَمْ يُبَعْ فِي دَيْنِهِ كَلِبَاسِهِ وَقُوتِهِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ» . قَضِيَّةُ عَيْنٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيمَا وَجَدُوهُ مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ، (مَا لَمْ يَكُونَا) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسُ وَالْخَادِمُ (عَيْنَ مَالِ غَرِيمٍ) ؛ فَلَهُ أَخْذُهُمَا لِلْخَبَرِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (أَوْ) مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ (رَهْنًا) ، فَإِنْ كَانَ رَهْنًا فَلِلْمُرْتَهِنِ اسْتِيفَاءُ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَهُوَ أَقْوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 سَبَبًا مِنْ الْمُفْلِسِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَشْتَرِي) لِلْمُفْلِسِ بَدَلَهُمَا، (أَوْ يَتْرُكُ لَهُ) مِنْ مَالٍ (بَدَلَهُمَا) دَفْعًا لِحَاجَتِهِ، (وَبِبَدَلٍ أَعْلَى) مِمَّا يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَثَوْبٍ وَغَيْرِهِمَا (بِصَالِحٍ) لِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ. (وَ) يَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ لِلْمُفْلِسِ أَيْضًا (مَا) ؛ أَيْ: شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ (يَتَّجِرُ بِهِ) إنْ كَانَ تَاجِرًا، (وَ) تُتْرَكُ لَهُ أَيْضًا (آلَةُ مُحْتَرِفٍ) إنْ كَانَ ذَا صَنْعَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ -: يَتْرُكُ لَهُ قَدْرَ مَا يُقَوِّمُ مَعَاشَهُ، وَيُبَاعُ الْبَاقِي (وَيَجِبُ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ (وَلِعِيَالِهِ) مِنْ زَوْجَةٍ وَوَلَدٍ وَنَحْوِهِ (أَدْنَى نَفَقَةً مِثْلَهُمْ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَكِسْوَةٍ) بَيَانٌ لَمَا يُنْفَقُ عَلَى مِثْلِهِمْ، (وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسَ (نَفَقَةُ قَرِيبٍ بِشَرْطِ) الْآتِي فِي النَّفَقَاتِ (لِيَسَارِهِ) حَالًا (بِالنِّسْبَةِ لَمَا فِي يَدِهِ) مِنْ مَالِهِ، فَإِذَا وُزِّعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا مَا يَكْفِيهِ سَقَطَتْ. (وَ) يَجِبُ (تَجْهِيزٌ) مِمَّنْ تَلْزَمُ الْمُفْلِسَ نَفَقَتُهُ غَيْرَ زَوْجَةٍ (مِنْ مَالِهِ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ بِمَعْرُوفٍ (حَتَّى يُقْسَمَ) مَالُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، (وَيُكَفَّنُ) الْمُفْلِسُ الذَّكَرُ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ الذُّكُورِ (فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ) بِيضٍ مِنْ قُطْنٍ مَلْبُوسٍ مِثْلُهُ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَالْأُنْثَى فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ كَذَلِكَ، (وَقُدِّمَ فِي الرِّعَايَةِ ") يُكَفَّنُ (فِي) ثَوْبٍ (وَاحِدٍ) اقْتِصَارًا عَلَى الْوَاجِبِ. (وَأُجْرَةِ دَلَّالٍ وَنَحْوِهِ) كَسِمْسَارٍ وَكَيَّالٍ وَوَازِنٍ وَحَمَّالٍ وَحَافِظٍ (لَمْ يَتَبَرَّعْ) وَاحِدٌ بِعَمَلِهِ (مِنْ الْمَالِ) ؛ أَيْ: مَالِ الْمُفْلِسِ مُقَدَّمَةً عَلَى دُيُونِ الْغُرَمَاءِ (قَبْلَ قِسْمَةٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ عَلَى الْمُفْلِسِ؛ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ. (وَإِنْ عَيَّنَ مُفْلِسٌ وَغَرِيمٌ) وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً (مُنَادِيًا؛ أَيْ: سِمْسَارًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 غَيْرَ ثِقَةٍ؛ رَدَّهُ حَاكِمٌ، بِخِلَافِ بَيْعِ مَرْهُونٍ) عَيْنَ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ لَهُ مُنَادِيًا؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ نَظَرًا فِي بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ؛ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ، بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ، (فَإِنْ اخْتَلَفَ تَعْيِينُهُمَا) بِأَنْ عَيَّنَ الْمُفْلِسُ زَيْدًا وَالْغَرِيمُ عَمْرًا مَثَلًا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثِقَةٌ؛ (ضَمَّهُمَا) حَاكِمٌ (إنْ تَبَرَّعَا) بِعَمَلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِقَلْبِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى أَحَدٍ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَبَرَّعَا وَلَا أَحَدُهُمَا؛ (قَدَّمَ) الْحَاكِمُ (مَنْ شَاءَ) مِنْهُمَا، فَإِنْ تَطَوَّعَ أَحَدُهُمَا؛ قُدِّمَ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَرُ (وَيُبْدَأُ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ -؛ أَيْ: يَبْدَأُ الْحَاكِمُ فِي قَسْمِ مَالِهِ (بِمَنْ جَنَى عَلَيْهِ) حُرًّا كَانَ أَوْ قِنًّا (قِنُّ مُفْلِسٍ) ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِ الْجَانِي بِحَيْثُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ، بِخِلَافِ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ الْمُفْلِسُ؛ فَإِنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِذِمَّتِهِ، (فَيُعْطَى) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (الْأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ) ؛ أَيْ الْجَانِي (أَوْ) الْأَقَلَّ مِنْ (الْأَرْشِ) ، فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ عَشَرَةً وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ اثْنَيْ عَشَرَ؛ أُعْطِيَ الْعَشَرَةَ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ؛ أُعْطِيَ أَيْضًا الْعَشَرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا أَرْشَ الْجِنَايَةِ، وَيُرَدُّ الْبَاقِي لِلْمُقَسِّمِ، مَا لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ أَمْرِهِ؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ كُلِّهَا، وَيَضْرِبُ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ السَّيِّدُ هُوَ الْجَانِيَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَنْ كَالْآلَةِ. (ثُمَّ) يُبْدَأُ (بِمَنْ عِنْدَهُ رَهْنٌ) لَازِمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ (فَيُخَصُّ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (بِثَمَنِهِ) إنْ كَانَ بِقَدْرِ دَيْنِهِ أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الرَّهْنِ وَذِمَّةِ الرَّاهِنِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ (فَإِنْ بَقِيَ) لِلْمُرْتَهِنِ (دَيْنٌ) بَعْدَ ثَمَنِ الرَّهْنِ؛ (حَاصَصَ) الْمُرْتَهِنُ (الْغُرَمَاءَ) بِالْبَاقِي لِمُسَاوَاتِهِ لَهُمْ فِيهِ، (وَإِنْ فَضُلَ عَنْهُ) ؛ أَيْ: الدَّيْنُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ؛ (رُدَّ) الْفَاضِلُ (عَلَى الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ انْفَكَّ مِنْ الرَّهْنِ بِالْوَفَاءِ، فَصَارَ كَسَائِرِ مَالِ الْمُفْلِسِ، (ثُمَّ) يُبْدَأُ (بِمَنْ لَهُ عَيْنُ مَالٍ) اشْتَرَاهَا مِنْهُ الْمُفْلِسُ أَوْ نَحْوُهُ فَيَأْخُذُهَا بِشُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (أَوْ) كَانَ (اسْتَأْجَرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 عَيْنًا) ؛ كَعَبْدٍ وَدَارٍ (مِنْ مُفْلِسٍ قَبْلَ حَجْرٍ) عَلَيْهِ (فَيَأْخُذُهَا) ؛ لِاسْتِيفَاءِ نَفْعِهَا مُدَّةَ إجَارَتِهِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَكَذَا مُؤَجِّرُ نَفْسِهِ لِلْمُفْلِسِ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ [مِنْ] مُدَّةِ الْإِجَارَةِ شَيْءٌ؛ فَلَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ؛ لِدُخُولِهِ فِيمَا سَبَقَ. (وَتُبَاعُ) الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ بِاتِّفَاقِ الْغُرَمَاءِ مَعَ الْمُفْلِسِ عَلَى بَيْعِهَا (مَسْلُوبَةَ) الْمَنْفَعَةِ؛ لِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ بِحَالِهَا، وَإِنْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ فِي الْحَالِ، وَبَعْضُهُمْ التَّأْخِيرَ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، قُدِّمَ مَنْ طَلَبَ الْبَيْعَ فِي الْحَالِ، (وَإِنْ بَطَلَتْ) الْإِجَارَةُ (فِي) أَوَّلِ الْمُدَّةِ أَوْ قَبْلَ دُخُولِهَا؛ ضُرِبَ لَهُ بِمَا عَجَّلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَ (فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ) لِنَحْوِ مَوْتِ الْعَبْدِ أَوْ انْهِدَامِ الدَّارِ، (ضُرِبَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ (بِمَا بَقِيَ) لَهُ مِنْ أُجْرَةٍ عَجَّلَهَا؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّتَهُ أَوْ عَبْدَهُ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ مَاتَا. (ثُمَّ يُقَسِّمُ) الْحَاكِمُ (الْبَاقِيَ) مِنْ الْمَالِ (عَلَى قَدْرِ دُيُونِ مَنْ بَقِيَ) مِنْ غُرَمَائِهِ تَسْوِيَةً لَهُمْ وَمُرَاعَاةً لِكَمِّيَّةِ حُقُوقِهِمْ؛ فَإِنْ قَضَى حَاكِمٌ أَوْ مُفْلِسٌ بَعْضَهُمْ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ؛ فَلَمْ يَصِحَّ اخْتِصَاصُهُمْ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ دَيْنُهُ غَيْرُ نَقْدٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِأَخْذِ عِوَضِهِ نَقْدًا؛ اُشْتُرِيَ لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ النَّقْدِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ؛ كَدَيْنٍ مُسْلَمٍ. (وَلَا يَلْزَمُهُمْ) ؛ أَيْ: الْغُرَمَاءَ الْحَاضِرِينَ (بَيَانُ أَنْ لَا غَرِيمَ سِوَاهُمْ) ؛ لِخَفَائِهِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِ الْأَصْلِ عَدَمَ الْغَرِيمِ فَإِنَّ الَّذِي يَقْبِضُهُ كُلُّ غَرِيمٍ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَسْتَفِيضُ أَمْرُهُ، وَلَا يَخْفَى غَالِبًا، فَلَا يَعْسُرُ بَيَانُهُ وَلَا إنْكَارُ وُجُودِهِ، وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَ مِلْكَ غَيْرِهِ، فَاحْتِيطَ بِزِيَادَةِ اسْتِظْهَارٍ. (وَيَتَّجِهُ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ تَحْلِيفُهُمْ) ؛ أَيْ: الْغُرَمَاءِ عَلَى أَنْ لَا غَرِيمَ سِوَاهُمْ؛ لِجَوَازِ وُجُودِ غَرِيمٍ لَا يَعْلَمُونَهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 ثُمَّ] (إنْ ظَهَرَ رَبُّ) دَيْنٍ (حَالٍّ رَجَعَ عَلَى كُلِّ غَرِيمٍ بِقِسْطِهِ) ؛ أَيْ: بِقَدْرِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَقَاسَمَهُمْ، فَيُقَاسَمُ إذَا ظَهَرَ؛ كَغَرِيمٍ يَظْهَرُ بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ (وَلَمْ تَنْقَضِ الْقِسْمَةُ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا زَائِدًا عَنْ حَقِّهِمْ، وَإِنَّمَا تَبَيَّنَ فِيمَا قَبَضُوهُ مِنْ حَقِّهِمْ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ مَا قَبَضَهُ بِحِصَّتِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ بِالْحَجْرِ تَعَلَّقَ حَقُّ جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ فَتَخْصِيصُ بَعْضِهِمْ بَاطِلٌ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقَبْضِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ؛ إذْ الْمَدِينُ فِيهَا غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. وَفِي فَتَاوَى الْمُوَفَّقِ " لَوْ وَصَلَ مَالُ الْغَائِبِ فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَيْنًا، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً إنْ طَالَبَا جَمِيعًا اشْتَرَكَا، وَإِنْ طَالَبَ أَحَدُهُمَا اُخْتُصَّ بِهِ؛ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ، وَعَدَمِ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ. قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ ": وَمُرَادُهُ وَلَمْ يُطَالِبْ أَصْلًا، وَإِلَّا شَارَكَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ. (وَمَنْ دَيْنُهُ مُؤَجَّلٌ) مِنْ الْغُرَمَاءِ (لَا يَحِلُّ) نَصًّا، فَلَا يُشَارِكُ ذَوِي الدُّيُونِ الْحَالَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِلْمُفْلِسِ، فَلَا يَسْقُطُ بِفَلَسِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلَا يُوجِبُ الْفَلَسُ حُلُولَ مَا عَلَيْهِ كَالْإِغْمَاءِ، (وَلَا يُوقَفُ) مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ (لَهُ) ؛ أَيْ: لِمَنْ دَيْنُهُ مُؤَجَّلٌ، (وَلَا يَرْجِعْ عَلَى الْغُرَمَاءِ) بِشَيْءٍ (إذَا حَلَّ) دَيْنُهُ؛ لِعَدَمِ مِلْكِهِ الطَّلَبَ بِهِ حِينَ الْقِسْمَةِ، وَكَذَا مَنْ تَجَدَّدَ لَهُ دَيْنٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِجِنَايَةٍ. (وَيُشَارِكُ مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ قَبْلَ قِسْمَةٍ فِي الْكُلِّ) ؛ أَيْ: كُلِّ الْمَالِ الْمَقْسُومِ كَدَيْنٍ تَجَدَّدَ عَلَى الْمُفْلِسِ بِجِنَايَةٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، (وَ) يُشَارِكُ مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ (فِي أَثْنَائِهَا) ؛ أَيْ: الْقِسْمَةِ (فِيمَا بَقِيَ) مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ، دُونَ مَا قُسِّمَ، (وَضُرِبَ لَهُ) ؛ أَيْ: الَّذِي حَلَّ دَيْنُهُ فِي أَثْنَاءِ الْقِسْمَةِ (بِكُلِّ دَيْنِهِ) الَّذِي حَلَّ، (وَ) يُضْرَبُ (لِغَيْرِهِ) ؛ أَيْ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا قَبْلَ حُلُولِ الْمُؤَجَّلِ (بِبَقِيَّتِهِ) ؛ أَيْ: بَقِيَّةِ دَيْنِهِ، (وَيُشَارِكُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ) مِنْ مُفْلِسٍ غُرَمَاءَهُ (قَبْلَ حَجْرٍ وَبَعْدَهُ) قَبْلَ قِسْمَةٍ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا، بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ؛ لِثُبُوتِ حَقِّ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 يَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ، فَإِنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ قِصَاصًا، فَعَفَا وَلِيُّهَا إلَى مَالٍ أَوْ صَالَحَهُ الْمُفْلِسُ عَلَى مَالٍ شَارَكَ أَيْضًا؛ لِثُبُوتِ سَبَبِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْجَبَتْ الْمَالَ. و (لَا) يُشَارِكُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ (مَنْ عَامَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسَ (بَعْدَ حَجْرٍ) عَلَيْهِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ. (وَلَا يَحِلُّ) دَيْنٌ (مُؤَجَّلٌ بِجُنُونٍ) كَإِغْمَاءٍ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَحِلُّ (بِمَوْتٍ) ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» . وَالْأَجَلُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ، فَيُنْقَلُ لِوَرَثَتِهِ (إنْ وُثِّقَ وَرَثَةُ) رَبِّ الدَّيْنِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) وُثِّقَ (وَلِيُّ مَجْنُونٍ) جُنُونًا مُطْبِقًا بِحَيْثُ إنَّهُ صَارَ مَيْئُوسًا مِنْ إفَاقَتِهِ، لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَجْنُونَ يُحْجَرُ عَلَى مَالِهِ، وَيُحْفَظُ عَنْ الضَّيَاعِ، فَإِذَا حَلَّ الْمُؤَجَّلُ يُوَفَّى، وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتُ، فَإِنَّهُ يُوَزَّعُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، فَاحْتَاجَ رَبُّ الدَّيْنِ لِلتَّوْثِقَةِ؛ لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ، (أَوْ) وَثَّقَ (أَجْنَبِيٌّ) . رَبَّ الدَّيْنِ (الْأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ التَّرِكَةَ) ، فَإِنْ لَمْ يُوَثَّقْ بِذَلِكَ حَلَّ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ قَدْ لَا يَكُونُونَ مَلِيئِينَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِمْ الْغَرِيمُ، فَيُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْحَقِّ، وَلَوْ ضَمِنَهُ ضَامِنٌ وَحَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا بِمَوْتِهِ؛ لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآخَرِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْأُجْرَةِ الْمُؤَجَّلَةِ: لَا تَحِلُّ بِالْمَوْتِ فِي أَصَحِّ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَحِلُّ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ حُلُولَهَا مَعَ تَأْخِيرِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ ظُلْمٌ، فَإِنْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ حَالٌّ وَمُؤَجَّلٌ، وَالتَّرِكَةُ بِقَدْرِ الْحَالِّ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ لَمْ يُوَثَّقْ الْمُؤَجَّلُ؛ حَلَّ وَاشْتَرَكَا، وَإِنْ وَثَّقَهُ الْوَرَثَةُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ لَمْ يُتْرَكْ لِرَبِّ الْمُؤَجَّلِ شَيْءٌ (وَيَخْتَصُّ بِهَا) ؛ أَيْ: التَّرِكَةِ (رَبُّ) دَيْنٍ (حَالٍّ) ، وَيُوَفَّى رَبُّ الْمُؤَجَّلِ إذَا حَلَّ مِنْ الْوَثِيقَةِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ تَوَثُّقٌ) ؛ أَيْ: لَمْ يُوَثَّقْ وَارِثٌ حَلَّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (أَوْ لَمْ يَكُنْ) لِلْمَيِّتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 (وَارِثٌ) مُعَيَّنٌ؛ (حَلَّ) الْمُؤَجَّلُ، وَلَوْ ضَمِنَهُ الْإِمَامُ لِلْغُرَمَاءِ لِئَلَّا يَضِيعَ. (وَلَا يَمْنَعُ دَيْنٌ) لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ عَلَى مَيِّتٍ يُحِيطُ بِالتَّرِكَةِ وَلَا يَمْنَعُ (انْتِقَالَهَا) ؛ أَيْ: التَّرِكَةِ (لِوَرَثَةٍ) ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِالْمَالِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فِي حَقِّ الْجَانِي وَالرَّاهِنِ وَالْمُفْلِسِ، فَلَمْ يُمْنَعْ نَقْدٌ، (وَيَأْتِي) لِهَذَا الْبَحْثِ تَتِمَّةٌ (فِي) الْوَصَايَا وَفِي آخِرِ بَابِ (الْقِسْمَةِ، وَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِهَا) ؛ أَيْ: التَّرِكَةِ (كُلِّهَا) سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ فِيهَا (لِلَّهِ) كَالْحَجِّ (أَوْ لِآدَمِيٍّ) ، وَسَوَاءٌ (أُثْبِتَ فِي الْحَيَاةِ) ؛ أَيْ: حَيَاةِ الْمُفْلِسِ، (أَوْ تَجَدَّدَ بَعْدَ الْمَوْتِ) ؛ أَيْ: مَوْتِهِ بِسَبَبٍ يَقْتَضِي الضَّمَانَ؛ (كَحَفْرِ بِئْرٍ) تَعَدِّيًا (قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْتِ، وَكَوَضْعِ حَجَرٍ تَعَدِّيًا، فَتَلِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِ حَافِرٍ وَوَاضِعٍ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ، (وَالدَّيْنُ بَاقٍ بِذِمَّةِ مَيِّتٍ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إلَّا إنْ بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ» مُتَعَلِّقٌ (فِي التَّرِكَةِ حَتَّى يُوَفِّيَ) مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. (وَيَصِحُّ تَصَرُّفُ وَارِثٍ فِيهَا) ؛ أَيْ: التَّرِكَةِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ؛ لِانْتِقَالِهَا إلَيْهِمْ؛ كَتَصَرُّفِ السَّيِّدِ بِالْعَبْدِ الْجَانِي، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ (بِشَرْطِ ضَمَانٍ) . قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَمَّا صِحَّةُ التَّصَرُّفِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الضَّمَانِ؛ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ " الْمُبْدِعِ " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ قَالُوا: فَإِنْ تَصَرَّفُوا فِيهَا؛ صَحَّ، وَيَضْمَنُ الْوَرَثَةُ إذَا تَصَرَّفُوا فِي التَّرِكَةِ (الْأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ) قِيمَةَ (التَّرِكَةِ) ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْجَانِيَ أَوْ النِّصَابَ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ وَفَاءُ) الدَّيْنِ بَعْدَ تَصَرُّفِهِمْ فِي التَّرِكَةِ؛ (فُسِخَ تَصَرُّفُهُمْ) ، إلَّا إنْ كَانَ التَّصَرُّفُ بِعِتْقٍ؛ فَلَا يُفْسَخُ، وَعَلَيْهِمْ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الدِّينِ؛ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْجَانِيَ، وَالرَّاهِنُ الرَّهْنَ. (وَلَيْسَ لِضَامِنٍ إذَا مَاتَ مَضْمُونُهُ مُطَالَبَةُ رَبِّ حَقٍّ بِقَبْضِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ فِيهِ (مِنْ تَرِكَةِ مَضْمُونِهِ) لِيَبْرَأَ الضَّامِنُ، (أَوْ أَنْ يُبْرِئَهُ) ؛ أَيْ: الضَّامِنُ مِنْ الضَّمَانِ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ الْأَصِيلُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 (وَيَلْزَمُ الْحَاكِمَ إجْبَارُ مُفْلِسٍ مُحْتَرِفٍ) كَحَدَّادٍ وَنَجَّارٍ وَحَائِكٍ (عَلَى) الْكَسْبِ أَوْ (إيجَارِ نَفْسِهِ) ، وَإِنْ كَانَ لَهُ صَنَائِعُ أُجْبِرَ عَلَى إيجَارِ نَفْسِهِ (فِيمَا يَلِيقُ بِهِ) ؛ لِيُوَفِّيَ (بَقِيَّةَ دَيْنِهِ) بَعْدَ قِسْمَةِ مَا وُجِدَ مِنْ مَالِهِ؛ لِحَدِيثِ «سُرَّقٍ، وَكَانَ سُرَّقٌ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ وَرَاءَهُ مَالًا، فَدَايَنَهُ النَّاسُ، وَرَكِبَتْهُ دُيُونٌ، وَلَمْ يَكُنْ وَرَاءَهُ مَالٌ فَسَمَّاهُ سُرَّقًا، وَبَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحُرُّ لَا يُبَاعُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ تُبَاعُ مُنَاصَفَةً؛ إذْ الْمَنَافِعُ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَتَحْرِيمِ أَخْذِ الزَّكَاةِ، وَثُبُوتِ الْغِنَى بِهَا، فَكَذَا فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ بِهَا، وَالْإِجَارَةُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَأُجْبِرَ عَلَيْهَا لِبَيْعِ مَالِهِ؛ وَكَإِجَارَةِ (وَقْفٍ وَأُمِّ وَلَدٍ يُسْتَغْنَى عَنْهُمَا) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ، فَلَزِمَهُ؛ كَمَالِكِ مَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ مِنْهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْأَغْنِيَاءِ فِي حِرْمَانِ الزَّكَاةِ، وَسُقُوطِ نَفَقَتِهِ عَنْ قَرِيبِهِ، وَوُجُوبِ نَفَقَةِ قَرِيبِهِ، وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» . قَضِيَّةُ عَيْنٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ لِذَلِكَ الْمَدِينِ حِرْفَةٌ يَكْتَسِبُ بِهَا مَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَدَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِ سُرَّقٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ بَيْعَ الْحُرِّ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِنَا، وَحَمْلُ لَفْظِ بَيْعِهِ عَلَى بَيْعِ مَنَافِعِهِ أَسْهَلُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى بَيْعِ رَقَبَتِهِ الْمُحَرَّمِ، وَحَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ شَائِعٌ كَثِيرٌ، وَقَوْلُ مُشْتَرِيهِ: أَعْتَقْتُهُ؛ أَيْ: مِنْ حَقِّي عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: فَأَعْتَقُوهُ؛ أَيْ: الْغُرَمَاءُ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا الدَّيْنَ عَلَيْهِ، (مَعَ بَقَاءِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ الْمُؤَجِّرِ لِنَفْسِهِ أَوْ وَقْفِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ لِقَضَاءِ بَقِيَّةِ الدَّيْنِ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِفَكِّ حَجْرِهِ. و (لَا) تُجْبَرُ (امْرَأَةٌ) مُفْلِسَةٌ (عَلَى نِكَاحٍ) - وَلَوْ رَغِبَ فِيهَا - بِمَا تُوَفِّي بِهِ دَيْنَهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ مَا قَدْ تَعْجِزُ عَنْهُ. (وَلَا) يُجْبَرُ (مَنْ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ كَفَّارَةٌ) بِالْعِتْقِ لَوْ احْتَرَفَ أَوْ أَجَرَ نَفْسَهُ، عَلَى أَنْ يَحْصُلَ عَلَى حِرْفَتِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 مَا يَحُجُّ بِهِ أَوْ يُكَفِّرُ، وَلَا عَلَى إيجَارِ نَفْسِهِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَا يُبَاعُ فِيهِ، وَلَا تُجْرَى فِيهِ الْمَنَافِعُ مَجْرَى الْأَعْيَانِ، وَأَمَّا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَالْكَفَّارَةُ، فَتَهَاوَنَ حَتَّى أَفْلَسَ؛ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِجَرَيَانِ الْمَنَافِعِ هُنَا مَجْرَى الْأَعْيَانِ. . (وَيَحْرُمُ إجْبَارُهُ) ؛ أَيْ: الْمَدِينُ الْمُفْلِسِ (عَلَى قَبُولِ نَحْوِ هِبَةٍ - وَلَوْ مِنْ وَلَدِهِ - وَ) عَلَى قَبُولِ (صَدَقَةٍ وَ) قَبُولِ (وَصِيَّةٍ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ تَحَمُّلِ الْمِنَّةِ، بِخِلَافِهِ عَلَى الصِّفَةِ. (وَ) لَا يُجْبَرُ الْمُفْلِسُ عَلَى (تَزْوِيجِ أُمِّ وَلَدِهِ) لِوَفَاءِ دَيْنِهِ مِمَّا يَأْخُذُ مِنْ مَهْرِهَا - وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَطَؤُهَا - لِأَنَّهُ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ، وَيُعَلِّقُ حَقَّ الزَّوَاجِ بِهَا. (وَ) يَحْرُمُ إجْبَارُهُ عَلَى (خُلْعِ) زَوْجَتِهِ عَلَى عِوَضٍ يُوَفِّي مِنْهُ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ إلَيْهَا مَيْلٌ. (وَ) لَا يُجْبَرُ عَلَى (رَدِّ مَبِيعٍ) لِعَيْبٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ وَنَحْوِهِ، (وَ) لَا عَلَى (إمْضَائِهِ فِي خِيَارٍ) - وَلَوْ كَانَ فِيهِ حَظٌّ - لِأَنَّهُ إتْمَامُ تَصَرُّفٍ سَابِقٍ عَلَى الْحَجْرِ، فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ. (وَ) لَا يُجْبَرُ عَلَى (أَخْذِ دِيَةٍ عَنْ قَوْدٍ) وَجَبَ لَهُ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى قِنِّهِ أَوْ مُوَرِّثِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْمَعْنَى الَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ، ثُمَّ إنْ اقْتَصَّ فَلَا شَيْءَ لِلْغُرَمَاءِ، وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ؛ ثَبَتَ وَتَعَلَّقَ بِهِ دَيْنُهُمْ، وَلَهُ الْعَفْوُ مَجَّانًا، خِلَافًا " لِلْإِقْنَاعِ ". (وَلَا يَمْلِكُ أَجْنَبِيٌّ وَفَاءَ دَيْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمَدِينِ (مُتَبَرِّعًا) بِذَلِكَ (بِلَا رِضَاهُ) ؛ أَيْ: الْمَدِينِ، (وَلَا يَمْلِكُ الْحَاكِمُ قَبْضَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا لِلْمَدِينِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ (بِلَا إذْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمَدِينِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ يَمْلِكْ فِعْلَهُ عَنْهُ. (وَيَنْفَكُّ حَجْرُهُ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ (بِوَفَاءِ) دَيْنِهِ (بِلَا) حُكْمِ (حَاكِمٍ) بِفَكِّهِ؛ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ لَهُ الْحَجْرُ، وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 (وَيَصِحُّ الْحُكْمُ بِفَكِّهِ) ؛ أَيْ: الْحَجْرِ (مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ) الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِفَكِّهِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ فَرَاغِ مَالِهِ، وَالنَّظَرِ فِي الْأَصْلَحِ مَعَ بَقَاءِ الْحَجْرِ وَفَكِّهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ بِدُونِ حُكْمٍ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِحُكْمٍ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِهِ؛ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ (فَلَوْ طَلَبُوا) ؛ أَيْ: غُرَمَاءُ مَنْ فُكَّ حَجْرُهُ (إعَادَتَهُ) عَلَيْهِ (لِمَا بَقِيَ) مِنْ دَيْنِهِمْ؛ (لَمْ يُجِبْهُمْ) الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَكَّ حَجْرُهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ ادَّعَوْا أَنْ بِيَدِهِ مَالًا وَبَيَّنُوا سَبَبَهُ؛ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ، فَإِنْ أَنْكَرَ حُلِّفَ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ وَقَالَ: هُوَ لِفُلَانٍ وَأَنَا وَكِيلُهُ أَوْ عَامِلُهُ؛ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ إنْ كَانَ حَاضِرًا، فَإِنْ صَدَّقَهُ فَلَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ أُعِيدَ الْحَجْرُ بِطَلَبِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ غَائِبًا أَقَرَّ بِيَدِ الْمُفْلِسِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ، وَيَسْأَلَهُ. (وَإِنْ اسْتَدَانَ) مَنْ فُكَّ حَجْرُهُ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةُ دَيْنٍ؛ (فَحُجِرَ عَلَيْهِ) - وَلَوْ بِطَلَبِ أَرْبَابِ الدُّيُونِ الَّتِي لَزِمَتْهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ - (تَشَارَكَ غُرَمَاءُ الْحَجْرِ الْأَوَّلِ وَ) غُرَمَاءُ الْحَجْرِ (الثَّانِي) فِي مَالِهِ الْمَوْجُودِ إذَنْ؛ لِتُسَاوِيهِمْ فِي ثُبُوتِ حُقُوقِهِمْ فِي ذِمَّتِهِ؛ كَغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلِينَ يُضْرَبُ لَهُمْ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِمْ، وَالْآخِرِينَ بِجَمِيعِهَا. (وَمَنْ فُلِّسَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (ثُمَّ اسْتَدَانَ لَمْ يُحْبَسْ) نَصًّا؛ لِوُضُوحِ أَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ أَوْ الْمَيِّتِ حَقٌّ لَهُ بِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، وَحَلَفَ الْمُفْلِسُ أَوْ الْوَارِثُ مَعَهُ؛ ثَبَتَ الْمَالُ، وَتَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ؛ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، (وَإِنْ أَبَى مُفْلِسٌ أَوْ) أَبَى (وَارِثٌ الْحَلِفَ مَعَ شَاهِدٍ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ أَوْ الْوَارِثِ (بِحَقٍّ؛ لَمْ يُجْبَرْ، وَلَيْسَ لِغُرَمَاءِ) الْمُفْلِسِ أَوْ الْمَيِّتِ (الْحَلِفُ) ؛ لِإِثْبَاتِهِمْ مِلْكًا لِغَيْرِهِمْ تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُهُمْ بَعْد ثُبُوتِهِ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ؛ (كَزَوْجَةٍ تَحْلِفُ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ زَوْجِهَا لِتَعَلُّقِ نَفَقَتِهَا بِهِ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ الْمُفْلِسُ وَلَا الْوَارِثُ عَلَى الْحَلِفِ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 الْحُكْمُ (الرَّابِعُ انْقِطَاعُ الطَّلَبِ عَنْهُ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ؛ أَيْ: فَأَنْظِرُوهُ إلَى مَيْسَرَةٍ، وَلِحَدِيثِ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» . وَرُوِيَ (وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ) (فَمَنْ أَقْرَضَهُ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسَ (أَوْ بَاعَهُ شَيْئًا - وَلَوْ غَيْرَ عَالَمٍ بِحَجْرِهِ - لَمْ يُشَارِكِ الْغُرَمَاءَ وَلَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ) بِبَدَلِ الْقَرْضِ أَوْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَتْلَفَ مَالَهُ بِمُعَامَلَتِهِ مَنْ لَا شَيْءَ مَعَهُ (حَقٌّ يَنْفَكُّ حَجْرُهُ) ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غُرَمَائِهِ حَالَ الْحَجْرِ بِعَيْنِ مَالِهِ، (لَكِنْ إنْ وَجَدَ الْمُعْتَرِضُ أَوْ الْبَائِعُ) (عَيْنَ مَالِهِ؛ فَلَهُ أَخْذُهَا) إنْ جَهِلَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا (كَمَا مَرَّ) مُفَصَّلًا؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ [فَصْلٌ فِي الْحَجْرِ لِحَظِّ نَفْسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ] (فَصْلٌ) فِي الْحَجْرِ لِحَظِّ نَفْسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] وَأَضَافَ الْأَمْوَالَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ مُدَبِّرُوهَا. (وَمَنْ دَفَعَ مَالَهُ) بِاخْتِيَارِهِ، (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ الدَّافِعُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ (مَحْجُورًا) عَلَيْهِ لِحَظِّهِ، فَتَلِفَ؛ فَلَا يُضَمَّنُ، كَذَا قَالَ وَفِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " وَإِذَا دَفَعَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ مَالَهُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ، فَتَلِفَ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمَدْفُوعِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَسْلِيطَ مِنْ الْمَالِكِ - وَقَدْ تَلِفَ بِفِعْلِ الْقَابِضِ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ - فَضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، وَالْعَمْدُ وَالسَّهْوُ، وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا، أَقُولُ: بَلْ هُوَ مَنْقُولٌ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كِتَابِ " مُغْنِي ذَوِي الْأَفْهَامِ " لِابْنِ عَبْدِ الْهَادِي (بِعَقْدٍ) ؛ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ. (أَوْ لَا) بِعَقْدٍ؛ كَوَدِيعَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 وَعَارِيَّةٍ (إلَى مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِحَظِّ نَفْسِهِ؛ كَصَغِيرٍ وَسَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ؛ رَجَعَ) الدَّافِعُ (فِي بَاقٍ) مِنْ مَالِهِ؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، (وَمَا تَلِفَ) مِنْهُ بِنَفْسِهِ؛ كَمَوْتِ قِنٍّ أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ بِفِعْلِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ (زَمَنَ حَجْرٍ) ؛ كَقَتْلِهِ لَهُ فَهُوَ (عَلَى مَالِكِهِ) غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّهُ سُلِّطَ عَلَيْهِ بِرِضَاهُ، (عَلِمَ) الدَّافِعُ (بِحَجْرِ) الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ (أَوْ لَا) ؛ لِتَفْرِيطِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا يُطَالِبُونَ) ؛ أَيْ: الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ بِمَا أَتْلَفُوهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً (دُنْيَا وَلَا أُخْرَى) ؛ لِعَدَمِ خِطَابِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي السَّفِيهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي الدُّنْيَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْإِتْلَافُ لِتَكْلِيفِهِ فَيَكُونُ مُتَّجِهًا. (وَتُضَمَّنُ) ؛ أَيْ: يَضْمَنُ مَحْجُورًا عَلَيْهِمْ لِحَظِّ أَنْفُسِهِمْ (جِنَايَةً) عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ وَنَحْوِهِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْجِنَايَاتِ، (وَ) يَضْمَنُ (إتْلَافَ مَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ) إذَا أَتْلَفُوهُ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيطٌ مِنْ الْمَالِكِ، وَالْإِتْلَافُ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَهْلُ وَغَيْرُهُ. (وَمَنْ أَعْطَوْهُ) ؛ أَيْ: الْمَحْجُورَ عَلَيْهِمْ لِحَظِّهِمْ (مَالًا) مِنْ غَيْرِ إذْنِ أَوْلِيَائِهِمْ؛ (ضَمِنَهُ) آخِذُهُ؛ لِتَعَدِّيهِ بِقَبْضِهِ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ دَفْعٌ (حَتَّى يَأْخُذَهُ وَلِيُّهُ) ؛ أَيْ: وَلِيُّ الدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ قَبْضُهُ، و (لَا) يَضْمَنُ؛ أَيْ: الْمَالَ (مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ (لِيَحْفَظَهُ) لَهُمْ مِنْ الضَّيَاعِ (إنْ أَخَذَهُ) مِنْ غَاصِبِهِ أَوْ غَيْرِهِ (لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ، وَلَمْ يُفَرِّطْ) ؛ فَلَا يَضْمَنُهُ، لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْإِعَانَةِ عَلَى رَدِّ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ، فَإِنْ فَرَّطَ ضُمِّنَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 (وَمَنْ بَلَغَ) مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى (رَشِيدًا) انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، (أَوْ) بَلَغَ (مَجْنُونًا، أَوْ) بَلَغَ (سَفِيهًا، ثُمَّ عَقَلَ؛ انْفَكَّ حَجْرُهُ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] الْآيَةَ، وَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ إنَّمَا كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ حِفْظًا لَهُ - وَقَدْ زَالَ - فَيَزُولَ الْحَجْرُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ، (بِلَا حُكْمٍ) بِفَكِّهِ، وَسَوَاءٌ رَشَّدَهُ الْوَلِيُّ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمٍ فَيَزُولُ بِدُونِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] وَاشْتِرَاطُ الْحُكْمِ زِيَادَةٌ تَمْنَعُ الدَّفْعَ عِنْدَ وُجُودِ ذَلِكَ، وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ، (وَأُعْطِيَ) مَنْ انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ (مَالَهُ) لِلْآيَةِ (وَسُنَّ) إعْطَاؤُهُ مَالَهُ (بِإِذْنِ قَاضٍ وَ) إشْهَادِ (بَيِّنَةٍ) بِرُشْدٍ وَدُفِعَ لِيَأْمَنَ التَّبِعَةَ، وَ (لَا) يُعْطَى مَالُهُ (قَبْلَ ذَلِكَ بِحَالٍ - وَلَوْ صَارَ شَيْخًا -) رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ فِي " الْمُتَرْجَمِ " قَالَ: كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَلِي أَمْرَ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ ذِي أَهْلٍ وَمَالٍ لِضَعْفِ عَقْلِهِ. (وَ) يَحْصُلُ (بُلُوغُ ذَكَرٍ بِإِمْنَاءٍ) بِاحْتِلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور: 59] (أَوْ تَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ - وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً - فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ - وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً - فَأَجَازَنِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: فَلَمْ يُجِزْنِي، وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ، (أَوْ نَبَاتِ شَعْرٍ خَشِنٍ) ؛ أَيْ: يَسْتَحِقُّ أَخْذُهُ بِالْمُوسَى، لَا زَغَبٍ ضَعِيفٍ (حَوْلَ قُبُلِهِ) ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا حَكَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ حَكَمَ بِأَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَحَكَمَ بِأَنْ يُكْشَفَ عَنْ مُؤْتَزِرِيهِمْ فَمَنْ أَنْبَتَ فَهُوَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ، وَمَنْ لَمْ يُنْبَتْ أَلْحَقُوهُ بِالذَّرَارِيِّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْفِعَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَ) بُلُوغُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 (أُنْثَى بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ بُلُوغُ الذَّكَرِ، (وَ) تَزِيدُ عَلَيْهِ (بِحَيْضٍ) ؛ لِحَدِيثِ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. (وَحَمْلُهَا دَلِيلُ إنْزَالِهَا) ؛ لِإِجْرَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ الْوَلَدِ مِنْ مَاءِ الزَّوْجَيْنِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5] {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] (فَإِذَا وَلَدَتْ حُكِمَ بِبُلُوغِهَا مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَقَلُّ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) ؛ أَيْ: الْحُكْمُ بِبُلُوغِهَا مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ الْوِلَادَةِ (إنْ عَاشَ) الْوَلَدُ، (وَإِلَّا) يَعِشْ؛ (رُجِعَ لِخِبْرَةِ النِّسَاءِ) ، فَإِنْ أَخْبَرْنَ أَنَّهُ ابْنُ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ فَأَقَلَّ؛ عُمِلَ بِإِخْبَارِهِنَّ [إنْ وُجِدَتْ فِيهِنَّ الْعَدَالَةُ، وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ] . (وَإِنْ طَلُقَتْ زَمَنَ إمْكَانِ بُلُوغٍ) ؛ أَيْ: بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ (وَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ؛ أُلْحِقَ) الْوَلَدُ (بِمُطَلِّقٍ، وَحُكِمَ بِبُلُوغِهَا مِنْ قَبْلِ الطَّلَاقِ) ؛ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ. (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ (بِزَمَنٍ يَتَّسِعُ لِلْوَطْءِ) لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيَحْصُلُ بُلُوغُ (خُنْثَى) بِأَحَدِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ (بِسِنٍّ) وَهُوَ تَمَامُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، (أَوْ نَبَاتِ شَعْرٍ) خَشِنٍ (حَوْلَ قُبُلَيْهِ) : قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: فَإِنْ وُجِدَ حَوْلَ أَحَدِهِمَا فَلَا، (أَوْ إمْنَاءٍ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ أَوْ حَيْضٍ مِنْ قُبُلٍ، أَوْ هُمَا) ؛ أَيْ: الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ (مِنْ مَخْرَجٍ) وَاحِدٍ أَوْ مَنِيٌّ مِنْ ذَكَرِهِ وَحَيْضٌ مِنْ فَرْجِهِ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ أَمْنَى؛ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ حَاضَتْ، وَيَأْتِي حُكْمُ إشْكَالِهِ وَمَا يَزُولُ بِهِ فِي مِيرَاثِهِ. (وَلَا اعْتِبَارَ) ؛ أَيْ: لَا يَحْصُلُ بُلُوغٌ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ (بِغِلَظِ صَوْتٍ وَفَرْقِ أَنْفٍ وَنُهُودِ ثَدْيٍ وَشَعْرِ إبِطٍ وَ) شَعْرِ (لِحْيَةٍ) وَغَيْرِهَا (وَالرُّشْدُ إصْلَاحُ الْمَالِ، لَا) إصْلَاحُ (الدِّينِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي صَلَاحًا فِي أَمْوَالِهِمْ. وَلِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَمَنْ كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ؛ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ شَرْطُهُ. وَالْعَدَالَةُ لَا تُعْتَبَرُ فِي الرُّشْدِ دَوَامًا، فَلَا تُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ؛ كَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، فَعَلَى هَذَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا لِدِينِهِ؛ كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَمَنَعَ الزَّكَاةَ وَنَحْوِهِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: الْفَاسِقُ غَيْرُ رَشِيدٍ، مُنْتَقَضٌ بِالْكَافِرِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ فِي دِينِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. (وَلَا يُعْطَى) مَنْ بَلَغَ رَشِيدًا ظَاهِرًا (مَالَهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ بِمَا يَأْتِي) قَرِيبًا (وَمَحَلُّهُ) ؛ أَيْ: الِاخْتِبَارِ (قَبْلَ بُلُوغٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] . الْآيَةَ وَالدَّلِيلُ مِنْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ الْيَتَامَى وَلَا يَكُونُونَ يَتَامَى إلَّا قَبْلَ الْبُلُوغِ. الثَّانِي أَنَّهُ مُدَّةُ اخْتِبَارِهِمْ إلَى الْبُلُوغِ بِلَفْظِ حَتَّى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاخْتِبَارَ قَبْلَهُ. وَتَأْخِيرُ الِاخْتِبَارِ إلَى الْبُلُوغِ يُؤَدِّي إلَى الْحَجْرِ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُخْتَبَرَ، وَيُعْلَمَ رُشْدُهُ، وَلَا يُخْتَبَرُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْمَصْلَحَةَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ، وَتَصَرُّفُهُ حَالَ الِاخْتِبَارِ صَحِيحٌ بِتَصَرُّفٍ (لَائِقٍ بِهِ) - مُتَعَلِّقٌ بِيُخْتَبَرُ - (وَ) حَتَّى (يُؤْنَسَ رُشْدُهُ) ؛ أَيْ: يُعْلَمَ، يَخْتَلِفُ الْإِينَاسُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ. (وَعُقُودُ) يَتِيمٍ حَالَ (الِاخْتِبَارِ صَحِيحَةٌ) ؛ لِلْآيَةِ، وَيَخْتَلِفُ الرُّشْدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، (فَوَلَدُ تَاجِرٍ) يُؤْنَسُ رُشْدُهُ؛ (بِأَنْ يَتَكَرَّرَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ، فَلَا يَغْبِنُ غَالِبًا غَبْنًا فَاحِشًا، وَ) يُؤْنَسُ رُشْدُ (وَلَدِ رَئِيسٍ وَكَاتِبٍ بِاسْتِيفَاءٍ عَلَى وَكِيلِهِ) فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ، (وَ) يُؤْنَسُ رُشْدُ (أُنْثَى بِاشْتِرَاءِ قُطْنٍ وَنَحْوِهِ) كَصُوفٍ وَكَتَّانٍ وَاسْتِجَادَتِهِ وَدَفْعِهِ (وَ) دَفْعِ أُجْرَتِهِ (لِلْغَزَّالَاتِ وَاسْتِيفَاءٍ عَلَيْهِنَّ) ؛ أَيْ: الْغَزَّالَاتِ (وَ) يُعْتَبَرُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إينَاسِ رُشْدِهِ (حِفْظُ الْأَطْعِمَةِ مِنْ نَحْوِ هِرٍّ وَفَأْرٍ) وَحِفْظِ ثِيَابٍ مِنْ نَحْوِ عَتٍّ (وَ) يُخْتَبَرُ (ابْنُ كُلِّ مُحْتَرِفٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ) ، فَيُخْتَبَرُ ابْنُ الزَّارِعِ وَابْنُ النَّجَّارِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِزَرْعِهِ وَنِجَارَتِهِ؛ (وَ) يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ (أَنْ يَحْفَظَ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ كَشِرَاءِ نِفْطٍ وَنَحْوِهِ كَبَارُودٍ يُحْرِقُهُ لِلتَّفَرُّجِ عَلَيْهِ) وَنَحْوِهِ، (أَوْ) صَرْفِهِ فِي (حَرَامٍ؛ كَقِمَارٍ) وَغِنَاءٍ، (وَشِرَاءِ مُحَرَّمٍ كَآلَةِ لَهْوٍ) أَوْ خَمْرٍ، (وَلَيْسَ صَرْفُ الْمَالِ فِي بِرٍّ) ؛ كَغَزْوٍ وَحَجٍّ وَصَدَقَةٍ، (وَ) صَرْفُهُ فِي (مَطْعَمٍ وَمَشْرَبٍ وَمَلْبَسٍ وَمَنْكَحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ تَبْذِيرًا؛ إذْ لَا سَرَفَ فِي الْمُبَاحِ) قَالَ: فِي الِاخْتِيَارَاتِ الْإِسْرَافُ مَا صَرَفَهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ كَانَ صَرْفُهُ فِي الْمُبَاحِ يَضُرُّ بِعِيَالِهِ أَوْ كَانَ وَحْدَهُ لَمْ يَثِقْ بِإِيمَانِهِ، أَوْ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْمَصْلَحَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي " حَاشِيَتِهِ ": الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِسْرَافِ، وَالتَّبْذِيرِ أَنَّ الْإِسْرَافَ صَرْفُ الشَّيْءِ فِيمَا يَنْبَغِي زَائِدًا عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَالتَّبْذِيرُ صَرْفُ الشَّيْءِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي. (وَمَنْ نُوزِعَ فِي رُشْدِهِ لِيَأْخُذَ مَالَهُ مِنْ وَلِيِّهِ، فَشَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ؛ ثَبَتَ) رُشْدُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، (وَإِلَّا) ؛ بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ عَدْلَانِ؛ (فَادَّعَى) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ (عَلِمَ وَلِيُّهُ) رُشْدَهُ؛ (حَلَفَ) وَلِيُّهُ (أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ) رُشْدَهُ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ مُدَّعٍ، وَظَاهِرُ مَا يَأْتِي فِي الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى إنْ لَمْ يَحْلِفْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِرُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى فِي النُّكُولِ إلَّا فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ. (وَمَنْ تَبَرَّعَ فِي) حَالِ (حَجْرِهِ) ، أَوْ بَاعَ وَنَحْوَهُ (فَثَبَتَ كَوْنُهُ) ؛ أَيْ الْمُتَبَرِّعُ وَنَحْوُهُ (مُكَلَّفًا رَشِيدًا) [نَفَذَ] تَصَرُّفُهُ؛ لِتَبَيُّنِ أَهْلِهِ لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 [فَصْلٌ وِلَايَةُ الْمَمْلُوكِ لِسَيِّدِهِ] (فَصْلٌ: وَوِلَايَةُ مَمْلُوكٍ لِسَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ - (وَلَوْ) كَانَ سَيِّدُهُ (غَيْرَ عَدْلٍ) لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ فِي مَالِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَالَتِهِ -. (وَ) وِلَايَةُ (صَغِيرٍ) عَاقِلٍ أَوْ مَجْنُونٍ (وَبَالِغٍ بِجُنُونٍ) ؛ أَيْ: مَنْ بَلَغَ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَجْنُونًا، وَاسْتَمَرَّ عَلَى جُنُونِهِ، لَا مَنْ عَقَلَ بَعْدَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ جُنَّ؛ إذْ ذَاكَ لَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ إلَّا الْحَاكِمُ (أَوْ سَفَهٍ) ، وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ؛ (لِأَبٍ بَالِغٍ) ؛ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ، فَإِنْ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِابْنِ عَشْرٍ فَأَكْثَرَ، وَلَمْ يَثْبُتْ بُلُوغُهُ؛ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ وَلَا لِوَصِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَلَا يَكُونُ وَلِيًّا. (رَشِيدٍ) عَاقِلٍ (حُرٍّ عَدْلٍ - وَلَوْ ظَاهِرًا -) لِأَنَّ تَفْوِيضَ الْوِلَايَةِ إلَى غَيْرِ مَنْ هَذِهِ [صِفَاتُهُ] ؛ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ الْحُرِّ الْعَاقِلِ يَحْتَاجُ إلَى وَلِيٍّ؛ فَلَا يَكُونُ وَلِيًّا عَلَى غَيْرِهِ (أَوْ مُكَاتَبًا عَلَى وَلَدِهِ الْمُكَاتَبِ) ؛ و (لَا) تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى وَلَدِهِ (الْحُرِّ، ثُمَّ) تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ (لِوَصِيِّ الْأَبِ) الْعَدْلِ (وَلَوْ) كَانَ (بِجَعْلٍ) مِنْ الْمُوصِي أَوْ الْحَكَمِ (وَثَمَّ مُتَبَرِّعٌ) بِالْوِلَايَةِ - لِأَنَّهُ نَائِبُ الْأَبِ - أَشْبَهَ وَكِيلَهُ فِي الْحَيَاةِ. (أَوْ) كَانَ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّهُ (كَافِرٌ كَافِرٍ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي دِينِهِ، مُمْتَثِلًا لِمَا يَعْتَقِدُونَهُ وَاجِبًا، مَنْهِيًّا عَمَّا يُحَرِّمُونَهُ، مُرَاعِيًا لِلْمُرُوءَةِ، وَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ. (ثُمَّ) بَعْدَ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ فَالْوِلَايَةُ (لِحَاكِمٍ) ؛ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَتَكُونُ لِلْحَاكِمِ؛ كَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ. (فَإِنْ عُدِمَ) حَاكِمُ أَهْلٍ (فَأَمِينٌ يَقُومُ مَقَامَهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ، (وَقَالَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ رُفِعَ إلَيْهِ فِيمَنْ عِنْدَهُ مَالٌ تُطَالِبُهُ الْوَرَثَةُ؛ فَيَخَافُ مِنْ أَمْرِهِ تَرَى أَنْ يُخْبِرَ الْحَاكِمَ وَيَرْفَعَ إلَيْهِ؟ قَالَ: (أَمَّا حُكَّامُنَا الْيَوْمَ هَؤُلَاءِ؛ فَلَا أَرَى أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا) ، وَهَذَا فِي زَمَانِهِ فَكَيْف بِحُكَّامِنَا الْيَوْمَ. (وَيَتَّجِهُ وَهُوَ) ؛ أَيْ: مَا قَالَهُ الْإِمَامُ (الصَّحِيحُ) الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ، (وَكَلَامُهُمْ) ؛ أَيْ: الْأَصْحَابِ (مَحْمُولٌ عَلَى حَاكِمِ أَهْلٍ) إنْ وُجِدَ وَهُوَ أَنْدَرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ (وَهَذَا يَنْفَعُك فِي كُلِّ مَوْضِعٍ) اُعْتُبِرَ فِيهِ الْحَاكِمُ (فَاعْتَمِدْهُ) وَاحْفَظْهُ؛ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ جِدًّا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْجَدُّ) لَا وِلَايَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْلِي بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُدْلِي بِالْأَبِ؛ فَهُوَ كَالْأَخِ. (وَالْأُمُّ وَسَائِرِ الْعَصَبَاتِ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَحَلُّ الْخِيَانَةِ وَمَنْ عَدَّ الْمَذْكُورِينَ أَوَّلًا قَاصِرٌ عَنْهُمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْمَالِ، (وَقَالَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ، وَلَهُ مَالٌ، إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَصِيٌّ، وَلَهُمْ أُمٌّ مُشْفِقَةٌ: يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهَا؛ لِتَحْفَظَهُ لَهُمْ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ لَهَا) ؛ أَيْ: الْأُمِّ (وِلَايَةً فِي الْحِفْظِ) فَقَطْ، (لَا فِي التَّصَرُّفِ) ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَتُسَلِّمُهُ لِثِقَةٍ أَمِينٍ شَرِكَةً أَوْ مُضَارَبَةً لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا وَيُنَمِّيَهُ، وَتُبَاشِرُ هِيَ أَوْ أَمِينُهَا حِسَابَهُ وَالِاسْتِيفَاءَ، وَلَا تُهْمِلُهُ لِئَلَّا يَضِيعَ أَوْ تُتْلِفَهُ النَّفَقَةُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَحَرُمَ تَصَرُّفُ وَلِيٍّ صَغِيرٍ أَوْ وَلِيٍّ مَجْنُونٍ أَوْ وَلِيِّ سَفِيهٍ إلَّا بِمَا فِيهِ حَظٌّ) لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ (وَإِلَّا) يَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ بِمَا فِيهِ حَظٌّ (لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ، وَيَضْمَنُ) نَقْصًا حَصَلَ بِتَصَرُّفِهِ؛ (فَإِنْ تَبَرَّعَ) الْوَلِيُّ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ، (أَوْ حَابَا) ؛ بِأَنْ بَاعَ مِنْ مَالِ مُوَلِّيه بِأَنْقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ، أَوْ اشْتَرَى لَهُ بِأَزْيَدَ (أَوْ زَادَ) فِي الْإِنْفَاقِ (عَلَى نَفَقَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، (أَوْ) زَادَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى (مَنْ تَلْزَمُهُ) أَيْ: تَلْزَمُ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ (مُؤْنَتُهُ) مِنْ نَحْوِ زَوْجَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 (بِالْمَعْرُوفِ؛ ضَمِنَ) مَا تَبَرَّعَ بِهِ مَا حَابَا بِهِ وَالزَّائِدُ فِي النَّفَقَةِ؛ لِتَفْرِيطِهِ، وَلِلْوَلِيِّ تَعْجِيلُ نَفَقَةِ مُوَلِّيهِ مُدَّةً جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ إنْ لَمْ يُفْسِدْهَا، (وَتُدْفَعُ) النَّفَقَةُ (إنْ أَفْسَدَهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ فَإِنْ أَفْسَدَهَا) ؛ أَيْ: النَّفَقَةَ مُوَلًّى عَلَيْهِ بِإِتْلَافٍ أَوْ دَفَعَ لِغَيْرِهِ (أَطْعَمَهُ) الْوَلِيُّ مُعَايَنَةً، وَإِلَّا كَانَ مُفَرِّطًا. (وَإِنْ أَفْسَدَ كُسْوَتَهُ سَتَرَ عَوْرَتَهُ فَقَطْ فِي بَيْتٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحَيُّلٌ) عَلَى بَقَائِهَا عَلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ التَّحَيُّلُ (بِتَهْدِيدٍ) وَزَجْرٍ وَصِيَاحٍ عَلَيْهِ، (وَمَتَى أَرَاهُ) الْوَلِيُّ (النَّاسَ أَلْبَسَهُ) ثِيَابَهُ، (فَإِذَا مَضَوْا) ؛ أَيْ: النَّاسُ (نَزَعَ) الثِّيَابَ (عَنْهُ) وَسَتَرَ عَوْرَتُهُ فَقَطْ. (وَيُقَيَّدُ مَجْنُونٌ بِحَدِيدٍ لِخَوْفٍ) عَلَيْهِ نَصًّا، وَكَذَا إنْ خِيفَ مِنْهُ. (وَسُنَّ إكْرَامُ يَتِيمٍ وَإِدْخَالُ سُرُورٍ عَلَيْهِ وَدَفْعُ نَقْصٍ وَ) دَفْعُ (إهَانَةٍ عَنْهُ) (فَجَبْرُ قَلْبِهِ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهِ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، وَتُدْرِكَ حَاجَتَك؟ ارْحَمْ الْيَتِيمَ وَامْسَحْ رَأْسَهُ وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِك يَلِينُ قَلْبُك، وَتُدْرِكُ حَاجَتَك» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ ". (وَلَا يَقْرَأُ) الْوَلِيُّ وَلَا غَيْرُهُ (فِي مُصْحَفِ الْيَتِيمِ إنْ كَانَ) ذَلِكَ (يُخْلِقُهُ) ؛ أَيْ: يُبْلِيه لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى وَلِيٍّ) (إخْرَاجُ زَكَاةٍ) مِنْ مَالِ مُوَلِّيه (وَ) إخْرَاجُ (فِطْرَةٍ مِنْ مَالِ مُوَلِّيه) ، وَكَذَا فِطْرَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، (وَلَا يَتَوَلَّى سَفِيهٌ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: إخْرَاجُ الزَّكَاةِ وَالْفِطْرَةِ. (وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ) ؛ أَيْ: الْوَلِيُّ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى مَنْ وَلِيَهُ بِمَالٍ وَلَا إتْلَافٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ؛ وَأَمَّا تَصَرُّفَاتُهُ النَّافِذَةُ مِنْهُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا؛ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهَا؛ كَالْوَكِيلِ. (وَلَا) يَصِحُّ أَنْ (يَأْذَنَ لَهُ فِي حِفْظِ مَالِهِ) ؛ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ. (وَلَا يَصِحُّ أَنْ) (يَبِيعَ) وَلِيٌّ صَغِيرٍ وَسَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ لِنَفْسِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 (أَوْ يَشْتَرِيَ) لِنَفْسِهِ، (أَوْ يَرْتَهِنَ) لِنَفْسِهِ، (وَيَتَّجِهُ أَوْ يَقْتَرِضُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. مِنْ مَالِ مُوَلِّيه لِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التُّهْمَةِ، (غَيْرُ أَبٍ) فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . وَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ؛ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ؛ إذْ مِنْ طَبْعِ الْوَالِدِ الشَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِهِ وَالْمَيْلُ إلَيْهِ وَتَرْكُ حَظِّ نَفْسِهِ لِحَظِّهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْوَصِيَّ وَالْحَاكِمَ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: لِلْأَبِ مُكَاتَبَةُ قِنٍّ مُوَلِّيه، (وَلِغَيْرِهِ) ؛ أَيْ: الْأَبِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ - وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْحَاكِمُ - (مُكَاتَبَةُ قِنِّ مُوَلِّيه) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَيَّدَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِمَا إذَا كَانَ فِيهِ حَظٌّ. وَلِأَبٍ وَغَيْرِهِ (عِتْقُهُ) ؛ أَيْ: قِنِّهِمَا (عَلَى مَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فِيهَا حَظٌّ، وَلَيْسَ لَهُ الْعِتْقُ مَجَّانًا. (وَ) لِأَبٍ وَغَيْرِهِ (إذْنُهُ) ؛ أَيْ: رَقِيقِ مَحْجُورِهِ (فِي تِجَارَةٍ) بِمَالِهِ؛ كَاتِّجَارِ وَلِيِّهِ فِيهِ بِنَفْسِهِ. وَلِأَبٍ وَغَيْرِهِ (تَزْوِيجُهُ) ؛ أَيْ: قِنِّهِمَا (لِمَصْلَحَةٍ) - وَلَوْ بَعْضًا بِبَعْضٍ - لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إعْفَافًا عَنْ الزِّنَا؛ وَإِيجَابًا لِنَفَقَةِ الْإِمَاءِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابَةِ حَظٌّ) ؛ لَمْ تَصِحَّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلِوَلِيٍّ) مَحْجُورٍ عَلَيْهِ (سَفَرٌ بِمَالِهِ) لِلتِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا (مَعَ أَمْنِ) بَلَدٍ وَطَرِيقٍ؛ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ أَوْ الطَّرِيقُ غَيْرَ آمِنٍ؛ لَمْ يَجُزْ. (وَيَتَّجِهُ) لِوَلِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِمَالٍ مَحْجُورٍ - (وَلَوْ بَحْرًا) حَيْثُ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَ بِغَيْرِ الْبَحْرِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) لِأَبٍ وَغَيْرِهِ (مُضَارَبَتُهُ بِهِ) ؛ أَيْ: الِاتِّجَارُ بِمَالِهِ بِنَفْسِهِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ، فَلْيَتَّجِرْ بِهِ، وَلَا يَتْرُكُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ» ) . وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَلِأَنَّهُ أَحَظُّ لِلْمُوَلَّى. (وَلِمَحْجُورٍ رِبْحُهُ كُلُّهُ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ إلَّا بِعَقْدٍ، وَلَا يَعْقِدُهَا الْوَلِيُّ لِنَفْسِهِ؛ لِلتُّهْمَةِ. (وَ) لِوَلِيٍّ (دَفْعُهُ) ؛ أَيْ: مَالُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ (مُضَارَبَةً بِجُزْءٍ) مُشَاعٍ مَعْلُومٍ (مِنْ رِبْحِهِ) ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَبْضَعَتْ مَالَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَلِنِيَابَةِ الْوَلِيِّ عَنْ مَحْجُورِهِ فِي كُلِّ مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُ، وَلِلْعَامِلِ مَا شُورِطَ عَلَيْهِ. (وَ) لِوَلِيِّ (نِسَاءٍ) ؛ أَيْ؛ مَالِ مُوَلِّيه (لِمَلِيءٍ) لِمَصْلَحَتِهِ؛ بِأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ أَكْثَرَ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ حَالًا. (وَيَتَّجِهُ وَ) يَصِحُّ بَيْعُهُ (بِعَرْضِ) تِجَارَةٍ (لِحَظٍّ) ؛ أَيْ: إذَا كَانَ فِي الْعَرْضِ حَظٌّ (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ يَشْهَدُ حَتْمًا) ؛ أَيْ: وُجُوبًا (فِي نِسَاءٍ) ؛ لِيَأْمَنَ جُحُودَهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) لَهُ (قَرْضُهُ لِمَلِيءٍ أَمِينٍ - وَلَوْ بِلَا رَهْنٍ - لِمَصْلَحَتِهِ) ؛ بِأَنْ يَكُونَ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ مَالٌ فِي بَلَدٍ فَيُرِيدُ الْوَلِيُّ نَقْلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَيَقْرِضُهُ مِنْ رَجُلٍ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ؛ لِيَقْضِيَهُ بَدَلَهُ فِي بَلَدٍ يَقْصِدُ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ حِفْظَهُ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ فِي نَقْلِ الْمَالِ. أَوْ يَخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ مِنْ نَهْبٍ أَوْ غَرَقٍ، أَوْ يَكُونُ الْمَالُ مِمَّا يَتْلَفُ بِتَطَاوُلِ مُدَّتِهِ أَوْ حَدِيثُهُ خَيْرٌ مِنْ قَدِيمِهِ؛ كَالْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا فَيُقْرِضُهُ خَوْفًا مِنْ السُّوسِ أَوْ مِنْ أَنْ تَنْقُصَ قِيمَتُهُ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ؛ لَمْ يَجُزْ قَرْضُهُ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّبَرُّعَ. (وَلَا يَضْمَنُ) الْوَلِيُّ مَا تَلِفَ مِنْ الْمَالِ بِالْبَيْعِ نَسَاءً وَالْقَرْضُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ؛ (كَخَوْفِ سُوسٍ أَوْ ضَيَاعٍ) ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ. (وَقَرْضُهُ) ؛ أَيْ: قَرْضُ الْوَلِيِّ مَالَ مَحْجُورِهِ (لِثِقَةٍ أَوْلَى مِنْ إيدَاعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهُ. (فَإِنْ أَوْدَعَهُ) الْوَلِيُّ (مَعَ إمْكَانِ قَرْضِهِ؛ جَازَ) لَهُ ذَلِكَ، (وَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ إنْ تَلِفَ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا لِلْوَلِيِّ قَرْضُهُ بِأَنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً فَلَا يَجُوزُ قَرْضُهُ إلَّا لِمَلِيءٍ أَمِينٍ؛ لِئَلَّا يُعَرِّضَهُ لِلتَّلَفِ، وَكَذَا بَيْعُهُ نَسَاءً، وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَرْضُهُ لِمَوَدَّةٍ وَمُكَافَأَةٍ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلْوَلِيِّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْوَلِيِّ (هِبَتُهُ بِعِوَضِهِ) قَدْرَ قِيمَتِهِ فَأَكْثَرُ؛ أَمَّا بِدُونِهِمَا فَمُحَابَاةٌ عَلَى مَا سَبَقَ. (وَ) لَهُ (رَهْنُهُ لِثِقَةٍ) ؛ أَيْ: عِنْدَهُ (لِحَاجَةٍ) . وَلِلْأَبِ أَنْ يَرْتَهِنَ مَالَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِوَلِيٍّ غَيْرِهِ. وَلِلْوَلِيِّ أَيًّا كَانَ أَوْ غَيْرِهِ (شِرَاءُ عَقَارٍ) مِنْ مَالِهِمَا؛ لِيَسْتَغِلَّ لَهُمَا مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْمُضَارَبَةِ بِهِ، (وَ) لَهُ (بِنَاؤُهُ) ؛ أَيْ: الْعَقَارُ لَهُمَا مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ؛ إلَّا أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الشِّرَاء وَيَكُونَ أَحَظَّ؛ فَيَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ (بِمَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ) بِالْبِنَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فَيَفْعَلُهُ (لِمَصْلَحَةٍ - وَلَوْ بِلَبِنٍ -) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةً، فَلَا. (وَ) لَهُ (شِرَاءُ أُضْحِيَّةٍ) لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ (مُوسِرٍ) ، وَتَحْرُمُ صَدَقَتُهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَتَقَدَّمَ، وَحَمَلَهُ فِي " الْمُغْنِي " عَلَى يَتِيمٍ يَعْقِلُهَا؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَفَرَحٍ، فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ جَبْرُ قَلْبِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِمَنْ لَهُ أَبٌ؛ كَالثِّيَابِ الْحَسَنَةِ مَعَ اسْتِحْبَابِ التَّوْسِعَة فِي هَذَا الْيَوْمِ. (وَلَهُ مُدَاوَاتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ - وَلَوْ بِأُجْرَةٍ - لِمَصْلَحَةٍ - وَلَوْ بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ - نَصًّا. (وَلَهُ تَرْكُ صَبِيٍّ بِمَكْتَبٍ) ؛ كَجَعْفَرٍ - وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَوْضِعُ تَعَلُّمِ الْخَطِّ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَحَلِّ تَعَلُّمِ مَا يَنْفَعُهُ مِنْ قُرْآنٍ وَغَيْرِهِ - و (لَوْ بِأُجْرَةٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِ، أَشْبَهَ مَأْكُولُهُ (كَتَعْلِيمِ خَطٍّ وَرِمَايَةٍ وَأَدَبٍ وَمَا يَنْفَعُهُ) ، وَكَذَا تَرْكُهُ بِدُكَّانٍ لِتَعَلُّمِ صِنَاعَةٍ. (وَلَهُ حَمْلُهُ لِيَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالٍ مَحْجُورٍ) عَلَيْهِ، نَصًّا، قَالَهُ فِي " الْمُجَرَّدِ " وَ " الْفُصُولِ ". وَلَهُ إذْنُهُ فِي صَدَقَةٍ يَسِيرَةٍ، نَصًّا؛ لِلتَّمَرُّنِ. وَلَهُ أَيْضًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 تَجْهِيزُهَا إذَا زَوَّجَهَا أَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً بِمَا يَلِيقُ بِهَا مِنْ لِبَاسٍ وَحُلِيٍّ وَفِرَاشٍ عَلَى عَادَتِهِنَّ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ. (وَ) لِلْوَلِيِّ (بَيْعُ عَقَارِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ) نَصًّا؛ (كَحَاجَةِ نَفَقَةٍ) أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ، أَوْ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، (وَلِخَوْفِ خَرَابِ) الْعَقَارِ، وَكَوْنِهِ فِي مَكَان لَا غَلَّةَ فِيهِ، أَوْ فِيهِ غَلَّةٌ يَسِيرَةٌ، أَوْ لَهُ جَارُ سَوْءٍ أَوْ لِيُعَمِّرَ بِهَا عَقَارَهُ الْآخَرَ وَنَحْوَهُ، (أَوْ لِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ) الْعَقَارُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي بَيْعِهِ غِبْطَةٌ - وَهِيَ أَنْ يَبْذُلَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَا يَتَقَيَّدُ الثُّلُثَ - أَوْ رَأَى الْوَلِيُّ شَيْئًا يُبَاعُ، فِي شِرَائِهِ غِبْطَةً لَا يُمْكِنُهُ شِرَاؤُهُ إلَّا بِبَيْعِ عَقَارِهِ، وَأَشْبَاهُ هَذَا مِمَّا لَا يَنْحَصِرُ، فَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَرَاهُ مَصْلَحَةً، (وَ) إنْ بَاعَهُ الْوَلِيُّ (بِأَنْقَصَ) مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ؛ (لَمْ يَصِحَّ) . ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَفِي " حَوَاشِي ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ " وَبَيْعُ الْوَلِيِّ بِدُونِ الْقِيمَةِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، يَعْنِي وَيَضْمَنُ النَّقْصُ كَالْوَكِيلِ. (وَيَجِبُ) عَلَى الْوَلِيِّ (قَبُولُ وَصِيَّةٍ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (بِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) مِنْ أَقَارِبِهِ (إنْ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ لِإِعْسَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ) ؛ كَوُجُودِ أَقْرَبَ مِنْهُ أَوْ قُدْرَةِ عَتِيقٍ عَلَى تَكَسُّبٍ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ إذَنْ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ؛ (حَرُمَ) قَبُولُ الْوَصِيَّةِ بِهِ؛ لِتَفْوِيتِ مَالِهِ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَيَعْتِقُ) مُوصًى بِهِ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِقَبُولِ وَلِيِّهِ لَهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوصِي - وَلَوْ حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ لَهُ - لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) ؛ أَيْ: الْوَلِيُّ (تَخْلِيصُ حَقِّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ إلَّا بِرَفْعِ مَدِينٍ لَهُ لِوَالٍ يَظْلِمُهُ رَفَعَهُ) الْوَلِيُّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي جَرَّ الظُّلْمَ إلَى نَفْسِهِ؛ (كَمَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْ رَدُّ مَغْصُوبٍ) إلَى مَالِكِهِ (إلَّا بِكُلْفَةٍ عَظِيمَةٍ) ، فَلِرَبِّهِ إلْزَامُ غَاصِبِهِ رَدَّهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا كُلٌّ مُحِقٍّ) عَجَزَ عَنْ أَخْذِ حَقِّهِ إلَّا بِرَفْعِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِوَالٍ يَظْلِمُهُ؛ فَيَجُوزُ لَهُ رَفْعُهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إثْمًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلِوَلِيِّ مَحْجُورٍ) عَلَيْهِ (خَلْطُ نَفَقَةِ مُوَلِّيه بِمَالِهِ إذَا كَانَ) خَلْطُهَا (أَرْفَقَ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220] وَإِنْ كَانَ إفْرَادُهُ أَرْفَقَ بِهِ أَفْرَدَهُ مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَةٍ. (وَلَوْ) (مَاتَ مَنْ يَتَّجِرُ لِمَحْجُورِهِ وَلِنَفْسِهِ بِمَالِهِ) أَيْ: مَالِ نَفْسِهِ (وَقَدْ اشْتَرَى) الْوَلِيُّ (شَيْئًا، وَلَمْ يَعْرِفْ) ذَلِكَ الشَّيْءَ (لِمَنْ هُوَ،) (فَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ؛ لَمْ يُقَسَّمْ بَيْنَهُمَا، و (لَمْ يَقِفْ الْأَمْرُ لِيَصْطَلِحَا) ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، (بَلْ مَذْهَبُ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ يُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا، (فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَأَخَذَهُ) . قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: إذَا وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ لِلْيَتِيمِ فَمَنْ يَحْلِفُ؟ وَكَيْف يَحْلِفُ؟ انْتَهَى. [فَصْلٌ فِي مَنْ فُكَّ حَجْرُهُ ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا] (فَصْلٌ: وَمَنْ فُكَّ حَجْرُهُ) لِتَكْلِيفِهِ وَرُشْدِهِ، (فَسَفِهَ) ؛ أَيْ: صَارَ سَفِيهًا (أُعِيدَ) حَجْرُهُ؛ لِدَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَ عِلَّتِهِ (بِحُكْمِ حَاكِمٍ) ؛ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ هُوَ الَّذِي سَبَّبَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ ثَانِيًا يَخْتَلِفُ، فَاحْتَاجَ إلَى الِاجْتِهَادِ، وَمَا احْتَاجَ إلَى الِاجْتِهَادِ، لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ، بِخِلَافِ مَنْ عَاوَدَهُ الْجُنُونُ، فَيُعَادُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الِاجْتِهَادِ. (وَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ) ؛ أَيْ: السَّفِيهِ (إلَّا حَاكِمٌ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ يَفْتَقِرُ إلَى الْحَاكِمِ، وَفَكُّهُ كَذَلِكَ، فَكَذَا النَّظَرُ فِي مَالِهِ؛ (كَمَنْ جُنَّ) بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ، (أَوْ اخْتَلَّ) عَقْلُهُ (لِكِبَرٍ) ، فَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِمَا إلَّا حَاكِمٌ. قَالَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُنْتَهَى " وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحَاكِمِ فِي حَقِّ مَنْ جُنَّ أَوْ اخْتَلَّ عَقْلُهُ، بِخِلَافِ مَنْ سَفِهَ. قَالَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 الِانْتِصَارِ ": يَلِي عَلَى أَبَوَيْهِ الْمَجْنُونِينَ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: أَرَى أَنْ يَحْجُرَ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ إذَا أَسْرَفَ، أَوْ كَانَ يُضَيِّعُ مَالَهُ فِي الْفَسَادِ وَشِرَاءِ الْمُغَنِّيَاتِ وَنَحْوِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَابْنُ مُنَجَّى وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ " فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ". (وَلَا يَنْفَكُّ) الْحَجْرُ عَمَّنْ سَفِهَ بَعْدَ رُشْدِهِ (إلَّا بِحُكْمِهِ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ حَجْرٌ ثَبَتَ بِحُكْمِهِ فَلَا يَنْفَكُّ، إلَّا بِهِ؛ كَحَجْرِ الْمُفْلِسِ. (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ - وَلَوْ بِعِتْقٍ -) فَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُ (أَوْ نَذْرٍ) مَالِيٍّ كَصَدَقَةٍ وَأُضْحِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالٍ؛ فَلَا يَصِحُّ، (أَوْ وَقْفٍ) ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ - وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ - لَكِنْ إنْ كَانَ الْوَقْفُ مُعَلَّقًا بِمَوْتِهِ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، وَفَارَقَ عِتْقُهُ عِتْقَ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرُ عَلَى الرَّاهِنِ لَحِقَ غَيْرَهُ، وَيُخَيَّرُ بِأَخْذِ قِيمَتِهِ مَكَانَهُ، (بَلْ) يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ (بِتَدْبِيرٍ وَوَصِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِمَا. وَيَأْتِي. (وَيَصِحُّ) (تَزْوِيجُ سَفِيهٍ) مُحْتَاجٍ لِلتَّزْوِيجِ، (وَيَتَّجِهُ) كَوْنُهُ (لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ الطَّلَاقُ) ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ دَيْدَنًا لَهُ؛ فَلَا يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ؛ لِإِضْرَارِهِ بِمَالِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَلَهُ التَّزْوِيجُ (بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ) حَيْثُ كَانَ تَزَوُّجُهُ (لِحَاجَةِ مُتْعَةٍ وَ) حَاجَةِ (خِدْمَةٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَشْرَعْ لِقَصْدِ الْمَالِ، وَمَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ يَكُونُ مَصْلَحَةً، (فَلَا يَصِحُّ) تَزْوِيجُ السَّفِيهِ (لِغَيْرِهَا) ؛ أَيْ: الْحَاجَةُ (بِلَا إذْنِهِ) ؛ أَيْ: الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يَجِبُ بِهِ مَالٌ؛ فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ؛ كَالشِّرَاءِ، (وَمَعَهَا) ؛ أَيْ: الْحَاجَةُ (يَتَعَقَّلُ) السَّفِيهُ (بِهِ) ؛ أَيْ: التَّزَوُّجِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ) جَوَازُ اسْتِقْلَالِ السَّفِيهِ بِالتَّزَوُّجِ (وَلَوْ لَمْ يَعْضُلْهُ) ؛ أَيْ: يَمْنَعُهُ عَنْهُ الْوَلِيُّ؛ فَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِهِ دَفْعًا لِحَاجَتِهِ وَمُرَاعَاةً لِمَصْلَحَتِهِ، (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 لِلْمُنْتَهَى " و " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَا: وَإِنْ عَضَلَهُ الْوَلِيُّ اسْتَقَلَّ بِهِ، فَمَفْهُومُهُمَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْضُلْهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ مَعَ أَنَّهُ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحُ " الْإِقْنَاعِ ". وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَلَوْ عَلِمَهُ) ؛ أَيْ: عَلِمَ الْوَلِيُّ أَنْ السَّفِيهَ (يُطَلِّقُ) إذَا زَوَّجَهُ (اشْتَرَى لَهُ أَمَةً) مِنْ مَالِ السَّفِيهِ (لِدَفْعِ حَاجَتِهِ) بِهَا، (وَلِوَلِيٍّ تَزْوِيجُ سَفِيهٍ) لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ الطَّلَاقُ (بِلَا إذْنِهِ) مَعَ سُكُوتِهِ (لِحَاجَةٍ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) لَهُ (إجْبَارُهُ) ؛ أَيْ: السَّفِيهِ عَلَى النِّكَاحِ إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ (لِمَصْلَحَةٍ) ؛ كَإِجْبَارِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَصَالِحِ، (وَكَسَفِيهَةٍ) فَلِوَلِيِّهَا إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ لِمَصْلَحَتِهَا. (وَإِنْ أَذِنَ) لِسَفِيهٍ (وَلِيٌّ) فِي تَزْوِيجٍ (لَمْ يَلْزَمْ تَعْيِينُ الْمَرْأَةِ) فِي الْإِذْنِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": الْوَلِيُّ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ الْمَرْأَةَ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ مُطْلَقًا، وَنَصَرَاهُ، وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَيَتَقَيَّدُ) الْإِذْنُ مِنْ الْوَلِيِّ (بِمَهْرِ الْمِثْلِ) ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ؛ (فَلَا يَلْزَمُ زَائِدٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَلَيْسَ السَّفِيهُ أَهْلًا لَهُ. (وَتَلْزَمُ وَلِيًّا) لِسَفِيهٍ (زِيَادَةٌ زُوِّجَ بِهَا) ، فَيَدْفَعُهَا مِنْ مَالِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ، وَ (لَا) تَلْزَمُهُ (زِيَادَةٌ أَذِنَ فِيهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْهَا، (بَلْ تَلْزَمُ سَفِيهًا لِمُبَاشَرَتِهِ) ، وَوُجُودُ الْإِذْنِ كَعَدَمِهِ. (وَيَنْتَقِلُ) سَفِيهٌ (بِمَا) ؛ أَيْ: فَعَلَ (لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودِهِ) ؛ كَحَدِّ قَذْفٍ وَعِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ مِنْ حَجٍّ وَغَيْرِهِ، وَلَا تَصِحُّ شَرِكَتُهُ، وَلَا حَوَالَتُهُ، وَلَا الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ، وَلَا ضَمَانُهُ، وَلَا كَفَالَتُهُ، (فَلَوْ أَقَرَّ بِحَدٍّ) ؛ أَيْ: بِمَا يُوجِبُهُ مِنْ نَحْوِ زِنًا أَوْ قَذْفٍ؛ أُخِذَ بِهِ فِي الْحَالِ، (أَوْ) أَقَرَّ (بِنَسَبٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ قِصَاصٍ؛ أُخِذَ بِهِ فِي الْحَالِ) . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ إجْمَاعُ مَنْ يَحْفَظُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي نَفْسِهِ، وَالْحَجْرُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا لَهُ؛ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ. (وَلَا يَجِبُ مَالٌ عُفِيَ عَلَيْهِ) عَنْ قِصَاصٍ أَقَرَّ بِهِ السَّفِيهُ لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقِرِّ لَهُ. وَقَوْلُهُ (حَالًا) قَيْدٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ؛ أَيْ: فَيَجِبُ مَالًا؛ فَإِنْ فُكَّ حَجْرُهُ أُخِذَ بِهِ، (وَ) إنْ أَقَرَّ (بِمَالٍ) ؛ كَثَمَنٍ وَقَرْضٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ (ف) يُؤْخَذُ بِهِ (بَعْدَ فَكِّهِ) ؛ أَيْ: الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ كَالرَّاهِنِ يُقِرُّ بِالرَّهْنِ، وَلَا يَقْبَلُ فِي الْحَالِ لِئَلَّا يَزُولَ مَعْنَى الْحَجْرِ، (إلَّا إنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ صِدْقَهُ) ؛ أَيْ: السَّفِيهِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ أَدَاؤُهُ فِي الْحَالِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ أَقَرَّ سَفِيهٌ (بِخَلْعٍ أُخِذَ بِهِ) فِي الْحَالِ؛ كَطَلَاقِهِ وَظِهَارِهِ وَإِيلَائِهِ، (وَلَا عِوَضَ) لَهُ (إنْ كَذَّبَتْهُ) مُخْتَلِعُهُ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ؛ فَلَا يَقْبِضُ الْعِوَضَ، فَإِنْ قَبَضَهُ؛ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ وَلِلْوَلِيِّ أَخْذُهُ مِنْهَا ثَانِيًا؛ لِأَنَّ إقْبَاضَهَا لِلسَّفِيهِ غَيْرُ مُبَرِّئٍ. (وَاحْتُمِلَ) أَنَّهُ (لَا يَنْفَكُّ حَجْرٌ) سَفِيهٍ (بِمَوْتِهِ، فَلَا يُؤْخَذُ مَا أَقَرَّ بِهِ) السَّفِيهُ (مِنْ تَرِكَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِقْرَارِهِ؛ وَإِقْرَارُهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ إلَّا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ، وَقَدْ مَاتَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ؛ فَلَا يُعْتَدُّ بِإِقْرَارِهِ، وَلَوْ صَدَّقَهُ مُقِرٌّ لَهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَوْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ السَّفِيهَ، فَدَفَعَ لِلْمُقِرِّ لَهُ الْمَبْلَغَ الْمُقِرَّ بِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ دَفْعُهُ. و (وَيَرْجِعُ إذْنُ) غُرَمَاءِ السَّفِيهِ عَلَى وَلِيٍّ بِمَا دَفَعَهُ لِلْمُقِرِّ لَهُ؛ (لِعِلْمِهِ) أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّةِ مَحْجُورِهِ مَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ عَنْهُ، فَيَكُونُ مُفَرِّطًا فِي دَفْعِهِ، مَا لَمْ يُؤْذَنْ بِهِ شَرْعًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 (وَيَصِحُّ مِنْهُ) ؛ أَيْ: السَّفِيهِ (نَذْرُ كُلِّ عِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ) مِنْ حَجٍّ وَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي بَدَنِهِ، و (لَا) يَصِحُّ مِنْهُ نَذْرُ عِبَادَةٍ (مَالِيَّةٍ) ؛ كَصَدَقَةٍ وَأُضْحِيَّةٍ. وَحُكْمُ تَصَرُّفِ وَلِيِّ السَّفِيهِ؛ كَحُكْمِ تَصَرُّفِ وَلِيِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ عَلَى مَا سَلَفَ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ؛ أَشْبَهَ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ. [فَصْلٌ لِوَلِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ الْأَكْلُ لِحَاجَةِ فَقْرٍ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ] (فَصْلٌ: لِوَلِيٍّ مَحْجُورٍ) عَلَيْهِ مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ (غَيْرُ حَاكِمٍ وَأَمِينِهِ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ الْأَكْلُ لِحَاجَةِ فَقْرٍ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي فَقِيرٌ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ، وَلِي يَتِيمٌ فَقَالَ: كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِك غَيْرَ مُسْرِفٍ» . رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ. وَالْحَاكِمُ وَأَمِينُهُ لَا يَأْكُلَانِ شَيْئًا؛ لِاسْتِغْنَائِهِمَا بِمَا لَهُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَيَأْكُلُ مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَكِفَايَةٍ، فَإِذَا كَانَتْ كِفَايَتُهُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَأُجْرَةُ عَمَلِهِ ثَلَاثَةٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَأْكُلْ إلَّا الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ بِالْحَاجَةِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا، فَلَا يَأْخُذُ إلَّا مَا وَجَدَ فِيهِ. (وَلَا يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْوَلِيَّ (عِوَضُهُ) ؛ أَيْ: مَا أَكَلَهُ (بِيَسَارِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ عَمَلِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ مُطْلَقًا؛ كَالْأَجِيرِ وَالْمُضَارِبِ، وَلِظَاهِرِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا، بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ؛ لِاسْتِقْرَارِ عِوَضِهِ فِي ذِمَّتِهِ، (وَمَعَ عَدَمِهَا) ؛ أَيْ: حَاجَةِ وَلِيِّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ؛ بِأَنْ كَانَ غَنِيًّا (لَا يَأْكُلُ) مِنْ مَالِهِمْ (غَيْرُ أَبٍ) ؛ لِمَا يَأْتِي: أَنَّ لِلْأَبِ التَّمَلُّكَ مِنْ مَالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 وَلَدِهِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّهُ، وَلِحَدِيثِ: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» (إلَّا مَا فَرَضَهُ لَهُ حَاكِمٌ) ، فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6] وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لِلْحَاكِمِ فَرْضَهُ، لَكِنْ لِمَصْلَحَتِهِ. (وَلِنَاظِرِ وَقْفٍ - وَلَوْ لَمْ يَحْتَجْ -) أَكْلٌ مِنْهُ (بِمَعْرُوفٍ) ، نَصًّا، إلْحَاقًا لَهُ بِعَامِلِ الزَّكَاةِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ (حَيْثُ لَمْ يَشْرِطْ الْوَاقِفُ لَهُ شَيْئًا، وَإِلَّا) بِأَنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لَهُ شَيْئًا؛ (فَلَهُ مَا شَرَطَ) الْوَاقِفُ فَقَطْ قَلِيلًا كَانَ الْمَشْرُوطُ أَوْ كَثِيرًا (لِنَظَرِهِ) ، قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. (فَإِنْ شَرَطَ) الْوَاقِفُ (لَهُ) ؛ أَيْ: لِلنَّاظِرِ (أُجْرَةً) ؛ أَيْ: عِوَضًا مَعْلُومًا، فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ بِقَدْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ اُخْتُصَّ بِهِ، وَكَانَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَقْفُ مِنْ أُمَنَاءَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ أَكْثَرَ؛ (فَكُلْفَتُهُ) ؛ أَيْ: كُلْفَةُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَقْفُ مِنْ نَحْوِ أُمَنَاءَ وَعُمَّالٍ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ عَلَى النَّاظِرِ يَصْرِفُهَا مِنْ الزِّيَادَةِ (حَتَّى يَبْقَى) لَهُ (أُجْرَةُ مِثْلِهِ) إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ شَرَطَهُ لَهُ خَالِصًا. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: النَّاظِرِ (الْأُجْرَةُ) عَلَى عَمَلِهِ (مِنْ وَقْتِ نَظَرِهِ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْوَقْفِ، وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي النَّاظِرِ نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ صَرِيحٍ فِي اخْتِصَاصِ النَّاظِرِ بِهِ، فَتَوَقُّفُ الِاخْتِصَاصِ عَلَى مَا قَالُوا لَا مَعْنَى لَهُ، إلَى أَنْ قَالَ وَصَرِيحُ الْمُحَابَاةِ لَا يُقْدَحُ فِي الِاخْتِصَاصِ بِهِ إجْمَاعًا. (وَيَتَّجِهُ لَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ مُجَاوَزَةُ أَجْرِ مِثْلِهِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (لَهُ) ؛ أَيْ: نَاظِرِ الْوَقْفِ (أَخْذُ أُجْرَةِ عَمَلِهِ مَعَ فَقْرِهِ) وَقَالَ وَلَا يُقَدَّمُ بِمَعْلُومِهِ بِلَا شَرْطٍ إلَّا بِأَخْذِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ مَعَ فَقْرِهِ؛ كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ. (وَلَا يَأْكُلُ وَكِيلٌ فِي صَدَقَةٍ مِنْهَا شَيْئًا لِعَمَلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تُمْكِنُهُ مُوَافَقَةُ الْمُوَكِّلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 عَلَى الْأُجْرَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ، أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي، وَلَا يَأْكُلُ أَيْضًا لِفَقْرِهِ - وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا - لِأَنَّهُ مُنَفِّذٌ. (وَمَنْ فُكَّ حَجْرُهُ) لِعَقْلِهِ وَرُشْدِهِ، (فَادَّعَى عَلَى وَلِيِّهِ تَعَدِّيًا) فِي مَالِهِ، (أَوْ) ادَّعَى عَلَى وَلِيِّهِ (مُوجَبَ ضَمَانٍ) ؛ كَتَفْرِيطٍ أَوْ تَبَرُّعٍ (وَنَحْوِهِ) ؛ كَدَعْوَاهُ عَيْنُ مَصْلَحَةٍ فِي بَيْعِ عَقَارِهِ وَنَحْوِهِ؛ فَقَوْلُ وَلِيٍّ، (أَوْ) ادَّعَى (الْوَلِيُّ وُجُودَ ضَرُورَةٍ أَوْ) وُجُودَ (غِبْطَةٍ) ؛ كَبَيْعِ عَقَارٍ؛ فَقَوْلُ وَلِيٍّ، (أَوْ) ادَّعَى الْوَلِيُّ وُجُودَ (تَلَفٍ) ، أَوْ ادَّعَى (قَدْرَ نَفَقَةٍ) - وَلَوْ عَلَى عَقَارٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ - (أَوْ كِسْوَةٍ) لِمَحْجُورِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ رَقِيقِهِ وَنَحْوِهِ؛ (فَقَوْلُ وَلِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ؛ أَشْبَهَ الْمُودِعَ، (مَا لَمْ تُخَالِفْهُ) ؛ أَيْ: قَوْلَ الْوَلِيِّ (عَادَةٌ) : وَعُرْفٌ؛ فَلَا يُرَدُّ لِلْقَرِينَةِ. (وَيَحْلِفُ) وَلِيٌّ حَيْثُ قَبِلَ قَوْلَهُ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْآخَرِ؛ (غَيْرُ حَاكِمٍ) فَلَا يَحْلِفُ مُطْلَقًا. (وَيَتَّجِهُ وَ) غَيْرُ (أَبٍ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ. و (لَا) يُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيٍّ بِجَعْلٍ (فِي دَفْعِ مَالٍ بَعْدَ رُشْدٍ أَوْ) بَعْدَ (عَقْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ لِمَصْلَحَتِهِ؛ أَشْبَهَ الْمُسْتَعِيرَ، (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْوَلِيُّ (مُتَبَرِّعًا) ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ إذَنْ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَقَطْ؛ أَشْبَهَ الْوَدِيعَ. (وَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيٍّ (فِي قَدْرِ زَمَنِ إنْفَاقٍ) عَلَى مَحْجُورٍ؛ كَقَوْلِهِ: (أَنْفَقْت) عَلَيْك (سَنَتَيْنِ، فَقَالَ مَحْجُورٌ) بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ: (بَلْ) أَنْفَقَتْ عَلَيَّ سَنَةً فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيه. (وَلَيْسَ لِزَوْجِ) حُرَّةٍ (رَشِيدَةٍ حَجْرٌ عَلَيْهَا فِي تَبَرُّعٍ زَائِدًا عَلَى ثُلُثِ مَالِهَا) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ} [النساء: 6] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ، وَكُنَّ يَتَصَدَّقْنَ، وَيَقْبَلُ مِنْهُنَّ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ» . وَلِأَنَّ مَنْ وَجَبَ دَفْعُ مَالِهِ إلَيْهِ لِرُشْدِهِ؛ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ؛ كَالذَّكَرِ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ عَطِيَّةٌ مِنْ مَالِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» ؛ إذْ هُوَ مَالِكُ عِصْمَتِهَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ شُعَيْبًا لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْدِيدِ الْمَنْعِ بِالثُّلُثِ، وَلَا يُقَاسُ عَلَى حُقُوقِ الْوَرَثَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ سَبَبٌ يُفْضِي إلَى وُصُولِ الْمَالِ إلَيْهِمْ بِالْمِيرَاثِ، وَالزَّوْجِيَّةُ إنَّمَا تَجْعَلُهُ مِنْ أَحَدِ الْمِيرَاثِ؛ فَهِيَ أَحَدُ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِهَا؛ كَمَا لَا يَثْبُتُ لَهَا الْحَجْرُ عَلَى زَوْجِهَا. (وَيَتَّجِهُ) لَيْسَ لَهُ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ التَّبَرُّعِ بِمَالِهَا - وَلَوْ مَلَكَتْهُ مِنْ جِهَتِهِ - (إلَّا) أَنْ تَتَبَرَّعَ (فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفَقَتِهَا) الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهَا (أَوْ كِسْوَتِهَا) ؛ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ التَّبَرُّعِ بِهِمَا إذَا كَانَ كَذَلِكَ (عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِهَا) بِحَيْثُ: يُنْهِكُهَا عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُقُوقِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا، أَمَّا لَوْ تَبَرَّعَتْ مِنْ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ لَا يَضُرُّ بِهَا كَكِسْوَةٍ وَخِرْقَةٍ؛ فَلَا بَأْسَ بِهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا لِحَاكِمٍ حَجْرٌ عَلَى مُقْتِرِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ) ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَجْرِ جَمْعُ الْمَالِ وَإِمْسَاكِهِ، لَا إنْفَاقِهِ، وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: بَلَى، فَعَلَيْهِ لَا يُمْنَعُ مِنْ عُقُودِهِ، وَلَا يُكَفُّ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، لَكِنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ حَبْرًا بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَالِهِ. [فَصْلٌ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْحُرِّ وَلِسَيِّدِ الْقِنِّ أَنْ يَأْذَنَ لِمُوَلِّيهِ بِالتِّجَارَةِ] (فَصْلٌ:) (لِوَلِيٍّ لَهُ) حُرٌّ (مُمَيِّزٌ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، (وَلِسَيِّدِهِ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ الْمُمَيِّزِ أَوْ الْبَالِغِ (أَنْ يَأْذَنَ لَهُ) ؛ أَيْ: لِمُوَلِّيهِ أَوْ قِنِّهِ (أَنْ يَتَّجِرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] وَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ؛ فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَسَيِّدِهِ؛ كَالْعَبْدِ الْكَبِيرِ وَالسَّفِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 (وَيَتَّجِهُ مَعَ تَعَدُّدِ) سَيِّدٍ لِقِنٍّ يُرِيدُ أَنْ يَتَّجِرَ لَا بُدَّ مِنْ (إذْنِ الْجَمِيعِ) صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي شَغْلِهِ نَفْسِهِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ؛ فَاعْتُبِرَ الْإِذْنُ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَإِلَّا كَانَ غَاصِبًا، وَمِثْلُهُ حُرٌّ عَلَيْهِ وَصِيَّانِ فَأَكْثَرُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) كَذَا يَصِحُّ أَنْ يَأْذَنَ الْوَلِيُّ وَالسَّيِّدُ الْمُمَيِّزُ (أَنْ يَدَّعِيَ) عَلَى خَصْمِهِ أَوْ خَصْمِ وَلِيِّهِ أَوْ سَيِّدِهِ، (وَ) أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ (يُقِيمَ بَيِّنَةً) عَلَى الْخَصْمِ، (وَ) أَنْ (يُحَلِّفَ) الْخَصْمَ إذَا أَنْكَرَ (وَنَحْوُهُ) ؛ كَمُخَالَعَةٍ وَمُقَاسَمَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَصَرُّفَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ؛ أَشْبَهَتْ التِّجَارَةَ، (وَيَتَقَيَّدُ فَكُّ) حَجْرٍ عَلَى مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ حُرٍّ وَقِنٍّ مُمَيِّزٍ (حَصَلَ بِالْإِذْنِ بِقَدْرٍ وَنَوْعٍ عَيْنًا) لَهُ؛ بِأَنْ قَالَ لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ سَيِّدُهُ: اتَّجَرَ فِي مِائَةِ دِينَارٍ فَمَا دُونَ، فَلَا يَتَجَاوَزُهَا، أَوْ قَالَ لَهُ: اتَّجَرَ فِي الْبَرِّ فَقَطْ؛ فَلَا يَتَعَدَّاهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ مِنْ جِهَةِ آدَمِيٍّ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ؛ (كَوَكِيلٍ وَوَصِيٍّ فِي نَوْعٍ) مِنْ الْمُتَصَرِّفَاتِ؛ فَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ؛ كَمَنْ وُكِّلَ أَوْ وُصِّيَ إلَيْهِ فِي (تَزْوِيجٍ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ) ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَمَنْ وَكَّلَهُ رَشِيدٌ فِي بَيْعِ عَيْنٍ مِنْ مَالٍ؛ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بَيْعُ غَيْرِهَا مِنْ مِلْكِهِ. (وَيَسْتَفِيدُ وَكِيلٌ) فِي بَيْعِ عَيْنٍ أَوْ إجَارَتُهَا وَنَحْوِهِ (الْعَقْدَ الْأَوَّلَ فَقَطْ) ، فَإِذَا عَادَتْ الْعَيْنُ لِمِلْكِ الْمُوَكِّلِ ثَانِيًا؛ لَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا بِلَا إذْنٍ مُتَجَدِّدٍ، (إلَّا إنْ رَدَّ) الْمَبِيعَ وَنَحْوَهُ (عَلَيْهِ لِفَسْخٍ بِنَحْوِ عَيْبٍ وَخِيَارٍ، فَيَبِيعُهُ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَفْهُومِ ظَاهِرِ " الْمُنْتَهَى " فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ (وَمَأْذُونٌ لَهُ) فِي التِّجَارَةِ مِنْ حُرٍّ وَقِنٍّ مُمَيِّزٍ (فِي بَيْعِ نَسِيئَةٍ وَغَيْرِهِ) كَبَعُوضٍ؛ (كَمُضَارٍّ) ، فَيَصِحُّ مَعَ الْإِطْلَاقِ بَيْعُهُ نَسِيئَةً وَغَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ النَّمَاءُ (عَلَى مَا يَأْتِي) تَفْصِيلُهُ. (وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَ) مُمَيِّزٌ أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حُرٌّ أَوْ قِنٌّ (نَفْسَهُ) ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِإِذْنٍ؛ كَتَزْوِيجِهِ وَبَيْعِ نَفْسِهِ. (وَلَوْ أَذِنَ) الْوَلِيُّ أَوْ السَّيِّدُ (لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُمَيِّزِ أَوْ الْعَبْدِ (فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ) ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ (وَلَا أَنْ يُسَافِرَ أَوْ يَتَوَكَّلَ) لِغَيْرِهِ (فِي مَالٍ، وَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ وَلِيُّهُ أَوْ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ) ، بَلْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُهُ عَنْ مَقْصُودِ التِّجَارَةِ، وَفِي إيجَارِ عَبِيدِهِ وَبَهَائِمِهِ خِلَافٌ قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " الصَّوَابُ الْجَوَازُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً. (وَإِنْ وُكِّلَ) مَأْذُونٌ لَهُ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ؛ (فَكَوَكِيلٍ) يَصِحُّ فِيمَا يُعْجِزُهُ وَفِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ فَقَطْ، دُونَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنٍ. (وَمَتَى عَزَلَ سَيِّدٌ قِنَّهُ) ؛ بِأَنْ مَنَعَهُ مِنْ التِّجَارَةِ (انْعَزَلَ وَكِيلُهُ) ؛ أَيْ: وَكِيلُ الْقِنِّ كَانْعِزَالِ (وَكِيلِ وَكِيلٍ) بِعَزْلِهِ، (وَ) كَانْعِزَالِ وَكِيلِ (مُضَارِبٍ) بِفَسْخِ رَبِّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، وَتَوْكِيلُهُ فَرْعُ إذْنِهِ، فَإِذَا بَطَلَ الْإِذْنُ بَطَلَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ، (لَا كَوَكِيلِ صَبِيٍّ) أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِهِ، وَوَكَّلَ، ثُمَّ مَنَعَهُ وَلِيُّهُ مِنْ التِّجَارَةِ؛ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ، (وَ) لَا (مُكَاتَبٍ) أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِ، فَوَكَّلَ فِيهِ، ثُمَّ مَنَعَهُ سَيِّدُهُ؛ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ، (وَ) لَا (كَمُرْتَهِنٍ أَذِنَ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِ) رَهْنٍ، فَوَكَّلَ فِيهِ الرَّاهِنُ؛ ثُمَّ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ إذْنِهِ؛ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُ الرَّاهِنِ؛ (لِأَنَّ كُلًّا) مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ (مُتَصَرِّفٌ) لِنَفْسِهِ (فِي مَالِ نَفْسِهِ) ؛ فَلَمْ يَنْعَزِلْ وَكِيلُهُ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ؛ فَلِلْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ لَا يَتَصَرَّفُ الْوَكِيلُ فِي حَالِ الْمَنْعِ كَمُوَكِّلِهِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) ؛ أَيْ: عَدَمُ عَزْلِ وَكِيلِ الْمُكَاتَبِ (إذَا وُكِّلَ مُكَاتَبٌ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ مِنْ نَحْوِ قَرْضٍ وَمُحَابَاةٍ) ؛ كَتَزْوِيجِ وَبَيْعِ نَسَاءٍ وَإِقْرَارٍ عَلَيْهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ أَنْ) (يَشْتَرِيَ) قِنٌّ مَأْذُونٌ فِي تِجَارَةٍ (مَنْ) ؛ أَيْ: قِنٌّ (يَعْتِقُ عَلَى مَالِكِهِ) ؛ أَيْ: مَالِكِ الْمُشْتَرَى (لِرَحِمٍ) ؛ كَأَخِي سَيِّدِهِ (أَوْ قَوْلٍ) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 تَعْلِيقٍ؛ كَقَوْلِهِ: إنْ مَلَكْت عَبْدَ زَيْدٍ فَهُوَ حُرٌّ، (أَوْ) ، أَيْ: وَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَأْذُونُ لَهُ (زَوْجًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِسَيِّدِهِ رَجُلَانِ كَانَ أَوْ امْرَأَةٌ وَيَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ؛ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ أَوْ بَعْضَهُ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ. و (لَا) يَصِحُّ أَنَّ يَشْتَرِيَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ (مِنْ مَالِكِهِ) شَيْئًا، (وَلَا أَنْ يَبِيعَهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدُ لِمَالِكِهِ، وَلَا يُسَافِرُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ فِي رَقَبَتِهِ وَمَالَهُ أَقْوَى مِنْ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَتَنَاوَلُ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ. (وَمَنْ رَآهُ سَيِّدُهُ أَوْ وَلِيُّهُ يَتَّجِرُ، فَلَمْ يَنْهَهُ؛ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا) ؛ كَتَزْوِيجِهِ وَبَيْعِهِ مَا لَهُ؛ لِافْتِقَارِ التَّصَرُّفِ إلَى الْإِذْنِ؛ فَلَا يَقُومُ السُّكُوتُ مَقَامَهُ؛ كَتَصَرُّفِ أَحَدِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ فِي الرَّهْنِ مَعَ سُكُوتِ الْآخَرِ، وَكَتَصَرُّفِ الْأَجْنَبِيِّ؛ (فَيَحْرُمُ عَلَى عَالِمٍ بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: بِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ (مُعَامَلَتُهُ) ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ؛ كَالسَّفِيهِ. (وَلَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُهُ) ؛ أَيْ: غَيْرِ الْمَأْذُونِ (بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ) ، بَلْ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ كَمَا يَأْتِي، (وَيَتَعَلَّقُ) جَمِيعُ (دَيْنِ) قِنٍّ (مَأْذُونٍ لَهُ) ، وَكَذَا مَا اقْتَرَضَهُ وَنَحْوُهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (بِذِمَّةِ سَيِّدٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ لِسَيِّدِهِ، وَلِهَذَا لَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، وَإِمْضَاءُ بَيْعٍ خِيَارٍ لَهُ فَسْخُهُ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِيَدِ الْمَأْذُونِ أَوَّلًا، وَقَوْلُهُ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ اسْتَدَانَ لِلتِّجَارَةِ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ أَوْ غَيْرُهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ غَرَّ النَّاسَ بِإِذْنِهِ لَهُ. (وَأَمَّا أَرْشُ جِنَايَتِهِ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ (وَقِيمَةُ مَا أَتْلَفَ) ؛ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ (بِرَقَبَتِهِ؛ كَدَيْنِ) عَبْدٍ (غَيْرِ مَأْذُونٍ) لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ بِأَنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ أَوْ اقْتَرَضَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَتَلِفَ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ اقْتَرَضَهُ بِيَدِهِ أَوْ يَدِ سَيِّدِهِ؛ فَيَفْدِيهِ سَيِّدُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ الدَّيْنِ أَوْ قِيمَتِهِ، أَوْ بَيْعِهِ وَيُعْطِيه أَوْ يُسَلِّمُهُ لِرَبِّ الْجِنَايَةِ أَوْ الدَّيْنِ؛ لِفَسَادِ تَصَرُّفِهِ، وَأَمَّا مَا قَبَضَهُ الْمُمَيِّزُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ وَأَتْلَفَهُ، أَوْ تَلِفَ بِيَدِهِ؛ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 (وَإِنْ أَعْتَقَ) رَقِيقٌ تَعَلَّقَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ بِرَقَبَتِهِ؛ (لَزِمَ سَيِّدَهُ الْأَقَلُّ) مِنْ الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، (خِلَافًا لِظَاهِرِ " الْمُنْتَهَى ") حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ بِالْأَقَلِّ، فَيُوهِمُ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ يُتَّبَعُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مُرَادُهُ الْأَقَلُّ، و (هَذَا) التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ (إنْ أَتْلَفَ) الْقِنُّ غَيْرُ الْمَأْذُونِ (مَا اسْتَدَانَهُ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتْلَفْ (أَخَذَ) ؛ أَيْ: أَخَذَهُ مَالِكُهُ (حَيْثُ أَمْكَنَ) أَخْذُهُ لَهُ؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ. (وَمَتَى اشْتَرَاهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدُ (رَبُّ دَيْنٍ تَعَلَّقَ) دَيْنُهُ (بِرَقَبَتِهِ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ (تَحَوَّلَ) الدَّيْنُ الْمُتَعَلِّقُ بِرَقَبَتِهِ (إلَى ثَمَنِهِ) ؛ أَيْ: ثَمَنِ الْعَبْدِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، (فَمَعَ تَسَاوٍ) ؛ أَيْ: بِأَنْ اتَّحَدَ الثَّمَنُ مَعَ الدَّيْنِ جِنْسًا وَصِفَةً وَحُلُولًا وَأَجَلًا وَاحِدًا (فَالْمُقَاصَّةُ) ؛ أَيْ: الْمُسَاقَطَةُ، أَوْ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ وَبَاقِي الثَّمَنِ لِبَائِعٍ (وَ) مَعَ (زِيَادَةِ ثَمَنٍ يَرْجِعُ) الْبَائِعُ (عَلَى رَبِّ دَيْنٍ) بِالزَّائِدِ، (وَ) مَعَ (نَقْصِ) ثَمَنٍ؛ (فَلَا رُجُوعَ لِرَبِّ دَيْنٍ) عَلَى بَائِعٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَ) إنْ اشْتَرَاهُ رَبُّ الدَّيْنِ (بِعَرْضٍ) ؛ فَيَتَحَوَّلُ الدَّيْنُ الَّذِي بِرَقَبَتِهِ إلَى (الْعِوَضِ) أَيْ عِوَضِ الْعَرْضِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ فَيَقُومُ الْعَرْضُ يَوْمَ الشِّرَاءِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ رَبُّ الدَّيْنِ قَدْرَ حَقِّهِ، فَمَعَ زِيَادَةٍ هِيَ لِبَائِعٍ، وَمَعَ نَقْصٍ؛ فَلَا رُجُوعَ لِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى أَحَدٍ، وَمَعَ تَسَاوٍ يَأْخُذُ ذَلِكَ الْعَرْضَ أَوْ قِيمَتَهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ تَعَلَّقَ) الدَّيْنُ (بِذِمَّتِهِ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ؛ (كَإِقْرَارِهِ بِمَالٍ) ؛ أَيْ: بِأَنْ أَقَرَّ بِهِ مَأْذُونٌ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهُ، فَمَلَكَهُ رَبُّ الدَّيْنِ؛ سَقَطَ الدَّيْنُ (عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ) مُفَصَّلًا، (أَوْ غَرَّ) الْعَبْدَ (فِي نِكَاحٍ بِأَمَةٍ) ؛ بِأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَبَانَتْ أَمَةً بَعْدَ الدُّخُولِ؛ تَعَلَّقَ الْمَهْرُ بِذِمَّتِهِ؛ لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّهَا وَطِئَهَا مُعْتَقِدٌ الْحُرِّيَّةَ يَفْدِيه الْعَبْدُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ؛ لِتَعَلُّقِ الْفِدَاءِ بِذِمَّتِهِ، وَلِلْعَبْدِ الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، فَلَوْ كَانَ الْغَارُّ سَيِّدَ الْأَمَةِ فَمِلْكُ الْعَبْدِ بِعِوَضٍ أَوَّلًا؛ سَقَطَ الْمَهْرُ وَالْفِدَاءُ، أَوْ كَانَ الْغَارُّ مَنْ اسْتَدَانَ مِنْهُ الْعَبْدُ الْمَهْرَ وَالْفِدَاءَ، وَأَدَّاهُ، (فَمَلَكَهُ) رَبُّ الدَّيْنِ (بِعِوَضٍ) ؛ أَيْ: بِشِرَاءٍ (أَوْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 مَلَكَهُ (لَا) بِعِوَضٍ؛ كَهِبَةٍ؛ سَقَطَ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الدَّيْنُ بِذِمَّةِ عَبْدِهِ، (أَوْ) مَلَكَ رَبُّ الدَّيْنِ (مَنْ تَعَلَّقَ) دِينُهُ (بِرَقَبَتِهِ) ، وَكَانَ مِلْكُهُ لَهُ (بِلَا عِوَضٍ) ؛ بِأَنْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ؛ (سَقَطَ) الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلرَّقَبَةِ، يَتَحَوَّلُ الدَّيْنُ إلَيْهِ. (وَيَصِحُّ إقْرَارُ مَأْذُونٍ) لَهُ - (وَلَوْ صَغِيرٌ) مُمَيِّزًا - فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ (فِيهِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِقْرَارِ الصِّحَّةُ فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ لِحَقِّ السَّيِّدِ، فَوَجَبَ بَقَاؤُهُ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ (وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمَأْذُونِ لَهُ (سَيِّدُهُ) ، أَوْ مَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ (وَبِيَدِهِ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ (مَالٌ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فَأَقَرَّ) الْمَأْذُونُ (بِهِ) ؛ أَيْ: بِمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ الْمُعَيَّنِ؛ (صَحَّ) إقْرَارُهُ؛ لِزَوَالِ الْحَجْرِ الْمَانِعِ مِنْ الْإِقْرَارِ، وَكَذَا حُكْمُ حُرٍّ مُمَيِّزٍ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ. (وَيَبْطُلُ إذْنُ) سَيِّدٍ لِرَقِيقِهِ فِي تِجَارَةٍ (بِحَجْرٍ عَلَى سَيِّدِهِ وَمَوْتِهِ وَجُنُونِهِ الْمُطْبَقِ) - بِفَتْحِ الْبَاءِ -؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ، فَتَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهُ، وَكَبَاقِي الْعُقُودِ الْجَائِزَاتِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) يَبْطُلُ الْإِذْنُ أَيْضًا (بِحَجْرٍ) عَلَى (مَأْذُونٍ) لَهُ (لِسَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ) مُطْبَقٍ، (لَا بِغَيْرِ مُطْبَقٍ؛ لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهِ، وَهَذَا) الِاتِّجَاهُ (يَنْفَعُك فِي غَيْرِ هَذَا) الْمَوْضِعِ فَاحْفَظْهُ وَعُضَّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ، فَإِنَّهُ مُهِمٌّ جِدًّا. (وَ) لَا يَبْطُلُ إذْنُهُ لَهُ (بِإِبَاقٍ) يَحْصُلُ مِنْ الْمَأْذُونِ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ. (وَ) لَا (أَسْرٍ وَتَدْبِيرٍ وَإِيلَادٍ وَكِتَابَةٍ وَحُرِّيَّةٍ وَحَبْسِ مَدِينٍ أَوْ غَصْبٍ) الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ فَلَا تَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهُ (وَتَصِحُّ مُعَامَلَةُ قِنٍّ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ خِلَافًا لِلنِّهَايَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ) وَأَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ؛ فَلَا تَصِحُّ مُعَامَلَتُهُ، نَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّ مَنْ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ فَمَنْ بَاعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ. (وَلَا يُعَامَلُ صَغِيرٌ) لَمْ يُعْلَمْ الْإِذْنُ لَهُ (إلَّا فِي مِثْلِ مَا يُعَامِلُهُ فِيهِ، وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 يَصِحُّ تَبَرُّعُ مَأْذُونٍ لَهُ بِدَرَاهِمَ وَكِسْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا) ؛ كَفَرَسٍ وَحِمَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ؛ كَغَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الرَّقِيقِ الْمَأْذُونِ لَهُ (هَدِيَّةٌ مَأْكُولٌ وَإِعَارَةُ دَابَّةٍ وَعَمَلُ دَعْوَةٍ وَنَحْوُهُ) ؛ كَصَدَقَةٍ بِيَسِيرٍ وَإِعَارَةِ ثَوْبِهِ (بِلَا إسْرَافٍ) فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيدٍ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَحَضَرَ دَعْوَتَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو حُذَيْفَةَ، فَأَمَّهُمْ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ، عَبْدٌ رَوَاهُ صَالِحٌ فِي مَسَائِلِهِ، وَلِجَرَيَانِ عَادَةِ التُّجَّارِ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْإِذْنِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَبِلَا (مَنْعِ سَيِّدٍ) لَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ مَنَعَهُ فَلَا. وَلِرَقِيقٍ (غَيْرِ مَأْذُونٍ) لَهُ فِي تِجَارَةٍ (أَنْ يَتَصَدَّقَ قُوَّتَهُ بِمَا لَا يَضُرُّ بِهِ؛ كَرَغِيفٍ) وَفَلْسٍ وَبَيْضَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ. (وَلِزَوْجَةٍ وَكُلِّ مُتَصَرِّفٍ فِي بَيْتٍ) كَأَجِيرٍ وَخَازِنٍ، (وَيَتَّجِهُ غَيْرُ وَلِيِّ يَتِيمٍ) وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ وَنَاظِرِ وَقْفٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَنْمِيَةُ مَالِ مِنْ ذُكِرَ، فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ؛ (الصَّدَقَةُ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْبَيْتُ (بِلَا إذْنِ صَاحِبِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: الرَّغِيفِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ؛ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُ مَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمْ مِنْ أَجْرِ بَعْضٍ شَيْئًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ إذْنًا، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ السَّمَاحُ وَطَيِّبُ النَّفْسِ بِهِ، (إلَّا أَنْ يَمْنَعَ) رَبُّ الْبَيْتِ مِنْهُ، (أَوْ يَضْطَرِبَ عُرْفٌ) ؛ بِأَنْ يَكُونَ عَادَةُ الْبَعْضِ الْإِعْطَاءَ وَعَادَةُ آخَرِينَ الْمَنْعَ، (أَوْ يَكُونَ) رَبُّ الْبَيْتِ (بَخِيلًا، وَيُشَكُّ فِي رِضَاهُ فِيهَا) ؛ أَيْ: فِي اضْطِرَابِ الْعُرْفِ وَالْبُخْلِ؛ (فَيَحْرُمُ) الْإِعْطَاءُ مِنْ مَالِهِ بِلَا إذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ رِضَاهُ إذَنْ؛ (كَزَوْجَةِ أَطْعَمَتْ بِغَرَضٍ، وَلَمْ تَعْلَمْ رِضَاهُ) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 الزَّوْجِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الصَّدَقَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا، لَا مِمَّا هُوَ مَفْرُوضٌ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُهُ بِقَبْضِهَا. (وَمَنْ وَجَدَ بِمَا اشْتَرَاهُ مِنْ قِنٍّ عَيْبًا، فَقَالَ) الْقِنُّ: (أَنَا غَيْرُ مَأْذُونٍ لِي) فِي التِّجَارَةِ؛ (لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ. (وَلَوْ صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ) فِي عَدَمِ الْإِذْنِ. نَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ قَدِمَ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ، فَاشْتَرَاهُ النَّاسُ مِنْهُ، فَقَالَ: أَنَا غَيْرُ مَأْذُونٍ لِي فِي التِّجَارَةِ قَالَ: هُوَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهِ مَأْذُونًا لَهُ أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ، وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ، وَالْخَصْمُ يَدَّعِي صِحَّتَهُ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ فَائِدَتَهُ) رَدُّ الْمَبِيعِ عَلَى الْقِنِّ وَأَخْذُ الثَّمَنِ مِنْهُ (أَوْ إمْسَاكُهُ) ؛ أَيْ؛ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ، و (لَا) يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي (أَخْذُ أَرْشٍ) مَعَ الْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّ الْقِنَّ لَمَّا صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ عَلَى عَدَمِ الْإِذْنِ؛ صَارَ مَمْنُوعًا مِنْ التَّصَرُّفِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ [بَابُ الْوَكَالَةِ] (بَابُ الْوَكَالَةِ) الْوَكَالَةُ: - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا - التَّفْوِيضُ، يَقُولُ وَكَّلَهُ؛ أَيْ: فَوَّضَ إلَيْهِ، وَكَّلْت أَمْرِي إلَى فُلَانٍ؛ أَيْ: فَوَّضْت إلَيْهِ، وَاكْتَفَيْت بِهِ. وَقَدْ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْحِفْظُ، وَمِنْهُ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ؛ أَيْ: الْحَفِيظُ {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 107] ؛ أَيْ: حَفِيظٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 وَشَرْعًا (اسْتِنَابَةُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ (مِثْلَهُ) ؛ أَيْ: جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَهُوَ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ فِعْلُ مَا وُكِّلَ فِيهِ، فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ ذَكَرَيْنِ كَانَا أَوْ أُنْثَيَيْنِ. أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ (فِي الْحَيَاةِ) ، احْتِرَازًا عَنْ الْوَصِيَّةِ (فِيمَا) ؛ أَيْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَعَقْدٍ وَفَسْخٍ وَقَبْضٍ (تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ) مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. وَهِيَ جَائِزَةٌ إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] ؛ أَيْ: الزَّكَاةُ، فَجُوِّزَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا وَهُوَ بِالنِّيَابَةِ عَنْ الْمُسْتَحَقِّينَ وقَوْله تَعَالَى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19] وَقَوْلُهُ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] الْآيَةَ، وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ وَكَّلَ عُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ فِي شِرَاءِ الشَّاةِ. قَالَ عُرْوَةُ: «عَرَضَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَبٌ فَأَعْطَانِي دِينَارًا، فَقَالَ يَا عُرْوَةُ: ائْتِ الْجَلَبَ، فَاشْتَرِ لَنَا شَاةً قَالَ: فَأَتَيْت الْجَلَبَ، فَسَاوَمْت صَاحِبَهُ، فَاشْتَرَيْت شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ، فَجِئْت أَسُوقُهُمَا أَوْ أَقُودُهُمَا، فَلَقِيَنِي رَجُلٌ بِالدِّينَارِ وَالشَّاةِ، فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذَا دِينَارُكُمْ وَهَذِهِ شَاتُكُمْ» الْحَدِيثَ «قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ» . «وَوَكَّلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فِي تَزَوُّجِ أُمِّ حَبِيبَةَ وَأَبَا رَافِعٍ فِي قَبُولِ نِكَاحِ مَيْمُونَةَ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا» ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ كُلَّ أَحَدٍ فِعْلُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ. (وَتَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (مُطْلَقَةً) وَمُنَجَّزَةً (وَمُؤَقَّتَةً بِمُدَّةٍ) ؛ كَأَنْتَ وَكِيلِي شَهْرًا أَوْ سَنَةً، (فَلَا يَتَصَرَّفُ) الْوَكِيلُ؛ أَيْ: لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ (قَبْلَهَا) ؛ أَيْ: الْمُدَّةِ (وَلَا بَعْدَهَا) ؛ أَيْ: الْمُدَّةِ الَّتِي ضَرَبَهَا لَهُ الْمُوَكِّلُ. (وَ) تَصِحُّ (مُعَلَّقَةً) بِشَرْطٍ، نَصًّا كَوَصِيَّةٍ وَإِبَاحَةِ أَكْلٍ وَقَضَاءٍ وَإِمَارَةٍ؛ (كَقَوْلِهِ: إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 فَافْعَلْ كَذَا، (أَوْ) إذَا [جَاءَ] (الشِّتَاءُ فَاشْتَرِ لَنَا كَذَا) أَوْ إذَا طَلَب مِنْك أَهْلِي شَيْئًا فَادْفَعْهُ إلَيْهِمْ، أَوْ إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي كَذَا، أَوْ فَأَنْتَ وَكِيلِي وَنَحْوُهُ. (وَ) تَصِحُّ (بِكُلِّ قَوْلٍ) يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ، نَصًّا، نَحْوَ افْعَلْ كَذَا، أَوْ أَذِنْتُ لَك فِيهِ، أَوْ بِعْهُ، أَوْ اعْتِقْهُ، أَوْ كَاتِبْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَأَقَمْتُكَ مَقَامِي، أَوْ جَعَلْتُك نَائِبًا عَنِّي؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ دَلَّ عَلَى الْإِذْنِ، فَصَحَّ كَلَفْظِ الْوَكَالَةِ الصَّرِيحِ. (أَوْ) أَيْ: وَتَصِحُّ (بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَى إذْنٍ) . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَدَلَّ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى انْعِقَادِهَا بِفِعْلٍ دَالٍّ؛ كَبَيْعٍ؛ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ - يَعْنِي الْمُوَفَّقَ - فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ وَكَالْقَبُولِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَيَتَخَرَّجُ انْعِقَادُهَا بِالْخَطِّ أَوْ الْكِتَابَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَصْحَابُ، وَلَعَلَّهُ دَاخِلٌ بِقَوْلِهِ: بِفِعْلٍ دَلَّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْمُنْتَهَى. (وَ) يَصِحُّ (قَبُولُ) وَكَالَةٍ (بِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) مِنْ الْوَكِيلِ (دَلَّ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ وُكَلَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ سِوَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَلِأَنَّهُ أَذِنَ فِي التَّصَرُّفِ، فَجَازَ قَبُولُهُ بِالْفِعْلِ؛ كَأَكْلِ الطَّعَامِ، (وَلَوْ) كَانَ الْقَبُولُ (مُتَرَاخِيًا) عَنْ الْإِذْنِ، فَلَوْ بَلَغَهُ أَنَّ زَيْدًا وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ سِلْعَتِهِ مُنْذُ شَهْرٍ، فَقَبِلَ، أَوْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ قَبُولَ وُكَلَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بِفِعْلِهِمْ، وَكَانَ مُتَرَاخِيًا، وَلِأَنَّ الْإِذْنَ بَاقٍ، مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ. (وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَالْوَكَالَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ (كُلُّ عَقْدٍ جَائِزٍ كَمُسَاقَاةٍ) . وَمُزَارَعَةٍ وَشَرِكَةٍ فِي أَنَّ الْقَبُولَ يَصِحُّ بِالْفِعْلِ فَوْرًا وَمُتَرَاخِيًا؛ لِمَا سَبَقَ. (وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ وَكَالَةٍ (تَعْيِينُ وَكِيلٍ وَمُوَكَّلٍ فِيهِ) ؛ كَأَنْ يَقُولَ: وَكَّلْت فُلَانًا فِي كَذَا، (فَلَا يَصِحُّ) أَنْ يَقُولَ (وَكَّلْت أَحَدَ هَذَيْنِ) ؛ لِلْجَهَالَةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 (أَوْ) وَكَّلْتُك (فِي شِرَاءِ أَحَدِ هَذَيْنِ) ؛ لِلْجَهَالَةِ أَيْضًا. (وَ) قَالَ (فِي " الِانْتِصَارِ ": لَوْ وَكَّلَ زَيْدًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ) ؛ لَمْ تَصِحَّ؛ لِوُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْعِلْمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَقْصُودِ إمَّا بِنِسْبَةٍ أَوْ إشَارَةٍ إلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَيِّنُهُ. (أَوْ لَمْ يُعَرِّفْ الْوَكِيلُ مُوَكِّلَهُ) ؛ بِأَنْ قِيلَ لَهُ وَكَّلَك زَيْدٌ وَلَمْ يَنْسِبْ إلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مِنْ وَصْفِهِ أَوْ شُهْرَتِهِ مَا يُمَيِّزُهُ؛ (لَمْ تَصِحَّ) ؛ لِلْجَهَالَةِ (انْتَهَى) كَلَامُ الِانْتِصَارِ. (وَفِيهِ تَأَمُّلٌ) ؛ لِشُمُولِ كَلَامِهِ مَنْ لَهُ تَمْيِيزٌ بِصِفَةٍ أَوْ شُهْرَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يَتَمَيَّزَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْهَا، فَأَمَّا إذَا ذَكَرَهَا فَالْوَكَالَةُ صَحِيحَةٌ. (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي مُخَاصَمَةِ غُرَمَائِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوَكِّلِ، صَحَّ التَّوْكِيلُ (- وَإِنْ جَهِلَهُمْ مُوَكِّلٌ وَوَكِيلٌ -) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ عَيْنِ مَا وُكِّلَ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ الصِّحَّةُ) فِي قَوْلِ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ: (أَعْتِقْ أَحَدَ عَبْدِي أَوْ طَلِّقْ إحْدَى امْرَأَتَيَّ) ؛ فَقَالَ الْوَكِيلُ: أَحَدُهُمَا حُرٌّ أَوْ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ طَالِقٌ عَتَقَ فِي الْأُولَى، وَيَخْرُجُ بِقُرْعَةٍ، وَطَلُقَتْ فِي الثَّانِيَةِ، وَتَخْرُجُ بِقُرْعَةٍ أَيْضًا، (فَإِنْ) عَيَّنَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِبْهَامِ، (ثُمَّ أَوْقَعَ) الْوَكِيلُ الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ؛ (احْتَمَلَ) الْوُقُوعَ عَلَى مَنْ عَيَّنَ، وَاحْتَمَلَ الْإِخْرَاجَ بِقُرْعَةٍ؛ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ، أَوْ أَوْقَعَ عَلَيْهِ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَلَا مَنْوِيَّةٍ أُخْرِجَتْ الْمُطَلَّقَةُ بِقُرْعَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ؛ كَمُعَيَّنَةٍ مَنْسِيَّةٍ، وَكَقَوْلِهِ عَنْ طَائِرٍ إنْ كَانَ غُرَابًا فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، وَإِلَّا يَكُنْ غُرَابًا فَعَمْرَةُ طَالِقٌ وَجَهِلَ؛ فَإِنَّهُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَتَطْلُقُ مَنْ أَخْرَجَتْهَا الْقُرْعَةُ؛ لِأَنَّهُ سَبِيلٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْهَا عَيْنًا وَمُحَافَظَةً عَلَى الْعِتْقِ وَصِيَانَةً لِلْفُرُوجِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ التَّصَرُّفُ بِالْوَكَالَةِ (عِلْمُهُ) ؛ أَيْ: الْوَكِيلِ (بِهَا) ؛ أَيْ: الْوَكَالَةِ، فَلَوْ بَاعَ إنْسَانٌ عَبْدَ زَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ فُضُولِيٌّ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنْ سَيِّدَهُ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: لِلْوَكِيلِ (التَّصَرُّفُ) فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ (بِخَبَرِ مَنْ ظَنَّ صِدْقَهُ) بِتَوْكِيلِ زَيْدٍ مَثَلًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ صِدْقُهُ؛ كَقَبُولِ هَدِيَّةٍ وَإِذْنِ غُلَامٍ فِي دُخُولٍ. (وَيَضْمَنُ) الْوَكِيلُ مَا تَرَتَّبَ مِنْ تَصَرُّفِهِ إنْ أَنْكَرَ زَيْدٌ التَّوْكِيلَ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا يَرْجِعُ) الْوَكِيلُ (عَلَى مُخْبِرِهِ) بِالْوَكَالَةِ؛ (لِتَقْصِيرِهِ) ؛ أَيْ: الْوَكِيلِ بَعْدَ تَفَحُّصِهِ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّ لِلْوَكِيلِ الرُّجُوعَ عَلَى مُخْبِرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ. (وَلَوْ شَهِدَ بِهَا) ؛ أَيْ: الْوَكَالَةِ (اثْنَانِ) ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَحَلَّ الشَّهَادَةِ لِاثْنَيْنِ بِالْوَكَالَةِ (مَعَ غَيْبَةِ مُوَكِّلٍ) عَنْ بَلَدِ الْوَكِيلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 (مَسَافَةَ قَصْرٍ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا: عَزَلَهُ) وَالْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَحْكُمْ بِهَا) ؛ أَيْ: الْوَكَالَةِ حَاكِمٌ قَبْلَ قَوْلِهِ عَزَلَهُ؛ (لَمْ تَثْبُتْ) الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ، (وَلَوْ أَعَادَ) الْقَائِلُ أَنَّهُ عَزَلَهُ، (أَوْ قَالَهُ وَاحِدٌ غَيْرُهُمَا) قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ؛ (لَمْ يَقْدَحْ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَمَّتْ بِهِ؛ كَمَا تَمَّتْ بِالتَّوْكِيلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ الْعَزْلُ، (وَإِنْ قَالَاهُ) ؛ أَيْ: قَالَ الشَّاهِدَانِ عَزَلَهُ؛ (قَدَحَ) ذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ؛ لِثُبُوتِهَا بِشَهَادَتِهِمَا فَعَزْلُهُ كَذَلِكَ. (وَإِنْ شَهِدَ لَهُ) أَنْ فُلَانًا الْغَائِبَ وَكَّلَهُ (بِهَا، فَقَالَ) الْوَكِيلُ: (مَا عَلِمْتهَا) ؛ أَيْ: الْوَكَالَةَ وَأَنَا أَتَصَرَّفُ عَنْهُ؛ (ثَبَتَتْ) الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ أَعْلَمْ إلَى الْآنَ. وَقَبُولُ الْوَكَالَةِ يَجُوزُ مُتَرَاخِيًا، وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِالتَّوَكُّلِ، (لَا) إنْ قَالَ الْوَكِيلُ: (مَا أَعْلَمُ صِدْقَ الشَّاهِدَيْنِ) ؛ لَمْ تَثْبُتْ؛ (لِقَدْحِهِ فِيهِمَا) ، وَإِنْ قَالَ: مَا عَلِمْت فَقَطْ قِيلَ لَهُ: فَسِّرْ، فَإِنْ فَسَّرَ بِالْأَوَّلِ ثَبَتَتْ وَكَالَتُهُ، وَإِنْ فَسَّرَ بِالثَّانِي؛ لَمْ تَثْبُتْ. (وَإِنْ أَبَى) وَكِيلٌ (قَبُولَهَا) ؛ أَيْ: الْوَكَالَةِ بِأَنْ قِيلَ لَهُ فُلَانٌ وَكَّلَك، فَقَالَ لَا أَقْبَلُهَا، (فَكَعَزْلِهِ نَفْسَهُ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمْ تَتِمَّ. (وَمَيْلُ) زَيْنِ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْخَمْسِينَ (مَنْ) (ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ لِزَيْدٍ وَأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا، وَأَقَامَ) الْمُدَّعِي (الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: بِالْوَكَالَةِ عَنْ زَيْدٍ وَبِالْأَلْفِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي مَجْلِسٍ؛ (أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ) قَوْلُهُ، وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِدَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الدَّيْنَ كَانَتْ قَبْلَ ثُبُوتِ وَكَالَتِهِ؛ فَلَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْوَكَالَةِ، فَلَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهَا عَنْ غَيْرِ دَعْوَى؛ (بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ ثُبُوتِ الْوَكَالَةِ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ، وَهُوَ) ؛ أَيْ: مَا قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ (حَسَنٌ) . قَالَ الْقَاضِي: فِي خِلَافِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إنَّهَا تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَالْأَشْبَهُ اعْتِبَارُ تَقَدُّمِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ تَثْبُتْ وَكَالَتُهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَكِيلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 عَلَى مُوَكِّلِهِ؛ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ؛ كَشَهَادَةِ الْأَبِ عَلَى وَلَدِهِ وَأَوْلَى. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ فِيمَا لَمْ يُوَكَّلْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ شَهِدَ الْوَكِيلُ بِمَا كَانَ وَكِيلًا فِيهِ بَعْدَ عَزْلِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ؛ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ أَيْضًا، سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ خَاصَمَ فِيهِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ لَمْ يُخَاصِمْ؛ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْوَكَالَةِ صَارَ خَصِيمًا فِيهِ، فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيهِ؛ كَمَا لَوْ خَاصَمَ فِيهِ. (وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلٌ فِي شَيْءٍ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ وَنَحْوِهَا (إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) ؛ أَيْ: فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ فِيهِ، فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ سَفِيهٍ فِي نَحْوِ عِتْقِ عَبْدِهِ. (سِوَى) تَوْكِيلِ (أَعْمَى) رَشِيدٍ (وَمُوَكِّلٍ) غَائِبٍ (فِيمَا) ؛ أَيْ: شِقْصٍ (لَمْ يَرَهُ) ؛ كَمَنْ يُرِيدُ شِرَاءَ عَقَارٍ لَمْ يَرَهُ. وَكَمَنْ وَكَّلَ (عَالِمًا) بِالْمَبِيعِ بَصِيرًا (فِيمَا يَحْتَاجُ لِرُؤْيَةٍ) ؛ كَجَوْهَرٍ وَعَقَارٍ، فَيَصِحُّ - وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ - لِأَنَّ مَنْعَهُمَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ لَا لِمَعْنَى فِيمَا يَقْتَضِي مَنْعَ التَّوْكِيلِ. (وَمِثْلُهُ) ؛ أَيْ: مِثْلُ التَّوْكِيلِ فِيمَا ذُكِرَ (تَوَكَّلَ) عَنْ غَيْرِهِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِي شَيْءٍ إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، (فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوجِبَ) عَنْ غَيْرِهِ (نِكَاحًا مَنْ لَا يَصِحُّ) مِنْهُ " إيجَابُهُ (لِمُوَلِّيَتِهِ) لِنَحْوِ فِسْقٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّاهُ أَصَالَةً، فَلَمْ يَجُزْ بِالنِّيَابَةِ؛ كَالْمَرْأَةِ، (وَلَا يَقْبَلُهُ) ؛ أَيْ: النِّكَاحَ (مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ) قَبُولُهُ (لِنَفْسِهِ) ؛ كَالْكَافِرِ يَتَوَكَّلُ فِي قَبُولِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ لِمُسْلِمٍ. (وَيَتَّجِهُ فَلَا) يَصِحُّ أَنْ (يَتَوَكَّلَ مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ فِي نِكَاحِ ابْنَته) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَرْطِ الْوِلَايَةِ اتِّفَاقُ الدِّينَيْنِ إلَّا فِي سَيِّدٍ زَوَّجَ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ لِكَافِرٍ؛ فَيَصِحُّ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ الْكَافِرُ كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ (كَعَكْسِهِ) ؛ أَيْ: كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّلَ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ فِي تَزْوِيجِ ابْنَته؛ (وَلَا) يَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّلَ (كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ فِي شِرَاءِ مُصْحَفٍ، وَ) لَا فِي شِرَاءِ (قِنٍّ مُسْلِمٍ، وَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 لَا فِي (مُعَاقَبَتِهِ) ؛ أَيْ: مُعَاقَبَةِ الْمُسْلِمِ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (سِوَى قَبُولِ نِكَاحِ نَحْوِ أُخْتِهِ) ؛ كَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ وَحَمَاتِهِ (لِأَجْنَبِيٍّ) لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْزِيهِ، لَا لِمَعْنًى فِيهِ يَقْتَضِي مَنْعَ التَّوْكِيلِ (وَ) سِوَى تَوَكُّلِ (حُرٍّ وَاجِدِ الطُّولِ نِكَاحَ أَمَةٍ لِمَنْ تُبَاحُ لَهُ) الْأَمَةُ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ عَادِمِ الطُّولِ خَائِفِ الْعَنَتِ. وَسِوَى تَوَكُّلِ (مَنْ) ؛ أَيْ: غَنِيٌّ (حَرُمَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي قَبْضِهَا) ؛ أَيْ: الزَّكَاةِ (لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ) ؛ كَفَقِيرٍ. (وَ) سِوَى (طَلَاقِ امْرَأَةٍ نَفْسِهَا وَ) طَلَاقِهَا (غَيْرِهَا) ؛ كَضَرَّتِهَا أَوْ غَيْرِهَا (بِوَكَالَةٍ) ؛ فَيَصِحُّ فِيهِنَّ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ طَلَاقَ نَفْسِهَا بِجَعْلِهِ إلَيْهَا مَلَكَتْ طَلَاقَ غَيْرِهَا. (وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ كَافِرًا فِيمَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) ؛ أَيْ: الْكَافِرُ فِيهِ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ، وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ (فِي شِرَاءِ خَمْرٍ) ، وَلَا عِنَبٍ يُرَادُ لَهُ، (وَ) لَا فِي شِرَاءِ (خِنْزِيرٍ) وَطُنْبُورٍ وَجُنْكٍ وَعُودٍ وَكُلِّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُوَكِّلِ اسْتِعْمَالُهُ وَاِتِّخَاذُهُ؛ كَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى مُوَكِّلِهِ. (وَإِنْ وَكَّلَ) إنْسَانٌ [عَبْدَ غَيْرِهِ] ؛ صَحَّ فِيمَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ فِعْلُهُ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ كَالصَّدَقَةِ بِالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ، وَأَمَّا مَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشِّرَاءِ؛ فَلَا (وَلَوْ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ؛ فَيَصِحُّ) إنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ، فَإِذَا أَذِنَ صَارَ كَالْحُرِّ، وَإِذَا جَازَ الشِّرَاءُ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَإِذْ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ غَيْرَهُ مِنْ سَيِّدِهِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ، (وَإِلَّا) يَأْذَنُ لَهُ سَيِّدُهُ؛ (فَلَا) يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ (فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ) كَعَقْدِ (بَيْعٍ) وَإِجَارَةٍ (وَإِيجَابٍ فِي نِكَاحٍ وَقَبُولِهِ. وَيَتَّجِهُ وَعِتْقُ) قِنٍّ لِآخَرَ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، (وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَالْعَبْدِ (كُلُّ مَحْجُورٍ) عَلَيْهِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ؛ لَا يَتَوَكَّلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِلَا إذْنِهِ إلَّا الصَّغِيرَ؛ فَلَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِي الطَّلَاقِ، وَإِذَا كَانَ يَعْقِلُهُ، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِخِلَافِ نَحْوِ طَلَاقٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْإِنْشَاءِ، فَجَازَ فِي الْإِزَالَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَرَجْعَةٍ وَصَدَقَةٍ بِنَحْوِ رَغِيفٍ) وَفَلْسٍ وَتَمْرَةٍ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ. (وَلِمُكَاتَبٍ أَنْ يُوَكَّلَ فِي كُلِّ مَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِنَفْسِهِ) مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَشَرِكَةٍ، (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (أَنْ يَتَوَكَّلَ بِجَعْلٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ اكْتِسَابِ الْمَالِ، وَلَا يُمْنَعُ الْمُكَاتَبُ مِنْ الِاكْتِسَابِ، (لَا بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ جَعْلٍ، إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ كَأَعْيَانِ مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُ بَذْلُ مَالِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ (بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) فَإِنْ أَذِنَهُ جَازَ. وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ؛ كَالْقِنِّ، وَكَذَا الْمُبَعَّضُ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَقَعُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَيَصِحُّ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ فِي نَوْبَتِهِ؛ لِعَدَمِ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِالسَّيِّدِ. (وَلَا تَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي بَيْعِ مَا سَيَمْلِكُهُ أَوْ فِي طَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ حِينَ التَّوْكِيلِ، وَيَصِحُّ إنْ مَلَكْت فُلَانًا فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي عِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى مِلْكِهِ بِخِلَافِ إنْ تَزَوَّجَتْ فُلَانَةُ فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِهَا. (وَيَتَّجِهُ وَلَا تَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي بَيْعِ مَا سَيَمْلِكُهُ) عَقِبَ الْوَكَالَةِ (تَبَعًا) لِلْمَبِيعِ الـ (مَمْلُوكِ) لَهُ وَقْتَ التَّوْكِيلِ؛ كَقَوْلِ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ: (بِعْ هَذَا) الْحَيَوَانَ (وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْحَيَوَانِ مِنْ نِتَاجِهِ، (أَوْ بِعْهُ وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ كَذَا) ؛ أَيْ: شِقْصًا مَعْلُومًا، فَأَمَّا قَوْلُ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ: (بِعْ مَا يَحْصُلُ مِنْ نَحْوِ لَبَنِ الْبَهِيمَةِ) كَنِتَاجِهَا وَصُوفِهَا وَشَعْرِهَا؛ (فَلَا يَصِحُّ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 حِينَ التَّوْكِيلِ، (وَ) قَوْلُهُ: (بِعْهُ) ؛ أَيْ: اللَّبَنَ وَنَحْوَهُ (ذَا حَصَلٍ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ) . وَتَقَدَّمَ أَنَّ تَعْلِيقَ الْوَكَالَةِ صَحِيحٌ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ) (قَالَ لِوَكِيلِ غَائِبٍ) فِي مُطَالَبَةٍ (تَثْبُتُ وَكَالَتُهُ) بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ غَرِيمٍ: (احْلِفْ أَنْ لَك مُطَالَبَتِي) ؛ لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهُ. أَوْ قَالَ لِوَكِيلٍ: احْلِفْ (أَنَّهُ مَا عَزَلَك) مُوَكِّلُك؛ (لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهُ) ؛ أَيْ: لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى لِلْغَيْرِ، (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ) الْمَطْلُوبُ (عِلْمَهُ) ؛ أَيْ: الْعَزْلَ (فَيَحْلِفُ) الْوَكِيلُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ؛ (فَلَا طَلَبَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْوَكِيلِ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْغَرِيمِ، فَيَمْتَنِعُ الطَّلَبُ (وَلَوْ قَالَ) مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلُ غَائِبٍ (عَنْ دَيْنٍ ثَابِتٍ) فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: (مُوَكِّلُك أَخَذَ حَقَّهُ؛ لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ (بِلَا بَيِّنَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَقَرُّ مُدَّعِي الْوَفَاءِ، (وَلَا يُؤَخَّرُ) ؛ أَيْ: لَا يُحْكَمُ عَلَى الْوَكِيلِ بِتَأْخِيرِ طَلَبِهِ حَتَّى يَحْضُرَ مُوَكِّلُهُ (لِيَحْلِفَ مُوَكِّلٌ) أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ، [أَوْ] ؛ أَيْ: وَلَا يُؤَخِّرُ لِيَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ (وَيَعْتَرِفُ) بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ لِتَأْخِيرٍ مُتَيَقَّنٍ لِمَشْكُوكٍ فِيهِ؛ (كَمَا لَوْ ادَّعَى) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَفَاءً) لِلْمُوَكِّلِ، (وَ) ادَّعَى (غَيْبَةً بَيِّنَةً) الَّتِي أُقْبِضَ بِحُضُورِهَا؛ (فَلَا يُؤَخَّرُ) الْمُدَّعِي (لِحُضُورِهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةِ. [فَرْعٌ قَالَ عَبْدٌ اشْتَرَيْت نَفْسِي لِزَيْدٍ مُوَكِّلِي بِإِذْنِ سَيِّدِي وَصَدَّقَاهُ] (فَرْعٌ: لَوْ قَالَ عَبْدٌ: اشْتَرَيْت نَفْسِي لِزَيْدٍ مُوَكِّلِي بِإِذْنِ سَيِّدِي، وَصَدَّقَاهُ) ؛ أَيْ: زَيْدٌ وَسَيِّدُهُ؛ (صَحَّ) الشِّرَاءُ، (وَلَزِمَ زَيْدًا الثَّمَنُ) الَّذِي وَقَّعَ بِهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْبَيْعِ. (وَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ: مَا اشْتَرَيْت نَفْسَك إلَّا لِنَفْسِك) ، فَقَالَ الْعَبْدُ: بَلْ اشْتَرَيْت نَفْسِي لِزَيْدٍ، فَكَذَّبَهُ زَيْدٌ؛ (عَتَقَ) الْعَبْدُ؛ لِإِقْرَارِ السَّيِّدِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يَعْتِقُ بِهِ الْعَبْدَ، (وَلَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدَ (الثَّمَنُ) فِي ذِمَّتِهِ لِلسَّيِّدِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يَعْتِقُ بِهِ الْعَبْدَ، (وَلَزِمَهُ) ؛ [أَيْ: الْعَبْدَ (الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 لِلسَّيِّدِ] ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْعَقْدِ لَهُ) ، (وَإِنْ كَذَّبَهُ زَيْدٌ فَقَطْ) ، أَيْ: دُونَ السَّيِّدِ (نَظَرْت، فَإِنْ كَذَّبَهُ زَيْدٌ فِي الْوَكَالَةِ حَلَفَ) زَيْدٌ أَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ، (وَبَرِئَ) مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَكَالَةِ، وَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْجَاعُ عَبْدِهِ؛ لِتَعَذُّرِ ثَمَنِهِ، (وَإِنْ اعْتَرَفَ) زَيْدٌ (بِهَا) ؛ أَيْ: الْوَكَالَةِ، (وَكَذَّبَهُ) ؛ أَيْ: كَذَّبَ الْعَبْدَ فِي الشِّرَاءِ لَهُ؛ بِأَنْ قَالَ لِلْعَبْدِ: (إنَّك لَمْ تَشْتَرِ نَفْسَك لِي) ، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتهَا لِغَيْرِي؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ الْعَبْدِ) ؛ لِثُبُوتِ وَكَالَتِهِ عَنْ زَيْدٍ بِاعْتِرَافِهِ، (وَلِقَبُولِ قَوْلِ الْوَكِيلِ فِي التَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ) . [فَصْلٌ الْوَكَالَةُ فِي كُلِّ حَقٍّ آدَمِيٍّ] (فَصْلٌ: وَتَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي كُلِّ حَقٍّ آدَمِيٍّ) مُتَعَلِّقٍ بِمَالٍ، أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ (مِنْ عَقْدٍ) مُتَعَلِّقٍ بِالْمَالِ؛ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِجَارَةٍ، أَوْ مُتَعَلِّقٍ بِمَا يَجْرِي مَجْرَى الْمَالِ؛ كَعَقْدِ النِّكَاحِ (وَفَسْخٍ) لِنَحْوِ بَيْعٍ (وَطَلَاقٍ) ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ التَّوْكِيلُ فِي عَقْدِهِ جَازَ فِي حَلِّهِ بِطَرِيقِ أَوْلَى (وَرَجْعَةٍ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ حَيْثُ مُلِكَ بِهِ إنْشَاءُ النِّكَاحِ؛ مُلِكَ بِهِ تَجْدِيدُهُ بِالرَّجْعَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ (إنْ وَكَّلَهَا) ؛ أَيْ: زَوْجَتَهُ (فِي رَجْعَةِ نَفْسِهَا أَوْ) رَجْعَةِ (غَيْرِهَا) مِنْ مُطَلَّقَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفِ فِي إيجَابِ نِكَاحِ نَفْسِهَا ابْتِدَاءً، فَمُنِعَتْ مِنْ التَّوْكِيلِ فِي الرَّجْعَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِاسْتِمْرَارِ النِّكَاحِ دَوَامًا؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ اسْتَظْهَرَ الْخَلْوَتِيُّ مُعَلِّلًا لَهَا بِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صِيغَةٍ مِنْهُ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ مُسْلِمٌ (كَافِرًا فِي رَجْعَةِ) زَوْجَةٍ (مُسْلِمَةٍ) ، وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلٌ فِي شَيْءٍ إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 (وَ) تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي (تَمَلُّكٍ مُبَاحٍ) مِنْ صَيْدٍ وَحَشِيشٍ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكُ مَالٍ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِيهِ؛ كَالِاتِّهَابِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَمْ يَنْوِهِ) ؛ أَيْ: الْمُبَاحَ (الْوَكِيلُ) ؛ أَيْ: حَالَ التَّمَلُّكِ (لِنَفْسِهِ) ؛ أَيْ: الْوَكِيلِ، فَإِنْ نَوَاهُ لِنَفْسِهِ انْفَسَخَتْ الْوَكَالَةُ، يُؤَيِّدُهُ إذَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ شَرِكَةَ أَبْدَانٍ كَفِي احْتِشَاشٍ، ثُمَّ نَوَى أَحَدُهُمَا أَنْ مَا اكْتَسَبَهُ لِنَفْسِهِ دُونَ شَرِيكِهِ انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ [ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) إنْ نَوَاهُ لِمُوَكِّلِهِ (يَمْلِكُهُ) ؛ أَيْ:] الْمُبَاحَ (مُوَكِّلٌ بِمُجَرَّدِ تَحْصِيلٍ) . وَهُوَ مُتَّجِهُ. (وَتَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي صُلْحٍ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَالٍ؛ أَشْبَهَ الْبَيْعَ. (وَإِقْرَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَلْزَمُ بِهِ الْمُوَكِّلَ مَالٌ، أَشْبَهَ الضَّمَانَ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ: وَكَّلْتُك فِي الْإِقْرَارِ، فَلَوْ قَالَ: أَقَرَّ عَنِّي؛ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَكَالَةً. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. وَيَصِحُّ فِي تَفْسِيرِهِ بِالْمَجْهُولِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: وَكَّلْتُك فِي الْإِقْرَارِ لِزَيْدٍ بِمَالٍ أَوْ بِشَيْءٍ، وَيَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ. نَقَلَهُ الْمَجْدُ فِي " الْهِدَايَةِ " عَنْ الْأَصْحَابِ. (وَلَيْسَ تَوْكِيلُهُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْإِقْرَارِ (بِإِقْرَارٍ) ؛ كَتَوْكِيلِهِ فِي وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ؛ فَلَيْسَ بِوَصِيَّةٍ وَلَا هِبَةٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 (وَ) تَصِحُّ فِي (حَوَالَةٍ وَرَهْنٍ وَكَفَالَةٍ وَشَرِكَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَجَعَالَةٍ وَقَرْضٍ وَمُسَاقَاةٍ وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَوَقْفٍ) وَقِسْمَةٍ وَحُكُومَةٍ، بِأَنْ يُوَكِّلَ الْقَاضِي مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ. (وَ) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ أَيْضًا فِي (عِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَالِ، (وَلَوْ) كَانَ التَّوْكِيلُ فِي الْعِتْقِ وَالْإِبْرَاءِ (لِأَنْفُسِهِمَا إنْ عَيَّنَا) بِأَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لِرَقِيقِهِ: وَكَّلْتُك فِي أَنْ تَعْتِقَ نَفْسَك، أَوْ يَقُولَ رَبُّ الدَّيْنِ لِغَرِيمِهِ: وَكَّلْتُك فِي أَنْ تُبْرِئَ نَفْسَك. (فَلَوْ وَكَّلَ عَبْدَهُ فِي إعْتَاقِ عَبِيدِهِ) ، لَمْ يَدْخُلْ. (أَوْ وَكَّلَ امْرَأَتُهُ فِي طَلَاقِ نِسَائِهِ) ؛ لَمْ تَدْخُلْ. (أَوْ) وَكَّلَ (غَرِيمَهُ فِي إبْرَاءِ غُرَمَائِهِ) ؛ لَمْ يَدْخُلْ. (أَوْ) قَالَ لِإِنْسَانٍ (تَصَدَّقَ بِهَذَا) الْمَالِ؛ (لَمْ يَدْخُلْ الْوَكِيلُ فِي ذَلِكَ) ، فَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ عِتْقَ نَفْسِهِ، وَلَا الْمَرْأَةُ طَلَاقَ نَفْسِهَا، وَلَا الْغَرِيمُ إبْرَاءَ نَفْسِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ فِي التَّصَدُّقِ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ لِنَفْسِهِ (إلَّا بِالنَّصِّ) الصَّرِيحِ مِنْ الْمُوَكِّلِ. (وَتَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي كُلِّ حَقٍّ لِلَّهِ) تَعَالَى (تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ إثْبَاتِ حَدٍّ وَاسْتِيفَائِهِ) مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَقَدْ وَكَّلَهُ فِي الْإِثْبَاتِ وَالِاسْتِيفَاءِ جَمِيعًا. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ الْوَكَالَةِ (مِنْ سَيِّدٍ) ؛ أَيْ: أَنْ يُوَكِّلَ السَّيِّدُ إنْسَانًا فِي إثْبَاتِ حَدٍّ وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ، وَفِي اسْتِيفَائِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ لَهُ الْإِثْبَاتَ وَالِاسْتِيفَاءَ بِنَفْسِهِ فَنَائِبُهُ كَذَلِكَ. (وَ) يَتَّجِهُ صِحَّتُهَا مِنْ حَاكِمٍ فِي إثْبَاتِ حَدٍّ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ حَيْثُ مَنَعَ جَوَازَ الْوَكَالَةِ فِي الْإِثْبَاتِ، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُوَكِّلَ فِي اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِ مَاعِزٍ، فَرَجَمُوهُ، وَوَكَّلَ عُثْمَانُ عَلِيًّا فِي إقَامَةِ حَدِّ الشُّرْبِ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَوَكَّلَ عَلِيٌّ الْحَسَنَ فِي ذَلِكَ فَأَبَى الْحَسَنُ، فَوَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، فَأَقَامَهُ، وَعَلِيٌّ يَعُدُّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُمْكِنُهُ تَوَلِّي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ) مِنْ الْوَكِيلِ (اسْتِيفَاءُ) مَا وُكِّلَ فِيهِ (بِحَضْرَةِ مُوَكِّلٍ وَغِيبَتِهِ) ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّ مَا جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ؛ جَازَ فِي غِيبَتِهِ؛ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (حَتَّى فِي اسْتِيفَاءِ حَدِّ قَذْفٍ وَقَوَدٍ) . (وَ) تَصِحُّ الْوَكَالَةُ (فِي عِبَادَةٍ) تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ؛ (كَتَفْرِقَةِ صَدَقَةٍ وَ) تَفْرِقَةِ (نَذْرٍ وَ) تَفْرِقَةِ (زَكَاةٍ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ وَتَفْرِيقِهَا، وَقَالَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ أَطَاعُوك بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَتَفْرِقَةِ (كَفَّارَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ كَتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ. (وَتَصِحُّ) وَكَالَةٌ فِي إخْرَاجِ زَكَاةٍ (بِقَوْلِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ: (أَخْرِجْ زَكَاةَ مَالِي) مِنْ مَالِك، (أَوْ أَخْرِجْ كَفَّارَتِي مِنْ مَالِك) ؛ لِأَنَّهُ اقْتِرَاضٌ مِنْ مَالِ وَكِيلِهِ، وَتَوْكِيلٌ لَهُ فِي إخْرَاجِهِ. (وَ) تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي (فِعْلِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ) ، فَيَسْتَنِيبُ مَنْ يَفْعَلُهُمَا عَنْهُ مُطْلَقًا فِي النَّقْلِ وَمَعَ الْعَجْزِ فِي الْفَرْضِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحَجِّ، (وَتَدْخُلُ رَكْعَتَا طَوَافٍ تَبَعًا) لِلطَّوَافِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَكَذَا) يَدْخُلُ فِي الْوَكَالَةِ (صَوْمُ) الْوَكِيلِ عَنْ مُوَكِّلٍ (الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) السَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إذَا كَانَ مُتَمَتِّعًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَحَيْثُ صَحَّتْ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْعَشَرَةِ قَبْلَ الْعَوْدِ إنْ كَانَ وَكِيلًا عَنْ حَيٍّ عَاجِزٍ عَنْ الصَّوْمِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 وَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي عِبَادَةٍ (بَدَنِيَّةٍ مَحْضَةٍ) لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ؛ (كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ) ؛ لِتَعَلُّقِهِمَا بِبَدَنِ مَنْ هُمَا عَلَيْهِ، وَالصَّوْمُ الْمَنْذُورُ يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ أَدَاءً لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. (وَلَيْسَ فِعْلُهُ) ؛ أَيْ: الصَّوْمِ (عَنْ مَيِّتٍ بِوَكَالَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَسْتَنِيبُ الْوَلِيَّ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ الشَّرْعُ بِهِ إبْرَاءً لِذِمَّةِ الْمَيِّتِ. (وَطَهَارَةٍ مِنْ حَدَثٍ وَاعْتِكَافٍ) وَغُسْلِ جُمُعَةٍ وَتَجْدِيدِ وُضُوءٍ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَيْهِ لِأَمْرٍ يَخْتَصُّ الْمُعْتَكِفُ بِهِ، وَهُوَ لُبْثُ ذَاتِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، وَتَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي تَطْهِيرِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ؛ وَيَسْتَنِيبُ مَنْ يَصُبُّ لَهُ الْمَاءَ، وَيَغْسِلُ لَهُ أَعْضَاءَهُ. وَتَقَدَّمَ. (وَلَا) تَصِحُّ الْوَكَالَةُ (فِي ظِهَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُنْكَرٌ وَزُورٌ، أَشْبَهَ بَقِيَّةَ الْمَعَاصِي (وَ) لَا فِي (لِعَانٍ وَإِيلَاءٍ وَنَذْرٍ وَقَسَامَةٍ) لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ، فَلَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، كَبَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، (وَ) لَا فِي (قَسَمٍ لِزَوْجَاتٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ، وَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، (وَ) لَا فِي (شَهَادَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الشَّاهِدِ؛ لِكَوْنِهَا خَبَرًا عَمَّا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ؛ وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَعْنَى فِي نَائِبِهِ، فَإِنْ اسْتَنَابَ فِيهَا؛ كَانَ النَّائِبُ شَاهِدًا عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي مَا سَمِعَهُ مِنْ شَاهِدِ الْأَصْلِ، وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ، (وَلَا فِي الْتِقَاطٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ الِائْتِمَانُ، وَالْمُلْتَقِطُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْآمِرِ، (وَلَا فِي اغْتِنَامٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْحُضُورِ، فَلَا يَمْلِكُ غَائِبٌ الْمُطَالَبَةَ بِهِ؛ (وَ) لَا فِي (جِزْيَةٍ) ؛ لِفَوَاتِ الصِّغَارِ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ، (وَ) لَا فِي (مَعْصِيَةٍ) مِنْ زِنًا وَغَيْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] ، (وَ) لَا فِي (رَضَاعٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمُرْضَعَةِ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا يُنْبِتُ لَحْمَ الرَّضِيعِ وَيُنْشِزُ عَظْمَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُقُوقَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِيهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّ، وَنَوْعٌ لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِيهِ مُطْلَقًا؛ كَالصَّلَاةِ وَالظِّهَارِ، وَنَوْعٌ تَصِحُّ فِيهِ مَعَ الْعَجْزِ دُونَ الْقُدْرَةِ كَحَجِّ فَرْضٍ وَعُمْرَتِهِ. [فَصْلٌ الْوَكَالَةُ فِي بَيْعِ مَالِ الْمُوَكِّلِ] (فَصْلٌ: وَتَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي بَيْعِ مَالِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوَكِّلِ (كُلِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ مَالَهُ فَلَا غَرَرَ (أَوْ) بَيْعِ (مَا شَاءَ) الْوَكِيلُ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ التَّوْكِيلُ فِي الْجَمِيعِ فَفِي بَعْضِهِ أَوْلَى. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) تَصِحُّ الْوَكَالَةُ (فِي طَلَاقِ) جَمِيعِ (نِسَائِهِ) أَوْ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ، (أَوْ عِتْقِ جَمِيعِ عَبِيدِهِ أَوْ مَا شَاءَ مِنْهُمْ) . وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَقَالَ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ (فِي) كِتَابِ (" الْفُرُوعِ ": وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) ؛ أَيْ: الْأَصْحَابِ فِي بِعْ مِنْ مَالِي مَا شِئْت، (لَهُ بَيْعُ كُلِّ مَالِهِ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ لَا) فِي بِعْ مِنْ عَبِيدِي مَنْ شِئْت؛ (لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ) فَلَا يَبِيعُهُمْ إلَّا وَاحِدًا وَلَا الْكُلَّ؛ لِاسْتِعْمَالِ هَذَا فِي الْأَقَلِّ غَالِبًا، وَقَالَ؛ أَيْ: الْأَزَجِيُّ: وَهَذَا يُبْنَى عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ. كَذَا قَالَ. انْتَهَى كَلَامُ " الْفُرُوعِ ". قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " (وَ) تَصِحُّ الْوَكَالَةُ (فِي الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوَكِّلِ كُلِّهَا أَوْ مَا شَاءَ مِنْهَا (وَ) فِي (الْإِبْرَاءِ مِنْهَا كُلِّهَا أَوْ مَا شَاءَ مِنْهَا) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. و (لَا) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ (فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ) كَبِلَا وَلِيٍّ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ بِلَا رُؤْيَةٍ، وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الشَّرْعُ، بَلْ حَرَّمَهُ؛ فَلَمْ يَصِحَّ، (وَلَا يَمْلِكُ) الْعَقْدَ (الصَّحِيحَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِمَّا وَكَّلَهُ بِهِ؛ كَإِجْرَائِهِ عَقْدَ التَّزْوِيجِ بِوَلِيٍّ، وَشِرَائِهِ الشَّيْءِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ؛ لِمُخَالَفَتِهِ اشْتِرَاطَ الْمُوَكِّلِ. [قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": إذَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ، فَبَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا؛ لَمْ يَصِحَّ، قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ] . (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 التَّوْكِيلُ فِي (كُلٍّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ) . ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ هِبَةِ مَالِهِ وَطَلَاقِ نِسَائِهِ وَإِعْتَاقِ أَرِقَّائِهِ وَتَزْوِيجِ نِسَاءٍ كَثِيرَةٍ، وَيَلْزَمُهُ الْمُهُورُ الْكَثِيرَةُ، فَيَعْظُمُ الْغُرُورُ وَالضَّرَرُ، وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ (إلَّا إنْ قَالَ) الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ: وَكَّلْتُك فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ (مِنْ مَالِي) ؛ كَقَوْلِهِ: بِعْ مَالِي كُلَّهُ وَاقْبِضْ دُيُونِي كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَالَهُ وَدُيُونَهُ، فَيَقِلُّ الْغَرَرَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ إنْ قَالَ: (اشْتَرِ مَا شِئْت أَوْ) اشْتَرِ (عَبْدًا بِمَا شِئْت) ؛ لِأَنَّ مَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهُ وَالشِّرَاءُ بِهِ يَكْثُرُ، فَيَكْثُرُ فِيهِ الْغَرَرُ (حَتَّى يُبَيَّنَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - لِلْوَكِيلِ (نَوْعٌ) . وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ نَوْعًا فَقَدْ أَذِنَ فِي أَغْلَاهُ ثَمَنًا، فَيَقِلُّ الْغَرَرُ فِيهِ (وَقَدْرُ ثَمَنٍ) يُشْتَرَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِذَكَرِ الشَّيْئَيْنِ. (وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ يُمْكِنْ مِقْدَارُ ثَمَنِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (مَعْلُومًا بَيْنَ النَّاسِ كَمَكِيلٍ) وَمَوْزُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ، (وَإِنْ) قَالَ لِوَكِيلِهِ (اشْتَرِ كَذَا وَكَذَا) [لَا يَصِحُّ] التَّوْكِيلُ؛ لِلْجَهَالَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمِثْلُهُ) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 مِثْلُ قَوْلِهِ: وَكَّلْتُك فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: (اشْتَرِ) لِي (مَا شِئْت كَمَا فِي " الْمُبْدِعِ " مِنْ الْمَتَاعِ الْفُلَانِيِّ) ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى ثَمَنِهِ. (وَالْإِطْلَاقُ) فِي قَوْلِ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ اشْتَرِ عَبْدًا (يَقْتَضِي) أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ إلَّا (شِرَاءَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ؛ لِجَعْلِهِ) ؛ أَيْ: ابْنِ عَقِيلٍ (الْكُفْرَ) فِي الرَّقِيقِ (عَيْبًا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَقِيلَ تَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ) مِنْ بَيْعِ مَالِهِ وَقَبْضِ دُيُونِهِ وَإِبْرَاءِ غُرَمَائِهِ، (وَيُؤَيِّدُهُ) ؛ أَيْ: الْقَوْلَ بِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاج بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَرُّوذِيِّ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ - نِسْبَةً إلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ مَرْوَ الرُّوذِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ أَبُوهُ خُوَارَزْمِيٌّ، وَأُمُّهُ مَرُّوذِيَّةٌ، مِنْ أَخَصِّ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَدُفِنَ عِنْدَ رِجْلَيْ قَبْرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. انْتَهَى (بَعَثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي حَاجَةٍ وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ تَقُولُهُ عَلَى لِسَانِي فَأَنَا قُلْتُهُ) ؛ لَمَّا عَلِمَ الْإِمَامُ مِنْ أَمَانَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَعَدَالَتِهِ وَوَرَعِهِ وَفَضْلِهِ وَزُهْدِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَأْنِسُ بِهِ وَيَنْبَسِطُ إلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى إغْمَاضَهُ لَمَّا مَاتَ وَغَسَّلَهُ، فَلِذَلِكَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ. قَالَ الْخَلَّالُ: خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ إلَى الْغَزْوِ فَشَيَّعَهُ النَّاسُ إلَى سَامِرَّاءَ، فَجَعَلَ يَرُدُّهُمْ، فَلَا يَرْجِعُونَ - حَزَرُوا فَإِذَا هُمْ بِسَامِرَّاءُ سِوَى مَنْ رَجَعَ خَمْسُونَ أَلْفِ إنْسَانٍ - فَقِيلَ لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ: احْمَدْ اللَّهَ فَهَذَا عِلْمٌ نُشِرَ لَك فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا الْعِلْمُ إلَيَّ، إنَّمَا هَذَا عِلْمُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. أَقُولُ: مَنْ كَانَ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فَلَا مَانِعَ مِنْ تَفْوِيضِ الْمُوَكَّلِ إلَيْهِ سَائِرَ الْأَعْمَالِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 بِمَا هُنَالِكَ، بَلْ يَقِفُ عِنْدَ بَيَانِ النَّوْعِ وَالتَّقْدِيرِ، كَمَا لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى النَّاقِدِ الْبَصِيرِ، وَقَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ (فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ الْقَوَاعِدِ) الْفِقْهِيَّةِ: (الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَشَرِكَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَوَكَالَةٍ) إذَا كَانَتْ فَاسِدَةً فَإِنَّ (فَسَادَهَا لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ) ؛ أَيْ: تَصَرُّفِ الْمُتَعَاطِي (فِيهَا بِالْإِذْنِ) . وَعِبَارَتُهُ: الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ إذَا تَعَدَّى فِيهِمَا فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ؛ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ فِيهِ، وَيَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ تَصَرُّفِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: لَوْ حَلَفَ عَلَى الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ أَصْلِهَا أَنَّهَا شَرِكَةٌ حَنِثَ. قَالَ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا. وَالْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ مَعَ الْقَوْلِ بِنُفُوذِهِ وَبَقَاءِ الْإِذْنِ مُشْكِلٌ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَّرَ أَنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى. (وَوَكِيلٌ فِي شِرَاءِ طَعَامٍ يَمْلِكُ شِرَاءَ الْبُرِّ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ هُوَ الْبُرُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي لِسَانِ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَقَالَ فِي " الْمُنْتَخَبِ ": يَشْتَرِي خُبْزَ بُرٍّ مَعَ وُجُودِ الْبُرِّ لِلْعَادَةِ. ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ (فِي " الْفُنُونِ ": لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ مِمَّنْ عَلِمَ ظُلْمَهُ مُوَكِّلُهُ فِي الْخُصُومَةِ) . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ. (وَكَذَا) ؛ أَيْ: لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ (لَوْ ظَنَّ الْوَكِيلُ ظُلْمَهُ) ؛ أَيْ: ظُلْمَ مُوَكِّلِهِ إجْرَاءً لِلظَّنِّ مَجْرَى الْعِلْمِ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، (وَبَالَغَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى (فَمَنَعَ) ذَلِكَ، وَقَالَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ (أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ عَالَمٍ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِ) . قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " فِي الصُّلْحِ عَنْ الْمُنْكَرِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يُعْلَمَ صِدْقُ الْمُدَّعِي، فَلَا يَحِلُّ دَعْوَى مَا لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ. (وَيَتَّجِهُ إنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يُعْرَفُ بِالصِّدْقِ) وَالْأَمَانَةِ وَعَدَمِ التَّعَدِّي عَلَى الْغَيْرِ؛ (اعْتَمَدَ قَوْلَهُ) ؛ وَصَحَّتْ الْوَكَالَةُ عَنْهُ، (وَ) إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْرَفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 (بِالْكَذِبِ) وَالِاسْتِشْرَافِ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ؛ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ عَنْهُ لِئَلَّا يَقَعَ الْوَكِيلُ فِي الْمَحْظُورِ مِنْ أَجْلِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ وَكَّلَ فِي قَبْضِ) دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (كَانَ وَكِيلًا فِي خُصُومَةٍ) سَوَاءٌ عَلِمَ الْغَرِيمُ بِبَذْلِ مَا عَلَيْهِ أَوْ جَحَدَهُ أَوْ مَطَلَهُ؛ لِأَنَّهُ [لَا] يُتَوَصَّلُ إلَى الْقَبْضِ إلَّا بِالْإِثْبَاتِ، فَالْإِذْنُ فِيهِ إذْنٌ فِيهِ عُرْفًا، وَمِثْلُهُ مَنْ وُكِّلَ فِي قَسْمِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ طَلَبِ شُفْعَةٍ، فَيَمْلِكُ بِذَلِكَ تَثْبِيتَ مَا وُكِّلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِلتَّوَصُّلِ إلَيْهِ، (لَا عَكْسُهُ) يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْخُصُومَةِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَرْضَى لِلْخُصُومَةِ مَنْ لَا يَرْضَاهُ لِلْقَبْضِ، وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ فِي خُصُومَةِ إقْرَارٍ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِقَوَدٍ وَلَا قَذْفٍ، وَكَالْوَلِيِّ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى مَوْلَاهُ. [و] قَوْلُ إنْسَانٍ لِآخَرَ: (أَجِبْ خَصْمِي عَنِّي؛ وَكَالَةً فِي خُصُومَةٍ، وَ) قَوْلُهُ (اقْبِضْ حَقِّي الْيَوْمَ) أَوْ اللَّيْلَةَ أَوْ بِعْ ثَوْبِي الْيَوْمَ أَوْ اللَّيْلَةَ؛ (لَمْ يَمْلِكْهُ) ؛ أَيْ؛ فَعَلَ مَا وَكَّلَ فِيهِ الْيَوْمَ أَوْ اللَّيْلَةَ (غَدًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ نُطْقُهُ إذْنًا وَلَا عُرْفًا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُؤْثِرُ التَّصَرُّفَ فِي زَمَنِ الْحَاجَةِ، دُونَ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا عَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادَتِهِ وَقْتًا لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ وَلَا تَأْخِيرُهَا عَنْهُ، وَإِنَّمَا صَحَّ فِعْلُهَا [قَضَاءً] ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمَا اُشْتُغِلَتْ كَانَ الْفِعْلُ مَطْلُوبَ الْقَضَاءِ. (وَ) إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: اقْبِضْ حَقِّي (مِنْ فُلَانٍ مَلَكَهُ) أَيْ: قَبَضَ حَقَّهُ مِنْ فُلَانٍ و (مِنْ وَكِيلِهِ) ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مُوَكِّلِهِ، فَيَجْرِي مَجْرَى إقْبَاضِهِ، و (لَا) يَمْلِكُ الْقَبْضَ (مِنْ وَارِثِهِ) ؛ أَيْ: فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ، وَلَا يَقْتَضِيه الْعُرْفُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ إلَى الْوَارِثِ وَاسْتَحَقَّ الطَّلَبَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ إنْسَانٌ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا حَنِثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ. (وَإِنْ قَالَ لَهُ) : اقْبِضْ حَقِّي (الَّذِي قَبِلَهُ) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 فُلَانٌ (أَوْ) حَقِّي الَّذِي (عَلَيْهِ مَلَكَهُ) ؛ أَيْ: قَبَضَ حَقَّهُ مِنْهُ وَمِنْ وَكِيلِهِ (حَتَّى مِنْ وَارِثِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ اقْتَضَتْ قَبْضَ حَقِّهِ مُطْلَقًا، فَشَمِلَ الْقَبْضَ مِنْ وَارِثِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ. (وَوَكِيلُهُ) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ (فِي خُلْعٍ بِمُحَرَّمٍ) كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ؛ (كَهُوَ) أَيْ: كَالزَّوْجِ، يَلْغُو إذَا لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ نِيَّةٍ، (فَلَوْ خَالَعَ) وَكِيلٌ فِي خُلْعٍ بِمُحَرَّمٍ (بِمُبَاحٍ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِهَا؛ صَحَّ) الْخُلْعُ (بِقِيمَتِهِ) قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مُبَاحٍ؛ صَحَّ الْخَلْعُ، وَفَسَدَ الْعِوَضُ، وَلَهُ قِيمَةُ الْعِوَضِ، لَا هُوَ. انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُخَالَعُ عَلَيْهِ مِثْلِيًّا؛ (فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ قَبُولُهُ) ؛ أَيْ: الْمُخَالَعِ (عِوَضًا) إذْ لَوْ لَزِمَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ؛ لَلَزِمَهُ أَخْذُ الْقِيمَةِ. (وَلِوَكِيلٍ تَوْكِيلٌ فِيمَا يُعَجِّزُهُ) فِعْلُهُ (لِكَثْرَتِهِ) بِلَا نِزَاعٍ، (وَلَوْ فِي جَمِيعِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْفُرُوعِ " " وَالرِّعَايَةِ " وَ " شَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ، وَحَيْثُ اقْتَضَتْ الْوَكَالَةُ جَوَازَ التَّوْكِيلِ؛ جَازَ فِي جَمِيعِهِ؛ كَمَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ لَفْظًا، خِلَافًا لِلْقَاضِي حَيْثُ مَنَعَ الْوَكِيلَ مِنْ التَّوْكِيلِ، إلَّا فِي الْقَدْرِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ خَاصَّةً. (وَ) لَهُ التَّوْكِيلُ (فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ) ؛ أَيْ: إذَا كَانَ الْعَمَلُ مِمَّا يَرْتَفِعُ الْوَكِيلُ عَنْ مِثْلِهِ؛ كَالْأَعْمَالِ الدَّنِيئَةِ فِي حَقِّ أَشْرَافِ النَّاسِ الْمُرْتَفِعِينَ عَنْ فِعْلِهَا عَادَةً، فَإِنَّ الْإِذْنَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ: وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَا سَبَقَ يَسْتَنِيبُ نَائِبًا فِي الْحَجِّ لِمَرَضٍ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. و (لَا) يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلٌ (فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْجِزْهُ) ؛ بِأَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي التَّوْكِيلِ، وَلَا تَضَمُّنُهُ الْآذِنُ لَهُ؛ فَلَمْ يَجُزْ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 كَمَا لَوْ نَهَاهُ، وَلِأَنَّهُ اُسْتُؤْمِنَ فِيمَا يُمْكِنُهُ النُّهُوضُ فِيهِ، فَلَا يُوَلِّيه غَيْرَهُ كَالْوَدِيعَةِ، (إلَّا بِإِذْنِ) مُوَكِّلِهِ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ؛ فَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ أُذِنَ لَهُ فِيهِ أَشْبَهَ سَائِرَ الْعُقُودِ. (وَيَتَعَيَّنُ) عَلَى وَكِيلٍ حَيْثُ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ (أَمِينٌ) ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِنَابَةُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ لِمُوَكِّلِهِ بِالْحَظِّ، وَلَا حَظَّ لَهُ فِي إقَامَةِ غَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ (أُنْثَى) أَوْ خُنْثَى حَيْثُ صَلَحَ لِمَا وُكِّلَ فِيهِ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ تَوْكِيلَ خَائِنٍ يَصِحُّ مَعَ تَحْرِيمٍ) ؛ لِعَدَمِ اسْتِئْذَانِهِ، (وَ) مَعَ (ضَمَانٍ) ؛ لِتَعَدِّيهِ بِتَوْكِيلِ خَائِنٍ، وإعْرَاضِهِ عَنْ تَوْكِيلِ مَنْ اتَّصَفَ بِالْأَمَانَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي وَكِيلِ الْوَكِيلِ، قِيَاسًا عَلَى نَاظِرِ وَقْفٍ أَجَّرَهُ بِدُونِ أُجْرَةٍ؛ فَيَصِحُّ، وَيَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (إلَّا مَعَ تَعْيِينِ مُوَكِّلٍ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: وَكِّلْ زَيْدًا مَثَلًا؛ فَلَهُ تَوْكِيلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ نَظَرَهُ لِتَعْيِينِهِ لَهُ. (وَلَوْ وَكَّلَهُ) الْوَكِيلُ حَيْثُ جَازَ (أَمِينًا فَخَانَ؛) (فَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْوَكِيلِ (عَزْلُهُ) ؛ أَيْ: عَزْلُ وَكِيلِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ يَتَصَرَّفُ [تَضْيِيعٌ وَتَفْرِيطٌ (وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَالْوَكِيلِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَصِيٌّ يُوَكِّلُ) فِيمَا أَوْصَى إلَيْهِ؛] فَلَيْسَ لَهُ، أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِالْإِذْنِ؛ أَشْبَهَ الْوَكِيلَ، وإنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا اقْتَضَتْهُ الْوَصِيَّةُ؛ كَالْوَكِيلِ يَتَصَرَّفُ فِيمَا اقْتَضَتْهُ الْوَكَالَةُ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَيَلْحَقُ بِهَذَا مُضَارِبٌ، (وَ) كَذَا (حَاكِمٌ) يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ فِي نَاحِيَةٍ، (فَيَسْتَنِيبُ) غَيْرَهُ؛ أَيْ: حُكْمُهُ الْوَكِيلَ، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ؛ وَحَيْثُ جَازَتْ الِاسْتِنَابَةُ؛ فَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِهِ. قَالَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ": وَيَجُوزُ لِمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَحْمَدَ أَنْ يُقَلِّدَ الْقَضَاءَ مَنْ يُقَلِّدُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فِي قَضَائِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَلِّدَ فِي النَّوَازِلِ وَالْأَحْكَامِ مَنْ اعْتَزَى إلَى مَذْهَبِهِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: هَذَا فِي وِلَايَةِ الْمُجْتَهِدِينَ، أَمَّا الْمُقَلِّدِينَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ الْإِمَامُ لِيَحْكُمُوا بِمَذْهَبٍ، فَوِلَايَتُهُمْ خَاصَّةٌ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُوَلُّوا مَنْ لَيْسَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِمْ ذَلِكَ، أَمَّا أَوْ فُوِّضَ إلَيْهِمْ فَلَا تَرَدُّدَ فِي جَوَازِهِ؛ كَمَا كَانَ أَوَّلًا يُوَلِّي الْإِمَامُ الْقَضَاءَ قَاضِيًا وَاحِدًا يُوَلِّي فِي جَمِيعِ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ، فَهَذَا وِلَايَتُهُ عَامَّةٌ يَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ؛ كَالْإِمَامِ نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُقَلِّدًا لِإِمَامٍ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ مَنْ يُقَلِّدُ غَيْرَ أَمَامِهِ؛ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ بِنَائِبٍ لِلْإِمَامِ، بَلْ هُوَ نَاظِرٌ لِلْمُسْلِمِينَ، لَا عَنْ وِلَايَةٍ: ولِهَذَا لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ؛ أَيْ: الْإِمَامِ وَلَا بِعَزْلِهِ، فَيَكُونُ بِحُكْمِهِ فِي وِلَايَتِهِ حُكْمُ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ يَضِيقُ عَلَيْهِ تَوَلِّي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بِنَفْسِهِ، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَعْطِيلِ مَصَالِحِ النَّاسِ الْعَامَّةِ، فَأَشْبَهَ مَنْ وُكِّلَ فِيمَا لَا يُمْكِنُهُ مُبَاشَرَتُهُ لِكَثْرَتِهِ انْتَهَى. وَأُلْحِقَ بِالْحَاكِمِ أَمِينُهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِيَيْنِ ". (وَ) إنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ: (وَكِّلْ عَنْك) ، فَبَاشَرَ مَا وُكِّلَ بِهِ، أَوْ لَمْ يُبَاشِرْ، (أَوْ احْتَاجَ) لِمُعِينٍ؛ صَحَّ ذَلِكَ، وَكَانَ الثَّانِي. (وَكِيلٌ، فَلَهُ عَزْلُهُ) فَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ. (وَتَبْطُلُ) الْوَكَالَةُ (بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: الْوَكِيلِ. (وَ) إنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ: وَكِّلْ عَنِّي، أَوْ قَالَ: وَكِّلْ، و (يُطْلِقُ) ؛ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ عَنْك وَلَا عَنِّي؛ صَحَّ، وَكَانَ الثَّانِي (وَكِيلَ مُوَكِّلِهِ) لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ لَهُ وَلَا بِمَوْتِهِ؛ وَلَوْ قَالَ الشَّخْصُ: وَكِّلْ فُلَانًا عَنِّي فِي بَيْعِ كَذَا، فَقَالَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: بِعْ هَذَا وَلَمْ يُشْعِرْهُ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ، فَقَالَ الشَّيْخُ: لَا يَحْتَاجُ إلَى تَبْيِينٍ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 وَكِيلُهُ أَوْ وَكِيلُ فُلَانٍ. ذَكَرَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " وَحَيْثُ قُلْنَا أَنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ وَكِيلُ الْمُوَكَّلِ، فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِهِ وَجُنُونِهِ وَحَجَرٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْهُ، وَلَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِمَوْتِهِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْهُ، وَحَيْثُ قُلْنَا: إنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ، فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَالْحَجْرُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا وَنَحْوِهِ، وَكَقَوْلِ الْمُوصِي لِوَصِيِّهِ (أَوْصِي إلَى مَنْ يَكُونُ وَصِيًّا لِي) ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ وَصِيًّا لِلْمُوصِي الْأَوَّلِ. (وَلَا يُوصِي وَكِيلٌ - وَإِنْ أَذِنَ لَهُ) مُوَكِّلُهُ - لِعَدَمِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ، و (لِبُطْلَانِهَا) ؛ أَيْ: الْوَكَالَةِ (بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: الْوَكِيلِ. (وَلَا يَعْقِدُ الْوَكِيلُ) عَقْدًا وَكَّلَ فِيهِ؛ كَعَقْدِ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ (مَعَ فَقِيرٍ) بِأَنْ عَقَدَ مَعَهُ (بِذِمَّتِهِ) ؛ لِتَعَسُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ. (أَوْ) ؛ أَيْ، وَلَا يَعْقِدُ الْوَكِيلُ مَعَ (قَاطِعِ طَرِيقٍ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُوَكِّلِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا (يَنْفَرِدُ) وَكِيلٌ (مِنْ عَدَدٍ) ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَعْزِلْ الْأَوَّلَ؛ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ إلَّا بِإِذْنٍ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِهِ [مُنْفَرِدًا بِدَلِيلِ إضَافَةِ الْغَيْرِ إلَيْهِ، فَلَوْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فِي حِفْظِ مَالِهِ حَفِظَاهُ مَعًا] فِي حِرْزٍ لَهُمَا، فَلَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ ضَمُّ أَمِينٍ إلَيْهِ لِيَتَصَرَّفَا مَعًا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ: افْعَلَا يَقْتَضِي اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى فِعْلِهِ، بِخِلَافِ بِعْتُكُمَا حَيْثُ كَانَ مُنْقَسِمًا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ لَهُمَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا (يَبِيعُ) وَكِيلٌ (نَسَاءً) إلَّا بِإِذْنٍ، فَإِنْ فَعَلَ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِانْصِرَافِ الْإِطْلَاقِ إلَى الْحُلُولِ، (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَبِيعُ بِغَيْرِ نَقْدٍ (كَمَنْفَعَةٍ أَوْ عَرَضٍ كَثَوْبٍ) ، فَإِنْ فَعَلَ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُرْفِ (وَفُلُوسٍ) وَالْعُرْفُ كَوْنُ الثَّمَنِ مِنْ النَّقْدَيْنِ، (إلَّا بِإِذْنِ مُوَكِّلٍ) أَوْ قَرِينَةٍ؛ كَبَيْعِ حُزَمِ بَقْلٍ بِفُلُوسٍ، (أَوْ بِقَوْلِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوَكِّلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 لِوَكِيلِهِ: (اصْنَعْ مَا شِئْت أَوْ تَصَرَّفْ كَيْفَ مَا شِئْت) ؛ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ حَالًا وَنَسَاءً وَبِمَنْفَعَةٍ وَعَرَضٍ، (فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) ؛ بِأَنْ بَاعَ نَسَاءً أَوْ بِعَرَضٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ (بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: الْإِذْنِ؛ فَتَصَرُّفُهُ (بَاطِلٌ) ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ حَيْثُ يَبِيعُ نَسَاءً وَبِعَرَضٍ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحُ وَهُوَ [فِي] النِّسَاءِ وَنَحْوِهِ أَكْثَرُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ تَحْصِيلُ الثَّمَنِ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ، فَيَفُوتُ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ، وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ وَتَنْصِيفَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ، فَيَعُودُ الضَّرَرُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ شَيْئًا تَعَيَّنَ، وَلَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِإِذْنِهِ. (وَكَذَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ (لَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ النَّقْدِ يَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ (أَوْ) بَاعَ بِنَقْدٍ غَيْرِ (غَالِبِهِ رَوَاجًا) إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ، أَوْ بَاعَ بِغَيْرِ (الْأَصْلَحِ إنْ تَسَاوَتْ) النُّقُودُ رَوَاجًا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الْإِطْلَاقُ، هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُوَكِّلُ نَقْدًا، و (إلَّا بِأَنْ عَيَّنَهُ الْمُوَكِّلُ) ؛ بِأَنْ قَالَ: بِعْ بِنَقْدِ كَذَا، (فَيَتَعَيَّنُ مَا) ؛ أَيْ: النَّقْدُ الَّذِي (عَيَّنَهُ) الْمُوَكِّلُ. (وَإِذَا) وَكَّلَ شَخْصًا فِي بَيْعِ عَبْدٍ وَنَحْوِهِ (فَبَاعَهُ نَسَاءً) ، فَقَالَ: مَا أَذِنْتُ لَك فِي بَيْعِهِ إلَّا نَقْدًا، و (أَنْكَرَ مُوَكِّلٌ الْإِذْنَ فِيهِ) ؛ أَيْ: فِي النِّسَاءِ، (فَإِنْ صَدَّقَهُ وَكِيلُهُ، وَ) صَدَّقَ (الْمُشْتَرِي) الْمُوَكِّلَ؛ (فَسَدَ الْبَيْعُ) ؛ لِتَصْدِيقِهَا لَهُ، (وَيُطَالِبُ الْمُوَكِّلُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: مِنْ الْوَكِيلِ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَبِقِيمَتِهِ إنْ تَلِفَ، فَإِنْ أَخَذَ الْقِيمَةَ مِنْ الْوَكِيلِ؛ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِهَا، (وَ) أَخَذَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ (الْقَرَارَ) ؛ أَيْ: قَرَارَ الضَّمَانِ (عَلَى الْمُشْتَرِي) ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ، (وَبِتَصْدِيقِ الْوَكِيلِ) وَحْدَهُ؛ (يَضْمَنُ) الْوَكِيلُ دُونَ الْمُشْتَرِي، (أَوْ) صَدَّقَ (الْمُشْتَرِي) وَحْدَهُ؛ (يَرُدُّ) الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، وَلِلْمُوَكِّلِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُصَدِّقِ مِنْهُمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَقَالَ: وَيَحْلِفُ عَلَى الْمُكَذِّبِ، وَيَرْجِعُ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ. هَذَا إنْ اعْتَرَفَ الْمُشْتَرِي بِالْوَكَالَةِ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 وَقَالَ: إنَّمَا بِعْتنِي مِلْكَك؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ وَكِيلًا، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. انْتَهَى. وَإِنْ كَذَّبَاهُ وَادَّعَيَا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ وَكِيلًا وَأَذِنَ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً؛ حَلَفَ الْمُوَكِّلُ، وَيَرْجِعُ فِي الْعَيْنِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً رَجَعَ بِقِيمَتِهَا عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. (وَ) إنْ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ؛ (صَحَّ انْفِرَادُ) أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ (فِي) صُورَةٍ: هِيَ قَوْلُهُ (أَيُّكُمَا بَاعَ سِلْعَتِي فَبَيْعُهُ جَائِزٌ) ؛ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا، (وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَمَا يَصِحُّ الِانْفِرَادُ فِي قَوْلِهِ: أَيُّكُمَا بَاعَ سِلْعَتِي فَبَيْعُهُ جَائِزٌ؛ صَحَّ بَيْعُ (مَا يُبَاعُ مِثْلُهُ بِفُلُوسٍ عُرْفًا؛ كَخُبْزٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَحُزْمَةِ بَقْلٍ وَكُلِّ تَافِهٍ (إذَا بِيعَ بِهَا) عَمَلًا بِالْعُرْفِ. [فَرْعٌ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ جَعَلَ الِانْفِرَادَ لِكُلِّ مِنْهُمَا] (فَرْعٌ: لَوْ) وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ، (فَغَابَ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ) ، وَلَمْ يَكُنْ جَعَلَ الِانْفِرَادَ لِكُلِّ مِنْهُمَا؛ (لَمْ يَكُنْ) لِلْوَكِيلِ (الْحَاضِرِ التَّصَرُّفُ) مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ، (وَلَا لِحَاكِمٍ ضَمُّ أَمِينٍ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْوَكِيلِ الْحَاضِرِ (لِيَتَصَرَّفَا) ؛ أَيْ: الْحَاضِرُ وَالْأَمِينُ، (بِخِلَافِ) طُرُوءِ (مَوْتِ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ) مِنْ قَبْلِ مَيِّتٍ؛ (لِأَنَّ لَهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ (نَظَرًا فِي حَقِّ مَيِّتٍ، وَيَتِيمٍ، وَلِذَلِكَ يُقِيمُ وَصِيًّا لِمَنْ) ؛ أَيْ: مَيِّتٍ (لَمْ يُوصِ) إلَى أَحَدٍ، بِخِلَافِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنَّهُ رَشِيدٌ جَائِزُ التَّصَرُّفِ؛ فَلَا وِلَايَةَ لِلْحَاكِمِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ (الْوَكَالَةَ) لَدَى حَاكِمٍ (وَالْآخَرُ غَائِبٌ، وَحَكَمَ بِهَا) الْحَاكِمُ؛ (ثَبَتَتْ) الْوَكَالَةُ لَهُ، و (لِلْغَائِبِ تَبَعًا، وَلَا يَتَصَرَّفُ الْحَاضِرُ وَحْدَهُ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (بَلْ إذَا حَضَرَ) الْغَائِبُ (تَصَرَّفَا) مَعًا، لَا يُقَالُ هُوَ حُكْمٌ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَبَعًا لِحَقِّ الْحَاضِرِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْوَقْفِ لِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ لِأَجْلِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ فِي الْحَالِ، وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِالْوَكَالَةِ؛ لِثُبُوتِهَا لَهُ بِالتَّبَعِيَّةِ. (وَإِنْ جَحَدَ) الْوَكِيلُ (الْغَائِبُ الْوَكَالَةَ) الثَّابِتَةَ لَهُ بِالتَّبَعِيَّةِ؛ بِأَنْ قَالَ: لَسْت بِوَكِيلٍ (أَوْ عَزَلَ) الْغَائِبُ (نَفْسَهُ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 انْعَزَلَ، و (لَمْ يَتَصَرَّفْ الْآخَرُ) بِانْفِرَادِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَأْذَنْهُ فِي ذَلِكَ، (وَهَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ) مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَاقْتِضَاءٍ وَإِبْرَاءٍ وَنَحْوِهَا. [فَصْلٌ أَحْكَامُ عَقْدِ الْوَكَالَةِ] (فَصْلٌ) : فِي حُكْمِ عَقْدِ الْوَكَالَةِ وَمَا يَبْطُلُ بِهِ وَانْعِزَالِ الْوَكِيلِ وَعَزْلِهِ وَحُكْمِ مَا بِيَدِهِ بَعْدَهُ. (وَالْوَكَالَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ الْوَدِيعَةُ وَالْجَعَالَةُ) وَالْمُسَابَقَةُ وَالْعَارِيَّةُ (عُقُودٌ جَائِزَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ) ؛ لِأَنَّ غَايَتَهَا إذْنٌ وَبَذْلُ نَفْعٍ، وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ. (لِكُلٍّ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (فَسْخُهَا) ؛ أَيْ: هَذِهِ الْعُقُودِ؛ كَفَسْخِ الْإِذْنِ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ. (وَتَبْطُلُ) هَذِهِ الْعُقُودُ (كُلُّهَا بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْحَيَاةَ، (لَكِنْ لَوْ وَكَّلَ وَلِيُّ يَتِيمٍ وَنَاظِرُ وَقْفٍ أَوْ عَقَدَا) ؛ أَيْ: وَلِيُّ الْيَتِيمِ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ (عَقْدًا جَائِزًا غَيْرَهَا) ؛ أَيْ: غَيْرِ الْوَكَالَةِ (كَشَرِكَةٍ وَمُضَارَبَةٍ؛ لَمْ تَنْفَسِخْ بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ. ذَكَرَهُ فِي " الْقَوَاعِدِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَيَتَّجِهُ وَ) لَا تَنْفَسِخُ (بِعَزْلِهِ) ؛ أَيْ: وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ عَلَى غَيْرِهِ) (وَتَبْطُلُ) الْوَكَالَةُ أَيْضًا (بِجُنُونٍ مُطْبَقًا) - بِفَتْحِ الْبَاءِ - (مِنْ أَحَدِهِمَا) ؛ - أَيْ: الْمُوَكِّلِ أَوْ الْوَكِيلِ - لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَعْتَمِدُ الْعَقْلَ، فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَتْ صِحَّتُهَا؛ لِانْتِفَاءِ مَا تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ. وَ (لَا) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِإِغْمَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ ثُمَّ يَزُولُ (وَ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِحَجْرِهِ) عَلَى أَحَدِهِمَا (لِسَفَهٍ) فِيمَا لَا يَتَصَرَّفُ السَّفِيهُ؛ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ (حَيْثُ اُعْتُبِرَ رُشْدٌ) ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلتَّصَرُّفِ، بِخِلَافِ نَحْوِ طَلَاقٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 (وَ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ أَيْضًا (بِفَلَسِ مُوَكِّلٍ فِيمَا حَجَرَ فِيهِ) ؛ كَتَصَرُّفٍ فِي عَيْنِ مَالِهِ؛ لِانْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَ فِي تَصَرُّفٍ فِي الذِّمَّةِ (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِفِعْلِهِمَا اخْتِيَارًا (مَا يَفْسُقَانِ بِهِ فِيمَا يُنَافِيهِ) الْفِسْقُ فَقَطْ (كَإِيجَابِ نِكَاحٍ) وَاسْتِيفَاءِ حَدٍّ وَإِثْبَاتِهِ؛ لِخُرُوجِهِ بِالْفِسْقِ عَنْ أَهْلِيَّةِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ أَوْ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ، فَلَا يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ وَلَا بِفِسْقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مِنْهُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، فَجَازَ لِغَيْرِهِ كَالْعَدْلِ إذَا وُكِّلَ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَمَانَةُ (كَوَكِيلِ وَلِيِّ يَتِيمٍ وَنَاظِرِ وَقْفٍ) فَسَقَ، (فَيَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَكَذَا) يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ (بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ. (وَيَتَّجِهُ لَا) يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ لَهُ شَاهِدٌ، وَلَا تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الْقَوَاعِدُ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، قِيَاسٌ فَاسِدٌ بِلَا امْتِرَاءٍ (وَ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِرِدَّةِ مُوَكِّلٍ) ، لِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ مَا دَامَ مُرْتَدًّا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " (وَ) لَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِرِدَّةِ (وَكِيلٍ) ، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ. قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " (إلَّا فِيمَا يُنَافِيهَا) ؛ كَارْتِدَادِ وَكِيلٍ فِي (حَجٍّ وَ) فِي (قَبُولِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ) وَإِيجَابِهِ، فَتَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَتَبْطُلُ أَيْضًا بِرِدَّةِ وَكِيلٍ فِي قَبُولِ نِكَاحِ (قِنٍّ مُسْلِمٍ وَ) فِي شِرَاءِ (مُصْحَفٍ) ؛ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِتَدْبِيرِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ) - أَيْ السَّيِّدِ - (قِنًّا وُكِّلَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 عِتْقِهِ) ؛ لِدَلَالَةِ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ عَلَى الرُّجُوعِ وَ (لَا) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (إنْ وُكِّلَ هُوَ) - أَيْ الْقِنُّ - (فِي شَيْءٍ) - أَيْ تَصَرُّفٍ مَا - (وَلَوْ عَتَقَ) ؛ أَيْ: عَتَقَهُ سَيِّدُهُ، أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ؛ (أَوْ بِيعَ) ؛ أَيْ: بَاعَهُ سَيِّدُهُ (وَنَحْوُهُ) ؛ بِأَنْ وَهَبَهُ أَوْ كَاتَبَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْوَكَالَةِ، فَلَا يَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهَا. وَكَذَا إنْ وَكَّلَ إنْسَانٌ عَبْدَ غَيْرِهِ، فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ، لَكِنْ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ إنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِبَقَائِهِ عَلَى الْوَكَالَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي وَالْمُتَّهِبُ الْمُوَكِّلَ؛ فَالْوَكَالَةُ بَاقِيَةٌ، (وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَرْضَ مَنْ مَلَكَهُ) مِنْ مُشْتَرٍ وَمُتَّهِبٍ (بِبَقَاءِ وَكَالَتِهِ) - أَيْ الْعَبْدِ - بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ أَوْ اتَّهَبَهُ الْمُوَكِّلُ مِنْ مَالِكِهِ؛ فَلَا بُطْلَانَ؛ لِأَنَّ مِلْكِهِ إيَّاهُ لَا يُنَافِي إذْنَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَ (لَا) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِسُكْنَاهُ) - أَيْ الْمُوَكِّلِ - دَارِهِ بَعْدَ أَنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهَا وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ وَلَا يُنَافِيهَا (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ أَيْضًا (بِبَيْعِهِ) - أَيْ الْمُوَكِّلِ - بَيْعًا (فَاسِدًا مَا) - أَيْ شَيْئًا - (وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) ؛ أَيْ: لَا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ (كُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّهُ) - أَيْ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ - (لَمْ يَنْقُلْ الْمِلْكَ) ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِوَطْئِهِ) - أَيْ الْمُوَكِّلِ - زَوْجَةً وُكِّلَ فِي طَلَاقِهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ دَلِيلُ رَغْبَتِهِ فِيهَا وَاخْتِيَارِ إمْسَاكِهَا، وَلِذَلِكَ كَانَ رَجْعَةً فِي الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا. (وَيَتَّجِهُ وَ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِبَيْنُونَتِهِ) - أَيْ الْمُوَكِّلِ زَوْجَتَهُ؛ لِأَنَّهُ زَالَ تَصَرُّفُ الْمُوَكِّلِ، فَزَالَ تَوْكِيلُهُ، (لَا بِقُبْلَتِهِ) أَوْ مُبَاشَرَتِهِ لَهَا دُونَ فَرْجٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا وَنَحْوَهُ، أَوْ فِي عِتْقِ عَبْدِهِ، فَكَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ؛ بَطَلَتْ انْتَهَى. أَمَّا فِي عِتْقِ عَبْدِهِ وَطَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَمُسَلَّمٌ؛ وَأَمَّا بِالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ؛ فَلَا تَبْطُلُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " (زَوْجَتُهُ. وَكَّلَ فِي طَلَاقِهَا) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَ (لَا) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (إنْ وُكِّلَتْ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (فِي شَيْءٍ) مِنْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ، (فَبَانَتْ) مِنْهُ أَوْ أَبَانَهَا (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ) (وَلَا) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِوَطْءِ) سَيِّدٍ (أَمَةً وَكَّلَ) إنْسَانًا (فِي عِتْقِهَا) ؛ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِدَلَالَةِ رُجُوعِ أَحَدِهِمَا) - أَيْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ - كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ وَطْءِ " الْمُوَكِّلِ زَوْجَةً وَكَّلَ فِي طَلَاقِهَا (وَكَتَوْكِيلِهِ) - أَيْ السَّيِّدِ - وَكِيلًا (فِي عِتْقِ قِنٍّ) بَعْدَ أَنْ كَانَ (وَكَّلَهُ) آخَرُ (فِي شِرَائِهِ) مِنْهُ، فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ مِنْ الشِّرَاءِ بِمُجَرَّدِ تَوْكِيلِ السَّيِّدِ فِي الْعِتْقِ الْمُقْتَرِنِ بِقَبُولِ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ فِي الْعِتْقِ. (وَ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ أَيْضًا (بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الْوَكِيلِ - (عَلَى مُوَكِّلِهِ بِقَبْضِ مَا) أَيْ شَيْءٍ (وَكَّلَ) الْوَكِيلَ (فِيهِ) أَيْ فِي قَبْضِهِ أَوْ الْخُصُومَةِ فِيهِ - لِاعْتِرَافِ الْوَكِيلِ بِذَهَابِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ. (وَيَتَّجِهُ) (وَ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ أَيْضًا بِمُجَرَّدِ (عِلْمِهِ) - أَيْ الْوَكِيلِ - (ظُلْمَهُ) - أَيْ الْمُوَكِّلِ - وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَ) كَذَا تَبْطُلُ وَكَالَةُ (مَنْ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 وَكِيلٍ (قِيلَ لَهُ: اشْتَرِ كَذَا بَيْنَنَا، فَقَالَ) مَقُولٌ لَهُ كَذَا: (نَعَمْ، ثُمَّ قَالَهَا) أَيْ نَعَمْ (لِإِ) نْسَانٍ (آخَرَ) بَعْدَ قَوْلِهِ لَهُ اشْتَرِهِ بَيْنَنَا؛ (فَقَدْ عَزَلَ نَفْسَهُ) مِنْ وَكَالَةِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ إجَابَتَهُ لِلثَّانِي دَلِيلُ رُجُوعِهِ عَنْ إجَابَتِهِ الْأَوَّلَ، (وَيَكُونُ) الشِّقْصُ الْمَبِيعُ (لَهُ) - أَيْ الْوَكِيلِ - (وَلِلثَّانِي) نِصْفَيْنِ؛ إذْ لَا مُفَضِّلَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (وَ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِتَلَفِ الْعَيْنِ) الْمُوَكَّلِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا؛ لِذَهَابِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ، وَكَذَا تَبْطُلُ بِتَوْكِيلِ إنْسَانٍ فِي نَقْلِ امْرَأَتِهِ أَوْ بَيْعِ عَبْدِهِ فَتَقُومُ بَيِّنَةٌ بِطَلَاقِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ عِتْقِ الْعَبْدِ. (وَ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِدَفْعِ عِوَضٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ؛ كَدَفْعِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ يَشْتَرِي بِكُلِّ كَذَا) ، أَيْ يَشْتَرِي بِالدِّينَارِ ثَوْبًا وَالدَّرَاهِمِ كِتَابًا، (فَعَكَسَ) وَاشْتَرَى بِالدِّينَارِ كِتَابًا وَبِالدِّرْهَمِ ثَوْبًا؛ لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ؛ لِإِلْزَامِهِ الْمُوَكِّلَ ثَمَنًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلَا رَضِيَ بِلُزُومِهِ (وَ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِإِنْفَاقِ مَا أُمِرَ بِهِ) - أَيْ الشِّرَاءِ بِهِ وَنَحْوِهِ - وَكَذَا تَبْطُلُ لَوْ تَصَرَّفَ وَلَوْ بِخَلْطِهِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ - (وَلَوْ نَوَى الْوَكِيلُ اقْتِرَاضَهُ) ؛ كَبُطْلَانِهَا بِتَلَفِهِ؛ لِتَعَذُّرِ دَفْعِ مَا تَأَدَّاهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ ثَمَنًا فِيمَا وُكِّلَ فِي شِرَائِهِ وَنَحْوِهِ. (وَ) لَوْ (عَزَلَ) الْوَكِيلَ (عَوَّضَهُ) - أَيْ عُوِّضَ مَا أَنْفَقَهُ - لِأَنَّ الْمَعْزُولَ لَا يَصِيرُ لِلْمُوَكِّلِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، (فَإِنْ تَصَرَّفَ) الْوَكِيلُ (بِمَا عُزِلَ) ؛ بِأَنْ اشْتَرَى لِمُوَكِّلِهِ شَيْئًا [وَنَحْوَهُ] ؛ فَتَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِ (فُضُولِيٍّ) . وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ أَوْ نِكَاحٌ أَوْ غَيْرُهَا إلَّا إنْ اشْتَرَى الْفُضُولِيُّ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ بِنَقْدٍ حَاضِرٍ، وَلَوْ نَوَى الشِّرَاءَ لِشَخْصٍ لَمْ يَسْمَعْهُ، فَيَصِحُّ سَوَاءٌ نَقَدَهُ مِنْ مَالِ الَّذِي اشْتَرَى لَهُ أَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَهِيَ قَابِلَةٌ لِلتَّصَرُّفِ، وَاَلَّذِي نَقَدَهُ إنَّمَا هُوَ عِوَضٌ عَمَّا نَقَدَهُ فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ إنْ أَجَازَهُ مَنْ اشْتَرَى لَهُ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ لَهُ، وَإِلَّا يُجِزْهُ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِمُشْتَرٍ، وَلَزِمَهُ حُكْمُهُ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ عَرْضِهِ عَلَى مَنْ اشْتَرَى لَهُ. وَ (لَا) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِنَقْدٍ؛ كَلِبْسِ الثَّوْبِ) وَرُكُوبِهِ الدَّابَّةَ وَنَحْوِهِمَا؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ مَعَ اسْتِئْمَانٍ، فَإِذَا زَالَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَزُلْ الْآخَرُ، (وَيَضْمَنُ) الْوَكِيلُ مَا تَعَدَّى فِيهِ أَوْ فَرَّطَ، وَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ عَنْ عَيْنِ مَا وَقَعَ فِيهِ التَّعَدِّي بِحَالٍ، (ثُمَّ إنْ تَصَرَّفَ) الْوَكِيلُ (كَمَا مَرَّ) ؛ صَحَّ تَصَرُّفُهُ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ، (وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ - وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْعِوَضَ - خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ بَرِئَ بِقَبْضِهِ الْعِوَضَ فَقَوْلُهُ: بَرِئَ بِقَبْضِهِ لَيْسَ قَيْدًا فِي بَرَاءَتِهِ، بَلْ يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ - وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْعِوَضَ - لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ كَانَ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَمَفْهُومُ " الْمُنْتَهَى " غَيْرُ مُرَادٍ، وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مُوَافِقٌ لِلسَّدَادِ، (فَإِنْ قَبَضَهُ) أَيْ الْعِوَضَ - فَهُوَ (أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ) مَضْمُونَةٌ بِالتَّعَدِّي أَوْ التَّفْرِيطِ؛ (فَإِنْ رَدَّ) الْمَبِيعَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَكِيلِ - (بِنَحْوِ عَيْبٍ) ، كَغَبْنٍ أَوْ تَدْلِيسٍ؛ (عَادَ الضَّمَانُ) ؛ أَيْ: عَادَ ضَمَانُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِاسْتِعْمَالِهِ إيَّاهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ. (وَلَا) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِجُحُودِهِمَا) أَيْ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ - (الْوَكَالَةَ) ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْإِذْنِ السَّابِقِ؛ كَمَا لَوْ أَنْكَرَ زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ، ثُمَّ قَامَتْ بِهَا الْبَيِّنَةُ،، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا. (وَيَنْعَزِلُ وَكِيلٌ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ) ، وَيَنْعَزِلُ أَيْضًا (بِعَزْلِهِ) (بِكُلِّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَيْهِ) - أَيْ الْعَزْلِ - كَقَوْلِ الْمُوَكِّلِ: (فَسَخْت) الْوَكَالَةَ، (أَوْ أَبْطَلْت الْوَكَالَةَ) ، (أَوْ نَقَضْت الْوَكَالَةَ، أَوْ) قَوْلِهِ: (صَرَفْتُك عَنْهَا) - أَيْ الْوَكَالَةِ - (أَوْ يَنْهَاهُ) الْمُوَكِّلُ (عَنْ فِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ - وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ -) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْمُنَوِّرِ " وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ " وَغَيْرِهِمْ؛ كَمَا يَنْعَزِلُ (شَرِيكٌ وَمُضَارِبٌ) بِعَزْلِ أَوْ مَوْتِ شَرِيكِهِ وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ؛ (فَيَضْمَنُ) الْوَكِيلُ (إنْ تَصَرَّفَ) بَعْدَ الْعَزْلِ أَوْ الْمَوْتِ، (لِبُطْلَانِهَا) - أَيْ الْوَكَالَةِ - (إلَّا مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ) مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ فِي الِاسْتِيفَاءِ لَوْ اقْتَصَّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَفْوِ مُوَكِّلِهِ؛ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 (وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى مُوَكِّلٍ الْعَزْلَ) لِوَكِيلِهِ (بَعْدَ تَصَرُّفِ) الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ (فِي غَيْرِ طَلَاقٍ) وَيَأْتِي أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا ادَّعَى عَزْلَ وَكِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ يَدِينُ وَكَذَا شَرِيكٌ وَرَبُّ مَالِ مُضَارَبَةٍ (بِلَا بَيِّنَةٍ) بِالْعَزْلِ؛ (لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ) وَهُوَ الثَّالِثُ (بِهِ) ؛ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً؛ عَمِلَ بِهَا؛ وَإِلَّا يُقِمْ بَيِّنَةً؛ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْعَزْلَ (لِأَنَّ الْأَصْلَ) بَقَاءُ الْوَكَالَةِ وَ (عَدَمُ الضَّمَانِ) وَبَقَاءُ الشَّرِكَةِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْوَكِيلِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ مِنْ ضَمَانِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي ادَّعَى عَزْلَهُ فِيهِ (وَيُقْبَلُ) قَوْلُ مُوَكِّلٍ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ (أَنَّهُ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ قَبْلَ دَفْعِ وَكِيلِهِ) زَكَاتَهُ (لِلسَّاعِي؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ) ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ مُدَّعِيهَا) فِي أَدَائِهَا وَزَمَنِهِ، وَلِأَنَّهُ انْعَزَلَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ بِإِخْرَاجِ الْمَالِكِ زَكَاةَ نَفْسِهِ (وَتُؤْخَذُ) الزَّكَاةُ الَّتِي دَفَعَهَا الْوَكِيلُ (مِنْ سَاعٍ) ؛ لِفَسَادِ الْقَبْضِ (إنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ) - أَيْ السَّاعِي - (وَإِلَّا) تَكُنْ بِيَدِ السَّاعِي؛ بِأَنْ تَلِفَتْ أَوْ فَرَّقَهَا عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا؛ (فَلَا) تُؤْخَذُ مِنْهُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ دَفَعَ الزَّكَاةَ لِنَحْوِ فَقِيرٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ: أَنَّهُ كَانَ أَخْرَجَ قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى يَنْتَزِعَهَا مِنْ الْفَقِيرِ بِلَا بَيِّنَةٍ، (وَيَضْمَنُ وَكِيلٌ) مَا دَفَعَهُ إلَى السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُزِلَ مِنْ الْوَكَالَةِ بِدَفْعِ مُوَكِّلِهِ، وَمَتَى صَحَّ الْعَزْلُ فِي الْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ كَانَ (مَا بِيَدِ وَكِيلٍ بَعْدَ عَزْلٍ أَمَانَةً) لَا يَضْمَنُهُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ وَلَا تَفْرِيطٍ حَيْثُ لَمْ يَتَصَرَّفْ، وَأَمَّا مَا تَلِفَتْ بِتَصَرُّفِهِ فَيَضْمَنُهُ لِمَا سَبَقَ؛ (كَمُودَعٍ عُزِلَ) ، فَتَصِيرُ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ عَزْلِهِ أَوْ مَوْتِ مُودِعِهِ أَمَانَةً لَا يَضْمَنُ تَلَفَهَا عِنْدَهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ، وَلَوْ نَقَلَهَا مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ أَوْ سَافَرَ بِهَا مَعَ غَيْبَةِ رَبِّهَا، وَكَانَ السَّفَرُ أَحْفَظَ لَهَا. وَلَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِمَوْتِ الْمُودِعِ أَوْ عَزْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَكَالرَّهْنِ) إذَا انْتَهَتْ مُدَّتُهُ أَوْ فُسِخَ عَقْدُهُ؛ فَيَبْقَى أَمَانَةً بِيَدِ مُرْتَهِنٍ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ؛ (وَ) كَا (لْهِبَةِ) إذَا (رَجَعَ فِيهَا أَبٌ) ؛ فَتَبْقَى أَمَانَةً بِيَدِ وَلَدِهِ، (وَظَاهِرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 كَلَامِهِمْ) - أَيْ الْأَصْحَابِ - أَنَّ الْأَمَانَاتِ كُلَّهَا يَجِبُ حِفْظُهَا عَلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ (وَلَا يَجِبُ) (عَلَيْهِ الرَّدُّ) إلَى مَالِكِهَا (فَوْرًا) قَبْلَ طَلَبِهِ لَهَا، وَأَمَّا بَعْدَ الطَّلَبِ فَيَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ تَرَاخَى بَعْدَ الطَّلَبِ وَتَلِفَ؛ ضَمِنَهَا، (وَيَأْتِي فِي الْوَدِيعَةِ) بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. (وَيُقْبَلُ إقْرَارُ وَكِيلٍ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِعَيْبٍ يُمْكِنُ حُدُوثُهُ فِيمَا بَاعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الْمَبِيعِ؛ كَقَدْرِ ثَمَنِهِ إنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمَبِيعَ مَعِيبٌ، وَأَنْكَرَهُ الْوَكِيلُ، فَالْتَمَسَ يَمِينَهُ عَلَى نَفْيِ الْعَيْبِ، فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ (وَلَا يُرَدُّ بِنُكُولِ وَكِيلٍ مُنْكِرٍ) لِلْعَيْبِ؛ (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ رُدَّ بِنُكُولِهِ رُدَّ عَلَى مُوَكِّلٍ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (بَلْ يَحْلِفُ مُشْتَرٍ) أَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ مَعِيبًا قَبْلَ الْعَقْدِ، (وَيُرَدُّ) الْمَبِيعُ (إذَنْ) - أَيْ بَعْدَ حَلِفِهِ - (عَلَى مُوَكِّلٍ) ؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِهِ؛ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى) غَائِبٍ فِي وَجْهِ (وَكِيلِ الْغَائِبِ بِحَقٍّ، فَأَنْكَرَهُ) الْوَكِيلُ؛ (فَشَهِدَ بِهِ) - أَيْ الْحَقِّ - (بَيِّنَةٌ؛ حُكِمَ لَهُ) - أَيْ لِلْمُدَّعِي - (بِهِ) - أَيْ الْحَقِّ - (فَإِذَا حَضَرَ) الْمُوَكِّلُ (الْغَائِبُ، وَجَحَدَ الْوَكَالَةَ) ؛ لَمْ يُؤَثِّرْ جُحُودُهُ فِي الْحُكْمِ، (أَوْ) ادَّعَى (أَنَّهُ كَانَ عَزَلَهُ؛ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلٌ. [فَرْعٌ الْوَكَالَةُ الدَّوْرِيَّةُ] (فَرْعٌ: تَصِحُّ الْوَكَالَةُ الدَّوْرِيَّةُ) ، سُمِّيَتْ دَوْرِيَّةً لِدَوَرَانِهَا عَلَى الْعَزْلِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هِيَ صَحِيحَةٌ عَلَى أَصْلِنَا فِي صِحَّةِ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْوَكَالَةِ صَحِيحٌ، كَمَا تَقَدَّمَ. (وَهِيَ) - أَيْ الْوَكَالَةُ الدَّوْرِيَّةُ - قَوْلُ إنْسَانٍ لِآخَرَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 (وَكَّلْتُك وَكُلَّمَا عَزَلْتُك، أَوْ) كُلَّمَا (انْعَزَلْت فَقَدْ وَكَّلْتُك، أَوْ) كُلَّمَا (انْعَزَلْت فَأَنْتَ وَكِيلِي) ، فَكُلَّمَا عَزَلَهُ أَوْ انْعَزَلَ عَادَ وَكِيلًا، (وَيَصِحُّ عَزْلُهُ) - أَيْ الْوَكِيلِ وَكَالَةً دَوْرِيَّةً - بِقَوْلِ مُوَكِّلٍ لَهُ: (كُلَّمَا وَكَّلْتُك أَوْ) كُلَّمَا (عُدْت وَكِيلِي لَقَدْ عَزَلْتُك) ، فَيَنْعَزِلُ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ (مِثْلَ) قَوْلِهِ (كُلَّمَا) قَوْلُهُ (مَهْمَا) عُدْت وَكِيلِي فَقَدْ عَزَلْتُك (أَوْ) مِثْلُ قَوْلِهِ: كُلَّمَا، قَوْلُهُ (مَتَى) عُدْت وَكِيلِي فَقَدْ عَزَلْتُك وَهَذَا مُتَّجِهٌ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْكِيلٌ بَعْدَ عَزْلِهِ دُورًا) - أَيْ فِي الدُّورِ - بِقَوْلِهِ: كُلَّمَا وَكَّلْتُك أَوْ عُدْت وَكِيلِي فَقَدْ عَزَلْتُك (وَ) يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ (بِدُونِهِ) - أَيْ بِدُونِ الْعَزْلِ الدَّوْرِيِّ (إذْ غَايَتُهُ) - أَيْ الْعَزْلِ الْمَذْكُورِ - أَنَّهُ (فَسْخٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ) - وَهُوَ التَّوْكِيلُ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ الثَّانِي غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا صَارَ وَكِيلًا انْعَزَلَ؛ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ بَعْدَ عَزْلِهِ. قَالَ الْفَتُوحِيُّ مَنْ قَالَ لِإِنْسَانٍ. كُلَّمَا وَكَّلْتُك فَقَدْ عَزَلْتُك، ثُمَّ قَالَ لَهُ وَكَّلْتُك فِي كَذَا؛ لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ؛ لِوُجُودِ الْعَزْلِ الْمُعَلَّقِ بِوُجُودِ الْوَكَالَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: حَتَّى لَوْ وَكَّلَهُ وَكَالَةً دَوْرِيَّةً لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ؛ لِمَا سَبَقَ [فَصْلٌ أَحْكَامُ عُقُودِ الْوَكِيلِ] (فَصْلٌ) : فِي حُكْمِ عُقُودِ الْوَكِيلِ وَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 تَصَرُّفِهِ مِنْ ضَمَانٍ (وَحُقُوقُ الْعَقْدِ) كَتَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ وَضَمَانِ الدَّرْكِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا تَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الْوَكِيلِ؛ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، أَوْ لَا كَالنِّكَاحِ (مُتَعَلِّقَةٌ بِمُوَكِّلٍ) ؛ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ لَهُ، (فَلَا يُعْتَقُ مَنْ) اشْتَرَاهُ وَكِيلٌ مِنْ أَقَارِبِهِ كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ مِمَّنْ (يُعْتَقُ عَلَى وَكِيلٍ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلْعَبْدِ: إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ، فَاشْتَرَاهُ بِالْوَكَالَةِ؛ لَمْ يُعْتَقْ عَلَى الْوَكِيلِ (وَيَنْتَقِلُ مِلْكٌ) بِمُجَرَّدِ عَقْدِ (الْمُوَكِّلِ) لِقَبُولِ الْوَكِيلِ؛ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ لَهُ، (وَيُطَالَبُ) الْمُوَكِّلُ (بِثَمَنِ) مَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَكِيلُهُ، (وَيَبْرَأُ مِنْهُ) مُوَكِّلٌ (بِإِبْرَاءِ بَائِعٍ وَكِيلًا لَمْ يَعْلَمْ) بَائِعٌ (أَنَّهُ وَكِيلٌ) ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِشَيْءٍ. (وَيَتَّجِهُ فَإِنْ عَلِمَهُ) بَائِعٌ وَكِيلًا فَأَبْرَأَهُ؛ (لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ يُبْرِئُهُ مِنْهُ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الِاتِّجَاهِ (وَمَا وُهِبَ لَهُ) ؛ أَيْ: لِلْوَكِيلِ فِي (مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ) - أَيْ: خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ - فَهُوَ (لِمُوَكِّلِهِ) . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا دَفَعَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا لِيَبِيعَهُ، فَفَعَلَ، فَوَهَبَ لَهُ الْمُشْتَرِي مِنْدِيلًا، فَالْمِنْدِيلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمِنْدِيلِ سَبَبُهَا الْبَيْعُ، فَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْوَكِيلِ. (وَيَرُدُّ مُوَكِّلٌ) بِوُجُودِ (عَيْبٍ) فِيمَا اشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ، فَمَلَكَ الطَّلَبَ بِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ. (وَيَحْنَثُ) مُوَكِّلٌ (بِحَلِفِهِ) أَنَّهُ (لَا يَبِيعُ) الشَّخْصُ الْفُلَانِيُّ بِبَيْعِ وَكِيلِهِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ. (وَيَضْمَنُ) الْمُوَكِّلُ (الْعُهْدَةَ) إذَا ظَهَرَ الْمَبِيعُ أَوْ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ، (إنْ أَعْلَمَ الْوَكِيلُ الْعَاقِدَ) بِوَكَالَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 الْعَاقِدُ بَائِعًا لِلْوَكِيلِ أَوْ مُشْتَرِيًا مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ (بِوَكَالَتِهِ) ؛ فَضَمَانُ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً؛ لِلتَّغْرِيرِ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَيَمْلِكُ مُشْتَرٍ طَلَبَ بَائِعٍ بِإِقْبَاضِ مَا بَاعَهُ لَهُ وَكِيلُهُ، لَكِنْ إذَا بَاعَ وَكِيلٌ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ؛ فَلِكُلٍّ مِنْ مُوَكِّلٍ وَوَكِيلٍ الطَّلَبُ بِهِ لِصِحَّةِ قَبْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَهُ. (وَ) قَدْ مَرَّ (فِي بَابِ) الرَّهْنِ مَا صُورَتُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى وَكِيلٌ فِي ذِمَّتِهِ ثَبَتَ فِيهَا) ؛ أَيْ: فِي ذِمَّتِهِ (تَبَعًا، وَ) ثَبَتَ (فِي ذِمَّةِ مُوَكِّلِهِ أَصْلًا) ؛ كَمَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ أَصْلًا وَفِي ذِمَّةِ (الضَّامِنِ) تَبَعًا، (وَيُطَالِبُ) الْبَائِعُ (كُلًّا مِنْهُمَا) - أَيْ: مِنْ وَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ -[وَيَبْرَآنِ بِبَرَاءَةِ مُوَكِّلٍ] لَا إنْ أُبْرِئَ وَكِيلٌ فَقَطْ، فَلَا يَبْرَأُ الْمُوَكِّلُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِأَنَّهُ وَكِيلٌ لِيُوَافِقَ مَا سَبَقَ (وَيَخْتَصُّ وَكِيلٌ بِخِيَارِ مَجْلِسٍ لَمْ يَحْضُرْهُ مُوَكِّلٌ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعَلُّقِ الْعَاقِدِ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَإِنْ حَضَرَهُ مُوَكِّلٌ كَانَ الْأَمْرُ لَهُ، إنْ شَاءَ حَجَرَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ مَعَ كَوْنِهِ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ حَقِيقَةٌ لَهُ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ وَكِيلٍ لِنَفْسِهِ) ؛ بِأَنْ يَشْتَرِيَ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ. (وَلَا) يَصِحُّ (شِرَاؤُهُ مِنْهَا) - أَيْ نَفْسِهِ - (لِمُوَكِّلِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْبَيْعِ بَيْعُ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِهِ فَحُمِلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَيْهِ، وَكَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ تَمَامُهُ، وَيَتَنَافَى الْغَرَضَانِ فِي بَيْعِهِ لِنَفْسِهِ وَشِرَائِهِ مِنْهَا؛ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ نَهَاهُ. (وَلَوْ زَادَ عَلَى ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ) ، أَوْ وَكَّلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 مَنْ يَبِيعَهُ، (إلَّا إنْ أَذِنَ) مُوَكِّلٌ (لَهُ) فِي بَيْعِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ شِرَائِهِ مِنْهَا؛ (فَيَصِحُّ) لِلْوَكِيلِ إذَنْ (تَوَلِّي طَرَفَيْ عَقْدٍ فِيهِمَا) ؛ أَيْ: فِي الْبَيْعِ لِنَفْسِهِ وَالشِّرَاءِ مِنْهَا (كَأَبِ وَلِيٍّ) لِنَحْوِ صَغِيرٍ؛ فَيَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ دِينَهُ وَأَمَانَتَهُ " وَشَفَقَتَهُ تَحْمِلُهُ عَلَى عَمَلِ الْحَقِّ، وَرُبَّمَا زَادَهُ خَيْرًا، مَا لَمْ يَكُنْ الِابْنُ بَالِغًا أَوْ وَلَدَ زِنًى؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا وَلِيُّ نَحْوِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ غَيْرَ أَبٍ، وَبَاعَ مِنْ مَالِهِ لِمُوَلِّيهِ، أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ لِنَفْسِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الْمُغْنِي " وَبَيْعٌ طِفْلٍ يَلِي عَلَيْهِ بَيْعٌ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَشْتَرِي لَهُ انْتَهَى. (وَكَتَوْكِيلٍ) - أَيْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ - (فِي بَيْعِهِ وَ) تَوْكِيلِ (آخَرَ) لِذَلِكَ الْوَكِيلِ (فِي شِرَائِهِ) ، فَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، (وَمِثْلُهُ) ؛ أَيْ: عَقْدِ الْبَيْعِ (نِكَاحٌ) ؛ بِأَنْ يُوَكِّلَ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ أَوْ عَكْسَهُ، أَوْ يُوَكِّلَا وَاحِدًا، أَوْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ بِأَمَتِهِ، فَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، (وَ) مِثْلُهُ (دَعْوَى) ؛ بِأَنْ [يُوَكِّلَهُ] الْمُتَدَاعِيَانِ فِي الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ عَنْهَا وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ " وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي " الدَّعْوَى ": الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ لَا يَصِحُّ لِلتَّضَادِّ. (وَوَلَدُهُ) - أَيْ الْوَكِيلِ - (وَإِنْ نَزَلَ وَوَالِدُهُ وَإِنْ عَلَا) وَمُكَاتَبُهُ وَنَحْوُهُمْ؛ كَزَوْجَتِهِ، (وَكُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ) كَوَلَدِ بِنْتِهِ وَوَالِدِ أُمِّهِ (كَنَفْسِهِ) ؛ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ لِأَحَدِهِمْ، وَلَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ فِي حَقِّهِمْ، وَيَمِيلَ إلَى تَرْكِ الِاسْتِقْصَاءِ عَلَيْهِمْ فِي الثَّمَنِ كَتُهْمَةٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، هَذَا مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا مَعَ الْإِذْنِ فَيَجُوزُ. وَيَصِحُّ بَيْعُ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ لِإِخْوَتِهِ وَأَقَارِبِهِ كَعَمِّهِ وَابْنِ أَخِيهِ، وَقَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: حَيْثُ حَصَلَ تُهْمَةٌ فِي ذَلِكَ لَا يَصِحُّ. (وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَالْوَكِيلِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (حَاكِمٌ وَأَمِينُهُ وَوَصِيٌّ وَنَاظِرُ وَقْفٍ وَمُضَارِبٌ) قَالَ (الْمُنَقِّحُ: وَشَرِيكُ عِنَانٍ وَوُجُوهٍ) وَكَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 أَمِينُ بَيْتِ الْمَالِ؛ فَلَا يَبِيعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْهُ نَفْسَهُ وَلَا مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَلَا يَشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إجَارَةُ نَاظِرِ الْوَقْفِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي " جَمْعِ الْجَوَامِعِ " إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى نَفْسِ النَّاظِرِ، فَإِجَارَتُهُ لِوَلَدِهِ صَحِيحَةٌ؛ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِهِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ، وَيُحْتَمَلُ أَوْجُهٌ مِنْهَا الصِّحَّةُ، وَحَكَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ قُضَاتِنَا، مِنْهُمْ الْبُرْهَانُ بْنُ مُفْلِحٍ، وَالثَّانِي تَصِحُّ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَقَطْ، وَالثَّالِثُ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ بَعْضُ إخْوَانِنَا، وَالْمُخْتَارُ مِنْ ذَلِكَ الثَّانِي. انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا. قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ مَشَايِخُنَا عَدَمُ الصِّحَّةِ. أَقُولُ: عَدَمُ الصِّحَّةِ لَا يَعْدِلُ عَنْ فَحْوَاهُ، وَلَا تَمِيلُ الْأَنْفُسُ السَّلِيمَةُ إلَى سِوَاهُ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي تُعْجِزُ حِيَلُ أَهْلِهِ حُكَمَاءَ الْيُونَانِ (وَإِنْ بَاعَ وَكِيلٌ) فِي بَيْعٍ، (أَوْ) بَاعَ (مُضَارِبٌ بِزَائِدٍ عَلَى) ثَمَنٍ (مُقَدَّرٍ) ؛ أَيْ: قَدَّرَهُ لَهُ رَبُّ الْمَالِ؛ صَحَّ، (أَوْ) بَاعَا بِزَائِدٍ عَلَى (ثَمَنِ مِثْلٍ) إنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُمَا ثَمَنٌ، (وَلَوْ كَانَ الزَّائِدُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا أُمِرَا بِهِ) - أَيْ الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ بِالْبَيْعِ بِهِ - (صَحَّ) أَنْ يُزَادَ عَلَيْهَا ثَوَابًا أَوْ نَحْوَهُ، (وَكَذَا) ؛ أَيْ: وَكَمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِزَائِدٍ عَلَى مِقْدَارٍ أَوْ ثَمَنِ مِثْلٍ، (إنْ بَاعَا) -؛ أَيْ: الْوَكِيلُ وَالْمُضَارِبُ - (بِأَنْقَصَ) عَنْ مُقَدَّرٍ، (وَاشْتَرَيَا بِأَزْيَدَ) عَنْ مُقَدَّرٍ أَوْ ثَمَنِ مِثْلٍ، نَصَّ الْإِمَامُ عَلَى الصِّحَّةِ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ: أَنَّ مَنْ صَحَّ بَيْعُهُ أَوْ شِرَاؤُهُ بِثَمَنٍ؛ صَحَّ بِأَنْقَصَ مِنْهُ وَأَزْيَدَ كَالْمَرِيضِ. (وَيَتَّجِهُ وَيَحْرُمُ) بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِأَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ؛ لِلْمُخَالَعَةِ، (وَأَنَّ الصِّحَّةَ) - أَيْ؛ صِحَّةَ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ بِذَلِكَ - (حَيْثُ لَا نَهْيَ) مِنْ الْمُوَكِّلِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نَهْيٌ مِنْهُ؛ لَمْ يَصِحَّ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) عَلَى الْمَذْهَبِ (يَضْمَنَانِ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 أَيْ: الْوَكِيلُ وَالْمُضَارِبُ (فِي شِرَاءٍ) بِأَزْيَدَ عَنْ مُقَدَّرٍ أَوْ ثَمَنِ مِثْلِ (الزَّائِدَ) عَنْهُمَا، (وَ) يَضْمَنَانِ (فِي بَيْعٍ) بِأَنْقَصَ عَنْ مُقَدَّرٍ أَوْ ثَمَنِ مِثْلٍ (كُلَّ النَّقْصِ عَنْ مُقَدَّرٍ، وَ) يَضْمَنَانِ فِي بَيْعٍ إنْ لَمْ يُقَدَّرْ لَهُمَا ثَمَنُ كُلِّ (مَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ عَادَةً) ؛ كَأَنْ يُعْطِيَ لِوَكِيلِهِ ثَوْبًا ثَمَنُ مِثْلِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ لِيَبِيعَهُ لَهُ، وَلَمْ يُقَدِّرْ لَهُ الثَّمَنَ، فَيَبِيعُهُ بِثَمَانِينَ، وَالْحَالُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الثَّوْبِ قَدْ يَبِيعُهُ غَيْرُهُ بِخَمْسَةٍ وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا، فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ الَّتِي نَقَصَتْ عَنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ مِمَّا يُتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ، فَلَوْ أَنَّ الْوَكِيلَ بَاعَ بِمِثْلِ هَذَا النَّقْصِ؛ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ مِثْلِهِ عَسِرٌ، لَكِنَّهُ بَاعَ بِنَقْصٍ لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ بَيْنَ التُّجَّارِ - وَهُوَ عِشْرُونَ مِنْ مِائَةٍ - فَيَضْمَنُ جَمِيعَ الْعِشْرِينَ (عَنْ ثَمَنِ مِثْلٍ فِي زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيطٌ بِتَرْكِ الِاحْتِيَاطِ وَطَلَبِ الْأَحَظِّ لِمُوَكِّلِهِ فِي بَقَاءِ الْعَقْدِ وَتَضْمِينِ الْمُفَرِّطِ جَمْعٌ بَيْنَ حَظِّ الْمُشْتَرِي بِعَدَمِ الْفَسْخِ، وَحَظِّ الْبَائِعِ، فَوَجَبَ التَّضْمِينُ، وَكَذَا شَرِيكٌ وَوَصِيٌّ وَنَاظِرُ وَقْفٍ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ [إذَا بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ] (وَأَمَّا مَا يُتَغَابَنُ بِهِ) عَادَةً (كَدِرْهَمٍ فِي عَشَرَةٍ - وَلَا تَقْدِيرَ) مِنْ الْمُوَكِّلِ - (فَلَا) يَضْمَنُهُ الْوَكِيلُ وَلَا الْمُضَارِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَيَضْمَنَانِ كُلَّ النَّقْصِ، وَلَوْ كَانَ يُتَغَابَنُ بِهِ عَادَةً فِي الْمُقَدَّرِ؛ بِأَنْ قَالَ: بِعْهُ بِعَشَرَةٍ، وَبَاعَهُ بِتِسْعَةٍ؛ ضَمِنَ الْوَاحِدَ؛ لِلْمُخَالَفَةِ. (وَلَا يَضْمَنُ قِنٌّ) مَأْذُونٌ مِنْ سَيِّدِهِ فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ، فَبَاعَ بِأَنْقَصَ، أَوْ اشْتَرَى بِأَزْيَدَ (لِسَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ الدَّيْنُ. (وَلَا) يَضْمَنُ (صَغِيرٌ) أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي التِّجَارَةِ، فَبَاعَ كَذَلِكَ (لِنَفْسِهِ) ؛ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى نَفْسِهِ. (وَإِنْ) أَرَادَ وَكِيلٌ وَمُضَارِبٌ بَيْعَ سِلْعَةٍ، (فَزِيدَ) فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ (عَلَى ثَمَنِ مِثْلٍ قَبْلَ بَيْعٍ؛ لَمْ يَجُزْ) لِوَكِيلٍ وَلَا مُضَارَبٍ بَيْعُهَا بِهِ - أَيْ بِثَمَنِ مِثْلٍ - لِأَنَّ عَلَيْهِ طَلَبَ الْأَحَظِّ لِآذِنِهِ، وَبَيْعُهَا كَذَلِكَ مَعَ مَنْ يَزِيدُنَا فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى الزِّيَادَةِ، لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطَ وَطَلَبَ الْحِفْظِ لِمُوَكِّلِهِ، (وَ) أَنَّهُ (يَضْمَنُ) الزِّيَادَةَ إذَا بَاعَ بِدُونِهَا؛ لِتَفْرِيطِهِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهَا. هُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ زِيدَ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهَا بَعْدَ أَنْ بِيعَتْ (فِي مُدَّةِ خِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ (لَمْ يَلْزَمْ) وَكِيلًا وَلَا مُضَارِبًا (فَسْخُ) بَيْعٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إذَنْ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، فَلَا يَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا. (وَيَتَّجِهُ الصِّحَّةُ) ؛ أَيْ: صِحَّةُ الْفَسْخِ لِلزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ بِذَلِكَ، (وَإِنْ حَرُمَ) الْفَسْخُ عَلَى الزَّائِدِ وَالْوَكِيلِ (مَعَ أَنَّهُ) تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ يَحْرُمُ، وَ (لَا يَصِحُّ شِرَاءٌ عَلَى شِرَاءِ مُسْلِمٍ) فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، بَلْ يُسَمَّى بَيْعًا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِ وَالْإِفْسَادِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " احْتِمَالًا بَعْدَ أَنْ قَالَ: وَإِنْ بَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، فَحَضَرَ مَنْ يَزِيدُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، لَمْ يَلْزَمْهُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي الصَّحِيحِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مَمْنُوعٌ مِنْهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا، وَلِأَنَّ الْمُزَايِدَ قَدْ لَا يَثْبُتُ عَلَى الزِّيَادَةِ، فَلَا يَلْزَمُ الْفَسْخُ بِالشَّكِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ جَاءَ بِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَالنَّهْيُ يَتَوَجَّهُ إلَى الَّذِي زَادَ، لَا إلَى الْوَكِيلِ، فَأَشْبَهَ مَنْ جَاءَتْهُ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْبَيْعِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ. انْتَهَى. فَتَلَخَّصَ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ لُزُومِ الْفَسْخِ، وَأَنَّ لُزُومَ الْفَسْخِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 مُحْتَمَلٌ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا، وَأَنَّ الشِّرَاءَ يَحْرُمُ، وَلَا يَصِحُّ وَمَنْ دَفَعَ لِوَكِيلِهِ شَيْئًا، (وَ) قَالَ: (بِعْهُ بِدِرْهَمٍ، فَبَاعَهُ بِهِ) - أَيْ: الدَّرَاهِمِ - (وَبِعَرْضٍ) كَثَوْبٍ؛ صَحَّ، (أَوْ) بَاعَهُ (بِدِينَارٍ؛ صَحَّ) الْبَيْعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى بِالْمَأْذُونِ فِيهِ حَقِيقَةً وَزِيَادَةً تَنْفَعُ الْمُوَكِّلَ وَلَا تَضُرُّهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ بَاعَ بِالْمَأْذُونِ فِيهِ عُرْفًا؛ فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِدِرْهَمٍ رَضِيَ مَكَانَهُ بِدِينَارٍ (أَوْ) قَالَ لِوَكِيلِهِ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ: (اشْتَرِهِ بِدِينَارٍ، فَاشْتَرَاهُ بِدِرْهَمٍ؛ صَحَّ) الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا، فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِبَذْلِ دِينَارٍ؛ رَضِيَ مَكَانَهُ بِدِرْهَمٍ. وَ (لَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ إذَا قَالَ: بِعْهُ بِدِرْهَمٍ (إنْ بَاعَهُ بِعَرْضٍ يُسَاوِي دِينَارًا) ؛ لِلْمُخَالَفَةِ، كَقَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ: (بِعْهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَبَاعَهُ) الْوَكِيلُ (بِثَمَانِينَ) دِرْهَمًا (وَعِشْرِينَ ثَوْبًا) ؛ لَمْ يَجُزْ. (وَ) إنْ قَالَ: (اشْتَرِهِ بِمِائَةٍ، وَلَا تَشْتَرِهِ بِدُونِهَا) أَيْ: الْمِائَةِ - (فَخَالَفَهُ) ، وَاشْتَرَاهُ بِتِسْعِينَ (لَمْ يَجُزْ) الشِّرَاءُ؛ لِمُخَالَفَتِهِ مُوَكِّلَهُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّ (هَذَا) الشِّرَاءَ لَمْ يَجُزْ إنْ كَانَ أَذِنَهُ الْمُوَكِّلُ فِي شِرَاءِ فَرْدٍ مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَذِنَهُ (فِي) شِرَاءِ (غَيْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 فَرْدٍ مُعَيَّنٍ) ؛ فَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ، وَالْقَوَاعِدُ لَا تَأْبَاهُ. (وَ) إنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ: (اشْتَرِ) لِي (نِصْفَهُ بِمِائَةٍ، وَلَا تَشْتَرِهِ جَمِيعَهُ، فَاشْتَرَى) الْوَكِيلُ (أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ وَأَقَلَّ مِنْ الْكُلِّ) بِمِائَةٍ (صَحَّ) الشِّرَاءُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ؛ كَقَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ: (بِعْهُ بِأَلْفِ نَسَاءً، فَبَاعَهُ) الْوَكِيلُ (بِهِ) ؛ - أَيْ: الْأَلْفِ - (حَالًا) ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ بِعَشَرَةٍ، فَبَاعَهُ بِأَكْثَرَ - (وَلَوْ مَعَ) حُصُولِ (ضَرَرٍ) لِلْمُوَكِّلِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ مِنْ حَيْثُ حِفْظُهُ أَوْ خِيفَ تَلَفُهُ أَوْ تَعَدٍّ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ - اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ؛ إذْ النَّادِرُ لَا يُفْرَدُ بِحُكْمٍ، (مَا لَمْ يَنْهَهُ) صَرِيحًا بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: لَا تَبِعْ حَالًا، فَلَا يَصِحُّ؛ لِلْمُخَالَفَةِ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ خَالَفَ الْوَكِيلُ مُوَكِّلَهُ فِيهِ؛ فَكَتَصَرُّفِ فُضُولِيٍّ. . (وَ) إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ فِي بَيْعِ شَيْءٍ (بِعْهُ) كُلَّهُ، (فَبَاعَ بَعْضَهُ بِدُونِ ثَمَنِ كُلِّهِ لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ؛ لِضَرَرِهِ فِي تَبْعِيضِهِ عَلَيْهِ - وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إذْنٌ فِي ذَلِكَ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا - وَلِلْوَكِيلِ بَيْعُ مَا بَقِيَ بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ صَفْقَةً بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ، (مَا لَمْ يَبِعْ) الْوَكِيلُ (بَاقِيَهُ) فَيَصِحُّ لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِتَشْقِيصِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ مَا لَمْ يَرْضَ مُوَكِّلُهُ) بَيْعَ الْبَعْضِ؛ فَيَصِحُّ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لُزُومَ الْبَيْعِ مَوْقُوفٌ عَلَى بَيْعِ الْبَاقِي فِي الْأُولَى وَإِجَازَةِ الْمُوَكِّلِ فِي الثَّانِيَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ يَكُنْ) مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ (نَحْوُ صُبْرَةِ) بُرٍّ، (أَوْ) يَكُنْ (مَعْدُودًا كَعَبِيدٍ؛ فَيَصِحُّ) مُفَرَّقًا؛ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ، وَعَدَمُ الضَّرَرِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي الْإِفْرَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَقْصَ فِيهِ وَلَا تَشْقِيصَ، (مَا لَمْ يَقُلْ) مُوَكِّلٌ: بِعْ هَذِهِ (صَفْقَةً) ؛ لِدَلَالَةِ تَنْصِيصِهِ عَلَيْهِ فِي غَرَضِهِ فِيهِ، (وَكَذَا شِرَاءٌ، فَيَصِحُّ شِرَاءُ) شَيْءٍ (وَاحِدٍ مِمَّنْ أَمَرَ بِهَا) ؛ - أَيْ: بِشِرَائِهِمَا قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ " وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي عَشَرَةَ شِيَاهٍ أَوْ عَشَرَ أَمْدَادِ بُرٍّ أَوْ عَشَرَةَ أَرْطَالِ حَرِيرٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ذَلِكَ صَفْقَةً وَشَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، لَا إنْ أَمَرَهُ بِشِرَائِهِمَا (صَفْقَةً) ، فَاشْتَرَاهُمَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ؛ فَلَا يَصِحُّ. وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْدَيْنِ صَفْقَةً، فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ لِاثْنَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَكِيلِهِمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ؛ جَازَ. (وَ) إنْ قَالَ: بِعْ هَذَا (الْعَبْدَ بِمِائَةٍ، فَبَاعَ نِصْفَهُ بِهَا) ؛ - أَيْ: الْمِائَةِ - (صَحَّ) الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ غَرَضُهُ، وَزَادَهُ زِيَادَةً تَنْفَعُهُ وَلَا تَضُرُّهُ، (وَلَهُ) ؛ - أَيْ: الْوَكِيلِ - (بَيْعُ النِّصْفِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي بَيْعِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ كُلَّهُ بِمِثْلَيْ ثَمَنِهِ. (وَ) إنْ قَالَ: (بِعْهُ بِأَلْفٍ فِي سُوقِ كَذَا، فَبَاعَهُ بِهِ) ؛ - أَيْ: الْأَلْفِ - (فِي) سُوقٍ (آخَرَ؛ صَحَّ) الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بَيْعُهُ، وَتَنْصِيصُهُ عَلَى أَحَدِ السُّوقَيْنِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْغَرَضِ إذْنٌ فِي الْآخَرِ؛ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَعَارَ أَرْضًا لِزِرَاعَةِ شَيْءٍ، فَإِنَّهُ إذْنٌ فِي زِرَاعَةِ مِثْلِهِ، (مَا لَمْ يَنْهَهُ) الْمُوَكِّلُ عَنْ الْبَيْعِ فِي غَيْرِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِلْمُخَالَفَةِ، (أَوْ) مَا لَمْ (يَكُنْ لَهُ) - أَيْ: لِلْمُوَكِّلِ - (فِيهِ) ؛ - أَيْ: السُّوقِ الَّذِي عَيَّنَهُ - (غَرَضٌ) صَحِيحٌ؛ (كَحِلِّ نَقْدِهِ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 مَوَدَّةِ أَهْلِهِ) أَوْ صَلَاحِهِمْ؛ فَلَمْ يَجُزْ فِي غَيْرِهِ؛ لِتَفْوِيتِ غَرَضِهِ عَلَيْهِ. (وَ) إنْ قَالَ: (بِعْهُ لِزَيْدٍ، فَبَاعَهُ لِغَيْرِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ؛ لِلْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ نَفْعَ زَيْدٍ، فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ": إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِقَرِينَةٍ أَوْ صَرِيحٍ أَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي عَيْنِ الْمُشْتَرِي. (وَ) إنْ قَالَ: بِعْهُ (بِبَلَدِ كَذَا، فَبَاعَهُ بِغَيْرِهِ) ؛ - أَيْ: الْبَلَدِ الَّذِي عَيَّنَهُ (حَرُمَ) عَلَى الْوَكِيلِ بَيْعُهُ، وَيَضْمَنُ الْمَبِيعَ إنْ تَلِفَ؛ لِتَعَدِّيهِ وَعَدَمِ تَضَمُّنِ الْإِذْنِ لِذَلِكَ، (وَصَحَّ) الْبَيْعُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّعَدِّيَ لَا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ. وَإِنْ نَقَلَ الْمَبِيعَ إلَى غَيْرِ الْبَلَدِ الْمَأْذُونِ فِي بَيْعِهِ بِهِ وَبَاعَهُ بِهِ (مَعَ مُؤْنَةِ نَقْلٍ) لِلْمَبِيعِ؛ (لَا يَصِحُّ) الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ. ذَكَرَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " بَحْثًا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا نُقِلَ لِغَيْرِ بَلَدٍ مَأْذُونٍ فِي بَيْعِهِ بِهِ - (وَلَوْ حَمَلَهُ الْوَكِيلُ) إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ (بِنَفْسِهِ) - لِلْمُخَالَفَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) مَنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ عَنْ شَيْءٍ (اشْتَرِهِ بِكَذَا، فَاشْتَرَاهُ) الْوَكِيلُ (بِهِ) - أَيْ: بِالثَّمَنِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُ مُوَكِّلُهُ - (مُؤَجَّلًا) صَحَّ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا وَلَوْ تَضَرَّرَ، مَا لَمْ يَنْهَهُ (أَوْ) قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لِي (شَاةً بِالدِّينَارِ، فَاشْتَرَى) بِالدِّينَارِ (شَاتَيْنِ تُسَاوِيهِ) ؛ - أَيْ: الدِّينَارِ - (إحْدَاهُمَا) ؛ صَحَّ - (وَإِنْ لَمْ تُسَاوِهِ) الشَّاةُ (الْأُخْرَى - وَيَصِحُّ بَيْعُهَا) ؛ - أَيْ: إحْدَى الشَّاتَيْنِ - (بِلَا إذْنِ) مُوَكِّلٍ؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ شَبِيبٍ هُوَ ابْنُ غَرْقَدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَيَّ يُخْبِرُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مَعَهُ بِدِينَارٍ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ أُضْحِيَّةً، وَقَالَ: مَرَّةً أَوْ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ اثْنَتَيْنِ، فَبَاعَ وَاحِدَةً بِدِينَارٍ، وَأَتَاهُ بِالْأُخْرَى، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: هَذَا دِينَارُكُمْ، وَهَذِهِ شَاتُكُمْ. قَالَ: كَيْفَ صَنَعْت؟ فَذَكَرَهُ» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي ضِمْنِ حَدِيثٍ مُتَّصِلٍ لِعُرْوَةِ، وَلِأَنَّهُ حَصَلَ الْمَأْذُونُ فِيهِ وَزِيَادَةٌ، (أَوْ) اشْتَرَى لَهُ (شَاةً تُسَاوِيهِ) - أَيْ: الدِّينَارِ - (بِأَقَلَّ) مِنْ دِينَارٍ؛ (صَحَّ) ، وَكَانَ الزَّائِدُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ عُرْفًا - وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَزِيَادَةٌ - (وَإِلَّا) ؛ أَيْ: وَإِنْ لَمْ تُسَاوِ إحْدَاهُمَا دِينَارًا؛ [فَلَا] يَصِحُّ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلُ لَهُ الْمَقْصُودُ، فَلَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ لَهُ؛ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ لَفْظًا وَلَا عُرْفًا [تَنْبِيهٌ وُكِّلَ فِي شِرَاءِ مُعَيَّنٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ] تَنْبِيهٌ: مَنْ وُكِّلَ فِي شِرَاءِ مُعَيَّنٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ؛ فَلَهُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ وَغَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا غَيْرُ الشِّيَاهِ) مِثْلُهَا فِي الْحُكْمِ فَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: اشْتَرِ لِي ثَوْبًا بِدِينَارٍ، فَاشْتَرَى بِالدِّينَارِ ثَوْبَيْنِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا يُسَاوِي الدِّينَارَ؛ صَحَّ؛ لِحُصُولِ غَرَضِ الْمُوَكِّلِ وَزِيَادَةٍ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 وَ] إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: (اشْتَرِ عَبْدًا؛ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ شِرَاءُ اثْنَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْهُ فِي ذَلِكَ لَفْظًا وَلَا عُرْفًا، وَظَاهِرُهُ - وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يُسَاوِي مَا عَيَّنَهُ مِنْ الثَّمَنِ - فَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ؛ [صَحَّ] شِرَاءُ الْأَوَّلِ. [فَصْلٌ لَيْسَ لِوَكِيلٍ شِرَاءُ مَعِيبٍ] (فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ شِرَاءُ مَعِيبٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، وَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ الرَّدُّ بِهِ، (وَإِنْ) أَمَرَ وَكِيلَهُ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ (عَيَّنَهَا) لَهُ، فَاشْتَرَاهَا، فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً، فَلَهُ الرَّدُّ؛ لِاقْتِضَاءِ الْأَمْرِ السَّلَامَةَ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ مَوْصُوفَةٍ، هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الشِّرَاءِ، (فَإِنْ عَلِمَ بِهِ) قَبْلَ الشِّرَاءِ فَلَيْسَ لَهُ شِرَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ إذَا جَازَ بِهِ الرَّدُّ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ الشِّرَاءِ أَوْلَى، فَإِنْ اشْتَرَاهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ (لَزِمَهُ) - أَيْ: الْوَكِيلَ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عُقِدَ عَلَى مَعِيبٍ (مَا لَمْ يَرْضَهُ) ؛ أَيْ: الْمَعِيبَ - (مُوَكِّلُهُ) ، فَإِنْ رَضِيَهُ؛ فَلَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْعَقْدَ لَهُ، وَإِنْ (لَمْ يَرْضَهُ) الْمُوَكِّلُ؛ (لَزِمَ) الْمَعِيبُ (الْوَكِيلَ، وَلَا يَرُدُّهُ) لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَيَلْزَمُهُ الْمَبِيعُ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ: شِرَاءُ الْوَكِيلِ مَا عَلِمَ عَيْبَهُ - (إنْ اشْتَرَاهُ) - أَيْ: الْمَعِيبَ - (فِي ذِمَّتِهِ) أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ، وَلَا يَرُدُّهُ، (لَا) إنْ اشْتَرَاهُ عَالِمًا عَيْبَهُ (بِعَيْنِ الْمَالِ) الَّذِي وُكِّلَ فِي الشِّرَاءِ بِهِ؛ (لِقَوْلِهِمْ) - أَيْ: الْأَصْحَابِ - (وَإِنْ اشْتَرَى) الْوَكِيلُ (بِعَيْنِ الْمَالِ فَشِرَاءُ فُضُولِيٍّ) ؛ فَلَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَهُ رَدُّهُ عَلَى قَوْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الشِّرَاءَ حَالَ الْعَقْدِ لِنَفْسِهِ (وَلَهُ) - أَيْ: لِلْوَكِيلِ - (وَلِلْمُوَكِّلِ رَدُّهُ) - أَيْ: رَدُّ مَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ غَيْرُ عَالِمٍ بِعَيْبِهِ - أَمَّا الْمُوَكِّلُ فَلِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَلِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. (وَلَا يَرُدُّ) وَكِيلٌ (مَا عَيَّنَهُ لَهُ مُوَكِّلٌ) كَاشْتَرِ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ الْعَبْدَ، فَاشْتَرَاهُ (بِعَيْبٍ وَجَدَهُ) الْوَكِيلُ فِيهِ (قَبْلَ إعْلَامِهِ) - أَيْ: الْمُوَكِّلِ - قَالَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 الرِّعَايَتَيْنِ ": هَذَا أَوْلَى، وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ": هَذَا الْأَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْخُلَاصَةِ " قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِقَطْعِهِ نَظَرَ وَكِيلِهِ بِتَعْيِينِهِ، فَرُبَّمَا رَضِيَهُ عَلَى جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، فَإِنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ عَيْبَ مَا عَيَّنَ لَهُ قَبْلَ شِرَائِهِ؛ فَلَهُ شِرَاؤُهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ مُعَيَّنٍ، فَاشْتَرَاهُ، وَوَجَدَهُ مَعِيبًا؛ فَلَهُ الرَّدُّ قَبْلَ إعْلَامِهِ مُوَكِّلَهُ، (وَيَرُدُّ) الْوَكِيلُ مَبِيعًا وَجَدَهُ مَعِيبًا؛ (مَا لَمْ يُعَيَّنْ) ؛ أَيْ: مَا لَمْ يُعَيِّنْهُ لَهُ الْمُوَكِّلُ (فَإِنْ ادَّعَى بَائِعُ) مَعِيبٍ (رِضَى مُوَكِّلِهِ بِهِ) - أَيْ: بِالْعَيْبِ (وَهُوَ) ، - أَيْ: الْمُوَكِّلُ - (غَائِبٌ؛ حَلَفَ) الْوَكِيلُ (أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ) رِضَا مُوَكِّلِهِ، (وَرَدَّهُ) - أَيْ: الْمَبِيعَ - لِلْعَيْبِ، (ثُمَّ إنْ حَضَرَ) مُوَكِّلٌ، (فَصَدَّقَ بَائِعًا) عَلَى رِضَاهُ بِعَيْبِهِ، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ (لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ) ؛ لِانْعِزَالِ الْوَكِيلِ مِنْ الرَّدِّ بِرِضَى الْمُوَكِّلِ بِالْعَيْبِ، (وَهُوَ) - أَيْ: الْمَعِيبُ - (بَاقٍ لِمُوَكِّلٍ) ؛ فَلَهُ اسْتِرْجَاعُهُ، وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَى الرِّضَى مِنْ قِبَلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ بَائِع رِضَى مُوَكِّلٍ، وَقَالَ لَهُ: تَوَقَّفْ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ فَرُبَّمَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ؛ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ ذَلِكَ؛ لِاحْتِمَالِ هَرَبِ الْبَائِعِ أَوْ فَوَاتِ الثَّمَنِ بِتَلَفِهِ، وَإِنْ طَاوَعَهُ لَمْ يَسْقُطْ رَدُّ مُوَكِّلٍ. (وَيَتَّجِهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ) - أَيْ: الْمَعِيبِ الَّذِي ادَّعَى بَائِعُ رِضَى الْمُوَكِّلِ بِعَيْبِهِ - (قَبْلَ مُرَاجَعَةِ مُوَكِّلٍ؛ لِاعْتِرَافِهِ) - أَيْ: الْبَائِعِ - بِهِ - أَيْ: بِالْمَبِيعِ - أَنَّهُ (لَهُ) - أَيْ: لِلْمُوَكِّلِ - (وَحْدَهُ، وَيَدِينُ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي غَايَةِ [الْحُسْنِ] ، وَيَبْقَى الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ أَمَانَةً إلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ أَخَذَهُ الْمُوَكِّلُ، وَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ تَلَفَهُ بِلَا تَعَمُّدٍ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 (وَإِنْ أَسْقَطَ وَكِيلٌ) اشْتَرَى مَعِيبًا (خِيَارَهُ مِنْ عَيْبٍ وَجَدَهُ، وَلَمْ يَرْضَ مُوَكِّلُهُ) بِالْعَيْبِ (فَلَهُ) - أَيْ: الْوَكِيلِ - (رَدُّهُ) ؛ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ (وَإِنْ أَنْكَرَ بَائِعٌ أَنْ الشِّرَاءَ وَقَعَ لِمُوَكِّلٍ) ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ؛ (حَلَفَ) بَائِعٌ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لِمُوَكِّلٍ، (وَلَزِمَ) الْبَيْعُ (الْوَكِيلَ) ؛ لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ، وَالظَّاهِرُ صُدُورُ الْعَقْدِ لِمَنْ بَاشَرَهُ، فَيَغْرَمُ الثَّمَنَ، وَإِنْ صَدَّقَ بَائِعٌ أَنَّ الشِّرَاءَ لِمُوَكِّلِهِ، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ؛ فَلَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ وُجِدَ مِنْ الْوَكِيلِ مَا يُسْقِطُهُ. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ) - أَيْ: الْوَكِيلَ - (مُوَكِّلٌ؛ لِاحْتِمَالِ تَوَاطُئِهِمَا) - أَيْ: الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ عَلَى الْكَذِبِ - لِيُلْزِمَا الْبَائِعَ بِالْمَبِيعِ، فَعُوقِبَ الْوَكِيلُ بِضِدِّ قَصْدِهِ، وَغَرِمَ الثَّمَنَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) إنْ قَالَ مُوَكِّلٌ: (اشْتَرِ) لِي (بِعَيْنِ هَذَا) الثَّمَنِ، (فَاشْتَرَى) الْوَكِيلُ لَهُ بِثَمَنٍ (فِي ذِمَّتِهِ) ؛ صَحَّ الْبَيْعُ لِلْوَكِيلِ، وَ (لَمْ يَلْزَمْ) الْمَبِيعُ (مُوَكِّلًا، إنْ لَمْ يُجْزِهِ) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إذَا تَعَيَّنَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِتَلَفِهِ أَوْ كَوْنِهِ مَغْصُوبًا، وَلَمْ يَلْزَمْ ثَمَنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا غَرَضٌ صَحِيحٌ لِلْمُوَكِّلِ، فَلَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ، (وَيَقَعُ) الشِّرَاءُ (لِوَكِيلٍ) ؛ لِمُخَالَفَتِهِ، (وَعَكْسُهُ) كَقَوْلِ الْمُوَكِّلِ: (اشْتَرِ لِي فِي ذِمَّتِك، وَانْقُدْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ، فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ بِعَيْنِهَا) - أَيْ: الدَّرَاهِمِ (يَصِحُّ) الشِّرَاءُ، (وَيَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ) ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَهُ فِي عَقْدٍ يَلْزَمُ بِهِ الثَّمَنُ مَعَ بَقَاءِ الدَّرَاهِمِ وَتَلَفِهَا، فَكَانَ إذْنًا فِي عَقْدٍ لَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ إلَّا مَعَ بَقَائِهَا. (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُوَكِّلُ بِأَنْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ كَذَا بِكَذَا، وَلَمْ يَقُلْ بِعَيْنِهِ وَلَا فِي الذِّمَّةِ؛ (جَازَ) الشِّرَاءُ (بِعَيْنِ) الْمَالِ، وَجَازَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِتَنَاوُلِ الْإِطْلَاقِ لَهُمَا. [فَائِدَةٌ خَلَطَ الْمَالَ الْوَكِيلُ بِدَرَاهِمِهِ فَضَاعَ الْكُلُّ بِلَا تَفْرِيطٍ] فَائِدَةٌ: لَوْ خَلَطَ الْمَالَ الْوَكِيلُ بِدَرَاهِمِهِ، فَضَاعَ الْكُلُّ بِلَا تَفْرِيطٍ؛ لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 يَضْمَنْ، وَإِنْ بَقِيَ بِقَدْرِ دَرَاهِمَ مُوَكِّلِهِ أَوْ أَقَلَّ وَجَهِلَ أَيَّهُمَا هِيَ؛ أَخَذَهَا مُوَكِّلُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَدَّهَا الْبَائِعُ بِعَيْبٍ، فَبَقِيَتْ بِيَدِ الْوَكِيلِ؛ لَمْ يَضْمَنْ. (وَمَنْ وُكِّلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - (فِي بَيْعِ شَيْءٍ غَيْرِ رِبَوِيٍّ) ؛ كَحَيَوَانٍ وَعَقَارٍ وَثِيَابٍ وَنَحْوِهَا لِشَخْصٍ (مَعْرُوفٍ مَلَكَ تَسْلِيمَهُ) - أَيْ: الْمَبِيعَ - لِمُشْتَرِيهِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مِنْ تَمَامِ الْبَيْعِ، وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ الْإِبْرَاءَ مِنْ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْعِ وَلَا مِنْ تَمَامِهِ، و (لَا) يَمْلِكُ (قَبْضَ ثَمَنِهِ) - أَيْ: الْمَبِيعِ - لِأَنَّهُ قَدْ يُوَكِّلُ فِي الْبَيْعِ مَنْ لَا يَأْمَنُهُ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ. وَكَذَا الْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ وَلَا يَمْلِكُ قَبْضَ الْمَهْرِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ قَبْضُهُ) لِمَوْتِ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَنَحْوِهِ؛ (لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ) شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُهُ، وَكَمَا لَوْ ظَهَرَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي شِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ؛ (كَحَاكِمٍ وَأَمِينِهِ) إذَا بَاعَ عَلَى صَغِيرٍ أَوْ غَائِبٍ، وَفَاتَ الثَّمَنُ؛ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، (إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ مُوَكِّلُهُ فِي قَبْضِهِ) - أَيْ: الثَّمَنِ - فَيَمْلِكُ قَبْضَهُ، (أَوْ) إلَّا إنْ (دَلَّتْ عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى الْقَبْضِ - (قَرِينَةٌ كَمَبِيعِهِ فِي سُوقٍ غَائِبٍ عَنْ مُوَكِّلٍ أَوْ بِمَوْضِعٍ يَضِيعُ الثَّمَنُ بِتَرْكِ قَبْضِهِ) - أَيْ: الْوَكِيلِ الثَّمَنَ - فَيَمْلِكُ قَبْضَهُ؛ لِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ عَلَى الْإِذْنِ فِي قَبْضِهِ، هَذَا أَحَدُ. الْوُجُوهِ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ " قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ [إنْ] (تَرَكَ قَبْضَهُ) ، وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ فَفَاتَ الثَّمَنُ؛ (فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ) ؛ لِتَفْرِيطِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ وَالْمُبْدِعِ " بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَقْوَى، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ وُكِّلَ فِي بَيْعِ شَيْءٍ مَلَكَ تَسْلِيمَهُ لَا قَبْضَ ثَمَنِهِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي شَرْحِهِ أَيْ: سَوَاءٌ دَلَّتْ قَرِينَةُ الْحَالِ عَلَى الْقَبْضِ كَأَمْرِهِ بِالْبَيْعِ فِي سُوقٍ غَائِبٍ عَنْ الْمُوَكِّلِ، أَوْ لَا. انْتَهَى، (وَكَذَا الشِّرَاءُ) فَالْوَكِيلُ فِيهِ يَمْلِكُ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 (وَلَا يَتَسَلَّمُ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ) ؛ بِأَنْ اشْتَرَاهُ مِنْ شَخْصٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ (بِلَا إذْنِ) مُوَكِّلِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْوَكِيلَ سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ حَيْثُ كَانَ لَهُ تَسْلِيمُهُ، (وَيَشْهَدُ) عَلَيْهِ أَنَّ الْمَبِيعَ بَاقٍ عِنْدَهُ، (وإلَّا) بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى الْبَائِعِ، وَتَعَذَّرَ أَخْذُ الْمَبِيعِ مِنْهُ؛ (ضَمِنَ) الْوَكِيلُ؛ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ أَخَّرَ) الْوَكِيلُ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ (تَسْلِيمَ ثَمَنِهِ بِلَا عُذْرٍ) فِي تَأْخِيرِهِ، فَتَلِفَ؛ (ضَمِنَهُ) ؛ لِتَفْرِيطِهِ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ نَحْوُ امْتِنَاعٍ مِنْ قَبْضِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ نَصًّا (وَيَقْبِضُ) الْوَكِيلُ (مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ أَذِنَهُ مُوَكِّلٌ فِي قَبْضِهِ، أَوْ لَا، دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ أَوْ لَا: (ثَمَنَ مَا) - أَيْ مَبِيعٍ - (يُفْضِي) تَرْكُ قَبْضِهِ (إلَى رِبَا نَسَاءً) كَأَمْرِهِ بِبَيْعِ قَفِيزِ بُرٍّ بِمِثْلِهِ، فَيَقْبِضُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا (لَمْ يَحْضُرْ مُوَكِّلٌ) مَجْلِسَ الْعَقْدِ لِلْإِذْنِ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا إذْ لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ حِينَئِذٍ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. (وَإِذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ فَهُوَ أَمَانَةٌ) فِي يَدِهِ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ بِلَا طَلَبِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ بِتَأْخِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُكُونِهِ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ طَلَبَهُ لَزِمَهُ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ، [فَإِنْ أَخَّرَ الرَّدَّ مَعَ إمْكَانِهِ، فَتَلِفَ؛ ضَمِنَهُ.] (وَلَا يُسَلِّمُ الْوَكِيلُ) لِلْمُشْتَرِي (الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ حَيْثُ جَازَ) لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُفَرِّطًا بِتَسْلِيمِهِ، (فَإِنْ سَلَّمَهُ) الْمَبِيعَ (قَبْلَ قَبْضِهِ) - أَيْ الثَّمَنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 حَيْثُ جَازَ - (ضَمِنَ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ بِحَضْرَةِ مُوَكِّلِهِ فَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ إذَا لَمْ يَنْهَهُ. (وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ فِي بَيْعٍ تَقْلِيبُ مَبِيعٍ عَلَى مُشْتَرٍ) تَقْلِيبًا يَغِيبُ بِهِ عَنْ الْوَكِيلِ، لِمَا قَيَّدَ بِهِ ابْنُ قُنْدُسٍ (إلَّا بِحَضْرَتِهِ) - أَيْ الْوَكِيلِ - لَا الْمُوَكِّلِ وَمُشَاهَدَتِهِ لَهُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ دَفَعَهُ لِلْمُشْتَرِي يُقَلِّبُهُ، وَغَابَ بِهِ عَنْهُ؛ (ضَمِنَ) الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ؛ لِتَعَدِّيهِ بِدَفْعِهِ إلَى مَنْ يَغِيبُ بِهِ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ لَا يَتَنَاوَلُهُ، (وَلَيْسَ حُضُورُ الْمُوَكِّلِ) وَقْتَ الْمُسَاوَمَةِ (مُرَادًا، خِلَافًا) " لِلْمُنْتَهَى " فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ فِي بَيْعٍ تَقْلِيبُهُ عَلَى مُشْتَرٍ إلَّا بِحَضْرَةِ مُوَكِّلٍ. (وَمَنْ أُمِرَ بِدَفْعِ شَيْءٍ) كَثَوْبٍ أَمَرَهُ مَالِكُهُ بِدَفْعِهِ (إلَى) نَحْوِ قَصَّارٍ أَوْ صَبَّاغٍ (مُعَيَّنٍ لِيَضَعَهُ، فَدَفَعَ) الْمَأْمُورُ الشَّيْءَ إلَى مَنْ أُمِرَ بِدَفْعِهِ لَهُ، (وَنَسِيَهُ) - أَيْ الْوَكِيلُ - قَالَ الْخَلْوَتِيُّ: وَلَعَلَّهُ الْمُوَكِّلُ أَيْضًا، وَإِلَّا لَذَكَرَهُ فَإِذَا ضَاعَ فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ (لَمْ يَضْمَنْ) الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا، بَلْ التَّفْرِيطُ مِنْ الْمُوَكِّلِ بِتَعْيِينِهِ. (وَإِنْ أَطْلَقَ مَالِكٌ) ، وَلَمْ يُعَيِّنْ نَحْوَ قَصَّارٍ؛ بِأَنْ قَالَ: ادْفَعْهُ إلَى مَنْ يُقَصِّرُهُ أَوْ يَصْبُغُهُ، (فَدَفَعَهُ) الْوَكِيلُ (إلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهُ) ؛ كَمَا لَوْ نَاوَلَهُ مِنْ وَرَاءِ سُتْرَةٍ (وَلَا دُكَّانَهُ) ؛ بِأَنْ دَفَعَهُ بِغَيْرِ دُكَّانِهِ، وَلَا يَعْرِفُ اسْمَهُ، وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ وَلَا عَنْ اسْمِهِ، فَضَاعَ؛ (ضَمِنَ) الْوَكِيلُ؛ لِتَفْرِيطِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. (وَمَنْ وُكِّلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (فِي قَبْضِ دِرْهَمٍ) فَأَكْثَرَ، (أَوْ) قَبْضِ (دِينَارٍ) فَأَكْثَرَ مِمَّنْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ؛ (لَمْ يُصَارِفْ) الْمَدِينَ؛ بِأَنْ يَقْبِضَ عَنْ الدِّينَارِ دَرَاهِمَ أَوْ عَنْ الدَّرَاهِمِ دِينَارًا (بِلَا إذْنٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِمُصَارَفَتِهِ، (فَإِنْ صَارَفَ، وَضَاعَ) الْمَقْبُوضُ، (فَعَلَى) دَائِنٍ (دَافِعٍ) إنْ تَلِفَ، نَصًّا؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَى الرَّسُولِ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ، فَهُوَ وَكِيلٌ لِلدَّافِعِ فِي تَأْدِيَتِهِ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ، وَمَحَلُّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 (مَا لَمْ يَكْذِبْ عَلَيْهِ) - أَيْ عَلَى الْمَدِينِ - (وَكِيلٌ فِي الْإِذْنِ) بِأَنْ يُخْبِرَ الرَّسُولُ الْمَدِينَ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَذِنَهُ (بِالْمُصَارَفَةِ) ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ كَذَلِكَ؛ (فَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الرَّسُولِ، ضَمَانُ مَا تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الْمَدِينَ. (وَمَنْ وُكِّلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (فِي قَبْضِ دِينَارٍ أَوْ ثَوْبٍ) مِمَّنْ عِنْدَهُ لِمُوَكِّلِهِ دَنَانِيرُ وَثِيَابٌ، (فَأَخَذَ) الْوَكِيلُ (أَكْثَرَ) كَدِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ، فَضَاعَ الْمَأْخُوذُ؛ فَضَمَانُ الدِّينَارِ أَوْ الثَّوْبِ الزَّائِدِ (عَلَى دَافِعِ) أَيْ الَّذِي أَعْطَاهُ الدِّينَارَيْنِ أَوْ الثَّوْبَيْنِ - (وَيَرْجِعُ) الدَّافِعُ بِالزَّائِدِ (عَلَى) الرَّسُولِ (الْقَابِضِ) لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَحَصَلَ التَّلَفُ فِي يَدِهِ، فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَلِلْمُوَكِّلِ تَضْمِينُ الْوَكِيلِ الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِقَبْضِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِقَبْضِهِ، فَإِذَا ضَمَّنَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي " وَفِي " الْمُنْتَهَى ": وَمَنْ أَرْسَلَ آخَرَ إلَى مَنْ لَهُ عِنْدَهُ مَالٌ لِأَخْذِ دِينَارٍ فَأَخَذَ أَكْثَرَ؛ ضَمَّنَهُ مُرْسِلٌ، وَرَجَعَ بِهِ عَلَى رَسُولٍ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ. (وَإِنْ أَخَذَ وَكِيلٌ فِي قَبْضِ دِينَارٍ هُنَا أَسَاءَ) بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، (وَلَمْ يَضْمَنْهُ) . - أَيْ الرَّهْنَ - لِأَنَّهُ رَهْنٌ فَاسِدٌ، وَفَاسِدُ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، فَمَا كَانَ الْقَبْضُ فِي صَحِيحِهِ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ فِي فَاسِدِهِ. (وَمَنْ وَكَّلَ) غَيْرَهُ - (وَلَوْ) كَانَ الْوَكِيلُ (مُودَعًا - فِي قَضَاءِ دَيْنٍ، فَقَضَاهُ) ، وَلَمْ يُشْهِدْ، (أَوْ) وَكَّلَهُ أَنْ يُقْرِضَ دَرَاهِمَ، (فَأَقْرَضَ، وَلَمْ يُشْهِدْ) بِالْقَضَاءِ أَوْ الْقَرْضِ، (وَأَنْكَرَ غَرِيمٌ) الْقَضَاءَ، أَوْ مُقْتَرِضٌ الِاقْتِرَاضَ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ وَكِيلٍ عَلَى الْغَرِيمِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمِينِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ الْمُوَكِّلُ. وَ (ضَمِنَ) الْوَكِيلُ لِمُوَكِّلِهِ مَا أَنْكَرَهُ الْغَرِيمُ؛ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا إنَّمَا يَضْمَنُ (مَا لَيْسَ بِحَضْرَةِ مُوَكِّلٍ) ، فَإِنْ حَضَرَ مَعَ تَرْكِ الْإِشْهَادِ فَقَدْ رَضِيَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ، كَقَوْلِهِ: اقْضِهِ وَلَا تُشْهِدْ، بِخِلَافِ حَالِ غَيْبَتِهِ. لَا يُقَالُ هُوَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِشْهَادِ، فَلَا يَكُونُ مُفَرِّطًا بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 إنَّمَا أَذِنَهُ فِي قَضَاءٍ مُبَرِّئٍ، وَلَمْ يَفْعَلْ، وَلِهَذَا يَضْمَنُ. وَلَوْ صَدَّقَهُ مُوَكِّلٌ وَكَذَّبَ رَبَّ الدَّيْنِ. (وَإِنْ قَالَ) وَكِيلٌ فِي قَضَاءٍ وَقَرْضٍ: (أَشْهَدْت) عَلَى الْقَضَاءِ وَالْقَرْضِ شُهُودًا، (فَمَاتُوا) - أَيْ الشُّهُودُ - وَأَنْكَرَهُ مُوَكِّلُهُ (أَوْ) قَالَ لَهُ: (أَذِنْت فِيهِ) - أَيْ: الْقَضَاءِ أَوْ الْقَرْضِ - (بِلَا بَيِّنَةٍ) - أَيْ: إشْهَادٍ - وَأَنْكَرَهُ مُوَكِّلٌ، (أَوْ) قَالَ لَهُ: (قَضَيْت بِحَضْرَتِك) ، قَالَ: بَلْ بِغَيْبَتِي؛ (حَلَفَ مُوَكِّلٌ) ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْوَكِيلِ، وَقُضِيَ لَهُ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، (وَمَرَّ تَفْصِيلُهُ) - أَيْ: مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَفِي بَابِ الْقَرْضِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، (بِخِلَافِ) تَوْكِيلِ (وَكِيلٍ فِي إيدَاعِ) مَالِهِ، فَأَوْدَعَهُ، وَ (لَمْ يُشْهِدْ؛ فَلَا يَضْمَنُ) إنْ أَنْكَرَ مُودِعٌ؛ لِقَبُولِ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ بِأَمْرٍ غَيْرِ ظَاهِرٍ، فَلَا فَائِدَةَ لِلْمُوَكِّلِ فِي الِاسْتِيثَاقِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْوَدِيعُ دَفْعَ الْوَكِيلِ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ؛ فَقَوْلُ وَكِيلٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي تَصَرُّفِهِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَذَا) - أَيْ: وَمِثْلُ الْوَكِيلِ فِي الْإِيدَاعِ - (كُلُّ وَكِيلٍ فِي دَفْعِ) مَا وُكِّلَ فِي دَفْعِهِ (لِأَمِينٍ) كَشَرِيكٍ وَوَصِيٍّ وَأَجِيرٍ خَاصٍّ وَأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَضْمَنُ بِدَفْعِهِ، أَوْ أَخْذٍ مِمَّنْ ذُكِرَ وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ - لِقَبُولِ قَوْلِهِمْ فِي الْهَلَاكِ بِلَا تَفْرِيطٍ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ [فَصْلٌ الْوَكِيلُ أَمِينٌ لَا يَضْمَنُ] (فَصْلٌ: وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ لَا يَضْمَنُ) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مُتَبَرِّعًا أَوْ بِجُعْلٍ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمَالِكِ فِي الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ، فَكَانَ الْهَلَاكُ فِي يَدِهِ كَالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمَالِكِ، فَلَا يَضْمَنُ (مَا تَلِفَ بِيَدِهِ بِلَا) تَعَدٍّ وَلَا (تَفْرِيطٍ، وَيُصَدَّقُ) وَكِيلٌ (بِيَمِينِهِ فِي) دَعْوَى (تَلَفِ) عَيْنٍ أَوْ ثَمَنِهَا إذَا قَبَضَهُ، وَقَالَ مُوَكِّلُهُ لَمْ يَتْلَفْ كَالْوَدِيعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 (وَ) يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي (نَفْيِ تَفْرِيطٍ) ادَّعَاهُ مُوَكِّلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَلَا يُكَلَّفُ بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَلِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْأَمَانَاتِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا. (وَ) يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي (أَنَّهُ لَمْ يُحَمِّلْ الدَّابَّةَ فَوْقَ طَاقَتِهَا، وَلَا) حَمَّلَهَا (شَيْئًا لِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، (وَكَذَا كُلُّ أَمِينٍ) بِيَدِهِ شَيْءٌ لِغَيْرِهِ كَأَبٍ (وَوَصِيٍّ وَأَمِينٍ حَاكِمٍ) وَشَرِيكٍ (وَمُضَارِبٍ وَمُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ) وَمُودَعٍ؛ يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي التَّلَفِ وَعَدَمِ التَّفْرِيطِ وَالتَّعَدِّي (وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ) - أَيْ: الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ (أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي كُلِّ مَا وُكِّلَ فِيهِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقَبْضٍ وَدَفْعٍ. - وَلَوْ) كَانَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ (عَقْدَ نِكَاحٍ) - لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ؛ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيِّ الْمُجْبَرَةِ فِي النِّكَاحِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُ وَكِيلٍ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ مُشْتَرٍ، وَتَلِفَ بِيَدِهِ وَلَوْ أَقْبَضَ الْوَكِيلُ الدَّرَاهِمَ ثَمَنًا ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ زَائِفَةً مُدَّعِيًا الرَّادُّ أَنَّهَا الَّتِي أَعْطَاهَا الْوَكِيلُ، فَصَدَّقَهُ؛ قُبِلَ قَوْلُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ، وَإِنْ قَبَضَهَا الْوَكِيلُ، وَلَمْ يَعْرِفْهَا؛ لَزِمَتْهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ. (وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ، فَاشْتَرَاهُ) الْوَكِيلُ، (وَاخْتَلَفَا) - أَيْ: الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ - فِي (قَدْرِ الثَّمَنِ، فَقَالَ وَكِيلٌ: اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ) مَثَلًا، (وَقَالَ مُوَكِّلٌ) : بَلْ اشْتَرَيْته (بِخَمْسِمِائَةٍ؛ فَقَوْلُ وَكِيلٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَأَدْرَى بِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ (فِيمَا يُقَارِبُ) ثَمَنَ مِثْلِهِ، لَا فِيمَا يُخَالِفُ الْحِسَّ مِنْ كَثِيرِ ثَمَنٍ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى بِهِ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ (وَ) إنْ قَالَ وَكِيلٌ لِمُوَكِّلِهِ: (أَذِنْت لِي فِي الْبَيْعِ نَسَاءً) - أَيْ: إلَى أَجَلٍ - وَأَنْكَرَهُ مُوَكِّلٌ؛ فَقَوْلُ وَكِيلٍ، أَوْ قَالَ وَكِيلٌ: أَذِنْت لِي فِي الْبَيْعِ (بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) أَوْ بِعَرْضٍ، وَأَنْكَرَهُ مُوَكِّلٌ؛ فَقَوْلُ وَكِيلٍ، (أَوْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْإِذْنِ) كَقَوْلِ الْوَكِيلِ: وَكَّلْتَنِي فِي (شِرَاءِ عَبْدٍ) ، فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: بَلْ فِي شِرَاءِ أَمَةٍ، أَوْ قَالَ الْوَكِيلُ: وَكَّلْتنِي فِي شِرَاءِ أَمَةٍ، فَقَالَ الْمُوَكِّلُ بَلْ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 شِرَاءِ عَبْدٍ، (أَوْ) قَالَ الْوَكِيلُ: وَكَّلْتنِي، أَنْ أَشْتَرِيَ لَك (بِعَشَرَةٍ) ، فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: بَلْ بِعِشْرِينَ، (أَوْ) قَالَ: وَكَّلْتنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَك (بِعِشْرِينَ) ، فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: بَلْ بِعَشَرَةٍ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ وَكِيلٍ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ (كَمُضَارِبٍ) اخْتَلَفَ مَعَ رَبِّ الْمَالِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. وَإِنْ بَاعَ الْوَكِيلُ السِّلْعَةَ، وَقَالَ لِلْمُوَكِّلِ: بِذَلِكَ أَمَرْتنِي، فَقَالَ: بَلْ أَمَرْتُك بِرَهْنِهَا؛ صُدِّقَ رَبُّهَا فَاتَتْ أَوْ لَمْ تَفُتْ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلَ الْوَكَالَةِ؛ بِأَنْ قَالَ: (وَكَّلْتنِي فَقَالَ) الْمُوَكِّلُ: (لَا) ؛ فَقَوْلُ الْمُوَكِّلِ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (أَوْ) قَالَ وَكِيلٌ: وَكَّلْتنِي (أَنْ أَتَزَوَّجَ لَك) فُلَانَةَ عَلَى كَذَا، (فَفَعَلْت) ؛ أَيْ: تَزَوَّجْتهَا لَك، (وَصَدَّقَتْ) فُلَانَةُ (الْوَكِيلَ) - أَيْ: مُدَّعِي الْوَكَالَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ (وَأَنْكَرَ مُوَكِّلٌ الْوَكَالَةَ فَقَوْلُهُ) - أَيْ: الْمُنْكِرِ لِمَا تَقَدَّمَ (بِلَا يَمِينٍ) . قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَدَّعِي حَقًّا لِغَيْرِهِ، (ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا) الْمُوَكِّلُ أَقَرَّ الْعَقْدَ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا؛ (لَزِمَهُ تَطْلِيقُهَا) . قَالَ فِي الْمُنْتَهَى ": [قَالَ] أَحْمَدُ: وَلَا تُتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ حَتَّى يُطْلَقَ، لَعَلَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا فِي إنْكَارِهِ، وَلِأَنَّهَا. مُعْتَرِفَةٌ أَنَّهَا زَوْجَةٌ لَهُ، فَتُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهَا، وَإِنْكَارُهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ. انْتَهَى. (وَلَا يَلْزَمُ وَكِيلًا غَيْرَ ضَامِنٍ شَيْءٌ) لِلْمَرْأَةِ مِنْ مَهْرٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ، لَكِنْ إنْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ الْمَهْرَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَمُعْتَرَفٌ بِأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ مَاتَ مَنْ تَزَوَّجَ لَهُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ، لَمْ تَرِثْهُ الْمَرْأَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَدَّقَ عَلَى الْوَكَالَةِ أَوْ وَرَثَتِهِ، إلَّا إنْ قَامَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ، (وَإِنْ ادَّعَتْهُ) ؛ أَيْ: ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَقْدَ النِّكَاحِ (حَلَفَ زَوْجٌ) أَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، وَبَرِئَ مِنْ الصَّدَاقِ الَّذِي تَدَّعِيهِ فِي ذِمَّتِهِ. وَإِنْ قَالَ إنْسَانٌ: (أَذِنَ لِي) فُلَانٌ (الْغَائِبُ) فِي تَزَوُّجِ امْرَأَةٍ، (فَعَقَدَ) مُدَّعِي الْإِذْنِ النِّكَاحَ لِمُوَكِّلِهِ، (ثُمَّ مَاتَ) فُلَانٌ الْغَائِبُ (لَمْ تَرِثْهُ) الزَّوْجَةُ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ صِحَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 النِّكَاحِ؛ إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَنَّهُ وَكَّلَهُ، بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ (بِلَا تَصْدِيقِ وَرَثَةٍ) ، فَإِنْ صَدَّقَتْ الْوَرَثَةُ، أَوْ أَثْبَتَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيِّنَةٍ؛ وَرِثَتْ لِتَحَقُّقِ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ. (وَ) إنْ قَالَ وَكِيلٌ (أَذِنَ لِي) الْمُوَكِّلُ (فِي الْعَقْدِ) عَلَى امْرَأَةٍ، (فَعَقَدْت) لَهُ، (فَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ) ، وَاعْتَرَفَ بِالْإِذْنِ فِيهِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ، (وَالنِّكَاحُ) بَاقٍ (بِحَالِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَأْذُونٌ لَهُ أَمِينٌ قَادِرٌ عَلَى الْإِنْشَاءِ، وَهُوَ أَعْرَفُ. وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ لَهُ امْرَأَةً، فَتَزَوَّجَ لَهُ غَيْرَهَا؛ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِلْمُخَالَفَةِ، أَوْ تَزَوَّجَ إنْسَانٌ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ، وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَعْقُودُ لَهُ؛ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ، (وَلَا يَلْزَمُ وَكِيلًا لَمْ يَضْمَنْ) مِنْ الْمَهْرِ (شَيْءٌ) ؛ لِاعْتِرَافِ الْمُوَكِّلِ لَهُ بِالْإِذْنِ، فَإِنْ ضَمِنَهُ فَلِلزَّوْجَةِ طَلَبُهُ بِهِ. [فَرْعٌ بَاعَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ] (فَرْعٌ: لَوْ بَاعَ) أَحَدُ (شَرِيكَيْنِ) عَبْدًا (مُشْتَرَكًا) بَيْنَهُمَا (بِإِذْنِ) شَرِيكِهِ بِأَلْفٍ مَثَلًا، وَقَالَ: لَمْ أَقْبِضْ ثَمَنَهُ، (وَادَّعَى مُشْتَرٍ دَفْعَ ثَمَنٍ لِبَائِعٍ، وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ) ؛ أَيْ: صَدَّقَ الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ الْمُشْتَرِيَ فِي دَعْوَاهُ الدَّفْعَ لِشَرِيكِهِ بَائِعِ الْعَبْدِ مِنْهُ؛ (بَرِئَ) الْمُشْتَرِي (مِمَّنْ) - أَيْ مِنْ الشَّرِيكِ - الَّذِي (صَدَّقَهُ) عَلَى الدَّفْعِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِقَبْضِ وَكِيلِهِ حَقَّهُ؛ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ بِنَفْسِهِ، وَتَبْقَى الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَشَرِيكِهِ، (وَلَا) يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْ بَائِعٍ، (فَيُطَالِبُهُ) أَيْ: يُطَالِبُ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ (بِحِصَّتِهِ) مِنْ الثَّمَنِ، وَهِيَ النِّصْفُ فِي الْمِثَالِ، فَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ، فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ شَرِيكُهُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ ظُلْمًا، فَلَا يَسْتَحِقُّ مُشَارَكَتُهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ بِالدَّفْعِ، حُكِمَ بِهَا، (وَ) يُطَالِبُ (مُصَدِّقٌ) - وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ - (الْبَائِعَ) بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ قَبَضَ؛ أَخَذَ بِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا عَلَيْهِ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ) - أَيْ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَ (لَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الشَّرِيكِ عَلَى الْبَائِعِ) لِجَرِّهِ بِهَا نَفْعًا تَتِمَّةٌ: قَالَ فِي الْمُغْنِي ": وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُخَاصَمَةِ الشَّرِيكِ قَبْلَ مُخَاصَمَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ بَعْدَهَا، وَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنْ شَرِيكَ الْبَائِعَ قَبَضَ مِنْهُ الثَّمَنَ، فَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ أَذِنَ لِلشَّرِيكِ فِي الْقَبْضِ؛ فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا؛ أَيْ: يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْ حِصَّةِ الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْقَبْضِ؛ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّةُ الْمُشْتَرِي مِنْ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُوَكِّلْهُ فِي الْقَبْضِ، فَقَبْضُهُ لَهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ. كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي عَلَى شَرِيكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ، وَلِلْبَائِعِ الْمُطَالَبَةُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ إلَيْهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُقِرٌّ بِبَقَاءِ حَقِّهِ، وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى شَرِيكِهِ؛ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ، فَإِذَا قَبَضَ حَقَّهُ فَلِشَرِيكِهِ مُشَارَكَتُهُ فِيمَا قَبَضَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَهُمَا ثَابِتٌ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، فَمَا قَبَضَ مِنْهُ يَكُونُ بَيْنَهَا؛ كَمَا لَوْ كَانَ مِيرَاثًا، وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ، وَيُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِحَقِّهِ كُلِّهِ. انْتَهَى. (وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ) - أَيْ: الْوَكِيلِ - (عَلَى مُوَكِّلِهِ، وَلَا) يَصِحُّ (صُلْحُهُ) عَنْهُ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ (إبْرَاؤُهُ) - أَيْ الْوَكِيلِ - (عَنْهُ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمُوَكِّلِ فِي الْإِقْرَارِ وَالصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ؛ صَحَّ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) - أَيْ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ - (فِي رَدِّ عَيْنٍ) عَلَى الْمُوَكِّلِ، (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي رَدِّ (ثَمَنِهَا) لَهُ بَعْدَ بَيْعِهَا؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ وَكِيلٍ) مُتَبَرِّعٍ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِنَفْعِ مَالِكِهَا لَا غَيْرُ؛ كَالْمُودَعِ، (لَا) وَكِيلَ (بِجُعْلٍ) ؛ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّ فِي قَبْضِهِ نَفْعًا لِنَفْسِهِ؛ أَشْبَهَ الْمُسْتَعِيرَ. وَإِنْ طَالَبَ مُوَكِّلٌ وَكِيلًا فِي بَيْعٍ بِثَمَنِ مَا بَاعَهُ، فَقَالَ: لَمْ أَقْبِضْهُ بَعْدُ، فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ؛ أُلْزِمَ بِهِ الْوَكِيلُ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدٍّ وَلَا تَلَفٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ خَائِنًا بِجَحْدِهِ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَإِنْ طَلَبَ الْمُوَكِّلُ الثَّمَنَ مِنْ الْوَكِيلِ، فَوَعَدَهُ رَدَّهُ، ثُمَّ ادَّعَى الْوَكِيلُ أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 كَانَ رَدُّهُ قَبْل الطَّلَبِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ تَلِفَ؛ لَمْ يُقْبَلْ - وَلَوْ بِبَيِّنَةٍ - وَإِنْ لَمْ يَعِدْهُ بِرَدِّهِ، لَكِنْ مَنَعَهُ، أَوْ مَطَلَهُ مَعَ إمْكَانِهِ، ثُمَّ ادَّعَى رَدًّا أَوْ تَلَفًا؛ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَيَبْرَأُ إذَا أَشْهَدَ بِالرَّدِّ مُطْلَقًا أَوْ بِالتَّلَفِ قَبْلَ الْمَنْعِ أَوْ الْمَطْلِ، وَإِلَّا؛ ضَمِنَ. وَإِنْ أَنْكَرَ قَبْضَ الْمَالِ، ثُمَّ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ اعْتَرَفَ، فَادَّعَى رَدًّا أَوْ تَلَفًا؛ لَمْ يُقْبَلْ - وَلَوْ بِبَيِّنَةٍ - فَإِنْ كَانَ جُحُودُهُ بِقَوْلِهِ: لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا، أَوْ مَا لَكَ عِنْدِي وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي إنْكَارِ الْقَبْضِ ابْتِدَاءً؛ سُمِعَ قَوْلُهُ، إلَّا أَنْ: يَدَّعِيَ رَدًّا أَوْ تَلَفًا بَعْدَ قَوْلِهِ مَا لَك عِنْدِي شَيْءٌ وَنَحْوُهُ؛ فَلَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ، لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ التَّلَفِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِغُرْمِ الْبَدَلِ؛ كَمَا يَأْتِي فِي الْغَاصِبِ. (وَكَذَا) - أَيْ مِثْلُ وَكِيلٍ - (وَصِيٌّ وَعَامِلٌ) عَلَى (وَقْفٍ) - وَهُوَ جَابِيهِ - (وَنَاظِرُهُ) - أَيْ الْوَقْفِ - فِي قَبُولِ قَوْلِهِمْ فِي الرَّدِّ بِيَمِينِهِمْ إنْ كَانُوا (مُتَبَرِّعِينَ) ، وَ (لَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ إنْ كَانُوا -[ (بِجُعْلٍ فِيهِنَّ) - أَيْ فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْعَامِلِ وَالنَّاظِرِ إذَا] ادَّعَوْا رَدَّ الْعَيْنِ (وَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُ وَكِيلٍ فِي رَدِّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ الثَّمَنِ، لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ كَالْمُسْتَعِيرِ (إلَى وَرَثَةِ مُوَكِّلٍ) قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتَمِنُوهُ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَكِيلٍ فِي رَدِّ مَالِ مُوَكِّلِهِ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَبْرَأُ بِدَفْعِهِ (إلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ) ؛ كَدَفْعِهِ إلَى (زَوْجَةِ) الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتَمِنْهُ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ مَأْذُونٌ بِالدَّفْعِ إلَيْهَا فَلَمْ يَبْرَأْ (لَا) إنْ دَفَعَهُ (بِإِذْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوَكِّلِ فَإِنْ أَذِنَ بِالدَّفْعِ لِزَوْجَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا، بِأَنْ أَذِنَ لَهُ بِدَفْعِ دِينَارٍ لِزَيْدٍ قَرْضًا، فَدَفَعَهُ لَهُ، وَأَنْكَرَهُ زَيْدٌ؛ لَمْ يَضْمَنْ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ مَأْذُونٌ فِي فِعْلِهِ. قَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ بِإِذْنِ الْوَكِيلِ؛ قُبِلَ قَوْلُ الْوَكِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ انْتَهَى. وَمَا يَأْتِي فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ الْوَدِيعِ فِي الرَّدِّ إلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً؛ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ: الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى " " قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ ": وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَكِيلٍ فِي دَفْعِ مَالِ الْمُوَكِّلِ إلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ - وَلَوْ بِإِذْنِهِ وَلَا يَخْفَى عَلَى طَالِبِ الِانْتِفَاعِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى مِنْ " الْمُنْتَهَى " وَالْإِقْنَاعِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُ (وَرَثَةِ وَكِيلٍ فِي دَفْعِ) مَالٍ (لِمُوَكِّلٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ (وَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُ (مُسْتَأْجِرٍ) نَحْوِ دَابَّةٍ فِي رَدِّهَا، وَلَا مُضَارِبٍ وَمُرْتَهِنٍ وَكُلِّ مَنْ قَبَضَ الْعَيْنَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ؛ كَالْمُسْتَعِيرِ (وَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُ (أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ) ؛ كَصَبَّاغٍ وَصَائِغٍ وَخَيَّاطٍ فِي رَدِّ الْعَيْنِ (وَيَتَّجِهُ وَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُ أَجِيرٍ (خَاصٍّ لِقَبْضِهِ الْعَيْنَ لِحَظِّ نَفْسِهِ) ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْإِقْنَاعِ " وَكَذَا قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ " وَالْمُذَهَّبِ " وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ " " وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَدَعْوَى كُلِّ أَمِينٍ) مِنْ وَكِيلٍ وَمُرْتَهِنٍ وَمُضَارِبٍ وَمُودَعٍ (تَلَفًا بِحَادِثٍ ظَاهِرٍ) ؛ كَحَرِيقٍ وَنَهْبِ جَيْشٍ وَنَحْوِهِ؛ (لَا تُقْبَلُ) قَوْلُهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِالْحَادِثِ) الظَّاهِرِ؛ لِعَدَمِ خَفَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ غَالِبًا، وَلِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 الْأَصْلَ عَدَمُهُ، ثُمَّ يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ ذُكِرَ فِي التَّلَفِ بِيَمِينِهِ؛ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى تَلَفِ الْعَيْنِ بِهِ، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ التَّلَفَ، وَأَطْلَقَ، أَوْ أَسْنَدَهُ إلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، (وَمَرَّ) ذَلِكَ (فِي) بَابِ (الرَّهْنِ) مُفَصَّلًا. [فَائِدَةٌ لَا ضَمَانَ عَلَى وَكِيلٍ بِشَرْطٍ] ٍ؛ بِأَنْ قَالَ لَهُ: وَكَّلْتُك بِشَرْطِ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ مِنْك فَإِذَا تَلِفَ مِنْهُ شَيْءٌ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَالشَّرْطُ لَاغٍ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ (وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِلَا جُعْلٍ) إذَا كَانَ الْوَكِيلُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَ أَنَسًا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ، وَوَكَّلَ عُرْوَةَ فِي شِرَاءِ شَاةٍ، وَوَكَّلَ عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ فِي الْإِيجَابِ، وَوَكَّلَ أَبَا رَافِعٍ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ. (وَ) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِجُعْلٍ (مَعْلُومٍ) كَدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دِرْهَمٍ صِفَتُهُ كَذَا (أَيَّامًا مَعْلُومَةً) ؛ بِأَنْ يُوَكِّلَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كُلُّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ، (أَوْ يُعْطِيَهُ مِنْ الْأَلْفِ) مَثَلًا (شَيْئًا مَعْلُومًا) ؛ كَعَشَرَةٍ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ، وَيَجْعَلُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا» ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لِغَيْرِهِ لَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ، جَازَ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَيْهِ؛ كَرَدِّ الْآبِقِ. (وَلَا) يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ (مِنْ كُلِّ ثَوْبٍ كَذَا لَمْ يَصِفْهُ) - أَيْ الثَّوْبَ - (وَلَمْ يُقَدِّرْ ثَمَنَهُ) ؛ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى، وَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِجُعْلٍ مَجْهُولٍ لِفَسَادِ الْعِوَضِ وَيَصِحُّ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ بِعُمُومِ الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ، (وَلَهُ) - أَيْ الْوَكِيلِ - حِينَئِذٍ (أَجْرُ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. (وَإِنْ عَيَّنَ) مُوَكِّلٌ (ثِيَابًا مُعَيَّنَةً فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ) ، بِأَنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: كُلُّ ثَوْبٍ بِعْته مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ؛ فَلَكَ عَلَى بَيْعِهِ كَذَا، أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ اشْتَرَيْته مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ؛ فَلَكَ عَلَى شِرَائِهِ كَذَا وَعَيَّنَهُ. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ (مِنْ غَيْرِ إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ؛ صَحَّ) الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَلَا يَفْتَقِرُ عَقْدُهُ مَعَ مَنْ عَيَّنَهُ لَهُ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا قَالَ لَهُ اشْتَرِ لِي ثِيَابًا مِنْ زَيْدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 وَلَك كَذَا، وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ اشْتَرِ لِي ثِيَابًا صِفَتُهَا كَذَا أَوْ يُطْلِقُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ وَزَوَالُ الْجَهَالَةِ، وَقَدْ حَصَلَ، (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) ، فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ كَوْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ مُعَيَّنٍ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَقَوْلُهُ صَحَّ جَوَابُ الشَّرْطِ؛ أَيْ: صَحَّ مَا عَيَّنَهُ لَهُ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ بِذَلِكَ؛ كَقَوْلِ مُوَكِّلٍ: (بِعْ ثَوْبِي) هَذَا (بِكَذَا) - أَيْ عَشَرَةٍ - مَثَلًا، (فَمَا زَادَ فَلَكَ) ؛ صَحَّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْبَيْعُ، فَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّوْبَ بِزَائِدٍ عَمَّا عَيَّنَهُ وَهُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ؛ فَهُوَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَرْبَحْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ. (وَيَسْتَحِقُّ) الْوَكِيلُ (جُعْلَهُ قَبْلَ تَسْلِيمِ ثَمَنِهِ لِمُوَكِّلٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِالْعَمَلِ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَقَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ [وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِخْلَاصُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي (إلَّا إنْ اشْتَرَطَ) ؛ أَيْ: اشْتَرَطَ الْمُوَكِّلُ] عَلَى الْوَكِيلِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْجُعْلَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ؛ بِأَنْ قَالَ لَهُ: إنْ بِعْت، وَسَلَّمْت إلَيَّ الثَّمَنَ فَلَكَ كَذَا؛ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفِّ بِالْعَمَلِ الْمُشْتَرَطِ عَلَيْهِ. [فَصْلٌ فِي مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ فَادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ وَكِيلُ رَبِّهِ فِي قَبْضِهِ] (فَصْلٌ: وَمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ) مِنْ دَيْنٍ كَثَمَنٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ أَوْ عَيْنٍ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا (فَادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ وَكِيلُ رَبِّهٍ فِي قَبْضِهِ) - أَيْ: ذَلِكَ الْحَقَّ - (أَوْ) ادَّعَى أَنَّ رَبَّهُ مَاتَ، وَأَنَّهُ (وَصِيُّهُ) - أَيْ: وَصِيُّ رَبِّهِ (أَوْ) ادَّعَى أَنَّهُ (أُحِيلَ بِهِ) - أَيْ: الدَّيْنِ - مِنْ رَبِّهِ عَلَيْهِ، (فَصَدَّقَهُ) ؛ أَيْ: صَدَّقَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ مُدَّعِي الْوَكَالَةَ أَوْ الْوَصِيَّ أَوْ الْحَوَالَةَ - (وَلَا بَيِّنَةَ) مَعَ الْمُدَّعِي - (لَمْ يَلْزَمْهُ) - أَيْ: مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ - (دَفْعٌ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْمُدَّعِي - لِجَوَازِ أَنْ يُنْكِرَ رَبُّ الْحَقِّ الْوَكَالَةَ أَوْ الْحَوَالَةَ أَوْ يَظْهَرَ حَيًّا فِي دَعْوَى الْوَصِيَّةِ؛ فَلَا يَبْرَأُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِهَذَا الدَّفْعِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُحِقِّ. (وَإِنْ كَذَّبَهُ) أَيْ: كَذَّبَ مَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 عَلَيْهِ الْحَقُّ الْمُدَّعِي لِذَلِكَ؛ (لَمْ يُسْتَحْلَفْ) ؛ لِعَدَمِ فَائِدَةِ اسْتِحْلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، (وَإِنْ دَفَعَهُ) ؛ أَيْ: دَفَعَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي ذَلِكَ، (وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ) - أَيْ: صَاحِبُ الْحَقِّ - (ذَلِكَ) ؛ أَيْ: كَوْنُهُ وَكَّلَهُ أَوْ أَحَالَهُ [ (حَلَفَ) رَبُّ الْحَقِّ أَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَحَالَهُ عَلَيْهِ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ] الْمُدَّعِي، (وَرَجَعَ) رَبُّ الْحَقِّ (عَلَى دَافِعٍ) وَحْدَهُ (إنْ كَانَ) الْمَدْفُوعُ (دَيْنًا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ بِدَفْعِهِ لِغَيْرِ رَبِّهِ أَوْ وَكِيلِهِ، وَلَمْ يُثْبِتْ وَكَالَةَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ الَّذِي أَخَذَهُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ أَوْ الْحَوَالَةِ عَيْنَ مَالِ الدَّافِعِ فِي زَعْمِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَتَعَيَّنَ رُجُوعُهُ عَلَى الدَّافِعِ، فَإِنْ نَكَلَ رَبُّ الْحَقِّ عَنْ الْحَلِفِ؛ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ يَرْجِعُ بِظُهُورِهِ حَيًّا، (وَ) رَجَعَ (دَافِعٌ عَلَى مُدَّعٍ) - أَيْ: مُدَّعِي الْوَكَالَةِ أَوْ الْحَوَالَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ - بِمَا دَفَعَهُ (مَعَ بَقَائِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ وَالدَّافِعَ يَزْعُمَانِ أَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْحَقِّ، وَأَنَّهُ ظَالِمٌ لِلدَّافِعِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ، فَيَرْجِعُ الدَّافِعُ فِيمَا أَخَذَ مِنْهُ الْمُدَّعِي، وَيَكُونُ قِصَاصًا مِمَّا أَخَذَهُ مِنْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، (أَوْ) يَرْجِعُ دَافِعٌ عَلَى قَابِضٍ بِبَدَلِهِ مَعَ (تَعَدِّيهِ) - أَيْ: الْقَابِضِ - أَوْ تَفْرِيطِهِ (فِي تَلَفٍ) بِهِ لِأَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ شَيْءٍ مَعَ بَقَائِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ مَعَ إتْلَافِهِ إيَّاهُ، فَإِنْ تَلِفَ بِيَدِ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ دَافِعٌ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ أَمِينٌ حَيْثُ صَدَّقَهُ فِي دَعْوَاهُ الْوَكَالَةَ أَوْ الْوَصِيَّةَ، (وَ) أَمَّا (مَعَ) دَعْوَى (حَوَالَةٍ) فَيَرْجِعُ دَافِعٌ عَلَى قَابِضٍ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ بَقِيَ فِي يَدِهِ أَوْ تَلِفَ بِتَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ لِنَفْسِهِ، فَقَدْ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَانَ) الْمَدْفُوعُ لِمُدَّعِي وَكَالَةٍ أَوْ وَصِيَّةً (عَيْنًا كَوَدِيعَةٍ وَمَغْصُوبٍ) وَعَارِيَّةٍ وَمَقْبُوضٍ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ (وَوَجَدَهَا) - أَيْ: الْعَيْنَ - (رَبُّهَا) بِيَدِ الْقَابِضِ أَوْ غَيْرِهِ؛ (أَخَذَهَا) مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ حَقِّهِ؛ وَلَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ بِرَدِّهَا، فَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الْوَدِيعَ وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 مُدَّعِيَ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ عَيْنَ مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنْ طَالَبَ الدَّافِعُ فَلِلدَّافِعِ مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ بِهَا وَأَخْذِهَا مِنْ يَدِهِ لِيُسَلِّمَهَا لِرَبِّهَا، وَيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهَا. هَذَا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ تَلِفَتْ أَوْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا؛ - (ضَمَّنَ) - بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ - (أَيَّهُمَا شَاءَ) مِنْ الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِرَدِّ بَدَلِهَا؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ مَالًا يَسْتَحِقُّهُ، وَالدَّافِعُ تَعَدَّى بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ، فَتَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، (وَلَا يَرْجِعُ غَارِمٌ) عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّ مَا أَخَذَهُ ظُلْمٌ؛ وَيُقِرُّ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ صَاحِبِهِ تَعَدٍّ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِظُلْمِ غَيْرِهِ (إلَّا لِمَنْ) تَعَدَّى، أَوْ (فَرَّطَ آخِذُ) الْعَيْنِ - وَهُوَ الَّذِي ادَّعَى الْوَكَالَةَ - اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْوَكِيلَ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمَّنَ الدَّافِعَ؛ رَجَعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُقِرُّ أَنَّهُ قَبَضَهُ قَبْضًا صَحِيحًا، لَكِنْ إنَّمَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ بِتَفْرِيطِهِ وَتَعَدِّيهِ، فَالدَّافِعُ يَقُولُ: ظَلَمَنِي الْمَالِكُ بِالرُّجُوعِ عَلَيَّ، وَلَهُ عَلَى الْوَكِيلِ حَقٌّ يَعْتَرِفُ بِهِ الْوَكِيلُ، فَيَأْخُذُهُ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ " هَذَا إذَا صَدَّقَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ الْمُدَّعِيَ، (وَ) أَمَّا (مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِ دَافِعٍ) لِمُدَّعِي الْوَكَالَةِ وَنَحْوِهَا؛ (فَيَرْجِعُ) دَافِعٌ عَلَى قَابِضٍ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا بَقِيَ أَوْ تَلِفَ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وِفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِوَكَالَتِهِ، وَلَمْ تَثْبُتْ بَيِّنَةٌ. قَالَ: وَمُجَرَّدُ التَّسْلِيمِ لَيْسَ تَصْدِيقًا، (وَمَعَ دَعْوَاهُ) ؛ أَيْ: دَعْوَى الدَّافِعِ لِمُدَّعِي الْوَكَالَةِ (إذْنَ مَالِكٍ فِي) مَسْأَلَةِ (الْوَدِيعَةِ لَا رُجُوعَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى وَدِيعٍ دَفَعَ لِمُدَّعِي الْوَكَالَةِ - (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمَالِكُ أَوْ لَا؛ لِدَعْوَاهُ دَفْعًا يَبْرَأُ بِهِ مِنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى مَالِكِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ لِلْمَالِكِ سِوَى الْيَمِينِ نَصًّا. (وَإِنْ ادَّعَى) الْمَطَالِبُ (مُؤْنَةً) - أَيْ: رَبُّ الْحَقِّ - (وَأَنَّهُ وَارِثُهُ) ؛ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ (لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: لَزِمَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ (دَفْعُهُ) لِمُدَّعِي إرْثِهِ (مَعَ تَصْدِيقٍ) مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِالْحَقِّ، وَأَنَّهُ يَبْرَأُ بِهَذَا الدَّفْعِ؛ فَلَزِمَهُ الدَّفْعُ؛ كَمَا لَوْ طَلَبَهُ مُورِثُهُ، وَلَزِمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 (حَلِفُهُ) - أَيْ: مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ - (عَلَى نَفْيِ عِلْمٍ) لِأَنَّ الْيَمِينَ هُنَا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، فَكَانَتْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ (مَعَ إنْكَارِ) مَوْتِ رَبِّ الْحَقِّ وَأَنَّ الْمَطَالِبَ وَارِثُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ الدَّفْعُ مَعَ الْإِقْرَارِ؛ لَزِمَهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ. (وَمَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي رَدٍّ) كَوَدِيعٍ وَوَكِيلٍ وَوَصِيٍّ مُتَبَرِّعٍ، (وَطُلِبَ مِنْهُ) الرَّدُّ؛ (لَزِمَهُ) الرَّدُّ، (وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِيُشْهِدَ) عَلَى رَبِّ الْحَقِّ بِهِ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِقَبُولِ دَعْوَاهُ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ مَتَى ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ، وَثَبَتَ؛ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي الرَّدِّ، (وَكَذَا مُسْتَعِيرٌ وَنَحْوُهُ) مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ؛ كَمُرْتَهِنٍ وَمُعْتَرِضٍ وَغَاصِبٍ حَيْثُ (لَا حُجَّةَ) - أَيْ: لَا بَيِّنَةَ - (عَلَيْهِ) ؛ فَيَلْزَمُهُ الدَّفْعُ بِطَلَبِ رَبِّ الْحَقِّ، وَلَا يُؤَخِّرُ لِيُشْهِدَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْجَوَابِ بِنَحْوِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا، وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ. (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، (أَخَّرَ) الرَّدَّ لِيُشْهِدَ عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا يُنْكِرَهُ الْقَابِضُ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ، وَإِنْ قَالَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ؛ (كَدَيْنٍ بِحُجَّةٍ) - أَيْ: بَيِّنَةٍ - فَلِلْمَدِينِ تَأْخِيرُهُ لِيُشْهِدَ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ) وَلَا ضَمَانَ عَلَى مُؤَخِّرِ دَيْنٍ بِحُجَّةٍ لِيُشْهِدَ (لَوْ حَصَلَ تَلَفٌ زَمَنَ تَأْخِيرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَلْزَمُ) رَدَّ الْحَقِّ (دَفْعُ الْحُجَّةِ) - أَيْ: الْوَثِيقَةِ الْمَكْتُوبِ فِيهَا الدَّيْنِ وَنَحْوِهِ - (لِمَدِينٍ) ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا لِغَيْرِهِ، (وَفَّى) ؛ أَيْ: أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ حَالَةَ كَوْنِ الْمُؤَدِّي (مُشْهِدًا) بِمَا أَدَّاهُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الدَّفْعِ تُسْقِطُ الْبَيِّنَةَ الْأُولَى، وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ دَفْعُ حُجَّةِ مَا بَاعَهُ لِمُشْتَرٍ، بَلْ يَلْزَمُ رَبَّ الْحَقِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 الْإِشْهَادُ بِأَنَّهُ قَبَضَ، وَالْبَائِعَ الْإِشْهَادُ بِأَنَّهُ بَاعَ. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: الْعُرْفُ الْآنَ تَسْلِيمُ الْحُجَّةِ لَهُ، وَلَوْ قِيلَ بِالْعَمَلِ بِهِ لَمْ يَبْعُدْ؛ كَمَا فِي مَوَاضِعَ انْتَهَى. [فَرْعٌ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ وَكَّلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ يَوْمَ السَّبْتِ] (فَرْعٌ: لَوْ شَهِدَ) شَاهِدٌ (وَاحِدٌ أَنَّهُ وَكَّلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَ) شَهِدَ شَاهِدٌ (آخَرُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ يَوْمَ السَّبْتِ) ؛ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَيْرُ التَّوْكِيلِ يَوْمَ السَّبْتِ، فَلَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ (أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ) ؛ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ غَيْرُ التَّوْكِيلِ بِالْعَجَمِيَّةِ؛ فَلَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ. (أَوْ) شَهِدَ (أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ) لَهُ: (وَكَّلْتُك، وَ) شَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ (لَهُ) (أَذِنْت لَك فِي التَّصَرُّفِ) ؛ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ (أَوْ) شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ: وَكَّلْتُك، وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: (جَعَلْتُك وَكِيلًا) أَوْ جَرِيًّا قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْجَرِيُّ الْوَكِيلُ وَالرَّسُولُ؛ (لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُخْتَلِفٌ؛ فَلَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ عَلَى [شَيْءٍ وَاحِدٍ. (وَيَتَّجِهُ بَلْ تَتِمُّ) الشَّهَادَةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ] الْمَأْذُونِ فِيهِ وَاخْتِلَافِ اللَّفْظِ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ عَلَى فِعْلٍ مُتَّحِدٍ فِي نَفْسِهِ إذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَاهَا فِي وَقْتِ الْفِعْلِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ صِفَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ؛ لَمْ تُقْبَلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 (وَتَتِمُّ) الشَّهَادَةُ (شَهِدَ أَحَدُهُمَا) - أَيْ: أَحَدُ شَاهِدَيْنِ - (أَنَّهُ) - أَيْ: الْمُوَكِّلُ - (أَقَرَّ بِتَوْكِيلِهِ) - أَيْ: الْوَكِيلِ - (يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ) بِذَلِكَ (يَوْمَ السَّبْتِ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَيَشُقُّ جَمْعُ الشُّهُودِ لِيُقِرَّ عِنْدَهُمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ (أَوْ) شَهِدَ أَحَدُهُمَا (أَنَّهُ أَقَرَّ) عِنْدَهُ (بِهِ) - أَيْ: بِالتَّوْكِيلِ - (بِالْعَرَبِيَّةِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ) أَنَّهُ أَقَرَّ (بِالْعَجَمِيَّةِ) ؛ كَمُلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِعَدَمِ التَّنَافِي. (أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ، وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ) ؛ كَمُلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِاتِّحَادِ الْمَعْنَى، وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَحْكِيَا لَفْظَ الْمُوَكِّلِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَا عَنْهُ بِلَفْظِهِمَا، وَاخْتِلَافُ لَفْظِهِمَا لَا يُؤَثِّرُ إذَا اتَّفَقَا عَلَى مَعْنَاهُ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُمَا هُنَاكَ اتَّفَقَا عَلَى اتِّحَادِ الصِّيغَةِ، وَاخْتَلَفَا فِيهَا، وَهُنَا لَمْ يَتَعَرَّضَا لِلصِّيغَةِ. (وَلَوْ شَهِدَ) أَحَدُهُمَا (أَنَّهُ) أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ (وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ، وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ أَنَّهُ) أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ (وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ وَ) فِي بَيْعِ (جَارِيَتِهِ تَمَّتْ) الشَّهَادَةُ، وَحُكِمَ بِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ (فِي الْعَبْدِ) ؛ لِإِنْفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَزِيَادَةٍ، وَالثَّانِي لَا يَقْدَحُ فِي تَصَرُّفِهِ فِي الْأَوَّلِ؛ فَلَا يَضُرُّهُ، وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ الثَّانِي، وَتَثْبُتُ الْوَكَالَةُ أَيْضًا فِي الْجَارِيَةِ. وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ لِزَيْدٍ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ لِزَيْدٍ، وَإِنْ شَاءَ فَلِعَمْرٍو؛ تَمَّتْ. وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ وَكِيلُهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ جَرْيُهُ أَوْ أَنَّهُ وَصِيٌّ إلَيْهِ بِالتَّصَرُّفِ؛ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ، وَتَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِذَلِكَ؛ لِعَدَمِ التَّنَافِي؛ لِإِمْكَانِ تَعْدَادِ الْإِقْرَارِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 [كِتَابُ الشَّرِكَةِ] (كِتَابُ الشَّرِكَةِ) الشَّرِكَةُ: بِوَزْنِ سَرِقَةٍ وَتَمْرَةٍ وَنِعْمَةٍ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] . وقَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24] الْآيَةَ وَالْخُلَطَاءُ هُمْ الشُّرَكَاءُ، وَمِنْ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ: «أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ كَانَا شَرِيكَيْنِ، فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُمَا أَنْ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ، وَمَا كَانَ بِنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ» وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ أَحَدُهُمَا خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَدُ اللَّهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَتَخَاوَنَا» وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الشَّرِكَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنْوَاعِهَا. وَهِيَ (قِسْمَانِ) : أَحَدُهُمَا (اجْتِمَاعٌ فِي اسْتِحْقَاقٍ كَشَرِكَةِ إرْثٍ) ؛ بِأَنْ مَلَكَ اثْنَانِ أَوْ جَمَاعَةٌ عَبْدًا أَوْ دَارًا أَوْ نَحْوَهُمَا (وَوَصِيَّةٌ) ؛ كَمَا لَوْ وَرِثَ اثْنَانِ أَوْ جَمَاعَةٌ عَبْدًا أَوْ نَحْوَهُ مُوصِي بِنَفْعِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنَّ الْوَرَثَةَ شُرَكَاءُ فِي رَقَبَتِهِ فَقَطْ. (وَهِبَةٌ فِي عَيْنٍ) ؛ كَمِلْكِ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ عَبْدًا أَوْ نَحْوَهُ بِهِبَةٍ أَوْ مَغْنَمٍ، (أَوْ مَنْفَعَةٌ) دُونَ الْعَيْنِ؛ كَمَا لَوْ وُصِّيَ لِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ. الْقِسْمُ (الثَّانِي) : اجْتِمَاعٌ (فِي تَصَرُّفٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ) هُنَا. (وَتُكْرَهُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 شَرِكَةُ مُسْلِمٍ (مَعَ كَافِرٍ) كَمَجُوسِيٍّ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَوَثَنِيٍّ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا نَأْمَنُ مِنْ مُعَامَلَتِهِ بِالرِّبَا وَبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ يَلِي التَّصَرُّفَ. قَالَ أَحْمَدُ فِي الْمَجُوسِيِّ: مَا أُحِبُّ مُخَالَطَتَهُ وَمُعَامَلَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِلُّ مَا لَا يَسْتَحِلُّ هَذَا و (لَا) تُكْرَهُ الشَّرِكَةُ مَعَ (كِتَابِيٍّ لَا يَلِي التَّصَرُّفَ) ، بَلْ يَلِيهِ الْمُسْلِمُ؛ لِحَدِيثِ الْخَلَّالِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مُشَارَكَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ بِيَدِ الْمُسْلِمِ» ، وَلِانْتِفَاءِ الْمَحْظُورِ بِتَوَلِّي الْمُسْلِمِ التَّصَرُّفَ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَكْرَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمُسْلِمُ الْيَهُودِيَّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَلِيَ التَّصَرُّفَ. وَمَا يَشْتَرِيهِ كَافِرٌ مِنْ نَحْوِ خَمْرٍ بِمَالِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَفَاسِدٌ، وَيَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لِلْمُسْلِمِ، وَلَا يَثْبُتُ مِلْكٌ لِمُسْلِمٍ عَلَى خَمْرٍ؛ أَشْبَهَ شِرَاءَهُ مَيْتَةً وَمُعَامَلَتَهُ بِالرِّبَا، وَمَا خَفِيَ أَمْرُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَالْأَصْلُ حِلُّهُ. (وَ) تُكْرَهُ (مُعَامَلَةُ مَنْ فِي مَالِهِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ يُجْهَلُ) ، وَكَذَا إجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَأَكْلُ هَدِيَّتِهِ وَصَدَقَتِهِ وَنَحْوِهَا، وَيَأْتِي فِي الْوَلِيمَةِ، وَتُقَوَّى الْكَرَاهَةُ وَتُضَعَّفُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْحَرَامِ وَقِلَّتِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ.» الْحَدِيثَ. (وَإِنْ خُلِطَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - (زَيْتٌ حَرَامٌ) كَمَغْصُوبٍ (يُجْهَلُ مَالِكُهُ) بِزَيْتٍ (مُبَاحٍ؛ تَصَدَّقَ بِهِ) وُجُوبًا، وَثَوَابُهُ لِمَالِكِهِ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَانِ الْغَصْبِ إنْ عَرَفَهُ انْتَهَى. وَإِنْ عَرَفَ مَالِكَهُ، كَانَ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ، وَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِهِ عَنْهُ بِدُونِ ضَمَانٍ إضَاعَةٌ لَهُ، لَا إلَى بَدَلٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (وَ) إنْ خُلِطَ (دِرْهَمٌ) حَرَامٌ (بِدَرَاهِمَ) مُبَاحَةٍ؛ وَجَبَ أَنْ (يَتَصَدَّقَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 بِدِرْهَمٍ (وَاحِدٍ) لَا غَيْرُ، (فَإِنْ جُهِلَ قَدْرُهُ) - أَيْ: الْمُخْتَلِطِ - بِأَنْ اخْتَلَطَتْ قَبْضَةٌ بِقَبَضَاتٍ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ (يَتَصَدَّقَ بِمَا يَرَاهُ حَرَامًا) ؛ بِأَنْ يَتَحَرَّى، وَيُخْرِجَ مِقْدَارًا يَزِيدُ عَنْ الْقَبْضَةِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ، هَذَا إذَا جَهِلَ مَالِكُهُ الْحَرَامَ، (وَ) أَمَّا إذَا خُلِطَ غَيْرُ الْمُتَمَيِّزِ (مَعَ عِلْمِ مَالِكِهِ) ؛ فَهُمَا (شَرِيكَانِ) فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِطُ زَيْتًا بِمِثْلِهِ؛ لَزِمَهُ مِثْلُهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى [رَدِّ] بَعْضِ مَالِهِ إلَيْهِ مَعَ رَدِّ الْمِثْلِ فِي الْبَاقِي، فَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى بَدَلِهِ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِطُ دَرَاهِمَ جُهِلَ قَدْرُهَا، وَعُلِمَ مَالِكُهَا؛ فَيَرُدُّ إلَيْهِ مِقْدَارًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْبَرَاءَةُ بِهِ مِنْهُ (وَهُوَ) - أَيْ: الْقِسْمُ الثَّانِي - (أَضْرُبٌ) خَمْسَةٌ جَمْعُ ضَرْبٍ وَهُوَ الصِّنْفُ. (أَحَدُهَا شَرِكَةُ عِنَانٍ) ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا، بَلْ فِي بَعْضِ شُرُوطِهَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْمَالِ وَالتَّصَرُّفِ، كَالْفَارِسَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا فِي السَّيْرِ، فَإِنَّ عِنَانَيْ فَرَسَيْهِمَا يَكُونَانِ سَوَاءً، أَوْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي جَمِيعِ الْمَالِ، كَمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي عِنَانِ فَرَسِهِ كَيْفَ شَاءَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ إذَا أَعْرَضَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَنَّ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ صَاحِبَهُ، أَوْ مِنْ الْمُعَانَتَةِ، وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ، يُقَالُ عَانَنْتُ فُلَانًا إذَا عَارَضْتُهُ بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُعَارِضٌ لِصَاحِبِهِ بِمَالِهِ وَعَمَلِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 (وَهِيَ) - أَيْ شَرِكَةُ الْعِنَانِ (أَنْ يُحْضِرَ كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ عَدَدِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (جَائِزُ التَّصَرُّفِ) ، فَلَا تُعْقَدُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ، وَلَا مَعَ صَغِيرٍ وَلَا سَفِيهٍ (مِنْ مَالِهِ) ، أَوْ مَالِ مَحْجُورِهِ وَمُوَكِّلِهِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ. وَلَا تَنْعَقِدُ بِنَحْوِ مَغْصُوبٍ (نَقْدًا) ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً (مَضْرُوبًا) - أَيْ مَسْكُوكًا وَلَوْ بِسِكَّةِ كُفَّارٍ (مَعْلُومًا) قَدْرًا أَوْ صِفَةً وَيَصِحُّ - (وَلَوْ) كَانَ (مَغْشُوشًا قَلِيلًا) - لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، (أَوْ) كَانَ النَّقْدُ (مِنْ جِنْسَيْنِ كَذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ كَانَ مُتَفَاوِتًا) ؛ بِأَنْ أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا مِائَةً وَالْآخَرُ مِائَتَيْنِ، (أَوْ) كَانَ مُخْتَلِطًا (شَائِعًا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إنْ عَلِمَ كُلٌّ مِنْهُمْ قَدْرَ مَالِهِ) ؛ كَمَا وَرِثُوهُ، لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ، وَلِآخَرَ الثُّلُثُ، وَلِآخَرَ السُّدُسُ، وَاشْتَرَكُوا فِيهِ قَبْلَ قِسْمَتِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى عَرَضٍ نَصًّا؛ لِوُقُوعِهَا عَلَى عَيْنِ الْعِوَضِ أَوْ قِيمَتِهِ أَوْ ثَمَنِهِ، أَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يَجُوزُ وُقُوعُهَا عَلَيْهَا؛ لِاقْتِضَاءِ الشَّرِكَةِ الرُّجُوعَ عِنْدَ الْمُفَاضَلَةِ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِثْلِهِ، وَالْعَيْنُ لَا مِثْلَ لَهَا، فَيُرْجَعُ إلَيْهِ، وَقَدْ تَزِيدُ قِيمَةُ جِنْسِ عُرُوضِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. فَيَسْتَوْعِبُ بِذَلِكَ جَمِيعَ الرِّبْحِ أَوْ جَمِيعَ الْمَالِ، وَقَدْ تُنْقَضُ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يُشَارِكَهُ الْآخَرُ فِي ثَمَنِ مِلْكِهِ الَّذِي لَيْسَ بِرِبْحٍ. وَأَمَّا الْقِيمَةُ فَلَا تَجُوزُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَزِيدُ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ بَيْعِهِ، فَيُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِي الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ؛ وَأَمَّا الثَّمَنُ فَلَا تَجُوزُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ حَالَ الْعَقْدِ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الَّذِي اُشْتُرِيَتْ بِهِ، فَقَدْ صَارَ لِبَائِعِهَا، وَإِنْ أُرِيدَ الَّذِي تُبَاعُ بِهِ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ تَصِيرُ مُعَلَّقَةً عَلَى شَرْطٍ، وَهُوَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِ النَّقْدِ مَضْرُوبًا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ؛ فَلِأَنَّهَا قِيمَةُ الْمُتْلَفَاتِ وَأَثْمَانُ الْبِيَاعَاتِ، وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَشْتَرِكُونَ عَلَيْهَا مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى زَمَنِنَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. وَغَيْرُ الْمَضْرُوبِ كَالْعُرُوضِ. وَأَمَّا اعْتِبَارُ إحْضَارِ مَالِ الشَّرِكَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلِتَقْرِيرِ الْعَمَلِ وَتَحْقِيقِ الشَّرِكَةِ كَالْمُضَارَبَةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ مَعْلُومًا فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرُّجُوعِ بِرَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ الْمُفَاضَلَةِ، وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ مَعَ جَهْلِهِ، وَكَوْنُهَا تَصِحُّ عَلَى الْجِنْسَيْنِ فِي النُّصُوصِ؛ لِإِمْكَانِ كُلِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 وَاحِدٍ عِنْدَ الْمُفَاضَلَةِ الرُّجُوعُ بِجِنْسِ مَالِهِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا. وَيَأْتِي. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَرْجِعُ هَذَا بِدَنَانِيرِهِ وَهَذَا بِدَرَاهِمِهِ. وَأَمَّا كَوْنُهَا تَصِحُّ مَعَ عَدَمِ تَسَاوِي الْمَالَيْنِ مِنْهُمَا؛ فَلِأَنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْخَلْطُ. وَأَمَّا كَوْنُهَا تَصِحُّ عَلَى النَّقْدِ الْمَضْرُوبِ الشَّائِعِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ؛ فَلِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْأَمَانَةِ، وَذَلِكَ يَجْرِي عَلَى الشَّائِعِ كَمَا يَجْرِي عَلَى غَيْرِهِ (لِيَعْمَلَ) مُتَعَلِّقٌ ب يُحْضِرَ (فِيهِ) - أَيْ فِي جَمِيعِ الْمَالِ - (كُلٌّ) مِمَّنْ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ (عَلَى أَنَّ لَهُ) - أَيْ كُلِّ مَنْ لَهُ فِي الْمَالِ شَيْءٌ - (مِنْ الرِّبْحِ) الْحَاصِلِ بِالْعَمَلِ (بِنِسْبَةِ مَالِهِ) مِنْ الْمَالِ، فَمَنْ لَهُ فِيهِ النِّصْفُ لَهُ نِصْفُ الرِّبْحِ، وَمَنْ لَهُ فِيهِ الثُّلُثُ لَهُ ثُلُثُ الرِّبْحِ، وَمَنْ لَهُ فِيهِ السُّدُسُ لَهُ سُدُسُ الرِّبْحِ، (أَوْ) عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (جُزْءًا مُشَاعًا مَعْلُومًا) مِنْ الرِّبْحِ، (وَلَوْ) كَانَ (مُتَفَاضِلًا) ؛ كَأَنْ شُرِطَ لِوَاحِدٍ (أَقَلُّ مِنْ مَالِهِ) مِنْ الرِّبْحِ؛ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ، فَيُجْعَلُ لَهُ ثُلُثُ الرِّبْحِ؛ لِقُصُورِهِ عَنْ الْعَمَلِ، (أَوْ) شُرِطَ (أَكْثَرُ) مِنْ مَالِهِ؛ كَأَنْ يُجْعَلَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ مَثَلًا نِصْفُ الرِّبْحِ؛ لِقُوَّةِ حِذْقِهِ، فَجَازَ أَخْذُهُ أَكْثَرَ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِالْعَمَلِ كَالْمُضَارِبِ، (أَوْ يُقَالُ) عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ (بَيْنَنَا فَيَسْتَوُونَ فِيهِ) ؛ لِإِضَافَتِهِمْ إلَيْهِ إضَافَةً وَاحِدَةً بِلَا تَرْجِيحٍ. (وَلَوْ) كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ و (تَفَاوَتَا فِي رَأْسِ الْمَالِ) ؛ بِأَنْ أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ، وَقَالَا الرِّبْحُ بَيْنَنَا؛ فَيَتَنَاصَفَاهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِمَا إضَافَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، فَاقْتَضَتْ التَّسْوِيَةَ كَقَوْلِهِ هَذِهِ الدَّارُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ (أَوْ لِيَعْمَلَ) فِيهِ (الْبَعْضُ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَقَطْ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ) - أَيْ الْعَامِلِ مِنْهُمْ - (أَكْثَرُ مِنْ رِبْحِ مَالِهِ) ؛ كَأَنْ تَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ رَبُّ السُّدُسِ، وَلَهُ ثُلُثُ الرِّبْحِ أَوْ نِصْفُهُ وَنَحْوُهُ؛ (وَتَكُونُ) الشَّرِكَةُ فِيمَا إذَا تَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ (عِنَانًا) مِنْ حَيْثُ إحْضَارِ كُلٍّ مِنْهُمْ لَهُ (وَمُضَارَبَةً) ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ زَائِدٌ عَلَى رِبْحِ مَالِهِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ فِي مَالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 غَيْرِهِ. (وَلَا تَصِحُّ) الشَّرِكَةُ إنْ أَحْضَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَالًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ (بِقَدْرِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ إبْضَاعٌ) لَا شَرِكَةٌ وَهُوَ (أَيْ) : الْإِبْضَاعُ (تَوْكِيلُ) إنْسَانٍ آخَرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا (بِلَا جُعْلٍ) . (وَلَا) تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إنْ عَقَدُوهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ أَحَدُهُمْ (بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: دُونَ قَدْرِ مَا يُقَابِلُ مَالَهُ مِنْ الرِّبْحِ (بِطَرِيقِ الْأَوْلَى) ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ لَا يَسْتَحِقُّ رِبْحَ مَالِ غَيْرِهِ وَلَا بَعْضَهُ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ شُرِطَ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ الْعَمَلُ وَبَعْضُ رِبْحِ نَفْسِهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ (وَلَا) تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِمَالٍ (غَائِبٍ) عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ (أَوْ) - أَيْ - وَلَا عَلَى مَالٍ (بِذِمَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فِي الْحَالِ، وَهُوَ مَقْصُودُ الشَّرِكَةِ، لَكِنْ إذَا أَحْضَرَاهُ وَتَفَرَّقَا، وَوُجِدَ مِنْهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى الشَّرِكَةِ فِيهِ، انْعَقَدَتْ حِينَئِذٍ، (أَوْ) - أَيْ - وَلَا تَصِحُّ (عَلَى مَجْهُولٍ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا) تَصِحُّ شَرِكَةُ الْعِنَانِ وَلَا الْمُضَارَبَةُ (بِعَرْضٍ وَلَوْ) كَانَ الْعَرْضُ (مِثْلِيًّا) كَبُرٍّ وَحَرِيرٍ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ رُبَّمَا زَادَتْ قَبْلَ بَيْعِهِ، فَشَارَكَهُ الْآخَرُ فِي نَمَاءِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ مِلْكُهُ (وَلَا) تَصِحُّ الشَّرِكَةُ وَلَا الْمُضَارَبَةُ (بِقِيمَتِهِ) - أَيْ الْعَرْضِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَدْ تَزِيدُ بِحَيْثُ تَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرِّبْحِ، وَقَدْ تَنْقُصُ بِحَيْثُ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِي ثَمَنِ مِلْكِهِ الَّذِي لَيْسَ بِرِبْحٍ، مَعَ أَنَّ الْقِيمَةَ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةِ الْمِقْدَارِ، فَيُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ وَلَا الْمُضَارَبَةُ (بِثَمَنِهِ) - أَيْ ثَمَنِ الْعَرْضِ (الَّذِي اشْتَرَى بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ حَالَ الْعَقْدِ، وَأَيْضًا قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لِلْبَائِعِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ شَرِكَةُ الْعِنَانِ وَلَا الْمُضَارَبَةُ بِثَمَنِ الْعَرْضِ الَّذِي (يُبَاعُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ. (وَلَا) تَصِحُّ شَرِكَةُ عِنَانٍ وَمُضَارَبَةٍ (بِمَغْشُوشٍ) مِنْ النَّقْدَيْنِ غِشًّا (كَثِيرًا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ غِشُّهُ، فَلَا يَتَأَتَّى رَدُّ مِثْلِهِ، وَلِأَنَّ قِيمَتَهَا تَزِيدُ وَتَنْقُصُ فَهِيَ كَالْعُرُوضِ. (وَلَا) تَصِحُّ شَرِكَةُ عِنَانٍ وَمُضَارَبَةٌ (بِفُلُوسٍ وَلَوْ نَافِقَةً) - لِأَنَّهَا عُرُوضٌ. (وَلَا) تَصِحُّ شَرِكَةُ عِنَانٍ وَمُضَارَبَةٌ (بِنُقْرَةٍ) - وَهِيَ (الَّتِي لَمْ تُضْرَبْ) - لِأَنَّ قِيمَتَهَا تَزِيدُ وَتَنْقُصُ، فَأَشْبَهَتْ الْعُرُوضَ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إذَا (لَمْ يَذْكُرَا الرِّبْحَ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الشَّرِكَةِ، فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ، (أَوْ شُرِطَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - (لِبَعْضِهِمْ) فِي الشَّرِكَةِ (جُزْءٌ مَجْهُولٌ) ؛ كَحَظٍّ أَوْ جُزْءٍ أَوْ نَصِيبٍ؛ فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَمْنَعُ تَسْلِيمَ الْوَاجِبِ، (أَوْ) شُرِطَ فِيهَا لِبَعْضِهِمْ (دَرَاهِمُ مَعْلُومَةٌ) ؛ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرْبَحُ غَيْرَهَا، فَيَأْخُذُ جَمِيعَ الرِّبْحِ، وَقَدْ لَا يَرْبَحُ، فَيَأْخُذُ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ، وَقَدْ يَرْبَحُ كَثِيرًا، فَيَتَضَرَّرُ مَنْ شُرِطَتْ لَهُ، (أَوْ) شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ فِيهَا (رِبْحُ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ) ؛ كَرِبْحِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ، (أَوْ) شُرِطَ رِبْحُ عَيْنٍ (مَجْهُولَةٍ) كَرِبْحِ أَحَدِ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ، وَكَذَا لَوْ شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ فِيهَا رِبْحُ إحْدَى السَّفْرَتَيْنِ، أَوْ رِبْحُ تِجَارَتِهِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ؛ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فِي ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَيَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِالرِّبْحِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ. وَكَذَا لَوْ شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ جُزْءٌ وَعَشْرَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ جُزْءٌ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَنَحْوَهَا؛ لَمْ تَصِحَّ كَمَا لَوْ شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ مِثْلُ مَا شُرِطَ لِزَيْدٍ فِي شَرِكَةٍ أُخْرَى - وَالْمِثْلُ غَيْرُ مَعْلُومٍ - لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، أَوْ دَفَعَ لِبَعْضِهِمْ أَلْفًا مُضَارَبَةً، وَقَالَ الدَّافِعُ: لَك نِصْفُ رِبْحِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَكَذَا مُسَاقَاةٌ وَمُزَارَعَةٌ) قِيَاسًا عَلَى الشَّرِكَةِ؛ فَلَا يَصِحَّانِ إنْ شُرِطَ لِعَامِلٍ جُزْءٌ مَجْهُولٌ، أَوْ آصُعَ مَعْلُومَةٌ، أَوْ ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ مُعَيَّنَةٌ أَوْ مَجْهُولَةٌ، أَوْ زَرْعُ نَاحِيَةٍ بِعَيْنِهَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَأْتِي فِي بَابِهِ مُفَصَّلًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 (وَتَنْعَقِدُ) الشَّرِكَةُ (بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى إذْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ، (وَيُغْنِي لَفْظُ الشَّرِكَةِ) عَنْ إذْنٍ صَرِيحٍ؛ لِتَضَمُّنِهَا لِلْوَكَالَةِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ؛ أَيْ: وَيُغْنِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا - أَيْ: الشَّرِكَةِ - كَأَنْ يَتَكَلَّمَا فِي الشَّرِكَةِ، ثُمَّ بَعْدَ بُرْهَةٍ يُحْضِرُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا، وَيَتَصَرَّفَانِ فِيهِ؛ فَتَنْعَقِدُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَيُغْنِي فِعْلُهُمْ ذَلِكَ (عَنْ إذْنٍ صَرِيحٍ فِي التَّصَرُّفِ) ؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، (وَيَنْفُذُ) التَّصَرُّفُ فِي جَمِيعِ الْمَالِ (مِنْ كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ (بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ، وَ) بِحُكْمِ (الْوَكَالَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ) ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْأَمَانَةِ (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِلشَّرِكَةِ (خَلْطُ) أَمْوَالِهَا، وَلَا أَنْ تَكُونَ بِأَيْدِي الشُّرَكَاءِ، لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى التَّصَرُّفِ كَالْوَكَالَةِ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ عَلَى جِنْسَيْنِ، (وَلِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْعَمَلُ) وَبِإِعْلَامِ الرِّبْحِ يُعْلَمُ الْعَمَلُ (وَالرِّبْحُ نَتِيجَةٌ) - أَيْ الْعَمَلِ - لِأَنَّهُ سَبَبُهُ، (وَالْمَالُ تَبَعٌ) لِلْعَمَلِ، فَلَا يُشْتَرَطُ خَلْطُهُ، (فَمَا تَلِفَ) مِنْ أَمْوَالِ الشُّرَكَاءِ (قَبْلَ خَلْطٍ؛ فَهُوَ مِنْ) ضَمَانِ (الْجَمِيعِ) - أَيْ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ - كَمَا لَوْ زَادَ قَبْلَ الْخَلْطِ؛ لِأَنَّ مِنْ مُوجِبِ الشَّرِكَةِ تَعَلُّقَ الضَّمَانِ وَالزِّيَادَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، خُلِطَ الْمَالُ أَوْ لَا؛ (لِصِحَّةِ قَسْمٍ) لِلْمَالِ بِمُجَرَّدِ (لَفْظٍ؛ كَخَرْصِ ثَمَرٍ) عَلَى شَجَرٍ مُشْتَرَكٍ، فَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَمَا يَشْتَرِيهِ الْبَعْضُ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (بَعْدَ عَقْدِهَا) - أَيْ: الشَّرِكَةِ - مِنْ مَالِهَا؛ فَيَكُونُ الْمِلْكُ فِيهِ (لِلْجَمِيعِ) - أَيْ: جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ - لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ وَكِيلُ الْبَاقِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 وَأَمِينُهُمْ، وَأَمَّا مَا يَشْتَرِيهِ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ لِنَفْسِهِ؛ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ. (وَمَا أَبْرَأَ) الْبَعْضُ (مِنْ مَالِهَا) - أَيْ: الشَّرِكَةِ - فَمِنْ نَصِيبِهِ، (أَوْ أَقَرَّ بِهِ) - أَيْ: الْبَعْضُ - (قَبْلَ فَسْخِ) الشَّرِكَةِ (مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ) لِلشَّرِكَةِ؛ (فَهُوَ مِنْ نَصِيبِهِ) ؛ لِأَنَّ شُرَكَاءَهُ أَذِنُوا لَهُ بِالتِّجَارَةِ، وَلَيْسَ الْإِقْرَارُ دَاخِلًا فِيهَا. (وَإِنْ أَقَرَّ) الْبَعْضُ بِمُتَعَلِّقٍ بِهَا - أَيْ: الشَّرِكَةِ (كَأُجْرَةِ) دَلَّالٍ و (حَمَّالٍ) ، وَأُجْرَةِ مُخَزِّنٍ وَنَحْوِهِ كَحَافِظٍ؛ فَهُوَ مِنْ مَالِ (الْجَمِيعِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ. (وَالْوَضِيعَةُ) - أَيْ: الْخُسْرَانُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ (بِقَدْرِ مَا لِكُلٍّ) مِنْ الشُّرَكَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ لِتَلَفٍ أَوْ نُقْصَانِ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْمَالِ. (وَمَنْ قَالَ) مِنْ شَرِيكَيْنِ: (عَزَلْت شَرِيكِي وَلَوْ لَمْ يَنِضَّ) جَمِيعُ (الْمَالِ) - بِأَنْ كَانَ بَعْضُهُ عُرُوضًا؛ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ عَرْضًا لَمْ يَنْعَزِلْ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ دُونَ الْمُعَاوَضَةِ بِسُلْفَةٍ أُخْرَى وَدُونَ التَّصَرُّفِ بِغَيْرِ مَا يُنِضُّ بِهِ الْمَالَ؛ (انْعَزَلَ) - وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ - كَالْوَكِيلِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَكَالَةٌ، وَالرِّبْحُ يَدْخُلُ ضِمْنًا، وَحَقُّ الْمُضَارِبِ أَصْلِيٌّ. (وَ) يَصِحُّ أَنْ (يَتَصَرَّفَ الْمَعْزُولُ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ) مِنْ الْمَالِ فَقَطْ. فَإِنْ تَصَرَّفَ بِأَكْثَرَ؛ ضَمِنَ الزَّائِدَ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُ الْعَازِلِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ لِعَدَمِ رُجُوعِ الْمَعْزُولِ عَنْ إذْنِهِ. (وَلَوْ قَالَ) أَحَدُهُمَا: (فَسَخْت الشَّرِكَةَ؛ انْعَزَلَا، فَلَا يَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ) مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي عَزْلَ نَفْسِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ وَعَزْلَ صَاحِبِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ نَقْدًا أَوْ عَرْضًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 (وَيُقْبَلُ قَوْلُ رَبِّ الْيَدِ بِيَمِينِهِ أَنْ مَا بِيَدِهِ لَهُ) خَاصَّةً؛ لِظَاهِرِ الْيَدِ، (لَا لِلشَّرِكَةِ) (وَ) يُقْبَلُ (قَوْلُ مُنْكِرٍ لِلْقِسْمَةِ) إذَا ادَّعَاهَا الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا. [فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُ الشَّرِيكُ فِعْلَهُ وَمَا لَا يَمْلِكُ وَفِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] (وَلِكُلٍّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءِ (مَعَ الْإِطْلَاقِ) ؛ بِأَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الشُّرَكَاءُ مِنْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ (أَنْ يَبِيعَ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، (وَيَشْتَرِيَ) بِهِ (مَا شَاءَ) مُسَاوَمَةً وَمُرَابَحَةً وَمُوَاضَعَةً وَتَوْلِيَةً وَكَيْفَ رَأَى الْمَصْلَحَةَ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ الشُّرَكَاءِ. (وَ) لَهُ أَنْ (يَأْخُذَ) ثَمَنًا وَمُثَمَّنًا؛ (وَيُعْطِيَ) ثَمَنًا وَمُثَمَّنًا، (وَيُطَالِبَ) بِالدَّيْنِ، (وَيُخَاصِمَ) فِيهِ؛ لِأَنَّ مِنْ مَلَكَ قَبْضَ شَيْءٍ مَلَكَ الطَّلَبَ بِهِ وَالْمُخَاصَمَةَ فِيهِ؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ. (وَيَحِيلَ وَيَحْتَالَ) ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَهُوَ يَمْلِكُهَا، (وَيَرُدُّ بِعَيْبٍ لِلْحَظِّ) فِيمَا وَلِيَ هُوَ أَوْ شَرِيكُهُ شِرَاءَهُ. (وَلَوْ رَضِيَ شَرِيكٌ بِعَيْبٍ) ؛ فَلِشَرِيكِهِ إجْبَارُهُ عَلَى الرَّدِّ لِأَجْلِ الرِّبْحِ؛ كَمَا لَوْ رَضِيَ بِإِهْمَالِ الْمَالِ بِلَا عَمَلٍ، (وَ) لَهُ أَنْ (يُقِرَّ بِهِ) - أَيْ الْعَيْبِ - فِيمَا بِيعَ مِنْ مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا، وَلَهُ إعْطَاءُ أَرْشِهِ، وَأَنْ يَحُطَّ مِنْ ثَمَنِهِ؛ أَوْ يُؤَخِّرَهُ لِلْعَيْبِ. (وَ) لَهُ (أَنْ يُقَايِلَ) فِيمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهَا حَظٌّ. (وَ) لَهُ أَنْ (يُؤَجِّرَ وَيَسْتَأْجِرَ) مِنْ مَالِهَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ، فَكَانَتْ كَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ أُجْرَةَ الْمُؤَجَّرَةِ، وَيُعْطِي أُجْرَةَ الْمُسْتَأْجَرَةِ. وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ نَسَاءً. قَدَّمَهُ فِي " الْفَائِقِ " قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُقْتَضَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَقْوَى، وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ (وَ) لَهُ (أَنْ يَشْتَرِيَ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الرِّبْحُ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ. (وَ) لَهُ أَنْ (يَفْعَلَ كُلَّ مَا فِيهِ حَظٌّ) لِلشَّرِكَةِ (كَحَبْسِ غَرِيمٍ، وَلَوْ أَبَى) الشَّرِيكُ (الْآخَرُ) . (وَ) لَهُ أَنْ (يُودِعَ) مَالَ الشَّرِكَةِ (لِحَاجَةٍ) إلَى إيدَاعٍ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ التِّجَارَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَالنَّظْمِ "، [وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ". (وَ) لَهُ أَنْ (يَرْهَنَ) ] مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، (وَ) أَنْ (يَرْتَهِنَ عِنْدَهَا) - أَيْ عِنْدَ الْحَاجَةِ - لِأَنَّ الرَّهْنَ يُرَادُ لِلْإِيفَاءِ، وَالِارْتِهَانَ يُرَادُ لِلِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا، فَكَذَا مَا يُرَادُ لَهُمَا. (وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ أَوُدِعَ (بِدُونِهَا) - أَيْ الْحَاجَةِ - فَإِنَّهُ (يَضْمَنُ) مَا تَلِفَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ بِسَبَبِ إيدَاعِهِ لَهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) لَهُ أَنْ (يَعْزِلَ وَكِيلًا وَكَّلَهُ هُوَ أَوْ) وَكَّلَهُ (شَرِيكُهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ وَكِيلِهِ. (وَ) لَهُ (أَنْ يُسَافِرَ) بِالْمَالِ (مَعَ أَمْنٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا جَرَتْ [بِهِ الْعَادَةُ] ، وَعَادَةُ التُّجَّارِ جَارِيَةٌ بِالتِّجَارَةِ سَفَرًا وَحَضَرًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمْنٌ؛ لَمْ يَجُزْ، وَضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ. (وَمَتَى لَمْ يَعْلَمْ) شَرِيكٌ سَافَرَ بِمَالِ الشَّرِكَةِ خَوْفَهُ لَمْ يَضْمَنْ؛ (أَوْ وَلِيُّ يَتِيمٍ) سَافَرَ بِمَالِ الْيَتِيمِ [إلَى مَحَلٍّ مَخُوفٍ وَلَمْ يَعْلَمْ (خَوْفَهُ) لَمْ يَضْمَنْ، (أَوْ) بَاعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 الشَّرِيكُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ] أَوْ وَلِيُّ الْيَتِيمِ لِمُفْلِسٍ، وَلَمْ يَعْلَمَا (فَلَسَ مُشْتَرٍ) ، فَفَاتَ الْمَالُ؛ (لَمْ يَضْمَنْ) وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا تَلِفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ؛ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَالْغَالِبُ السَّلَامَةُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَإِنْ سَافَرَ سَفَرًا ظَنَّهُ أَمْنًا لَمْ يَضْمَنْ، (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ مُسَافِرٌ وَوَلِيُّ يَتِيمٍ خَوْفَ الْمَحَلِّ، أَوْ عَلِمَ شَرِيكٌ أَوْ وَلِيِّ يَتِيمٍ فَلَسَ مُشْتَرٍ (ضَمَّنَ) مَنْ ذُكِرَ مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ وَلِيَّ الْيَتِيمِ، كَمَا يُضَمَّنُ الشَّرِيكُ (بِشِرَائِهِ خَمْرًا) مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ أَوْ مَالِ الشَّرِكَةِ (جَاهِلًا) بِهِ أَنَّهُ خَمْرٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى غَالِبًا. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) اشْتَرَى شَرِيكٌ أَوْ وَلِيُّ يَتِيمٍ (قِنًّا فَبَانَ حُرًّا) ؛ يَضْمَنُ؛ لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ اسْتِفْسَارِهِ عَنْهُ بِكَثْرَةِ السُّؤَالِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ عَلِمَ) شَرِيكٌ أَوْ وَلِيُّ يَتِيمٍ (عُقُوبَةَ سُلْطَانٍ بِبَلَدٍ بِأَخْذِ مَالٍ فَسَافَرَ) إلَيْهِ، (فَأَخَذَهُ) ؛ أَيْ: أَخَذَ السُّلْطَانُ مَالَ الشَّرِكَةِ أَوْ الْيَتِيمِ (ضَمِنَ) الْمُسَافِرُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ؛ لِتَعْرِيضِهِ لِلْأَخْذِ. (وَلَيْسَ لَهُ) - أَيْ الشَّرِيكِ - (أَنْ يُكَاتِبَ قِنًّا) مِنْ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ شَرِيكُهُ - وَالشَّرِكَةُ تَنْعَقِدُ عَلَى التِّجَارَةِ - وَلَيْسَتْ مِنْهَا، (أَوْ يُزَوِّجَهُ) ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ ضَرَرٌ مَحْضٌ، (أَوْ يُعْتِقَهُ) [مَجَّانًا] ، أَوْ (بِمَالٍ) إلَّا بِإِذْنٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالشَّرِكَةِ [وَلَوْ] كَانَ الْعِتْقُ بِمَالٍ (لِمَصْلَحَةٍ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ (وَيَتَّجِهُ) وَإِنْ أَعْتَقَهُ بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ، حَرُمَ عَلَيْهِ، (وَيُعْتِقُ نَصِيبَهُ) فَقَطْ إنْ كَانَ مُعْسِرًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا أَنْ يَهَبَ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا بِإِذْنٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ تَبَرَّعَ بِبَعْضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 الثَّمَنِ لِمَصْلَحَةٍ، (أَوْ يُقْرِضَ) مِنْ مَالِهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِرَهْنٍ، (أَوْ يُحَابِيَ) فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ؛ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ طَلَبُ الرِّبْحِ، (أَوْ يُضَارِبَ) بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُثْبِتُ فِي الْمَالِ حُقُوقًا وَيَسْتَحِقُّ رِبْحُهُ لِغَيْرِهِ، (أَوْ يُشَارِكَ بِالْمَالِ) - أَيْ مَالِ الشَّرِكَةِ - (أَوْ يَخْلِطَهُ) - أَيْ الْمَالَ - (بِغَيْرِهِ) مِنْ مَالِ الشَّرِيكِ نَفْسِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إيجَابَ حُقُوقٍ فِي الْمَالِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا، (أَوْ يَأْخُذَ بِهِ) - أَيْ بِمَالِ الشَّرِكَةِ (سَفْتَجَةً) - بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِ التَّاءِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْجَمْعُ سَفَاتِجُ - وَتُسَمِّيهِ التُّجَّارُ الْآنَ بولصة، وَكِلَاهُمَا لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ، وَهِيَ (بِأَنْ يَدْفَعَ) الشَّرِيكُ (مِنْ مَالِهَا) - أَيْ الشَّرِكَةِ - (لِإِنْسَانٍ) عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ مَالًا، (وَيَأْخُذَ مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ (كِتَابًا إلَى وَكِيلِهِ بِبَلَدٍ آخَرَ، وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) أَوْ إلَى وَكِيلِهِ (بِسُوقٍ آخَرَ) ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ) ذَلِكَ الْمَالَ لِلشَّرِكَةِ بِتِلْكَ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ خَطَرًا، (وَيُعْطِيَهَا) - أَيْ: السَّفْتَجَةَ - (بِأَنْ يَشْتَرِيَ -) الشَّرِيكُ (عَرْضًا) لِلشَّرِكَةِ، (وَيُعْطِيَ بِثَمَنِهِ كِتَابًا إلَى وَكِيلِهِ) - أَيْ: الْمُشْتَرِي - (بِبَلَدٍ آخَرَ لِيَسْتَوْفِيَ) الْبَائِعُ (مِنْهُ) ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ الشَّرِيكُ لِأَنَّ فِيهِ خَطَرًا لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ، وَبِعَدَمِ جَوَازِ إعْطَاءِ السَّفْتَجَةِ جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ " " وَشَرْحُ ابْنِ مُنَجَّى " وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا أَخْذُهَا فَصَحَّحَ فِي الْفُرُوعِ جَوَازَهُ؛ إذْ لَا صَرْفَ فِيهَا، وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. وَقَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 وَلَوْ كَتَبَ رَبُّ الْمَالِ لِلْجَابِي أَوْ السِّمْسَارِ وَرَقَةً لِيُسَلِّمَهَا إلَى الصَّيْرَفِيِّ الْمُتَسَلِّمِ مَالَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ، فَخَالَفَ؛ ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ، وَيُصَدَّقُ الصَّيْرَفِيُّ مَعَ يَمِينِهِ، وَالْوَرَقَةُ شَاهِدَةٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ. (وَ) لَا لِلشَّرِيكِ (أَنْ يُبَضِّعَ) مِنْ الشَّرِكَةِ. (وَ) الْإِبْضَاعُ (هُوَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ مَالِهَا) - أَيْ: الشَّرِكَةِ - (إلَى مَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ مُتَبَرِّعًا) ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلدَّافِعِ وَشَرِيكِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ. (وَلَا أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَيْهَا) - أَيْ: الشَّرِكَةِ - (بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ، أَوْ) يَشْتَرِيَ (بِثَمَنٍ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ فِيهِ أَكْثَرَ مِمَّا رَضِيَ الشَّرِيكُ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ، أَشْبَهَ ضَمَّ شَيْءٍ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ (غَيْرِ النَّقْدَيْنِ) ؛ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِفِضَّةٍ وَمَعَهُ ذَهَبٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ قَبُولُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ (إلَّا بِإِذْنِ) شَرِيكِهِ (فِي الْكُلِّ) - أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ - فَإِنْ أَذِنَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا جَازَ، وَإِنْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ دَيْنٍ جَازَ؛ لِصِحَّةِ انْفِرَادِهِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الطَّلَبِ بِهِ كَالْإِبْرَاءِ، بِخِلَافِ حَقِّ شَرِيكِهِ، وَلِمَنْ أَخَّرَ أَنْ يُشَارِكَ مَنْ لَمْ يُؤَخِّرْ فِيمَا يَقْبِضُهُ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لَمْ يُؤَخَّرْ، مَا لَمْ يَتْلَفْ مَا قَبَضَهُ شَرِيكُهُ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ، وَلَوْ لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَخَّرُ. (وَيَتَّجِهُ) وَإِنْ فَعَلَ أَحَدُهُمَا مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ (بِدُونِهِ) - أَيْ: بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ - فَإِنَّهُ (يَضْمَنُ) مَا فَاتَ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَمَا اسْتَدَانَ بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ؛ بِأَنْ اقْتَرَضَ شَيْئًا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 وَاشْتَرَى بِهِ بِضَاعَةً، وَضَمَّهَا إلَى مَالِ الشَّرِكَةِ، أَوْ اشْتَرَى نَسِيئَةً بِثَمَنٍ لَيْسَ مِنْ النَّقْدَيْنِ؛ فَعَلَيْهِ وَحْدَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، (وَرِبْحُ مَا اسْتَدَانَهُ لَهُ) . (ولَوْ قِيلَ) ؛ أَيْ: قَالَ لِشَرِيكِهِ: (اعْمَلْ بِرَأْيِكَ وَرَأَى مَصْلَحَةً) فِيمَا تَقَدَّمَ؛ (جَازَ الْكُلُّ) ؛ أَيْ: كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ التِّجَارَةِ مِنْ الْإِبْضَاعِ وَالْمُضَارَبَةِ بِالْمَالِ وَالْمُشَارَكَةِ بِهِ والْمُزَارَعَةِ وَخَلْطِهِ بِمَالِهِ، لِدَلَالَةِ الْإِذْنِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ التَّبَرُّعِ وَالْقَرْضِ وَالْحَطِيطَةِ مِنْ الثَّمَنِ وكِتَابَةِ الرَّقِيقِ وَتَزْوِيجِهِ وَعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ، وَإِنَّمَا فُوِّضَ إلَيْهِ الْعَمَلُ بِرَأْيِهِ فِي التِّجَارَةِ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ (تَوَلِّي مَا جَرَتْ عَادَةٌ بِتَوَلِّيهِ مِنْ نَشْرِ ثَوْبٍ وَطَيِّهِ وَعَرْضِهِ عَلَى مُشْتَرٍ وَمُسَاوَمَةٍ وَعَقْدِ بَيْعٍ مَعَهُ وَأَخْذِ ثَمَنِهِ وَخَتْمِ) كِيسٍ (وَإِحْرَازٍ) لِمَا لَهَا وَقَبْضِ نَقْدٍ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْإِذْنِ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ، (فَإِنْ فَعَلَهُ) ؛ أَيْ: فَعَلَ مَا عَلَيْهِ تَوَلِّيهِ (بِأُجْرَةٍ) ؛ فَهِيَ (عَلَيْهِ) يَغْرَمُهَا مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَهَا عِوَضًا عَمَّا يَلْزَمُهُ. (وَمَا جَرَتْ عَادَةٌ بِأَنْ يَسْتَنِيبَ) الشَّرِيكُ (فِيهِ) ؛ كَالِاسْتِئْجَارِ لِلنِّدَاءِ عَلَى الْمَتَاعِ (وَنَقْلِ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ؛ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ) مَنْ يَفْعَلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ (حَتَّى شَرِيكَهُ لِفِعْلِهِ) إذَا كَانَ فِعْلُهُ مِمَّا لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَتَهُ إلَّا بِعَمَلٍ كَنَقْلِ طَعَامِ وَكِيلِهِ وَكَاسْتِئْجَارِ غَرَائِرِ شَرِيكِهِ لِنَقْلِهِ فِيهَا، أَوْ دَارِهِ لِيُخَزِّنَهُ فِيهَا نَصًّا. (وَلَيْسَ لَهُ) - أَيْ الشَّرِيكِ - (فِعْلُهُ) - أَيْ: فِعْلُ مَا جَرَتْ عَادَةٌ بِعَدَمِ تَوَلِّيهِ - (لِيَأْخُذَ أُجْرَتَهُ بِلَا إذْنِ) شَرِيكِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَرَّعَ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ؛ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا كَالْمَرْأَةِ الَّتِي تَسْتَحِقُّ الِاسْتِخْدَامَ إذَا خَدَمَتْ نَفْسَهَا، وَيَحْرُمُ عَلَى شَرِيكِهِ فِي زَرْعٍ فَرْكُ شَيْءٍ مِنْ سُنْبُلِهِ لِيَأْكُلَهُ بِلَا إذْنُ شَرِيكِهِ. (وَ) لِلشَّرِيكِ (بَذْلُ خِفَارَةٍ وَعُشْرٍ عَلَى الْمَالِ) ، فَيَحْتَسِبُهُ الشَّرِيكُ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، (وَكَذَا) مَا يُبْذَلُ (لِمُحَارِبٍ وَنَحْوِهِ) ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ مَالِ يَتِيمٍ، وَلَا يُنْفِقُ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ بِدُونِ إذْنِهِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّفَقَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. (قَالَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ (فَعَلَى الْمَالِ) بِالْحِصَصِ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ. [فَرْعٌ تَقَاسَمَا الشَّرِيكَانِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ أوذمم أَشْخَاصٍ مُتَعَدِّدَةٍ] (فَرْعٌ: لَوْ تَقَاسَمَا) - أَيْ: الشَّرِيكَانِ - (دَيْنًا فِي ذِمَّةِ) شَخْصٍ (أَوْ ذِمَمِ) أَشْخَاصٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ (لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ لَا تَتَكَافَأُ، وَلَا تَتَعَادَلُ، وَالْقِسْمَةُ تَقْتَضِيهَا؛ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ تَعْدِيلٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، وَبَيْعُ الدَّيْنُ غَيْرُ جَائِزٍ، فَإِنْ تَقَاسَمَاهُ، ثُمَّ هَلَكَ بَعْضُهُ (فَمَا ضَاعَ بَعْدَ قِسْمَةٍ؛ فَعَلَيْهِمَا) ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، وَإِذَا قَبَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَإِرْثٍ وَإِتْلَافِ مَالٍ. قَالَ الشِّيحُ تَقِيُّ الدِّينِ أَوْ ضَرِيبَةٌ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا وَاحِدٌ؛ فَلِشَرِيكِهِ الْأَخْذُ مِنْ الْغَرِيمِ، وَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْآخِذِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الشُّرُوطِ فِي الشَّرِكَةِ وَحُكْمِهَا إذَا فَسَدَتْ أَوْ تُعُدِّيَ فِيهَا] (وَالِاشْتِرَاطُ فِيهَا) ؛ أَيْ: الشَّرِكَةِ (نَوْعَانِ) : نَوْعٌ (صَحِيحٌ كَأَنْ) اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنْ (لَا يَتَّجِرَ إلَّا فِي نَوْعِ كَذَا) ، وَيُعَيِّنُهُ؛ كَالْحَرِيرِ أَوْ الْبَزِّ أَوْ ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَنَحْوِهَا، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَعُمُّ وُجُودُهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ لَا، (أَوْ) يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا (فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ) ؛ كَمَكَّةَ وَنَحْوِهَا، (أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا بِنَقْدِ كَذَا) ؛ كَدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ صِفَتُهَا كَذَا، (أَوْ) أَنْ لَا يَشْتَرِيَ أَوْ لَا يَبِيعَ إلَّا (مِنْ فُلَانٍ، أَوْ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِالْمَالِ) ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَصَرُّفٌ؛ بِإِذْنٍ، فَصَحَّ تَخْصِيصُهَا بِالنَّوْعِ وَالْبَلَدِ وَالنَّقْدِ وَالشَّخْصِ؛ كَالْوَكَالَةِ. (وَمَنْ تَعَدَّى) بِأَنْ خَالَفَ مَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ؛ (ضَمِنَ) مَا تَلِفَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ بِمُخَالَفَتِهِ لِتَصَرُّفِهِ تَصَرُّفًا غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ، (وَرِبْحُ مَالٍ لِرَبِّهِ) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 رِبْحُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ لَهُ، لَا شَيْءَ فِيهِ لِلْمُتَعَدِّي؛ كَالْغَاصِبِ (نَصًّا) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَكَذَا) إذَا تَعَدَّى (مُضَارِبٌ) مَا أَمَرَهُ بِهِ شَرِيكُهُ، فَتَلِفَ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ ضَمِنَهُ؛ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ. (فَفِي الْمُبْدِعِ إذَا تَعَدَّى) [ (مُضَارِبٌ الشَّرْطَ) الَّذِي اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ؛ ضَمِنَ] ، (أَوْ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ) مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ مُكَاتَبَةِ الْقِنِّ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِهِ ضَمِنَ، (أَوْ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ) فِعْلُهُ مِنْ نَشْرِ ثَوْبٍ وَمُسَاوَمَةٍ وَعَرْضٍ عَلَى مُشْتَرٍ وَنَحْوِهَا؛ (ضَمِنَ) مَا تَلِفَ مِنْ (الْمَالِ) لِتَعَدِّيهِ وَمُخَالَفَتِهِ؛ كَالْغَاصِبِ (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) عَلَى عَمَلِهِ، (وَرِبْحُهُ) - أَيْ رِبْحُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ - (لِمَالِكِهِ) ؛ لِحُصُولِهِ مِنْ مَالٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ لِلْمَالِكِ. وَنَوْعٌ (فَاسِدٌ وَهُوَ قِسْمَانِ) : (قِسْمٌ مُفْسِدٌ لَهَا) - أَيْ: الشَّرِكَةِ - (وَهُوَ مَا يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ) ؛ كَشَرْطِ دِرْهَمٍ لِزَيْدٍ الْأَجْنَبِيِّ وَالْبَاقِي مِنْ الرِّبْحِ لَهُمَا، أَوْ اشْتِرَاطِ رِبْحِ مَا يَشْتَرِي مِنْ رَقِيقٍ لِأَحَدِهِمَا وَرِبْحِ مَا يَشْتَرِي مِنْ ثِيَابٍ لِلْآخَرِ، أَوْ لِوَاحِدٍ رِبْحُ هَذَا الْكِيسِ وَلِلْآخَرِ رِبْحُ الْكِيسِ الْآخَرِ؛ فَتَفْسُدُ الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِاشْتِرَاطِ مَا مَثَّلْنَا وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى جَهْلِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الرِّبْحِ أَوْ إلَى فَوَاتِهِ، وَمِنْ شَرْطِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ كَوْنُ الرِّبْحِ مَعْلُومًا، وَلِأَنَّ الْفَسَادَ لِمَعْنًى فِي الْعِوَضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأَفْسَدَ الْعَقْدَ؛ كَمَا لَوْ جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا، وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ، فَيُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ. (وَ) الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ) كَأَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمَالِ (ضَمَانَ الْمَالِ) إنْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ، (أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ الْوَضِيعَةِ) - أَيْ: الْخَسَارَةِ - (أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ مَالِهِ) ، أَوْ أَنَّهُ مَتَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 بَاعَ السِّلْعَةَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ، (أَوْ أَنْ يُوَلِّيَهُ) ؛ أَيْ: يُعْطِيَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ (مَا يَخْتَارُ مِنْ السِّلَعِ) الَّتِي يَشْتَرِيهَا، (أَوْ) أَنْ (يَرْتَفِقَ بِهَا) مِثْلُ أَنْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ أَوْ يَسْتَخْدِمَ الْعَبْدَ أَوْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ، (أَوْ) أَنْ (لَا يَفْسَخَ الشَّرِكَةَ مُدَّةَ كَذَا، أَوْ) يَشْتَرِطَ (لُزُومَ) عَقْدِهَا (أَبَدًا، أَوْ) يَشْتَرِطَ أَنْ (لَا يَبِيعَ إلَّا بِرَأْسِ الْمَالِ) فَقَطْ (أَوْ أَقَلَّ) مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (أَوْ) أَنْ لَا يَبِيعَ (إلَّا مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْهُ، أَوْ) يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُضَارِبِ (خِدْمَةَ) شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، (أَوْ) يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ (قَرْضًا) يَأْخُذُهُ مِنْهُ، (أَوْ) يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ (مُضَارَبَةً أُخْرَى) فِي مَالٍ آخَرَ، أَوْ يَشْتَرِطَ خِدْمَةً أَوْ قَرْضًا أَوْ مُضَارَبَةً لِأَجْنَبِيٍّ، (أَوْ) يَشْتَرِطَ أَنْ (مَا أَعْجَبَهُ يَأْخُذُهُ بِثَمَنِهِ) - وَهُوَ التَّوْلِيَةُ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ (كُلُّهَا فَاسِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ وَلَا مُقْتَضَاهُ؛ أَشْبَهَتْ مَا يُنَافِيهِ (غَيْرُ مُفْسِدَةٍ لِلْعَقْدِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَجْهُولٍ، فَلَمْ تُبْطِلْهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ؛ كَالنِّكَاحِ. صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَغَيْرِهِ. (وَإِذَا فَسَدَ) عَقْدُ الشَّرِكَةِ بِأَنْوَاعِهَا؛ (قُسِّمَ رِبْحُ شَرِكَةِ عِنَانٍ وَوُجُوهٍ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ) ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ صَحِيحٌ؛ لِكَوْنِهِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ وَالرِّبْحُ نَمَاءُ الْمِلْكِ، (وَ) قُسِّمَ (أَجْرُ مَا تَقَبَّلَاهُ) أَيْ الشَّرِيكَانِ مِنْ عَمَلٍ - (فِي شَرِكَةِ أَبْدَانٍ) عَلَيْهِمَا (بِالسَّوِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ بِالْعَمَلِ، وَهُوَ مِنْهُمَا (وَوُزِّعَتْ) ؛ أَيْ: قُسِّمَتْ (وَضِيعَةٌ) - أَيْ: خَسَارَةٌ - (عَلَى قَدْرِ مَالِ كُلٍّ) مِنْ الشُّرَكَاءِ، (وَرَجَعَ كُلٌّ مِنْ شَرِيكَيْنِ فِي) شَرِكَةِ (عِنَانٍ وَ) شَرِكَةِ (وُجُوهٍ وَ) شَرِكَةِ (أَبْدَانٍ بِأُجْرَةِ نِصْفِ عَمَلِهِ) ؛ لِعَمَلِهِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِعَقْدٍ يَبْتَغِي بِهِ الْفَضْلَ فِي ثَانِي الْحَالِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَابِلَ الْعَمَلُ فِيهِ عِوَضًا؛ كَالْمُضَارَبَةِ، فَإِذَا كَانَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا مَثَلًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَالْآخَرِ خَمْسَةً؛ تَقَاصَّا بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ، وَرَجَعَ ذُو الْعَشَرَةِ بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ. (وَ) يَرْجِعُ كُلٌّ (مِنْ ثَلَاثَةِ) شُرَكَاءَ عَلَى شَرِيكَيْهِ (بِأُجْرَةِ ثُلُثَيْ عَمَلِهِ، وَمِنْ أَرْبَعَةِ) شُرَكَاءَ (بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ) أُجْرَةِ (عَمَلِهِ، وَهَكَذَا) عَلَى مَا تَقَدَّمَ، (وَتَحْصُلُ الْمُقَاصَّةُ) بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ (فِيمَا لَمْ يُرْجَعْ بِهِ) أَيْ: إذَا تَسَاوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 مَالَاهُمَا وَعَمَلَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مِثْلُ مَالِهِ عَلَيْهِ. (وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ فِي كُلِّ أَمَانَةٍ وَتَبَرُّعٍ كَمُضَارَبَةٍ وَشَرِكَةٍ وَوَكَالَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَوَقْفٍ وَمُؤَجَّرَةٍ) ؛ كَالْعَقْدِ (الصَّحِيحِ فِي ضَمَانٍ بِتَفْرِيطٍ وَعَدَمِهِ) ، فَكُلُّ عَقْدٍ لَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِهِ كَالْمَذْكُورَاتِ؛ لَا ضَمَانَ فِي فَاسِدِهِ لِدُخُولِهِمَا عَلَى ذَلِكَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، (لَكِنْ لَوْ ظَهَرَ قَابِضُ زَكَاةٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا؛ ضَمِنَ) مَا قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَهُوَ مُفَرِّطٌ بِقَبْضِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَبْضُهُ. (قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ ": لِأَنَّهُ مِنْ الْقَبْضِ الْبَاطِلِ) لَا الْفَاسِدِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ الْمُرَادَ) بِالْعَقْدِ (الْفَاسِدِ) فِي الْمُعَامَلَاتِ هُوَ (مَا) - أَيْ: الَّذِي - (اخْتَلَّ شَرْطُهُ، وَ) أَنَّ الْعَقْدَ (الْبَاطِلَ) هُوَ (مَا اخْتَلَّ رُكْنُهُ، وَ) أَنَّ الْعَقْدَ (الصَّحِيحَ) هُوَ (مَا تَوَفَّرَا) - أَيْ: الشَّرْطُ وَالرُّكْنُ (فِيهِ) إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَالْعَقْدُ مَعَ نَحْوِ صَغِيرٍ) ؛ كَسَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ (بَاطِلٌ) فِيمَا هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ، لَا فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ؛ (فَيَضْمَنُ آخِذٌ مِنْهُ) - أَيْ: الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ - شَيْئًا، وَلَا يَبْرَأُ بِرَدِّهِ إلَّا لِوَلِيِّهِ. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ؛ لِتَضَمُّنِهِ ضَابِطًا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ فِي مَوَاضِعَ. (وَكُلُّ عَقْدٍ لَازِمٍ) أَوْ جَائِزٍ (يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ) ؛ كَالْمَذْكُورَاتِ (يَجِبُ) الضَّمَانُ (فِي فَاسِدِهِ) . (وَيَتَّجِهُ لَا) يَجِبُ الضَّمَانُ (بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ، بَلْ) يَجِبُ الضَّمَانُ بِمُجَرَّدِ قَبْضٍ؛ لِمَا قَالُوهُ فِي الْإِجَارَةِ، وَلَا تَجِبُ بِبَذْلٍ فِي فَاسِدِهِ، فَإِنْ تَسَلَّمَ فَأُجْرَةُ مِثْلٍ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. مِثَالُ الْإِلْزَامِ: (كَبَيْعٍ وَنَفْعِ إجَارَةٍ وَنِكَاحٍ وَقَرْضٍ وَعَقْدِ ذِمَّةٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 وَعَارِيَّةٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ، وَمَعْنَى عَدَمِ الضَّمَانِ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَنَحْوِهِ بَدَلُ ذَلِكَ بِتَلَفِهِ، وَالْمُرَادُ ضَمَانُ الْأُجْرَةِ وَالْمَهْرِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَغَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِيهِمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا وَجَبَ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ وَجَبَ فِي فَاسِدِهِ، وَمَا لَا فَلَا. قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ ": وَلَيْسَ كُلُّ حَالٍ ضَمِنَ فِيهَا فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ؛ ضَمِنَ فِيهَا فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ لَا يَجِبُ فِيهِ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا تُضْمَنُ الْعَيْنُ بِالثَّمَنِ، وَالْمَضْمُونُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَجِبُ ضَمَانُ الْأُجْرَةِ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا يُقَالُ إذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ، وَتَلِفَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ خَرَجَ الرَّهْنُ مُسْتَحَقًّا؛ رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ، إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِالْحَالِ كَمَا سَبَقَ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي صَحِيحِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْقَبْضِ الْبَاطِلِ، لَا الْفَاسِدِ. [فَصْلٌ فِي الْمُضَارَبَةُ] (فَصْلٌ) الضَّرْبُ الثَّانِي (الْمُضَارَبَةُ) مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ - أَيْ: السَّفَرِ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ - قَالَ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] أَوْ مِنْ ضَرْبِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِسَهْمٍ فِي الرِّبْحِ، وَهِيَ تَسْمِيَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، (وَتُسَمَّى) الْمُضَارَبَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ (قِرَاضًا) ، فَقِيلَ هُوَ مِنْ الْقَرْضِ بِمَعْنَى الْقَطْعِ، يُقَالُ: قَرَضَ الْفَأْرُ الثَّوْبَ إذَا قَطَعَهُ، فَكَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ اقْتَطَعَ مِنْ مَالِهِ قِطْعَةً، وَسَلَّمَهَا إلَى الْعَامِلِ، وَاقْتَطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنْ رِبْحِهَا، وَقِيلَ: مِنْ الْمُوَاسَاةِ وَالْمُوَازَنَةِ. يُقَالُ: تَقَارَضَ الشَّاعِرَانِ إذَا تَوَازَنَا، وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَرُوِيَتْ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِيهَا لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَيْهَا، فَإِنَّ النُّقُودَ لَا تُنَمَّى إلَّا بِالتِّجَارَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُهَا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ، وَلَا كُلُّ مَنْ يُحْسِنُهَا لَهُ مَالٌ فَشُرِعَتْ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ، (وَ) تُسَمَّى أَيْضًا (مُعَامَلَةً) مِنْ الْعَمَلِ. وَالْمُضَارَبَةُ فِي الشَّرْعِ (هِيَ دَفْعُ) مَالٍ - أَيْ: نَقْدٍ - (مَعْلُومٍ) قَدْرُهُ، فَلَا تَصِحُّ عَلَى صُبْرَةِ نَقْدٍ؛ لِجَهَالَتِهَا، وَلَا عَلَى أَحَدِ كِيسَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 مَعْلُومٌ تَسَاوَى مَا فِيهِمَا، أَوْ اخْتَلَفَ؛ لِلْإِبْهَامِ؛ أَوْ شُرِطَ كَوْنُهُ مَضْرُوبًا غَيْرَ مَغْشُوشٍ غِشًّا كَثِيرًا، وَتَقَدَّمَ، (أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ) - أَيْ: مَعْنَى الدَّفْعِ - بِأَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ نَقْدٌ مَضْرُوبٌ (كَمُودِعٍ) وَعَارِيَّةٍ (وَغَصْبٍ) إذَا قَالَ رَبُّهَا لِمَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ: ضَارِبْ بِهَا عَلَى كَذَا (لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ) - أَيْ: الْمَالِ - وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِدَفْعٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِمَنْ، وَقَوْلُهُ (بِجُزْءٍ) مُشَاعٍ (مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ) - أَيْ: الْمَالِ - كَنِصْفِهِ أَوْ رُبُعِهِ (لَهُ) - أَيْ لِلْعَامِلِ - (أَوْ لِقِنِّهِ) - أَيْ: قِنِّ الْعَامِلِ - لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لِقِنِّهِ لَهُ، فَلَوْ جَعَلَاهُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ عَبْدِ أَحَدِهِمَا أَثْلَاثًا؛ كَانَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ الثُّلُثَانِ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، (أَوْ) لِلْمُتَّجِرِ فِيهِ (وَلِأَجْنَبِيٍّ) مَعَ عَمَلٍ مِنْهُ - أَيْ: الْأَجْنَبِيِّ - بِأَنْ يَقُولَ: اعْمَلْ فِي هَذَا الْمَالِ بِثُلُثِ الرِّبْحِ لَكَ وَلِزَيْدٍ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَكَ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: اعْمَلَا فِي هَذَا الْمَالِ بِالثُّلُثِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلًا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ يَعُودُ إلَى الرِّبْحِ كَشَرْطِ دَرَاهِمَ، وَإِنْ قَالَ: لَكَ الثُّلُثَانِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَ امْرَأَتَكَ نِصْفَهُ فَلَا يَصِحُّ. وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ هُنَا غَيْرُ قِنِّهِمَا - وَلَوْ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا لِأَحَدِهِمَا - بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (أَوْ) لِلْعَامِلِ (وَوَلَدِهِ) - أَيْ: وَلَدِ أَحَدِهِمَا - (مَعَ عَمَلٍ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْوَلَدِ. (وَلَا يُعْتَبَرُ لِمُضَارَبَةٍ قَبْضُ) عَامِلٍ (رَأْسَ مَالٍ) ، فَتَصِحُّ - وَإِنْ كَانَ بِيَدِ رَبِّهِ - لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْعَمَلُ، (وَلَا الْقَوْلُ) ؛ أَيْ: قَوْلُهُ قَبِلْتُ وَنَحْوُهُ (بِمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهَا، فَتَكْفِي مُبَاشَرَتُهُ) - أَيْ: الْعَمَلِ قَبُولًا. (وَتَصِحُّ) الْمُضَارَبَةُ (مِنْ مَرِيضٍ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ يُبْتَغَى بِهِ الْفَضْلُ؛ أَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ. (وَلَوْ سَمَّى فِيهَا لِعَامِلِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ) ، فَيَسْتَحِقُّهُ، (وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِحُصُولِهِ بِعَمَلِهِ) ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ مِنْ مَالِ رَبِّ الْمَالِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 بِعَمَلِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْمَالِ، فَمَا يَحْصُلُ مِنْ الرِّبْحِ الْمَشْرُوطِ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْعَامِلِ، (بِخِلَافِ) مَا لَوْ حَابَا أَجِيرًا، فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ، أَوْ حَابَا فِي (مُسَاقَاةٍ وَمُزَارَعَةٍ) ، فَتُعْتَبَرُ الْمُحَابَاةُ (مِنْ الثُّلُثِ) ؛ لِخُرُوجِ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ. (وَإِذَا فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ) فِي التِّجَارَةِ؛ (فَلَا شَيْءَ لِعَامِلٍ) ؛ لِأَنَّ إفْضَاءَهَا إلَى الرِّبْحِ غَيْرُ مَعْلُومٍ (بِخِلَافِ) مَا إذَا فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فِي (مُسَاقَاةٍ) ؛ فَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ لِمَنْعِهِ مِنْ إتْمَامِ عَمَلِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِوَضَ وَيَأْتِي. (وَالْمُضَارِبُ أَمِينٌ بِالْقَبْضِ) - أَيْ: قَبْضِ الْمَالِ - (وَكِيلٌ بِالتَّصَرُّفِ) فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، وَالْمَالُ تَحْتَ يَدِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ. (شَرِيكٌ ب) ظُهُورِ (الرِّبْحِ) فِي الْمَالِ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الرِّبْحِ (أَجِيرٌ بِالْفَسَادِ) ؛ أَيْ: إذَا فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ فَحُكْمُ الْعَامِلِ حُكْمُ الْأَجِيرِ فِيمَا بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ، وَهُوَ الْجُزْءُ الْمُسَمَّى لَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً. (غَاصِبٌ بِالتَّعَدِّي) عَلَى الْمَالِ أَوْ بَعْضِهِ؛ بِأَنْ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ، وَيَضْمَنُ، وَيَرُدُّ الْمَالَ وَنَمَاءَهُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ. [مُقْتَرِضٌ بِاشْتِرَاطِ كُلِّ الرِّبْحِ لَهُ؛ بِأَنْ] قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ: اتَّجَرَ بِهَذَا الْمَالِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَك، فَالْمَالُ الْمَدْفُوعُ قَرْضٌ، لَا قِرَاضٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لَهُ، وَقَدْ قَرَنَ بِهِ حُكْمَهُ، فَانْصَرَفَ إلَيْهِ كَالتَّمْلِيكِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ لَا حَقَّ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ رَبُّ الْمَالِ بِمِثْلِ مَا دَفَعَهُ، وَإِنْ زَادَ رَبُّ الْمَالِ مَعَ قَوْلِهِ: وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَك: وَلَا ضَمَانَ عَلَيْك؛ فَهُوَ قَرْضٌ شَرَطَ فِيهِ نَفْيَ الضَّمَانِ، فَلَا يَنْتَفِي لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ؛ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. (مُتَبَضِّعٌ بِاشْتِرَاطِ كُلِّ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ) بِأَنْ يَقُولَ رَبُّ الْمَالِ: خُذْهُ، فَاتَّجِرْ بِهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَهُوَ إبْضَاعٌ، لَا حَقَّ لِلْعَامِلِ فِيهِ، فَيَصِيرُ وَكِيلًا مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ حُكْمَ الْإِبْضَاعِ. فَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَعَلَيْكَ ضَمَانُهُ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ أَمَانَةً غَيْرَ مَضْمُونٍ مَا لَمْ يَتَعَدَّ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 يُفَرِّطْ فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِشَرْطِهِ. وَالْإِبْضَاعُ وَالْقَرْضُ لَيْسَا بِشَرِكَةٍ وَلَا مُضَارَبَةٍ؛ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ مَعْنَاهُمَا فِيهِمَا. (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: (خُذْهُ مُضَارَبَةً، وَلَك) رِبْحُهُ كُلُّهُ لَمْ يَصِحَّ، وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. (أَوْ) قَالَ رَبُّ الْمَالِ: خُذْهُ مُضَارَبَةً، و (لِي كُلُّ رِبْحِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ لِلتَّنَاقُضِ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مُضَارَبَةً، يَقْتَضِي الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ، وَقَوْلَهُ: لَكَ أَوْ لِي يَقْتَضِي عَدَمَهَا، فَتَنَاقَضَ قَوْلُهُ وَفَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا شَرَطَ اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا بِالرِّبْحِ، فَقَدْ شَرَطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَفَسَدَ؛ كَمَا لَوْ شَرَطَ الرِّبْحَ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ لِأَحَدِهِمَا. وَيُفَارِقُ إذَا لَمْ يَقُلْ مُضَارَبَةً لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لِمَا أَثْبَتَ حُكْمَهُ مِنْ الْإِبْضَاعِ وَالْقَرْضِ، وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ فِيهَا؛ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي هَذِهِ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ. (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: خُذْهُ مُضَارَبَةً، و (لِي) ثُلُثُ الرِّبْحِ، وَلَمْ يَذْكُرْ نَصِيبَ الْآخَرِ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْقِرَاضُ، وَالْبَاقِي مِنْ الرِّبْحِ لِلْآخَرِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ. (أَوْ) قَالَ رَبُّ الْمَالِ: خُذْهُ مُضَارَبَةً، و (لَك ثُلُثُهُ) - أَيْ: الرِّبْحِ (يَصِحُّ) الْقِرَاضُ، (وَبَاقِيهِ) - أَيْ: الرِّبْحِ - (لِلْآخَرِ) الْمَسْكُوتِ عَنْهُ، وَهُوَ رَبُّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَهُمَا، فَإِذَا قَدَّرَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا مِنْهُ فَالْبَاقِي لِلْآخَرِ بِمَفْهُومِ اللَّفْظِ؛ كَمَا عُلِمَ أَنَّ ثُلُثَيْ الْمِيرَاثِ لِلْأَبِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] (وَإِنْ أَتَى مَعَهُ) - أَيْ: مَعَ الْجُزْءِ الْمُسَمَّى - (بِرُبُعِ عُشْرِ الْبَاقِي) صَحَّ، وَاسْتُخْرِجَ بِالْحِسَابِ، وَطَرِيقُهُ أَنْ تُلْقِيَ بَسْطَ الثُّلُثِ وَهُوَ وَاحِدٌ، يَبْقَى اثْنَانِ، وَرُبُعُ الْعُشْرِ مَخْرَجُهُ أَرْبَعُونَ، فَتَنْظُرُ بَيْنَ الْبَاقِي بَعْدَ الْبَسْطِ - وَهُوَ اثْنَانِ - وَبَيْنَ الْأَرْبَعِينَ يُوَافِقُ بِالْإِنْصَافِ، فَتَضْرِبُ الثَّلَاثَةَ فِي نِصْفِ الْأَرْبَعِينَ تَبْلُغُ سِتِّينَ، وَتَأْخُذُ ثُلُثَهَا عُشْرَيْنِ وَرُبُعَ عُشْرِ الْبَاقِي - وَهُوَ وَاحِدٌ - يَبْلُغُ إحْدَى وَعِشْرِينَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 (وَنَحْوُهُ) كَرُبُعِ خُمُسِ جُزْءِ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ (صَحَّ) لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تَزُولُ بِالْحِسَابِ. (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: خُذْهُ مُضَارَبَةً؛ (لِي النِّصْفُ وَلَك الثُّلُثُ وَسَكَتَ عَنْ) السُّدُسِ (الْبَاقِي؛ صَحَّ، وَكَانَ) الْبَاقِي (لِرَبِّ الْمَالِ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ؛ لِكَوْنِهِ نَمَاءَهُ وَفَرْعَهُ، وَالْعَامِلُ يَأْخُذُهُ بِالشَّرْطِ، فَمَا شُرِطَ لَهُ اسْتَحَقَّهُ، وَمَا بَقِيَ؛ فَلِرَبِّ الْمَالِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ [ (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ (خُذْهُ) مُضَارَبَةً، (وَلَك ثُلُثُ الرِّبْحِ، وَثُلُثُ مَا بَقِيَ فَلَهُ) - أَيْ: الْعَامِلِ -] (خَمْسَةُ أَتْسَاعِ) الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَثُلُثَ الْبَاقِي تِسْعَةٌ، وَثُلُثُهَا ثَلَاثَةٌ، وَثُلُثُ مَا بَقِيَ اثْنَانِ، وَنِسْبَتُهَا إلَى التِّسْعَةِ مَا ذُكِرَ (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: خُذْهُ مُضَارَبَةً، و (لَك ثُلُثُ الرِّبْحِ وَرُبُعُ مَا بَقِيَ؛ فَلَهُ النِّصْفُ) ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَرُبُعَ الْبَاقِي سِتَّةٌ، وَثُلُثُهَا اثْنَانِ وَرُبُعُ الْبَاقِي وَاحِدٌ، وَالثَّلَاثَةُ نِصْفُ السِّتَّةِ. (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: خُذْهُ مُضَارَبَةً و (لَك الرُّبُعُ وَرُبُعُ مَا بَقِيَ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ وَنِصْفُ ثُمُنٍ) ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الرُّبُعِ وَرُبُعَ الْبَاقِي مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ، وَرُبُعُهَا أَرْبَعَةٌ وَرُبُعُ الْبَاقِي ثَلَاثَةٌ، وَالسَّبْعَةُ نِسْبَتُهَا إلَى السِّتَّةَ عَشْرَ مَا ذُكِرَ سَوَاءٌ عَرَفَا الْحِسَابَ أَوْ جَهِلَاهُ؛ لِأَنَّ إزَالَتَهُ مُمْكِنَةٌ بِالرُّجُوعِ إلَى غَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَعْرِفُ بِالْحِسَابِ. [فَائِدَةٌ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً وَلَكَ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ] فَائِدَةٌ: وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً وَلَك جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ شَرِكَةٌ فِي الرِّبْحِ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ وَنَصِيبٌ مِنْ الرِّبْحِ وَحَظٌّ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَالْمُضَارَبَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٌ وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْعَامِلِ اتَّجَرَ بِهِ (وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا) ؛ صَحَّ مُضَارَبَةً، (وَيَسْتَوِيَانِ) فِي الرِّبْحِ؛ لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِمَا إضَافَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ بِهِ أَحَدُهُمَا. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهَا) أَيْ: الْمُضَارَبَةِ لِمَنْ الْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ؛ فَلِعَامِلٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 (أَوْ) اخْتَلَفَا؛ (فِي مُسَاقَاةٍ أَوْ) فِي (مُزَارَعَةٍ لِمَنْ) الْجُزْءُ (الْمَشْرُوطُ؛ فَهُوَ لِعَامِلٍ) ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ، وَالْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ، فَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ؛ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ عَامِلٍ؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ وَبَيِّنَةُ الْمَالِكِ دَاخِلَةٌ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى الْمَالِ حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاضِعًا لَهَا حِسًّا (وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ) ؛ فَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ، وَالْعَامِلُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ، فَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الشَّرْطُ؛ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَ (لِعَامِلٍ أَجْرُ مِثْلِهِ) نَصًّا - (وَلَوْ خَسِرَ الْمَالَ) أَوْ رَبِحَ - لِأَنَّ عَمَلَهُ إنَّمَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُسَمَّى فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ إلَّا لِيَأْخُذَ عِوَضَهُ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ، فَوَجَبَ لَهُ قِيمَتُهُ، وَهِيَ أَجْرُ مِثْلِهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى مَنْ تَلِفَ بِيَدِهِ إذَا تَقَابَضَا، وَتَلِفَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ (إلَّا فِي) عَقْدِ (إبْضَاعٍ) ؛ بِأَنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي، فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ؛ (لِتَبَرُّعِهِ) بِعَمَلِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعَانَهُ أَوْ تَوَكَّلَ لَهُ بِلَا جُعْلٍ. (وَإِنْ رَبِحَ) فِي مُضَارَبَةٍ فَاسِدَةٍ؛ فَالرِّبْحُ (لِمَالِكٍ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ (وَمُضَارَبَةٌ) مُبْتَدَأٌ (فِيمَا لِعَامِلٍ أَنْ يَفْعَلَهُ) مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ، وَأَخْذٍ وَإِعْطَاءٍ وَرَدٍّ بِعَيْبٍ، وَبَيْعِ نَسَاءٍ وَبِعِوَضٍ وَشِرَاءِ مَعِيبٍ، وَإِيدَاعٍ لِحَاجَةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (أَوَّلًا) يَفْعَلُهُ؛ كَعِتْقٍ وَكِتَابَةٍ وَقَرْضٍ وَأَخْذِ سَفْتَجَةَ وَإِعْطَائِهَا وَنَحْوِهِ، (وَفِيمَا يَلْزَمُهُ) فِعْلُهُ مِنْ نَشْرِ ثَوْبٍ وَطَيٍّ وَخَتْمٍ وَحِرْزٍ وَنَحْوِهِ، (وَفِي شُرُوطٍ) صَحِيحَةٍ وَمُفْسِدَةٍ وَفَاسِدَةٍ؛ (كَشَرِكَةِ عِنَانٍ) عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ بِالْإِذْنِ (وَإِنْ قِيلَ) ؛ أَيْ: قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ: (اعْمَلْ بِرَأْيِكَ) أَوْ بِمَا أَرَاك اللَّهُ تَعَالَى، (وَهُوَ) - أَيْ الْعَامِلُ - (مُضَارِبٌ بِالنِّصْفِ، فَدَفَعَهُ) ؛ أَيْ: دَفَعَ الْعَامِلُ الْمَالَ لِعَامِلٍ (آخَرَ) عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ (بِالرُّبُعِ) مِنْ رِبْحٍ صَحَّ، (وَعَمِلَ بِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى دَفْعَهُ، إلَى أَبْصَرَ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَذِنْتُكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 فِي دَفْعِهِ مُضَارَبَةً؛ صَحَّ، وَالْمَقُولُ لَهُ وَكِيلٌ لِرَبِّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ، (وَمَلَكَ) الْعَامِلُ إذَا قِيلَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ بِمَا أَرَاك اللَّهُ (الزِّرَاعَةَ) . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ: اتَّجَرَ فِيهَا بِمَا شِئْت، فَزَرَعَ زَرْعًا، فَرَبِحَ فِيهِ؛ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ اتَّجِرْ بِمَا شِئْتَ دَخَلَتْ فِيهِ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يُبْتَغَى بِهَا النَّمَاءُ، فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ فِي الْمُزَارَعَةِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ، و (لَا) يَمْلِكُ مَنْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ بِمَا أَرَاك اللَّهُ (التَّبَرُّعَ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (وَنَحْوِهِ) - أَيْ التَّبَرُّعِ - (كَقَرْضٍ) مِنْ الْمَالِ (وَعِتْقِ) رَقِيقٍ مِنْ مَالِهِ (بِمَالٍ) أَوْ غَيْرِهِ (وَكِتَابَةِ) رَقِيقٍ (وَتَزْوِيجِ) رَقِيقٍ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى التِّجَارَةِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ تِجَارَةً، سِيَّمَا تَزْوِيجُ الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ مَحْضُ ضَرَرٍ، (إلَّا بِإِذْنٍ صَرِيحٍ) فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ التِّجَارَةُ. (وَ) لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ دَفْعُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إلَى آخَرَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَحَرْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ، (فَإِنْ دَفَعَهُ لِآخَرَ مُضَارَبَةً بِلَا إذْنِ) رَبِّ الْمَالِ؛ حَرُمَ عَلَيْهِ وَزَالَ اسْتِئْمَانُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُوجِبُ فِي الْمَالِ حَقًّا لِغَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ إيجَابُ حَقٍّ فِي مَالِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَ وَجَبَ رَدُّهُ لِمَالِكِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ رِبْحٌ، وَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَإِنْ رَبِحَ فِي الْمَالِ (فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِمَالِكِ) الْمَالِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَالٌ وَلَا عَمَلٌ (وَسَوَاءٌ اشْتَرَى) الْمُضَارِبُ الثَّانِي (بِعَيْنِ الْمَالِ) الْمَدْفُوعِ لَهُ، (أَوْ) اشْتَرَى (فِي الذِّمَّةِ) . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَطِيبُ الرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ، وَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ وَلَا مَالٌ. وَلَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ فِي الْمُضَارَبَةِ إلَّا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْعَامِلُ الثَّانِي عَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا شَرْطِهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ مَا شَرَطَهُ لَهُ غَيْرُهُ؛ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ الْغَاصِبُ مُضَارَبَةً، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا شَرَطَهُ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ؛ فَمَا شَرَطَهُ لَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْلَى. (وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي عَلَى) الْمُضَارِبِ (الْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَاسْتَعْمَلَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 بِعِوَضٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، فَوَجَبَ أَجْرُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ (إنْ جَهِلَ) الْمُضَارِبُ الثَّانِي (الْحَالَ) ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ، وَلِرَبِّ الْمَالِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا بِرَدِّ الْمَالِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَرَدِّ بَدَلِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا، أَوْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ، فَإِنْ طَالَبَ الْأَوَّلَ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ التَّالِفِ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ، وَإِنْ عَلِمَ الثَّانِي بِالْحَالِ؛ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِقَبْضِهِ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الْعُدْوَانِ، فَإِنْ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. (وَمَنْ دَفَعَ) مَالًا (لِاثْنَيْنِ مُضَارَبَةً فِي عَقْدٍ) وَاحِدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ، (وَجَعَلَ) الدَّافِعُ (الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ صَحَّ) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. (وَإِنْ قَالَ) رَبُّ الْمَالِ: (لَكُمَا كَذَا) وَكَذَا كَالنِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ مِنْ الرِّبْحِ، (وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفَ هُوَ) ؛ أَيْ: كَيْفِيَّةَ قَسْمِهِ بَيْنَهُمَا مِنْ تَسَاوٍ أَوْ تَفَاضُلٍ؛ فَالْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ (بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِضَافَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ. (وَ) إنْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ (لِأَحَدِهِمَا) - أَيْ الْعَامِلَيْنِ - (ثُلُثَ الرِّبْحِ، وَ) شَرَطَ (لِلْآخَرِ رُبُعَهُ) - أَيْ الرِّبْحِ - (وَالْبَاقِي لَهُ) - أَيْ لِرَبِّ الْمَالِ (جَازَ) ذَلِكَ، وَكَانَ الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطُوا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ؛ فَجَازَ مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ. (وَإِنْ قَارَضَا) - أَيْ اثْنَانِ - (وَاحِدًا بِأَلْفٍ لَهُمَا) جَازَ؛ كَمَا لَوْ قَارَضَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا بِخَمْسِمِائَةٍ، فَإِنْ شَرَطَ لِلْعَامِلِ فِي مَالِهِمَا رِبْحًا مُتَسَاوِيًا مِنْهُمَا؛ بِأَنْ (شَرَطَ أَحَدُهُمَا لَهُ النِّصْفَ، وَ) شَرَطَ (الْآخَرُ) لَهُ (الثُّلُثَ جَازَ) ؛ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعَقْدِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْعَاقِدِ، (وَ) يَكُونُ (بَاقِي رِبْحِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (لَهُ) - أَيْ لِصَاحِبِ ذَلِكَ الْمَالِ - لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ. (وَإِنْ شَرَطَا) - أَيْ لِصَاحِبِ الْمَالِ - (كَوْنَ بَاقٍ مِنْ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِ الْآخَرِ، وَلَا عَمَلَ لَهُ فِيهِ؛ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ رِبْحِهِ شَيْئًا. [فَرْعٌ أَخَذَ عَامِلٌ مِنْ رَجُلٍ مِائَةً قِرَاضًا ثُمَّ أَخَذَ مِنْ آخَرَ مِثْلَهَا] (فَرْعٌ: لَوْ) أَخَذَ عَامِلٌ مِنْ رَجُلٍ مِائَةً قِرَاضًا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ آخَرَ مِثْلَهَا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 و (اشْتَرَى الْعَامِلُ) الَّذِي أَخَذَ مَالًا (لِاثْنَيْنِ بِرَأْسِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الِاثْنَيْنِ - وَهُوَ الْمِائَةُ فِي الْمِثَالِ - (أَمَةً أَوْ نَحْوَهَا) كَعَبْدَيْنِ أَوْ فَرَسَيْنِ، (وَاشْتَبَهَا) - أَيْ الْأَمَتَانِ أَوْ الْعَبْدَانِ أَوْ الْفَرَسَانِ - وَلَمْ تَتَمَيَّزَا فَقَالَ الْمُوَفَّقُ (فِي " الْمُغْنِي " يَصْطَلِحَانِ) عَلَيْهِمَا؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ حِنْطَةٌ، فَانْثَالَتْ عَلَيْهَا أُخْرَى، (وَقِيلَ) ؛ أَيْ: قَالَ الْقَاضِي: فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِيهِمَا؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، فَتُبَاعَانِ وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا رِبْحٌ دَفَعَ إلَى الْعَامِلِ حِصَّتَهُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَالثَّانِي (يَضْمَنُ) الْعَامِلُ (رَأْسَ مَالِ كُلٍّ) مِنْ الْمَالِكَيْنِ، (وَتَصِيرَانِ) - أَيْ الْأَمَتَانِ - (لَهُ) - أَيْ لِلْعَامِلِ - وَالرِّبْحُ لَهُ وَالْخُسْرَانُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَالْأَوَّلُ - أَيْ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ - أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ، فَلَا يَزُولُ الِاشْتِبَاهُ عَنْ جَمِيعِهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُونَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ، وَلِأَنَّنَا لَوْ جَعَلْنَاهُمَا لِلْمُضَارِبِ أَدَّى إلَى أَنْ يَكُونَ تَفْرِيطُهُ سَبَبًا بِالرِّبْحِ وَحِرْمَانِ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ، وَعَكْسُ ذَلِكَ أَوْلَى، وَإِنْ جَعَلَاهُمَا شَرِيكَيْنِ أَدَّى إلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا رِبْحَ مَالِ الْآخَرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ مَالٌ وَلَا عَمَلٌ انْتَهَى [فَائِدَةٌ اتَّفَقَ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا وَالْوَضِيعَةَ عَلَيْهِمَا] فَائِدَةٌ: إذَا اتَّفَقَ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبُ عَلَى أَنْ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا، وَالْوَضِيعَةَ عَلَيْهِمَا؛ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى شَرَطَ عَلَى الْمُضَارِبِ ضَمَانَ الْمَالِ أَوْ سَهْمًا مِنْ الْوَضِيعَةِ؛ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي جَهَالَتِهِ الرِّبْحَ، فَلَمْ يَفْسُدْ بِهِ الْعَقْدُ؛ كَمَا لَوْ شَرَطَ لُزُومَ الْمُضَارَبَةِ. [فَصْلٌ الْمُضَارَبَةُ مُؤَقَّتَةً] (فَصْلٌ: وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ مُؤَقَّتَةً) كَأَنْ يَقُولَ رَبُّ الْمَالِ: (ضَارِبْ بِكَذَا) - أَيْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ - (سَنَةً أَوْ) شَهْرًا؛ لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ بِتَقْيِيدٍ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ، فَجَازَ تَقْيِيدُهُ بِالزَّمَانِ؛ كَالْوَكَالَةِ. (وَ) إنْ قَالَ لِلْعَامِلِ: ضَارِبْ بِهَذَا الْمَالِ، (وَإِذَا مَضَى كَذَا) - أَيْ لِسَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ - (فَلَا تَشْتَرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 شَيْئًا. أَوْ) ضَارِبْ بِهَذَا الْمَالِ كَذَا وَإِذَا مَضَى الْأَجَلُ (فَهُوَ) - أَيْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ (قَرْضٌ، فَإِذَا مَضَى) الْأَجَلُ الْمُعَيَّنُ؛ لَمْ يَشْتَرِ فِي الْأُولَى، وَإِذَا مَضَى فِي الثَّانِيَةِ (وَهُوَ مَتَاعٌ؛ فَلَا بَأْسَ) بِهِ، وَعَلَى الْعَامِلِ تَنْضِيضُهُ، (فَإِذَا بَاعَهُ) ، وَنَضَّهُ (كَانَ قَرْضًا) نَصًّا. نَقَلَهُ مُهَنَّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ غَرَضٌ. وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ (مُعَلَّقَةً) ؛ لِأَنَّهَا إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَجَازَ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ؛ كَالْوَكَالَةِ، كَقَوْلِ رَبِّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ: (إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَضَارِبْ بِهَذَا) الْمَالِ، (أَوْ بِعْ هَذَا) الْعَرْضَ، (وَمَا حَصَلَ مِنْ ثَمَنِهِ فَقَدْ ضَارَبْتُكَ بِهِ) صَحَّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (أَوْ) قَالَ لِلْعَامِلِ: (اقْبِضْ دَيْنِي مِنْك) ، وَضَارِبْ بِهِ صَحَّ، لِصِحَّةِ قَبْضِ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، (أَوْ قَالَ لَهُ: اقْتَضِ دَيْنِي مِنْ زَيْدٍ؛ وَضَارِبْ بِهِ) صَحَّ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ، وَمَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ؛ فَجَازَ جَعْلُهُ مُضَارَبَةً إذَا قَبَضَهُ؛ كَاقْبِضْ أَلْفًا مِنْ غُلَامِي وَضَارِبْ بِهِ. و (لَا) تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ إنْ قَالَ: (ضَارِبْ بِدَيْنِي) الَّذِي لِي (عَلَيْك؛ أَوْ) قَالَ: ضَارِبْ بِدَيْنِي الَّذِي لِي (عَلَى زَيْدٍ، فَاقْبِضْهُ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ مِلْكٌ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ رَبُّهُ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ، (أَوْ) قَالَ رَبُّ الْمَالِ: (هُوَ) - أَيْ هَذَا الْمَالُ - (قَرْضٌ عَلَيْكَ شَهْرًا) أَوْ نَحْوَهُ، (ثُمَّ هُوَ مُضَارَبَةٌ) ؛ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ قَرْضًا مَلَكَهُ الْمُقْتَرِضُ، فَلَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِعَدَمِ مِلْكِ رَبِّ الدَّيْنِ لَهُ إذَنْ. (أَوْ) قَالَ لِلْعَامِلِ: (اعْزِلْ مَالِي) - أَيْ دَيْنِي - (عَلَيْكَ، وَقَدْ قَارَضْتُكَ بِهِ) ، فَفَعَلَ، وَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ شَيْئًا لِلْمُضَارَبَةِ؛ لَمْ يَصِرْ لَهَا، (وَمَا اشْتَرَاهُ) فَهُوَ (لَهُ) - أَيْ الْمُشْتَرِي - لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ، فَحَصَلَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَرِبْحُهُ لَهُ وَخُسْرَانُهُ (عَلَيْهِ) ، وَإِنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ الْقِرَاضِ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ (وَصَحَّ) قَوْلُ رَبِّ الْوَدِيعَةِ: (ضَارِبْ بِوَدِيعَةٍ) لِي عِنْدَك أَوْ عِنْدَ زَيْدٍ مَعَ عِلْمِهِمَا قَدْرَهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ، فَجَازَ أَنْ يُضَارِبَهُ عَلَيْهَا؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 حَاضِرَةً فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ، فَإِنْ كَانَتْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ عَلَى وَجْهٍ يَضْمَنُهَا؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَارِبَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا. (أَوْ) قَالَ مَغْصُوبٌ مِنْهُ: ضَارِبْ (بِغَصْبٍ لِي عِنْدَ زَيْدٍ أَوْ عِنْدَك) مَعَ عِلْمِهِمَا، قَدْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ غَاصِبِهِ وَقَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ، وَكَذَا بِعَارِيَّةٍ، (وَيَزُولُ الضَّمَانُ) عَنْ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ (بِمُجَرَّدِ عَقْدِ) الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُمْسِكًا لَهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ، لَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ مَالِكُهُ، ثُمَّ أَقْبَضَهُ لَهُ، فَإِنْ تَلِفَ فَكَمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ عَمِلَ مَعَ مَالِكِ نَقْدٍ أَوْ) مَالِكِ (شَجَرٍ أَوْ) مَالِكِ (أَرْضٍ وَحَبٍّ) فِي تَنْمِيَةِ ذَلِكَ؛ بِأَنْ عَاقَدَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فِيهِ، (وَالرِّبْحُ) فِي الْمُضَارَبَةِ، أَوْ الثَّمَرُ فِي الْمُسَاقَاةِ، أَوْ الزَّرْعُ فِي الْمُزَارَعَةِ (بَيْنَهُمَا) أَنْصَافًا أَوْ أَثْلَاثًا أَوْ نَحْوَهُ؛ (صَحَّ) ذَلِكَ، وَكَانَ (مُضَارَبَةً) فِي مَسْأَلَةِ النَّقْدِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ لِأَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْمُضَارَبَةِ، فَجَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا مَعَ وُجُودِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، (وَ) كَانَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّجَرِ (مُسَاقَاةً، وَ) فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ وَالْحَبِّ (مُزَارَعَةً) قِيَاسًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ. (وَإِنْ شَرَطَ) الْعَامِلُ (فِيهِنَّ) - أَيْ الْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ - (عَمَلَ مَالِكٍ، أَوْ) شَرَطَ عَمَلَ (غُلَامِهِ) - أَيْ رَقِيقِهِ - (مَعَهُ) - أَيْ الْعَامِلِ - بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يُعِينَهُ فِي الْعَمَلِ؛ (صَحَّ كَ) شَرْطِهِ عَلَيْهِ عَمَلَ (بَهِيمَةٍ) ؛ بِأَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا وَنَحْوَهُ. (وَلَا يَضُرُّ عَمَلُ مَالِكٍ بِلَا شَرْطٍ) . نَصَّ عَلَيْهِ. تَتِمَّةٌ: نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ أَعْطَى رَجُلًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمَوْصِلِ، فَيُوَجِّهَ إلَيْهِ بِطَعَامٍ فَيَبِيعَهُ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِهِ، وَيُوَجِّهَ إلَيْهِ إلَى الْمَوْصِلِ. قَالَ: لَا بَأْسَ إذَا كَانُوا تَرَاضَوْا عَلَى الرِّبْحِ. [فَائِدَةٌ لَمْ يَعْمَلْ الْمُضَارِبُ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ صَرَفَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ فَارْتَفَعَ الصَّرْفُ] فَائِدَةٌ: لَوْ لَمْ يَعْمَلْ الْمُضَارِبُ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ صَرَفَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ، فَارْتَفَعَ الصَّرْفُ؛ اسْتَحَقَّ لَمَّا صَرَفَهَا. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ " قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 [فَصْلٌ لَيْسَ لِعَامِلٍ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ] (فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِعَامِلٍ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا، وَلَا حَظَّ لِلتِّجَارَةِ فِيهِ؛ إذْ هِيَ مَعْقُودَةٌ لِلرِّبْحِ حَقِيقَةً أَوْ مَظِنَّةً، وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ هُنَا، سَوَاءٌ كَانَ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ (بِرَحِمٍ) كَابْنِهِ وَنَحْوِهِ، (أَقُولُ) كَتَعْلِيقِ رَبِّ الْمَالِ عِتْقَهُ عَلَى شِرَائِهِ، أَوْ إقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، (فَإِنْ فَعَلَ) ؛ أَيْ: اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ (صَحَّ) الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ قَابِلٌ لِلْعُقُودِ، فَصَحَّ شِرَاؤُهُ كَغَيْرِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ (وَعَتَقَ) عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِهِ، (وَضَمِنَ) الْعَامِلُ (ثَمَنَهُ) الَّذِي اشْتَرَاهُ؛ لِمُخَالَفَتِهِ، (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ انْفَسَخَتْ فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ لِتَلَفِهِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ كُلَّ الْمَالِ انْفَسَخَتْ كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) - أَيْ كَالْعَامِلِ - (وَكِيلٌ) اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى مُوَكِّلِهِ؛ فَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ لَهُ، وَيَعْتِقُ بِمُجَرَّدِهِ، وَيَضْمَنُ ثَمَنَهُ لِمُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ؛ لِشِرَائِهِ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَيَتَّجِهُ (وَشَرِيكٌ) كَذَلِكَ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ مَبْنَى التِّجَارَةِ عَلَى مَظِنَّةِ الرِّبْحِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اشْتَرَى) عَامِلٌ - (وَلَوْ بَعْضَ زَوْجٍ؛ أَوْ) بَعْضَ - (زَوْجَةٍ - لِمَنْ لَهُ فِي الْمَالِ مِلْكٌ) - وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا - (صَحَّ) الشِّرَاءُ؛ لِوُقُوعِهِ عَلَى مَا يُمْكِنُ طَلَبُ الرِّبْحِ فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، (وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُ) - أَيْ الْمُشْتَرِي - كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُجَامِعُ الْمِلْكَ، (وَضَمِنَ) عَامِلٌ (نِصْفَ مَهْرِ) الزَّوْجَةِ الْمُشْتَرَاةِ (قَبْلَ دُخُولِ) رَبِّ الْمَالِ بِهَا؛ لِوُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَلَمَّا اشْتَرَاهَا الْعَامِلُ؛ ضَمِنَ مَا دَفَعَهُ الزَّوْجُ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ تَقْرِيرِهِ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ أَفْسَدَتْ امْرَأَةٌ نِكَاحَهُ بِالرَّضَاعِ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 (وَلَا) يَضْمَنُ الْعَامِلُ مَهْرَ زَوْجَةٍ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِشِرَاءِ عَامِلٍ لَهَا (بَعْدَهُ) - أَيْ الدُّخُولِ - (لِاسْتِقْرَارِهِ) - أَيْ الْمَهْرِ - عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِدُخُولِهِ، فَقَدْ فَوَّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَامِلِ بِشَيْءٍ، (وَلَا) يَضْمَنُ عَامِلٌ مَا يَفُوتُ مِنْ الْمَهْرِ (إنْ اشْتَرَى زَوْجَ رَبَّةِ الْمَالِ) ، وَلَا يَضْمَنُ مَا يَفُوتُهَا مِنْ النَّفَقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعُودُ إلَى الْمُضَارَبَةِ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْمَالِ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ. (وَإِنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ، (وَظَهَرَ رِبْحٌ) فِي الْمُضَارَبَةِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ ثَمَنُ الْأَبِ أَوْ الْأَخِ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ ظَاهِرًا حِينَ الشِّرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بَاقٍ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ؛ (عَتَقَ) عَلَيْهِ كُلُّهُ؛ (كَمُشْتَرَكٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِمِلْكِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِالظُّهُورِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّ ثَمَنِهِ مِنْ الرِّبْحِ، لَكِنَّهُ مُوسِرٌ بِقِيمَةٍ بَاقِيَةٍ، لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ، فَعَتَقَ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِمَالِهِ. وَإِنْ كَانَ [مُعْسِرًا عَتَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ حَتَّى بَاعَ] مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، (فَلَا) يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ. هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَهُ) - أَيْ الْعَامِلِ - (بَيْعُهُ إذَنْ) ؛ أَيْ: حِينَ شِرَائِهِ قَبْلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ. (وَ) يَتَّجِهُ أَنَّهُ (لَا يُوقَفُ) الرَّقِيقُ (لِاحْتِمَالِ رِبْحٍ؛ لِيَعْتِقَ) ؛ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ بَيْعِهِ ضَرَرًا عَلَى الْمَالِكِ وَالْمَقْصُودُ بِالتِّجَارَةِ عَدَمُهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَهُ) - أَيْ لِلْعَامِلِ - (التَّسَرِّي مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِإِذْنِ) رَبِّ الْمَالِ، (فَإِذَا اشْتَرَى) الْمُضَارِبُ لِنَفْسِهِ (أَمَةً) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِيَتَسَرَّى بِهَا بِإِذْنِ رَبِّهِ (مَلَكَهَا) ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي، وَالْإِذْنُ فِيهِ يَسْتَدْعِي الْإِذْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 فِي الْوَطْءِ؛ (لِأَنَّ إبَاحَةَ الْبُضْعِ لَا تَحْصُلُ) لِلْعَامِلِ (بِلَا مِلْكٍ أَوْ عَقْدٍ) ، وَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَبَرُّعِهِ بِالثَّمَنِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهَا بِالْإِذْنِ، (وَيَصِيرُ ثَمَنُهَا قَرْضًا بِذِمَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَتَسَرَّى بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ، (فَإِنْ) خَالَفَ [و] (وَطِئَ أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عُزِّرَ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، و (مَعَ) ذَلِكَ يَلْزَمُهُ (الْمَهْرُ، وَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ؛ لِلشُّبْهَةِ - (وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ - لَكِنْ) إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، و (وَلَدُهُ رَقِيقٌ) مَمْلُوكٌ لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَلَوْ عَتَقَ، ثُمَّ مَاتَ لَا يَرِثُهُ الْوَاطِئُ؛ (وَيَتَّجِهُ) لَا حَدَّ عَلَيْهِ (مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ عَدَمَ ظُهُورِهِ) - أَيْ: الرِّبْحِ - فَيُحَدُّ لِوَطْئِهِ مَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا شُبْهَةُ مِلْكٍ؛ وَذَلِكَ (كَأَمَةٍ اشْتَرَاهَا) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (بِمِائَةٍ) وَهِيَ (تُسَاوِي) نَحْوَ (خَمْسِينَ، فَيُحَدُّ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ عَدَمَ الرِّبْحِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّانِي الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ عَدَمَ الرِّبْحِ، وَجَهِلَ التَّحْرِيمَ، وَعَلِقَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ؛ فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ لِرَبِّ الْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُرْتَهِنِ إذَا وَطِئَ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ جَاهِلًا تَحْرِيمَ الْوَطْءِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَكِنَّ الْمَذْهَبَ مَا تَقَدَّمَ. (فَإِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ) ؛ بِأَنْ اشْتَرَى مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ أَمَةً بِخَمْسِينَ تُسَاوِي نَحْوَ مِائَةٍ، وَوَطِئَهَا بِدُونِ إذْنٍ، وَعَلِقَتْ مِنْهُ؛ (فَ) وَلَدُهُ (حُرٌّ، وَتَصِيرُ) الْأَمَةُ (أُمَّ وَلَدِهِ، وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ قِيمَتُهَا) يَوْمَ إحْبَالِهَا كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا أَحْبَلَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ نَصًّا لِلشُّبْهَةِ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْعَامِلِ مِنْ الْمَهْرِ وَالْقِيمَةِ قَدْرُ حَقِّهِ فَقَطْ، وَيَغْرَمُ تَتِمَّةَ الْمَهْرِ وَالْقِيمَةِ لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ. (وَيُعَزَّرُ رَبُّ الْمَالِ) إنْ وَطِئَ أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِإِقْدَامِهِ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَغَيْرُهُمْ، فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ خَرَجَتْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَحُسِبَتْ عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 قِيمَتُهَا، وَيُضَافُ إلَيْهَا بَقِيَّةُ الْمَالِ، (وَوَلَدُهُ حُرٌّ مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ ظَهَرَ رِبْحٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا، أَوْ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ؛ فَلِلْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْهُ. (وَلَيْسَ لِعَامِلٍ الشِّرَاءُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ) ؛ كَأَنْ يَكُونَ فِيهَا عَبْدٌ أَوْ ثَوْبٌ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " (إنْ ظَهَرَ) فِي الْمُضَارَبَةِ (رِبْحٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ؛ صَحَّ شِرَاؤُهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ بِإِذْنِهِ كَالْوَكِيلِ يَشْتَرِي مِنْ مُوَكِّلِهِ. (وَلَا يَصِحُّ لِرَبِّ الْمَالِ الشِّرَاءُ مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ - (لِنَفْسِهِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ كَشِرَائِهِ مِنْ وَكِيلِهِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ ظَهَرَ رِبْحٌ أَوْ لَا. (وَإِنْ اشْتَرَى شَرِيكٌ) فِي مَالٍ (نَصِيبَ شَرِيكِهِ؛ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ غَيْرِهِ. (وَإِنْ اشْتَرَى) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (الْجَمِيعَ) - أَيْ: حِصَّتَهُ وَحِصَّةَ شَرِيكِهِ - (صَحَّ) الشِّرَاءُ (فِي غَيْرِ نَصِيبِهِ) - أَيْ: الْمُشْتَرِي - وَهُوَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ الَّذِي بَاعَهُ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَلَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ. (وَحَرُمَ) عَلَى عَامِلٍ (أَنْ يُضَارِبَ) ؛ أَيْ: يَأْخُذَ مُضَارَبَةً (لِآخَرَ إنْ ضَرَّ) اشْتِغَالُهُ بِالْعَمَلِ فِي مَالِ الثَّانِي رَبَّ الْمَالِ (الْأَوَّلَ) بِلَا إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مَقْصُودَ الْمُضَارَبَةِ مِنْ طَلَبِ النَّمَاءِ وَالْحَظِّ؛ كَكَوْنِ الْمَالِ كَثِيرًا، فَيَسْتَوْعِبُ زَمَانَهُ، فَإِنْ كَانَ مَالُ الثَّانِي يَسِيرًا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ الْعَمَلِ فِي مَالِ الْأَوَّلِ جَازَ، (فَإِنْ فَعَلَ) ؛ أَيْ: ضَارَبَ لِآخَرَ مَعَ تَضَرُّرِ الْأَوَّلِ حَرُمَ عَلَيْهِ، (وَرَدَّ مَا خَصَّهُ مِنْ الرِّبْحِ) الْحَاصِلِ فِي الْمَالِ الثَّانِي (فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ) . نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ بِالْمَنْفَعَةِ الَّتِي اُسْتُحِقَّتْ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَيُنْظَرُ مَا رَبِحَ فِي الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ، فَيَدْفَعُ إلَى رَبِّ مَالِهَا مِنْهُ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّ الْعُدْوَانَ مِنْ الْمُضَارِبِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ رَبِّ الْمَالِ الثَّانِي، وَيَأْخُذُ الْمُضَارِبُ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَيَضُمُّهُ إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 رِبْحِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى فَيَقْتَسِمَانِهِ، وَالْوَكِيلُ يُجْعَلُ كَالْمُضَارِبِ. (وَلَا نَفَقَةَ لِعَامِلٍ) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ مَعَ السَّفَرِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْعَمَلِ بِجُزْءٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، وَلَوْ اسْتَحَقَّهُ لَأَفْضَى إلَى اخْتِصَاصِهِ بِالرِّبْحِ إذَا لَمْ يَرْبَحْ غَيْرَهَا (إلَّا بِشَرْطٍ) كَوَكِيلٍ. هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَيَصِحُّ شَرْطُهَا سَفَرًا وَحَضَرًا؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، (فَإِنْ شُرِطَتْ) نَفَقَةُ الْعَامِلِ مُقَدَّرَةً فَحَسَنٌ؛ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، وَإِنْ شُرِطَتْ (مُطْلَقَةً، وَاخْتَلَفَا) ؛ أَيْ: تَشَاحَّا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ؛ (فَلَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ عُرْفًا مِنْ طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ) كَالزَّوْجَةِ وَسَائِرِ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ النَّفَقَةِ يَقْتَضِي جَمِيعَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ، فَكَانَ لَهُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ، وَهِيَ إبَاحَةٌ فَلَا تُنَافِي مَا تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ يُبْطِلُهَا. وَتَرَدَّدَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، هَلْ النَّفَقَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ الرِّبْحِ؟ قَالَ الْبُهُوتِيُّ: بَلْ الظَّنُّ أَنَّهَا مِنْ الرِّبْحِ. (وَلَوْ لَقِيَهُ) ؛ أَيْ: لَقِيَ رَبُّ الْمَالِ الْعَامِلَ (بِبَلَدٍ) كَانَ قَدْ (أَذِنَ) لَهُ (فِي سَفَرِهِ إلَيْهِ) - أَيْ: بِالْمَالِ - (وَقَدْ نَضَّ الْمَالُ) بِأَنْ صَارَ الْمَتَاعُ نَقْدًا، (فَأَخَذَهُ) رَبُّهُ مِنْهُ (فَلَا نَفَقَةَ) لِلْعَامِلِ؛ (لِرُجُوعِهِ) إلَى الْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مَا دَامَا فِي الْقِرَاضِ - وَقَدْ زَالَ الْقِرَاضُ - فَزَالَتْ النَّفَقَةُ، وَلِذَلِكَ لَوْ مَاتَ لَمْ يَجِبْ تَكْفِينُهُ وَلَوْ اشْتَرَطَ النَّفَقَةَ لِانْقِطَاعِ الْقِرَاضِ بِمَوْتِهِ، فَانْقَطَعَتْ النَّفَقَةُ. (وَإِنْ تَعَدَّدَ رَبُّ الْمَالِ) ؛ بِأَنْ كَانَ عَامِلًا لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، أَوْ عَامِلًا لِوَاحِدٍ، وَمَعَهُ مَالٌ لِنَفْسِهِ أَوْ بِضَاعَةٌ لِآخَرَ، وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ نَفَقَةَ السَّفَرِ؛ (فَهِيَ) - أَيْ: النَّفَقَةُ - (عَلَى) قَدْرِ (مَالِ كُلٍّ) مِنْهُمَا، أَوْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَجَبَتْ لِأَجْلِ عَمَلِهِ فِي الْمَالِ، فَكَانَتْ عَلَى قَدْرِ مَالِ كُلٍّ فِيهِ، (إلَّا أَنْ يَشْرِطَهَا بَعْضٌ) مِنْ أَرْبَابِ الْمَالِ (مِنْ مَالِهِ عَالِمًا بِالْحَالِ) ، وَهُوَ كَوْنُ الْعَامِلِ يَعْمَلُ فِي مَالٍ آخَرَ مَعَ مَالِهِ؛ فَيَخْتَصُّ بِمَالِهِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَالِ؛ فَعَلَيْهِ بِالْحِصَّةِ، (وَحَيْثُ شُرِطَتْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 النَّفَقَةُ لِلْعَامِلِ، (فَادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ) الْمُخْتَصِّ بِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ؛ (قُبِلَ) قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، (وَرَجَعَ بِهِ) - أَيْ: بِمَا أَنْفَقَهُ - (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (بَعْدَ رُجُوعِ الْمَالِ) - أَيْ: مَالِ الْمُضَارَبَةِ - (لِرَبِّهِ) وَاحِدًا كَانَ أَوْ مُتَعَدِّدًا. (وَلَا رِبْحَ لِعَامِلٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ) . قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ هُوَ الْفَاضِلُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَمَا لَمْ يَفْضُلْ فَلَيْسَ بِرِبْحٍ، (فَإِنْ رَبِحَ فِي إحْدَى سِلْعَتَيْنِ) وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى؛ (أَوْ) رَبِحَ فِي إحْدَى (سَفْرَتَيْنِ، وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى، أَوْ تَعَيَّبَتْ) سِلْعَةٌ، وَزَادَتْ أُخْرَى، (أَوْ نَزَلَ السِّعْرُ، أَوْ تَلِفَ) بَعْضُ الْمَالِ (بَعْدَ عَمَلِ) عَامِلٍ فِي الْمُضَارَبَةِ؛ (فَالْوَضِيعَةُ) فِي بَعْضِ الْمَالِ تُجْبَرُ (مِنْ رِبْحِ بَاقِيهِ) - أَيْ: الْمَالِ - (إنْ كَانَتْ) الْوَضِيعَةُ (قَبْلَ قَسْمِهِ) - أَيْ: الرِّبْحِ - (نَضًّا) - أَيْ: نَقْدًا - (وَلَوْ) كَانَ تنضيض الْمَالِ (بِمُحَاسَبَةٍ) جَرَتْ بَيْنَهُمَا (أُجْرِيَ لَهَا) - أَيْ: الْمُحَاسَبَةِ - (مُجْرَى الْقِسْمَةِ) نَصًّا. (قِيلَ) لِلْإِمَامِ (أَحْمَدَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَيَحْتَسِبَانِ) ؟ - أَيْ: رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ - (عَلَى الْمَتَاعِ) قَبْلَ تَنْضِيضِهِ (فَقَالَ: لَا يَحْتَسِبَانِ إلَّا عَلَى النَّاضِّ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ قَدْ يَنْحَطُّ سِعْرُهُ وَ) قَدْ (يَرْتَفِعُ) ، فَإِنْ تَقَاسَمَا الرِّبْحَ وَالْمَالُ نَاضٌّ، أَوْ تَحَاسَبَا بَعْدَ تَنْضِيضِ الْمَالِ، وَأَبْقَيَا الْمُضَارَبَةَ؛ فَهِيَ مُضَارَبَةٌ ثَانِيَةٌ، فَمَا رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجْبُرُ بِهِ وَضِيعَةَ الْأَوَّلِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إجْرَاءِ الْمُحَاسَبَةِ مَجْرَى الْقِسْمَةِ، وَالتَّنْضِيضُ: أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ كَمَا أَخَذَهُ الْعَامِلُ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ فِضَّةً يَصِيرُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا يَصِيرُ كَذَلِكَ. (وَيَمْلِكُ عَامِلٌ حِصَّةً مِنْ رِبْحٍ) بِمُجَرَّدِ ظُهُورٍ (قَبْلَ قِسْمَةٍ؛ كَمَالِكِ) الْمَالِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. [قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ "] : و (لَا) يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ (الْأَخْذَ مِنْهُ) - أَيْ: الرِّبْحِ - (إلَّا بِإِذْنِ) رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُشَاعٌ، فَلَا يُقَاسِمُ نَفْسَهُ، وَلِأَنَّ مِلْكَهُ لَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ لَا يَمْلِكَهُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 (وَتَحْرُمُ قِسْمَةُ رِبْحٍ) دُونَ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا وِقَايَةَ لَهُ، (وَالْعَقْدُ) - أَيْ: عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ - (بَاقٍ) ؛ فَلَا يُجْبَرُ، مُمْتَنِعٌ عَنْهَا عَلَيْهَا (إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا) ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَأْمَنُ الْخُسْرَانَ، فَيُجْبِرُهُ بِالرِّبْحِ، وَلِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُلْزِمَهُ رَدَّ مَا أَخَذَهُ فِي وَقْتٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْمُضَارِبِ يَرْبَحُ، وَيَضَعُ مِرَارًا، يَرُدُّ الْوَضِيعَةَ عَلَى الرِّبْحِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ صَاحِبُهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ فَيَقُولُ: اعْمَلْ بِهِ ثَانِيَةً؛ فَمَا رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجْبُرَ بِهِ وَضِيعَةَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُضَارَبَةٌ ثَانِيَةٌ. قَالَ: فَهَذَا لَيْسَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، (فَإِنْ اتَّفَقَا) - أَيْ: الْمُتَقَارِضَانِ - عَلَى قَسْمِ الرِّبْحِ أَوْ قَسْمِ بَعْضِهِ، أَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا، فَاقْتَسَمَا الرِّبْحَ أَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا، (فَظَهَرَ) فِي الْمَالِ (خُسْرَانٌ) ؛ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِرِبْحٍ، فَلَوْ كَانَ الْمَالُ مِائَةً وَرَبِحَ عِشْرِينَ، وَاقْتَسَمَاهَا، ثُمَّ خَسِرَ ثَلَاثِينَ؛ فَعَلَى الْعَامِلِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ - وَهُوَ الْعَشَرَةُ فِي الْمِثَالِ - لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ، وَبَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ ثَمَانِينَ (أَوْ تَلِفَ الْمَالُ) - أَيْ: مَالُ الْمُضَارَبَةِ - (كُلُّهُ) مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ (لَزِمَ الْعَامِلَ رَدُّ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا أَخَذَهُ) - وَهُوَ الْعَشَرَةُ - فِي الْمِثَالِ، (أَوْ الْخُسْرَانُ) وَهُوَ الثَّلَاثُونَ، وَلَا سَبِيلَ إلَى رَدِّ الثَّلَاثِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا فَيَرُدُّ الْعَشَرَةَ الْمَأْخُوذَةَ فَقَطْ. (وَلَا يَخْلِطُ) عَامِلٌ (رَأْسَ مَالٍ قَبَضَهُ مِنْ) مَالِكٍ (وَاحِدٍ فِي وَقْتَيْنِ بِلَا إذْنٍ) نَصًّا؛ (لِأَنَّهُمَا) - أَيْ: الْمَالَيْنِ - (عَقْدَانِ، فَلَا يُجْبَرُ) خُسْرَانُ (أَحَدِهِمَا مِنْ) رِبْحِ الْمَالِ الْآخَرِ؛ كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ خَلْطِهِمَا. (وَإِنْ أَذِنَ) رَبُّ الْمَالِ لَهُ - أَيْ: الْمُضَارِبِ فِي الْخَلْطِ - (قَبْلَ تَصَرُّفِهِ) - أَيْ الْمُضَارِبِ - (فِي) الْمَالِ (الْأَوَّلِ) جَازَ، (أَوْ) أَذِنَهُ فِي الْخَلْطِ (بَعْدَهُ) أَيْ: التَّصَرُّفِ فِي الْأَوَّلِ - (وَقَدْ نَضَّ) الْمَالُ الْأَوَّلُ؛ (جَازَ وَصَارَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 أَيْ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي - (عَقْدًا) وَاحِدًا؛ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَ إذْنُهُ فِي الْخَلْطُ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فِي الْأَوَّلِ، (وَلَمْ يُنِضَّ) الْأَوَّلُ؛ (حَرُمَ) الْخَلْطُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ اسْتَقَرَّ؛ فَكَانَ رِبْحُهُ وَخُسْرَانُهُ مُخْتَصًّا بِهِ، فَضَمُّ الثَّانِي إلَيْهِ يُوجِبُ جُبْرَانَ خُسْرَانِ أَحَدِهِمَا بِرِبْحِ الْآخَرِ. (وَشَرْطُ) الْمُتَقَارِضَيْنِ (ضَمَّ) مَالٍ (ثَانٍ لَهُ) - أَيْ: لِلْأَوَّلِ (مُفْسِدٌ) لِلْعَقْدِ (وَإِذَا رَبِحَ الْمَالُ فَأَخَذَ رَبُّهُ بَعْضَهُ) - أَيْ: الْمَالِ - (كَانَ مَا أَخَذَهُ) رَبُّ الْمَالِ (مِنْ الرِّبْحِ وَرَأْسِ الْمَالِ فَلَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ عَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ، فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا، وَبَاعَ) الْعَامِلُ (الْآخَرَ بِخَمْسِينَ، فَأَخَذَ مِنْهَا رَبُّ الْمَالِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ؛ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسِينَ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَ نِصْفَ) الْمَالِ (الْمَوْجُودِ، فَسَقَطَ نِصْفُ الْخُسْرَانِ. وَلَوْ) لَمْ يَتْلَفْ الْعَبْدُ و (بَاعَ) الْعَامِلُ (الْعَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَأَخَذَ رَبُّ الْمَالِ سِتِّينَ، ثُمَّ خَسِرَ الْعَامِلُ فِيمَا مَعَهُ) مِنْ الْمَالِ (عِشْرِينَ) ؛ فَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ خَمْسَةٌ؛ (لِأَنَّ سُدُسَ مَا أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ رِبْحٌ) وَسُدُسُهُ عَشْرَةٌ، (لِلْعَامِلِ نِصْفُهُ) خَمْسَةٌ؛ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ عَلَى الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا، نِصْفَيْنِ (وَقَدْ انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ) بِأَخْذِ رَبِّ الْمَالِ لَهُ؛ (فَلَا يَجْبُرُ بِهِ خُسْرَانَ الْبَاقِي) لِمُفَارَقَتِهِ. (وَإِنْ اقْتَسَمَا) - أَيْ: الْمُتَقَارِضَانِ (الْعِشْرِينَ الرِّبْحَ خَاصَّةً، فَخَسِرَ) الْمَالُ (عِشْرِينَ؛ فَعَلَى الْعَامِلِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ، وَبَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ تِسْعِينَ، لِأَنَّ الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ مَعَ رَبِّ الْمَالِ تُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) . وَمَهْمَا بَقِيَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَجَبَ جَبْرُ خُسْرَانِهِ مِنْ رِبْحِهِ فَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِائَةً، فَخَسِرَ عَشْرَةً، ثُمَّ أَخَذَ رَبُّهُ عَشْرَةً، لَمْ يَنْقُصْ رَأْسُ الْمَالِ بِالْخُسْرَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فَيَجْبُرُ الْخُسْرَانَ مِنْ الرِّبْحِ. لَكِنْ يَنْقُصُ رَأْسُ الْمَالِ بِمَا أَخَذَ رَبُّهُ مِنْهُ، وَهُوَ الْعَشَرَةُ؛ وَقِسْطُهَا مِنْ الْخُسْرَانِ، وَهُوَ دِرْهَمٌ وَتُسْعُ دِرْهَمٍ، وَيَبْقَى رَأْسُ الْمَالِ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِينَ وَثَمَانِيَةَ أَتْسَاعِ دِرْهَمٍ. فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ أَخَذَ نِصْفَ التِّسْعِينَ الْبَاقِيَةِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ؛ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَ نِصْفَ الْمَالِ، فَسَقَطَ نِصْفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 الْخُسْرَانِ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ أَخَذَ خَمْسِينَ؛ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَأَرْبَعَةُ أَتْسَاعٍ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ خَمْسَةَ أَتْسَاعِ الْمَالِ؛ فَسَقَطَ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ الْخُسْرَانِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةُ أَتْسَاعِ دِرْهَمٍ، يَبْقَى مَا ذُكِرَ [فَصْلٌ تَنْفَسِخُ مُضَارَبَةٌ فِيمَا تَلِفَ قَبْلَ عَمَلِ الْعَامِلِ] فَصْلٌ (وَتَنْفَسِخُ) مُضَارَبَةٌ (فِيمَا تَلِفَ) مِنْ مَالِهَا (قَبْلَ عَمَلِ) الْعَامِلِ فِي مَالِهَا، وَيَصِيرُ الْبَاقِي رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْعَمَلِ لَمْ يُصَادِفْ إلَّا الْبَاقِيَ، فَكَانَ هُوَ رَأْسَ الْمَالِ، بِخِلَافِ مَا تَلِفَ بَعْدَ الْعَمَلِ، لِأَنَّهُ دَارَ بِالتَّصَرُّفِ، فَوَجَبَ إكْمَالُهُ؛ لِاسْتِحْقَاقِهِ الرِّبْحَ، لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الشَّرْطِ. (فَإِنْ تَلِفَ) بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ فِيهِ، انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ فِي التَّالِفِ، وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ هُوَ الْبَاقِي خَاصَّةً، لِأَنَّهُ مَالٌ هَلَكَ عَلَى جِهَتِهِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ، أَشْبَهَ التَّالِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفَارَقَ مَا بَعْدَ التَّصَرُّفِ، لِأَنَّهُ دَارَ فِي التِّجَارَةِ، وَشُرِعَ فِيمَا قُصِدَ بِالْعَقْدِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الرِّبْحِ. (وَإِنْ تَلِفَ الْكُلُّ) ؛ أَيْ: كُلُّ مَالِ الْمُضَارَبَةِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ، (ثُمَّ اشْتَرَى) الْعَامِلُ (لِلْمُضَارَبَةِ شَيْئًا) مِنْ السِّلَعِ؛ فَهُوَ (كَفُضُولِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَيْسَتْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِانْفِسَاخِ الْمُضَارَبَةِ بِتَلَفِ الْمَالِ، فَبَطَلَ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ، فَقَدْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، فَكَانَ مَا اشْتَرَاهُ لَهُ، وَثَمَنُهُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ عَلِمَ تَلَفَ الْمَالِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ جَهِلَهُ، مَا لَمْ يُجِزْ رَبُّ الْمَالِ شِرَاءَهُ فَيَكُونُ لَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ سِلْعَةً وَلَمْ يُسَمِّهِ. (وَإِنْ تَلِفَ) مَالُ الْمُضَارَبَةِ (بَعْدَ شِرَائِهِ) - أَيْ: الْعَامِلِ - (فِي ذِمَّتِهِ وَقَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِ) مَا اشْتَرَاهُ؛ فَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا. (أَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ) ؛ أَيْ: مَالُ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ الْعَمَلِ (مَعَ مَا اشْتَرَاهُ) لَهَا؛ (فَالْمُضَارَبَةُ) بَاقِيَةٌ (بِحَالِهَا) ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِفَسْخِهَا هُوَ التَّلَفُ، وَلَمْ يُوجَدْ حِينَ الشِّرَاءِ وَلَا قَبْلَهُ، وَالثَّمَنُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ؛ كَالْمُوَكِّلِ، وَيَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ الثَّمَنَ دُونَ التَّالِفِ؛ لِتَلَفِهِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 (وَيُطَالَبَانِ) ؛ أَيْ: رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ (بِالثَّمَنِ) الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْعَامِلُ؛ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، وَلِمُبَاشَرَةِ الْعَامِلِ، فَإِنْ غَرِمَهُ رَبُّ الْمَالِ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِهِ. (وَيَرْجِعُ بِهِ) - أَيْ: الثَّمَنِ - (عَامِلٌ) ، إنْ دَفَعَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ؛ لِلُزُومِهِ لَهُ أَصَالَةً، وَالْعَامِلُ بِمَنْزِلَةِ الضَّامِنِ. (وَإِنْ أَتْلَفَ) الْعَامِلُ (مَا اشْتَرَاهُ لَهَا) - أَيْ: لِلشَّرِكَةِ (فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَ) الْعَامِلُ (الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِلَا إذْنِ) رَبِّ الْمَالِ؛ (لَمْ يَرْجِعْ رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْعَامِلِ - (بِشَيْءٍ) ، وَالْعَامِلُ بَاقٍ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَامِلِ بِشَيْءٍ (إنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ) ، أَمَّا إذَا ظَهَرَ رِبْحٌ؛ فَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ؛ لِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْمُضَارَبَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْمُضَارَبَةُ) بَاقِيَةٌ (بِحَالِهَا) ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِفَسْخِهَا هُوَ التَّلَفُ، وَلَمْ يُوجَدْ حِينَ الشِّرَاءِ وَلَا قَبْلَهُ. (وَإِنْ قُتِلَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - (قِنُّهَا) ؛ بِأَنْ قَتَلَ عَبْدٌ لِأَجْنَبِيٍّ عَبْدًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَمْدًا؛ (فَلِرَبِّ الْمَالِ) أَنْ يَقْتَصَّ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَقْتُولِ، وَتَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ؛ لِذَهَابِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَهُ (الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ، وَيَكُونُ) الْمَالُ الْمَعْفُوُّ عَلَيْهِ (كَبَدَلِ مَبِيعٍ) ؛ أَيْ: ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْهُ، (وَالزِّيَادَةُ) فِي الْمَالِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ (عَلَى قِيمَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَقْتُولِ، الَّتِي اُشْتُرِيَ بِهَا (رِبْحٌ) فِي الْمُضَارَبَةِ، فَتَكُونُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ. مِثَالُ الزِّيَادَةِ: (كَأَنْ صُولِحَ) رَبُّ الْمَالِ (عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فِي قَتْلِ عَمْدٍ، فَيَقْسِمَانِهَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 الرِّبْحِ (وَمَعَ) ظُهُورِ (رِبْحٍ) فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ عَمْدًا، (الْقَوَدُ لَهُمَا) ؛ أَيْ: لِرَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ كَالْمُصَالَحَةِ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا شَرِيكَيْنِ بِظُهُورِ الرِّبْحِ. (وَاذَا طَلَبَ عَامِلٌ الْبَيْعَ) ؛ أَيْ: بَيْعَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، (وَقَدْ فُسِخَتْ) الْمُضَارَبَةُ (أَوَّلًا، فَأَبَى مَالِكٌ) الْبَيْعَ؛ (أُجْبِرَ) عَلَيْهِ (إنْ كَانَ) فِي الْمَالِ (رِبْحٌ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِالْبَيْعِ، فَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ عَنْ تَوْفِيَتِهِ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ ظَاهِرٌ؛ لَمْ يُجْبَرْ الْمَالِكُ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَقَدْ رَضِيَهُ مَالِكُهُ عَرْضًا. (وَمِنْهُ) - أَيْ: وَمِنْ الرِّبْحِ (مَهْرٌ) وَجَبَ بِوَطْءِ أَمَةٍ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، أَوْ بِتَزْوِيجِهَا بِاتِّفَاقِهِمَا. (وَثَمَرَةٌ) ظَهَرَتْ مِنْ شَجَرٍ اُشْتُرِيَ مِنْ مَالِهَا، (وَأُجْرَةٌ) وَجَبَتْ بِعَقْدٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، أَوْ بِتَعَدٍّ عَلَيْهِ، (وَأَرْشُ) عَيْبٍ، وَأَرْشُ جِنَايَةٍ، (وَنِتَاجٌ) نَتَجَتْهُ بِمُهِمَّتِهَا. (وَإِتْلَافُ مَالِكٍ) الْمَالَ (كَقِسْمَةِ) الرِّبْحِ، (فَيَغْرَمُ) رَبُّ الْمَالِ (حِصَّةَ عَامِلٍ مِنْ رِبْحٍ) ؛ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ (أَجْنَبِيٌّ) ؛ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلْعَامِلِ حِصَّتَهُ، وَلِرَبِّ الْمَالِ رَأْسُ مَالِهِ وَحِصَّتُهُ. (وَحَيْثُ فُسِخَتْ) الْمُضَارَبَةُ، (وَالْمَالُ عَرْضٌ أَوْ دَرَاهِمُ، وَكَانَ دَنَانِيرَ أَوْ عَكْسَهُ) ، بِأَنْ كَانَ دَنَانِيرَ وَأَصْلُهُ دَرَاهِمَ، (فَرَضِيَ رَبُّهُ بِأَخْذِهِ) ؛ أَيْ: مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا؛ (قَوَّمَهُ) - أَيْ: مَالَ الْمُضَارَبَةِ - (وَدَفَعَ حِصَّتَهُ) - أَيْ: الْعَامِلِ - مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي ظَهَرَ بِتَقْوِيمِهِ، (وَمَلَكَهُ) ؛ أَيْ: مَلَكَ رَبُّ الْمَالِ مَا قَابَلَ حِصَّةَ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْ الْعَامِلِ الْبَيْعَ، وَقَدْ صَدَّقَهُ عَلَى الرِّبْحِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ حَظٍّ يَكُونُ لِلْعَامِلِ فِي بَيْعِهِ. فَإِنْ ارْتَفَعَ السِّعْرُ بَعْدَ التَّقْوِيمِ عَلَى الْمَالِكِ، وَدَفَعَ حِصَّةَ الْعَامِلِ؛ لَمْ يُطَالِبْ الْعَامِلُ رَبَّ الْمَالِ بِقِسْطِهِ؛ كَمَا لَوْ ارْتَفَعَ بَعْدَ بَيْعِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، (إنْ لَمْ يَكُنْ) فَعَلَ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ (حِيلَةً عَلَى قَطْعِ رِبْحِ عَامِلٍ؛ كَشِرَائِهِ نَحْوَ جُزْءٍ) كَطَعَامٍ (فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 الصَّيْفِ لِيَرْبَحَ فِي الشِّتَاءِ؛ فَيَبْقَى حَقُّهُ فِي رِبْحِهِ) . قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَإِنْ قَصَدَ رَبُّ الْمَالِ الْحِيلَةَ لِيَخْتَصَّ بِالرِّبْحِ؛ بِأَنْ كَانَ الْعَامِلُ اشْتَرَى خَزًّا فِي الصَّيْفِ لِيَرْبَحَ فِي الشِّتَاءِ، أَوْ يَرْجُو دُخُولَ مَوْسِمٍ أَوْ قَفْلٍ؛ فَإِنَّ حَقَّهُ يَبْقَى فِي الرِّبْحِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَلَا أَظُنُّ الْأَصْحَابَ يُخَالِفُونَ ذَلِكَ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: أَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحِيَلَ لَا أَثَرَ لَهَا. انْتَهَى. (وَإِنْ لَمْ يَرْضَ) رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ فَسْخِ مُضَارَبَةٍ بِأَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ الدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ طَلَبَ الْبَيْعَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ فَسْخِ مُضَارَبَةٍ؛ (فَعَلَى عَامِلٍ بَيْعُهُ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ (وَقَبْضُ ثَمَنِهِ) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ رَدَّ الْمَالِ نَاضًّا كَمَا أَخَذَهُ. (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) فِي الْمَالِ (رِبْحٌ) ، فَإِنْ نَضَّ الْعَامِلُ رَأْسَ الْمَالِ جَمِيعَهُ، وَطَلَبَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَنِضَّ لَهُ الْبَاقِيَ؛ لَزِمَ الْعَامِلَ أَنْ يَنِضَّ الْبَاقِيَ. وَلَوْ كَانَ صِحَاحًا فَنَضَّ قُرَاضَةً، أَوْ مُكَسَّرَةً؛ لَزِمَ الْعَامِلَ رَدُّهُ إلَى الصِّحَاحِ بِطَلَبِ رَبِّهَا، فَيَبِيعُهَا بِصِحَاحٍ أَوْ بِعَرَضٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِهِ؛ كَمَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ بَعْدَ فَسْخِ الْمُضَارَبَةِ (تَقَاضِيهِ) - أَيْ: مَالِ الْمُضَارَبَةِ - (لَوْ كَانَ دَيْنًا) مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، لِاقْتِضَاءِ الْمُضَارَبَةِ رَدَّ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى صِفَةٍ، وَالدُّيُونُ لَا تَجْرِي مَجْرَى النَّاضِّ، فَلَزِمَهُ أَنْ يَنِضَّهُ، وَلَا يَقْتَصِرُ فِي التَّقَاضِي عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِمَا عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، وَوُصُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ مِنْهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ تَقَاضِيهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَقَاضِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضَى عَقْدِ الْوَكَالَةِ. (وَإِنْ قَضَى عَامِلٌ بِرَأْسِ الْمَالِ دَيْنَهُ، ثُمَّ اتَّجَرَ بِوَجْهِهِ) ؛ أَيْ: اشْتَرَى بِذِمَّتِهِ بِجَاهِهِ، وَبَاعَ، وَحَصَلَ رِبْحٌ، (وَأَعْطَى رَبَّهُ) ؛ أَيْ: رَبَّ الْمَالِ الَّذِي قَضَى بِهِ دَيْنَهُ، (حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ) مِنْ تِجَارَتِهِ بِوَجْهِهِ (مُتَبَرِّعًا بِهَا) لِرَبِّ الْمَالِ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 (جَازَ) نَصًّا، نَقَلَ صَالِحٌ؛ أَمَّا الرِّبْحُ فَأَرْجُو إذَا كَانَ هَذَا مُتَفَضِّلًا عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ لَوْ امْتَنَعَ) الْعَامِلُ مِنْ دَفْعِهِ لِرَبِّ الْمَالِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ؛ (لَمْ يُجْبَرْ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ بِجَاهِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ التَّبَرُّعُ بِهِ لِغَيْرِهِ. (وَأَنَّهُمْ) - أَيْ: الْأَصْحَابَ - (صَحَّحُوا قَضَاءَ دَيْنِهِ) - أَيْ: الْعَامِلِ - (بِمَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ) ؛ أَيْ: ذَلِكَ الْغَيْرِ، مَعَ حُرْمَةِ الْقَضَاءِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِتَصَرُّفِهِ فِي الْمَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلِرَبِّ الْمَالِ الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ، إنْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ لَا، فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ. وَحَيْثُ صَحَّ قَضَاءُ دَيْنِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعْطَاءُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ رِبْحِ مَا اتَّجَرَ بِوَجْهِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَائِدَةٌ لَوْ قَارَضَ الْمَرِيضُ وَسَمَّى لِلْعَامِلِ فَوْقَ تَسْمِيَةِ الْمِثْلِ وَمَاتَ فِي مَرَضِهِ] ِ؛ فَلِلْعَامِلِ أَخْذُ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الرِّبْحِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ مِنْ مَالِهِ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّهُ بِعَمَلِهِ مِنْ الرِّبْحِ الْحَادِثِ، وَيَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُضَارِبِ دُونَ الْمَالِكِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَابَى الْأَجِيرَ فِي الْأَجْرِ؛ فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ مَا حَابَاهُ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ سَاقَى الْمَرِيضُ، أَوْ زَارَعَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ؛ حُسِبَ الزَّائِدُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ. (وَإِنْ مَاتَ عَامِلٌ) فِي مُضَارَبَةٍ، (أَوْ) مَاتَ (مُودِع) - بِفَتْحِ الدَّالِ - (أَوْ) مَاتَ (وَصِيٌّ) عَلَى صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ، (وَجُهِلَ بَقَاءُ مَا بِيَدِهِمْ) مِنْ مُضَارَبَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَمَالِ مُوَلِّيهِ؛ فَهُوَ (دَيْنٌ) لِصَاحِبِهِ (فِي التَّرِكَةِ) أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَيِّتِ، وَاخْتِلَاطُهُ بِجُمْلَةِ التَّرِكَةِ، وَلَا سَبِيلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 إلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ؛ فَكَانَ دَيْنًا، وَلِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إسْقَاطِ حَقِّ مَالِكِ الْمَالِ، وَلَا إلَى إعْطَائِهِ عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ عَيْنِ مَالِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَعَلُّقُهُ بِالذِّمَّةِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَخْفَاهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، فَكَأَنَّهُ غَاصِبٌ؛ فَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: وَقِيَاسُهُ نَاظِرُ الْوَقْفِ وَعَامِلُهُ، إذَا قَبَضَ لِلْوَقْفِ شَيْئًا وَمَاتَ، وَجُهِلَ بَقَاؤُهُ، وَقَدْ وَقَعَتْ مَسْأَلَةُ النَّاظِرِ وَأَفْتَيْتُ فِيهَا بِاللُّزُومِ. (وَإِنْ أَرَادَ مَالِكُ) مَالَ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ مَوْتِ عَامِلِهِ (تَقْرِيرَ وَارِثِ عَامِلٍ) مَكَانَهُ؛ (فَ) تَقْرِيرُهُ (مُضَارَبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ) لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى نَقْدٍ مَضْرُوبٍ، (فَلَا تَصِحُّ بِعَرْضٍ) ، وَلَا صَنْجَةٍ غَيْرِ مَضْرُوبَةٍ. (وَلَا يَبِيعُ وَارِثُهُ) - أَيْ وَارِثُ الْعَامِلِ (عَرْضًا) لِلْمُضَارَبَةِ (بِلَا إذْنِ مَالِكٍ) لِلْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِاجْتِهَادِ مُوَرِّثِهِ، - (وَلَا) يَبِيعُ (هُوَ) - أَيْ الْمَالِكُ (بِلَا إذْنِ وَارِثِ) الْعَامِلِ؛ لِوُجُودِ حَقِّهِ فِي الرِّبْحِ، (لِبُطْلَانِهَا) - أَيْ الْمُضَارَبَةِ - (بِمَوْتِ) الْعَامِلِ (فَإِنْ تَشَاحَّا) ؛ أَيْ: رَبُّ الْمَالِ وَوَارِثُ الْعَامِلِ، بِأَنْ أَبَى كُلٌّ الْإِذْنَ لِلْآخَرِ فِي بَيْعِهِ؛ (بَاعَهُ حَاكِمٌ، وَيُقَسِّمُ الرِّبْحَ) عَلَى مَا شُرِطَ. (وَوَارِثُ مَالِكٍ) لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ (أَوْ وَلِيُّهُ) - أَيْ: الْمَالِكِ (لَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ) جُنُونًا مُطْبِقًا أَوْ تُوَسْوَسَ بِحَيْثُ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ، أَوْ حُجِرَ - عَلَيْهِ لِسَفَهٍ؛ (كَهُوَ) ؛ أَيْ: كَالْمَالِكِ لَوْ انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ وَهُوَ حَيٌّ، وَتَقَدَّمَ؛ (فَيَتَقَرَّرُ مَا لِمُضَارِبٍ مِنْ رِبْحٍ مُقَدَّمًا بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ، فَكَانَ شَرِيكًا فِيهِ، وَلِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الْمَالِ لَا الذِّمَّةِ، فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ؛ كَالْجِنَايَةِ (وَلَا يَشْتَرِي) عَامِلٌ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ. (بِلَا إذْنِ) وَرَثَةٍ، وَيَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ بَطَلَتْ بِالْمَوْتِ. (وَهُوَ) - أَيْ الْعَامِلُ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ (فِي) مَا يَلْزَمُهُ مِنْ (بَيْعِ) عَرْضٍ (وَاقْتِضَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 دَيْنٍ) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ - (كَفَسْخٍ) لِلْمُضَارَبَةِ، (وَالْمَالِكُ حَيٌّ) ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. (وَإِنْ أَرَادَ) الْوَارِثُ الْجَائِزُ التَّصَرُّفَ، أَوْ وَلِيُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، إتْمَامَ الْمُضَارَبَةَ، وَالْمَالُ نَاضٌّ جَازَ، وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ الْمُوَرِّثُ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ رَأْسَ الْمَالِ، وَحِصَّةُ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ شَرِكَةٌ لَهُ مُشَاعٌ، وَهَذِهِ الْإِشَاعَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ هُوَ الْعَامِلُ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ. وَإِنْ أَرَادَ وَارِثُ رَبِّ الْمَالِ (الْمُضَارَبَةَ، وَالْمَالُ عَرْضٌ) ؛ فَمُضَارَبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ؛ (لَمْ تَصِحَّ) عَلَى الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ قَدْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي جَوَازِهِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ؛ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بَعْدَ انْفِسَاخِ الْقِرَاضِ، ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ. [فَصْلٌ فِيمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَامِلِ وَالْمَالِكِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] فَصْلٌ (وَالْعَامِلُ أَمِينٌ) فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ، فَكَانَ أَمِينًا كَالْوَكِيلِ، وَفَارَقَ الْمُسْتَعِيرَ، فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِنَفْعِ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ (يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِ) ، إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ مُتَنَازَعٌ فِيهِ وَلَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَيْهِ قَبْضَ شَيْءٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. وَيُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ (رِبْحٍ وَعَدَمِهِ) - أَيْ: الرِّبْحِ - (وَ) فِي (هَلَاكٍ وَخُسْرَانٍ) ، إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَإِنْ ادَّعَى الْهَلَاكَ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ؛ كُلِّفَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِهِ، ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ تَلِفَ بِهِ. (وَ) يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ (فِيمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهَا) - أَيْ: الْمُضَارَبَةِ - (وَلَوْ فِي) شَرِكَةِ (عَنَانٍ، وَ) شَرِكَةِ (وُجُوهٍ) ، وَكَذَا فِي مُفَاوَضَةٍ، وَفِي شَرِكَةِ أَبْدَانٍ، إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ تَقَبَّلَ الْعَمَلَ لِنَفْسِهِ دُونَ الشَّرِكَةِ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَالِاخْتِلَافُ هُنَا فِي نِيَّةِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا نَوَاهُ، لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ سِوَاهُ، أَشْبَهَ الْوَكِيلَ وَوَلِيَّ الْيَتِيمِ وَنَحْوَهُ. (وَ) يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ (مَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ خِيَانَةٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 أَوْ جِنَايَةٍ (أَوْ تَفْرِيطٍ) ، أَوْ مُخَالَفَتِهِ شَيْئًا مِمَّا شَرَطَهُ رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ يَدْفَعُ إلَى رَبِّ الْمَالِ فِي كُلِّ وَقْتٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، ثُمَّ طَلَبَ رَأْسَ مَالِهِ، فَقَالَ الْمُضَارِبُ: كُلُّ مَا دَفَعْت إلَيْكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَمْ أَكُنْ أَرْبَحُ شَيْئًا؛ فَقَوْلُ الْمُضَارِبِ فِي ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَإِذَا شَرَطَ الْعَامِلُ النَّفَقَةَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ فَلَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ أَوْ رَجَعَ إلَى رَبِّهِ، كَالْوَصِيِّ ادَّعَى النَّفَقَةَ عَلَى الْيَتِيمِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ عَامِلٍ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسَاءً أَوْ عَنْ الشِّرَاءِ بِكَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ. وَإِذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ شَيْئًا، وَقَالَ الْمَالِكُ: كُنْتُ نَهَيْتُكَ عَنْهُ، فَأَنْكَرَ الْعَامِلُ النَّهْيَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. (وَلَهُ) أَيْ: الْعَامِلِ - (طَلَبُ نَحْوِ غَاصِبٍ) ، كَمُنْتَهِبٍ وَمُخْتَلِسٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، (وَمُخَاصَمَةٌ) - أَيْ: الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ - (فَإِنْ تَرَكَهُ) ؛ أَيْ: تَرَكَ الْعَامِلُ الطَّلَبَ بِهِ وَالْخُصُومَةَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ؛ (ضَمِنَ) مَا فَاتَ بِتَرْكِهِ مِنْ مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّعَهُ وَفَرَّطَ فِيهِ. هَذَا (إنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّهُ) - أَيْ الْمَالِ - (حَاضِرًا، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي ") . وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ حَاضِرًا، وَعَلِمَ الْحَالَ؛ لَمْ يَلْزَمْ الْعَامِلَ طَلَبُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إذَنْ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ وَكِيلِهِ. انْتَهَى كَلَامُ " الْمُغْنِي ". (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَالْمُضَارِبِ فِي الطَّلَبِ وَتَرْكِهِ، (كُلُّ أَمِينٍ) ، كَوَكِيلٍ وَوَدِيعٍ وَوَصِيٍّ تَرَكَ الطَّلَبَ وَالْمُخَاصَمَةَ مَعَ تَمَكُّنِهِ؛ يَضْمَنُ مَا فَاتَ بِتَرْكِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ أَقَرَّ) عَامِلٌ (بِرِبْحٍ، ثُمَّ ادَّعَى تَلَفًا أَوْ) ادَّعَى (خَسَارَةً) ، بِأَنْ قَالَ: تَلِفَ الرِّبْحُ، أَوْ قَالَ: حَصَلَتْ خَسَارَةٌ بَعْدَ الرِّبْحِ؛ قُبِلَ قَوْلُهُ. لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَالْوَكِيلِ الْمُتَبَرِّعِ. وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ ادَّعَى (غَلَطًا أَوْ كَذِبًا أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 نِسْيَانًا، أَوْ) ادَّعَى (اقْتِرَاضًا تَمَّمَ بِهِ رَأْسَ الْمَالِ، بَعْدَ إقْرَارِهِ) - أَيْ الْعَامِلِ بِهِ -؛ أَيْ: بِرَأْسِ الْمَالِ؛ كَمَا لَوْ أَعْطَى إنْسَانٌ إنْسَانًا أَلْفًا مُضَارَبَةً، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ (لِرَبِّهِ) : رَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ بِيَدِي وَهَا هُوَ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: قَدْ فَسَخْت الْمُضَارَبَةَ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْأَلْفَ، فَقَالَ الْعَامِلُ: إنَّ الْمَالَ كَانَ قَدْ خَسِرَ مِائَةً، وَخَشِيتُ أَنَّكَ إنْ وَجَدْتَهُ نَاقِصًا أَخَذْتُهُ مِنِّي، فَاقْتَرَضْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةً تَمَّمْت بِهَا رَأْسَ الْمَالِ لِأَعْرِضَهُ عَلَيْك؛ فَإِنَّ قَوْلَ الْعَامِلِ لَا يُقْبَلُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارِهِ بِحَقٍّ. قَالَ فِي الْمُغْنِي ": (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُقْرِضِ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ، ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَى رَبِّ الْمَالِ. وَلَكِنْ يَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْعَامِلِ لَا غَيْرُ. انْتَهَى. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ ": تَحْرِيرُ الْجَوَابِ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ نَقْصًا؛ يَضْمَنُهُ الْمُضَارِبُ؛ بِأَنْ تَعَدَّى، أَوْ فَرَّطَ، فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْمَالِكِ بِحَالٍ، لَا لِلْمُقْرِضِ وَلَا لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ اقْتَرَضَ شَيْئًا فَمَلَكَهُ بِالْقَرْضِ، ثُمَّ قَضَى بِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ النَّقْصُ غَيْرَ مَضْمُونٍ فِي الْبَاطِنِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُقْرِضِ عَلَى الْمَالِكِ لِمَا سَبَقَ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ إنْ عَلِمَ بَاطِنَ الْأَمْرِ بِتَصْدِيقِ الْمَالِكِ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَ. انْتَهَى. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي عَدَمِ) رَدِّهِ؛ أَيْ: مَالَ الْمُضَارَبَةِ؛ إنْ ادَّعَى عَامِلٌ رَدَّهُ إلَيْهِ، وَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ؛ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْعٍ لَهُ فِيهِ؛ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهِ، كَالْمُسْتَعِيرِ، وَلِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُنْكِرٌ، فَقُدِّمَ قَوْلُهُ. (وَ) يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فِي (صِفَةِ خُرُوجِهِ) - أَيْ الْمَالِ - (عَنْ يَدِهِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ قِرَاضٍ) ، فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ: أَعْطَيْتُكَ أَلْفًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ رِبْحِهِ، وَقَالَ الْعَامِلُ: بَلْ قَرْضًا لَيْسَ لَك شَيْءٌ مِنْ رِبْحِهِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ. فَإِذَا حَلَفَا؛ قُسِّمَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ خَسِرَ الْمَالَ أَوْ تَلِفَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 فَقَالَ رَبُّهُ: كَانَ قَرْضًا، وَقَالَ الْعَامِلُ: كَانَ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً؛ فَقَوْلُ رَبِّهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَابِضِ لِمَالِ غَيْرِهِ الضَّمَانُ. (فَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ عَامِلٍ) لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ عَنْ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ. وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: كَانَ بِضَاعَةً، وَقَالَ الْعَامِلُ: كَانَ قَرْضًا، حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إنْكَارِ مَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ، وَكَانَ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ، (وَلَا تَعَارُضَ) بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ لِلْإِقْنَاعِ - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، تَعَارَضَا وَقُسِّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ (فِي قَدْرِ مَا شَرَطَ لِعَامِلٍ) ، فَإِذَا قَالَ الْعَامِلُ: شَرَطْت لِي النِّصْفَ، وَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ الثُّلُثَ مَثَلًا، فَقَوْلُ مَالِكٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَسِنْدِيٍّ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ السُّدُسَ الزَّائِدَ، وَاشْتِرَاطَهُ لَهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. (وَيَتَّجِهُ) فِي رِوَايَةٍ (وَتُقَدَّمُ حُجَّةُ) - أَيْ دَعْوَى - (عَامِلٍ) . قَالَ فِي " الْمُغْنِي " بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى: إذَا ادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ وَزِيَادَةً يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَإِنْ ادَّعَى أَكْثَرَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا وَافَقَ أَجْرَ الْمِثْلِ. انْتَهَى. (وَإِنْ قَالَ رَبُّ مَالٍ: كَانَ بِضَاعَةً) فَرِبْحُهُ لِي، (وَقَالَ عَامِلٌ) : كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 (نَقْدًا) فَرِبْحُهُ لَنَا، وَلَا بَيِّنَةَ؛ (فَقَوْلُهُ) - أَيْ الْعَامِلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ أَنْ تَكُونَ فِي النَّقْدِ. (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ: (أَخَذْته بِضَاعَةً مُضَارَبَةً) فَرِبْحُهُ لِي، (فَقَالَ عَامِلٌ) : بَلْ أَخَذْته (قَرْضًا) فَرِبْحُهُ لِي؛ (حَلَفَ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إنْكَارِ مَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْكِرٌ لِمَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، (وَ) كَانَ (لِلْعَامِلِ أَجْرُ عَمَلِهِ) فَقَطْ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ نَمَاءَ مَالِهِ تَابِعٌ لَهُ. (وَإِنْ دَفَعَ) شَخْصٌ (لِرَجُلَيْنِ) أَوْ غَيْرِهِمَا (مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ) لَهُ وَالنِّصْفُ لَهُمَا، فَنَضَّ الْمَالُ وَ (صَارَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، فَقَالَ رَبُّهُ) - أَيْ الْمَالِ - (رَأْسُهُ أَلْفَانِ، وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا) - أَيْ الْعَامِلَيْنِ - (وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ) هُوَ (أَلْفٌ، فَقَوْلُهُ) - أَيْ الْمُنْكِرِ - (بِيَمِينِهِ) ، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ أَلْفٌ (وَالرِّبْحُ أَلْفَانِ؛ فَلَهُ) - أَيْ الْمُنْكِرِ الْحَالِفِ - مِنْ الْأَلْفَيْنِ (خَمْسُمِائَةٍ، يَبْقَى أَلْفَانِ) وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا، (لِرَبِّ الْمَالِ) أَلْفَانِ يَأْخُذُهَا لِأَنَّ الْآخَرَ يُصَدِّقُهُ، (وَ) يَبْقَى (خَمْسُمِائَةٍ) هِيَ (رِبْحٌ، لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَاهُ، وَلِلْعَامِلِ ثُلُثُهُ) - أَيْ الرِّبْحِ - لِأَنَّ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ نِصْفُهُ، وَنَصِيبَ هَذَا الْعَامِلِ رُبْعُهُ، فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا بَاقِي الرِّبْحِ عَلَى ثَلَاثَةٍ. وَمَا أَخَذَهُ الْحَالِفُ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ كَالتَّالِفِ مِنْهُمَا، وَالتَّالِفُ يُحْسَبُ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ الرِّبْحِ. (فُرُوعٌ: يَصِحُّ تَشْبِيهًا) بِشَرِكَةِ (الْمُضَارَبَةِ دَفْعُ عَبْدٍ أَوْ) دَفْعُ (دَابَّةٍ) ، أَوْ آنِيَةٍ كَقِرْبَةٍ وَقِدْرٍ، وَآلَةٍ لِحِرَاثٍ، أَوْ نَوْرَجٍ، أَوْ مِنْجَلٍ (لِمَنْ يَعْمَلُ بِهِ) - أَيْ بِالْمَدْفُوعِ - (بِجُزْءٍ مِنْ أُجْرَتِهِ) . نَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَنْ دَفَعَ عَبْدَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَكْسِبَ عَلَيْهِ، وَيَكُونَ لَهُ ثُلُثُ ذَلِكَ أَوْ رُبْعُهُ؛ فَجَائِزٌ؛ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ يُعْطِي فَرَسَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْغَنِيمَةِ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إذَا كَانَ عَلَى النِّصْفِ وَالرُّبْعِ فَهُوَ جَائِزٌ (كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَنَسْجِ غَزْلٍ، وَحَصَادِ زَرْعٍ، وَنَفْضِ زَيْتُونٍ، وَطَحْنِ حَبٍّ، وَرَضَاعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 قِنٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ، وَاسْتِيفَاءِ مَالٍ، وَبِنَاءِ دَارٍ، وَنَجْرِ خَشَبٍ، بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا؛ فَصَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ نَمَائِهَا؛ كَالشَّجَرِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْأَرْضِ فِي الْمُزَارَعَةِ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ تَخْرِيجَهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ فَاسِدٌ؛ فَإِنَّ الْمُضَارَبَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي التِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفَ فِي رَقَبَةِ الْمَالِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَإِنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى خَيَّاطٍ لِيُفَصِّلَهُ قُمْصَانًا لَيَبِيعَهَا، وَلَهُ نِصْفُ رِبْحِهَا بِحَقِّ عَمَلِهِ جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَإِنْ دَفَعَ غَزْلًا إلَى رَجُلٍ يَنْسِجُهُ ثَوْبًا بِثُلُثِ ثَمَنِهِ أَوْ رُبْعِهِ؛ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ، (فَإِنَّ جَعَلَ لَهُ مَعَهُ) - أَيْ الْجُزْءِ (دِرْهَمًا وَنَحْوَهُ) كَدِينَارٍ؛ (لَمْ يَصِحَّ) نَصًّا، سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الرَّجُلِ يُعْطِي الثَّوْبَ بِالثُّلُثِ وَدِرْهَمٍ وَدِرْهَمَيْنِ، قَالَ: أَكْرَهُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ، وَالثُّلُثُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ نَرَاهُ جَائِزًا. (وَلَا بَأْسَ بِحَصْدِ زَرْعٍ، وَصَرْمِ نَخْلٍ بِسُدُسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ) أَوْ نِصْفِهِ وَنَحْوِهِ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى خَيْبَرَ عَلَى الشَّطْرِ» (قَالَ) (الْإِمَامُ أَحْمَدُ) فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَنْهُ فِي الْحَصَادِ (هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمُقَاطَعَةِ) . وَلَا يُعَارِضُ مَا سَبَقَ حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» ؛ لِحَمْلِهِ عَلَى قَفِيزٍ مِنْ الْمَطْحُونِ، فَلَا يُدْرَى الْبَاقِي بَعْدَهُ كَمْ هُوَ، فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَجْهُولَةً. أَشَارَ إلَيْهِ فِي " الْمُغْنِي ". (وَيَصِحُّ بَيْعُ وَإِيجَارُ مَتَاعٍ، وَغَزْوٌ بِدَابَّةٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ) - أَيْ الْمَتَاعِ - (أَوْ سَهْمِهَا) - أَيْ الدَّابَّةِ - كَالْهَجِينِ أَوْ سَهْمَيْهَا كَالْعَرَبِيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ أَعْطَى فَرَسَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَمَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ مَالِكٌ: (أَجِّرْ عَبْدِي) ، أَوْ بِعْهُ، (أَوْ) أَجِّرْ (دَابَّتِي) ؛ أَوْ بِعْهَا، (وَالْأُجْرَةُ) أَوْ الثَّمَنُ (بَيْنَنَا) ؛ لَا يَصِحُّ، وَالثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ لِلْمَالِكِ، وَأَمَّا الْعَاقِدُ (فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) . (وَ) لَوْ قَالَ لِصَيَّادٍ: (صِدْ بِشَبَكَتِي وَالصَّيْدُ بَيْنَنَا) ، فَفَعَلَ؛ (فَالصَّيْدُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 كُلُّهُ (لِصَائِدٍ، وَلِرَبِّهَا) - أَيْ الشَّبَكَةِ - (أَجْرُ مِثْلِهَا) عَلَى الصَّائِدِ (وَيَصِحُّ دَفْعُ دَابَّةٍ أَوْ نَحْلٍ) أَوْ دَجَاجٍ أَوْ حَمَامٍ، قَالَهُ فِي " الْفَائِقِ " (أَوْ قِنٍّ) أَوْ أَمَةٍ (لِمَنْ يَقُومُ بِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً) ، كَسَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ؛ أَيْ: مِنْ الْمَدْفُوعِ، (وَالنَّمَاءُ) الْحَاصِلُ مِنْ الدَّابَّةِ أَوْ النَّحْلِ وَنَحْوِهِمَا (مِلْكٌ لَهُمَا) ؛ أَيْ: الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، عَلَى حَسَبِ مِلْكَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ. وَ (لَا) يَجُوزُ دَفْعُ دَابَّةٍ أَوْ نَحْلٍ وَنَحْوِهِمَا لِمَنْ يَقُومُ بِهِمَا مُدَّةً، وَلَوْ مَعْلُومَةً، (بِجُزْءٍ مِنْ نَمَاءٍ كَدَرٍّ وَنَسْلٍ وَصُوفٍ وَعَسَلٍ وَزَبَادٍ) وَمِسْكٍ؛ لِحُصُولِ نَمَائِهِ بِغَيْرِ عَمَلٍ، (وَلِعَامِلٍ أَجْرُ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. (وَعَنْهُ) - أَيْ الْإِمَامِ - (بَلَى) ؛ أَيْ: لَهُ دَفْعُ دَابَّتِهِ أَوْ نَحْلِهِ لِمَنْ يَقُومُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. [فَصْلٌ الثَّالِث شَرِكَة الْوُجُوه] فَصْلٌ وَالضَّرْبُ (الثَّالِثُ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ، وَهِيَ) : أَنْ (يَشْتَرِكَا) بِلَا مَالٍ، (فِي رِبْحِ مَا يَشْتَرِيَانِ فِي ذِمَمِهِمَا بِجَاهِهِمَا) ؛ أَيْ: وُجُوهِهِمَا، وَثِقَةِ التُّجَّارِ بِهِمَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُعَامَلَانِ فِيهَا بِوَجْهِهِمَا، وَالْجَاهُ وَالْوَجْهُ وَاحِدٌ، يُقَالُ: فُلَانٌ وَجِيهٌ، إذَا كَانَ ذَا جَاهٍ. وَهِيَ جَائِزَةٌ؛ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى مَصْلَحَةٍ غَيْرِ مُضِرَّةٍ، وَلِأَنَّ مَعْنَاهَا وَكَالَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْكَفَالَةِ بِالثَّمَنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ (عَلَى حَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ) ؛ كَأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ رِبْحُ مَا يَشْتَرِيَانِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا أَوْ أَرْبَاعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِصِحَّتِهَا (ذِكْرُ جِنْسِ) مَا يَشْتَرِيَانِهِ، (وَلَا) ذِكْرُ (قَدْرٍ، وَلَا) ذِكْرُ (وَقْتٍ) ؛ أَيْ: مُدَّةِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ أَمَّا الْوَكَالَةُ الدَّاخِلَةُ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ؛ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ، بِدَلِيلِ الْمُضَارَبَةِ وَشَرِكَةِ الْعَنَانِ، فَإِنَّ فِي ضِمْنِهَا تَوْكِيلًا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا. (فَلَوْ قَالَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (لِصَاحِبِهِ: مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنَنَا) ، وَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: كَذَلِكَ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَمَا رَبِحَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، عَلَى مَا شَرَطَا كَشَرِكَةِ الْعَنَانِ وَغَيْرِهَا. (وَكُلٌّ) مِنْهُمَا (وَكِيلُ الْآخَرِ) فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ، (وَكَفِيلُهُ بِالثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ. (وَرَأْسُ مَالٍ) كَمَا شَرَطَا، وَكَذَا مِلْكٌ فِيمَا يَشْتَرِيَانِهِ بِجَاهِهِمَا بَيْنَهُمَا كَمَا شَرَطَا عِنْدَ الْعَقْدِ، لِحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» ، وَلِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ، فَتَتَقَيَّدُ بِمَا وَقَعَ الْإِذْنُ وَالْقَبُولُ فِيهِ. (وَرِبْحٌ كَمَا شَرَطَا) مِنْ تَسَاوٍ وَتَفَاضُلٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَوْثَقَ عِنْدَ التُّجَّارِ، وَأَبْصَرَ بِالتِّجَارَةِ مِنْ الْآخَرِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ زِيَادَةً فِي الرِّبْحِ فِي مُقَابَلَةِ زِيَادَةٍ أَوْ ثِقَةٍ، وَزِيَادَةِ إبْصَارِهِ بِالتِّجَارَةِ، وَلِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ عَلَى عَمَلٍ وَغَيْرِهِ، فَكَانَ رِبْحُهَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ كَشَرِكَةِ الْعَنَانِ. (وَالْوَضِيعَةُ) ؛ أَيْ: الْخُسْرَانُ بِتَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ بِنُقْصَانٍ عَمَّا اشْتَرَى بِهِ، (عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ) فِيمَا يَشْتَرِيَانِهِ، فَمَنْ لَهُ الثُّلُثَانِ فَعَلَيْهِ ثُلُثَا الْوَضِيعَةِ، وَمَنْ لَهُ الثُّلُثُ عَلَيْهِ ثُلُثُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ لِتَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ بِنُقْصَانٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ نَقْصُ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمُلَّاكِهِ، فَيُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ. (وَتَصَرُّفُهُمَا) ؛ أَيْ: شَرِيكَيْ الْوُجُوهِ فِيمَا يَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ وَيَجِبُ، وَشُرُوطٌ وَإِقْرَارٌ وَخُصُومَةٌ، كَتَصَرُّفِ (شَرِيكَيْ عَنَانٍ) ، عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ. وَالضَّرْبُ (الرَّابِعُ: شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ) ؛ أَيْ: شَرِكَةٌ بِالْأَبْدَانِ، فَحُذِفَتْ الْبَاءُ ثُمَّ أُضِيفَتْ؛ لِأَنَّهُمْ بَذَلُوا أَبْدَانَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ لِتَحْصِيلِ الْمَكَاسِبِ. (وَهِيَ) ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا (أَنْ يَشْتَرِكَا) ؛ أَيْ: اثْنَانِ فَأَكْثَرَ (فِيمَا يَتَمَلَّكَانِ بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ مُبَاحٍ، كَاحْتِشَاشٍ وَاصْطِيَادٍ وَتَلَصُّصٍ عَلَى دَارِ حَرْبٍ وَسَلَبِ) مَنْ يَقْتُلَانِهِ بِدَارِ حَرْبٍ. وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 يَشْتَرِكَ الْقَوْمُ بِأَبْدَانِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ مَالٌ؛ مِثْلُ الصَّيَّادِينَ وَالْبَقَّالِينَ وَالْحَمَّالِينَ. «وَقَدْ أَشْرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ، وَلَمْ يَجِيئَا بِشَيْءٍ» وَفَسَّرَ أَحْمَدُ صِفَةَ الشَّرِكَةِ فِي الْغَنِيمَةِ فَقَالَ: يَشْتَرِكَانِ فِيمَا يُصِيبَانِ مِنْ سَلَبِ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ الْغَانِمِينَ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْمَغَانِمُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَيْف يَصِحُّ اخْتِصَاصُ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ بِالشَّرِكَةِ فِيهَا، فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَغَنَائِمُهَا كَانَتْ لِمَنْ أَخَذَهَا قَبْلَ أَنْ يُشْرِكَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا نُقِلَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحَاتِ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ جِهَتَيْ الْمُضَارَبَةِ، فَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ كَالْمَالِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ (لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (فَسْخُهَا) ؛ أَيْ: شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ، مَتَى شَاءَ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَظْهَرْ فَضْلُهُ) - أَيْ كَسْبُهُ - زِيَادَةً (عَلَى صَاحِبِهِ) . فَإِنْ ظَهَرَ فَضْلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ فَلَا فَسْخَ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا؛ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ بِمَنْ لَمْ يَفْسَخْ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِكَا (فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ عَمَلٍ كَنَسْجٍ) وَحِدَادَةٍ (وَقِصَارَةٍ وَخِيَاطَةٍ) وَنَحْوِهَا. (وَصَحَّ) قَوْلُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ: (أَنَا أَتَقَبَّلُ وَأَنْتَ تَعْمَلُ) ، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا، لِأَنَّ تَقَبُّلَ الْعَمَلِ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ. وَيَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّبْحَ كَعَمَلِ الْمُضَارِبِ، فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُضَارِبِ. (وَيُطَالَبَانِ بِمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا) مِنْ عَمَلٍ، وَيَصِيرُ فِي ضَمَانِهِمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 (وَيَتَّجِهُ بَعْدَ تَقَبُّلِ أَحَدِهِمَا) عَمَلًا مُبَاحًا، أَوْ اسْتِئْجَارًا عَلَيْهِ، [ (لَا فَسْخَ) لِلشَّرِيكِ (الْآخَرِ) ؛ لِإِذْنِهِ فِيهِ؛ كَشِرَاءِ شَرِيكِ الْعَنَانِ مَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ] . (وَيَلْزَمُهُمَا عَمَلُهُ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الضَّمَانِ، فَكَأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ ضَمَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ مَا يَلْزَمُهُ. (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (طَلَبُ أُجْرَةٍ) لِعَمَلٍ تَقَبَّلَهُ هُوَ أَوْ صَاحِبُهُ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ دَفْعُ الْأُجْرَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيَبْرَأُ مِنْهَا الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْوَكِيلِ عَنْ الْآخَرِ. (وَتَلَفُهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ (بِلَا تَفْرِيطٍ بِيَدِ أَحَدِهِمَا) مِنْ ضَمَانِهِمَا تَضْيِيعٌ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ الْآخَرِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَالْقَبْضِ، وَمَا يَتْلَفُ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأُجْرَةِ بِتَعَدِّي أَحَدِهِمَا أَوْ تَفْرِيطِهِ أَوْ تَحْتَ يَدِهِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ؛ كَمَنْعٍ أَوْ جُحُودٍ؛ فَالتَّلَفُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ؛ لِانْفِرَادِهِ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ. (وَإِقْرَارُهُ) ؛ أَيْ: إقْرَارُ أَحَدِهِمَا (بِمَا فِي يَدِهِ) مِنْ الْأَعْيَانِ يُقْبَلُ (عَلَيْهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِمَا فِيهَا. وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (بِمَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ وَلَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ) لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ أَحَدِهِمَا بِدَيْنٍ إنْ كَانَ (غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِالشَّرِكَةِ) ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ. أَمَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِدَانَةِ لِلشَّرِكَةِ وَأَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَدَانَ لَهَا؛ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ أَصَالَةٌ عَنْ نَفْسِهِ وَوَكَالَةٌ عَنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لَهُ فِي الِاسْتِدَانَةِ تَضَمَّنَ الْإِقْرَارَ بِمُتَعَلِّقَاتِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 (وَالْحَاصِلُ) مِنْ مُبَاحٍ تَمَلَّكَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ مِنْ أُجْرَةِ عَمَلٍ تَقَبَّلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ (كَمَا شُرِطَ) عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ مُسَاوَاةٍ أَوْ تَفَاضُلٍ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ، وَيَجُوزُ تَفَاضُلُهُمَا فِي الْعَمَلِ؛ فَجَازَ فِي الرِّبْحِ الْحَاصِلِ بِهِ. (وَمُوجَبُ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ فِي شَرِكَةٍ) بِأَنْوَاعِهَا، (وَفِي جِعَالَةٍ وَفِي إجَارَةٍ؛ التَّسَاوِي فِي عَمَلٍ وَأَجْرٍ) ؛ إذْ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْفَضْلَ عَلَى الْآخَرِ، (وَلِزَائِدِ عَمَلٍ) حَيْثُ (لَمْ يَتَبَرَّعْ بِزِيَادَةِ عَمَلِهِ طَلَبُهُ) - أَيْ شَرِيكِهِ - بِالزِّيَادَةِ؛ لِيَحْصُلَ التَّسَاوِي. (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِصِحَّتِهَا (اتِّفَاقُ صَنْعَةِ) الشَّرِيكَيْنِ، فَلَوْ اشْتَرَكَ حَدَّادٌ وَنَجَّارٌ، أَوْ خَيَّاطٌ وَقَصَّارٌ، فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ عَمَلٍ؛ صَحَّ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَسْبٍ مُبَاحٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اتَّفَقَتْ الصَّنَائِعُ، وَلِأَنَّ الصَّنَائِعَ الْمُتَّفِقَةَ قَدْ يَكُونُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَحْذَقَ فِيهَا مِنْ الْآخَرِ، فَرُبَّمَا يَتَقَبَّلُ أَحَدُهُمَا مَا لَا يُمْكِنُ الْآخَرَ عَمَلُهُ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّتَهَا، فَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَتْ الصِّنَاعَاتُ. (وَلَا) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الشَّرِكَةِ (مَعْرِفَتُهَا) - أَيْ الصِّفَةِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَوْ اشْتَرَكَ شَخْصَانِ لَا يُحْسِنَانِ الْخِيَاطَةَ فِي تَقَبُّلِهَا، وَأَنْ يَدْفَعَا مَا تَقَبَّلَاهُ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ يُحْسِنُهَا، بِمَا يُوَافِقَانِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَمَا فَضَلَ بَيْنَهُمَا؛ صَحَّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّقَبُّلَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ، وَيَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّبْحَ (فَيَلْزَمُ غَيْرَ عَارِفٍ إقَامَةُ عَارِفٍ) لِلصَّنْعَةِ (مَقَامَهُ) فِي الْعَمَلِ، لِيَعْمَلَ مَا يَلْزَمُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ. (وَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا) - أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ - فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا (أَوْ تَرَكَ الْعَمَلَ) مَعَ شَرِيكِهِ (لِعُذْرٍ أَوْ لَا) لِعُذْرٍ؛ بِأَنْ كَانَ حَاضِرًا صَحِيحًا، (فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) عَلَى مَا شَرَطَاهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي عَمَلِ الْأَبْدَانِ، فَيَأْتِي أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ وَلَا يَأْتِي الْآخَرُ بِشَيْءٍ قَالَ: نَعَمْ هَذَا بِمَنْزِلَةِ حَدِيثِ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": يَعْنِي حَيْثُ اشْتَرَكُوا، فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ، وَأَخْفَقَ الْآخَرَانِ، وَلِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 الْعَمَلَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمَا، وَبِضَمَانِهِمَا لَهُ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ، فَتَكُونُ لَهُمَا، وَيَكُونُ الْعَامِلُ مِنْهُمَا عَوْنًا لِصَاحِبِهِ فِي حِصَّتِهِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَهُ، كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيُقَصِّرَ ثَوْبًا فَاسْتَعَانَ بِآخَرَ. (وَيَلْزَمُ مِنْ عُذْرٍ) بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ مَعَ شَرِيكِهِ (بِطَلَبِ شَرِيكِهِ) الصَّحِيحِ، (أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ) مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ، فَإِنْ طَلَبَ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا، فَإِذَا تَعَذَّرَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا بِنَفْسِهِ؛ لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ، تَوْفِيَةً لِمَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ. (وَيَصِحُّ) أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ (يُحَمِّلَا دَابَّةً لَهُمَا مَا يَتَقَبَّلَانِهِ) ، مِنْ حَمْلِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ إلَى مَكَانٍ مَعْلُومٍ (فِي ذِمَّتَيْهِمَا، وَالْأُجْرَةُ) بَيْنَهُمَا (كَمَا شَرَطَا) ؛ لِأَنَّ تَقَبُّلَهُمَا الْحَمْلَ أَثْبَتَ الضَّمَانَ فِي ذِمَّتَيْهِمَا، وَلَهُمَا أَنْ يَحْمِلَاهُ عَلَى أَيِّ ظَهْرٍ كَانَ، وَالشَّرِكَةُ تَنْعَقِدُ عَلَى الضَّمَانِ، كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ. (وَلَا) يَصِحُّ (أَنْ يَشْتَرِكَا فِي أُجْرَةِ عَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ، أَوْ فِي أُجْرَةِ أَنْفُسِهِمَا إجَارَةٌ خَاصَّةً) ؛ كَأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَأْجِرُ: اسْتَأْجَرْتُ هَاتَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ، أَوْ اسْتَأْجَرْتُكُمَا لِحَمْلِ هَذَا الْمَتَاعِ إلَى مَحِلِّ كَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَمْلِ فِي ذِمَّتَيْهِمَا، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْمُكْتَرِي مَنْفَعَةَ الْبَهِيمَةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا، أَوْ مَنْفَعَةَ الْمُؤَجَّرَ نَفْسِهِ، وَلِهَذَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمَأْجُورِ مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ إنْسَانٍ، فَلَمْ يَتَأَتَّ ضَمَانٌ؛ فَلَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَيْهِ، (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أُجْرَةُ دَابَّتِهِ فِيمَا) إذَا أَجَّرَ عَيْنَ الدَّابَّتَيْنِ، (وَ) أُجْرَةُ (نَفْسِهِ) فِيمَا إذَا أَجَّرَا نَفْسَهُمَا؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الشَّرِكَةِ. فَإِنْ أَعَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي التَّحْمِيلِ؛ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي عِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. (وَتَصِحُّ شَرِكَةُ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا آلَةُ قِصَارَةٍ، وَلِآخَرَ بَيْتٌ، شَرِكَةَ) أَبْدَانٍ عَلَيْهِمَا، عَلَى أَنَّهُمَا (يَعْمَلَانِ) ؛ أَيْ: يُقَصِّرَانِ مَا يَتَقَبَّلَانِ عَمَلَهُ عَلَى عَمَلِهِمَا، وَالْعَمَلُ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ، وَالْآلَةُ وَالْبَيْتُ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 فِي الْعَمَلِ الْمُشْتَرَكِ، فَصَارَا كَالدَّابَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَحْمِلَانِ عَلَيْهِمَا مَا يَتَقَبَّلَانِ حَمْلَهُ فِي ذِمَّتَيْهِمَا. فَإِنْ فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ لِنَحْوِ جَهَالَةٍ؛ قُسِّمَ رِبْحُ الْحَاصِلِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِمَا، أَوْ عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ الدَّارِ وَالْآلَةِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ قَدْ أُخِذَ فِي مُقَابَلَةِ تِلْكَ الْمَنَافِعِ، يَلْزَمُ تَوْزِيعُهُ عَلَيْهِمَا بِالْمُحَاصَّةِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا بِأَجْرٍ وَاحِدٍ. وَإِنْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا آلَةٌ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا بَيْتٌ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ، فَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا بِالْآلَةِ أَوْ فِي الْبَيْتِ، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا صَحَّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. و (لَا) يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِكَ (ثَلَاثَةٌ، لِوَاحِدٍ دَابَّةٌ، وَلِآخَرَ رَاوِيَةٌ، وَثَالِثٌ يَعْمَلُ) بِالرَّاوِيَةِ عَلَى الدَّابَّةِ، عَلَى أَنْ مَا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بَيْنَهُمْ. (أَوْ أَرْبَعَةٌ، لِوَاحِدٍ دَابَّةٌ، وَلِآخَرَ رَحًى، وَلِثَالِثٍ دُكَّانٌ، وَرَابِعٌ يَعْمَلُ) الطَّحْنَ بِالدَّابَّةِ وَالرَّحَى فِي الدُّكَّانِ، وَمَا رَزَقَهُ اللَّهُ فَبَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُشَارَكَةً وَلَا مُضَارَبَةً؛ لِكَوْنِهِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِهِمَا عُرُوضًا، وَلِأَنَّ مِنْ شُرُوطِهِمَا عَوْدَ رَأْسِ الْمَالِ تَسْلِيمًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يُسْتَوْفَى رَأْسُ الْمَالِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إجَارَةً؛ لِافْتِقَارِهَا إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَأَجْرٍ مَعْلُومٍ. (وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مَا تَقَبَّلَهُ) مِنْ عَمَلٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَأْجَرُ لِحَمْلِ الْمَاءِ وَالطَّحْنِ، (وَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْعَامِلِ - (أُجْرَةُ آلَةِ رُفْقَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهَا بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُمْ، فَكَانَ لَهُمْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَقِيَاسُ نَصِّهِ) - أَيْ: الْإِمَامِ - فِي دَابَّةٍ يَدْفَعُهَا شَخْصٌ إلَى آخَرَ يَعْمَلُ عَلَيْهَا، وَمَا رَزَقَهُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا؛ (صِحَّتُهَا) ؛ أَيْ: مَسْأَلَةِ اشْتَرَاكِ الثَّلَاثَةِ، وَمِثْلُهَا اشْتِرَاكُ الْأَرْبَعَةِ، (وَاخْتَارَهُ) ؛ أَيْ: الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، (جَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، (وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ") ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَالرِّعَايَةِ " قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ. (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ مَا ذُكِرَ) ، مِنْ الدَّابَّةِ وَالرَّحَى وَالدُّكَّانِ وَالْعَامِلِ (لِلطَّحْنِ) ؛ أَيْ: لِطَحْنِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَأَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ، (صَفْقَةً) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 وَاحِدَةً؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ، (وَ) تَكُونُ (الْأُجْرَةُ) بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ (بِقَدْرِ قِيمَةِ أَجْرِ الْمِثْلِ) ؛ أَيْ: تُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ أَجْرِ مِثْلِ الْأَعْيَانِ الْمُؤَجَّرَةِ؛ كَتَوْزِيعِ الْمَهْرِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَرْبَعًا مِنْ النِّسَاءِ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ، وَيَأْتِي. (وَإِنَّ تَقَبَّلُوهُ) - أَيْ الطَّحْنَ الْأَرْبَعَةُ - وَهُمْ صَاحِبُ الدَّابَّةِ، وَصَاحِبُ الرَّحَى، وَصَاحِبُ الدُّكَّانِ، وَالْعَامِلُ، (فِي ذِمَمِهِمْ) ؛ بِأَنْ قَالَ لَهُمْ إنْسَانٌ: اسْتَأْجَرْتُكُمْ لِطَحْنِ هَذَا الْقَمْحِ بِمِائَةٍ؛ فَقَبِلُوا؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ، (وَ) تَكُونُ (الْأُجْرَةُ) بَيْنَهُمْ (أَرْبَاعًا) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُؤَجَّرٌ لِطَحْنِ رُبْعِهِ بِرُبْعِ الْأُجْرَةِ، (وَيَرْجِعُ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ (عَلَى رُفْقَتِهِ) الثَّلَاثَةِ؛ (لِتَفَاوُتِ) قَدْرِ (الْعَمَلِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أَجْرِ الْمِثْلِ) ، عَلَى وَاحِدٍ بِالرُّبْعِ، فَلَوْ كَانَتْ أُجْرَةُ مِثْلِ الدَّابَّةِ أَرْبَعِينَ، وَالرَّحَى ثَلَاثِينَ، وَالدُّكَّانِ عِشْرِينَ، وَعَمَلِ الْعَامِلِ عَشَرَةً، فَإِنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ يَرْجِعُ عَلَى الثَّلَاثَةِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أُجْرَتِهَا - وَهِيَ ثَلَاثُونَ؛ - مَعَ رُبْعِ أُجْرَتِهَا الَّذِي لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى وَاحِدٍ - وَهُوَ عَشَرَةٌ - فَيَكْمُلُ لَهُ أَرْبَعُونَ؛ وَيَرْجِعُ رَبُّ الرَّحَى عَلَى الثَّلَاثَةِ بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَنِصْفٍ، مَعَ مَا لَا يَرْجِعُ بِهِ - وَهُوَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ - فَيَكْمُلُ ثَلَاثُونَ. وَيَرْجِعُ رَبُّ الدُّكَّانِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ مَا لَا يَرْجِعُ بِهِ - وَهُوَ خَمْسَةٌ - فَيَكْمُلُ لَهُ عِشْرُونَ، وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ بِسَبْعَةٍ وَنِصْفٍ، مَعَ مَا لَا يَرْجِعُ بِهِ - وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ - فَيَكْمُلُ لَهُ عَشَرَةٌ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ؛ وَهِيَ الْقَدْرُ الَّذِي اُسْتُؤْجِرُوا بِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ بِالرُّبْعِ الرَّابِعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ لَزِمَهُ رُبْعُ الطَّحْنِ بِمُقْتَضَى الْإِجَارَةِ، فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَزِمَهُ عَلَى أَحَدٍ. وَلَوْ تَوَلَّى أَحَدُهُمَا الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ؛ كَانَتْ الْأُجْرَةُ كُلُّهَا لَهُ، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رُفْقَتِهِ أُجْرَةُ مَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ. [فَرْعٌ شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ] (فَرْعٌ: لَا تَصِحُّ شَرِكَةُ دَلَّالَيْنِ) ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ وَكَالَةٍ، وَهِيَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَصِحُّ؛ كَأَجِّرْ دَابَّتَكَ، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا. وَهَذَا فِي الدَّلَالَةِ الَّتِي فِيهَا عَقْدٌ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ. قَالَ الشَّيْخُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 تَقِيُّ الدِّينِ: فَأَمَّا مُجَرَّدُ النِّدَاءِ وَالْعَرْضِ؛ أَيْ: عَرْضِ الْمَتَاعِ لِلْبَيْعِ، وَإِحْضَارِ الزُّبُونِ؛ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ. وَقَالَ: وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ الْمَنْعُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ، فِي شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ وَالْوُجُوهِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ، مِمَّا يَسُوعُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ. انْتَهَى؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا وَحَرَجًا، وَالِاخْتِلَافُ رَحْمَةٌ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا) تَصِحُّ شَرِكَةُ (فُقَرَاءَ فِي صَدَقَةٍ) ؛ لِفَقْدِ شَرْطِهَا، وَهُوَ الْوَكَالَةُ وَالضَّمَانُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (تَصِحُّ شَرِكَةُ شُهُودٍ) ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ "، وَقَالَ: لِلشَّاهِدِ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ، إنْ كَانَ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ. وَقَالَ: وَلِلْحَاكِمِ إكْرَاهُهُمْ؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ أَيْضًا: إنْ اشْتَرَكُوا عَلَى مَا حَصَّلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ، بِحَيْثُ إذَا كَتَبَ أَحَدُهُمْ وَشَهِدَ شَارَكَهُ الْآخَرُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ؛ فَهِيَ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ، تَجُوزُ حَيْثُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ، وَأَمَّا حَيْثُ لَا تَجُوزُ فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ كَشَرِكَةِ الدَّلَّالِينَ. انْتَهَى. (وَيَتَّجِهُ لَا) تَصِحُّ شَرِكَةُ الشُّهُودِ، (لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ) ، وَلَا وَكَالَةَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْكِيلُ أَحَدِهِمَا عَلَى بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ، (وَالضَّمَانِ) ، وَلَا ضَمَانَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ بِذَلِكَ يَصِيرُ فِي ذِمَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، (وَقَدْ فُقِدَا) - أَيْ الْوَكَالَةُ وَالضَّمَانُ (هُنَا) - أَيْ فِي شَرِكَةِ الشُّهُودِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 لَكِنْ لَوْ تَقَبَّلَ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ، مِنْ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ، كِتَابَةً كَحُجَجٍ أَوْ دَفَاتِرَ مَعْلُومَةٍ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ شَرِكَةِ النَّسْخِ، وَهِيَ شَرِكَةُ أَبْدَانٍ. (وَيَصِحُّ جَمْعٌ بَيْنَ شَرِكَةِ عَنَانٍ، وَأَبْدَانٍ، وَوُجُوهٍ، وَمُضَارَبَةٍ) ؛ لِصِحَّةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُفْرَدَةً، فَصَحَّتْ مَعَ غَيْرِهَا، (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الْمُجَمَّعَةُ مِنْ شَرِكَةِ الْعَنَانِ وَالْأَبْدَانِ وَالْوُجُوهِ وَالْمُضَارَبَةِ، تُسَمَّى (شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ) ، وَهَذَا هُوَ الضَّرْبُ الْخَامِسُ مِنْ أَضْرُبِ الشَّرِكَةِ، (وَهِيَ) فِي اللُّغَةِ: الِاشْتِرَاكُ فِي شَيْءٍ؛ وَفِي الشَّرْعِ (قِسْمَانِ) : أَحَدُهُمَا (صَحِيحٌ، وَهُوَ) نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ (تَفْوِيضُ كُلٍّ) مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (إلَى صَاحِبِهِ شِرَاءً أَوْ بَيْعًا فِي الذِّمَّةِ، وَمُضَارَبَةً، وَتَوْكِيلًا، وَمُسَافَرَةً بِالْمَالِ، وَارْتِهَانًا، وَضَمَانَ) ؛ أَيْ: تَقَبُّلَ (مَا يَرَى مِنْ الْأَعْمَالِ) ؛ كَخِيَاطَةٍ وَحِدَادَةٍ وَقِصَارَةٍ وَغَيْرِهَا، فَهَذِهِ شَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ شَرِكَةِ الْعَنَانِ وَالْوُجُوهِ وَالْأَبْدَانِ، وَجَمِيعُهَا مَنْصُوصٌ عَلَى صِحَّتِهَا، وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا، إنْ لَمْ يُدْخِلَا) فِي ذَلِكَ (كَسْبًا نَادِرًا) ، أَوْ يُدْخِلَا فِيهَا (غَرَامَةً) ، فَتَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ أَضْرُبِ الشَّرِكَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ. (وَقِسْمٌ فَاسِدٌ وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَا) فِي الشَّرِكَةِ (كَسْبًا نَادِرًا؛ كَوِجْدَانِ لُقَطَةٍ، أَوْ دُكَّانٍ. أَوْ) يُدْخِلَا فِيهَا (مَا يَحْصُلُ مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ) يُدْخِلَا فِيهَا (مَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مِنْ ضَمَانِ غَصْبٍ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ وَعَارِيَّةٍ) . (وَ) لَزِمَ (مَهْرٌ) بِوَطْءٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْزَمُ فِيهِ مَا لَا يَقْدِرُ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ. (وَلِكُلٍّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي هَذَا الْقِسْمِ (مَا يَسْتَفِيدُهُ، وَلَهُ رِبْحُ مَالِهِ، وَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ) ، لَا يُشْرِكُ فِيهِ غَيْرَهُ؛ لِفَسَادِ الشَّرِكَةِ. (وَيَخْتَصُّ) كُلٌّ مِنْهُمَا (بِضَمَانِ مَا غَصَبَهُ أَوْ جَنَاهُ أَوْ ضَمِنَهُ عَنْ الْغَيْرِ) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ. [بَابُ الْمُسَاقَاةِ] الْمُسَاقَاةُ: مُفَاعَلَةٌ مِنْ السَّقْيِ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ أَمْرِهَا بِالْحِجَازِ، وَكَانَتْ النَّخْلُ بِالْحِجَازِ تُسْقَى نَضْحًا - أَيْ مِنْ الْآبَارِ - فَعَظُمَ أَمْرُهُ، وَتَكْثُرُ مَشَقَّتُهُ وَهِيَ: (دَفْعُ أَرْضٍ وَشَجَرٍ مَغْرُوسٍ، مَعْلُومٍ) لِلْمَالِكِ وَالْعَامِلِ (بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ) لَهُمَا. فَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلَا مَوْصُوفٍ مِنْهُمَا، أَوْ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ فِيهَا بِاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ، فَلَمْ تَجُزْ عَلَى غَيْرِ مَعْلُومٍ، كَبَيْعِ مَا لَا تَنْضَبِطُ صِفَاتُهُ بِالْوَصْفِ. (بَعْلًا) ، وَهُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ، أَوْ (سَقْيًا) وَهُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى سَقْيٍ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْمُعَامَلَةِ فِي ذَلِكَ، كَدِعَايَتِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ فِي غَيْرِهِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُزَارَعَةِ. (لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ) - أَيْ عَلَى الشَّجَرِ وَيَقُومُ بِمَصْلَحَتِهِ، (بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ، مِنْ ثَمَرِهِ النَّامِي) بِعَمَلِهِ الْمُتَكَرِّرِ كُلَّ عَامٍ؛ كَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالزَّيْتُونِ؛ فَلَا تَصِحُّ عَلَى مَا يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ؛ كَالْقُطْنِ وَالْمَقَاثِي وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ " وَغَيْرُهُ: لَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَا لَا سَاقَ لَهُ. وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهَا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «عَامَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَرْطِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ طَاوُسٍ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 أَكْرَى الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، فَهُوَ يُعْمَلُ بِهِ إلَى يَوْمِكَ هَذَا. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إلَّا يَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، وَالْمَعْنَى شَاهِدٌ بِذَلِكَ وَدَالٌّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الشَّجَرِ يَعْجِزُونَ عَنْ عِمَارَتِهِ وَسَقْيِهِ. وَلَا يُمْكِنُهُمْ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا شَجَرَ لَهُمْ، وَيَحْتَاجُونَ إلَى الثَّمَرِ، فَفِي تَجْوِيزِ الْمُسَاقَاةِ تَجْوِيزٌ لِلْحَاجَتَيْنِ، وَتَحْصِيلُ الْفِئَتَيْنِ؛ كَالْمُضَارَبَةِ بِالْأَثْمَانِ. وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى حَدَّثَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ» . فَمَحْمُولٌ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ مُعَامَلَةٍ فَاسِدَةٍ؛ فَسَّرَهَا رَافِعٌ فِي حَدِيثِهِ. وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ حَدِيثِ رَافِعٍ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزَلْ يُعَامِلُ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى مَاتَ» ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ؛ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْهُ: قَالَ «كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا تُسَمَّى لِسَيِّدِ الْأَرْضِ فَرُبَّمَا يُصَابُ ذَلِكَ، وَتَسْلَمُ الْأَرْضُ وَرُبَّمَا تُصَابُ الْأَرْضُ، وَيَسْلَمُ ذَلِكَ، فَنَهَانَا» ، فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمئِذٍ ". وَرُوِيَ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا بِشَيْءٍ غَيْرِ هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ، وَهُوَ مُضْطَرِبٌ أَيْضًا. قَالَ الْإِمَامُ: رَافِعٌ يُرْوَى عَنْهُ فِي هَذَا ضُرُوبٌ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ يُوهِنُ حَدِيثَهُ. وَقَالَ طَاوُسٌ: إنَّ أَعْلَمَهُمْ - يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ - أَخْبَرَنِي: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ: لَأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَرْضًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ : وَلَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى (شَجَرِهِ) - أَيْ شَجَرِ الَّذِي لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ - بِجُزْءٍ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ الثَّمَرِ، وَعَلَى مَا لَيْسَ لَهُ ثَمَرٌ، وَيَأْتِي، وَلَا إنْ جَعَلَ لِلْعَامِلِ كُلَّ الثَّمَرَةِ وَلَا جُزْءًا مُبْهَمًا كَسَهْمٍ وَنَصِيبٍ. وَلَا ثَمَرَةَ شَجَرَةٍ فَأَكْثَرَ مُعَيَّنَةٍ، وَعُمُومُ قَوْلِ الْمَتْنِ: لَهُ ثَمَرٌ، شَمِلَ مَا لَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 كَانَ الثَّمَرُ مَوْجُودًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: يُعْمَلُ عَلَيْهِ إذَا كَمُلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَعَلَى الْأَصَحِّ وَعَلَى ثَمَرٍ بَدَأَ وَلَمْ يَكْمُلْ بِجُزْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ إذَا جَازَتْ فِي الْمَعْدُومِ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ فَمَعَ قِلَّتِهِ أَوْلَى. (وَإِذَا سَاقَاهُ) ؛ أَيْ: سَاقَى الْمَالِكُ الْعَامِلَ (عَلَى وَدِيِّ نَخْلٍ) - أَيْ صِغَارِهِ - وَاحِدَتُهُ وَدِيَّةٌ، (وَصِغَارِ شَجَرٍ إلَى مُدَّةٍ يَحْمِلُ فِيهَا غَالِبًا؛ صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ يَكْثُرُ وَنَصِيبُهُ يَقِلُّ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا؛ كَمَا لَوْ جَعَلَ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ. [فَائِدَةٌ إذَا غَرَسَ لَهُ الشَّجَرَ ثُمَّ أَخَذَ فِي الْعَمَلِ] ِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهَذَا الْعَمَلِ الْأَوَّلِ ثَمَرَةً تَظْهَرُ، ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ اسْتَحَقَّ مَا يَظْهَرُ كُلَّ عَامٍ وَإِلَّا فَلَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَجَرُهُ لَا تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ إلَّا بَعْدَ سِنِينَ وَأَخَذَهُ مُسَاقَاةً؛ لَا يَسْتَحِقُّ بِعَمَلِهِ إلَّا ثَمَرَةَ أَوَّلِ عَامٍ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ غَرَرٌ أَوْ ضَرَرٌ فَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ، فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ بِخِلَافِ الْمُنَاصَبَةِ فَإِنَّهُ هُنَا يَسْتَحِقُّ ثَمَرَةَ كُلِّ سَنَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ إلَى أَنْ تَبِيدَ. (وَالْمُنَاصَبَةُ وَهِيَ الْمُغَارَسَةُ دَفْعُهُ) - أَيْ الشَّجَرِ الْمَعْلُومِ الَّذِي لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ - (بِلَا غَرْسٍ) أَيْ غَيْرَ مَغْرُوسٍ - (مَعَ أَرْضٍ، وَلَوْ) كَانَ دَفْعُ الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ (مِنْ نَاظِرِ وَقْفٍ لِمَنْ يَغْرِسُهُ) فِيهَا، (وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يُثْمِرَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ شَجَرِهِ) - أَيْ مِنْ عَيْنِ الشَّجَرِ - فَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ بَيْعُ نَصِيبِ الْوَقْفِ مِنْ الشَّجَرِ بِلَا حَاجَةٍ وَأَنَّ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمَ بِلُزُومِهَا فِي مَحِلِّ النِّزَاعِ فَقَطْ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. انْتَهَى. وَمُرَادُهُ بِالْحَاجَةِ مَا يَجُوزُ مَعَهُ بَيْعُ الْوَقْفِ، وَيَأْتِي أَوْ مَا لَمْ يَصِرْ الشَّجَرُ شَالِيًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، إلَّا حَطَبًا، (وَتَدْخُلُ ثَمَرَةٌ) - أَيْ ثَمَرَةُ الشَّجَرِ - (تَبَعًا) لَهُ، (أَوْ) بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ (مِنْ ثَمَرَةٍ، أَوْ) بِجُزْءٍ (مِنْهُمَا) - أَيْ مِنْ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ - اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَصَاحِبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 الْفَائِقِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: اغْرِسْ فِي أَرْضِي هَذِهِ شَجَرًا أَوْ نَخْلًا، فَمَا كَانَ مِنْ غَلَّةٍ فَلَكَ بِعَمَلِكَ هَذَا، فَأَجَازَهُ، وَاحْتَجَّ فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ، فَهَذَا نَصٌّ فِيمَا إذَا جَعَلَ لَهُ جُزْءًا مِنْ النَّمَاءِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَظَاهِرُ نَصِّهِ وَبِجُزْءٍ مِنْهُ - أَيْ الشَّجَرِ - وَمِنْهُمَا كَالْمُزَارَعَةِ. انْتَهَى. وَاشْتِرَاطُ كَوْنِ الْغَرْسِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ مُعْتَبَرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ دَفَعَ أَرْضًا وَشَجَرًا لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ؛ لَمْ يَصِحَّ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَلَمْ نَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْأَصْلِ فَفَسَدَ؛ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الشَّجَرَ بِلَا أَرْضٍ لِيَكُونَ الْأَصْلُ وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا، أَوْ شَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ كَوْنَ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ بَيْنَهُمَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَكَذَا) - أَيْ مِثْلُ دَفْعِ الشَّجَرِ مَعَ الْأَرْضِ - (دَفْعُ نَوَى نَحْوِ ثَمَرٍ) ؛ كَزَيْتُونٍ وَنَوَى (مِشْمِشٍ) مَعَ أَرْضٍ، وَيُعْمَلُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَنْبُتَ وَيَصِيرَ نَصْبًا، ثُمَّ يَصِيرُ شَجَرًا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الثَّمَرِ أَوْ مِنْهُمَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْمُزَارَعَةُ دَفْعُ أَرْضٍ وَحَبٍّ لِمَنْ يَزْرَعُهُ) وَيَقُومُ عَلَيْهِ، (أَوْ دَفْعُ حَبٍّ مَزْرُوعٍ يُنَمَّى) بِالْعَمَلِ (لِيَعْمَلَ عَلَيْهِ) الْمَدْفُوعُ لَهُ (بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْمُتَحَصِّلِ) ، وَتُسَمَّى مُخَابَرَةً مِنْ الْخَبَارِ - بِفَتْحِ الْخَاءِ - وَهِيَ الْأَرْضُ اللَّيِّنَةُ وَمُوَاكَرَةً أَيْضًا، وَالْعَامِلُ فِيهَا خَبِيرٌ وَأَكَّارٌ وَمُوَاكِرٌ، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهَا السُّنَّةُ. فَمِنْهَا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ: «عَامَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَرْطِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ. ثَمَانُونَ وَسْقًا تَمْرًا وَعِشْرُونَ وَسْقًا شَعِيرًا» ، فَقَسَّمَ عُمَرُ خَيْبَرَ، فَخُيِّرَتْ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْطِعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 لَهُنَّ مِنْ الْمَاءِ وَالْأَرْضِ أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ الْأَوْسُقَ، فَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْأَرْضَ وَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْوَسْقَ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتْ الْأَرْضَ ". وَالْمَعْنَى دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الْأَرْضِ قَدْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى زَرْعِهَا وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا، وَالْأَكْثَرُ يَحْتَاجُونَ إلَى الزَّرْعِ وَالْأَرْضِ لَهُمْ، فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ جَوَازُ الْمُزَارَعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ، بَلْ الْحَاجَةُ هُنَا آكَدُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الزَّرْعِ آكَدُ مِنْهَا إلَى غَيْرِهِ؛ لِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا، وَلِكَوْنِ الْأَرْضِ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْمَالِ. (وَلَا تَصِحُّ مُسَاقَاةٌ) عَلَى (مَا) - أَيْ: شَجَرٍ - (لَا ثَمَرَ لَهُ يُؤْكَلُ كَصَفْصَافٍ وَقَرَظٍ) - وَهُوَ وَرَقُ السَّلَمِ يُدْبَغُ بِهِ - وَدُلْبٍ وَحَوَرٍ وَسَرْوٍ - (وَلَوْ) كَانَ لَهُ خَشَبٌ يُقْصَدُ أَوْ - (كَانَ لَهُ وَرَقٌ أَوْ زَهْرٌ يُقْصَدُ كَتُوتٍ وَوَرْدٍ) وَنَرْجِسِ وَيَاسَمِينٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) وَالشَّارِحِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَا يُقْصَدُ وَرَقُهُ أَوْ زَهْرُهُ إجْرَاءً لِلْوَرَقِ وَالزَّهْرِ مَجْرَى الثَّمَرَةِ. (وَلَا) تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَا يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ مِنْ أُصُولِ الْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ مِنْ (نَحْوِ قُطْنٍ) يُؤْخَذُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَا عَلَى الْمَقَاثِي مِنْ نَحْوِ بِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ (وَبَاذِنْجَانٍ) وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَجَرٍ. وَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ. (وَلَا) يَصِحُّ (كَوْنُ غَرْسٍ لِوَاحِدٍ وَالْأَرْضِ لِآخَرَ) ؛ لِاشْتِرَاكِ كَوْنِهِمَا مِنْ وَاحِدٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، (فَإِنْ وَقَعَ) الْغَرْسُ مِنْ الْعَامِلِ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ، وَ (خُيِّرَ رَبُّهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ -، (بَيْنَ قَلْعِهِ) - أَيْ: تَكْلِيفِ رَبِّ الْغِرَاسِ قَلْعَهُ - (وَضَمَانِ نَقْصِهِ) لَهُ (أَوْ تَمَلُّكِهِ) بِقِيمَتِهِ لِغَارِسِهِ، إلَّا أَنْ يَخْتَارَ رَبُّهُ أَخْذَهُ، فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ فَلَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ بَذَلَ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ الْقِيمَةَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَلَمْ يَمْنَعْ تَحْوِيلَهُ، (أَوْ تَرْكَهُ بِأُجْرَتِهِ) بِاتِّفَاقِهِمَا. (وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ مُسَاقَاةٍ وَمُنَاصَبَةٍ وَمُزَارَعَةٍ (كَوْنُ عَاقِدِ كُلٍّ) مِنْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 (نَافِذَ التَّصَرُّفِ) بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا رَشِيدًا؛ لِأَنَّهَا عُقُودُ مُعَاوَضَةٍ، فَاعْتُبِرَ لَهَا ذَلِكَ كَالْبَيْعِ. (وَتَصِحُّ) مُسَاقَاةٌ (بِلَفْظِهَا) كَسَاقَيْتُكَ عَلَى هَذَا الْبُسْتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظُهَا الْمَوْضُوعُ لَهَا، (وَ) تَصِحُّ (بِلَفْظِ مُعَامَلَةٍ وَمُفَالَحَةٍ، وَ) بِلَفْظِ (اعْمَلْ بِبُسْتَانِي هَذَا) حَتَّى تَكْمُلَ ثَمَرَتُهُ عَلَى النِّصْفِ مَثَلًا (وَنَحْوِهِ) مِمَّا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ الْعَقْدُ، فَإِذَا دَلَّ عَلَيْهِ أَيُّ لَفْظٍ كَانَ؛ صَحَّ كَالْبَيْعِ. وَ (تَصِحُّ) الْمُسَاقَاةُ (بِمُعَاطَاةٍ) ، وَقَبُولُهَا كَذَلِكَ يَصِحُّ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَبِالْمُعَاطَاةِ، وَالشُّرُوعُ مِنْ الْعَامِلِ فِي الْعَمَلِ قَبُولُهُ. (وَتَصِحُّ) الْمُسَاقَاةُ بِلَفْظِ إجَارَةٍ (مَعَ مُزَارَعَةٍ) ؛ أَيْ: وَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ أَيْضًا (بِلَفْظِ إجَارَةٍ) كَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَعْمَلَ عَلَى هَذَا الْبُسْتَانِ حَتَّى تَكْمُلَ ثَمَرَتُهُ بِثُلُثِهَا، أَوْ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَزْرَعَ هَذَا الْحَبَّ بِهَذِهِ الْأَرْضِ، وَتَعْمَلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتِمَّ بِالرُّبْعِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُؤَدٍّ لِلْمَعْنَى. (وَتَصِحُّ إجَارَةُ أَرْضٍ) مَعْلُومَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِنَقْدٍ مَعْلُومٍ وَعَرُوضٍ مَعْلُومَةٍ، (وَبِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ) كَالنِّصْفِ وَنَحْوِهِ (مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ نَحْوِ بُرٍّ أَوْ) غَيْرِهِ (كَقُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ) ، وَهُوَ إجَارَةٌ حَقِيقِيَّةٌ؛ كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا بِنَقْدٍ، فَيُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطُ الْإِجَارَةِ، فَكَمَا تَصِحُّ بِالدَّرَاهِمِ تَصِحُّ بِالْخَارِجِ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إجَارَةُ أَرْضٍ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ (مِنْ نَحْوِ شَجَرٍ) ؛ لِطُولِ مُكْثِهِ فِي الْأَرْضِ، وَرُبَّمَا احْتَاجَ رَبُّ الْأَرْضِ تَفْرِيغَهَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الشَّجَرِ قَائِمًا نَامِيًا، بِخِلَافِ الْبُرِّ وَنَحْوِهِ؛ فَإِنَّهُ يَزُولُ بِنَبْتِهِ، وَتَتَفَرَّغُ الْأَرْضُ لِمَالِكِهَا وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 (فَإِنْ لَمْ تُزْرَعْ) الْأَرْضُ، أَوْ زُرِعَتْ فَلَمْ تَنْبُتْ، أَوْ نَبَتَتْ ثُمَّ تَلِفَ، وَلَمْ يَتَحَصَّلْ مِنْهُ حَبٌّ، سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا مُزَارَعَةٌ أَوْ إجَارَةٌ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ (نُظِرَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (إلَى مُعَدَّلِ الْمُغَلِّ) - مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ - إلَى الْمُغَلِّ الْمُعَدَّلِ - (أَيْ: الْمُوَازِي لِمَا يَخْرُجُ) مِنْهَا (لَوْ زُرِعَتْ - فَيَجِبُ الْقِسْطُ الْمُسَمَّى) فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ فَسَدَتْ فَأَجْرُ الْمِثْلِ. (وَ) تَصِحُّ إجَارَةٌ أَرْضٍ (بِطَعَامٍ مَعْلُومٍ مِنْ جِنْسِ الْخَارِجِ) مِنْهَا (أَوْ غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ جِنْسِهِ - كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا سَنَةً لِزَرْعِ بُرٍّ بِقَفِيزِ بُرٍّ، وَلَمْ يَقُلْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، أَوْ بِقَفِيزِ شَعِيرٍ وَنَحْوِهَا؛ كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ. (وَلَوْ عَمِلَا) - أَيْ: الشَّرِيكَانِ - (فِي شَجَرٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَشَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي ثَمَرِهِ) بِأَنْ قَالَا: إنَّ لَكَ الثُّلُثَ، وَلِي الثُّلُثَانِ؛ (صَحَّ) ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرِطَ لَهُ الثُّلُثَانِ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى عَلَى الْعَمَلِ مِمَّنْ شُرِطَ لَهُ الثُّلُثُ وَأُعْرَفَ بِهِ مِنْهُ، (بِخِلَافِ مُسَاقَاةِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ بِنِصْفِهِ) - أَيْ: الثَّمَرِ - أَوْ ثُلُثِهِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ هُنَا فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ الْمَشْرُوطَ لَهُ النِّصْفُ يَسْتَحِقُّهُ بِمِلْكِهِ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ شَيْئًا، وَإِنْ شُرِطَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ؛ فَقَدْ جَعَلَ لِغَيْرِ الْعَامِلِ جُزْءًا مِنْ نَصِيبِ الْعَامِلِ، وَيَعْمَلُهُ بِلَا عِوَضٍ؛ فَلَا يَصِحُّ، فَإِذَا عَمِلَ الْعَامِلُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ كَانَ الثَّمَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ؛ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَبِخِلَافِ مُسَاقَاةِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ (بِكُلِّهِ) ؛ أَيْ: الثَّمَرِ؛ فَلَا يَصِحُّ. قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ ". (أَوْ لَهُ) - أَيْ: الْعَامِلِ - (أُجْرَتُهُ) - أَيْ: أُجْرَةُ مِثْلِهِ - (فِي) شَرْطِ (كُلِّهِ) - أَيْ: الثَّمَرِ - لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَقْتَضِي عِوَضًا، وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعِوَضُ، فَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. (وَمَنْ زَارَعَ شَرِيكَهُ) فِي أَرْضٍ شَائِعَةٍ بَيْنَهُمَا (فِي نَصِيبِهِ) مِنْهَا (بِفَضْلٍ) - أَيْ: جُزْءٍ زَائِدٍ - (عَنْ حِصَّتِهِ) مِنْ الْأَرْضِ بِأَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَأَخْرَجَا الْبَذْرَ نِصْفَيْنِ، وَجَعَلَا لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا مِنْهَا الثُّلُثَيْنِ؛ (صَحَّ) وَالسُّدُسُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 مُقَابَلَةِ عَمَلِ الْعَامِلِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، كَأَنَّ شَرِيكَهُ قَالَ: زَارَعْتُكَ عَلَى نِصْفَيْنِ بِثُلُثِهِ؛ فَيَجُوزُ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ (كَمُسَاقَاةٍ) ؛ أَيْ: كَمَا يَصِحُّ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ. (وَيَصِحُّ تَوْقِيتُ مُسَاقَاةٍ) ؛ كَوَكَالَةٍ وَشَرِكَةٍ وَمُضَارَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي تَقْدِيرِ مُدَّتِهَا، (فَلَا أَثَرَ لَهُ) - أَيْ: التَّوْقِيتِ - (إذْ لَا يُشْتَرَطُ ضَرْبُ مُدَّةٍ يَحْصُلُ الْكَمَالُ) - أَيْ: كَمَالِ الثَّمَرَةِ - (فِيهَا) - أَيْ: الْمُدَّةِ - لَكِنْ لَوْ ضَرَبَ مُدَّةً قَدْ تَكْمُلُ؛ فَيَصِحُّ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إبْقَاؤُهُ وَفَسْخُهُ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّوْقِيتِ؛ كَالْمُضَارَبَةِ، (وَيَمْلِكُ عَامِلٌ حِصَّتَهُ) مِنْ الثَّمَرَةِ بِمُجَرَّدِ (الظُّهُورِ) ؛ كَالْمَالِكِ وَكَالْمُضَارِبِ. (وَلِكُلٍّ فَسْخُهَا) - أَيْ: الْمُسَاقَاةِ - (مَتَى شَاءَ) ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ كَالْوَكَالَةِ، وَيَصِحُّ تَوْقِيتُ الْمُسَاقَاةِ إلَى جِذَاذٍ وَإِلَى إدْرَاكِ مُدَّةٍ تَحْتَمِلُهُ، لَا إلَى مُدَّةٍ لَا تَحْتَمِلُهُ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا إذَنْ. [فَائِدَةٌ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَفَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّرْعِ] (فَائِدَةٌ) : لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَفَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّرْعِ، أَوْ قَبْلَ الْبَذْرِ وَبَعْدَ الْحَرْثِ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ بَيْعِ الْعِمَارَةِ الَّتِي هِيَ الْإِثَارَةُ، وَيَكُونُ شَرِيكًا فِي الْأَرْضِ بِعِمَارَتِهِ، وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ زَارَعَ رَجُلًا عَلَى مُزَارَعَةِ بُسْتَانِهِ، ثُمَّ أَجَّرَهَا هَلْ تَبْطُلُ الْمُزَارَعَةُ؟ فَقَالَ: إنْ زَارَعَهُ مُزَارَعَةً لَازِمَةً؛ لَمْ تَبْطُلْ بِالْإِجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً أُعْطِيَ الْفَلَاحُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ؛ أَيْ: وَبَطَلَتْ مُزَارَعَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ، لَا لَازِمٌ، وَأَفْتَى أَيْضًا فِي رَجُلٍ زَرَعَ أَرْضًا، وَكَانَتْ بُورًا، وَحَرَثَهَا فَهَلْ لَهُ إذَا خَرَجَ مِنْهَا فِلَاحَةٌ؟ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ فِي الْأَرْضِ فِلَاحَةٌ لَمْ يَنْتَفِعَ بِهَا، فَلَهُ قِيمَتُهَا عَلَى مَنْ انْتَفَعَ بِهَا، فَإِنْ الْمَالِكُ انْتَفَعَ بِهَا أَخَذَ عِوَضًا عَنْهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ؛ فَضَمَانُهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَذَ الْأُجْرَةَ عَنْ الْأَرْضِ وَحْدَهَا؛ فَضَمَانُ الْفِلَاحَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُنْتَفِعِ بِهَا. قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ ": وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مَفْلُوحَةً، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا مَفْلُوحَةً كَمَا أَخَذَهَا: أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ كَمَا شَرَطَ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَشَرْحِهِ: وَإِنْ خَرَّجَ الْأَكَّارِيُّ الزَّرْعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَتَرَكَ الْعَمَلَ قَبْلَ الزَّرْعِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ عَمَلَ يَدَيْهِ مِنْ حَرْثٍ وَنَحْوِهِ، وَمَا عَمِلَ؛ أَيْ: أَنْفَقَ فِي الْأَرْضِ؛ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، خِلَافًا لِلْقَاضِي. (وَمَتَى انْفَسَخَتْ) الْمُسَاقَاةُ بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا أَوْ مَوْتِهِ وَنَحْوِهِ - (وَقَدْ ظَهَرَ ثَمَرٌ) ؛ فِيمَا سَاقَاهُ عَلَيْهِ - (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ الظَّاهِرُ ثَمَرَةَ (شَجَرَةِ نَوْعٍ) وَاحِدٍ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَ) مَا ظَهَرَ (بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا) فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ؛ خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَإِنْ اشْتَرَى نَصِيبَ الْعَامِلِ جَازَ، وَإِنْ اخْتَارَ بَيْعَ نَصِيبِهِ بَاعَ الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْعَامِلِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ؛ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَلَا يُبَاعُ نَصِيبُ الْعَامِلِ وَحْدَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ، فَإِنَّهُ إنْ بَاعَهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ لَا تَصِحُّ؛ وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ؛ صَحَّ، وَفِيمَا بَيْنَهُمَا لِغَيْرِ رَبِّ الْأَرْضِ بَاطِلٌ (وَعَلَى عَامِلٍ) وَوَارِثِهِ (تَمَامُ الْعَمَلِ) فِي الْمُسَاقَاةِ؛ (كَمَا يَلْزَمُ مُضَارِبًا فَسَخَ) بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ (بَيْعُ عُرُوضٍ) لِيَنْفَضَّ الْمَالُ، فَإِنْ ظَهَرَ ثَمَرَةٌ أُخْرَى بَعْدَ الْفَسْخِ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهَا. قَالَ (الْمُنَقَّحُ. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ - إنَّ عَلَى عَامِلٍ تَمَامَ الْعَمَلِ بَعْدَ الْفَسْخِ وَظُهُورِ الثَّمَرَةِ (دَوَامُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمُنَاصَبَةِ. وَلَوْ فُسِخَتْ) الْمُغَارَسَةُ (إلَى أَنْ تَبِيدَ) الْأَشْجَارُ الَّتِي عُقِدَتْ عَلَيْهَا الْمُنَاصَبَةُ، (وَالْوَاقِعُ كَذَلِكَ. انْتَهَى) كَلَامُ الْمُنَقَّحُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 (فَإِنْ مَاتَ) الْعَامِلُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُنَاصَبَةِ (فَوَارِثُهُ) يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمِلْكِ وَالْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْمُوَرِّثِ وَعَلَيْهِ، فَكَانَ لِوَارِثِهِ، (وَلَا يُجْبَرُ) إنْ أَبَى الْوَارِثُ أَنْ يَأْخُذَ وَيَعْمَلَ، (وَاسْتُؤْجِرَ مِنْ تَرِكَتِهِ مَنْ يَعْمَلُ) ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرِكَةٌ، أَوْ تَعَذَّرَ الِاسْتِئْجَارُ فِيهَا؛ بِيعَ مِنْ نَصِيبِ الْعَامِلِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ تَكْمِيلُ الْعَمَلِ، وَاسْتُؤْجِرَ مَنْ يَعْمَلُهُ، (أَوْ إنْ بَاعَهُ) - أَيْ: نَصِيبَ الْعَامِلِ - هُوَ أَوْ وَارِثُهُ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ؛ فَيَصِحُّ الْعَمَلُ (عَلَى مُشْتَرٍ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكَهُ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ؛ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ عَلَيْهِ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَمَرًا؛ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَوْ لِمَالِكِ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ نَصِيبَ الْمُنَاصِبِ مِنْ الشَّجَرِ؛ صَحَّ مُطْلَقًا، وَصَحَّ شَرْطُ الْعَمَلِ مِنْ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَالْمُكَاتَبِ إذَا بِيعَ عَلَى كِتَابَةٍ، وَلِلْمُشْتَرِي الْمِلْكُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ [مَقَامَ] الْبَائِعِ فِيمَا يَقُومُ مَقَامَهُ الْبَائِعُ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ. إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِمَا لَزِمَ الْبَائِعَ مِنْ الْعَمَلِ؛ (فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخٍ) وَأَخْذِ الثَّمَنِ كَامِلًا، (وَ) بَيْنَ (إمْسَاكٍ مَعَ) أَخْذِ (أَرْشٍ) ؛ كَمَنْ اشْتَرَى مُكَاتَبًا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُكَاتَبٌ. (وَيَتَّجِهُ فِي بَحْثِ الْمُنَقَّحِ) آنِفًا - وَهُوَ قَوْلُهُ [فَيُؤْخَذُ] مِنْهُ دَوَامُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمُنَاصَبَةِ إلَى أَنْ تَبِيدَ (أَنَّهُ) يَلْزَمُ دَوَامُ الْعَمَلِ (بِوَضْعِ غَرْسٍ) لَا قَبْلَهُ (فِي أَرْضٍ مَعَ حُصُولِ نَمَاءٍ) فِيهِ، وَيَتَّجِهُ (أَنَّ الزَّرْعَ) إذَا فَسَخَ الْعَامِلُ الْمُزَارَعَةَ بَعْدَ أَنْ بَذَرَهُ فِي الْأَرْضِ وَنَبَتَ (كَذَلِكَ) فِي الْحُكْمِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ دَوَامُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ إلَى حَصَادِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 563 (وَلَا شَيْءَ لِعَامِلٍ فَسَخَ) الْمُسَاقَاةَ، (أَوْ هَرَبَ قَبْلَ ظُهُورِ ثَمَرٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِرِضَاهُ؛ كَعَامِلٍ فَسَخَ الْمُضَارَبَةَ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ، وَإِنْ هَرَبَ عَامِلٌ بَعْدَ ظُهُورِ ثَمَرٍ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُنْفَقُ عَلَى الْمُسَاقَاةِ؛ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ، فَإِنْ تَضَرَّرَ الْمَالِكُ بِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ، وَوَجَدَ لَهُ مَالًا، وَأَمْكَنَهُ الِاقْتِرَاضُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ؛ فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا وَجَدَ مَنْ يَعْمَلُ بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى وَقْتِ إدْرَاكِ الثَّمَرَةِ فَعَلَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَلِرَبِّ الْمَالِ الْفَسْخُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ، فَإِنْ عَمِلَ فِيهَا رَبُّ الْمَالِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ وَإِشْهَادٍ؛ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ نَائِبٌ عَنْ الْغَائِبِ، وَلِأَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَلَى الْإِنْفَاقِ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ إذْنِ الْحَاكِمِ؛ فَهُوَ مُضْطَرٌّ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إذْنُ حَاكِمٍ وَلَا إشْهَادٌ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِنْفَاقِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِالصَّدَقَةِ. هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَ " الشَّرْحِ ". (وَيَتَّجِهُ) أَنْ لَا شَيْءَ لِعَامِلٍ فَسَخَ الْمُزَارَعَةَ أَوْ هَرَبَ بَعْدَ بَذْرٍ (وَقَبْلَ طُلُوعِ زَرْعٍ) ؛ لِإِعْرَاضِهِ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ بِاخْتِيَارِهِ كَعَامِلِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُضَارَبَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَهُ) - أَيْ: الْعَامِلِ - (إنْ مَاتَ) هُوَ أَوْ رَبُّ الْمَالِ (أَوْ جُنَّ) (أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، أَوْ فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ) الْمُسَاقَاةَ (قَبْلَ ظُهُورِ ثَمَرٍ) وَبَعْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 شُرُوعٍ فِي عَمَلٍ (أَجْرُ عَمَلِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْعِوَضَ الْمُسَمَّى، وَلَمْ يَرْضَ الْعَامِلُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ وَالْجُنُونَ وَالْحَجْرَ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَلِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ هُوَ الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ إتْمَامِ الْعَمَلِ بِفَسْخِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْمُسَمَّى رَجَعَ إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ، وَفَارَقَ رَبَّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ إذَا فَسَخَهَا قَبْلَ ظُهُورٍ رِبْحٍ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ هُنَا مُفْضٍ إلَى ظُهُورِ الثَّمَرَةِ غَالِبًا، فَلَوْلَا الْفَسْخُ لَمَلَكَ نَصِيبَهُ مِنْهَا، وَقَدْ قَطَعَ ذَلِكَ بِفَسْخِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَسَخَ الْجَاعِلُ الْجِعَالَةَ قَبْلَ إتْمَامِ عَمَلِهَا، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْمَالِ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْعَمَلِ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِعَمَلِهِ رِبْحٌ، وَالثَّمَرُ مُتَوَلَّدٌ مِنْ عَيْنِ الشَّجَرِ، وَقَدْ عَمِلَ عَلَى الشَّجَرِ عَمَلًا مُؤَثِّرًا فِي الثَّمَرِ، فَكَانَ لِعَمَلِهِ تَأْثِيرٌ فِي حُصُولِ الثَّمَرِ وَظُهُورِهِ بَعْدَ الْفَسْخِ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي " الْقَوَاعِدِ ". (وَإِنْ بَانَ الشَّجَرُ) الْمُسَاقَى عَلَيْهِ (مُسْتَحَقًّا) - أَيْ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا - لِغَيْرِ الْمَسَاقِي بَعْدَ عَمَلِ عَامِلٍ فِيهِ؛ فَلِرَبِّ الشَّجَرِ أَخْذُهُ وَثَمَرُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْعَامِلِ وَلَهُ - أَيْ الْعَامِلِ - إنْ كَانَ (جَاهِلًا) أَنَّ الشَّجَرَ مُسْتَحَقًّا لِلْغَيْرِ (أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى غَاصِبٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَسَهُ، وَاسْتَعْمَلَهُ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ نَقْرَةً وَاسْتَأْجَرَ مَنْ ضَرَبَهَا دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا اسْتِحْقَاقَ الشَّجَرِ لِلْغَيْرِ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَإِنْ شَمَّسَ الْعَامِلُ الثَّمَرَةَ، فَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهَا بِذَلِكَ أَخَذَهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، وَإِنْ نَقَصَتْ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا وَأَخْذُ أَرْشِ نَقْصِهَا، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَ (أَنْ اقْتَسَمَا) هَا وَأَكَلَاهَا (فَلِمَالِكٍ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ) مِنْهُمَا. (وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ) أَنَّهُ إنْ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ فَلَهُ تَضْمِينُهُ الْكُلَّ، وَلَهُ تَضْمِينُهُ قَدْرَ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ سَبَبُ إزَالَةِ يَدِ الْعَامِلِ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُ الْجَمِيعِ، وَلَهُ تَضْمِينُ الْعَامِلِ قَدْرَ نَصِيبِهِ؛ لِوُجُودِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الْكُلَّ رَجَعَ عَلَى الْعَامِلِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ؛ لِوُجُودِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَى الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ. [فَرْعٌ لَوْ سَاقَاهُ إلَى مُدَّةٍ تَكْمُلُ فِيهَا الثَّمَرَةُ غَالِبًا فَلَمْ تَحْمِلْ] (فَرْعٌ: لَوْ سَاقَاهُ إلَى مُدَّةٍ تَكْمُلُ فِيهَا الثَّمَرَةُ غَالِبًا، فَلَمْ تَحْمِلْ) الثَّمَرَةُ (تِلْكَ السَّنَةَ؛ فَلَا شَيْءَ لِعَامِلٍ) ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ؛ وَكَالْمُضَارِبِ. (وَإِنْ كَانَ) الْغِرَاسُ لِاثْنَيْنِ فَدَفَعَاهُ لِعَامِلٍ، (وَسَاقَيَاهُ) عَلَيْهِ (عَلَى أَنَّ لَهُ) - أَيْ: الْعَامِلِ - (نِصْفَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا) - أَيْ: الْمَالِكَيْنِ - (وَثُلُثَ نَصِيبِ) الْمَالِكِ (الْآخَرِ وَ) الْحَالُ أَنْ الْعَامِلَ (عَالِمٌ قَدْرَ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) مِنْ الْبُسْتَانِ؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بُسْتَانَيْنِ سَاقَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى بُسْتَانٍ وَاحِدٍ بِجُزْءٍ يُخَالِفُ الْآخَرَ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ الْعَامِلُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْبُسْتَانِ إذَا شَرَطَا قَدْرًا وَاحِدًا؛ كَأَنْ يَقُولَ: اعْمَلْ فِي هَذَا الْبُسْتَانِ بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّ لَهُ ثُلُثُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَالِغًا مَا بَلَغَ، كَمَا لَوْ قَالَا: بِعْنَاكَ دَارَنَا هَذِهِ بِأَلْفٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الدَّارَ كُلَّهَا مِنْهُمَا، وَهُمَا يَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا. (وَلَوْ سَاقَى) وَاحِدٌ عَلَى بُسْتَانٍ لَهُ (اثْنَيْنِ، فَفَاضَلَ بَيْنَهُمَا) فِي النَّصِيبِ بِأَنْ جَعَلَ لِأَحَدِهِمَا السُّدُسَ وَلِلثَّانِي الثُّلُثَ؛ صَحَّ، (أَوْ سَاقَاهُ) - أَيْ: سَاقَا وَاحِدًا - (عَلَى بُسْتَانِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ) عَلَى أَنَّ (لَهُ فِي) السَّنَةِ (الْأُولَى النِّصْفَ) وَفِي السَّنَةِ (الثَّانِيَةِ الثُّلُثَ وَفِي) السَّنَةِ (الثَّالِثَةِ الرُّبْعَ؛ صَحَّ) ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الَّذِي لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَعْلُومٌ، فَصَحَّ؛ كَمَا لَوْ شَرَطَ لَهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ قَدْرًا. (وَإِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ شَجَرٌ مِنْ أَجْنَاسٍ كَتِينٍ وَزَيْتُونٍ وَكَرْمٍ، فَشَرَطَ) رَبُّ الْبُسْتَانِ (لِعَامِلٍ) مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الشَّجَرِ قَدْرًا مَعْلُومًا (كَنِصْفِ ثَمَرِ تِينٍ وَثُلُثِ) ثَمَرِ (زَيْتُونٍ وَرُبْعِ) ثَمَرِ (كَرْمٍ؛ صَحَّ) ، أَوْ كَانَ فِي الْبُسْتَانِ أَنْوَاعٌ مِنْ جِنْسٍ، فَشَرَطَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ قَدْرًا مَعْلُومًا كَنِصْفِ الْبَرْنِيِّ وَثُلُثِ الصَّيْحَانِيِّ وَرُبْعِ الْإِبْرَاهِيمِيِّ، وَهُمَا يَعْرِفَانِ قَدْرَ كُلِّ نَوْعٍ؛ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ثَلَاثَةِ بَسَاتِينَ سَاقَاهُ عَلَى كُلِّ بُسْتَانٍ بِقَدْرٍ مُخَالِفٍ لِلْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الْآخَرِ، وَلَوْ سَاقَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 عَلَى بُسْتَانٍ وَاحِدٍ نِصْفُهُ هَذَا بِالثُّلُثِ، وَنِصْفُهُ هَذَا بِالرُّبْعِ، وَهُمَا مُتَمَيِّزَانِ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُمَا كَبُسْتَانَيْنِ. [فَصْلٌ فِيمَا عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُغَارَسَةِ وَالْمُزَارَعَةِ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ] (فَصْلٌ: وَعَلَى عَامِلٍ) فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُغَارَسَةِ وَالْمُزَارَعَةِ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ كُلُّ (مَا فِيهِ نُمُوٌّ أَوْ صَلَاحٌ لِثَمَرٍ وَزَرْعٍ مِنْ سَقْيٍ) بِمَاءٍ حَاصِلٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَفْرِ بِئْرٍ وَلَا إدَارَةِ دُولَابٍ، (وَإِصْلَاحِ طَرِيقِهِ) أَيْ: الْمَاءِ - بِتَنْقِيَةِ مَجْرَاهُ مِنْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَ) إصْلَاحِ (مَحِلِّهِ) بِتَسْوِيَةِ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ مَعَ مَا انْخَفَضَ مِنْهَا لِتَشْرَبَ الْعُرُوقُ، وَتَسْتَوْفِيَ حَظَّهَا مِنْ الْمَاءِ، (وَتَشْمِيسِ) مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَإِصْلَاحِ مَوْضِعِ الشَّمْسِ، (وَحَرْثٍ وَآلَتِهِ وَبَقَرِهِ وَزِبَارٍ) - بِكَسْرِ الزَّايِ - (وَهُوَ تَخْفِيفُ الْكَرْمِ مِنْ الْأَغْصَانِ) الرَّدِيئَةِ وَبَعْضِ الْجَيِّدَةِ بِقَطْعِهَا بِمِنْجَلٍ وَنَحْوِهِ، وَكَأَنَّهُ مُوَلَّدٌ. قَالَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ، (وَتَلْقِيحٍ) - أَيْ: جَعْلِ طَلْعِ الْفُحَّالِ فِي طَلْعِ التَّمْرِ - (وَقَطْعِ حَشِيشٍ مُضِرٍّ) بِشَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ، وَقَطْعِ شَوْكٍ (وَشَجَرٍ) يَبِسَ، (وَآلَةِ قَطْعٍ) كَفَأْسٍ وَمِنْجَلٍ، (وَتَفْرِيقِ زِبْلٍ، وَ) تَفْرِيقِ (سِبَاخٍ) - وَهُوَ مَا يُجْمَعُ مِنْ الْأَزِقَّةِ مِنْ رَمَادٍ وَغَيْرِهِ - (وَنَقْلِ ثَمَرٍ وَ) نَقْلِ (زَرْعٍ لِيُبْدَرَ وَيَصْطَلِحَ وَحَصَادٍ وَدِيَاسٍ وَلَقَاطٍ) لِنَحْوِ قِثَّاءٍ وَبَاذِنْجَانٍ، (وَتَصْفِيَةِ) زَرْعٍ (وَتَجْفِيفِ ثَمَرَةٍ وَحِفْظِهَا) عَلَى الشَّجَرِ، وَحِفْظِ زَرْعٍ فِي الْجَرِينِ (إلَى قِسْمَةٍ وَإِصْلَاحِ حُفَرِ أُصُولِ نَخْلٍ) وَتُسَمَّى الْأَجَاجِينَ (يُجْمَعُ بِهَا الْمَاءُ) ، وَيَثْبُتُ عَلَى الْأُصُولِ، فَتُرْوَى وَتَنْمُو؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِيهِ صَلَاحُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَزِيَادَتُهُمَا. فَهُوَ لَازِمٌ لِلْعَامِلِ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى رَبِّ أَصْلٍ فِعْلُ مَا يَحْفَظُهُ) - أَيْ: الْأَصْلَ - (كَسَدِّ حَائِطٍ) وَتَحْصِيلِ سِيَاجٍ - وَهُوَ الشَّوْكُ - يُجْعَلُ عَلَى الْجُدُرِ لَيُحْفَظَ مِنْ الدُّخُولِ، (وَإِجْرَاءِ نَهْرٍ وَحَفْرِ بِئْرٍ وَثَمَنِ دُولَابٍ وَمَا يُدِيرُهُ) - أَيْ: الدُّولَابَ - مِنْ آلَةٍ وَبَهَائِمَ، (وَشِرَاءِ مَاءٍ وَشِرَاءِ مَا يُلَقَّحُ بِهِ) مِنْ طَلْعِ فُحَّالٍ وَيُسَمَّى الْكُثْرُ - بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِهَا - (وَتَحْصِيلِ زِبْلٍ وَسِبَاخٍ) ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ، فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. (وَعَلَيْهِمَا) أَيْ: الْعَامِلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 وَرَبُّ الْمَالِ - (بِقَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا جِذَاذًا) نَصًّا - أَيْ: قَطْعَ ثَمَرَةٍ - لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَدْرِ تَكَامُلِ الثَّمَرِ وَانْقِضَاءِ الْمُعَامَلَةِ. فَكَانَ عَلَيْهِمَا كَنَقْلِ الثَّمَرِ إلَى الْمَنْزِلِ، هَكَذَا عَلَّلُوهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ نَقْلَ الثَّمَرَةِ إلَى الْجَرِينِ وَالتَّشْمِيسَ وَالْحِفْظَ وَنَحْوَهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَى الْعَامِلِ مَعَ أَنَّهُ بَعْدَ الْجِذَاذِ. (وَيَصِحُّ شَرْطُهُ) - أَيْ: الْجِذَاذِ - (عَلَى عَامِلٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُخِلُّ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، فَصَحَّ كَتَأْجِيلِ الثَّمَنِ وَشَرْطِ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِي الْبَيْعِ، وَمَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ مِنْهُمَا نِصَابًا زَكَّاهَا. و (لَا) يَصِحُّ أَنْ يُشْتَرَطَ (عَلَى أَحَدِهِمَا مَا عَلَى الْآخَرِ) كُلُّهُ (أَوْ بَعْضُهُ، وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ (كَمُضَارَبَةٍ شُرِطَ فِيهَا الْعَمَلُ) كُلُّهُ (عَلَى مَالِكٍ) فَيُفْسِدُهَا. (وَيَتَّجِهُ وَلَا يُعَارِضُ) - أَيْ: قَوْلُهُ هُنَا كَمُضَارَبَةٍ إلَى آخِرِهِ - (مَا مَرَّ فِي الْمُضَارَبَةِ) . (وَإِنْ شُرِطَ فِيهِنَّ) - أَيْ الْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ (عَمَلُ مَالِكٍ) أَوْ عَمَلُ غُلَامِهِ (مَعَهُ) - أَيْ: الْعَامِلِ - بِأَنْ شُرِطَ أَنْ يُعِينَهُ فِي الْعَمَلِ؛ (صَحَّ) كَشَرْطِهِ عَلَيْهِ عَمَلَ بَهِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ شُرِطَ بِمُجَرَّدِ الْمَعُونَةِ، فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْعَقْدِ، وَهُنَا شَرَطَ عَلَيْهِ مَا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ، فَانْتَفَتْ الْمُعَارَضَةُ وَفَسَدَ الْعَقْدُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ شَرَطَ عَامِلٌ أَنْ أَجْرَ الْأَجِيرِ) الَّذِي (يَسْتَعِينُ بِهِ) يُؤْخَذُ، (مِنْ الْمَالِ) - أَيْ مِنْ ثَمَنِ الثَّمَرَةِ وَقَدَّرَ الْعَامِلُ الْأُجْرَةَ أَوْ لَمْ يُقَدِّرْهَا؛ (لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ؛ (كَمَا لَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ أَجْرَ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ) - أَيْ الْعَمَلَ (عَلَيْهِ) - فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ أَخْذِ عِوَضِهِ، (وَيُتَّبَعُ فِي الْكُلَفِ السُّلْطَانِيَّةِ) ؛ أَيْ: الَّتِي يَطْلُبُهَا السُّلْطَانُ (الْعُرْفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 فَمَا عُرِفَ أَخْذُهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ) - أَيْ الْمَالِكِ - فَيُؤْخَذُ (مِنْهُ، أَوْ) عُرِفَ أَخْذُهُ (مِنْ عَامِلٍ) ؛ فَهُوَ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ (مِنْهُ) ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ) جَرَى بَيْنَهُمَا، (فَيُتَّبَعُ) وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ؛ لِحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . (وَمَا طُلِبَ مِنْ قُرْبَةٍ مِنْ كُلَفٍ سُلْطَانِيَّةٍ فَعَلَى قَدْرِ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ وُضِعَ عَلَى الزَّرْعِ فَعَلَى رَبِّهِ، أَوْ وُضِعَ عَلَى الْعَقَارِ فَعَلَى رَبِّهِ، مَا لَمْ يُشْرَطْ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ، وَإِنْ وُضِعَ مُطْلَقًا فَالْعَادَةُ. قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ فِي الْمَظَالِمِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي تُطْلَبُ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ: إذَا طُلِبَ مِنْهُمْ شَيْءٌ؛ يُؤْخَذُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَرُءُوسِهِمْ، مِثْلُ الْكُلَفِ السُّلْطَانِيَّةِ الَّتِي تُوضَعُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، إمَّا عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، أَوْ عَلَى عَدَدِ دَوَابِّهِمْ، أَوْ عَدَدِ أَشْجَارِهِمْ، أَوْ عَلَى قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ فِي الشَّرْعِ، أَوْ أَكْثَرُ مِنْ الْخَرَاجِ الْوَاجِبِ، بِالشَّرْعِ، أَوْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْكُلَفُ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِي غَيْرِ الْأَجْنَاسِ الشَّرْعِيَّةِ، كَمَا وُضِعَ عَلَى الْمُتَبَايِعِينَ لِلطَّعَامِ وَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْفَاكِهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ وُضِعَ بِتَأْوِيلِ وُجُوبِ الْجِهَادِ عَلَيْهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَاحْتِيَاجِ الْجِهَادِ إلَى تِلْكَ الْأَمْوَالِ، كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ " غِيَاثِ الْأُمَمِ " وَغَيْرُهُ، مَعَ مَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الظُّلْمِ الَّذِي لَا مَسَاغَ لَهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَمِثْلُ مَا يُجْمَعُ لِبَعْضِ الْعَوَارِضِ كَقُدُومِ السُّلْطَانِ وَحُدُوثِ وَلَدٍ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تُرْمَى عَلَيْهِمْ سِلَعٌ تُبَاعُ مِنْهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ أَثْمَانِهَا، وَتُسَمَّى الْحَطَائِطَ، وَمِثْلُ الْقَوَافِلِ فَيُطْلَبُ مِنْهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ أَوْ دَوَابِّهِمْ أَوْ قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ يُطْلَبُ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ، فَهَؤُلَاءِ الْمُكْرَهُونَ عَلَى أَدَاءِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ عَلَيْهِمْ لُزُومُ الْعَدْلِ عَلَى مَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَظْلِمَ بَعْضًا فِيمَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ، بَلْ عَلَيْهِمْ الْتِزَامُ الْعَدْلِ فِيمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، كَمَا عَلَيْهِمْ الْتِزَامُ الْعَدْلِ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِحَقٍّ، فَإِنَّ هَذِهِ الْكُلَفَ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُمْ بِسَبَبِ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ حَالُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِذِ، فَقَدْ يَكُونُ آخِذًا بِحَقٍّ، وَقَدْ يَكُونُ آخِذًا بِبَاطِلٍ، وَأَمَّا الْمُطَالَبُونَ فَهَذِهِ كُلَفٌ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 بِسَبَبِ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ؛ فَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَظْلِمَ بَعْضًا فِي ذَلِكَ بَلْ الْعَدْلُ وَاجِبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَالظُّلْمُ لَا يُبَاحُ مِنْهُ بِحَالٍ، وَحِينَئِذٍ فَهَؤُلَاءِ الْمُشْتَرِكُونَ لَيْسَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَفْعَلَ مَا بِهِ ظُلْمُ غَيْرِهِ، بَلْ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ قِسْطَهُ، فَيَكُونُ عَادِلًا، وَإِمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ زَائِدًا عَلَى قِسْطِهِ، فَيُعِينُ شُرَكَاءَهُ فِيمَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ، فَيَكُونُ مُحْسِنًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ أَدَاءِ قِسْطِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ امْتِنَاعًا يُؤْخَذُ بِهِ قِسْطُهُ مِنْ سَائِرِ الشُّرَكَاءِ؛ فَيَتَضَاعَفُ الظُّلْمُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ يُؤْخَذُ لَا مَحَالَةَ، وَامْتَنَعَ بِجَاهٍ أَوْ رِشْوَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ كَانَ قَدْ ظَلَمَ مِنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِسْطُ الَّذِي يَخُصُّهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الظُّلْمَ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ مِثْلُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ أَدَاءِ مَا يَخُصُّهُ، فَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْأَدَاءُ وَاجِبًا عَلَى جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ، كُلٌّ يُؤَدِّي قِسْطَهُ الَّذِي يَنُوبُهُ؛ إذَا قُسِّمَ الْمَطْلُوبُ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، وَمَنْ أَدَّى غَيْرُهُ قِسْطَهُ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ، وَكَانَ مُحْسِنًا إلَيْهِ فِي الْأَدَاءِ عَنْهُ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا أَدَّاهُ عَنْهُ؛ كَمَا فِي الْمُقْرِضِ الْمُحْسِنِ، وَمَنْ غَابَ وَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى أَدَّى عَنْهُ الْحَاضِرُونَ؛ لَزِمَهُ قَدْرُ مَا أَدَّوْهُ عَنْهُ، وَمَنْ قَبَضَ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَأَدَّاهُ إلَى هَذَا الْمُؤَدِّي؛ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُلْزِمُ لَهُ بِالْأَدَاءِ هُوَ الظَّالِمُ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ، لِهَذَا لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِمَا أَدَّاهُ عَنْهُ؛ كَمَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْقَرْضِ، وَلَا شُبْهَةَ عَلَى الْآخِذِ فِي أَخْذِ بَدَلِ مَالِهِ. (وَالْخَرَاجُ) فِي الْأَرْضِ (الْخَرَاجِيَّةِ عَلَى رَبِّ مَالٍ، لَا) عَلَى (عَامِلٍ) ، لِأَنَّهُ عَلَى رَقَبَةِ الْأَرْضِ، أَثْمَرَتْ الشَّجَرَةُ أَوْ لَمْ تُثْمِرْ، وَلِأَنَّهُ أُجْرَةُ الْأَرْضِ، فَكَانَ عَلَى مَنْ هِيَ مِلْكُهُ، وَلَا يَجِبُ الْخَرَاجُ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ (عَلَى عَامِلٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا؛ (كَمَا لَوْ زَارَعَ) آخَرَ (عَلَى أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ) ؛ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ دُونَ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ، فَمَلَكَ الْمُزَارَعَةَ فِيهَا كَالْمَالِكِ، وَحُكْمُ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ كَمَالِكٍ فِي مُسَاقَاةٍ وَمُزَارَعَةٍ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي فِي نَاظِرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 570 الْوَقْفِ إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً. (وَ) حُكْمُ (عَامِلٍ) فِي مُسَاقَاةٍ وَمُزَارَعَةٍ (كَمُضَارِبٍ فِيمَا يُقْبَلُ) قَوْلُهُ فِيهِ (أَوْ يُرَدُّ قَوْلُهُ فِيهِ) ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَدْ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ ائْتَمَنَهُ دُونَ رَبِّ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِحَظِّ نَفْسِهِ، وَكَذَا إذَا اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِ مَا شُرِطَ لِعَامِلٍ مِنْ ثَمَرَةٍ أَوْ زَرْعٍ. (فَإِنْ خَانَ) عَامِلٌ فِي مُسَاقَاةٍ أَوْ مُزَارَعَةٍ (فَمُشْرِفٌ يَمْنَعُهُ) الْخِيَانَةَ، إنْ ثَبَتَتْ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ؛ فَيُضَمُّ إلَيْهِ مَنْ يَمْنَعُهُ؛ حِفْظًا لِلْمَالِ وَتَحْصِيلًا لِلْغَرَضَيْنِ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) مَنْعُهُ مِنْ الْخِيَانَةِ، بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ الْمُشْرِفَ حِفْظُ الْمَالِ؛ (فَعَامِلٌ) يُسْتَعْمَلُ (مَكَانَهُ) لِيَحْفَظَ الْمَالَ، (وَأُجْرَتُهُمَا) - أَيْ الْمُشْرِفِ وَالْعَامِلِ مَكَانَهُ - (مِنْهُ) - أَيْ الْخَائِنِ - لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ؛ (كَمَا لَوْ عَجَزَ) الْعَامِلُ (عَنْ عَمَلٍ) لِضَعْفِهِ مَعَ أَمَانَتِهِ، فَيُضَمُّ إلَيْهِ قَوِيٌّ أَمِينٌ، وَلَا تُنْزَعُ يَدُهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَلَا ضَرَرَ فِي بَقَاءِ يَدِهِ، فَإِنْ عَجَزَ الْعَامِلُ بِالْكُلِّيَّةِ أَقَامَ هُوَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ، وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَوْفِيَةَ الْعَمَلِ، وَهَذَا مِنْ تَوْفِيَتِهِ. (وَإِنْ اُتُّهِمَ) ؛ أَيْ: اتَّهَمَهُ رَبُّ الْمَالِ (بِخِيَانَةٍ؛ حَلَفَ) الْعَامِلُ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْمُدَّعِي، (وَلِمَالِكٍ) اتَّهَمَ عَامِلًا (ضَمُّ أَمِينٍ) إلَيْهِ (بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ) - أَيْ الْمَالِكِ - لِعَدَمِ ثُبُوتِ خِيَانَتِهِ. [فَرْعٌ الْحَصَاد وَالْجِذَاذ لَيْلًا] (فَرْعٌ: كُرِهَ حَصَادٌ وَجِذَاذٌ لَيْلًا) خَشْيَةَ الضَّرَرِ. (وَيَتَّجِهُ) كَرَاهَةُ الْحَصَادِ لَيْلًا (بِغَيْرِ حَاجَةٍ) ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ؛ فَلَا كَرَاهَةَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 571 [فَصْلٌ مايشُترِطَ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَة] (فَصْلٌ: وَشُرِطَ فِي) عَقْدِ (مُزَارَعَةٍ عِلْمُ جِنْسِ بَذْرٍ) كَشَجَرَةِ مُسَاقَاةٍ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ لَا يُخْتَلَفُ مَعَهَا، (وَ) عِلْمُ (قَدْرِهِ) - أَيْ الْبَذْرِ - لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ، فَلَمْ تَجُزْ عَلَى غَيْرِ مُقَدَّرٍ كَالْإِجَارَةِ، (وَكَوْنِهِ) - أَيْ الْبَذْرِ - (مِنْ رَبِّ أَرْضٍ) نَصًّا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَشْتَرِكُ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ فِي نَمَائِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا كَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُضَارَبَةِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لَكِنْ يَلْزَمُ هَذَا أَنْ يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْأَرْضِ بَذْرَهُ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ؛ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ. انْتَهَى. قَالَ الْفَتُوحِيُّ: قُلْتُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ إذَا اشْتَرَطَا ذَلِكَ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْبَذْرَ فِي حُكْمِ الْمَالِكِ؛ كَمَا لَوْ أَعْطَى إنْسَانٌ إنْسَانًا بَهِيمَةً لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ نَمَائِهَا، فَمَاتَتْ بِيَدِ الْعَامِلِ فِي الْعَمَلِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهَا، وَيَقْتَسِمَانِ مَا تَحَصَّلَ كَمَا شُرِطَ. فَلَوْ شُرِطَ أَنَّهَا إذَا مَاتَتْ يَسْتَوْفِي قِيمَتَهَا مِنْ الْمُتَحَصِّلِ، وَيَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ؛ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ. انْتَهَى. (وَلَوْ) كَانَ (عَامِلًا) عَلَى زَرْعٍ، (وَبَقَرُ الْعَمَلِ مِنْ الْآخَرِ) ؛ فَيَصِحُّ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ صَاحِبِ الْبَقَرِ، وَالْأَرْضُ وَالْبَذْرُ مِنْ الْآخَرِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هُنَا إلَّا بَعْضُ الْعَمَلِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ. (وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ بَذْرٍ مِنْ عَامِلٍ غَيْرِ رَبِّ أَرْضٍ) ، أَمَّا كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْهُ فَيَصِحُّ (أَوْ) كَوْنُ بَذْرٍ (مِنْهُمَا) مَعًا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 572 (وَلَا) كَوْنُ بَذْرٍ (مِنْ أَحَدِهِمَا) - أَيْ أَحَدِ الْمُزَارِعَيْنِ - سَوَاءٌ عَمِلَا عَلَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا (وَالْأَرْضُ لَهُمَا، أَوْ الْأَرْضُ وَالْعَمَلُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَذْرُ مِنْ آخَرَ، وَ) كَوْنُ أَرْضٍ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلِ مِنْ ثَانٍ وَ (الْبَذْرِ مِنْ ثَالِثٍ، أَوْ) كَوْنُ الْأَرْضِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلِ مِنْ ثَانٍ وَالْبَذْرِ مِنْ ثَالِثٍ (وَالْبَقَرِ مِنْ رَابِعٍ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ ، أَوْ كَوْنُ (الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ وَالْبَقَرِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْمَاءِ مِنْ آخَرَ) ؛ فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُزَارَعَةِ كَوْنُ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْعَمَلِ مِنْ الْآخَرِ، وَلَيْسَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ أَرْضٌ وَلَا عَمَلٌ، وَالْمَاءُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُسْتَأْجَرُ، فَلَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ بِهِ. (فَمَنْ دَفَعَ بَذْرَهُ لِرَبِّ أَرْضٍ لِيَزْرَعَهُ) رَبُّ الْأَرْضِ (فِيهَا، وَمَا خَرَجَ) مِنْ الْأَرْضِ (فَبَيْنَهُمَا) نِصْفَيْنِ؛ فَالْعَقْدُ (فَاسِدٌ) ؛ لِكَوْنِ الْبَذْرِ لَيْسَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَيَكُونُ الزَّرْعُ لِمَالِكِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ تَقَلَّبَ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ وَأُجْرَةُ الْعَمَلِ فِي الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ نَفْعَهُ وَنَفْعَ أَرْضِهِ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَرَجَعَ بِبَدَلِهِ. (أَوْ) دَفَعَ رَبُّ أَرْضٍ (أَرْضَهُ لِرَبِّ بَذْرٍ، وَقَالَ) رَبُّ الْأَرْضِ: (مَا زَرَعْت مِنْ شَيْءٍ فَلِي نِصْفُهُ) ، وَلَك الْبَاقِي؛ (لَمْ يَصِحَّ مُزَارَعَةً، بَلْ) يَصِحُّ (إجَارَةً) ، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ أَرْضٍ: أَجَرْتُك نِصْفَ أَرْضِي هَذِهِ بِنِصْفِ بَذْرِك وَنِصْفِ مَنْفَعَتِك وَمَنْفَعَةِ بَقَرِكَ وَآلَتِكَ، وَأَخْرَجَ الْمَزَارِعُ الْبَذْرَ كُلَّهُ مِنْهُ: لَمْ يَصِحَّ؛ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الْعَامِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ عِنْدِهِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ الْمَنْفَعَةَ أُجْرَةً لِأَرْضٍ أُخْرَى أَوْ دَارٍ؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِجَهَالَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَيَكُونُ الزَّرْعُ حِينَئِذٍ كُلُّهُ لِرَبِّ الْبَذْرِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ. وَإِنْ أَمْكَنَ عِلْمُ الْمَنْفَعَةِ وَضَبْطُهَا بِمَا لَا تَخْتَلِفُ مَعَهُ وَمَعْرِفَةُ الْبَذْرِ وَأُجْرَةِ نِصْفِ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَالْمَنْفَعَةِ؛ جَازَ، وَكَانَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ قَالَ: أَجَرْتُك نِصْفَ أَرْضِي بِنِصْفِ مَنْفَعَتِك وَمَنْفَعَةِ بَقَرِكَ وَآلَتِكَ؛ جَازَ إنْ أَمْكَنَ الضَّبْطُ، وَإِلَّا فَفَاسِدَةٌ، وَيَكُونُ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ فِي الصُّورَتَيْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 (وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ بَذْرٍ مِنْ رَبِّ أَرْضٍ، اخْتَارَهُ جَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَصَحَّحَهُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ الْقَيِّمِ وَصَاحِبُ " الْفَائِقِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ أَقْوَى دَلِيلًا. قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْمُزَارَعَةِ قَضِيَّةُ خَيْبَرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْبَذْرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. (وَإِنْ شَرَطَ) رَبُّ مَالٍ (لِعَامِلٍ نِصْفَ هَذَا النَّوْعِ) أَوْ الْجِنْسِ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، (وَرُبْعَ) النَّوْعِ أَوْ الْجِنْسِ (الْآخَرِ، وَجَهِلَ قَدْرَهُمَا) - أَيْ النَّوْعَيْنِ - بِأَنْ جَهِلَاهُمَا أَوْ جَهِلَ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مَا فِي الْبُسْتَانِ مِنْ النَّوْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الرُّبْعُ، وَأَقَلُّهُ مِنْ الْآخَرِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْعَكْسِ (أَوْ) شَرَطَ (إنْ سَقَى الْعَامِلُ سَيْحًا أَوْ زَرَعَ شَعِيرًا) ؛ فَلِعَامِلٍ (الرُّبْعُ؛ وَ) إنْ سَقَى (بِكُلْفَةٍ أَوْ) زَرَعَ (حِنْطَةً) ؛ فَلَهُ (النِّصْفُ) ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِجَهَالَةِ الْعَمَلِ وَالنَّصِيبِ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِعَشَرَةٍ صِحَاحٍ أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ مُكَسَّرَةً، وَكَذَا لَوْ قَالَ: مَا زَرَعْت مِنْ شَعِيرٍ فَلِي رُبْعُهُ، وَمَا زَرَعْت مِنْ حِنْطَةٍ فَلِي نِصْفُهَا، وَمَا زَرَعْت مِنْ ذُرَةٍ فَلِي ثُلُثُهَا؛ لِجَهَالَةِ الْمَزْرُوعِ. (أَوْ) قَالَ لَهُ: اعْمَلْ وَ (لَك الْخُمُسَانِ إنْ لَزِمَتْك خَسَارَةٌ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَلْزَمْكَ خَسَارَةُ ذَلِكَ (فَالرُّبْعُ) ؛ لَمْ يَصِحَّ نَصًّا، وَقَالَ: هَذَا شَرْطَانِ فِي شَرْطٍ، وَكَرِهَهُ، أَوْ (وَشَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ رَبُّ الْأَرْضِ مِثْلَ بَذْرِهِ) مِمَّا يَحْصُلُ، (وَيَقْتَسِمَا الْبَاقِيَ) ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِثْلُ الْبَذْرِ، فَيَخْتَصُّ بِهِ رَبُّهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ الْمُزَارَعَةِ؛ (كَمُضَارَبَةٍ) ؛ أَيْ: كَمَا لَوْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ الْمَالِ كَامِلًا، وَيَقْتَسِمَا الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقُصُ رَأْسُ الْمَالِ، فَيُكَلَّفُ الْعَامِلُ إلَى تَكْمِيلِهِ مِنْ عِنْدِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ الْمُضَارَبَةِ. (أَوْ) قَالَ رَبُّ بُسْتَانَيْنِ فَأَكْثَرَ: (سَاقَيْتُك هَذَا الْبُسْتَانَ بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ أُسَاقِيك) الْبُسْتَانَ (الْآخَرَ بِالرُّبْعِ؛ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَقْدًا فِي عَقْدٍ؛ فَهُوَ فِي مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعٍ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ (كَمَا لَوْ شَرَطَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 أَيْ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ - (لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا) مِنْ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ (أَوْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَخْرُجُ مَا يُسَاوِي تِلْكَ الدَّرَاهِمَ، أَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا (زَرْعَ نَاحِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ الْأَرْضِ (أَوْ) شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا (ثَمَرَ شَجَرِ) نَاحِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ (غَيْرَ الشَّجَرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ) . أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَزِيدُ مَا يَخْرُجُ عَلَى الْقُفْزَانِ الْمَشْرُوطَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ قَدْ لَا يَتَحَصَّلُ فِي النَّاحِيَةِ الْمُسَمَّاةِ أَوْ الْأُخْرَى بِشَيْءٍ، (أَوْ) شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا (ثَمَرَةَ سَنَةٍ غَيْرَ السَّنَةِ الْمُسَاقَى عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ يُخَالِفُ مَوْضُوعَ الْمُسَاقَاةِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا مَا عَلَى السَّوَاقِي أَوْ الْجَدَاوِلِ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ نَصِيبِهِ. (وَحَيْثُ فَسَدَتْ) الْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ؛ (فَالزَّرْعُ) فِي الْمُزَارَعَةِ لِرَبِّ الْبَذْرِ (أَوْ الثَّمَرُ) إذَا فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ (لِرَبِّهِ) - أَيْ الشَّجَرِ - لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ يَنْقَلِبُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَيَنْمُو كَالْبَيْضَةِ تُحْضَنُ فَتَصِيرُ فَرْخًا. (وَعَلَيْهِ) - أَيْ رَبِّ الْبَذْرِ وَالشَّجَرِ - (أُجْرَةُ مِثْلِ عَامِلٍ) ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَنَافِعَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَرَجَعَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ (وَإِنْ كَانَ رَبُّ بَذْرٍ عَامِلًا فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ) ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا فَالزَّرْعُ لَهُمَا، وَيَتَرَاجَعَانِ بِمَا يَفْضُلُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا نَصِيبُ الْعَامِلِ، وَأَجْرُ الْعَامِلِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ. (وَمَنْ زَارَعَ أَوْ آجَرَ) شَخْصًا (أَرْضًا وَسَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ بِهَا؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ يَجُوزُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا) ، فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ (كَجَمْعٍ بَيْنَ إجَارَةٍ وَبَيْعٍ) فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ فَيَصِحُّ سَوَاءٌ قَلَّ بَيَاضُ الْأَرْضِ أَوْ كَثُرَ نَصًّا. فَلَوْ جَعَلَ رَبُّ الشَّجَرِ لِلْعَامِلِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ؛ جَازَ، أَوْ جَعَلَ الْجُزْءَ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ لِنَفْسِهِ، وَالْبَاقِيَ لِلْعَامِلِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا؛ (مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً عَلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ وُجُودِهَا، أَوْ) قَبْلَ (بُدُوِّ صَلَاحِهَا) ، فَإِنْ كَانَ حِيلَةً؛ (كَأَنْ يُؤَجِّرَ الْأَرْضَ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهَا، وَيُسَاقِيهِ عَلَى الشَّجَرِ بِجُزْءٍ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ؛ فَيَحْرُمُ ذَلِكَ، وَلَا يَصِحَّانِ) - أَيْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ - قَالَ " الْمُنَقِّحُ ": قِيَاسُ الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 575 عَقْدِ الْحِيلَةِ مُطْلَقًا (سَوَاءٌ جَمَعَ بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ) - أَيْ الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ - (أَوْ عَقَدَ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ) ، فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ الْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنْ الشَّجَرِ، سَوَاءٌ قِيلَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ أَوْ فَسَادِهِ، وَسَوَاءٌ قَطَعَهُ الْمَالِكُ أَوْ غَيْرُهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ: مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ أُجْرَةِ الْأَرْضِ شَيْءٌ إذَا قُلْنَا بِصِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَفُتْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَأَمَّا إذَا فَسَدَتْ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ، وَيَرُدُّ الثَّمَرَةَ وَمَا أَخَذَهُ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فِيهِ نَظَرٌ، وَعِبَارَتُهُ مَعَ شَرْحِهِ: وَمَعَهَا؛ أَيْ: الْحِيلَةِ، إنْ جَمَعَهُمَا؛ أَيْ: الْعَاقِدُ الْإِجَارَةَ وَالْمُسَاقَاةَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَتَفْرِيقُ صَفْقَةٍ، فَيَصِحُّ فِي الْإِجَارَةِ، وَيَبْطُلُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَلِمُسْتَأْجَرٍ فَسْخُ الْإِجَارَةِ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي إبْطَالِ الْحِيَلِ جَوَازَ جَمْعِ الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ - أَيْ عَمَلُ الْحُكَّامِ فِي بِلَادِ الشَّامِ - قَالَ فِي " الْفَائِقِ ": وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي، فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ فَقَطْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ". (وَمَا أَخَذَهُ مُسْتَأْجِرٌ) جَمَعَ بَيْنَ عَقْدَيْ الْإِجَارَةُ وَالْمُسَاقَاةِ (مِنْ ثَمَرَةٍ) مِنْ الشَّجَرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ، (أَوْ تَلِفَ) الثَّمَرُ تَحْتَ يَدِهِ؛ (فَمِنْ ضَمَانِهِ) - أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ - لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَهَذَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ. (فُرُوعٌ: يُبَاحُ) لِكُلِّ إنْسَانٍ (الْتِقَاطُ مَا تَرَكَهُ حَصَادَ) رَغْبَةً عَنْهُ (مِنْ سُنْبُلِ وَحَبٍّ وَغَيْرِهِمَا) بِلَا خِلَافٍ؛ لِجَرَيَانِ ذَلِكَ مَجْرَى نَبْذِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّرْكِ لَهُ، (وَيَحْرُمُ مَنْعُهُ) . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": لِأَنَّهُ مَنْعٌ مِنْ مُبَاحٍ (عَلَى غَيْرِ مَالِكٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 576 يُرِيدُهُ) ، أَمَّا إذَا أَرَادَهُ الْمَالِكُ؛ فَلَهُ مَنْعُ مُلْتَقِطِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدْ بَدَا لَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ بَعْدَ إعْرَاضِهِ عَنْهُ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ. (وَإِذَا غُصِبَ زَرْعُ إنْسَانٍ [وَحَصَدَهُ] ) الْغَاصِبُ؛ (أُبِيحَ لِلْفُقَرَاءِ الْتِقَاطُ السُّنْبُلِ) الْمُتَسَاقِطِ؛ (كَمَا لَوْ حَصَدَهَا الْمَالِكُ، وَكَمَا يُبَاحُ رَعْيُ كَلَأِ أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ) ، وَاسْتُشْكِلَ؛ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. (وَمَنْ سَقَطَ حَبُّهُ مِنْهُ وَقْتَ حَصَادٍ، فَنَبَتَ بِعَامٍ قَابِلٍ؛ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ نَصًّا) . وَلَوْ آجَرَ أَرْضُهُ لِآخَرَ سَنَةً لِيَزْرَعَهَا، فَزَرَعَهَا، فَلَمْ يَنْبُتْ الزَّرْعُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، ثُمَّ نَبَتَ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى؛ فَهُوَ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِرَبِّ الْأَرْضِ مُدَّةَ احْتِبَاسِهَا، فَيَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى لِلسَّنَةِ الْأُولَى، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مُطَالَبَتُهُ بِقَلْعِهِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ بِحَقٍّ وَتَأَخُّرُهُ لَيْسَ بِتَقْصِيرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ السَّاقِطَ الَّذِي نَبَتَ بِعَامٍ قَابِلٍ؛ (لَا) يَكُونُ مِلْكًا لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلَا غَيْرِهِ، (بَلْ) حُكْمُهُ كَحُكْمِ (كَلَأٍ) وَشَوْكٍ نَبَتَ فِي أَرْضِهِ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَرْضَ الدُّخُولُ إلَى أَرْضِهِ لِأَخْذِ ذَلِكَ مِنْهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَوْلَا قُوَّةُ النَّصِّ الْمُعَارِضِ لَهُ (مَالِكًا كَانَ) رَبُّ الْأَرْضِ (أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا) ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَبِّ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ الْتِقَاطُهُ؛ كَمَا لَوْ سَقَطَ النَّوَى فَنَبَتَ شَجَرًا. وَقَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِيَجْعَلَ فِيهَا شَوْكًا أَوْ دَوَابَّ، فَتَنَاثَرَ فِيهَا حَبٌّ أَوْ نَوًى؛ فَهُوَ لِلْمُسْتَعِيرِ، وَلِلْمُعِيرِ إجْبَارُهُ عَلَى قَلْعِهِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ لِنَصِّ أَحْمَدَ عَلَى ذَلِكَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 577 الْغَاصِبِ. (وَكَذَا نَصَّ) الْإِمَامُ أَحْمَدَ (فِيمَنْ بَاعَ قَصِيلًا، فَحَصَدَ وَبَقِيَ يَسِيرٌ، فَصَارَ سُنْبُلًا) ؛ فَهُوَ (لِرَبِّ الْأَرْضِ) نَصًّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَنْبَغِي) ؛ أَيْ: لَا يَجُوزُ (أَنْ يَدْخُلَ) إنْسَانٌ (مَزْرَعَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ لِغَيْرِ كَلَأٍ، وَلَا شَوْكٍ، وَالْمُرَادُ وَلَا ضَرَرَ) بِدُخُولِ مُرِيدِهِمَا، (وَلَمْ تُحَوَّطْ) الْأَرْضُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُحَوَّطَةً، أَوْ كَانَ يَتَضَرَّرُ الْمَالِكُ بِالدُّخُولِ إلَى أَرْضِهِ لِعِزَّةِ وُجُودِ الْكَلَأِ وَالشَّوْكِ، وَدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. (وَحَرُمَ أَنْ يُشْرَطَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (عَلَى الْفَلَّاحِ شَيْءٌ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ مَأْكُولٍ - مِنْ دَجَاجٍ وَحَطَبٍ وَغَيْرِهِمَا (مِمَّا يُسَمَّى خِدْمَةً) ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ ذَلِكَ بِشَرْطٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُكَافَأَتَهُ، أَوْ الِاحْتِسَابَ بِهِ مِنْ أُجْرَةِ الْأَرْضِ، أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِهِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَرْضَهُ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَرْضِ. (تَنْبِيهٌ) : حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَالْحَصَادُ وَالدِّيَاسُ وَتَصْفِيَةُ الْحَبِّ مِنْ التِّبْنِ وَاللَّقَاطُ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ، وَلِقِصَّةِ خَيْبَرَ. [فَائِدَةٌ إجَارَةُ أَرْضٍ وَشَجَرَةٌ فِيهَا لِأَجْلِ حَمْلِ الشَّجَرَةِ] فَائِدَةٌ: لَا تَصِحُّ إجَارَةُ أَرْضٍ وَشَجَرَةٌ فِيهَا؛ لِأَجْلِ حَمْلِ الشَّجَرَةِ وَهُوَ ثَمَرُهَا وَوَرَقُهَا وَنَحْوُهُ. حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ إجْمَاعًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 578 [بَابُ الْإِجَارَةِ] الْإِجَارَةُ: مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَجْرِ وَهُوَ الْعِوَضُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الثَّوَابُ أَجْرًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَوِّضُ الْعَبْدَ بِهِ عَلَى طَاعَتِهِ أَوْ صَبْرِهِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وقَوْله تَعَالَى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص: 26] وقَوْله تَعَالَى: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77] وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي خَبَرِ الْهِجْرَةِ قَالَتْ: «وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا» وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ مُوسَى آجَرَ نَفْسَهُ ثَمَانِيَ سِنِينَ أَوْ عَشْرًا عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ وَطَعَامِ بَطْنِهِ» . وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَجِيرًا لِابْنَةِ غَزْوَانٍ بِطَعَامِ بَطْنِي وَعُقْبَةِ رِجْلِي، أَحْطِبُ لَهُمْ إذَا نَزَلُوا وَأَحْدُو بِهِمْ إذَا رَكِبُوا. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَابْنِ مَاجَهْ. وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا؛ إذْ كُلُّ إنْسَانٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى عَقَارٍ يَسْكُنُهُ، وَلَا عَلَى حَيَوَانٍ يَرْكَبُهُ، وَلَا عَلَى صَنْعَةٍ يَعْمَلُهَا، وَأَرْبَابُ ذَلِكَ لَا يَبْذُلُونَهُ مَجَّانًا؛ فَجُوِّزَتْ طَلَبًا لِلرِّفْقِ. وَهِيَ لُغَةً: الْمُجَازَاةُ يُقَالُ: آجَرَهُ عَلَى عَمَلِهِ إذَا جَازَاهُ عَلَيْهِ. وَشَرْعًا (عَقْدٌ وَيَتَّجِهُ مُنَجَّزًا) . وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (عَلَى مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ) ، لَا مُحَرَّمَةٍ؛ كَزِنًا وَزَمْرٍ (مَعْلُومَةٍ) ، لَا مَجْهُولَةٍ تُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَهِيَ ضَرْبَانِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 579 أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: (مُدَّةً مَعْلُومَةً) ؛ كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ (مِنْ عَيْنٍ) مَعْلُومَةٍ (مُعَيَّنَةٍ) ؛ كَآجَرْتُكِ هَذَا الْبَعِيرَ (أَوْ) مِنْ عَيْنٍ (مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ) ؛ كَآجَرْتُكِ بَعِيرًا صِفَتُهُ كَذَا، وَيَسْتَقْصِي صِفَتَهُ. وَأَشَارَ إلَى الضَّرْبِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (أَوْ) عَلَى (عَمَلٍ مَعْلُومٍ) ؛ كَحَمْلِهِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا (لَا يَخْتَصُّ فِعْلُهُ بِمُسْلِمٍ) ؛ أَيْ: بِأَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، بِخِلَافِ مَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْكَافِرِ لِفِعْلِهِ؛ كَنِيَابَةِ الْحَجِّ وَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ) رَاجِعٌ لِلضَّرْبَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ لَا الْعَيْنُ، خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرُّوذِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ هِيَ الَّتِي تُسْتَوْفَى وَالْأَجْرُ فِي مُقَابَلَتِهَا، وَلِذَا تُضْمَنُ دُونَ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَى الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مَحِلُّ الْمَنْفَعَةِ وَمُنْشَؤُهَا؛ كَمَا يُضَافُ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ إلَى الْبُسْتَانِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الثَّمَرَةُ، وَالِانْتِفَاعُ تَابِعٌ ضَرُورَةً إذْ الْمَنْفَعَةُ لَا تُوجَدُ عَادَةً إلَّا عَقِبَهُ. (وَالِانْتِفَاعُ) مِنْ قِبَلِ مُسْتَأْجِرٍ (تَابِعٌ) لِلْمَنْفَعَةِ الَّتِي وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا. (وَيُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ الْمُدَّةِ) فِي أَحَدِ ضَرْبَيْ الْإِجَارَةِ (صُورَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي الصُّلْحِ) ، وَهِيَ مَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَجْرِي عَلَى أَرْضِهِ أَوْ سَطْحِهِ مَاءً مَعْلُومًا، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ؛ لِلْحَاجَةِ؛ كَالنِّكَاحِ. (وَ) يُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ الْمُدَّةِ أَيْضًا (مَا فَعَلَهُ) الْإِمَامُ (عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا فَتَحَ) مِنْ الْأَرْضِ عَنْوَةً، (وَلَمْ يُقَسِّمْ) بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَأَرْضِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَإِنَّهُ وَقَفَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَقَرَّهَا فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَمْ يُقَدِّرْ مَدَّتْهَا؛ لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا. (وَيَتَّجِهُ عَلَى الصَّحِيحِ عَدَمُ اسْتِثْنَاءِ فِعْلِ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ (لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إجَارَةً لَلَزِمَ الرُّجُوعُ فِي الْخَرَاجِ لِمَا قَدَّرَهُ عُمَرُ) . أَقُولُ: فِي هَذَا الِاتِّجَاهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 580 نَظَرٌ؛ إذْ مَحِلُّ الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ عُمَرَ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السَّبَبُ، أَمَّا إذَا تَغَيَّرَ السَّبَبُ؛ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَيُعْمَلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِمَا تَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَغَيَّرُ بِحَسَبِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. (وَهِيَ) - أَيْ: الْإِجَارَةُ - (وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْعَرَايَا وَالشُّفْعَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالسَّلَمُ وَالْجِعَالَةُ مِنْ الرُّخَصِ الْمُسْتَقَرِّ حُكْمُهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ) ؛ لِمَا فِي الشُّفْعَةِ مِنْ انْتِزَاعِ مِلْكِ إنْسَانٍ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلِمَا فِي الْكِتَابَةِ مِنْ اتِّحَادِ الْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعِ، وَلِمَا فِي الْبَاقِي مِنْ الْغَرَرِ، فَالْغَرَرُ فِي الْإِجَارَةِ؛ لِكَوْنِهَا عَقْدًا عَلَى مَنْفَعَةٍ لَمْ تُخْلَقْ، وَفِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ؛ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْعَقْدُ فِيهَا عَلَى الِانْتِفَاعِ بِالْعَامِلِ بِعِوَضٍ لَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ حَالَ الْعَقْدِ؛ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَوْجُودٍ، وَفِي الْعَرَايَا لِكَوْنِ الْبَيْعِ بِالْخَرْصِ: وَهُوَ مِنْ الْحِرْزِ وَالتَّخْمِينِ؛ فَهُوَ مَظِنَّةٌ، وَفِي السَّلَمِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يُعْلَمُ أَيُوجَدُ الْمُسَلَّمُ فِيهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ لَا؟ وَفِي الْجِعَالَةِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يُعْلَمُ أَيُتَمَّمُ مَا جُوعِلَ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ (وَالْأَصَحُّ لَا) ؛ أَيْ: لَيْسَ حُكْمُهَا مُسْتَقِرًّا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، بَلْ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ. قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": وَالْأَصَحُّ عَلَى وَفْقِهِ، وَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ " عَنْ الْإِجَارَةِ: وَقَدْ قِيلَ: هِيَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْأَصَحُّ لَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُخَصِّصْ الْعِلَّةَ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُ مُخَالَفَةُ قِيَاسٍ صَحِيحٍ، وَمَنْ خَصَّصَهَا، فَإِنَّمَا يَكُونُ الشَّيْءُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ مَوْجُودًا فِيهِ، وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهُ. (وَتَنْعَقِدُ) الْإِجَارَةُ (بِلَفْظِ إجَارَةٍ وَ) لَفْظِ (كَرْيٍ) ؛ كَآجَرْتُكِ وَاسْتَكْرَيْتُكَ، وَاسْتَأْجَرْتُ وَاكْتَرَيْتُ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ مَوْضُوعَانِ لَهَا، وَتَنْعَقِدُ (بِمَا بِمَعْنَاهُمَا) ؛ كَأَعْطَيْتُكَ نَفْعَ هَذِهِ الدَّارِ، وَمَلَّكْتُكَهُ سَنَةً بِكَذَا؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 581 لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَكَذَا لَوْ أَضَافَهُ إلَى الْعَيْنِ؛ كَأَعْطَيْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً بِكَذَا. (وَ) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ (بِلَفْظِ بَيْعٍ إنْ لَمْ يُضِفْ الْعَيْنَ) ، نَحْوَ قَوْلِهِ: بِعْتُكَ نَفْعَ دَارِي شَهْرًا بِكَذَا، أَوْ بِعْتُكَ سُكْنَاهَا وَنَحْوَهُ؛ (كَبِعْتُكَ نَفْعَهَا عَامًا) أَوْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَانْعَقَدَتْ بِلَفْظِهِ؛ كَالصَّرْفِ، وَالْمَنَافِعُ كَالْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا، وَتُضْمَنُ بِالْيَدِ وَالْإِتْلَافِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ عَرَفَا الْمَقْصُودَ انْعَقَدَتْ بِأَيِّ لَفْظٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي عَرَفَ بِهَا الْمُتَعَاقِدَانِ مَقْصُودَهُمَا، وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحُدَّ حَدًّا لِأَلْفَاظِ الْعُقُودِ، بَلْ ذَكَرهَا مُطْلَقَةً، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " وَصَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَالنَّظْمِ " وَمَعْنَاهُ فِي " التَّلْخِيصِ " قَالَ: مُضَافًا إلَى النَّفْعِ كَبِعْتُكَ نَفْعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ كَ بِعْتُكَهَا شَهْرًا. (وَيَتَّجِهُ وَ) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَتَنْعَقِدُ (بِمُعَاطَاةٍ) ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ شُرُوطُ الْإِجَارَةِ] (فَصْلٌ: وَشُرُوطُهَا) - أَيْ الْإِجَارَةُ - (ثَلَاثَةٌ) . أَحَدُهَا: (مَعْرِفَةُ مَنْفَعَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهَا كَالْمَبِيعِ. وَمَعْرِفَتُهَا (إمَّا بِعُرْفٍ) وَهُوَ مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ (كَسُكْنَى دَارٍ شَهْرًا) ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى مُتَعَارَفَةٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَالتَّفَاوُتُ فِيهَا يَسِيرٌ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ضَبْطِهِ، (وَخِدْمَةُ آدَمِيٍّ سَنَةً) ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ أَيْضًا مَعْلُومَةٌ بِالْعُرْفِ، (وَإِنْ لَمْ يَضْبِطَا) - أَيْ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةَ - (عَمَلًا بِالْعُرْفِ) ، فَلَا يَحْتَاجَانِ لِضَبْطٍ، فَيَسْكُنُ فِي الدَّارِ كَالْعَادَةِ، وَيَخْدُمُهُ نَهَارًا وَمِنْ اللَّيْلِ مَا يَكُونُ مِنْ خِدْمَةِ أَوْسَاطِ النَّاسِ. (وَ) قَالَ فِي " النَّوَادِرِ " وَالرِّعَايَةِ " إنْ اسْتَأْجَرَهُ شَهْرًا يَخْدُمُ لَيْلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 582 وَنَهَارًا، وَالْمُرَادُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ اللَّيْلِ. قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ ": يَخْدُمُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا، وَبِاللَّيْلِ مَا يَكُونُ مِنْ خِدْمَةِ أَوْسَاطِ النَّاسِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": (يَجِبُ ذِكْرُ صِفَةِ سُكْنَى وَذِكْرُ عَدَدِ مَنْ يَسْكُنُ وَصِفَتُهُمْ، وَبَيَانُ الْخِدْمَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا) إنْ اخْتَلَفَتْ الْأُجْرَةُ، وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُمَا عُرْفٌ أَغْنَى عَنْ تَعْيِينِ النَّفْعِ وَتَعْيِينِ الصِّفَةِ، وَيَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إلَى الْعُرْفِ؛ لِتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ، فَإِذَا كَانَ عُرْفُ الدَّارِ السُّكْنَى، وَاكْتَرَاهَا فَلَهُ السُّكْنَى عَلَى مَا يَأْتِي، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلدَّارِ عُرْفٌ وَاكْتَرَاهَا لِلسُّكْنَى؛ فَلَهُ السُّكْنَى، وَلَهُ وَضْعُ مَتَاعِهِ فِيهَا، وَيَتْرُكُ فِيهَا الطَّعَامَ مَا جَرَتْ عَادَةُ الْمَسَاكِنِ بِهِ، وَيَأْتِي، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَيَسْتَحِقُّ مَاءَ الدَّارِ تَبَعًا لِلدَّارِ فِي الْأَصَحِّ، (أَوْ) أَيْ: وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَنْفَعَةِ (بِوَصْفٍ كَحَمْلِ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَزْنُهَا كَذَا لِمَحَلِّ كَذَا) ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَزْنِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يُحْمَلُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ إنَّمَا تُعْرَفُ بِذَلِكَ، فَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَحْمُولٍ. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ كِتَابًا لِشَخْصٍ [فَوَجَدَهُ] مَيِّتًا، فَفِي " الرِّعَايَةِ ") وَهُوَ ظَاهِرُ التَّرْغِيبِ " (لَهُ الْمُسَمَّى فَقَطْ) يَعْنِي دُونَ أُجْرَةِ الرَّدِّ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ، وَإِنْ وَجَدَ الْأَجِيرَ الْمَحْمُولَ إلَيْهِ (غَائِبًا) - وَلَا وَكِيلَ لَهُ - (فَسَدَتْ) الْإِجَارَةُ؛ (لِجَهَالَةِ مَوْضِعِهِ، وَلَهُ) - أَيْ الْأَجِيرِ - (أُجْرَةُ مِثْلِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا دُونَ الْمُسَمَّى) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْفَائِقِ " وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي " النَّظْمِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الذَّهَابِ لَمْ يَجِدْ صَاحِبَهُ، وَلَيْسَ سِوَى رَدِّهِ إلَّا تَضْيِيعُهُ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى تَضْيِيعَهُ، فَتَعَيَّنَ رَدُّهُ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْمَيِّتِ، بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ، فَكَانَ الْبَاعِثُ مُفْرِطًا بِعَدَمِ الِاحْتِيَاطِ، وَلَفْظُ هَذَا الِاتِّجَاهِ مَوْجُودٌ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ، وَفِي بَعْضِهَا سَاقِطٌ الصَّوَابُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ، لَا اتِّجَاهٌ؛ لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 583 (أَوْ بِنَاءُ حَائِطٍ يَذْكُرُ طُولَهُ) - أَيْ الْحَائِطِ - (وَعَرْضَهُ وَيَذْكُرُ سَمْكَهُ) - بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْمِيمِ أَيْ ثَخَانَتَهُ - وَهُوَ فِي الْحَائِطِ بِمَنْزِلَةِ الْعُمْقِ فِي غَيْرِ الْمُنْتَصِبِ. ذَكَرَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ " (وَ) يَذْكُرُ (آلَتَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، وَالْعُرْفُ يَخْتَلِفُ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِهِ، فَيَقُولُ (مِنْ طِينٍ وَلَبِنٍ وَآجُرٍّ وَشِيدٍ) - أَيْ جِيرٍ - وَغَيْرِ ذَلِكَ كَالْجِصِّ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْمَنْفَعَةِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، وَالْغَرَضُ يَخْتَلِفُ فَلَمْ يَكُنْ [بُدٌّ] مِنْ ذِكْرِهِ؛ (وَيُبَيِّنُ مَوْضِعَهُ) - أَيْ الْحَائِطِ -؛ (لِاخْتِلَافِهِ) - أَيْ الْمَوْضِعِ - (بِقُرْبِ مَاءٍ) وَبُعْدِهِ (وَسُهُولَةِ) حَفْرِ (تُرَابٍ) وَحُزُونَتِهِ. (وَإِنْ) اسْتَأْجَرَهُ لِيَبْنِيَ لَهُ مَا ذَكَرَ، أَوْ لِيَبْنِيَ لَهُ مِنْ زَمَنٍ مَعْلُومٍ كَيَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ، فَبَنَاهُ الْأَجِيرُ، ثُمَّ (سَقَطَ مَا بَنَاهُ) ، فَقَدْ وَفَّى مَا عَلَيْهِ، وَحَيْثُ عَمِلَ مَا اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِهِ؛ (فَلَهُ الْأُجْرَةُ) كَامِلَةً؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَائِطِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ هَذَا (إنْ لَمْ يُفَرِّطْ) ، فَأَمَّا إنْ كَانَ سُقُوطُهُ مِنْ جِهَتِهِ (كَبِنَائِهِ مَحْلُولًا أَوْ نَحْوَهُ) كَأَنْ بَنَاهُ مَائِلًا، فَسَقَطَ؛ (وَجَبَ إعَادَتُهُ، وَ) عَلَيْهِ (غُرْمُ مَا تَلِفَ) بِهِ؛ لِتَفْرِيطِهِ. ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ (لِبِنَاءِ أَذْرُعٍ) مَعْلُومَةٍ، (فَبَنَى بَعْضَهَا، ثُمَّ سَقَطَ) عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ؛ (فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ) - أَيْ السَّاقِطِ -، (وَ) عَلَيْهِ (إتْمَامُ) مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ (الْإِجَارَةُ) مِنْ الذَّرْعِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفِّ بِالْعَمَلِ، وَعَلَيْهِ غُرْمُ مَا تَلِفَ إنْ فَرَّطَ. وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِتَطْيِينِ الْأَرْضِ وَالسُّطُوحِ وَالْحِيطَانِ وَلِتَجْصِيصِهَا وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَيُقَدَّرُ بِالزَّمَنِ، ولَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى ذَلِكَ إذَا قَدَرَ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ؛ بِأَنْ يَقُولَ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَطْيِينِ هَذَا الْحَائِطِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 584 أَوْ تَجْصِيصِهِ؛ لِأَنَّ الطِّينَ أَوْ الْجِصَّ يَخْتَلِفُ فِي الرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ مِنْهَا الْعَالِي وَالنَّازِلُ، وَكَذَلِكَ الْحِيطَانُ وَالسَّطْحُ مِنْهَا الْعَالِي وَالنَّازِلُ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِئْجَارُ لِذَلِكَ إلَّا عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ. (وَ) إنْ اسْتَأْجَرَ (لِضَرْبِ لَبِنٍ ذَكَرَ عَدَدَهُ وَقَالِبَهُ وَمَوْضِعَ الضَّرْبِ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ التَّرْكِيبِ وَالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَالِبٌ مَعْرُوفٌ جَازَ؛ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ، وَلَا يَكْتَفِي بِمُشَاهَدَةِ الْقَالِبِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ كَالسُّلَّمِ، (وَلَا يَلْزَمُهُ) - أَيْ الْأَجِيرَ - (إقَامَتُهُ) - أَيْ اللَّبِنِ - (لِيَجِفَّ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اُسْتُؤْجِرَ لِلضَّرْبِ، لَا لِلْإِقَامَةِ (مَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ) أَوْ شَرْطٌ، فَيُعْمَلُ بِهِ، (وَكَذَا) - أَيْ وَمِثْلُ إقَامَةِ اللَّبِنِ - (إخْرَاجُ آجُرّ مِنْ تَنُّورٍ اُسْتُؤْجِرَ لِشَيِّهِ) ، فَلَا يَلْزَمُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَوْ شَرْطٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) إنْ اُسْتُؤْجِرَ (لِحَفْرِ قَبْرٍ لَزِمَهُ رَدُّ تُرَابِهِ) - أَيْ الْقَبْرِ - (عَلَى مَيِّتٍ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ، وَلَا) يَلْزَمُهُ (تَطْيِينُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفَ. (وَلَا بَأْسَ لِمُسْلِمٍ بِحَفْرِ قَبْرٍ لِذِمِّيٍّ) ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ، (وَكُرِهَ إنْ كَانَ) أَيْ الْقَبْرُ - (نَارُوسًا) هُوَ حَجَرٌ يُحْفَرُ، وَيُجْعَلُ، فِيهِ الْمَيِّتُ. وَكَمَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آدَمِيٍّ لِحَفْرٍ تَصِحُّ إجَارَةُ (أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ بِرُؤْيَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ (لِزَرْعٍ) أَوْ شَعِيرٍ أَوْ قُطْنٍ وَنَحْوِهَا (أَوْ غَرْسٍ) مَعْلُومٍ؛ كَنَخْلٍ وَجَوْزٍ وَمِشْمِشٍ وَنَحْوِهَا، (أَوْ بِنَاءٍ مَعْلُومٍ) كَدَارٍ وَصَفَهَا (أَوْ لِزَرْعِ) مَا شَاءَ (أَوْ لِغَرْسِ مَا شَاءَ) أَوْ لِبِنَاءِ مَا شَاءَ؛ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِأَكْثَرِ الزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ ضَرَرًا، (أَوْ لِزَرْعٍ وَغَرْسٍ مَا شَاءَ) ؛ وَلِغَرْسٍ وَبِنَاءٍ مَا شَاءَ، أَوْ لِزَرْعٍ وَغَرْسٍ وَبِنَاءٍ مَا شَاءَ، (أَوْ لِزَرْعٍ) وَيَسْكُتُ، (أَوْ لِغَرْسٍ وَيَسْكُتُ) ، أَوْ لِبِنَاءٍ، وَيَسْكُتُ، وَلَهُ فِي الْأُولَى زَرْعُ مَا شَاءَ، وَفِي الثَّانِيَةِ غَرْسُ مَا شَاءَ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِنَاءُ مَا شَاءَ؛ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا لِأَكْثَرِ ذَلِكَ ضَرَرًا، (أَوْ) يَقُولُ أَجَّرْتُك الْأَرْضَ، و (يُطْلِقُ، وَ) هِيَ (تَصْلُحُ لِلْجَمِيعِ) - أَيْ لِلزَّرْعِ وَغَيْرِهِ - فَتَصِحُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 585 الْإِجَارَةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِلْعِلْمِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ تَخْصِيصِ الْإِجَارَةِ بِنَوْعٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ (إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ) تَمْنَعُ الْعُمُومَ، و (تَقْتَضِي تَخْصِيصَ أَحَدِهَا) - أَيْ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ - فَمَتَى وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَحَدِهَا تَعَيَّنَ فِعْلُهُ، وَامْتَنَعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مُسْتَحْسَنٌ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ: (إنْ قَالَ) الْمُؤَجِّرُ: (انْتَفِعْ بِهَا) - أَيْ الْأَرْضِ - (بِمَا شِئْت فَلَهُ زَرْعٌ وَغَرْسٌ وَبِنَاءٌ) . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَزْرَعَ أَوْ يَغْرِسَ لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ، (لِعَدَمِ التَّعْيِينِ) ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. (وَمَنْ أَجَّرَهُ لِيَزْرَعَ، وَشَرَطَ) إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ (لِرُكُوبٍ) ذَكَرَ الْمَوْضِعَ الْمَرْكُوبَ إلَيْهِ و (مَعْرِفَةِ رَاكِبٍ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ) كَمَبِيعٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالطُّولِ وَالسِّمَنِ وَضِدِّهِمَا، (وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا (مَعْرِفَةُ تَوَابِعِهِ الْعُرْفِيَّةِ كَزَادٍ وَأَثَاثٍ) مِنْ الْأَغْطِيَةِ وَالْأَوْطِيَةِ وَالْمَعَالِيقِ، (وَقِدْرٍ وَقِرْبَةٍ) وَنَحْوِهِمَا إمَّا بِرُؤْيَةٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ صِفَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، (وَ) يُشْتَرَطُ (ذِكْرُ جِنْسِ مَرْكُوبٍ كَمَبِيعٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا؛ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ بِالنَّظَرِ إلَى أَجْنَاسِ الْمَرْكُوبِ مِنْ كَوْنِهِ فَرَسًا أَوْ بَعِيرًا أَوْ بَغْلًا أَوْ حِمَارًا، (وَ) مَعْرِفَةُ (مَا يُرْكَبُ بِهِ مِنْ سَرْجٍ وَغَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْمَرْكُوبِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ، (وَ) مَعْرِفَةُ (كَيْفِيَّةِ سَيْرِهِ مِنْ هِمْلَاجٍ) - بِكَسْرِ الْهَاء - (وَغَيْرِهِ) ؛ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِهِ، وَالْهَمْلَجَةُ مِشْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ؛ و (لَا) يُشْتَرَطُ ذِكْرُ (ذُكُورِيَّتِهِ أَوْ أُنُوثِيَّتِهِ) - أَيْ الْمَرْكُوبِ - (أَوْ نَوْعِهِ) كَعَرَبِيٍّ أَوْ بِرْذَوْنٍ أَوْ حِجْرٍ أَوْ حِصَانٍ فِي الْفَرَسِ، وَلَا بُخْتِيٍّ وَلَا عَرَابِيٍّ فِي الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ ذَلِكَ يَسِيرٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 586 (وَ) يُشْتَرَطُ فِي إجَارَةٍ (لِحَمْلِ مَا يَتَضَرَّرُ) ؛ أَيْ: يُخْشَى عَلَيْهِ ضَرَرٌ بِكَثْرَةِ الْحَرَكَةِ، أَوْ يَفُوتُ غَرَضُ الْمُسْتَأْجِرِ بِاخْتِلَافِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إذَا حُمِلَ؛ (كَخَزَفٍ) - أَيْ فُخَّارٍ - (وَنَحْوِهِ) ؛ كَزُجَاجٍ (مَعْرِفَةُ حَامِلِهِ) مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ، (وَمَعْرِفَتُهُ) - أَيْ الْحَامِلِ بِنَفْسِهِ أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ فِي اسْتِئْجَارٍ - (لِمَحْمُولٍ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ) إنْ كَانَ خَزَفًا وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا، (وَذِكْرُ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ خَزَفًا وَنَحْوَهُ؛ بِأَنْ كَانَ حَدِيدًا أَوْ قُطْنًا أَوْ غَيْرَهُ، وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ بِالْكَيْلِ أَوْ بِالْوَزْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، [قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " والْفُرُوعِ "] فَلَا يَكْفِي ذِكْرُ وَزْنِهِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُ؛ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ فِيهِ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ " التَّرْغِيبِ ". (وَ) يُشْتَرَطُ فِي اسْتِئْجَارٍ (لِحَرْثٍ مَعْرِفَةُ أَرْضٍ بِرُؤْيَةٍ) ؛ لِاخْتِلَافِ الْعَمَلِ بِاخْتِلَافِهَا سُهُولَةً وَحُزُونَةً، وَلَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ. الشَّرْطُ (الثَّانِي) : لِلْإِجَارَةِ (مَعْرِفَةُ أُجْرَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَاعْتُبِرَ عِلْمُهُ كَالثَّمَنِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْ أَجْرَهُ» . وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مُعِينَةً (كَثَمَنِ) مَبِيعٍ، (فَمَا صَحَّ ثَمَنًا بِذِمَّةٍ صَحَّ) أَنْ يَكُونَ (أُجْرَةً) فِي الذِّمَّةِ، (وَمَا عُيِّنَ) مِنْ أُجْرَةٍ (كَمَبِيعٍ) مُعَيَّنٍ (فَتَكْفِي مُشَاهَدَةُ صُبْرَةٍ) وَقَطِيعٍ - وَإِنْ جَهِلَ قَدْرَهُ - لِجَرَيَانِ الْمَنْفَعَةِ جَرْيَ الْأَعْيَانِ؛ لِتَعَلُّقِهَا بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ، بِخِلَافِ السَّلَمِ؛ فَإِنَّهُ يُعَلَّقُ بِمَعْدُومٍ، فَافْتَرَقَا. (وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ) بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى، (أَوْ) اسْتِئْجَارُ رَاعٍ (لِرَعْيِ غَنَمٍ بِسُكْنَى) دَارٍ أَوْ رَعْيِ غَنَمٍ (أُخْرَى، وَبِخِدْمَةِ) عَبْدٍ مُعَيَّنٍ، (وَبِتَزْوِيجِ) امْرَأَةٍ (لِمُعَيَّنٍ كَقِصَّةِ شُعَيْبٍ وَمُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، فَإِنَّهُ جَعَلَ النِّكَاحَ عِوَضَ الْأُجْرَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ، فَكَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ عَيْنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَنْفَعَةً، سَوَاءٌ كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا كَالْأَوَّلِ أَوْ مُخْتَلِفًا كَالثَّانِي؛ (وَشَرْعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 587 مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُنْسَخْ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّابِتِ بَقَاؤُهُ، وَالنَّسْخُ خِلَافُ الْأَصْلِ. (وَلَوْ أَجَّرَهَا) - أَيْ دَارِهِ - مُدَّةً مَعْلُومَةً (بِشَيْءٍ - أَيْ أَجْرِ مَعْلُومٍ - عَلَى أَنْ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ) الدَّارُ مِنْ عِمَارَةٍ وَإِصْلَاحِ شَعَثٍ (بِنَفَقَةٍ مُسْتَأْجَرٍ مُحْتَسَبًا بِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ صَحَّ) ؛ لِأَنَّ الْإِصْلَاحَ عَلَى الْمَالِكِ، وَقَدْ وَكَّلَهُ فِيهِ. (وَ) إنَّ شَرْطَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ (خَارِجًا عَنْ الْأُجْرَةِ؛ لَمْ يَصِحَّ) كَاسْتِئْجَارِهَا؛ بِعِمَارَتِهَا. (وَلَوْ دَفَعَ غُلَامَهُ لِصَانِعٍ) كَخَيَّاطٍ (لَيُعَلِّمَهُ) الصَّنْعَةَ (بِعَمَلِ الْغُلَامِ سَنَةً؛ جَازَ) ذَلِكَ. (قَالَهُ الْمَجْدُ) وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ أُسْلِمَ إلَيْهِ صَبِيٌّ لَيُعَلِّمَهُ صِنَاعَةً بِعَيْنِهَا، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْقَى بِيَدِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَإِنْ أَخَذُوهُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَخَذُوهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ - وَقَدْ تَعَلَّمَ - فَلَهُ شَرْطُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَعَلَ عِوَضَ التَّعْلِيمِ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَخْدُمُهُ، وَيَنْتَفِعُ بِعَمَلِهِ عَلَيْهَا، أَوْ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَحْمَدَ أَرَادَ صِحَّةَ الشَّرْطِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُ الْعِوَضُ، وَلَا يَذْهَبُ تَعْلِيمُهُ مَجَّانًا. (وَ) يَصِحُّ (اسْتِئْجَارُ حُلِيٍّ بِأُجْرَةٍ) مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَكَذَا بِأُجْرَةٍ (مِنْ جِنْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ يُنْتَفَعُ بِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَقْصُودَةً مَعَ بَقَائِهَا، فَجَازَتْ إجَارَتُهُ؛ كَالْأَرَاضِيِ، (وَيُكْرَهُ) إذَا كَانَ الِاسْتِئْجَارُ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَكُّ بِالِاسْتِعْمَالِ، فَيَذْهَبُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ لِيَحْصُلَ الْأَجْرُ فِي مُقَابَلَتِهَا وَمُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا، فَيُفْضِي إلَى بَيْعِ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَشَيْءٍ آخَرَ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ، لَا فِي مُقَابَلَةِ الذَّهَبِ، وَإِلَّا لَمَا جَازَتْ إجَارَةُ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْقَبْضِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 588 (وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (أَجِيرٍ وَمُرْضِعَةٍ) أُمٍّ أَوْ غَيْرِهَا (بِطَعَامِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا - وَلَوْ لَمْ يُوصَفَا) - أَيْ: الطَّعَامُ وَالْكِسْوَةُ - وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُمَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ، وَشَرَطَ مَعَهَا طَعَامَهُمَا وَكِسْوَتَهُمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] فَأَوْجَبَ لَهُنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ عَلَى الرَّضَاعِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَغَيْرِهَا، بَلْ الزَّوْجَةُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا بِالزَّوْجِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ تُرْضِعْ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِزَوْجٍ، وَيُسْتَدَلُّ لِلْأَجِيرِ بِقِصَّةِ مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَبِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبِي مُوسَى أَنَّهُمْ اسْتَأْجَرُوا الْأُجَرَاءَ بِطَعَامِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ نَكِيرٌ، فَقَامَ الْعُرْفُ فِيهِ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ؛ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ. (وَهُمَا) - أَيْ: الْأَجِيرُ وَالْمُرْضِعَةُ - (فِي تَنَازُعٍ) مَعَ مُسْتَأْجِرِهِمَا فِي صِفَةِ طَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ قَدْرِهِمَا؛ (كَزَوْجَةٍ) نَصًّا، فَلَهُمَا نَفَقَةُ وَكِسْوَةُ مِثْلِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (فَلَا يُطْعَمَانِ إلَّا مَا يُوَافِقُهُمَا مِنْ الْأَغْذِيَةِ) . (وَإِنْ شَرَطَ لِلْأَجِيرِ) لِخِدْمَةٍ أَوْ رَضَاعٍ (طَعَامَ غَيْرِهِ وَكِسْوَتَهُ مَوْصُوفًا) كَصِفَةِ السَّلَمِ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ غَالِبًا؛ (صَحَّ) لِلْعِلْمِ بِهِ، (وَهُوَ) - أَيْ: الْمَشْرُوطُ - (لِلْأَجِيرِ) نَفْسِهِ، (إنْ شَاءَ أَطْعَمَهُ) لِلْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ نَفْعِهِ. (وَ) إنْ شَرَطَ طَعَامَ غَيْرِهِ أَوْ كِسْوَتَهُ (بِلَا وَصْفٍ؛ لَمْ يَصِحَّ) لِلْجَهَالَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ إذَا شَرَطَ لِلْأَجِيرِ نَفْسِهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَجَرَى الْعَادَةُ بِهِ، فَلَا يَلْزَمُ احْتِمَالُهَا لَهَا مَعَ ذَلِكَ. (وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ أَجِيرٍ) عَنْ مُسْتَأْجِرِهِ (بِاسْتِغْنَائِهِ) - أَيْ الْأَجِيرِ - وَعَجْزِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 589 عَنْ الْأَكْلِ (لِنَحْوِ مَرَضِهِ) أَوْ غَيْرِهِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ، فَلَا تَسْقُطُ بِالْغِنَى عَنْهُ كَالدَّرَاهِمِ. (فَإِنْ احْتَاجَ) الْأَجِيرُ (لِدَوَاءٍ) لِمَرَضٍ؛ (لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَأْجِرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّفَقَةِ؛ كَالزَّوْجَةِ (بَلْ) يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ (بِقَدْرِ طَعَامِ الصَّحِيحِ) يَدْفَعُهُ لَهُ، فَيَصْرِفُهُ بِمَا أَحَبَّ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَإِنْ) دَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ لِأَجِيرٍ قَدْرَ الْوَاجِبِ فَقَطْ، أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَمَلَّكَهُ إيَّاهُ، (وَأَرَادَ أَجِيرٌ) بَعْدَ أَنْ قَبَضَ طَعَامَهُ (أَنْ يَفْضُلَ) بَعْضَهُ (لِنَفْسِهِ مِنْ طَعَامِهِ) الَّذِي قَبَضَهُ - (وَلَا ضَرَرَ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ؛ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ، وَلَا حَقَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ؛ أَشْبَهَ الدَّرَاهِمَ، (وَإِلَّا) بِأَنْ دَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْأَجِيرِ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ، وَيَفْضُلَ الْبَاقِيَ؛ مُنِعَ مِنْهُ؛ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ إيَّاهُ، وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ أَكْلَ قَدْرِ حَاجَتِهِ، وَإِنْ حَصَلَ بِاسْتِفْضَالِهِ ضَرَرٌ؛ (بِأَنْ ضَعُفَ عَنْ الْعَمَلِ، أَوْ قَلَّ لَبَنُ مُرْضِعَةٍ) ؛ مُنِعَ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ضَرَرًا بِتَفْوِيتِ بَعْضِ مَا لَهُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ، فَمُنِعَ مِنْهُ كَالْجَمَّالِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ عَمَلِ الْجِمَالِ. (وَإِنْ قَدَّمَ) الْمُسْتَأْجِرُ (إلَيْهِ) - أَيْ: الْأَجِيرِ - (طَعَامًا، فَنُهِبَ، أَوْ تَلِفَ قَبْلَ أَكْلِهِ، وَكَانَ) الطَّعَامُ (عَلَى مَائِدَةٍ غَيْرِ خَاصَّةٍ بِهِ) - أَيْ: الْأَجِيرِ - فَالطَّعَامُ (مِنْ) ضَمَانِ (مُكْتَرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ قَدَّمَ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْأَجِيرِ طَعَامًا، وَخَصَّهُ بِهِ، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ نُهِبَ أَوْ تَلِفَ؛ (فَمِنْ) ضَمَانِ (أَجِيرٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيمُ عِوَضٍ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ؛ أَشْبَهَ الْبَيْعَ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى مُرْضِعَةٍ أَنْ تَأْكُلَ، وَتَشْرَبَ مَا يُدِرُّ لَبَنَهَا، وَيَصْلُحُ بِهِ، وَلِمُكْتَرٍ مُطَالَبَتُهَا بِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّمْكِينِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَفِي تَرْكِهِ إضْرَارٌ بِالطِّفْلِ. (وَإِنْ) لَمْ تُرْضِعْهُ، لَكِنْ سَقَتْهُ لَبَنَ الْغَنَمِ أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ أَطْعَمَتْهُ، أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 590 (دَفَعَتْهُ لِنَحْوِ خَادِمِهَا) كَصَدِيقَتِهَا، (فَأَرْضَعَتْهُ؛ فَلَا أَجْرَ لَهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تُوَفِّ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَتْ: أَنَا أَرْضَعْتُهُ) ، وَأَنْكَرَ الْمُسْتَرْضِعُ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا) ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ. (وَ) قَالَ (فِي الْمُغْنِي ": لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ، فَكَانَ) ، الْأَجِيرُ (يَقْرَأُ الْقُرْآنَ حَالَ عَمَلِهِ، فَإِنْ ضَرَّ الْمُكْرِيَ) بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ (رَجَعَ) الْمُكْرِي (عَلَيْهِ) - أَيْ الْأَجِيرِ - (بِقِيمَةِ مَا فَوَّتَ عَلَيْهِ) مِنْ الْعَمَلِ بِسَبَبِ اشْتِغَالِهِ عَنْهُ بِالْقِرَاءَةِ. (وَسُنَّ عِنْدَ فِطَامٍ لِمُوسِرٍ اسْتَرْضَعَ أَمَةً) لِوَلَدِهِ وَنَحْوِهِ (إعْتَاقُهَا) ، وَلِمُوسِرٍ اسْتَرْضَعَ (حُرَّةً) لِوَلَدِهِ (إعْطَاؤُهَا عَبْدًا أَوْ أَمَةً) ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا يُذْهِبُ عَنِّي مَذِمَّةَ الرَّضَاعِ؟ قَالَ: الْغُرَّةُ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (لَعَلَّ هَذَا فِي مُتَبَرِّعَةٍ) بِالرَّضَاعَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: - بِكَسْرِ الذَّالِ - مِنْ الذِّمَامِ، وَبِفَتْحِهَا مِنْ الذَّمِّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنَّمَا خَصَّ الرَّقَبَةَ بِالْمُجَازَاةِ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي إرْضَاعِهِ وَحَضَانَتِهِ سَبَبُ حَيَاتِهِ وَبَقَائِهِ وَحِفْظِ رَقَبَتِهِ، فَاسْتُحِبَّ جَعْلُ الْجَزَاءِ هِبَتَهَا رَقَبَةً؛ لِيُنَاسِبَ مَا بَيْنَ النِّعْمَةِ وَالشُّكْرِ، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُرْضِعَةَ أُمًّا، فَقَالَ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيُعْتِقَهُ» . وَأَمَّا كَوْنُهُ يُسْتَحَبُّ إعْتَاقُهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْمُجَازَاةُ الَّتِي جَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَازَاةً لِلْوَلَدِ مِنْ النَّسَبِ. (وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ زَوْجَتِهِ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ) ؛ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، (وَلَوْ) كَانَ وَلَدُهُ (مِنْهَا) ؛ (وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهَا لِأَجْلِ (حَضَانَتِهِ) - أَيْ: الْوَلَدِ - سَوَاءٌ كَانَ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 591 (وَحَرُمَ أَنْ تَسْتَرْضِعَ أَمَةٌ لِغَيْرِ وَلَدِهَا قَبْلَ رِيِّهِ) - أَيْ الْوَلَدِ - (لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْوَلَدِ وَلَيْسَ لِسَيِّدٍ إلَّا مَا فَضُلَ) عَنْ الْوَلَدِ مِنْ اللَّبَنِ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ يُؤَجِّرَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَمَتَهُ - وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ - لِلْإِرْضَاعِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَمَنَافِعُهَا لَهُ، وَلَيْسَ لَهَا إجَارَةُ نَفْسِهَا لِرَضَاعٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مَنَافِعَهَا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ عَبْدِ سَيِّدِهَا؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ إجَارَتُهَا لِلرَّضَاعِ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتًا لِحَقِّهِ، وَإِنْ أَجَّرَهَا السَّيِّدُ لِلرَّضَاعِ؛ صَحَّ النِّكَاحُ، وَلَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالنِّكَاحِ؛ كَالْبَيْعِ، وَلِلزَّوْجِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَقْتَ فَرَاغِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَالْحَضَانَةِ، لِسَبْقِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ. . (وَالْعَقْدُ) فِي الرَّضَاعِ (عَلَى الْحَضَانَةِ مِنْ) خِدْمَةِ الْمُرْتَضِعِ و (حَمْلِهِ) وَدُهْنِهِ (وَوَضْعِ ثَدْيٍ بِفِيهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا (اللَّبَنُ) فَهُوَ (تَبَعٌ) ؛ (كَصَبْغِ صَبَّاغٍ وَمَاءِ بِئْرٍ بِدَارٍ) ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ عَيْنٌ، فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ إجَارَةٌ؛ كَلَبَنِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ. قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ " (وَالْأَصَحُّ) وُقُوعُ الْعَقْدِ عَلَى (اللَّبَنِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ دُونَ الْخِدْمَةِ، وَلِهَذَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَا خِدْمَةٍ؛ اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ، وَلَوْ خَدَمَتْهُ بِلَا إرْضَاعٍ؛ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] فَرَتَّبَ إيتَاءَ الْأَجْرِ عَلَى الْإِرْضَاعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَوْ كَانَ عَلَى الْخِدْمَةِ؛ لَمَا لَزِمَهَا سَقْيُ لَبَنِهَا. وَجَوَازُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِضَرُورَةِ حِفْظِ الْآدَمِيِّ (لَا عَلَيْهِمَا) - أَيْ: الْحَضَانَةِ وَاللَّبَنِ - (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ لِلْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الرَّضَاعِ الْحَضَانَةُ وَاللَّبَنُ. قَالَ النَّاظِمُ: وَفِي الْأَجْوَدِ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ دَرُّهَا ... وَالْإِرْضَاعُ لَا حَضْنٌ وَمَبْدَأُ مَقْصِدِ (وَ) عَلَى الْأَصَحِّ (إنْ أُطْلِقَتْ) الْحَضَانَةُ؛ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِحَضَانَتِهِ، وَأَطْلَقَ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 592 لَمْ يَشْمَلْ الرَّضَاعَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " لَمْ يَلْزَمْهَا وَجْهًا وَاحِدًا، (أَوْ خُصِّصَ رَضَاعُ) الْعَقْدِ؛ بِأَنْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكِ لِرَضَاعَةٍ؛ (لَمْ يَشْمَلْ) [الْآخَرَ]- أَيْ الْحَضَانَةَ - لِئَلَّا يَلْزَمَهَا زِيَادَةٌ عَمَّا اشْتَرَطَ عَلَيْهَا. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ؛ فَعَلَى هَذَا لَيْسَ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إلَّا وَضْعُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ فِي فَمِ الطِّفْلِ، وَحَمْلُهُ وَوَضْعُهُ فِي حِجْرِهَا وَبَاقِي الْأَعْمَالِ فِي تَعَهُّدِهِ عَلَى الْحَاضِنَةِ، وَدُخُولُ اللَّبَنِ تَبَعًا كَنَفْعِ الْبِئْرِ. قَالَ فِي الْهَدْيِ " عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: اللَّهُ يَعْلَمُ وَالْعُقَلَاءُ قَاطِبَةً أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّ وَضْعَ الطِّفْلِ فِي حِجْرِهَا لَيْسَ مَقْصُودًا أَصْلًا وَلَا وَرَدَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، لَا عُرْفًا وَلَا حَقِيقَةً، وَلَا شَرْعًا وَلَوْ أَرْضَعَتْ الطِّفْلَ وَهُوَ فِي حِجْرِ غَيْرِهَا أَوْ فِي مَهْدِهِ؛ لَاسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ إلْقَامَ الثَّدْيِ الْمُجَرَّدِ لَاسْتُؤْجِرَ لَهُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَهَا ثَدْيٌ - وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَبَنٌ - فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ، وَالْفِقْهُ الْبَارِدُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " إنَّ الْحَضَانَةَ تَتْبَعُ الْعُرْفَ. (وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى رَضَاعٍ) ؛ انْفَسَخَ بِانْقِطَاعِ اللَّبَنِ، أَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى رَضَاعٍ (مَعَ حَضَانَةٍ، انْفَسَخَ) الْعَقْدُ (بِانْقِطَاعِ اللَّبَنِ) ؛ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْحَضَانَةَ فِي الْغَالِبِ تَبَعٌ لِلرَّضَاعِ. . (وَشُرِطَ) فِي اسْتِئْجَارِ الرَّضَاعِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ (مَعْرِفَةُ مُرْتَضِعٍ) . بِمُشَاهَدَةٍ؛ لِاخْتِلَافِ الرَّضَاعِ بِاخْتِلَافِ الرَّضِيعِ، كِبَرًا وَصِغَرًا، وَنَهِمَةً وَقَنَاعَةً. (وَ) الثَّانِي مَعْرِفَةُ (أَمَدِ رَضَاعٍ) ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ إلَّا بِالْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ السَّقْيَ وَالْعَمَلَ فِيهَا يَخْتَلِفُ. (وَ) الثَّالِثُ مَعْرِفَةُ (مَكَانِهِ) - أَيْ الرَّضَاعِ - (كَعِنْدِ مُرْضِعَةٍ أَوْ) عِنْدَ (وَلِيِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ فَيَشُقُّ عَلَيْهَا فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَيَسْهُلُ فِي بَيْتِهَا. (وَلَا يُكْرَهُ إرْضَاعُ مُسْلِمَةٍ طِفْلًا لِكِتَابِيٍّ بِأُجْرَةٍ [لَا لَمَجُوسِيٍّ] ) وَنَحْوِهِ مِمَّنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 593 يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ " خَصَّ أَحْمَدُ فِي مُسْلِمَةٍ تُرْضِعُ طِفْلًا لِنَصَارَى بِأُجْرَةٍ، لَا لَمَجُوسِيٍّ. (وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ بِعَلَفِهَا) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (وَجَمْعٍ) ، مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَقَدَّمَهُ صَاحِبُ " الْفَائِقِ " وَصَحَّحَ فِي " الْقَوَاعِدِ " أَنَّهُ كَاسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ وَالظِّئْرِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهَا (بِهِ) - أَيْ عَلَفِهَا - (وَبِأَجْرٍ مُسَمًّى) ، لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَلَا عُرْفَ لَهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ، (فَإِنْ وَصَفَ) عَلَفَهَا مِنْ مُعَيَّنٍ؛ كَشَعِيرٍ (وَقَدَّرَهُ؛ صَحَّ) ؛ لِنَفْيِ الْجَهَالَةِ. (وَلَا) يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ (لِسَلْخِهَا) - أَيْ الدَّابَّةِ - (بِجِلْدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَخْرُجُ الْجِلْدُ سَلِيمًا، أَوْ لَا؟ ، وَهَلْ هُوَ ثَخِينٌ أَمْ رَقِيقٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ، فَإِنْ سَلَخَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ (أَوْ) اسْتِئْجَارٌ (لِرَعْيِهَا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ نَمَائِهَا) نَصَّ عَلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّسَائِيّ؛ كَرِعَايَةٍ غَنَمٍ بِثُلُثِ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا، أَوْ نِصْفِهِ أَوْ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلَا يَصِحُّ عِوَضًا فِي بَيْعٍ، وَلَا يَدْرِي أَيُوجَدُ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا جَوَازُ دَفْعِ الدَّابَّةِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهَا؛ فَلِأَنَّهَا عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ، فَأَشْبَهَتْ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ، وَأَمَّا هُنَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ الْحَاصِلَ فِي الْغَنَمِ لَا يَقِفُ حُصُولُهُ عَلَى عَمَلِهِ فِيهَا، فَلَمْ يَكُنْ إلْحَاقُهُ بِذَلِكَ، (بَلْ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِرَعْيِهَا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ (مِنْهَا) - أَيْ الدَّابَّةِ - أَيْ مِنْ عَيْنِهَا - لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَمَلِ وَالْأَجْرِ وَالْمُدَّةِ مَعْلُومٌ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ جَعَلَ الْأَجْرَ دَرَاهِمَ. (وَلَا) يَجُوزُ (نَفْضُ نَحْوَ زَيْتُونٍ) ؛ كَجَوْزٍ وَتُوتٍ (بِبَعْضِ مَا يَسْقُطُ) - أَيْ بِآصُعَ مَعْلُومَةٍ - (مِنْهُ) ؛ لَلْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي الْبَاقِيَ بَعْدَهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 594 (وَلَا) يَجُوزُ (طِحْنُ) مَا يُطْحَنُ؛ (كَبُرٍّ) وَنَحْوِهِ (بِقَفِيزٍ مِنْهُ) ؛ «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» ، وَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي الْبَاقِيَ بَعْدَهُ كَمْ هُوَ، فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَجْهُولَةً، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. (وَيَتَّجِهُ) وَيَصِحُّ نَفْضُ زَيْتُونٍ كُلِّهِ وَنَحْوِهِ (بِجُزْءٍ مُشَاعٍ) ؛ كَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ كَمَا سَبَقَ فِي الزَّرْعِ [ (لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِجَارَةِ؛ كَمَا مَرَّ آخِرَ الْمُضَارَبَةِ] ) ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِحَصْدِ زَرْعٍ وَصَرْمِ نَخْلٍ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْصُدَ الزَّرْعَ، وَيَصْرِمَ النَّخْلَ بِسُدُسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمُقَاطَعَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: إنَّمَا جَازَ هَهُنَا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَهُوَ أَعْلَى طُرُقِ الْعِلْمِ، وَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا عَلِمَ جُزْأَهُ الْمُشَاعَ، فَيَكُونُ جُزْءًا مَعْلُومًا، وَاخْتَارَهُ عَلَى الْمُقَاطَعَةِ مَعَ جَوَازِهَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الزَّرْعِ مِثْلُ الَّذِي قَاطَعَ عَلَيْهِ، وَهَهُنَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ يَقِينًا انْتَهَى وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (وَمَنْ أَعْطَى صَانِعًا مَا يَصْنَعُهُ) ؛ كَغَزْلٍ لِيَنْسِجَهُ، أَوْ ثَوْبٍ لِيُقَصِّرَهُ، أَوْ يَصْبُغَهُ، أَوْ يَخِيطَهُ، أَوْ حَدِيدَةٍ لِيَضْرِبَهَا سَيْفًا أَوْ سِكِّينًا، أَوْ يَجْعَلَهَا إبَرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، (أَوْ اسْتَعْمَلَ حَمَّالًا وَنَحْوَهُ) ؛ كَدَلَّالٍ وَحَصَادٍ وَحَجَّامٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدِ إجَارَةٍ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ) الْعَمَلُ (مِنْ) صَانِعٍ (مُعِدٍّ نَفْسَهُ لِذَلِكَ) - أَيْ: لِلْعَمَلِ - بِالْأُجْرَةِ؛ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِعَقْدٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ تَعْرِيضٍ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ بَلْ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الشَّرْحِ. (فَلَهُ أَجْرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 595 مِثْلِهِ) عَلَى عَمَلِهِ سَوَاءٌ وَعَدَهُ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: اعْمَلْهُ، وَخُذْ أُجْرَتَهُ، أَوْ عَرَّضَ لَهُ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: اعْمَلْهُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّك إنَّمَا تَعْمَلُ بِأُجْرَةٍ، أَوْ لَا؛ (وَلَوْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ) - أَيْ الصَّانِعِ - (بِأَخْذِ) أُجْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ لَهُ بِإِذْنِهِ مَا لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ، وَلَمْ يَتَبَرَّعْ؛ كَمَا لَوْ وَضَعَ إنْسَانٌ يَدَهُ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، وَلَا دَلَالَةَ عَنْ تَمْلِيكِهِ إيَّاهُ، أَوْ إذْنِهِ فِي إتْلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي قَبْضِ مَالِ غَيْرِهِ، أَوْ مَنْفَعَتِهِ الضَّمَانُ. (وَكَذَا رُكُوبُ سَفِينَةٍ، وَحَلْقُ رَأْسٍ، وَغَسْلُ ثَوْبٍ، وَبَيْعُهُ، وَقَابِلَةٌ فِي وِلَادَةٍ) تَجِبُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَشُرْبُ مَاءٍ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ، أَوْ قَهْوَةٍ وَنَحْوِهَا فِي الْمُبَاحَاتِ، وَمَا يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ ثَمَنَ الْمَاءِ أَوْ الْقَهْوَةِ وَنَحْوِهَا، وَأُجْرَةُ الْآنِيَةِ وَالسَّاقِي وَالْمَكَانِ؛ جَائِزٌ، بِلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ. (وَ) كَذَا (كَانَ دُخُولُ حَمَّامٍ) ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَقْتَضِيه. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " (وَمَا يَأْخُذُهُ حَمَّامٌ فَأُجْرَةُ مَحَلٍّ وَسَطْلٌ وَمِئْزَرٍ وَالْمَاءُ تَبَعٌ) ؛ كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَبَنِ الْمُرْضِعَةِ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ؛ فَإِنَّ الْمَاءَ مَبِيعٌ. (وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَغْتَسِلُ فِيهِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ) ؛ فَلَا يَكُونُ الْمَاءُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَبَعًا، بَلْ تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحُوزٌ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ لَا يُنْقِصُهُ، وَلَا يُصَيِّرُهُ مُسْتَعْمَلًا، وَالْقَدْرُ الَّذِي يَعْلَقُ مِنْهُ بِالْجَسَدِ إلَى الْعِلْمِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْجَهْلِ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَقَوَاعِدُهُمْ لَا تَأْبَاهُ. يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: لَا يَنْبَغِي لِمَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فَوْقَ الْمُعْتَادِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ لَفْظًا وَلَا عُرْفًا، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ كَاسْتِعْمَالِهِ مِنْ الْمَوْقُوفِ فَوْقَ الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَجِبُ صَرْفُهُ الْوَقْفَ لِلْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ انْتَهَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 596 وَمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ لِخَيَّاطٍ، (وَ) قَالَ: (إنْ خِطْته الْيَوْمَ) ؛ فَبِدِرْهَمٍ، (أَوْ) إنْ خِطْته (رُومِيًّا؛ فَبِدِرْهَمٍ وَ) ، إنْ خِطْته (غَدًا) ؛ فَبِنِصْفِهِ، (وَ) إنْ خِطْته (فَارِسِيًّا؛ فَبِنِصْفِهِ) - أَيْ: نِصْفَ دِرْهَمٍ - لَمْ يَصِحَّ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: أَجَّرْتُك الدَّارَ بِدِرْهَمٍ نَقْدًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ نَسِيئَةً، أَوْ اسْتَأْجَرْت مِنْك هَذَا بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذَا بِدِرْهَمَيْنِ؛ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِأَحَدِهِمَا. (أَوْ) دَفَعَ أَرْضَهُ إلَى زَرَّاعٍ، وَقَالَ: (إنْ زَرَعْتهَا بُرًّا؛ فَبِخَمْسَةٍ، وَ) إنْ زَرَعَتْهَا (ذُرَةً؛ فَبِعَشَرَةٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ كِتَابٍ إلَى الْكُوفَةِ، وَقَالَ: إنْ وَصَّلْته يَوْمَ كَذَا؛ فَلَكَ عِشْرُونَ، وَإِنْ تَأَخَّرْت بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ؛ فَلَكَ عَشَرَةٌ؛ (لَمْ يَصِحَّ) ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. (وَكَذَا) قَوْلُ رَبِّ شِقْصٍ: بِعْتُكَهُ، أَوْ أَجَرْتُكَهُ (بِدِرْهَمٍ نَقْدًا، أَوْ دِرْهَمَيْنِ نَسَاءً) ؛ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ قَالَ: أَجَّرْتُك الْحَانُوتَ شَهْرًا إنْ قَعَدْت فِيهِ خَيَّاطًا؛ فَبِخَمْسَةٍ، أَوْ حَدَّادًا؛ فَبِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَإِنْ أَكْرَى دَابَّةً، وَقَالَ لِمُسْتَأْجِرِهَا: (إنْ رَدَدْت الدَّابَّةَ الْيَوْمَ؛ فَبِخَمْسَةٍ، وَ) إنْ رَدَدْتهَا (غَدًا؛ فَبِعَشَرَةٍ) ؛ صَحَّ نَصًّا قِيَاسًا عَلَى مَا يَأْتِي. ، (أَوْ عَيْنًا) - أَيْ: الْعَاقِدَانِ - (زَمَنًا وَأُجْرَةً) ؛ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، (وَمَا زَادَ فَلِكُلٍّ يَوْمٍ كَذَا؛ صَحَّ) نَصًّا، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ فِيمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً مِنْ مَكَّةَ إلَى جُدَّةَ بِكَذَا، فَإِنْ ذَهَبَ إلَى عَرَفَاتٍ؛ فَبِكَذَا؛ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ عِوَضًا مَعْلُومًا، فَصَحَّ؛ كَمَا لَوْ اسْتَسْقَى لَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ. (وَلَا) يَصِحُّ أَنْ يَكْتَرِيَ دَابَّةَ غَيْرِهِ (لِمُدَّةِ غَزَاتِهِ) ؛ لِجَهْلِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ، (أَوْ) لِمُدَّةِ (غَيْبَتِهِ) فِي تِجَارَةٍ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْغَزَاةِ قَدْ تَطُولُ وَتَقْصُرُ، وَالْعَمَلَ فِيهَا يَقِلُّ وَيَكْثُرُ، وَغَيْبَةُ التِّجَارَةِ كَذَلِكَ، فَإِنْ تَسَلَّمَ الْمُؤَجَّرَةَ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. هَذَا (إنْ لَمْ يُعَيَّنْ لِكُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلِّ شَهْرٍ كَذَا) - أَيْ: دِينَارٌ، (وَمَا زَادَ) [عَنْ الْمُعَيَّنِ مِنْ] الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ؛ (فَكَذَا) وَكَذَا دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 597 (فَإِنْ عُيِّنَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - لِكُلِّ يَوْمٍ شَيْءٌ مَعْلُومٌ (أَوْ اكْتَرَاهُ) لِيَسْتَقِيَ لَهُ (كُلَّ دَلْوٍ مَعْلُومٍ مَعَ) عِلْمِ (بِئْرٍ) بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ وَصْفٍ (بِتَمْرَةٍ) ؛ صَحَّ؛ لِحَدِيثِ «عَلِيٍّ قَالَ جُعْت مَرَّةً جُوعًا شَدِيدًا، فَخَرَجْت أَطْلُبُ الْعَمَلَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ قَدْ جَمَعَتْ بَدْرًا، فَظَنَنْت أَنَّهَا تُرِيدُ بَلَّهُ، فَقَاطَعْتهَا كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، فَمَدَدْت سِتَّةَ عَشَرَ ذُنُوبًا، فَعَدَّتْ لِي سِتَّ عَشْرَةَ تَمْرَةٍ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْته فَأَكَلَ مَعِي مِنْهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ «رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَّهُ قَالَ لِيَهُودِيٍّ: أَسْقِي نَخْلَك؟ قَالَ: نَعَمْ كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، وَاشْتَرَطَ الْأَنْصَارِيُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ خَدِرَةً وَلَا تَارِزَةً وَلَا حَشَفَةً، وَأَلَّا يَأْخُذَ جَلْدَةً، فَاسْتَقَى بِنَحْوٍ مِنْ صَاعَيْنِ، فَجَاءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْلُومٍ لَهُ عِوَضٌ مَعْلُومٌ، فَجَازَ كَمَا لَوْ سَمَّى دِلَاءً مَعْرُوفَةً، وَقَوْلُهُ: جَمَعَتْ بَدْرًا - بِمُوَحَّدَةٍ فَمُهْمَلَةٍ - هُوَ جِلْدُ السَّخْلَةِ، وَقَوْلُهُ: وَاشْتَرَطَهَا جَلْدَةً - أَيْ: شَدِيدَةً قَوِيَّةً أَوْ كَبِيرَةً - وَقَوْلُهُ: خَدِرَةً - بِوَزْنِ زَنِخَةٍ - هِيَ الثَّمَرَةُ تَقَعُ مِنْ النَّخْلَةِ قَبْلَ أَنْ تَنْضَجَ، وَقَوْلُهُ: وَلَا تَارِزَةً بِوَزْنِ فَاعِلَةٍ - أَيْ: يَابِسَةً - وَقَوْلُهُ: وَلَا حَشَفَةً - أَيْ: رَدِيئَةً أَوْ ضَعِيفَةً - لَا نَوَى لَهَا، أَوْ فَاسِدَةً. (أَوْ) اكْتَرَاهُ (عَلَى) حَمْلِ (زُبْرَةِ حَدِيدٍ لِمُحَلِّ كَذَا عَلَى أَنَّهَا) أَيْ: الزُّبْرَةَ - (عَشَرَةُ أَرْطَالٍ، وَإِنْ زَادَتْ) فَلِكُلِّ رِطْلٍ كَذَا، (أَوْ) قَالَ: (مَا زَادَ؛ فَلِكُلِّ رِطْلٍ كَذَا) ؛ صَحَّ فِي الزُّبْرَةِ فَقَطْ، لِلْعِلْمِ بِهَا دُونَ مَا زَادَ؛ فَإِنَّهُ مَجْهُولٌ، وَأَيْضًا عَقْدُهُ مُعَلَّقٌ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَارَةِ. (أَوْ أَجَّرَهُ الدَّارَ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ أَوْ سَنَةٍ بِكَذَا؛ صَحَّ) ، وَكُلَّمَا دَخَلَ يَوْمٌ أَوْ سَنَةٌ أَوْ شَهْرٌ؛ لَزِمَهَا حُكْمُ الْإِجَارَةِ إنْ لَمْ يَفْسَخَاهَا أَوْ لَهُ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ بِمَنْزِلَةِ إيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى عَيْنِهِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعَقْدِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أُجْرَةٍ، وَالرِّضَا بِبَذْلِهِ بِهِ؛ جَرَى مَجْرَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَصَارَ كَالْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ إذَا جَرَى مِنْ الْمُسَاوَمَةِ مَا دَلَّ عَلَى الرِّضَا بِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 598 قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (الْفَسْخُ أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ فِي الْحَالِ) - أَيْ: عَقِبَ تَقَضِّي كُلُّ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ عَلَى الْفَوْرِ فِي أَوَّلِ ذَلِكَ؛ بِأَنْ يَقُولَ: فَسَخْت الْإِجَارَةَ فِي قَابِلٍ، وَلَيْسَ بِفَسْخٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ، لَمْ يَثْبُتْ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَقَالَا: إذَا تَرَكَ التَّلَبُّسَ بِهِ؛ فَهُوَ كَالْفَسْخِ، لَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ؛ لِعَدَمِ الْعَقْدِ، (فَإِنْ مَضَى زَمَنٌ يَتَّسِعُ لِلْفَسْخِ، وَلَمْ يُفْسَخْ؛ لَزِمَتْ) الْإِجَارَةُ (فِيهِ) ؛ لِأَنَّ تَمَهُّلَهُ دَلِيلُ رِضَاهُ بِلُزُومِ الْإِجَارَةِ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنْ يَعْتَبِرَ (أَوَّلَ الْيَوْمِ) الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ الْيَوْمَ الشَّرْعِيَّ (طُلُوعَ الْفَجْرِ) الثَّانِي، فَلَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْفَسِخَ؛ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْفَسْخُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) - أَيْ: الْمَالِكَ - لِلْفَسْخِ، (لَوْ جَهِلَ أَوَّلَ الْمُدَّةِ) - أَيْ: مُدَّةِ الْإِجَارَةِ -؛ (لَمْ يُتَصَوَّرْ الْفَسْخُ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ إذَا عَلِمَ أَوَّلَ الْمُدَّةِ، وَقَدْ جَهِلَ؛ فَلَا سَبِيلَ لِلْفَسْخِ (إلَّا بِ) اشْتِرَاطِ (التَّعْلِيقِ) ؛ كَقَوْلِ الْمُسْتَأْجِرِ سَنَةً وَنَحْوَهَا: (فُسِخَتْ) الْإِجَارَةُ (إذَا مَضَتْ مُدَّتِي، أَوْ) قَوْلِ الْمُسْتَأْجِرِ شَهْرًا فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ إذَا مَضَى (الشَّهْرُ) فَتَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ الْمُضِيِّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَلَوْ أَجَّرَهُ دَارًا أَوْ نَحْوَهَا شَهْرًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ؛ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِلْجَهَالَةِ. وَلَوْ قَالَ: أَجَّرْتُك هَذَا لِشَهْرٍ بِكَذَا، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ؛ صَحَّ الْعَقْدُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ، دُونَ مَا بَعْدَهُ، وَإِنْ قَالَ: أَجَّرْتُك دَارِي عِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ وَقْتِ كَذَا، كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ؛ صَحَّ الْعَقْدُ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ وَالْأَجْرَ مَعْلُومَانِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ وَاحِدَةٌ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 599 أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أَجَّرْتُك عِشْرِينَ شَهْرًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا. (فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ) لِلْأَجِيرِ: (احْمِلْ لِي هَذِهِ الصُّبْرَةَ، كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَانْقُلْ صُبْرَةً أُخْرَى فِي الْبَيْتِ بِحِسَابِ ذَلِكَ) - أَيْ: كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ - (وَعَلِمَا مَا فِي الْبَيْتِ مُشَاهَدَةً) ، أَوْ وَصْفًا؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ فِيهِمَا؛ لِلْعِلْمِ بِهِمَا، (وَإِلَّا) يَعْلَمَاهَا؛ بِأَنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ صَحَّ الْعَقْدُ فِي الْأُولَى لِلْعِلْمِ بِهَا، و (لَا) يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِلْجَهْلِ بِهَا. و (لَوْ) قَالَ لَهُ: (احْمِلْ) لِي (هَذِهِ الصُّبْرَةَ وَ) الصُّبْرَةُ (الَّتِي فِي الْبَيْتِ بِعَشَرَةٍ، وَ) كَانَا (يَعْلَمَانِ مَا فِي الْبَيْتِ؛ صَحَّ فِيهِمَا) بِالْعَشَرَةِ (وَيَتَّجِهُ وَإِلَّا) يَعْلَمَا مَا فِي الْبَيْتِ؛ (بَطَلَ فِيهِمَا) - أَيْ: فِي الْمُشَاهَدَةِ وَاَلَّتِي فِي الْبَيْتِ - (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ تَفْصِيلَهُ فِي هَذِهِ) الصُّورَةِ؛ (كَتَفْرِيقِ صَفْقَةٍ) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ فِي عَقْدٍ؛ كَقَوْلِهِ بِعْتُك هَذِهِ الْفَرَسَ، وَمَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْفَرَسِ الْأُخْرَى بِكَذَا؛ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ؛ لِجَهَالَتِهِ، وَالْمَعْلُومُ مَجْهُولُ الثَّمَنِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ إنَّمَا تَكُونُ بِتَقْسِيطِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا، وَالْحَمْلُ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ، فَيَتَعَذَّرُ التَّقْسِيطُ، وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ، لَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَعْلُومِ بِقِسْطِهِ: فَعُلِمَ مِنْهُ حَيْثُ شَبَّهَهَا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ، يَصِحُّ فِي الصُّبْرَةِ الْمَعْلُومَةِ بِقِسْطِهَا مِنْ الْعَشَرَةِ، وَيَبْطُلُ فِي الْأُخْرَى لِلْجَهَالَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) لَوْ قَالَ لَهُ: (احْمِلْ) لِي إلَى كَذَا (قَفِيزًا مِنْهَا) - أَيْ: الصُّبْرَةِ (بِدِرْهَمٍ، وَمَا زَادَ) عَلَى الْقَفِيزِ؛ (فَبِحِسَابِ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: مَهْمَا حَمَلْته مِنْ بَاقِيهَا؛ فَلَكَ بِكُلِّ قَفِيزٍ دِرْهَمٌ؛ (لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِلْجَهَالَةِ. (وَلَوْ) قَالَ لَهُ: (احْمِلْ لِي) إلَى كَذَا هَذِهِ الصُّبْرَةَ قَفِيزًا [مِنْهَا - أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 600 الصُّبْرَةِ -] بِدِرْهَمٍ (وَسَائِرُهَا بِحِسَابِ ذَلِكَ) ؛ صَحَّ. (أَوْ) قَالَ: (وَمَا زَادَ؛ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ يُرِيدَانِ بَاقِيَهَا كُلَّهُ لِقَرِينَةٍ صَارِفَةٍ) لِلَّفْظِ إلَيْهِ؛ صَحَّ؛ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ، (أَوْ فَهِمَا) - أَيْ: الْعَاقِدَانِ - (ذَلِكَ) مِنْ اللَّفْظِ؛ لِدَلَالَتِهِ عِنْدَهُمَا عَلَى الْبَاقِي؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ قَالَ احْمِلْ لِي هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَى مِصْرَ، وَأُعْطِيك عَشَرَةٌ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْمَحْمُولَ وَالْمَحْمُولَ إلَيْهِ. (وَ) لَوْ قَالَ: (احْمِلْ هَذِهِ الصُّبْرَةَ، وَهِيَ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ بِدِينَارٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ؛ فَالزَّائِدُ بِحِسَابِ ذَلِكَ، صَحَّ فِي الْعَشَرَةِ فَقَطْ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، دُونَ مَا زَادَ، (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يُرِدْ حَمْلَهَا كُلَّهَا) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لِتَنْقُلَ لِي مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ] ٍ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَكُلَّ لِلْعَدَدِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لِتَحْمِلَ مِنْهَا عَدَدًا؛ فَلَمْ يَصِحَّ؛ لِلْجَهَالَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْقَطَ مِنْ. [الشَّرْطُ (الثَّالِثُ) ] لِلْإِجَارَةِ (كَوْنُ نَفْعٍ مُبَاحًا بِلَا ضَرُورَةٍ) ؛ أَيْ: بِأَنْ تُبَاحَ مُطْلَقًا بِخِلَافِ مَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِلْحَاجَةِ كَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْكَلْبِ وَجُلُودِ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ؛ لِعَدَمِ غَيْرِهِ (مَقْصُودًا) عُرْفًا بِخِلَافِ آنِيَةٍ لِتُجَمَّلَ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَقَوِّمًا؛ بِخِلَافِ نَحْوِ تُفَّاحٍ لِشَمٍّ، (يُسْتَوْفَى) مِنْ عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ (دُونَ) اسْتِهْلَاكِ (الْأَجْزَاءِ) بِخِلَافِ شَمْعٍ لِشَعْلٍ، وَصَابُونٍ لِغَسْلٍ، (مَقْدُورًا عَلَيْهِ) ، بِخِلَافِ دِيكٍ لِيُوقِظَهُ لِصَلَاةٍ؛ فَلَا يَصِحَّ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى فِعْلِ الدِّيكِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 601 بِضَرْبٍ وَلَا غَيْرِهِ (لِمُسْتَأْجِرٍ) ؛ فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ مُؤَجَّرٍ. وَيَأْتِي: (كَكِتَابِ) حَدِيثٍ أَوْ فِقْهٍ أَوْ شِعْرٍ مُبَاحٍ أَوْ لُغَةٍ أَوْ صَرْفٍ أَوْ نَحْوِهِ (لِنَظَرٍ وَقِرَاءَةٍ وَنَقْلٍ وَتَجْوِيدِ خَطٍّ) ؛ بِأَنْ كَانَ بِهِ خَطٌّ حَسَنٌ يُكْتَبُ عَلَيْهِ، وَيَتَمَثَّلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَجُوزُ إعَارَتُهُ لِذَلِكَ؛ فَجَازَتْ إجَارَتُهُ، وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ مُصْحَفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. (وَ) تَجُوزُ إجَارَةُ (دَارٍ تُجْعَلُ مَسْجِدًا) يُصَلَّى فِيهِ، (أَوْ تُسْكَنُ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْعَيْنِ مَعَ بَقَائِهَا، (وَ) كَاسْتِئْجَارِ (حَائِطٍ لِحَمْلِ خَشَبٍ مَعْلُومٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَفْعًا مُبَاحًا، (وَبِئْرٍ لِسَقْيٍ لِلِانْتِفَاعِ بِمُرُورِ الدَّلْوِ فِي هَوَائِهِ وَعُمْقٍ) وَأَمَّا الْمَاءُ فَيُؤْخَذُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ. (وَسُئِلَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (عَنْ إجَارَةِ بَيْتِ الرَّحَى الْمُدَارَةِ بِالْمَاءِ) لَا غَيْرِهِ، (فَقَالَ الْإِجَارَةُ) تَقَعُ (عَلَى الْبَيْتِ وَالْأَحْجَارِ وَالْحَدِيدِ وَالْخَشَبِ) جَمِيعًا، وَأَمَّا الْمَاءُ، فَإِنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَيَنْضُبُ؛ أَيْ: يَغُورُ وَيَذْهَبُ؛ فَلَا تَقَعُ عَلَيْهِ إجَارَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ. وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (حَيَوَانٍ) لِصَيْدٍ (وَطَيْرٍ) وَفَهْدٍ وَهِرٍّ وَصَقْرٍ وَبَازٍ (لِصَيْدٍ، وَ) قِرْدٍ لِ (حِرَاسَةٍ) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَفْعًا مُبَاحًا، (سِوَى) سِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا، وَسِوَى (كَلْبٍ) - وَلَوْ لِصَيْدٍ - (و) سِوَى (خِنْزِيرٍ) ؛ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا. (وَ) تَصِحُّ إجَارَةُ (فَخٍّ وَشَبَكَةٍ) مُدَّةً مَعْلُومَةً (لِصَيْدٍ، و) إجَارَةِ (بَرْكَةٍ لِصَيْدِ سَمَكٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً) يُدْخِلُهُ الْمُسْتَأْجِرُ إلَيْهَا، أَوْ يَدْخُلُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَصِيدُهُ مِنْهَا، وَكَاسْتِئْجَارِ (شَجَرٍ لِنَشْرِ ثِيَابٍ) عَلَيْهِ (أَوْ جُلُوسٍ بِظِلِّهِ) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ، كَالْحِبَالِ وَالْخَشَبِ، وَكَمَا لَوْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً، (وَ) كَاسْتِئْجَارِ (بَقَرٍ لِحَمْلٍ وَرُكُوبٍ) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهَا؛ أَشْبَهَ رُكُوبَ الْبَعِيرِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْأَكْرَادِ وَغَيْرِهِمْ يَحْمِلُونَ عَلَى الْبَقَرِ، وَيَرْكَبُونَهَا، وَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ يَحْرُثُونَ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَمَعْنَى خَلْقِهَا لِلْحَرْثِ: إنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 602 شَاءَ اللَّهُ أَنَّ مُعْظَمَ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِيهِ، وَلَا يُمْنَعُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي شَيْءٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْخَيْلَ خُلِقَتْ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ، وَيُبَاحُ أَكْلُهَا وَاللُّؤْلُؤُ خُلِقَ لِلْحِلْيَةِ، وَيُبَاحُ التَّدَاوِي بِهِ. (وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (غَنَمٍ وَغَيْرِهَا لِدِيَاسِ زَرْعٍ) مَعْلُومٍ، أَوْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً، فَإِنْ قَدَّرَهُ بِالْمُدَّةِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَدُوسُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَمَلٍ غَيْرِ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ احْتَاجَ إلَى مَعْرِفَةِ جِنْسِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ. مِنْهُ مَا رَوْثُهُ طَاهِرٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ نَجِسٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ. (وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (بَيْتٍ) مُعَيَّنٍ (فِي دَارٍ) مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، (وَ) لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ (لَوْ أَهْمَلَ) ؛ أَيْ: لَمْ يَذْكُرْ (اسْتِطْرَاقَهُ) ؛ إذْ لَا يُتَمَكَّنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِالِاسْتِطْرَاقِ، فَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذَكَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ. (وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (آدَمِيٍّ لِقَوْدِ) مَرْكُوبٍ أَعْمَى؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ وَالْمُرَادُ مُدَّةٌ. وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِاسْتِيفَاءِ (قَوَدٍ) - بِفَتْحِ الْوَاوِ - لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُحْسِنُهُ، وَلِيَدُلَّ عَلَى طَرِيقٍ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ اسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُرَيْقِطٍ هَادِيًا خِرِّيتًا - وَهُوَ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ - لِيَدُلَّهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ» ، وَأَنْ يُلَازِمَ غَرِيمًا يَسْتَحِقُّ مُلَازَمَتَهُ نَصًّا. (وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (نَحْوِ عَنْبَرٍ) ؛ كَمِسْكٍ وَصَنْدَلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَبْقَى (لِشَمٍّ) مُدَّةً مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ، كَالثَّوْبِ لِلُّبْسِ. و (لَا) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ) مِنْ الطِّيبِ (كَرَيَاحِينَ) ؛ لِأَنَّهَا تَتْلَفُ عَنْ قَرِيبٍ، فَأَشْبَهَتْ الْمَطْعُومَاتِ. وَكَذَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (نَقْدٍ) - أَيْ: دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ - (لِتَحِلَّ وَوَزْنٍ) مُدَّةً مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ يُسْتَوْفَى مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَكَالْحُلِيِّ، (وَ) كَذَا (مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ كَأَنْفٍ) مِنْ ذَهَبٍ، (وَرَبْطِ سِنٍّ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 603 مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَتَصِحُّ إجَارَةٌ لِذَلِكَ؛ لِمَا مَرَّ، (وَكَذَا مَكِيلٌ وَمَوْزُونٌ وَفُلُوسٌ لِيُعَايَرَ عَلَيْهِ) ، فَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مَا ذُكِرَ؛ كَنَقْدٍ لِلْوَزْنِ. (فَلَا تَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (فِي نَقْدٍ وَمَا بَعْدَهُ إنْ أُطْلِقَتْ) ؛ بِأَنْ لَمْ يَذْكُرْ وَزْنًا، وَلَا تَحَلِّيًا وَنَحْوَهُ، (وَيَكُونُ قَرْضًا فِي ذِمَّةِ قَابِضٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ، وَالِانْتِفَاعُ الْمُعْتَادُ بِالنَّقْدِ وَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ بِأَعْيَانِهَا، فَإِذَا أَطْلَقَ الِانْتِفَاعَ حُمِلَ عَلَى الْمُعْتَادِ. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةٌ (عَلَى زِنًا أَوْ زَمْرٍ أَوْ نَوْحٍ) ؛ لِعَدَمِ إبَاحَتِهِ، (أَوْ تَعْلِيمِ سِحْرٍ وَغِنَاءٍ) وَلَا إجَارَةَ كَاتِبٍ يَكْتُبُ ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ) وَلَا تَصِحُّ إجَارَةٌ عَلَى تَعْلِيمِ سِحْرٍ وَغِنَاءٍ إنْ كَانَا (مُحَرَّمَيْنِ) ، أَمَّا إذَا كَانَا مُبَاحَيْنِ فَلَا مَانِعَ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِمَا؛ كَالْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ الْعَارِي عَنْ التَّغَزُّلِ فِي مُعَيَّنٍ، وَكَتَعْلِيمِ رُقًى عَرَبِيَّةٍ؛ لِيَحِلَّ بِهَا السِّحْرَ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْحِلِّ بِشَيْءٍ مِنْ السِّحْرِ، وَهُوَ إلَى الْجَوَازِ أَقْرَبُ، وَيَأْتِي فِي بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ (لِقَلْعِ سِنٍّ سَلِيمَةٍ) ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ سَلِيمٍ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ، (أَوْ انْتِسَاخِ كُتُبِ بِدَعٍ) ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ خَلَلِ الْعَقِيدَةِ، (وَنَحْوِ شِعْرٍ مُحَرَّمٍ) ؛ كَالتَّغَزُّلِ بِمُحَرَّمٍ وَالْهِجَاءِ إذَا أُرِيدَ بِهِ بِمُجَرَّدِ إيذَاءِ الْمَقُولِ فِيهِ وَتَنْقِيصِهِ، وَأَمَّا لَوْ أُرِيدَ مُجَرَّدُ رِوَايَةِ الْمَرْوِيِّ، أَوْ حِكَايَةِ مَا وَقَعَ تَنْقِيصًا لِلْقَائِلِ، وَتَحْذِيرًا مِنْهَا؛ فَغَيْرُ مَحْذُورٍ، فَإِنَّ أَهْلَ السِّيَرِ يَنْقُلُونَ الْأَشْعَارَ الَّتِي فِيهَا هِجَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ. و (لَا) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ (لِرَعْيِ خِنْزِيرٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الِاقْتِنَاءِ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 604 (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ (تَمْوِيهُ نَحْوِ حَائِطٍ) كَإِنَاءٍ (بِنَقْدٍ) ذَهَبًا كَانَ أَوْ فِضَّةً، (وَعَمَلُ) - أَيْ: صُنْعُ - (أَوَانِي مُحَرَّمَةٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، (وَ) عَمَلُ (ثِيَابِ حَرِيرٍ لِذَكَرٍ) ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (لَا أُجْرَةَ لَهُ) ، لِصَرْفِهِ عَمَلَهُ فِيمَا هُوَ مُحَرَّمٌ [وَهُوَ مُتَّجِهٌ] . (لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (فَلَا يُقْضَى عَلَى مُسْتَأْجَرٍ بِدَفْعِهَا) - أَيْ: الْأُجْرَةِ - (فَإِنْ دُفِعَتْ لَمْ يُقْضَ - عَلَى أَجِيرٍ بِرَدِّهَا؛ كَتَفْصِيلِ عُقُودِ كُفَّارٍ مُحَرَّمَةٍ، وَأَسْلَمُوا قَبْلَ قَبْضٍ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَقَدَّمَ) تَفْصِيلُ عُقُودِ الْكُفَّارِ (فِي بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ أَنَّهُ يَتَصَدَّق بِهِ وَنَحْوِهِ) ، وَقَالَ: إنَّ الْأَجِيرَ إنْ طَلَبَ الْأُجْرَةَ قُلْنَا لَهُ: أَنْتَ فَرَّطْت حَيْثُ صَرَفْت قُوَّتَك فِي عَمَلٍ مُحَرَّمٍ، فَلَا يُقْضَى لَك بِأُجْرَةٍ، فَإِذَا قَبَضَهَا، وَقَالَ الدَّافِعُ: اقْضُوا إلَيَّ بِرَدِّهَا قُلْنَا لَهُ دَفَعْتهَا بِمُعَاوَضَةٍ رَضِيت بِهَا، وَقَدْ فَوَّتَتْ عَلَى الْأَجِيرِ عَمَلَهُ وَزَمَنَهُ، وَهُوَ وَجِيهٌ. (وَلَا) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ لِكَنْسِ مَسْجِدٍ) فِي حَالَةٍ لَا تَأْمَنَانِ فِيهَا تَلْوِيثَهُ. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَكَذَا مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ تَتَعَدَّى. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (كَافِرٍ لِعَمَلٍ) كَعِمَارَةٍ وَتَبْلِيطٍ وَنَحْوِهِ (فِي الْحَرَمِ) الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ الشَّرْعِيَّ كَالْحِسِّيِّ، وَلَا الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفُحْشِ وَالْخِنَاءِ - بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ - وَعَلَى تَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ، وَالْكُتُبِ الْمَنْسُوخَةِ، أَوْ الْعُلُومِ الْمُحَرَّمَةِ، كَالْفَلْسَفَةِ وَالتَّنْجِيمِ وَنَحْوِهِمَا، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى (تَعْلِيمِهِ) - أَيْ: الْكَافِرِ - (قُرْآنًا) وَنَحْوَهُ؛ كَحَدِيثٍ وَتَفْسِيرٍ وَفِقْهٍ وَنَحْوٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى آيَاتٍ أَوْ أَحَادِيثَ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 605 (وَلَا) يَجُوزُ اسْتِئْجَارٌ (لِنَزْوِ فَحْلٍ) لِلضِّرَابِ؛ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْعَسْبُ إعْطَاءُ الْكِرَاءِ عَلَى الضِّرَابِ عَلَى أَحَدِ التَّفَاسِيرِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا الَّذِي يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَهُوَ عَيْنٌ، فَيُشْبِهُ إجَارَةَ الْحَيَوَانِ لِأَخْذِ لَبَنِهِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْمَيْتَةِ. (وَ) إنْ احْتَاجَ إنْسَانٌ إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُطْرِقُ لَهُ دَابَّتَهُ مَجَّانًا؛ (جَازَ) لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يَبْذُلَ الْكِرَاءَ؛ لِأَنَّهُ بَذْلٌ لِتَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ (لِحَاجَةٍ) ؛ فَجَازَ (بَذْلُ عِوَضٍ) ؛ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، (وَحَرُمَ) عَلَى رَبِّ الْفَحْلِ (أَخْذُهُ) الْعِوَضَ لِلنَّهْيِ السَّابِقِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ أَنْزَاهُ عَلَى فَرَسِهِ، فَنَقَصَ؛ ضَمِنَ نَقْصَهُ. (كَشِرَاءِ أَسِيرٍ) ؛ فَيَجُوزُ شِرَاءُ الْأَسِيرِ لِتَخْلِيصِهِ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ، (وَ) كَدَفْعِ (رِشْوَةٍ لِظَالِمٍ) لِيَدْفَعَ بِهَا ظُلْمَهُ. (فَإِنْ) أَطْرَقَ إنْسَانٌ فَحْلَهُ لِدَابَّةِ آخَرَ بِغَيْرِ إجَارَةٍ، (فَأَهْدَى لَهُ) رَبُّ الدَّابَّةِ هَدِيَّةً، أَوْ أَكْرَمَهُ تَكْرِمَةً - (وَلَا شَرْطَ - جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَعْرُوفًا؛ فَجَازَتْ مُجَازَاتُهُ عَلَيْهِ. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةُ (دَارٍ لِتُجْعَلَ كَنِيسَةً) أَوْ بَيْعَةً أَوْ صَوْمَعَةً، (أَوْ بَيْتَ نَارٍ) لِتَعَبُّدِ الْمَجُوسِ، (أَوْ لِبَيْعِ خَمْرٍ وَقِمَارٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . (وَيَتَّجِهُ أَوْ) اُسْتُؤْجِرَتْ الدَّارُ (لِنَحْوِ زَمْرٍ وَغِنَاءٍ) ، وَكُلِّ مَا حَرَّمَهُ الشَّارِعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَسَوَاءٌ (شُرِطَ ذَلِكَ) الْمُحَرَّمُ؛ بِأَنْ شَرَطَ الْمُسْتَأْجِرُ جَعْلَهَا لَهُ (بِعَقْدٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 606 أَوْ) لَا؛ بِأَنْ (عُلِمَ بِقَرَائِنَ) ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، فَلَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ؛ كَإِجَارَةِ عَبْدِهِ لِلْفُجُورِ بِهِ. (وَلِمُكْرٍ) دَارًا (مَنْعُ مُكْتَرٍ ذِمِّيٍّ مِنْ بَيْعِ خَمْرٍ ب) دَارٍ (مُؤَجَّرَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ. (وَلَا) يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ (لِحَمْلِ نَحْوِ مَيْتَةٍ) كَدَمٍ (لِأَكْلِهَا لِغَيْرِ مُضْطَرٍّ) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ لِمُضْطَرٍّ؛ صَحَّتْ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ (خَمْرٍ لِشُرْبِهَا) ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَعَنَ حَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ» . (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) - أَيْ لِمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِشَيْءٍ مُحَرَّمٍ مِمَّا تَقَدَّمَ -. (وَتَصِحُّ) إجَارَةٌ لِحَمْلِ مَيْتَةٍ أَوْ خَمْرٍ (لِإِلْقَاءٍ وَإِرَاقَةٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا تَنْدَفِعُ بِدُونِ إبَاحَةِ الْإِجَارَةِ؛ كَكَسْحِ الْكُنُفِ، وَحَمْلِ النَّجَاسَاتِ لِتُلْقَى خَارِجَ الْبَلَدِ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ لَهُ أَكْلُ أُجْرَةِ الْكَسْحِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّنَاءَةِ. وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِإِلْقَاءِ مَيْتَةٍ، (وَلَوْ بِمَا عَلَى جِلْدِ الْمَيْتَةِ مِنْ نَحْوِ شَعْرٍ) ؛ كَصُوفٍ وَوَبَرٍ (طَاهِرٍ) ؛ لِجَوَازِ جَزِّهِ وَاسْتِعْمَالِهِ، وَمَنْ أَعْطَى صَيَّادًا أُجْرَةً لِيَصِيدَ لَهُ سَمَكًا لِيَخْتَبِرَ بَخْتَهُ؛ فَقَدْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ بِشَبَكَتِهِ، قَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةٌ (عَلَى طَيْرٍ لِسَمَاعِهِ) ، وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ أَكْلُ أُجْرَةِ حَجَّامٍ؛ لِقَوْلَةِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَطْعِمْهُ نَاضِحَك وَرَقِيقَك. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ مِنْ أُجْرَةِ الْإِلْقَاءِ وَالْإِرَاقَةِ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ؛ إذْ إلْقَاءُ الْمَيْتَةِ وَإِرَاقَةِ الْخَمْرِ لَا مُبَاشَرَةَ فِيهِ لِلنَّجَاسَةِ غَالِبًا، بِخِلَافِ كَسْحِ الْكَنِيفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِطَحْنِ قَمْحٍ بِنُخَالَتِهِ، وَعَمَلُ سِمْسِمٍ شَيْرَجًا بِكُسْبِهِ الْخَارِجِ مِنْهُ، وَحَلْجُ قُطْنٍ بِحَبِّهِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ؛ لِلْجَهَالَةِ بِالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 607 (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ إجَارَةٌ (نَحْوِ تُفَّاحٍ) كَنِرْجِسٍ (لِشَمٍّ) ؛ لِأَنَّ نَفْعَهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ؛ لِأَنَّ مَنْ غَصَبَ تُفَّاحًا، وَشْمَهُ، وَرَدَّهُ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةُ شَمِّهِ، (أَوْ) إجَارَةُ (شَمْعٍ لِتَجَمُّلٍ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (أَوْ) إجَارَةُ شَمْعٍ (لِشَعْلٍ) أَوْ طَعَامٍ، أَوْ لِيَتَجَمَّلَ بِهِ عَلَى مَائِدَتِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَمَا لَا يُقْصَدُ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ، (أَوْ ثَوْبٍ لِتَغْطِيَةِ نَعْشٍ) فِيهِ الْمَيِّتُ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، (أَوْ طَعَامٍ لِأَكْلٍ) ، أَوْ شَرَابٍ لِشُرْبٍ، أَوْ صَابُونٍ لِغَسْلٍ، وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِإِتْلَافِ عَيْنِهَا، فَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَمْعًا لِيُشْعِلَ مِنْهُ مَا شَاءَ، وَيَرُدَّ بَقِيَّتَهُ، وَثَمَنَ الذَّاهِبِ وَأُجْرَةَ الْبَاقِي؛ لَمْ يَصِحَّ لِشُمُولِهِ بَيْعًا وَإِجَارَةً - وَالْمَبِيعُ مَجْهُولٌ - فَيَلْزَمُ الْجَهْلُ بِالْمُسْتَأْجَرِ، فَيَفْسُدُ الْعَقْدَانِ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ (حَيَوَانٍ) كَبَقَرٍ وَغَنَمٍ (لِأَخْذِ لَبَنِهِ) أَوْ صُوفِهِ أَوْ شَعْرِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ النَّفْعُ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْعَيْنُ. وَهِيَ لَا تُمْلَكُ وَلَا تُسْتَحَقُّ بِإِجَارَةٍ (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ اخْتَارَ جَوَازَ إجَارَةِ مَاءِ قَنَاةٍ مُدَّةً، وَمَاءِ فَائِضِ بِرْكَةٍ رَأَيَاهُ، وَإِجَارَةِ حَيَوَانٍ؛ لِأَجْلِ لَبَنِهِ قَامَ بِهِ هُوَ أَوْ رَبُّهُ، فَإِنْ قَامَ عَلَيْهَا لِمُسْتَأْجِرٍ، وَعَلَفَهَا؛ فَكَاسْتِئْجَارِ الشَّجَرِ وَإِنْ عَلَفَهَا رَبُّهَا، وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي لَبَنًا مُقَدَّرًا؛ فَبَيْعٌ مَحْضٌ، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُ اللَّبَنَ مُطْلَقًا؛ فَبَيْعٌ أَيْضًا، وَلَيْسَ هَذَا بِغَرَرٍ، وَلِأَنَّ هَذَا يَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا؛ فَهُوَ بِالْمَنَافِعِ أَشْبَهُ، فَإِلْحَاقُهُ بِهَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى زَرْعِ الْأَرْضِ هُوَ عَيْنٌ مِنْ أَعْيَانٍ، وَهُوَ مَا يُحْدِثُهُ مِنْ الْحَبِّ بِسَقْيِهِ وَعَمَلِهِ، وَكَذَا مُسْتَأْجَرُ الشَّاةِ لِلَبَنِهَا، مَقْصُودُهُ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنْ لَبَنِهَا بِعَلْفِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا؛ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَالْآفَاتُ، وَالْمَوَانِعُ الَّتِي تَعْرِضُ لِلزَّرْعِ أَكْثَرُ مِنْ آفَاتِ اللَّبَنِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الْجَوَازُ، وَالصِّحَّةُ قَالَ: وَكَظِئْرٍ انْتَهَى. وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (غَيْرِ ظِئْرٍ) - أَيْ آدَمِيَّةِ مُرْضِعَةٍ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 608 {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَهَائِمِ أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهَا عَمَلٌ مِنْ وَضْعِ الثَّدْيِ فِي فَمِ الْمُرْتَضِعِ وَنَحْوِهِ. . (وَيَدْخُلُ نَفْعُ بِئْرٍ) فِي إجَارَةِ بِئْرٍ تَبَعًا (وَ) يَدْخُلُ (حِبْرُ نَاسِخٍ) تَبَعًا. (وَ) يَدْخُلُ (خُيُوطُ خَيَّاطٍ) اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَةٍ تَبَعًا (وَ) يَدْخُلُ (كُحْلُ كَحَّالٍ) اُسْتُؤْجِرَ لِكَحْلٍ تَبَعًا (وَ) يَدْخُلُ (مَرْهَمُ طَبِيبٍ) اُسْتُؤْجِرَ لِمُدَاوَاةٍ تَبَعًا؛ بِخِلَافِ الدَّوَاءِ؛ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، (وَ) يَدْخُلُ (صَبْغُ صَبَّاغٍ) اُسْتُؤْجِرَ لِصَبْغِ نَحْوِ ثِيَابٍ (وَنَحْوُهُ) ؛ كَدِبَاغِ دَبَّاغٍ (تَبَعًا) لِعَمَلِ الصَّانِعِ، لَا أَصَالَةً. هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (لُزُومًا) ؛ أَيْ: يَلْزَمُ الْعَامِلَ ذَلِكَ، مَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى خِلَافِهِ. (فَلَا فَسْخَ) لِمُسْتَأْجِرٍ (بِغَوْرِ مَاءٍ دَارٍ مُؤَجَّرَةٍ) ؛ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْإِجَارَةِ، نَقَلَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " عَنْ الْأَصْحَابِ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ " لَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ فِي بِئْرِ الدَّارِ، وَتَغَيَّرَ بِحَيْثُ يُمْنَعُ الشُّرْبُ وَالْوَصْفُ؛ ثَبَتَ لِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ (وَيَتَّجِهُ الْبُطْلَانُ) - أَيْ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ - (وَلَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ) - أَيْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ - (عَلَى التَّابِعِ) ، وَهُوَ نَفْعُ الْبِئْرِ وَالْحِبْرِ وَالْخُيُوطِ وَالْكُحْلِ وَالْمَرْهَمِ وَالصَّبْغِ (وَالْمَتْبُوعِ) ، وَهُوَ الْمَأْجُورُ؛ بِأَنْ قَالَ: اسْتَأْجَرْت هَذَا الْبِئْرَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ، وَهَذَا النَّاسِخُ وَمَا عِنْدَهُ مِنْ الْحِبْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ، وَلَيْسَ هَذَا كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ؛ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ اشْتِرَاطَ تَابِعٍ عَلَى مَتْبُوعٍ جَائِزٌ) ؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ (وَمُؤَكَّدٌ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 609 لِمَا شُرِطَ، وَمَتَى لَمْ يَفِ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الشَّرْطُ؛ ثَبَتَ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تَصِحُّ (إجَارَةُ) عَبْدٍ (آبِقٍ وَ) ، لَا جَمَلٍ (شَارِدٍ) ، وَقِيَاسُ الْبَيْعِ وَلَوْ مِنْ قَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهَا، (وَ) لَا إجَارَةُ (مَغْصُوبٍ لِغَيْرِ قَادِرٍ عَلَيْهِ) - أَيْ عَلَى أَخَذَهُ مِنْ غَاصِبِهِ - لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ كَبَيْعِهِ، وَكَذَا الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ، وَلَا إجَارَةُ (طَيْرٍ لِحَمْلِ كُتُبٍ) ؛ لِتَعْذِيبِهِ. قَالَ فِي " الْمُوجَزِ " (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ دِيكٍ (لِيُوقِظَهُ لِلصَّلَاةِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى فِعْلِ الدِّيكِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ مِنْهُ بِضَرْبٍ وَلَا غَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ. و (لَا) تَصِحُّ إجَارَةٌ (مُشَاعٍ) مِنْ عَيْنٍ تُمْكِنُ قِسْمَتُهَا أَوْ لَا (مُفْرَدٍ) عَنْ بَاقِي الْعَيْنِ (لِغَيْرِ شَرِيكٍ) بِالْبَاقِي. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ (لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَصِحُّ كَالْمَغْصُوبِ. و (لَا) تَصِحُّ إجَارَةُ (عَيْنٍ وَاحِدَةٍ) مَمْلُوكَةٍ لِوَاحِدٍ (لِعَدَدِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ بِأَنْ أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ دَابَّتَهُ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ إجَارَةَ الْمُشَاعِ، (خِلَافًا ل) اخْتِيَارِ (جَمْعٍ فِيهِمَا) - أَيْ: إجَارَةِ الْمُشَاعِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ، وَفِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ لِعَدَدٍ - مِنْهُمْ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي حَوَاشِيهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " قَالَ الْمُنَقَّحُ وَهُوَ - أَيْ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ - رِوَايَةٌ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ - أَيْ عَمَلُ الْحُكَّامِ إلَى زَمَنِنَا - وَقَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ الصَّوَابُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الشَّرِيكِ مِمَّنْ يُشْرِكُهُ مَا عَدَا مَالَهُ فِيهِ، وَالْوَاحِدُ مِنْ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ جَمِيعُهُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الْمَجْدِ: فَإِنْ أَجَّرَ اثْنَانِ دَارَهُمَا مِنْ رَجُلٍ فِي صَفْقَةٍ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِعَشْرَةٍ، وَالْآخَرَ بِعِشْرِينَ؛ جَازَ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهُمَا أَجَازَا الْمُسَاقَاةَ مِنْ الْمُثَنَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 610 مَعَ الْوَاحِدِ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْجَزَاءِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إجَارَةَ الْمُشَاعِ وَالْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ لِعَدَدٍ؛ لَا تَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالْمُخْتَارَةِ لِلْجَمْعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ؛ تَصِحُّ، وَصَوَّبَ ذَلِكَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَاسْتَظْهَرَهُ فِي " التَّنْقِيحِ " خُصُوصًا وَقَدْ عَضَدَهُ عَمَلُ حُكَّامِ الْحَنَابِلَةِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَطَاوِلَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ تَصِحُّ) الْإِجَارَةُ فِي صُورَةِ (مَا لَوْ أَجَّرَ عَيْنًا) مَعْلُومَةً بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْوَصْفِ (لِعَدَدِ) اثْنَيْنِ، فَأَكْثَرَ (يُمْكِنُ انْتِفَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْعَدَدِ الْمُسْتَأْجِرِينَ (بِهَا) - أَيْ الْعَيْنِ - (فِي آنٍ) - أَيْ زَمَنٍ - (وَاحِدٍ؛ كَسَفِينَةٍ وَإِنَاءٍ يَرْكَبُونَهَا) - أَيْ السَّفِينَةَ - (وَيَأْكُلُونَ فِيهِ) - أَيْ الْإِنَاءِ - (جَمِيعًا) حَيْثُ رَضُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْمَنْفَعَةَ بِالِاسْتِئْجَارِ، (بِخِلَافِ نَحْوِ سَيْفٍ) وَرُمْحٍ وَنُشَّابٍ (وَكِتَابٍ) ؛ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ انْتِفَاعِ الْعَدَدِ بِذَلِكَ فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. . (وَلَوْ أَجَّرَا) - أَيْ اثْنَانِ - (دَارَهُمَا) الْمُشْتَرَكَةَ (لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَقَالَهُ أَحَدُهُمَا) - أَيْ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ - (صَحَّ) فِي نَصِيبِهِ، (وَبَقِيَ الْعَقْدُ) - أَيْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ - (فِي نَصِيبِ) الشَّرِيكِ (الْآخَرِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةُ (امْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ بِلَا إذْنِهِ) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَفْوِيتًا لِحَقِّ الزَّوْجِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ؛ لِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِمَا اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ - (وَلَوْ) كَانَتْ (أَمَةً - زَمَنَ حَقِّ زَوْجٍ) . (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا) بَعْدَ أَنْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا، ثُمَّ ادَّعَتْ (عَلَى مُكْتَرٍ أَنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ) ؛ لِتُسْقِطَ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْإِجَارَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، (وَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ ادَّعَتْ (عَلَى زَوْجٍ أَنَّهَا مُؤَجَّرَةٌ قَبْلَ النِّكَاحِ) فِي حَقِّ الزَّوْجِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا تَدْعِيهِ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 611 لِتَضَمُّنِهِ إسْقَاطَ حَقِّ الزَّوْجِ وَالْمُسْتَأْجِرِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. (وَلِزَوْجِ) مُؤَجَّرَةٍ (وَطْءُ) هَا (زَمَنَ إجَارَةٍ إنْ لَمْ يُشْغِلْهَا) عَمَّا اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ؛ لِسَبْقِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ. (وَلَا) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ (عَلَى دَابَّةٍ مُؤَجَّرَةٍ لِيَرْكَبَهَا) الْمُؤَجِّرُ؛ كَاسْتِئْجَارِ دَارِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ، لَكِنْ لَا يَمْنَعُ؛ ذَلِكَ إعَارَتَهَا لِمُؤَجَّرِهَا فِي اثِّنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. [فَرْعٌ اسْتِئْجَارُ نَاسِخٍ لِكَتْبِ كِتَابٍ أَوْ سِجِلَّاتٍ] (فَرْعٌ: يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ نَاسِخٍ لِكَتْبِ) كِتَابٍ (مُبَاحٍ) ؛ كَفِقْهٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ نَحْوٍ أَوْ شِعْرٍ مُبَاحٍ، (أَوْ) لِنَسْخِ (سِجِلَّاتٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، (وَشُرِطَ تَقْدِيرٌ) لِنَسْخٍ (بِمُدَّةٍ) كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ (أَوْ عَمَلٍ مَعْلُومٍ، فَإِذَا قُدِّرَ بِعَمَلٍ ذَكَرَ عَدَدَ وَرَقٍ وَقَدْرَهُ، وَعَدَدَ سُطُورِ كُلِّ وَرَقَةٍ، وَقَدْرَ حَوَاشٍ، وَدِقَّةَ قَلَمٍ وَغِلَظِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ ضَبْطُهُ بِالصِّفَةِ ضَبَطَهُ، وَإِلَّا) يُمْكِنْ ضَبْطُهُ (فَلَا بُدَّ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ) ؛ لِاخْتِلَافِ الْأَجْرِ بِاخْتِلَافِ الْخَطِّ. (وَيَجُوزُ تَقْدِيرُ أُجْرَةٍ بِأَجْزَاءِ فَرْعٍ أَوْ أَصْلٍ) مَنْقُولٍ عَنْهُ، (وَإِنْ قَاطَعَهُ عَلَى نَسْخِ الْأَصْلِ بِأَجْرٍ وَاحِدٍ؛ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ، (فَإِنْ أَخْطَأَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ عُرْفًا) ، وَهُوَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ؛ (عُفِيَ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: لَا يَنْقُصُ شَيْءٌ مِنْ أَجْرِ النَّاسِخِ بِعَيْبٍ يَسِيرٍ، وَإِلَّا فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيمَا وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ، وَعَلَيْهِ نَسْخُهُ فِي الْمَكَانِ، وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَهُ بِذَلِكَ مِنْ الْكَاغِدِ، (وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا عُرْفًا) بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ، (فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَيْسَ لَهُ) - أَيْ الْأَجِيرِ لِلنَّسْخِ - (مُحَادَثَةُ غَيْرِهِ حَالَةَ النَّسْخِ، وَلَا التَّشَاغُلُ بِمَا يُشْغِلُ سِرَّهُ، وَيُوجِبُ غَلَطَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ تَحْدِيثُهُ وَشَغْلُهُ، وَكَذَا الْأَعْمَالُ الَّتِي تَخْتَلُّ بِشَغْلِ السِّرِّ وَالْقَلْبِ؛ كَقِصَارَةٍ وَنِسَاجَةٍ) وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْمُسْتَأْجِرِ. [تَتِمَّةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ سِمْسَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ ثِيَابًا وَنَحْوَهَا] ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ؛ كَالْبِنَاءِ، فَإِنْ عَيَّنَ الْعَمَلَ دُونَ الزَّمَانِ، فَجَعَلَ لَهُ مِنْ كُلِّ أَلْفِ دِرْهَمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا؛ صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا اشْتَرَيْت ثَوْبًا؛ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَكَانَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 612 الثِّيَابُ مَعْلُومَةً أَوْ مُقَدَّرَةً بِثَمَنٍ، جَازَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِلْجَهَالَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِيَبِيعَ لَهُ ثِيَابًا بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ؛ فَجَازَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ كَشِرَاءِ الثِّيَابِ. [فَصْلٌ الْإِجَارَةُ ضَرْبَانِ] (فَصْلٌ: وَالْإِجَارَةُ ضَرْبَانِ) (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) : أَنْ تَقَعَ (عَلَى) مَنْفَعَةِ (عَيْنٍ) ، وَلَهَا صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ إلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ، وَالْأُخْرَى أَنْ تَكُونَ إلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ، وَسَتَأْتِيَانِ، ثُمَّ الْعَيْنُ تَارَةً مُعَيَّنَةً؛ ك اسْتَأْجَرْتُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ يَخْدِمُنِي سَنَةً بِكَذَا؛ أَوْ لِيَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا، وَتَارَةً تَكُونُ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ؛ ك اسْتَأْجَرْتُ مِنْك حِمَارًا صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، لِأَرْكَبَهُ سَنَةً بِكَذَا وَكَذَا، أَوْ إلَى بَلَدِ كَذَا بِكَذَا، وَلِكُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ شُرُوطٌ، وَبَدَأَ بِشُرُوطِ الْمَوْصُوفَةِ؛ لِقِلَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، فَقَالَ:. (وَشَرْطُ اسْتِقْصَاءِ صِفَاتِ سَلَمٍ فِي) عَيْنٍ (مَوْصُوفَةٍ بِذِمَّةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ، فَإِنْ اُسْتُقْصِيَتْ صِفَاتُ السَّلَمِ؛ كَانَ أَقْطَعَ لِلنِّزَاعِ، وَأَبْعَدَ مِنْ الْغَرَرِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ؛ أَيْ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ اسْتِقْصَاءُ صِفَاتِ السَّلَمِ فِي عَيْنٍ (مُعَيَّنَةٍ غَيْرِ غَائِبَةٍ) عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ؛ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُشَاهَدَةٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَاشْتَرَطَ لَهَا مَا يَشْتَرِطُ لَمَا فِي الذِّمَّةِ. وَيَتَّجِهُ (أَنَّهُ) . أَيْ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ - (لَا يُنَافِيه مَا مَرَّ) أَوَّلَ الْبَابِ (مِنْ عَدَمِ) اشْتِرَاطِ (تَعْيِينِ نَوْعٍ) مَأْجُورٍ (وَذُكُورَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ إجَارَةُ مَنْفَعَةٍ) ، وَهَذَا إجَارَةُ عَيْنٍ مُرَادٍ بِهَا الِانْتِفَاعُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ جَرَتْ) إجَارَةٌ عَلَى عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ بِذِمَّةٍ (بِلَفْظِ سَلَمٍ) ؛ ك أَسْلَمْتُك هَذَا الدِّينَارَ فِي خِدْمَةِ عَبْدٍ صَنْعَتُهُ كَذَا، وَقِبَلَ الْمُؤَجِّرُ؛ (اُعْتُبِرَ قَبْضُ أُجْرَةٍ بِمَجْلِسٍ) جَرَى فِيهِ الْعَقْدُ؛ لِئَلَّا يَصِيرَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، (وَ) اُعْتُبِرَ (تَأْجِيلُ نَفْعٍ) إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 613 أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ؛ جَازَ التَّصَرُّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ. (وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ مَا ذُكِرَ (بِمَا لَهُ وَقْعٌ) فِي الْعَادَةِ؛ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. ثُمَّ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمُعَيَّنَةِ فَقَالَ: (وَشُرِطَ فِي) إجَارَةِ عَيْنٍ (مُعَيَّنَةٍ خَمْسَةُ) شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: (صِحَّةُ بَيْعٍ) ؛ أَيْ: كَوْنُهَا يَصِحُّ بَيْعُهَا؛ كَالْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ وَالثَّوْبِ وَالْخَيْمَةِ وَالْخَيْلِ وَالْجَمَلِ وَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْفَرَسِ وَاللِّجَامِ وَالسَّرِيرِ وَالْإِنَاءِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ؛ فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ لِحِرَاسَةٍ وَلَا لِصَيْدٍ وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، (سِوَى وَقْفٍ) - أَيْ مَوْقُوفٍ - (وَ) سِوَى (أُمِّ وَلَدٍ وَحُرٍّ وَحُرَّةٍ) ؛ فَتَصِحُّ إجَارَتُهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ، وَمَنَافِعُ الْحُرِّ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ؛ فَجَازَتْ إجَارَتُهَا كَمَنَافِعِ الْقِنِّ. (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَ) سِوَى (جِلْدِ أُضْحِيَّةٍ، وَ) جِلْدِ (عَقِيقَةٍ) فِي الْأُضْحِيَّةِ، أَمَّا الْعَقِيقَةُ؛ فَيَصِحُّ بَيْعُ جِلْدِهَا وَإِجَارَتُهُ قِيَاسًا عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ؛ إذْ تَصِحُّ إجَارَتُهَا، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّةِ إجَارَةِ الْمَنْفَعَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمُؤَجِّرِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إجَارَةِ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَأَجْنَبِيَّةٍ أُجِّرَتْ [لِغَيْرِ مَحْرَمِهَا] فِي نَظَرِ) مُسْتَأْجِرِهَا إلَيْهَا، (وَ) فِي (خَلَوْته) بِهَا؛ (كَغَيْرِهَا) مِنْ الْأَجَانِبِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً لِشُغْلٍ مُبَاحٍ لِعَمَلِهِ؛ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَانَ حُكْمُ النَّظَرِ إلَيْهَا وَالْخَلْوَةِ بِهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِجَارَةِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَجْنَبِيُّ الْأَمَةَ وَالْحُرَّةَ لِلْخِدْمَةِ، وَلَكِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 614 يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ النَّظَرِ لِلْحُرَّةِ. لَيْسَتْ الْأَمَةُ مِثْلَ الْحُرَّةِ، فَلَا يُبَاحُ لِلْمُسْتَأْجِرِ النَّظَرُ لِشَيْءٍ مِنْ الْحُرَّةِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ، فَيَنْظُرُ مِنْهَا إلَى الْأَعْضَاءِ السِّتَّةِ، أَوْ إلَى مَا عَدَّا عَوْرَةَ الصَّلَاةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي النِّكَاحِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُمَا كَالْأَجْنَبِيِّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ مَعَ إحْدَاهُمَا فِي بَيْتٍ، وَلَا يَنْظُرَ إلَى الْحُرَّةِ مُتَجَرِّدَةً، وَلَا إلَى شَعْرِهَا الْمُتَّصِلِ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ مِنْهَا، بِخِلَافِ الْأَمَةِ. (وَكُرِهَ اسْتِئْجَارُ أَصْلِهِ) كَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ - وَإِنْ عَلَوَا - (لِخِدْمَتِهِ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إذْلَالِ الْوَالِدَيْنِ بِالْحَبْسِ عَلَى خِدْمَةِ الْوَلَدِ. (وَصَحَّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ مُسْلِمًا) لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي الذِّمَّةِ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَقِصَارَتِهِ، أَوْ إلَى أَمَدٍ كَأَنْ يَسْتَقِي لَهُ أَوْ يَنْسَخُ أَوْ يُقَصِّرُ لَهُ ثِيَابًا شَهْرًا بِكَذَا، نَصًّا. و (لَا) يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا (لِخِدْمَتِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، إنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ الذِّمِّيِّ مِنْ خِدْمَتِهِ؛ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِي عَمَلِ شَيْءٍ؛ جَازَ، وَكَوْنُهَا تَصِحُّ لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَا يَتَضَمَّنُ إذْلَالَ الْمُسْلِمِ، وَلَا اسْتِخْدَامَهُ؛ أَشْبَهَ مُبَايَعَتَهُ، وَكَوْنُهَا لَا تَصِحُّ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ حَبْسَ الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْكَافِرِ، وَإِذْلَالَهُ لَهُ، وَاسْتِخْدَامَهُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ؛ أَشْبَهَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ. الشَّرْطُ (الثَّانِي مَعْرِفَتُهَا) - أَيْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لِلْعَاقِدَيْنِ - (بِرُؤْيَةٍ) إنْ كَانَتْ لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَاتِ؛ كَالدَّارِ وَالْحَمَّامِ (أَوْ صِفَةٍ تَحْصُلُ بِهَا) مَعْرِفَتُهَا؛ (كَمَبِيعٍ) ؛ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ، (فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ) الْمَعْرِفَةُ (بِهَا) - أَيْ الصِّفَةِ - (أَوْ كَانَتْ) الصِّفَةُ (لَا تَأْتِي فِيهَا) - أَيْ الْمُؤَجَّرَةِ -؛ (كَدَارٍ وَعَقَارٍ) مِنْ بَسَاتِينَ وَنَخِيلٍ وَأَرْضٍ، وَعَطْفُهُ عَلَى الدَّارِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ (اُشْتُرِطَتْ مُشَاهَدَتُهُ وَتَحْدِيدُهُ وَمُشَاهَدَةُ قَدْرِ حَمَّامٍ، وَمَعْرِفَةُ مَائِهِ، وَ) مَعْرِفَةُ (مَصْرِفِهِ) - أَيْ الْمَاءِ - (وَمُشَاهَدَةُ الْإِيوَانِ، وَمَطْرَحُ رَمَادٍ وَزِبْلٍ) . وَمَا رُوِيَ أَنَّ الْإِمَامَ كَرِهَ كَرْيَ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ مَنْ تَنْكَشِفُ عَوْرَتُهُ فِيهِ، حَمَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 615 عَلَى التَّنْزِيهِ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا حَيْثُ حَدَّدَهُ وَذَكَرَ جَمِيعَ السِّتَّةِ شُهُورٍ الْمُسَمَّاةِ. . الشَّرْطُ (الثَّالِثُ قُدْرَةُ) مُؤَجِّرٍ (عَلَى تَسْلِيمِهَا) - أَيْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ - (كَمَبِيعٍ) ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ أَشْبَهَتْ بَيْعَ الْأَعْيَانِ، (فَلَا تَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (فِي) عَبْدٍ (آبِقٍ وَنَحْوِهِ) كَجَمَلٍ شَارِدٍ، وَقِيَاسُ الْبَيْعِ [وَلَوْ] مِنْ قَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ، وَلَا مَغْصُوبٍ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَاصِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ، وَكَذَا الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ، (وَ) إجَارَةُ (مُشَاعٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ (كَمَا مَرَّ) مُفَصَّلًا. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ اشْتِمَالُهَا) - أَيْ الْعَيْنِ - (عَلَى النَّفْعِ) الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (الْمُرَادُ مِنْهَا، فَلَا تَصِحُّ) إجَارَةٌ (فِي) بَهِيمَةٍ (زَمِنَةٍ لِحَمْلٍ) أَوْ رُكُوبٍ، (وَلَا) أَرْضٍ (سَبِخَةٍ) لِزَرْعٍ، وَالسَّبِخَةُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ، (أَوْ) - أَيْ وَلَا إجَارَةُ أَرْضٍ - (لَا مَاءَ لَهَا لِزَرْعٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ. (وَيَتَّجِهُ) وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ (حَمَّامٍ خَرِبٍ أَوْ) - أَيْ وَلَا - (دَارٍ خَرِبَةٍ لِسُكْنَى) ؛ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ (إلَّا إنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَهُمَا) - أَيْ الْحَمَّامِ وَالدَّارِ - (لِبِنَاءٍ) ؛ فَتَصِحُّ؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةُ (أَخْرَسَ لِتَعْلِيمِ مَنْطُوقٍ أَوْ) - أَيْ وَلَا إجَارَةُ - (أَعْمَى لِحِفْظِ) ؛ أَيْ: لِيَحْفَظَ شَيْئًا يَحْتَاجُ رُؤْيَةً؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ. . الشَّرْطُ (الْخَامِسُ كَوْنُ مُؤَجِّرٍ يَمْلِكُ النَّفْعَ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ) بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ؛ كَحَاكِمٍ يُؤَجِّرُ مَالَ نَحْوِ سَفِيهٍ أَوْ غَائِبٍ، أَوْ وَقْفًا لَا نَاظِرَ لَهُ، أَوْ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 616 قِبَلِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ كَنَاظِرٍ خَاصٍّ. وَوَكِيلٍ فِي إجَارَةٍ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَنَافِعَ، فَاشْتُرِطَ فِيهَا ذَلِكَ؛ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ؛ (فَتَصِحُّ) الْإِجَارَةُ؛ (مِنْ مُسْتَأْجِرٍ) - لَعَيْنٍ (غَيْرِ حُرٍّ) أَنْ يُؤَجِّرَهَا (لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ فِي اسْتِيفَاءِ النَّفْعِ، أَوْ هُوَ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَالتَّسَلُّطُ عَلَى اسْتِيفَائِهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَيْنَ لِمَنْ هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلَا لِمَنْ يُخَالِفُ ضَرَرَهُ؛ لِمَا مَرَّ، مَا لَمْ يَكُنْ الْمَأْجُورُ حُرًّا، كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا، خِلَافًا " لِلتَّنْقِيحِ " حَيْثُ قَيَّدَ بِالْكَبِيرِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِهِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ يَدُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إنْ كَانَ كَبِيرًا، أَوْ يُسَلِّمُهُ وَلِيُّهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا. . وَتَصِحُّ إجَارَةِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ - (وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا) الْمُسْتَأْجِرُ -؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْعَيْنِ لَا يَنْتَقِلُ بِهِ الضَّمَانُ إلَيْهِ، فَلَمْ يَقِفْ جَوَازُ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَكِيلِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، (حَتَّى لِمُؤَجِّرِهَا) - أَيْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ - لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ جَازَ مَعَ غَيْرِ الْعَاقِدِ جَازَ مَعَهُ؛ كَالْبَيْعِ - (وَلَوْ بِزِيَادَةٍ) عَلَى مَا أَجَّرَهَا بِهِ الْمُؤَجِّرُ، وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا (بِنَقْصٍ) عَمَّا اُسْتُؤْجِرَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ بِرَأْسِ الْمَالِ، فَجَازَ بِنَقْصٍ وَزِيَادَةٍ، (مَا لَمْ تَكْفِ) إجَارَتُهُ لِمُؤَجِّرِهِ بِزِيَادَةِ (حِيلَةٍ كَعِينَةٍ) ؛ بِأَنْ أَجَّرَهَا بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ نَقْدًا، ثُمَّ اسْتَأْجَرَهَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ مُؤَجَّلًا؛ (فَلَا تَصِحُّ) حَسْمًا لِمَادَّةِ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي بِالْأُجْرَةِ، لِأَنَّ غَرِيمَ الْغَرِيمِ لَيْسَ بِغَرِيمٍ، قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: إنْ غَابَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ، أَوْ امْتَنَعَ؛ فَلِلْمُؤَجِّرِ رَفْعُ الْأَمْرِ إلَى الْحَاكِمِ، فَيَأْخُذُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي، وَيُوَفِّيهِ أُجْرَتَهُ، أَوْ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ، حَفِظَهُ لِلْمُسْتَأْجَرِ، وَإِنْ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ فَمَتَى وَجَدَ لَهُ مَالًا وَفَّاهُ مِنْهُ؛ كَمَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِذَا تَقَبَّلَ الْأَجِيرُ فِي ذِمَّتِهِ عَمَلًا بِأُجْرَةٍ كَخِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَهُ [بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يُعَنْ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 617 جَازَ أَنْ يَقْبَلَهُ بِمِثْلِ] الْأَجْرِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ؛ جَازَ بِدُونِهِ؛ كَالْبَيْعِ وَكَإِجَارَةِ الْعَيْنِ. (وَ) تَصِحُّ إجَارَةُ عَيْنٍ (مِنْ مُسْتَعِيرٍ بِإِذْنِ مُعِيرٍ) فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهَا؛ لَجَازَ، فَكَذَا فِي إجَارَتِهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَجَازَ بِإِذْنِهِ، (وَتَصِيرُ) الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ (أَمَانَةً) بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِصَيْرُورَتِهَا مُؤَجَّرَةً، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمُسْتَعِيرِ مُدَّةً لِلْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ إنْ عَيَّنَ لَهُ رَبَّهَا مُدَّةً تَقَيَّدَ بِهَا، وَإِلَّا فَكَوَكِيلٍ مُطْلَقٍ؛ كَمَا يُؤَجِّرُ الْعُرْفُ كَمَا يَأْتِي (وَالْأُجْرَةُ لِرَبِّهَا) - أَيْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ - دُونَ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهَا وَمَالِكٌ نَفْعَهَا، وَلِانْفِسَاخِ الْعَارِيَّةِ بِوُجُودِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا، لِكَوْنِ الْإِجَارَةِ أَقْوَى؛ لِلُزُومِهَا، وَلَا يَضْمَنُ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ مُسْتَعِيرٍ، وَيَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ. (وَ) تَصِحُّ إجَارَةٌ (فِي وَقْفٍ مِنْ نَاظِرِهِ) ، لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْإِيجَارِ؛ كَالْوَلِيِّ يُؤَجِّرُ عَقَارَ مُوَلِّيهِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَتَصِحُّ إجَارَةٌ مِنْ (مُسْتَحِقِّهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ - لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَهُ، فَلَهُ إجَارَتُهَا كَالْمُسْتَأْجِرِ، (لَكِنْ تَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ بِمُجَرَّدِ (مَوْتِ مُسْتَحِقٍّ) ، وَهُوَ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ؛ لِكَوْنِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ نَاظِرًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ "، وَأَبُو الْحُسَيْنِ أَيْضًا وَحَكَيَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا، (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ النَّاظِمُ وَصَاحِبُ " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَ " شَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ " وَالْقَاضِي فِي " الْمُنْجِزِ " فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ؛ كَمَا لَوْ عُزِلَ الْوَلِيُّ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ، وَكَمِلْكِهِ الطَّلْقَ، وَقَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": وَإِنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ انْفَسَخَتْ إنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ لَا تَنْفَسِخُ، وَهُوَ أَشْهُرٌ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَمَلُ الْحُكَّامِ عَلَى مُقَابِلِهِ. (وَلَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ (نَاظِرٍ) ، بِشَرْطٍ؛ بِأَنْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ، وَشَرَطَ لَهُ النَّظَرَ، أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ النَّظَرَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَلَهُ النَّظَرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 618 بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالشَّرْطِ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ بِشَرْطِ وَاقِفٍ، أَوْ أَقَامَهُ حَاكِمٌ، أَجْنَبِيًّا كَانَ أَوْ مُسْتَحِقًّا، وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ إيجَارَهُ هُنَا بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ، وَمَنْ يَلِي بَعْدَهُ إنَّمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيمَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ الْأَوَّلُ. (وَلَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ (بِعَزْلِهِ) - أَيْ: النَّاظِرِ - بِشَرْطِ الْوَاقِفِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": إنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ هُوَ النَّاظِرُ الْعَامُّ - أَيْ: الْحَاكِمُ - عِنْدَ عَدَمِ النَّاظِرِ الْخَاصِّ أَوْ مَنْ شَرَطَهُ لَهُ، وَكَانَ أَجْنَبِيًّا؛ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا. (وَيَتَّجِهُ وَلَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ (بِتَحَوُّلِ وَقْفٍ) عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ (لِجِهَةٍ أُخْرَى بَعْدَ انْقِطَاعِ) الْجِهَةِ الْأُولَى؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعَزْلِ، وَبَيْنَ التَّحَوُّلِ إلَى جِهَةٍ آلَ إلَيْهَا الْوَقْفُ؛ لِوُجُودِ الِانْتِقَالِ فِي كُلٍّ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَاذَا انْفَسَخَتْ) الْإِجَارَةُ (بِمَوْتِهِ) - أَيْ: النَّاظِرِ بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ - (رَجَعَ مُسْتَأْجِرٌ) عَجَّلَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْقَابِضِ إنْ كَانَ حَيًّا، (وَعَلَى تَرِكَتِهِ) إنْ كَانَ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَهُ حَقٌّ لِغَيْرِهِ فَبِمَوْتِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَجَّرَ مِلْكَهُ، وَمِلْكَ غَيْرِهِ، فَصَحَّ فِي مِلْكِهِ، دُونَ مِلْكِ غَيْرِهِ؛ كَمَا لَوْ أَجَّرَ دَارَيْنِ إحْدَاهُمَا لَهُ وَالْأُخْرَى لِغَيْرِهِ، فَلَا يَنْفُذُ عَقْدُهُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلَا وِلَايَةٍ، بِخِلَافِ الطَّلْقِ إذَا مَاتَ مُؤَجِّرُهُ، فَإِنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُوَرِّثِ، فَلَا يَمْلِكُ مِنْهُ إلَّا مَا خَلْفَهُ، وَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ فِي حَيَاتِهِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ، وَالْمَنَافِعُ الَّتِي أَجَّرَهَا قَدْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِالْإِجَارَةِ، فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ، وَالْبَطْنُ الثَّانِي فِي الْوَقْفِ يَمْلِكُونَ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ، فَمَا حَدَثَ مِنْهَا بَعْدَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَانَ مِلْكًا لَهُمْ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 619 فَقَدْ صَادَفَ تَصَرُّفَ الْمُؤَجِّرِ مِلْكُهُمْ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِمْ؛ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (وَكَذَا) - أَيْ: مِثْلُ النَّاظِرِ بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ - (مُؤَجِّرُ إقْطَاعِهِ) غَيْرَ إقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ، [أَمَّا هُوَ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ كَمَا يَأْتِي فِي التَّتِمَّةِ] ، (ثُمَّ يُقْطَعُهُ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - (غَيْرُهُ) - أَيْ: غَيْرُ الْمُؤَجِّرِ - يَنْتَزِعُ مَنْ آلَ إلَيْهِ الْوَقْفُ وَالْإِقْطَاعُ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَيَرْجِعُ مُسْتَأْجِرٌ عَجَّلَ أُجْرَتَهُ عَلَى وَرَثَةِ قَابِضٍ مَاتَ، أَوْ رَقِيقِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَجُوزُ إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ كَالْوَقْفِ، وَلَمْ يَزَلْ يُؤَجَّرُ مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ إلَى الْآنِ، وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ قَالَ: إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ لَا تَجُوزُ حَتَّى حَدَثَ فِي زَمَنِنَا، فَابْتُدِعَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " لَوْ أَجَّرَهُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْإِقْطَاعُ لِآخَرَ، فَذَكَرَ فِي " الْقَوَاعِدِ " أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَقْفِ إذَا انْتَقَلَ إلَى بَطْنٍ ثَانٍ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ تَنْفَسِخُ، لَكِنْ عَمَلُ الْحُكَّامِ مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ عَلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ كَانَتْ الْإِقْطَاعُ عُشْرًا أَوْ خَرَاجًا؛ بِأَنْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ إقْطَاعَ اسْتِغْلَالٍ، وَهُوَ عُشْرُ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ، أَوْ خَرَاجُهَا دُونَ الْأَرْضِ؛ لَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَرْضَ، وَلَا مَنْفَعَتَهَا كَتَضْمِينِهِ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاة أَنَّهُ بَاطِلٌ. (وَإِنْ أَجَّرَ سَيِّدٌ رَقِيقَهُ أَوْ) أَجَّرَ (وَلِيٌّ يَتِيمًا) مَحْجُورًا عَلَيْهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، (أَوْ) أَجَّرَ (مَالِهِ) - أَيْ: مَالِ مَحْجُورِهِ كَدَارِهِ أَوْ رَقِيقِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ - (ثُمَّ عَتَقَ) الرَّقِيقُ (الْمَأْجُورُ، أَوْ بَلَغَ) الْيَتِيمُ، (أَوْ رَشَدَ) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، (أَوْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ، أَوْ عُزِلَ) الْوَلِيُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ (لَمْ تَنْفَسِخْ) إجَارَةُ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَازِمٌ يَمْلِكُهُ الْمُتَصَرِّفُ؛ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَةً، ثُمَّ بَاعَهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ اُسْتُحِقَّتْ بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَلَمْ يَرْجِعْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 620 بِبَدَلِهَا، وَلَا تُفْسَخُ إجَارَةُ الْيَتِيمِ أَوْ مَالُهُ بِمَوْتِ الْوَلِيِّ الْمُؤَجِّرِ وَلَا عَزْلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ فِيمَا لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ يَبْطُلْ تَصَرُّفُهُ بِزَوَالِ وِلَايَتِهِ؛ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ، أَوْ بَاعَ دَارِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمُذَهَّبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَغَيْرِهِمْ، (إلَّا إنْ عَلِمَ) الْوَلِيُّ (بُلُوغَهُ) - أَيْ: الْيَتِيمِ - فِي الْمُدَّةِ؛ بِأَنْ كَانَ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةٍ، وَأَجَّرَهُ، أَوْ أَجَّرَ دَارِهِ سَنَتَيْنِ؛ فَتَنْفَسِخُ بِبُلُوغِهِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى صِحَّتِهَا عَلَى جَمِيعِ مَنَافِعِهِ طُولَ عُمُرِهِ، وَإِلَى تَصَرُّفِهِ فِي غَيْرِ زَمَنِ وِلَايَتِهِ عَلَى [الْمَأْجُورِ، (أَوْ) إلَّا إذَا عَلِمَ سَيِّدٌ (عِتْقَهُ) - أَيْ: الرَّقِيقِ - (بِتَعْلِيقٍ فِي الْمُدَّةِ) - أَيْ: مُدَّةِ -]- الْإِجَارَةِ - بِأَنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ سَنَةٍ، ثُمَّ أَجَّرَهُ سَنَتَيْنِ؛ فَتَنْفَسِخُ بِعِتْقِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِذَا لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ) بِمَوْتِ أَوْ عَزْلٍ مُؤَجِّرٍ لَا يَعْلَمُ عِتْقَ الرَّقِيقِ حِينَئِذٍ؛ (فَنَفَقَةُ قِنٍّ عِتْقٍ عَلَى سَيِّدٍ، إلَّا إنْ شُرِطَتْ) النَّفَقَةُ (عَلَى مُسْتَأْجِرٍ) ؛ فَعَلَيْهِ، وَإِذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ الْمُحْتَكَرَةُ، أَوْ وُرِثَتْ؛ فَالْحَكْرُ عَلَى مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. [تَتِمَّةٌ لَوْ وُرِثَ الْمَأْجُورُ أَوْ اُشْتُرِيَ أَوْ غَيْر ذَلِكَ] تَتِمَّةٌ: لَوْ وُرِثَ الْمَأْجُورُ، أَوْ اُشْتُرِيَ، أَوْ اتَّهَبَ أَوْ وَصَّى بِهِ لِإِنْسَانٍ، أَوْ أُخِذَ صَدَاقًا، أَوْ أَخَذَهُ الزَّوْجُ عِوَضًا عَنْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحًا؛ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا. قَطَعَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُنَقَّحِ " وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالُوا: وَتَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا الْمُسْتَأْجِرُ. [فَرْعٌ إذَا أَجَّرَ الْوَقْفَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَطَلَبَهُ غَيْرُ مُسْتَأْجِرِهِ بِزِيَادَةٍ] ٍ؛ فَلَا فَسْخَ وَكَذَا لَوْ أَجَّرَهُ الْمُتَوَلِّي عَلَى مَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ. [فَصْلٌ لِإِجَارَةِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَى مَنْفَعَتِهَا صُورَتَانِ] (فَصْلٌ: وَلِإِجَارَةِ الْعَيْنِ) الْمَعْقُودِ عَلَى مَنْفَعَتِهَا، مُعَيَّنَةً كَانَتْ أَوْ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ، (صُورَتَانِ) : الجزء: 3 ¦ الصفحة: 621 (إحْدَاهُمَا) أَنْ تَكُونَ (إلَى أَمَدٍ) كَهَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا، أَوْ فَرَسًا صِفَتُهُ كَذَا لِيَرْكَبَهُ يَوْمًا - (وَإِنْ طَالَ) الْأَمَدُ - لِأَنَّ كَوْنَ الْمُسْتَأْجِرِ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا غَالِبًا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْعَاقِدِ (إنْ لَمْ يَظُنَّ عَدَمَهَا) - أَيْ: الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ - بِنَحْوِ مَوْتٍ أَوْ هَدْمٍ (فِيهِ) - أَيْ: فِي أَمَدِ الْإِجَارَةِ - وَلَوْ مُدَّةً لَا يُظَنُّ فَنَاءُ الدُّنْيَا فِيهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ، بَلْ الْوَقْفُ أَوْلَى، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ " وَ " الْمُغْنِي ". وَالْمُسْقَفُ الْبَسِيطُ سَوَاءٌ. (وَشَرَطَ عِلْمَهُ) - أَيْ: الْأَمَدِ - (ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً؛ كَسَنَةٍ مِنْ الْآنَ) ؛ لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِهِ، أَوْ سَنَةً ابْتِدَاؤُهَا وَقْتُ كَذَا؛ لِأَنَّهُ الضَّابِطُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْمُعَرِّفُ لَهُ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ؛ كَالْمَكِيلَاتِ. (وَ) إنْ أَجَّرَهُ سَنَةً هِلَالِيَّةً فِي أَوَّلِهَا (مَعَ إطْلَاقِهَا) - أَيْ: السَّنَةِ - (تُحْمَلُ عَلَى الْأَهِلَّةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا) ؛ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ شَرْعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} [البقرة: 189] الْآيَةَ، فَإِنْ وَصَفَهَا، كَانَ تَأْكِيدًا، (وَلَوْ) كَانَتْ الْأَشْهُرُ (نَوَاقِصَ) ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى أَشْهُرٍ مَعْلُومَةٍ فِي ابْتِدَاءِ الشَّهْرِ؛ فَيَسْتَوْفِيهَا بِالْأَهِلَّةِ، تَامَّةً كَانَتْ أَوْ نَاقِصَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً. (وَ) إنْ كَانَ الْعَقْدُ (فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ يَكْمُلُ) بِالْعَدَدِ (عَلَى بَاقِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا) مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ وَآخِرِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ إتْمَامُهُ بِإِهْلَالٍ، فَتَمَمْنَاهُ بِالْعَدَدِ، (وَ) تُسْتَوْفَى (الْبَوَاقِي بِالْأَهِلَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا بِالْأَهِلَّةِ، وَهِيَ الْأَصْلُ، (وَكَذَا) حُكْمُ (كُلِّ مَا يُعْتَبَرُ بِالْأَشْهُرِ كَعِدَّةِ) وَفَاةٍ، (وَصَوْمِ) شَهْرَيْ (كَفَّارَةٍ، وَمُدَّةِ خِيَارٍ) ، وَأَجَلِ ثَمَنٍ وَسَلَمٍ؛ لِأَنَّهُ سَاوَى مَا تَقَدَّمَ مَعْنًى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ شَهْرًا؛ لَمْ تَحْتَجْ إلَى تَقْسِيطِ الْأُجْرَةِ عَلَى كُلِّ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 622 (وَإِنْ قَالَا سَنَةً عَدَدِيَّةً، أَوْ) قَالَا (سَنَةً بِالْأَيَّامِ؛ فَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْعَدَدِيَّ ثَلَاثُونَ) يَوْمًا، وَالسَّنَةَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، (وَإِنْ قَالَا سَنَةً رُومِيَّةً، أَوْ) سَنَةً (شَمْسِيَّةً، أَوْ) سَنَةً (فَارِسِيَّةً، أَوْ) (سَنَةً قِبْطِيَّةً - وَهُمَا يَعْلَمَانِهَا - صَحَّ) ذَلِكَ، (وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبُعُ يَوْمٍ) ، فَإِنَّ أَشْهُرَ الرُّومِ، مِنْهَا سَبْعَةٌ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَأَرْبَعَةٌ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَوَاحِدٌ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَهُوَ شُبَاطُ، وَزَادَهُ الْحِسَابُ رُبْعًا، وَشُهُورُ الْقِبْطِ كُلُّهَا ثَلَاثُونَ ثَلَاثُونَ، وَزَادُوهَا خَمْسَةً وَرُبُعًا لِتُسَاوِي سَنَتُهُمْ السَّنَةَ الرُّومِيَّةَ، وَإِنْ جَهِلَ الْمُتَعَاقِدَانِ مَا ذُكِرَ مِنْ السِّنِينَ غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، أَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِلْجَهْلِ بِمُدَّةِ الْإِيجَارِ. (وَلَا تَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَيُطْلَقُ) ؛ لِلْجَهَالَةِ؛ لِافْتِقَارِ الْأَمَدِ إلَى التَّعْيِينِ - (وَلَوْ بِمُدَّةٍ تَلِي الْعَقْدَ - خِلَافًا لَهُ) - أَيْ - " لِلْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ تَلِيه - أَيْ الْعَقْدَ - لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهِ - أَيْ الِابْتِدَاءِ - وَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ، فَقَالَ: إنْ أَجَّرْتُك شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَنَحْوَهُمَا كَأُسْبُوعٍ؛ فَيَصِحُّ انْتَهَى كَلَامُ " الْإِقْنَاعِ " مَعَ شَرْحِهِ. وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ، فَاحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ. . (وَلَا) يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى مَا يَقَعُ اسْمُهُ عَلَى شَيْئَيْنِ؛ كَقَوْلِهِ أَجَّرْتُك (لِنَحْوِ رَبِيعٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَرَبِيعُ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي؟ (أَوْ عِيدٍ) لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَعِيدُ الْفِطْرِ أَوْ النَّحْرِ؟ أَوْ جُمَادَى كَذَلِكَ؟ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ مِنْ أَيِّ سَنَةٍ وَعَلَى يَوْمٍ مِنْ أَيِّ أُسْبُوعٍ قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَلِيَ) مُدَّةُ الْإِجَارَةِ (الْعَقْدَ، فَتَصِحُّ) إجَارَةُ عَيْنٍ (لِسَنَةِ خَمْسٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ) ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مَعَ غَيْرِهَا، فَجَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُفْرَدَةً كَالَّتِي تَلِي الْعَقْدَ. (وَلَوْ) كَانَتْ الْعَيْنُ (مُؤَجَّرَةً أَوْ مَرْهُونَةً) وَقْتَ عَقْدٍ، (وَيَتَّجِهُ) تَصِحُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 623 إجَارَةُ الْمَرْهُونَةِ - (وَلَوْ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ) - إنْ أَمْكَنَ التَّسْلِيمُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. أَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ (مَشْغُولَةً) بِنَحْوِ زَرْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ رَهْنٍ (وَقْتَ عَقْدٍ) ؛ كَمُسْلَمٍ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ وَقْتَ عَقْدٍ (إنْ قَدَرَ) مُؤَجِّرٌ (عَلَى تَسْلِيمِ) مَا أَجَّرَهُ (عِنْدَ وُجُوبِهِ) - أَيْ التَّسْلِيمِ - فَهُوَ أَوَّلُ دُخُولِ الْمُدَّةِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " فَمُرَادُ الْأَصْحَابِ مُتَّفِقٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُؤَجَّرِ، وَيُعْتَبَرُ التَّسْلِيمُ وَقْتَ وُجُوبِهِ. إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، (فَلَا تَصِحُّ) إجَارَةٌ (فِي) أَرْضٍ (مَشْغُولَةٍ بِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ) وَنَحْوِهِمَا؛ كَأَمْتِعَةٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَذَّرُ تَحْوِيلُهَا إذَنْ، إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ صَاحِبِ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ (عِنْدَهُ) ؛ أَيْ: عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ. قَالَ فِي " الْفَائِقِ " ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا عَدَمُ صِحَّةِ إجَارَةِ الْمَشْغُولِ بِمِلْكِ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ أَرْضٍ مَشْغُولَةٍ بِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ لِلْغَيْرِ، مَا لَمْ يَأْذَنْ مَالِكُهَا، فَإِنْ أَذِنَ فَيَنْبَغِي الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ. (وَمَا لَمْ يُمْكِنْ إزَالَتُهُ) - أَيْ الشَّاغِلِ لِلْأَرْضِ - كَالْمَتَاعِ الْكَثِيرِ فِي الْبَيْتِ أَوْ الطَّعَامِ فِي الْمَخْزَنِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَتْ إزَالَتُهُ (فِي الْحَالِ) ؛ جَازَتْ إجَارَتُهُ لِغَيْرِهِ وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي " جَمْعِ الْجَوَامِعِ " وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 624 تَتِمَّةٌ: لَوْ كَانَتْ مَشْغُولَةً فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ، ثُمَّ خَلَتْ فِي أَثْنَائِهَا، فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: يَتَوَجَّهُ صِحَّتُهَا فِيمَا خَلَتْ فِيهِ مِنْ الْمُدَّةِ بِقِسْطِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَكَذَا يَتَّجِهُ فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهَا فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ، ثُمَّ أَمْكَنَ فِي أَثْنَائِهَا. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةُ عَيْنٍ مَرْهُونَةٍ (مِنْ رَاهِنِهَا) لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ (لَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَاءٍ) مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ؛ إذْ لَوْ قِيلَ بِالصِّحَّةِ؛ لَلَزِمَ تَأْخِيرُ حَقِّ الْمُرْتَهِن، وَإِنْ اتَّفَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى إيجَارِ الْمَرْهُونِ، جَازَ. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةٍ (مِنْ وَكِيلٍ مُطْلَقٍ) لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ الْمُوَكِّلُ أَمَدًا (مُدَّةً طَوِيلَةً) ، كَخَمْسِ سِنِينَ، (بَلْ) يُؤَجَّرُ (الْعُرْفَ) الْمَعْهُودَ غَالِبًا؛ (كَسَنَتَيْنِ وَ) نَحْوِهِمَا (كَثَلَاثِ) سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مَعَ الْإِطْلَاقِ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِأَهْلِي خُبْزًا، فَاشْتَرَى قِنْطَارًا مِنْهُ؛ فَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْوَكِيلَ الْمُطْلَقَ (فِي) إجَارَةِ (حَيَوَانٍ) لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْعُرْفَ؛ (كَشَهْرَيْنِ وَثَلَاثٍ) ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِيهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَصِحُّ) إجَارَةٌ (فِي آدَمِيٍّ لِنَحْوِ رَعْيٍ) . قَالَ فِي " الْمُغْنِي "؛ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ اسْتِئْجَارِ الرَّاعِي (وَ) نَحْوِهِ؛ (كَخِدْمَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 625 لَا يَخُصُّ، (وَيُسَمَّى) مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً (الْأَجِيرَ الْخَاصَّ؛ لِتَقْدِيرِ زَمَنٍ يَسْتَحِقُّ مُسْتَأْجِرُهُ نَفْعَهُ فِي جَمِيعِهِ) مُخْتَصًّا بِهِ، (سِوَى) زَمَنِ (فِعْلِ) الصَّلَوَاتِ (الْخَمْسِ بِسُنَنِهَا) الرَّاتِبَةِ (فِي أَوْقَاتِهَا) الْمَشْرُوعَةِ فِيهَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّ لِلْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِعْلَ الصَّلَاةِ (جَمَاعَةً) ، لَكِنْ قَالَ الْمَجْدُ: ظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ خُصُوصِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ شَرْطٍ، (وَ) سِوَى زَمَنِ فِعْلِ (صَلَاةِ جُمُعَةٍ، وَ) صَلَاةِ (عِيدِ) [فِطْرٍ أَوْ أَضْحَ؛] فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ شَرْعًا، وَعَلَى قِيَاسِ الْخَمْسِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حُضُورُهَا. . (وَلَا يَسْتَنِيبُ) أَجِيرٌ خَاصٌّ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ؛ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى عَيْنِهِ؛ كَمَنْ أَجَّرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِمَنْ يَرْكَبُهَا مُدَّةً، فَلَيْسَ لَهُ إبْدَالُهَا. (ثَانِيهمَا) - أَيْ الصُّورَتَيْنِ - أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمَعْقُودُ عَلَى مَنْفَعَتِهَا (لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ؛ كَدَابَّةٍ) مُعِينَةً أَوْ مَوْصُوفَةً (لِرُكُوبٍ لِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ) ، أَوْ لِحَمْلِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ إلَى مُعَيَّنٍ (كَبَلَدِ كَذَا، وَ) لَهُ (أَنْ يَرْكَبَ) الدَّابَّةَ الْمُسْتَأْجَرَةَ، لِلرُّكُوبِ (لِمَنْزِلِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) مَنْزِلُهُ (فِي أَوَّلِ عِمَارَتِهِ) - أَيْ الْبَلَدِ - لِأَنَّهُ الْعُرْفُ، (وَلَهُ) - أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ - (رُكُوبُ) مُؤَجَّرَةٍ لِمَحَلِّ (مِثْلِهِ) - أَيْ الْمَكَانِ الَّذِي اسْتَأْجَرَ إلَيْهِ (فِي جَادَّةٍ) - أَيْ طَرِيقٍ - (مُمَاثِلَةٍ) لِلطَّرِيقِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (فِي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 626 مَسَافَةٍ و (سُهُولَةٍ وَأَمْنٍ وَضِدِّهَا) - أَيْ فِي حُزُونَةٍ - وَخَوْفٍ، فَلَوْ كَانَتْ الطَّرِيقُ الَّتِي يَعْدِلُ إلَيْهَا أَقَلَّ ضَرَرًا؛ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " جَازَ فِي الْأَكْثَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " لِأَنَّ الْمَسَافَةَ عُيِّنَتْ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا الْمَنْفَعَةَ، وَيَعْلَمَ قَدْرَهَا بِهَا؛ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ كَنَوْعِ الْمَحْمُولِ وَالرَّاكِبِ، (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ) فِي " الْمُغْنِي " جَوَازَ الْعُدُولِ إلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، (إنْ لَمْ يَكُنْ لِمُكْرٍ غَرَضٌ فِي) الْمَحَلِّ (الْأَوَّلِ) . قَالَ وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ مَتَى كَانَ لِلْمُكْرِي غَرَضٌ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ، لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهَا؛ (كَمُكْرٍ جِمَالَهُ لِمَكَّةَ لِيَحُجَّ مَعَهَا، أَوْ) إلَى (بَلَدٍ بِهِ أَهْلُهُ؛ فَلَا يَعْدِلُ مُكْتَرٍ لِغَيْرِهِ) ، وَلَوْ أَكْرَى جِمَالَهُ جُمْلَةً إلَى بَلَدٍ أُخْرَى، (وَيَتَّجِهُ تَصْوِيبُهُ) - أَيْ تَصْوِيبِ مَا قَالَهُ الْمُوَفَّقُ - وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَقَالَ: وَلَوْ أَكْرَى جِمَالَهُ إلَى بَغْدَادَ؛ لِكَوْنِ أَهْلِهِ بِهَا أَوْ بِبَلَدِ الْعِرَاقِ؛ لَمْ يَجُزْ الذَّهَابُ بِهَا إلَى مِصْرَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْمَسَافَةَ لِغَرَضٍ فِي فَوَاتِهِ ضَرَرٌ؛ فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيتُهُ، كَمَا فِي حَقِّ الْمُكْرِي، فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ حَمَلَهُ إلَى غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي اُكْتُرِيَ إلَيْهِ؛ لَمْ يَجُزْ. انْتَهَى. وَإِنْ سَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ أَبْعَدَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي اسْتَأْجَرَ إلَيْهِ، أَوْ سَلَكَ أَشَقَّ مِنْهُ؛ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ. (وَمَنْ اكْتَرَى) بَعِيرًا وَنَحْوَهُ (لِمَكَّةَ؛ لَا يَرْكَبُ لِعَرَفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، (وَ) لَوْ اكْتَرَى (لِلْحَجِّ، فَلَهُ الرُّكُوبُ لِمَكَّةَ، ثُمَّ) الرُّكُوبُ مِنْ مَكَّةَ (لِعَرَفَةَ، ثُمَّ) الرُّكُوبُ (لِمَكَّةَ) لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ؛ (ثُمَّ) الرُّكُوبُ (لِمِنًى لِرَمْيِ الْجِمَارِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ بِلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ قَدْ انْقَضَى. (وَلَا يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 627 السَّيْرِ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِمَا، وَلَا مَقْدُورًا عَلَيْهِ لَهُمَا، (وَإِنْ سُنَّ) ذِكْرُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، (لَا سِيَّمَا إذَا كَانَا بِطَرِيقٍ لَيْسَ السَّيْرُ فِيهِ إلَيْهِمَا) ، وَإِنْ كَانَ الْكَرْيُ فِي طَرِيقِ السَّيْرِ إلَيْهِمَا؛ اُسْتُحِبَّ ذِكْرُ قَدْرِ السَّيْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَإِنْ أَطْلَقَ وَالطَّرِيقُ مَنَازِلُ مَعْرُوفَةٌ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ، وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ السَّيْرِ أَوْ وَقْتِهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، أَوْ اخْتَلَفَا فِي مَوْضِعِ الْمَنْزِلِ، إمَّا دَاخِلَ الْبَلَدِ، أَوْ فِي خَارِجٍ مِنْهُ؛ حُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلطَّرِيقِ عُرْفٌ وَأَطْلَقَا الْعَقْدَ، فَقَالَ الْمُوَفَّقُ: الْأَوْلَى صِحَّةُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِتَقْدِيرِ السَّيْرِ، وَيَرْجِعُ إلَى الْعُرْفِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الطَّرِيقِ. (وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَوَابِّ الْعَمَلِ، (كَبَقَرٍ) مُعَيَّنَةً أَوْ مَوْصُوفَةً (لِحَرْثِ) أَرْضٍ مَعْلُومَةٍ لَهُمَا بِالْمُشَاهَدَةِ؛ لِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ بِالصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ، فَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْبَقَرَ وَحْدَهَا لِيَحْرُثَ هُوَ بِهَا، وَأَنْ يَسْتَأْجِرَهَا مَعَ صَاحِبِهِ بِآلَتِهَا مِنْ سِكَّةٍ وَغَيْرِهَا، وَيَجُوزُ تَقْدِيرُ الْعَمَلِ بِالْمِسَاحَةِ كَجَرِيبٍ أَوْ جَرِيبَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ، وَبِالْمُدَّةِ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَهُوَ مِنْ الصُّورَةِ الْأُولَى الَّتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ، لَا مِنْ الثَّانِيَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيَعْتَبِرُ تَعْيِينَ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ. فَائِدَةٌ وَإِنْ شَرَطَ الْمُسْتَأْجِرُ حَمَلَ زَادٍ مُقَدَّرٍ كَمِائَةِ رِطْلٍ، وَشَرَطَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يُبْدِلَ مِنْهَا مَا نَقَصَ بِالْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِصِحَّةِ الشَّرْطِ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُبْدِلَهُ؛ فَلَيْسَ لَهُ إبْدَالُهُ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، فَإِنْ ذَهَبَ بِغَيْرِ الْأَكْلِ؛ كَسَرِقَةٍ، أَوْ سُقُوطٍ ضَاعَ بِهِ؛ فَلَهُ إبْدَالُ مَا سُرِقَ أَوْ ضَاعَ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ إبْدَالًا، وَلَا عَدَمَهُ؛ فَلَهُ إبْدَالُ مَا ذَهَبَ بِسَرِقَةٍ أَوْ أَكْلٍ - وَلَوْ مُعْتَادًا - كَالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ حَمْلَ مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ؛ فَمَلَكَهُ مُطْلَقًا. (أَوْ) بَقَرٍ (لِدِيَاسِ) زَرْعٍ (مُعَيَّنٍ) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ؛ كَالْحَرْثِ، (أَوْ) اسْتِئْجَارُ (آدَمِيٍّ) حُرٍّ أَوْ قِنٍّ؛ (لِيَدُلَّ عَلَى طَرِيقٍ) ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 628 اسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأُرَيْقِطِ هَادِيًا خِرِّيتًا - وَهُوَ الْمَاهِرُ - بِالْهِدَايَةِ لِيَدُلَّهُمَا عَلَى الطَّرِيقِ إلَى الْمَدِينَةِ» ، (أَوْ يُلَازِمَ غَرِيمًا) يَسْتَحِقُّ مُلَازَمَةً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُحِقٌّ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ فِي الظَّاهِرِ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِالْحَقِّ، (أَوْ يَخِيطَ، أَوْ يُقَصِّرَ ثَوْبًا أَوْ يَقْلَعَ سِنًّا) أَوْ ضِرْسًا مُعِينَيْنِ. (أَوْ) اسْتِئْجَارُهُ (لِفَصْدٍ أَوْ خَتْنٍ) أَوْ حَلْقِ شَعْرٍ أَوْ تَقْصِيرِهِ أَوْ قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ؛ لِلْحَاجَةِ إلَى قَطْعِهِ لِنَحْوِ أَكْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَلَا يُكْرَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ، وَمَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ؛ يَحْرُمُ الْقَطْعُ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْعَ الشَّرْعِيَّ كَالْحِسِّيِّ. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَمِثْلُهُ حَلْقُ اللِّحْيَةِ؛ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ. أَوْ اسْتِئْجَارُ طَبِيبٍ (لِمُدَاوَاةِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ) ؛ فَيَصِحُّ، (أَوْ حَلْبِ) حَيَوَانٍ (وَذَبْحِ أَوْ سَلْخِ حَيَوَانٍ) مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا أَعْمَالٌ مُبَاحَةٌ، لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ؛ فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا؛ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ. (وَ) كَاسْتِئْجَارِ (رَحًى لِطَحْنِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ) مِنْ حَبٍّ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، فَمِنْهُ مَا يَسْهُلُ؛ وَمِنْهُ مَا يَعْسُرُ. [تَنْبِيهٌ مَا لَا عَمَلَ لَهُ كَدَارٍ وَأَرْضٍ لَا يُؤَجَّرُ إلَّا لِمُدَّةٍ] قَالَهُ الْمَجْدُ (وَمَا لَهُ عَمَلٌ يَنْضَبِطُ يَجُوزُ تَقْدِيرُ إيجَارِهِ بِمُدَّةٍ وَعَمَلٍ) ، وَيَكْفِي ذِكْرُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، (وَشَرْطُ عِلْمِ) كُلِّ (عَمَلٍ) اُسْتُؤْجِرَ لَهُ، (وَضَبْطُهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ مَجْهُولًا؛ فَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ مَعَهُ، (فَيُعْتَبَرُ فِي إجَارَةٍ دَابَّةٍ لِإِدَارَةِ رَحًى مَعْرِفَةُ) صَاحِبِ الدَّابَّةِ (الْحَجَرَ، إمَّا بِنَظَرِ أَوْ وَصْفٍ) ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْبَهِيمَةِ يَخْتَلِفُ بِثِقَلِهِ وَخِفَّتِهِ، (وَ) يُعْتَبَرُ [تَقْدِيرُ عَمَلٍ] بِزَمَانٍ؛ (كَيَوْمٍ) أَوْ يَوْمَيْنِ (أَوْ طَعَامٍ) اُعْتُبِرَ ذِكْرُ كَيْلِهِ؛ (كَقَفِيزٍ، وَ) اُعْتُبِرَ (ذِكْرُ جِنْسٍ مَطْحُونٍ؛ كَاسْتِئْجَارِ رَحًى لِطَحْنِ بُرٍّ) أَوْ شَعِيرٍ أَوْ ذُرَةٍ. (وَ) إنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً (لِإِدَارَةِ دُولَابٍ؛ اُعْتُبِرَ مُشَاهَدَتُهُ) - أَيْ الدُّولَابِ - (مَعَ) مُشَاهَدَةِ (دِلَائِهِ) ؛ لِاخْتِلَافِهَا، (وَ) اُعْتُبِرَ (تَقْدِيرُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (بِزَمَنٍ أَوْ مِلْءِ نَحْوِ حَوْضٍ، وَلَا) يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ (بِسَقْيِ أَرْضٍ لِتُرْوَى) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 629 وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً (لِسَقْيٍ بِدَلْوٍ اُعْتُبِرَ مُشَاهَدَتُهُ) - أَيْ الدَّلْوِ - (وَ) اُعْتُبِرَ (تَقْدِيرُهُ بِعَدَدِ) الدِّلَاءِ، (أَوْ زَمَنٍ) كَيَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ، (أَوْ بِمَاءٍ نَحْوَ حَوْضٍ) كَبِرْكَةٍ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَإِنْ قُدِّرَ السَّقْيُ (بِشُرْبِ مَاشِيَةٍ) ؛ جَازَ؛ (لِأَنَّ شُرْبَهَا يَتَقَارَبُ غَالِبًا) ؛ كَمَا يَجُوزُ تَقْدِيرُهُ (بِبَلِّ تُرَابٍ مَعْرُوفٍ) لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالْعُرْفِ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً (لِسَقْيٍ عَلَيْهَا؛ اُعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ الْآلَةِ) الَّتِي يَسْقِي فِيهَا (مِنْ رَاوِيَةِ أَوْ قِرْبَةٍ أَوْ جِرَارٍ) إمَّا بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ وَيُقَدَّرُ الْعَمَلُ بِالزَّمَانِ؛ كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ، أَوْ بِالْعَدَدِ، أَوْ بِمِثْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ قُدِّرَ الْعَمَلُ بِقَدْرِ الْمَرَّاتِ احْتَاجَ إلَى (مَعْرِفَةِ) الْمَكَانِ الَّذِي يَسْتَقِي مِنْهُ، وَمَعْرِفَةِ (الْمَكَانِ) الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ بِالْمَاءِ، وَيَصُبُّ فِيهِ (لِلسَّقْيِ مِنْ قُرْبٍ وَبُعْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ. وَمَنْ اكْتَرَى زَوْرَقًا - هُوَ نَوْعٌ مِنْ السُّفُنِ - فَزَوَاهُ؛ بِأَنْ جَمَعَهُ مَعَ زَوْرَقٍ لَهُ، فَغَرِقَا؛ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَرَةٌ لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى الْمُسَاوَاةِ كَكِفَةِ الْمِيزَانِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْرًا لِاسْتِقَاءِ مَاءٍ، فَقَرَنَهُ بِثَوْرٍ آخَرَ لِاسْتِقَاءِ الْمَاءِ، فَتَلِفَ؛ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَرَةٌ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّتَيْنِ وَاحِدَةً لِمَكَّةَ، وَالْأُخْرَى لِلْمَدِينَةِ؛ بَيَّنَ) الدَّابَّةَ (الَّتِي لِمَكَّةَ) ، وَبَيَّنَ الدَّابَّةَ (الَّتِي لِلْمَدِينَةِ) قَطْعًا لِلنِّزَاعِ. (وَ) إنْ اسْتَأْجَرَ (لِحَفْرِ نَحْوِ بِئْرٍ) كَمَغَارَةٍ (أَوْ) [حَفْرِ] (نَهْرٍ) أَوْ سَاقِيَةٍ؛ (اُعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ أَرْضٍ تُحْفَرُ، وَ) اُعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ (دُورِ بِئْرٍ، وَ) اُعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ (عُمْقِهَا) ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَخْتَلِفُ بِالصَّلَابَةِ وَضِدِّهَا، (وَ) اُعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ (آلَتِهَا إنْ طَوَاهَا) ؛ أَيْ: بَنَاهَا، وَاعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ (طُولِ نَهْرٍ وَعَرْضِهِ وَعُمْقِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ. وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِهَا، (فَعَلَيْهِ نَقْلُ تُرَابِهَا مِنْهَا) - أَيْ الْبِئْرِ - لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحَفْرُ إلَّا بِهِ، فَقَدْ تَضْمَنَّهُ الْعَقْدُ، (فَإِنْ تَهَوَّرَ) فِيهَا (تُرَابٌ مِنْ جَانِبِهَا، أَوْ سَقَطَ فِيهَا) - أَيْ الْبِئْرِ - (نَحْوُ بَهِيمَةٍ) فَانْهَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 630 بِهَا تُرَابٌ؛ (لَمْ يَلْزَمْهُ) - أَيْ الْأَجِيرَ - (إخْرَاجُهُ) - أَيْ التُّرَابِ - (وَهُوَ عَلَى مُكْتَرٍ) لِحَفْرِهَا، إنْ أَرَادَ تَنْظِيفَهَا؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ فِيهَا مِنْ مِلْكِهِ، وَلَمْ يَتَضَمَّنْ عَقْدَ الْإِجَارَةِ رَفْعَهُ. (وَإِنْ وَصَلَ الْأَجِيرُ) فِي الْحَفْرِ (لِصَخْرَةٍ أَوْ مَحَلٍّ صُلْبٍ) - بِضَمِّ الصَّادِ؛ أَيْ: جَمَادٍ - (يَمْنَعُ الْحَفْرَ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ) - أَيْ الْأَجِيرَ - (حَفْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ) الصَّخْرَ وَنَحْوَهُ (مُخَالِفٌ لَمَا شَاهَدَهُ فَوْقَ) ، فَإِذَا ظَهَرَ فِي الْأَرْضِ مَا يُخَالِفُ الْمُشَاهَدَةَ؛ كَانَ لِلْأَجِيرِ الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ؛ كَخِيَارِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ. (فَإِنْ فَسَخَ) الْأَجِيرُ؛ (فَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِسْطِ مَا عَمِلَ) ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْإِتْمَامِ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ، فَيَسْقُطُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْعَمَلِ، وَعَلَى مَا عَمِلَ الْأَجِيرُ، (فَيُقَالُ: كَمْ أَجْرُ مَا عَمِلَ وَكَمْ أَجْرُ مَا بَقِيَ) ؟ فَيَسْقُطُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا، فَإِذَا فَرَضْنَا أَنَّ أَجْرَ مَا عَمِلَ عَشْرَةٌ وَمَا بَقِيَ خَمْسَةً عَشَرَ؛ فَلَهُ خُمُسَانِ، (وَلَا يُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِ الْأَذْرُعِ؛ لِأَنَّ أَعْلَى الْبِئْرِ يَسْهُلُ نَقْلُ التُّرَابِ مِنْهُ، وَأَسْفَلَهُ يَشُقُّ) هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " وَالْمُبْدِعِ " وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. (فَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِ بِئْرِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ طُولًا وَعَشَرَةً عَرْضًا وَعَشَرَةً عُمْقًا، فَحَفَرَ الْأَجِيرُ خَمْسَةً طُولًا فِي خَمْسَةٍ عَرْضًا فِي خَمْسَةٍ عُمْقًا) ؛ وَأَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ لَهُ، (فَاضْرِبْ عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ فِي مِائَةٍ، فَاضْرِبْهَا فِي عَشَرَةٍ بِأَلْفٍ) ؛ فَهِيَ الَّتِي اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِهَا (وَاضْرِبْ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، فَاضْرِبْهَا فِي خَمْسَةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ) ، وَذَلِكَ الَّذِي حَفَرَهُ (وَهُوَ) - أَيْ الْخَارِجُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَلْفِ - (ثَمَنُ الْأَلْفِ فَلَهُ) - أَيْ الْأَجِيرِ - (ثَمَنُ الْأُجْرَةِ) ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِثَمَنِ الْعَمَلِ، وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا قَدَّمَهُ، فَتَنَبَّهْ لَهُ، وَهَذَا قَوْلُ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ " وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ، وَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْأَوَّلَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ. وَإِنْ نَبَعَ مِنْ الْمَحْفُورِ مِنْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ مَا مَنَعَ الْأَجِيرَ مِنْ الْحَفْرِ؛ فَكَالصَّخْرَةِ فِي الْحُكْمِ، لِلْأَجِيرِ الْفَسْخُ، وَيُقَسَّطُ الْمُسَمَّى عَلَى مَا عَمِلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 631 وَمَا بَقِيَ، وَيَأْخُذُ بِالْقِسْطِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُحْكَى أَنَّ شَخْصَيْنِ مَعَ أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةُ أَرْغِفَةٍ وَمَعَ الْآخَرِ خَمْسَةُ، فَخَلَطَا الْجَمِيعَ، فَجَاءَهُمَا ثَالِثٌ، فَأَكَلَ مَعَهُمَا، ثُمَّ أَجَازَهُمَا بِثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ، فَتَرَافَعَا إلَى عَلِيٍّ، فَحَكَمَ لِرَبِّ الثَّلَاثَةِ بِوَاحِدٍ، وَلِرَبِّ الْخَمْسَةِ بِسَبْعَةٍ، وَقَالَ لَهُمَا: لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْخُبْزِ يُضْرَبُ فِي ثَلَاثَةٍ عَدَدِ الْأَشْخَاصِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ تُضْرَبُ أَرْغِفَةُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي الثَّلَاثَةِ؛ فَلِرَبِّ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ، أُكِلَ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ، وَبَقِيَ وَاحِدٌ، وَلِرَبِّ الْخَمْسَةِ خَمْسَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، أُكِلَ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ، وَبَقِيَ سَبْعَةٌ؛ فَتَمَّ لِكُلٍّ ثَمَانِيَةٌ، وَهِيَ مَجْمُوعُ الْأَرْبَعِ وَعِشْرِينَ. [تَنْبِيهٌ وَلَا تُعْرَفُ الْأَرْضُ الْمُرَادَةُ لِلْحَرْثِ بِغَيْرِ مُشَاهَدَةٍ] (تَنْبِيهٌ: وَلَا تُعْرَفُ الْأَرْضُ) الْمُرَادَةُ (لِلْحَرْثِ بِغَيْرِ مُشَاهَدَةٍ) ؛ لِاخْتِلَافِهَا بِالصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ، (وَأَمَّا تَقْدِيرُ الْعَمَلِ، فَيَجُوزُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إمَّا بِمُدَّةٍ كَيَوْمٍ، أَوْ تَحْدِيدِ عَمَلٍ) ؛ كَقَوْلِهِ: (هَذِهِ الْقِطْعَةُ، أَوْ) قَوْلِهِ: (اُحْرُثْ مِنْ هُنَا إلَى هُنَا، أَوْ) بِمِسَاحَةٍ؛ كَقَوْلِهِ لَهُ اُحْرُثْ (جَرِيبًا) ، أَوْ جَرِيبَيْنِ، أَوْ كَذَا ذِرَاعًا فِي كَذَا ذِرَاعًا، (وَمَعَ تَقْدِيرِهِ) - أَيْ الْعَمَلِ - (بِمُدَّةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ بَقَرٍ تَحْرُثُ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا. (وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِكَحْلِ) عَيْنَيْ أَرْمَدُ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ جَائِزٌ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، أَوْ اُسْتُؤْجِرَ طَبِيبٌ (لِمُدَاوَاةِ) مَرِيضٍ؛ صَحَّ، (وَاشْتَرَطَ تَقْدِيرَهُ) - أَيْ التَّكْحِيلَ أَوْ الْمُدَاوَاةَ - بِمَا يَنْضَبِطُ بِهِ مِنْ عَمَلٍ أَوْ مُدَّةٍ، وَلَمَّا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ تَقْدِيرَ الْعَمَلِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ؛ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَقُولَ: (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ التَّقْدِيرُ (بِمَرَّةٍ) وَاحِدَةٍ (أَوْ مَرَّاتٍ) مُتَعَدِّدَةٍ حَيْثُ كَانَتْ مَعْلُومَةً، (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِلْإِقْنَاعِ " لِاعْتِبَارِهِ صِحَّةَ تَقْدِيرِ الْعَمَلِ بِالْمُدَّةِ، وَعِبَارَتُهُ وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ كَحَّالًا لِيُكْحِلَ عَيْنَهُ، وَيُقَدَّرُ ذَلِكَ بِالْمُدَّةِ انْتَهَى. وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَقْدِيرَ الْعَمَلِ، فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهِمَ مِنْ الْإِقْنَاعِ " أَنَّهُ مَنَعَ صِحَّةَ التَّقْدِيرِ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّاتٍ مَعَ أَنَّ عِبَارَتَهُ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ نَفْيُ مَا عَدَاهُ، فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ لَا حَاجَةٍ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا نَشَأَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 632 هَذَا الْخَلَلُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْمُصَنِّفِ تَقْدِيرَ الْعَمَلِ، فَلَوْ أَسْقَطَ هَذَا الِاشْتِرَاطَ؛ لَحَصَلَ بَيْنَ كَلَامِهِ وَكَلَامِ " الْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِ كَمَالُ الِارْتِبَاطِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " قَوْلُ " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ كَحَّالًا لِيُكَحِّلَ عَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ جَائِزٌ، وَيُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، وَيَحْتَاجُ أَنْ يُقَدَّرَ ذَلِكَ بِالْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ غَيْرُ مَضْبُوطٍ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ اشْتِرَاطُ تَقْدِيرِ الْعَمَلِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَاشْتِرَاطُ تَقْدِيرِ الْعَمَلِ (بِمُدَّةٍ كَشَهْرٍ) ؛ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ بِدُونِهَا؛ وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ ذَلِكَ (بِزَمَنِ بُرْءٍ؛ لِجَهَالَتِهِ) - أَيْ الْبُرْءِ -. (وَكَذَا) لَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ إنْسَانًا (لِتَطْيِينِ سَطْحٍ، وَ) تَطْيِينِ (حَائِطٍ وَتَجْصِيصِهِ؛ لِاخْتِلَافِ طِينٍ بِرِقَّةٍ وَغِلَظٍ) ، وَأَرْضُ السَّطْحِ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهَا الْعَالِي وَالنَّازِلُ، وَكَذَا الْحِيطَانُ؛ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا عَلَى مُدَّةٍ، (وَشُرِطَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - (بَيَانُ عَدَدِ مَا يُكْحِلُهُ كُلَّ يَوْمٍ) فَيَقُولُ: (مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) ، فَإِنْ كَانَ الْكُحْلُ مِنْ الْعَلِيلِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ آلَةَ الْعَمَلِ تَكُونُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ؛ كَاللَّبِنِ فِي الْبِنَاءِ وَالطِّينِ وَالْآجُرِّ وَنَحْوِهَا. وَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى الْكَحَّالِ جَازَ، خِلَافًا لِلْقَاضِي؛ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، وَيَشُقُّ عَلَى الْعَلِيلِ تَحْصِيلُهُ، وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَجَازَ ذَلِكَ؛ كَالصَّبْغِ مِنْ الصَّبَّاغِ وَالْحِبْرِ وَالْأَقْلَامِ مِنْ النَّاسِخِ، وَاللَّبَنِ فِي الرَّضَاعِ، وَفَارَقَ لَبِنَ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَحْصِيلُ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ، وَلَا يَشُقُّ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ مُدَّةً، فَكَحَّلَهُ؛ فَلَمْ تَبْرَأْ عَيْنُهُ، فَإِنَّهُ (يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ) ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِالْعَمَلِ الَّذِي وَقَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 633 عَلَيْهِ الْعَقْدُ، فَوَجَبَ لَهُ الْأَجْرُ - (وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ) - كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِبِنَاءِ حَائِطٍ يَوْمًا أَوْ لِخَيَّاطَةِ قَمِيصٍ، فَلَمْ يُتِمَّهُ فِيهِ، (وَإِنْ بَرِئَ) الْأَرْمَدُ (فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ) ؛ انْفَسَخَتْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ حَجَرَ عَنْهُ أَمْرٌ غَالِبٌ، (أَوْ مَاتَ) فِي أَثْنَائِهَا؛ (انْفَسَخَتْ) الْإِجَارَةُ؛ لِمَا مَرَّ، وَيَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِالْقِسْطِ. (وَإِنْ امْتَنَعَ مَرِيضٌ مِنْ طِبٍّ مَعَ بَقَاءِ مَرَضٍ) فِي عَيْنِهِ؛ (اسْتَحَقَّ الطَّبِيبُ الْأُجْرَةَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ) ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْبِنَاءِ، فَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَقَدْ بَذَلَ الْأَجِيرُ مَا عَلَيْهِ. (وَإِنْ قَدَّرَهَا) - أَيْ: الْمُدَّةَ - (بِالْبُرْءِ؛ لَمْ تَصِحَّ) الْمُشَارَطَةُ (إجَارَةً) ؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ مَجْهُولٌ، (وَلَا) تَصِحُّ (جَعَالَةً) عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَيَأْتِي فِي الْجَعَالَةِ. [تَتِمَّة يَسْتَأْجِرَ طَبِيبًا لِمُدَاوَاتِهِ] تَتِمَّةٌ: وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ طَبِيبًا لِمُدَاوَاتِهِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْكَحَّالِ سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الدَّوَاءِ عَلَى الطَّبِيبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا جَازَ فِي الْكَحَّالِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَجَرْيِ الْعَادَةِ بِهِ فِي الْكُحْلِ دُونَ الدَّوَاءِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْمَعْنَى هَا هُنَا، فَثَبَتَ الْحُكْمُ بِهِ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ، وَيَمْلِكُ الْأُجْرَةَ، وَلَوْ أَخْطَأَ فِي تَطْبِيبِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي " جَمْعِ الْجَوَامِعِ " قَالَ: وَيَلْزَمُهُ مَا الْعَادَةُ أَنْ يُبَاشِرَهُ مِنْ وَصْفِ الْأَدْوِيَةِ وَتَرْكِيبِهَا وَعَمَلِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَادَتُهُ تَرْكِيبَهَا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حُقْنَةٍ وَفَصْدٍ وَنَحْوِهِمَا، إنْ شُرِطَتْ عَلَيْهِ، أَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُبَاشِرَهُ، وَإِلَّا فَلَا. (وَ) يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَقْلَعَ لَهُ ضِرْسَهُ أَوْ سِنَّهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى قَلْعِهِ، (فَإِنْ أَخْطَأَ) الْأَجِيرُ، (فَقَلَعَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ ضِرْسٍ؛ ضَمِنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ضَمَانِهَا بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ إلَّا فِي الْقِصَاصِ وَعَدَمِهِ. (وَتَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ (بِبُرْءٍ قَبْل قَلْعِهِ) ؛ لِأَنَّ قَلْعَهُ بَعْدَ بُرْئِهِ غَيْرُ جَائِزٍ، (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) - أَيْ: الْمَرِيضِ (فِي بُرْئِهِ) - أَيْ: الضِّرْسِ - لِأَنَّهُ أَدْرَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 634 بِهِ، (وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ) الضِّرْسُ، (وَامْتَنَعَ رَبُّهُ مِنْ قَلْعِهِ؛ لَمْ يُجْبَرْ) عَلَى قَلْعِهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ جُزْءٍ مِنْ الْآدَمِيِّ مُحَرَّمٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ إذَا صَارَ بَقَاؤُهُ ضَرَرًا، أَوْ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى كُلِّ إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَصَاحِبُ الضِّرْسِ أَعْلَمُ بِمَضَرَّتِهِ وَنَفْعِهِ وَقَدْرِ أَلَمِهِ. . [فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ ضَرْبَيْ الْإِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ عَلَى مَنْفَعَةٍ بِذِمَّةٍ] (فَصْلٌ) (الضَّرْبُ الثَّانِي) مِنْ ضَرْبَيْ الْإِجَارَةِ: أَنْ تَكُونَ (عَلَى مَنْفَعَةٍ بِذِمَّةٍ) ، وَهِيَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ؛ كَاسْتَأْجَرْتُكَ لِحَمْلِ هَذِهِ الْغِرَارَةِ الْبُرِّ إلَى مَحَلِّ كَذَا عَلَى بَعِيرٍ تُقِيمُهُ مِنْ مَالِكَ بِكَذَا. وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ مَوْصُوفٍ؛ كَاسْتَأْجَرْتُكَ لِحَمْلِ غِرَارَةِ بُرٍّ صِفَتُهُ كَذَا إلَى مَكَّةَ بِكَذَا. (وَشَرَطَ ضَبْطَهَا) - أَيْ: الْمَنْفَعَةِ - (بِمَا) - أَيْ وَصْفٍ - (لَا يَخْتَلِفُ) بِهِ الْعَمَلُ؛ (كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ) يُذْكَرُ قَدْرُهُ وَجِنْسُهُ وَصِفَتُهُ لِخِيَاطَةٍ، (وَبِنَاءِ دَارٍ) يَذْكُرُ الْآلَةَ وَنَحْوَهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَحَمْلٍ) لِشَيْءٍ يَذْكُرُ جِنْسَهُ وَقَدْرَهُ، وَأَنَّ الْحَمْلَ (لِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ) ؛ لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ (كَحَمْلِ جَمَاعَةٍ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ) ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ عَدَدِهِمْ، (فَمَا) - أَيْ: كُلُّ مَوْضِعٍ - (وَقَعَ) الْعَقْدُ (عَلَى مُدَّةٍ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ ظَهْرٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَالْغَرَضُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ. (وَ) إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ (عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ) - أَيْ: مَعْرِفَةُ الظَّهْرِ الَّذِي يَحْمِلُ عَلَيْهِ - لِأَنَّ الْقَصْدَ الْعَمَلُ، وَحَيْثُ ضُبِطَ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ، (أَوْ) وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى (رُكُوبِ عَقَبَةٍ، بِأَنْ يَرْكَبَ تَارَةً وَيَمْشِيَ أُخْرَى) ؛ لَمْ يُشْتَرَطْ مَعْرِفَةُ رُكُوبٍ؛ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِدُونِهَا، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ اكْتِرَاؤُهَا فِي الْجَمِيعِ؛ جَازَ فِي الْبَعْضِ، (وَ) لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْعَقَبَةِ مَعْلُومَةً، (فَتُقَدَّرُ بِمَسَافَةٍ) كَفَرَاسِخَ مَعْلُومَةٍ؛ بِأَنْ يَرْكَبَ فَرْسَخًا وَيَمْشِيَ آخَرَ، (أَوْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 635 تُقَدَّرُ (بِزَمَنٍ) ؛ بِأَنْ يَرْكَبَ لَيْلًا وَيَمْشِيَ نَهَارًا، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَيُعْتَبَرُ فِي هَذَا زَمَانُ السَّيْرِ دُونَ زَمَانِ النُّزُولِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ إطْلَاقَهَا) - أَيْ: الْعَقَبَةُ - (لَا يَقْتَضِي رُكُوبَ نِصْفِ الطَّرِيقِ؛ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا) - أَيْ: إجَارَةِ الْعَقَبَةِ - (بِعَدَمِ التَّقْدِيرِ) قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، وَلَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ، فَيَكُونُ مَجْهُولًا انْتَهَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِطْلَاقُهَا يَقْتَضِي رُكُوبَ نِصْفِ الطَّرِيقِ انْتَهَى. وَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيَمْشِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ مَا زَادَ وَنَقَصَ؛ جَازَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا؛ لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمَاشِي، لِدَوَامِ الْمَشْيِ، وَعَلَى الْمَرْكُوبِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْبَادِئِ مِنْهُمَا؛ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَتَعَيَّنَتْ الْقُرْعَةُ. (وَ) وَشُرِطَ (كَوْنُ أَجِيرٍ فِيهَا) - أَيْ: الْمَنْفَعَةُ فِي الذِّمَّةِ - (آدَمِيًّا جَائِزَ التَّصَرُّفِ) ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، فَلَمْ تَجُزْ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، (وَيُسَمَّى) الْأَجِيرُ فِيهَا (الْمُشْتَرِكُ لِتَقْدِيرِ نَفْعِهِ بِالْعَمَلِ) ، وَلِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ أَعْمَالًا لِجَمَاعَةٍ، فَتَكُونُ مَنْفَعَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ، (وَ) وَشَرَطَ (أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ وَعَمَلٍ) ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا (لِيَخِيطَهُ) - أَيْ: هَذَا الثَّوْبُ - (فِي يَوْمٍ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْرُغُ مِنْهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ، فَإِنْ اسْتَعْمَلَ فِي بَقِيَّتِهِ؛ فَقَدْ زَادَ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ؛ فَقَدْ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ زَمَنِهِ، فَيَكُونُ غَرَرًا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 636 (وَيَصِحُّ) الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ (جَعَالَةً) ؛ لِأَنَّهُ يُفْتَقَرُ فِيهَا مَا لَا يُفْتَقَرُ فِي الْإِجَارَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَإِذَا أَتَمَّ الْعَمَلَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَمَلُ فِي بَقِيَّتِهَا، لِأَنَّهُ وَفَّى مَا عَلَيْهِ قَبْلَ مُدَّتِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ أَجَلِهِ، وَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْعَمَلِ؛ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ لَمْ يَفِ لَهُ بِشَرْطِهِ، فَإِنْ رَضِيَ بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ لَمْ يَمْلِكْ الْأَجِيرُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالشَّرْطِ مِنْهُ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى الْفَسْخِ، فَإِنْ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ طَالَبَهُ بِالْعَمَلِ لَا غَيْرُ؛ كَالْمُسَلِّمِ إذَا صَبَرَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ إلَى حِينِ وُجُودِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَإِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ قَبْلَ الْعَمَلِ؛ سَقَطَ الْأَجْرُ وَالْعَمَلُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ عَمَلِ بَعْضِهِ؛ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْفَسَخَ، فَسَقَطَ الْمُسَمَّى، وَرَجَعَ إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ انْتَهَى. (وَيَلْزَمُهُ) - أَيْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ - (الشُّرُوعُ) فِي عَمَلِ مَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ (عَقِبَ الْعَقْدِ) ؛ لِجَوَازِ مُطَالَبَتِهِ بِهِ إذَنْ، (فَإِنْ أَخَّرَ) الْعَمَلَ (بِلَا عُذْرٍ) ، فَتَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ؛ (ضَمِنَ) ؛ لِتَلَفِهِ بِسَبَبِ تَرْكِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. (وَ) وَشُرِطَ (كَوْنُ عَمَلٍ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ بِمُسْلِمٍ) ؛ كَخِيَاطَةٍ وَنِسَاجَةٍ وَنَحْوِهِمَا، أَمَّا إنْ كَانَ فَاعِلُهُ يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ (كَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَإِمَامَةٍ وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَفِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَنِيَابَةٍ فِي حَجٍّ وَقَضَاءٍ) بَيْنَ النَّاسِ؛ فَتَحْرُمُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ. وَلَا تَصِحُّ، (وَلَا يَقَعُ إلَّا قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى وَغَيْرُهُ: هَذَا أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ الْعَاصِ «إنَّ آخِرَ مَا عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: «عَلَّمْت نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ، فَأَهْدَى إلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا، قَالَ: قُلْت: قَوْسٌ، وَلَيْسَ بِمَالٍ. قَالَ: قُلْت: أَتَقَلَّدُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، قَالَ: إنْ سَرَّك أَنْ يُقَلِّدَك اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا» . وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 637 «أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ، فَأَهْدَى لَهُ خَمِيصَةً أَوْ ثَوْبًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّك لَوْ لَبِسْتَهَا لَأَلْبَسَكَ اللَّهُ مَكَانَهَا ثَوْبًا مِنْ نَارٍ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ ". وَعَنْ أُبَيٍّ قَالَ: «كُنْت أَخْتَلِفُ إلَى رَجُلٍ مُسِنٍّ قَدْ أَصَابَتْهُ عِلَّةٌ وَقَدْ احْتَبَسَ فِي بَيْتِهِ أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَكَانَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِمَّا أُقْرِئُهُ يَقُولُ لِلْجَارِيَةِ: هَلُمِّي طَعَامَ أَخِي، فَيُؤْتَى بِطَعَامٍ لَا آكُلُ مِثْلَهُ بِالْمَدِينَةِ، فَجَالَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ طَعَامَهُ وَطَعَامَ أَهْلِهِ فَكُلْ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ يُتْحِفُكَ بِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ» ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلَا تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ» . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ: هَذِهِ الرُّغْفَانُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْمُعَلِّمُونَ مِنْ السُّحْتِ. وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ كَوْنُهَا قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَصِحُّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا يُصَلِّي خَلْفَهُ الْجُمُعَةَ أَوْ التَّرَاوِيحَ، وَقِيلَ: يَصِحُّ لِلْحَاجَةِ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: التَّعْلِيمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِهَؤُلَاءِ السَّلَاطِينِ، وَمِنْ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِرَجُلٍ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ فِي ضَيْعَةٍ، وَمِنْ [أَنْ] يَسْتَدِينَ، وَيَتَّجِرَ لَعَلَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ، فَيَلْقَى اللَّهَ بِأَمَانَاتِ النَّاسِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَإِهْدَائِهَا إلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ الْقَارِئَ، إذَا قَرَأَ لِأَجْلِ الْمَالِ؛ فَلَا ثَوَابَ لَهُ، فَأَيُّ شَيْءٍ يُهْدَى إلَى الْمَيِّتِ؟ : وَإِنَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى مُجَرَّدِ التِّلَاوَةِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ لِيَحُجَّ، لَا أَنْ يَحُجَّ لِيَأْخُذَ، فَمَنْ أَحَبَّ إبْرَاءَ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، أَوْ رُؤْيَةَ الْمَشَاعِرِ، يَأْخُذُ لِيَحُجَّ، وَمِثْلُهُ كُلُّ رِزْقٍ أُخِذَ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ، يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ يَقْصِدُ الدِّينَ فَقَطْ وَالدُّنْيَا وَسِيلَةٌ، وَعَكْسُهُ؛ فَالْأَشْبَهُ أَنَّ عَكْسَهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَمَنْ حَجّ عَنْ غَيْرِهِ لِيَسْتَفْضِلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 638 مَا يُوَفِّي دَيْنَهُ، الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ، لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ. انْتَهَى. (وَيَتَّجِهُ وَلَا يُعَارِضُهُ) ؛ أَيْ: لَا يُعَارِضُ قَوْلُهُ هُنَا: وَلَا يَقَعُ إلَّا قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ (مَا مَرَّ آخِرُ) كِتَابِ (الْجَنَائِزِ) مِنْ قَوْلِهِمْ: وَكُلُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا مُسْلِمٌ وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِحَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ؛ جَازَ، وَنَفَعَهُ ذَلِكَ بِحُصُولِ الثَّوَابِ لَهُ؛ (لِأَنَّهُ هُنَا فِعْلُهُ) الْقُرْبَةِ (فِي نَظِيرِ الْأُجْرَةِ، وَلَمْ تُسَلَّمْ) الْأُجْرَةُ (لَهُ، فَكَانَ الثَّوَابُ لَهُ) ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ عَلَيْهِ) - أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعَمَلِ الْمُتَقَرَّبِ بِهِ - لِمَا تَقَدَّمَ، وَ (لَا) يَحْرُمُ أَخْذُ (جَعَالَةٍ عَلَى ذَلِكَ) لِأَنَّهَا أَوْسَعُ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَلِهَذَا جَازَتْ مَعَ جَهَالَةِ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ (عَلَى رُقْيَةٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَاخْتَارَ جَوَازَهُ، وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 639 لَوْ أَتَيْتُمْ هَذَا الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ بَعْضُ شَيْءٍ فَأَتَوْهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ؛ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ. إنِّي وَاَللَّهِ لَأَرْقِي، وَلَكِنْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْتَسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ الَّذِي يَأْمُرُنَا بِهِ، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ؛ فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: أَصَبْتُمْ اقْتَسِمُوا، وَاضْرِبُوا إلَيَّ مَعَكُمْ سَهْمًا، وَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ أَنَّ الرُّقْيَةَ نَوْعُ مُدَاوَاةٍ، وَالْمَأْخُوذُ عَلَيْهَا جُعْلٌ، وَالْمُدَاوَاةُ يُبَاحُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهَا، وَالْجَعَالَةُ أَوْسَعُ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَلِهَذَا تَجُوزُ مَعَ جَهَالَةِ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» . يَعْنِي الْجُعْلَ أَيْضًا فِي الرُّقْيَةِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ خَبَرِ الرُّقْيَةِ، وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ، سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ صِنَاعَةٌ سِوَى بَيْعِ التَّعَاوِيذِ، فَتَرَى لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا، أَوْ يَسْأَلَ النَّاسَ؟ قَالَ: بَيْعُ التَّعَاوِيذِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، وَقَالَ: التَّعْلِيمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ بَيْعِ التَّعَاوِيذِ انْتَهَى. وَأَمَّا جَعْلُ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ صَدَاقًا فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ التَّعْلِيمَ صَدَاقٌ، إنَّمَا قَالَ «زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ زَوَّجَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ إكْرَامًا لَهُ؛ كَمَا «زَوَّجَ أَبَا طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ عَلَى إسْلَامِهِ» ، وَنُقِلَ عَنْهُ جَوَازُهُ بِلَا صَدَاقٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ نِحْلَةً وَوَصْلَةً، وَلِهَذَا جَازَ خُلُوُّ الْعَقْدِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ، وَصَحَّ فَسَادُهُ بِخِلَافِ الْأَجْرِ فِي غَيْرِهِ؛. (كَمَا يَجُوزُ الْأَخْذُ فِي الْكُلِّ) - أَيْ كُلِّ عَمَلٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 640 لَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ - (بِلَا شَرْطٍ) . قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَإِنْ أُعْطِيَ الْمُعَلِّمُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ؛ جَازَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ سَافِرِيٍّ: لَا يَطْلُبُ وَلَا يُشَارِطُ، فَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا أَخَذَهُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ: أَكْرَهُ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ إذَا شَرَطَ، وَقَالَ: إذَا كَانَ الْمُعَلِّمُ لَا يُشَارِطُ، وَلَا يَطْلُبُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا، إنْ أَتَاهُ شَيْءٌ قَبِلَهُ، كَأَنَّهُ يَرَاهُ أَهْوَنَ، وَكَرِهَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْقَوْسِ وَالْخَمِيصَةِ الَّتِي أُعْطِيهِمَا أُبَيٍّ وَعُبَادَةٌ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِشَرْطٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَتَاك مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافِ نَفْسٍ؛ فَخُذْهُ وَتَمَوَّلْهُ، فَإِنَّهُ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْك» . وَقَدْ «أَرْخَصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُبَيٍّ فِي أَكْلِ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ يُعَلِّمُهُ إذَا كَانَ طَعَامَهُ وَطَعَامَ أَهْلِهِ» ، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَانَ هِبَةً مُجَرَّدَةً؛ فَجَازَ كَمَا لَوْ لَمْ يُعَلِّمْهُ شَيْئًا، فَأَمَّا حَدِيثُ الْقَوْسِ وَالْخَمِيصَةِ؛ فَقَضِيَّتَانِ فِي عَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ خَالِصًا، فَكَرِهَ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ. انْتَهَى. (وَ) يَجُوزُ (أَخْذُ رِزْقٍ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (عَلَى مُتَعَدٍّ نَفْعُهُ؛ كَقَضَاءٍ) وَفُتْيَا، وَأَذَانٍ (وَإِمَامَةٍ) ، وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ، (وَتَدْرِيسِ) عِلْمٍ نَافِعٍ مِنْ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَنَحْوِهِمَا، وَنِيَابَةٍ فِي حَجٍّ، وَتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ وَأَدَائِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ؛ كَمَا يَجُوزُ أَخْذُ (الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِهَذِهِ الْمَصَالِحِ) الْمُتَعَدِّي نَفْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ، بَلْ الْقَصْدُ بِهِ الْإِعَانَةُ عَلَى الطَّاعَةِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (مَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ فَلَيْسَ عِوَضًا وَأُجْرَةً، بَلْ رِزْقٌ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ) ، وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً، وَلَا يَقْدَحُ فِي الْإِخْلَاصِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَحَ مَا اُسْتُحِقَّتْ الْغَنَائِمُ وَسَلَبُ الْقَاتِلِ، بِخِلَافِ الْأَجْرِ؛ فَيُمْتَنَعُ أَخْذُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ) - أَيْ: مِمَّنْ يَقُومُ بِالْمَصَالِحِ - (لِلَّهِ أُثِيبَ) عَلَى عَمَلِهِ الَّذِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 641 أَخْلَصَهُ لِلَّهِ قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] . (وَحَرُمَ أَخْذُ رِزْقٍ وَ) أَخْذُ (جُعْلٍ وَ) أَخْذُ (أَجْرِ عَلَى) فِعْلٍ (قَاصِرٍ) عَلَى فَاعِلِهِ لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ؛ (كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ خَلْفَهُ) ؛ بِأَنْ أَعْطَى لِمَنْ يُصَلِّي مَأْمُومًا مَعَهُ جُعْلًا وَأُجْرَةً أَوْ رِزْقًا، (وَعِبَادَتُهُ لِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ عِوَضُ الِانْتِفَاعِ؛ فَأَشْبَهَ إجَارَةَ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ نَفْعُهُ قَاصِرٌ عَلَى نَفْسِهِ) ؛ كَالْحَاجِّ عَنْ نَفْسِهِ وَالْمُعْتَكِفِ وَالطَّائِفِ عَنْهَا؛ (لَا يَجُوزُ) لَهُ (أَنْ يُرْزَقَ) ؛ أَيْ: يَأْخُذَ رِزْقًا (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إلَّا مَا فَضَلَ عَمَّنْ نَفْعُهُ مُتَعَدٍّ) ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْفَيْءِ أَنَّ الْفَاضِلَ عَمَّنْ تَعَدَّى نَفْعُهُ؛ يُقْسَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِيهِ، وَالِاشْتِرَاكُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مَنْ نَفْعُهُ مُتَعَدٍّ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ) إنْ كَانَ مُحْتَاجًا، وَإِلَّا فَلَا، وَيَأْتِي فِي بَابِ الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا مَعَ احْتِيَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا يُقَدَّمُ ذُو النَّفْعِ الْعَامِ؛ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ. [تَتِمَّة وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَنْهُ غَيْرُهُ فَرْضًا وَلَا نَافِلَةً فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَمَاتِهِ] ِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ، فَلَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَدْخُلُ تَبَعًا، وَتَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ صَلَاةٍ وَنَحْوُهَا، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ، كُلُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا مُسْلِمٌ، وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِحَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ نَفَعَهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا لَيْسَتْ وَاقِعَةً عَنْ الْعَيْنِ، [بَلْ] لِلْفَاعِلِ وَثَوَابُهُ لِلْمَفْعُولِ عَنْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَصَحَّ اسْتِئْجَارٌ لِبِنَاءِ نَحْوِ مَسْجِدٍ وَقَنْطَرَةٍ) ؛ كَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ وَخَانْكَاةٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) صَحَّ اسْتِئْجَارٌ (لِذَبْحِ أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ، وَتَفْرِقَتِهِمَا وَتَفْرِقَةِ صَدَقَةٍ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 642 لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ؛ لِصِحَّتِهِ مِنْ الذِّمِّيِّ، (وَحَلْقُ شَعْرٍ) مَطْلُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ أَخْذُهُ (وَتَقْصِيرُهُ، وَخِتَانٌ وَقَطْعُ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ) كَسِلْعَةٍ (لِحَاجَةٍ) إلَى قَطْعِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ. (وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ (لِتَعْلِيمِ نَحْوِ خَطٍّ) ؛ كَنَقْشٍ (وَحِسَابٍ، وَشِعْرٍ مُبَاحٌ) ، وَيَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَقَعُ قُرْبَةً، وَتَارَةً غَيْرَ قُرْبَةٍ؛ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ لِفِعْلِهِ؛ كَغَرْسِ الْأَشْجَارِ، وَبِنَاءِ الْبُيُوتِ؛ لِكَوْنِ فَاعِلِهَا لَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، (فَإِنْ نَسِيَهُ) - أَيْ: مَا تَعَلَّمَهُ مِنْ شِعْرٍ وَحِسَابٍ وَنَحْوِهِ - (فِي الْمَجْلِسِ أَعَادَ تَعْلِيمَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْعُرْفِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ نَسِيَهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ؛ (فَلَا يَلْزَمُهُ) إعَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. (وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ (لِحَجْمٍ وَفَصْدٍ) ، وَلَا يَحْرُمُ أَجْرُهُ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ عَلِمَهُ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: «لَوْ عَلِمَهُ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِهِ» . وَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهَا مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا؛ كَالرَّضَاعِ. (وَكُرِهَ لِحُرٍّ) لَا رَقِيقٍ (أَكْلُ أَجْرِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " " وَالْمُذَهَّبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " " وَالْمُحَرَّرِ " " وَالْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ، (وَلَوْ أَخَذَهُ بِلَا شَرْطٍ تَنْزِيهًا لَهُ) " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ (وَيُطْعِمُهُ رَقِيقًا وَبَهَائِمَ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ: «أَطْعِمْهُ نَاضِحَك وَرَقِيقَك» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، فَدَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُطْعِمَ رَقِيقَهُ مَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ، فَإِنَّ الرَّقِيقَ آدَمِيٌّ يُمْنَعُ مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ الْحُرُّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ خَبِيثًا التَّحْرِيمُ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ سَمَّى الْبَصَلَ وَالثُّومَ خَبِيثَيْنِ مَعَ إبَاحَتِهِمَا، وَخَصَّ الْحُرَّ بِذَلِكَ تَنْزِيهًا لَهُ. (وَكَذَا) يُكْرَهُ لِحُرٍّ أَكْلُ (أُجْرَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 643 كَسْحِ كَنِيفٍ) ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِذَلِكَ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَكَرَاهَةِ أَكْلِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَنَهَى الْحُرَّ عَنْ أَكْلِهِ» . فَهَذَا أَوْلَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا حَجَّ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي رَجُلٌ أَكْنُسُ، فَمَا تَرَى فِي مَكْسَبِي؟ قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ تَكْنُسُ؟ قَالَ: الْعُذْرَةَ. قَالَ: وَمِنْهُ حَجَجْت، وَمِنْهُ تَزَوَّجْت، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ خَبِيثٌ وَحَجُّك خَبِيثٌ وَمَا تَزَوَّجْت خَبِيثٌ، أَوْ نَحْوُ هَذَا. ذَكَرَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ بِمَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ فِيهِ دَنَاءَةً؛ فَكُرِهَ كَالْحِجَامَةِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي ": (وَكَسْبُ مَاشِطَةٍ) ؛ لِاشْتِمَالِ فِعْلِهَا عَلَى التَّنَمُّصِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، (وَ) كَسْبُ (حَمَّامِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ دَاخِلُوهُ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا، وَلَا تَحْرِيمَ فِيهَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ؛ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ. [فَصْلٌ وَلِمُسْتَأْجِرٍ اسْتِيفَاءُ نَفْعِ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ بِإِعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ] (فَصْلٌ وَلِمُسْتَأْجِرٍ اسْتِيفَاءُ نَفْعِ) مَعْقُودٍ عَلَيْهِ (بِمِثْلِهِ) ضَرَرًا كَبُدُونِهٍ (بِإِعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ) ؛ لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ. (وَلَوْ اشْتَرَطَا) أَيْ: الْمُتَآجِرَانِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مُسْتَأْجِرٌ النَّفْعَ (بِنَفْسِهِ) ؛ لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ؛ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَهُوَ مِلْكُ النَّفْعِ، وَالتَّسَلُّطِ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ نَائِبِهِ، (فَتُعْتَبَرُ مُمَاثَلَةُ رَاكِبٍ) لِمَأْجُورٍ (فِي طُولٍ وَقِصَرٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَفِي خِفَّةٍ وَثِقَلٍ) ، فَلَا يَرْكَبُهَا أَطْوَلَ وَلَا أَثْقَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِمَّا عَقَدَ عَلَيْهَا. (وَيَتَّجِهُ وَيَكْفِي فِي الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ غَلَبَةُ الظَّنِّ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا، وَأَرَادَ أَنْ يُعِيرَهَا، أَوْ يُؤَجِّرَ لِآخَرَ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُسَاوٍ لَهُ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ؛ كَفَى ذَلِكَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اعْتِبَارِ نَفْسِهِ بِالْوَزْنِ، ثُمَّ يَعْتَبِرُ الْآخَرَ كَذَلِكَ، فَإِنْ سَاوَاهُ عَقَدَ مَعَهُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَعْسُرُ جِدًّا، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ، فَاغْتُفِرَ فِيهِ التَّفَاوُتُ الْيَسِيرُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 644 وَ (لَا) تُعْتَبَرُ مُمَاثَلَةٌ فِي (مَعْرِفَةِ رُكُوبٍ) ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ يَسِيرٌ، فَعُفِيَ عَنْهُ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الْإِجَارَةِ. (وَلَا يَضْمَنُهَا مُسْتَعِيرٌ بِتَلَفٍ) عِنْدَهُ بِلَا تَفْرِيطٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْأَصَحِّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ "؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ. (وَجَازَ اسْتِيفَاءُ) مُسْتَأْجِرٍ وَنَائِبِهِ (بِمِثْلِ ضَرَرِهِ، فَمَا دُونَ) ضَرَرِهِ مِنْ جِنْسِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا تَمْرًا، فَحَمَلَ حِنْطَةً أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ إذَا كَانَ الْوَزْنُ وَاحِدًا، (لَا) إنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ يَسْتَوْفِيهَا (أَكْثَرَ) ضَرَرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ، (أَوْ كَانَتْ بِمُخَالِفِ) ضَرَرِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي ضَرَرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. فَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا (لِزَرْعِ بُرٍّ، فَلَهُ زَرْعُ) [بُرٍّ] ، وَزَرْعُ (نَحْوِ شَعِيرٍ) ؛ كَعَدَسٍ (وَبَاقِلَّا) ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْبُرِّ فِي الضَّرَرِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ، دُونَ الْبُرِّ، وَلِهَذَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْعِوَضُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إذَا تَسَلَّمَ الْأَرْضَ، وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبُرَّ لِتَتَقَدَّرَ الْمَنْفَعَةُ بِهِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَإِنْ قَالَ أَجَّرْتُك الْأَرْضَ لِتَزْرَعَهَا حِنْطَةً، وَلَا تَزْرَعْ غَيْرَهَا، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ كَيْفَ شَاءَ، فَلَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءَ الْمَبِيعِ بِنَفْسِهِ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَلَا غَرَضَ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا ضَرَرُهُ مِثْلُهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي غَرَضِ الْمُؤَجَّرِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْعَقْدِ انْتَهَى. (وَلَا) يَمْلِكُ مُسْتَأْجِرُ أَرْضٍ لِزَرْعِ بُرٍّ زَرَعَ (نَحْوَ دُخْنٍ) ؛ بِذُرَةٍ (وَقُطْنٍ) وَقَصَبٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْ الْبُرِّ، وَلَا يَمْلِكُ مُكْتَرٍ لِزَرْعِ شَعِيرٍ زَرْعُ حِنْطَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: يُنْظَرُ مَا يَدْخُلُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ النُّقْصَانِ مَا بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، فَأَوْجَبَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُسَمَّى وَأَجْرَ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 645 فَيُنْظَرُ كَمْ تُسَاوِي أُجْرَتُهَا مَعَ الْحِنْطَةِ، فَيُقَالُ مَثَلًا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمَعَ الشَّعِيرِ عَشْرَةٌ، فَيَأْخُذُ رَبُّهَا الْخَمْسَةَ، لِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَ الشَّعِيرَ؛ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ بِعَيْنِهِ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَلِهَذَا قُلْنَا: لَهُ زَرْعُ مِثْلِهِ وَمَا دُونَهُ فِي الضَّرَرِ، فَإِذَا زَرَعَ حِنْطَةً فَقَدْ اسْتَوْفِي حَقَّهُ وَزِيَادَةً؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ اكْتَرَى الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ؛ فَجَاوَزَهُ (وَلَا لَهُ غَرْسٌ أَوْ بِنَاءٌ) فِي الْأَرْضِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا لِلزَّرْعِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ الزَّرْعِ، (فَإِنْ فَعَلَ) مُسْتَأْجِرٌ مَا لَا يَمْلِكُهُ؛ إنْ أَكْتَرَى لِزَرْعِ بُرٍّ، فَزَرَعَ دُخْنًا وَنَحْوَهُ، فَقِيلَ هُوَ (غَاصِبٌ) . قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَحُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ الَّذِي يَزْرَعُ أَضَرُّ مِمَّا اكْتَرَى لَهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ. لِرَبِّ الْأَرْضِ مَنْعُهُ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ، فَإِنْ زَرَعَ [فَرَبُّ] الْأَرْضِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَرْكِ الزَّرْعِ بِالْأُجْرَةِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ وَدَفْعِ النَّفَقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَخَذَ الْمُسْتَأْجِرُ زَرْعَهُ؛ فَلَهُ الْأَجْرُ لَا غَيْرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْغَصْبِ، وَحِينَئِذٍ (يَجُوزُ) لِلْمُؤَجِّرِ (تَمَلُّكُ زَرْعِهِ) عَلَى مَا (قَالَهُ) الْمُوَفَّقُ (فِي الْمُغْنِي) وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ خِلَافُهُ. (وَ) إنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا (لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ لَا يَمْلِكُ الْآخَرَ) ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُخَالِفُ ضَرَرَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَضُرُّ بِظَاهِرِ الْأَرْضِ، وَالْغَرْسَ يَضُرُّ بِبَاطِنِهَا. وَإِنْ اكْتَرَاهَا (لِغَرْسٍ) لَهُ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَقَلُّ مِنْ ضَرَرِ الْغَرْسِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضُرُّ بِبَاطِنِ الْأَرْضِ، (لَا) إنْ اكْتَرَاهَا (لِبِنَاءٍ) فَإِنْ اكْتَرَاهَا لَهُ؛ فَلَيْسَ (لَهُ الزَّرْعُ) ، وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ ضَرَرًا، خِلَافًا " لِلْإِقْنَاعِ "؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ. (وَدَارٌ) اُسْتُؤْجِرَتْ (لِسُكْنَى) لِمُسْتَأْجِرِهَا أَنْ يَسْكُنَ، وَيَسْكُنَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الضَّرَرِ أَوْ دُونَهُ، وَيَضَعَ فِيهَا مَا جَرَتْ عَادَةُ السَّاكِنِ بِهِ مِنْ الرَّحْلِ وَالطَّعَامِ، وَيُخَزِّنَ فِيهَا الثِّيَابَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَضُرُّهَا، (وَلَا يَعْمَلُ فِيهَا حِدَادَةً) ؛ أَيْ: (وَ) وَلَا (قِصَارَةً) ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا، (وَلَا يُسْكِنُهَا دَابَّةً) إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إسْطَبْلٌ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ تُفْسِدُهَا بِرَوْثِهَا وَبَوْلِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ لِرَبْطِ الدَّوَابِّ؛ فَلَا مَانِعَ مِنْ إسْكَانِهَا الدَّوَابَّ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 646 (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا (يَجْعَلْهَا مَخْزَنًا لِطَعَامٍ) ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى تَخْرِيقِ الْفَأْرِ أَرْضَهَا وَحِيطَانَهَا، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا (يَجْعَلُ فِيهَا) شَيْئًا (ثَقِيلًا فَوْقَ سَقْفٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُثْقِلُهُ وَيَكْسِرُ خَشَبَهُ، (بِلَا شَرْطٍ) ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، (وَلَا يَدَعُ فِيهَا نَحْوَ تُرَابٍ) كَسِرْجِينٍ (وَرَمَادٍ وَزُبَالَةٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . (وَلَهُ إسْكَانُ ضَيْفٍ وَزَائِرٍ) ، لِأَنَّهُ مَلَكَ السُّكْنَى؛ فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، (وَ) لَهُ أَنْ يَأْذَنَ (لِأَصْحَابِهِ) فِي الدُّخُولِ وَالْمَبِيتِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ يَجِيءُ زُوَّارًا عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ صَاحِبُ الْبَيْتِ بِهِمْ؟ قَالَ: رُبَّمَا كَثُرُوا، وَرَأَى أَنْ يُخْبِرَ، وَقَالَ: إذَا كَانَ يَجِيءُ فِي الْفَرْدِ لَيْسَ عَلَيْهِ يُخْبِرُهُ. (وَ) لَهُ (وَضْعُ مَتَاعِهِ) فِيهَا، (وَيَتْرُكُ فِيهَا مِنْ الطَّعَامِ مَا جَرَتْ عَادَةُ سَاكِنٍ بِهِ) ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَيَسْتَحِقُّ مَاءَ الْبِئْرِ تَبَعًا لِلدَّارِ فِي الْأَصَحِّ. (وَ) مَنْ اسْتَأْجَرَ (دَابَّةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ) لَا يَمْلِكُ الْآخَرَ؛ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِهِمَا؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ يَعْنِي الظَّهْرَ بِحَرَكَتِهِ، لَكِنَّهُ يَقْعُدُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَيَشْتَدُّ عَلَى الظَّهْرِ وَالْمَتَاعِ لَا مَعُونَةَ فِيهِ، لَكِنَّهُ يَتَفَرَّقُ عَلَى الْجَنْبَيْنِ (أَوْ) اكْتَرَاهَا (لِحَمْلِ حَدِيدٍ أَوْ قُطْنٍ لَا يَمْلِكُ الْآخَرَ) ؛ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ يَتَجَافَى، وَتَهُبُّ فِيهِ الرِّيحُ، فَيَتْعَبُ فِيهِ الظَّهْرُ، وَالْحَدِيدُ يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَيَثْقُلُ عَلَيْهِ، (فَإِنْ فَعَلَ) مُكْتِرٍ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ، (أَوْ سَلَكَ طَرِيقًا أَشَقَّ) مِمَّا عَيَّنَهَا؛ فَيَلْزَمُهُ (الْمُسَمَّى بِعَقْدٍ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا) - أَيْ الْمَنْفَعَتَيْنِ - (فِي أَجْرِ مِثْلِ) زِيَادَةً عَلَى الْمُسَمَّى (إنْ كَانَ) قَدْ سَمَّى أَجْرًا. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ " " وَالْمُحَرَّرِ " وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا وَكَلَامُ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ مُوَافِقٌ لِهَذَا. قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ ": لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ، وَلِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْجَمِيعِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِرَبِّ الدَّابَّةِ مَنْعَهُ مِنْ سُلُوكِ تِلْكَ الطَّرِيقِ كُلِّهَا، بِخِلَافِ مَنْ سَلَكَ تِلْكَ الطَّرِيقِ، وَجَاوَزَهَا، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ لَا غَيْرُ، (إلَّا إذَا اكْتَرَى) ظَهْرًا (لِحَمْلِ حَدِيدٍ، فَحَمَلَ) عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 647 (قُطْنًا) ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، (وَعَكْسُهُ) إذَا اكْتَرَى لِحَمْلِ قُطْنٍ، فَحَمَلَ حَدِيدًا؛ فَيَلْزَمُهُ (أُجْرَةُ الْمِثْلِ خَاصَّةً) ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ أَحَدِهِمَا مُخَالِفٌ لِضَرَرِ الْآخَرِ، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُ الْمَحْمُولِ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَزِيَادَةَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْمَسَائِلِ. (كَذَا) فِي " الْمُغْنِي " وَتَبِعَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَجَزَمَ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى فِي تَفَاوُتِ أَجْرِ الْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ. (وَ) إنْ اكْتَرَى دَابَّةً (لِيَرْكَبَهَا عَرِيًّا؛ لَمْ) يَكُنْ لَهُ أَنْ (يَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ) ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَمَّا عُقِدَ عَلَيْهِ، (وَعَكْسُهُ) بِأَنْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ رُكُوبُهَا عُرْيًا؛ لِأَنَّهُ يَحْمِي ظَهْرَهَا، فَرُبَّمَا أَفْسَدَهُ. (وَ) إنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ (لَا) يَرْكَبَهَا (بِسَرْجٍ أَثْقَلَ) مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ كَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ رُكُوبُ (حِمَارٍ بِسَرْجٍ [بِرْذَوْنَ] ) إنْ كَانَ أَثْقَلُ مِنْ سَرْجِهِ، أَوْ أَضَرُّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، لَا إنْ كَانَ أَخَفَّ وَأَقَلَّ ضَرَرًا مِنْ سَرْجِهِ. (وَ) إنْ اكْتَرَاهَا (لِحُمُولَةِ مُقَدَّرٍ) ؛ كَعَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ، (فَزَادَ) الْمُقَدَّرُ عَلَى ذَلِكَ؛ بِأَنْ حَمَلَهَا أَحَدَ عَشَرَ، أَوْ لِحُمُولَةِ مِائَةِ رَطْلٍ، فَزَادَ، بِأَنْ حَمَلَهَا مِائَةَ وَعَشَرَةً، (وَلَمْ يَتَوَلَّ مُكْرٍ نَحْوَ كَيْلٍ) كَوَزْنٍ؛ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى، وَلِزَائِدٍ أَجْرُ مِثْلِهِ. (أَوْ) اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَهَا، فَرَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ (إلَى مَوْضِعٍ) مُعَيَّنٍ، (فَجَاوَزَهُ) ؛ أَيْ: زَادَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ عَيَّنَا مَكَّةَ، فَرَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا إلَى جُدَّةَ، أَوْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَهَا، فَأَرْدَفَ خَلْفَهُ - وَلَوْ لَمْ يُجَاوِزْ الْمَحِلَّ الْمُعَيَّنَ - فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ (الْمُسَمَّى) ؛ لِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مُتَمَيِّزًا عَنْ غَيْرِهِ، (وَ) عَلَيْهِ (لِزَائِدٍ أَجْرُ مِثْلِهِ) . ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " " وَالْعُمْدَةِ " وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ " وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، لَا فِي الْمَحْمُولَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا؛ لِتَعَدِّيهِ بِالزَّائِدِ كَالْغَاصِبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 648 (وَإِنْ تَلِفَتْ) الدَّابَّةُ الْمُؤَجَّرَةُ، وَقَدْ خَالَفَ الْمُسْتَأْجِرُ، فَفَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ؛ فَعَلَيْهِ (قِيمَتُهَا كُلُّهَا) ؛ لِتَعَدِّيهِ، سَوَاءٌ أَتَلِفَتْ فِي الزِّيَادَةِ، أَوْ تَلِفَتْ بَعْدَ رَدِّهَا إلَى الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ ضَامِنَةً بِمُجَاوَزَةِ الْمَكَانِ، فَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ عَنْهَا إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ. (وَلَوْ أَنَّهَا) - أَيْ الدَّابَّةُ - حِينَ تَلِفَتْ (بِيَدِ صَاحِبِهَا) ؛ بِأَنْ كَانَ مَعَهَا (حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بِالزَّائِدِ) عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ (أَوْ الْمُجَاوَزَةُ) لِلْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " " وَالْمُجَرَّدِ " وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ لِلرَّاكِبِ وَصَاحِبِ الْحَمْلِ، (وَسُكُوتُ رَبِّهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ، كَمَا لَوْ أُبِيعَ مَتَاعُهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ) ؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ الطَّلَبُ بِهِ، وَكَمَا لَوْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ سَوْطًا، وَيَأْتِي. وَ (لَا) ضَمَانَ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ إنْ (تَلِفَتْ) الْمُسْتَأْجَرَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (بِيَدِ صَاحِبِهَا، وَلَيْسَ لِمُسْتَأْجِرٍ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِسَبَبٍ غَيْرِ حَاصِلٍ بِالزِّيَادَةِ) ؛ بِأَنْ افْتَرَسَهَا سَبُعٌ، أَوْ سَقَطَتْ مِنْهُ فِي هُوَّةٍ، أَوْ جَرَحَهَا إنْسَانٌ، فَمَاتَتْ؛ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ فِي عَارِيَّةٍ وَإِحَالَةُ الضَّمَانِ عَلَى الْجَارِحِ لَهَا أَوْ نَحْوِهِ أَوْلَى مِنْ الْمُكْتَرِي. وَإِنْ حَصَلَ التَّلَفُ (بِهَا) - أَيْ الزِّيَادَةُ - بِسَبَبِهَا؛ (كَتَعَبٍ مِنْ حَمْلٍ) زَادَ فِيهِ، (وَسَيْرٍ) تَجَاوَزَ فِيهِ الْمَسَافَةُ؛ (فَيَضْمَنُ) الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبٍ حَاصِلٍ مِنْ تَعَدِّيهِ؛ (كَتَلَفِهَا تَحْتَ حَمْلٍ) زَائِدٍ وَتَحْتَ رَاكِبٍ مُتَعَدٍّ، (وَكَمَنْ أَلْقَى حَجَرًا بِسَفِينَةٍ مُوَقَّرَةٍ، فَغَرِقَتْ) بِسَبَبِ وَضْعِ الْحَجَرِ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَمَا فِيهَا جَمِيعَهُ. وَإِنْ أَكْتُرِيَ إنْسَانٌ لِحَمْلِ قَفِيزَيْنِ، فَحَمَلَهُمَا، فَوَجَدَهُمَا ثَلَاثَةً، فَإِنْ كَانَ الْمُكْتَرِي تَوَلَّى الْكَيْلَ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُكْرِي بِأَنَّهَا ثَلَاثَةٌ؛ فَكَمَنْ اُكْتُرِيَ لِحُمُولَةِ شَيْءٍ، فَزَادَ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ، وَإِنْ كَانَ الْأَجِيرُ تَوَلَّى الْكَيْلَ وَالتَّعْبِئَةَ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُكْتَرِي، أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَأْذَنْ، فَهُوَ غَاصِبٌ؛ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِي حَمْلِ الزَّائِدِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِحَمْلِهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَهَا؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 649 لِأَنَّ تَلَفَهَا بِتَعَدِّي مَالِكِهَا، وَحُكْمُهُ فِي ضَمَانِ الطَّعَامِ إذَا تَلِفَ، حُكْمُ مَنْ غَصَبَ طَعَامَ غَيْرِهِ، فَتَلِفَ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ. (وَإِنْ تَوَلَّى الْكَيْلَ) وَالتَّعْبِئَةَ (أَجْنَبِيٌّ، وَلَمْ يَعْلَمَا) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ وَالْأَجِيرُ - أَوْ عَلِمَا، وَلَمْ يَأْذَنَا (بِزِيَادَةٍ) ؛ فَهُوَ (مُتَعَدٍّ عَلَيْهِمَا، عَلَيْهِ) لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ (أَجْرٌ زَائِدٌ، وَ) يَتَعَلَّقُ (بِهِ ضَمَانُ دَابَّةٍ) إنْ تَلِفَتْ، وَعَلَيْهِ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ ضَمَانُ مِثْلِ طَعَامِهِ إنْ تَلِفَ، وَسَوَاءٌ كَالَ الطَّعَامَ أَحَدُهُمَا، وَوَضَعَهُ الْآخَرُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ غَيْرُهُمَا؛ فَالْحُكْمُ مَنُوطٌ بِالْكَائِلِ؛ لِأَنَّ التَّدْلِيسَ مِنْهُ، لَا مِمَّنْ وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ. (وَمُكْتَرٍ مَكَانًا لِطَرْحِ قَفِيزٍ) مِنْ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا، (فَزَادَ) بِأَنْ طَرَحَ إرْدَبَّيْنِ، فَأَكْثَرَ، (فَإِنْ كَانَ) الطَّرْحُ (عَلَى الْأَرْضِ؛ فَلَا شَيْءَ لِزَائِدٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ، (وَ) إنْ كَانَ الطَّرْحُ (عَلَى سَطْحٍ) ؛ فَيَلْزَمُهُ (لِزَائِدٍ أَجْرُ مِثْلِهِ) ؛ لَتَعَدِّيهِ بِالزَّائِدِ، وَإِنْ اكْتَرَاهُ لِطَرْحِ أَلْفِ رِطْلِ قُطْنٍ، فَطَرَحَ فِيهِ أَلْفَ رِطْلِ حَدِيدٍ؛ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى مَعَ تَفَاوُتِ أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) - أَيْ: الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي - (فِي صِفَةِ الِانْتِفَاعِ) ؛ بِأَنْ قَالَ مُسْتَأْجِرٌ: اسْتَأْجَرْتهَا لِلْغَرْسِ، فَقَالَ مُؤَجِّرٌ: بَلْ لِلزَّرْعِ - وَلَا بَيِّنَةَ - (فَقَوْلُ مُؤَجِّرٍ) بِيَمِينِهِ؛ كَاخْتِلَافِهِمَا (فِي قَدْرِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ) فِي قَوْلٍ مُؤَجِّرٍ: (أَجَرْتُكهَا سَنَةً بِدِينَارٍ، فَقَالَ) الْمُسْتَأْجِرُ: (بَلْ) أَجَرْتَنِيهَا (سَنَتَيْنِ بِدِينَارَيْنِ) ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا أَنْكَرَهُ. (وَ) إنْ قَالَ: (أَجَرْتُكَهَا سَنَةً بِدِينَارٍ، فَقَالَ) مُسْتَأْجِرٌ: (بَلْ سَنَتَيْنِ بِدِينَارٍ) ، فَهَاهُنَا قَدْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْعِوَضِ وَالْمُدَّةِ جَمِيعًا؛ (فَيَتَحَالَفَانِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الِاتِّفَاقُ مِنْهُمَا عَلَى مُدَّةٍ بِعِوَضٍ، فَصَارَ (كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ) مَعَ اتِّفَاقِ الْمُدَّةِ، (وَ) قَدْ (مَرَّ) ذَلِكَ (فِي سَابِعِ أَقْسَامِ الْخِيَارِ) مِنْ كِتَابِ الْبَيْعِ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ وَرَثَتُهُمَا فِي قَدْرِ ثَمَنٍ - وَلَا بَيِّنَةَ، أَوْ لَهُمَا بَيِّنَتَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 650 وَتَعَارَضَتَا - تَحَالَفَا، وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا فِي حَقِّهِمَا وَلَوْ مَعَ ظُلْمِ أَحَدِهِمَا. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ: أَجَرْتُكَهَا سَنَةً بِدِينَارٍ، فَقَالَ السَّاكِنُ: بَلْ اسْتَأْجَرْتنِي عَلَى حِفْظِهَا بِدِينَارٍ، فَقَالَ أَحْمَدُ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّارِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلسَّاكِنِ بَيِّنَةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سُكْنَى الدَّارِ قَدْ وُجِدَ مِنْ السَّاكِنِ وَاسْتِيفَاءُ مَنْفَعَتِهَا، وَهِيَ مِلْكُ صَاحِبِهَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي مِلْكِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ اسْتِئْجَارِ السَّاكِنِ فِي الْحِفْظِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَنْفِيهِ. [فَصْلٌ ويَجِبُ عَلَى مُؤَجِّرٍ مَعَ الْإِطْلَاقِ كُلَّمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ أَوْ عُرْفٌ] (فَصْلٌ: وَ) يَجِبُ (عَلَى مُؤَجِّرٍ) مَعَ الْإِطْلَاقِ (كُلَّمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ أَوْ عُرْفٌ مِنْ آلَةٍ كَزِمَامِ مَرْكُوبٍ) ، لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَالْبَرَّةُ الَّتِي فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بَيْنَهُمْ بِهَا (وَرَحْلُهُ) وَقَتَبُهُ (وَحِزَامُهُ) وَثَغْرُهُ - وَهُوَ الْحِيَاصَةُ - وَسَرْجُهُ وَإِكَافُهُ - وَهُوَ الْبَرْذعَةُ - (أَوْ فِعْلٍ) - عُطِفَ عَلَى آلَةٍ - (إنْ شَرَطَ أَنْ يُسَافِرَ مَعَ جَمَلِهِ؛ كَقَوَدٍ وَسَوْقٍ) لِمَرْكُوبٍ (وَشَدٍّ وَرَفْعٍ وَحَطٍّ) لِمَحْمُولٍ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ؛ وَبِهِ يَتَمَكَّنُ الْمُكْتَرِي مِنْ الِانْتِفَاعِ، (وَلُزُومِ دَابَّةٍ لِنُزُولٍ لِحَاجَةِ) بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ (وَوَاجِبٍ) ؛ كَفَرْضِ صَلَاةٍ، (لَا) لِيَنْزِلَ لِصَلَاةِ سُنَّةٍ (رَاتِبَةٍ، وَ) عَلَى الْمُؤَجِّرِ لُزُومُ دَابَّةٍ لِنُزُولِ مُسْتَأْجِرٍ (لِفَرْضِ كِفَايَةٍ) ؛ كَمَا يَلْزَمُهُ لِفَرْضِ الْعَيْنِ، (وَ) يَلْزَمُهُ (تَبْرِيك بَعِيرٍ لِشَيْخٍ) ضَعِيفٍ (وَامْرَأَةٍ) وَسَمِينٍ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَعْجَزُ عَنْ الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ وَالْبَعِيرُ وَاقِفٌ لِرُكُوبِهِمْ وَنُزُولِهِمْ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ لَهُمْ، فَإِنْ احْتَاجَتْ الرَّاكِبَةُ إلَى أَخْذِ يَدٍ وَمَسِّ جِسْمٍ؛ تَوَلَّى ذَلِكَ مَحْرَمُهَا، دُونَ الْجَمَّالِ، لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، (وَ) يَلْزَمُهُ أَيْضًا تَبْرِيكُهُ (لِمَرِيضٍ وَكُلِّ عَاجِزٍ) عَنْ الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ وَلَوْ طَرَأَ مَرَضُهُ عَلَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى الرُّكُوبَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ "، (وَ) يَلْزَمُهُ أَيْضًا حَبْسُهُ لَهُ لِأَجْلِ (طَهَارَةٍ، وَيَدَعُ الْبَعِيرَ وَاقِفًا) حَتَّى يَقْضِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 651 حَاجَتَهُ، وَيَتَطَهَّرَ، وَيُصَلِّيَ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، بِخِلَافِ نَحْوِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ مِمَّا يُمْكِنُهُ رَاكِبًا. (وَلَا يَلْزَمُهُ) - أَيْ الْمُكْتَرِي - (قَصْرُ صَلَاةٍ بِطَلَبِ جَمَّالٍ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ، (بَلْ يُخَفِّفُهَا) جَمْعًا بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ. (وَ) قَالَ (فِي " التَّرْغِيبِ ": وَعِدْلُ قُمَاشٍ عَلَى مُكْرٍ إنْ كَانَتْ) الْإِجَارَةُ (فِي الذِّمَّةِ) ، وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: إنَّمَا يَلْزَمُ الْمُكْرِي مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ إنْ كَانَ الْكَرْيُ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ مَعَهُ الْمُكْتَرِي، فَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَتَسَلَّمَ الرَّاكِبُ الْبَهِيمَةَ لِيَرْكَبَهَا لِنَفْسِهِ؛ فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ انْتَهَيَا. قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ ": وَهُوَ مُتَوَجَّهٌ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ لِقَوْلِهِمْ أَوَّلًا مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَوْ الْعُرْفُ. قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: حَتَّى لَوْ سَافَرَ مَعَهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إلَّا مَا هُوَ الْعَادَةُ وَالْعُرْفُ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ. فَائِدَةٌ: لَا يَلْزَمُ الرَّاكِبُ الْمَشْيَ الْمُعْتَادَ عِنْدَ قُرْبِ الْمَنْزِلِ، هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ "، لَكِنَّ الْمُرُوءَةَ تَقْتَضِي فِعْلَ ذَلِكَ مِنْ الرَّاكِبِ الْقَوِيِّ حَيْثُ كَانَتْ الْعَادَةُ الْمَشْيَ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ؛ فَلَا يَلْزَمُهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا. (وَ) يَجِبُ (عَلَى مُكْتَرٍ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ، بَلْ إنْ أَرَادَهُ مُكْتَرٍ؛ فَمِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ شَيْءٌ عَلَى نَفْسِهِ، (مَحْمَلٌ) وَمَحَارَةٌ (وَمِظَلَّةٍ وَوِطَاءٍ فَوْقَ الرِّجْلِ وَحَبْلِ قِرَانٍ بَيْنَ الْجَمَلَيْنِ، وَ) أُجْرَةِ (دَلِيلٍ) إنْ جَهِلَا الطَّرِيقَ عَلَى مُكْتَرٍ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمُكْتَرِي، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الدَّابَّةِ وَآلَتِهَا؛ فَلَمْ يَلْزَمْ الْمُكْرِيَ كَالزَّادِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْمَحْمِلُ كَمَجْلِسٍ شُقَّتَانِ عَلَى الْبَعِيرِ يَحْمِلُ فِيهَا الْعَدِيلَانِ. قَالَ: وَالْمِظَلَّةُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الظَّاءِ - الْكَبِيرُ مِنْ الْأَخْبِيَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 652 (وَ) مَنْ اكْتَرَى بِئْرًا لِيَسْتَقِيَ مِنْهَا؛ فَعَلَيْهِ (بَكْرَةٌ وَحَبْلٌ) وَدَلْوٌ؛ كَمُكْتَرٍ أَرْضًا لِزَرْعٍ. فَآلَةُ حَرْثٍ وَنَحْوُهَا عَلَيْهِ. (وَ) عَلَى مُكْتَرِي دَارٍ أَوْ حَمَّامٍ وَنَحْوِهِ (تَفْرِيغُ بَالُوعَةٍ وَكَنِيفٍ) إذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً بِلَا نِزَاعٍ؛ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ؛ كَقُمَاشِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ يَلْزَمُ مُكْتَرٍ تَفْرِيغُ ذَلِكَ (حَيْثُ لَا عُرْفَ) بَيْنَ النَّاسِ (بِخِلَافِهِ) ، أَمَّا إذَا كَانَ الْعُرْفُ أَنَّ التَّفْرِيغَ عَلَى الْمُكْرِي، فَيَرْجِعُ إلَيْهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْت: يَتَّجِهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) كَذَا يَلْزَمُ مُكْتِرِي (الدَّارِ) تَفْرِيغُهَا (مِنْ قُمَامَةٍ وَنَحْوِ زِبْلٍ) كَرَمَادٍ (إنْ حَصَلَ بِفِعْلِهِ) - أَيْ: الْمُكْتَرِي - كَمَا لَوْ أَلْقَى فِيهَا جِيفَةً أَوْ تُرَابًا وَنَحْوَهُ. (وَعَلَى مُكْرٍ تَسْلِيمُهَا) - أَيْ: الدَّارُ الْمُؤَجَّرَةُ - (فَارِغَةً) بَالُوعَتُهَا وَكَنِيفُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ مَعَ امْتِلَائِهِ، (وَ) عَلَى مُكْرٍ كُلُّ (مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ) الْمُسْتَأْجِرُ (مِنْ نَفْعٍ؛ كَتَرْمِيمِ) مَا يَحْتَاجُ إلَى التَّرْمِيمِ (بِإِصْلَاحِ مُنْكَسِرٍ وَإِقَامَةِ مَائِلٍ وَإِعَادَةِ) مُنْهَدِمٍ مِنْ (حَائِطٍ وَعَمَلِ بَابٍ وَتَطْيِينِ سَطْحٍ وَتَنْظِيفِهِ مِنْ ثَلْجٍ وَحَشِيشٍ) ، كَمَا يَلْزَمُهُ تَنْظِيفُ أَرْضٍ مُؤَجَّرَةٍ مِنْ حَشِيشٍ مُضِرٍّ وَثَلْجٍ - وَلَوْ كَانَ الثَّلْجُ حَادِثًا بَعْدَ الْإِجَارَةِ - لِيَتَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ، (وَ) يَلْزَمُ مُكْرٍ أَيْضًا (إصْلَاحُ بِرْكَةٍ بِدَارٍ) مُؤَجَّرَةٍ، (وَ) إصْلَاحُ (أَحْوَاضٍ بِحَمَّامٍ وَتَبْلِيطِهِ، وَ) إصْلَاحُ (مَجَارِي مَاءٍ) بِحَمَّامٍ وَنَحْوِهِ، (وَ) إصْلَاحُ (سَلَالِمَ أَسْطِحَةٍ) ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يُتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ، وَيُتَمَكَّنُ مِنْهُ، (فَإِنْ امْتَنَعَ) مُؤَجِّرٌ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ؛ (أُجْبِرَ) ؛ أَيْ: أَجْبَرَهُ حَاكِمٌ، (وَلِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ) إزَالَةً لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِتَرْكِهِ. (وَلَا يُجْبَرُ) الْمُؤَجِّرُ (عَلَى تَجْدِيدٍ) وَتَحْسِينٍ وَتَزْوِيقٍ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ مُمْكِنٌ بِدُونِهِ. (وَلَوْ شَرَطَ مُكْرٍ عَلَى مُكْتَرٍ) فِي الْحَمَّامِ أَوْ الدَّارِ أَوْ الطَّاحُونِ وَنَحْوِهَا أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 653 (أَجْرَ مُدَّةِ تَعْطِيلِهَا) عَلَيْهِ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مُدَّةً لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ فِي بَعْضِهَا، (أَوْ) شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ (أَنْ يَأْخُذَ) الْمُسْتَأْجِرُ (بِقَدْرِهَا) - أَيْ: مُدَّةَ التَّعْطِيلِ (بَعْدَ) فَرَاغِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ - لَمْ يَصِحَّ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، (أَوْ) شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (الْعِمَارَةَ) - أَيْ: النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ بِعِمَارَةِ الْمَأْجُورِ - لَمْ يَصِحَّ (أَوْ جَعْلَهَا) - أَيْ: النَّفَقَةُ عَلَى الْمَأْجُورِ - (أُجْرَةً لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْرِطَ عَلَى أَحَدِهِمَا) - أَيْ: الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ - (مَا) يَجِبُ (فِعْلُهُ عَلَى الْآخَرِ) ؛ كَمَا لَوْ شَرَطَ الْمُكْرِي عَلَى الْمُكْتَرِي النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ لِعِمَارَةِ الْمَأْجُورِ، أَوْ شَرَطَ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمُكْرِي تَفْرِيغَ مَا يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْأُجْرَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (لَكِنْ لَوْ عَمَّرَ مُكْتَرٍ بِهَذَا الشَّرْطِ، أَوْ) عَمَّرَ (بِإِذْنِهِ) - أَيْ الْمُؤَجِّرُ - (رَجَعَ) عَلَيْهِ (بِمَا قَالَ مُكْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى عَيْنٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَهُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى عَبْدِهِ أَوْ دَابَّتِهِ. (وَ) لَوْ عَمَّرَ (بِلَا إذْنِهِ لَا يَرْجِعُ) عَلَيْهِ (بِشَيْءٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، لَكِنْ لَهُ أَخْذُ أَعْيَانِ آلَاتِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَهُ الْمُكْتَرِي الْمَأْذُونُ؛ بِأَنْ قَالَ: أَنْفَقْت مِائَةً، وَقَالَ الْمُكْرِي: بَلْ خَمْسِينَ - وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا - فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. (وَلَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا) - أَيْ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ. (تَزْوِيقٌ وَلَا تَجْصِيصٌ) وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِدُونِهِ (بِلَا شَرْطٍ) ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. (وَعَلَى مُكْتَرٍ تَسْلِيمَ مَفَاتِيحَ) مُؤَجَّرَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِهَا يُتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 654 وَيُتَمَكَّنُ مِنْهُ، (وَهِيَ) - أَيْ الْمَفَاتِيحُ - (أَمَانَةٌ بِيَدِ مُكْتَرٍ) ؛ كَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، (فَإِنْ تَلِفَتْ) الْمَفَاتِيحُ (بِلَا تَفْرِيطٍ؛ فَعَلَى مُكْرٍ بَدَلُهَا) ، وَيَكُونُ أَيْضًا أَمَانَةً. [فَصْلٌ الْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ] (فَصْلٌ) (وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ؛ (كَالْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ؛ كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، (فَلَا فَسْخَ لِوَاحِدٍ) مِنْهُمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارَيْنِ إنْ كَانَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي بَابِ الْخِيَارِ (بِلَا مُوجِبٍ) شَرْعِيٍّ (كَعَيْبٍ) لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ حَالَ الْعَقْدِ؛ فَلَهُ الْفَسْخُ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " " وَالْمُبْدِعِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ؛ كَالْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ، وَكَذَا لَوْ حَدَثَ الْعَيْبُ عِنْدَ مُسْتَأْجِرٍ، كَمَا يَأْتِي. وَالْعَيْبُ الَّذِي يُفْسَخُ بِهِ فِي الْإِجَارَةِ مَا تَنْقُصُ بِهِ الْمَنْفَعَةُ؛ وَيَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ، فَيُفْسَخُ بِذَلِكَ إنْ لَمْ يَزُلْ الْعَيْبُ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُ الْمُسْتَأْجِرَ؛ كَأَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ جَمُوحًا وَعَضُوضًا وَنَفُورًا أَوْ شَمُوسًا، أَوْ بِهَا عَيْبٌ كَتَعَثُّرِ الظَّهْرِ فِي الْمَشْيِ، وَعَرَجٍ يَتَأَخَّرُ بِهِ عَنْ الْقَافِلَةِ، وَرَبْضِ الْبَهِيمَةِ بِالْحَمْلِ، أَوْ يَكُونَ الْأَجِيرُ لِلْخِدْمَةِ ضَعِيفَ الْبَصَرِ، أَوْ بِهِ جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ أَوْ مَرَضٌ، أَوْ يَجِدَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ مَهْدُومَةَ الْحَائِطِ، أَوْ يَخَافَ مِنْ سُقُوطِهَا، أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ مِنْ بِئْرِهَا، أَوْ تَغَيَّرَ بِحَيْثُ يَمْنَعُ الشُّرْبَ وَالْوُضُوءَ؛ فَيَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُ " الِانْتِصَارِ " إنَّهُ لَا فَسْخَ بِذَلِكَ؛ لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا: يَدْخُلُ تَبَعًا؛ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ بِانْقِطَاعِهِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ، فَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْمُقَامِ، وَلَمْ يَفْسَخْ؛ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ، وَلَا أَرْشَ لَهُ، وَيَأْتِي لَهُ تَتِمَّةٌ فِي الْفَصْلِ بَعْدُ. (وَيَمْلِكُ بِهِ) - أَيْ: الْعَقْدُ - (مُؤَجِّرٌ الْأُجْرَةَ، وَ) يَمْلِكُ (مُسْتَأْجِرٌ الْمَنَافِعَ) كَالْبَيْعِ، (فَإِذَا لَمْ يَسْكُنْ مُسْتَأْجِرٌ مُؤَجَّرَةً، أَوْ لَمْ يَرْكَبْ) مُؤَجَّرَةً، (أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 655 امْتَنَعَ) مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لِعُذْرٍ يَخْتَصُّ بِهِ أَوَّلًا؛ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. ، (أَوْ تَحَوَّلَ) مُسْتَأْجِرٌ مِنْهَا (فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ؛ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ يَقْتَضِي تَمْلِيكَ الْمُؤَجِّرِ الْأَجْرَ، وَالْمُسْتَأْجِرَ الْمَنَافِعَ، فَإِذَا تَرَكَ الْمُسْتَأْجِرُ الِانْتِفَاعَ اخْتِيَارًا مِنْهُ؛ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ، وَالْأَجْرُ لَازِمٌ لَهُ، وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ الْمَنَافِعِ؛ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا، وَقَبَضَهُ، ثُمَّ تَرَكَهُ، قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: اكْتَرَى بَعِيرًا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ لَهُ: فَاسِخْنِي، قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، قَدْ لَزِمَهُ الْكَرْيُ، قُلْت: فَإِنْ مَرِضَ الْمُسْتَكْرِي بِالْمَدِينَةِ؛ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فَسْخًا. (وَإِنَّ حَوَّلَهُ) - أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ - (مَالِكُ) الدَّارِ وَنَحْوِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ؛ فَلَا أُجْرَةَ لِمَا سَكَنَ قَبْلَ أَنْ يُحَوِّلَهُ الْمُؤَجِّرُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. (أَوْ امْتَنَعَ) مُؤَجِّرُ دَابَّةٍ (مِنْ تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ) الْمُؤَجَّرَةِ (فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، وَ) فِي أَثْنَاءِ (الْمَسَافَةِ) الْمُؤَجَّرَةِ لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ إلَيْهَا؛ فَلَا أُجْرَةَ لِرُكُوبِهِ أَوْ حَمْلِهِ عَلَيْهَا قَبْلَ الْمَنْعِ مِنْهُ، (أَوْ) امْتَنَعَ (الْأَجِيرُ) لِعَمَلٍ (مِنْ تَكْمِيلِ الْعَمَلِ كَمِنْ خِيَاطَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ حَفْرِ مَا شُورِطَ عَلَيْهِ؛ فَلَا أُجْرَةَ) لَهُ؛ لِمَا عَمَلَ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ مَنَعَ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ إذَا كَانَ بَعْدَ عَمَلِ الْبَعْضِ؛ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيهِ؛ لِمَا سَبَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا تَنَاوَلَهُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ؛ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، إلَّا أَنْ يَرُدَّ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ فَلَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْعَيْنَ، لَكِنْ يَسْقُطُ مِنْهَا أُجْرَةُ الْمُدَّةِ الَّتِي احْتَبَسَهَا الْمُؤَجِّرُ؛ لِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ إلَّا أَنْ يُتَمِّمَ الْأَجِيرُ الْعَمَلَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ قَبْلَ فَسْخِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ مَا عَمَلَ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِالْعَمَلِ. (وَإِنْ شَرَدَتْ) دَابَّةٌ (مُؤَجَّرَةٌ، أَوْ تَعَذَّرَ بَاقِي اسْتِيفَاءِ النَّفْعِ بِلَا فِعْلِ أَحَدِهِمَا) - أَيْ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ - فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ (الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ عَمَلٍ وَزَمَنٍ) قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِعُذْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 656 (وَإِنْ هَرَبَ أَجِيرٌ) مُدَّةَ الْعَمَلِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مُدَّةِ النَّفْعِ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، (أَوْ) هَرَبَ (مُؤَجِّرُ عَيْنٍ بِهَا) قَبْلَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ النَّفْعِ حَتَّى انْقَضَتْ؛ انْفَسَخَتْ (أَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمٍ) قَبْلَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ النَّفْعِ حَتَّى انْقَضَتْ؛ انْفَسَخَتْ، (أَوْ شَرَدَتْ) دَابَّةٌ مُؤَجَّرَةٌ (قَبْلَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ النَّفْعِ حَتَّى انْقَضَتْ) مُدَّةُ الْإِجَارَةِ؛ (انْفَسَخَتْ) الْإِجَارَةُ؛ لِفَوَاتِ زَمَنِهَا الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَنْفَسِخُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَا أُجْرَةَ لِزَمَنِ هَرَبٍ، (وَلِمُسْتَأْجَرٍ قَبْلَ ذَلِكَ) - أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ - الْفَسْخُ اسْتِدْرَاكًا لِمَا فَاتَهُ. (فَلَوْ كَانَتْ) الْإِجَارَةُ (عَلَى عَمَلٍ) مَوْصُوفٍ بِذِمَّةٍ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، أَوْ بِنَاءِ حَائِطٍ وَحَمْلٍ إلَى مَحَلٍّ مَعْلُومٍ، وَهَرَبَ الْأَجِيرُ؛ (اُسْتُؤْجِرَ) ؛ أَيْ: اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ (مِنْ مَالِهِ) - أَيْ مَالِ الْأَجِيرِ - (مَنْ يَعْمَلُهُ) كَمَا [لَوْ] هَرَبَ مُسَلَّمٌ إلَيْهِ فِي قَمْحٍ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ لَهُ قَمْحٌ؛ فَإِنَّهُ يُشْتَرَى مِنْ مَالِهِ قَمْحٌ؛ بِصِفَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَيَدْفَعُ لِرَبِّ السَّلَمِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ (لَا) يَسُوغُ الْمُسْتَأْجِرُ (أَنْ يَعْمَلَهُ) - أَيْ الْعَمَلُ الْمَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ - (هُوَ) - أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ - (بِنَفْسِهِ) ، وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِ الْأَجِيرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَبَضَهَا، فَيَأْخُذُهَا مِنْ مَالِهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ، أَوْ كَانَ، وَلَمْ يَأْذَنْ؛ فَالْأُجْرَةُ بَاقِيَةٌ فِي ذِمَّةِ الْأَجِيرِ تُؤْخَذُ مِنْهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) اسْتِئْجَارُ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ مَالِهِ؛ (خُيِّرَ مُسْتَأْجِرٌ بَيْنَ فَسْخِ) إجَارَةٍ، (وَ) بَيْنَ (صَبْرٍ) إلَى قُدْرَةٍ عَلَيْهِ، فَيُطَالِبُهُ بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَفُوتُ بِهَرَبِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 657 (وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ) ؛ كَخِيَاطَةٍ وَبِنَاءٍ، (وَلَمْ تُشْتَرَطْ مُبَاشَرَتُهُ) لَهُ فِي الْعَقْدِ، (فَمَرِضَ وَيَتَّجِهُ أَوْ مَاتَ) ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أُقِيمَ عِوَضُهُ) مَنْ يَعْمَلُ؛ لِيَخْرُجَ مِمَّا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ: كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ، (وَلَا يَلْزَمُهُ إنْظَارُهُ) - أَيْ: الْمَرِيضِ - لِأَنَّ الْعَقْدَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ (وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمَرِيضُ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا لَزِمَهُ. (وَإِنْ اخْتَلَفَ) فِي الْعَمَلِ (الْقَصْدُ كَنَسْخٍ) ؛ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْخُطُوطِ، (وَتِجَارَةٍ) ؛ لِاخْتِلَافِهَا بِاخْتِلَافِ الْحِذْقِ، فَلَا، (أَوْ وَقَعَتْ) الْإِجَارَةُ (عَلَى عَيْنِهِ) ؛ كَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ؛ فَلَا، (أَوْ شُرِطَتْ مُبَاشَرَتُهُ) الْعَمَلَ؛ (فَلَا) يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرُ قَبُولَ عَمَلِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَحْصُلُ بِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي نَوْعٍ، فَسَلَّمَ إلَيْهِ غَيْرَهُ، وَلِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ؛ لِتَعَدِّيهِ بِتَعْجِيلِ حَقِّهِ الْوَاجِبِ تَعْجِيلُهُ. (وَلِمُكْتَرٍ هَرَبَ جَمَّالُهُ) أَوْ بَغَّالُهُ، (وَتَرَكَ بَهَائِمَهُ) الْمُكْتَرَاةَ (بِلَا مُؤْنَةٍ) ؛ رَفْعُ أَمْرِهِ إلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا مَقْدُورًا عَلَيْهِ؛ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ الْهَارِبِ؛ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ، وَالْحَاكِمُ أَمِينُهُ، وَلَوْ بِيعَ مَا فَضَلَ مِنْ الْبَهَائِمِ عَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَكَذَا يَسْتَأْجِرُ الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الشَّدِّ عَلَيْهَا وَحِفْظِهَا وَفِعْلِ مَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ؛ اسْتَدَانَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، أَوْ أَذِنَ الْحَاكِمُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ أَمِينٍ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ تَشُقُّ وَتَتَعَذَّرُ مُبَاشَرَتُهُ كُلَّ وَقْتٍ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِلْغَائِبِ مَالٌ، أَوْ وُجِدَ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَلِلْمُسْتَأْجِرِ (إنْفَاقٌ عَلَيْهَا) - أَيْ: الْبَهَائِمُ (مِنْ مَالِهِ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ - بِدُونِ إذْنِ حَاكِمٍ (بِنِيَّةِ رُجُوعٍ) - وَلَهُ ذَلِكَ - (وَيَرْجِعُ) عَلَى مَالِكِهَا بِمَا أَنْفَقَهُ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ وَتَرْكِهِ، أَوْ لَا، أَشْهَدَ عَلَى نِيَّةِ رُجُوعِهِ أَوْ لَا؛ لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ غَيْرِ مُتَبَرِّعٍ بِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 658 وَإِلَّا يَنْوِ الرُّجُوعَ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا أَنْفَقَهُ، وَكَانَ الْحَاكِمُ قَدَّرَهُ؛ قَبْلَ قَوْلِ الْمُكْتَرِي فِي ذَلِكَ، دُونَ مَا زَادَ، وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ؛ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ، بِالْمَعْرُوفِ قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَيَبِيعُهَا) - أَيْ: الْبَهَائِمُ (حَاكِمٌ بَعْدَ) انْقِضَاءِ (إجَارَةٍ لِيُوَفِّيَهُ) - أَيْ: الْمُنْفِقُ - مِنْ مُسْتَأْجِرٍ أَوْ غَيْرِهِ مَا أَنْفَقَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصًا لِذِمَّةِ الْجَمَّالِ وَإِيفَاءً لِحَقِّ صَاحِبِ النَّفَقَةِ، (وَيَحْفَظُ) الْحَاكِمُ (بَاقِيَ ثَمَنِ) الْبَهَائِمِ (لِمَالِكِهَا) ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَلْزَمُهُ حِفْظُ مَالِ الْغَائِبِ (إنْ كَانَ) حَيًّا، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا؛ فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْفَظَ بَاقِيَ الثَّمَنِ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَوْتِ الْجَمَّالِ حُكْمُ هَرَبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَوْتَ لَا يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ، فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا، وَلَا يُسْرِفُ فِي عَلَفِهَا وَلَا يُقَصِّرُ، وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ. (وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ) مَحَلٍّ (مَعْقُودٍ عَلَيْهِ) ؛ كَدَابَّةٍ أَوْ عَبْدٍ مَاتَ وَدَارٍ انْهَدَمَتْ، قَبَضَهَا الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ لَا؛ لِزَوَالِ الْمَنْفَعَةِ بِتَلَفِ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ، وَقَبْضُهَا إنَّمَا يَكُونُ بِاسْتِيفَائِهَا، أَوْ التَّمَكُّنِ مِنْهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ. (وَإِنْ) تَلِفَ مُؤَجَّرٌ (فِي أَثْنَاءِ مُدَّةٍ، أَوْ) فِي أَثْنَاءِ (عَمَلٍ) اُسْتُؤْجِرَ لَهُ - (وَقَدْ مَضَى) مِنْهَا (مَا لَهُ أَجْرٌ) عَادَةً - انْفَسَخَتْ (فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الْمُدَّةِ فَقَطْ أَوْ الْعَمَلِ؛ كَتَلَفِ إحْدَى صُبْرَتَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِجَائِحَةٍ، (وَيُقَسَّطُ أَجْرُ مُدَّةٍ) أَوْ عَمَلٍ (عَلَى حَسَبِ زَمَانِ رَغْبَةٍ) ؛ لِلِاخْتِلَافِ، فَإِذَا كَانَ أَجْرُهَا فِي الصَّيْفِ أَكْثَرَ مِنْ الشِّتَاءِ، أَوْ بِالْعَكْسِ؛ فَإِنَّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى يُقَسَّطُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا قِيلَ أَجْرُهَا فِي الصَّيْفِ يُسَاوِي مِائَةً، وَفِي الشِّتَاءِ يُسَاوِي خَمْسِينَ، وَكَانَ قَدْ سَكَتَ الصَّيْفُ؛ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ ثُلُثَيْ الْمُسَمَّى، وَكَذَلِكَ لِعَمَلٍ؛ كَالْخِيَاطَةِ، فَإِنْ أَجَّرَهَا فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ لَيْسَ كَغَيْرِهَا، وَ (لَا) يُقَسَّطُ الْأَجْرُ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ اسْتَوَى الزَّمَانُ أَوْ اخْتَلَفَ، بَلْ يُقَدِّرُهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِحَسْبِهِ. (وَ) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ (بِانْقِلَاعِ ضِرْسٍ اكْتَرَى لِقَلْعِهِ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ قُبَيْلَ الضَّرْبِ الثَّانِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 659 (وَ) تَنْفَسِخُ (بِبُرْئِهِ) ؛ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ كَالْمَوْتِ، فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ، وَامْتَنَعَ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ قَلْعِهِ؛ لَمْ يُجْبَرْ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَتَنْفَسِخُ إجَارَةٌ بِبُرْءِ (عُضْوٍ غَيْرِهِ) - أَيْ الضِّرْسُ - (أَوْ زَوَالِهِ) - أَيْ: زَوَالُ مَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ - كَاسْتِئْجَارِ طَبِيبٍ لِيُدَاوِيَهُ، فَيَبْرَأَ، أَوْ يَمُوتَ؛ فَتَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ، سَوَاءٌ كَانَ التَّلَفُ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ؛ كَقَتْلِهِ الْعَبْدَ الْمُؤَجَّرَ، أَوْ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ؛ كَمَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ غَيْرُهُ، وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ - كَالْمَرْأَةِ تَقْطَعُ ذَكَرَ زَوْجِهَا تَضْمَنُهُ، وَتَمْلِكُ الْفَسْخَ - فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَرِيضُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْمَرَضِ؛ اسْتَحَقَّ الطَّبِيبُ الْأُجْرَةَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَكَاسْتِئْجَارِ إنْسَانٍ لِيَقْتَصَّ لَهُ مِنْ آخَرَ، أَوْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَمَاتَ. (وَ) تَنْفَسِخُ إجَارَةٌ (بِمَوْتِ مُرْتَضِعٍ) أَوْ امْتِنَاعِهِ مِنْ الرَّضَاعِ؛ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الِارْتِضَاعِ؛ لِاخْتِلَافِ الْمُرْتَضِعَيْنِ فِيهِ، وَقَدْ يَدُرُّ اللَّبَنُ عَلَى وَاحِدٍ دُونَ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ عَقِبَ الْعَقْدِ؛ زَالَتْ، الْإِجَارَةُ مِنْ أَصْلِهَا، وَرَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْأَجْرِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ؛ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مَا بَقِيَ، وَكَذَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُرْتَضِعَةِ؛ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ بِهَلَاكِ مَحَلِّهَا. وَ (لَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ [بِمَوْتِ] (رَاكِبٍ لَهُ - وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ - بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، أَوْ كَانَ غَائِبًا؛ كَمَنْ يَمُوتُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَسَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُكْتَرِي أَوْ غَيْرُهُ اكْتَرَى لَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ: لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ. قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَبَا مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مَنْفَعَةُ الدَّابَّةِ، دُونَ الرَّاكِبِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مُسْتَأْجِرَ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ مَنْ يُمَاثِلُهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرَّاكِبَ؛ لِتُقَدَّرَ بِهِ الْمَنْفَعَةُ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا هَذَا الْقِنْطَارَ الْقُطْنَ، فَتَلِفَ؛ لَمْ يَنْفَسِخْ، وَلَهُ أَنْ يُحَمِّلَهَا مِنْ أَيِّ قُطْنٍ كَانَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 660 (وَلَا) تَنْفَسِخُ (بِمَوْتِ مُكْرٍ أَوْ مَوْتِ مُكْتَرٍ) ؛ لِلُزُومِهَا؛ كَالْبَيْعِ، وَكَمَا لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ بِأَمَةِ غَيْرِهِ، ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدَانِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَنْفَسِخُ (بِعُذْرٍ لِأَحَدِهِمَا؛ بِأَنْ يَكْتَرِيَ) جَمَلًا مَثَلًا لِيَحُجَّ عَلَيْهِ، (فَتَضِيعُ نَفَقَتُهُ) ، فَلَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ، أَوْ يَكْتَرِيَ دُكَّانًا لِيَبِيعَ فِيهَا، (فَيَحْتَرِقَ مَتَاعُهُ) ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَلَمْ يَجُزْ لِعُذْرٍ مِنْ غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ كَالْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْإِبَاقِ؛ فَإِنَّهُ عُذْرٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. (وَلَا يَصِحُّ فَسْخُ) الْإِجَارَةِ (بِمُقْتَضَى ذَلِكَ) - أَيْ: ضَيَاعُ النَّفَقَةِ وَاحْتِرَاقِ الْمَتَاعِ - لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ فَسْخُهُ لِعُذْرِ الْمُكْتَرِي؛ لَجَازَ لِعُذْرِ الْمُكْرِي؛ تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ، وَلَمْ يَجُزْ ثَمَّ؛ فَلَمْ يَجُزْ هَا هُنَا. (وَلَا يَحِلُّ لِمُؤَجِّرٍ تَصَرُّفٌ فِي) عَيْنٍ (مُؤَجَّرَةٍ) ، سَوَاءٌ تَرَكَ الْمُسْتَأْجِرُ الِانْتِفَاعَ بِهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَبِيعِ، إلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِقَالَةِ. (فَإِنْ تَصَرَّفَ) الْمُؤَجِّرُ فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ بِأَنْ سَكَنَ الدَّارَ الْمُؤَجَّرَةَ، أَوْ أَجَّرَهَا لِغَيْرِهِ بَعْدَ تَسْلِيمِهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ (فَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْمُؤَجِّرُ - (أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُسْتَأْجِرٍ) لِمَا سَكَنَ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ، يَسْقُطُ ذَلِكَ مِمَّا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْأَجْرِ، وَيَلْزَمُهُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيمَا يَمْلِكُهُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ، بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ، وَقَبْضِ الدَّارِ هَا هُنَا قَامَ مَقَامَ قَبْضِ الْمَنَافِعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَنَافِعِ بِالسُّكْنَى وَالْإِجَارَةِ، فَلَوْ كَانَ أَجْرُ الْمِثْلِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَالِكِ بِقَدْرِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ؛ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ شَيْءٌ، وَإِنْ فَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ؛ لَزِمَ الْمَالِكَ أَدَاؤُهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ) الْمُشَاهَدَةُ (عَلَيْهَا، خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ - فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ تَصَرَّفَ وَيَدُ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا؛ بِأَنْ سَكَنَ الدَّارَ، أَوْ أَجَّرَهَا؛ لَمْ تَنْفَسِخْ، وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ، وَلَهُ عَلَى الْمَالِكِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 661 سَكَنَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ، وَالْمُتَّجِهُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ الْمُشَاهَدَةِ أَوْ الْحُكْمِيَّةِ، وَفِي نُسْخَةٍ (لَكِنْ لَوْ تَصَرَّفَ مَالِكٌ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا) - أَيْ: الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ - (أَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ) - أَيْ: التَّسْلِيمُ - (حَتَّى انْقَضَتْ) الْمُدَّةُ؛ (انْفَسَخَتْ) الْإِجَارَةُ بِذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ أَتْلَفَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ؛ كَمَا لَوْ بَاعَهُ طَعَامًا، فَأَتْلَفَهُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ؛ انْفَسَخَتْ فِيمَا مَضَى، وَيَجِبُ أَجْرُ الْبَاقِي بِالْحِصَّةِ؛ كَالْمَبِيعِ إذَا سَلَّمَ بَعْضَهُ، وَأَتْلَفَ بَعْضًا. (وَإِنْ غُصِبَتْ) عَيْنٌ (مُؤَجَّرَةٌ مُعَيَّنَةٌ لِعَمَلٍ) ؛ بِأَنْ قَالَ: اسْتَأْجَرْت مِنْك هَذِهِ الْفَرَسَ لِأَرْكَبَهَا إلَى مَحَلِّ كَذَا، وَهَذَا الْعَبْدُ لِيَبْنِيَ لِي هَذَا الْحَائِطَ بِكَذَا، فَغُصِبَتْ الْفَرَسُ أَوْ الْعَبْدُ؛ (خُيِّرَ) مُسْتَأْجِرٌ (بَيْنَ فَسْخِ) إجَارَةٍ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ، (وَ) بَيْنَ (صَبْرٍ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَإِذَا أَخَّرَهُ؛ جَازَ. (وَ) إنْ غُصِبَتْ مُؤَجَّرَةٌ مُعَيَّنَةٌ (لِمُدَّةٍ) ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْعَبْدَ سَنَةً لِلْخِدْمَةِ، فَغَصَبَ؛ (خُيِّرَ) مُسْتَأْجِرٌ (مُتَرَاخِيًا، وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا) - أَيْ: الْمُدَّةُ - فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ (بَيْنَ فَسْخٍ، وَ) بَيْنَ (إمْضَاءِ) الْعَقْدِ بِلَا فَسْخٍ (وَمُطَالَبَةِ غَاصِبٍ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ) ، وَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِ غَصْبٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَفُتْ مُطْلَقًا، بَلْ إلَى بَدَلٍ، وَهُوَ الْقِيمَةُ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَبِيعَ وَنَحْوَهُ آدَمِيٌّ، (فَإِنْ فَسَخَ) الْإِجَارَةَ؛ (فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى) مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْفَسْخِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 662 بِالْقِسْطِ، وَإِنْ أَمْضَى؛ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى تَامًّا، وَيَرْجِعُ عَلَى غَاصِبٍ بِأُجْرَةٍ. (وَإِنْ رُدَّتْ) مُؤَجَّرَةٌ مَغْصُوبَةٌ (فِي أَثْنَائِهَا) - أَيْ: الْمُدَّةِ - (قَبْلَ فَسْخٍ) مُسْتَأْجِرٍ؛ (اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ) مِنْ الْمُدَّةِ، (وَخُيِّرَ فِيمَا مَضَى) - وَالْعَيْنُ بِيَدِ غَاصِبٍ (بَيْنَ فَسْخٍ فِيهِ) - أَيْ: فِيمَا مَضَى - وَالرُّجُوعِ بِالْمُسَمَّى، (أَوْ إمْضَاءِ) الْعَقْدِ (وَمُطَالَبَةِ غَاصِبٍ) بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَلَهُ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ - (بَدَلُ مَوْصُوفَةٍ بِذِمَّةٍ) يَعْنِي إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا مَوْصُوفَةٍ بِذِمَّةِ الْمُؤَجِّرِ، ثُمَّ سَلَّمَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ عَيْنًا بِالصِّفَةِ، فَغُصِبَتْ؛ فَعَلَى الْمُؤَجِّرِ بَدَلُهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ؛ كَمَا لَوْ وَجَدَ بِالْمُسَلَّمِ عَيْبًا، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْبَدَلُ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ (فَسْخُ) الْإِجَارَةِ، وَلَهُ الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، فَيَسْتَوْفِي مِنْهَا، وَتَنْفَسِخُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إنْ كَانَتْ إلَى مُدَّةٍ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِجَارَةَ الصَّحِيحَةَ لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ وَلَا غَيْرِهِ فَسْخُهَا لِزِيَادَةٍ حَصَلَتْ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ وَقْفًا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، وَإِذَا الْتَزَمَ الْمُسْتَأْجِرُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ؛ لَمْ تَلْزَمْهُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ الْتَزَمَهَا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى إلْحَاقِ الزِّيَادَةِ، وَالشُّرُوطُ بِالْعُقُودِ اللَّازِمَةِ لَا تُلْحَقُ. ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ. (وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ) لِلْمُؤَجَّرَةِ هُوَ (الْمُؤَجِّرُ؛ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ مُطْلَقًا) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ أَوْ إلَى مُدَّةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَصْبُهُ لَهَا قَبْلَ الْمُدَّةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ حَوَّلَهُ مَالِكٌ، وَامْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ الْمَسَافَةِ إلَى آخِرِهِ؛ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ. (وَلِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ) إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ، وَتَعَذَّرَ الْبَدَلُ، وَيَثْبُتُ الِانْفِسَاخُ إذَا كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنَةٍ؛ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَعَ تَضْمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ مَا أَتْلَفَ مِنْ الْعَيْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 663 (وَحُدُوثُ خَوْفٍ عَامٍّ) يَمْنَعُ مِنْ سُكْنَى الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ أَوْ حَصْرُ الْبَلَدِ؛ فَامْتَنَعَ خُرُوجُ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى الْأَرْضِ الْمُؤَجَّرَةِ لِلزَّرْعِ؛ (كَغَصْبٍ) فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ، فَإِنْ كَانَ الْخَوْفُ خَاصًّا بِمُسْتَأْجِرٍ؛ كَخَوْفِهِ مِنْ السَّفَرِ لَقُرْبِ عَدُوِّهِ مِنْ مَحَلٍّ يُرِيدُ سُلُوكَهُ؛ لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ يَخْتَصُّ بِهِ لَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ النَّفْعِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ أَشْبَهَ الْمَرَضَ وَالْحَبْسَ، وَلَوْ ظُلْمًا. وَلَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، فَانْقَطَعَتْ الطَّرِيقُ إلَى جِهَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِخَوْفِ حَادِثٍ، أَوْ اكْتَرَى إلَى مَكَّةَ؛ فَلَمْ يَحُجَّ النَّاسُ ذَلِكَ الْعَامَ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ؛ مَلَكَ كُلٌّ مِنْ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ فَسْخَ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ اخْتَارَ إبْقَاءَ الْإِجَارَةِ إلَى حِينِ إمْكَانِ اسْتِيفَاءِ النَّفْعِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعُدُّوهُمَا. (وَلَا فَسْخَ) لِعَقْدِ إجَارَةٍ (بِانْتِقَالِ مِلْكٍ فِي عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ؛ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ) ؛ كَعِتْقٍ وَجَعَالَةٍ؛ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، (وَلَوْ) كَانَ الِانْتِقَالُ (لِمُسْتَأْجِرٍ) ، فَيَجْتَمِعُ عَلَى بَائِعٍ لِمُشْتَرٍ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَشْمَلْ الْمَنَافِعَ الْجَارِيَةَ فِي مِلْكِهِ بِعَقْدِ التَّآجُرِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْإِنْسَانِ مِلْكَ نَفْسِهِ مُحَالٌ. (فَلَوْ فُسِخَ بَيْعٌ بِنَحْوِ عَيْبٍ؛ فَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا) ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ، فَإِذَا فُسِخَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرِي الْمُؤَجَّرَةِ أَجْنَبِيًّا؛ فَالْأُجْرَةُ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ لَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَاسْتَشْكَلَ بِكَوْنِ الْمَنَافِعِ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لِلْبَائِعِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ، فَلَا تَدْخُلُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ حَتَّى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَهُ عَوَّضَهَا، وَهُوَ الْأُجْرَةُ، وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ عِوَضَهَا - وَهُوَ الْأُجْرَةُ - وَلَمْ تَسْتَقِرَّ بَعْدُ، وَلَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لَرَجَعَتْ الْمَنَافِعُ إلَى الْبَائِعِ، فَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ فِيمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْهَا، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ عِوَضِ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَاءِ الْإِجَارَةِ. قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ". (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَبْطُلُ إجَارَةٌ (بِوَقْفِ) عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ، (أَوْ) ؛ أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 664 وَلَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهَا (بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ صُلْحٍ) ؛ لِوُرُودِهَا عَلَى مَا يَمْلِكُهُ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْعَيْنِ الْمَسْلُوبَةِ الْمَنْفَعَةِ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ أَبِيهِ دَارًا [مَمْلُوكَةً لَهُ] أَوْ نَحْوَهَا، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَخَلَفَ الْمُسْتَأْجِرَ وَأَخَاهُ؛ فَالدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ بِهَا؛ لِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ فِيهَا، وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ قَبَضَ الْأُجْرَةَ؛ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَى أَخِيهِ وَلَا تَرِكَةِ أَبِيهِ، وَمَا خَلَفَ أَبُوهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. [فَائِدَةٌ بَاعَ الدَّارَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ الْمُعْتَدَّةُ لِلْوَفَاةِ سُكْنَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ] : لَوْ بَاعَ الدَّارَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ الْمُعْتَدَّةُ لِلْوَفَاةِ سُكْنَاهَا - وَهِيَ حَامِلٌ - فَقَالَ الْمَجْدُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْبَيْعِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ؛ كَبَيْعِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ نَصًّا، سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُدَّةً لَا تَلِي الْعَقْدَ، ثُمَّ بِيعَتْ قَبْلَهَا وَفِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ لَا تَمْنَعُ الْبَيْعَ؛ كَبَيْعِ الْمُزَوَّجَةِ، وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ. (وَلِمُشْتَرٍ لَمْ يَعْلَمْ) أَنْ الْمَبِيعَ مُؤَجَّرٌ؛ (فَسْخٌ وَإِمْضَاءٌ) لِلْبَيْعِ (مَجَّانًا) مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ، (وَالْأُجْرَةُ لَهُ) - أَيْ: الْمُشْتَرِي - مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ، (وَإِنْ عَلِمَ) الْمُشْتَرِي أَنْ الْمَبِيعَ مُؤَجَّرٌ؛ (فَلَا) يَمْلِكُ (فَسْخَ) الْمَبِيعِ، (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) - أَيْ مِثْلُ الْمُنْتَقِلِ بِالْبَيْعِ - (كُلُّ) شِقْصٍ (مُنْتَقِلٍ إلَيْهِ بِعَقْدٍ) غَيْرِ الْبَيْعِ؛ كَجَعْلِهِ مَهْرًا أَوْ عِوَضًا فِي طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُنْقَلِ بِالْبَيْعِ، فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ بِنَوْعٍ مِمَّا ذُكِرَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَالِ الْفَسْخُ؛ أَوْ الْإِمْضَاءُ مَجَّانًا، وَإِنْ عَلِمَ بِالْحَالِ؛ فَلَا فَسْخَ لَهُ، وَلَا أُجْرَةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 665 (وَ) يَتَّجِهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ (تَنْفَسِخُ بِاسْتِيلَاءِ حَرْبِيٍّ) عَلَى دَارِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمَأْجُورِ، وَيَمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ، (وَعَكْسُهُ) ؛ بِأَنْ يَسْتَوْلِيَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَيَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى مَأْجُورَاتِهِمْ، فَلَا يُمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ مِنْ الْحَرْبِيِّ، فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِذَلِكَ، (إلَّا) إنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ قَدْ (أَجَّرَهُ) - أَيْ: مَا بِيَدِهِ - (لِ) إنْسَانٍ (مَعْصُومٍ) مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ؛ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؛ لِدَوَامِ ثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى الْمَأْجُورِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ، وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ فِي الْمَأْجُورِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْإِجَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ ظَهَرَ بِمُؤَجَّرَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَيْبٌ] (فَصْلٌ: وَإِنْ ظَهَرَ) بِمُؤَجَّرَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَيْبٌ؛ بِأَنْ كَانَ بِهَا حِينَ الْعَقْدِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ مُسْتَأْجِرٌ، (أَوْ حَدَثَ بِمُؤَجَّرَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَيْبٌ) ؛ كَجُنُونِ الْأَجِيرِ أَوْ مَرَضِهِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ كَانَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَهُوَ) - أَيْ: الْعَيْبُ - (مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ) ؛ بِأَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَعَهُ دُونَهَا مَعَ عَدَمِهِ؛ (كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ) مِنْ كِتَابِ الْبَيْعِ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِهِ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ؛ (فَلِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ أَشْبَهَ الْعَيْبَ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ، وَالْمَنَافِعُ لَا يَحْصُلُ قَبْضُهَا إلَّا شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِذَا حَدَثَ الْعَيْبُ، فَقَدْ وَجَبَ قَبْضُ الْبَاقِي مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأُثْبِتَ الْفَسْخُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا، (إنْ لَمْ يَزُلْ الْعَيْبُ) سَرِيعًا (بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ - (كَفَتْحِ بَالُوعَةٍ سُدَّتْ) أَيْ: إذَا فَتَحَهَا الْمُؤَجِّرُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 666 زَمَنٍ يَسِيرٍ لَا تَتْلَفُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ تَضُرُّ الْمُسْتَأْجِرَ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ، (وَ) لِمُسْتَأْجِرٍ أَيْضًا (الْإِمْضَاءُ مَجَّانًا) بِلَا أَرْشٍ لِعَيْبٍ قَدِيمٍ أَوْ حَدِيثٍ (بِكُلِّ الْأُجْرَةِ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ نَاقِصًا. (وَ) إنْ اخْتَلَفَ الْمُتَآجِرَانِ فِي الْمَوْجُودِ هَلْ هُوَ عَيْبٌ أَوْ لَا؟ رُجِعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ خَشِنَةَ الْمَشْيِ، أَوْ أَنَّهَا تُتْعِبُ رَاكِبَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُرْكَبُ كَثِيرًا، (فَمَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ عَيْبٌ؛ فَهُوَ عَيْبٌ) ؛ فَلَهُ الْفَسْخُ، وَإِلَّا فَلَا فَسْخَ، وَيَكْفِي فِيهِ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى قِيَاسِ مَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ. هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ؛ لَمْ يُفْسَخْ الْعَقْدُ بِرَدِّهَا؛ لِكَوْنِهَا مُعَيَّنَةً، وَعَلَى الْمُكْرِي إبْدَالُهَا بِسَلِيمَةٍ؛ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ السَّلِيمَ وَتَقَدَّمَ. (وَمِنْهُ) - أَيْ: مِنْ الْعَيْبِ الَّذِي يُسَوِّغُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخَ - (جَارُ سُوءٍ) لِلدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ، بَلْ هُوَ مِنْ أَقْبَحِ الْعُيُوبِ. (وَ) الْعُيُوبِ (خَوْفُ سُقُوطِ حَائِطٍ، وَ) خَوْفُ (غَرَقِ سَفِينَةٍ) إبْقَاءً لِلنُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ (وَ) مِنْهَا (تَغَيُّرُ رَائِحَةِ بِئْرٍ) بِدَارٍ مُؤَجَّرَةٍ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ. (وَ) مِنْهَا (غَوْرُ مَائِهَا) - أَيْ: الْبِئْرُ - فَيَثْبُتُ لَهُ بِذَلِكَ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَذَكَرْنَا قَوْلَ " الِانْتِصَارِ " وَالْجَوَابَ عَنْهُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ. (وَإِنْ اكْتَرَى أَرْضًا) لَهَا مَاءٌ لِيَزْرَعَهَا، (أَوْ) اسْتَأْجَرَ (دَارًا) يَسْكُنُهَا، (فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا) - أَيْ: الْأَرْضُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ - (أَوْ انْهَدَمَتْ) الدَّارُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ (انْفَسَخَتْ) الْإِجَارَةُ (فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الْمُدَّةِ؛ لِتَعَطُّلِ النَّفْعِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ قَدْ فَاتَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَا أُجْرَةَ لِمَا لَمْ يُرْوَ مِنْ الْأَرْضِ) الْمُؤَجَّرَةِ (اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَالَ) ؛ أَيْ: وَلَوْ قَالَ مُؤَجِّرٌ (فِي) عَقْدِ (الْإِجَارَةِ) : أَجَّرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ (مَقِيلًا وَمَرَاحًا) - أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 667 لِلنُّزُولِ فِيهَا وَجَمْعِ الْحَطَبِ وَوَضْعِ الرَّحْلِ - أَوْ أَطْلَقَ؛ أَيْ: بِأَنْ لَمْ يَقُلْ مَقِيلًا وَمَرَاحًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى عَقْدٌ كَأَرْضِ الْبَرِيَّةِ انْتَهَى مَا (قَالَهُ الشَّيْخُ) ؛ أَيْ: فَلَوْ زَرَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، فَلَمْ تُرْوَ؛ فَلَا أُجْرَةَ لَهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَجَرْتُكَهَا بِلَا مَاءٍ كَمَا يَأْتِي. (وَيُخَيَّرُ مُكْتَرٍ فِيمَا) - أَيْ: مُؤَجَّرٌ - (انْهَدَمَ بَعْضُهُ) ، كَدَارٍ انْهَدَمَ مِنْهَا بَيْتٌ، بَيْنَ فَسْخٍ وَإِمْسَاكٍ لِلْعَيْبِ، (فَإِنْ أَمْسَكَ) الْبَقِيَّةَ (فَبِالْقِسْطِ مِنْ الْأُجْرَةِ) ، فَتُقَسَّطُ الْأُجْرَةُ عَلَى مَا انْهَدَمَ وَعَلَى مَا بَقِيَ، وَيَلْزَمُهُ قِسْطُ الْبَاقِي لِرِضَاهُ بِهِ نَاقِصًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَضِيَ بِالْمَبِيعِ مَعِيبًا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَنْتَفِعَ بِهَا مَا شَاءَ بِلَا مَاءٍ) ؛ فَلَهُ الزَّرْعُ وَالْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ كَيْفَ شَاءَ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَلَا يُعَارِضُهُ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ فِي الْعَقْدِ عَلَى الِانْتِفَاعِ كَيْفَ شَاءَ (أَوْ) اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَ (أَطْلَقَ) ؛ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ وَلَا مَاءَ لَهَا (مَعَ عِلْمِهِ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ - (بِحَالِهَا) وَعَدَمِ مَائِهَا؛ (صَحَّ) . اخْتَارَهُ فِي " الْمُقْنِعِ " وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي " لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ لَا مَاءَ لَهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرْطَاهُ، وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَمَا فِي الْأُولَى. (وَ) مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا (غَارِقَةً بِالْمَاءِ) ، وَهِيَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا قَبْلَ انْحِسَارِهِ، (وَ) هُوَ (تَارَةً يَنْحَسِرُ وَتَارَةً لَا) يَنْحَسِرُ؛ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا إذَنْ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي الْحَالِ مُتَعَذَّرٌ؛ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَفِي الْمَآلِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ غَالِبًا، وَإِنْ كَانَ يَنْحَسِرُ عَنْهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَى الزِّرَاعَةِ كَأَرْضِ مِصْرَ فِي وَقْتِ مَدِّ النِّيلِ؛ صَحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ مُتَحَقِّقٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّرَاعَةُ مُمْكِنَةً، وَيَخَافُ غَرَقُهَا - وَالْعَادَةُ غَرَقُهَا - لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهَا لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْغَارِقَةِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ. (أَوْ) اسْتَأْجَرَ أَرْضًا (بِلَا مَاءٍ لِيَزْرَعَهَا؛ لَمْ يَصِحَّ) الِاسْتِئْجَارُ لِذَلِكَ، (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ " لِلْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " - لِقَوْلِهِمَا بِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ. وَعِبَارَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 668 الْإِقْنَاعِ " وَإِنْ اكْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا لَا مَاءَ لَهَا؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِالنُّزُولِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَاءٌ قَبْلَ زَرْعِهَا؛ فَلَهُ زَرْعُهَا. وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى " وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا بِلَا مَاءٍ. قَالَ مُصَنِّفُهُ فِي شَرْحِهِ لِيَزْرَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنْ لَيْسَ لَهَا مَاءٌ، أَوْ أَطْلَقَ؛ صَحَّ. انْتَهَى، فَتَقَرَّرَ أَنَّ الْكِتَابَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ بِلَا مَاءٍ لِلزَّرْعِ صَحِيحٌ مَعَ عِلْمِهِمَا، أَوْ عِلْمِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ ": وَإِنْ اكْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا لَا مَاءَ لَهَا؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَوَضْعِ رَحْلِهِ وَجَمْعِ الْحَطَبِ فِيهَا، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا رَجَاءَ الْمَاءِ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَاءٌ قَبْلَ زَرْعِهَا؛ فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِهَا الْمُمْكِنِ اسْتِيفَاؤُهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ، وَلَا يَغْرِسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُرَادُ لِلتَّأْبِيدِ، وَتَقْدِيرُ الْإِجَارَةِ بِمُدَّةٍ تَقْتَضِي تَفْرِيغَهَا عِنْدَ انْقِضَائِهَا، فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ؛ صَحَّ مَعَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ. قُلْنَا، التَّصْرِيحُ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ صَرَفَ التَّقْدِيرَ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِظَاهِرِهِ فِي التَّفْرِيغِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ قَلْعَ ذَلِكَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَيَصْرِفُ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ عَمَّا يُرَادُ لَهُ بِظَاهِرِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا انْتَهَى. أَقُولُ: مَنْ نَظَرَ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ؛ لَمْ يَجِدْ ثَمَرَةً لَمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْخِلَافِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا مَشَى عَلَيْهِ " الْإِقْنَاعُ " " وَالْمُنْتَهَى " لِمُوَافَقَتِهِمَا مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أُولِي النُّهَى، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَأْجِرُ عَدَمَ مَائِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ اسْتِئْجَارُهُ؛ (كَمَا لَوْ ظَنَّ) الْمُسْتَأْجِرُ (إمْكَانَ تَحْصِيلِهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - فَلَا يَصِحُّ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 669 لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُؤَجِّرَ يُحَصِّلُ لَهُ مَاءً، وَأَنَّهُ يَكْتَرِيهَا لِلزِّرَاعَةِ مَعَ تَعَذُّرِهَا، أَوْ ظَنَّ إمْكَانَ مَجِيئِهِ (مِنْ نَهْرٍ نَادِرٍ لِفَيْضٍ) أَوْ غَيْرِ ظَاهِرٍ كَالْأَرْضِ الَّتِي يَكُونُ شُرْبُهَا مِنْ فَيْضِ مَاءِ وَادٍ نَادِرٍ مَجِيئُهُ، أَوْ مِنْ زِيَادَةٍ نَادِرَةٍ فِي نَهْرٍ أَوْ غَيْرِ غَالِبَةٍ، (أَوْ أَرْضٍ لَا يَجِيئُهَا الْمَطَرُ إلَّا نَادِرًا) ، وَلَا يَكْفِيهَا إلَّا الْمَطَرُ الشَّدِيدُ الْكَثِيرُ الَّذِي يَنْدُرُ وُجُودُهُ، لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤَجِّرَهَا قَبْلَ مَجِيءِ النَّهْرِ النَّادِرِ، أَوْ الْمَطَرِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ (أَجَّرَهَا قَبْلَ تَحْصِيلِهِ) ؛ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تُنْبِتُ الزَّرْعَ أَوْ الْغَرْسَ بِلَا مَاءٍ، وَحُصُولُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ فَلَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهَا كَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ. (وَ) إنْ أَجَّرَهَا (بَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ وُجُودِ مَاءٍ يَسْقِيهَا بِهِ - فَإِنَّهُ (يَصِحُّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَزَرْعُهَا، فَجَازَتْ إجَارَتُهَا؛ كَذَاتِ الْمَاءِ الدَّائِمِ؛ (كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا يَظُنُّ تَحْصِيلَهُ) - أَيْ: الْمَاءُ - (بِأَمْطَارٍ) مُعْتَادَةٍ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْعَادَةِ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا نَادِرًا. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ: وَلَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قِسْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ إمَّا مِنْ نَهْرٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِانْقِطَاعِهِ كَالْأَرَاضِيِ الَّتِي تَشْرَبُ مِنْ النِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ لَهَا مَاءٌ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا مُدَّةً لَا تُؤَثِّرُ فِي الزَّرْعِ، أَوْ تَشْرَبُ مِنْ عَيْنٍ نَابِعَةٍ أَوْ بِرْكَةٍ مِنْ مِيَاهِ الْأَمْطَارِ تَجْتَمِعُ فِيهَا، ثُمَّ تُسْقَى بِهِ، أَوْ مِنْ بِئْرٍ يَقُومُ بِكِفَايَتِهَا، أَوْ مَاءٍ يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ لِنَدَاوَةِ الْأَرْضِ وَقُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي تَحْتَ الْأَرْضِ، فَهَذَا كُلُّهُ دَائِمٌ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُهَا لِلْغَرْسِ وَالزَّرْعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ. الْقِسْمِ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ وَهِيَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) يَشْرَبُ مِنْ (زِيَادَةٍ مُعْتَادَةٍ) تَأْتِي وَقْتَ الْحَاجَةِ؛ (كَأَرْضِ مِصْرَ) الشَّارِبَةَ مِنْ زِيَادَةِ النِّيلِ، وَمَا يَشْرَبُ مِنْ زِيَادَةِ الْفُرَاتِ وَأَشْبَاهِهِ، وَأَرْضِ الْبَصْرَةِ الشَّارِبَةِ مِنْ الْمَدِّ وَالْجَزْرِ. قَالَ فِي " مُخْتَارِ الصِّحَاحِ " الْجَزْرُ ضِدُّ الْمَدِّ، وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 670 رُجُوعُ الْمَاءِ إلَى خَلْفٍ، وَأَرْضُ دِمَشْقَ (الشَّامِ) الشَّارِبَةُ مِنْ زِيَادَةِ بَرَدَى، وَمَا يَشْرَبُ مِنْ الْأَوْدِيَةِ الْجَارِيَةِ بِمَاءِ الْمَطَرِ الْمُعْتَادِ؛ فَهَذِهِ تَصِحُّ إجَارَتُهَا قَبْلَ وُجُودِ الْمَاءِ الَّذِي تُسْقَى بِهِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ مُعْتَادٌ، وَالظَّاهِرُ وُجُودُهُ؛ فَجَازَتْ إجَارَةُ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ بِهِ؛ كَالشَّارِبَةِ مِنْ مِيَاهِ الْأَمْطَارِ، وَلِأَنَّ ظَنَّ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فِي وَقْتِهِ يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ؛ كَالسَّلَمِ فِي الْفَاكِهَةِ إلَى أَوَانِهَا. (وَلَوْ زَرَعَ) الْمُسْتَأْجِرُ، (فَغَرِقَ) الزَّرْعُ، (أَوْ تَلِفَ بِنَحْوِ جَرَادٍ) كَحَرِيقٍ وَفَأْرٍ أَوْ بَرْدٍ وَغَيْرِهِ قَبْلَ حَصَادِهِ، (أَوْ لَمْ يَنْبُتْ؛ فَلَا خِيَارَ) لَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، (وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً) ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَسَبَبُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَإِنَّمَا تَلِفَ مَالُ الْمُكْتَرِي فِيهِ؛ فَأَشْبَهَ مَنْ اكْتَرَى دُكَّانًا فَاحْتَرَقَ مَتَاعُهُ فِيهِ. (وَ) إنْ أَمْكَنَ الْمُكْتَرِي الِانْتِفَاعَ بِالْأَرْضِ بِغَيْرِ الزَّرْعِ أَوْ بِهِ؛ (فَلَهُ زَرْعُهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ. (وَإِنْ تَعَذَّرَ زَرْعُ) أَرْضٍ مُؤَجَّرَةٍ (لِغَرَقٍ) حَدَثَ أَوْ انْقِطَاعِ مَائِهَا؛ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ لِمَعْنًى فِي الْعَيْنِ، وَإِنْ تَلِفَ الزَّرْعُ بِذَلِكَ؛ فَلَيْسَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ بِمُبَاشَرَةٍ وَلَا تَسَبُّبٍ؛. (أَوْ قَلَّ الْمَاءُ قَبْلَ زَرْعِهَا) بِحَيْثُ لَا يَكْفِي الزَّرْعَ؛ فَلَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ، (أَوْ) قَلَّ الْمَاءُ (بَعْدَهُ) - أَيْ بَعْدَ أَنْ زَرَعَهَا؛ فَلَهُ الْفَسْخُ أَيْضًا، وَيَبْقَى الزَّرْعُ فِي الْأَرْضِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ، وَعَلَيْهِ مِنْ الْمُسَمَّى بِحِصَّتِهِ إلَى حِينِ الْفَسْخِ، وَأَجْرُ الْمِثْلِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ لِأَرْضٍ لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ إنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ بِالْكُلِّيَّةِ، (أَوْ عَابَتْ) أَرْضُ مُؤَجِّرِهِ (بِغَرَقٍ يَعِيبُ بِهِ الزَّرْعُ؛ فَلَهُ الْخِيَارُ) ؛ لِحُصُولِ مَا تَنْقُصُ بِهِ مَنْفَعَةُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ. (فَإِنْ فَسَخَ بَعْدَ زَرْعٍ؛ فَلَهُ قِسْطُ الْمُسَمَّى) مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ (إلَى) حِينِ (الْفَسْخِ، وَ) يَلْزَمُهُ (أَجْرُ مِثْلٍ لِبَاقٍ) مِنْ الْمُدَّةِ لِأَرْضٍ مُتَّصِفَةٍ بِالْعَيْبِ الَّذِي مَلَكَ الْفَسْخَ مِنْ أَجْلِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ) - أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ فَسَخَ إلَى آخِرِهِ - (إنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 671 تَصَرَّفَ مُسْتَأْجِرٌ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَصَرُّفُ الْمُسْتَأْجِرِ مَانِعًا مِنْ الْفَسْخِ؛ (لَمَا كَانَ فَرْقٌ بَيْنَ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَبَعْدَهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ) ، فَإِنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ فِيهِ، وَتَصَرَّفَ بِالْمَبِيعِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهِ يُمْتَنَعُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا) - أَيْ الْأَرْضُ - (عَامًا فَزَرَعَهَا) زَرْعًا جَرَتْ الْعَادَةُ بِنَبَاتِهِ، (فَلَمْ يَنْبُتْ إلَّا بِعَامٍ قَابِلٍ بِلَا تَفْرِيطِ مُسْتَأْجِرٍ) مِثْلَ أَنْ يَزْرَعَ زَرْعًا يَنْتَهِي فِي الْمُدَّةِ عَادَةً، فَأَبْطَأَ لِبَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلِلْعَامِ (الْأَوَّلِ الْمُسَمَّى) فِي الْعَقْدِ، (وَلِلْعَامِ الثَّانِي أُجْرَةُ مِثْلٍ) وَيَلْزَمُ رَبُّ الْأَرْضِ تَرْكُهُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ (وَلَيْسَ لِرَبِّهَا قَلْعُهُ) - أَيْ الزَّرْعُ - (قَبْلَ إدْرَاكِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِ فِي تَأْخِيرِهِ؛ كَمَا لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا، فَزَرَعَهَا، ثُمَّ رَجَعَ الْمَالِكُ قَبْلَ كَمَالِ الزَّرْعِ. (وَ) إنْ كَانَ عَدَمُ نَبَاتِ الزَّرْعِ فِي الْعَامِ (بِتَفْرِيطِهِ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ - (كَتَأْخِيرِ زَرْعٍ لِمُدَّةٍ لَا يَكْمُلُ فِيهَا) عَادَةً؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ زَرْعِ الْغَاصِبِ، (لِلْمَالِكِ) بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ (إبْقَاؤُهُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ) لِمَا زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْقَى زَرْعَهُ بِأَرْضِ غَيْرِهِ بِعِدْوَانِهِ، (وَ) لَهُ (تَمْلِيكُهُ بِقِيمَتِهِ) - وَهِيَ مِثْلُ بَذْرِهِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ - وَمَحَلُّ ذَلِكَ، (مَا لَمْ يَخْتَرْ مُكْتَرٍ إزَالَتَهُ) - أَيْ: الزَّرْعُ - (حَالًا) وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ، فَإِنْ اخْتَارَهُ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الضَّرَرَ، وَيُسَلِّمُ الْأَرْضَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ قَلْعُ زَرْعِهِ لَوْ طَلَبَهُ الْمَالِكُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْغَرْسِ. وَمَتَى أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ زَرْعَ شَيْءٍ لَا يُدْرَكُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ (فَلِلْمَالِكِ مَنْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِ زَرْعِهِ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَمَلَكَ مَنْعَهُ (مِنْ زَرْعٍ) إزَالَةً لِضَرَرِهِ. (وَإِنْ زَرَعَ مُؤَجِّرٌ تَعَدِّيًا) ؛ بِأَنْ زَرَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ زَرْعًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 672 يَضُرُّ بِالْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى؛ فَهُوَ (غَاصِبٌ، وَلِمُسْتَأْجِرٍ تَمَلُّكُ زَرْعِهِ) بِنَفَقَتِهِ، (وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ رَجَبٍ) ، خِلَافًا لِلْقَاضِي. (وَكَذَا غَاصِبُ أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ زُرِعَتْ) ؛ أَيْ: زَرَعَهَا الْغَاصِبُ؛ فَلِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ تَمَلُّكُ الزَّرْعِ بِنَفَقَتِهِ لِمِلْكِ الْعَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ. (وَ) إنْ زُرِعَتْ أَرْضٌ (مُوصًى بِنَفْعِهَا) لِمُعَيَّنٍ؛ فَلِلْمُوصِي لَهُ تَمَلُّكُ زَرْعِهَا بِنَفَقَتِهِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْصُوبَةِ. (وَ) لَوْ (اكْتَرَى) أَرْضًا (مُدَّةً لِزَرْعٍ لَا يَكْمُلُ) ذَلِكَ الزَّرْعُ (فِيهَا) عَادَةً؛ كَمَنْ اكْتَرَى خَمْسَةَ أَشْهُرٍ لِزَرْعٍ لَا يَكْمُلُ إلَّا فِي سَنَةٍ، نَظَرْنَا (فَإِنْ شَرَطَ) الْمُسْتَأْجِرُ (قَلْعَهُ) - أَيْ الزَّرْعُ - (بَعْدَهَا) - أَيْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ - أَوْ نَقْلَهُ عَنْهُ وَتَفْرِيغَهَا؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مُدَّتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي ذَلِكَ لِيَأْخُذَهُ قَصِيلًا أَوْ غَيْرَهُ، وَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ، (وَإِلَّا) يَشْتَرِطْ قَلْعَهُ؛ بِإِنْ شَرَطَ إبْقَاءَهُ إلَى إدْرَاكِهِ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، أَوْ سَكَتَ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ قَطْعًا وَلَا إبْقَاءً؛ (فَلَا) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ؛ لِفَسَادِهَا بَعْدَ الِاشْتِرَاطِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمُدَّةِ يَقْتَضِي التَّفْرِيغَ بَعْدَهَا، وَشَرْطُ التَّبْقِيَةِ يُخَالِفُهُ، وَلِأَنَّ مُدَّةَ التَّبْقِيَةِ مَجْهُولَةٌ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ اكْتَرَاهَا لِزَرْعِ شَيْءٍ لَا يُنْتَفَعُ بِزَرْعِهِ فِي مُدَّةٍ لِإِجَارَةٍ، أَشْبَهَ إجَارَةَ الْأَرْضِ الْمُنْتِجَةِ لِلزَّرْعِ. [تَتِمَّةٌ أَسْلَمَ الْعَيْنَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ] : وَإِذَا أَسْلَمَ الْعَيْنَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، أَوْ بَعْضُهَا، أَوْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا، أَوْ لَا؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ بَقَائِهَا فِي يَدِهِ، سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَ الْمَأْجُورَ، أَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُؤَجِّرِ، فَرَجَعَ إلَى قِيمَتِهَا، كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ، وَإِنْ لَمْ تُسَلَّمْ الْعَيْنُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ - وَلَوْ بَذَلَ الْعَيْنَ الْمَالِكُ - لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَمْ تَتْلَفْ تَحْتَ يَدِهِ، وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا أَثَرَ لَهُ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ. [فَصْلٌ الْأَجِيرُ قِسْمَانِ قِسْمٌ خَاصٌّ وَقِسْمٌ مُشْتَرَكٌ] (فَصْلٌ:) (وَالْأَجِيرُ قِسْمَانِ) ، قِسْمٌ (خَاصٌّ وَ) قِسْمٌ (مُشْتَرَكٌ) ، (فَلَا ضَمَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 673 عَلَى) أَجِيرٍ (خَاصٍّ، وَهُوَ مَنْ قُدِّرَ نَفْعُهُ بِمُدَّةٍ) ؛ بِأَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِخِدْمَةٍ أَوْ عَمَلٍ فِي بِنَاءٍ أَوْ خِيَاطَةٍ يَوْمًا أَوْ أُسْبُوعًا وَنَحْوَهُ؛ فَيَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْعَهُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرِ نَفْعُهُ بِهَا، لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ نَفْعَهُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ؛ فَمُشْتَرَكٌ؛ كَمَا يَأْتِي، سِوَى زَمَنِ فِعْلِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَوْقَاتِهَا بِسُنَنِهَا الْمُؤَكَّدَاتِ. قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَسِوَى صَلَاةِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ، فَإِنَّ أَزْمِنَةَ ذَلِكَ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ، بَلْ مُسْتَثْنَاةٌ شَرْعًا. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ النَّصِّ يَمْنَعُ مِنْ شُهُودِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ إذْنٍ، سَوَاءٌ (سَلَّمَ نَفْسَهُ لِمُسْتَأْجِرٍ) ؛ بِأَنْ كَانَ يَعْمَلُ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ، (أَوْ لَا) ؛ بِأَنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ، وَيَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ، عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَا عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ بَذَلَ الْبَائِعُ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ، وَتَتَعَلَّقُ الْإِجَارَةُ بِعَيْنِهِ كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (فِيمَا يَتْلَفُ بِيَدِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمَالِكِ فِي صَرْفِ مَنَافِعِهِ إلَى مَا أَمَرَ بِهِ؛ فَلَمْ يَضْمَنْ؛ كَالْوَكِيلِ، وَلِأَنَّ عَمَلَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ؛ كَالْقِصَاصِ (إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ) الْإِتْلَافَ، (أَوْ يُفَرِّطَ) ؛ لِأَنَّهُ إذَنْ كَالْغَاصِبِ. (وَإِنْ عَمَلَ) أَجِيرٍ خَاصٌّ (لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهِ، فَأَضَرَّهُ؛ فَلَهُ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ - عَلَى الْأَجِيرِ (قِيمَةُ مَا فَوَّتَهُ) عَلَيْهِ مِنْ مَنْفَعَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ يَسْتَأْجِرُ أَجِيرًا عَلَى أَنْ يَحْتَطِبَ لَهُ عَلَى حِمَارَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَنْقُلُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى حَمِيرٍ لِرَجُلٍ آخَرَ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ الْأُجْرَةَ: فَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ؛ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَجِيرِ بِقِيمَةِ مَا اسْتَضَرَّ بِاشْتِغَالِهِ عَنْ عَمَلِهِ. (وَيَقْبَلُ دَعْوَاهُ) - أَيْ: الْأَجِيرِ - لِحَمْلِ شَيْءٍ (تَلِفَ) ذَلِكَ (الْمَحْمُولُ) عَلَى وَجْهٍ لَا يَضْمَنُهُ بِيَمِينِهِ، (وَلَهُ) - أَيْ: الْحَامِلُ - (أُجْرَةُ حَمْلِهِ) إلَى مَحَلِّ تَلَفِهِ. ذَكَرَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ مَا عَمَلَ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ بِإِذْنٍ، وَعَدَمُ تَمَامِ الْعَمَلِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 674 (وَلَا) ضَمَانَ عَلَى (حَجَّامٍ أَوْ خَتَانِ) ، خَاصًّا كَانَ أَوْ مُشْتَرَكًا، (بِآلَةٍ غَيْرِ كَالَّةٍ) ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَطْعِ (فِي وَقْتٍ صَالِحٍ لِقَطْعٍ) ، فَإِنْ قَطَعَ فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ الْقَطْعُ فِيهِ؛ ضَمِنَ، (أَوْ بَيْطَارٍ أَوْ طَبِيبٍ خَاصًّا أَوْ مُشْتَرَكًا) إذَا كَانَ (حَاذِقًا) فِي صَنْعَتِهِ، (وَلَمْ تَجْنِ يَدُهُ بِمُجَاوَزَةٍ، أَوْ قَطْعِ مَا لَمْ يَقْطَعْ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا مُبَاحًا، فَلَمْ يَضْمَنْ سِرَايَتَهُ؛ كَحَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: اقْطَعْ قَطْعًا لَا يَسْرِي، بِخِلَافِ دُقَّ دَقًّا لَا يَخْرِقُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حِذْقٌ فِي الصَّنْعَةِ، ضَمِنُوا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ مُبَاشَرَةُ الْقَطْعِ إذَنْ، فَإِذَا قَطَعَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، فَضَمِنَ سَرَايَتَهُ. (وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ) - أَيْ: الْفِعْلُ - (مُكَلَّفٌ وَلَوْ سَفِيهًا - أَوْ) أَذِنَ فِيهِ (وَلِيُّ نَحْوِ صَغِيرٍ) ؛ كَمَجْنُونٍ، أَوْ فَعَلَهُ الْحَاكِمُ بِنَحْوِ الصَّغِيرِ، أَوْ وَلِيُّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى فِي قَطْعِ سِلْعَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ ذِي الْوِلَايَةِ، (وَإِلَّا) يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ فَسَرَتْ الْجِنَايَةُ؛ (ضَمِنَ) لِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، (وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِهِ فِي طِفْلَةٍ مَاتَتْ مِنْ الْخِتَانِ بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةِ خَاتِنِهَا. وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ، وَكَانَ حَاذِقًا، لَكِنْ جَنَتْ يَدُهُ، وَلَوْ خَطَأً؛ مِثْلَ أَنْ جَاوَزَ الْخِتَانَ إلَى الْحَشَفَةِ أَوْ إلَى بَعْضِهَا، أَوْ قَطَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقَطْعِ، أَوْ قَطَعَ سِلْعَةً، فَتَجَاوَزَ مَوْضِعَ مَحَلِّ الْقَطْعِ، أَوْ قَطَعَ بِآلَةٍ كَآلَةٍ يَكْثُرُ أَلَمُهَا، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ؛ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ لَا يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " تُحْفَةِ الْوَدُودِ ": فَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ فِي زَمَنِ حَرٍّ مُفْرِطٍ، أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ، أَوْ فِي حَالِ ضَعْفٍ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِالْإِذْنِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ شَرْعًا، وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ وَلِيُّهُ؛ أَيْ: فِي زَمَنِ الْحَرِّ الْمُفْرِطِ أَوْ الْبَرْدِ؛ فَهَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ، هَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ أَوْ الْخَاتِنِ؟ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْوَلِيَّ مُتَسَبِّبٌ، وَالْخَاتِنَ مُبَاشِرٌ؛ فَالْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي تَضْمِينَ الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْإِحَالَةُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ، مَا إذَا تَعَذَّرَ تَضْمِينُهُ. انْتَهَى. (وَلَا) ضَمَانَ عَلَى (رَاعٍ) فِيمَا تَلِفَ مِنْ الْمَاشِيَةِ إذَا (لَمْ يَتَعَدَّ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 675 فِي نَفْيِهِ) - أَيْ: التَّعَدِّي - (أَوْ) لَمْ (يُفَرِّطْ) فِي حِفْظِهَا (بِنَحْوِ نَوْمٍ) ؛ كَاشْتِغَالٍ بِلَعِبٍ (أَوْ غَيْبَتِهَا) - أَيْ: الْمَاشِيَةُ - (عَنْهُ، أَوْ ضَرْبِهَا) ضَرْبًا (مُبَرِّحًا) ؛ بِأَنْ يُسْرِفَ فِي ضَرْبِهَا، أَوْ سُلُوكِهِ مَوْضِعًا يَتَعَرَّضُ لِتَلَفِهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى حِفْظِهَا؛ أَشْبَهَ الْمُودِعَ، فَلَا يَضْمَنُهَا بِدُونِ مَا ذُكِرَ؛ كَالْمُؤَجَّرَةِ، فَإِنْ فَرَّطَ الرَّاعِي فِي حِفْظِهَا بِنَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ، أَوْ تَرَكَهَا تَتَبَاعَدُ عَنْهُ، أَوْ تَغِيبُ عَنْ نَظَرِهِ وَحِفْظِهِ، أَوْ تَعَدَّى؛ بِأَنْ أَسْرَفَ فِي ضَرْبِهَا، أَوْ ضَرَبَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرْبِ، أَوْ ضَرَبَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الضَّرْبِ؛ ضَمِنَ الرَّاعِي التَّالِفَ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ. (وَإِذَا جَذَبَ الدَّابَّةَ مُسْتَأْجِرٌ أَوْ مُعَلِّمُهَا السَّيْرَ) ، أَوْ السَّيْرَ مَعَ الْكَرِّ أَوْ الْفَرِّ (لِتَقِفَ) ، أَوْ تَنْقَلِبَ، فَتَلِفَتْ؛ لَمْ تُضْمَنْ، (أَوْ ضَرَبَاهَا) - أَيْ: الدَّابَّةُ - مُسْتَأْجِرُهَا أَوْ مُعَلِّمُهَا السَّيْرَ وَنَحْوِهِ، كَالضَّرْبِ الْمُتَعَارَفِ (عَادَةً) مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ؛ (لَمْ تُضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ، (وَإِلَّا) ؛ بِأَنْ جَذَبَهَا لَا لِلْوُقُوفِ، وَلَا لِلتَّعْلِيمِ، أَوْ ضَرْبًا غَيْرَ الْمُعْتَادِ؛ (حَرُمَ) ذَلِكَ، (وَضَمِنَ) الدَّابَّةَ إنْ تَلِفَتْ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ. (وَعَلَى رَاعٍ تَحَرِّي نَافِعٍ مَكَانٍ رَعْيٍ، وَ) يَلْزَمُهُ (تَوَقِّي نَبَاتٍ مُضِرٍّ، وَ) يَلْزَمُهُ (إيرَادُهَا) - أَيْ: الْمَاشِيَةِ - (الْمَاءَ) إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَضُرُّهَا شُرْبُهُ، (وَ) يَلْزَمُهُ (رَدُّهَا عَنْ زَرْعِ النَّاسِ، وَ) يَلْزَمُهُ (دَفْعُ سِبَاعٍ عَنْهَا، وَ) يَلْزَمُهُ (مَنْعُ بَعْضِهَا مِنْ أَذِيَّةِ بَعْضٍ قِتَالًا وَنَطْحًا. وَ) يَلْزَمُهُ أَنْ (يُؤَدِّبَ الصَّائِلَةَ) بِرَدِّهَا عَنْ الْمَصُولِ عَلَيْهَا، وَيَرُدَّ الْقَرْنَاءَ عَنْ الْجَمَّاءِ، وَالْقَوِيَّةَ عَنْ الضَّعِيفَةِ. (وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا عِنْدَ الْمَسَاءِ لِأَرْبَابِهَا) . وَإِنْ اخْتَلَفَ رَاعٍ وَرَبُّ مَاشِيَةٍ فِي تَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ وَعَدَمِهِ؛ بِأَنْ ادَّعَى رَبُّهَا أَنْ الرَّاعِيَ تَعَدَّى، أَوْ فَرَّطَ، فَتَلِفَتْ، وَأَنْكَرَ الرَّاعِي؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ، وَإِنْ فَعَلَ الرَّاعِي فِعْلًا، وَاخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ تَعَدِّيًا، أَوْ فَرَّطَ؛ رُجِعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَى بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 676 (وَإِنْ ادَّعَى) الرَّاعِي (مَوْتًا) لِشَاةٍ وَنَحْوِهَا؛ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ - (وَلَوْ لَمْ يُحْضِرْ جِلْدًا) أَوْ غَيْرَهُ - عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، (أَوْ ادَّعَى مُكْتَرٍ) لِدَابَّةٍ أَوْ آدَمِيٍّ (أَنْ الْمُكْتَرَى أَبَقَ أَوْ مَرِضَ أَوْ شَرَدَ أَوْ مَاتَ فِي الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا) - أَيْ: الْمُدَّةُ - (قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) فِي عَدَمِ التَّعَدِّي وَالتَّفْرِيطِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ. (وَلَوْ جَاءَ بِهِ صَحِيحًا وَكَذَّبَهُ) الْمَالِكُ؛ أَيْ: فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَالرِّعَايَةِ " فِي إبَاقِ الْعَبْدِ، (وَلَا أُجْرَةَ) عَلَيْهِ (حَيْثُ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ) - أَيْ الْمَأْجُورُ - لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ. (وَإِنْ عَقَدَ) إجَارَةٍ (عَلَى) رَعْيِ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ (مُعَيَّنَةٍ مُدَّةً، تَعَيَّنَتْ) ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ؛ (فَلَا تُبْدَلْ؛ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيمَا تَلِفَ) مِنْهَا؛ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ كَمَوْتِ الْوَضِيعِ (وَ) إنْ عَقَدَ (عَلَى) رَعْيِ شَيْءٍ (مَوْصُوفٍ بِذِمَّةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ نَوْعِهِ) وَجِنْسِهِ، فَيَقُولُ: إبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا، وَيَقُولُ فِي الْإِبِلِ: بَخَاتِيًّا أَوْ عِرَابًا، وَفِي الْبَقَرِ بَقَرًا أَوْ جَوَامِيسَ، وَفِي الْغَنَمِ ضَأْنًا أَوْ مَعْزًا، (وَ) يَذْكُرُ (كِبَرَهُ أَوْ صِغَرَهُ، وَ) يَذْكُرُ (عَدَدَهُ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ، فَاعْتُبِرَ الْعِلْمُ بِهِ؛ إزَالَةً لِلْجَهَالَةِ. (وَلَا يَلْزَمُهُ) - أَيْ الرَّاعِي - (رَعْيُ سِخَالِهَا) ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا. (وَلَا يَشْمَلُ إطْلَاقَ) الْعَقْدِ عَلَى (بَقَرٍ) رَعْيُ (جَوَامِيسَ) ، وَعَلَى إبِلٍ لَمْ يَشْمَلْ بَخَاتِيَّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ حَمْلًا عَلَى الْعُرْفِ. (وَيَضْمَنُ) الْأَجِيرُ (الْمُشْتَرَكُ. وَيَتَّجِهُ) تَضْمِينُهُ الشَّيْءَ (الْمَعْمُولَ) الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِهِ، وَ (لَا) يَضْمَنُ (آلَةً) دَفَعَهَا لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ لِيَعْمَلَ بِهَا ذَلِكَ (الْعَمَلَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 677 إنْ تَلِفَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ تَلِفَتْ فِيمَا أُعِيرَتْ لَهُ، فَلَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِذَلِكَ مِنْ الْمَالِكِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَهُوَ) - أَيْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ - (مَنْ قُدِّرَ نَفْعُهُ بِعَمَلٍ، وَلَوْ تَعَرَّضَ فِيهِ) - أَيْ: الْعَمَلُ - وَقْتَ عَقْدٍ (لِمُدَّةٍ؛ كَكَحَّالٍ) يُكَحِّلُهُ شَهْرًا كُلَّ يَوْمٍ كَذَا، وَيَتَقَبَّلُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ الْأَعْمَالَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَعْمَلُ لَهُمْ، فَيَشْتَرِكُونَ فِي نَفْعِهِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ مُشْتَرَكًا، فَتَتَعَلَّقُ الْإِجَارَةُ بِذِمَّتِهِ لَا بِعَيْنِهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا بِتَسْلِيمِ عَمَلِهِ، دُونَ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ (مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ) - أَيْ: الْأَجِيرُ - الْمُشْتَرَكُ (مِنْ تَخْرِيقِ) قَصَّارٍ بِدَقِّهِ أَوْ مَدِّهِ أَوْ عَصْرِهِ أَوْ بَسْطِهِ، (وَغَلَطِ) خَيَّاطٍ (فِي تَفْصِيلٍ) ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، لِأَنَّ عَمَلَهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ إلَّا بِالْعَمَلِ، فَإِنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي حِرْزِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ فِيمَا عَمَلَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا؛ كَالْعُدْوَانِ بِقَطْعِ عُضْوٍ، (أَوْ) غَلَطٍ فِي (نَسْجٍ، أَوْ) فِي (طَبْخٍ، أَوْ) فِي (خَبْزٍ) ، وَكَذَا مَلَّاحُ سَفِينَةٍ وَنَحْوُهُ، وَيَضْمَنُ أَيْضًا مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ مِنْ يَدِهِ أَوْ خَرْقِهِ أَوْ مَا يُعَالِجُ بِهِ السَّفِينَةَ، وَسَوَاءٌ كَانَ رَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُ أَوْ لَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " " وَالْوَجِيزِ " " وَالْمُنَوِّرِ " وَغَيْرِهِمْ. (وَيُقَدَّمُ قَوْلُ رَبِّهِ) - أَيْ: التَّالِفُ - (فِي صِفَةِ عَمَلِهِ) ؛ أَيْ: إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْعَمَلِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَأْجُورِ؛ لِيَغْرَمَهُ لِلْعَامِلِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَتَبِعَهُمَا فِي " الْإِقْنَاعِ "، وَهُوَ مَرْجُوحٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 678 (وَيَتَّجِهُ لَا) يُقْبَلُ قَوْلُ رَبِّهِ، بَلْ يَقْبَلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " لِئَلَّا يَغْرَمَ نَقْصَهُ مَجَّانًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِ رَبِّهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " " وَالْمُذَهَّبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " " وَالْمُحَرَّرِ " " وَالْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمْ. (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: " لِلْإِقْنَاعِ " - كَمَا يُقَدَّمُ قَوْلُ (الْخَيَّاطِ) عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، فَكَذَلِكَ هُنَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَيَأْتِي قَرِيبًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يَضْمَنُ حَامِلٌ مَا تَلِفَ (بِزَلْقِهِ أَوْ عَثْرَتِهِ) - أَيْ: الْحَامِلُ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ - (وَسُقُوطِ) مَحْمُولٍ (عَنْ دَابَّةٍ) أَوْ رَأْسٍ، (أَوْ تَلِفَ بِقَوَدِهِ) - أَيْ: الْجَمَّالُ - (وَسَوْقِهِ أَوْ انْقِطَاعِ حَبْلِهِ) الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحَمْلُ، سَوَاءٌ (حَضَرَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ غَابَ) ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ صَاحِبِ الْعَمَلِ حَاضِرًا عِنْدَهُ أَوْ غَائِبًا، أَوْ كَوْنِهِ مَعَ الْمَلَّاحِ أَوْ الْجَمَّالِ أَوْ لَا، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمَلَّاحِ بِحَذْقِهِ، أَوْ بِجِنَايَةِ الْمُكَارِي بِشَدِّهِ الْمَتَاعَ وَنَحْوِهِ؛ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ يَدِهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُضُورِ الْمَالِكِ وَغَيْبَتِهِ؛ كَالْعُدْوَانِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْجَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ رَاكِبًا مَعَهُ يَعُمُّ الْمَتَاعُ وَصَاحِبُهُ، وَتَفْرِيطُهُ يَعُمُّهُمَا؛ فَلَمْ يَسْقُطْ ذَلِكَ الضَّمَانُ؛ كَمَا لَوْ رَمَى إنْسَانًا مُتَتَرِّسًا، فَكَسَرَ تُرْسَهُ وَقَتَلَهُ، وَلِأَنَّ الطَّبِيبَ وَالْخَتَّانَ إذَا جَنَتْ يَدَاهُمَا؛ ضَمِنَا مَعَ حُضُورِ الْمُطَبَّبِ وَالْمَخْتُونِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَمَّالٌ يَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهِ - وَرَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُ - فَعَثَرَ، فَسَقَطَ الْمَتَاعُ، فَتَلِفَ؛ ضَمِنَ، وَإِنْ سَرَقَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعِثَارِ تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 679 وَالسَّرِقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنَايَتِهِ، وَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ تَلَفَهُ بِجِنَايَتِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ حَضَرَ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ غَابَ، بَلْ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَقْصُودٌ لِفَاعِلِهِ، وَالسَّقْطَةُ مِنْ الْحَمَّالِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لَهُ، فَإِذَا أَوْجَبَ الضَّمَانُ هَا هُنَا فَثَمَّ أَوْلَى، قَالَ فِي الشَّرْحِ: (وَ) يَضْمَنُ أَيْضًا مَا نَقَصَ (بِخَطَئِهِ فِي فِعْلِهِ) ؛ كَصَبَّاغٍ أُمِرَ بِصَبْغِ ثَوْبٍ أَصْفَرَ، فَصَبَغَهُ أَسْوَدَ وَنَحْوِهِ؛ لِمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّوَّاغَ، وَقَالَ لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ. وَلِأَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ كَالْعُدْوَانِ بِقَطْعِ عُضْوٍ، وَدَلِيلُ ضَمَانِ عَمَلِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ، وَأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي حِرْزِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ لَا أَجْرَ لَهُ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ، فَإِنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ؛ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، (وَلَوْ بِدَفْعِهِ) - أَيْ: الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ - (لِغَيْرِ رَبِّهِ) غَلَطًا، فَيَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى مَالِكِهِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي قَصَّارٍ دَفَعَ الثَّوْبَ إلَى غَيْرِ مَالِكِهِ: يَغْرَمُ الْقَصَّارُ، وَلَيْسَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لُبْسُهُ إذَا عَلِمَ، وَعَلَيْهِ رَدُّهُ لِلْقَصَّارِ نَصًّا، (وَغَرِمَ قَابِضُ) الثَّوْبِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ غَلَطًا - (قَطَعَهُ أَوْ لَبِسَهُ جَهْلًا) أَنَّهُ ثَوْبُ غَيْرِهِ - (أَرْشَ قَطْعِهِ، وَأُجْرَةَ لُبْسِهِ) ؛ لِتَعَدِّيهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، (وَرَجَعَ) قَابِضٌ (بِهِمَا) - أَيْ بِأَرْشِ قَطْعِهِ، وَأُجْرَةِ لُبْسِهِ - (عَلَى دَافِعٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ " وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْقَصَّارِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَزَادَ فِي الرِّعَايَةِ " مَسْأَلَةَ الرُّجُوعِ بِأُجْرَةِ اللُّبْسِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِثَوْبِهِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا، وَإِنْ هَلَكَ ضَمِنَ الْأَجِيرُ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ، فَضَمِنَهُ؛ كَمَا لَوْ عَلِمَ. . (وَإِنْ عَلِمَ) قَابِضٌ أَنْ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ بِثَوْبِهِ، فَقَطَعَهُ، أَوْ لَبِسَهُ؛ (فَلَا) رُجُوعَ لَهُ عَلَى دَافِعٍ بِمَا غَرِمَهُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ. وَ (لَا) : يَضْمَنُ أَجِيرٌ (مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مَقْبُوضَةٌ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 680 لَمْ يُتْلِفْهَا بِفِعْلِهِ؛ أَشْبَهَ الْمُسْتَأْجِرَ، وَلِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا لِنَفْعٍ يَعُودُ عَلَيْهِمَا؛ أَشْبَهَ الْمُضَارِبَ (إنْ لَمْ يُفَرِّطْ) ، فَإِنْ فَرَّطَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ؛ أَشْبَهَ الْمُودِعَ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ (مَا ضَاعَ بِحِرْزِهِ) - أَيْ مِنْ حِرْزِهِ - بِنَحْوِ سَرِقَةٍ، (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) أَيْ: لِلْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ - (فِيمَا عَمَلَ فِيهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، (وَلَوْ) كَانَ عَمَلُهُ فِيهِ (بِبَيْتِ رَبِّهِ) ، خِلَافًا " لِلْحَاوِي " إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ فِي بَيْتِ رَبِّهِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِتَسْلِيمِ الْمَعْمُولِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهُ؛ كَمَكِيلٍ بِيعَ، وَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْأَجِيرَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ بِبَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، (وَتَلِفَ) الْمَعْمُولُ (قَبْلَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْعَمَلِ، وَأَمَّا إذَا تَلِفَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعَمَلِ، وَهُوَ بَيْتُ الْمُسْتَأْجِرِ؛ فَقَدْ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهُ أَتَمَّ مَا عَلَيْهِ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: " لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيمَا عَمَلَهُ، سَوَاءٌ عَمَلَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ بَيْتِهِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. [تَنْبِيهٌ فِيمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ فِي عَيْنٍ] : قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَكُلُّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ فِي عَيْنٍ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُوقِعَهُ وَهِيَ فِي يَدِ الْأَجِيرِ؛ كَالصَّبَّاغِ يَصْبُغُ فِي حَانُوتِهِ، وَالْخَيَّاطِ فِي دُكَّانِهِ؛ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْعَمَلِ حَتَّى يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُسَلِّمَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 681 مَفْرُوغًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي يَدِهِ؛ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ، مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْعَاقِدِ كَالْمَبِيعِ مِنْ الطَّعَامِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يُوقِعُ الْعَمَلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ مِثْلَ أَنْ يُحْضِرَهُ إلَى دَارِهِ لِيَخِيطَ فِيهَا، أَوْ يَصْبُغَ فِيهَا؛ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْعَمَلِ، وَيَسْتَحِقُّ أَجْرَهُ بِمُجَرَّدِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَيَصِيرُ مُسَلِّمًا لِلْعَمَلِ حَالًّا فَحَالًّا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَبْنِي لَهُ حَائِطًا فِي دَارِهِ، أَوْ يَحْفِرَ بِهَا بِئْرًا بَرِيءَ مِنْ الْعَمَلِ، وَاسْتَحَقَّ أَجْرَهُ بِمُجَرَّدِ عَمَلِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْبِئْرُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ الْحَائِطِ؛ لَمْ يَبْرَأْ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ، وَلَوْ انْهَارَتْ عَقِيبَ الْحَفْرِ، أَوْ الْحَائِطُ بَعْدَ بِنَائِهِ وَقَبْلَ تَسْلِيمِهِ؛ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْعَمَلِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا اسْتَعْمَلَ أَلْفَ لَبِنَةٍ فِي كَذَا وَكَذَا فَعَمَلَ، ثُمَّ سَقَطَ؛ فَلَهُ الْكِرَاءُ. وَأَمَّا الْأَجِيرُ الْخَاصُّ فَيَسْتَحِقُّ أَجْرَهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، سَوَاءٌ تَلِفَ مَا عَمَلَهُ أَوْ لَمْ يَتْلَفْ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَقَالَ: إذَا اسْتَأْجَرَ يَوْمًا، فَعَمَلَ وَسَقَطَ عِنْدَ اللَّيْلِ مَا عَمَلَهُ، فَلَهُ الْكِرَاءُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ، وَعَمَلُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ. بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا طُولُهُ عَشْرَةُ أَذْرُعَ، فَبَنَى بَعْضَهُ، فَسَقَطَ؛ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَتَّى يُتِمَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَشْرُوطٌ بِإِتْمَامِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قِيلَ لَهُ: ارْفَعْ حَائِطًا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ، فَإِنْ سَقَطَ؛ فَعَلَيْهِ التَّمَامُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا عُمْقُهَا عَشْرَةُ أَذْرُعَ، فَحَفَرَ مِنْهَا خَمْسَةً، وَانْهَارَ فِيهَا تُرَابٌ مِنْ جَوَانِبِهَا؛ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَتَّى يُتَمِّمَ حَفْرَهَا. انْتَهَى. (وَلَا يَضْمَنُ) أَجِيرٌ (مُشْتَرَكٌ تَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ عَمَلَهُ بِبَيْتِهِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ أَجِيرٌ أَوْ مُتَبَرِّعٌ؛ فَقَوْلُ أَجِيرٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ. (وَلِأَجِيرٍ حَبْسُ مَعْمُولٍ) ؛ كَثَوْبٍ صَبَغَهُ أَوْ قَصَّرَهُ أَوْ خَاطَهُ (عَلَى أُجْرَتِهِ؛ إنْ حَكَمَ بِفَلَسِ رَبِّهِ) ، وَكَوْنُ الْأَجِيرِ يَمْلِكُ حَبْسَ مَا صَبَغَهُ أَوْ قَصَّرَهُ أَوْ خَاطَهُ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 682 لِأَنَّ زِيَادَتَهُ لِلْمُفْلِسِ؛ فَأُجْرَتُهُ عَلَيْهِ، وَالْعَمَلُ الَّذِي هُوَ عِوَضُهَا مَوْجُودٌ فِي عَيْنِ الثَّوْبِ، فَمَلَكَ حَبْسَهُ مَعَ ظُهُورِ عُسْرَةِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ كَمَنْ أَجَّرَ دَابَّتَهُ أَوْ نَحْوَهَا لِإِنْسَانٍ بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ عُسْرُ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لَهُ؛ فَإِنَّ لِلْمُؤَجِّرِ حَبْسَهَا عَنْهُ، وَفَسْخَ الْأُجْرَةِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ أُجْرَتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا زَادَتْ بِهِ قِيمَتُهُ؛ أَخَذَ الزِّيَادَةَ، وَحَاصَصَ الْغُرَمَاءَ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَجُوزُ لِلْأَجِيرِ حَبْسُ الْمَعْمُولِ (بِمُجَرَّدِ إعْسَارِ) الْمَالِكِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِإِعْسَارِهِ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) - أَيْ: الْأَجِيرُ (يُحَاصِصُ الْغُرَمَاءَ) بِحُدُوثِ زِيَادَةٍ فِي ثَمَنِ الْمَعْمُولِ بِغَيْرِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ (وَلَا يَخْتَصُّ) الْأَجِيرُ (بِهِ) ؛ أَيْ: الزَّائِدُ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ، (إلَّا إنْ زَادَ) ثَمَنُهُ (بِعَمَلِهِ) فَيَخْتَصُّ بِالزَّائِدِ حَيْثُ كَانَ أَنْقَصَ مِنْ أُجْرَتِهِ؛ (كَمُضَارِبٍ) يَأْخُذُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ رِبْحٍ ظَهَرَ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ رَبُّ الْمَالِ، وَلَا يُحَاصِصُ الْغُرَمَاءُ فِي نَصِيبِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِلَّا) يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِفَلَسِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ (فَلَا) يَمْلِكُ الْأَجِيرُ حَبْسَ الْمَعْمُولِ بَعْدَ عَمَلِهِ، فَإِنْ فَعَلَ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْهُ عِنْدَهُ، وَلَا أَذِنَهُ فِي إمْسَاكِهِ، وَلَا يَتَضَرَّرُ بِدَفْعِهِ قَبْلَ أَخْذِ أُجْرَتِهِ، وَمَتَى فَعَلَ، فَتَلِفَ؛ (ضَمِنَ) هـ (كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ) الْأَجِيرُ بَعْدَ عَمَلِهِ أَوْ بَعْدَ حَمْلِهِ إذَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ، (وَخُيِّرَ مَالِكٌ بَيْنَ تَضْمِينِهِ) - أَيْ: الْأَجِيرُ - (إيَّاهُ) أَيْ الْمَعْمُولُ أَوْ الْمَحْمُولُ (غَيْرُ مَعْمُولٍ) - أَيْ: مِخْيَطٌ وَنَحْوُهُ - (أَوْ) غَيْرُ (مَحْمُولٍ) بِأَنْ يُطَالِبَهُ بِقِيمَتِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَلَّمَهُ إلَيْهِ فِيهِ لِيَحْمِلَهُ مِنْهُ، (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْأَجِيرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ أَوْ تَضَمَّنَهُ الْمَعْمُولُ أَوْ الْمَحْمُولُ التَّالِفُ تَعَدِّيًا بِقِيمَتِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 683 (مَعْمُولًا) - أَيْ: مَصْبُوغًا وَنَحْوُهُ - (وَمَحْمُولًا) إلَى مَكَان تَلِفَ فِيهِ، (وَلَهُ الْأَجْرُ) - أَيْ: أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَحَمْلِهِ -، لِأَنَّ تَضْمِينَهُ إيَّاهُ كَذَلِكَ فِي مَعْنَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَإِنَّمَا خُيِّرَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَصْحِبٌ عَلَيْهِ إلَى حِينِ الْمُطَالَبَةِ بِقِيمَتِهِ قَبْلَ عَمَلِهِ وَحِينَ تَلَفِهِ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ) أَجِيرٌ (مُشْتَرَكٌ) أَجِيرًا (خَاصًّا) ؛ كَخِيَاطَةٍ أَوْ صَبَّاغٍ يَسْتَأْجِرُ أَجِيرًا فَأَكْثَرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا؛ (فَلِكُلٍّ) مِنْ الْخَاصِّ وَالْمُشْتَرَكِ (حُكْمُ نَفْسِهِ) ، فَإِذَا تَقَبَّلَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ، وَدَفَعَهُ إلَى أَجِيرِهِ فَخَرَقَهُ، أَوْ أَفْسَدَهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ، وَيَضْمَنُهُ صَاحِبُ الدُّكَّانِ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ. (وَإِنْ تَقَبَّلَ) الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ، (وَلَمْ يَعْمَلْ، بَلْ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ؛ فَلَهُ) - أَيْ: الْمُشْتَرَكُ - (الْأُجْرَةُ) الْمُسَمَّاةُ فِي الْعَقْدِ؛ (لِضَمَانِهِ) - أَيْ: الْتِزَامِهِ الْعَمَلَ - (لَا لِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ) ، وَتَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَةِ أَنَّ التَّقَبُّلَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ، وَيَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ، وَسَوَاءٌ عَمَلَ فِيهِ شَيْئًا، أَوْ لَا. (وَ) إنْ قَالَ الْأَجِيرُ: (أَذِنْت لِي فِي تَفْصِيلِهِ) - أَيْ: الثَّوْبُ - (قَبَاءً، وَقَالَ) الْمُسْتَأْجَرُ: (بَلْ) أَذِنْت لَك بِتَفْصِيلِهِ (قَمِيصًا) ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ خَيَّاطٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا يَغْرَمَ نَقْصَهُ مَجَّانًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِ رَبِّهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " " وَالْمُذَهَّبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " " وَالْمُحَرَّرِ " " وَالْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمْ، (وَلَوْ كَانَ مِثْلُ رَبِّهِ) - أَيْ: الثَّوْبُ - (لَا يَلْبِسُ الْقَبَاءَ) ، خِلَافًا لِابْنِ أَبِي مُوسَى، وَإِنَّمَا قَبْلَ قَوْلِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ، وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَأْذُونِ؛ كَالْمَضَارِبِ إذَا قَالَ: أَذِنْت لِي فِي الْبَيْعِ نَسَاءً، وَلِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى مِلْكِ الْخَيَّاطِ الْقَطْعَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا مَلَكَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 684 لُزُومِ الْغُرْمِ لَهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَيَحْلِفُ الْخَيَّاطُ: لَقَدْ أَذِنْت لِي فِي قَطْعِهِ كَذَا، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْغُرْمُ، (وَ) يَكُونُ (لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُودُ فِعْلِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ بِعِوَضِهِ، (وَلِعَدَمِ ثُبُوتِ مُسَمًّى بِدَعْوَاهُ) ؛ فَلَا يَجِبُ بِيَمِينِهِ، (وَكَذَا) ؛ أَيْ: وَمِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ لَوْ قَالَ صَبَّاغٌ: (أَمَرْتنِي بِصَبْغِهِ كَذَا) - أَيْ: أَسْوَدَ - (فَقَالَ رَبُّهُ) - أَيْ: الثَّوْبِ: بَلْ أَمَرْتُك بِصَبْغِهِ - (كَذَا) - أَيْ: أَحْمَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. (وَ) لَوْ قَالَ رَبُّ ثَوْبٍ لِخَيَّاطٍ: (إنْ كَانَ) الثَّوْبُ (يَكْفِينِي) قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً، فَاقْطَعْهُ، وَ (فَصِّلْهُ، فَقَالَ) الْخَيَّاطُ: (يَكْفِيك، فَفَصَّلَهُ، فَلَمْ يَكْفِهِ؛ ضَمِنَهُ) ؛ أَيْ ضَمِنَ أَرْشَ تَقْطِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَهُ فِي قَطْعِهِ بِشَرْطِ كِفَايَتِهِ، فَقَطَعَهُ بِدُونِ شَرْطِهِ؛ (كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: اقْطَعْهُ قَبَاءً، فَقَطَعَهُ قَمِيصًا) ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ أَرْشَ نَقْصِهِ لِمُخَالَفَتِهِ، (لَا إنْ قَالَ: اُنْظُرْ هَلْ يَكْفِينِي) قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً؟ (قَالَ: يَكْفِيك، فَقَالَ لَهُ: اقْطَعْهُ) ، فَقَطَعَهُ، فَلَمْ يَكْفِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا. (وَ) لَوْ قَالَ: (اقْطَعْهُ) - أَيْ: الثَّوْبَ - (قَمِيصًا لِرَجُلٍ، فَقَطَعَهُ ثَوْبَ امْرَأَةٍ؛ غَرِمَ) الْخَيَّاطُ (مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا) ، لِأَنَّ هَذَا قَطْعٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، وَلِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ قَمِيصٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ، فَإِذَا قَطَعَ قَمِيصًا غَيْرَهُ، لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا الْمَأْذُونَ فِيهِ، فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِابْتِدَاءِ الْقَطْعِ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَطْعِ أَجْرًا. (وَ) إنْ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا، وَقَالَ: (انْسِجْهُ لِي عَشْرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعٍ، فَنَسَجَهُ زَائِدًا عَلَى مَا قَدَّرَ لَهُ) فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ، (فَلَا أُجْرَةَ لَهُ) - أَيْ: الْحَائِكِ - (لِزَائِدٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، (وَيَضْمَنُ) حَائِكٌ (نَقْصَ غَزْلِ نَسْجٍ) فِي الزِّيَادَةِ؛ لِتَعَدِّيهِ. تَتِمَّةٌ: فَأَمَّا مَا عَدَا الزَّائِدَ، فَيُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ جَاءَ بِهِ زَائِدًا فِي الطُّولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 685 وَحْدَهُ، وَلَمْ يَنْقُصْ الْأَصْلُ بِالزِّيَادَةِ؛ فَلَهُ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الْأَجْرِ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ لَهُ مِائَةَ لَبِنَةٍ، فَضَرَبَ لَهُ مِائَتَيْنِ، وَإِنْ جَاءَ بِهِ زَائِدًا فِي الْعَرْضِ وَحْدَهُ أَوْ فِيهِمَا، فَقَدَّمَ فِي " الْمُغْنِي " لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَمْرِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى بِنَاءِ حَائِطٍ عَرْضُ ذِرَاعٍ، فَبَنَاهُ عَرْضَ ذِرَاعَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ أَنَّهُ يُمْكِنُ قَطْعُ الزَّائِدِ فِي الطُّولِ، وَيَبْقَى الثَّوْبُ عَلَى مَا أَرَادَ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَرْضِ، وَأَمَّا إنْ جَاءَ بِهِ نَاقِصًا فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا، فَقَدَّمَ فِي " الْمُغْنِي " لَا أَجْرَ لَهُ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِ الْغَزْلِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَ بِهِ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى بِنَاءِ حَائِطٍ عَرْضَ ذِرَاعٍ، فَبَنَاهُ عَرْضُ نِصْفِ ذِرَاعٍ، وَأَمَّا إنْ أَثَّرَتْ الزِّيَادَةُ أَوْ النَّقْصُ فِي الْأَصْلِ مِثْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِنَسْجِ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ لِيَكُونَ الثَّوْبُ صَفِيقًا، فَنَسَجَهُ خَمْسَةَ عَشْرَ، فَصَارَ صَفِيقًا؛ أَوْ أَمَرَهُ بِنَسْجِهِ خَمْسَةَ عَشْرَ لِيَكُونَ خَفِيفًا، فَنَسَجَهُ عَشْرَةً فَصَارَ صَفِيقًا فَلَا - أَجْرَ لَهُ بِحَالٍ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِ الْغَزْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِمَّا أُمِرَ بِهِ. [فَصْلٌ تُمْلَكُ أُجْرَةٌ مُعَيَّنَةٌ فِي إجَارَةِ عَيْنٍ] (فَصْلٌ: وَتُمْلَكُ أُجْرَةٌ مُعَيَّنَةٌ فِي إجَارَةِ عَيْنٍ) - وَلَوْ مُدَّةً لَا تَلِي الْعَقْدَ، (أَوْ) إجَارَةٍ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي (ذِمَّةٍ) كَحَمْلِ مُعَيَّنٍ إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ (بِعَقْدٍ) شُرِطَ فِيهِ الْحُلُولُ، أَوْ أُطْلِقَ؛ كَمَا يَجِبُ الثَّمَنُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ، وَالصَّدَاقُ بِالنِّكَاحِ. وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَحَدِيثُ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ؛ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ فِي وَقْتٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ قَبْلَهُ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] وَالصَّدَاقُ يَجِبُ قَبْلَ الِاسْتِمْتَاعِ، (فَتُوطَأُ أَمَةٌ) جُعِلَتْ أُجْرَةً؛ لِأَنَّهَا مُلِكَتْ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، (وَيُعْتَقُ قِنٌّ) عَلَى سَيِّدٍ بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ، إذَا كَانَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى مِلْكِهِ لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 686 (وَيَصِحُّ تَصَرُّفٌ) بِالْأَجْرِ كَمَبِيعٍ، (وَتُسْتَحَقُّ) الْأُجْرَةُ (كَامِلَةً، وَيُطَالِبُ بِهَا) ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ تَسْلِيمُهَا بِمُجَرَّدِ (تَسْلِيمِ عَيْنٍ) مُعَيَّنَةٍ كَانَتْ فِي الْعَقْدِ، أَوْ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ. (وَلَوْ) كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ (نَفْسَهُ) - أَيْ: الْمُؤَجِّرِ - فَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَيَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِالْأُجْرَةِ؛ لِجَرَيَانِ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ مَجْرَى تَسْلِيمِ نَفْعِهَا، (أَوْ بَذْلِهَا) - أَيْ: الْعَيْنِ - لِمُسْتَأْجِرٍ؛ لِيَسْتَوْفِيَ نَفْعَهَا - (وَ) لَوْ (أَبَى مُكْتَرٍ) قَبُولَهَا -؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ بَذَلَ الْبَائِعُ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ، وَلَيْسَ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهَا بَعْدَ بَذْلِهَا إلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكْتَرِي الْقَبُولُ إذَا بَذَلَ الْعَيْنَ مُؤَجِّرٌ، (وَلَيْسَ ثَمَّ) - أَيْ: فِي مَوْضِعِ بَذْلِهَا - (يَدٌ حَائِلَةٌ) ، أَمَّا إذَا كَانَ يَدٌ حَائِلَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الْأُجْرَةِ؛ لِعَدَمِ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَسْتَقِرُّ) أَيْ: تَثْبُتُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً (بِذِمَّةِ مُسْتَأْجِرٍ) ؛ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (بِفَرَاغِ عَمَلِ مَا) اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِهِ، وَهُوَ (بِيَدِهِ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ - كَطَبَّاخٍ اُسْتُؤْجِرَ (فِي دَارِهِ) - أَيْ: دَارِ الْمُسْتَأْجِرِ - فَطَبَخَهُ، وَفَرَغَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَمَّ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ بِيَدِ رَبِّهِ، فَاسْتَقَرَّ، (فَكُلُّ شَيْءٍ) يُسْتَأْجَرُ لِعَمَلِهِ إذَا (عَمِلَهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ وَفَرَغَهُ) ، أَيْ: بَذَلَهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ، (وَقَعَ) ذَلِكَ الشَّيْءُ (مَقْبُوضًا) - أَيْ: فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ - فَيَسْتَحِقُّ بَاذِلُهُ أُجْرَتَهُ. (وَ) تَسْتَقِرُّ أَيْضًا (بِدَفْعِ غَيْرِ مَا بِيَدِهِ) - أَيْ غَيْرِ مَا بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ؛ كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْخَيَّاطَ يَخِيطُ لَهُ ثَوْبًا بِدُكَّانِهِ، فَخَاطَهُ، وَسَلَّمَهُ لِرَبِّهِ مَعْمُولًا، لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا عَلَيْهِ، فَاسْتَحَقَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 687 عِوَضَهُ، وَهُوَ الْأُجْرَةُ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ إنْ لَمْ تُؤَجَّلْ، فَإِنْ أُجِّلَتْ لَمْ يَجِبْ بَذْلُهَا حَتَّى تَحِلَّ؛ كَالثَّمَنِ وَالصَّدَاقِ، وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَسَلَّمَهُ الْمُسْتَأْجِرُ، وَإِنْ وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ، وَعَلَى هَذَا وَرَدَتْ النُّصُوصُ، وَلِأَنَّ الْأَجِيرَ إنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إذَا قَضَى عَمَلَهُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ؛ فَلَا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهُ إلَّا مَعَ تَسْلِيمِ الْمُعَوَّضِ؛ كَالصَّدَاقِ وَالثَّمَنِ، وَفَارَقَ الْإِجَارَةَ عَلَى الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهَا يَجْرِي مَجْرَى تَسْلِيمِ نَفْعِهَا، وَتَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ أَيْضًا بِمُجَرَّدِ (فَرَاغِ عَمَلِ) أَجِيرٍ (خَاصٍّ) كَانَ يُوقِعُ الْعَمَلَ بِبَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ بَذَلَهُ لَهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْبَذْلِ، (وَ) تَسْتَقِرُّ أَيْضًا (بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ) - أَيْ: مُدَّةِ الْإِجَارَةِ - إنْ كَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ، وَسُلِّمَتْ إلَيْهِ الْعَيْنُ بِلَا مَانِعٍ، وَلَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ؛ لِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحْتَ يَدِهِ، وَهُوَ حَقُّهُ، فَاسْتَقَرَّ عِوَضُهُ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إذَا تَلِفَ بِيَدِ مُشْتَرٍ. (وَ) تَسْتَقِرُّ أَيْضًا (بِبَذْلِ تَسْلِيمِ عَيْنٍ) مُعَيَّنَةٍ (لِعَمَلٍ بِذِمَّةٍ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ) - أَيْ: اسْتِيفَاءُ الْعَمَلِ - (فِيهَا) - أَيْ: الْمُدَّةِ - حَيْثُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ بِاخْتِيَارِهِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ؛ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي. فَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَكَّةَ مَثَلًا ذَهَابًا وَإِيَابًا بِكَذَا، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ الْمُؤَجِّرُ، وَمَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا ذَهَابُهُ إلَيْهَا، وَرُجُوعُهُ عَلَى الْعَادَةِ، وَلَمْ يَفْعَلْ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. (وَلَوْ لَمْ يَتَسَلَّمْ) الْمُسْتَأْجِرُ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ الْمُقَدَّرَةُ، أَوْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْأَجْرِ فِيهِ؛ اسْتَقَرَّ الْأَجْرُ عَلَيْهِ لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ بِاخْتِيَارِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ. (وَلَا تَجِبُ أُجْرَةٌ بِبَذْلِ) تَسْلِيمِ الْعَيْنِ (فِي) إجَارَةِ (فَاسِدَةٍ) ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا لَمْ تَتْلَفْ تَحْتَ يَدِهِ وَلَا فِي مِلْكِهِ، (فَإِنْ تَسَلَّمَ) الْمُؤَجَّرَةَ فِي إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ، أَوْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ عَمَلٍ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ أَوْ لَا؛ فَعَلَيْهِ (أُجْرَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 688 الْمِثْلِ) مُدَّةَ بَقَائِهَا بِيَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْتَ يَدِهِ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لِمُؤَجَّرٍ؛ فَيُرْجَعُ إلَى قِيمَتِهَا؛ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهَا. (وَيَصِحُّ شَرْطُ تَأْخِيرِ أُجْرَةٍ) ؛ بِأَنْ تَكُونَ مُؤَجَّلَةً إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ؛ كَمَا لَوْ شَرَطَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي سَنَةِ سِتٍّ، أَنْ لَا تَحِلَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ إلَى عِنْدَ ابْتِدَاءِ سَنَةِ سَبْعٍ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الْعَيْنِ كَبَيْعِهَا، وَبَيْعُهَا يَصِحُّ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ؛ فَكَذَلِكَ إجَارَتُهَا، فَلَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ تَحِلَّ أُجْرَةٌ مُؤَجَّلَةٌ؛ لِأَنَّ حِلَّهَا مَعَ تَأْخِيرِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ ظُلْمٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَ) يَصِحُّ (تَعْجِيلُهَا) - أَيْ: الْأُجْرَةِ - عَلَى مَحِلِّ اسْتِحْقَاقِهَا؛ كَمَا لَوْ آجَرَهُ دَارِهِ سَنَةَ خَمْسٍ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ فِي يَوْمِ الْعَقْدِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (غَيْرَ نَاظِرِ وَقْفٍ؛ فَلَيْسَ لَهُ تَعْجِيلُهَا) أَيْ: الْأُجْرَةِ - كُلِّهَا إلَّا لِحَاجَةِ التَّعْمِيرِ الَّذِي لَا يَتِمُّ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِهِ، (وَلَوْ شَرَطَهُ) - أَيْ: التَّعْجِيلَ - (لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَأْخُذُ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّهُ الْآنَ) ، وَقَالَ كَمَا يُفَرِّقُونَ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ إذَا بِيعَتْ، أَوْ وُرِثَتْ، فَإِنَّ الْحِكْرَ مِنْ الِانْتِقَالِ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَالْوَارِثَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَتَرْكُهُ فِي أَصَحِّ قَوْلِهِمْ. انْتَهَى. (وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ) لِعَمَلٍ (كُلَّ يَوْمٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ؛ فَلَهُ أَجْرُ كُلِّ يَوْمٍ عِنْدَ تَمَامِهِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ) - بِفَتْحِ الْجِيمِ (لِلْعَمَلِ مُدَّةً) مُطْلَقَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ كَاسْتِئْجَارِهِ كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فِي آخِرِ كُلِّ يَوْمٍ، (وَيَجِبُ لَهُ أَجْرُ كُلِّ يَوْمٍ فِي آخِرِهِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْعُرْفِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ بِالْعَمَلِ فِيمَا بَعْدَهُ، وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ لَا تَنْتَهِي، فَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ إعْطَائِهِ إلَى تَمَامِهَا، وَإِذَا عَيَّنَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا قِسْطًا مِنْ الْأُجْرَةِ؛ فَهِيَ إجَارَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ انْتَهَى. (وَتَقْسِيطُ الْأُجْرَةِ كُلَّ سَنَةٍ) كَذَا، (أَوْ) كُلَّ (شَهْرٍ) كَذَا، (أَوْ) كُلَّ (يَوْمٍ كَذَا) ؛ لَيْسَ بِشَرْطٍ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 689 [فَصْلٌ فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّة إجَارَة أَوْ انْفَسَخَتْ بنحو تقايل أَوْ عَيْب] (فَصْلٌ: فَإِذَا انْقَضَتْ، وَيَتَّجِهُ أَوْ) (انْفَسَخَتْ بِنَحْوِ تَقَايُلِ) الْمُتَآجِرِينَ مِنْ عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ، (وَ) كَذَا بِظُهُورِ (عَيْبٍ) فِي الْمَأْجُورِ مُبِيحٍ لِلْفَسْخِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (إجَارَةُ أَرْضٍ) ؛ أَيْ: انْتَهَتْ مُدَّتُهَا، (لَيْسَتْ) الْأَرْضُ (مُشَاعًا لِشَرِيكٍ، وَبِهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ الْمُؤَجَّرَةِ - (غِرَاسٌ) - بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - (أَوْ بِنَاءٌ) (لَمْ يُشْتَرَطْ) فِي الْعَقْدِ (قَلْعُهُ بِانْقِضَاءِ) الْمُدَّةِ، (أَوْ شُرِطَ) عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ (بَقَاؤُهُ) - أَيْ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ - (أَوْ أُطْلِقَ) بِأَنْ لَمْ يُشْتَرَطْ قَلْعٌ وَلَا بَقَاءٌ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ شَرْطِ الْبَقَاءِ وَالْإِطْلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، [فَإِنْ قَلَعَهُ مَالِكُهُ؛ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مَنْعُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ] . (وَإِنْ لَمْ يَقْلَعْهُ مَالِكُهُ) - أَيْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ (خُيِّرَ مَالِكُهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ - (بَيْنَ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَخْذُهُ) - أَيْ تَمَلُّكُهُ " - (بِقِيمَتِهِ) إنْ كَانَ مِلْكُهُ لِلْأَرْضِ تَامًّا، فَيَدْفَعُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ، وَيُمْلَكُ مَعَ أَرْضِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَزُولُ بِذَلِكَ، وَصِفَتُهُ أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ مَغْرُوسَةً أَوْ مَبْنِيَّةً، ثُمَّ خَالِيَةً مِنْهُمَا؛ فَمَا بَيْنَهُمَا قِيمَتُهُ، (أَوْ تَرْكُهُ بِأُجْرَتِهِ) - أَيْ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ - لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَإِزَالَةَ ضَرَرِ الْمَالِكَيْنِ؛ فَلَا أَثَرَ لِاشْتِرَاطِ الْمُسْتَأْجِرِ تَبْقِيَةَ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ، (أَوْ قَلْعُهُ جَبْرًا، وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَ " وَالْوَجِيزِ "، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ الْقَلْعَ وَضَمَانَ النَّقْصِ؛ فَالْقَلْعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِصَاحِبِ الشَّجَرِ أَوْ الْبِنَاءِ بَيْعُهُ لِمَالِكِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 690 الْأَرْضِ وَلِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهِ تَامٌّ، فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْف شَاءَ، فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي غَيْرَ مَالِكِ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، (وَكَذَا) لَا يُمْنَعُ الْخِيرَةَ مِنْ أَخْذِ رَبِّ الْأَرْضِ لَهُ، أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ، أَوْ تَرْكِهِ الْأُجْرَةَ. (لَوْ وَقَفَ مُسْتَأْجِرٌ مَا بَنَاهُ، أَوْ وَقَفَ مَا غَرَسَهُ) ، وَلَوْ عَلَى نَحْوِ مَسْجِدٍ كَزَاوِيَةٍ وَمَدْرَسَةٍ. (فَإِذَا تَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ؛ اشْتَرَى بِهَا) - أَيْ: بِالْقِيمَةِ أَوْ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ أَرْشِ الْقَلْعِ - (مَا يَكُونُ وَقْفًا) ؛ كَمَا لَوْ أُتْلِفَ الْوَقْفُ، وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ مِنْ مُتْلِفِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآلَاتِ وَالْغِرَاسَ الْمَقْلُوعَ بَاقٍ مَقَامَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَيَتَّجِهُ لَوْ أَبَى) مُسْتَأْجِرٌ (الثَّلَاثَ) ، وَهِيَ أَخْذُ الْمَالِكِ بِالْقِيمَةِ، وَالتَّرْكُ بِالْأُجْرَةِ، وَالْقَلْعُ، (وَ) أَبَى (مَالِكٌ الْقَلْعَ) لِلْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ؛ (بِيعَ) ؛ أَيْ: بَاعَ حَاكِمٌ مِنْ الْمَأْجُورِ (أَرْضًا بِمَا فِيهَا) مِنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ، وَدَفَعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قِيمَتَهَا فَارِغَةً، وَمَا بَقِيَ يُدْفَعُ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِيعَ مَالُهُ مُنْفَرِدًا. وَالْحُكْمُ فِيهَا (كَعَارِيَّةٍ) ؛ أَيْ: كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ الْأَرْضَ لِلْغِرَاسِ، ثُمَّ رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ الْقَلْعِ، فَإِنْ كَانَ شَرَطَ الْقَلْعَ بِوَقْتٍ أَوْ رُجُوعٍ؛ لَزِمَ عِنْدَهُ - وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ مُعِيرٌ - وَإِلَّا يَشْتَرِطْ الْقَلْعَ؛ فَلِمُعِيرٍ أَخْذُهُ قَهْرًا بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعُهُ جَبْرًا، وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ، فَإِنْ أَبَى مُعِيرٌ ذَلِكَ، وَمُسْتَعِيرٌ الْأُجْرَةَ وَالْقَلْعَ؛ بِيعَتْ أَرْضٌ بِمَا فِيهَا إنْ رَضِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا، وَيُجْبَرُ الْآخَرُ، وَدُفِعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قِيمَتُهَا فَارِغَةً، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وحُكْمُ) إجَارَةٍ (فَاسِدَةٍ فِي ذَلِكَ) ؛ أَيْ: الْمُتَقَدِّمِ تَفْصِيلُهُ مِنْ أَنَّهَا إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِيهَا غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ؛ كَحُكْمِ إجَارَةٍ (صَحِيحَةٍ) مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 691 فِيهَا بَيْنَ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، (لَا كَعَارِيَّةٍ) ؛ إذْ الْمُعِيرُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ قَهْرًا بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعِهِ جَبْرًا، وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ، (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ (فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ) : وَالْمُسْتَأْجِرُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَمُسْتَعِيرٍ انْتَهَى. فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَيْثُ جَعَلَهَا كَالْعَارِيَّةِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ سِوَى صَاحِبِ " الْمُحَرَّرِ "، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ " الْمُنْتَهَى ": بِأَنَّ تَشْبِيهَهُ لِمُسْتَأْجِرٍ بِعَقْدِ فَاسِدٍ بِالْمُسْتَعِيرِ إنَّمَا هُوَ فِي عَدَمِ الْقَلْعِ مَجَّانًا، لَا فِي لُزُومِ الْأُجْرَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ إذَنْ. (وَ) لَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى مُشْتَرٍ؛ فَحُكْمُهُ (حُكْمُ الْعَارِيَّةِ فِيمَا بِيعَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: اشْتَرَاهُ اشْتِرَاءً (صَحِيحًا، ثُمَّ فُسِخَ) عَقْدُ (بَيْعٍ بِنَحْوِ عَيْبٍ) ؛ كَغَبْنٍ (وَتَقَايُلٍ) ، أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: " لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى مُشْتَرٍ، ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ بِعَيْبٍ كَانَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الْأَخْذُ بِالْقِيمَةِ، أَوْ الْقَلْعُ وَضَمَانُ النَّقْصِ، وَتَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ انْتَهَى. فَجَعَلَ فِي " الْإِقْنَاعِ " حُكْمَ مَا بِيعَ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ فُسِخَ، حُكْمَ الْإِجَارَةِ، فَلِذَلِكَ خَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ، وَجَعَلَهُ كَالْعَارِيَّةِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ. مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " وَالرِّعَايَةِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَغَيْرُهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعُهُ وَضَمَانُ نَقْصِهِ انْتَهَى. وَأَمَّا الْمَبِيعُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ إذَا غَرَسَ فِيهِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بَنَى؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَعِيرُ إذَا غَرَسَ أَوْ بَنَى عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ " وَابْنُ عَقِيلٍ فِي " الْفُصُولِ " وَصَاحِبُ " الْمُغْنِي " فِي الشُّرُوطِ فِي الرَّهْنِ؛ لِتَضَمُّنِهِ إذْنًا، وَيَأْتِي فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ مُفَصَّلًا. (وَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ) الَّذِي بَنَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ (نَحْوَ مَسْجِدٍ) كَمَدْرَسَةٍ وَسِقَايَةٍ وَقَنْطَرَةٍ؛ (لَزِمَ بَقَاؤُهُ) - أَيْ: الْبِنَاءِ - فَلَا يُهْدَمُ، وَلَا يُتَمَلَّكُ، بَلْ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ (بِأُجْرَتِهِ إلَى زَوَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ؛ إذْ وَضْعُ هَذِهِ لِلدَّوَامِ، وَلَا يُعَادُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 692 الْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُ إذَا انْهَدَمَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ بِغَيْرِ رِضَى رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِزَوَالِ حُكْمِ الْإِذْنِ بِزَوَالِ الْعَقْدِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ) أَنَّهُ (لَوْ أَعْسَرَ) الْمُسْتَأْجِرُ، وَعَجَزَ عَنْ دَفْعِ أُجْرَةِ أَرْضٍ مَبْنِيَّةٍ مَسْجِدًا؛ (لَا يَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْمُؤَجِّرَ - إبْقَاءُ الْبِنَاءِ إلَى أَنْ يَبِيدَ، أَوْ يُوسِرَ الْمُسْتَأْجِرُ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَوْ مَاتَ) الْمُسْتَأْجِرُ (مُعْسِرًا؛ فَلِمَالِكٍ) فِعْلُ (مَا مَرَّ) مِنْ تَمَلُّكِ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ (جَزْمًا) مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ؛ لِئَلَّا يَضِيعَ حَقُّهُ. وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (وَ) قَالَ (فِي " الْفَائِقِ ") : قُلْتُ: (لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ) - أَيْ: الْمُؤَجَّرَةُ لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ - (وَقْفًا) ، وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ؛ (لَمْ) يَجُزْ أَنْ (يُتَمَلَّكَ) غِرَاسٌ وَلَا بِنَاءٌ لِجِهَةِ وَقْفِ الْأَرْضِ (إلَّا بِشَرْطِ وَاقِفٍ) لِلْأَرْضِ، (أَوْ رِضَى مُسْتَحِقٍّ) لِرِيعِ الْوَقْفِ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ فِي دَفْعِ قِيمَتِهِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ تَفْوِيتًا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُقْلَعُ الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ، إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا، وَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُتَمَلَّكُ إلَّا تَامُّ الْمِلْكِ، هَذَا مَعَ عَدَمِ شَرْطِ وَاقِفٍ، أَوْ رِضَى مُسْتَحِقٍّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْلَعَ غِرَاسَ الْمُسْتَأْجِرِ وَزَرْعَهُ، صَحِيحَةً كَانَتْ الْإِجَارَةُ أَوْ فَاسِدَةً، لِتَضَمُّنِهَا الْإِذْنَ فِي وَضْعِهِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 693 بَلْ إذَا بَقِيَ؛ فَعَلَى مَالِكِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَبْقَاهُ - أَيْ الْغِرَاسَ أَوْ الْبِنَاءَ الْمَوْقُوفَ - بِالْأُجْرَةِ؛ فَمَتَى بَادَ؛ بَطَلَ الْوَقْفُ، وَأَخَذَ الْأَرْضَ صَاحِبُهَا، فَانْتَفَعَ بِهَا. وَقَالَ فِيمَنْ احْتَكَرَ أَرْضًا بَنَى فِيهَا مَسْجِدًا أَوْ بِنَاءً وَقَفَهُ عَلَيْهِ: مَتَى فَرَغَتْ الْمُدَّةُ، وَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ؛ زَالَ حُكْمُ الْوَقْفِ، وَأَخَذُوا أَرْضَهُمْ، فَانْتَفَعُوا بِهَا، وَمَا دَامَ الْبِنَاءُ قَائِمًا فِيهَا؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ كَوَقْفِ عُلُوِّ رَبْعٍ أَوْ دَارٍ مَسْجِدًا، فَإِنَّ وَقْفَ عُلُوِّ ذَلِكَ؛ لَا يُسْقِطُ حَقَّ مُلَّاكِ السُّفْلِ وَكَذَا وَقْفُ الْبِنَاءِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ مُلَّاكِ الْأَرْضِ، وَذَكَرَ فِي " الْفُنُونِ " مَعْنَاهُ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَا يَسَعُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ. وَقَالَ (" الْمُنَقَّحُ ") : قُلْتُ: (بَلْ إذَا حَصَلَ بِهِ) - أَيْ: التَّمَلُّكِ (نَفْعٌ) لِجِهَةِ الْوَقْفِ؛ بِأَنْ يَكُونَ تَمَلُّكُهُ أَحَظَّ مِنْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ، وَمِنْ إبْقَائِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ؛ (كَانَ لَهُ ذَلِكَ) - أَيْ: تَمَلُّكُهُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ - لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً تَعُودُ إلَى مُسْتَحِقِّ الرِّيعِ؛ أَشْبَهَ شِرَاءَ وَلِيٍّ بِنَاءً لِيَتِيمٍ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَدْ رُئِيَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَمَرَّ فِي فَصْلِ: وَإِنْ ظَهَرَ عَيْبٌ: أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ (تَمَلُّكَ زَرْعٍ) زَرَعَهُ مُؤَجِّرٌ تَعَدِّيًا بِنَفَقَتِهِ، (وَ) مَرَّ أَيْضًا أَنَّ (مَيْلَ ابْنِ رَجَبٍ) إلَيْهِ. (وَفِي " الْإِقْنَاعِ " لَا يَتَمَلَّكُ غَيْرُ تَامِّ الْمِلْكِ؛ كَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَمُسْتَأْجِرٍ) وَمُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ؛ لِقُصُورِ مِلْكِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ، هَذَا تَخْرِيجٌ لِابْنِ رَجَبٍ، وَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَهُ تَمَلُّكُ زَرْعِ الْغَاصِبِ بِالنَّفَقَةِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَلِذَلِكَ جَوَّزَ ابْنُ رَجَبٍ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ مَا إذَا غُصِبَتْ الْأَرْضُ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا، أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةُ وَزُرِعَ فِيهَا، فَهَلْ يَمْلِكُ الزَّرْعَ مَالِكُ الرَّقَبَةِ؟ أَوْ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ؟ ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ. وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى " بِأَحْكَامِ الْخَرَاجِ ": فِيمَا إذَا خَرَجَ مَنْ بِيَدِهِ الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ مِنْهَا، وَلَهُ غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ فِيهَا، فَهَلْ يُقَالُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ إذَا رَآهُ أَصْلَحَ؟ كَمَا يَتَمَلَّكُ نَاظِرُ الْوَقْفِ. وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَ رَقَبَةَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ؟ فَظَاهِرُهُ جَوَازُهُ لِلنَّاظِرِ مُطْلَقًا إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً انْتَهَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 694 (وَلَا) يَتَمَلَّكُهُ (مُرْتَهِنٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ، وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الِاسْتِيثَاقِ. (وَمُؤْنَةُ قَلْعٍ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ) ؛ كَنَقْلِ مَتَاعِهِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَفْرِيغَ الْمُؤَجَّرَةِ مِمَّا أَشْغَلَهَا بِهِ مِنْ مِلْكِهِ، وَإِنْ اخْتَارَهُ - أَيْ الْقَلْعَ - مُسْتَأْجِرٌ دُونَ رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ فَلَزِمَهُ إزَالَتُهُ، فَإِنْ اخْتَارَهُ مُؤَجِّرٌ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ، (وَ) كَذَا (تَسْوِيَةُ حُفَرٍ) حَصَلَتْ بِقَلْعٍ، فَتَلْزَمُ مُسْتَأْجِرًا، وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ مُخَالَفَةٌ لِأَصْلَيْهِ، وَلَمْ يُشِرْ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُمَا أَوْجَبَا مُؤْنَةَ الْقَلْعِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مُطْلَقًا، وَتَسْوِيَةَ الْحُفَرِ إنْ اخْتَارَ الْمُسْتَأْجِرُ الْقَلْعَ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْقَلْعَ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَجِّرُ؛ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مُؤْنَةُ الْقَلْعِ دُونَ تَسْوِيَةِ الْحُفَرِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي " الْإِقْنَاعِ " عَنْ " التَّلْخِيصِ " وَهُوَ مَفْهُومُ " الْمُنْتَهَى " حَيْثُ فَصَّلَ بِلَفْظِهِ كَذَا فِي تَسْوِيَةِ، الْحُفَرِ وَالْأَقْوَى فِي النَّظَرِ مَا جَنَحَا إلَيْهِ. (وَإِنْ شَرَطَ) عَلَى مُسْتَأْجِرِ أَرْضٍ لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ (قَلْعَهُ بِانْقِضَاءِ) مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ (لَزِمَهُ) قَلْعُهُ وَفَاءً بِمُوجِبِ شَرْطِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمُوجِبِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ الْبِنَاءُ أَوْ الْغِرَاسُ (غَيْرَ نَحْوِ مَسْجِدٍ) كَمَدْرَسَةٍ وَقَنْطَرَةٍ وَمَا وَقَفَا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَبْقَى بِأُجْرَةٍ الْمِثْلِ، وَتَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَيْسَ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ الشَّرْطِ - (تَسْوِيَةُ حُفَرٍ) حَصَلَتْ بِالْقَلْعِ، (وَلَا إصْلَاحُ أَرْضٍ) ؛ لِدَلَالَةِ الشَّرْطِ عَلَى رِضَى رَبِّ الْأَرْضِ بِذَلِكَ، (إلَّا بِشَرْطٍ) ؛ بِأَنْ شَرَطَهُ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ وَفَاءٌ بِالشَّرْطِ. (وَلَا) يَجِبُ (عَلَى رَبِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 695 الْأَرْضِ) إذَا شَرَطَ الْقَلْعَ عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (غَرَامَةُ نَقْصٍ) حَصَلَ بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِرِضَاهُمَا بِالْقَلْعِ، وَلِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ أَذِنَ لَهُ فِي إشْغَالِهَا بِمَا يَنْقُصُ بِتَفْرِيغِ الْأَرْضِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ نَقْصِهِ؛ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ أَرْضًا لِلْغَرْسِ مُدَّةً، فَرَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا، وَيُخَالِفُ الزَّرْعُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ رَبَّ الْأَرْضِ غُرْمُ نَقْصِ قِيمَةِ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ (إلَّا بِشَرْطٍ) ؛ بِأَنْ شَرَطَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَنَّهُ مَتَى اخْتَارَ قَلْعَهُ يَكُونُ عَلَيْهِ غَرَامَةُ نَقْصِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَرْعٌ إجَارَةِ نَصِيبٍ مُشَاعٍ مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ] فَرْعٌ: أَفْتَى ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي (إجَارَةِ) نَصِيبٍ (مُشَاعٍ) مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَجَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ (لِشَرِيكِهِ) ، فَيَبْنِي الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ أَنْ اسْتَأْجَرَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ؛ ثُمَّ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ؛ فَالْحُكْمُ (أَنَّ لِمُؤَجِّرٍ أَخْذَ قَدْرِ حِصَّةِ نَصِيبِهِ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ مِنْ غَرْسٍ وَبِنَاءٍ) ، فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ نِصْفَ الْأَرْضِ، أَخَذَ نِصْفَ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِنِصْفِ (قِيمَتِهِ) ، أَوْ الرُّبُعَ، أَخَذَ رُبُعَهُمَا بِرُبُعِ الْقِيمَةِ، وَهَكَذَا، (وَلَا يَقْلَعُ) ؛ أَيْ: لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُلْزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ بِالْقَلْعِ - وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ نَقْصَ نَصِيبِهِ - (لِاسْتِلْزَامِهِ قَلْعَ مَا لَا يَجُوزُ) قَلْعُهُ؛ لِعَدَمِ تَمْيِيزِ مَا يَخُصُّ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. [فَصْلٌ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ إجَارَةٍ أَوْ اسْتَوْفَى الْعَمَلَ مِنْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ] (فَصْلٌ: وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ إجَارَةٍ) أَوْ اسْتَوْفَى الْعَمَلَ مِنْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ؛ (رَفَعَ مُسْتَأْجِرٌ يَدَهُ عَنْ) عَيْنٍ (مُؤَجَّرَةٍ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ) - أَيْ الْمُسْتَأْجِرَ - (رَدٌّ وَلَا مُؤْنَتُهُ؛ كَمُودَعٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ، فَلَا يَقْتَضِي الرَّدَّ وَلَا مُؤْنَتَهُ، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ، فَإِنَّ ضَمَانَهَا يَجِبُ؛ فَكَذَلِكَ رَدُّهَا، (وَكَمُرْتَهِنٍ وَفَّى) مَا عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الرَّهْنِ إلَى رَبِّهِ وَلَا مُؤْنَتُهُ، (وَتَكُونُ) الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 696 بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَمَانَةً؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي الْمُدَّةِ (بِيَدِهِ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ - فَإِنْ تَلِفَتْ الْمُؤَجَّرَةُ قَبْلَ رَدِّهَا؛ (فَلَا تُضْمَنُ بِلَا) تَعَدٍّ وَلَا (تَفْرِيطٍ) - وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ - جَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الِانْتِفَاعِ قَدْ انْتَهَى، دُونَ الْإِذْنِ فِي الْحِفْظِ، وَمُؤْنَتُهُ كَمُودَعٍ. (وَلَوْ شَرَطَ مُؤَجِّرٌ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ الضَّمَانَ) ؛ فَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ، وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ؛ (لِأَنَّ مَا لَا يُضْمَنُ) بِدُونِ شَرْطٍ (لَا يَصِيرُ بِالشَّرْطِ مَضْمُونًا) ، لَكِنْ مَتَى طَلَبَهَا رَبُّهَا وَجَبَ تَمْكِينُهُ مِنْهَا، فَإِنْ مَنَعَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، صَارَتْ مَضْمُونَةً كَالْمَغْصُوبَةِ، وَنَمَاؤُهَا كَالْأَصْلِ، فَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً، فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ؛ كَانَ وَلَدُهَا أَمَانَةً كَأُمِّهِ، وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْعَقْدِ، (وَعَكْسُهُ) بِأَنْ شَرَطَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ عَدَمَ الضَّمَانِ لِلْمُؤَجَّرَةِ بِتَعَدِّيهِ عَلَيْهَا أَوْ تَفْرِيطِهِ فِي حِفْظِهَا (بِعَكْسِهِ) ؛ أَيْ: يَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ بِتَعَدِّيهِ أَوْ تَفْرِيطِهِ؛ لِمُنَافَاةِ هَذِهِ الشُّرُوطِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. (فَإِنْ شَرَطَ) مُؤَجِّرٌ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ (أَنْ لَا يَسِيرَ بِهَا) - أَيْ: الدَّابَّةِ - (لَيْلًا، أَوْ) شَرَطَ أَنْ لَا يَسِيرَ بِهَا (وَقْتَ قَائِلَةِ) ، أَوْ شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ بِمَتَاعِهِ بَطْنَ وَادٍ، (أَوْ) شَرَطَ أَنْ (لَا يَتَأَخَّرَ بِهَا) - أَيْ: الدَّابَّةِ - (أَوْ لَا يَتَقَدَّمَ الْقَافِلَةَ [وَنَحْوَهُ] ) كَشَرْطِهِ أَنْ لَا يَسِيرَ إلَّا مَعَ رُفْقَةٍ وَشَبَهِهِ، (مِمَّا) لِلْمُؤَجِّرِ (فِيهِ غَرَضٌ) ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالشَّرْطِ، فَإِنْ (خَالَفَ) شَيْئًا مِمَّا شُرِطَ (عَلَيْهِ) بِلَا عُذْرٍ، فَتَلِفَتْ؛ (ضَمِنَ) ، لِتَعَدِّيهِ بِمُخَالَفَةِ الشَّرْطِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُحَمِّلَ الدَّابَّةَ إلَّا قَفِيزَيْنِ فَحَمَّلَهَا أَكْثَرَ. [فَائِدَة حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حُكْمُ الصَّحِيحَةِ] ِ فِي أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا تَعَدٍّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ فِي صَحِيحِهِ؛ فَلَا يَقْتَضِيهِ فَاسِدُهُ؛ كَالْوَكَالَةِ، وَحُكْمُ كُلِّ عَقْدٍ فَاسِدٍ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ حُكْمُ صَحِيحِهِ، فَمَا وَجَبَ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ وَجَبَ فِي فَاسِدِهِ، وَمَا لَا فَلَا. . (وَلَهُ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ - (إيدَاعُهَا) - أَيْ: الدَّابَّةِ الْمُؤَجَّرَةِ - (بِخَانٍ إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 697 قَدِمَ بَلَدًا) فِي طَرِيقِهِ، أَوْ كَانَ غَرَضُهُ فِيهِ، (وَمَضَى فِي حَاجَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا - (وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ مَالِكًا) فِي إيدَاعِهَا - لِأَنَّ الْخَانَ مُعَدٌّ لِحِفْظِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا، فَلَا يَكُونُ الْمُودِعُ فِيهِ مُفَرِّطًا؛ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ اسْتِئْذَانُ مَالِكٍ (لِغَسْلِ ثَوْبٍ مُسْتَأْجَرٍ) - بِفَتْحِ الْجِيمِ - إذَا (اتَّسَخَ) أَوْ تَنَجَّسَ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ. (وَ) لِمُؤَجِّرٍ (مُشْتَرِطٍ) عَلَى مُسْتَأْجِرٍ (عَدَمَ سَفَرٍ بِعَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ الْفَسْخُ) بِهِ - أَيْ: بِسَفَرِهِ بِهَا - لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ. (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ) ، وَأَرَادَ السَّفَرَ (سَافَرَ بِهِ) - أَيْ بِالْعَبْدِ - (فِي الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ) ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عَدَمُ السَّفَرِ، (قَالَهُ الْقَاضِي) ، وَقَالَ: فَإِنْ شُرِطَ تَرْكُ الْمُسَافَرَةِ بِهِ؛ لَزِمَ الشَّرْطُ: (وَقَالَ) الْقَاضِي: (لَيْسَ لِسَيِّدٍ سَفَرٌ بِرَقِيقِهِ إذَا آجَرَهُ) ، ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا انْتَهَى. (وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى مُسْتَأْجِرٍ الرَّدَّ) - أَيْ: رَدَّ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ إلَى مَالِكِهَا - إذَا أَنْكَرَهُ (بِلَا بَيِّنَةٍ) ؛ كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُضَارِبِ. [فَرْعٌ كُلُّ مَنْ قَبَضَ الْعَيْنَ لِحَظِّ نَفْسِهِ وَادَّعَى الرَّدَّ لَمَالِكٍ فَأَنْكَرَهُ لَمْ يُقْبَلْ] (فَرْعٌ: كُلُّ مَنْ قَبَضَ الْعَيْنَ لِحَظِّ نَفْسِهِ؛ كَمُرْتَهِنٍ وَأَجِيرٍ وَمُشْتَرٍ وَبَائِعٍ وَغَاصِبٍ وَمُلْتَقِطٍ وَمُقْتَرِضٍ وَمُضَارِبٍ، وَادَّعَى) قَابِضٌ (الرَّدَّ) لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (لَمَالِكٍ، فَأَنْكَرَهُ) ؛ أَيْ: أَنْكَرَ الْمَالِكُ الرَّدَّ؛ (لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُ قَابِضٍ (بِلَا بَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ لَهُ بِالرَّدِّ، (وَكَذَا مُودَعٌ) - أَيْ: وَدِيعٌ - بِجُعْلٍ (وَوَكِيلٌ) بِجُعْلٍ (وَوَصِيٌّ وَدَلَّالٌ وَنَاظِرُ وَقْفٍ وَعَامِلُ خَرَاجٍ) ؛ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ، (لَا) عَامِلُ (زَكَاةٍ) مُطْلَقًا (بِجُعْلٍ وَبِدُونِهِ) ، فَإِنَّهُ (يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ رَدَّهَا أَوْ فَرَّقَهَا) ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ، وَهُوَ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا؛ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَالِكِ أَنَّهُ فَرَّقَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْعَامِلِ. (وَأَمَّا دَعْوَى التَّلَفِ فَتُقْبَلُ مِنْ كُلِّ) شَخْصٍ (أَمِينٍ بِيَمِينٍ) ، مَا لَمْ يَكُنْ التَّلَفُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ؛ كَحَرِيقٍ وَغَرِيقٍ وَنَهْبٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 698 مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَخْفَى، وَتَقَدَّمَ. [تَنْبِيهٌ إذَا اكْتَرَى بِدَرَاهِمَ وَأَعْطَاهُ عَنْهَا دَنَانِيرَ ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ] ُ؛ رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالدَّرَاهِمِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَ " الْفَائِقِ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا انْفَسَخَ؛ رَجَعَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْعِوَضِ الَّذِي بَذَلَهُ، وَعِوَضُ الْعَقْدِ هُوَ الدَّرَاهِمُ، وَالْمُؤَجِّرُ أَخَذَ الدَّنَانِيرَ بِعَقْدٍ آخَرَ، وَلَمْ يَنْفَسِخْ؛ أَشْبَهَ مَا إذَا قَبَضَ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ صَرَفَهَا بِدَنَانِيرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُسَابَقَةِ] (بَابُ الْمُسَابَقَةِ) مِنْ السَّبْقِ، وَهُوَ بُلُوغُ الْغَايَةِ قَبْلَ غَيْرِهِ، وَهِيَ (الْمُجَارَاةُ بَيْنَ حَيَوَانٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَرِمَاحٍ وَمَنَاجِيقَ، وَكَذَا السِّبَاقُ وَالْمُنَاضَلَةُ مِنْ النَّضْلِ يُقَالُ: نَاضَلَهُ مُنَاضَلَةً وَنِضَالًا وَنِيضَالًا، وَهِيَ (الْمُسَابَقَةُ بِالرَّمْيِ) بِالسِّهَامِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ التَّامَّ يُسَمَّى نَضْلًا، فَالرَّمْيُ بِهِ عَمَلٌ بِالنَّضْلِ، (وَالسَّبَقُ - بِفَتْحِ الْبَاءِ -) وَالسُّبْقَةُ (الْجُعْلُ، وَ) السَّبْقُ - بِسُكُونِهَا - أَيْ الْبَاءِ مَصْدَرُ سَبَقَ (الْمُجَارَاةُ) . (وَتَجُوزُ) الْمُسَابَقَةُ (فِي سُفُنٍ وَمَزَارِيقَ) ، وَهِيَ الرِّمَاحُ الْقِصَارُ، (وَطُيُورٍ) حَتَّى الْحَمَامِ، خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ (وَرِمَاحٍ وَأَحْجَارٍ) وَمَقَالِيعَ (وَعَلَى الْأَقْدَامِ) ، وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ مِنْ إبِلٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَفِيَلَةٍ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهَا فِي الْجُمْلَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ: «أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ سَابَقَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ بَيْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 699 الْخَيْلِ الْمُضْمَرَةِ مِنْ الْخَيْفِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَبَيْنَ الَّتِي لَمْ تَضْمُرْ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ» قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: مِنْ الْحَيْفَا إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ، وَقَالَ سُفْيَانُ: مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَالْخَيْلُ الْمُضْمَرَةُ هِيَ الْمَعْلُوفَةُ الْقُوتَ بَعْدَ السِّمَنِ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «سَابَقَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَبَقْتُهُ، فَلَمَّا أَخَذَنِي اللَّحْمُ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ هَذِهِ بِتِلْكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. . (وَكُرِهَ رَقْصٌ وَمَجَالِسُ شِعْرٍ وَكُلُّ مَا يُسَمَّى لَعِبًا) ، ذَكَرَهُ فِي الْوَسِيلَةِ؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ وَيَأْتِي، (إلَّا مَا كَانَ مُعِينًا عَلَى) قِتَالِ (عَدُوٍّ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. . (فَيُكْرَهُ لَعِبُهُ بِأُرْجُوحَةٍ) وَنَحْوِهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا مُرَامَاةُ الْأَحْجَارِ وَنَحْوُهُ، وَهِيَ (أَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ الْحَجَرَ إلَى صَاحِبِهِ) . قَالَهُ الْآجُرِّيُّ فِي النَّصِيحَةِ: مَنْ وَثَبَ وَثْبَةً مَرَحًا وَلَعِبًا بِلَا نَفْعٍ، فَانْقَلَبَ، فَذَهَبَ عَقْلُهُ؛ عَصَى وَقَضَى الصَّلَاةَ. (وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ الْمَعْرُوفُ بِالطَّابِ وَالنَّقِيلَةِ) . قَالَ: وَيَجُوزُ اللَّعِبُ بِمَا قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ بِلَا مَضَرَّةٍ، وَقَالَ: كُلُّ [فِعْلٍ] أَفْضَى إلَى مُحَرَّمٍ كَثِيرًا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلشَّرِّ وَالْفَسَادِ، (وَقَالَ أَيْضًا: مَا أَلْهَى وَشَغَلَ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ؛ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُحَرَّمْ جِنْسُهُ؛ كَبَيْعٍ وَتِجَارَةٍ) وَنَحْوِهِمَا انْتَهَى؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ أَوْ تَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ أَوْ مُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ» وَقَوْلُهُ بَاطِلٌ؛ أَيْ: لَا يَنْفَعُ، فَإِنَّ الْبَاطِلَ ضِدُّ الْحَقِّ، وَالْحَقُّ يُرَادُ بِهِ الْحَقُّ الْمَوْجُودُ وَاعْتِقَادُهُ وَالْخَبَرُ عَنْهُ، وَيُرَادُ بِهِ الْحَقُّ الْمَقْصُودُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقْصَدَ، وَهُوَ الْأَمْرُ النَّافِعُ، فَمَا لَيْسَ مِنْ هَذَا؛ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ أَيْ: لَيْسَ بِنَافِعٍ، وَمَا رُوِيَ: «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَجِوَارِي مَعَهَا كُنَّ يَلْعَبْنَ بِاللُّعَبِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرَاهُنَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 700 وَكَانَتْ لَهَا أُرْجُوحَةٌ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، فَيُرَخَّصُ فِيهِ لِلصِّغَارِ مَا لَا يُرَخَّصُ لِلْكِبَارِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي زَمَّارَةِ الرَّاعِي انْتَهَى. وَلَعِبُ الْجَوَارِي بِاللُّعَبِ غَيْرِ الْمُصَوَّرَةِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلتَّمَرُّنِ عَلَى مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُنَّ عَادَةً، قَالَ الْفَتُوحِيُّ: وَيُتَوَجَّهُ كَذَا فِي الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ؛ «لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى يُدَفِّفَانِ وَيَضْرِبَانِ وَيُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعْهُمَا فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ.» (وَيُسْتَحَبُّ لَعِبٌ بِآلَةِ حَرْبٍ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَثِقَافٍ) ، وَهُوَ مَا تُسَوَّى بِهِ الرِّمَاحُ وَتَثْقِيفُهَا تَسْوِيَتُهَا؛ لِأَنَّهُ يُعِينُ عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ، (وَيُتَعَلَّمُ بِسَيْفٍ خَشَبٍ، لَا حَدِيدٍ نَصًّا) نَقَلَ أَبُو دَاوُد: وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُتَعَلَّمَ بِسَيْفٍ حَدِيدٍ بَلْ بِسَيْفٍ خَشَبٍ. (وَلَيْسَ مِنْ اللَّهْوِ) الْمُحَرَّمِ وَلَا (الْمَكْرُوهِ تَأْدِيبُ فَرَسِهِ وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ) [؛ لِحَدِيثِ: عُقْبَةَ مَرْفُوعًا «كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ ابْنُ آدَمَ فَهُوَ بَاطِلٌ، ثُمَّ اسْتَثْنَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْمُرَادُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَيَدْخُلُ فِيهِ تَعْلِيمُ الْكَلْبِ الصَّيْدَ وَالْحِرَاسَةَ، وَتَعْلِيمُ السِّبَاحَةِ] ، وَمِنْهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «مِنْ لَعِبِ الْحَبَشَةِ بِدَرَقِهِمْ وَحِرَابِهِمْ، وَتَوَثُّبِهِمْ بِذَلِكَ عَلَى هَيْئَةِ الرَّقْصِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَتَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ، وَهِيَ تَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَدَخَلَ عُمَرُ، فَأَهْوَى إلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعْهُمْ يَا عُمَرُ» . (وَكُرِهَ شَدِيدًا لِمَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ أَنْ يَتْرُكَهُ) ؛ لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، وَمَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ ثُمَّ نَسِيَهُ؛ فَلَيْسَ مِنَّا» وَكَانَ هُوَ وَخُلَفَاؤُهُ يَسْبِقُونَ بَيْنَ الْخَيْلِ، «وَقَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 701 ثُمَّ قَالَ: أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ؛ فَهِيَ نِعْمَةٌ كَفَرَهَا» قَالَ الْعَلْقَمِيُّ: وَرَدَتْ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَسَبَبُ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ حَصَلَتْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الدِّفَاعِ عَنْ دِينِهِ وَنِكَايَةُ الْعَدُوِّ وَتَأَهَّلَ لِوَظِيفَةِ الْجِهَادِ، فَإِنْ تَرَكَهُ فَقَدْ فَرَّطَ فِي الْقِيَامِ بِمَا قَدْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ. (وَتَجُوزُ مُصَارَعَةٌ) ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَارَعَ رُكَانَةَ فَصَرَعَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَ) يَجُوزُ (رَفْعُ أَحْجَارٍ لِمَعْرِفَةِ الْأَشَدِّ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُصَارَعَةِ. (وَأَمَّا) (اللَّعِبُ بِنَرْدٍ وَشِطْرَنْجٍ) - بِكَسْرِ أَوَّلِهِ - (وَنِطَاحُ كِبَاشٍ وَنِقَارِ دُيُوكٍ) (فَلَا يُبَاحُ بِحَالٍ) - أَيْ: لَا بِعِوَضٍ وَلَا بِغَيْرِهِ - وَهِيَ بِالْعِوَضِ أَشَدُّ حُرْمَةً فَإِذَا اشْتَمَلَ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ عَلَى عِوَضٍ؛ أَوْ تَضَمَّنَ تَرْكَ وَاجِبٍ مِثْلَ تَأَخُّرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ تَضْيِيعِ وَاجِبَاتِهَا، أَوْ تَرْكِ مَا يَجِبُ مِنْ مَصَالِحِ الْعِيَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ إذَا تَضَمَّنَ كَذِبًا أَوْ ظُلْمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ؛ فَإِنَّهُ حَرَامٌ أَيْضًا، وَإِذَا خَلَا عَنْ ذَلِكَ؛ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ هَؤُلَاءِ: لَمْ يَقْطَعْ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ حَلَالٌ، بَلْ تَوَقَّفَ فِي تَحْرِيمِهِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ الشِّطْرَنْجَ، فَقَالَ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؟ لَأَنْ يَمَسَّ أَحَدُكُمْ جَمْرًا حَتَّى يُطْفِئَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمَسَّهَا. وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: صَاحِبُ الشِّطْرَنْجِ أَكْذَبُ النَّاسِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: قَتَلْتُ وَمَا قَتَلَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ، وَقَالُوا: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُدْمِنِ الْمُوَاظِبِ عَلَى لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ، وَقَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا خَيْرَ فِي الشِّطْرَنْجِ وَغَيْرِهَا، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] . وَعَنْ مَالِكٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ، فَوَجَدَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 702 فِيهِ فَأَحْرَقَهَا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشِّطْرَنْجِ، فَقَالَ: هُوَ شَرٌّ مِنْ النَّرْدِ، فَإِنَّ مَا فِي النَّرْدِ مِنْ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ، وَعَنْ إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ فِي الشِّطْرَنْجِ أَكْثَرُ بِلَا رَيْبٍ، وَهِيَ تَفْعَلُ بِالنُّفُوسِ فِعْلَ حِمْيَا الْكُؤُوسِ؛ فَتَصُدُّ عُقُولَهُمْ وَقُلُوبَهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بِهِمْ كَثِيرٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَمْرِ وَالْحَشِيشَةِ، وَقَلِيلُهَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا، فَإِنَّ اللَّاعِبَ بِهَا يَسْتَغْرِقُ قَلْبَهُ وَعَقْلَهُ وَفِكْرَهُ فِيمَا يَعْمَلُهُ خَصْمُهُ، وَمَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ، وَفِي لَوَازِمِ ذَلِكَ وَلَوَازِمِ لَوَازِمِهِ حَتَّى لَا يَحُسُّ بِجُوعِهِ وَلَا عَطَشِهِ، وَلَا بِمَنْ يَحْضُرُ عِنْدَهُ، وَلَا بِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَلَا بِحَالِ أَهْلِهِ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَالصَّلَاةَ، وَهَذَا كَمَا يَحْصُلُ لِشَارِبِ الْخَمْرِ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الشَّرَابِ يَكُونُ عَقْلُهُ أَصْحَى مِنْ عَقْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ، وَاللَّاعِبُ بِهَا لَا تَنْقَضِي نَهْمَتُهُ مِنْهَا إلَّا بِدَسْتٍ بَعْد دَسْتُ كَمَا لَا تَنْقَضِي نَهْمَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ إلَّا بِقَدَحٍ بَعْدَ قَدَحٍ، وَتَبْقَى آثَارُهَا فِي النَّفْسِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا أَكْثَرُ مِنْ آثَارِ شَارِبِ الْخَمْرِ، حَتَّى تَعْرِضَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمَرَضِ وَعِنْدَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ، بَلْ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا ذِكْرُهُ لِرَبِّهِ وَتَوَجُّهُهُ إلَيْهِ، يَعْرِضُ لَهُ تَمَاثِيلُهَا وَذِكْرُ الشَّاةِ وَالرُّخِّ وَالْفِرْزَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَصَدُّهَا الْقُلُوبَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ قَدْ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ صَدِّ الْخَمْرِ، وَإِفْسَادُهَا لِلْقُلُوبِ أَعْظَمُ مِنْ إفْسَادِ النَّرْدِ، وَلَكِنَّ النَّرْدَ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَرَبِ، وَالشِّطْرَنْجُ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بَعْدَ أَنْ فَتَحُوا الْبِلَادَ، فَإِنَّ أَصْلَهُ مِنْ الْهِنْدِ، وَانْتَقَلَ مِنْهُمْ إلَى الْفُرْسِ، وَلِهَذَا جَاءَ ذِكْرُ النَّرْدِ، وَإِلَّا فَالشِّطْرَنْجُ شَرٌّ مِنْ النَّرْدِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْعِوَضِ أَوْ عَدَمِهِ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ لِمَنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى دِرَايَةٍ. (وَلَا تَجُوزُ مُسَابَقَةٌ بِعِوَضٍ) - أَيْ: مَالٍ لِمَنْ سَبَقَ - (مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُبَاحَةً أَوْ لَا (إلَّا) فِي مُسَابَقَةِ (خَيْلٍ وَإِبِلٍ وَسِهَامٍ) - أَيْ: نُشَّابٍ وَنَبْلٍ لِلرِّجَالِ - هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا سَبْقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ.» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 703 وَاخْتُصَّتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي أَخْذِ الْعِوَضِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ الْمَأْمُورِ بِتَعْلِيمِهَا وَإِحْكَامِهَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَحْرِيمَ الرِّهَانِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ إجْمَاعًا، وَإِنَّمَا اُخْتُصَّتْ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَسْنَ مَأْمُورَاتٍ بِالْجِهَادِ، (بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِتَجُوزُ. (أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الْمَرْكُوبَيْنِ) فِي الْمُسَابَقَةِ بِرُؤْيَةٍ، سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَتَيْنِ وَتُسَاوِيهِمَا فِي ابْتِدَاءِ الْعَدَدِ وَانْتِهَائِهِ، وَتَعْيِينُ (الرُّمَاةِ) فِي الْمُنَاضَلَةِ (بِرُؤْيَةٍ) بِلَا نِزَاعٍ، (سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ) كَانَا (جَمَاعَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمُسَابِقَاتِ مَعْرِفَةُ سُرْعَةِ عَدْوِ الْمَرْكُوبَيْنِ اللَّذَيْنِ يُسَابَقُ عَلَيْهِمَا، وَفِي الْمُنَاضَلَةِ مَعْرِفَةُ حِذْقُ الرُّمَاةِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّعْيِينِ بِالرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ عَدْوِ مَرْكُوبٍ بِعَيْنِهِ، وَمَعْرِفَةُ حَذْقِ رَامٍ بِعَيْنِهِ، لَا مَعْرِفَةُ عَدْوِ مَرْكُوبٍ فِي الْجُمْلَةِ، أَوْ حَذْقِ رَامٍ فِي الْجُمْلَةِ. فَلَوْ عَقَدَ اثْنَانِ مُسَابَقَةً عَلَى خَيْلٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُنَاضَلَةً، وَمَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا نَفَرٌ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ؛ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ بَانَ بَعْضُ الْحِزْبِ كَثِيرَ الْإِصَابَةِ أَوْ عَكْسُهُ، فَادَّعَى أَحَدُهُمَا ظَنَّ خِلَافِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ. وَ (لَا) يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ (الرَّاكِبِينَ وَلَا الْقَوْسَيْنِ وَلَا السِّهَامِ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ عَدْوِ الْفَرَسِ وَحِذْقِ الرَّامِي دُونَ الرَّاكِبِ وَالْقَوْسِ وَالسِّهَامِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْمَقْصُودِ، فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهَا كَالسَّرْجِ (وَلَوْ عَيَّنَهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَكُلُّ مَا يَتَعَيَّنُ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ؛ كَالْمُتَعَيَّنِ فِي الْبَيْعِ، وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ يَجُوزُ إبْدَالُهُ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ. فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَرْمِيَ بِغَيْرِ هَذَا الْقَوْسِ أَوْ بِغَيْرِ هَذَا السَّهْمِ، وَلَا يَرْكَبَ غَيْرَ هَذَا الرَّاكِبِ؛ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ. الشَّرْطُ (الثَّانِي: اتِّحَادُ الْمَرْكُوبَيْنِ) بِالنَّوْعِ فِي الْمُسَابَقَةِ، (أَوْ) اتِّحَادُ (الْقَوْسَيْنِ بِالنَّوْعِ) فِي الْمُنَاضَلَةِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ أَشْبَهَا الْجِنْسَيْنِ؛ (فَلَا يَصِحُّ) السِّبَاقُ بَيْنَ (فَرَسٍ عَرَبِيٍّ وَ) فَرَسٍ (هَجِينٍ) ، وَهُوَ مَا أَبُوهُ فَقَطْ عَرَبِيٌّ، (وَلَا) الْمُنَاضَلَةُ بَيْنَ (قَوْسٍ عَرَبِيَّةٍ) - أَيْ قَوْسِ النَّبْلِ - (وَ) قَوْسٍ (فَارِسِيَّةٍ) - أَيْ قَوْسِ النُّشَّابِ - قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، (وَلَا يُكْرَهُ رَمْيٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 704 بِهَا) - أَيْ: الْقَوْسِ الْفَارِسِيَّةِ نَصًّا - فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ أَنْوَاعُ الْقَوْسِ الَّتِي يَرْمِيَانِ بِهَا فِي الِابْتِدَاءِ؛ لَمْ يَصِحَّ، وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مَعَ رَجُلٍ قَوْسًا فَارِسِيَّةً، فَقَالَ: أَلْقِهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْقِسِيِّ الْعَرَبِيَّةِ وَبِرِمَاحِ الْقَنَا، فَبِهَا يُؤَيِّدُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، وَبِهَا يُمَكِّنُ اللَّهُ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ.» وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَعَنَهَا لِحَمْلِ الْعَجَمِ لَهَا فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا، وَمَنَعَ الْعَرَبَ مِنْ حَمْلِهَا؛ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِهَا. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: تَحْدِيدُ الْمَسَافَةِ مَبْدَأً وَغَايَةً) بِأَنْ يَكُونَ لِابْتِدَاءِ عَدْوِهِمَا وَآخِرِهِ غَايَةٌ لَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْأَسْبَقِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْغَايَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحَيَوَانِ مَا يَقْصُرُ فِي أَوَّلِ عَدْوِهِ، وَيُسْرِعُ فِي آخِرِهِ، وَبِالْعَكْسِ، فَيَحْتَاجُ إلَى غَايَةٍ تَجْمَعُ حَالَيْهِ، فَإِنْ اسْتَبَقَا بِلَا غَايَةٍ لِيَنْظُرَ أَيَّهُمَا يَقِفُ أَوَّلًا؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَقِفَ أَحَدُهُمَا حَتَّى يَنْقَطِعَ فَرَسُهُ، وَيَتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ عَلَى السَّبَقِ فِيهِ، وَأَمَّا فِي الْمُنَاضَلَةِ؛ فَلِأَنَّ الْإِصَابَةَ تَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ؛ فَاعْتُبِرَ تَحْدِيدُ (مَدَى رَمْيٍ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ) ، وَلَا يُعْرَفُ مَدَى الرَّمْيِ إلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ، نَحْوُ مِنْ هُنَا إلَى هُنَا، أَوْ بِالذِّرَاعِ كَمِائَةِ ذِرَاعٍ، (أَوْ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ) ، وَمَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ، (فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ؛ لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِتَعَذُّرِ الْإِصَابَةِ فِيهِ غَالِبًا، وَلِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ بِالرَّمْيِ، قِيلَ إنَّهُ مَا رَمَى أَرْبَعَمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَّا عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ؛ كَمَا لَا يَصِحُّ (تَنَاضُلُهُمَا عَلَى أَنَّ السَّبَقَ لِأَبْعَدِهِمَا رَمْيًا) ؛ لِعَدَمِ تَحْدِيدِ الْغَايَةِ. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: عِلْمُ عِوَضٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فِي عَقْدٍ، فَوَجَبَ الْعِلْمُ بِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَيُعْلَمُ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ الْوَصْفِ أَوْ الْقَدْرِ إذَا كَانَ بِالْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ أَوْ أَغْلَبُ، وَإِلَّا لَمْ يَكْفِ ذِكْرُ الْقَدْرِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِهِ. (وَإِبَاحَتُهُ) - أَيْ: الْعِوَضِ - لِمَا تَقَدَّمَ، (وَهُوَ) - أَيْ بَذْلُ الْعِوَضِ الْمَذْكُورِ - (تَمْلِيكٌ) لِلسَّابِقِ (بِشَرْطِ سَبْقِهِ) ، فَلِهَذَا قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ " فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ: لَا يَصِحُّ. انْتَهَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 705 قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُ جَعَالَةٌ، فَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ مَحْضٍ، (وَيَجُوزُ حُلُولُهُ) - أَيْ: الْعِوَضِ - (وَتَأْجِيلُهُ) كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ؛ كَالثَّمَنِ وَالصَّدَاقِ. الشَّرْطُ (الْخَامِسُ: الْخُرُوجُ) بِالْعِوَضِ (عَنْ شَبَهِ قِمَارٍ) ؛ لِأَنَّ الْقِمَارَ مُحَرَّمٌ، وَهُوَ - بِكَسْرِ الْقَافِ - مَصْدَرُ قَامَرَهُ فَقَمَرَهُ إذَا رَاهَنَهُ فَغَلَبَهُ؛ (بِأَنْ لَا يُخْرِجَ جَمِيعُهُمْ) الْعِوَضَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ؛ فَهُوَ قِمَارٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ، وَمَنْ لَمْ يُخْرِجْ بَقِيَ سَالِمًا مِنْ الْغُرْمِ. (فَإِنْ كَانَ) الْجُعْلُ (مِنْ الْإِمَامِ) مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى أَنْ مَنْ سَبَقَ فَهُوَ لَهُ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً وَحَثًّا عَلَى تَعْلِيمِ الْجِهَادِ وَنَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مُخْتَصٌّ بِالْإِمَامِ؛ لِتَوَلِّيهِ الْوِلَايَةَ؛ (أَوْ) كَانَ الْجُعْلُ مِنْ (غَيْرِهِ) - أَيْ: الْإِمَامِ - عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ، فَهُوَ لَهُ؛ جَازَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَالْقُرْبَةِ؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ سِلَاحًا أَوْ خَيْلًا، (أَوْ) كَانَ الْجُعْلُ (مِنْ أَحَدِهِمَا) - أَيْ الْمُتَسَابِقَيْنِ: - أَوْ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْهُمْ إذَا كَثُرُوا، وَثَمَّ مَنْ لَمْ يُخْرِجْ (عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ أَخَذَهُ؛ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَدَلُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ مِنْ بَعْضِهِمْ، (فَإِنْ جَاءَا) - أَيْ: الْمُتَسَابِقَانِ - مُنْتَهَى الْغَايَةِ (مَعًا؛ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا) مِنْ الْجُعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. (وَإِنْ سَبَقَ مُخْرِجُ) الْعِوَضِ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ (أَحْرَزَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا، كَانَ قِمَارًا. (وَإِنْ سَبَقَ الْآخَرُ) الَّذِي لَمْ يُخْرِجْ؛ (أَحْرَزَ سَبَقَ) - بِفَتْحِ الْبَاءِ - (صَاحِبِهِ) ، فَمَلَكَهُ، وَكَانَ كَسَائِرِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي الْجَعَالَةِ، فَمُلِّكَ فِيهَا كَالْعِوَضِ الْمَجْعُولِ فِي رَدِّ الضَّالَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ؛ فَهُوَ دَيْنٌ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ أَفْلَسَ ضَرَبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، (وَإِنْ أَخْرَجَا) - أَيْ: الْمُتَسَابِقَانِ - (مَعًا؛ لَمْ يَجُزْ) ، تَسَاوَيَا أَوْ تَفَاضَلَا؛ لِأَنَّهُ قِمَارٌ؛ إذْ لَا يَخْلُو كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ (إلَّا بِمُحَلِّلٍ لَا يُخْرِجُ شَيْئًا) ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 706 أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ، فَلَيْسَ قِمَارًا، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ آمِنٌ أَنْ يَسْبِقَ؛ فَهُوَ قِمَارٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَجَعَلَهُ قِمَارًا إذَا أَمِنَ السَّبَقَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُوَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ، وَإِذَا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَسْبِقَ؛ لَمْ يَكُنْ قِمَارًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ مِنْ ذَلِكَ. (وَلَا يَجُوزُ) كَوْنُ مُحَلِّلٍ (أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ) ؛ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ بِهِ قَالَهُ الْآمِدِيُّ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُحَلِّلِ أَنْ يَكُونَ (يُكَافِئُ مَرْكُوبُهُ مَرْكُوبَيْهِمَا) فِي الْمُسَابَقَةِ، (أَوْ) يُكَافِئُ (رَمْيُهُ رَمْيَهُمَا) فِي الْمُنَاضَلَةِ؛ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ. وَ (لَا) يُشْتَرَطُ (تَسَاوِي مَا) - أَيْ: الْعِوَضِ - الَّذِي (أَخْرَجَاهُ، فَإِنْ سَبَقَاهُ) - أَيْ: الْمُخْرِجَانِ - الْمُحَلِّلَ؛ (أَحْرَزَ سَبَقَيْهِمَا) ؛ أَيْ: أَحْرَزَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا أَخْرَجَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا سَابِقَ مِنْهُمَا، وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، (وَلَمْ يَأْخُذَا مِنْهُ) - أَيْ: الْمُحَلِّلِ - (شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمَنْ سَبَقَهُ. (وَإِنْ سَبَقَ) الْمُحَلِّلُ الْمُخْرِجَيْنِ أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا جُعْلَانِ لِمَنْ سَبَقَ، (أَوْ) سَبَقَ (أَحَدُهُمَا) - أَيْ الْمُخْرِجَيْنِ - (أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ) ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، (وَإِنْ سَبَقَا) - أَيْ: الْمُحَلِّلُ وَأَحَدُ الْمُخْرِجَيْنِ - (مَعًا) ؛ بِأَنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا وَالْمُحَلِّلُ مَعًا؛ فَقَدْ أَحْرَزَ السَّابِقُ مِنْهُمَا مَالَ نَفْسِهِ، وَيَكُونُ (سَبَقُ مَسْبُوقٍ بَيْنَهُمَا) - أَيْ بَيْنَ السَّابِقِ وَالْمُحَلِّلِ - (نِصْفَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ اشْتَرَكَا فِي السَّبَقِ، فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي عِوَضِهِ، وَإِنْ جَاءَ الْمُخْرِجَانِ وَالْمُحَلِّلُ الْغَايَةَ دَفْعَةً وَاحِدَةً؛ أَحْرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَقَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ سَابِقٌ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ. (وَإِنْ قَالَ غَيْرُهُمَا) - أَيْ: غَيْرُ الْمُتَسَابِقَيْنِ - وَهُوَ الْمُخْرِجُ لِلْعِوَضِ (مَنْ سَبَقَ) مِنْكُمَا (أَوْ صَلَّى فَلَهُ عَشَرَةٌ؛ لَمْ يَصِحَّ مَعَ اثْنَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِ السَّبَقِ إذَنْ، فَلَا يُحْرَصُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا. (وَإِنْ زَادَ) عَلَى اثْنَيْنِ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا أَوْ مُصَلِّيًا، (أَوْ قَالَ) الْمُخْرِجُ غَيْرُهُمَا: مَنْ سَبَقَ فَلَهُ عَشَرَةٌ، (وَمَنْ صَلَّى) ؛ أَيْ: جَاءَ ثَانِيًا (فَلَهُ خَمْسَةٌ) صَحَّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجْتَهِدُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا؛ لِيُحْرِزَ أَكْثَرَ الْعِوَضَيْنِ، وَسُمِّيَ الثَّانِي مُصَلِّيًا؛ لِأَنَّ رَأْسَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 707 يَكُونُ عِنْدَ صَلَوَيْ الْأَوَّلِ، وَالصَّلَوَانِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ مِنْ جَانِبَيْ الذَّنَبِ، وَفِي الْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَبَقَ أَبُو بَكْرٍ وَصَلَّى عُمَرُ وَخَطَبَتْنَا فِتْنَةٌ وَقَالَ الشَّاعِرُ: إنْ تُبْتَدَرْ غَايَةٌ يَوْمًا لِمَكْرُمَةٍ ... تَلْقَى السَّوَابِقَ فِينَا وَالْمُصَلِّينَا (وَكَذَا) يَصِحُّ إذَا فَاوَتَ الْعِوَضَ (عَلَى التَّرْتِيبِ لِلْأَقْرَبِ) فَالْأَقْرَبِ (لِسَابِقٍ) ؛ بِأَنْ قَالَ: لِلْمُجِلِّي مِائَةٌ، وَلِلْمُصَلِّي سَبْعُونَ، وَلِلتَّالِي ثَمَانُونَ، وَلِلْبَارِعِ سَبْعُونَ، وَلِلْمُرْتَاحِ سِتُّونَ، وَلِلْخَطِّيِّ خَمْسُونَ، وَلِلْعَاطِفِ أَرْبَعُونَ، وَلِلْمُؤَمِّلِ ثَلَاثُونَ، وَلِلَّطِيمِ عِشْرُونَ، وَلِلسُّكَيْتِ عَشَرَةٌ، وَلِلْفِسْكِلِ خَمْسَةٌ (صَحَّ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَطْلُبُ السَّبَقَ، فَيَجُوزُ الْأَكْثَرُ، فَإِذَا فَاتَهُ طَلَبَ مَا يَلِي السَّابِقَ. (وَخَيْلُ الْحَلْبَةِ) - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ - (مُرَتَّبَةٌ) ، وَهِيَ خَيْلٌ تُجْمَعُ لِلسِّبَاقِ مِنْ كُلِّ أَوْبٍ لَا تَخْرُجُ مِنْ إصْطَبْلٍ وَاحِدٍ؛ كَمَا يُقَالُ لِلْفَوْجِ إذَا جَاءُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ لِلنُّصْرَةِ قَدْ أَحْلَبُوا. قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ؛ أَوَّلُهَا. (مُجَلٌّ) بِالْمِيمِ - وَهُوَ السَّابِقُ لِجَمِيعِ خَيْلِ الْحَلْبَةِ (فَمُصَلٍّ) ؛ لِأَنَّ رَأْسَهُ يَكُونُ عِنْدَ صَلَا الْمُجِلِّي، (فَتَالٍ) الثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ يَتْلُو الْمُصَلِّي، (فَبَارِعٌ) الرَّابِعُ، (فَمُرْتَاحٌ) الْخَامِسُ، (فَخَطِّيٌّ) السَّادِسُ وَهُوَ - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ - (فَعَاطِفٌ) السَّابِعُ، (فَمُؤَمَّلٌ) بِوَزْنِ مُعَظَّمٍ الثَّامِنُ، (فَلَطِيمٌ) التَّاسِعُ، (فَسُكَيْتٌ) بِوَزْنِ كُمَيْتٍ، وَقَدْ تُشَدَّدُ يَاؤُهُ، الْعَاشِرُ آخِرُ خَيْلِ الْحَلْبَةِ، (فَفُسْكُلٌ) كَقُنْفُذٍ وَزِبْرِجٍ وَزُنْبُورٍ الَّذِي يَجِيءُ آخِرَ الْخَيْلِ، وَسُمِّيَ الْقَاشُورَ وَالْقَاشِرَ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ صَاحِبُ " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " وَفِي بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ، (فَفِي " الْكَافِي " وَ) تَبِعَهُ فِي (" الْمُطْلِعِ " مُجَلٌّ فَمُصَلٍّ فَتَالٍ فَمُرْتَاحٌ إلَى آخِرِهِ) ، وَقَالَ أَبُو الْغَوْثِ أَوَّلُهَا الْمُجِلِّي وَهُوَ السَّابِقُ، ثُمَّ الْمُصَلِّي، ثُمَّ الْمُسَلِّي، ثُمَّ التَّالِي، ثُمَّ الْعَاطِفُ، ثُمَّ الْمُرْتَاحُ، ثُمَّ الْمُؤَمَّلُ، ثُمَّ الْخَطِّيُّ، ثُمَّ اللَّطِيمُ، ثُمَّ السُّكَيْتُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 708 وَهُوَ الْفِسْكِلُ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَالْفِسْكِلُ اسْمٌ لِلْآخِرِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُسَابَقَةِ بِالْخَيْلِ تَجَوُّزًا، كَمَا رُوِيَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَلَدَتْ عَبْدَ اللَّهِ وَمُحَمَّدًا أَوْ عَوْنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَتْ لَهُ: إنَّ ثَلَاثَةً أَنْتَ آخِرُهُمْ لَأَخْيَارٌ، فَقَالَ لِوَلَدِهَا: فَثَكِلَتْنِي أُمُّكُمْ. (فَإِنْ جَعَلَ) مَنْ أَخْرَجَ الْعِوَضَ (لِمُصَلٍّ أَكْثَرَ مِنْ سَابِقٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَأَنْ جَعَلَ لِلتَّالِي أَكْثَرَ مِنْ الْمُصَلِّي، (أَوْ لَمْ يَجْعَلْ لِمُصَلٍّ شَيْئًا) ، وَجَعَلَ لِلتَّالِي عِوَضًا؛ (لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَلَّا يُقْصَدَ السَّبَقُ، بَلْ يُقْصَدَ التَّالِي؛ فَيَفُوتَ الْمَقْصُودُ. (وَإِنْ قَالَ) مُخْرِجُ الْعِوَضِ (لِعَشَرَةٍ: مَنْ سَبَقَ مِنْكُمْ فَلَهُ عَشَرَةٌ) ؛ صَحَّ، (فَإِنْ جَاءُوا مَعًا؛ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ الْجُعْلُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ. (وَإِنْ سَبَقَ وَاحِدٌ) فَلَهُ الْعَشَرَةُ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِيهِ، أَوْ سَبَقَ اثْنَانِ (فَأَكْثَرُ إلَى تِسْعَةٍ مَعًا) ، وَتَأَخَّرَ أَمَا عَدَا سَبَقٍ فَالْعَشَرَةُ (لَهُمْ) أَيْ لِلِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِيهِمْ، فَكَانَ الْجُعْلُ بَيْنَهُمْ؛ كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ فَلَهُ كَذَا، فَرَدَّتْ تِسْعَةٌ، فَلَهُمْ الْعَشَرَةُ؛ لِحُصُولِ رَدِّهِ مِنْ الْكُلِّ، وَيَصِيرُ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَإِنْ قَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ وَاحِدًا؛ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ سَلَبُ قَتِيلِهِ كَامِلًا، وَإِنْ قَتَلَ الْجَمَاعَةُ وَاحِدًا فَلِجَمِيعِهِمْ سَلَبٌ وَاحِدٌ، وَهَا هُنَا كُلُّ وَاحِدٍ لَهُ سَبَقٌ مُفْرَدٌ، فَكَانَ الْجُعْلُ لَهُ كَامِلًا. فَلَوْ قَالَ: مَنْ سَبَقَ فَلَهُ عَشَرَةٌ، وَمَنْ صَلَّى فَلَهُ خَمْسَةٌ، فَسَبَقَ خَمْسَةٌ، وَصَلَّى خَمْسَةٌ؛ فَلِلسَّابِقِينَ عَشَرَةٌ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمَانِ وَلِلْمُصَلِّينَ خَمْسَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمٌ. (وَيَصِحُّ عَقْدٌ لَا شَرْطٌ) ، فَيَلْغُو (فِي) قَوْلِ أَحَدِ الْمُتَسَابِقَيْنِ لِلْآخَرِ: (إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ كَذَا، وَلَا أَرْمِي أَبَدًا، أَوْ) لَا أَرْمِي (شَهْرًا) وَنَحْوَهُ؛ كَأَنْ شَرَطَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا الْفَسْخَ مَتَى شَاءَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، وَأَشْبَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 709 هَذَا؛ فَهَذِهِ شُرُوطٌ بَاطِلَةٌ فِي نَفْسِهَا، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ، فَإِذَا حُذِفَ الزَّائِدُ الْفَاسِدُ بَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا، (أَوْ) شَرَطَ الْمُتَسَابِقَانِ (أَنَّ السَّابِقَ يُطْعِمُ السَّبَقَ) - بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ الْجُعْلَ - (أَصْحَابَهُ أَوْ) يُطْعِمُهُ بَعْضَهُمْ، أَوْ يُطْعِمُهُ (غَيْرَهُمْ) ؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَلَى عَمَلٍ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُ الْعَامِلِ؛ كَالْعِوَضِ فِي رَدِّ الْآبِقِ، وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ. [تَتِمَّةٌ فِيمَا لَوْ فسد مَوْضِعٍ الْمُسَابَقَةُ] تَتِمَّةٌ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ فَسَدَتْ الْمُسَابَقَةُ، فَإِنْ كَانَ السَّابِقُ الْمُخْرِجَ أَمْسَكَ سَبَقَهُ، وَإِنْ كَانَ الْآخِرُ فَلَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَاسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ. [فَصْلٌ الْمُسَابَقَةُ جَعَالَةٌ] (فَصْلٌ: وَالْمُسَابَقَةُ جَعَالَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَا لَا تَتَحَقَّقُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَكَانَ جَائِزًا؛ كَرَدِّ الْآبِقِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْإِصَابَةِ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْإِجَارَةَ (لَا يُؤْخَذُ بِعِوَضِهَا رَهْنٌ وَلَا كَفِيلٌ) ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ. (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (فَسْخُهَا) قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمُسَابَقَةِ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الزِّيَادَةَ فِيهَا وَالنُّقْصَانَ مِنْهَا؛ لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ إجَابَتُهُ، وَيَصِحُّ الْفَسْخُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، (مَا لَمْ يَظْهَرْ) عَلَى أَحَدِهِمَا (الْفَضْلُ لِصَاحِبِهِ) مِثْلُ أَنْ يَسْبِقَهُ بِفَرَسِهِ فِي بَعْضِ الْمَسَافَةِ، أَوْ يُصِيبَ بِسِهَامِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنْ ظَهَرَ فَضْلٌ (فَيَمْتَنِعُ) الْفَسْخُ (عَلَيْهِ) - أَيْ: الْمَفْضُولِ - (فَقَطْ) دُونَ الْفَاضِلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لِلْمَفْضُولِ ذَلِكَ لَفَاتَ غَرَضُ الْمُسَابَقَةِ، فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ. (وَتَبْطُلُ) الْمُسَابَقَةُ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) - أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ - كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، (أَوْ) بِمَوْتِ (أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ) أَوْ الرَّامِيَيْنِ؛ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِعَيْنِ الْمَرْكُوبِ وَالرَّامِي، وَلَا يَقُومُ وَارِثُ الْمَيِّتِ مَقَامَهُ، وَلَا يُقِيمُ الْحَاكِمُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهَا انْفَسَخَتْ بِمَوْتِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 710 وَ (لَا) تَبْطُلُ بِمَوْتِ (أَحَدِ الرَّاكِبَيْنِ أَوْ تَلَفِ أَحَدِ الْقَوْسَيْنِ) ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بِتَلَفِهِ؛ كَمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ (وَ) يَحْصُلُ (سَبَقٌ فِي خَيْلٍ مُتَمَاثِلَتَيْ الْعُنُقِ بِرَأْسٍ، وَفِي مُخْتَلِفَيْهِمَا) - أَيْ: الْعُنُقَيْنِ بِكَتِفٍ - (وَ) فِي (إبِلٍ بِكَتِفٍ) ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالرَّأْسِ هُنَا مُتَعَذِّرٌ، فَإِنَّ طَوِيلَ الْعُنُقِ قَدْ يَسْبِقُ رَأْسُهُ لِطُولِ عُنُقِهِ، لَا بِسُرْعَةِ عَدْوِهِ، وَفِي الْإِبِلِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَفِيهَا مَا يَمُدُّ عُنُقَهُ، فَرُبَّمَا سَبَقَ رَأْسُهُ لِمَدِّ عُنُقِهِ لَا بِسَبْقِهِ، فَإِنْ سَبَقَ رَأْسُ قَصِيرِ الْعُنُقِ فَقَدْ سَبَقَ بِالضَّرُورَةِ، وَإِنْ سَبَقَ رَأْسُ طَوِيلِ الْعُنُقِ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَيْنَهُمَا فِي طُولِ الْعُنُقِ؛ فَقَدْ سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِهِ فَلَا سَبْقَ، وَبِأَقَلَّ فَالْآخِرُ سَابِقٌ (وَإِنْ شَرَطَ الْمُتَسَابِقَانِ) السَّبَقَ بِغَيْرِ ذَلِكَ؛ كَأَنْ شَرَطَاهُ بِأَقْدَامٍ مَعْلُومَةٍ؛ (لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ، وَلَا يَقِفُ الْفَرَسَانِ عِنْدَ الْغَايَةِ بِحَيْثُ يُعْرَفُ مَسَافَةُ مَا بَيْنَهُمَا (وَتُصَفُّ الْخَيْلُ فِي ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ صَفًّا وَاحِدًا، ثُمَّ يَقُولُ مُرَتِّبُهَا: هَلْ مِنْ مُصْلِحٍ لِلِّجَامِ أَوْ حَامِلٍ لِغُلَامٍ أَوْ طَارِحٍ لِجَلٍّ؟ فَإِذَا لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ خَلَّاهَا) - أَيْ: أَرْسَلَهَا - (عِنْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الثَّالِثَةِ) ؛ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، عَنْ عَلِيٍّ: " قَدْ جَعَلْتُ لَكَ هَذِهِ السِّبْقَةَ بَيْنَ النَّاسِ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ، فَدَعَا سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إنِّي قَدْ جَعَلْتُ إلَيْكَ مَا جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُنُقِي مِنْ هَذِهِ السِّبْقَةِ فِي عُنُقِكَ، فَإِذَا أَتَيْتَ الْمِيطَانَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمِيطَانُ مُرْسِلُهَا مِنْ الْغَايَةِ، فَصُفَّ الْخَيْلَ، ثُمَّ نَادِ هَلْ مِنْ مُصْلِحٍ لِلِجَامٍ أَوْ حَامِلٍ لِغُلَامٍ أَوْ طَارِحٍ لِجَلٍّ؟ فَإِذَا لَمْ يُجِبْكَ أَحَدٌ، فَكَبِّرْ ثَلَاثًا؛ ثُمَّ خَلِّهَا عِنْدَ الثَّالِثَةِ، فَيُسْعِدُ اللَّهُ بِسَبَقِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ " وَكَانَ عَلِيٌّ يَقْعُدُ عِنْدَ مُنْتَهَى الْغَايَةِ يَخُطُّ خَطًّا، وَيُقِيمُ رَجُلَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ عِنْدَ طَرَفَيْ الْخَطِّ بَيْنَ إبْهَامَيْ أَرْجُلِهِمَا، وَتَمُرُّ الْخَيْلُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِيَعْرِفَ السَّابِقَ، وَيَقُولُ لَهُمَا: إذَا خَرَجَ أَحَدُ الْفَرَسَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِطَرَفِ أُذُنَيْهِ أَوْ أُذُنٍ أَوْ عِذَارٍ فَاجْعَلُوا السِّبْقَةَ لَهُ، فَإِذَا شَكَكْتُمَا فَاجْعَلُوا أَسْبَقَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ". وَهَذَا الْأَدَبُ الَّذِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 711 ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِرْسَالِ وَانْتِهَاءِ الْغَايَةِ مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي هَذَا مَعَ كَوْنِهِ مَرْوِيًّا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَضِيَّةٍ أَمَرَهُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَوَّضَهَا إلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُتَّبَعَ وَيُعْمَلَ بِهَا. (فَيُشْتَرَطُ) فِي الْمُسَابَقَةِ بِعِوَضٍ (أَنْ يَكُونَ الْإِرْسَالُ دَفْعَةً وَاحِدَةً) ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُرْسِلَ قَبْلَ الْآخَرِ، (وَيَكُونُ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ) - أَيْ: أَوَّلِ الْمُسَابَقَةِ - (مَنْ يَرْقُبُهَا) ؛ أَيْ: يُشَاهِدُ إرْسَالَهَا عِنْدَ أَوَّلِ الْمَسَافَةِ، كَمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ (عِنْدَ الِانْتِهَاءِ) ؛ أَيْ: انْتِهَاءِ الْغَايَةِ مَنْ يَضْبِطُ السَّابِقَ مِنْهُمَا؛ لِئَلَّا يَخْتَلِفَا فِي ذَلِكَ. (وَحَرُمَ أَنْ يُجَنِّبَ أَحَدُهُمَا) - أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ - (مَعَ فَرَسِهِ) ؛ أَيْ: بِجَانِبِهِ فَرَسًا لَا رَاكِبَ عَلَيْهِ، (أَوْ) يُجَنِّبَ (وَرَاءَهُ فَرَسًا) لَا رَاكِبَ عَلَيْهِ (يُحَرِّضُهُ) ؛ أَيْ: يُحَرِّضُ الَّذِي تَحْتَهُ (عَلَى الْعَدْوِ) ، وَيَحُثُّهُ عَلَيْهِ، (أَوْ يَصِيحُ بِهِ وَقْتَ سِبَاقِهِ لِحَدِيثٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا جَلَبَ وَلَا جَانِبَ فِي الرِّهَانِ» . وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَجْلَبَ عَلَى الْخَيْلِ يَوْمَ الرِّهَانِ فَلَيْسَ مِنَّا» وَالْجَلَبُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاللَّامِ - وَهُوَ الزَّجْرُ لِلْفَرَسِ وَالصِّيَاحُ عَلَيْهِ حَثًّا لَهُ عَلَى الْجَرْيِ. . [فَصْلٌ فِي الْمُنَاضَلَةِ] (فَصْلٌ) : فِي الْمُنَاضَلَةِ مِنْ النَّضْلِ يُقَالُ: نَاضَلَهُ نِضَالًا وَمُنَاضَلَةً، وَسُمِّيَ الرَّمْيُ نَضْلًا؛ لِأَنَّ السَّهْمَ التَّامَّ يُسَمَّى نَضْلًا فَالرَّمْيُ بِهِ عَمَلٌ بِالنَّضْلِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} [يوسف: 17] وَقُرِئَ نَنْتَضِلُ، وَالسُّنَّةُ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ، وَحُكْمُ الْمُنَاضَلَةِ فِي الْعِوَضَيْنِ حُكْمُ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَتَصِحُّ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَبَيْنَ حِزْبَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَشَرْطُ الْمُنَاضَلَةِ) زِيَادَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ شُرُوطٌ (أَرْبَعَةٌ) أَحَدُهَا: (كَوْنُهَا عَلَى مَنْ يُحْسِنُ الرَّمْيَ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ بِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 712 وَمَنْ لَا حِذْقَ لَهُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ؛ (فَتَبْطُلُ) الْمُنَاضَلَةُ بَيْنَ حِزْبَيْنِ، إذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ مَنْ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ (فِيمَنْ لَا يُحْسِنُهُ مِنْ أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ، وَيَخْرُجُ مِثْلُهُ) - أَيْ: مَنْ جُعِلَ بِإِزَائِهِ - (مِنْ) الْحِزْبِ (الْآخَرِ) إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّيِّسَيْنِ يَخْتَارُ إنْسَانًا وَالْآخَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ آخَرُ، فَمَنْ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ؛ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَأُخْرِجَ مُقَابِلُهُ؛ كَالْبَيْعِ إذَا بَطَلَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ سَقَطَ مَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ. (وَلَهُمْ) - أَيْ: لِكُلِّ حِزْبٍ الْفَسْخُ إنْ أَحَبُّوا؛ لِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِمْ. (وَإِنْ تَعَاقَدُوا) ؛ أَيْ: عَقَدُوا النِّضَالَ (لِيَقْتَسِمُوا بَعْدَ الْعَقْدِ حِزْبَيْنِ) ؛ أَيْ: لِيُعَيِّنَ رَئِيسُ كُلِّ حِزْبٍ مَنْ مَعَهُ بِرِضَاهُمْ (لَا بِقُرْعَةٍ؛ صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ قَدْ تَقَعُ عَلَى الْحُذَّاقِ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ وَعَلَى الْكَوَادِنِ فِي الْآخَرِ؛ فَيَبْطُلُ مَقْصُودُ النِّضَالِ، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تُخْرِجُ الْمُبْهَمَاتُ، وَالْعَقْدُ لَا يَتِمُّ حَتَّى يَتَمَيَّزَ كُلُّ حِزْبٍ. (وَ) شُرِطَ أَنْ (يُجْعَلَ لِكُلِّ حِزْبٍ رَئِيسٌ، فَيَخْتَارُ أَحَدُهُمَا) - أَيْ: أَحَدُ الرَّئِيسَيْنِ (وَاحِدًا) مِنْ الرُّمَاةِ، ثُمَّ يَكُونُ مَعَهُ، (ثُمَّ) يَخْتَارُ الرَّئِيسُ (الْآخَرُ) مِنْ الرَّئِيسَيْنِ (آخَرَ) مِنْ الرُّمَاةِ (حَتَّى يُقْرِعَهُ) ، فَيَتِمُّ الْعَقْدُ عَلَى الْمُعَيَّنَيْنِ بِالِاخْتِيَارِ إذَنْ، وَلَا يَجُوزُ اخْتِيَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ يَبْعُدُ مِنْ التَّسَاوِي وَالْعَدْلِ. (وَإِنْ تَشَاحَّا فِيمَنْ يَبْدَأُ) مِنْ الرَّئِيسَيْنِ (بِالْخِيَرَةِ؛ اقْتَرَعَا) ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ اخْتَارَ أَوَّلًا؛ إذْ الْقُرْعَةُ تُمَيِّزُ الْمُسْتَحِقَّ، بَعْدَ ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَتَسَاوِي أَهْلِهِ. (وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ رَئِيسِ الْحِزْبَيْنِ وَاحِدًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ أَيْ الْحِزْبَيْنِ سَبَقَ لِتَقْدِيرِهِ لَهُمَا، فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْمُنَاضَلَةِ (وَلَا) يَجُوزُ جَعْلُ (الْخِيَرَةِ فِي تَمْيِيزِهِمْ) - أَيْ: الْحِزْبَيْنِ - إلَيْهِ - أَيْ إلَى وَاحِدٍ - لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ أَرَادُوا الْقُرْعَةَ لِإِخْرَاجِ الرَّئِيسَيْنِ؛ جَازَ لِقِلَّةِ الْغَرَرِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَخْتَارَ جَمِيعَ حِزْبِهِ وَلَا؛ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ لَهُ بِلَا مُرَجِّحٍ؛ وَيُفْضِي إلَى عَدَمِ التَّسَاوِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 713 (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِلْمُنَاضَلَةِ (اسْتِوَاءُ عَدَدِ رُمَاةِ كُلِّ حِزْبٍ) ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ عَشَرَةً وَالْآخَرُ ثَمَانِيَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ صَحَّ، وَإِنْ بَانَ بَعْضُ الْحِزْبِ كَثِيرَ الْإِصَابَةِ أَوْ عَكْسَهُ، فَادَّعَى الْحِزْبُ الْآخَرُ ظَنَّ خِلَافِهِ؛ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ دُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ دُونَ الْحِذْقِ؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ، فَبَانَ حَاذِقًا أَوْ نَاقِصًا؛ لَمْ يُؤَثِّرْ. الشَّرْطُ (الثَّانِي مَعْرِفَةُ عَدَدِ الرَّمْيِ وَ) مَعْرِفَةُ عَدَدِ (الْإِصَابَةِ) ؛ لِتَبَيُّنِ مَقْصُودِ الْمُنَاضَلَةِ، وَهُوَ الْحِذْقُ (فَيُقَالُ مَثَلًا: الرِّشْقُ) - بِكَسْرِ الرَّاءِ -: وَهُوَ عَدَدُ الرَّمْيِ، وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يَخُصُّونَهُ فِيمَا بَيْنَ الْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ، وَبِفَتْحِهَا الرَّمْيُ، وَهُوَ مَصْدَرُ رَشَقْتُ الشَّيْءَ رَشْقًا قَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ: الرَّشْقُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ -: الرَّمْيُ نَفْسُهُ، وَالرَّشْقُ الْوَجْهُ مِنْ الرَّمْيِ إذَا رَمَى الْقَوْمُ بِأَجْمَعِهِمْ جَمِيعَ السِّهَامِ، وَقِيلَ: الرَّشْقُ: السِّهَامُ نَفْسُهَا، وَكَذَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُطْلِعِ " عَنْ الْأَزْهَرِيِّ: الرِّشْقُ - بِكَسْرِ الرَّاءِ -: عَدَدُ الرَّمْيِ، وَاشْتِرَاطُ الْعِلْمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْهُولًا أَفْضَى إلَى الِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُرِيدُ الْقَطْعَ، وَالْآخَرُ يُرِيدُ الزِّيَادَةَ، وَلَيْسَ لِلرِّشْقِ عَدَدٌ مَعْلُومٌ، فَأَيَّ عَدَدٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ (عِشْرُونَ وَالْإِصَابَةُ خَمْسَةٌ) وَنَحْوُهُ كَسِتَّةٍ، أَوْ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، (وَسَوَاءٌ اسْتَوَى) الْمُتَنَاضَلَيْنِ (فِي عَدَدِ رَمْيٍ وَ) عَدَدِ (إصَابَةٍ وَ) فِي (صِفَتِهَا) ؛ أَيْ: الْإِصَابَةِ مِنْ خَوَارِقَ وَنَحْوِهَا وَسَائِرِ أَحْوَالِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ، فَاعْتُبِرَتْ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْحَيَوَانِ، (فَإِنْ جَعَلَ) الْمُتَنَاضِلَانِ (رَمْيَ أَحَدِهِمَا عَشَرَةً) ، وَرَمْيَ (الْآخَرِ أَكْثَرَ) ؛ كَعِشْرِينَ مَثَلًا، (أَوْ أَقَلَّ) كَخَمْسَةٍ، (أَوْ) شَرَطَا (أَنْ يُصِيبَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةً، وَ) أَنْ يُصِيبَ (الْآخَرُ سِتَّةً، أَوْ) شَرَطَا إصَابَةَ أَحَدِهِمَا (خَوَاسِقُ؛ وَالْآخَرُ خَوَاصِلُ، أَوْ) شَرَطَا أَنْ (يَحُطَّ أَحَدُهُمَا مِنْ إصَابَتِهِ سَهْمَيْنِ بِسَهْمٍ مِنْ إصَابَةِ الْآخَرِ، أَوْ) شَرَطَا أَنْ (يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا مِنْ بُعْدٍ، وَ) يَرْمِيَ (الْآخَرُ مِنْ قُرْبٍ، أَوْ) أَنْ (يَرْمِيَ) أَحَدُهُمَا (وَبَيْنَ أَصَابِعِهِ سَهْمٌ، وَالْآخَرُ) بَيْنَ أَصَابِعِهِ (سَهْمَانِ، أَوْ) أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا وَ (عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 714 شَاغِلٌ، (وَالْآخَرُ بِدُونِهِ) - أَيْ: الشَّاغِلِ - (وَنَحْوِهِ مِمَّا تَفُوتُ بِهِ الْمُسَاوَاةُ) ؛ كَأَنْ شَرَطَا أَنْ يُحَطَّ عَنْ أَحَدِهِمَا وَاحِدًا مِنْ خُطَّابِهِ لَا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ؛ (لَمْ تَصِحَّ) ؛ لِمُنَافَاتِهِ لِمَوْضُوعِ الْمُسَابَقَةِ، وَإِذَا عَقَدَا، أَوْ لَمْ يَذْكُرَا أَقْوَاسًا؛ صَحَّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ تَبَيُّنُ كَوْنِهِ) - أَيْ: الرَّمْيِ - (مُفَاضَلَةً) وَمُحَاطَّةٍ وَمُبَادَرَةً؛ لِأَنَّ غَرَضَ الرُّمَاةِ يَخْتَلِفُ، فَمِنْهُمْ مَنْ إصَابَتُهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الِانْتِهَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِالْعَكْسِ، فَوَجَبَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَا دَخَلَ فِيهِ (فَالْمُفَاضَلَةُ؛ كَقَوْلِهِمْ أَيُّنَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِخَمْسِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةٍ؛ فَقَدْ سَبَقَ) ، فَأَيُّهُمَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ؛ فَهُوَ السَّابِقُ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَيَلْزَمُ فِيهَا إتْمَامُ الرَّمْيِ إنْ كَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ، أَوْ تَبَيُّنُ كَوْنِ الرَّمْيِ (مُبَادَرَةً كَأَيِّنَا سَبَقَ إلَى خَمْسِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً؛ فَقَدْ سَبَقَ) وَنَحْوُهُ، فَإِذَا رَمَيَا عَشَرَةً عَشَرَةً، فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسًا، وَلَمْ يُصِبْ الْآخَرُ خَمْسًا؛ فَمُصِيبُ الْخَمْسِ هُوَ السَّابِقُ أَصَابَ الْآخَرُ مَا دُونَهَا أَوْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا. (وَلَا يَلْزَمُ إنْ سَبَقَ إلَيْهَا) - أَيْ: الْخَمْسَةِ - (وَاحِدٌ، وَلَوْ أَصَابَ الْآخَرُ أَرْبَعًا إتْمَامُ الرَّمْيِ) عِشْرِينَ؛ لِأَنَّ السَّبَقَ قَدْ صَارَ لِلسَّابِقِ، وَإِنْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَشْرِ خَمْسًا؛ فَلَا سَابِقَ فِيهِمَا، وَلَا يُكْمِلَانِ الرَّشْقَ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ قَدْ وُجِدَتْ، وَاسْتَوَيَا فِيهَا، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى بَقِيَ مِنْ عَدَدِ الرَّمْيِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْبِقَ بِهِ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، أَوْ يُسْقِطَ بِهِ سَبَقَ صَاحِبِهِ؛ لَزِمَ الْإِتْمَامُ؛ إلَّا فَلَا، (أَوْ) تَبَيَّنَ كَوْنُ الرَّمْيِ (مُحَاطَّةً؛ بِأَنْ) اشْتَرَطَا أَنْ (يَحُطَّ مَا تَسَاوَيَا فِيهِ مِنْ إصَابَةٍ مَنْ رَمْيٍ مَعْلُومٍ مَعَ تُسَاوِيهِمَا فِي عَدَدِ الرَّمَيَاتِ؛ فَأَيُّهُمَا فَضَلَ) صَاحِبَهُ (بِإِصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدْ سَبَقَ) ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُفَاضَلَةِ وَالْمُحَاطَّةُ؛ أَنَّ الْمُحَاطَّةَ تُقَدَّرُ فِيهَا الْإِصَابَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، بِخِلَافِ الْمُفَاضَلَةِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ " فَالْمُفَاضَلَةُ اشْتِرَاطُ إصَابَةِ عَدَدٍ مِنْ عَدَدٍ فَوْقَهُ كَإِصَابَةِ عَشَرَةٍ مِنْ عِشْرِينَ عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَا رَمْيَهُمَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْإِصَابَةِ أَحْرَزَا سَبَقَهُمَا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 715 وَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا تِسْعَةً وَالْآخَرُ عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ؛ فَقَدْ فَضَلَ. وَالْمُحَاطَّةُ أَنْ يَشْتَرِطَا حَطَّ مَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ مِنْ الْإِصَابَةِ فِي رَشْقٍ مَعْلُومٍ، فَإِذَا فَضَلَ أَحَدُهُمَا بِإِصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدْ سَبَقَ، وَجَعَلَ فِي الْإِقْنَاعِ " الْمُفَاضَلَةَ هِيَ الْمُحَاطَّةُ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (فَإِنْ أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ) فِي الْمُفَاضَلَةِ، (أَوْ قَالَا) ؛ أَيْ: شَرَطَا أَنَّهَا (خواصل) - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ - (تَنَاوَلَهَا) ؛ أَيْ: تَنَاوَلَ اللَّفْظُ الْإِصَابَةَ (عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ) . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُقَالُ خُصِلَتْ مُنَاضِلِي خَصْلَةً وَخَصْلًا، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْفَرْعَ وَالْقَرْطَسَةَ، يُقَالُ قَرْطَسَ إذَا أَصَابَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الْإِصَابَةِ، لَكِنْ يُسَنُّ (وَإِنْ قَالَا) ؛ أَيْ: اشْتَرَطَا أَنْ الْإِصَابَةَ (خَوَاسِقُ) - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ - (أَوْ) شَرَطَا (خَوَازِقَ - بِالزَّايِ - أَوْ) شَرَطَا (مُقَرْطِسَ) ، وَهِيَ (مَا خَرَقَ الْغَرَضَ وَثَبَتَ فِيهِ) . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ: الْخَوَازِقُ: بِالزَّايِ لُغَةً فِي الْخَاسِقِ، فَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ وَالْمُقَرْطِسُ بِمَعْنَى الْحَازِقِ، (أَوْ) شَرَطَا أَنْ الْإِصَابَةَ (خَوَارِقُ - بِالرَّاءِ - أَوْ مُوَارَقُ) ، وَهِيَ (مَا خَرَقَهُ) - أَيْ: الْغَرَضَ - (وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ، أَوْ) اشْتَرَطَا أَنَّهَا (خَوَاصِرُ) ، وَهِيَ (مَا وَقَعَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ) - أَيْ: الْغَرَضِ - وَمِنْهُ قِيلَ الْخَاصِرَةُ؛ لِأَنَّهَا فِي جَانِبِ الْإِنْسَانِ، (أَوْ) اشْتَرَطَا أَنَّهَا (خَوَارِمُ) ، وَهِيَ (مَا خَرَمَ جَانِبَهُ) . أَيْ: الْغَرَضِ - (أَوْ) اشْتَرَطَا أَنَّهَا (حَوَابِّي) - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَهِيَ (مَا وَقَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ وَثَبَ إلَيْهِ) - أَيْ: الْغَرَضِ - وَمِنْهُ يُقَالُ حَبَا الصَّبِيُّ. فَبِأَيِّ صِفَةٍ قَيَّدَ الْمُتَنَاضِلُونَ الْإِصَابَةَ تَقَيَّدَتْ بِهَا؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، فَوَجَبَ أَنْ تَتَقَيَّدَ بِهِ ضَرُورَةُ الْوَفَاءِ بِمُوجِبِهِ، وَحَصَلَ السَّبَقُ بِإِصَابَةِ ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ عَلَى مَا قَيَّدُوا بِهِ، (أَوْ شَرَطَا إصَابَةَ مَوْضِعٍ مِنْهُ كَدَائِرَتِهِ) - أَيْ: الْغَرَضِ - (تَقَيَّدَتْ) الْمُنَاضَلَةُ (بِهِ) - أَيْ: بِمَا شَرَطَاهُ - لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَتَقَيَّدَ الْمُنَاضَلَةُ بِهِ تَحْصِيلًا لِلْغَرَضِ. وَإِنْ شَرَطَا الْخَوَاسِقَ وَالْحَوَابِيَ مَعًا؛ صَحَّ؛ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 716 (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ إصَابَةٍ نَادِرَةٍ كَتِسْعَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ وُجُودِهَا، فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ، وَلَا يَصِحُّ تَنَاضُلُهُمَا عَلَى أَنَّ السَّبَقَ لِأَبْعَدِهِمَا رَمْيًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الرَّمْيِ الْإِصَابَةُ، لَا مِنْ بُعْدِ الرَّمْيِ، وَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ خواصل فَأَصَابَ الْغَرَضَ بِنَصْلِ السَّهْمِ؛ حُسِبَ لَهُ كَيْفَ كَانَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْخَاصِلَ الَّذِي أَصَابَ الْقِرْطَاسَ، فَإِنْ أَصَابَ السَّهْمُ الْغَرَضَ بِعَرْضِهِ أَوْ بِفَوْقِهِ وَهُوَ مَا يُوضَعُ فِيهِ الْوَتَرُ، نَحْوُ أَنْ يَنْقَلِبَ السَّهْمُ بَيْنَ يَدَيْ الْغَرَضِ، فَيُصِيبُ فَوْقُهُ الْغَرَضَ، أَوْ انْقَطَعَ السَّهْمُ قِطْعَتَيْنِ فَأَصَابَتْ الْقِطْعَةُ الْأُخْرَى الْغَرَضَ؛ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ إصَابَةً. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْغَرَضِ، وَهُوَ مَا يُرْمَى طُولًا وَعَرْضًا وَسُمْكًا وَارْتِفَاعًا مِنْ الْأَرْضِ) بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ؛ لِاخْتِلَافِ الْإِصَابَةِ بِصِغَرِهِ وَكِبَرِهِ، وَغِلَظِهِ وَرِقَّتِهِ، وَارْتِفَاعِهِ وَانْخِفَاضِهِ، وَالْغَرَضُ: مَا تُقْصَدُ إصَابَتُهُ بِالرَّمْيِ، وَهُوَ مَا يُنْصَبُ فِي الْهَدَفِ مِنْ قِرْطَاسٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهَا. سُمِّيَ غَرَضًا؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ، وَيُسَمَّى شَارَةً وَشَنًّا. وَفِي الْقَامُوسِ الْقِرْطَاسُ كُلُّ أَدِيمٍ يُنْصَبُ لِلنِّضَالِ، وَالْهَدَفُ مَا يُنْصَبُ الْغَرَضُ عَلَيْهِ إمَّا تُرَابٌ مَجْمُوعٌ أَوْ حَائِطٌ أَوْ غَيْرُهُمَا كَخَشَبَةٍ وَحَجَرٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ النِّضَالِ ذِكْرُ الْمُبْتَدِئِ مِنْهُمَا بِالرَّمْيِ، خِلَافًا لِلتَّرْغِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ الرُّمَاةِ يَخْتَارُ التَّأَخُّرَ، فَإِنْ ذُكِرَ الْمُبْتَدِئُ كَانَ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنَا الْمُبْتَدِئَ عِنْدَ الْعَقْدِ، ثُمَّ تَرَاضَيَا بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا. (وَإِنْ تَشَاحَّا) - أَيْ: الْمُتَنَاضِلَانِ - (فِي الِابْتِدَاءِ) - بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا بِالرَّمْيِ - (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْتَدِئَ أَحَدُهُمَا بِالرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ رَمَيَا مَعًا أَفْضَى إلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَمْ يُعْرَفْ الْمُصِيبُ مِنْهُمَا، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَصِيرَ إلَى الْقُرْعَةِ، لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ بَدَأَ بِالرَّمْيِ. (وَسُنَّ تَعْيِينُ بَادٍ عِنْدَ عَقْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ، (فَإِنْ بَادَرَ غَيْرُ الْأَحَقِّ فَرَمَى؛ فَرَمْيُهُ عَبَثٌ) لَمْ يُعْتَدَّ لَهُ سَهْمُهُ أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 717 «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . (وَيَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَا) - أَيْ: الْمُتَنَاضِلَانِ - (سَهْمًا سَهْمًا، وَ) أَنْ يَرْمِيَا (خَمْسًا خَمْسًا، وَأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (جَمِيعَ الرَّشْقِ) . وَإِنْ شَرَطَا شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَطْلَقَا تَرَاسَلَا سَهْمًا؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ. (وَإِذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا فِي وَجْهٍ) هُوَ رَمْيُ الْقَوْمِ بِأَجْمَعِهِمْ جَمِيعَ السِّهَام، (بَدَأَ الْآخَرُ فِي) الْوَجْهِ (الثَّانِي) تَعْدِيلًا بَيْنَهُمَا، (فَإِنْ شَرَطَا الْبُدَاءَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي كِلَا الْوُجُوهِ) ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُنَاضَلَةِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَهَذَا تَفَاضُلٌ. (وَإِنْ فَعَلَاهُ) أَيْ الْبَدْءَ فِي الرَّمْيِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ (بِرِضَاهُمَا؛ صَحَّ؛) لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْإِصَابَةِ وَلَا فِي جَوْدَةِ الرَّمْيِ، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَبْدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ؛ جَازَ لِتَسَاوِيهِمَا، وَإِنْ اشْتَرَطَا أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا رَشْقَةً، ثُمَّ يَرْمِيَ الْآخَرُ رَشْقَةً؛ جَازَ، أَوْ اشْتَرَطَا أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا عَدَدًا، ثُمَّ يَرْمِيَ الْآخَرُ مِثْلَهُ؛ جَازَ، وَعُمِلَ بِهِ: لِحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . (وَسُنَّ جَعْلُ غَرَضَيْنِ) فِي الْمُنَاضَلَةِ (يَرْمِيَانِ) ؛ أَيْ: يَرْمِي الرَّسِيلَانِ (أَحَدَهُمَا) - أَيْ: أَحَدَ الْغَرَضَيْنِ - (ثُمَّ يَمْضِيَانِ إلَيْهِ) - أَيْ: الْغَرَضِ - (فَيَأْخُذَانِ السِّهَامَ، وَيَرْمِيَانِ) الْغَرَضَ (الْآخَرَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ فِعْلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَيُرْوَى) عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» وَقَالَ إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: رَأَيْت حُذَيْفَةَ يَشْتَدُّ بَيْنَ الْهَدَفَيْنِ يَقُولُ أَنَا بِهَا فِي قَمِيصٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِثْلُهُ وَيُرْوَى أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَشْتَدُّونَ بَيْنَ الْأَغْرَاضِ يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ كَانُوا رُهْبَانًا - أَيْ: عُبَّادًا - وَإِذَا كَانَ غَرَضًا (فَبَدَأَ أَحَدُهُمَا بِغَرَضٍ بَدَأَ الْآخَرُ) بِالْغَرَضِ (الثَّانِي) ؛ لِحُصُولِ التَّعَادُلِ، وَإِنْ جَعَلُوا غَرَضًا وَاحِدًا؛ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَإِذَا تَشَاحَّا فِي مَوْضِعِ الْوَقْفِ هَلْ هُوَ عَنْ يَمِينِ الْغَرَضِ أَوْ يَسَارِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي طَلَبَهُ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِثْلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 718 أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ الْمَوْقِفَيْنِ يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ، أَوْ يَسْتَقْبِلُ رِيحًا يُؤْذِيهِ اسْتِقْبَالُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَالْآخَرُ يَسْتَدْبِرُهَا؛ قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ اسْتِدْبَارَهَا؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهُمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي شَرْطِ الْمُنَاضَلَةِ اسْتِقْبَالُ ذَلِكَ؛ فَالشَّرْطُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ؛ لِدُخُولِهِمْ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّمْيِ لَيْلًا؛ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ الْمَوْقِفَانِ سَوَاءً فِي اسْتِدْبَارِ الشَّمْسِ كَانَ الْوُقُوفُ إلَى الَّذِي يَبْدَأُ فَيَتْبَعُهُ الْآخَرُ، فَإِذَا صَارَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَقَفَ الثَّانِي حَيْثُ شَاءَ، وَيَتْبَعُهُ الْأَوَّلُ لِيَسْتَوْفِيَا. (وَإِنْ أَطَارَتْهُ) - أَيْ: الْغَرَضَ - (الرِّيحُ فَوَقَعَ السَّهْمُ مَوْضِعَهُ) - أَيْ: الْغَرَضِ - (وَشَرْطُهُمْ) - أَيْ: الْمُتَنَاضِلَيْنِ - (خَوَاسِقَ وَنَحْوَهُ) كَخَوَاسِقَ وَمُقَرْطِسٍ؛ (لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ كَانَ يَثْبُتُ فِي الْغَرَضِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ لَا. [وَإِنْ وَقَعَ - السَّهْمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْغَرَضِ اُحْتُسِبَ بِهِ عَلَى رَامِيهِ لِتَبَيُّنِ خَطَئِهِ] . وَإِنْ وَقَعَ السَّهْمُ فِي الْغَرَضِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي طَارَ إلَيْهِ الْغَرَضُ حُسِبَتْ الرَّمْيَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ اتَّفَقَا عَلَى رَمْيِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي طَارَ إلَيْهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ عَلَى وَجْهٍ إذَا وَقَعَ السَّهْمُ فِيهِ حُسِبَ عَلَى رَامِيهِ، وَإِنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ، فَوَقَعَ السَّهْمُ مَوْضِعَهُ؛ اُحْتُسِبَ بِهِ لِرَامِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْغَرَضُ مَوْضِعَهُ لَأَصَابَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَا أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ. وَلَوْ كَانَ الْغَرَضُ جِلْدًا وَخِيطَ عَلَيْهِ كَشَنْبَرِ الْمُنْخُلِ، وَجَعَلَا لَهُ عُرًى وَخُيُوطًا تُعَلَّقُ بِهِ فِي الْعُرَى، فَأَصَابَ السَّهْمُ الشَّنْبَرَ أَوْ الْعُرَى وَشَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ اُعْتُدَّ بِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَرَضِ. وَأَمَّا الْمَعَالِيقُ وَهِيَ الْخُيُوطُ؛ فَلَا يُعْتَدُّ بِإِصَابَتِهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْغَرَضِ. (وَإِنْ عَرَضَ) لِأَحَدِهِمَا (عَارِضٌ مِنْ كَسْرِ قَوْسٍ أَوْ قَطْعِ وَتَرٍ أَوْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ؛ لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِالسَّهْمِ) وَلَا عَلَيْهِ (- وَلَوْ أَصَابَ -) وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ الصَّوَابِ إلَى الْخَطَإِ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ الْخَطَإِ إلَى الصَّوَابِ، وَإِنْ حَالَ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرَضِ فَنَفَذَ مِنْهُ وَأَصَابَ الْغَرَضَ؛ حُسِبَ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ سِدَادِ الرَّمْيِ وَقُوَّتِهِ (وَإِنْ عَرَضَ مَطَرٌ، أَوْ ظُلْمَةٌ) عِنْدَ الرَّمْيِ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 719 (جَازَ تَأْخِيرُهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَطَرَ يُرْخِي الْوَتَرَ، وَالظُّلْمَةَ عُذْرٌ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ فِعْلُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ الرَّمْيُ نَهَارًا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَاهُ لَيْلًا، فَيَلْزَمُ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً مُنِيرَةً اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ، وَإِلَّا رَمَيَا فِي ضَوْءِ شَمْعَةٍ أَوْ مِشْعَلٍ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا التَّطْوِيلَ وَالتَّشَاغُلَ عِنْدَ الرَّمْيِ بِمَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مِنْ مَسْحِ الْقَوْسِ وَالْوَتَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَعَلَّ صَاحِبَهُ يَنْسَى الْقَصْدَ الَّذِي أَصَابَا بِهِ، أَوْ يَفْتُرُ؛ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَطُولِبَ بِالرَّمْيِ، وَلَا يُزْعَجُ بِالِاسْتِعْجَالِ بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ يُمْنَعُ مِنْ تَحْرِيرِ الْإِصَابَةِ. (وَكُرِهَ) لِلْأَمِينِ أَوْ الشُّهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ حَضَرَ (مَدْحُ أَحَدِهِمَا أَوْ) مَدْحُ (الْمُصِيبِ، وَعَيْبُ الْمُخْطِئِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ: وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيُتَوَجَّهُ الْجَوَازُ فِي مَدْحِ الْمُصِيبِ وَالْكَرَاهَةُ فِي عَيْبِ غَيْرِهِ. قَالَ (: وَيُتَوَجَّهُ) الْجَوَازُ (كَذَلِكَ فِي مَدْحِ شَيْخٍ لِطَالِبٍ) أَيْ: يَجُوزُ مَدْحُ الْمُصِيبِ مِنْ الطَّلَبَةِ؛ وَيُكْرَهُ عَيْبُ غَيْرِهِ. (وَقَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ") : قُلْتُ: (إنْ) كَانَ (مَدْحُهُ لِتَحْرِيضِهِ عَلَى الِاشْتِغَالِ قَوِيَ الِاسْتِحْبَابُ، وَإِنْ أَفْضَى) مَدْحُهُ (لِتَعَاظُمِ الْمَمْدُوحِ) أَوْ كَسْرِ قَلْبِ غَيْرِهِ (قَوِيَ التَّحْرِيمُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. (وَيُمْنَعُ كُلٌّ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يَغِيظُ صَاحِبَهُ كَأَنْ يَرْتَجِزَ وَيَفْتَخِرَ) وَيَتَبَجَّحَ بِالْإِصَابَةِ، (أَوْ يُعَنِّفَ صَاحِبَهُ عَلَى الْخَطَإِ) ، وَيُظْهِرَ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُ، (وَكَذَا حَاضِرٌ مَعَهُمَا) يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ ارْمِ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ، فَإِنْ كَانَ صَوَابُك) - أَيْ: إصَابَتُك فِيهَا - (أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِك) فَلَكَ دِرْهَمٌ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْجُعْلَ فِي مُقَابَلَةِ إصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعَشَرَةِ أَقَلُّهُ سِتَّةٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّهُ بِالْأَقَلِّ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ. (وَلَا) يَصِحُّ (عَكْسُهُ) ؛ بِأَنْ قَالَ لَهُ: ارْمِ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ، فَإِنْ كَانَ خَطَؤُك أَكْثَرَ مِنْ صَوَابِك (فَلَكَ دِرْهَمٌ) لِأَنَّهُ قِمَارٌ، أَوْ قَالَ: ارْمِ عَشَرَةً، فَإِنْ أَخْطَأَتْهَا فَعَلَيْك دِرْهَمٌ؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ، وَلَمْ يُوجَدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 720 مِنْ الْقَائِلِ عَمَلٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الرَّامِي لِأَجْنَبِيٍّ: إنْ أَخْطَأَتْ فَلَكَ دِرْهَمٌ؛ لَمْ يَجُزْ لِذَلِكَ. (أَوْ) قَالَ: ارْمِ عَشَرَةً، فَإِنْ كَانَ صَوَابُك أَكْثَرَ (فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ أَصَبْتَ بِهِ دِرْهَمٌ) ؛ صَحَّ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: ارْمِ عَشَرَةً فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ أَصَبْتَ بِهِ مِنْهَا دِرْهَمٌ، أَوْ قَالَ فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ زَائِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْمُصِيبَاتِ دِرْهَمٌ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ مَعْلُومٌ بِتَقْدِيرِهِ بِالْإِصَابَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: اسْتَقِ لِي مِنْ هَذَا الْبِئْرِ، وَلَك بِكُلِّ دَلْوٍ تَمْرَةٌ، أَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي فَلَهُ بِكُلِّ عَبْدٍ دِرْهَمٌ. (أَوْ قَالَ: ارْمِ هَذَا السَّهْمَ فَإِنْ أَصَبْتَ بِهِ فَلَكَ دِرْهَمٌ؛ صَحَّ؛ وَلَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَالَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالًا فِي فِعْلٍ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَكُنْ نِضَالًا؛ لِأَنَّ النِّضَالَ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَةٍ عَلَى أَنْ يَرْمُوا جَمِيعًا، وَيَكُونَ الْجُعْلُ لِبَعْضِهِمْ إذَا كَانَ سَابِقًا [كِتَابُ الْعَارِيَّةِ] ِ: بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ، وَمِنْهُ قِيلَ: لِلْبَطَّالِ عَيَّارٌ؛ لِتَرَدُّدِهِ فِي بَطَالَتِهِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَعَارَهُ وَعَارَهُ كَ أَطَاعَهُ وَطَاعَهُ. قَالَ الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِلْجَوْهَرِيِّ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَارِ، وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهَا، وَقِيلَ: إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعُرْيِ الَّذِي هُوَ التَّجَرُّدُ؛ لِتَجَرُّدِهَا عَنْ الْعِوَضِ، كَمَا تُسَمَّى النَّخْلَةُ الْمَوْهُوبَةُ عَرِيَّةً؛ لِتَعَرِّيهَا عَنْهُ، وَقِيلَ التَّعَاوُرُ وَهُوَ التَّنَاوُبُ لِجَعْلِ الْمَالِكِ نَوْبَةً فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا. وَهِيَ (الْعَيْنُ الْمَأْخُوذَةُ) مِنْ مَالِكِهَا - وَلَوْ لِمَنْفَعَتِهَا - أَوْ وَكِيلِهِ (لِلِانْتِفَاعِ بِهَا) مُطْلَقًا، أَوْ زَمَنًا مُقَدَّرًا (بِلَا عِوَضٍ) مِنْ الْآخِذِ لَهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَتُطْلَقُ كَثِيرًا عَلَى الْإِعَارَةِ مَجَازًا، وَالْعَارَةُ بِمَعْنَى الْعَارِيَّةِ. قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ: فَاخْلُفْ وَأَتْلِفْ إنَّمَا الْمَالُ عَارَةٌ ... وَكُلُّهُ مَعَ الدَّهْرِ الَّذِي هُوَ آكِلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 721 (مَعَ الِانْفِرَادِ) - أَيْ: انْفِرَادِ الْمُسْتَعِيرِ - (بِحِفْظٍ) لِلْعَيْنِ الْمُعَارَةِ؛ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكُهَا مَعَهَا، أَمَّا إذَا كَانَ مَالِكُهَا مَعَهَا كَمَا لَوْ أَرْكَبَ دَابَّتَهُ لِإِنْسَانٍ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ فَالْحِفْظُ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِعَدَمِ انْفِرَادِهِ بِحِفْظِهَا، فَلَوْ تَلِفَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ؛ لِتَلَفِهَا تَحْتَ يَدِ مَالِكِهَا (وَالْإِعَارَةُ: إبَاحَةُ نَفْعِهَا) - أَيْ: الْعَيْنِ - أَيْ: رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا لَهُ (لَا هِبَتَهُ) ؛ إذْ الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ يَسْتَفِيدُ بِهِ التَّصَرُّفَ فِي الشَّيْءِ؛ كَمَا يَسْتَفِيدُهُ فِيهِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ (بِلَا عِوَضٍ) ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] . رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ: الْعَوَارِيُّ، وَفَسَّرَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: الْقِدْرُ وَالْمِيزَانُ وَالْوَلَدُ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» [قَالَ] التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ مِنْهُ دِرْعًا يَوْمَ حُنَيْنٌ، فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْعَارِيَّة وَاسْتِحْبَابِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ هِبَةُ الْأَعْيَانِ جَازَتْ هِبَةُ الْمَنَافِعِ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ جَمِيعًا. (وَتُسْتَحَبُّ) الْإِعَارَةُ؛ لِكَوْنِهَا مِنْ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ وَلَا تَجِبُ؛ لِحَدِيثِ: «إذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ» رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ وَلِحَدِيثِ: «لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ» . وَفِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: الزَّكَاةُ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» وَالْآيَةُ فَسَّرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ بِالزَّكَاةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 722 وَكَذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إذَا جَمَعَ ثُلُثَهَا فَلَهُ الْوَيْلُ إذَا سَهَا عَنْ الصَّلَاةِ وَرَدَ أَوْ مَنَعَ الْمَاعُونَ. (وَتَنْعَقِدُ) الْإِعَارَةُ (بِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا) ؛ كَقَوْلِهِ: أَعَرْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ أَوْ أَبَحْتُكَ الِانْتِفَاعَ بِهِ، أَوْ يَقُولُ الْمُسْتَعِيرُ أَعِرْنِي هَذَا أَوْ أَعْطِينِيهِ أَرْكَبُهُ، أَوْ أَحْمِلُ عَلَيْهِ، فَيُسَلِّمُهُ الْمُعِيرُ إلَيْهِ، وَنَحْوُهُ كَاسْتَرِحْ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ، وَكَدَفْعِهِ الدَّابَّةَ لِرَفِيقِهِ عِنْدَ تَعَبِهِ، وَتَغْطِيَتِهِ بِكِسَائِهِ إذَا رَآهُ بَرَدَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْبِرِّ، فَصَحَّتْ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ؛ كَدَفْعِ الصَّدَقَةِ، وَمَتَى رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَبْقَى الْكِسَاءَ عَلَيْهِ كَانَ دَفْعُ ذَلِكَ قَبُولًا. قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": يَكْفِي مَا دَلَّ عَلَى الرِّضَى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ؛ كَمَا لَوْ سَمِعَ مَنْ يَقُولُ: أَرَدْتُ مَنْ يُعِيرُنِي كَذَا، فَأَعْطَاهُ كَذَا؛ لِأَنَّهَا إبَاحَةٌ لَا عَقْدٌ، نَقَلَهُ بِمَعْنَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " عَنْ " التَّرْغِيبِ "، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. (وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ الْإِعَارَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا (كَوْنُ عَيْنٍ) مُعَارَةٍ (مُنْتَفَعًا بِهَا مَعَ بَقَائِهَا) كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَسًا» وَمِنْ صَفْوَانَ أَدْرُعًا، وَسُئِلَ عَنْ حَقِّ الْإِبِلِ فَقَالَ: «إعَارَةُ دَلْوِهَا وَإِطْرَاقُ فَحْلِهَا» ، فَثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَالْبَاقِي قِيَاسًا. (فَدَفْعُ مَا لَا يَبْقَى؛ كَطَعَامٍ تَبَرُّعٌ مِنْ دَافِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا مَعَ تَلَفِ عَيْنَهُ، لَكِنْ إنْ أَعْطَى الْأَطْعِمَةَ وَالْأَشْرِبَةَ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ. (وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ يَكُنْ) الطَّعَامُ أَوْ الشَّرَابُ (بِلَفْظِ عَارِيَّةٍ) ، فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِهَا (فَهُوَ قَرْضٌ) يَجِبُ عَلَى آخِذِهِ رَدُّ بَدَلِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا فَثَبَتَ بِذِمَّتِهِ قَرْضًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 723 (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي: (كَوْنُ مُعِيرٍ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ شَرْعًا) ؛ إذْ الْإِعَارَةُ نَوْعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّهَا إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ كَوْنُ (مُسْتَعِيرٍ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ لَهُ) بِتِلْكَ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ؛ بِأَنْ يَصِحَّ مِنْهُ قَبُولُهَا، أَشْبَهَ الْإِبَاحَةَ بِالْهِبَةِ، (فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ نَحْوِ مُضَارِبٍ) كَنَاظِرِ وَقْفٍ وَوَلِيِّ يَتِيمٍ؛ لِمَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ، (وَ) لَا تَصِحُّ إعَارَةُ (مُكَاتَبٍ) لِمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ، (وَلَا) تَصِحُّ إعَارَةٌ (لِنَحْوِ صَغِيرٍ) كَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ (بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ) ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلتَّصَرُّفِ. (وَصَحَّ فِي) إعَارَةُ (مُؤَقَّتَةٍ شَرْطُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ، وَتَصِيرُ إجَارَةً) تَغْلِيبًا لِلْمَعْنَى؛ كَالْهِبَةِ إذَا شُرِطَ فِيهَا ثَوَابٌ مَعْلُومٌ كَانَتْ بَيْعًا، تَغْلِيبًا لِلْمَعْنَى عَلَى اللَّفْظِ، فَإِذَا أُطْلِقَتْ الْإِعَارَةُ، أَوْ جُهِلَ الْعِوَضُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ. وَفِي " التَّلْخِيصِ ": (لَوْ أَعَارَهُ عَبْدَهُ) أَوْ نَحْوَهُ (عَلَى أَنْ يُعِيرَهُ الْآخَرُ فَرَسَهُ) أَوْ نَحْوَهُ، فَفَعَلَا، (فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ لَا تُضْمَنُ) ؛ لِلْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا مُدَّةً مَعْلُومَةً وَلَا عَمَلًا مَعْلُومًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ لِتَعْلِفَهَا، أَوْ هَذَا الْعَبْدَ لِتُمَوِّنَّهُ، وَإِنْ عَيَّنَا الْمُدَّةَ وَالْمَنْفَعَةَ؛ صَحَّتْ إجَارَةٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: رَجُلٌ سَقَطَتْ مِنْهُ وَرَقَةٌ فِيهَا أَحَادِيثُ وَفَوَائِدُ، فَأَخَذْتُهَا، فَتَرَى أَنْ أَنْسَخَهَا وَأُسْمِعَهَا، قَالَ: لَا، إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا. (وَ) تَصِحُّ (إعَارَةُ نَقْدٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَنَحْوِهِ) كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ، فَإِنْ اسْتَعَارَ النَّقْدَ لِيُنْفِقَهُ، أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ اسْتَعَارَ الْمَكِيلَ أَوْ الْمَوْزُونَ لِيَأْكُلَهُ وَأَطْلَقَ، (فَقَرْضٌ) ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَى الْقَرْضِ، وَهُوَ مُغَلَّبٌ عَلَى اللَّفْظِ، وَ (لَا) تَكُونُ اسْتِعَارَةُ النَّقْدِ (لِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَعَ بَقَائِهِ) قَرْضًا، بَلْ عَارِيَّةٌ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ النَّقْدَ لِلْوَزْنِ، أَوْ (لِيَرْهَنَهُ أَوْ يُعَايِرَ عَلَيْهِ) ؛ فَإِنَّهَا تَصِحُّ كَالْإِجَارَةِ لِذَلِكَ، وَكَذَا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ. (وَ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ: (كَوْنُ نَفْعِ) عَيْنٍ (مُبَاحًا) لِمُسْتَعِيرٍ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 724 الْإِعَارَةَ إنَّمَا تُبِيحُ لَهُ مَا أَبَاحَهُ الشَّارِعُ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَعِيرَ إنَاءً مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِيَشْرَبَ فِيهِ، وَلَا حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى رَجُلٍ لِيَلْبَسَهُ، وَلَا أَمَةً لِيَطَأَهَا، حَيْثُ صَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ مِنْ أَجْلِهِ، (وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ) - أَيْ: النَّفْعِ الْمُبَاحِ - (كَإِعَارَةِ كَلْبٍ لِصَيْدٍ) أَوْ مَاشِيَةٍ (وَفَحْلٍ لِضِرَابٍ) ؛ لِأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ مُبَاحٌ، وَلَا مَحْظُورَ فِي إعَارَتِهِمَا، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الْعِوَضُ الْمَأْخُوذُ فِي ذَلِكَ؛ وَلِذَلِكَ امْتَنَعَتْ إجَارَتُهُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ فِي حَقِّ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إطْرَاقَ فَحْلِهَا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَهِيَ) - أَيْ: الْإِعَارَةُ (أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْجَعَالَةِ) ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ نَوْعٌ مِنْ الْإِجَارَةِ، فَتَصِحُّ إعَارَةُ الْكَلْبِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي جَعَالَةٍ، (وَبَابُ الْجَعَالَةِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ) ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ تَصِحُّ عَلَى الْعِبَادَةِ كَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ. (وَتَجِبُ إعَارَةُ مُصْحَفٍ لِمُحْتَاجٍ لِقِرَاءَةٍ) فِيهِ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ. نَقَلَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكُهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وُجُوبَ الْإِعَارَةِ أَيْضًا فِي كُتُبٍ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهَا مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَأَهْلِ الْفَتَاوَى. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) تَجِبُ إعَارَةُ (كُلِّ) شَيْءٍ (مُضْطَرٍّ إلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) ؛ إذْ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَعْصُومِ وَاجِبٌ، وَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُهُ إلَّا بِالْإِعَارَةِ؛ فَالْإِعَارَةُ وَاجِبَةٌ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ بِلَفْظِ: وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ؛ وَجَبَ بَذْلُهُ مَجَّانًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَعَدَمِ حَاجَةِ رَبِّهِ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يَنْبَغِي لِمَنْ مَلَكَ كِتَابًا أَنْ لَا يَبْخَلَ بِإِعَارَتِهِ لِمَنْ هُوَ أَهْلُهُ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إفَادَةُ الطَّالِبِ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الْأَشْيَاخِ وَتَفْهِيمِ الْمُشْكِلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 725 (وَتَحْرُمُ إعَارَةُ قِنٍّ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ لِخِدْمَتِهِ) خَاصَّةً؛ كَمَا تَحْرُمُ إجَارَتُهُ لَهَا، فَإِنْ أَعَارَهُ أَوْ آجَرَهُ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرِ الْخِدْمَةِ؛ صَحَّتَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ. وَتَحْرُمُ إعَارَةُ صَيْدٍ لِمُحْرِمٍ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهُ لَهُ مُحَرَّمٌ؛ كَمَا تَحْرُمُ (إعَارَةُ مَا يَحْرُمُ) اسْتِعْمَالُهُ لِشَخْصٍ (مَمْنُوعًا مِنْهُ) شَرْعًا؛ (كَنَحْوِ طِيبٍ) وَمَخِيطٍ (لِمُحْرِمٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَنَةٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَإِنْ أَعَارَ الصَّيْدَ لِلْمُحْرِمِ، فَتَلِفَ بِيَدِ الْمُحْرِمِ؛ ضَمِنَهُ لِلَّهِ بِالْجَزَاءِ وَلِلْمَالِكِ بِالْقِيمَةِ. وَتَحْرُمُ إعَارَةُ آنِيَةٍ لِمَنْ يَتَنَاوَلُ بِهَا مُحَرَّمًا، مِنْ نَحْوِ خَمْرٍ، وَإِعَارَةِ (إنَاءِ نَقْدٍ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، (وَ) إعَارَةُ (سِلَاحٍ فِي فِتْنَةٍ) ، وَإِعَارَةُ دَابَّةٍ مِمَّنْ يُؤْذِي عَلَيْهَا مُحْتَرَمًا. (وَ) إعَارَةُ (أَمَةٍ) أَوْ عَبْدٍ (لِغِنَاءٍ) أَوْ نَوْحٍ أَوْ زَمْرٍ وَنَحْوِهِ، (وَ) إعَارَةُ (دَارٍ) لِفِعْلِ (مَعْصِيَةٍ) فِيهَا، أَوْ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً، أَوْ يَشْرَبُ فِيهَا مُسْكِرًا؛ كَإِجَارَةِ ذَلِكَ، وَتَحْرُمُ إعَارَةُ بُضْعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ، (وَتُكْرَهُ إعَارَةُ أَمَةٍ جَمِيلَةٍ لِمَأْمُونٍ) إذَا كَانَ شَابًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ إعَارَتُهَا لِصَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ مُحْرِمٍ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا. (وَتَحْرُمُ) إعَارَتُهَا (هِيَ) - أَيْ: الْأَمَةُ الْجَمِيلَةُ - (وَإِعَارَةُ) غُلَامٍ (أَمْرَدَ لِغَيْرِهِ) - أَيْ لِغَيْرِ مَأْمُونٍ؛ كَمَا تَحْرُمُ (إجَارَتُهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْفَاحِشَةِ، (لَا سِيَّمَا الْعَزَبُ) . قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَجُوزُ إعَارَتُهَا لِلْعُزَّابِ الَّذِينَ لَا نِسَاءَ لَهُمْ مِنْ قَرَابَاتٍ وَلَا زَوْجَاتٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ، وَتَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِهَا؛ كَغَيْرِ الْمُعَارَةِ، وَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ؛ كَمُؤَجَّرَةٍ، وَلَا تُعَارُ الْأَمَةُ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي وَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ. فَإِنْ وَطِئَ الْمُسْتَعِيرُ الْأَمَةَ الْمُعَارَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ؛ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ إذَنْ، وَكَذَا هِيَ يَلْزَمُهَا الْحَدُّ إنْ طَاوَعَتْهُ عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ زِنًا، وَإِنْ كَانَ وَطِئَ جَاهِلًا بِأَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِزَوْجَتِهِ أَوْ سُرِّيَّتِهِ، أَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ؛ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» . وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَيْهَا إنْ جَهِلَتْ أَوْ أُكْرِهَتْ وَوَلَدُهُ حُرٌّ وَيُلْحَقُ بِهِ؛ لِلشُّبْهَةِ، وَتَجِبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 726 قِيمَتُهُ يَوْمَ وِلَادَتِهِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِاعْتِقَادِهِ الْحُرِّيَّةَ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ فِي وَطْئِهِ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا وَلَوْ مُطَاوَعَةً، لِأَنَّ الْمَهْرَ لِلسَّيِّدِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَةِ الْمَوْطُوءَةِ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ السَّيِّدُ فِي الْوَطْءِ، فَلَا مَهْرَ وَلَا أَرْشَ وَلَا فِدَاءَ لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِإِذْنِهِ. وَأَمَّا إعَارَةُ الْأَمَةِ لِلْخِدْمَةِ، فَإِنْ كَانَتْ بَرْزَةً أَوْ شَوْهَاءَ؛ جَازَ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُعِيرَهَا مُطْلَقًا؛ لِلْأَمْنِ عَلَيْهَا، وَالْجَوَازُ يَحْتَمِلُ نَفْيَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَصْلَ الْعَارِيَّةِ النَّدْبُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَحِينَئِذٍ تَكْمُلُ لِلْعَارِيَّةِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ. (وَكُرِهَ اسْتِعَارَةُ أَصْلِهِ) كَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَإِنْ عَلَوَا (لِخِدْمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْوَلَدِ اسْتِخْدَامُ أَحَدِهِمْ؛ فَكُرِهَتْ اسْتِعَارَتُهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يُكْرَهُ لِلْفَرْعِ (إعَارَتُهُ) - أَيْ أَصْلِهِ - لِأَجْنَبِيٍّ لِلْخِدْمَةِ كَذَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، لِتَسَبُّبِهِ فِي امْتِهَانِهِ. قَالَ الْخَلْوَتِيُّ: قَالَ شَيْخُنَا: وَعَلَى قِيَاسِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ أَنْ يُعِيرَهُ لِذَلِكَ؛ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ انْتَهَى. وَلِلْمُسْتَعِيرِ رَدُّ الْعَارِيَّة مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً. (وَصَحَّ رُجُوعُ مُعِيرٍ) فِي عَارِيَّةٍ، (وَلَوْ قَبْلَ أَمَدٍ عَيَّنَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَوْفَى شَيْئًا فَشَيْئًا، فَكُلَّمَا اسْتَوْفَى شَيْئًا فَقَدْ قَبَضَهُ، وَاَلَّذِي لَمْ يَسْتَوْفِهِ لَمْ يَقْبِضْهُ، فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ (إلَّا) أَنْ يَأْذَنَ الْمُعِيرُ فِي شَغْلِ الْمُعَارِ بِشَيْءٍ (فِي حَالٍ يَسْتَضِرُّ بِهِ) - أَيْ: بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ فِي الْعَارِيَّةِ - (مُسْتَعِيرٌ) ؛ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ الْمُنَفِّرِ شَرْعًا، (فَمَنْ أَعَارَ سَفِينَةً لِحَمْلٍ) أَوْ لَوْحًا لِرَفْعِ سَفِينَةٍ، فَرَفَعَهَا بِهِ وَوَلَجَ فِي الْبَحْرِ، (أَوْ) أَعَارَ (أَرْضًا) لِدَفْنِ مَيِّتٍ أَوْ لِزَرْعٍ؛ لَمْ يَرْجِعْ مُعِيرٌ فِي الْعَارِيَّةِ، وَلَا يُطَالِبُ بِالسَّفِينَةِ أَوْ اللَّوْحِ مَا دَامَتْ السَّفِينَةُ فِي اللُّجَّةِ، (حَتَّى تُرْسِي) - بِضَمِّ التَّاءِ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 727 لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، فَإِذَا أَرْسَتْ جَازَ الرُّجُوعُ؛ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ، وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ قَبْلَ دُخُولِهَا الْبَحْرَ؛ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَيْسَ لِمُعِيرٍ أَرْضًا لِزَرْعٍ الرُّجُوعُ بِهَا حَتَّى (يُحْصَدَ) الزَّرْعُ (فِي أَوَانِهِ) ، وَلَيْسَ لِمُعِيرٍ تَمْلِيكُ زَرْعٍ بِقِيمَتِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّ لَهُ وَقْتًا يَنْتَهِي إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ مِمَّا يُحْصَدُ فَصْلًا، فَيَحْصُدُهُ الْمُسْتَعِيرُ وَقْتَ أَخْذِهِ عُرْفًا؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ إذَنْ. قَالَ الْمَجْدُ: وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا لِمُعِيرٍ أَرْضًا لِدَفْنٍ الرُّجُوعُ حَتَّى (يُبْلَى) الْمَيِّتُ. قَالَ ابْنُ الْبَنَّا: وَيَصِيرُ رَمِيمًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: بِأَنْ يَصِيرَ رَمِيمًا، وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْعِظَامِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ، وَلَعَلَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالرَّمِيمُ الْبَالِي. (وَصَحَّ رُجُوعُ) مُعِيرٍ فِي أَرْضِهِ (قَبْلَ دَفْنِهِ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ، (وَلَا أُجْرَةَ) عَلَى مُسْتَعِيرٍ (مُنْذُ رَجَعَ) الْمُعِيرُ؛ أَيْ: مِنْ حِينِ رَجَعَ إلَى حِينِ زَوَالِ ضَرَرِ الْمُسْتَعِيرِ حَيْثُ كَانَ الرُّجُوعُ يَضُرُّ بِهِ إذَنْ، وَلَا إذَا أَعَارَ لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى حِينِ تَمَلُّكِهِ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعِهِ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ، أَوْ بَقَائِهِ إذَا أَبَى الْمُعِيرُ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَتَّفِقَا، وَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا إذَا ضَرَّ بِالْمُسْتَعِيرِ إذَنْ، فَلَا يَمْلِكُ طَلَبَ بَدَلِهَا كَالْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ، وَلِأَنَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَأْخُذْ الْغَرْسَ أَوْ الْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ أَوْ يَقْلَعُهُ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ، كَانَ إبْقَاؤُهُ فِي أَرْضِهِ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَا يَمْلِكُ طَلَبَ الْمُسْتَعِيرِ بِالْأُجْرَةِ؛ كَمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ. (إلَّا فِي الزَّرْعِ) إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ أَوَانِ حَصَادِهِ، وَهُوَ لَا يُحْصَدُ قَصِيلًا، فَإِنَّ لَهُ أُجْرَةً مِثْلَ الْأَرْضِ الْمُعَارَةِ مِنْ حِينِ رَجَعَ إلَى حِينِ الْحَصَادِ؛ لِوُجُوبِ تَبَعِيَّتِهِ فِي أَرْضِ الْمُعِيرِ إلَى أَوَانِ حَصَادِهِ قَهْرًا عَلَيْهِ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ بِدَلِيلِ رُجُوعِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَأْخُذَ الزَّرْعَ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ، وَهُوَ قَصِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَرْسِ، فَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ، وَلَا أَنْ يَقْلَعَهُ وَيَضْمَنَ نَقْصَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى، بِخِلَافِ الْغَرْسِ وَآلَاتِ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا اخْتَارَ قَلْعَ زَرْعِهِ رُبَّمَا يُفَوِّتُ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 728 الْمَالِكِ الِانْتِفَاعَ بِأَرْضِهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، فَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَبْقَى بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَى حَصَادِهِ، جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ أُجْرَةَ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ تَجِبُ مِنْ حِينِ رُجُوعِ الْمُعِيرُ - (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمُسْتَعِيرُ بِرُجُوعِهِ - (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مِثْلَهُ) أَيْ: مِثْلَ مَنْ زَرَعَ أَرْضًا مُعَارَةً فِي الْحُكْمِ (لَوْ رَجَعَ مُعِيرُ دَابَّةٍ) فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ أَنَّ الْأُجْرَةَ تَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ حِينِ رُجُوعِ الْمَالِكِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ (- وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ مُسْتَعِيرٌ) بِرُجُوعِهِ - (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) - أَيْ: الْمَالِكُ - (لَوْ أَبَاحَهُ) ؛ أَيْ: أَبَاحَ شَخْصًا (أَكْلَ شَيْءٍ) مِنْ الْمَطْعُومَاتِ، ثُمَّ بَدَّلَهُ، (فَرَجَعَ قَبْلَ) أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ (- وَهُوَ لَمْ يَعْلَمْ) رُجُوعَ الْمَالِكِ - (ضَمِنَ) قِيمَةَ مَا أَكَلَهُ، قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِمُجَرَّدِ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ - وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ - وَتَصَرُّفَاتُهُ غَيْرُ نَافِدَةٍ مِنْ حِينِ الْعَزْلِ، وَهَذَا مِثْلُهُ. (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ) - أَيْ: الْمُبِيحِ بِلَا بَيِّنَةٍ - (أَنَّهُ رَجَعَ) عَنْ الْإِبَاحَةِ (قَبْلَ أَكْلِهِ) - أَيْ: الْمَأْذُونِ لَهُ - لِيُغَرِّمَهُ قِيمَةَ مَا أَكَلَهُ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مُعِيرُ دَابَّةٍ لِعَاجِزٍ) عَنْ الْمَشْيِ (صَارَ) بِبَرِّيَّةٍ (مُنْقَطِعَةٍ) ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ يَضُرُّ بِالْمُسْتَعِيرِ، وَالضَّرَرُ يُزَالُ، كَمَنْ أَعَارَ سَفِينَةً وَصَارَتْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ، وَأَرَادَ أَخْذَهَا قَبْلَ أَنْ تُرْسِي؛ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ إزَالَةً لِضَرَرِ الْمُسْتَعِيرِ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ الْمَيِّتَ) الَّذِي دُفِنَ فِي أَرْضٍ مُعَارَةٍ (لَوْ أَخْرَجَهُ نَحْوَ سَبُعٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 729 كَذِئْبٍ وَضَبُعٍ (لَا يُعَادُ) ؛ أَيْ: لَيْسَ لِوَلِيِّهِ إعَادَةُ دَفْنِهِ فِي الْأَرْضِ الْمُعَارَةِ (بِلَا إذْنٍ) صَرِيحٍ مِنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْعَارِيَّةِ انْقَضَى بِتَفْرِيغِ الْمُعَارَةِ، فَلَا تُشْغَلُ ثَانِيًا بِدُونِ إذْنِ مَالِكِهَا. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ إعَارَةَ ثَوْبٍ لِصَلَاةٍ عُرْيَانَا بَعْدَ الشُّرُوعِ) فِيهَا (يَمْنَعُ) الْمُعِيرَ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الثَّوْبِ قَبْلَ إتْمَامِهَا وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ. (كَإِعَارَةِ حَائِطٍ لِحَمْلِ) أَطْرَافِ (خَشَبٍ) لِمُحْتَاجٍ إلَى (تَسْقِيفٍ) ، وَلَمْ يُمْكِنْ التَّسْقِيفُ إلَّا بِوَضْعِ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ، وَلَا ضَرَرَ، فَوَضَعَ الْخَشَبَ (وَبَنَى عَلَيْهِ، أَوْ) إعَارَةُ حَائِطٍ لِتَعْلِيَةَ (سُتْرَةٍ) عَلَيْهِ، (وَبُنِيَتْ) السُّتْرَةُ، (وَلَمْ يَتَضَرَّرْ) رَبُّ الْحَائِطِ، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ الْمُعِيرُ مِنْ الرُّجُوعِ مَا دَامَ الْخَشَبُ أَوْ بِنَاءُ السُّتْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَلِأَنَّ الْعَارِيَّةَ وَقَعَتْ لَازِمَةً ابْتِدَاءً. وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَدْفَعُ إلَيْكَ مَا يَنْقُصُ بِالْقَلْعِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَعِيرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَلَعَهُ انْقَلَعَ مَا فِي مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَلْعُ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ، وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ فِي حَائِطِهِ قَبْلَ وَضْعِ الْخَشَبِ وَبَعْدَ وَضْعِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ؛ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ: فَإِنْ خِيفَ سُقُوطُ الْحَائِطِ بَعْدَ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَيْهِ؛ لَزِمَ إزَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَى الْحَائِطِ السُّقُوطَ، لَكِنْ اسْتَغْنَى الْمُسْتَعِيرُ عَنْ إبْقَاءِ الْخَشَبِ عَلَيْهِ؛ لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَعِيرَ إزَالَتُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، (فَإِنْ سَقَطَ) الْخَشَبُ عَنْ الْحَائِطِ الْمُعَارِ لِوَضْعِهِ، (أَوْ سَقَطَتْ) السُّتْرَةُ (لِهَدْمِ) الْحَائِطِ (أَوْ غَيْرِهِ) ؛ كَسُقُوطِ الْخَشَبِ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 730 السُّتْرَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحَائِطِ؛ (لَمْ يُعَدْ) الْخَشَبُ وَلَا السُّتْرَةُ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ قَبْلَ سُقُوطِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْمُسْتَعِيرِ بِإِزَالَةِ الْمَأْذُونِ فِي وَضْعِهِ، وَقَدْ زَالَ (إلَّا بِإِذْنِهِ) - أَيْ: الْمُعِيرِ - (أَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) ، بِأَنْ لَا يُمْكِنَ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ (إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْحَائِطُ) سَوَاءٌ أُعِيدَ الْحَائِطُ؛ بِآلَتِهِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَلْزَمُ. (وَيَتَّجِهُ فِي حَجَرٍ) مُعَارٍ مُدَّةً مُؤَقَّتَةً (بَنَى) مُسْتَعِيرٌ (عَلَيْهِ) - أَيْ: الْحَجَرِ - ثُمَّ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ؛ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ أَوْ (- أَخْذِ قِيمَتِهِ -) أَيْ: الْحَجَرِ - (أَوْ) تَرْكِهِ بَا (لْأُجْرَةِ) ؛ أَيْ: بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ - وَهُوَ مُتَّجِهٌ. تَتِمَّةٌ: مُدَّةُ الْعَارِيَّة إمَّا مُطْلَقَةٌ أَوْ مُقَيَّدَةٌ، فَإِنْ أَطْلَقَهَا الْمُعِيرُ فَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِزَمَنٍ؛ فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْعَارِيَّةِ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُعِيرُ، وَإِنْ وَقَّتَهَا الْمُعِيرُ فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْعَارِيَّةِ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُعِيرُ، أَوْ يَنْقَضِي الْوَقْتُ، فَإِذَا انْقَضَى الْوَقْتُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ؛ لِانْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِعَارَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُعَارُ أَرْضًا وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِعَارَةِ؛ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَغْرِسَ، وَلَا يَبْنِيَ، وَلَا يَزْرَعَ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَثَ بِهِ الْإِعَارَةُ، أَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الْإِعَارَةِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 731 (فَصْلٌ: وَمَنْ أُعِيرَ أَرْضًا لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ، وَشَرَطَ) الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ (قَلْعَهُ) - أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ - (بِوَقْتٍ) عَيَّنَهُ لَهُ، (أَوْ) شَرَطَ الْقَلْعَ حَالَ (رُجُوعٍ) ، ثُمَّ رَجَعَ الْمُعِيرُ؛ (لَزِمَ) الْمُسْتَعِيرَ قَلْعُ مَا غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ (عِنْدَهُ) - أَيْ: عِنْدَ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ - أَوْ عِنْدَ رُجُوعِ الْمُعِيرِ: وَظَاهِرُهُ (وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ) ، أَيْ: وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْمُعِيرُ بِالْقَلْعِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . قَالَ فِي الشَّرْحِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ دَاخِلٌ فِي الْعَارِيَّةِ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الْأَرْضِ نَقْصُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، وَ (لَا) يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ (تَسْوِيَتُهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ إذَا حَصَلَ فِيهَا حُفَرٌ (بِلَا شَرْطِ) الْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ذَلِكَ؛ لِرِضَاهُ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَيْهِ؛ لَزِمَهُ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ، (وَحَيْثُ لَا شَرْطَ) مِنْ الْمُعِيرِ (قَلَعَ) غِرَاسَهُ وَبِنَاءَهُ بِوَقْتٍ أَوْ رُجُوعٍ، (وَلَمْ يَقْلَعْ مُسْتَعِيرٌ) ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَلْعُ؛ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمُعِيرُ النَّقْصَ؛ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . وَالْمُسْتَعِيرُ إنَّمَا حَصَلَ غِرَاسُهُ، أَوْ بِنَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ قَلْعَهُ؛ فَلَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ بِنَقْصِ قِيمَةِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْعَارِيَّةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَمَعُونَةٍ، وَإِلْزَامُهُ بِالْقَلْعِ مَجَّانًا يُخْرِجُهُ إلَى حُكْمِ الْعُدْوَانِ وَالضَّرَرِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَمَتَى أَمْكَنَ الْقَلْعُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ؛ أُجْبِرَ عَلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ. (وَلَوْ قَلَعَ) الْمُسْتَعِيرُ غِرَاسَهُ وَبِنَاءَهُ بِاخْتِيَارِهِ (سَوَّاهَا) - أَيْ: الْأَرْضَ مِنْ الْحُفَرِ وُجُوبًا - لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إلْجَاءٍ، أَشْبَهَ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَخَذَ غَرْسَهُ، أَوْ بِنَاءَهُ مِنْ الْمَشْفُوعِ، وَمَتَى لَمْ يَكُنْ قَلْعُهُ بِلَا نَقْصٍ، وَأَبَاهُ مُسْتَعِيرٌ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا يُجْبَرُ فِيهَا بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ؛ (فَلِمُعِيرٍ أَخْذُهُ) - أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ - (قَهْرًا بِقِيمَتِهِ) ؛ كَالشَّفِيعِ، مَا لَمْ يَخْتَرْ مُسْتَعِيرٌ قَلْعَهُ، وَتَفْرِيغُ الْأَرْضِ فِي الْحَالِ. وَإِنْ قَالَ مُسْتَعِيرٌ: أَنَا أَدْفَعُ قِيمَةَ الْأَرْضِ لِتَصِيرَ لِي؛ لَمْ يَلْزَمْ الْمُعِيرَ؛ لِأَنَّ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ، وَلِذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 732 يَتْبَعُهَا الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ فِي الْبَيْعِ وَلَا تَتْبَعُهُمَا فِيهِ، (أَوْ) - أَيْ: وَلِمُعِيرٍ - (قَلْعُهُ) - أَيْ: الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ - (جَبْرًا، وَيَضْمَنُ) الْمُعِيرُ (نَقْصَهُ) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ دَفْعًا لِضَرَرِهِ وَضَرَرِ الْمُسْتَعِيرِ، وَجَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَمُؤْنَةُ الْقَلْعِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ كَالْمُسْتَأْجِرِ. (وَيَتَّجِهُ لَا) ؛ أَيْ: لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ (إبْقَاؤُهُ) - أَيْ: الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ - (بِالْأُجْرَةِ) ، مَا لَمْ يَرْضَ الْمُعِيرُ، فَإِذَا رَضِيَ بِإِبْقَائِهِ بِالْأُجْرَةِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ بِهَا كَيْفَ شَاءَ؛ (كَمَا لَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى مُشْتَرٍ) أَرْضًا، (ثُمَّ فَسَخَ) عَقْدَ (الْبَيْعِ بِنَحْوِ عَيْبٍ) وَجَدَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْأَرْضِ؛ كَأَنْ وَجَدَهَا سَبِخَةً، أَوْ مَأْوَى اللُّصُوصِ، أَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ بِتَقَايُلٍ؛ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ تَمَلُّكُ الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ قَهْرًا، أَوْ قَلْعُهُ وَضَمَانُ نَقْصِهِ لِلْمُشْتَرِي، (وَكَمَا فِي) إنْسَانٍ (بَائِعٍ) أَرْضًا مِنْ (مُفْلِسٍ) ، فَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى، ثُمَّ (رَجَعَ) بَائِعُ الْأَرْضِ؛ فَلِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ الْقَلْعُ، فَإِنْ أَبَوْهُ، وَطَلَبَ الْبَائِعُ التَّمَلُّكَ بِالْقِيمَةِ مَلَكَهُ، وَكَذَا إذَا طَلَبَ الْقَلْعَ مَعَ ضَمَانِ النَّقْصِ. قَالَهُ فِي " الْقَوَاعِدِ "، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى (مُشْتَرٍ) أَرْضًا (بِعَقْدٍ فَاسِدٌ) وَغَرَسَ فِيهَا، أَوْ بَنَى، ثُمَّ رُدَّتْ الْأَرْضُ لِمَالِكِهَا؛ فَلِلْغَارِسِ قَلْعُ غِرَاسِهِ، فَإِنْ أَبَى الْقَلْعَ؛ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ، أَوْ الْقَلْعُ وَضَمَانُ النَّقْصِ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّمَلُّكِ أَوْ الْقَلْعِ (مَا لَمْ يَرْضَيَا) - أَيْ: الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ بِإِبْقَاءِ الْبِنَاءِ، أَوْ الْغِرَاسِ فِي الْأَرْضِ الْمُعَارَةِ بِالْأُجْرَةِ - لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا، فَإِنْ أَجْرَيَا عَقْدَ الْإِجَارَةِ؛ صَحَّ مِنْ حِينَئِذٍ، وَلَا أُجْرَةَ لِمَا مَضَى، (وَكَانَ قِيَاسُ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ) مِنْ أَنَّ الْأُجْرَةَ تَجِبُ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ؛ كَمَا تَجِبُ فِي الصَّحِيحِ. (طَرَدَهُ) - أَيْ: الْقِيَاسُ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ. (فِي الْجَمِيعِ) - أَيْ: فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الِاتِّجَاهِ. (وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ) أَوْجَبْنَا بَقَاءَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ بِأُجْرَةِ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يَبِيدَ، وَلَمْ نُوجِبْ الْقَلْعَ جَبْرًا أَوْ نَحْوَهُ كَمَا هُوَ (لِرِضَا رَبِّ غَرْسٍ وَبِنَاءٍ ابْتِدَاءً) - أَيْ: وَقْتَ عَقَدٍ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 733 (بِالْأُجْرَةِ، فَاسْتُصْحِبَتْ) الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْبَقَاءُ بِالْأُجْرَةِ لِدُخُولِهِ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً وَأَمَّا فِي الْعَارِيَّةِ. وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى بَذْلِ عِوَضٍ، فَاسْتُصْحِبَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَإِنْ أَبَى مُعِيرٌ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: الْأَخْذَ بِالْقِيمَةِ وَالْقَلْعَ مَعَ ضَمَانِ النَّقْصِ؛ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ امْتَنَعَ (مُسْتَعِيرٌ) مِنْ دَفْعِ (الْأُجْرَةِ) - أَيْ أُجْرَةِ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ - (وَمِنْ الْقَلْعِ) ؛ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، (وَبِيعَتْ أَرْضٌ بِمَا فِيهَا) مِنْ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ عَلَيْهِمَا (إنْ رَضِيَا) - أَيْ: الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ - (أَوْ) رَضِيَ بِهِ (أَحَدُهُمَا، وَيُجْبَرُ الْآخَرُ) بِطَلَبِ مَنْ رَضِيَ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِإِزَالَةِ الْمُضَارَبَةِ، وَتَحْصِيلُ مَالِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِذَا بِيعَا (دُفِعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ) مِنْ الثَّمَنِ (قِيمَتُهَا فَارِغَةً) مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ. (وَ) دُفِعَ (الْبَاقِي) مِنْ الثَّمَنِ (لِلْآخَرِ) ، وَهُوَ رَبُّ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ. (وَلِكُلٍّ) مِنْ رَبِّ أَرْضٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ (بَيْعُ مَالِهِ مُنْفَرِدًا) مِنْ صَاحِبِهِ وَغَيْرِهِ، (وَيَكُونُ مُشْتَرٍ كَبَائِعٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ؛ أَيْ: فَيَقُومُ الْمُشْتَرِي لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَقَامَ الْبَائِعِ، فَمُشْتَرِي الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الْمُعِيرِ وَمُشْتَرِي الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 734 بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ، وَكَذَا الْإِجَارَةُ. (وَإِنْ أَبَيَا) - أَيْ: الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ - (الْبَيْعَ تُرِكَ غِرَاسٌ وَبِنَاءٌ بِحَالِهِ) وَاقِفًا فِي الْأَرْضِ (حَتَّى يَصْطَلِحَا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، (وَالْأُجْرَةُ) عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ حِينِ رُجُوعِ مُعِيرٍ بِهِ نَظِيرَ بَقَاءِ غَرْسٍ وَبِنَاءٍ فِي مُعَارَةٍ (مَا دَامَ الْأَمْرُ مَوْقُوفًا) ، وَلَا أُجْرَةَ لِلْمُعِيرِ أَيْضًا فِي سَفِينَةٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ مِنْ حِينِ رُجُوعٍ فِي أَرْضٍ أَعَارَهَا لِدَفْنٍ قَبْلَ أَنْ يَبْلَى الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ هَذِهِ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ بِلَا أُجْرَةٍ كَالْخَشَبِ عَلَى الْحَائِطِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِإِضْرَارِهِ بِالْمُسْتَعِيرِ إذَنْ، فَلَا يَمْلِكُ طَلَبَ بَدَلِهَا؛ كَالْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ. (وَكَعَارِيَّةٍ مَا) - أَيْ: شِقْصٍ - (بِيعَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) إذَا غَرَسَ فِيهِ الْمُشْتَرِي أَوْ بَنَى؛ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَارِيَّةِ، فَلَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ قَلْعَهُ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ نَقْصِهِ؛ لِتَضَمُّنِهِ إذْنًا. قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَلَهُ تَمَلُّكٌ بِالْقِيمَةِ كَغَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ، (لَا مَا اُسْتُؤْجِرَ بِهِ) - أَيْ: بِعَقْدٍ فَاسِدٍ - (بَلْ) مَا اُسْتُؤْجِرَ بِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَأْجُورِ بِعَقْدٍ (صَحِيحٍ) ، مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَمُسْتَعِيرٍ. وَقَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": الْقَابِضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ مِنْ الْمَالِكِ إذَا غَرَسَ أَوْ بَنَى فَلِلْمَالِكِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ؛ كَغَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ، وَلَا يُقْلِعُ إلَّا مَضْمُونًا؛ لِاسْتِنَادِهِ إلَى الْإِذْنِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ انْتَهَى. قَالَهُ الْبُهُوتِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى " بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ " الْمُبْدِعِ " وَحِينَئِذٍ " تَعْلَمُ أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْمُسْتَعِيرِ إنَّمَا هُوَ فِي عَدَمِ الْقَلْعِ مَجَّانًا، لَا فِي لُزُومِ الْأُجْرَةِ، فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ، مِنْ لُزُومِ الْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا فِي الْغَصْبِ مِنْ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِي الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، لَكِنْ فِي الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ. انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَشْبِيهَ الْمَأْجُورِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِالْمَأْجُورِ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ أَوْلَى مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالْمَقْبُوضِ عَارِيَّةً؛ دَفْعًا لِلْإِيهَامِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 735 (وَلِمُعِيرٍ) مَعَ تَبْقِيَةِ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ (الِانْتِفَاعُ بِأَرْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَيْنَهَا وَمَنْفَعَتَهَا (عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِمَا فِيهَا) مِنْ غَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ وَبِنَائِهِ؛ لِاحْتِرَامِهِمَا بِإِذْنِ الْمُعِيرِ فِي وَضْعِهِمَا. (وَلِمُسْتَعِيرٍ) غَرَسَ الْأَرْضَ (الدُّخُولُ لِسَقْيٍ وَإِصْلَاحٍ وَأَخْذِ ثَمَرٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي فِعْلِ شَيْءٍ إذْنٌ فِيمَا يَعُودُ بِصَلَاحِهِ، وَ (لَا) يَجُوزُ لِمُسْتَعِيرٍ الدُّخُولُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ (لِتَفَرُّجٍ وَنَحْوِهِ) كَمَبِيتٍ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ بِصَلَاحِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) - أَيْ: الدُّخُولُ لِتَفَرُّجٍ وَنَحْوِهِ - إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ (مَحُوطَةٍ) فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ؛ إذْ غَيْرُ الْمَحُوطَةِ لَا يُمْنَعُ دَاخِلُهَا لِتَفَرُّجٍ وَنَحْوِهِ، إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهَا، فَإِنْ أَضَرَّ مُنِعَ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ تَفَرُّجَ النَّاسِ وَنُزَهَهُمْ فِي بَسَاتِينِ الْغَيْرِ) الْمَحُوطَةِ إذَا كَانَتْ مُغْلَقَةً أَبْوَابُهَا أَوْ مَنْطُورَةً (بِلَا إذْنٍ حَرَامٌ) ؛ لِأَنَّ التَّحْوِيطَ عَلَامَةٌ عَلَى عَدَمِ الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ غَرَسَ) مُسْتَعِيرٌ (أَوْ بَنَى) فِيمَا اسْتَعَارَهُ كَذَلِكَ (بَعْدَ رُجُوعِ) مُعِيرٍ؛ فَغَاصِبٌ، (أَوْ) غَرَسَ أَوْ بَنَى بَعْدَ (أَمَدِهَا) أَيْ: بَعْدَ أَمَدٍ ذُكِرَ - (فِي) عَارِيَّةٍ (مُؤَقَّتَةٍ) - وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بَعْدَهُ بِالرُّجُوعِ - فَغَاصِبٌ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الِانْتِفَاعِ إذَا وُقِّتَ بِزَمَنٍ تَقَيَّدَ بِهِ، (أَوْ جَاوَزَ) مُسْتَعِيرُ دَابَّةٍ (مَسَافَةً قُدِّرَتْ؛ فَغَاصِبٌ) ؛ لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَهَرَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِزَوَالِ الْإِعَارَةِ بِالرُّجُوعِ، وَبِانْتِهَاءِ وَقْتِهَا إذَا قُيِّدَتْ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُدَّةٍ) بِأَنْ قَالَ الْمَالِكُ: أَعَرْتُكَهَا سَنَةً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 736 فَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ بَلْ سَنَتَيْنِ؛ فَقَوْلُ مَالِكٍ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعَارَةِ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ. (وَيَلْزَمُ) الْمُسْتَعِيرَ (أُجْرَةُ مِثْلٍ) لِقَدْرٍ (زَائِدٍ) عَلَى مُدَّةٍ أَوْ مَسَافَةٍ (فَقَطْ) ؛ لِحُصُولِ التَّعَدِّي فِي الزَّائِدِ، دُونَ مَا قَبْلَهُ. (وَمَنْ حَمَلَ سَيْلٌ إلَى أَرْضِهِ بَذْرَ غَيْرِهِ) ، فَنَبَتَ فِيهَا؛ فَالزَّرْعُ (لِرَبِّهِ) - أَيْ لِرَبِّ الْبَذْرِ - وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ قَلْعُهُ وَلَا تَمَلُّكُهُ (مُبْقًى لِحَصَادٍ) ؛ لِعَدَمِ عُدْوَانِ رَبِّهِ، وَإِنْ كَانَ يُحْصَدُ قَصِيلًا حُصِدَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ: (بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّ إلْزَامَ رَبِّ الْأَرْضِ تَبْقِيَةُ زَرْعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ إضْرَارٌ بِهِ، فَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، وَلَا يُجْبَرُ رَبُّ الزَّرْعِ عَلَى قَلْعِهِ، وَإِنْ أَحَبَّ مَالِكُهُ قَلْعَهُ، فَلَهُ ذَلِكَ؛ وَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْحُفَرِ، وَمَا نَقَصَتْ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لِاسْتِصْلَاحِ مِلْكِهِ. (وَحَمْلُهُ) - أَيْ: السَّيْلِ (لِغَرْسٍ أَوْ نَوًى وَنَحْوِهِ) كَجَوْزٍ وَلَوْزٍ وَفُسْتُقٍ (إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ مَالِكِ ذَلِكَ - (فَيَنْبُتُ) فِي الْأَرْضِ الَّتِي حَمَلَهُ السَّيْلُ إلَيْهَا فِي الْحُكْمِ؛ (كَعَارِيَّةٍ) . لِرَبِّ الْأَرْضِ تَمَلُّكُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعُهُ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ وَلَا يَقْلَعُهُ مَجَّانًا، لِعَدَمِ عُدْوَانِ رَبِّهِ؛ وَمِثْلُهُ لَوْ غَرَسَ مُشْتَرٍ شِقْصًا مَشْفُوعًا فَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ؛ فَلَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعُهُ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ (إلَّا أَنَّهُ) - أَيْ: رَبُّ الْغَرْسِ - إنْ اخْتَارَ قَلْعَهُ؛ (فَلَا) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يُسَوِّيَ حُفَرًا) حَصَلَتْ بِسَبَبِ غَرْسِهِ، (وَلَا) عَلَيْهِ أَنْ (يَضْمَنَ نَقْصًا) حَصَلَ فِي الْأَرْضِ بِسَبَبِ قَلْعٍ؛ لِحُصُولِ الْغَرْسِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ وَلَا عُدْوَانٍ. (وَإِنْ حَمَلَ) السَّيْلُ (أَرْضًا بِغَرْسِهَا إلَى) أَرْضٍ (أُخْرَى فَنَبَتَ كَمَا كَانَ) قَبْلَ نَقْلِهِ؛ فَهُوَ لِمَالِكِهِ لِعَدَمِ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ فِيهِ، (وَلَا يُجْبَرُ) رَبُّ أَرْضٍ مَحْمُولَةٍ بِشَجَرِهَا (عَلَى إزَالَتِهِ) - أَيْ: الشَّجَرِ - لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَمَا تُرِكَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 737 أَيْ: تَرَكَهُ مَالِكُهُ (لِرَبِّ الْأَرْضِ) الْمُنْتَقِلِ إلَيْهَا (مِمَّا مَرَّ) مِنْ زَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ نَوًى وَنَحْوِهِ؛ (فَلَا شَيْءَ) - أَيْ: أُجْرَةَ عَلَيْهِ - أَيْ التَّارِكِ لِذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ نَقْلُهُ؛ (لِحُصُولِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ) وَلَا عُدْوَانِهِ (وَإِنْ شَاءَ مَحْمُولٌ إلَيْهِ) الْغَرْسُ؛ (أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ) بِقِيمَتِهِ، (أَوْ قَلَعَهُ) ، وَضَمِنَ نَقْصَهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَرَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ. [فَصْلٌ مُسْتَعِيرٌ فِي اسْتِيفَاءِ نَفْعٍ مِنْ عَيْنِ مُعَارَةٍ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ] (فَصْلٌ: وَمُسْتَعِيرٌ فِي اسْتِيفَاءِ نَفْعٍ) مِنْ عَيْنِ مُعَارَةٍ (بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ) كَمُسْتَأْجِرٍ، [فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ] ؛ لِمِلْكِهِ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا، فَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا؛ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ أَخَفُّ، وَإِنْ اسْتَعَارَهَا لِلزَّرْعِ [لَمْ يَغْرِسْ وَلَمْ يَبْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَكْثَرُ ضَرَرًا، وَإِنْ اسْتَعَارَهَا لِلْغَرْسِ] أَوْ الْبِنَاءِ؛ فَلَيْسَ لَهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا يَخْتَلِفُ، وَكَمُسْتَأْجِرٍ أَيْضًا فِي أَنَّهُ (يَمْلِكُ) اسْتِيفَاءَ نَفْعٍ بِعَيْنِهِ، وَ (مِثْلُهُ) - أَيْ: النَّفْعِ - (ضَرَرًا فَمَا دُونَ) النَّفْعِ فِي الضَّرَرِ مِنْ نَوْعِهِ، فَإِذَا أَعَارَهُ لِزَرْعِ الْبُرِّ فَلَهُ زَرْعُهُ وَزَرْعُ الشَّعِيرِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ، [لَا] مَا فَوْقَهُ ضَرَرًا كَدُخْنٍ وَذُرَةٍ، وَإِذَا أَعَارَهُ لِلرُّكُوبِ لَمْ يَحْمِلْ، وَعَكْسُهُ، وَكَذَا إنْ أَذِنَ لَهُ فِي زَرْعِ مَرَّةٍ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي غَرْسِ شَجَرَةٍ فَانْقَلَعَتْ لَمْ يَمْلِكْ غَرْسَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ اخْتَصَّ بِشَيْءٍ لَمْ يُجَاوِزْهُ، فَإِنْ زَرَعَ أَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى مَا لَيْسَ لَهُ زَرْعُهُ أَوْ غَرْسُهُ أَوْ بِنَاؤُهُ فَكَغَاصِبٍ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ. (وَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا) - أَيْ: الْإِعَارَةِ - (تَعْيِينُ نَوْعِ الِانْتِفَاعِ) ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ؛ فَلَا أَثَرَ لِلْجَهَالَةِ فِيهِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ قَطْعِهَا بِالْفَسْخِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ. (فَلَوْ أُعِيرَ) عَيْنًا (مُطْلَقًا) ؛ بِأَنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ صِفَةَ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ (مَلَكَ) الْمُسْتَعِيرُ (الِانْتِفَاعَ بِهَا) بِالْمَعْرُوفِ (فِي كُلِّ مَا صَلَحَتْ لَهُ عُرْفًا؛ كَأَرْضٍ) مَثَلًا (تَصْلُحُ لِغَرْسٍ وَزَرْعٍ وَبِنَاءٍ وَغَيْرِهِ) ؛ فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي أَيِّ ذَلِكَ أَرَادَ. (وَ) مَا كَانَ غَيْرَ صَالِحٍ لَهُ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ (كَثَوْبٍ لِلُبْسٍ وَبِسَاطٍ لِفَرْشٍ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 738 فَالْإِطْلَاقُ فِيهِ كَالتَّقْيِيدِ؛ لِتَعْيِينِ نَوْعِ الِانْتِفَاعِ بِالْعُرْفِ، فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ، وَلِلْمُسْتَعِيرِ اسْتِنْسَاخُ الْكِتَابِ الْمُعَارِ، وَلَهُ دَفْعُ الْخَاتَمِ الْمُعَارِ إلَى مَنْ يَنْقُشُ لَهُ عَلَى مِثَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ وَاقِعَةٌ لَهُ؛ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ. (وَاسْتِعَارَةُ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ لَا يُسْتَفَادُ سَفَرٌ بِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُونًا فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لِلرُّكُوبِ لَيْسَ لَهُ السَّفَرُ (إلَّا) إذَا كَانَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ (فِي قُرًى صَغِيرَةٍ) عُرْفًا، لِعَدَمِ اعْتِيَادِهِمْ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ أَهَالِي الْمُدُنِ وَالْقُرَى الْكَبِيرَةِ؛ فَإِنَّهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ لَا يَسَعُهُمْ الْإِمْسَاكُ عَنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ؛ إذْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَكَانَ دَوَابُّهُمْ مَحَلًّا لِكُلِّ مُحْتَاجٍ، فَيَكْثُرُ الضَّرَرُ، وَحِينَئِذٍ (فَيُسَافِرُ) مِنْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ (بِهَا) - أَيْ: بِالدَّابَّةِ الَّتِي اسْتَعَارَهَا لِلرُّكُوبِ - (لِقُرًى حَوَالَيْهَا لَا) ، [أَيْ: لَيْسَ لَهُ السَّفَرُ بِهَا] لِمَحَلٍّ (بَعِيدٍ عُرْفًا) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي ذَلِكَ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يُعِيرُ مُسْتَعِيرٌ وَلَا يُؤَجِّرُ) الْمُعَارَ، وَلَا يَرْهَنَهُ (إلَّا بِإِذْنٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُبِيحَهَا، وَلَا أَنْ يَبِيعَهَا، بِخِلَافِ مُسْتَأْجِرٍ، وَتَقَدَّمَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَا يُودِعُهُ، وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 739 وَلَهُ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ انْتَهَى. وَلَا يَضْمَنُ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ مَعَ الْإِذْنِ مِنْ الْمُعِيرِ إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ عِنْدَهُ بِلَا تَفْرِيطٍ؛ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ رَبِّهَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ. وَإِذَا آجَرَ الْمُسْتَعِيرُ بِإِذْنِ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّة؛ فَالْأُجْرَةُ لِرَبِّهَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَمَّا يَمْلِكُهُ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ، (فَإِنْ خَالَفَ) الْمُسْتَعِيرُ بِأَنْ أَعَارَهُ بِلَا إذْنِ الْمُعِيرِ، (فَتَلِفَتْ) الْعَارِيَّةُ (عِنْدَ) الْمُسْتَعِيرِ [الثَّانِي] ؛ (ضَمِنَ) رَبُّ الْعَيْنِ الْقِيمَةَ وَالْمَنْفَعَةَ (أَيَّهُمَا شَاءَ) ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّهُ سَلَّطَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ عَلَى أَخْذِ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّطَ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ دَابَّةً فَأَكَلَتْهُ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ فَاتَا عَلَى مَالِكِهِمَا فِي يَدِهِ، (وَالْقَرَارُ) فِي ضَمَانِهِمَا (عَلَى الثَّانِي) ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَوْفِي لِلْمَنْفَعَةِ بِدُونِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَتَلَفُ الْعَيْنِ إنَّمَا حَصَلَ تَحْتَ يَدِهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ عَلِمَ) الثَّانِي بِالْحَالِ؛ أَيْ: بِأَنَّ لِلْعَيْنِ مَالِكًا لَمْ يَأْذَنْ فِي إعَارَتِهَا، وَكَذَا لَوْ أَجَّرَهَا بِلَا إذْنِهِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ الثَّانِي عَالِمًا بِالْحَالِ، بَلْ ظَنَّهَا مِلْكَ الْمُعِيرِ لَهُ؛ (ضَمِنَ الْعَيْنَ) فَقَطْ (فِي عَارِيَّةٍ) - أَيْ: فِيمَا تُضْمَنُ فِيهِ - لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِهَا، بِخِلَافِ مَا لَا تُضْمَنُ فِيهِ؛ كَأَنْ تَلِفَتْ فِيمَا أُعِيرَتْ لَهُ، أَوْ أَرْكَبَهَا مُنْقَطِعًا، وَلَمْ تَزُلْ يَدُهُ عَنْهَا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ الْمُعِيرُ مَالِكًا، فَكَذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُعِيرَ مُسْتَعِيرٌ. (وَيَسْتَقِرُّ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى) الْمُسْتَعِيرِ (الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الثَّانِيَ بِدَفْعِهَا لَهُ، عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ مَنَافِعَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَعَكْسُ ذَلِكَ لَوْ أَجَّرَهَا لِجَاهِلٍ بِالْحَالِ؛ فَيَسْتَقِرُّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ، وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانُ الْعَيْنِ. (وَالْعَوَارِيُّ الْمَقْبُوضَةُ مَضْمُونَةٌ مُطْلَقًا) فَرَّطَ أَوْ لَا، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ. عَنْ سَمُرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَلِحَدِيثِ صَفْوَانَ الْمُتَقَدِّمِ. وَأَشَارَ أَحْمَدُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَارِيَّةُ الْوَدِيعَةِ، بِأَنَّ الْعَارِيَّةَ أَخَذَتْهَا الْيَدُ الْوَدِيعَةُ دُفِعَتْ إلَيْكَ، وَلِأَنَّهُ أَخْذُ مِلْكِ غَيْرِهِ لِنَفْعِ نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا بِنَفْعِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَلَا إذْنٍ فِي إتْلَافٍ، فَكَانَ مَضْمُونًا كَالْغَصْبِ، وَقَاسَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 740 فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " عَلَى الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ، فَيَضْمَنُهَا الْمُسْتَعِيرُ (بِقِيمَةِ مُتَقَوِّمٍ يَوْمَ تَلِفَ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ فَوَاتُ الْعَارِيَّةِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الضَّمَانِ بِهِ؛ إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِيَوْمِ التَّلَفِ وَقْتُهُ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا، (وَمِثْلُ مِثْلَيْهِ) ؛ كَصَنْجَةٍ مِنْ نُحَاسٍ لَا صِنَاعَةَ بِهَا اسْتَعَارَهَا لِيَزِنَ بِهَا، فَتَلِفَتْ؛ فَعَلَيْهِ مِثْلُ وَزْنِهَا مِنْ نَوْعِهَا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا فِي الْقِيمَةِ. (وَلَوْ شُرِطَ عَدَمُ ضَمَانِهَا) فَيَلْغُو الشَّرْطُ، وَلَا يَسْقُطُ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ اقْتَضَى الضَّمَانَ لَمْ يُغَيِّرْهُ الشَّرْطُ؛ كَالْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ، فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ أَمَانَةً لَا يَزُولُ عَنْ حُكْمِهِ بِشَرْطِ ضَمَانِهِ كَالْوَدِيعَةِ وَالرَّهْنِ، أَوْ كَانَ مَضْمُونًا لَا يَزُولُ عَنْ حُكْمِهِ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ خِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَاسِدٌ، (لَكِنْ لَا يَضْمَنُ مَوْقُوفٌ) عَلَى جِهَةِ بِرٍّ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْمَوْقُوفَ لَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ (عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ) كَالْفُقَرَاءِ، أَمَّا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَتَلِفَ؛ ضَمِنَهُ مُسْتَعِيرٌ كَالطَّلْقِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (كَكُتُبِ عِلْمٍ وَسِلَاحٍ) مَوْقُوفٌ عَلَى (غُزَاةٍ) إذَا اسْتَعَارَهَا لِيَنْظُرَ فِيهَا أَوْ لِيَلْبِسَهَا عِنْدَ قِتَالِ الْكُفَّارِ، فَتَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ لَمْ يَضْمَنْهَا الْمُسْتَعِيرُ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَلَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ ضَمَانِهَا، لِكَوْنِ قَبْضِهَا عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ الْمُسْتَعِيرُ بِنَفْعِهِ؛ لِكَوْنِ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمِهِ وَالْغَزْوِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، أَوْ لِكَوْنِ الْمِلْكِ فِيهِ لَيْسَ لِمُعَيَّنٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ [مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحَقِّينَ لَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَقَطَتْ قَنْطَرَةٌ مَوْقُوفَةٌ بِسَبَبِ مَشْيِهِ عَلَيْهَا. انْتَهَى. قَالَ فِي " شَرَحَ الْإِقْنَاعِ " وَفِي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِلْكِ وَالْوَقْفِ، وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى مُعَيَّنٍ، وَتَلِفَ؛ ضَمِنَهُ مُسْتَعِيرُهُ كَالطَّلْقِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَمْ أَرَهُ انْتَهَى. قُلْتُ: مَا بَحَثَهُ شَارِحُ " الْإِقْنَاعِ " يُؤَيِّدُ هَذَا الِاتِّجَاهَ، وَإِنْ اسْتَعَارَ الْكُتُبَ الْمَوْقُوفَةَ وَنَحْوَهَا بِرَهْنٍ وَتَلِفَتْ؛ رَدَّ الرَّهْنَ إلَى رَبِّهِ، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 741 الرَّهْنِ لَا يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، فَيَرُدُّ الرَّهْنَ لِرَبِّهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ فَرَّطَ لِفَسَادِهِ، وَيَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ مَا تَلِفَ مِنْهَا بِتَفْرِيطِهِ أَوْ تَعَدِّيهِ؛ (كَحَيَوَانٍ مُوصَى بِنَفْعِهِ) تَلِفَ بَعْدَ قَبْضِهِ (عِنْدَ مُوصٍ لَهُ) ؛ فَلَا يَضْمَنُهُ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ مُسْتَحَقٌّ لِقَابِضِهِ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَرْوِيهِ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَمْرٌو وَعُبَيْدٌ ضَعِيفَانِ قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ؛ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ضَمَانِ الْأَجْزَاءِ التَّالِفَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ كَانَ تَخْصِيصًا فَلِمَا عَارَضَهُ مِنْ الْأَخْبَارِ الْمُخَصِّصَةِ لَهُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُغِلَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَ بِمَأْخُوذٍ مِنْ الْجِنَايَةِ وَالْغُلُولِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ اسْتِغْلَالِ الْغَلَّةِ، يُقَالُ هَذَا غَلٌّ فَهُوَ مُغِلٌّ إذَا أَخَذَ الْغَلَّةَ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْخَبَرِ، لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُتَنَقِّلِ أَيْ: غَيْرَ الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ يَصِيرُ مُسْتَغِلًّا، وَمُرَادُهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُعِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَيْنِ الْمُعَارَةِ، فَإِنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَضْمَنُهَا بِتَلَفِهَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطَ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَذَا) - أَيْ كَكُتُبِ الْعِلْمِ وَالسِّلَاحِ وَالْحَيَوَانِ الْمُوصَى بِنَفْعِهِ فِي الْحُكْمِ - حُكْمُ (عَوَارٍ غَيْرِ مَنْقُولَةٍ؛ كَعَقَارٍ) مِنْ دَارٍ وَنَحْوِهَا (خُسِفَ) ؛ أَيْ: ذَهَبَ فِي الْأَرْضِ، وَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ خَسْفًا؛ أَيْ: غَابَ بِهِ فِيهَا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} [القصص: 81] وَخَسَفَ هُوَ فِي الْأَرْض، وَخَسَفَ بِهِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، (أَوْ هُدِمَ بِنَحْوِ صَاعِقَةٍ) كَمَطَرٍ وَبَرَدٍ وَثَلْجٍ (أَوْ زَلْزَلَةٍ أَوْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ) ؛ فَلَا يَضْمَنُ مَنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 742 (وَلَوْ أَرْكَبَ) إنْسَانٌ (دَابَّتَهُ) شَخْصًا (مُنْقَطِعًا لِلَّهِ) تَعَالَى؛ (فَتَلِفَتْ) الدَّابَّةُ (تَحْتَهُ) - أَيْ: الْمُنْقَطِعِ - (وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِحِفْظِهَا؛ لَمْ يَضْمَنْ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الطَّالِبُ لِرُكُوبِهِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ (كَرَدِيفِ رَبِّهَا) ؛ أَيْ: الدَّابَّةِ؛ بِأَنْ أَرْكَبَ مَعَهُ آخَرَ عَلَى الدَّابَّةِ، فَتَلِفَتْ تَحْتِهِمَا؛ لَمْ يَضْمَنْ الرَّدِيفُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ بِيَدِ مَالِكِهَا، (وَكَرَائِضٍ) وَهُوَ الَّذِي يَرْكَبُ الدَّابَّةَ لِيُعَلِّمَهَا السَّيْرَ إذَا تَلِفَتْ تَحْتَهُ؛ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، (وَكَوَكِيلٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَعِيرٍ، (وَكَتَغْطِيَةِ ضَيْفِهِ بِلِحَافٍ فَاحْتَرَقَ عَلَيْهِ) ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمُنْقَطِعِ) كَمَا لَوْ أَرْكَبَهَا لِشَخْصٍ تَوَدُّدًا؛ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِحِفْظِهَا، فَتَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنْقَطِعِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلطَّلَبِ، وَإِنَّمَا أَرْكَبَهُ الْمَالِكُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ قَالَ) لِرَبِّ الدَّابَّةِ: (لَا أَرْكَبُ إلَّا بِأُجْرَةٍ، فَقَالَ) لَهُ رَبُّهَا (مَا آخُذُ أُجْرَةً) - وَلَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا - وَأَخَذَهَا؛ فَهِيَ عَارِيَّةٌ تَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا لَمْ يَبْذُلْهَا إلَّا كَذَلِكَ، (أَوْ اسْتَعْمَلَ مُودَعٌ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ رَبِّهَا فَهِيَ عَارِيَّةٌ) ، فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنْ ذَلِكَ. (وَلَا يَضْمَنُ) مُسْتَعِيرٌ (وَلَدَ عَارِيَّةٍ سُلِّمَ مَعَهَا) بِتَلَفِهِ عِنْدَهُ (بِلَا تَفْرِيطٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِعَارَةِ، وَلَا فَائِدَةَ لِلْمُسْتَعِيرِ فِيهِ؛ أَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَمْلَ وَقْتَ عَقْدٍ مَبِيعٍ؛ فَعَلَيْهِ هُنَا يَكُونُ مُعَارًا، قُلْتُ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْعَيْنِ؛ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمَنَافِعِ؛ وَلَا مَنْفَعَةَ لِلْحَمْلِ يُرَدُّ عَلَيْهَا الْعَقْدُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 743 (وَلَا) يَضْمَنُ مُسْتَعِيرٌ (زِيَادَةً مُتَّصِلَةٍ حَصَلَتْ) - أَيْ: حَدَثَتْ فِي مُعَارَةٍ (عِنْدَهُ) ، ثُمَّ تَلِفَتْ؛ لِعَدَمِ وُرُودِ عَقْدِ الْعَارِيَّةِ عَلَيْهَا، (وَيَضْمَنُ) مُسْتَعِيرٌ (زِيَادَةً) كَانَتْ مَوْجُودَةً (عِنْدَ عَقْدٍ؛ كَسِمَنٍ زَالَ عِنْدَ مُسْتَعِيرٍ) ؛ لِتَلَفِهِ تَحْتَ يَدِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: إنْ لَمْ تَذْهَبْ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ. وَ (لَا) يَضْمَنُ مُسْتَعِيرٌ (إنْ بَلِيَتْ هِيَ) - أَيْ: الْعَارِيَّة - (أَوْ) بَلِيَ (جُزْؤُهَا بِاسْتِعْمَالِهَا بِمَعْرُوفٍ) كَخَمْلِ مِنْشَفَةٍ وَطِنْفَسَةٍ بِكِسْرَتَيْنِ فِي اللُّغَةِ الْعَالِيَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: ابْنُ السِّكِّيتِ، وَفِي لُغَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ بِسَاطٌ لَهُ خَمْلٌ رَقِيقٌ (فِيمَا اُسْتُعِيرَتْ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الِاسْتِعْمَالِ تَضَمَّنَ الْإِذْنَ فِي الْإِتْلَافِ الْحَاصِلِ بِهِ، وَمَا أُذِنَ فِي إتْلَافِهِ لَا يُضْمَنُ؛ كَالْمَنَافِعِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: فَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَتْ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْمَعْرُوفِ؛ فَلَا ضَمَانَ. قَالَ فِي حَاشِيَةِ " الْإِقْنَاعِ ": فِي التَّفْرِيعِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا مَاتَتْ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَا بِهِ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيمَنْ أَرْكَبَ دَابَّتَهُ مُنْقَطِعًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَضْمَنُ إذْ أُتْلِفَتْ تَحْتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا، (فَإِنْ حَمَلَ) الْمُسْتَعِيرُ (فِي الْقَمِيصِ تُرَابًا) ، فَتَلِفَ؛ ضَمِنَهُ، (أَوْ) حَمَلَ فِيهِ (قُطْنًا) ، فَتَلِفَ؛ ضَمِنَهُ، (أَوْ اسْتَظَلَّ بِالْبِسَاطِ مِنْ الشَّمْسِ) ، فَتَلِفَ؛ (ضَمِنَ؛ لِتَعَدِّيهِ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ مَا اسْتَعَارَهُ فِي غَيْرِ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مِثْلُهُ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُسْتَعِيرٍ بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِ تَعَدِّيهِ) الِاسْتِعْمَالَ الْمَعْهُودَ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ. (وَيَجِبُ) عَلَى الْمُسْتَعِيرِ (رَدُّ) الْعَارِيَّة (بِطَلَبِ مَالِكٍ) لَهُ بِالرَّدِّ، وَلَوْ لَمْ يَنْقَضِ غَرَضُهُ مِنْهَا، أَوْ يَمْضِي الْوَقْتُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْمُسَلِّطُ لِحَبْسِ الْعَيْنِ - وَقَدْ انْقَطَعَ بِالطَّلَبِ - وَيَجِبُ الرَّدُّ أَيْضًا (بِانْقِضَاءِ غَرَضٍ) مِنْ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْحَبْسِ - وَقَدْ زَالَ - (أَوْ انْتِهَاءِ مُدَّةٍ) إنْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً؛ لِانْتِهَائِهَا، (أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) - أَيْ: الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ - لِبُطْلَانِ الْعَارِيَّةِ بِذَلِكَ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 744 لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، (فَإِنْ أَخَّرَ) الْمُسْتَعِيرُ الرَّدَّ فِيمَا ذَكَرَ فَتَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ؛ (ضَمِنَ) قِيمَتَهَا (مَعَ أُجْرَةِ مِثْلِهَا) لِمُدَّةِ تَأْخِيرِهِ، (وَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْمُسْتَعِيرِ (مُؤْنَةُ رَدِّ) الْعَارِيَّةِ إلَى مَالِكِهَا. كَمَغْصُوبٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» . وَإِذَا كَانَتْ وَاجِبَةَ الرَّدِّ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ؛ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مُؤْنَةُ (أَخْذٍ) . وَ (لَا) يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ (مُؤْنَتُهَا) - أَيْ: الْعَارِيَّة - مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ مَا دَامَتْ [ (عِنْدَهُ) ، بَلْ ذَلِكَ عَلَى مَالِكِهَا؛ كَالْمُسْتَأْجَرَةِ، وَيَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ رَدُّهَا]- أَيْ: الْعَارِيَّةِ - إلَى مَالِكِهَا أَوْ وَكِيلِهِ (لِمَوْضِعِ أَخْذِهَا) مِنْهُ؛ كَالْمَغْصُوبِ، (إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى) رَدِّهَا إلَى (غَيْرِهِ) ، وَيَبْرَأُ بِذَلِكَ مِنْ ضَمَانِهَا. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَحْمِلَ الْعَارِيَّةَ لِلْمُعِيرِ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِ الَّذِي اسْتَعَارَهَا فِيهِ، (فَلَوْ طَالَبَ) الْمُسْتَعِيرَ (بِمِصْرَ بِدَابَّةٍ) كَانَ (أَخَذَهَا بِدِمَشْقَ، فَإِنْ كَانَتْ) الدَّابَّةُ (مَعَهُ لَزِمَهُ دَفْعُهَا) إلَى رَبِّهَا لِعَدَمِ الْعُذْرِ [وَإِلَّا] تَكُنْ مَعَهُ بِمِصْرَ (فَلَا) يَلْزَمُهُ حَمْلُهَا إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ إنَّمَا اقْتَضَى الرَّدَّ مِنْ حَيْثُ أَخَذَ، وَإِعَادَةَ الشَّيْءِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَجِبُ مَا زَادَ. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ اسْتَعَارَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَكَلْبٍ مُبَاحِ الِاقْتِنَاءِ، أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ مَدْبُوغٍ، أَوْ أَخَذَ حُرًّا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ أَبْعَدَهُ عَنْ بَيْتِ أَهْلِهِ؛ لَزِمَهُ الرَّدُّ وَمُؤْنَتُهُ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» وَلَوْ مَاتَ الْحُرُّ لَمْ يَضْمَنْهُ. (وَيَبْرَأُ) مُسْتَعِيرٌ (بِرَدِّ عَارِيَّةِ إلَى مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ) - أَيْ: بِجَرَيَانِ الرَّدِّ (عَلَى يَدِهِ كَسَائِسٍ) رَدَّ إلَيْهِ الدَّابَّةَ، (وَخَازِنٍ وَزَوْجَةٍ) مُتَصَرِّفِينَ فِي مَالِهِ، (وَوَكِيلٍ عَامٍّ فِي قَبْضِ حُقُوقِهِ) . قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ "؛ فَلَا يَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا إلَى مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِجَرَيَانِ ذَلِكَ عَلَى يَدِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي الْوَدِيعَةِ: إذَا سَلَّمَهَا إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 745 امْرَأَتِهِ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي ذَلِكَ عُرْفًا أَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ نُطْقًا، وَلَا يَبْرَأُ مُسْتَعِيرٌ (بِرَدِّهَا) - أَيْ: الدَّابَّةَ - (إلَى إصْطَبْلِهِ) - بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مَكْسُورَةٍ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ - غَيْرِ عَرَبِيٍّ، (أَوْ) إلَى (غُلَامِهِ) ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِخِدْمَتِهِ، وَقَضَاءِ أُمُورِهِ، عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا، أَوْ رَدَّهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَأْخُذُهَا مِنْهُ، أَوْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا، وَلَمْ يُسَلِّمْهَا لِأَحَدٍ، أَوْ إلَى (عِيَالِهِ الَّذِينَ لَا عَادَةَ لَهُمْ بِقَبْضِ مَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا وَلَا نَائِبِهِ فِيهَا، فَلَمْ يَبْرَأْ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ، وَكَرَدِّ السَّارِقِ مَا سَرَقَهُ إلَى الْحِرْزِ. [فَرْعٌ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ] (فَرْعٌ: مَنْ سَلَّمَ لِشَرِيكِهِ نَحْوَ دَابَّةٍ) كَثَوْبٍ وَآنِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ لِيَحْفَظَهَا لَهُ، فَتَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَا تَعَدٍّ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ بِيَدِهِ، (فإ) ن (اسْتَعْمَلَهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ مَجَّانًا فَعَارِيَّةٌ) تُضْمَنُ مُطْلَقًا، وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِرُكُوبِهَا لِمَصَالِحِهِ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِ عَلَيْهَا فَعَارِيَّةٌ أَيْضًا. (وَيَتَّجِهُ فَلَوْ غُصِبَتْ) الدَّابَّةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ؛ (ضَمِنَ) الْمَأْذُونُ (نَفْعَهَا) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَبِدُونِهِ) ؛ أَيْ: إنْ اسْتَعْمَلَهَا بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ؛ (فَغَصْبٌ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ، فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ، (وَ) إنْ أَخَذَهَا مِنْ شَرِيكِهِ (بِأُجْرَةٍ فَهِيَ إجَارَةٌ) لَا تُضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ، وَإِلَّا بِأَنْ أَخَذَهَا مِنْ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ؛ فَهِيَ (أَمَانَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ إذَا قُبِضَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ يَكُونُ نِصْفُهُ مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا، وَنِصْفُ الشَّرِيكِ أَمَانَةُ، فَلَا (تُضْمَنُ) بِدُونِ تَعَدٍّ أَوْ (تَفْرِيطٍ) كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ، وَإِنْ فَرَّطَ الشَّرِيكُ (بِسَوْقِ) الدَّابَّةِ (فَوْقَ الْعَادَةِ) ؛ ضَمِنَ قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ "، وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيَعْلِفَهَا، وَيَقُومَ بِمَصْلَحَتِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 746 وَنَحْوِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهَا فِي نَظِيرِ إنْفَاقِهِ عَلَيْهَا أَوْ تَنَاوُبُهُ مَعَهُ؛ لَمْ يَضْمَنْ بِلَا تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ. (وَيَتَّجِهُ لَوْ اسْتَعْمَلَهَا) - أَيْ: الدَّابَّةَ - (بِإِذْنِ) شَرِيكِهِ بِأَنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا (فِي مُقَابَلَةِ عَلَفِهَا؛ فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ) ؛ لِاشْتِرَاطِ عَلَفِهَا عَلَيْهِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إجَارَةٌ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ يُخْرِجُهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا، وَفِي " التَّلْخِيصِ " إذَا أَعَارَهُ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يُعِيرَهُ الْآخَرُ فَرَسَهُ؛ فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، فَهَذَا رُجُوعٌ إلَى أَنَّهَا كِنَايَةٌ فِي عَقْدٍ آخَرَ [، وَالْفَسَادُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِاشْتِرَاطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ آخَرَ،] وَإِمَّا لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمَنْفَعَةِ، وَعَلَيْهِ خَرَّجَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَ عَبْدِي لِتُمَوِّنَّهُ أَوْ دَابَّتِي لِتَعْلِفَهَا، فَعَلَى كُلٍّ لَا ضَمَانَ بِلَا تَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّ مَا لَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِهِ، لَا ضَمَانَ فِي فَاسِدِهِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. تَتِمَّةٌ: وَمَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا، ثُمَّ ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا؛ فَلِمَالِكِهِ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِعَدَمِ إذْنِهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ. يُطَالِبُ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، أَمَّا الدَّافِعُ فَلِتَعَدِّيهِ بِالدَّفْعِ، وَأَمَّا الْقَابِضُ فَلِقَبْضِهِ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ رَجَعَ عَلَى الْمُعِيرِ بِمَا غَرِمَ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، مَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَعِيرُ عَالِمًا بِالْحَالِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْمُعِيرَ؛ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأُجْرَةِ عَلَى أَحَدٍ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَعِيرُ عَالِمًا، وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ. [فَصْلٌ اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ والمعار إلَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ] (فَصْلٌ: وَإِنْ دَفَعَ) إلَيْهِ دَابَّةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْأَعْيَانِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا، ثُمَّ (اخْتَلَفَا) - أَيْ: الْمَالِكُ وَالْقَابِضُ - (فَقَالَ) الْمَالِكُ: (آجَرْتُك. قَالَ) الْقَابِضُ: (بَلْ أَعَرْتنِي) ، وَكَانَ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ (قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ) مِنْ الْقَبْضِ (لَهَا أُجْرَةٌ؛ فَقَوْلُ قَابِضٍ) بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِجَارَةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 747 وَتُرَدُّ لِمَالِكِهَا. (وَ) إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا (بَعْدَهَا) - أَيْ: بَعْدَ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ - فَالْقَوْلُ (قَوْلُ مَالِكٍ فِي مَا مَضَى) مِنْ الْمُدَّةِ (فَقَطْ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي كَيْفِيَّةِ انْتِقَالِ الْمَنَافِعِ إلَى مِلْكِ الْقَابِضِ، فَقُدِّمَ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنٍ، فَادَّعَى الْمَالِكُ بَيْعَهَا وَالْآخَرُ هِبَتَهَا؛ إذْ الْمَنَافِعُ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأَعْيَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ، وَأَمَّا الْبَاقِي مِنْ الْمُدَّةِ؛ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَقْدِ. (وَ) إذَا حَلَفَ الْمَالِكُ (فَلَهُ أَجْرُ مِثْلٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَثْبُتُ بِدَعْوَى الْمَالِكِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ قَدْ تَلِفَتْ، وَقَالَ الْمَالِكُ: آجَرْتُكهَا، وَقَالَ الْقَابِضُ: أَعَرْتنِيهَا؛ لَمْ يَسْتَحِقَّ صَاحِبُهَا الْمُطَالَبَةَ بِقِيمَتِهَا، لِإِقْرَارِهِ بِمَا يُسْقِطُ ضَمَانَهَا، وَهُوَ الْإِجَارَةُ، وَلَا نَظَرَ إلَى إقْرَارِ الْمُسْتَعِيرِ بِالْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ [رَدَّ] قَوْلَهُ بِإِقْرَارِهِ بِالْإِجَارَةِ؛ فَبَطَلَ إقْرَارُهُ، (وَكَذَا [لَوْ] ادَّعَى) زَارِعٌ أَرْضَ غَيْرِهِ (أَنَّهُ زَرَعَ) الْأَرْضَ (عَارِيَّةً، وَقَالَ رَبُّهَا) : زَرَعْتَهَا (إجَارَةً) ؛ فَقَوْلُ مَالِكٍ، وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، (وَ) إنْ قَالَ الْقَابِضُ لِلْمَالِكِ: (أَعَرْتَنِي، أَوْ) . قَالَ لَهُ: (آجَرْتَنِي، قَالَ) الْمَالِكُ: بَلْ (غَصَبْتَنِي) ، فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا عَقِبَ الْعَقْدِ - وَالْبَهِيمَةُ قَائِمَةٌ - أَخَذَهَا مَالِكُهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ، وَلَمْ يَفُتْ مِنْهَا شَيْءٌ لِيَأْخُذَهَا الْمَالِكُ عِوَضَهُ، وَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا - وَقَدْ مَضَى مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ - فَقَوْلُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَابِضِ لِمَالِ غَيْرِهِ الضَّمَانُ، فَتَجِبُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْقَابِضِ لِلْعَيْنِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ تَلِفَتْ الدَّابَّةُ، وَاخْتَلَفَا فَفِي مَسْأَلَةُ دَعْوَى الْقَابِضُ الْعَارِيَّةَ وَالْمَالِكُ الْغَصْبَ هُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى ضَمَانِ الْعَيْنِ إذْ كُلٌّ مِنْ الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ مَضْمُونٌ مُخْتَلِفَانِ فِي الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِيهَا لِدَعْوَاهُ الْغَصْبَ، وَالْقَابِضُ يُنْكِرُهَا بِدَعْوَاهُ الْعَارِيَّةَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، فَيَحْلِفُ، وَتَجِبُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْقَابِضِ؛ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي دَعْوَى الْقَابِضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 748 الْإِجَارَةِ مَعَ دَعْوَى الْمَالِكِ الْغَصْبَ هُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى وُجُوبِ الْأُجْرَةِ، مُخْتَلِفَانِ فِي ضَمَانِ الْعَيْنِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ، فَيَغْرَمُ الْقَابِضُ قِيمَتَهَا فِي صُورَتَيْ دَعْوَى الْإِجَارَةِ وَدَعْوَى الْعَارِيَّةِ حَيْثُ ادَّعَى الْمَالِكُ الْغَصْبَ فِيهِمَا، وَيَغْرَمُ الْقَابِضُ أَيْضًا أُجْرَةَ مِثْلِهَا إلَى حِينِ التَّلَفِ فِيهِمَا، (أَوْ) قَالَ الْمَالِكُ: (أَعَرْتُكَ الْعَيْنَ قَالَ) الْقَابِضُ: (بَلْ آجَرْتَنِي - وَالْبَهِيمَةُ تَالِفَةٌ - فَقَوْلُ مَالِكٍ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَابِضِ بِمَالِ غَيْرِهِ الضَّمَانُ، (وَكَذَا) لَوْ قَالَ الْقَابِضُ: (أَعَرْتَنِي، أَوْ قَالَ: آجَرْتَنِي، فَقَالَ) الْمَالِكُ: (غَصَبْتَنِي) - وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ - فَقَوْلُ مَالِكٍ بِيَمِينِهِ (فِي) وُجُوبِ (الْأُجْرَةِ، وَ) فِي وُجُوبِ (رَفْعِ الْيَدِ) وَرَدِّ الْعَيْنِ لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْقَابِضُ، (وَ) إنْ قَالَ الْمَالِكُ: (أَعَرْتُكَ) ، فَقَالَ الْقَابِضُ: أَوْدَعْتَنِي؛ فَقَوْلُ مَالِكٍ بِيَمِينِهِ، (أَوْ) قَالَ الْمَالِكُ: (غَصَبْتَنِي، فَقَالَ) الْقَابِضُ: (أَوْدَعْتَنِي؛ فَقَوْلُ مَالِكٍ) بِيَمِينِهِ، (وَلَهُ) - أَيْ: الْمَالِكُ - عَلَى الْقَابِضِ (قِيمَةُ) عَيْنٍ (تَالِفَةٍ) ؛ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْعَارِيَّةِ بِحَلِفِهِ عَلَيْهِ وَلَا أُجْرَةَ (وَكَذَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي (عَكْسِهَا) ؛ كَقَوْلِ الْمَالِكِ: (أَوْدَعْتُكَ، فَقَالَ) الْقَابِضُ: بَلْ (أَعَرْتَنِي) ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ أَيْضًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَلَهُ) - أَيْ: الْمَالِكُ - عَلَى الْقَابِضِ (أُجْرَةُ مَا انْتَفَعَ بِهَا) - أَيْ: الْعَيْنِ - وَيَرُدُّهَا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ ضَمَانَ الْمَنَافِعِ عَلَيْهِ، وَدَعْوَاهُ الْعَارِيَّةَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهَا بِأَنْ قَالَ مُسْتَعِيرٌ: رَدَدْتُهَا، وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ؛ فَقَوْلُ مَالِكٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ، وَكَالْمَدِينِ إذَا ادَّعَى أَدَاءَ الدَّيْنِ. تَتِمَّةٌ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: مَنْ بَعَثَ رَسُولًا يَسْتَعِيرُ لَهُ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا مِنْ بَغْدَادَ إلَى الْكُوفَةِ مَثَلًا، فَجَاءَ إلَى الْمُعِيرِ، فَاسْتَعَارَهَا مِنْهُ لِيَرْكَبَهَا إلَى الْحِلَّةِ، فَرَكِبَهَا الْمُسْتَعِيرُ إلَى الْكُوفَةِ، وَلَا يَدْرِي، فَعَطِبَتْ؛ فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّسُولِ إنْ اعْتَرَفَ بِالْكَذِبِ، وَإِنْ قَالَ لِلْمُسْتَعِيرِ: كَذَلِكَ أَمَرْتَنِي وَكَذَّبَهُ الْمُسْتَعِيرُ؛ فَلَا يَكُونُ الرَّسُولُ هُنَا شَاهِدًا؛ لِأَنَّهُ خَصَمٌ، وَالْمُسْتَعِيرُ ضَامِنٌ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ أَمَرَهُ إلَى الْكُوفَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 749 [كِتَابُ الْغَصْبِ وَجِنَايَةِ الْبَهَائِمِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ الْإِتْلَافِ] (كِتَابُ الْغَصْبِ) وَجِنَايَةِ الْبَهَائِمِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ الْإِتْلَافِ، وَهُوَ مَصْدَرُ غَصَبَ يَغْصِبُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ، وَيُقَالُ: اغْتَصَبَهُ يَغْتَصِبُهُ اغْتِصَابًا وَالشَّيْءُ مَغْصُوبٌ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ سِيدَهْ. وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: 188] وَقَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، وَالسَّرِقَةُ نَوْعٌ مِنْ الْغَصْبِ. وَرَوَى جَابِرٌ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» . رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ. وَالْغَصْبُ فِي الشَّرْعِ (اسْتِيلَاءُ غَيْرِ حَرْبِيٍّ) بِفِعْلٍ يُعَدُّ الِاسْتِيلَاءُ (عُرْفًا عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ) مِنْ مَالٍ أَوْ اخْتِصَاصٍ (قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ) ، فَتَخْرُجُ الشُّفْعَةُ، وَمِنْهُ الْمَأْخُوذُ مَكْسًا وَنَحْوُهُ، فَلَا يَحْصُلُ بِلَا اسْتِيلَاءٍ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ اسْتِيلَاءَ الْحَرْبِيِّ عَلَى مَالِنَا لَيْسَ غَصْبًا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّ السَّرِقَةَ وَالنَّهْبَ وَالِاخْتِلَاسَ لَيْسَتْ غَصْبًا؛ لِعَدَمِ الْقَهْرِ فِيهَا وَأَنَّ اسْتِيلَاءَ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ مُوَلِّيهِ لَيْسَ غَصْبًا؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَكُونُ اسْتِيلَاءُ مُسْتَأْجِرٍ (عَلَى) عَيْنٍ (مُؤَجَّرَةٍ بِأُجْرَةٍ) مَعْلُومَةٍ مَعَ فَلَسِ مُسْتَأْجِرٍ غَصْبًا، (وَ) لَا اسْتِيلَاءُ مُشْتَرٍ عَلَى شِقْصٍ (بِيعَ بِثَمَنٍ) مَعْلُومٍ (مَعَ) ظُهُورِ (فَلَسِ) مُشْتَرٍ غَصْبًا، لِمُصَادَفَةِ ذَلِكَ عَقْدًا صَحِيحًا ابْتِدَاءً، وَظُهُورُ الْفَلَسِ لَا يَقْدَحُ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . (وَيُضْمَنُ عَقَارٌ) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - بِغَصْبٍ، لِحَدِيثِ: «مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسَبْعِ أَرَضِينَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِمَعْنَاهُ؛ وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ» . وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ؛ كَسُكْنَاهُ الدَّارَ وَمَنْعِ صَاحِبِهَا مِنْهَا؛ أَشْبَهَ أَخْذَ الدَّابَّةِ وَالْمَتَاعِ. (وَ) تُضْمَنُ (أُمُّ وَلَدٍ) بِغَصْبٍ؛ لِجَرَيَانِهَا مَجْرَى الْمَالِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ فِي الْإِتْلَافِ؛ لِكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً كَالْقِنِّ؛ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ، فَلَا تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ. (وَ) يُضْمَنُ (قِنٌّ بِغَصْبٍ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى - وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ - كَسَائِرِ الْمَالِ. (وَاسْتِيلَاءُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَمَنْ رَكِبَ دَابَّةً وَاقِفَةً) لَيْسَ عِنْدَهَا رَبُّهَا، أَوْ كَانَ عِنْدَهَا لَكِنْ رَكِبَهَا (بِلَا إذْنِهِ؛ فَهُوَ غَاصِبٌ، وَلَوْ لَمْ يُسَيِّرْهَا) ، بَلْ تَرَكَهَا وَاقِفَةً. وَلَا يَحْصُلُ الْغَصْبُ مِنْ غَيْرِ الِاسْتِيلَاءِ (فَمَنْ دَخَلَ أَرْضِ شَخْصٍ أَوْ دَارِهِ) ، سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ (بِلَا إذْنِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ إيَّاهَا) ؛ لَمْ يَضْمَنْ بِدُخُولِهِ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا فِيهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ؛ كَمَا لَوْ دَخَلَ صَحْرَاءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ مَا يَضْمَنُ بِالْعَارِيَّةِ، وَهَذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ الْعَارِيَّةُ، وَلَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ فِيهَا؛ فَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْغَصْبُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 [فَائِدَةٌ لَا يُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ نَقْلُ الْعَيْنِ] ِ، فَيَكْفِي مُجَرَّدُ الِاسْتِيلَاءِ، فَلَوْ دَخَلَ دَارًا قَهْرًا وَأَخْرَجَ رَبَّهَا؛ فَغَاصِبٌ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ قَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ، أَوْ دَخَلَ مَعَ حُضُورِ رَبِّهَا وَقُوَّتِهِ؛ فَلَا، وَإِنْ دَخَلَ قَهْرًا، أَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ؛ فَقَدْ غَصَبَ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ، إنْ لَمْ يُرِدْ الْغَصْبَ فَلَا، وَإِنْ دَخَلَهَا قَهْرًا فِي غَيْبَةِ رَبِّهَا؛ فَغَاصِبٌ - وَلَوْ كَانَ فِيهَا قُمَاشُهُ - ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَلَا تَثْبُتُ يَدُ غَاصِبٍ عَلَى بُضْعٍ) - بِضَمِّ الْبَاءِ - وَجَمْعُهُ أَبْضَاعٌ كَقُفْلٍ وَأَقْفَالٍ، يُطْلَقُ عَلَى الْفَرْجِ وَالْجِمَاعِ وَالتَّزْوِيجِ، وَالْبِضَاعُ الْجِمَاعُ لَفْظًا وَمَعْنًى، (فَيَصِحُّ) مِنْ مَالِكٍ (تَزْوِيجُ أَمَةٍ غُصِبَتْ) وَهِيَ بِيَدِ غَاصِبِهَا - وَلَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً، (وَلَا يَضْمَنُ) الْغَاصِبُ (مَهْرَهَا لَوْ) حَبَسَهَا عَنْ النِّكَاحِ حَتَّى (فَاتَ) نِكَاحُهَا (بِكِبَرِهَا، وَلَا) يَضْمَنُ الْغَاصِبُ (نَفْعَهُ) - أَيْ: الْبُضْعَ - لِأَنَّ النَّفْعَ إنَّمَا يُضْمَنُ بِالتَّفْوِيتِ إذَا كَانَ مِمَّا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ بِالْإِجَارَةِ، وَالْبُضْعُ لَيْسَ كَذَلِكَ. (وَإِنْ غَصَبَ) شَخْصٌ (خَمْرَ مُسْلِمٍ ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (مَا تَخَلَّلَ بِيَدِهِ) مِنْهَا إنْ تَلِفَتْ قَبْلَ رَدِّهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ خَلًّا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَغْصُوبَةِ مِنْهُ، وَيَلْزَمُهُ رَدُّ مَا تَخَلَّلَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ لَمْ تَزُلْ عَنْهَا بِالْغَصْبِ، فَكَأَنَّهَا تَخَلَّلَتْ فِي يَدِهِ، وَقَوْلُهُ: مُسْلِمٌ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ خَمْرُ الذِّمِّيِّ إذَا تَخَلَّلَ بِيَدِ الْغَاصِبِ يَجِبُ رَدُّهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهُ قَبْلَ التَّخَلُّلِ، فَبَعْدَهُ أَوْلَى. وَ (لَا) يَضْمَنُ (مَا تَخَلَّلَ مِمَّا جَمَعَ) مِنْ خَمْرٍ (بَعْدَ إرَاقَةٍ) ، فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ؛ لِزَوَالِ يَدِهِ هُنَا بِالْإِرَاقَةِ. (وَيَتَّجِهُ وَهُوَ) - أَيْ: الْمُتَخَلَّلُ بَعْدَ الْإِرَاقَةِ - (لِمُرِيقِهِ) يَمْلِكُهُ بِحَوْزِهِ كَالْمَاءِ وَالْكَلَأِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَمَعَهُ غَيْرُهُ، فَيَكُونُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْإِرَاقَةِ لَمْ يَكُنْ مَالًا، فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ مِلْكٌ بِمُجَرَّدِهَا، بَلْ بِجَمْعِهِ بَعْدَ التَّخْلِيلِ، (إلَّا أَنْ تُحِيلَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 الْمُرِيقَ عَلَى التَّخْلِيلِ، فَيَمْنَعُ مِنْ تَنَاوُلِهَا، لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَجِبُ رَدُّ خَمْرَةِ ذِمِّيِّ مُسْتَتِرَةٍ) غُصِبَتْ (كَخَمْرِ خَلَّالٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ إمْسَاكِهَا، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ دُهْنًا مُتَنَجِّسًا، لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ. . (وَ) يَجِبُ رَدُّ (كَلْبٍ يُقْتَنَى) كَكَلْبٍ لِصَيْدٍ وَمَاشِيَةٍ وَحَرْثٍ؛ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَ (لَا) يَجِبُ رَدُّ (قِيمَتِهَا) - أَيْ: الْخَمْرَ - لِذِمِّيٍّ أَوْ خَلَّالٍ، وَلَا الْكَلْبِ (مَعَ تَلَفٍ) ؛ لِتَحْرِيمِهِمَا؛ فَهُمَا كَالْمَيْتَةِ. (وَلَا) يَلْزَمُ رَدُّ (جِلْدِ مَيْتَةٍ غُصِبَ) - وَلَوْ دَبَغَهُ - (لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِدَبْغٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ (يَلْزَمُ رَدُّهُ) - أَيْ: جِلْدَ الْمَيِّتَةِ الَّذِي دُبِغَ - إنْ كَانَ (بَاقِيًا لِمَنْ يَرَى طَهَارَتَهُ) ؛ كَحَنَفِيٍّ غَصَبَهُ آخَرُ جِلْدَ مَيْتَةٍ بِطُهْرٍ لَوْ دُبِغَ، فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَوِّلٌ عِنْدَهُ، (وَكَذَا أَكْلُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ) ؛ كَدُهْنٍ مُتَنَجِّسٍ غُصِبَ مِمَّنْ يَرَى طَهَارَتَهُ بِغَسْلِهِ، فَيَلْزَمُ رَدُّهُ إلَيْهِ، (وَ) إذَا رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى (الْحَاكِمِ) ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ (يَحْكُمَ) إلَّا (بِمَذْهَبِهِ) ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ حُكِمَ بِرَدِّهِ، وَإِلَّا فَلَا، (وَمَعَ تَلَفِ) الْجِلْدِ (لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ) بِرَدِّ بَدَلِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَوِّلٍ، وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ يَجِبُ رَدُّهُ حَيْثُ قُلْنَا: يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْيَابِسَاتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا كَالْكَلْبِ الْمُقْتَنَى، وَصَحَّحَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَهُوَ الْقِيَاسُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ رَجَبٍ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْمُوضِحُ وَقَالَ: وَصَرَّحُوا بِوُجُوبِ رَدِّهِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ) كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا (بِاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ) ؛ بِأَنْ حَبَسَهُ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ الطَّعَامَ وَالشُّرْبَ، فَمَاتَ عِنْدَهُ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا عَلَى الْحُرِّ، (وَتُضْمَنُ ثِيَابُ) حُرٍّ (صَغِيرٍ وَحُلِيِّهِ) - وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ مَالٌ، وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا مُمَانَعَةَ مِنْهُ عَنْ ذَلِكَ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ غَصَبَهُ مُنْفَرِدًا. وَعَلَى مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ بَيْتِ أَهْلِهِ رَدُّهُ إلَيْهِ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَ (لَا) يَضْمَنُ (هُوَ) - أَيْ: الصَّغِيرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَمَحَلُّ عَدَمِ ضَمَانِ الصَّغِيرِ، (مَا لَمْ يَغُلَّهُ) ؛ أَيْ: يَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ حَدِيدَةً مُسْتَدِيرَةً، (أَوْ يُتْلِفَ الصَّغِيرَ بِنَحْوِ حَيَّةٍ) بِأَنْ يُلْقِيَهُ مَكْتُوفًا بِفَضَاءٍ، فَتَمُرُّ بِهِ دَابَّةٌ فَتَقْتُلُهُ، (كَمَا) يَأْتِي (فِي الدِّيَاتِ) مُفَصَّلًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، (وَيَتَّجِهُ وَمَعَ بَقَاءِ صَغِيرٍ) فِي الْحَيَاةِ (يُلْزَمُ) الْغَاصِبُ (بِتَحْصِيلِهِ) ، وَرَدِّهِ إلَى أَهْلِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تُضْمَنُ (دَابَّةٌ) غُصِبَتْ، وَ (عَلَيْهَا مَالِكُهَا الْكَبِيرُ وَمَتَاعُهُ) ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ مَالِكِهَا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ الْكَبِيرِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالتِّسْعِينَ. (وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ) - أَيْ: الْحُرَّ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا - (كُرْهًا) فِي خِدْمَةٍ أَوْ خِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ؛ لِاسْتِيفَائِهِ مَنَافِعَهُ الْمُتَقَوِّمَةَ، فَضَمِنَهَا؛ كَمَنَافِعِ الْيَدِ، (أَوْ حَبَسَهُ) - أَيْ: الْحُرَّ - (مُدَّةً) لَهَا أُجْرَةٌ (فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ) مُدَّةَ حَبْسِهِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ مَنْفَعَتَهُ مُدَّةَ الْحَبْسِ، وَهِيَ مَالٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 فَضُمِنَتْ بِالْغَصْبِ؛ كَمَنَافِع الْعَبْدِ، وَلَا أُجْرَةَ (إنْ مَنَعَ) إنْسَانٌ آخَرَ - (وَلَوْ) كَانَ الْمَمْنُوعُ (قِنًّا) - (الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ) ، وَلَا حَبْسٍ؛ لِعَدَمِ تَلَفِهَا تَحْتَ يَدِهِ، وَلِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ أَوْ سَيِّدِهِ، وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ مَعَهُ؛ كَمَا لَا يُضْمَنُ هُوَ وَلَا ثِيَابُهُ إذَنْ. (وَلَا يُضْمَنُ رِبْحٌ فَاتَ) عَلَى مَالِكٍ (بِحَبْسِ) غَاصِبٍ (مَالَ تِجَارَةٍ) مُدَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَرْبَحَ فِيهَا إذَا لَمْ يَتَّجِرْ فِيهِ غَاصِبٌ؛ كَمَا لَوْ حَبَسَ عَبْدًا يُرِيدُ مَالِكُهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ صِنَاعَةً مُدَّةً يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ الصِّنَاعَةَ فِيهَا، فَإِنَّ الصِّنَاعَةَ لَا تَقُومُ عَلَى غَاصِبٍ فِي تَضْمِينِ مَنَافِعِهِ، وَلَا فِي تَضْمِينِ عَيْنِهِ، إنْ تَلِفَ؛ لِأَنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا. . [فَصْلٌ يَجِبُ عَلَى غَاصِبٍ رَدُّ مَغْصُوبٍ] (فَصْلٌ: وَيَجِبُ عَلَى غَاصِبٍ رَدُّ مَغْصُوبٍ) إلَى مَحِلِّهِ الَّذِي غُصِبَ مِنْهُ إنْ (قَدَرَ) الْغَاصِبُ (عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى رَدِّهِ - بِأَنْ كَانَ بَاقِيًا، (وَلَوْ) كَانَ رَدُّهُ (بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ) - أَيْ: لِمَغْصُوبٍ - (لِكَوْنِهِ بُنِيَ عَلَيْهِ) ؛ بِأَنْ غَصَبَ حَجَرًا أَوْ خَشَبًا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ، فَبَنَى عَلَيْهِ، وَاحْتَاجَ فِي إخْرَاجِهِ وَرَدِّهِ إلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، (أَوْ) لِكَوْنِهِ (بَعِيدًا) ؛ بِأَنْ حَمَلَ مَغْصُوبًا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ بِحَيْثُ تَكُونُ أُجْرَةُ حَمْلِهِ إلَى الْبَلَدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ، (أَوْ خُلِطَ بِمُتَمَيِّزٍ) ؛ بِأَنْ غَصَبَ شَعِيرًا، فَخَلَطَهُ بِذُرَةٍ (وَنَحْوِهِ) ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ حَيَوَانًا وَأَفْلَتَهُ بِمَكَانٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، لَكِنَّهُ تَعَسَّرَ مَسْكُهُ فِيهِ، وَيَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى أُجْرَةٍ؛ فَتَلْزَمُ الْغَاصِبَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَلِحَدِيثِ: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا أَوْ جَادًّا، فَإِذَا أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلِيَرُدَّهَا إلَيْهِ، أَوْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّهُ أَزَالَ يَدَ الْمَالِكِ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَزِمَهُ إعَادَتُهَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ يُلْزَمُ غُرْمَ تَخْلِيصِهِ وَمُؤْنَةَ حَمْلِهِ، فَلِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِغُرْمِهِ مِنْ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَنْظُرْ إلَى مَصْلَحَةِ الْمُتَعَدِّي. (وَإِنْ قَالَ رَبُّ) مَغْصُوبٍ (عَبْدٍ) لِغَاصِبٍ بَعَّدَهُ عَنْ بَلَدِ الْغَصْبِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 (دَعْهُ) بِالْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهَا، (وَأَعْطِنِي أُجْرَةَ رَدِّهِ إلَى بَلَدِ غَصْبِهِ) ، أَوْ طَلَبَ مِنْ الْغَاصِبِ حَمْلَ الْمَغْصُوبِ إلَى مَكَانٍ آخَرَ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الرَّدِّ؛ (لَمْ يَجِبْ) ؛ أَيْ: لَمْ يَلْزَمْ الْغَاصِبَ إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ بَذَلَ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَلَا يَسْتَرِدُّهُ، فَإِنَّ الْمَالِكَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَالِكُ مِنْ الْغَاصِبِ رَدَّ الْمَغْصُوبِ إلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ فَقَطْ؛ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إلَى جَمِيعِ الْمَسَافَةِ، فَلَزِمَهُ إلَى بَعْضِهَا كَمَا لَوْ أَسْقَطَ رَبُّ الدَّيْنِ عَنْ الْمَدِينِ بَعْضَ الدَّيْنِ، وَطَلَبَ مِنْهُ بَاقِيَهُ، وَمَهْمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا. (وَإِنَّ سَمَّرَ) الْغَاصِبُ (بِالْمَسَامِيرِ) الْمَغْصُوبَةِ (بَابًا) أَوْ غَيْرَهُ؛ (قَلَعَهَا) وُجُوبًا، (وَرَدَّهَا) ؛ لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا أَثَرَ لِضَرَرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَامِيرُ مِنْ الْخَشَبَةِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ كَانَتْ مِنْ مَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْمَالِكُ بِقَلْعِهَا، فَيَلْزَمُهُ الْقَلْعُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَامِيرُ لِلْغَاصِبِ، فَوَهَبَهَا لِلْمَالِكِ؛ لَمْ يُجْبَرْ الْمَالِكُ عَلَى قَبُولِهَا؛ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْغَاصِبُ عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ مِنْ الْمَذْكُورِ؛ فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الْعَامِلَ. (وَإِنْ زَرَعَ) الْغَاصِبُ (الْأَرْضَ) الْمَغْصُوبَةَ، ثُمَّ رَدَّهَا - وَقَدْ حَصَدَ زَرْعَهُ - (فَلَيْسَ لِرَبِّهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ - (بَعْدَ حَصْدِ) الزَّرْعِ (إلَّا الْأُجْرَةَ) - أَيْ: أُجْرَةَ الْمِثْلِ عَنْ الْأَرْضِ إلَى تَسْلِيمِ الْغَاصِبِ - لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ عِوَضُهُ؛ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ بِالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ، فَوَجَبَ أَنْ تُضْمَنَ كَالْعَيْنِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ النَّقْصِ إنْ نَقَصَتْ؛ كَسَائِرِ الْغُصُوبِ، وَلَوْ لَمْ يَزْرَعْ الْغَاصِبُ الْأَرْضَ، فَنَقَصَتْ لِتَرْكِ الزِّرَاعَةِ؛ كَأَرَاضِي الْبَصْرَةِ، أَوْ نَقَصَتْ لِغَيْرِ ذَلِكَ؛ ضَمِنَ نَقْصَهَا؛ لِحُصُولِهِ بِيَدِهِ الْعَادِيَةِ، وَإِنْ أَدْرَكَ الْأَرْضَ رَبُّهَا - وَالزَّرْعُ قَائِمٌ - فَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ؛ لِمَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 قَالَ: «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ؛ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَلَهُ نَفَقَتُهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ إتْلَافِ مَالِ الْغَاصِبِ عَلَى قُرْبٍ مِنْ الزَّمَانِ، فَلَمْ يَجُزْ إتْلَافُهُ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ سَفِينَةً، فَحَمَلَ فِيهَا مَتَاعَهُ، وَأَدْخَلَهَا لُجَّةَ الْبَحْرِ؛ لَا يُجْبَرُ عَلَى إلْقَائِهِ فَكَذَا هُنَا؛ صِيَانَةً لِلْمَالِ عَنْ التَّلَفِ، وَفَارَقَ الشَّجَرَ لِطُولِ مُدَّتِهِ، وَحَدِيثُ: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . مَحْمُولٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَنَا فِي الزَّرْعِ، فَيَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (وَيُخَيَّرُ) مَالِكٌ (قَبْلَهُ) - أَيْ: قَبْلَ حَصَادِهِ - (وَلَوْ) كَانَ الْمَالِكُ (مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ) - أَيْ: مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِإِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا (بَيْنَ تَرْكِهِ) - أَيْ: الزَّرْعَ - (إلَيْهِ) - أَيْ: إلَى الْحَصَادِ - (بِأُجْرَتِهِ) - أَيْ: أُجْرَةِ مِثْلِهِ - وَأَرْشِ نَقْصِهَا إنْ نَقَصَتْ، (أَوْ تَمَلُّكٍ) - أَيْ: الزَّرْعَ - (بِنَفَقَتِهِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهِ غَرَضُهُ، فَمَلَكَ الْخِيرَةَ بَيْنَهُمَا تَحْصِيلًا لِغَرَضِهِ، (وَهِيَ مِثْلُ الْبَذْرِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ مِنْ حَرْثٍ وَسَقْيٍ) وَغَيْرِهِمَا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: «وَلَهُ نَفَقَتُهُ» . قَالَ الْإِمَامُ: إنَّمَا أَذْهَبُ إلَى هَذَا الْحُكْمِ اسْتِحْسَانًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ - أَيْ: اسْتِحْسَانًا لِلْعَمَلِ بِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الْمُتَقَدِّمِ - وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِحْسَانَ الْأُصُولِيَّ الَّذِي هُوَ فِي اللُّغَةِ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ حَسَنًا، وَفِي عُرْفِ الْأُصُولِيِّينَ الْعُدُولُ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ نَظَائِرِهَا لِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ عَمِلَ الْحَرْثَ وَنَحْوَهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مُتَقَوِّمٌ اُسْتُهْلِكَ لِمَصْلَحَةِ الزَّرْعِ، فَوَجَبَ رَدُّ عِوَضِهِ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ عَمِلَهُ، وَلِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ تَبْقِيَتِهِ بِأُجْرَتِهِ وَتَمَلُّكِهِ بِنَفَقَتِهِ تَحْصِيلًا لِغَرَضِ رَبِّ الْأَرْضِ، فَمَلَكَ الْخِيرَةَ بَيْنَهُمَا، وَحَيْثُ اخْتَارَ الْمَالِكُ أَخْذَ الزَّرْعِ بِنَفَقَتِهِ؛ فَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْغَاصِبِ لِمُدَّةِ مُكْثِهِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَرْضِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَادَتْ إلَى الْمَالِكِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَيُذَكِّي الزَّرْعَ رَبُّ الْأَرْضِ إنْ أَخَذَهُ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ؛ لِوُجُوبِهَا وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، إنْ تَمَلَّكَهُ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ؛ فَذَكَاتُهُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَقْتَ وُجُوبِهَا، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ زَرَعَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ، وَالْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ زَرَعَ فِيهَا لَهُ نَصِيبٌ مَعْلُومٌ، وَلِرَبِّهَا قَسْمُ مَا زَرَعَهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَذَلِكَ قَالَ: وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ أَنْ يَزْرَعَهُ أَوْ يُهَايِئَهُ فِيهَا فَأَبَى؛ فَلِلْأَوَّلِ الزَّرْعُ فِي قَدْرِ حَقِّهِ بِلَا أُجْرَةٍ كَدَارٍ بَيْنَهُمَا فِيهَا بَيْتَانِ، سَكَنَ أَحَدَهُمَا عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِمَّا يَلْزَمُهُ انْتَهَى، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ. (وَإِنْ غَرَسَ) غَاصِبٌ (أَوْ بَنَى فِيهَا) - أَيْ: الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ - (أُخِذَ) ؛ أَيْ: أُلْزِمَ (بِقَلْعِ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ) إذَا طَلَبَ رَبُّ الْأَرْضِ بِذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلًا فِي أَرْضِ الْآخَرِ، فَقَضَى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِأَرْضِهِ، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا، فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَتُضْرَبُ أُصُولُهَا بِالْفُؤُوسِ، وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عُمٌّ» . وَالْعُمُّ الطِّوَالُ. قَالَ أَحْمَدُ: (وَ) أُخِذَ الْغَاصِبُ أَيْضًا (بِتَسْوِيَتِهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ - (وَأَرْشِ نَقْصِهَا) ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِ؛ فَلَزِمَهُ إزَالَتُهُ كَغَيْرِهِ، (وَ) عَلَيْهِ (أُجْرَتُهَا) - أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ - مُدَّةَ احْتِبَاسِهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا ذَهَبَتْ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ، فَكَانَ عَلَيْهِ عِوَضُهَا كَالْأَعْيَانِ، (حَتَّى وَلَوْ كَانَ) الْغَاصِبُ (أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ) فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، (أَوْ لَمْ يَغْصِبْهَا) الْغَارِسُ أَوْ الْبَانِي فِيهَا، (لَكِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ) لِلتَّعَدِّي. (وَلَا يَمْلِكُ) رَبُّ الْأَرْضِ (أَخْذَهُ) - أَيْ: الْبِنَاءَ أَوْ الْغِرَاسَ - مِنْ الْغَاصِبِ مَجَّانًا وَلَا (بِقِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِ الْغَاصِبِ، فَلَمْ يَمْلِكُ رَبُّ الْأَرْضِ أَخْذَهُ؛ كَمَا لَوْ وَضَعَ فِيهَا أَثْلَاثًا أَوْ نَحْوَهُ، وَلِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يُجْبَرْ الْمَالِكُ عَلَيْهَا وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 فَائِدَةٌ: إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْغِرَاسِ؛ فَالْوَاجِبُ قِيمَةُ الْغِرَاسِ، حَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ. . (وَلَوْ) أَدْرَكَ رَبُّ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (الثَّمَرَ) فِيهَا وَأَرَادَ أَخْذَهُ (فَقَطْ) دُونَ أَصْلِهِ (قَهْرًا) ؛ مُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَمَرُ شَجَرِ الْغَاصِبِ، فَكَانَ لَهُ؛ كَالْأَغْصَانِ وَالْوَرَقِ وَلَبَنِ الشَّاةِ وَنَسْلِهَا، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ تَمَلُّكُ الزَّرْعِ بِنَفَقَتِهِ؛ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا صَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ؛ لِلْأَثَرِ، فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِهِ، وَلَا يُعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الثَّمَرَةَ تُفَارِقُ الزَّرْعَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ الزَّرْعَ نَمَاءُ الْأَرْضِ، فَكَانَ لِصَاحِبِهَا، وَالثَّمَرُ نَمَاءُ الشَّجَرِ؛ فَكَانَ لِصَاحِبِهِ. الثَّانِي - أَنَّهُ يَرُدُّ عِوَضَ الزَّرْعِ إذَا أَخَذَهُ مِثْلُ الْبَذْرِ الَّذِي نَبَتَ مِنْهُ الزَّرْعُ مَعَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ؛ وَلَا يُمْكِنُهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الثَّمَرَةِ. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ غَصَبَ شَجَرًا فَأَثْمَرَ؛ فَالثَّمَرُ لِصَاحِبِ الشَّجَرِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ عَيْنَ مِلْكِهِ نَمَا وَزَادَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ طَالَتْ أَغْصَانُهُ، وَيَرُدُّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَبَدَلَهُ إنْ تَلِفَ، وَإِنْ كَانَ رَطْبًا فَصَارَ تَمْرًا، أَوْ عِنَبًا فَصَارَ زَبِيبًا، فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَأَرْشُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ بِعَمَلِهِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِلشَّجَرِ؛ لِأَنَّ أُجْرَتَهَا لَا تَجُوزُ فِي الْعُقُودِ؛ فَكَذَلِكَ فِي الْغَصْبِ، وَإِنْ نَفَعَ الشَّجَرَ تَرْبِيَةُ الثَّمَرِ وَإِخْرَاجُهُ، وَقَدْ عَادَتْ هَذِهِ الْمَنَافِعُ إلَى الْمَالِكِ، وَلَوْ كَانَتْ مَاشِيَةً؛ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ وَلَدِهَا إنْ وَلَدَتْ عِنْدَهُ، وَضَمَانُ لَبَنِهَا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَيَضْمَنُ أَوْبَارَهَا، وَأَشْعَارَهَا بِمِثْلِهِ؛ كَالْقُطْنِ. (وَإِنْ وَهَبَ) الْغَاصِبُ الْغِرَاسَ أَوْ الْبِنَاءَ (لِمَالِكِهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ - لِيَتَخَلَّصَ مِنْ قَلْعِهِ، فَقَبِلَهُ الْمَالِكُ؛ جَازَ؛ لِتَرَاضِيهِمَا، وَإِنْ أَبَى الْمَالِكُ قَبُولَ ذَلِكَ، وَكَانَ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، أَوْ لَا؛ (لَمْ يُجْبَرْ) رَبُّ الْأَرْضِ (عَلَى قَبُولِهِ) مِنْ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إلَيْهِ؛ فَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ. (وَ) إنْ زَرَعَ الْغَاصِبُ فِيهَا (نَوًى) ، فَصَارَ شَجَرًا، فَحُكْمُهُ (كَغَرْسٍ) كَمَا تَقَدَّمَ، (وَنَحْوُ رَطْبَةٍ) كَنَعْنَاعٍ وَبُقُولٍ مِمَّا يَخْرُجُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (وَقِثَّاءٍ) يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ وَبَاذِنْجَانٍ؛ (كَزَرْعٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 فِيمَا تَقَدَّمَ فِي أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ إذَا أَدْرَكَهُ قَائِمًا لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِنَفَقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ قَوِيٌّ، أَشْبَهَ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ. (وَمَتَى كَانَتْ آلَاتُ الْبِنَاءِ مِنْ مَغْصُوب) ؛ بِأَنْ كَانَ فِيهِ لَبِنًا أَوْ آجُرًّا، أَوْ ضَرَبَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَبَنَى بِهِ فِيهِ؛ فَعَلَيْهِ (أُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةً) ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَرْضَ مِلْكٌ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَلَا أُجْرَةَ لِلْغَاصِبِ لِبِنَائِهِ، (وَلَا يَمْلِكُ) غَاصِبٌ (هَدْمَهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّهُ فِيهِ، فَإِنْ نَقَضَهُ؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْضِ الْحَاصِلِ بِنَقْضِهِ، (وَإِلَّا) تَكُنْ آلَاتُ الْبِنَاءِ مِنْ الْمَغْصُوبِ، بَلْ إنْ كَانَتْ لِلْغَاصِبِ؛ بِأَنْ بَنَاهَا بِلَبِنٍ مِنْ غَيْرِ تُرَابِهَا، (فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا) غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا غَصَبَ الْأَرْضَ وَحْدَهَا، وَأَمَّا بِنَاؤُهُ بِآلَاتِهِ فَلَهُ. (فَلَوْ أَجَّرَهُمَا) ؛ أَيْ: أَجَّرَ الْغَاصِبُ الْأَرْضَ وَبِنَاءَهَا الَّذِي لَيْسَ مِنْهَا؛ (فَالْأُجْرَةُ) الْمُسْتَقِرَّةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَرَبِّ الْأَرْضِ (بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا) ؛ أَيْ: تُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا بِالْمُحَاصَّةِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِ الْأَرْضِ، وَأَجْرِ الْبِنَاءِ، فَيَنْظُرُ كَمْ أُجْرَةُ الْأَرْضِ مَبْنِيَّةً ثُمَّ أُجْرَتُهَا خَالِيَةً؛ فَمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ أُجْرَةُ الْبِنَاءِ، فَيَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ بِأُجْرَةِ مَالِهِ، وَلَوْ جَصَّصَ الْغَاصِبُ الدَّارَ أَوْ زَوَّقَهَا؛ فَحُكْمُهُ كَالْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِمَا لَا حُرْمَةَ لَهُ. (وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَغِرَاسًا مَنْقُولًا مِنْ) شَخْصٍ (وَاحِدٍ فَغَرَسَهُ) - أَيْ الْغِرَاسَ (فِيهَا) - أَيْ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ - فَالْكُلُّ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي نَظِيرِ فِعْلِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، (وَلَمْ يَمْلِكْ) الْغَاصِبُ (قَلْعَهُ) ؛ لِأَنَّ مَالِكَهَا وَاحِدٌ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِهِ فِي مِلْكِهِ بِلَا إذْنِهِ، (وَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (إنْ فَعَلَ) ؛ أَيْ: قَلَعَ الْغِرَاسَ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكٍ، تَسْوِيَتُهَا وَنَقْصُهَا وَنَقْصُ غِرَاسِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، (أَوْ طَلَبَهُ) - أَيْ: الْقَلْعَ - (رَبُّهُمَا) - أَيْ: رَبُّ الْأَرْضِ وَالْغِرَاسِ - (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) ؛ بِأَنْ كَانَ لَا يُنْتَجُ مِثْلُهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ مَثَلًا (لَا عَبَثٍ) ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْعَبَثِ (تَسْوِيَتُهَا) - أَيْ الْأَرْضِ - وَعَلَيْهِ أَرْشُ (نَقْصِهَا، وَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 أَرْشُ (نَقْصِ غِرَاسٍ) ؛ لِحُصُولِهِ بِتَعَدِّيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ غَرَضٌ صَحِيحٌ؛ لَمْ يُجْبَرْ الْغَاصِبُ عَلَى الْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْ الْمَالِكِ؛ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ التَّصَرُّفُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ أُجْرَةُ الْمَغْصُوبِ مَبْنِيًّا؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَرْضَ مِلْكٌ لِرَبِّهَا، وَتَقَدَّمَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ وَيَلْزَمُهُ) - أَيْ الْقَابِضَ - (عَوْدُهُ) - أَيْ الْغِرَاسِ - إذَا قَلَعَهُ بِدُونِ إذْنِ مَالِكِ الْأَرْضِ (حَيْثُ) تَقَرَّرَ أَنَّهُ (لَا يَمْلِكُ) الْغَاصِبُ (قَلْعَهُ) ؛ كَمَا لَوْ هَدَمَ بِنَاءً، فَيَلْزَمُهُ عَوْدُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا لِرَجُلٍ، وَ) غَصَبَ (غَرْسًا لِ) شَخْصٍ (آخَرَ، فَغَرَسَهُ فِيهَا) - أَيْ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ - ثُمَّ وَقَعَ النِّزَاعُ فِي مُؤْنَةِ الْقَلْعِ؛ (فَمُؤْنَةُ قَلْعٍ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى غَاصِبٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي غُرْمِهِ، وَكَذَا إذَا زَرَعَ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ بِبَذْرِ الْغَيْرِ؛ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ تَمَلُّكُهُ وَلَا قَلْعُهُ، بَلْ يَبْقَى لِمَالِكِهِ إلَى أَوَانِ حَصَادِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِ الْأَرْضِ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِعُدْوَانِهِ. (وَإِنْ غَصَبَ خَشَبًا فَرَقَّعَ بِهِ سَفِينَةً؛ قُلِعَ) إنْ كَانَتْ فِي السَّاحِلِ أَوْ فِي لُجَّةٍ وَلَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ قَلْعِهِ لِكَوْنِهِ فِي أَعْلَاهَا وَدُفِعَ لِرَبِّهِ بِلَا إهْمَالٍ؛ لِوُجُوبِهِ فَوْرًا، (وَيُمْهَلُ) لِقَلْعٍ (مَعَ خَوْفٍ) عَلَى سَفِينَةٍ بِقَلْعِهِ؛ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَحَلٍّ يَخَافُ مِنْهُ دُخُولَ الْمَاءِ إلَيْهَا وَهِيَ فِي اللُّجَّةِ (حَتَّى تُرْسِي) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ قَلْعُهُ إلَى إفْسَادِ مَا فِي السَّفِينَةِ مِنْ الْمَالِ مَعَ إمْكَانِ رَدِّ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ بَعْدَ زَمَنٍ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ إتْلَافٍ كَمَا لَوْ كَانَ فِيهَا مَالُ غَيْرِهِ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْإِرْسَاءُ لِبُعْدِ الْبَرِّ؛ (فَلِمَالِكِ) خَشَبٍ مَغْصُوبٍ (أَخْذُ قِيمَتِهِ) ؛ لِلتَّضَرُّرِ بِرَدِّ عَيْنِهِ إذَنْ، فَإِذَا أَمْكَنَ رَدُّ الْخَشَبِ إلَى رَبِّهِ اسْتَرْجَعَهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 وَرَدَّ الْقِيمَةَ؛ لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ، وَعَلَى الْغَاصِبِ الْأُجْرَةُ إلَى حِينِ بَذْلِهِ الْقِيمَةَ فَقَطْ، وَلَا يَمْلِكُهُ بِبَذْلِهَا، بَلْ يَمْلِكُهَا رَبُّهُ، (وَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (أُجْرَتُهُ) - أَيْ: الْخَشَبَ - (إلَى قَلْعِهِ) لِذَهَابِ مَنَافِعِهِ بِيَدِهِ، (وَ) عَلَيْهِ أَرْشُ (نَقْصِهِ) إنْ نَقَصَ؛ لِحُصُولِهِ بِتَعَدِّيهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ. [فَرْعٌ مَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَحُكْمُهَا فِي جَوَازِ دُخُولِ غَيْرِهِ إلَيْهَا كَحُكْمِهَا قَبْلَ غَصْبٍ] (فَرْعٌ: مَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَحُكْمُهَا فِي جَوَازِ دُخُولِ غَيْرِهِ إلَيْهَا) كَحُكْمِهَا (قَبْلَ غَصْبٍ) . فَحُكْمُ أَرْضٍ (مَحُوطَةٍ كَدَارٍ وَبُسْتَانٍ) وَحَانُوتٍ (لَا يَجُوزُ) دُخُولُ غَيْرِهِ إلَيْهَا، وَأَمَّا هُوَ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى. وَحُكْمُ (غَيْرِهَا) - أَيْ: غَيْرِ الْمَحُوطَةِ - (كَصَحْرَاءَ وَخَانٍ) وَمَدْرَسَةٍ وَزَاوِيَةٍ مَغْصُوبَةٍ (يَجُوزُ) دُخُولُ غَيْرِ الْغَاصِبِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ قَبْلَ الْغَصْبِ فَبَعْدَهُ كَذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ. [فَصْلٌ غَصَبَ مَا خَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ وَخِيفَ بِقَلْعِهِ ضَرَرُ] (فَصْلٌ: وَإِنْ غَصَبَ مَا خَاطَ بِهِ جُرْحَ) حَيَوَانٍ (مُحْتَرَمٍ) مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، (وَخِيفَ بِقَلْعِهِ) - أَيْ: الْخَيْطِ - (ضَرَرُ آدَمِيٍّ) ؛ لَمْ يُقْلَعْ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، (أَوْ) خِيفَ مِنْ قَلْعِهِ (تَلَفُ غَيْرِهِ) - أَيْ: الْآدَمِيِّ - (فَ) عَلَى الْغَاصِبِ (قِيمَتُهُ) - أَيْ: الْخَيْطِ - لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ، فَوَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ - وَهُوَ الْقِيمَةُ - وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَلْعُ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ آكَدُ حُرْمَةً مِنْ بَقِيَّةِ الْمَالِ، وَلِهَذَا جَازَ إتْلَافُ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَا يُطْعَمُهُ الْحَيَوَانُ لِأَجْلِ تَبْقِيَتِهِ، وَكَذَا لَوْ شَدَّ بِالْمَغْصُوبِ جُرْحًا يَشْخَبُ دَمُهُ، أَوْ جَبَرَ بِهِ نَحْوَ سَاقٍ مَكْسُورٍ. وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْخِنْزِيرِ، فَإِذَا خَاطَ جُرْحَ ذَلِكَ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ؛ وَجَبَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ تَفْوِيتَ ذِي حُرْمَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ خَاطَ بِهِ ثَوْبًا. (وَإِنْ حَلَّ) حَيَوَانٌ خِيطَ جُرْحُهُ بِمَغْصُوبٍ (لِغَاصِبٍ) كَشَاتِه وَبَقَرَتِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 وَنَحْوِهَا، وَخِيفَ مَوْتُهُ بِقَلْعِهِ (أُمِرَ) غَاصِبٌ (بِذَبْحِهِ) - أَيْ: الْحَيَوَانِ - وَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْخَيْطِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِلْأَكْلِ كَالْخَيْلِ، (وَيَرُدُّهُ) - أَيْ: الْخَيْطَ لِرَبِّهِ - لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَدِّهِ بِذَبْحِ الْحَيَوَانِ وَالِانْتِفَاعِ بِلَحْمِهِ، وَلَا أَثَرَ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ؛ لِتَعَدِّيهِ؛ كَمَا يُرَدُّ الْخَيْطُ (بَعْدَ مَوْتِ) حَيَوَانٍ (غَيْرِ آدَمِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ؛ لِبَقَاءِ حُرْمَتِهِ، فَتَتَعَيَّنُ قِيمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ الَّذِي خِيطَ جُرْحُهُ مُحْتَرَمًا غَيْرَ مَأْكُولٍ؛ رَدَّ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْخَيْطِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ آكَدُ؛ لِمَا سَبَقَ. . (وَمَنْ غَصَبَ جَوْهَرَةً) مَثَلًا، (فَابْتَلَعَتْهَا بَهِيمَةٌ) بِتَفْرِيطِهِ أَوْ لَا؛ (فَكَذَلِكَ) ؛ أَيْ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَيْطِ الَّذِي خَاطَ بِهِ جُرْحَهَا عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ. (وَلَوْ ابْتَلَعَتْ شَاةُ شَخْصٍ) مَثَلًا (جَوْهَرَةَ آخَرَ غَيْرَ مَغْصُوبَةٍ، وَلَا تَخْرُجُ) أَيْ: تَعَذَّرَ إخْرَاجُ الْجَوْهَرَةِ (إلَّا بِذَبْحِهَا، وَهُوَ) - أَيْ: ذَبْحُهَا - (أَقَلُّ ضَرَرٍ) مِنْ ضَرَرِ تَرْكِهَا؛ (ذُبِحَتْ، وَعَلَى رَبِّ الْجَوْهَرَةِ مَا نَقَصَ بِهِ) - أَيْ: بِالذَّبْحِ - لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ (إنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّ الشَّاةِ بِكَوْنِ يَدِهِ عَلَيْهَا) حِينَ ابْتِلَاعِهَا الْجَوْهَرَةَ، فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْجَوْهَرَةِ مِمَّا نَقَصَهُ الذَّبْحُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ غَيْرِهِ، فَكَانَ الضَّرَرُ عَلَى الْمُفَرِّطِ. (وَإِنْ حُصِلَ رَأْسُهَا) - أَيْ: الشَّاةِ - وَنَحْوِهَا (بِإِنَاءٍ وَلَمْ يَخْرُجْ) رَأْسُهَا (إلَّا بِذَبْحِهَا أَوْ كَسْرِهِ) - أَيْ: الْإِنَاءِ - (وَلَمْ يُفَرِّطَا) - أَيْ: رَبَّ الشَّاةِ وَرَبَّ الْإِنَاءِ؛ (كُسِرَ) الْإِنَاءُ؛ لِرَدِّ مَا حَصَلَ فِيهِ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ لِرَبِّهِ، (وَعَلَى مَالِكِهَا) - أَيْ: الْبَهِيمَةِ - (أَرْشُهُ) لِتَخْلِيصِ مَالِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَجِبُ كَسْرُ الْإِنَاءِ وَأَخْذُ أَرْشِهِ (إلَّا إنْ وَهَبَهَا) - أَيْ: الْبَهِيمَةَ - مَالِكُهَا لَهُ - أَيْ: لِرَبِّ الْإِنَاءِ - وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 فَإِنْ قِبَلهَا جَازَ، وَصَارَتْ هِيَ وَالْإِنَاءُ مِلْكًا لَهُ، يَتَصَرَّفُ بِهِمَا كَيْفَ شَاءَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَمَعَ تَفْرِيطِهِ) - أَيْ: تَفْرِيطِ رَبِّ الشَّاةِ - بِأَنْ أَدْخَلَ رَأْسَهَا بِيَدِهِ فِي نَحْوِ الْقِدْرِ، أَوْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا حَالَ الدُّخُولِ؛ (تُذْبَحُ) الْبَهِيمَةُ (بِلَا ضَمَانٍ) عَلَى رَبِّ الْإِنَاءِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالضَّرَرِ مِمَّنْ لَمْ يُفَرِّطْ، (وَمَعَ تَفْرِيطِ رَبِّهِ) - أَيْ: الْإِنَاءِ كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ أَلْقَى الْإِنَاءَ فِي الطَّرِيقِ؛ (يُكْسَرُ) الْإِنَاءُ (بِلَا أَرْشٍ) عَلَى رَبِّ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْمُفَرِّطَ أَوْلَى بِالضَّرَرِ. (وَيَتَعَيَّنُ فِي) بَهِيمَةٍ (غَيْرِ مَأْكُولَةٍ) حُصِلَ رَأْسُهَا بِإِنَاءٍ، وَلَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرِهِ (كَسْرُهُ) - أَيْ: الْإِنَاءِ - ولَا تُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ بِحَالٍ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْقَتْلِ لَمْ يُمَكَّنَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ، (وَعَلَى رَبِّهَا أَرْشُهُ) - أَيْ: الْإِنَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيطُ مِنْ مَالِكِهِ، وَإِنْ قَالَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ: أَنَا أُتْلِفُ مَالِي، وَلَا أَغْرَمُ شَيْئًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ. (وَيَحْرُمُ تَرْكُ الْحَالِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ) - أَيْ: تَرْكُ رَأْسِ الْبَهِيمَةِ بِالْإِنَاءِ [بِلَا] ذَبْحٍ وَلَا كَسْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبُ حَيَوَانٍ، فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّ الْإِنَاءِ، وَامْتَنَعَ رَبُّ غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ مِنْ أَرْشِ الْكَسْرِ؛ أُجْبِرَ، لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ تَخْلِيصِهَا مِنْ الْعَذَابِ، فَلَزِمَ رَبَّهَا كَعَلَفِهَا. وَإِنْ غَصَبَ إنْسَانٌ فَصِيلًا أَوْ مُهْرًا وَنَحْوَهُ، فَأَدْخَلَهُ دَارِهِ، فَكَبِرَ وَتَعَذَّرَ خُرُوجُهُ بِدُونِ نَقْضِ الْبَابِ، أَوْ غَصَبَ خَشَبَةً وَأَدْخَلَهَا دَارِهِ، ثُمَّ بَنَى الْبَابَ ضَيِّقًا بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ الْخَشَبَةُ إلَّا بِنَقْضِهِ؛ وَجَبَ نَقْضُهُ؛ لِضَرُورَةِ وُجُوبِ الرَّدِّ، وَرُدَّ الْفَصِيلُ وَالْخَشَبَةُ لِرَبِّهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ أَوْلَى بِالضَّرَرِ. (وَلَوْ حُصِلَ مَالُ شَخْصٍ) مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ (فِي دَارِهِ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ) مِنْ الدَّارِ (بِدُونِ نَقْضِ) بَعْضِهَا؛ (وَجَبَ نَقْضُهُ) وَأُخْرِجَ، (وَعَلَى رَبِّهِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 أَيْ: الْمَالِ الْمُخْرَجِ - (ضَمَانُهُ) - أَيْ: إصْلَاحُهُ - لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّ الدَّارِ) بِأَنْ دَخَلَ الْحَيَوَانُ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَدْخَلَهُ رَبُّهُ. وَأَمَّا الْخَشَبَةُ إذَا حَصَلَتْ فِي الدَّارِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطِ صَاحِبِهَا فَإِنْ كَانَ كَسْرُهَا أَكْثَرَ ضَرَرًا مِنْ نَقْضِ الْبَابِ وَإِعَادَتِهِ؛ فَحُكْمُهَا كَالْفَصِيلِ، يُنْقَضُ الْبَابُ وَيَغْرَمُ صَاحِبُهَا أَرْشَ نَقْضِهِ وَإِصْلَاحِهِ، وَإِنْ كَانَ كَسْرُهَا أَقَلَّ ضَرَرًا كُسِرَتْ، وَلَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ؛ لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ، وَإِنْ كَانَ حُصُولُ مَا ذُكِرَ فِي الدَّارِ بِعُدْوَانٍ مِنْ صَاحِبِهِ؛ كَمَنْ غَصَبَ دَارًا وَأَدْخَلَهَا فَصِيلًا أَوْ خَشَبَةً؛ أَوْ تَعَدَّى عَلَى إنْسَانٍ، فَأَدْخَلَ دَارِهِ فَرَسًا وَنَحْوَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ كُسِرَتْ الْخَشَبَةُ، وَذُبِحَ الْحَيَوَانُ الْمَأْكُولُ - وَلَوْ زَادَ ضَرَرُهُ عَلَى نَقْصِ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ رَبَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِعِدْوَانِهِ. وَإِنْ كَانَ الْحَاصِلُ مِنْ ذَوَاتِ التَّرْكِيبِ كَالتَّوَابِيتِ وَالْأَسِرَّةِ؛ فَكَذَلِكَ إنْ فَرَّطَ مَالِكُ الدَّارِ نُقِضَ الْبَابُ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَإِنْ فَرَّطَ مَالِكُهُ فُكَّ التَّرْكِيبُ. (وَلَوْ بَاعَهَا) - أَيْ: الدَّارَ - (وَفِيهَا مَا يَعْسُرُ إخْرَاجُهُ كَخَوَابٍ) غَيْرِ مَدْفُونَةٍ وَخَزَائِنَ غَيْرِ مَسْمُورَةٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا، أَوْ كَانَ فِيهَا حَيَوَانٌ؛ يَنْظُرُ. فَإِنْ كَانَ ضَرَرُ النَّقْضِ أَقَلَّ مِنْ بَقَاءِ ذَلِكَ فِي الدَّارِ أَوْ مِنْ تَفْصِيلِهِ مَا يَتَأَتَّى تَفْصِيلُهُ كَخَزَائِنَ وَمِنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ؛ (نُقِضَ بَابٌ أَقَلُّ ضَرَرًا) وَكَانَ أَرْشُ نَقْضِهِ وَإِصْلَاحِهِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ دَارِهِ، وَلَهُ فِيهَا أَسِرَّةٌ، وَتَعَذَّرَ الْإِخْرَاجُ وَالتَّفْكِيكُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ نَقْضُ الْبَابِ أَكْثَرَ ضَرَرًا مِنْ بَقَاءِ ذَلِكَ فِي الدَّارِ وَمِنْ تَفْصِيلِهِ وَذَبْحِ الْحَيَوَانِ؛ لَمْ يُنْقَضْ الْبَابُ؛ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ، (وَاصْطَلَحَا) عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ مُشْتَرِي الدَّارِ، أَوْ يَهَبَهُ لَهُ الْبَائِعُ. ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ. (وَمَنْ غَصَبَ نَحْوَ دِينَارٍ) كَجَوْهَرَةٍ أَوْ دِرْهَمٍ، (فَحَصَلَ فِي مَحْبَرَةِ آخَرَ) أَوْ نَحْوِهَا مِنْ كُلِّ إنَاءٍ ضَيِّقِ الرَّأْسِ، بِفِعْلِ غَاصِبٍ أَوْ لَا، (وَعَسُرَ إخْرَاجُهُ) مِنْهَا بِدُونِ كَسْرِهَا، (فَإِنْ زَادَ ضَرَرُ الْكَسْرِ عَلَيْهِ) - أَيْ: الدِّينَارِ - بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا صَحِيحَةً دِينَارَيْنِ وَقِيمَتُهَا مَكْسُورَةً نِصْفَ دِينَارٍ؛ (فَعَلَى الْغَاصِبِ بَدَلُهُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 أَيْ: الدِّينَارِ - يُعْطِيهِ لِرَبِّهِ، وَلَمْ تُكْسَرْ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ، وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، (وَإِلَّا) يَزِدْ ضَرَرُ الْكَسْرِ عَلَى الدِّينَارِ؛ بِأَنْ تَسَاوَيَا، أَوْ كَانَ ضَرَرُ الْكَسْرِ أَقَلَّ؛ (تَعَيَّنَ الْكَسْرُ) ؛ لِرَدِّ عَيْنِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ إضَاعَةِ مَالٍ، (وَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (ضَمَانُهُ) - أَيْ: الْكَسْرِ - لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ إذَا غَصَبَ دِينَارًا وَجَعَلَهُ (فِي مِحْبَرَةِ نَفْسِهِ) ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِدُونِ كَسْرِهَا فَإِنَّهَا (تُكْسَرُ) الْمِحْبَرَةُ (مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ زَادَ ضَرَرُ الْكَسْرِ عَلَى الدِّينَارِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ فِيهَا بِتَعَدِّيهِ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مَا بَنَى عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ) مِنْ أَنَّهُ إذَا بَنَى عَلَى حَجَرٍ كَانَ غَصَبَهُ؛ فَهُوَ فِي الْحُكْمِ (كَهَذَا) يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْضُ الْحَائِطِ، وَرَدُّ الْحَجَرِ إلَى رَبِّهِ؛ لِعِدْوَانِهِ وَظُلْمِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ حُصِلَ) الدِّينَارُ أَوْ نَحْوُهُ فِي الْمِحْبَرَةِ أَوْ نَحْوِهَا (بِلَا غَصْبٍ وَلَا فِعْلِ أَحَدٍ) ؛ بِأَنْ سَقَطَ مِنْ مَكَانٍ، أَوْ أَلْقَتْهُ رِيحٌ أَوْ طَائِرٌ أَوْ هِرٌّ؛ (كُسِرَتْ الْمِحْبَرَةُ) وَنَحْوُهَا وُجُوبًا، (وَعَلَى رَبِّهِ) - أَيْ: الدِّينَارِ (أَرْشُهَا) - أَيْ: أَرْشِ نَقْصِ الْمِحْبَرَةِ بِالْكَسْرِ - لِأَنَّ الْكَسْرَ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ (إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ) رَبُّ الدِّينَارِ (مِنْهُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 أَيْ: مِنْ كَسْرِ الْمِحْبَرَةِ - مَعَ ضَمَانِ أَرْشِهِ؛ (لِكَوْنِهَا) - أَيْ: الْمِحْبَرَةِ - (ثَمِينَةً) أَيْ: غَالِيَةَ الثَّمَنِ - فَإِنْ امْتَنَعَ (فَلَا طَلَبَ لَهُ) ، وَيَصْطَلِحَانِ عَلَيْهِ. (وَ) إنْ حَصَلَ الدِّينَارُ وَنَحْوُهُ (بِفِعْلِ مَالِكِهَا) - أَيْ: الْمِحْبَرَةِ - فَإِنَّهَا (تُكْسَرُ مَجَّانًا) ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الدِّينَارِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى رَبِّهَا إعَادَةُ الدِّينَارِ إلَى مَالِكِهِ، وَلَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ بِدُونِ كَسْرِ الْمِحْبَرَةِ، فَجَازَ كَسْرُهَا لِذَلِكَ، وَلَا يَضْمَنُ نَقْصَهَا أَحَدٌ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ مَالِكِهَا، (وَ) إنْ حَصَلَ فِيهَا (بِفِعْلِ رَبِّ الدِّينَارِ) فَإِنَّهُ (يُخَيَّرُ بَيْنَ تَرْكِهِ) فِي الْمِحْبَرَةِ (وَ) بَيْنَ (كَسْرِهَا) ، فَرَّطَ رَبُّ الْمِحْبَرَةِ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، (وَعَلَيْهِ) أَيْ: رَبِّ الدِّينَارِ - (قِيمَتُهَا) كَامِلَةً؛ لِتَعَدِّيهِ، (وَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: رَبَّ الدِّينَارِ - (قَبُولُ مِثْلِهِ) - أَيْ الدِّينَارَ - (إنْ بَذَلَهُ رَبُّهَا) - أَيْ: الْمِحْبَرَةَ - وَلَمْ يَجُزْ كَسْرُهَا؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ لَهُ مَالًا يَتَفَاوَتُ بِهِ حَقُّهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. وَلَوْ بَادَرَ رَبُّ الدَّيْنِ إلَى الْمِحْبَرَةِ، وَكَسَرَهَا عُدْوَانًا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَتُهَا وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". [فَصْلٌ يَلْزَمُ رَدُّ مَغْصُوبٍ زَادَ بِيَدِ غَاصِبٍ أَوْ غَيْرِهِ بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ] (فَصْلٌ: وَيَلْزَمُ) [غَاصِبًا] وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ بِيَدِهِ (رَدُّ مَغْصُوبٍ زَادَ) بِيَدِ غَاصِبٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ؛ كَقِصَارَةِ) ثَوْبٍ (وَسِمَنِ) حَيَوَانٍ (وَتَعَلُّمِ صَنْعَةِ) آدَمِيٍّ، (وَ) بِزِيَادَتِهِ (الْمُنْفَصِلَةِ؛ كَوَلَدٍ) مِنْ بَهِيمَةٍ، وَكَذَا مِنْ أَمَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا فَهُوَ حُرٌّ، وَيَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، (وَكَكَسْبِ) رَقِيقٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَاءِ الْمَغْصُوبِ، وَهُوَ لِمَالِكِهِ، فَلَزِمَهُ رَدُّهُ؛ كَالْأَصْلِ. (وَلَوْ غَصَبَ قِنًّا أَوْ شَبَكَةً أَوْ شَرَكًا، فَأَمْسَكَ) الْقِنُّ أَوْ الشَّبَكَةُ أَوْ الشَّرَكُ صَيْدًا؛ فَلِمَالِكِهِ، (أَوْ) غَصَبَ (جَارِحًا) أَوْ سَهْمًا، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": (أَوْ فَرَسًا) ، قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " أَوْ قَوْسًا، (فَصَادَ) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (بِهِ) - أَيْ: الْجَارِحِ - (أَوْ) صَادَ (عَلَيْهِ) - أَيْ: الْفَرَسِ صَيْدًا، (أَوْ) غَزَا عَلَى الْفَرَسِ، (فَغَنِمَ) ؛ فَالصَّيْدُ وَسَهْمُ الْفَرَسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (لِمَالِكِهِ) - أَيْ: الْجَارِحِ وَالْفَرَسِ الْمَغْصُوبِ - لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْمَغْصُوبِ، فَكَانَ لِمَالِكِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 وُهِبَ لِلرَّقِيقِ الْمَغْصُوبِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِمَالِكِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ قِيَاسًا عَلَى الصَّحِيحِ عَلَى رِبْحِ الدَّرَاهِمِ، وَيَسْقُطُ عَمَلُ الْغَاصِبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَيَلْزَمُ غَاصِبًا (أُجْرَتُهُ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ - (زَمَنَ ذَلِكَ) - أَيْ: اصْطِيَادَهُ وَنَحْوَهُ - لِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَادَتْ إلَى الْمَالِكِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهَا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا لَوْ زَرَعَ الْغَاصِبُ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ، فَأَخَذَ الْمَالِكُ الزَّرْعَ بِنَفَقَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) - أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الصَّيْدَ يَكُونُ لِمَالِكِ الْمَغْصُوبِ - (إنْ كَانَ مَا خَصَّهُ) - أَيْ: مَا حَصَّلَهُ مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَنِيمَةٍ - (قَدْرَ أُجْرَتِهِ) - أَيْ: أُجْرَةِ الْمَغْصُوبِ - (فَأَكْثَرَ) مِنْ أُجْرَتِهِ، وَأَمَّا إذَا نَقَصَ الْحَاصِلُ عَنْ قَدْرِ أُجْرَتِهِ؛ فَلِرَبِّ الْمَغْصُوبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ تُؤْخَذُ مِنْ الْغَاصِبِ؛ لِعُدْوَانِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ غَصَبَ مِنْجَلًا، فَقَطَعَ) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (بِهِ خَشَبًا أَوْ حَشِيشًا) ؛ فَالْخَشَبُ أَوْ الْحَشِيشُ (لِغَاصِبٍ) ؛ لِحُصُولِ الْفِعْلِ مِنْهُ كَالْحَبْلِ الْمَغْصُوبِ يَرْبِطُ فِيهِ الْغَاصِبُ مَا يَجْمَعُهُ مِنْ حَطَبٍ وَنَحْوِهِ. (وَيَتَّجِهُ مِثْلُهُ) - أَيْ: مِثْلُ الْمِنْجَلِ فِي الْحُكْمِ - (لَوْ غَصَبَ سِلَاحًا) كَسَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ وَنَحْوِهِ (فَصَادَ بِهِ) - أَيْ: بِالسِّلَاحِ الْمَغْصُوبِ - فَهُوَ لِغَاصِبِهِ؛ لِحُصُولِ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ سَيْفًا، فَقَاتَلَ بِهِ، وَغَنِمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ أَزَالَ) غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ (اسْمَهُ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ - بِعَمَلِهِ فِيهِ (كَنَسْجِ غَزْلٍ) فَصَارَ يُسَمَّى ثَوْبًا، (وَطَحْنِ حَبٍّ) غَصَبَهُ فَصَارَ يُسَمَّى دَقِيقًا، (أَوْ طَبْخِهِ) - أَيْ: الْحَبَّ - فَصَارَ يُسَمَّى طَبِيخًا، (وَنَجْرِ خَشَبٍ) بَابًا أَوْ رُفُوفًا وَنَحْوَهَا (وَضَرْبِ نَحْوِ حَدِيدٍ) مَسَامِيرَ أَوْ سَيْفًا وَنَحْوَهُ، (وَ) ضَرْبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 (فِضَّةٍ) دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا، (وَجَعْلِ طِينٍ) غَصَبَهُ (لَبِنًا) أَوْ آجُرًّا، (أَوْ فُخَّارًا) كَجِرَارٍ وَنَحْوِهَا؛ (رَدَّهُ) الْغَاصِبُ وُجُوبًا مَعْمُولًا؛ لِقِيَامِ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ فِيهِ، (وَ) رَدَّ (أَرْشَهُ إنْ نَقَصَهُ) ؛ لِحُصُولِ نَقْصِهِ بِفِعْلِهِ، وَسَوَاءٌ نَقَصَتْ عَيْنُهُ أَوْ قِيمَتُهُ أَوْ هُمَا، (وَلَا شَيْءَ لَهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (لِعَمَلِهِ فِيهِ) ، وَلَوْ زَادَ بِهِ؛ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ؛ كَمَا لَوْ غَلَى زَيْتًا، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا فِي زِيَادَةِ الثَّوْبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ عَيْنُ مَالٍ لَا يَزُولُ مِلْكُ مَالِكِهِ عَنْهُ بِجَعْلِهِ مَعَ مِلْكِ غَيْرِهِ. وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ الْغَاصِبُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأُجْرَةٍ، أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا؛ لَزِمَهُ رَدُّ ذَلِكَ وَأَرْشُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ، وَذَبْحُ الْغَاصِبِ الشَّاةَ لَا يُحَرِّمُ أَكْلَهَا؛ لِأَنَّهَا مُزَكَّاةٌ مِمَّنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الزَّكَاةِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ لِلْغَاصِبِ وَلَا غَيْرُهُ أَكْلُهَا وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهَا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ. (وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (عَلَى رَدِّ مَا أَمْكَنَ رَدُّهُ) مِنْ مَغْصُوبٍ (إلَى حَالَتِهِ) الَّتِي غَصَبَهَا عَلَيْهَا، كَمَسَامِيرَ ضَرَبَهَا نِعَالًا؛ فَلَهُ إجْبَارُهُ عَلَى رَدِّهَا مَسَامِيرَ كَمَا كَانَتْ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْغَاصِبِ فِي الْمَغْصُوبَةِ مُحَرَّمٌ فَمَلَكَ الْمَالِكُ إزَالَتَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَمَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى كَالْأَبْوَابِ وَالْفُخَّارِ وَالْآجُرِّ وَالشَّاةِ إذَا ذَبَحَهَا وَشَوَاهَا، وَالْحَبِّ طَحَنَهُ؛ فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ إفْسَادُهُ، وَلَا لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْغَاصِبُ) إنْسَانًا (عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ مِنْهُ) - أَيْ: مِمَّا تَقَدَّمَ - (فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ) ، وَالْحُكْمُ فِي زِيَادَتِهِ وَنَقْصِهِ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ النَّقْصِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ جَهِلَ الْأَجِيرُ الْحَالَ، وَضَمِنَ الْغَاصِبُ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الْأَجِيرُ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَإِنْ عَلِمَ الْأَجِيرُ الْحَالَ، وَضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِدُونِ إذْنِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 الْغَاصِبُ؛ رَجَعَ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَعَانَ الْغَاصِبُ بِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَالْأَجِيرِ. (وَمَنْ حَفَرَ فِي) أَرْضٍ (مَغْصُوبَةٍ بِئْرًا أَوْ شَقَّ) فِيهَا (نَهْرًا، وَوَضَعَ التُّرَابَ) الْخَارِجَ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ (بِهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ - (فَلَهُ طَمُّهَا) إنْ كَانَ الطَّمُّ (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) ؛ كَإِسْقَاطِ ضَمَانِ تَالِفٍ بِهَا - أَيْ: الْبِئْرِ - أَوْ كَوْنِ الْغَاصِبِ قَدْ نَقَلَ تُرَابَهَا إلَى مِلْكِهِ أَوْ إلَى مِلْكِ (تَالِفٍ بِهَا) - أَيْ: الْبِئْرَ - أَوْ لِكَوْنِ الْغَاصِبِ قَدْ نَقَلَ تُرَابَهَا إلَى مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ إلَى طَرِيقٍ يَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيغِهِ، (وَ) لِلْغَاصِبِ حِينَئِذٍ (رَدُّ تُرَابِهَا مِنْ نَحْوِ مِلْكِهِ أَوْ طَرِيقٍ) نَقَلَهَا إلَيْهِ حَيْثُ بَقِيَ، فَلَوْ كَانَ بِسَيْلٍ أَوْ رِيحٍ وَنَحْوِهِ؛ فَلَهُ الطَّمُّ بِغَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَيْسَ لَهُ طَمُّهَا بِرَمْلٍ وَكُنَاسَةٍ وَنَحْوِهَا ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. (وَلَوْ أَنَّهُ أُبْرِئَ) ؛ أَيْ: أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ (مِمَّا يَتْلَفُ بِهَا) - أَيْ: بِالْبِئْرِ وَنَحْوِهَا - لِأَنَّ الْغَرَضَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ خَشْيَةِ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا، (وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ) . قَالَ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ ": لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ؛ لِوُجُودِ التَّعَدِّي، فَإِذَا رَضِيَ رَبُّ الْأَرْضِ زَالَ التَّعَدِّي، فَيَزُولُ الضَّمَانُ، (وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ) مِمَّا يَتْلَفُ بِالْبِئْرِ مَعَ أَنَّهَا مُتَضَمَّنَةٌ لِمَا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ؛ (لِوُجُودِ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ) مِنْ حَافِرِ الْبِئْرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، فَالسَّبَبُ الْأَوَّلُ (هُوَ التَّعَدِّي) مِنْهُ بِحَفْرِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ عُدْوَانًا. (وَ) السَّبَبُ (الثَّانِي) هُوَ (الْإِتْلَافُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ) الْبَرَاءَةُ (بَرَاءَةً مِمَّا سَيَجِبُ) ، وَإِنَّمَا هِيَ إسْقَاطُ الْمَالِكِ عَنْ الْغَاصِبِ التَّعَدِّيَ بِرِضَاهُ، وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ الطَّمِّ؛ لَمْ يَمْلِكْ الْغَاصِبُ طَمَّهَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ، وَمَنَعَهُ مِنْ الطَّمِّ رِضًى بِالْحَفْرِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ إبْرَائِهِ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا. (وَ) إنْ كَانَ الطَّمُّ (لِغَيْرِ غَرَضٍ) صَحِيحٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَضَعَ التُّرَابَ فِي أَرْضِ مَالِكِهَا أَوْ فِي مَوَاتٍ، وَأَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا؛ (فَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 يَطُمُّهَا) الْغَاصِبُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لَا نَفْعَ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ نُقْرَةً، فَطَبَعَهَا دَرَاهِمَ، ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا نُقْرَةً بِدُونِ إذْنِ مَالِكِهَا. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ". (وَإِنْ أَرَادَهُ) - أَيْ: الطَّمَّ - لِغَرَضٍ صَحِيحٍ (مَالِكٌ؛ أُلْزِمَ) غَاصِبٌ (بِهِ) - أَيْ: الطَّمِّ - لِعُدْوَانِهِ بِالْحَفْرِ، وَلِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ. (وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ، أَوْ) غَصَبَ (بَيْضًا فَصَارَ) الْبَيْضُ (فِرَاخًا، أَوْ) غَصَبَ (نَوًى) فَصَارَ غَرْسًا، (أَوْ) غَصَبَ (أَغْصَانًا) فَغَرَسَهَا (فَصَارَتْ شَجَرًا؛ رَدَّهُ) ؛ أَيْ: رَدَّ الْغَاصِبُ الزَّرْعَ وَالْفِرَاخَ وَالشَّجَرَ لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، (وَلَا شَيْءَ لَهُ) - أَيْ: لِلْغَاصِبِ فِي عَمَلِهِ - لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ إبْقَاءُ الزَّرْعِ) فِي أَرْضِ الْغَاصِبِ لِلْغَاصِبِ (قَهْرًا لِ) أَوَانِ (حَصَادِهِ بِلَا أُجْرَةٍ) مُعَاقَبَةً، (لَا) إبْقَاءُ (الشَّجَرِ) ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ، فَيَكْثُرُ الضَّرَرُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ غَصَبَ شَاةً) أَوْ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً وَنَحْوَهَا، (وَأَنْزَى عَلَيْهَا فَحْلَهُ؛ فَالْوَلَدُ لِمَالِكِ الْأُمِّ) ؛ كَوَلَدِ الْأَمَةِ، وَلَا أُجْرَةَ لِلْفَحْلِ؛ لِعَدَمِ إذْنِ رَبِّهَا، وَلِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ لِذَلِكَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: وَكَذَا لَوْ غَصَبَ نَخْلَةً، وَحَصَلَ مِنْهَا وَدْيٌ فَإِنَّهُ لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا؛ كَكَسْبِ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الْأَمَةِ، وَإِنْ غَصَبَ فَحْلَ غَيْرِهِ عَلَى شَاتِهِ؛ فَالْوَلَدُ لَهُ تَبَعًا لِلْأُمِّ، وَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْفَحْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إجَارَتُهُ لِذَلِكَ، لَكِنْ إنْ نَقَصَ الْفَحْلَ بِالْإِنْزَاءِ وَغَيْرُهُ؛ لَزِمَ الْغَاصِبَ أَرْشُ نَقْصِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 تَتِمَّةٌ: وَإِنْ غَصَبَ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ حَضَنَتْ بَيْضَهَا، فَصَارَ فِرَاخًا؛ فَهُمَا لِمَالِكِهَا، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي عَلَفِهَا، قَالَ أَحْمَدُ فِي طَيْرَةٍ جَاءَتْ إلَى دَارِ قَوْمٍ، فَازْدَوَجَتْ عِنْدَهُمْ وَفَرَّخَتْ يَرُدُّونَهَا وَفِرَاخَهَا إلَى أَصْحَابِ الطَّيْرَةِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَيَرْجِعُ إلَى رَبِّهَا بِمَا أَنْفَقَهُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُهُ. [فَصْلٌ يَضْمَنُ غَاصِبٌ نَقْصَ مَغْصُوبٍ بَعْدَ غَصْبِهِ وَقَبْلَ رَدِّهِ] (فَصْلٌ: وَيَضْمَنُ) غَاصِبٌ (نَقْصَ مَغْصُوبٍ) بَعْدَ غَصْبِهِ وَقَبْلَ رَدِّهِ - (وَلَوْ) كَانَ النَّقْصُ (رَائِحَةَ مِسْكٍ أَوْ نَحْوَهُ) كَعَنْبَرٍ - لِأَنَّ قِيمَتَهُ تَخْتَلِفُ بِالنَّظَرِ إلَى قُوَّةِ رَائِحَتِهِ وَضَعْفِهَا، (أَوْ) كَانَ النَّقْصُ (بِنَبَاتِ لِحْيَةِ قِنٍّ) ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي الْقِيمَةِ بِتَغَيُّرِ صِفَةٍ، أَشْبَهَ النَّقْصَ بِتَغَيُّرِ بَاقِي الصِّفَاتِ، وَكَذَا قَطْعُ ذَنَبِ حِمَارٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ فَرَسٍ إذْ الْقَصْدُ بِالضَّمَانِ جَبْرُ حَقِّ الْمَالِكِ بِإِيجَابِ قَدْرِ مَا فَوَّتَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ فَاتَ الْجَمِيعُ لَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ، فَإِذَا فَاتَ مِنْهُ شَيْءٌ وَجَبَ قَدْرُهُ مِنْ الْقِيمَةِ؛ كَغَيْرِ الْحَيَوَانِ، وَإِنْ غَصَبَ قِنًّا فَعَمِيَ عِنْدَهُ؛ قُوِّمَ صَحِيحًا ثُمَّ أَعْمَى، وَأُخِذَ مِنْ غَاصِبٍ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ شَجَّةٍ. (وَإِنْ) غَصَبَ عَبْدًا وَ (خَصَاهُ) هُوَ أَوْ غَيْرُهُ (وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ بِخُصَاهُ لَهُ، أَوْ أَزَالَ) مِنْهُ (مَا تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ) كَامِلَةٌ (مِنْ حُرٍّ) كَأَنْفِهِ أَوْ لِسَانِهِ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ؛ (رَدَّهُ) عَلَى مَالِكِهِ، (وَ) رَدَّ (قِيمَتَهُ) كُلَّهَا نَصًّا، وَلَا يَمْلِكُهُ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ الْبَعْضُ، فَلَا يَتَوَقَّفُ ضَمَانُهُ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ؛ كَقَطْعِ خُصْيَتَيْ ذَكَرٍ مُدَبَّرٍ، وَلِأَنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ الْمُفَوِّتُ، فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ غَيْرِهِ بِضَمَانِهِ؛ كَمَا لَوْ قَطَعَ تِسْعَ أَصَابِعَ. (وَإِنْ قَطَعَ) غَاصِبٌ مِنْ رَقِيقٍ مَغْصُوبٍ (مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ) مِنْ حُرٍّ (دُونَ الدِّيَةِ) الْكَامِلَةِ؛ كَقَطْعِ يَدٍ أَوْ جَفْنٍ أَوْ هُدْبٍ وَنَحْوِهِ؛ فَعَلَى غَاصِبٍ (أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ) مِنْ دِيَةِ الْمَقْطُوعِ أَوْ نَقْصِ قِيمَتِهِ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَوَجَبَ أَكْثَرُهُمَا، وَدَخَلَ فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَالْيَدَ وُجِدَا فِيهِ جَمِيعًا. فَلَوْ غَصَبَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ، فَزَادَتْ قِيمَتُهٌ عِنْدَهُ إلَى أَلْفَيْنِ، ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ، فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ؛ كَانَ عَلَيْهِ مَعَ رَدِّهِ أَلْفٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَاطِعُ لِيَدِهِ غَيْرَ الْغَاصِبِ، وَقَدْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِائَتَيْنِ قَبْلُ، وَصَارَ بَعْدَ الْقَطْعِ يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ؛ كَانَ عَلَى الْجَانِي أَرْبَعُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ مَضْمُونَةٌ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، وَهِيَ حِينَ الْقَطْعِ ثَمَانُمِائَةٍ، وَعَلَى الْغَاصِبِ مِائَتَانِ؛ لِأَنَّهَا نَقَصَتْ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ مَا عَلَيْهِ، وَعَلَى الْجَانِي، لِأَنَّ مَا وَجَدَهُ فِي يَدِهِ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ مِنْهُ، (وَيَرْجِعُ غَاصِبٌ غَرِمَ) الْجَمِيعَ (مِنْ جَانٍ بِأَرْشِ جِنَايَةٍ) ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ، فَيَسْتَقِرُّ ضَمَانُهُ عَلَى الْغَاصِبِ (فَقَطْ) - أَيْ: دُونَ مَا زَادَ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْجَانِي أَرْشَ الْجِنَايَةِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضَمِّنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَا بَقِيَ مِنْ النَّقْصِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ. (وَلَا يَرُدُّ مَالِكٌ) تَعَيَّبَ مَالُهُ عِنْدَ غَاصِبٍ، وَاسْتَرَدَّهُ وَأَرْشَ عَيْبِهِ (أَرْشَ مَعِيبٍ أَخَذَهُ) مِنْ غَاصِبٍ (بِزَوَالِهِ) - أَيْ: الْعَيْبِ - (عِنْدَهُ) - أَيْ: الْمَالِكِ - كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا، فَمَرِضَ عِنْدَهُ، فَرَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ بِالْمَرَضِ، ثُمَّ بَرِئَ عِنْدَ مَالِكٍ بِحَيْثُ لَمْ يَضُرَّ بِهِ نَقْصٌ؛ فَلَا يُرَدُّ أَرْشُهُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ مَا حَصَلَ بِيَدِ الْغَاصِبِ مِنْ النَّقْصِ بِتَعَدِّيهِ، وَاسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ نَاقِصًا، فَإِنْ أَخَذَهُ مَالِكُهُ دُونَ أَرْشِهِ، فَزَالَ عَيْبُهُ قَبْلَ أَخْذِ أَرْشِهِ؛ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرِئَ فِي يَدِ غَاصِبٍ، فَيَرُدُّ مَالِكُهُ أَرْشَهُ إنْ كَانَ أَخَذَهُ. (وَلَا يَضْمَنُ) غَاصِبٌ رَدَّ مَغْصُوبًا بِحَالِهِ (نَقْصَ سِعْرٍ) ؛ كَثَوْبٍ غَصَبَهُ وَهُوَ يُسَاوِي مِائَةً، وَلَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى نَقَصَ سِعْرُهُ، فَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِينَ مَثَلًا؛ فَلَا يَلْزَمُهُ بِرَدِّهِ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ رَدَّ الْعَيْنَ بِحَالِهَا لَمْ تَنْقُصْ عَيْنًا وَلَا صِفَةً، بِخِلَافِ السِّمَنِ وَالصِّفَةِ، وَلَا حَقَّ لِلْمَالِكِ فِي الْقِيمَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِيهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ كَمَا كَانَتْ؛ (كَهُزَالٍ زَادَ بِهِ) سِعْرُ الْمَغْصُوبِ، أَوْ لَمْ يَزِدْ بِهِ وَلَمْ يَنْقُصْ؛ كَعَبْدٍ مُفْرِطٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 فِي السِّمَنِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبٍ ثَمَانُونَ، فَهَزِلَ عِنْدَ غَاصِبٍ، فَصَارَ يُسَاوِي مِائَةً، أَوْ بَقِيَتْ قِيمَتُهُ بِحَالِهَا، فَلَا يَرُدُّ مَعَهُ، الْغَاصِبُ شَيْئًا؛ لِعَدَمِ نَقْصِهِ. (وَيَضْمَنُ) غَاصِبٌ (زِيَادَةَ مَغْصُوبٍ) بِأَنْ سَمُنَ أَوْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً (عِنْدَهُ) ، ثُمَّ هَزِلَ أَوْ نَسِيَ الصَّنْعَةَ؛ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَمَا نَقَصَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ، سَوَاءٌ طَالَبَهُ الْمَالِكُ بِرَدِّهِ زَائِدًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي نَفْسِ الْمَغْصُوبِ، فَضَمِنَهَا الْغَاصِبُ كَمَا لَوْ طَالَبَهُ بِرَدِّهَا وَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَلِأَنَّهَا زَادَتْ مِلْكَ مَالِكِهَا فَضَمِنَهَا الْغَاصِبُ كَالْمَوْجُودَةِ حَالَ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ السِّعْرِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ الْغَصْبِ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ وَالصِّنَاعَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ فَهِيَ صِفَةٌ فِيهِ وَتَابِعَةٌ لَهُ. وَ (لَا) يَضْمَنُ غَاصِبٌ (مَرَضًا) طَرَأَ عَلَى مَغْصُوبٍ بِيَدِهِ وَ (بَرِئَ مِنْهُ فِي يَدِهِ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ فِي يَدِهِ، وَكَذَا لَوْ حَمَلَتْ فَنَقَصَتْ، ثُمَّ وَضَعَتْ فِي يَدِ غَاصِبٍ، فَزَالَ نَقْصُهَا، لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا. (وَلَا) يَضْمَنُ غَاصِبٌ شَيْئًا (إنْ) زَادَ مَغْصُوبٌ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ، ثُمَّ زَالَتْ الزِّيَادَةُ، ثُمَّ (عَادَتْ كَسِمَنٍ زَالَ ثُمَّ عَادَ) ؛ لِأَنَّ مَا ذَهَبَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَادَ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَهُوَ بِيَدِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ مَرِضَ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ، ثُمَّ بَرِئَ فَعَادَتْ الْقِيمَةُ، وَكَذَا لَوْ نَسِيَ صَنْعَةً ثُمَّ تَعَلَّمَهَا أَوْ بَدَّلَهَا، فَعَادَتْ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ. (وَلَا) يَضْمَنُ غَاصِبٌ سِوَى الرَّدِّ (إنْ نَقَصَ) الْمَغْصُوبُ فِي يَدِهِ، (فَزَادَ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ) - أَيْ: مِثْلِ النَّقْصِ مِنْ جِنْسِهِ - كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا نَسَّاجًا يُسَاوِي مِائَةً، فَنَسِيَ الصَّنْعَةَ عِنْدَهُ، فَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِينَ، ثُمَّ تَعَلَّمَ الصَّنْعَةَ الَّتِي نَسِيَهَا، فَعَادَ إلَى مِائَةٍ؛ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي نَقْصِهِ حَتَّى (وَلَوْ) كَانَ مَا تَعَلَّمَهُ (صَنْعَةً بَدَلَ صَنْعَةٍ) نَسِيَهَا، كَمَا لَوْ تَعَلَّمَ الْخِيَاطَةَ بَدَلَ النِّسَاجَةِ الَّتِي نَسِيَهَا، فَعَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ؛ لِأَنَّ الصَّنَائِعَ كُلَّهَا جِنْسٌ مِنْ أَجْنَاسِ الزِّيَادَةِ فِي الرَّقِيقِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِهُزَالِهِ ثُمَّ عَادَتْ بِسِمَنِهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ الْمَنْسِيُّ عِلْمًا، فَتَعَلَّمَ عِلْمًا آخَرَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الصَّنْعَةِ الَّتِي تَعَلَّمَهَا (مُسَاوِيَةً) لِلصَّنْعَةِ الَّتِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 نَسِيَهَا، (أَوْ أَعْلَى) مِنْهَا فِي الشَّرَفِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ أَحْسَنَ صَنْعَةً أَوْ مُسَاوِيَةً لَهَا فِي الشَّرَفِ، لَكِنَّهَا دُونَهَا فِي الرِّبْحِ؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الزِّيَادَةِ الذَّاهِبَةِ، مِثْلُ أَنْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَتَعَلَّمَ صَنْعَةً، فَصَارَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ؛ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعِدْ مَا ذَهَبَ، بِخِلَافِ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ دَابَّةً وَنَقَصَتْ بِجِنَايَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ ضَمِنَ الْغَاصِبُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ بِتَلَفِ إحْدَى عَيْنَيْهَا فَيَغْرَمُ أَرْشَ نَقْصِهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فَوَّتَهُ عَلَى الْمَالِكِ. (وَإِنْ نَقَصَ) الْمَغْصُوبُ قَبْلَ رَدِّهِ (نَقْصًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ) ؛ بِأَنْ يَكُونَ سَارِيًا غَيْرَ وَاقِفٍ؛ (كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَعَفِنَتْ) - بِكَسْرِ الْفَاءِ - وَطَلَبَهَا مَالِكُهَا قَبْلَ بُلُوغِهَا إلَى حَالَةٍ يَعْلَمُ فِيهَا قَدْرَ أَرْشِ نَقْصِهَا؛ (خُيِّرَ) مَالِكُهَا (بَيْنَ) أَخْذِ (مِثْلِهَا) مِنْ مَالِ غَاصِبٍ (أَوْ تَرْكِهَا) بِيَدِ غَاصِبٍ (حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهَا، وَيَأْخُذُهَا) مَالِكُهَا (وَ) يَأْخُذُ (أَرْشَ نَقْصِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمِثْلُ ابْتِدَاءً؛ لِوُجُودِ عَيْنِ مَالِهِ؛ وَلَا أَرْشَ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَلَا ضَبْطُهُ إذَنْ، وَحَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ صَارَتْ الْخِيرَةُ إلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِالتَّأْخِيرِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ التَّعْجِيلِ، فَيَأْخُذُ الْعَيْنَ عِنْدَ اسْتِقْرَارِ فَسَادِهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَيَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ أَرْشَ نَقْصِهَا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ؛ أَشْبَهَ تَلَفَ جُزْءٍ مِنْ الْمَغْصُوبِ. (وَعَلَى غَاصِبٍ جِنَايَةُ) قِنٍّ (مَغْصُوبٍ) ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ نَقْصٌ فِيهِ؛ لِتَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ، فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ؛ كَسَائِرِ نَقْصِهِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ الْمَالَ، (وَ) عَلَيْهِ (إتْلَافُهُ) - أَيْ: بَدَلِ مَا يُتْلِفُهُ - (وَلَوْ) كَانَتْ الْجِنَايَةُ (عَلَى رَبِّهِ) - أَيْ: مَالِكِهِ - (أَوْ) كَانَ الْإِتْلَافُ (لِمَالِهِ) - أَيْ: مَالَ مَالِكِهِ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 (بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ) جِنَايَتِهِ (أَوْ قِيمَتِهِ) - أَيْ: الْعَبْدِ - لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ مِنْ جُمْلَةِ جِنَايَاتِهِ، فَكَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى الْغَاصِبِ؛ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَا حُكْمُ مَا أَتْلَفَهُ الْقِنُّ الْمَغْصُوبُ مِنْ مَالِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ سَيِّدِهِ لِمَا سَبَقَ، وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِرَدِّ الْغَاصِبِ لَهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وَجَدَهُ فِي يَدِهِ. فَلَوْ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ بَعْدَ الرَّدِّ؛ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ؛ لِاسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَتَلَ الْمَغْصُوبُ سَيِّدَهُ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ قِنًّا، فَقُتِلَ بِهِ؛ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ؛ لِتَلَفِهِ بِيَدِهِ، فَإِنْ عُفِيَ عَنْهُ عَلَى مَالٍ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ، وَضَمِنَهُ الْغَاصِبُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ كَمَا يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ، وَإِنْ قَطَعَ يَدًا مَثَلًا، فَقُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا؛ فَعَلَى غَاصِبٍ نَقْصُهُ؛ كَمَا لَوْ سَقَطَتْ بِلَا جِنَايَةٍ، وَإِنْ عُفِيَ عَلَى مَالٍ فَكَمَا تَقَدَّمَ. (وهِيَ) - أَيْ: جِنَايَةُ مَغْصُوبٍ - (عَلَى غَاصِبٍ هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِهِ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ فَسَقَطَ، (وَكَذَا) جِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ (عَلَى مَالِهِ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - هَدَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ إلَّا إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ (فِي قَوَدٍ) ؛ فَلَا تُهْدَرُ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ تَعَلَّقَ بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُهُ لِغَيْرِهِ، فَاسْتُوْفِيَ مِنْهُ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ مَغْصُوبٌ عَبْدًا لِلْغَاصِبِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ لِسَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ (يُقْتَلُ) قِصَاصًا إنْ كَانَ قَتْلُهُ لَهُ عَمْدًا، وَلِسَيِّدِ الْمَقْتُولِ (إنْ طَلَبَ) الْقَوَدَ قَتْلُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، (وَيَرْجِعُ) السَّيِّدُ (عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى الْغَاصِبِ - (بِقِيمَتِهِ) ؛ لِتَلَفِهِ فِي يَدِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ بِيَدِهِ. (وَزَوَائِدُ مَغْصُوبٍ) كَوَلَدِ حَيَوَانٍ وَثَمَرِ شَجَرٍ (إذَا تَلِفَتْ، أَوْ نَقَصَتْ) فِي يَدِ الْغَاصِبِ، (أَوْ جَنَتْ) عَلَى الْمَالِكِ أَوْ غَيْرِهِ (كَهُوَ) - أَيْ: كَالْمَغْصُوبِ بِالْأَصَالَةِ - سَوَاءٌ تَلِفَتْ مُنْفَرِدَةً أَوْ مَعَ أَصْلِهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لَمَالِكِ الْأَصْلِ، وَقَدْ حَصَلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ بِسَبَبِ إثْبَاتِ يَدِهِ الْمُعْتَدِيَةِ عَلَى الْأَصْلِ، فَتَبِعَتْهُ فِي الْحُكْمِ، فَإِذَا غَصَبَ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا، فَحَمَلَتْ عِنْدَهُ وَوَلَدَتْ؛ فَالْوَلَدُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا. وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا وَقَدْ غَصَبَهَا حَامِلًا؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ. وَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَمَلَتْ بِهِ عِنْدَهُ، وَوَلَدَتْهُ مَيِّتًا؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْضًا. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. (وَقَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": مَنْ اسْتَعَانَ بِعَبْدِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ فَحُكْمُهُ) - أَيْ: الْمُسْتَعِينِ - كَحُكْمِ (غَاصِبٍ حَالَ اسْتِخْدَامِهِ) ، فَيَضْمَنُ جِنَايَتَهُ وَنَقْصَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَكَذَا فِي الْمُنْتَهَى " فِي الدِّيَاتِ. [تَتِمَّةٌ كَانَ الْعَبْدُ وَدِيعَةً فَجَنَى جِنَايَةً اسْتَغْرَقَتْ قِيمَتَهُ وَقَتَلَهُ الْمُودِعَ بَعْدَهَا] تَتِمَّةٌ: لَوْ كَانَ الْعَبْدُ وَدِيعَةً، فَجَنَى جِنَايَةً اسْتَغْرَقَتْ قِيمَتَهُ، ثُمَّ إنَّ الْمُودِعَ قَتَلَهُ بَعْدَهَا؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَتَعَلَّقَ بِهَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ، فَإِذَا أَخَذَهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُودِعِ؛ لِأَنَّهُ جَنَى وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ. وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ فِي يَدِ سَيِّدِهِ جِنَايَةً تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ، ثُمَّ غُصِبَ، فَجَنَى فِي يَدِ الْغَاصِبِ جِنَايَةً تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ؛ بِيعَ فِي الْجِنَايَتَيْنِ، وَقُسِمَ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمَا، وَرَجَعَ صَاحِبُ الْعَبْدِ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا أَخَذَهُ الثَّانِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ فِي يَدِهِ، وَكَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَنْ يَأْخُذَهُ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ مِنْ الْغَاصِبِ هُوَ عِوَضُ مَا أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ثَانِيًا، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ قِيمَةِ الْجَانِي لَا يُزَاحَمُ فِيهِ، وَإِنْ مَاتَ هَذَا الْعَبْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، وَيَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَكُونُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. [فَصْلٌ خَلَطَ غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ مَغْصُوبًا لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ وَنَقْدٍ بِمِثْلِهَا] (فَصْلٌ: إنْ خَلَطَ) غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ (مَا) - أَيْ: مَغْصُوبًا - (لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ وَنَقْدٍ بِمِثْلِهَا؛ لَزِمَهُ مِثْلُهُ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ - كَيْلًا أَوْ وَزْنًا (مِنْهُ) - أَيْ: الْمُخْتَلِطِ مِنْ الْمَغْصُوبِ وَغَيْرِهِ - لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى رَدِّ بَعْضِ مَالِهِ إلَيْهِ مَعَ رَدِّ الْمِثْلِ فِي الْبَاقِي، فَلَمْ يَنْقُلْ إلَيْهِ بَدَلُهُ فِي الْجَمِيعِ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ صَاعًا فَتَلِفَ بَعْضُهُ. (وَ) إنْ خَلَطَ مَغْصُوبًا (بِدُونِهِ، أَوْ) خَلَطَهُ (بِخَيْرٍ مِنْهُ) مِنْ جِنْسِهِ، (أَوْ) خَلَطَهُ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ) مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ - وَلَوْ بِمَغْصُوبٍ مِثْلِهِ لِآخَرَ - وَكَانَ الْخَلْطُ (عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ بِشَيْرَجٍ) ، وَدَقِيقِ حِنْطَةٍ بِدَقِيقِ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 (فا) لِمَالِكَانِ (شَرِيكَانِ) فِي الْمُخْتَلَطِ (بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا، فَيُبَاعُ الْكُلُّ وَيَدْفَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ قَدْرَ حَقِّهِ؛ كَاخْتِلَاطِهِمَا مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَصَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ، فَإِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ عَنْ قِيمَتِهِ مُنْفَرِدًا؛ فَعَلَى الْغَاصِبِ النَّقْصُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَزَيْتٍ بِمَاءٍ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهُ خَلَّصَهُ، وَرَدَّهُ وَنَقَّصَهُ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ يُفْسِدُهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ. (وَحَرُمَ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ) فِي قَدْرِ مَالِهِ مِنْ الْمُخْتَلَطِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) مِثْلُهُ (مَغْصُوبٌ مِنْهُ) مَالٌ، وَخُلِطَ بِغَيْرِ مُتَمَيِّزٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فِي قَدْرِ مَالِهِ فِيهِ) - أَيْ: الْمُخْتَلَطَ - بِدُونِ إذْنِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. لِاسْتِحَالَةِ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، فَإِنْ أَذِنَهُ مَالِكُ الْمَغْصُوبِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا، وَلِأَنَّهَا قِسْمَةٌ، فَلَا تَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَى الشَّرِيكَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِلْغَاصِبِ إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَامِ مِنْ الْمُخْتَلَطِ بِدُونِ إذْنِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاكٌ، لَا اسْتِهْلَاكٌ؛ فَلَا يُقَاسِمُ نَفْسَهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ؛ هَذَا قَدْ اخْتَلَطَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهُ كُلِّهِ، وَيَتَصَدَّقَ، وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: يُخْرِجُ مِنْهُ قَدْرَ مَا خَالَطَهُ. هَذَا إنْ عَرَفَ رَبَّهُ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَلَا يُؤْكَلُ عِنْدَهُ شَيْءٌ. وَإِنْ شَكَّ فِي قَدْرِ الْحَرَامِ تَصَدَّقَ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. (وَلَوْ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ) لِإِنْسَانٍ (بِدِرْهَمَيْنِ) لِآخَرَ (وَلَا غَصْبَ) مِنْ أَحَدِهِمَا (لِآخَرَ وَلَا تَمْيِيزَ) لِأَحَدِ الْمَالَيْنِ عَنْ الْآخِرِ، (فَتَلِفَ) دِرْهَمَانِ (اثْنَانِ) مِنْ الثَّلَاثَةِ؛ (فَمَا بَقِيَ) - وَهُوَ دِرْهَمٌ - (فَهُوَ بَيْنَهُمَا) - أَيْ: بَيْنَ الدِّرْهَمَيْنِ وَالدِّرْهَمِ - (نِصْفَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ الدِّرْهَمَيْنِ فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمِ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ دِرْهَمًا لِهَذَا وَدِرْهَمًا لِهَذَا، فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمَيْنِ بِالْبَاقِي، فَتَسَاوَيَا، وَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ قَطْعًا، بِخِلَافِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ. غَايَتُهُ أَنَّهُ أُبْهِمَ عَلَيْنَا. ذَكَرَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". وَإِنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ بَدَلَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَلَا تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَلَطَهُ بِجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ مِنْ الرَّدِيءِ أَوْ دُونَ حَقِّهِ مِنْ الْجَيِّدِ؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ رِبًا. وَإِنْ كَانَ الْعَكْسُ، فَرَضِيَ بِدُونِ أَخْذِ حَقِّهِ مِنْ الرَّدِيءِ، أَوْ يَسْمَحُ الْغَاصِبُ بِدَفْعِ أَكْثَرِ مِنْ حَقِّهِ مِنْ الْجَيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَابِلَ لِلزِّيَادَةِ. (وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا، فَصَبَغَهُ) الْغَاصِبُ (بِصِبْغَةٍ، أَوْ) غَصَبَ (سَوِيقًا فَلَتَّهُ) الْغَاصِبُ (بِزَيْتِهِ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا) - أَيْ: قِيمَةُ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَوْ قِيمَةُ الزَّيْتِ وَالسَّوِيقِ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا - (ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (النَّقْصَ) ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ، فَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ بَعْضَهُ، وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ، (وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ) قِيمَتُهُمَا، (وَلَمْ تَزِدْ، أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا) مَعًا؛ فَرَبُّ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَوْ السَّوِيقِ وَالزَّيْتِ (شَرِيكَانِ) فِي الثَّوْبِ وَصَبْغِهِ أَوْ السَّوِيقِ [وَزَيْتِهِ (بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا) ؛ لِاجْتِمَاعِ مِلْكَيْهِمَا، وَهُوَ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ، فَيُبَاعُ ذَلِكَ، وَيُوَزَّعُ] الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ زَيْتًا، فَجَعَلَهُ صَابُونًا. (وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا كَغُلُوِّ قِيمَةِ صَبْغٍ فَقَطْ) دُونَ الثَّوْبِ؛ كَأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ عَشَرَةً وَبَقِيَتْ كَذَلِكَ، وَقِيمَةُ الصَّبْغِ خَمْسَةٌ فَصَارَ مَصْبُوغًا يُسَاوِي عِشْرِينَ بِسَبَبِ غُلُوِّ الصَّبْغِ (أَوْ) غُلُوِّ (ثَوْبٍ فَقَطْ) دُونَ الصَّبْغِ؛ فَالزِّيَادَةُ (لِصَاحِبِهِ) - أَيْ: الَّذِي غَلَا سِعْرُهُ مِنْ الثَّوْبِ أَوْ الصَّبْغِ - يَخْتَصُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ، وَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا أَرْبَعَةً وَالْآخَرُ وَاحِدًا؛ فَهِيَ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ. وَإِنْ حَصَلَتْ الزِّيَادَةُ بِالْعَمَلِ؛ فَهِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ مَا عَمِلَهُ الْغَاصِبُ فِي الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ لِمَالِكِهَا حَيْثُ كَانَ أَثَرًا، وَزِيَادَةُ مَالِ الْغَاصِبِ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ مَنْعُ رَبِّ الثَّوْبِ مِنْ بَيْعِهِ، فَإِنْ بَاعَهُ، فَصَبَغَهُ لَهُ بِحَالِهِ. (فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا) - أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 مَالِكُ الثَّوْبِ أَوْ مَالِكُ الصَّبْغِ - (قَلْعَ الصَّبْغِ) مِنْ الثَّوْبِ؛ (لَمْ يَجِبْ) ؛ - أَيْ: لَمْ تَلْزَمْ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا لِمِلْكِ الْآخَرِ حَتَّى. (وَلَوْ ضَمِنَ) طَالِبُ الْقَلْعِ (النَّقْصَ) لِهَلَاكِ الصَّبْغِ بِالْقَلْعِ، فَتَضِيعُ مَالِيَّتُهُ، وَهُوَ سَفَهٌ. وَإِنْ بَذَلَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ قِيمَةَ مَالِهِ؛ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهَا؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ. (وَلِمَالِكِ ثَوْبٍ بَيْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَهُوَ عَيْنٌ، وَصِبْغُهُ بَاقٍ لِلْغَاصِبِ. (وَلَوْ أَبَى غَاصِبٌ) بَيْعَ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ؛ فَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ مَالِكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ، (لَا عَكْسَهُ) ؛ أَيْ: لَوْ أَرَادَ الْغَاصِبُ بَيْعَ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ، وَأَبَى الْمَالِكُ؛ لَمْ يُجْبَرْ؛ لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» . وَإِنْ بَذَلَ الْغَاصِبُ لِرَبِّ الثَّوْبِ قِيمَتَهُ لِيَمْلِكَهُ، أَوْ بَذَلَ رَبُّ الثَّوْبِ قِيمَةَ الصَّبْغِ لِلْغَاصِبِ لِيَمْلِكَهُ؛ لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا تَجُوزُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا. (وَيَتَّجِهُ وَغَاصِبُ وَرَقٍ وَكَتَبَ فِيهِ) - أَيْ: فِي الْوَرِقِ - شَيْئًا (مُبَاحًا) مِنْ فِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِ؛ حُكْمُهُ (كَصِبْغٍ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَإِنْ كَتَبَ فِيمَا غَصَبَهُ مِنْ الْوَرِقِ شَيْئًا (حَرَامًا) كَشَعْبَذَةٍ وَسِحْرٍ وَزَنْدَقَةٍ وَنَحْوِهَا؛ فَهُوَ (كَتَلَفٍ) - أَيْ: كَتَلَفِهِ بِفِعْلِهِ - يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ قَبُولُ صِبْغٍ) لِلْغَاصِبِ صَبَغَ بِهِ الثَّوْبَ الْمَغْصُوبَ، (وَ) يَلْزَمُهُ قَبُولُ (تَزْوِيقِ دَارِ) مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ، أَوْ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ، أَوْ حَدِيدًا فَضَرَبَهُ سُيُوفًا، أَوْ إبَرًا، أَوْ شَاةً ذَبَحَهَا وَشَوَاهَا، وَزَادَتْ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ، (وُهِبَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ - الْعَيْنِ؛ فَهُوَ كَزِيَادَةِ الصِّفَةِ فِيهِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ: وَلِمَالِكٍ إجْبَارُ غَاصِبٍ عَلَى رَدِّ مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 أَمْكَنَ رَدُّهُ إلَى حَالَتِهِ؛ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ هُنَاكَ [عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ الْعَمَلِ زِيَادَةٌ، وَهُنَا عَلَى حُصُولِهَا؛ فَلَا مُعَارَضَةَ] . وَ (لَا) يَلْزَمُ الْمَالِكَ - إذَا غَصَبَ مِنْهُ خَشَبًا وَجَعَلَهُ بَابًا، ثُمَّ وَهَبَهُ الْمَسَامِيرَ - قَبُولُ هِبَةٍ (مَسَامِيرَ لِلْغَاصِبِ سَمَّرَ بِهَا) الْخَشَبَ (الْمَغْصُوبَ) ؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ أَشْبَهَتْ الْغِرَاسَ؛ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ؛ لِلْمِنَّةِ. (وَإِنْ غَصَبَ صِبْغًا، فَصَبَغَ) الْغَاصِبُ (بِهِ ثَوْبَهُ، أَوْ) غَصَبَ (زَيْتًا فَلَتَّ بِهِ) الْغَاصِبُ (سَوِيقَهُ) ؛ فَرَبُّ الصِّبْغِ أَوْ الزَّيْتِ وَالْغَاصِبُ (شَرِيكَانِ) فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ أَوْ السَّوِيقِ الْمَلْتُوتِ (بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا) فِي ذَلِكَ، فَيُبَاعَانِ، وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ الْحَقَّيْنِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَصِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِحَقِّهِ (وَيَضْمَنُ) الْغَاصِبُ (النَّقْصَ) إنْ وُجِدَ؛ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ زَادَ الْمَغْصُوبُ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ؛ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ. (وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا وَصِبْغًا) مِنْ وَاحِدٍ (فَصَبَغَهُ بِهِ؛ رَدَّهُ) - أَيْ: الثَّوْبَ - مَصْبُوغًا؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، (وَرَدَّ أَرْشَ نَقْصِهِ) إنْ نَقَصَ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، (وَلَا شَيْءَ لَهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (إنْ زَادَ) بِعَمَلِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الصِّبْغُ لِوَاحِدٍ وَالثَّوْبُ لِوَاحِدٍ؛ فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا. وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا؛ فَلَهُمَا. وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا؛ فَلِرَبِّهِ. وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا؛ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ. وَإِنْ نَقَصَ السِّعْرُ لِنَقْصِ سِعْرِ الثِّيَابِ أَوْ الصِّبْغِ أَوْ لِنَقْصِ سِعْرِهِمَا؛ لَمْ يَضْمَنْهُ الْغَاصِبُ، وَنَقْصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ. وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قَلْعَ الصِّبْغِ؛ لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ سَوِيقًا مِنْ وَاحِدٍ وَزَيْتًا مِنْ آخَرَ وَلَتَّهُ، أَوْ نَشًا وَعَسَلًا مِنْ اثْنَيْنِ وَعَقَدَهُ حَلْوَى. (وَكَذَا إنْقَاءُ دَنَسِ ثَوْبٍ بِصَابُونٍ) مِنْ الْغَاصِبِ إنْ أَوْرَثَ نَقْصًا فِي الثَّوْبِ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ؛ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ زَادَ الثَّوْبُ بِالْإِنْقَاءِ؛ فَالزِّيَادَةُ لِلْمَالِكِ، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي عَمَلِهِ؛ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 (وَلَوْ غَصَبَهُ) - أَيْ: الثَّوْبَ (نَجِسًا، وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ - (وَلَوْ) كَانَ الْمَغْصُوبُ (نَحْوَ إنَاءٍ) كَأَمْتِعَةٍ مِنْ فُرُشٍ وَبُسُطٍ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (حَرُمَ تَطْهِيرُهُ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ مِنْ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ - (بِلَا إذْنٍ) صَرِيحٍ مِنْ رَبِّهِ؛ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَكْلِيفُ الْغَاصِبِ بِتَطْهِيرِهِ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لَمْ تَحْصُلْ بِيَدِهِ، (وَكَذَا لَوْ تَنَجَّسَ) الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ (عِنْدَهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَطْهِيرُهُ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ؛ لِمَا سَبَقَ - (لَكِنْ يَلْزَمُ) الْغَاصِبَ - أَيْ: لِلْمَالِكِ إلْزَامُهُ - (بِتَطْهِيرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ، وَلَوْ رَدَّ الثَّوْبَ نَجِسًا فَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ تَطْهِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّقْصِ الْحَاصِلِ فِي يَدِهِ. [فَصْلٌ وَطْءَ غَاصِبٌ أَمَةً مَغْصُوبَةً] (فَصْلٌ: وَيَجِبُ بِوَطْءِ غَاصِبٍ) أَمَةً مَغْصُوبَةً (عَالِمٍ تَحْرِيمَهُ) - أَيْ: تَحْرِيمَ الْوَطْءِ - (حَدٌّ) - أَيْ: حَدَّ الزِّنَا - لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ، وَلَا شُبْهَةَ تَدْرَأُ الْحَدَّ، وَكَذَا الْأَمَةُ يَلْزَمُهَا الْحَدُّ إنْ طَاوَعَتْ عَلَى الزِّنَا وَكَانَتْ مُكَلَّفَةً غَيْرَ جَاهِلَةٍ بِالتَّحْرِيمِ. (وَ) يَجِبُ بِوَطْئِهِ (مَهْرُ أَمَةٍ) مِثْلِهَا بِكْرٍ إنْ كَانَتْ بِكْرًا؛ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَإِلَّا فَثَيِّبًا، وَلَوْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلسَّيِّدِ، فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا؛ كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ يَدَيْهَا، وَعَلَى الْغَاصِبِ أَيْضًا (أَرْشُ بَكَارَةٍ) أَزَالَهَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهَا، فَلَا يَنْدَرِجُ فِي الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَهْرِ وَالْأَرْشِ يُضْمَنُ مُنْفَرِدًا؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا ثَيِّبًا وَجَبَ مَهْرُهَا، وَإِنْ افْتَضَّهَا بِأُصْبُعِهِ؛ وَجَبَ أَرْشُ بَكَارَتِهَا، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَضْمَنَهَا إذَا اجْتَمَعَا، وَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ أَنَّ أَرْشَ بَكَارَةِ الْحُرَّةِ يَنْدَرِجُ فِي مَهْرِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 (وَ) يَجِبُ بِوَطْئِهِ إذَا حَمَلَتْ مِنْهُ وَوَلَدَتْ أَرْش (نَقْصٍ بِوِلَادَةٍ) ؛ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ، وَلَوْ قَتَلَهَا غَاصِبٌ بِوَطْئِهِ، أَوْ مَاتَتْ بِغَيْرِهِ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا. (وَتُضْمَنُ) لَوْ اسْتَرَدَّهَا الْمَالِكُ حَامِلًا، (فَمَاتَتْ بِنِفَاسٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ فِعْلِهِ؛ كَمَا لَوْ اسْتَرَدَّ الْحَيَوَانَ الْمَغْصُوبَ، وَقَدْ جَرَحَهُ الْغَاصِبُ، فَسَرَى الْجُرْحُ إلَى النَّفْسِ عِنْدَ الْمَالِكِ، فَمَاتَ. (وَالْوَلَدُ) مِنْ الْغَاصِبِ (مِلْكٌ لِرَبِّهَا) - أَيْ: لِرَبِّ الْأَمَةِ - لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا، وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ فِي النِّكَاحِ الْحَلَالِ فَهُنَا أَوْلَى، وَيَجِبُ رَدُّهُ مَعَهَا؛ كَسَائِرِ الزَّوَائِدِ، (وَيَضْمَنُهُ) الْغَاصِبُ (سَقْطًا) - أَيْ: مَوْلُودًا قَبْلَ تَمَامِهِ حَيًّا - (لَا) إذَا وُلِدَ (مَيِّتًا) ، وَلَوْ تَامًّا (بِلَا جِنَايَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِجِنَايَتِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَانِي مُطْلَقًا، سَوَاءٌ نَزَلَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا [بِعُشْرِ] (قِيمَةِ أُمِّهِ) ؛ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ تَامًّا حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ؛ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " وَغَيْرِهِمَا. وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ؛ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ جَانٍ وَغَاصِبٍ، (وَقَرَارُهُ) - أَيْ: الضَّمَانِ - (مَعَهَا) - أَيْ: الْجِنَايَةِ إنْ سَقَطَ بِهَا - (عَلَى الْجَانِي) ؛ لِوُجُودِ الْإِتْلَافِ مِنْهُ، (وَكَذَا وَلَدُ بَهِيمَةٍ) مَغْصُوبَةٍ فِي الضَّمَانِ، وَمَتَى وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ مِمَّنْ يَعْلَمُ الْحَالَ؛ فَهُوَ مِلْكٌ لِرَبِّهَا، كَمَا لَوْ أَتَتْ بِهِ مِنْ الْغَاصِبِ. (وَيَتَّجِهُ وَيَضْمَنُ) الْغَاصِبُ جَنِينَ بَهِيمَةٍ وَلَدَتْهُ قَبْلَ رَدِّهَا (بِمَا نَقَصَ أُمَّهُ) ، فَتُقَوَّمُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَبَعْدَهَا، ويُؤْخَذُ مِنْهُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ؛ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهَا غَيْرُهُ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ". : فَرْعٌ: ضَرَبَ الْبَهِيمَةَ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا؛ ضَمِنَ نَقْصَ الْقِيمَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْوَلَدُ) الَّذِي تَأْتِي بِهِ الْأَمَةُ الْمَغْصُوبَةُ (مِنْ جَاهِلٍ) لِلْحُكْمِ وَلَوْ أَنَّهُ الْغَاصِبُ وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ كَوْنِهِ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 وَتَأْتِي بِهِ (مَعَ شُبْهَةٍ) مِنْ جَاهِلِ الْحَالِ؛ بِأَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِأَمَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ فِي نَحْوِ ظُلْمَةٍ، أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْغَاصِبِ يَظُنُّهَا أَمَتَهُ، أَوْ تَزَوَّجَهَا مِنْهُ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ؛ فَإِنَّهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (حُرٌّ) ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِلشُّبْهَةِ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ وَنَقْصُ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إتْلَافٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْجَاهِلُ وَالْعَالِمُ، وَكَوْنُهُ حُرًّا لِاعْتِقَادِ الْوَاطِئِ الْإِبَاحَةَ، وَنَسَبُهُ لَاحِقٌ لِلْغَاصِبِ لِلشُّبْهَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ جَاهِلًا (وَيَفْدِي) - أَيْ: يَلْزَمُ الْوَاطِئَ فِدَاءُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ بِتَفْوِيتِ رِقِّهِ بِاعْتِقَادِهِ (بِانْفِصَالِهِ حَيًّا) ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَضَعَتْهُ مَيِّتًا لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُوجَدْ حَيْلُولَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَيَكُونُ الْفِدَاءُ (بِقِيمَتِهِ) - أَيْ: الْوَلَدِ - نَصًّا؛ كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ (يَوْمَ وَضْعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ حَالِ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ حَمْلًا، وَلِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ. وَإِنْ انْفَصَلَ الْمَحْكُومُ بِحُرِّيَّتِهِ مَيِّتًا مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ؛ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَإِنْ (كَانَ) انْفِصَالُهُ (بِجِنَايَةٍ) ؛ فَعَلَى [جَانٍ] الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ وُجِدَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْغَاصِبِ؛ فَعَلَيْهِ (غُرَّةٌ لِوَارِثِهِ) عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ كَأَنَّهُ وُلِدَ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ جَنِينًا حُرًّا، وَلَا يَرِثُ الْغَاصِبُ مِنْهَا شَيْئًا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ لَهُ. (وَعَلَى غَاصِبٍ) لِلسَّيِّدِ (عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ) ، فَيَضْمَنُهُ لَهُ ضَمَانَ الْمَمَالِيكِ، وَلِهَذَا لَوْ وَضَعَتْهُ حَيًّا قَوَّمْنَاهُ مَمْلُوكًا وَقَدْ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ. وَإِنْ كَانَ لِجِنَايَةٍ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ؛ فَعَلَى الْجَانِي الْغُرَّةُ يَرِثُهَا الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ أَبُو الْجَنِينِ دُونَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهَا رَقِيقَةٌ، وَعَلَى الْغَاصِبِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ الْمَمَالِيكِ؛ لِكَوْنِهِ قَدْ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى السَّيِّدِ، وَمَتَى انْتَقَلَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ عَنْ يَدِ الْغَاصِبِ إلَى الْمَالِكِ، فَالْمُنْتَقِلَةُ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فِي كَوْنِ الْمَالِكِ يَمْلِكُ تَضْمِينَهُ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ الْفَائِتَةَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ كَانَ غَاصِبًا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا؛ فَلِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» . وَلِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 صَارَتْ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَمَلَكَ الْمَالِكُ تَضْمِينَهُ بِمَا يَمْلِكُ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ، لَكِنْ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ مَا دَخَلَ عَلَى ضَمَانِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ، وَيَسْتَقِرُّ مَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهِ عَلَى غَاصِبٍ. إذَا تَقَرَّرَ مَا ذُكِرَ فَالْأَيْدِي الْمُرَتَّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ عَشَرَةٌ: الْأُولَى: الْقَابِضَةُ تَمَلُّكًا بِعِوَضٍ مُسَمًّى، وَهِيَ يَدُ الْمُشْتَرِي وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ كَالْمُتَّهَبِ بِعِوَضٍ، فَمَنْ غَصَبَ أَمَةً بِكْرًا، وَاشْتَرَاهَا مِنْهُ آخَرُ، وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ مَاتَتْ عِنْدَهُ، أَوْ غَصَبَ دَارًا أَوْ بُسْتَانًا أَوْ عَبْدًا ذَا صَنْعَةٍ أَوْ بَهِيمَةً، فَاشْتَرَاهَا إنْسَانٌ وَاسْتَعْمَلَهَا إلَى أَنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ، وَضَمِنَ الْمُشْتَرِي مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لَمْ يَرْجِعْ بِالْقِيمَةِ وَلَا بِأَرْشِ الْبَكَارَةِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ؛ لِبَذْلِهِ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْنِ، بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ؛ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي تَبَعًا لِلْعَيْنِ. (وَيَرْجِعُ مُتَمَلِّكُ غَصْبٍ) - أَيْ: مَغْصُوبٍ - (بِعِوَضٍ كَقَرْضٍ وَشِرَاءٍ وَهِبَةٍ بِعِوَضٍ إذَا غَرِمَ) بِتَضْمِينِ الْمَالِكِ لَهُ (عَلَى غَاصِبٍ بِنَقْصِ وِلَادَةٍ وَمَنْفَعَةٍ فَائِتَةٍ بِإِبَاقٍ أَوْ نَحْوِهِ) كَمَرَضٍ (وَمَهْرٍ وَأُجْرَةِ نَفْعٍ وَثَمَرٍ وَكَسْبٍ وَقِيمَةِ وَلَدٍ) مِنْهُ، أَوْ مِنْ زَوْجٍ زَوَّجَهَا إيَّاهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَيَكُونُ قَرَارُهُ عَلَى الْغَاصِبِ، فَإِذَا غَرِمَهُ الْمَالِكُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ شَيْئًا مِنْهُ؛ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ حَيْثُ جَهِلَ الْمُشْتَرِي الْحَالَ، فَإِنْ عَلِمَهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلُّهُ. . (وَ) يَرْجِعُ (غَاصِبٌ) غَرِمَ الْجَمِيعَ لِمَالِكٍ (عَلَى مُتَمَلِّكٍ) - وَهُوَ الْمُشْتَرِي - (بِقِيمَةِ غَصْبٍ وَأَرْشِ بَكَارَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَلَ مَعَ الْغَاصِبِ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: يَدُ مُسْتَأْجِرٍ، وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي إجَارَةٍ يَرْجِعُ مُسْتَأْجِرٌ) غَرَّمَ الْمَالِكُ قِيمَةً الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى غَاصِبٍ (بِقِيمَةِ عَيْنٍ) تَلِفَتْ بِيَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 وَجَهِلَ الْحَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهَا، بِخِلَافِ قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ فَتَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِهَا، (وَ) يَرْجِعُ (غَاصِبٌ) غَرَّمَ الْمَالِكُ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ عَلَيْهِ - أَيْ: عَلَى مُسْتَأْجِرٍ - (بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْعَيْنَ أَوْ الْمَنْفَعَةَ مَعًا؛ رَجَعَ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِقِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ ضَمِنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ؛ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ. (وَيَسْتَرِدُّ مُتَمَلِّكٌ وَمُسْتَأْجِرٌ) مِنْ غَاصِبٍ إذَا (لَمْ يُقِرَّ بِالْمِلْكِ) لِلْغَاصِبِ (مَا دَفَعَاهُ لَهُ مِنْ الْمُسَمَّى) فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ ثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ، (وَلَوْ عَلِمَا) - أَيْ: المستملك وَالْمُسْتَأْجِرُ - (الْحَالَ) ؛ أَيْ: كَوْنَ الْعَيْنِ الْمُتَمَلَّكَةِ أَوْ الْمُؤَجَّرَةِ مَغْصُوبَةً؛ لِانْتِفَاءِ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ غَيْرُ مَالِكٍ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ، فَلَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ وَلَا الْأُجْرَةَ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي ضُمِنَتْ لِلْمَالِكِ وَفْقَ الثَّمَنِ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ، مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ هُنَا. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي " الْقَوَاعِدِ ": لَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا يَأْتِي فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ أَنَّ قَوْلَ الْمُدَّعِي: اشْتَرَيْته مِنْ زَيْدٍ، وَهُوَ مِلْكُهُ؛ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ إذَا انْتَزَعَهُ الْمُدَّعِي، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنْ يَحْمِلَ مَا يَأْتِي مَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ جَاهِلًا بِالْحَالِ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ، فَيَرْجِعُ مَعَ الْجَهْلِ، لَا مَعَ الْعِلْمِ؛ فَلَا مُعَارَضَةَ إذَنْ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ بَقَاءِ كُلٍّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ خُصُوصًا. وَظَاهِرُ " الْإِقْنَاعِ " الرُّجُوعُ فِي الْكُلِّ، فَغَايَةُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَفْهُومَهُ هُنَا فِيهِ تَفْصِيلٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْطُوقُ مَا يَأْتِي، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الرُّجُوعَ فِيمَا إذَا جُهِلَ الْحَالُ سَوَاءٌ أَقَرَّ أَمْ لَا، أَوْ عَلِمَا الْحَالَ وَلَمْ يُقِرَّ، فَارْتَفَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَالنِّزَاعُ بَيْنَ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ عَالِمًا مُقِرًّا بِالْمِلْكِ. " فَالْإِقْنَاعُ " عَلَى الرُّجُوعِ، وَالْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِهِ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ، وَلَوْ طَالَبَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 بِالثَّمَنِ كُلِّهِ إذَا كَانَ أَزْيَدَ مِنْ الْقِيمَةِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْمُتَّجِرِ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ: أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ. الثَّالِثَةُ: يَدُ الْقَابِضِ تَمَلُّكًا بِلَا عِوَضٍ إمَّا لِلْعَيْنِ بِمَنَافِعِهَا كَيَدِ الْمُتَّهَبِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَإِمَّا لِلْمَنْفَعَةِ فَقَطْ كَالْمُوصَى لَهُ بِمَنَافِعِهَا. الرَّابِعَةُ: يَدُ الْقَابِضِ لِمَصْلَحَةِ الدَّافِعِ فَقَطْ كَوَكِيلٍ وَمُودَعٍ عِنْدَهُ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ، وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَفِي تَمَلُّكٍ بِلَا عِوَضٍ) كَهِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ بِعَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ (وَعَقْدِ أَمَانَةٍ) كَوَكَالَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ مَعَ جَهْلِ قَابِضٍ بِغَصْبٍ؛ (يَرْجِعُ مُتَمَلِّكٌ وَأَمِينٌ غَرِمَا) عَلَى غَاصِبٍ (بِقِيمَةِ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ) ؛ لِكَوْنِهِمَا مَغْرُورَيْنِ بِتَغْرِيرِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَدْخُلَا عَلَى ضَمَانِ شَيْءٍ، فَكَانَ لَهُمَا الرُّجُوعُ بِمَا ضَمِنَاهُ. وَلَا يُنَاقِضُ مَا سَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ وَالرَّهْنِ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْأَمِينَ فِي الرَّهْنِ إذَا بَاعَا وَقَبَضَا الثَّمَنَ، ثُمَّ بَانَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا؛ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُطَالِبُهُمَا بِالثَّمَنِ الَّذِي أَقْبَضَهُ لَهُمَا؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ، أَمَّا كَوْنُ الْمُسْتَحِقِّ لِلْعَيْنِ لَا يُطَالِبُ الْوَكِيلَ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ هُنَاكَ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ بِمَعْزِلٍ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ (وَلَا يَرْجِعُ غَاصِبٌ) غَرِمَ عَلَى مَنْ أَوْدَعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَنَحْوَهُمَا الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ إذَا تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ (بِشَيْءٍ) مِنْ قِيمَةِ عَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ حَيْثُ جُهِلَ الْحَالُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَلَا) يَرْجِعُ غَاصِبُ أَمَةٍ مَلَكَهَا لِجَاهِلِ الْحَالِ (بِمَهْرٍ وَلَا بِأَرْشِ بَكَارَةٍ وَلَا بِنَقْصٍ) غَرِمَ ذَلِكَ لِمَالِكِهَا؛ لِتَعَدِّيهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 (وَمِنْ هُنَا) - أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ: وَفِي تَمَلُّكٍ بِلَا عِوَضٍ إلَى آخِرِهِ - (عُلِمَ أَنَّ الْوَكِيلَ) عَلَى الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ (وَالْمُرْتَهِنَ) لَهَا (وَالْأَمِينَ فِي الرَّهْنِ) ، وَهُوَ مَنْ جُعِلَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (لِرَبِّ الْعَيْنِ) الْمَغْصُوبَةِ (الْمُسْتَحِقِّ لِلضَّمَانِ) - أَيْ: لِلتَّضْمِينِ - (مُطَالَبَتُهُمْ بِهَا) - أَيْ: الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ - لِأَنَّهُمْ كَالْغَاصِبِ، (وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطُوا) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ - وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِالْغَصْبِ - لَكِنْ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُمْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمَا اقْتَضَى ضَمَانَ عَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ. فَعَقْدُ الْبَيْعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ فَاتَ مَجَّانًا، بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي تَبَعًا لِلْعَيْنِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْعَيْنِ؛ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إنَّمَا أَعْطَى الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ خَاصَّةً، فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْأُجْرَةِ وَالْعَيْنُ مَعَهُ أَمَانَةٌ لَمْ يَلْتَزِمْ ضَمَانَهَا؛ الْوَدِيعَةُ وَالْهِبَةُ تَقْتَضِي عَدَمَ ضَمَانِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَالْعَارِيَّةُ تَقْتَضِي ضَمَانَ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ، وَهَكَذَا تَقُولُ فِي كُلِّ عَقْدٍ بِحَسَبِهِ. الْخَامِسَةُ: يَدُ الْمُسْتَعِيرِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي عَارِيَّةٍ) مَعَ جَهْلِ مُسْتَعِيرٍ بِالْغَصْبِ إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ عِنْدَهُ؛ (يَرْجِعُ مُسْتَعِيرٌ) ضَمَّنَهُ مَالِكُ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ (بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهَا، وَإِنَّمَا ضَمِنَهَا بِتَغْرِيرِ الْغَاصِبِ، وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْعَيْنِ إنْ لَمْ تَتْلَفْ بِالِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي حَالٍ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِيهَا مَضْمُونَةً عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ بِأَنْ كَانَ مُنْقَطِعًا رَكِبَ دَابَّةً يَدُ صَاحِبِهَا عَلَيْهَا عَارِيَّةً، وَفِيهَا إذَا كَانَ مُسْتَعِيرُهَا مِنْ مُسْتَأْجِرٍ، وَكَذَا مِنْ مُوصٍ لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا، وَظَهَرَ أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ؛ فَلِمُسْتَعِيرٍ ضَمَّنَهُ مَالِكُ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ. وَيَرْجِعُ (غَاصِبٌ) غَرِمَ لِمَالِكٍ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى مُسْتَعِيرٍ جَهِلَ الْغَاصِبَ (بِقِيمَةِ عَيْنٍ) تَلِفَتْ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ فَقَطْ لِمَا؛ تَقَدَّمَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَرْجِعُ مُسْتَعِيرٌ بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ وَغَاصِبٌ بِقِيمَةِ عَيْنٍ (حَيْثُ ضُمِنَتْ) الْعَيْنُ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَمْثِلَةِ آنِفًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَمَعَ عِلْمِهِ) - أَيْ: الْمُسْتَعِيرِ - بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ إذَا ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ ابْتِدَاءً قِيمَةِ الْعَيْنِ مَعَ الْمَنْفَعَةِ؛ (لَا يَرْجِع) عَلَى الْغَاصِبِ (بِشَيْءٍ) مِمَّا ضَمَّنَهُ لَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِقَبْضِهَا عَالِمًا بِالْحَالِ؛ فَلَا تَغْرِيرَ، وَلِوُجُودِ التَّلَفِ تَحْتَ يَدِهِ. (وَيَرْجِعُ غَاصِبٌ) غَرِمَ ابْتِدَاءً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ لَمَالِكٍ (بِهِمَا) - أَيْ: بِقِيمَةِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ - عَلَى مُسْتَعِيرٍ عَالِمٍ بِالْحَالِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ. السَّادِسَةُ: يَدُ الْغَاصِبِ، وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي غَصْبٍ يَرْجِعُ غَاصِبٌ أَوَّلٌ بِمَا غَرِمَ) لِمَالِكٍ مِنْ قِيمَةِ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ عَلَى غَاصِبٍ ثَانٍ؛ لِتَلَفِهِمَا تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ، لَكِنْ إنْ لَمْ يُغْصَبْهَا الثَّانِي عَقِبَ الْأَوَّلِ لَمْ يُطَالِبْهُ الْأَوَّلُ إلَّا بِقِيمَةِ مَنْفَعَتِهَا زَمَنَ إقَامَتِهَا عِنْدَهُ. (وَلَا يَرْجِعُ) غَاصِبٌ (ثَانٍ) إذَا غَرِمَ لِلْمَالِكِ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَمَنْفَعَتَهَا زَمَنَ إقَامَتِهَا عِنْدَهُ (عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ - (بِشَيْءٍ) ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِيَدِهِ الْعَادِيَةِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، لَكِنْ لَا يُغَرِّمُهُ الْمَالِكُ الْمَنْفَعَةَ إلَّا مُدَّةَ إقَامَتِهَا عِنْدَهُ. السَّابِعَةُ: يَدُ الْمُتَصَرِّفِ فِي الْمَالِ بِمَا يُنَمِّيهِ كَشَرِكَةٍ وَمُزَارَعَةٍ (وَفِي نَحْوِ مُضَارَبَةٍ وَمُسَاقَاةٍ يَرْجِع عَامِلٌ) مَثَلًا غَرِمَ عَلَى غَاصِبٍ (بِقِيمَةِ عَيْنٍ) تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى عَدَمِ ضَمَانِهَا، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا (بِأُجْرَةِ عَمَلٍ) ؛ لِتَغْرِيرِهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَمَّا الْمُضَارِبُ وَالْمُزَارِعُ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَشَرِيكُ الْعَنَانِ فَقَدْ دَخَلُوا عَلَى أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ بِحَالٍ، فَإِذَا ضَمِنُوا عَلَى الْمَشْهُورِ؛ رَجَعُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 بِمَا ضَمِنُوا إلَّا حِصَّتَهُمْ مِنْ الرِّبْحِ، فَلَا يَرْجِعُونَ بِضَمَانِهَا؛ لِدُخُولِهِمْ عَلَى ضَمَانِهَا عَلَيْهِمْ بِالْعَمَلِ كَذَلِكَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُسَاقِي، وَالْمُزَارِعُ نَظِيرُهُ، وَأَمَّا الْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ شَيْءٍ بِدُونِ الْقِسْمَةِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: مَلَكُوا الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُمْ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، وَلَيْسَ لَهُمْ الِانْفِرَادُ بِالْقِسْمَةِ؛ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُمْ شَيْءٌ مَضْمُونٌ. (وَ) يَرْجِعُ (غَاصِبٌ) غَرِمَ لِمَالِكٍ عَلَى عَامِلٍ (بِمَا قَبَضَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ مِنْ رِبْحٍ) فِي مُضَارَبَةٍ، وَبِمَا قَبَضَ مِنْ (ثَمَرِ مُسَاقَاةٍ) وَمِنْ زَرْعٍ فِي مُزَارَعَةٍ، بِقِسْمَةِ الرِّبْحِ أَوْ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ مَعَ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَا قَبَضَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِفَسَادِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْعَامِلِ مُطَالَبَةَ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي الْمَالِ أَوْ الشَّجَرِ، فَلَا يَجْتَمِعُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَالثَّمَرِ، وَكَذَا لَوْ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ أَوْ الْمُسَاقَاةُ مِنْ الْمَالِكِ بِأَيِّ مُفْسِدٍ كَانَ. الثَّامِنَةُ: يَدُ الْمُتَزَوِّجِ لِلْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا قَبَضَهَا مِنْ الْغَاصِبِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ النِّكَاحِ، وَأَوْلَدَهَا ثُمَّ مَاتَتْ عِنْدَهُ، وَذَكَرهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي نِكَاحٍ يَرْجِعُ زَوْجٌ) غَرَّمَ الْمَالِكُ (بِقِيمَتِهَا) وَأَرْشِ بَكَارَةٍ وَنَقْصِ وِلَادَةٍ (وَقِيمَةِ وَلَدٍ شُرِطَ حُرِّيَّتُهُ) فِي الْعَقْدِ عَلَى الْغَاصِبِ ظَانًّا أَنَّهَا مِلْكُهُ (أَوْ لَا) ؛ أَيْ: أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ حُرِّيَّتُهُ، (وَمَاتَ) الْوَلَدُ بِيَدِ الزَّوْجِ إذَا غَرَّمَهُ إيَّاهَا الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ عَدِمَ رِقَّهُ، لَكِنَّهُ دَخَلَ مَعَ الْغَاصِبِ عَلَى أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْوَلَدِ، فَإِذَا غَرِمَ ذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ. (وَ) يَرْجِعُ (غَاصِبٌ) عَلَى زَوْجٍ إنْ غَرِمَ (بِمَهْرِ مِثْلٍ) أَغْرَمَهُ إيَّاهُ الْمَالِكُ؛ لِاسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ وَدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِ الْبُضْعِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الزَّوْجِ (بِأَرْشِ بَكَارَةٍ) غَرِمَهَا لِلْمَالِكِ حَيْثُ جَهِلَ الزَّوْجُ الْغَصْبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أُلْزِمَ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 الْغَاصِبُ فِيمَا تَقَدَّمَ، لِتَعَدِّيهِ، وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ. (وَيَرُدُّ) الْغَاصِبُ لِلزَّوْجِ (مَا أَخَذَ) مِنْهُ (مِنْ) مَهْرٍ (مُسَمًّى) ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ. التَّاسِعُ: الْيَدُ الْقَابِضَةُ لِلْمَغْصُوبِ تَعْوِيضًا بِغَيْرِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَمَا بِمَعْنَاهُ، وَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي إصْدَاقِ غَصْبٍ) ؛ أَيْ: وَفِيمَا إذَا تَزَوَّجَ الْغَاصِبُ امْرَأَةً عَلَى الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَقَبَضَتْهَا عَلَى أَنَّهَا صَدَاقُهَا، (وَنَحْوُ خُلْعٍ) كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ (عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى الْمَغْصُوبِ - كَمَا لَوْ سَأَلَ الْغَاصِبُ إنْسَانًا أَنْ يَخْلَعَ زَوْجَتَهُ، أَوْ يُطَلِّقَهَا، أَوْ يَعْتِقَ أَمَتَهُ، أَوْ صَالَحَ عَنْ دَمِ عَمْدٍ عَلَى مَا بِيَدِهِ مِنْ مَغْصُوبٍ مُعَيَّنٍ (وَإِيفَاءُ دَيْنٍ بِهِ) ؛ كَمَا لَوْ كَانَ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ عَبْدٌ مَوْصُوفٌ دَيْنُ سَلَمٍ، فَغَصَبَ عَبْدًا بِالصِّفَةِ، وَدَفَعَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا جَاءَ الْمَالِكُ - وَقَدْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ بِيَدِ الْقَابِضِ لَهُ عَلَى وَجْهٍ مِمَّا ذُكِرَ - فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِبَدَلِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ (يَرْجِعُ قَابِضٌ) غَرَّمَهُ مَالِكُ قِيمَةِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ (بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ) وَمَهْرٍ وَنَقْصِ وِلَادَةٍ وَثَمَرٍ وَكَسْبٍ وَقِيمَةِ وَلَدٍ عَلَى غَاصِبٍ؛ لِتَغْرِيرِهِ إيَّاهُ، وَأَمَّا قِيَمُ الْأَعْيَانِ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ فَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ ضَمَانَهَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ. (وَ) يَرْجِعُ (غَاصِبٌ) - إنْ غَرِمَ - (بِبَدَلِ عَيْنٍ) وَأَرْشِ بَكَارَةٍ عَلَى قَابِضٍ؛ لِمَا سَبَقَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَدَلُ وَفْقَ حَقِّهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَزْيَدَ مِنْهُ، (وَالدَّيْنُ) فِيمَا إذَا كَانَ الْقَبْضُ ثَابِتًا عَنْ وَفَاءٍ فِي الذِّمَّةِ؛ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَدَيْنِ السَّلَمِ وَالْقَرْضِ وَالْأُجْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَقِيَمِ الْمُتْلِفَاتِ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ (بِحَالِهِ) ؛ لِفَسَادِ الْقَبْضِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ غَاصِبٌ أَقَبَضَ مَدِينَهُ عَيْنًا مَغْصُوبَةً وَفَاءً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَتَلِفَتْ وَأَغْرَمَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا عَلَى مَدِينِهِ بِبَدَلِهَا (حَيْثُ لَا مُقَاصَّةَ) ؛ أَيْ: لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 مُسَاوَاةَ بَيْنَ مَا ثَبَتَ لِلْمَدِينِ عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَبَيْنَ بَدَلِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ الثَّابِتِ لِلْغَاصِبِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا تَقَاصَّا، وَلَا رُجُوعَ لِلْغَاصِبِ بِالْبَدَلِ. مِثَالُهُ لَوْ غَصَبَ زَيْدٌ عَبْدًا لِعَمْرٍو، وَكَانَ عَلَى زَيْدٍ لِبَكْرٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ مَثَلًا، فَدَفَعَ الْعَبْدَ وَفَاءً عَنْ دَرَاهِمِهِ، ثُمَّ تَلِفَ الْعَبْدُ، فَإِذَا رَجَعَ عَمْرٌو عَلَى زَيْدٍ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ؛ فَلِزَيْدٍ الرُّجُوعُ عَلَى بَكْرٍ بِبَدَلِ الْعَبْدِ، وَلِبَكْرٍ الرُّجُوعُ عَلَى زَيْدٍ بِقِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ، فَيَتَقَاصَّانِ إنْ تَسَاوَى الْبَدَلُ وَالْمَنْفَعَةُ؛ بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا فَيَسْقُطُ مِنْ الْأَكْثَرِ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ، وَيَبْقَى الدَّيْنُ بِحَالِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الْعَاشِرَةُ: يَدُ الْمُتْلِفِ لِلْمَغْصُوبِ نِيَابَةً عَنْ الْغَاصِبِ مَعَ جَهْلِهِ الْحَالَ كَالذَّبْحِ لِلْحَيَوَانِ وَالطَّابِخِ لَهُ، وَهَذَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَهُ لَهُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ لِلْغَاصِبِ، وَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي إتْلَافٍ وَلَوْ مُحَرَّمًا؛ كَقَتْلِ) الْعَبْدِ أَوْ إحْرَاقِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ الْحَاصِلِ مِنْ إنْسَانٍ جَاهِلٍ بِالْحَالِ (بِإِذْنِ غَاصِبٍ الْقَرَارُ عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى الْغَاصِبِ - لِوُقُوعِ الْفِعْلِ لَهُ، فَهُوَ كَالْمُبَاشِرِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْأَصْحَابُ، وَإِنْ حَصَلَ الْإِتْلَافُ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ؛ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْحَيَوَانَ الْمَغْصُوبَ بِإِذْنٍ مِنْ الْغَاصِبِ (مَعَ عِلْمِ مُتْلِفٍ) بِغَصْبٍ أَوْ عِلْمِ (مُنْتَقِلٍ إلَيْهِ) الْمَغْصُوبُ بِوَجْهٍ (فِيمَا مَرَّ) تَفْصِيلُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 مِنْ وُجُوهِ الِانْتِقَالِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ الِانْتِقَالُ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ (الْغَاصِبِ) يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِتَعَدِّيهِ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ مِلْكُ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ. (وَإِنْ كَانَ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ) الْمَغْصُوبُ (فِي هَذِهِ الصُّوَرِ) الْعَشَرَةِ (هُوَ الْمَالِكُ) لَهُ مَعَ جَهْلِهِ أَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ؛ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) عَلَى الْغَاصِبِ؛ (لِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ - ضَمَانُهُ (لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا) - أَيْ: غَيْرَ الْمَالِكِ - (وَمَا سِوَاهُ) - أَيْ: سِوَى مَا يَسْتَقِرُّ ضَمَانُهُ عَلَى الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ الْغَاصِبُ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا - فَهُوَ (غَاصِبٌ) ، لِلْمَالِكِ مُطَالَبَتُهُ بِهِ، فَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا، ثُمَّ اسْتَعَارَهُ مِنْهُ مَالِكُهُ، ثُمَّ تَلِفَ عِنْدَهُ؛ فَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى غَاصِبٍ بِقِيمَتِهِ، سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مَالِكُهُ، وَيُطَالِبُهُ بِقِيمَةِ مَنَافِعِهِ مُدَّةَ إقَامَتِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهَا. [تَتِمَّةٌ حُرْمَةُ الْحَيَوَانِ] تَتِمَّةٌ: قَالَ فِي الْفُنُونِ فِي الْمُجَلَّدِ التَّاسِعِ عَشَرَ، مُحْتَجًّا عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَالِ: لَوْ أَذِنَ فِي قَتْلِ عَبْدِهِ، فَقَتَلَهُ؛ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ لِلَّهِ، وَأَثِمَ، وَلَوْ أَذِنَ فِي إتْلَافِ مَالِهِ سَقَطَ الضَّمَانُ وَالْمَأْتَمُ، وَلَا كَفَّارَةَ. انْتَهَى. فَلَوْ غَصَبَ إنْسَانٌ طَعَامًا، وَ (أَطْعَمَهُ) - أَيْ: الطَّعَامَ الْمَغْصُوبَ - (لِمَالِكِهِ) أَوْ أَجْنَبِيٍّ، (وَلَمْ يُعْلِمْهُ) الْغَاصِبُ، أَوْ أَطْعَمَهُ (لِنَحْوِ دَابَّتِهِ) - أَيْ: الْمَالِكِ - كَعَبْدِهِ؛ لَمْ يَبْرَأْ غَاصِبٌ (وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) غَاصِبٌ لِآكِلٍ فَإِنَّهُ (طَعَامِي، أَوْ أَخَذَهُ) الْمَالِكُ مِنْ غَاصِبٍ (هِبَةً) أَوْ أَخَذَهُ (صَدَقَةً؛ لَمْ يَبْرَأْ) غَاصِبٌ، أَوْ أَبَاحَهُ لَهُ؛ بِأَنْ كَانَ صَابُونًا، فَقَالَ: اغْسِلْ بِهِ، أَوْ شَمْعًا فَأَمَرَهُ بِوَقْدِهِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ، أَوْ اسْتَرْهَنَهُ مَالِكٌ أَوْ اسْتَوْدَعَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ مِنْ غَاصِبِهِ، أَوْ اسْتَأْجَرَ غَاصِبٌ مَالِكًا عَلَى قِصَارَةِ ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ خِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَالِكُهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ فِي هَذِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لَمْ يَبْرَأْ غَاصِبٌ. أَمَّا كَوْنُهُ لَا يَبْرَأ بِالطَّعَامِ وَالْإِبَاحَةِ؛ فَلِأَنَّهُ بِغَصْبِهِ مَنَعَ يَدَ مَالِكِهِ وَسُلْطَانِهِ عَنْهُ، وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْغَاصِبُ، وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ؛ فَلِأَنَّهُ تُحْمَلُ مِنَّتُهُ، وَرُبَّمَا كَافَأَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَمَا بَعْدَهَا؛ فَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ؛ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ، وَهُوَ تَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِكُلِّ مَا أَرَادَ. وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ عَالِمًا أَنَّهُ مَلَكَهُ وَأَكَلَهُ بِإِطْعَامِ الْغَاصِبِ لَهُ، أَوْ أَكَلَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَكَلَهُ عَبْدُهُ أَوْ دَابَّتُهُ بِيَدِهِ - وَلَوْ بِلَا إذْنِهِ - بَرِئَ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ أَتْلَفَ مَالَهُ عَالِمًا مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ؛ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ إذَا أَكَلَ مَا عَلِمَ بِقَبْضِهِ؛ بَرِئَ الْغَاصِبُ، وَلَزِمَ الْأَجْنَبِيَّ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي بَحْثِ الْيَدِ الْأُولَى مِنْ الْأَيْدِي الْعَشَرَةِ، وَيَرْجِعُ مُتَمَلِّكٌ غُصِبَ بِعِوَضٍ كَقَرْضٍ وَشِرَاءٍ إلَى آخِرِهِ عَلَى غَاصِبٍ، وَغَاصِبٌ عَلَى مُتَمَلِّكٍ بِقِيمَةِ غَصْبٍ وَأَرْشِ بَكَارَةٍ؛ أَيْ: لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَلَ مَعَ الْغَاصِبِ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ (بَرَاءَةُ غَاصِبٍ بِدَفْعِهِ) الْمَغْصُوبَ (لِمَالِكِهِ) بِعَقْدِ (قَرْضٍ أَوْ) عَقْدِ (شِرَاءٍ أَوْ تَلَفٍ) عِنْدَ مَالِكِهِ، (وَلَمْ يَعْلَمْ) بِهِ الْمَالِكُ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ تَسَلَّمَهُ تَسَلُّمًا تَامًّا، فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالُوا: لَا شَيْءَ لِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ بَاعَهُ مِنْهُ بَرِيءَ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 [تَنْبِيهٌ يَبْرَأُ الْغَاصِبَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا إذَا أَجَرَهُ لِمَالِكِهِ] تَنْبِيهٌ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا إذَا أَجَرَهُ لِمَالِكِهِ، لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِهَا، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " " وَالْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُمَا قَالَا: أَوْ أَخَذَهُ الْمَالِكُ: (فِيمَا يُوهِمُ) أَنَّهُمَا لَمْ يُصَرِّحَا بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمَا صَرَّحَا بِهِ، وَالْمَنْصُوصُ كَمَا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، لَكِنَّ الْقِيَاسَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ لَمْ يَتْلَفْ) الْمَغْصُوبُ الَّذِي اشْتَرَاهُ أَوْ اسْتَقْرَضَهُ مَالِكُهُ مِنْ الْغَاصِبِ؛ (لَمْ يَبْرَأْ) مِنْهُ لِلْغَاصِبِ؛ لِاحْتِمَالِ رَدِّهِ بِنَحْوِ عَيْبٍ، فَيَتْلَفُ بَعْدَهُ؛ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ الْغَاصِبُ لَهُ - أَيْ: لِمَالِكِهِ - (أَمَانَةً) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ؛ إذْ لَوْ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَا يَكُونُ ضَامِنًا. (وَإِنْ صَدَرَ مَا تَقَدَّمَ) ذِكْرُهُ (مِنْ مَالِكٍ) ؛ بِأَنْ أَطْعَمَ الْمَالِكُ مَا غُصِبَ مِنْهُ (الْغَاصِبَ) أَوْ لِدَابَّتِهِ، أَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، أَوْ رَهَنَهُ، أَوْ أَوْدَعَهُ، أَوْ أَجَرَهُ إيَّاهُ، أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ، أَوْ أَقْرَضَهُ، أَوْ أَعَارَهُ لَهُ، وَاسْتَأْجَرَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ عَلَى قِصَارَةِ الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ؛ (بَرِئَ) الْغَاصِبُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، سَوَاءٌ عَلِمَ الْمَالِكُ أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِلْكَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. كَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً، فَتَبَيَّنَتْ زَوْجَتُهُ؛ فَإِنَّهُ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَلَا غَيْرَهُ [، وَكَمَا لَوْ أَكَلَ فِي الصَّوْمِ يَظُنُّ أَنْ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ غَرَبَتْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ] ، مِنْ ضَمَانِ (غَصْبٍ) فَقَطْ، لَا مِنْ إثْمِهِ الْحَاصِلِ بِارْتِكَابِهِ الِاسْتِيلَادَ وَالْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَبَيْنَ مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَصُدُورُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَالِكِ مُبَرِّئٌ لِلْغَاصِبِ مِنْ الْغَصْبِ، وَمُزِيلٌ لِحُكْمِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا يَكُونُ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ؛ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ الدَّرَاهِمَ الْمَغْصُوبَةَ، فَإِنَّ حُكْمَ الْغَصْبِ فِيهَا إذَا اتَّجَرَ بِهَا الْغَاصِبُ أَنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ لِمَالِكِهَا، وَالْحُكْمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 فِيمَا بَعْدَ اقْتِرَاضِهَا مِنْ مَالِكِهَا أَنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ لِلَّذِي اغْتَصَبَهَا، وَكَمَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ أَعَارَهُ؛ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ عَلَى الْغَاصِبِ بِأُجْرَةٍ، كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ؛ وَكَمَا لَوْ زَوَّجَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ مِنْ عُهْدَةِ غَصْبِهَا، وَتَصِيرُ بِيَدِهِ أَمَانَةً؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَغْصِبْهَا قَبْلَ تَزَوُّجِهَا؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْمَغْصُوبِ حَصَلَ بِأَمْرِ مَالِكِهِ، وَبَقَاؤُهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ حَصَلَ بِرِضَى مَالِكِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ غَصْبٌ. (وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا، فَغَرَسَ) فِيهَا، (أَوْ بَنَى فِيهَا، فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً) لِغَيْرِ بَائِعِهَا، (وَقَلَعَ غَرْسَهُ) - أَيْ: غَرْسَ الْمُشْتَرِيَ - (وَبِنَاءَهُ) ؛ لِكَوْنِهِ وُضِعَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ (رَجَعَ) مُشْتَرٍ (عَلَى بَائِعٍ بِمَا غَرِمَهُ) بِسَبَبِ ذَلِكَ (مِنْ ثَمَنٍ) أَقْبَضَهُ، (وَأُجْرَةِ غَارِسٍ وَبَانٍ وَثَمَنِ مُؤَنٍ) مُسْتَهْلَكَةٍ (وَأَرْشِ نَقْصٍ بِقَلْعٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأُجْرَةِ دَارٍ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ غَرَّ الْمُشْتَرِيَ بِبَيْعِهِ إيَّاهَا، وَأَوْهَمَهُ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي غِرَاسِهِ وَبِنَائِهِ وَانْتِفَاعِهِ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَهُ. وَلَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي (بِمَا أَنْفَقَ عَلَى قِنٍّ وَحَيَوَانٍ وَخَرَاجِ أَرْضٍ) - إذَا اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً وَغَرِمَ خَرَاجَهَا، ثُمَّ ظَهَرَتْ مُسْتَحَقَّةً؛ فَلَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي؛ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ؛ (لِأَنَّهُ) - أَيْ: الْمُشْتَرِيَ - (دَخَلَ فِي الشِّرَاءِ مُلْتَزِمًا ضَمَانَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْمَبِيعِ وَدَفْعِ خَرَاجِهِ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الزَّوْجَةِ إذَا خَرَجَتْ مَغْصُوبَةً؛ كَمَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْحُرَّةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَبَيْعُ لْخَرَاجِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَالْمُرَادُ هُنَا إذَا حَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ النُّزُولُ عَنْهَا لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الِانْتِفَاعِ وَوَزْنِ الْخَرَاجِ كَمَا يَأْتِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ. (وَيَجُوزُ تَمَلُّكُ زَرْعِهِ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - بِبَدَلِ بَذْرِهِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ، (وَمَنْ) اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ (أُخِذَ) ؛ أَيْ: اُنْتُزِعَ (مِنْهُ بِحُجَّةٍ) مُطْلَقَةٍ؛ أَيْ: بِأَنْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ شَهِدَتْ لِلْمُدَّعِي بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ؛ بِأَنْ لَمْ تَقُلْ: مَلَكَهُ مِنْ وَقْتِ كَذَا (مَا اشْتَرَاهُ) مُدَّعًى عَلَيْهِ؛ (رَدَّ بَائِعُهُ) لِلْمُشْتَرِي (مَا قَبَضَهُ) مِنْهُ مِنْ الثَّمَنِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِخُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ حُدُوثِ مِلْكٍ نَاشِئٍ عَنْ الْمُشْتَرِي، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكٍ سَابِقٍ عَلَى زَمَنِ الشِّرَاءِ. (وَمَنْ اشْتَرَى قِنًّا) مِنْ إنْسَانٍ، (فَأَعْتَقَهُ، فَادَّعَى شَخْصٌ - وَلَا بَيِّنَةَ أَنْ الْبَائِعَ) لِلْقِنِّ (غَصَبَهُ مِنْهُ) أَيْ الْقِنِّ - (فَصَدَّقَهُ) عَلَى مُدَّعَاهُ (أَحَدُهُمَا) - أَيْ: الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي (لَمْ يُقْبَلْ) تَصْدِيقُهُ (عَلَى الْآخَرِ) الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (بَلْ) يُقْبَلُ تَصْدِيقُهُ (عَلَى نَفْسِهِ) فَقَطْ. (وَإِنْ صَدَّقَاهُ) أَيْ: الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي - (مَعَ) الْقِنِّ (الْمَبِيعَ؛ لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهُ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى بِهِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِعِتْقِهِ، وَأَنْكَرَهُ الْعَبْدُ؛ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَمْ يُقْبَلْ إنْكَارُهُ مَعَ اتِّفَاقِ السَّيِّدِ وَالْقِنِّ عَلَى الرِّقِّ. (وَكَذَا مَنْ قَالَ: أَنَا حُرٌّ، ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ؛ لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ. وَلِمَالِكٍ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهَا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعِتْقِ، (وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ) - أَيْ: ضَمَانَ الْقِيمَةِ - (عَلَى مُعْتِقِهِ) لِمُدَّعِي الْغَصْبِ يَوْمَ الْعِتْقِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ حَكَاهُ شَارِحُ الْمُنْتَهَى؛ يُقْبَلُ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِالْإِتْلَافِ بِالْعِتْقِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ. (وَيَتَّجِهُ وَيَرُدُّ بَائِعٌ) قِنٍّ ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَاصِبٌ لِمُشْتَرٍ (مَا) - أَيْ ثَمَنًا - (أَخَذَهُ مِنْهُ) ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي " الْمُبْدِعِ " " وَالشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَعِبَارَتُهُ: وَمَتَى أَنْ حَكَمْنَا بِالْحُرِّيَّةِ؛ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ قِيمَتِهِ يَوْمَ عِتْقِهِ، فَإِنْ ضَمِنَ؛ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ مِنْهُ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ انْتَهَى. (وَلَوْ مَاتَ الْقِنُّ، وَخَلَّفَ مَالًا - وَلَا وَارِثَ) لَهُ - فَالْمَالُ الْمُخَلَّفُ عَنْهُ (لِمُدَّعٍ) ؛ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَهُ، (وَلَا وَلَاءَ) لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِلْمُعْتِقِ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِفَسَادِ عِتْقِهِ، فَإِنْ خَلَّفَ وَارِثًا؛ فَالْمَالُ لَهُ لِلْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِأَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَ مِنْهُ عَبْدَهُ؛ بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَالِكٍ وَلَا مَأْذُونِهِ، وَبَطَلَ الْعِتْقُ أَيْضًا؛ لِتَرَتُّبِهِ عَلَى الْبَيْعِ الْبَاطِلِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ؛ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ. (وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْهُ مُشْتَرٍ) ، وَادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ غَصَبَهُ الْبَائِعُ مِنْهُ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ؛ انْتَقَضَ الْبَيْعُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ؛ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ - أَيْ: الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي - (بِغَصْبِهِ لِمُدَّعِيهِ) ؛ أَيْ: بِأَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ مِنْ الْمُدَّعِي؛ (بَطَل بَيْعٌ) ؛ لِإِقْرَارِهِمَا بِالْغَصْبِ، (وَرُدَّ ثَمَنٌ) قَبَضَهُ بَائِعٌ لِمُشْتَرٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ. (وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا) بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي مِنْ غَصْبِ الْقِنِّ؛ (لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ (عَلَى الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ، ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْبَائِعِ بِقَوْلِهِ: (فَيَلْزَمُ بَائِعًا أَقَرَّ لَهُ) - أَيْ: لِلْمُدَّعِي بِمُدَّعَاهُ - وَكَانَ إقْرَارُهُ لَهُ (بَعْدَ) انْقِضَاءِ مُدَّةِ (خِيَارِ قِيمَتِهِ) - أَيْ: الْعَبْدِ - لِلْمُقَرِّ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدْ أُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيُقَرُّ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فِي الظَّاهِرِ. (وَلَهُ) - أَيْ: الْبَائِعُ - (تَحْلِيفُ مُشْتَرٍ) أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ، فَإِنْ نَكَلَ؛ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. (وَإِنْ كَانَ) الْبَائِعُ (مَا قَبَضَ الثَّمَنَ؛ لَمْ يُطَالِبْهُ بِهِ) ؛ لِإِقْرَارِهِ بِمَا يُسْقِطُهُ، (وَإِنْ كَانَ) الْبَائِعُ قَدْ (قَبَضَهُ) - أَيْ: الثَّمَنَ (لَمْ يَسْتَرِدَّهُ مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ، فَإِنْ عَادَ [قِنٌّ لِمُقِرٍّ] ) وَهُوَ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، بِفَسْخٍ لِلْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ (رَدُّهُ لِمُدَّعِيهِ) ؛ لِاعْتِرَافِهِ لَهُ بِالْمِلْكِ. وَلَهُ اسْتِرْجَاعُ مَا أُخِذَ مِنْهُ فِي نَظِيرِ الْحَيْلُولَةِ لِزَوَالِهَا (وَ) إنْ كَانَ إقْرَارُ الْبَائِعِ؛ بِأَنَّ غَصْبَهُ مِنْهُ (فِي) مُدَّةِ (خِيَارٍ) ؛ فَإِنَّهُ (يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِمَا يَفْسَخُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ خِيَارُ مَجْلِسٍ أَوْ خِيَارُ شَرْطٍ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ، لَا لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، وَأَشَارَ إلَى الْمُشْتَرِي بِقَوْلِهِ: (وَيَلْزَمُ مُشْتَرِيًا أَقَرَّ) بِأَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ مِنْ مُدَّعِيهِ؛ (رَدُّ عَبْدٍ) لِلْمُدَّعِي؛ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ قَبَضَهُ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي (دَفْعُ ثَمَنٍ لِبَائِعٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ فِي الظَّاهِرِ. (وَإِنْ أَقَامَ) الْمُشْتَرِي (بَيِّنَةً) بِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ غَصْبِ الْبَائِعِ لِلْعَبْدِ؛ (عُمِلَ بِهَا) - أَيْ: بِالْبَيِّنَةِ - لِعَدَمِ مَا يُنَافِيهَا، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ حِينَئِذٍ؛ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ الْبَيْعِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 (وَكَذَا بَائِعٌ) أَقَرَّ بِأَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْ الْمُدَّعِي، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا أَقَرَّ بِهِ، (وَلَمْ يَقُلْ) بَائِعٌ (حَالَ بَيْعٍ: بِعْتُك عَبْدِي هَذَا، أَوْ) بِعْتُك (مِلْكِي) ، بَلْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ مَثَلًا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبِيعُ مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ فِي حَالِ الْبَيْعِ قَالَ: بِعْتُك عَبْدِي هَذَا أَوْ مِلْكِي؛ لَمْ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ (لِأَنَّهُ يُكَذِّبُهَا) بِقَوْلِهِ: عَبْدِي هَذَا أَوْ مِلْكِي. وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ، وَبَطَلَ الْبَيْعُ، وَكَذَا الْعِتْقُ إنْ كَانَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ لِلْمُدَّعِي بِأَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَإِنْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مُدَّعَى الْعَبْدِ، فَلَهُ إحْلَافُهُمَا؛ لِحَدِيثِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» . [تَتِمَّةٌ فِي رَجُلٍ يَجِدُ سَرِقَتَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ بِعَيْنِهَا] تَتِمَّةٌ: قَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ يَجِدُ سَرِقَتَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ بِعَيْنِهَا قَالَ: هُوَ مِلْكُهُ يَأْخُذُهَا. أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، يَتْبَعُ الْمُبْتَاعُ مَنْ بَاعَهُ» رَوَاهُ هُشَيْمِ عَنْ مُوسَى بْنِ السَّائِبِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَمُوسَى بْنِ السَّائِبِ ثِقَةٌ. [فَصْلٌ أُتْلِفَ مَغْصُوبٌ بِإِتْلَافِ الْغَاصِبِ أَوْ غَيْرِهِ لَهُ] (فَصْلٌ: وَإِنْ أُتْلِفَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - مَغْصُوبٌ بِإِتْلَافِ الْغَاصِبِ أَوْ غَيْرِهِ لَهُ؛ بِأَنْ قُتِلَ الْحَيَوَانُ الْمَغْصُوبُ، أَوْ أُحْرِقَ الْمَتَاعُ الْمَغْصُوبُ - وَلَوْ كَانَ إتْلَافُ الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ بِلَا غَصْبٍ - بِأَنْ أَتْلَفَهُ بِيَدِ الْغَاصِبِ أَوْ بَعْدَ أَنْ انْتَقَلَ إلَى يَدِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ، (أَوْ تَلِفَ مَغْصُوبٌ) ؛ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا فَمَاتَ، أَوْ مَتَاعًا فَاحْتَرَقَ وَنَحْوُهُ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ لَوْ غَصَبَهُ مَرِيضًا فَمَاتَ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الْمَرَضِ؛. (ضُمِنَ) مَغْصُوبٌ (مِثْلِيٌّ) ؛ أَيْ: ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ أَوْ مَنْ تَلِفَ بِيَدِهِ، (وَهُوَ) - أَيْ: الْمِثْلِيُّ - (الْفُلُوسُ، وَكُلُّ مَكِيلٍ) مِنْ حَبٍّ وَثَمَرٍ وَمَائِعٍ وَغَيْرِهَا، (أَوْ مَوْزُونٍ) كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَرِيرٍ وَكَتَّانٍ وَقُطْنٍ وَنَحْوِهَا (لَا صِنَاعَةَ فِيهِ) - أَيْ: الْمَكِيلِ - بِخِلَافِ نَحْوِ هَرِيسَةٍ، أَوْ الْمَوْزُونِ، بِخِلَافِ حُلِيٍّ وَأَسْطَالٍ وَنَحْوِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 (مُبَاحَةٌ) ، خَرَجَ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَتُضْمَنُ بِمِثْلِهَا؛ لِتَحْرِيمِ صِنَاعَتِهَا، وَيَأْتِي، (يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ) ، بِخِلَافِ نَحْوِ جَوْهَرٍ وَلُؤْلُؤٍ (بِمِثْلِهِ) - مُتَعَلِّقٌ يُضْمَنُ - نَصًّا، لِأَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِمُمَاثِلَتِهِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَالْمُعَيَّنِ، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ؛ فَإِنَّهَا مُمَاثِلَةٌ مِنْ طَرِيقِ الظَّنِّ وَالِاجْتِهَادِ، وَسَوَاءٌ تَمَاثَلَتْ أَجْزَاءُ الْمِثْلِيِّ أَوْ تَفَاوَتَتْ كَالْأَثْمَانِ، وَلَوْ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً رَائِجَةً، وَالْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ وَنَحْوِهَا، (فَإِنْ أَعْوَزَ) مِثْلُ التَّالِفِ؛ قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": فِي الْبَلَدِ أَوْ حَوْلَهُ؛ كَأَنْ تَعَذَّرَ (لِبُعْدٍ أَوْ غَلَاءٍ) أَوْ عَدَمٍ؛ فَعَلَى الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ (قِيمَتُهُ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ الْمِثْلِيِّ - لِأَنَّهَا أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ، فَوَجَبَ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَصْلِهِ كَالْآخَرِ (يَوْمَ إعْوَازِهِ) - أَيْ: الْمِثْلِ - لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ حِينَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ، فَاعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ حِينَئِذٍ كَتَلَفِ الْمُتَقَوِّمِ، وَدَلِيلُ وُجُوبِهَا إذَنْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ طَلَبَهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ أَدَاؤُهَا، وَلَا يَبْقَى وُجُوبُ الْمِثْلِ؛ لِلْعَجْزِ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ طَلَبَهُ وَلَا اسْتِيفَاؤَهُ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ إعْوَازِهِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مَكَانُ الْوُجُوبِ، (فَإِنْ قَدَرَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمِثْلُ (عَلَى الْمِثْلِ) بَعْدَ تَعَذُّرِهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، (لَا بَعْدَ أَخْذِهَا؛ وَجَبَ) الْمِثْلُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ؛ كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ أَخَذَ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ عَنْهُ؛ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا، وَلَمْ تُرَدَّ وَلَا طَلَبَ لِلْمِثْلِ إذَنْ؛ لِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِأَخْذِهَا، وَكَمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ إنْ قَدَرَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمِثْلُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ؛ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ مِنْ مِثْلِيٍّ قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّ الْجَمِيعِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ (الْقِسْطِ) مِنْ مِثْلِيٍّ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَيَدْفَعُ الْقِيمَةَ عَنْ الْبَاقِي؛ إذْ لَا يُكَلَّفُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 الْإِنْسَانُ إلَّا مَا يُطِيقُهُ؛ كَمَنْ عِنْدَهُ مَا لَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ تَغَيَّرَ) الْمَغْصُوبُ (كَرُطَبٍ أَتَمْرَ) ؛ أَيْ: صَارَ وَقْتَ التَّلَفِ تَمْرًا، (أَوْ عَصِيرٍ تَخَلَّلَ) ؛ أَيْ: صَارَ خَلًّا، أَوْ سِمْسِمٍ صَارَ بَعْدَ الْغَصْبِ شيرجا؛ (ضَمَّنَهُ) - بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ - (الْمَالِكُ) لِلْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ (بِمِثْلِ أَيِّهِمَا شَاءَ) ؛ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمِثْلَيْنِ، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ رُطَبًا وَعَصِيرًا وَسِمْسِمًا، اعْتِبَارًا بِحَالِ الْغَصْبِ، أَوْ تَمْرًا أَوْ خَلًّا أَوْ شيرجا اعْتِبَارًا بِحَالِ التَّلَفِ. وَالدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ الرَّائِجَةُ مِثْلِيَّةٌ لِتَمَاثُلِهَا عُرْفًا، وَلِأَنَّ أَخْلَاطَهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَكَذَا الْفُلُوسُ، وَتَقَدَّمَ. [تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمِثْلِيِّ بِمِثْلِهِ فِي الْمَغْصُوبِ الْمَاءُ فِي الْمَفَازَةِ] تَنْبِيهٌ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمِثْلِيِّ بِمِثْلِهِ الْمَاءُ فِي الْمَفَازَةِ، فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ فِي الْبَرِّيَّةِ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ: وَيُيَمَّمُ رَبُّ مَاءٍ [مَاتَ] لِعَطَشِ رَفِيقِهِ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ مَكَانَهُ لِوَرَثَتِهِ. وَضُمِنَ (غَيْرُ مِثْلِيٍّ كَجَوْهَرٍ وَصُبْرَةِ بَقَّالٍ وَمَعْمُولٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهِمَا (وَحَيَوَانٌ) إذَا أَتْلَفَ ذَلِكَ أَوْ أُتْلِفَ (بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ) ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَمَرَ بِالتَّقْوِيمِ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهَا مُتْلَفَةٌ بِالْعِتْقِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْمِثْلِ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمِثْلِيِّ لَا تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ، وَتَخْتَلِفُ صِفَاتُهُ، فَالْقِيمَةُ فِيهِ أَعْدَلُ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (فِي بَلَدِ غَصْبِهِ مِنْ نَقْدِهِ) - أَيْ: نَقْدِ بَلَدِ الْغَصْبِ - لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الضَّمَانِ بِمُقْتَضَى التَّعَدِّي، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمَشْهُورُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالِاخْتِيَارُ (مَعَ أَرْشِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 نَقْصِهِ وَأُجْرَتِهِ) مِنْ يَوْمِ غَصْبِهِ إلَى يَوْمِ تَلَفِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَوْجُودَةً حَالَ الْغَصْبِ أَوْ حَدَثَتْ فِي الْمَغْصُوبِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ نَقْدُ) بَلَدِ غَصْبِهِ، بِأَنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ؛ فَالْقِيمَةُ (مِنْ غَالِبِهِ) رَوَاجًا؛ لِانْصِرَافِ اللَّفْظِ إلَيْهِ فِيمَا لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مُطْلَقٍ (وَكَذَا) - أَيْ: كَالْمَغْصُوبِ فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ - (مُتْلَفٌ بِلَا غَصْبٍ وَمَقْبُوضٌ يُضْمَنُ) ؛ كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ كَمَبِيعٍ، لَا نَحْوِ هِبَةٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُتْلِفِ لَهُ؛ فَيُضْمَنُ مِثْلِيٌّ بِمِثْلِهِ، وَمُتَقَوِّمٌ بِقِيمَتِهِ. (وَمَنْ أَخَذَ) مِنْ آخَرَ شَيْئًا (مَعْلُومًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ) كَجَزَّارٍ وَزَيَّاتٍ، أَوْ أَخَذَ (حَوَائِجَ) مُتَقَوِّمَةً كَفَوَاكِهَ وَبُقُولٍ وَنَحْوِهِمَا (مِنْ بَقَّالٍ وَنَحْوِهِ) ، وَلَمْ يَقْطَعْ سِعْرَهُ (فِي أَيَّامٍ، ثُمَّ حَاسَبَهُ) عَلَى مَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ، (فَإِنَّهُ) لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَلَا الْقِيمَةُ فِي الْمُتَقَوِّمِ، بَلْ (يُعْطِيهِ بِسِعْرِ يَوْمِ أَخْذِهِ) ؛ لِتَرَاضِيهِمَا عَلَى ذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ، وَهَذَا الْعَقْدُ جَارٍ مَجْرَى الْفَاسِدِ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ الثَّمَنَ، لَكِنَّهُ صَحِيحٌ إقَامَةً لِلْعُرْفِ مَقَامَ النُّطْقِ، وَهَذَا - وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ - أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ، بَلْ يَدَّعِي بِأَنَّ الثَّمَنَ فِي هَذِهِ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الْعُرْفِ، فَيَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِهِ، (وَيُقَوَّمُ) الْمَوْزُونُ وَهُوَ (مَصَاغٌ مُبَاحٌ) - أَيْ: فِيهِ صِنَاعَةٌ مُبَاحَةٌ؛ وَكَمَعْمُولِ نُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَمَغْزُولِ صُوفٍ وَشَعْرٍ وَنَحْوِهِ كَمَغْزُولِ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ، (أَوْ مُحَلًّى بِأَحَدِهِمَا) تَزِيدُ عَلَى وَزْنِهِ لِصِنَاعَتِهِ. وَيُقَوَّمُ (تِبْرٌ تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ) بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، بِنَقْدٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَصُوغُ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ؛ قُوِّمَ بِالْآخَرِ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا، فَيُقَوَّمُ حُلِيُّ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، وَحُلِيُّ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ أَوْ كَانَ مُحَلًّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ؛ قُوِّمَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَيْضًا فِرَارًا مِنْ الرِّبَا. وَإِنْ كَانَ الْحُلِيُّ (مِنْهَا) - أَيْ: مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مَعًا؛ قَوَّمَهُ (بِأَيِّهِمَا شَاءَ) مِنْهُمَا؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 لِلْحَاجَةِ إلَى التَّقْوِيمِ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ؛ فَكَانَتْ الْخِيرَةُ فِي ذَلِكَ إلَى مَنْ يُخْبِرُ التَّقْوِيمَ. (وَيُعْطِي) رَبُّ الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ الْمُحَلَّى بِهِمَا (بِقِيمَتِهِ عَرَضًا) لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ يُفْضِي إلَى الرِّبَا. . (وَيُضْمَنُ مُحَرَّمُ صِنَاعَةٍ؛ كَإِنَاءٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَحُلِيٍّ مُحَرَّمٍ) ؛ كَسَرْجٍ وَلِجَامٍ وَرِكَابٍ وَنَحْوِهِ (بِوَزْنِهِ) فَقَطْ (مِنْ جِنْسِهِ) ؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ الْمُحَرَّمَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا، وَقَالَ فِي " الِانْتِصَارِ " " وَالْمُفْرَدَاتِ ": لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِغَيْرِ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ وَبِغَيْرِ الْقِيمَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ؛ لَمْ يُنَفَّذْ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَلْزَمْ قَبُولُهُ، وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرِهِ. (وَ) يَجِبُ (فِي تَلَفِ بَعْضِ مَغْصُوبٍ) عِنْدَ غَاصِبٍ (فَتَنْقُصُ قِيمَةُ بَاقِيهِ كَزَوْجَيْ خُفٍّ) وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ (تَلِفَ أَحَدُهُمَا؛ رَدُّ بَاقٍ) مِنْهُمَا إلَى مَالِكِهِ وُجُوبًا (وَقِيمَةِ تَالِفٍ وَأَرْشِ نَقْصٍ) لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ، فَصَارَتْ قِيمَةُ الْبَاقِي مِنْهُمَا دِرْهَمَيْنِ؛ رَدَّهُ وَأَرْبَعَةٌ دِرْهَمَانِ قِيمَةُ التَّالِفِ وَدِرْهَمَانِ أَرْشُ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِجِنَايَتِهِ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ؛ كَمَا لَوْ شَقَّ ثَوْبًا يُنْقِصُهُ الشَّقُّ، بِخِلَافِ نَقْصِ السِّعْرِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بِهِ مِنْ الْمَغْصُوبِ عَيْنٌ وَلَا مَعِينٌ وَهَا هُنَا فَوَاتُ مَعِينٍ وَهُوَ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَهُوَ الْمُوجِبُ لِنَقْصِ قِيمَتِهِ؛ كَمَا لَوْ فَوَّتَ بَصَرَهُ أَوْ سَمْعَهُ وَنَحْوَهُ. (وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا بِعَشْرَةٍ) فَلَبِسَهُ الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ، فَأَبْلَاهُ، (فَنَقَصَ) الثَّوْبُ (بِاسْتِعْمَالِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ) ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ ذَلِكَ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ، (ثُمَّ غَلَتْ) الثِّيَابُ، (فَعَادَتْ) قِيمَةُ الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ إلَى عَشْرَةٍ؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ قَبْلَ الْبِلَى؛ (رَدَّهُ) الْغَاصِبُ (وَرَدَّ أَرْشَ نَقْصِهِ؛ لِثُبُوتِهِ بِذِمَّتِهِ قَبْلَ غُلُوِّهِ) ، فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِغَلَاءِ الثَّوْبِ وَلَا رُخْصِهِ، وَكَذَلِكَ (لَوْ رَخُصَ) الثَّوْبُ، فَصَارَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةً؛ (لَمْ يَلْزَمْهُ) - أَيْ: الْغَاصِبَ - (مَعَ رَدِّهِ) - أَيْ: الثَّوْبِ - لِمَالِكِهِ (سِوَى الْخَمْسَةِ) أَرْشِ النَّقْصِ، وَلَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ كُلُّهُ وَقِيمَتُهُ عَشْرَةٌ، ثُمَّ غَلَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 الثِّيَابُ؛ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ؛ لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ إلَّا عَشْرَةً، فَلَا تُزَادُ بِغَلَاءِ الثِّيَابِ، وَلَا تَنْقُصُ بِرُخْصِهَا. . (وَ) يَجِبُ (فِي نَحْوِ قِنٍّ أَبَقَ) مِنْ غَاصِبِهِ، (وَجَمَلٍ) أَوْ فَرَسٍ (شَرَدَ) مِنْهُ، وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ مَعَ بَقَائِهِ (قِيمَتَهُ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ الْآبِقِ أَوْ الشَّارِدِ لِمَالِكِهِ؛ لِلْحَيْلُولَةِ، (وَيَمْلِكُهَا) - أَيْ: الْقِيمَةَ - (مَالِكُهُ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ - بِقَبْضِهَا، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهَا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ مِنْ أَجْلِ الْحَيْلُولَةِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ (غَاصِبٌ مَغْصُوبًا بِدَفْعِهَا) - أَيْ: الْقِيمَةِ - لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِالْبَيْعِ؛ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ قَرِيبَهُ؛ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِالتَّضْمِينِ كَالتَّالِفِ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى أَخْذِهَا، وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالْبَدَلِ، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ جَوَازُ الْأَخْذِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، فَتُوقَفُ عَلَى خِيَرَتِهِ، (فَمَتَى قَدَرَ) غَاصِبٌ عَلَى آبِقٍ وَنَحْوِهِ؛ (رَدَّهُ) وُجُوبًا بِنَمَائِهِ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ، (وَأَخَذَهَا) ؛ أَيْ: أَخَذَ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ بِعَيْنِهَا إنْ بَقِيَتْ؛ لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لِأَجْلِهَا (بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ) فَقَطْ مِنْ سَمْنٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ، وَلَا يَرُدُّ مَعَ الْقِيمَةِ زِيَادَتَهَا (الْمُنْفَصِلَةَ) كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " [؛ لِأَنَّهَا] وُجِدَتْ فِي مِلْكِهِ، وَلَا تَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ، فَأَشْبَهَتْ زِيَادَةَ الْمَبِيعِ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ. قَالَ الْمَجْدُ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ وَالْحَيَوَانَ لَا يَكُونُ أَبَدًا نَفْسَ الْقِيمَةِ الْوَاجِبَةِ، بَلْ بَدَلٌ عَنْهَا، وَإِذَا رَجَعَ الْمَغْصُوبُ؛ رَدَّ الْقِيمَةَ لَا بَدَلَهَا وَلَا ثَمَرَاتِهِ؛ كَمَنْ بَاعَ سِلْعَتَهُ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ أَخَذَ عَنْهَا ذَهَبًا أَوْ سِلْعَةً، ثُمَّ رَدَّ الْمَعِيبَ بِالْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِدَرَاهِمَ لَا بَدَلَهَا انْتَهَى. قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَهُوَ كَمَا قَالَ الْبُهُوتِيُّ فِي شَرْحَيْهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الثَّمَنَ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ دَرَاهِمَ، فَإِذَا عَوَّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا؛ فَهُوَ عَقْدٌ آخَرُ، وَأَمَّا هُنَا فَالْقِيمَةُ لَمْ تَثْبُتْ فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 التَّلْخِيصِ، فَمَا دَفَعَهُ ابْتِدَاءً هُوَ الْقِيمَةُ سَوَاءً كَانَ مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا، (أَوْ) يَأْخُذُ (بَدَلهَا) - أَيْ: الْقِيمَةِ - (إنْ تَلِفَتْ أَوْ بِيعَتْ) وَهُوَ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، أَوْ قِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً، (وَلَيْسَ لَهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (حَبْسُ مَغْصُوبٍ) عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ أَدَاءِ قِيمَتِهِ (لِدَفْعِهَا) - أَيْ: الْقِيمَةِ - (وَلَا حَبَسَ مَبِيعٍ فَاسِدٍ عَلَى رَدِّ ثَمَنِهِ، بَلْ يُدْفَعَانِ) - أَيْ: الْمَغْصُوبُ وَقِيمَتُهُ أَوْ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا وَثَمَنُهُ (لِعَدْلٍ) يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ، (يُسَلِّمُ لِكُلٍّ) مِنْهَا (مَالَهُ) قَطْعًا لِلنِّزَاعِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ. (وَ) يَجِبُ (فِي عَصِيرٍ تَخَمَّرَ) عِنْدَ غَاصِبٍ (مِثْلُهُ) ؛ لِصَيْرُورَتِهِ فِي حُكْمِ التَّالِفِ؛ لِذَهَابِ مَالِيَّتِهِ بِتَخْمِيرِهِ، (وَمَتَى انْقَلَبَ) عَصِيرٌ تَخَمَّرَ (خَلًّا) بِيَدِ غَاصِبٍ؛ (رَدَّهُ) الْغَاصِبُ، (وَرَدَّ أَرْشَ نَقْصِهِ) إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ، خَلًّا عَنْ قِيمَتِهِ عَصِيرًا؛ لِحُصُولِ النَّقْصِ بِيَدِهِ، وَكَتَلَفِ جُزْءٍ مِنْهُ؛ (كَمَا لَوْ نَقَصَ بِلَا تَخَمُّرٍ) بِأَنْ صَارَ ابْتِدَاءً خَلًّا، وَكَغَصْبِ شَابَّةٍ فَتَهْرَمُ، (وَاسْتَرْجَعَ) الْغَاصِبُ إذَا رَدَّ الْخَلَّ وَأَرْشَ نَقْصِ الْعَصِيرِ (الْبَدَلَ) ، وَهُوَ مِثْلُ الْعَصِيرِ الَّذِي دَفَعَهُ لِمَالِكِهِ؛ لِلْحَيْلُولَةِ؛ كَمَا لَوْ أَدَّى قِيمَةَ الْآبِقِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَرَدَّهُ إلَى رَبِّهِ. وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ عَصِيرٍ أَوْ زَيْتٍ غَلَاهُ غَاصِبٌ بِغَلَيَانِهِ؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهِ. وَإِنْ غَصَبَ رِطْلَيْنِ عَصِيرًا مَثَلًا، فَغَلَاهُمَا، فَذَهَبَ رِطْلٌ، وَزَادَتْ قِيمَةُ الرِّطْلِ الْبَاقِي، فَصَارَتْ تُسَاوِي قِيمَةَ رِطْلَيْنِ قَبْلَ الْغَلْيِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ الْعَصِيرِ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ مِنْ الْعَصِيرِ بِغَلَيَانِهِ هُوَ الْمَاءُ؛ لِأَنَّ النَّارَ تُذْهِبُ مَائِيَّتَهُ، وَتُجَمِّعُ حَلَاوَتَهُ، وَالْمَاءُ لَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَ رِطْلَيْ زَيْتٍ قِيمَتُهَا عَشْرَةُ دَرَاهِمَ مَثَلًا، فَغَلَاهُمَا، فَذَهَبَ رِطْلٌ، وَبَقِيَ رِطْلٌ قِيمَتُهُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِ مَا ذَهَبَ؛ لِأَنَّ الزَّيْتَ لَا مَاءَ فِيهِ، فَالذَّاهِبُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَالنَّارُ لَا تُعَقِّدُ أَجْزَاءَهُ، بَلْ تُتْلِفُهَا؛ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ ذَلِكَ؛ كَمَا لَوْ أَوْقَدَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَالزِّيَادَةُ زِيَادَةُ سِعْرٍ. (وَمَا صَحَّتْ إجَارَتُهُ) ؛ بِأَنْ [كَانَ لَهُ مَنْفَعَةٌ تَصِحُّ إجَارَتُهَا، (وَأُوجِرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 غَالِبًا) بِأَنْ] جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِيجَارِهِ (مِنْ مَغْصُوبٍ وَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) كَرَقِيقٍ وَدَوَابَّ وَسُفُنٍ وَعَقَارٍ؛ (فَعَلَى غَاصِبٍ وَقَابِضٍ) بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِيَدِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، فَتُضْمَنُ مَنَافِعُهُ بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ؛ أَيْ: سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ أَوْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ؛ جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمُجَرَّدِ التَّلَفِ؛ كَالْأَعْيَانِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالْعَيْنِ، وَمَنْ لَمْ يُوجِبْ الْأَجْرَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ احْتَجَّ بِحَدِيثِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّ كُلَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمُجَرَّدِ الْإِتْلَافِ؛ كَالْأَعْيَانِ، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مُتَقَوِّمًا؛ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالْأَعْيَانِ، أَوْ يُقَالُ: مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مَغْصُوبٌ؛ فَوَجَبَ كَالْعَيْنِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَوَارِدٌ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَغْصُوبِ إجْمَاعًا، وَلَا يُشْبِهُ الزِّنَا؛ فَإِنَّهَا رَضِيَتْ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ - وَلَا عَقْدٍ يَقْتَضِي الْعِوَضَ - فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعَارَهُ دَارِهِ، وَلَوْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ؛ لَزِمَهُ مَهْرُهَا. . وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً وَلَمْ يَطَأْهَا وَمَضَى عَلَيْهَا زَمَنٌ يُمْكِنُ الْوَطْءُ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ مَهْرَهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَا تُتْلَفُ بِلَا اسْتِيفَاءٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَلِأَنَّهَا لَا تُقَدَّرُ بِزَمَنٍ، فَيُتْلِفُهَا مُضِيُّ الزَّمَانِ، بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ. (وَمَعَ عَجْزِ) غَاصِبٍ (عَنْ رَدِّ) مَغْصُوبٍ تَصِحُّ إجَارَتُهُ؛ كَعَبْدٍ أَبَقَ، وَجَمَلٍ شَرَدَ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ (إلَى) وَقْتِ (أَدَاءِ قِيمَتِهِ) فَقَطْ، فَإِنْ قَدَرَ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْهُ؛ لَزِمَهُ رَدُّهُ لِلْمَالِكِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى غَاصِبٍ وَقَابِضٍ مِنْ حِينِ دَفْعِ بَدَلِهِ إلَى رَبِّهِ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ بِأَخْذِ قِيمَتِهِ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ بِبَدَلِهِ الَّذِي هُوَ قِيمَتُهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَبِبَدَلِهِ. وَمَنَافِعُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ؛ كَمَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 يَضْمَنُهَا قَابِضُهَا بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ أَوْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ عُقُودِ الْأَمَانَاتِ كَالْوَكَالَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَعُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ؛ فَلَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِهَا، وَلِهَذَا يَرْجِعُ مَنْ غَرِمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَيْئًا بِمَا غَرِمَهُ، (وَمَعَ تَلَفِ) مَغْصُوبٍ أَوْ مَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ فَالْوَاجِبُ عَلَى قَابِضِهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ (إلَيْهِ) - أَيْ: إلَى تَلَفِهِ - لِأَنَّهُ بَعْدَهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ تُضْمَنُ؛ كَمَا لَوْ أُتْلِفَ بِلَا غَصْبٍ أَوْ قَبْضٍ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ غَاصِبٍ وَقَابِضٍ فِي تَلَفِهِ، فَيُطَالِبُهُ مَالِكُهُ بِبَدَلِهِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ وَالْقَابِضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (فِي وَقْتِهِ) - أَيْ: التَّلَفِ - لِتَسْقُطَ عَنْهُ الْأُجْرَةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، (وَ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ (فِي تَلَفِهِ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ - (لِيُطَالِبَ) مُتْلِفَهُ (بِبَدَلِهِ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا (وَإِلَّا) تَصِحُّ إجَارَةُ الْمَغْصُوبِ؛ أَيْ: لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِإِجَارَتِهِ غَالِبًا؛ (فَلَا) تَلْزَمُ غَاصِبَهُ وَلَا قَابِضَهُ أُجْرَةٌ (كَغَنَمٍ وَشَجَرٍ وَطَيْرٍ) ، وَلَوْ قَصَدَ مَوْتَهُ (وَنَحْوِهَا) كَشَمْعٍ وَمَطْعُومٍ وَمَشْرُوبٍ (مِمَّا لَا مَنَافِعَ لَهُ يُسْتَحَقُّ بِهَا عِوَضٌ) غَالِبًا، فَلَا يَرُدُّ صِحَّةَ إجَارَةِ غَنَمٍ لِدِيَاسِ زَرْعٍ وَشَجَرٍ لِنَشْرٍ وَنَحْوِهِ؛ لِنُدْرَتِهِ. (وَيَلْزَمُ) غَاصِبًا وَقَابِضًا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (فِي قِنٍّ ذِي صَنَائِعَ) ؛ أَيْ: يُحْسِنُ صَنَائِعَ؛ إذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْسِنٍ صَنْعَةً؛ لَمْ يَلْزَمْ قَابِضَهُ أُجْرَةُ صَنْعَةٍ مُقَدَّرَةٍ - وَلَوْ حَبَسَهُ مُدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا تَعَلُّمُ صَنْعَةٍ - لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ (أُجْرَةَ أَعْلَاهَا) - أَيْ: الصَّنَائِعِ - (فَقَطْ) مُدَّةَ إقَامَتِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ فِي صَنْعَتَيْنِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ غَايَةَ مَا يَحْصُلُ لِسَيِّدِهِ بِهِ مِنْ النَّفْعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي أَعْلَى مَا يُحْسِنُهُ مِنْ الصَّنَائِعِ. [تَنْبِيهٌ لَا قِصَاصَ فِي مَالٍ كَشَقِّ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِ كَكَسْرِ إنَاءٍ] (تَنْبِيهٌ: لَا قِصَاصَ فِي مَالٍ كَشَقِّ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِ) كَكَسْرِ إنَاءٍ، بَلْ الضَّمَانُ بِالْبَدَلِ وَالْأَرْشِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ) (وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ: إسْمَاعِيلُ وَمُوسَى بْنُ سَعِيدٍ والشالنجي وَابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ (يُخَيَّرُ) فِي ذَلِكَ، وَيَأْتِي هَلْ يُقْتَصُّ مِنْ اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا فِي بَابِ الْقِصَاصِ. [فَائِدَةٌ غَصَبَ جَمَاعَةٌ مَشَاعًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ] فَائِدَةٌ: لَوْ غَصَبَ جَمَاعَةٌ مَشَاعًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ كَعَقَارٍ، فَرَدَّ أَحَدُ الْغَاصِبِينَ سَهْمَ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالِكِينَ إلَيْهِ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِانْفِرَادُ بِالْمَرْدُودِ، وَكَذَا لَوْ صَالَحُوهُ عَنْهُ بِمَالٍ؛ فَلَيْسَ لَهُ الِانْفِرَادُ بِهِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَبَيْعِ الْمَشَاعِ انْتَهَى؛ أَيْ: فَيَصِحُّ وَيَطِيبُ لَهُ الْمَالُ، هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَعَلَّ رِوَايَةَ حَرْبٍ فِيمَا إذَا صَالَحُوهُ عَنْ سَهْمٍ مُعَيَّنٍ، كَذَا لَوْ كَانَ الْغَاصِبُ لِحِصَصِهِمْ وَاحِدًا. وَيَصِحُّ غَصْبُ الْمَشَاعِ، فَلَوْ كَانَتْ أَرْضٌ أَوْ دَارٌ لِاثْنَيْنِ فِي يَدِهِمَا، فَنَزَلَ الْغَاصِبُ فِي الْأَرْضِ أَوْ الدَّارِ، فَأَخْرَجَ أَحَدَهُمَا، وَبَقِيَ الْآخَرُ مَعَهُ عَلَى مَا كَانَ مَعَ الْمُخْرَجِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا إلَّا نَصِيبَ الْمُخْرَجِ، حَتَّى لَوْ اسْتَغَلَّا الْمِلْكَ أَوْ انْتَفَعَا بِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْ الْبَاقِي مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ الْمُخْرَجِ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَبْدًا لِاثْنَيْنِ كَفَّ الْغَاصِبُ يَدَ أَحَدِهِمَا عَنْهُ، وَنَزَلَ فِي التَّسَلُّطِ عَلَيْهِ مَوْضِعَهُ مَعَ إقْرَارِ الْآخَرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَاعَاهُ؛ بَطَلَ بَيْعُ الْغَاصِبِ لِلنِّصْفِ، وَصَحَّ بَيْعُ الْآخَرِ كَنِصْفِهِ. قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. [تَتِمَّةٌ غَصَبَ أَثْمَانًا لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهَا فَطَالَبَهُ الْمَالِكُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ غَصَبَ أَثْمَانًا لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهَا، فَطَالَبَهُ الْمَالِكُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ؛ وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ، وَطَالَبَ بِهِ مَالِكُهُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ؛ لِلْحَيْلُولَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةً، وَقِيمَتُهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ وَبَلَدِ الطَّلَبِ وَاحِدَةٌ، أَوْ هِيَ أَقَلُّ فِي بَلَدِ الطَّلَبِ؛ فَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِهِ؛ لِلْحَيْلُولَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِبَلَدِ الطَّلَبِ أَكْثَرَ مِنْهَا بِبَلَدِ الْغَصْبِ؛ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ الْمِثْلُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْغَاصِبِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَتِهِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهَا عَلَى الْغَاصِبِ، وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَتَى قَدَرَ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ؛ رَدَّهُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، وَأَخَذَ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا وَجَبَتْ لِلْحَيْلُولَةِ. وَقَدْ زَالَتْ. [فَصْلٌ حُرِّمَ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ وَغَيْرِهِ فِي مَغْصُوبٍ] (فَصْلٌ وَحُرِّمَ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ) وَغَيْرِهِ مِمَّنْ عَلِمَ الْحَالَ (فِي مَغْصُوبٍ بِمَا لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ) ؛ أَيْ: لَا يَتَّصِفُ بِأَحَدِهِمَا (كَإِتْلَافِ) الْمَغْصُوبِ (وَاسْتِعْمَالِهِ) كَأَكْلِهِ وَلُبْسِهِ وَنَحْوِهِمَا كَرُكُوبِهِ وَحَمْلٍ عَلَيْهِ وَاسْتِخْدَامِهِ وَذَبْحِهِ. وَلَا يُحَرَّمُ الْمَذْبُوحُ بِذَلِكَ، وَكَسُكْنَى الْعَقَارِ؛ لِحَدِيثِ: «إنَّ أَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . (وَكَذَا) يَحْرُمُ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ وَغَيْرِهِ فِي مَغْصُوبٍ (بِمَا لَهُ حُكْمٌ) ؛ بِأَنْ يُوصَفَ تَارَةً بِالصِّحَّةِ وَتَارَةً بِالْفَسَادِ؛ (كَعِبَادَةٍ) ؛ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ، أَوْ يَتَيَمَّمَ بِالتُّرَابِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِي الْبُقْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ، أَوْ يُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِنْ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ، أَوْ يَحُجَّ مِنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ نَحْوِ صَوْمٍ وَذِكْرٍ وَاعْتِقَادٍ؛ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ، (وَكَعَقْدٍ) كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَغْصُوبَ، أَوْ أَجَّرَهُ، أَوْ أَعَارَهُ، أَوْ نَكَحَ الْغَاصِبُ، أَوْ أَنْكَحَ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ، أَوْ عَتَقَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ، أَوْ وَقَفَ الشِّقْصَ الْمَغْصُوبَ. (وَلَا يَصِحَّانِ) - أَيْ: عِبَادَةُ الْغَاصِبِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَلَا عَقْدُهُ - فَيَكُونَانِ بَاطِلَيْنِ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . أَيْ: مَرْدُودٌ. (وَإِنْ اتَّجَرَ) غَاصِبٌ (بِعَيْنِ مَغْصُوبٍ) ؛ بِأَنْ كَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، فَاتَّجِرْ بِهَا، (أَوْ) اتَّجَرَ بِعَيْنِ (ثَمَنِهِ) ؛ بِأَنْ غَصَبَ عَبْدًا، فَبَاعَهُ وَاتَّجَرَ بِثَمَنِهِ، وَظَهَرَ رِبْحٌ وَهُوَ بَاقٍ؛ (فَالرِّبْحُ وَمَا اشْتَرَاهُ) الْغَاصِبُ مِنْ السِّلَعِ لِمَالِكِ الْمَغْصُوبِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: الرِّبْحُ لِلْمَالِكِ وَالسِّلَعُ الْمُشْتَرَاةُ لَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِخَبَرِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ. وَهَذَا حَيْثُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَالِكِهِ، وَرَدُّ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 وَنَقَلَ حَرْبٌ فِي خَبَرِ عُرْوَةَ إنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَّزَهُ لَهُ، وَحَيْثُ تَعَيَّنَ جَعْلُ الرِّبْحِ لِلْغَاصِبِ أَوْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَجَعْلُهُ لِلْمَالِكِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ نَفْعِ مَالِهِ الَّذِي فَاتَهُ بِمَنْعِهِ. (وَلَوْ) كَانَ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ (فِي ذِمَّتِهِ بِنِيَّةِ نَقْدِهِ) الثَّمَنَ مِنْ الْمَغْصُوبِ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ؛ (ثُمَّ نَقَدَهُ) مِنْهُ؛ فَيَكُونُ الرِّبْحُ (لِمَالِكِ) الْمَغْصُوبِ أَيْضًا، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْإِقْبَاضُ فَاسِدٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مُبْرِئٍ، وَصِحَّةُ الْعَقْدِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَمَعَ ذَلِكَ الرِّبْحُ لِلْمَالِكِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: ادْفَعْ إلَيْهِ دَرَاهِمَهُ بِنِتَاجِهَا، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ عَيْنٍ وَلَا ذِمَّةٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ يَسْتَلْزِمُ سَلَامَةَ الْعَقْدِ لِلْمَالِكِ، وَقَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ " " وَالْوَجِيزِ " " وَالْمُنَوِّرِ ": إذَا اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ بِنِيَّةِ نَقْدِهَا؛ فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِهِ، وَفِي " الْمُبْدِعِ " تَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ صَحِيحَةٌ (حَيْثُ تَعَذَّرَ رَدُّ مَغْصُوبٍ لَهُ) - أَيْ: الْمَالِكِ - (وَ) رَدُّ (ثَمَنٍ لِمُشْتَرٍ) كَأَنْ جُهِلَ دَفْعٌ لَهُ، أَوْ تَلِفَ هُوَ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَيْنُ الْغَصْبِ بَاقِيَةً، وَأَمْكَنَ رَدُّهَا؛ فَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعِ وُجُوبِ رَدِّهَا وَتَوَابِعِهَا، وَيَأْخُذُ الْمُعْتَاضُ مَا دَفَعَ إلَى الْغَاصِبِ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيَسْتَرِدُّ مُشْتَرٍ وَمُسْتَأْجِرٌ لَمْ يُقِرَّا بِالْمِلْكِ مَا دَفَعَاهُ مِنْ الْمُسَمَّى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ. (وَلَوْ قُلْنَا بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ) فِيمَا أَدْرَكَهُ الْمَالِكُ بَاقِيًا، وَأَمَّا مَا لَمْ يُدْرِكْهُ فَوَجْهُ تَصْحِيحِهِ أَنَّ الْغَاصِبَ تَطُولُ مُدَّتُهُ، وَتَكْثُرُ تَصَرُّفَاتُهُ فَفِي الْقَضَاءِ بِبُطْلَانِهَا ضَرَرٌ كَثِيرٌ، وَرُبَّمَا عَادَ إلَى الضَّرَرِ عَلَى الْمَالِكِ إذْ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهَا يَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ لِلْمَالِكِ وَالْعِوَضِ بِنَمَائِهِ وَزِيَادَتِهِ، وَالْحُكْمُ بِبُطْلَانِهَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَأَمَّا شِرَاءُ الْغَاصِبِ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ نَقْدِهِ مِنْهُ وَرَبِحَ؛ فَالرِّبْحُ لِلْغَاصِبِ، خِلَافًا لِمَا فِي " الْإِقْنَاعِ "، وَالْقَبْضُ غَيْرُ مُبْرِئٍ لِفَسَادِهِ، وَإِنْ دَفَعَ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ إلَى مَنْ يُضَارِبُ بِهِ؛ فَالْحُكْمُ بِالرِّبْحِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْعَمَلِ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ عَالِمًا بِالْغَصْبِ فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْعَمَلِ، وَلَمْ يَغُرَّهُ أَحَدٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَلَى الْغَاصِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ عَمَلًا بِعِوَضٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، فَلَزِمَهُ أَجْرُهُ كَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ. (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ اتَّجَرَ مُودَعٌ فِي الْوَدِيعَةِ) ؛ فَالرِّبْحُ لِمَالِكٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) - أَيْ: الْغَاصِبُ وَالْمَالِكُ - (فِي قِيمَةِ مَغْصُوبٍ) تَلِفَ بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ: قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ، وَقَالَ الْمَالِكُ اثْنَا عَشَرَ؛ فَقَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (قَدْرِهِ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ - (أَوْ) فِي (حُدُوثِ عَيْبِهِ، أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (صِنَاعَةٍ فِيهِ) ؛ بِأَنْ قَالَ الْمَالِكُ: كَانَ كَاتِبًا، وَأَنْكَرَهُ الْغَاصِبُ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي (مِلْكِ ثَوْبٍ) عَلَى مَغْصُوبٍ، (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي مِلْكِ (سَرْجٍ عَلَيْهِ) ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ غَاصِبٍ) بِيَمِينِهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الزَّائِدِ، وَعَدَمُ الصِّنَاعَةِ فِيهِ، وَعَدَمُ مِلْكِ الثَّوْبِ أَوْ السَّرْجِ عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا (فِي رَدِّهِ) ، فَقَالَ الْغَاصِبُ: رَدَدْته، وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ؛ فَقَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ (عَيْبٍ فِيهِ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ - حَالَ كَوْنِهِ (تَالِفًا) ؛ بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَغْصُوبِ: كَانَ فِيهِ - حِينَ غَصَبْته - سِلْعَةٌ أَوْ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ دَعْوَاهُ أَنَّهُ كَانَ أَعْوَرَ أَوْ أَعْرَجَ أَوْ يَبُولُ فِي الْفِرَاشِ وَنَحْوَ ذَلِكَ (كَطَرَشٍ) - بِفَتْحَتَيْنِ - أَهْوَنُ الصَّمَمِ، وَيُقَالُ: هُوَ مُوَلَّدٌ، أَوْ أَعْمَى؛ (فَقَوْلُ مَالِكٍ) بِيَمِينِهِ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ زِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ فِي وَقْتِ الزِّيَادَةِ، فَقَالَ الْمَالِكُ: زَادَتْ قَبْلَ تَلَفِهِ، وَقَالَ الْغَاصِبُ: بَعْدَ تَلَفِهِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَإِنْ شَاهَدْت الْبَيِّنَةُ الْعَبْدَ مَعِيبًا عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَقَالَ الْمَالِكُ: تَعَيَّبَ عِنْدَك، وَقَالَ الْغَاصِبُ: بَلْ كَانَ الْعَيْبُ فِيهِ قَبْلَ غَصْبِهِ؛ فَقَوْلُ الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ صِفَةَ الْعَبْدِ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِهِ عَيْبٌ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا حُدُوثَهُ عِنْدَ الْآخَرِ؛ فَقَوْلُ غَاصِبٍ بِيَمِينِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 (وَمَنْ بِيَدِهِ نَحْوُ غُصُوبٍ) لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ أَوْ عَرَفَ رَبَّهَا، وَشَقَّ دَفْعُهُ إلَيْهِ وَهُوَ يَسِيرٌ كَحَبَّةٍ، أَوْ كَانَ بِيَدِهِ (رُهُونٌ) لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: أَوْ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ رَبَّ الْمَالِ، لَكِنَّهُ أَيِسَ مِنْهُ (أَوْ) بِيَدِهِ (أَمَانَاتٌ) مِنْ وَدَائِعَ وَغَيْرِهَا (لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا) أَوْ لِحِرَفِهِمْ وَفُقِدُوا وَلَيْسَ لَهُمْ وَرَثَةٌ، (فَسَلَّمَهَا) - أَيْ: الْغُصُوبَ أَوْ الرُّهُونَ أَوْ الْأَمَانَاتِ الَّتِي لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا - (إلَى حَاكِمٍ، وَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْحَاكِمَ - (قَبُولُهَا؛ بَرِئَ) بِتَسْلِيمِهَا لِلْحَاكِمِ (مِنْ عُهْدَتِهَا) بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْحَاكِمِ لَهَا قَائِمٌ مَقَامَ قَبْضِ أَرْبَابِهَا لَهَا؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمْ. (وَلَهُ) - أَيْ: مَنْ بِيَدِهِ الْغُصُوبُ وَنَحْوُهَا إنْ لَمْ يَدْفَعْهَا لِلْحَاكِمِ - (الصَّدَقَةُ بِهَا مِنْهُمْ) - أَيْ: عَنْ أَرْبَابِهَا بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ - لِأَنَّ الْمَالَ يُرَادُ لِمَصْلَحَةِ الْمَعَاشِ أَوْ الْمَعَادِ، وَمَصْلَحَةُ الْمَعَادِ أَوْلَى الْمَصْلَحَتَيْنِ، وَقَدْ تَعَيَّنَتْ هَا هُنَا؛ لِتَعَذُّرِ الْأُخْرَى. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يُعْجِبُنِي الصَّدَقَةُ بِهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا كَانَ بِيَدِ الْإِنْسَانِ غُصُوبٌ أَوْ عَوَارِي أَوْ وَدَائِعُ أَوْ رُهُونٌ قَدْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَصْحَابِهَا؛ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُمْ، فَإِنَّ حَبْسَ الْمَالِ دَائِمًا لِمَنْ لَا يُرْجَى لَا فَائِدَةَ فِيهِ، بَلْ هُوَ تَعْرِيضٌ لِهَلَاكِ الْمَالِ وَاسْتِيلَاءِ الظُّلْمَةِ عَلَيْهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَدْ اشْتَرَى جَارِيَةً، فَدَخَلَ بَيْتَهُ لِيَأْتِيَ بِالثَّمَنِ فَخَرَجَ فَلَمْ يَجِدْ الْبَائِعَ فَجَعَلَ يَطُوفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَيَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَنْ رَبِّ الْجَارِيَةِ. وَكَذَلِكَ أَفْتَى بَعْضُ التَّابِعِينَ، مَنْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَتَابَ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ، وَرَضِيَ بِهَذِهِ الْفُتْيَا أَصْحَابُهُ وَالتَّابِعُونَ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ كَمُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَجْهُولَ فِي الشَّرِيعَةِ كَالْمَعْدُومِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 اسْتَطَعْتُمْ» فَاَللَّهُ إذَا أَمَرَنَا بِأَمْرٍ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ، فَمَا عَجَزْنَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ سَقَطَ عَنَّا. انْتَهَى. وَقَالَ (فِي " الْغُنْيَةِ " يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ) - أَيْ: التَّصَدُّقُ بِهَا. (وَيَتَّجِهُ حَمْلُهُ) - أَيْ: لُزُومِ التَّصَدُّقِ - (مَعَ عَدَمِ حَاكِمٍ أَهْلٍ) لِلِائْتِمَانِ كَحُكَّامِنَا الْآنَ، فَإِنْ وُجِدَ حَاكِمٌ أَهْلٌ وَهُوَ أَنْدَرُ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ، فَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهَا، بَلْ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ دَفْعِهَا إلَيْهِ لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهَا وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ بِهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِشَرْطِ ضَمَانِهَا) لِأَرْبَابِهَا إذَا عَرَفَهُمْ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِدُونِ الضَّمَانِ إضَاعَةٌ لِمَالِ الْمَالِكِ. لَا عَلَى وَجْهِ بَدَلٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَهُ شِرَاءُ عَرَضٍ بِنَقْدٍ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةُ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ. نَصَّ عَلَيْهَا. وَكَذَا حُكْمُ مَسْرُوقٍ وَنَحْوِهِ؛ (كَلُقَطَةٍ) حَرُمَ الْتِقَاطُهَا، وَلَمْ يُعَرِّفْهَا، فَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ رَبِّهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ، أَوْ يَدْفَعُهَا لِلْحَاكِمِ الْأَهْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا أُنْفِقَتْ كَانَتْ لِمَنْ يَأْخُذُ بِالْحَقِّ مُبَاحَةً؛ كَمَا أَنَّهَا عَلَى مَنْ يَأْكُلُهَا بِالْبَاطِلِ مُحَرَّمَةٌ، وَبِكُلِّ حَالٍ تَرْكُ الْأَخْذِ أَجْوَدُ مِنْ الْقَبُولِ، وَإِذَا صَحَّ الْأَخْذُ كَانَ أَفْضَلَ، أَعْنِي الْأَخْذُ وَالصَّرْفُ إلَى الْمُحْتَاجِينَ مِنْ النَّاسِ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَهُنَا التَّرْكُ أَوْلَى. (وَيَسْقُطُ عَنْهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ وَنَحْوِهِ - (إثْمُ الْغَصْبِ) أَوْ السَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَجْزِهِ عَنْ الرَّدِّ؛ لِجَهْلِهِ بِالْمَالِكِ وَثَوَابُهَا لِأَرْبَابِهَا، وَفِي الصَّدَقَةِ بِهَا عَنْهُمْ جَمْعٌ بَيْنَ مَصْلَحَةِ الْغَاصِبِ بِتَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ وَمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ بِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَهُ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: يَتَصَدَّقُ أَوْ يَشْتَرِي بِهِ كُرَاعًا أَوْ سِلَاحًا [يُوقَفُ هُوَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ. وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ عَمَّنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ أَوْ كَرْمٌ لَيْسَ] أَصْلُهُ طَيِّبًا وَلَا يَعْرِفُ رَبَّهُ. قَالَ: يُوقِفُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَمَّنْ مَاتَ، وَكَانَ يَدْخُلُ فِي أُمُورٍ تُكْرَهُ، فَيُرِيدُ بَعْضُ وَلَدِهِ التَّنَزُّهَ، فَقَالَ: إذَا وَقَفَهَا عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 الْمَسَاكِينِ، فَأَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ عَلَيْهِ؟ وَاسْتَحْسَنَ أَنْ يُوقِفَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى أَفْضَلِ الْبِرِّ. قَالَ (ابْنُ رَجَبٍ وَعَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى هَذَا الْأَصْلِ - وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَنْ بِيَدِهِ نَحْوُ غُصُوبٍ أَوْ أَمَانَاتٍ إلَى آخِرِهِ - (يَتَخَرَّجُ جَوَازُ أَخْذُ الْفُقَرَاءِ الصَّدَقَةَ مِنْ يَدِ [مَنْ] مَالُهُ حَرَامٌ؛ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ) . وَأَفْتَى الْقَاضِي بِجَوَازِهِ. وَيَتَّجِهُ جَوَازُ الْأَخْذِ مِنْ يَدِ [مَنْ] مَالُهُ حَرَامٌ - (وَلَوْ بِغَيْرِ صَدَقَةٍ) - كَالْأَخْذِ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ مِنْهُ (وَالْهِبَةُ) حَيْثُ جُهِلَ حَالُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا بِيَدِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَدْ غَصْبَهَا هُوَ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَابِضُ كَانَ جَاهِلًا بِذَلِكَ، وَالْمَجْهُولُ كَالْمَعْدُومِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَيَتَّجِهُ (أَنَّ مِثْلَهُ) - أَيْ: الْمَذْكُورِ - مِنْ الْمَالِ الْحَرَامِ (كُلُّ مَالٍ جُهِلَ أَرْبَابُهُ، وَصَارَ مَرْجِعُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَالْمُكُوسِ) وَالْغُصُوبِ وَالْخِيَانَاتِ وَالسَّرِقَةِ الْمَجْهُولِ أَرْبَابُهَا؛ فَيَجُوزُ لِلْفُقَرَاءِ أَخْذُهَا صَدَقَةً، وَيَجُوزُ أَخْذُهَا لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ هِبَةً وَشِرَاءَ وَوَفَاءً عَنْ أُجْرَةٍ، سِيَّمَا إنْ أَعْطَاهَا الْغَاصِبُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ حَالَهُمْ، كَأَنْ قَبَضَهُ لَهَا بِحَقٍّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّفْهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 (وَلَيْسَ لَهُ) - أَيْ: لِمَنْ بِيَدِهِ الْغُصُوبُ وَالرُّهُونُ وَالْأَمَانَاتُ الْمَجْهُولُ أَرْبَابُهَا - (التَّوَسُّعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا) مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ نَصَّ عَلَيْهِ. (فَإِنْ عَرَفَ أَرْبَابَهَا) - وَكَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ - خُيِّرُوا بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَخْذِ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ، فَإِنْ اخْتَارُوا الْأَجْرَ، (وَجَازُوا الصَّدَقَةَ فَالثَّوَابُ لَهُمْ) ؛ لِتَرَتُّبِهِ عَلَى مِلْكِهِمْ، وَإِلَّا يُجِيزُوهَا وَأَغْرَمُوا ثَمَنَهَا لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهَا، فَالثَّوَابُ (لِغَارِمٍ) عَمَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِكِ - إذَا عَرَفَ - رَدُّ مَا فَعَلَهُ مَنْ كَانَتْ الْغُصُوبُ وَنَحْوُهَا بِيَدِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لَهُ شَرْعًا. (وَيَتَصَدَّقُ) مَدْيُونٌ (بِدُيُونٍ عَلَيْهِ جَهِلَ أَرْبَابَهَا بِبَلَدِهِ) الَّتِي اسْتَدَانَ مِنْ أَهْلِهَا (نَصًّا) . قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: [الدُّيُونُ الْمُسْتَحَقَّةُ كَالْأَعْيَانِ] يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ مُسْتَحَقِّيهَا، وَنَصُّهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدَائِعُ، فَوَكَّلَ فِي دَفْعِهَا ثُمَّ مَاتَ، وَجُهِلَ رَبُّهَا، وَأَيِسَ مِنْ الْإِطْلَاعِ عَلَيْهِ يَتَصَدَّقُ بِهَا الْوَكِيلُ وَوَرَثَةُ الْمُوَكِّلِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ صَاحِبُهَا فِيهِ حَيْثُ يَرَوْنَ أَنَّهُ كَانَ، وَهُمْ ضَامِنُونَ إذَا ظَهَرَ لَهُ وَارِثٌ، وَاعْتِبَارُ الصَّدَقَةِ فِي مَوْضِعِ الْمِلْكِ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْغَصْبِ وَفِي مَالِ الشُّبْهَةِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ إذَا جُهِلَ الْقَاتِلُ، وَوَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّ الْغُرْمَ إنَّمَا اخْتَصَّ بِأَهْلِ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْجَانِيَ أَوْ عَاقِلَةَ الْمُخْتَصِّينَ بِالْغُرْمِ لَا يَخْلُو الْمَكَانُ عَنْهُمْ فَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ بِالْمَالِ الْمَجْهُولِ مَالِكُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ بِأَهْلِ مَكَانِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى وُصُولِ الْمَالِ إلَيْهِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ، وَيُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْفُقَرَاءُ، لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ، كَمَا يُرَاعَى فِي وَضْعِ الدِّيَةِ الْفَتَى. وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ وَمَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لِلنَّاسِ: يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يَبْرَأُ بَاطِنًا، وَإِذَا أَرَادَ مَنْ بِيَدِهِ عَيْنٌ جَهِلَ مَالِكَهَا أَنْ يَتَمَلَّكَهَا، وَيَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا عَنْ مَالِكِهَا، فَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ الْجَوَازَ فِيمَنْ اشْتَرَى آجُرًّا وَعَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ مَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَرْبَابٌ: أَرْجُو إنْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الْآجُرِّ فَتَصَدَّقَ بِهِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ إثْمِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 (وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُبَاحٍ) ؛ بِأَنْ عَدِمَ الْمُبَاحَ (لَمْ يَأْكُلْ مِنْ حَرَامٍ مَا) - أَيْ: شَيْئًا - (لَهُ غُنْيَةً عَنْهُ؛ كَحَلْوَى وَفَاكِهَةٍ) . قَالَهُ النَّوَوِيُّ: وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " (وَيَأْكُلُ عَادَتَهُ) ؛ إذْ لَا مُبِيحَ لِلزِّيَادَةِ عَمَّا تَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ. . (وَمَنْ نَوَى جَحْدَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ) - أَيْ: مِنْ الْغُصُوبِ وَالْأَمَانَاتِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا - (أَوْ) نَوَى جَحْدَ (حَقٍّ) - أَيْ: دَيْنٍ - (عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ؛ فَثَوَابُهُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ جَحْدِهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ إتْلَافِهِ إذَنْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لِوَرَثَةِ رَبِّهِ بِمَوْتِهِ، فَكَانَ ثَوَابُهُ لَهُ، (وَإِلَّا) يَنْوِ جَحْدَهُ حَتَّى مَاتَ رَبُّهُ فَثَوَابُهُ (لِوَرَثَتِهِ) . نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُدِمَ عَلَيْهِمْ. (وَلَوْ نَدِمَ) غَاصِبٌ عَلَى مَا فَعَلَهُ وَقَدْ مَاتَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، (وَرَدَّ مَا غَصَبَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ بَرِئَ مِنْ إثْمِهِ) ؛ أَيْ: إثْمِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ؛ لِوُصُولِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَلَا يَبْرَأُ (مِنْ إثْمِ الْغَصْبِ) ، بَلْ يَبْقَى عَلَيْهِ إثْمُ مَا أَدْخَلَ عَلَى قَلْبِ مَالِكِهِ مِنْ أَلَمِ الْغَصْبِ وَمَضَرَّةِ الْمَنْعِ مِنْهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، (فَيَفْتَقِرُ لِتَوْبَةٍ) ؛ إذْ لَا يَزُولُ إثْمُ ذَلِكَ إلَّا بِهَا، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ. وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَنَّ بِالضَّمَانِ وَالْقَضَاءِ بِلَا تَوْبَةٍ يَزُولُ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَيَبْقَى مُجَرَّدُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِيمَنْ أَدَانَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ، فَيَعْجِزُ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِيمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحِلُّ وِفَاقٍ. . (وَلَوْ رَدَّهُ) - أَيْ: الْمَالَ الْمَغْصُوبَ وَنَحْوَهُ (وَرَثَةُ غَاصِبٍ) بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَوْتِ مَالِكِهِ (لِوَرَثَةِ مَغْصُوبٍ مِنْهُ؛ فَلَهُ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ (مُطَالَبَتُهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ - (فِي الْآخِرَةِ) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمَظَالِمَ لَوْ انْتَقَلَتْ لَمَا اسْتَقَرَّ لِمَظْلُومٍ حَقٌّ فِي الْآخِرَةِ، وَلِأَنَّهَا ظِلَامَةٌ عَلَى مَنْ مَاتَ، وَلَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهَا بِرَدٍّ وَلَا تَبْرِئَةٍ، فَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ بِرَدِّ غَيْرِهِ لَهَا إلَى غَيْرِ الْمَظْلُومِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَرِثَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ، فَتَصَدَّقُوا بِالْغَصْبِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ. [فَرْعٌ يَجِبُ عَلَى غَاصِبٍ بِلَا عُذْرٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الرَّدِّ رَدُّ مَغْصُوبٍ فَوْرًا] (فَرْعٌ: يَجِبُ) عَلَى غَاصِبٍ (بِلَا عُذْرٍ) يَمْنَعُهُ مِنْ الرَّدِّ؛ كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَا بِيَدِهِ مِنْ مَغْصُوبٍ وَغَيْرِهِ إنْ ظَهَرَ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَوْ يُعَاقَبُ (رَدُّ مَغْصُوبٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 فَوْرًا) مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ؛ لِأَنَّهُ يَأْثَمُ بِاسْتِدَامَتِهِ تَحْتَ يَدِهِ؛ لِحَيْلُولَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، (فَلَا تَصِحُّ تَوْبَتُهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (بِدُونِهِ) - أَيْ: الرَّدِّ - إذْ تَوْبَتُهُ مَعَ بَقَائِهِ تَحْتَ يَدِهِ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا. (وَلَوْ أَلْقَى نَحْوُ رِيحٍ) كَطَائِرٍ (ثَوْبَ غَيْرِهِ بِدَارِهِ) ؛ لَزِمَ حِفْظُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى رَبِّهِ، فَإِنْ عَرَفَ رَبُّ الدَّارِ صَاحِبَ الثَّوْبِ (أَعْلَمَهُ بِهِ فَوْرًا) مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ، (وَإِلَّا) يَعْلَمُهُ فَوْرًا وَتَلِفَ الثَّوْبُ؛ (ضَمِنَهُ) رَبُّ الدَّارِ إنْ مَضَى زَمَنٌ يَتَأَتَّى فِيهِ إعْلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ، (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ) - أَيْ: رَبُّ الدَّارِ صَاحِبَ الثَّوْبِ - فَهُوَ (لُقَطَةٌ) تَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُهَا عَلَى مَا يَأْتِي. (وَكَذَا) حُكْمُ (طَائِرٍ) أَلْقَتْهُ رِيحٌ أَوْ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ بِدَارِهِ، وَهُوَ (غَيْرُ مُمْتَنِعٍ) ؛ كَمَقْصُوصِ الْجُنَاحِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفِرَارِ مِنْ قَاصِدِهِ؛ يَجِبُ إعْلَامُ رَبِّهِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ حَتَّى تَلِفَ ضَمِنَهُ إنْ عَرَفَ رَبَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَلُقَطَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَمْ يَلْزَمْهُ حِفْظُهُ وَلَا إعْلَامُ صَاحِبِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُمْتَنِعًا. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ دَخَلَ طَيْرٌ مَمْلُوكٌ بُرْجَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ نَاوِيًا إمْسَاكَهُ لِنَفْسِهِ؛ ضَمِنَهُ؛ لِتَعَدِّيهِ، وَإِنْ لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهِ أَوْ أَغْلَقَهُ غَيْرَ نَاوٍ إمْسَاكَهُ لِنَفْسِهِ؛ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ نَوَى إمْسَاكَهُ لِرَبِّهِ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، وَهُوَ فِي الْأَخِيرَةِ مُحْسِنٌ، لَكِنْ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ فَوْرًا إنْ عَلِمَهُ كَمَا سَبَقَ. [فَصْلٌ فِيمَا يُضْمَنُ بِهِ مِنْ الْمَالِ بِلَا غَصْبٍ] (فَصْلٌ: فِيمَا يُضْمَنُ) مِنْ الْمَالِ (بِلَا غَصْبٍ: مَنْ أَتْلَفَ) مِنْ مُكَلَّفٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ رَبُّهُ إلَيْهِ - وَلَوْ كَانَ الْإِتْلَافُ (سَهْوًا) أَوْ خَطَأً - (مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ) - أَيْ: الْمُتْلِفِ - (بِلَا إذْنِ رَبِّهِ، وَمِثْلُهُ) - أَيْ: الْمُتْلِفِ - (يَضْمَنُهُ؛ ضَمِنَهُ) ؛ أَيْ: ضَمِنَ الْمُتْلِفُ مَا أَتْلَفَهُ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ فَتَلِفَ عِنْدَهُ، وَاحْتُرِزَ بِالْمَالِ عَنْ السِّرْجِينِ النَّجِسِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِهِمَا، وَبِالْمُحْتَرَمِ عَنْ الصَّلِيبِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ كَالْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ وَنَحْوِهِمَا، وَبِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ عَمَّا هُوَ لِنَفْسِهِ، وَبِقَوْلِهِ بِلَا إذْنِ رَبِّهِ عَمَّا أَذِنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 مَالِكُهُ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي إتْلَافِهِ، فَإِنَّ الْمُتْلِفَ حِينَئِذٍ يَكُونُ وَكِيلًا عَنْ مَالِكِهِ فِي الْإِتْلَافِ، وَبِقَوْلِهِ وَمِثْلُهُ يَضْمَنُهُ، عَمَّا يُتْلِفُهُ أَهْلُ الْعَدْلِ مِنْ مَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَعَكْسُهُ حَالَ الْحَرْبِ، وَعَمَّا يُتْلِفُ الْمُسْلِمُ مِنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ وَالْحَرْبِيُّ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ، وَعَمَّا يُتْلِفُهُ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ مِنْ مَالٍ دَفَعَهُ إلَيْهِمَا مَالِكُهُ، وَعَمَّا يُتْلِفُهُ الْآدَمِيُّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ وَمَا يُتْلِفُهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ رَقِيقٌ أَوْ بَهِيمَةٌ لِمَعْصُومٍ. (وَإِنْ أُكْرِهَ) إنْسَانٌ عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ الْمَضْمُونِ؛ (فَمُكْرِهُهُ) يَضْمَنُهُ. (وَلَوْ) أُكْرِهَ (عَلَى إتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ) - أَيْ: مَالِ الْمُتْلِفِ - ضَمِنَهُ الْمُكْرِهُ أَيْضًا؛ كَإِكْرَاهِهِ عَلَى دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِ رَبِّهَا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مِنْ الْمُكْرِهِ، وَأَمَّا الْمُكْرَهُ فَهُوَ كَالْآلَةِ وَلِإِبَاحَةِ إتْلَافِهِ وَوُجُوبِهِ، بِخِلَافِ قَتْلٍ وَلَمْ يَخْتَرْهُ؛ فَيَضْمَنُهُ؛ لِمُبَاشَرَتِهِ مَا فِيهِ إبْقَاءُ نَفْسِهِ، وَبِخِلَافِ مُضْطَرٍّ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ لَمْ يُلْجِئْهُ إلَى الْإِتْلَافِ مَنْ يُحَالُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ إنْ كَانَ (غَيْرَ مَالٍ؛ كَكَلْبٍ) ؛ وَلَوْ لِمَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ، أَوْ أَتْلَفَ مَالَ نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ أَتْلَفَ مَالًا (بِإِذْنِ رَبِّهِ الرَّشِيدِ) ، فَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي الْإِتْلَافِ، (أَوْ أَتْلَفَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ؛ كَصَائِلٍ) عَلَيْهِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ - وَلَوْ آدَمِيًّا، وَيَأْتِي، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ (قِنٌّ مُرْتَدٌّ) قَبْلَ تَوْبَتِهِ حَيْثُ قُبِلَتْ، (أَوْ حَالَ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ) ، سَوَاءٌ كَانَ بِالْعُمْرَانِ أَوْ بِالْبَرِّيَّةِ، وَمِثْلُهُ مُتْلِفُ (مَالٍ حَرْبِيٍّ وَآلَةِ لَهْوٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُحْتَرَمَيْنِ. (وَلَا يَضْمَنُهُ مِثْلُهُ؛ كَمُتْلِفٍ حَالَ قِتَالِ بُغَاةٍ) ؛ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، (أَوْ دَفَعَ) مَالِهِ (لِغَيْرِ رَشِيدٍ) ؛ فَلَا يَضْمَنُ الْمُتْلِفُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ إجْمَالًا مِمَّا تَقَدَّمَ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى صُوَرٍ مِنْ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ مَا (أَتْلَفَهُ أَبٌ) مِنْ مَالِ ابْنِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ حَالَ حَيَاتِهِ، فَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ تَرِكَتِهِ؛ كَمَا يَأْتِي فِي الْهِبَةِ. (وَمَنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ) مَمْلُوكٍ مُحْتَرَمٍ، فَفَاتَ، أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا؛ ضَمِنَهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 أَوْ فَتَحَ إصْطَبْلَ حَيَوَانٍ، (أَوْ حَلَّ قَيْدَ قِنٍّ أَوْ أَسِيرٍ، أَوْ دَفَعَ) لِلْقِنِّ أَوْ الْأَسِيرِ (مِبْرَدًا، فَبَرَدَهُ) - أَيْ: الْقَيْدَ وَفَاتَ، أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ، (أَوْ حَلَّ فَرَسًا، أَوْ حَلَّ سَفِينَةً، أَوْ بَهِيمَةً غَيْرَ ضَارِيَةٍ لَيْلًا) لَا نَهَارًا إذْ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا مِنْ الدَّوَابِّ بِالنَّهَارِ، (فَفَاتَ) ذَلِكَ، بِأَنْ ذَهَبَ الطَّائِرُ مِنْ الْقَفَصِ، أَوْ دَخَلَ إلَيْهِ حَيَوَانٌ فَقَتَلَهُ، أَوْ هَرَبَ الْقِنُّ أَوْ الْأَسِيرُ، أَوْ شَرَدَتْ الْفَرَسُ وَنَحْوُهَا؛ وَغَرِقَتْ السَّفِينَةُ لِعُصُوفِ رِيحٍ أَوَّلًا، أَوْ عَقَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِسَبَبِ إطْلَاقِهِ؛ بِأَنْ كَانَ الطَّيْرُ جَارِحًا، فَقَلَعَ عَيْنَ حَيَوَانٍ. وَكَذَا لَوْ حَلَّ سِلْسِلَةَ فَهْدٍ، فَقَتَلَ أَوْ عَقَرَ؛ ضَمِنَهُ. (أَوْ أَتْلَفَ) الطَّائِرُ أَوْ الْقِنَّ أَوْ الْغَرْسَ وَنَحْوَهُ (شَيْئًا) ؛ كَأَنْ كَسَرَ إنَاءً، أَوْ قَتَلَ إنْسَانًا وَنَحْوَهُ، أَوْ أَتْلَفَ مَالًا، أَوْ أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ الَّتِي حَلَّهَا زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ انْحَدَرَتْ السَّفِينَةُ الَّتِي حَلَّهَا عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَتْهُ وَنَحْوَهُ؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ إنَّمَا حَصَلَتْ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ نَفَّرَ الطَّائِرَ، وَأَهَاجَ الدَّابَّةَ وَأَشْلَى كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ، فَقَتَلَهُ، أَوْ أَطْلَقَ نَارًا فِي مَتَاعِ إنْسَانٍ فَإِنَّ لِلنَّارِ فِعْلًا، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلِأَنَّ الطَّائِرَ وَسَائِرَ الصَّيْدِ مِنْ طَبْعِهِ النُّفُورُ، وَإِنَّمَا يَبْقَى بِالْمَانِعِ، فَإِذَا أُزِيلَ الْمَانِعُ ذَهَبَ لِطَبْعِهِ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ أَزَالَ الْمَانِعَ؛ كَمَنْ قَطَعَ عَلَّاقَةَ قِنْدِيلٍ، فَوَقَعَ، فَانْكَسَرَ، وَهَكَذَا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ أَوْ الْأَسِيرِ. قَالَ فِي " الْفُنُونِ ": إلَّا مَا كَانَ مِنْ الطُّيُورِ يَأْلَفُ الرَّوَاحَ وَيَعْتَادُ الْعَوْدَ؛ فَلَا ضَمَانَ فِي إطْلَاقِهِ، (أَوْ حَلَّ وِكَاءَ) - بِكَسْرِ الْوَاوِ - وَهُوَ حَبْلٌ يُرْبَطُ بِهِ نَحْوُ الْقِرْبَةِ (زِقٍّ) - بِكَسْرِ الزَّايِ - أَيْ: ظَرْفٍ (مَائِعٍ) فَانْدَفَقَ، أَوْ حَلَّ وِكَاءُ زِقٍّ (جَامِدٍ، فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ) ، فَانْدَفَقَ؛ ضَمِنَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذَابَتْهُ نَارٌ قَرَّبَهَا إلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهُ مُقَرِّبُ النَّارِ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. (أَوْ بَقِيَ) الزِّقُّ (بَعْدَ حَلِّهِ) مُنْتَصِبًا، (فَأَلْقَتْهُ رِيحٌ، أَوْ) أَلْقَاهُ (نَحْوُ طَيْرٍ) كَحَيَوَانٍ أَوْ زَلْزَلَةٍ، (فَانْدَفَقَ) ، فَخَرَجَ مَا فِيهِ كُلُّهُ فِي الْحَالِ، أَوْ خَرَجَ قَلِيلًا قَلِيلًا، أَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَلَّ أَسْفَلَهُ، فَسَقَطَ، فَانْدَفَقَ، أَوْ ثَقُلَ أَحَدُ جَانِبَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 بَعْدَ حَلٍّ فِي وِكَائِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَمِيلُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى سَقَطَ، (أَوْ هَتَكَ حِرْزًا) ، فَسَرَقَ اللِّصُّ مَا دَاخِلَهُ؛ (ضَمِنَهُ) لِتَسَبُّبِهِ فِي تَلَفِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ تَعَقَّبَ ذَلِكَ فِعْلَهُ أَوْ تَرَاخَى عَنْهُ؛ فَالْقَرَارُ عَلَى السَّارِقِ. وَلَا يَضْمَنُ (دَافِعُ مِفْتَاحٍ) نَحْوِ دَارٍ فِيهَا مَالٌ (لِلِّصِّ) مَا سَرَقَهُ اللِّصُّ مِنْ الْمَالِ؛ لِمُبَاشَرَةِ اللِّصِّ لِلسَّرِقَةِ؛ فَهُوَ أَوْلَى بِإِحَالَةِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُتَسَبِّبِ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ (حَابِسُ مَالِكِ دَوَابِّ، فَتَلِفَ) الدَّوَابُّ بِسَبَبِ حَبْسِهِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَبْسِ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ ضَمَانُهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (لَوْ حَبَسَهُ) ؛ أَيْ: حَبَسَ إنْسَانًا (عَنْ طَعَامِهِ) بَعْدَ جَعْلِهِ عَلَى النَّارِ أَوْ بَعْدَ وَضْعِ خُبْزِهِ فِي التَّنُّورِ، (فَاحْتَرَقَ) الطَّعَامُ أَوْ الْخُبْزُ بِسَبَبِ مَنْعِهِ عَنْهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . (وَلَوْ بَقِيَ الطَّائِرُ) الَّذِي فَتَحَ قَفَصَهُ (وَاقِفًا، أَوْ) بَقِيَتْ (الْفَرَسُ) الَّتِي حَلَّهَا وَاقِفَةً (حَتَّى نَفَّرَهُمَا) إنْسَانٌ (آخَرُ) ، فَذَهَبَا، (وَيَتَّجِهُ) أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ (قَاصِدًا) تَنْفِيرَهُمَا، وَلَا يَضْمَنُ الْمَارُّ إنْ نَفَرَا بِسَبَبِ (مُرُورِهِ) حَيْثُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي التَّنْفِيرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. فَإِنْ نَفَّرَهُمَا (ضَمِنَ الْمُنَفِّرُ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ، فَاخْتَصَّ الضَّمَانُ بِهِ كَدَافِعِ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ مَعَ حَافِرِهَا. وَكَذَا لَوْ حَلَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 إنْسَانٌ حَيَوَانًا، وَحَرَّضَهُ آخَرُ فَجَنَى؛ فَضَمَانُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمُحَرِّضِ، (لَا إنْ طَارَ) الطَّائِرُ الَّذِي فَتَحَ قَفَصَهُ، (وَوَقَفَ) عَلَى جِدَارٍ وَنَحْوِهِ، (فَنَفَّرَهُ) آخَرُ صَاحِبُ الْجِدَارِ أَوْ غَيْرِهِ، فَطَارَ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُنَفِّرُ؛ لِأَنَّ تَنْفِيرَهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِفَوَاتِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ مُمْتَنِعًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ رَمَاهُ إنْسَانٌ، فَقَتَلَهُ؛ ضَمِنَهُ الرَّامِي، وَلَوْ كَانَ فِي دَارِهِ أَوْ فِي هَوَاءِ دَارِ غَيْرِهِ؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَنْعُ الطَّائِرِ مِنْ الْهَوَاءِ. وَلَوْ أَزَالَ إنْسَانٌ يَدَ آخَرَ عَنْ عَبْدٍ أَوْ حَيَوَانٍ، فَهَرَبَ، إذَا كَانَ الْحَيَوَانُ مِمَّا يَذْهَبُ بِزَوَالِ الْيَدِ عَنْهُ كَالطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ الْوَحْشِيَّةِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ، فَيَضْمَنُهُ مَنْ أَزَالَ يَدَ رَبِّهِ عَنْهُ لِتَسَبُّبِهِ فِي فَوَاتِهِ، وَكَذَا لَوْ أَزَالَ يَدَهُ الْحَافِظَةَ لِمَتَاعِهِ حَتَّى نَهَبَهُ النَّاسُ، أَوْ أَفْسَدَتْهُ الدَّوَابُّ أَوْ النَّارُ، أَوْ أَفْسَدَهُ الْمَاءُ فَيَضْمَنُهُ. وَإِنْ فَتَحَ بَابًا تَعَدِّيًا فَيَجِيءُ غَيْرُهُ، فَيَنْهَبُ الْمَالَ، أَوْ يَسْرِقُهُ، أَوْ يُفْسِدُهُ بِحَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ؛ فَلِرَبِّ الْمَالِ تَضْمِينُ فَاتِحِ الْبَابِ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي الْإِضَاعَةِ وَالْقَرَارُ عَلَى الْآخِذِ لِمُبَاشَرَتِهِ، فَإِنْ ضَمِنَهُ رَبُّ الْمَالِ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الْفَاتِحُ رَجَعَ عَلَى الْآخِذِ. (وَإِنْ ضَرَبَهُ) ؛ أَيْ: ضَرَبَ إنْسَانٌ يَدَ آخَرَ (فَوَقَعَ مِنْ يَدِهِ دِينَارٌ) ، فَضَاعَ؛ ضَمِنَهُ الضَّارِبُ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي الْإِضَاعَةِ، أَوْ ضَرَبَهُ، (فَأَوْقَعَ عِمَامَتَهُ) أَوْ هَزَّهُ حَتَّى سَقَطَتْ عَنْ رَأْسِهِ، فَتَلِفَتْ لِوُقُوعِهَا فِي نَارٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ سَقَطَتْ فِي زِحَامٍ بِسَبَبِ هَزِّهِ وَنَحْوِهِ، فَضَاعَتْ؛ ضَمِنَهَا الَّذِي سَقَطَتْ بِفِعْلِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: فَإِنْ وَقَعَتْ فِي نَحْوِ قِدْرٍ يُنْقِصُهَا؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ، (أَوْ أَسْنَدَ عَمُودًا) أَوْ نَحْوَهُ (بِجِدَارِهِ) الْمَائِلِ لِيَمْنَعَهُ مِنْ السُّقُوطِ، (فَأَزَالَهُ) - أَيْ: الْعَمُودَ وَنَحْوَهُ - (آخَرُ) تَعَدِّيًا، (فَسَقَطَ الْجِدَارُ فِي الْحَالِ؛ ضَمِنَ) الرَّافِعُ لِلْعَمُودِ وَنَحْوِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ. وَإِنْ حَلَّ إنْسَانٌ رِبَاطَ دَابَّةٍ عَقُورٍ وَجَنَتْ بَعْدَ حِلِّهَا، أَوْ فَتَحَ إصْطَبْلَهَا وَنَحْوَهُ؛ ضَمِنَ الْحَالُّ وَنَحْوُهُ جِنَايَتَهَا؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهَا؛ كَمَا لَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 حَلَّ سِلْسِلَةَ فَهْدٍ، أَوْ حَلَّ سَاجُورَ كَلْبِهِ، فَعَقَرَ؛ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَالِّ؛ لِتَسَبُّبِهِ. وَالسَّاجُورُ خَشَبَةٌ تُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْكَلْبِ. وَلَوْ فَتْحَ إنْسَانٌ بَثْقًا - بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهُوَ الْجِسْرُ الَّذِي يَحْبِسُ الْمَاءَ، فَأَفْسَدَ بِمَائِهِ زَرْعًا أَوْ بُنْيَانًا أَوْ غِرَاسًا؛ ضَمِنَ فَاتِحُ الْبَثْقِ مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ فَاتَ رَبَّهُ رَيُّ شَيْءٍ مِنْ الْأَرَاضِي فَيَضْمَنُ. (وَيَضْمَنُ مُغْرٍ مَا أَخَذَهُ ظَالِمٌ بِإِغْرَائِهِ وَدَلَالَتِهِ) ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ، أَفْتَى بِهِ ابْنُ الزَّيْزَانِيِّ الْبَغْدَادِيُّ، وَلَعَلَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ؛ فَلَا يُحْتَجُّ بِمَفْهُومِهِ، وَأَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْإِغْرَاءِ وَالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي ظُلْمِهِ؛ فَهُوَ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ. وَيَضْمَنُ (كَاذِبٌ) مَا غَرِمَ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ (بِسَبَبِ كَذِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي ظُلْمِهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْآخِذِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ. وَمِثْلُهُ مَنْ شَكَا إنْسَانًا ظُلْمًا، فَأَغْرَمَهُ شَيْئًا لِحَاكِمٍ سِيَاسِيٍّ، كَمَا أَفْتَى بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ الشِّهَابُ ابْنُ النَّجَّارِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَلَمْ يَزَلْ مَشَايِخُنَا يُفْتُونَ بِهِ، بَلْ أَغْرَمَهُ شَيْئًا لِقَاضٍ ظُلْمًا؛ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَيْهِ؛ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ فِيمَا غَرِمَهُ رَبُّ الدَّيْنِ بِمَطْلِ الْمَدِينِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ. (وَمَنْ رَبَطَ) دَابَّةً فِي طَرِيقٍ - وَلَوْ وَاسِعًا - (أَوْ أَوْقَفَ دَابَّةً بِطَرِيقٍ - وَلَوْ وَاسِعًا) - وَيَدُهُ عَلَيْهَا؛ بِأَنْ كَانَ رَاكِبًا أَوْ نَحْوَهُ، فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا؛ ضَمِنَهُ مَنْ رَبَطَهَا، أَوْ أَوْقَفَهَا، أَوْ جَنَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ فَمٍ؛ ضَمِنَ رَابِطُهَا وَمُوقِفُهَا؛ لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، فَأَوْطَأَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ ضَامِنٌ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّ طَبْعَ الدَّابَّةِ الْجِنَايَةُ بِفَمِهَا أَوْ رِجْلِهَا، فَإِيقَافُهَا فِي الطَّرِيقِ كَوَضْعِ الْحَجَرِ وَنَصْبِ السِّكِّينِ فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ جِنَايَةَ ذَنْبِهَا، (أَوْ) رَبَطَ دَابَّةً (بِ) طَرِيقٍ (ضَيِّقٍ، وَرَفَسَتْ ضَارِبَهَا) ، فَمَاتَ أَوْ تَلِفَ شَيْءٌ بِرَفْسِهَا؛ ضَمِنَهُ مُوقِفُهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ "، وَظَاهِرُهُ لَوْ كَانَتْ وَاسِعَةً لَا ضَمَانَ؛ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى ضَرْبِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 فَهُوَ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ. (أَوْ تَرَكَ بِهَا) - أَيْ: الطَّرِيقِ - (طِينًا أَوْ خَشَبَةً أَوْ عَمُودًا أَوْ حَجَرًا) ، لَا لِنَحْوِ مَطَرٍ لِيَمُرَّ عَلَيْهِ النَّاسُ، (أَوْ كِيسَ دَرَاهِمَ، أَوْ أَلْقَى) فِيهَا (نَحْوَ قِشْرِ بِطِّيخٍ) ؛ كَقُشُورِ الْخِيَارِ وَالْبَاقِلَّا، فَزَلَقَ بِهِ إنْسَانٌ؛ ضَمِنَهُ مُلْقِي الطِّينِ أَوْ الْقِشْرِ، (أَوْ أَسْنَدَ خَشَبَةً إلَى حَائِطٍ) ، وَظَاهِرُهُ " وَلَوْ مَالَ إلَى السُّقُوطِ (بِهَا) - أَيْ: الطَّرِيقِ -، (أَوْ رَشَّهَا) ، فَتَلِفَ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ (ضَمِنَ) الْمُلْقِي الشَّيْءَ مِمَّا تَقَدَّمَ (مَا تَلِفَ بِذَلِكَ) ؛ لِحُصُولِهِ بِتَعَدِّيهِ، لَكِنْ لَوْ كَانَ الرَّشُّ لِتَسْكِينِ الْغُبَارِ عَلَى الْمُعْتَادِ؛ فَلَا ضَمَانَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ. (وَمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عَادَةٌ بِالْعَقْرِ، أَوْ اقْتَنَى [كَلْبًا] (لَا يُقْتَنَى) ؛ بِأَنْ لَا يَكُونَ كَلْبَ صَيْدٍ وَلَا زَرْعٍ وَلَا مَاشِيَةٍ، (أَوْ) اقْتَنَى كَلْبًا (أَسْوَدَ بَهِيمًا) ؛ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ لَوْنٌ غَيْرُ السَّوَادِ - (وَلَوْ) كَانَ اقْتِنَاؤُهُ - (لِصَيْدٍ، أَوْ) اقْتَنَى (أَسَدًا أَوْ نَمِرًا أَوْ ذِئْبًا) أَوْ اقْتَنَى (هِرًّا تَأْكُلُ الطُّيُورَ، وَتَقْلِبُ الْقُدُورَ عَادَةً مَعَ عِلْمِهِ) بِحَالِهَا، فَعَقَرَتْ، أَوْ خَرَقَتْ ثَوْبًا بِمَنْزِلِهِ؛ ضَمِنَهَا مُقْتَنِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِاقْتِنَائِهِ إذَنْ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْهِرِّ عَادَةٌ بِذَلِكَ؛ لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهُ مَا أَتْلَفَهُ؛ لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ بِاقْتِنَائِهِ مَا لَا عَادَةَ لَهُ بِذَلِكَ كَالْكَلْبِ الَّذِي لَيْسَ بِعَقُورٍ إذَا اقْتَنَاهُ لِنَحْوِ صَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ أَسْوَدَ بَهِيمًا، فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَا يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ، (أَوْ) اقْتَنَى (نَحْوَ دُبٍّ وَقِرْدٍ) وَأَسَدٍ (وَصَقْرٍ وَبَازٍ وَكَبْشٍ مُعَلَّمٍ لِنِطَاحٍ، فَعَقَرَ أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا، أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا؛ [ضَمِنَهُ] ) لِتَعَدِّيهِ بِاقْتِنَائِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ضَمَانِ إتْلَافِ مَا لَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْإِتْلَافِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لِلْعُدْوَانِ، بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَنَحْوِهَا إلَّا أَنْ يَخْرِقَ ثَوْبَ (مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَ رَبِّهِ بِلَا إذْنِهِ أَوْ) دَخَلَ بِهِ - أَيْ: بِإِذْنِهِ - (وَنَبَّهَهُ) رَبُّ الْمَنْزِلِ (بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: بِأَنَّ الْكَلْبَ وَنَحْوَهُ عَقُورٌ أَوْ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِنَحْوِ حَبْلٍ؛ [فَلَا يَضْمَنُ رَبُّ الْمَنْزِلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ هُوَ الْمُتَعَدِّي بِالدُّخُولِ] ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ وَنَبَّهَهُ عَلَى أَنَّهُ عَقُورٌ أَوْ غَيْرُ مَوْثُوقٍ، فَقَدْ أَدْخَلَ الضُّرَّ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَنْبِيهُهُ (قَبْلَ رُؤْيَتِهِ) - أَيْ: رُؤْيَةِ الْحَيَوَانِ لِلدَّاخِلِ [وَإِعْلَامُهُ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ] مُفْتَرِسٌ [لِيَكُونَ] مُتَيَقِّظًا لِدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ حَصَلَ عِنْدَهُ نَحْوُ كَلْبٍ عَقُورٍ) كَقِرْدٍ أَوْ ذِئْبٍ (أَوْ سِنَّوْرٍ ضَارٍّ مِنْ غَيْرِ اقْتِنَاءٍ وَاخْتِيَارٍ، فَأَفْسَدَ) بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ عَقْرٍ وَخَرْقِ ثَوْبٍ؛ بِأَنْ أَفْسَدَ بِبَوْلٍ أَوْ وُلُوغٍ فِي إنَاءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ؛ (لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْإِفْسَادُ بِسَبَبِهِ. (وَيَجُوزُ قَتْلُ هِرٍّ بِأَكْلِ لَحْمٍ وَنَحْوِهِ) كَالْفَوَاسِقِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". وَفِي " التَّرْغِيبِ " لَهُ قَتْلُهَا إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ كَالصَّائِلِ. (وَمَنْ أَجَّجَ نَارًا) ؛ أَيْ: أَوْقَدَهَا حَتَّى صَارَتْ تَلْتَهِبُ (عَادَةً) - أَيْ: بِلَا إفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ - بِحَيْثُ لَا تَسْرِي فِي الْعَادَةِ، أَجَّجَهَا (بِمِلْكِهِ) كَفِي دَارِهِ أَوْ عَلَى سَطْحِهِ، (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ مِلْكُهُ (لِمَنْفَعَةِ) الدَّارِ كَمِلْكِهِ مَنْفَعَتَهَا (بِإِجَارَةٍ) أَوْ إعَارَةٍ، فَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، فَأَتْلَفَهُ؛ لَمْ يَضْمَنْ الْفَاعِلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا تَعَدِّيهِ وَلَا تَفْرِيطِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَكَذَا لَوْ مَرَّ فِي الطَّرِيقِ الْعَامَّةِ وَمَعَهُ نَارٌ يَحْمِلُهَا إلَى أَرْضِهِ وَدَارِهِ، فَهَبَّتْ بِهَا الرِّيحُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ، وَهُوَ مُحِقٌّ فِي مُرُورِهِ فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْمُرُورِ، بِخِلَافِ الطَّرِيقِ الْخَاصِّ، (أَوْ سَقَاهُ) ؛ أَيْ: سَقَى مَوَاتًا، أَوْ مَلَكَهُ، (فَتَعَدَّى) ذَلِكَ السَّقْيُ (لِمِلْكِ غَيْرِهِ) - أَيْ: الْفَاعِلِ - لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ وَلَمْ يُفَرِّطْ. (وَلَوْ) سَرَى مَا أَجَّجَهُ مِنْ النَّارِ بِمِلْكِهِ (بِطَرَيَانِ رِيحٍ) إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 (فَأَتْلَفَهُ؛ لَمْ يَضْمَنْ) ] إذَا كَانَ التَّأَجُّجُ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِلَا إفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ، (فَإِنْ أَفْرَطَ بِكَثْرَةٍ) ؛ بِأَنْ أَجَّجَ نَارًا تَسْرِي عَادَةً؛ لِكَثْرَتِهَا، أَوْ فَتَحَ مَاءً كَثِيرًا يَتَعَدَّى مِثْلُهُ، (أَوْ فَرَّطَ بِنَحْوِ نَوْمٍ) كَإِهْمَالٍ؛ بِأَنْ تَرَكَ النَّارَ مُؤَجَّجَةً وَالْمَاءَ مَفْتُوحًا، وَنَامَ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ أَهْمَلَهُ؛ ضَمِنَ؛ لِتَعَدِّيهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ، كَمَا لَوْ بَاشَرَ إتْلَافَهُ، أَوْ فَرَّطَ؛ بِأَنْ أَجَّجَهَا فِي (وَقْتِ رِيحٍ) شَدِيدَةٍ تَحْمِلُهَا إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ؛ ضَمِنَ؛ لِتَعَدِّيهِ، وَكَذَا لَوْ أَجَّجَهَا قُرْبَ زَرْبٍ أَوْ حَصِيدٍ. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ (أَوْ) أَوْقَدَ نَارًا بِمَكَانِ (غَصْبٍ؛ ضَمِنَ) مُطْلَقًا، سَوَاءٌ فَرَّطَ أَوْ أَسْرَفَ أَوْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّطْحِ سُتْرَةٌ وَبِقُرْبِهِ زَرْعٌ وَنَحْوُهُ وَالرِّيحُ هَابَّةٌ، أَوْ أَرْسَلَ فِي الْمَاءِ مَا يَغْلِبُ وَيَفِيضُ؛ ضَمِنَ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَذَى جَارِهِ؛ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يُسْرِفْ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " (كَمَا لَوْ يَبِسَ بِهَا) - أَيْ بِالنَّارِ الَّتِي أَوْقَدَهَا - (أَغْصَانُ شَجَرِ غَيْرِهِ) ؛ ضَمِنَهَا مُوقِدُ النَّارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ نَارٍ كَثِيرَةٍ (إلَّا أَنْ تَكُونَ) الْأَغْصَانُ (بِهَوَائِهِ) ؛ فَلَا يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ. (وَيَتَّجِهُ) لِمُوقِدِ النَّارِ فِي مِلْكِهِ أَنْ يَأْمُرَ رَبَّ الْأَغْصَانِ بِلَيِّهَا عَنْ هَوَائِهِ، فَإِنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، (وَامْتَنَعَ مِنْ لَيِّهَا) ، وَيَبِسَتْ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ دَلِيلُ رِضَاهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ) (بَنَى) دَكَّةً وَنَحْوَهَا، (أَوْ حَفَرَ) بِنَفْسِهِ، أَوْ حَفَرَ (أَجِيرُهُ، أَوْ) حَفَرَ (قِنُّهُ) - وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدُ - (بِأَمْرِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ) ؛ أَيْ: لِيَخْتَصَّ بِنَفْعِهَا (فِي فِنَائِهِ) ، الْفِنَاءُ كَكِسَاءٍ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، (وَهُوَ مَا كَانَ خَارِجَ الدَّارِ قَرِيبًا مِنْهَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 سَوَاءٌ حَفَرَ أَوْ بَنَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَسَوَاءٌ حَفَرَ نَحْوَ الْبِئْرِ فِي حَدِّهِ وَنِصْفُهَا فِي فِنَائِهِ؛ (ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا) - أَيْ: الْبِئْرِ، وَكَذَا الدَّكَّةُ؛ لِأَنَّهُ تَلَفٌ حَصَلَ بِسَبَبِ تَعَدِّيهِ بِبِنَائِهِ أَوْ حَفْرِهِ فِي مَكَان مُشْتَرَكٍ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهِمْ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَصَبَ فِي فِنَائِهِ سِكِّينًا فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ؛ كَحَفْرِ (أَجِيرِهِ الْحُرِّ) بِئْرًا فِي فِنَائِهِ، فَيَضْمَنُ الْأَجِيرُ الْحَافِرُ مَا تَلِفَ بِهَا، سَوَاءٌ حَفَرَهَا بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَدِّي، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ عَلِمَ) الْأَجِيرُ (الْحَالَ) ؛ أَيْ: أَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَ الْآذِنِ؛ (إذْ الْأَفْنِيَةُ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ) ، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي: لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ بِفِنَائِهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْفِنَاءَ لَيْسَ بِمِلْكٍ، (بَلْ مَرَافِقُ) ؛ وَإِنْ جَهِلَ الْحَافِرُ أَنَّهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ؛ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ لِتَقْرِيرِهِ الْحَافِرَ، وَكَذَا لَوْ جَهِلَ الْبَاقِيَ، فَلَوْ ادَّعَى الْآمِرُ عِلْمَ الْحَافِرِ وَالْبَانِي، وَأَنْكَرَاهُ (فَقَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. وَإِنْ حَفَرَ الْعَبْدُ أَوْ بَنَى بِالْفِنَاءِ أَوْ الطَّرِيقِ) الْوَاسِعِ أَوْ الضَّيِّقِ (بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) ؛ فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ (فِي رَقَبَتِهِ) ؛ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَمْ يَأْذَنْ فِيهَا سَيِّدُهُ، وَإِنْ عَتَقَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ الْحَفْرِ أَوْ الْبِنَاءِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، ثُمَّ تَلِفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَيْءٌ (فَمَا تَلِفَ بَعْدَ عِتْقِهِ) ؛ فَعَلَى الْعَبْدِ ضَمَانُهُ (فِي ذِمَّتِهِ) دُونَ سَيِّدِهِ؛ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْجِنَايَةِ. يَضْمَنُ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا (فِي مَوَاتٍ لِتَمَلُّكٍ أَوْ ارْتِفَاقٍ) لِنَفْسِهِ، (وَيَتَّجِهُ أَوْ) حَفَرَ بِئْرًا (يَمْلِكُهُ) ؛ إذْ لِلْإِنْسَانِ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ كَيْف شَاءَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. أَوْ حَفَرَهَا (فِي سَابِلَةٍ وَاسِعَةٍ) - أَيْ: طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ (لِنَفْعٍ عَامٍّ) . نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، كَمَا لَوْ حَفَرَهَا لِيَجْتَمِعَ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ، أَوْ لِيَنْبُعَ مِنْهَا الْمَاءُ لِيَشْرَبَ الْمَارَّةُ؛ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ - (وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهَا حَاجِزًا) - لَكِنْ يَنْبَغِي لِمَنْ حَفَرَ بِئْرًا كَذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهَا حَاجِزًا لِتُعْلَمَ بِهِ، فَتُتَوَقَّى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا يَضْمَنُ مَنْ) حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ وَنَحْوِهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهَا حَاجِزًا، أَوْ (لَمْ يَسُدَّ بِئْرَهُ سَدًّا يَمْنَعُ الضَّرَرَ) ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ حَيْثُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانَ مَا تَلِفَ بِهَا. وَيَتَّجِهُ (أَنَّ مَا فَتَحَهُ) الْإِنْسَانُ (لِنَفْسِهِ مِنْ آبَارٍ) مَتْرُوكَةٍ (قَدِيمَةٍ) يَكُونُ فَتْحُهُ لَهَا (بِمَنْزِلَةِ إحْدَاثِهَا) ضَرَرًا وَنَفْعًا، فَلَوْ فَعَلَهُ (بِمِلْكِهِ) وَنَحْوِهِ (لَا يَضْمَنُ) مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، وَلَوْ كَانَ فَتْحُهُ لَهَا (بِغَيْرِهِ) - أَيْ: بِغَيْرِ مِلْكِهِ وَنَحْوِهِ - (يَضْمَنُ) ؛ لِتَعَدِّيهِ، (وَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: فَاتِحَهَا - (سَدُّهَا) - أَيْ: سَدُّ الَّتِي فَتَحَهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ - (سَدًّا) بِحَيْثُ (يَمْنَعُ الضَّرَرَ) بِالْمَارَّةِ، (وَلَعَلَّهُ) - أَيْ: مَا ذُكِرَ - (مُرَادُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (أَوْ بَنَى فِيهَا) - أَيْ: السَّابِلَةِ الْوَاسِعَةِ (نَحْوَ مَسْجِدٍ) كَمَدْرَسَةٍ وَزَاوِيَةٍ (وَخَانٍ بِلَا ضَرَرٍ) بِالْمَارَّةِ بِإِحْدَاثِ ذَلِكَ، وَلَوْ فَعَلَهُ (بِلَا إذْنِ إمَامٍ) ؛ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: حُكْمُ مَا بُنِيَ وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ حُكْمُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ؛ (كَبِنَاءِ جِسْرٍ) - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا - وَهُوَ الْقَنْطَرَةُ لِيَمُرَّ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَكَذَا فَعَلَ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِنَفْعِ الطَّرِيقِ وَإِصْلَاحِهَا كَإِزَالَةِ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَنْهَا وَتَنْقِيَتِهَا مِمَّا يَضُرُّ فِيهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 كَقِشْرِ بِطِّيخٍ (وَوَضْعِ حَجَرٍ بِطِينٍ لِيَطَأَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَحَفْرِ هَدَفٍ) - وَهُوَ مَا عَلَا فِي الطَّرِيقِ بِحَيْثُ تُسَاوِي غَيْرَهَا -. (وَقَلْعِ حَجَرٍ) فِي الْأَرْضِ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ وَوَضْعِ الْحَصَى فِي حُفْرَةٍ فِي الْأَرْضِ لِيَمْلَأَهَا وَتَسْقِيفِ سَاقِيَةٍ فِيهَا؛ فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إحْسَانٌ وَمَعْرُوفٌ. وَإِنْ فَعَلَ (مَا فِيهِ نَفْعٌ) عَامٌّ كَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ خَانًا وَنَحْوَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَتَلِفَ فِيهِ شَيْءٌ؛ لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا (لِنَفْعٍ خَاصٍّ) بِنَفْسِهِ، أَوْ كَانَ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ؛ كَأَنْ حَفَرَ الْبِئْرَ فِي الْقَارِعَةِ أَوْ بِطَرِيقٍ (ضَيِّقَةٍ) ؛ فَإِنَّهُ (يَضْمَنُ) مَا تَلِفَ بِهَا سَوَاءٌ فَعَلَهُ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ أَوْ لَا، بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ لَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، (وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ) - بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ - حُكْمَ (هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي بُنِيَتْ فِي الطَّرِيقِ تُهَدُّ) ، وَمَسْأَلَةُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْكَحَّالِ يَزِيدُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الطَّرِيقِ قَالَ: لَا يُصَلَّى فِيهِ، (وَيَتَّجِهُ حَمْلُهُ) - أَيْ: حَمْلُ جَوَابِ سُؤَالِ الْمَرُّوذِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمَسَاجِدُ وَنَحْوُهَا بِطَرِيقٍ (ضَيِّقَةٍ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْمَارَّةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْأَنْهَارِ قَالَ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الطَّرِيقِ، وَسَأَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَابَاطٍ فَوْقَهُ مَسْجِدٌ أَيُصَلَّى فِيهِ قَالَ: لَا يُصَلَّى فِيهِ إذَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ. (وَمَنْ أَمَرَ حُرًّا بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِنَاءٍ بِمِلْكِ غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الْآمِرِ (بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا) بِأُجْرَةٍ فَحَفَرَ الْمَأْمُورُ، وَتَلِفَ بِهَا شَيْءٌ؛ (ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ حَافِرٌ) عَلِمَ ذَلِكَ، وَضَمِنَ (بِأَنْ عَلِمَ) أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكٌ لِغَيْرِ الْآمِرِ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَيُحَلَّفُ) أَيْ: الْحَافِرُ وَالْبَانِي إنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِ الْآمِرِ، وَادَّعَى الْآمِرُ عِلْمَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، (وَإِلَّا) يَعْلَمَ حَافِرٌ بِذَلِكَ، أَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ قِنَّ الْآمِرِ؛ فَآمِرٌ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ لِتَغْرِيرِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 (وَيَضْمَنُ سُلْطَانٌ آمِرٌ) بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِنَاءٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ (وَحْدَهُ) - أَيْ: دُونَ حَافِرٍ وَبَانٍ - وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُ غَيْرِ السُّلْطَانِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَسَعُهُ مُخَالَفَتُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ. (وَمَنْ بَسَطَ بِمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) كَمَدْرَسَةٍ وَزَاوِيَةٍ (حَصِيرًا أَوْ بَارِيَةً) ، وَهِيَ الْحَصِيرُ الْمَنْسُوجُ، قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": وَيُطْلَقُ بِالشَّامِ عَلَى مَا يُنْسَجُ مِنْ قَصَبٍ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ بِقَرِينَةِ الْعَطْفِ (أَوْ) بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، (بِسَاطًا أَوْ عَلَّقَ) فِيهِ، (أَوْ أَوْقَدَ فِيهِ قِنْدِيلًا، أَوْ نَصَبَ فِيهِ بَابًا أَوْ) نَصَبَ فِيهِ (عُمُدًا) لِمَصْلَحَةٍ، كَنَشْرِ نَحْوِ ثَوْبٍ عَلَيْهَا أَوْ نَصَبَ فِيهِ (رَفًّا لِنَفْعِ النَّاسِ) ؛ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ (وَيَتَّجِهُ مِنْهُ) - أَيْ مَا ذُكِرَ - (جَوَازُ وَضْعِ خَزَائِنَ) فِي الْمَسْجِدِ (كَذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الرُّفُوفِ، غَيْرَ أَنَّ لَهَا أَغْلَاقًا لِحِفْظِ أَمْتِعَةِ مُلَازِمِي الْمَسْجِدَ، وَلَا يَجُوزُ وَضْعُ الْخَزَائِنِ (بِبُقَعِ الْمُصَلِّينَ) ؛ لِأَنَّهَا تَشْغَلُهَا فِيمَا لَمْ تُبْنَ لَهُ، وَلَوْ وَضَعَ فِي الْمَسْجِدِ خِزَانَةً، وَجَعَلَهَا (لِنَفْسِهِ) فَقَطْ (يَحْرُمُ) عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَحْجِيرٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. (وَلَا يَصِحُّ إيجَارُهَا) - أَيْ: الْخَزَائِنِ مُطْلَقًا - سَوَاءٌ وَضَعَهَا لِنَفْعِ مُلَازِمِي الْمَسْجِدَ أَوْ لِنَفْسِهِ، (وَيَجِبُ زَوَالُهَا) - أَيْ: إزَالَتُهَا - لِأَنَّهَا مِنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ سَقْفُهُ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ (أَوْ بَنَى جِدَارَهُ أَوْ) بَنَى (مِنْبَرَهُ) ، وَتَلِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ كَوَضْعِهِ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ مُبَلَّطٍ حَصًى، وَسَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَهُ بِنَاءُ مِنْبَرٍ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ بَنَاهُ، (وَلَمْ يُفْحِشْ فِي كِبَرِهِ) جَازَ، (وَإِلَّا) بِأَنْ بَنَاهُ زَائِدًا عَلَى الْقَدْرِ الْمُعْتَادِ (حَرُمَ عَلَيْهِ) هَذَا الْبِنَاءُ، (وَضَمِنَ) مَا تَلِفَ بِهِ؛ (لِأَنَّهُ تَحْجِيرٌ لِبُقْعَةِ الْمَسْجِدِ) كَحَفْرِهِ بِئْرًا فِيهِ؛ إذْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 الْبُقْعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلصَّلَاةِ فَتَعْطِيلُهَا عُدْوَانٌ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ جَلَسَ) فِي الْمَسْجِدِ، (أَوْ اضْطَجَعَ) فِيهِ (أَوْ قَامَ فِيهِ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ - مُسْلِمٌ، فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ، فَتَلِفَ، أَوْ نَقَصَ لَمْ يَضْمَنْ نَقْصُهُ وَلَا تَلَفَهُ (غَيْرَ كَافِرٍ) ، أَمَّا الْكَافِرُ فَيَضْمَنُ، وَغَيْرُ نَحْوِ جُنُبٍ كَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ (فَيَحْرُمُ) عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَيَضْمَنُونَ، أَوْ جَلَسَ، أَوْ اضْطَجَعَ، أَوْ قَامَ (فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ لَا ضَيِّقٍ) يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ؛ فَيَضْمَنُ فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ أُبِيحَ لَهُ فِعْلُهُ، (فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ، لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ) أَوْ نَقَصَ (بِهِ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مُبَاحًا لَمْ يَتَعَدَّ بِهِ عَلَى أَحَدٍ فِي مَكَان لَهُ فِيهِ حَقٌّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ بِمِلْكِهِ، وَيَضْمَنُ إنْ كَانَ مُحَرَّمًا كَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَنَابَةِ بِلَا وُضُوءٍ، أَوْ مَعَ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ، أَوْ مَعَ إضْرَارِ الْمَارَّةِ بِإِقَامَتِهِ فِي الطَّرِيقِ الضَّيِّقِ، لَا قِيَامِهِ فِيهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَأَمَّا الْقِيَامُ فَلَا ضَمَانَ بِهِ بِحَالٍ، لِأَنَّهُ مِنْ مَرَافِقِ الطُّرُقِ، فَهُوَ كَالْمُرُورِ. (وَإِنْ أَخْرَجَ) إنْسَانٌ (جَنَاحًا) وَهُوَ الرَّوْشَنُ، أَوْ أَخْرَجَ (نَحْوَ مِيزَابٍ) كَسَابَاطٍ، أَوْ أَبْرَزَ حَجَرًا فِي الْبُنْيَانِ (إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ) بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي ذَلِكَ بِلَا ضَرَرٍ؛ إذْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ، (أَوْ) أَخْرَجَ ذَلِكَ إلَى طَرِيقٍ (غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ نَافِذٍ - (بِلَا إذْنِ أَهْلِهِ) . فَسَقَطَ ذَلِكَ الْمُخْرَجُ، (فَأَتْلَفَ شَيْئًا - وَلَوْ) كَانَ سُقُوطُهُ (بَعْدَ بَيْعٍ - وَقَدْ طُولِبَ) الْبَائِعُ (بِنَقْضِهِ قَبْلَهُ) - أَيْ: الْبَيْعِ - (ضَمِنَهُ) ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِمَا أَخْرَجَهُ إلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَكُنْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ؛ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَالَبْ بِنَقْضِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَهُ وَأَقْبَضَهُ قَبْلَ الطَّلَبِ، ثُمَّ سَقَطَ، فَأَتْلَفَ شَيْئًا؛ لَمْ يَضْمَنْهُ الْوَاهِبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكَهُ وَلَا الْمَوْهُوبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَالَبْ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ بِهِ أَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا أَوْ عِوَضًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 فِي خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ. وَمَحَلُّ الضَّمَانِ (مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ) - أَيْ: الْجَنَاحِ وَالْمِيزَابِ وَالسَّابَاطِ الْمُخْرَجِ إلَى الطَّرِيقِ النَّافِذِ (إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ - وَلَا ضَرَرَ) عَلَى الْمَارَّةِ بِإِخْرَاجِهِ - فَإِنْ أَذِنَ فِيهِ فَأَخْرَجَ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ النَّافِذَ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْإِمَامُ وَكِيلُهُمْ، فَإِذْنُهُ كَإِذْنِهِمْ، (وَمَعَ) وُجُوبِ (ضَمَانٍ) بِأَنْ أَخْرَجَ ذَلِكَ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ، وَطُولِبَ، أَوْ بِإِذْنِهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ، أَوْ بِطَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ بِدُونِ إذْنِ أَهْلِهِ، وَالتَّالِفُ آدَمِيٌّ؛ (فَدِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) - أَيْ: عَاقِلَةِ رَبِّ الْمُخْرَجِ - لِأَنَّهَا تَحْمِلُ دِيَةَ الْخَطَأِ وَشِبْهَ الْعَمْدِ، فَإِنْ أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ كَوْنَ الْمُخْرَجِ لِصَاحِبِهِمْ، أَوْ أَنْكَرُوا مُطَالَبَتَهُ بِنَقْضِهِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ، أَوْ أَنْكَرُوا تَلَفَ الْآدَمِيِّ؛ لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُودِ. (وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ) بَعْدَ أَنْ بَنَاهُ مُسْتَقِيمًا (لِغَيْرِ مِلْكِهِ) ، سَوَاءٌ كَانَ مُخْتَصًّا كَهَوَاءِ جَارِهِ، أَوْ مُشْتَرَكًا كَالطَّرِيقِ، (أَوْ شَقَّ) حَائِطَهُ (وَلَوْ) كَانَ شَقُّهُ (عَرْضًا) - إذَا تَشَقَّقَ الْحَائِطُ طُولًا مَعَ اسْتِقَامَتِهِ لَا أَثَرَ لَهُ. وَأَمَّا تَشَقُّقُهُ عَرْضًا فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ الْوُقُوعُ كَالْمَائِلِ، (وَأَبَى) رَبُّهُ (هَدْمَهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا) بِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ؛ (لَمْ يَضْمَنْهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بِبِنَائِهِ، وَلَا فَرَّطَ فِي تَرْكِ نَقْضِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَقَطَ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ - (وَلَوْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ قَبْلَ) سُقُوطِهِ - لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ بِفِعْلِهِ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: " لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَعَنْهُ إنْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ، وَأُشْهِدَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ؛ ضَمِنَ، وَاعْتَمَدَ هَذَا مَعَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَعْمُولَ عَلَيْهِ مَا جَنَحَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ. فَائِدَةٌ: وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ مَائِلًا إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ، أَوْ مَالَ الْحَائِطُ إلَى مِلْكِ رَبِّهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ رَبُّهُ مَا تَلِفَ بِهِ؛ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ. (وَإِنْ بَنَاهُ) - أَيْ: الْحَائِطَ (مَائِلًا لِلطَّرِيقِ) ؛ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ، (أَوْ) بَنَاهُ مَائِلًا إلَى (مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ؛ ضَمِنَ) مَا تَلِفَ بِهِ - وَلَوْ لَمْ يُطَالَبْ بِنَقْضِهِ - لِتَسَبُّبِهِ بِذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 [تَتِمَّةٌ أَحْدَثَ بِرْكَةً لِلْمَاءِ فَنَزَلَ إلَى جِدَارِ جَارِهِ فَأَوْهَاهُ وَهَدَمَهُ] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ أَحْدَثَ بِرْكَةً لِلْمَاءِ أَوْ كَنِيفًا أَوْ مُسْتَحَمًّا، فَنَزَلَ إلَى جِدَارِ جَارِهِ، فَأَوْهَاهُ وَهَدَمَهُ؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ تَتَعَدَّى؛ ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ " وَ " التَّلْخِيصِ " قَالَا: وَلِلْجَارِ مَنْعُهُ النُّزُولَ إلَى جِدَارِ جَارِهِ وَقَالَا أَيْضًا: الدَّقُّ الَّذِي يَهْدِمُ الْجِدَارَ مَضْمُونُ السِّرَايَةِ؛ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ مَحْضٌ. [فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْبَهَائِمِ] (وَيَضْمَنُ رَبُّ بَهَائِمَ ضَارِيَةٍ) - أَيْ مُعْتَادَةً بِالْجِنَايَةِ - (عَالِمٌ بِضَرَيَانِهَا أَوْ أَمَرَ بِإِمْسَاكِهَا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا) ؛ أَيْ: بِأَنَّهَا ضَارِيَةٌ مَا أَتْلَفَتْهُ، (وَ) كَذَلِكَ يَضْمَنُ (رَبُّ جَوَارِحَ وَشَبَهِهَا) - أَيْ: الْجَوَارِحِ - (مَا أَتْلَفَتْهُ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ) . قَالَ فِي " الْفُصُولِ ": مَنْ أَطْلَقَ كَلْبًا عَقُورًا أَوْ دَابَّةً رَفُوسًا أَوْ عَضُوضًا عَلَى النَّاسِ وَخَلَّاهُ فِي طُرُقِهِمْ وَمَصَاطِبِهِمْ وَرِحَابِهِمْ، فَأَتْلَفَ مَالًا أَوْ نَفْسًا؛ ضَمِنَ؛ لِتَفْرِيطِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُ طَائِرٌ جَارِحٌ؛ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي، فَأَفْسَدَ طُيُورَ النَّاسِ وَحَيَوَانَاتِهِمْ انْتَهَى. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ. (وَإِذَا عُرِفَتْ الْبَهِيمَةُ بِالصَّوْلِ؛ وَجَبَ عَلَى مَالِكِهَا وَغَيْرِهِ إتْلَافُهَا) دَفْعًا لِضَرَرِهَا قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ ". وَحَيْثُ جَازَ إتْلَافُهَا فَلَهُ أَنْ يُتْلِفَهَا بِالْمَعْرُوفِ - أَيْ: عَلَى وَجْهٍ لَا تَعْذِيبَ فِيهِ - لِحَدِيثِ: «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» . وَلَا يَضْمَنُ الْبَهِيمَةَ الْمَعْرُوفَةَ بِالصَّوْلِ إذَا قُتِلَتْ حَالَ صَوْلِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ؛ كَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ (وَلَوْ حَالَتْ) الدَّابَّةُ (بَيْنَهُ) - أَيْ: بَيْنَ إنْسَانٍ - (وَبَيْنَ مَالِهِ، وَلَمْ تَنْدَفِعْ بِلَا قَتْلٍ؛ قَتَلَهَا) ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهَا دَفْعًا لِشَرِّهَا. (وَيَتَّجِهُ) حَيْثُ جَازَ لَهُ قَتْلُهَا إزَالَةً لِضَرَرِهَا بِالْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَمِّيَ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ لِئَلَّا يُضَيِّعَهَا عَلَى رَبِّهَا. (فَلَوْ) قَتَلَهَا، وَ (لَمْ يُسَمِّ) عَلَيْهَا سَهْوًا لَا جَهْلًا؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِسُقُوطِ التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ، وَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ (عَمْدًا؛ ضَمِنَ) لِرَبِّهَا (قِيمَتَهَا مُذَكَّاةً) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 وَلَا يَضْمَنُ (رَبُّ) بَهَائِمَ (غَيْرَ ضَارِيَةٍ) - أَيْ: مَعْرُوفَةٍ بِالصَّوْلِ - وَغَيْرَ جَوَارِحَ وَشَبَهِهَا مَا أَتْلَفَتْهُ إنْ لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَيْهَا، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، (وَلَوْ) كَانَ مَا (أَتْلَفَتْهُ) الْبَهِيمَةُ (صَيْدًا بِالْحَرَمِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. أَيْ: هَدَرٌ، فَإِنْ كَانَتْ ضَارِيَةً ضَمِنَ. (وَيَضْمَنُ) جِنَايَةَ دَابَّةٍ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَتْ ضَارِيَةً أَوْ لَا (رَاكِبٌ وَسَائِقٌ وَقَائِدٌ) لِدَابَّةٍ، مَالِكًا كَانَ أَوْ غَاصِبًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُوصًى لَهُ بِنَفْعِهَا أَوْ مُرْتَهِنًا (قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا) ؛ لِأَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ التَّصَرُّفِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. (وَيَتَّجِهُ اشْتِرَاطُ تَكْلِيفِهِ) - أَيْ: الْمُتَصَرِّفِ الْقَادِرِ عَلَى التَّصَرُّفِ - إذْ الْأَحْكَامُ تُنَاطُ بِالْمُكَلَّفِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (جِنَايَةَ يَدِهَا وَفَمِهَا وَوَلَدِهَا) ، وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِأَنَّهُ تَبَعُهَا، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ جَنَى بِيَدِهِ أَوْ فَمِهِ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ ذَنَبِهِ. وَلَوْ قِيلَ: يَضْمَنُ مِنْهُ مَا يَضْمَنُ مِنْهَا فَقَطْ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ (وَوَطْئِهَا بِرِجْلِهَا) ؛ لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ فَأَوْطَأَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ؛ فَهُوَ ضَامِنٌ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 فِعْلَ الْبَهِيمَةِ مَنْسُوبٌ إلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ حِفْظُهَا، وَ (لَا) يَضْمَنُ (مَا نَفَحَتْ بِهَا) - أَيْ: بِرِجْلِهَا - مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ مَرْفُوعًا: «الرِّجْلُ جُبَارٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «رِجْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» . فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي جِنَايَةِ غَيْرِهَا، وَخُصِّصَ بِالنَّفْحِ دُونَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الدَّابَّةُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجَنِّبَهَا وَطْءَ مَا لَا يُرِيدُ أَنْ تَطَأَهُ بِتَصَرُّفِهِ فِيهَا، بِخِلَافِ نَفْحِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ، وَحَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ وَكَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ فَهِيَ عَلَيْهَا؛ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. (وَيَتَّجِهُ) أَوْ؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ الْمُتَصَرِّفُ بِدَابَّةٍ مَا نَفَحَتْهُ (بِرَأْسِهَا) ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ الْجَمُوحَ مِنْ شَأْنِهَا عَدَمُ الِانْقِيَادِ خُصُوصًا إذَا اسْتَجْبَنَتْ الْمُتَصَرِّفَ، فَإِنَّهَا تَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْغُلَامِ فِي فَرْخِ طَيْرِ الْحَمَامِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ. هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، لَكِنَّ الْقَوَاعِدَ تَأْبَاهُ إذَا عَدِمَ ضَمَانَ نَفْحِ الرِّجْلِ؛ لِأَنَّ لَا يُمْكِنُهُ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَأَمَّا الرَّأْسُ فَلَا يَعْجِزُ الْقَادِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ عَنْ ضَبْطِهِ، فَجِنَايَتُهَا بِهِ دَلِيلٌ عَلَى تَفْرِيطِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْبَهِيمَةُ النَّزِقَةُ الَّتِي لَا تَنْضَبِطُ بِكَبْحٍ وَلَا نَحْوِهِ؛ لَيْسَ لَهُ رُكُوبُهَا بِالْأَسْوَاقِ، فَإِنْ رَكِبَ ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ، وَكَذَا الرَّمُوحُ وَالْعَضُوضُ انْتَهَى. وَمَحَلُّ عَدَمِ ضَمَانِ مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا، (مَا لَمْ يَكْبَحْهَا) ؛ أَيْ: يَجْذِبْهَا بِلِجَامٍ (فَوْقَ الْعَادَةِ، أَوْ) مَا لَمْ (يَضْرِبْ وَجْهَهَا) ؛ فَيَضْمَنُ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي جِنَايَتِهَا، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ. (وَلَا) يَضْمَنُ مَنْ بِيَدِهِ دَابَّةٌ (جِنَايَةَ ذَنَبِهَا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهَا (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ؛ أَيْ وَلَا يَضْمَنُ مُتَصَرِّفٌ بِدَابَّةٍ (سُقُوطَ حَمْلِهَا) إذَا لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 يُفَرِّطْ بِشَدِّهِ؛ إذْ حِفْظُهُ عَنْ السُّقُوطِ بَعْدَ إحْكَامِ الشَّدِّ فَوْقَ الطَّاقَةِ، وَلَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلَّا وُسْعَهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَضْمَنُ) جِنَايَتَهَا (مَعَ سَبَبٍ) لِلْجِنَايَةِ (كَنَخْسٍ وَتَنْفِيرِ فَاعِلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِي جِنَايَتِهَا، (دُونَهُمْ) - أَيْ: دُونَ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ وَالْقَائِدِ. وَإِنْ جَنَتْ الْبَهِيمَةُ عَلَى مَنْ نَفَّرَهَا أَوْ نَخَسَهَا، (فَأَتْلَفَتْهُ) فَالْجِنَايَةُ (هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ. (وَإِنْ تَعَدَّدَ رَاكِبٌ) اثْنَانِ فَأَكْثَرُ، فَجَنَتْ جِنَايَةً مَضْمُونَةً؛ (ضَمِنَ الْأَوَّلُ) مَا يَضْمَنُهُ الْمُنْفَرِدُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا وَالْقَادِرُ عَلَى كَفِّهَا، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَضْمَنُ (مَنْ خَلْفَهُ إنْ انْفَرَدَ بِتَدْبِيرِهَا لِعَجْزِ الْأَوَّلِ) بِصِغَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ عَمًى، (وَإِنْ اشْتَرَكَا) - أَيْ: الرَّاكِبَانِ - (فِي تَدْبِيرِهَا، وَلَمْ يَكُنْ إلَّا سَائِقٌ وَقَائِدٌ؛ اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ لَضَمِنَ، فَإِذَا اجْتَمَعَا ضَمِنَا، (وَيُشَارِكُ رَاكِبٌ مَعَهُمَا) - أَيْ: السَّائِقِ وَالْقَائِدِ - كُلًّا مِنْهُمَا (مَعَ أَحَدِهِمَا) مِنْ سَائِقٍ أَوْ قَائِدٍ فِي ضَمَانِ جِنَايَةِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ مَعَ الدَّابَّةِ انْفَرَدَ بِالضَّمَانِ، فَكَذَا إذَا اجْتَمَعَ مَعَ غَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَحَلَّ مُشَارَكَةِ الدَّابَّةِ فِي الضَّمَانِ (إنْ شَارَكَ) السَّائِقُ وَالْقَائِدُ أَوْ أَحَدُهُمَا (فِي تَدْبِيرِ) الدَّابَّةِ، أَمَّا إذَا كَانَ تَدْبِيرُهَا غَيْرَ مَنُوطٍ بِهِ، كَرَاكِبِ الْهَوْدَجِ وَالْمِحَفَّةِ وَنَحْوِهِمَا؛ فَيَنْبَغِي عَدَمُ تَضْمِينِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشَارِكْ فِي التَّدْبِيرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 (وَإِبِلٌ) مُقْطَرَةٌ كَبَهِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، (وَبِغَالٌ مُقْطَرَةٌ، كَوَاحِدَةٍ، عَلَى قَائِدِهَا الضَّمَانُ) لِمَا جَنَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقِطَارِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ إنَّمَا تَسِيرُ بِسَيْرِ الْأَوَّلِ، وَتَقِفُ بِوَقْفِهِ، وَتَطَأُ بِوَطْئِهِ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُهُ حِفْظُ الْجَمِيعِ عَنْ الْجِنَايَةِ، (وَيُشَارِكُهُ) - أَيْ: الْقَائِدَ - (سَائِقٌ فِي أَوَّلِهَا) - أَيْ: الْمُقْطَرَةِ (فِي) جِنَايَةِ (جَمِيعِهَا، وَ) يُشَارِكُ سَائِقٌ (فِي آخِرِهَا فِي) جِنَايَةِ (الْأَخِيرِ فَقَطْ، وَ) يُشَارِكُ سَائِقٌ (فِيمَا بَيْنَهُمَا) - أَيْ: الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ - (فِيمَا بَاشَرَ سَوْقَهُ وَفِيمَا بَعْدَهُ) ، دُونَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِقٍ لَهُ وَلَا بِتَابِعٍ لِمَا يَسُوقُهُ، فَانْفَرَدَ بِهِ الْقَائِدُ (وَإِنْ انْفَرَدَ رَاكِبٌ عَلَى أَوَّلِ قِطَارٍ ضَمِنَ) الرَّاكِبُ (جِنَايَةَ الْجَمِيعِ) . قَالَهُ الْحَارِثِيُّ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الرَّاكِبِ إنَّمَا يَسِيرُ بِسَيْرِهِ، وَيَطَأُ بِوَطْئِهِ، فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ، فَضَمِنَ كَالْمَقْطُورِ عَلَى مَا تَحْتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ وَالْقَائِدُ مَالِكًا أَوْ أَجِيرًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُوصًى لَهُ بِنَفْعِهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ؛ فَعَلَى مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ إذَا كَانَ سَائِقٌ وَقَائِدٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُنْفَرِدُ بِالْقِطَارِ رَاكِبًا أَوْ سَائِقًا عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ؛ ضَمِنَ جِنَايَةَ مَا هُوَ رَاكِبٌ عَلَيْهِ أَوْ سَائِقٌ لَهُ وَمَا بَعْدَهُ، دُونَ مَا قَبْلَهُ. (وَلَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ مِمَّنْ) هِيَ (بِيَدِهِ، فَأَفْسَدَتْ) شَيْئًا؛ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى أَحَدٍ؛ لِحَدِيثِ: «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ» وَتَقَدَّمَ (فَلَوْ اسْتَقْبَلَهَا إنْسَانٌ، فَرَدَّهَا؛ ضَمِنَ) . هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ رَادَّ الدَّابَّةِ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ إنْ رَدَّهَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، لَا إنْ رَدَّهَا (بِأَمْرِ رَبِّهَا) ، فَإِنْ رَدَّهَا بِأَمْرِ رَبِّهَا (لِيُمْسِكَهَا) ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَضْمَنُ رَبُّهَا) - أَيْ: الدَّابَّةِ - (وَمُسْتَعِيرٌ وَمُؤَجِّرٌ وَمُودَعٌ) وَمُرْتَهِنٌ وَأَجِيرٌ لِحِفْظِهَا وَمُوصٍ لَهُ بِنَفْعِهَا (مَا أَفْسَدَتْ مِنْ نَحْوِ شَجَرٍ وَزَرْعٍ) وَغَيْرِهِمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 كَثَوْبٍ خَرَقَتْهُ أَوْ مَضَغَتْهُ أَوْ وَطِئَتْ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ (لَيْلًا) فَقَطْ نَصًّا. لِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ: «أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ، فَأَفْسَدَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَمَا أَفْسَدَتْ؛ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمْ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا؛ فَهُوَ مَشْهُورٌ، وَحَدَّثَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ، وَتَلَقَّاهُ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ بِالْقَبُولِ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاشِي إرْسَالُهَا نَهَارًا لِلرَّاعِي وَحِفْظُهَا لَيْلًا، وَعَادَةُ أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظُهَا نَهَارًا، فَإِذَا أَفْسَدَتْ شَيْئًا لَيْلًا كَانَ مِنْ ضَمَانِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ (وَإِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا) ؛ بِأَنْ لَمْ يَضُمَّهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ. فَإِنْ ضَمَّهَا مَنْ هِيَ بِيَدِهِ، فَأَخْرَجَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ فَتَحَ عَلَيْهَا بَابَهَا، فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا؛ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ دُونَ مَالِكِهَا لِتَسَبُّبِهِ. وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، وَلَوْ كَانَ مَا أَتْلَفَتْهُ الدَّابَّةُ الْمُعَارَةِ وَنَحْوُهَا لَيْلًا لِرَبِّهَا؛ ضَمِنَهُ مُسْتَعِيرٌ وَنَحْوُهُ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّهَا وَنَحْوُهُ بِأَنْ ضَمَّهَا لَيْلًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ، فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا؛ فَلَا ضَمَانَ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ. وَ (لَا) يَضْمَنُ رَبُّهَا وَنَحْوُهُ مَا أَفْسَدَتْ (نَهَارًا) ؛ لِلْحَدِيثِ السَّابِق إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ عَلَيْهَا (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ فَرَّطَ بِأَنْ أَرْسَلَهَا بِقُرْبِ مَا تُفْسِدُهُ أَوْ لَا؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا مَزَارِعُ وَمَرَاعِي، فَأَمَّا الْقُرَى الْعَامِرَةُ الَّتِي لَا مَرْعَى فِيهَا إلَّا بَيْنَ مَرَاحَيْنِ كَسَاقِيَةٍ وَطَرَفِ زَرْعٍ؛ فَلَيْسَ لَهُ إرْسَالُهَا بِغَيْرِ حَافِظٍ، فَإِنْ فَعَلَ؛ لَزِمَهُ الضَّمَانُ؛ لِتَفْرِيطِهِ (إلَّا غَاصِبُهَا) ؛ فَيَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ نَهَارًا أَيْضًا؛ لِتَعَدِّيهِ بِإِمْسَاكِهَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَهِيمَةِ يَدٌ كَقَائِدٍ؛ ضَمِنَ صَاحِبُ الْيَدِ مَا أَفْسَدَتْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ أَهْلِ النَّوَاحِي بِرَبْطِهَا نَهَارًا وَإِرْسَالِهَا لَيْلًا وَحِفْظِ الزَّرْعِ لَيْلًا؛ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ أَيْ: أَنَّهُ يَضْمَنُ رَبُّهَا مَا أَفْسَدَتْ لَيْلًا إنْ فَرَّطَ؛ لَا نَهَارًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْعُرْفَ نَادِرٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ فِي تَخْصِيصِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 (وَمَنْ اقْتَنَى نَحْوَ حَمَامٍ) كَبَطٍّ وَأُوزَ (فَأَرْسَلَهُ نَهَارًا فَلَقَطَ حَبًّا؛ لَمْ يَضْمَنْ) الْمُقْتَنِي. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِأَنَّ الْعَادَةَ إرْسَالُهُ، وَكَذَا نَقَلَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " عَنْ الْحَارِثِيِّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: " وَإِنْ اقْتَنَى حَمَامًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الطَّيْرِ، فَأَرْسَلَهُ نَهَارًا، فَلَقَطَ حَبًّا؛ ضَمِنَ. وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ " عَلَى تَخْرِيجِهِ فِي الْآدَابِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَمَنْ ادَّعَى أَنْ بَهَائِمَ فُلَانٍ رَعَتْ زَرْعَهُ) لَيْلًا، (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ادَّعَى أَنَّهَا (أَفْسَدَتْ شَجَرَهُ) ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ رَعْيِ الزَّرْعِ وَإِفْسَادِ الشَّجَرِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا غَيْرِهَا) ؛ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ غَيْرُ بَهَائِمِ فُلَانٍ، (وَوُجِدَ أَثَرُهَا بِهِ) - أَيْ: بِالزَّرْعِ أَوْ تَحْتَ الشَّجَرِ - (قُضِيَ لَهُ) عَلَى رَبِّ الْبَهَائِمِ بِضَمَانِ مَا رَعَتْ (نَصًّا) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا مِنْ الْقِيَافَةِ [فِي الْأَمْوَالِ، وَجَعَلَ الْقِيَافَةَ] مُعْتَبَرَةً فِي الْأَمْوَالِ كَالْقِيَافَةِ فِي الْأَنْسَابِ. (وَمَنْ طَرَدَ دَابَّةً مِنْ مَزْرَعَتِهِ) ، فَدَخَلَتْ مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ، فَأَفْسَدَتْ؛ (لَمْ يَضْمَنْ مَا أَفْسَدَتْهُ) مِنْ مَزْرَعَةِ غَيْرِهِ، (إلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ) . ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَزْرَعَةَ رَبِّهَا؛ فَيَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْهَا؛ لِتَسَبُّبِهِ. (فَإِنْ اتَّصَلَتْ الْمَزَارِعُ) لَمْ يَطْرُدْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَسْلِيطٌ عَلَى زَرْعِ غَيْرِهِ، (وَصَبَرَ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهَا) بِقِيمَةِ مَا تَأْكُلُهُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا إلَّا بِتَسْلِيطِهَا عَلَى مَالِ غَيْرِهِ. (وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا) مِنْ زَرْعِهِ وَلَهُ مُنْصَرَفٌ يُخْرِجُهَا مِنْهُ (مِنْ مَحَلٍّ غَيْرِ الْمَزَارِعِ، فَتَرَكَهَا) تَأْكُلُ مِنْ زَرْعِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهَا فَمَا أَكَلَتْهُ؛ (هَدَرٌ) لَا رُجُوعَ لِرَبِّهِ بِهِ؛ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ صَرْفِهَا؛ (كَحَطَبٍ) وَحَدِيدٍ وَنَحْوِهِ (عَلَى دَابَّةٍ خَرَقَ ثَوْبَ بَصِيرٍ عَاقِلٍ يَجِدُ مُنْحَرَفًا -) أَيْ مَوْضِعًا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ - فَلَمْ يَفْعَلْ؛ فَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْحَطَبِ وَنَحْوِهِ؛ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الِانْحِرَافِ، (وَكَذَا لَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 كَانَ) صَاحِبُ الثَّوْبِ (مُسْتَدْبِرًا، فَصَاحَ بِهِ) رَبُّ الدَّابَّةِ (مُنَبِّهًا لَهُ) لِيَنْحَرِفَ، وَوَجَدَ مُنْحَرَفًا، وَلَمْ يَفْعَلْ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ؛ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الِانْحِرَافِ، وَكَالْمُسْتَدْبَرِ الْأَعْمَى إذَا صَاحَ عَلَيْهِ مُنَبِّهًا لَهُ بِالِانْحِرَافِ لِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ الِانْحِرَافُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَفْعَلْ، (وَإِلَّا) ؛ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مُنْحَرَفًا - وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ لَهُ - وَلَمْ يُنَبِّهْهُ - وَهُوَ مُسْتَدْبِرٌ - (ضَمِنَ) مَنْ مَعَ الدَّابَّةِ أَرْشَ خَرْقِ الثَّوْبِ، وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ وَنَحْوُهُ. [تَتِمَّةٌ مَنْ صَالَ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ] تَتِمَّةٌ: وَمَنْ صَالَ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ عَاقِلٌ أَوْ مَجْنُونٌ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ أَوْ صَالَ عَلَيْهِ غَيْرُ طَيْرٍ أَوْ بَهِيمَةٍ، فَقَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِغَيْرِ الْقَتْلِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ دَفَعَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ، ضَمِنَهُ، إلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ نِسَائِهِ؛ كَزَوْجَتِهِ وَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ، أَوْ يَكُونَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ أَحَدَ أَوْلَادِهِ؛ فَلَا يَضْمَنُ بِدَفْعِ الصَّائِلِ بِالْقَتْلِ عَمَّنْ ذُكِرَ. [فَصْلٌ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا] (فَصْلٌ: وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ) وَاقِفَتَانِ أَوْ مُصْعِدَتَانِ أَوْ مُنْحَدِرَتَانِ (فَغَرِقَتَا، ضَمِنَ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْ قِيمَتَيْ السَّفِينَتَيْنِ (سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا) مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ (إنْ فَرَّطَا) - أَيْ: الْقَيِّمَانِ - (بَعْدَ تَكْمِيلِ آلَةٍ مِنْ نَحْوِ رِجَالٍ) كَأَخْشَابٍ (وَحِبَالٍ) ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبِ فِعْلَيْهِمَا، فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ؛ كَالْفَارِسَيْنِ إذَا اصْطَدَمَا، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطَا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ التَّلَفَ وَتَسَبُّبِهِ فِيهِ، (فَإِنْ فَرَّطَ أَحَدُهُمَا) دُونَ الْآخَرِ؛ (ضَمِنَ) الْمُفَرِّطُ (وَحْدَهُ) مَا تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي إتْلَافِهِ (وَمَعَ تَعَمُّدِهِمَا [أَيْ الْقَيِّمَيْنِ] صَدْمًا) ؛ فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي ضَمَانِ إتْلَافِ كُلٍّ مِنْ السَّفِينَتَيْنِ، وَفِي ضَمَانِ إتْلَافِ مَنْ فِيهِمَا مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُ تَلَفٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا، فَاشْتَرَكَا فِي ضَمَانِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ خَرَقَاهُمَا، فَإِنْ كَانَ الصَّدْمُ (يَقْتُلُ غَالِبًا) ؛ فَعَلَيْهِمَا (الْقَوَدُ) بِشَرْطِهِ مِنْ الْمُكَافَأَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُمَا تَعَمَّدَا الْقَتْلَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَيَاهُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 لُجَّةِ الْبَحْرِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ التَّخْلِيصُ فَغَرِقَ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْتُلْ غَالِبًا بِأَنْ فَعَلَا قَرِيبًا مِنْ السَّاحِلِ؛ (فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ) ؛ كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ فَغَرِقَ بِهِ. (وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ صَادِمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَوْ) كَانَ الِاصْطِدَامُ (مَعَ غَيْرِ عَمْدٍ) ؛ بِأَنْ كَانَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ، عَمْدٍ؛ أَيْ: إذَا مَاتَ أَحَدُ الْقَيِّمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِسَبَبِ تَصَادُمِ السَّفِينَتَيْنِ؛ لَمْ يُهْدَرْ فِعْلُ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بَلْ يُعْتَدُّ بِهِ لِمُشَارَكَةِ الْآخَرِ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ: هَذَا قِيَاسُ الْمُذَهَّبِ، وَصَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَالنَّظْمِ " وَالرِّعَايَةِ " وَ " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ " فِي الدِّيَاتِ (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " وَ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ الصَّادِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَعَ عَمْدٍ. فَمَفْهُومُهُمَا أَنَّهُ يَسْقُطُ مَعَ غَيْرِهِ، فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِوَرَثَةِ الْآخَرِ، وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ " التَّرْغِيبِ "، وَهُوَ فِي الْمُذَهَّبِ قَوْلٌ غَرِيبٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ اللَّبِيبِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيُسْقِطُ نِصْفَ دِيَتِهِ) إنْ كَانَ حُرًّا، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ إلَّا نِصْفُهَا (أَوْ) ؛ أَيْ: وَإِنْ كَانَ قِنًّا فَيَسْقُطُ نِصْفُ (قِيمَتِهِ) ، وَلَيْسَ لِمَالِكِهِ إلَّا نِصْفُهَا؛ لِأَنَّهُ شَارَكَهُ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ، وَإِنْ مَاتَا وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَتِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْآخَرِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا سَقَطَا، وَإِلَّا بِقَدْرِ الْأَقَلِّ. (وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا) - أَيْ: السَّفِينَتَيْنِ الْمُصْطَدِمَتَيْنِ - (وَاقِفَةً) ، وَكَانَتْ الْأُخْرَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 سَائِرَةً، وَاصْطَدَمَتَا فَغَرِقَتَا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى قَيِّمِ الْوَاقِفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ وَلَمْ يُفَرِّطْ، أَشْبَهَ النَّائِمُ فِي الصَّحْرَاءِ إذَا عَثَرَ بِهِ آخَرُ، فَتَلِفَ، وَ (ضَمِنَهَا) - أَيْ: الْوَاقِفَةَ وَمَا فِيهَا - (قَيِّمُ السَّائِرَةِ إنْ فَرَّطَ) ؛ بِأَنْ أَمْكَنَ رَدُّهَا عَنْهَا، وَلَمْ يَفْعَلْ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْ آلَتَهَا مِنْ رِجَالٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِقُصُورِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَامَ وَتَرَكَهَا سَائِرَةً بِنَفْسِهَا حَتَّى صَدَمَتْهَا، فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَلَا ضَمَانَ (كَمُصْعِدَةٍ) فِي أَنَّهَا تَكُونُ مَضْمُونَةً؛ كَمَا يَضْمَنُ الْوَاقِفَةَ قَيِّمُ السَّائِرَاتِ (يَضْمَنُهَا) - أَيْ: الْمُصْعِدَةَ - (الْمُنْحَدِرَةَ) ؛ لِأَنَّ الْمُنْحَدِرَةَ تَنْحَطُّ عَلَى الْمُصْعِدَةِ مِنْ عُلُوٍّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِغَرَقِهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى قَيِّمِ الْمُصْعِدَةِ تَنْزِيلًا لِلْمُنْحَدِرَةِ مَنْزِلَةَ السَّائِرَةِ وَالْمُصْعِدَةِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِفَةِ (إلَّا أَنْ يَغْلِبَ) فِي الْمُنْحَدِرَةِ (عَنْ ضَبْطِهَا بِنَحْوِ رِيحٍ) كَكَوْنِ الْمَاءِ شَدِيدَ الْجَرْيَةِ، فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي وُسْعِهِ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَلِأَنَّ التَّلَفَ يُمْكِنُ اسْتِنَادُهُ إلَى الرِّيحِ أَوْ شِدَّةِ جَرَيَانِ الْمَاءِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": إنْ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْعُدُولَ بِسَفِينَتِهِ - وَالْمُنْحَدِرُ غَيْرُ قَادِرٍ وَلَا مُفَرِّطٍ - فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُصْعِدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُصْعِدَ يُؤَاخَذُ بِتَفْرِيطِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّفْرِيطِ، (فَيُقْبَلُ قَوْلُ مَلَّاحٍ) - وَهُوَ الْقَيِّمُ - (فِيهِ) ؛ أَيْ: فِي أَنَّهُ غَلَبَهُ رِيحٌ وَنَحْوُهُ، (وَأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ. (وَمَنْ خَرَقَهَا) - أَيْ: السَّفِينَةَ - (عَمْدًا) ؛ بِأَنْ تَعَمَّدَ قَلْعَ لَوْحٍ وَنَحْوِهِ فِي اللُّجَّةِ، فَغَرِقَتْ بِمَنْ فِيهَا مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ عَمِلَ بِهِ، أَوْ خَرَقَهَا (شِبْهَهُ) - أَيْ: شِبْهَ الْعَمْدِ - بِأَنْ قَلَعَهُ بِلَا دَاعٍ إلَى قَلْعِهِ فِي قَرِيبٍ مِنْ السَّاحِلِ لَا يَغْرَقُ مَنْ فِيهَا غَالِبًا، فَغَرِقُوا، (عَمِلَ بِذَلِكَ، وَيَقْتُلُ) فِي صُورَةِ الْعَمْدِ (بِكَوْنِهِمْ فِي اللُّجَّةِ أَوْ) الْحَالُ أَنَّهُمْ (لَا يُحْسِنُونَ السِّبَاحَةَ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي اللُّجَّةِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا ضَمَانُ السَّفِينَةِ لِرَبِّهَا، فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا إنْ تَلِفَتْ وَأَرْشَ نَقْصِهَا إنْ لَمْ تَتْلَفْ بِمَا فِيهَا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ، وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 وَالْخَطَأِ لَا قِصَاصَ فِيهِمَا، لَكِنْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ فِي الضَّمَانِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْجِنَايَاتِ، وَالْكَفَّارَةِ فِي مَالِهِ. (وَ) السَّفِينَةُ (الْمُشْرِفَةُ عَلَى غَرَقٍ يَجِبُ إلْقَاءُ مَا يُظَنُّ بِهِ) - أَيْ: بِإِلْقَائِهِ (نَجَاةٌ) مِنْ الْغَرَقِ، فَإِنْ تَقَاعَدُوا عَنْ إلْقَاءِ الْأَمْتِعَةِ - وَلَوْ كُلُّهَا - أَثِمُوا، وَلَا ضَمَانَ (غَيْرَ الدَّوَابِّ) فَلَا تُلْقَى لِحُرْمَتِهَا، (مَا لَمْ تُلْجِئْ ضَرُورَةٌ لِإِلْقَائِهَا) - أَيْ: الدَّوَابِّ - فَتُلْقَى لِنَجَاةِ الْآدَمِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ آكَدُ حُرْمَةً، وَالْعَبِيدُ فِي ذَلِكَ كَالْأَحْرَارِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْقَاءُ الْآدَمِيِّينَ بِحَالٍ (فَإِنْ أَلْجَأَتْ) ضَرُورَةٌ (لِإِلْقَاءِ بَعْضِهِمْ) لِنَجَاةِ الْبَاقِي؛ (لَمْ يَجُزْ) [الْإِلْقَاءُ، وَلَوْ أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، إذْ فِيهِ إلْقَاءُ حَيٍّ] يَقْصِدُ مُلْقِيهِ اسْتِبْقَاءَ نَفْسِهِ بِإِتْلَافِ غَيْرِهِ، فَمُنِعَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَالْمُرْتَدِّ وَالزِّنْدِيقِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، فَيَجُوزُ إلْقَاؤُهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ أَلْقَى مَتَاعَهُ وَمَتَاعَ غَيْرِهِ) مَعَ عَدَمِ امْتِنَاعِهِ؛ (لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ (إلَّا إذَا امْتَنَعَ) إنْسَانٌ مِنْ إلْقَاءِ مَتَاعِهِ؛ فَلِغَيْرِهِ أَنْ (يُلْقِيَهُ) مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ؛ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ. (وَيَضْمَنُ) الْمَتَاعَ الْمُلْقَى مَعَ امْتِنَاعِ رَبِّهِ الْمُلْقَى لَهُ؛ لِإِتْلَافِهِ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ. (وَلَا يَضْمَنُ مَنْ قَتَلَ) حَيَوَانًا (صَائِلًا) - أَيْ: وَاثِبًا - (عَلَيْهِ، وَلَوْ) كَانَ الصَّائِلُ (آدَمِيًّا) ، كَبِيرًا كَانَ أَوْ (صَغِيرًا) ، عَاقِلًا أَوْ (مَجْنُونًا) ، حُرًّا أَوْ عَبْدًا؛ (دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ) - أَيْ: الْقَاتِلِ - إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ، فَكَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَهُ لِيَأْكُلَهُ فِي الْمَخْمَصَةِ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ؛ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ غَيْرِهِ؛ فَيَضْمَنُهُ أَيْضًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (أَوْ) قَتَلَ (خِنْزِيرًا) لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الْقَتْلِ؛ أَشْبَهَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَكَذَا كُلُّ حَيَوَانٍ أُبِيحَ قَتْلُهُ (أَوْ أَتْلَفَ بِنَحْوِ خَرْقٍ [كَكَسْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 آلَةِ لَهْوٍ] وَلَوْ) كَانَتْ [ (مَعَ صَغِيرٍ) حَالَ إتْلَافِهِ لَهَا، أَوْ أَتْلَفَ] (نَحْوَ مِزْمَارٍ) كَرَبَابٍ (أَوْ طُنْبُورٍ أَوْ عُودٍ أَوْ طَبْلٍ أَوْ دُفٍّ بِصُنُوجٍ أَوْ حِلَقٍ) ، بِخِلَافِ دُفٍّ لَا حِلَقَ فِيهِ وَلَا صُنُوجَ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ (أَوْ نَرْدٍ أَوْ شِطْرَنْجٍ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الشِّطْرَنْجَ مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": بَلْ هِيَ مِنْ أَعْظَمِهَا، وَقَدْ عَمَّ الْبَلَاءُ بِهَا. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ هَذَا) الْإِتْلَافَ مُغْتَفَرٌ (مِنْ حَيْثُ عَدَمِ الضَّمَانِ) عَلَى مُتْلِفِهِ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مُنْكَرًا بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِ، (وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّحْرِيمِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إتْلَافُ مَا) - أَيْ: شَيْءٍ - (فِي يَدِ مَنْ يَرَى فِي مَذْهَبِهِ حِلَّهُ) كَالشِّطْرَنْجِ إذَا وَجَدَهُ فِي يَدِ شَافِعِيٍّ؛ فَلَا يُبَاحُ لَهُ إتْلَافُهُ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَرَى إبَاحَةَ اسْتِعْمَالِهِ، مَا لَمْ يُلْهِهِ عَنْ الْوَاجِبَاتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُ (صَلِيبٍ أَوْ وَثَنٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مُحَرَّمَانِ، فَأَشْبَهَا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمَيْتَةَ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ مَنْ (كَسَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ) ، وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِوَزْنِهِ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا بِلَا صِنَاعَةٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: [لَا خِلَافَ] فِيهِ انْتَهَى. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آلَةِ اللَّهْوِ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا يَتَّبِعَانِ الصِّفَةَ، بَلْ هُمَا مَقْصُودَانِ عَمَلًا أَوْ كَسْرًا، وَالْخَشَبُ وَالرَّقُّ يَصِيرَانِ تَابِعَيْنِ لِلصِّنَاعَةِ، فَالصِّنَاعَةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَالْغِنَاءِ فِي الْآدَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ أَقَلُّ مِنْ الْأَصْلِ، وَالْخَشَبُ وَالرَّقُّ لَا يَبْقَى مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، بَلْ يَتَّبِعُ الصُّورَةَ أَشَارَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 إلَيْهِ ابْنُ عَقِيلٍ. أَوْ كَسَرَ أَوْ شَقَّ إنَاءً (فِيهِ خَمْرٌ مَأْمُورٌ بِإِرَاقَتِهَا) وَهِيَ مَا عَدَا خَمْرَ الْخَلَّالِ أَوْ خَمْرَ الذِّمِّيِّ الْمُسْتَتِرَةِ (وَلَوْ قَدَرَ عَلَى إرَاقَتِهَا [بِدُونِهِ] ) - أَيْ: بِدُونِ كَسْرِ الْإِنَاءِ أَوْ شَقِّهِ - أَوْ لَا؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِكَسْرِ دِنَانِهَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، «وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ أَمَرَنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ آتِيَهُ بِمُدْيَةٍ، فَأَتَيْته، فَأَرْسَلَ بِهَا فَأُرْهِفَتْ ثُمَّ أَعْطَانِيهَا، ثُمَّ قَالَ: اُغْدُ عَلَيَّ بِهَا، فَخَرَجَ بِأَصْحَابِهِ إلَى أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، وَفِيهَا زِقَاقُ الْخَمْرِ، وَقَدْ جُلِبَتْ مِنْ الشَّامِ، فَأَخَذَ الْمُدْيَةَ مِنِّي، فَشَقَّ مَا كَانَ مِنْ تِلْكَ الزِّقَاقِ بِحَضْرَتِهِ، ثُمَّ أَعْطَانِيهَا، وَأَمَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَنْ يَمْضُوا مَعِي، وَيُعَاوِنُونِي أَنْ آتِيَ الْأَسْوَاقَ كُلَّهَا فَلَا أَجِدُ فِيهَا زِقَّ خَمْرٍ إلَّا شَقَقْتُهُ، فَفَعَلْت، فَلَمْ أَتْرُكْ زِقًّا إلَّا شَقَقْتُهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَلَوْ لَمْ يَجُزْ إتْلَافُهَا لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَسْرِ الدِّنَانِ وَلَا شَقِّ الزِّقَاقِ، وَقَوْلُهُ فَأُرْهِفَتْ؛ أَيْ: رُقِّقَتْ. يُقَالُ: أَرْهَفَ سَيْفَهُ رَقَّقَهُ، فَهُوَ مَرْهُوفٌ. أَوْ كَسَرَ (حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى ذَكَرٍ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ) ؛ أَيْ: لَمْ يَضَعْهُ مَالِكُهُ (يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ كَلِجَامٍ) وَسَرْجٍ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ، وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مُحَرَّمَ الصِّنَاعَةِ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا، وَتُلْقَى صِنَاعَتُهُ. قَالَ فِي " الْآدَابِ الْكُبْرَى ": وَلَا يَجُوزُ تَخْرِيقُ الثِّيَابِ الَّتِي عَلَيْهَا الصُّوَرُ وَلَا الرُّقُومُ الَّتِي تَصْلُحُ بُسُطًا وَمَضَارِجَ وَتُدَاسُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَسْرُ (مَا) - أَيْ: حُلِيٍّ - (صَلُحَ لَهُنَّ) - أَيْ: لِلنِّسَاءِ - (كَخَوَاتِمِ ذَهَبٍ) فَإِنْ كَسَرَهَا؛ فَإِنَّهُ (يَضْمَنُ) قِيمَتَهَا. وَيَتَّجِهُ (أَنَّ اللُّبْسَ) الصَّالِحَ لِلنِّسَاءِ كَالْأَرْدِيَةِ الْمَنْسُوجَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْقَصَبِ (كَذَلِكَ) يَضْمَنُهَا مُتْلِفُهَا بِتَشْقِيقٍ أَوْ تَخْرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَأَمَّا إتْلَافُ (نَحْوِ عِمَامَةٍ حَرِيرٍ) مُخْتَصَّةٍ بِالرِّجَالِ؛ فَإِنَّهَا (لَا تُضْمَنُ) ؛ أَيْ: لَا يُضَمِّنُهَا - أَيْ: الْإِمَامُ - مُتْلِفَهَا؛ لِإِزَالَتِهِ مُنْكَرًا، (وَيُؤَيِّدُهُ) - أَيْ: عَدَمُ ضَمَانِ مَا لَيْسَ بِصَالِحٍ لِلنِّسَاءِ - (نَصُّهُ) - أَيْ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ (عَلَى تَخْرِيقِ الثِّيَابِ السُّودِ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 الْمَنْهِيُّ عَنْهُ. وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. أَوْ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ مَنْ (أَتْلَفَ آلَةَ سِحْرٍ أَوْ) آلَةَ (تَعْزِيمٍ أَوْ) آلَةَ (تَنْجِيمٍ، أَوْ) أَتْلَفَ (صُوَرَ خَيَّالٍ، أَوْ) أَتْلَفَ (كُتُبَ مُبْتَدِعَةٍ مُضِلَّةٍ، أَوْ) أَتْلَفَ كُتُبًا مُشْتَمِلَةً عَلَى (كُفْرٍ، أَوْ) أَتْلَفَ كُتُبَ (أَكَاذِيبَ أَوْ سخائف لِأَهْلِ الْخَلَاعَةِ) أَوْ الْبَطَالَةِ، أَوْ أَتْلَفَ كُتُبًا (فِيهَا أَحَادِيثُ رَدِيئَةٌ) - أَيْ: مَوْضُوعَةٌ - وَلَوْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ كِتَابٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي " الْفُنُونِ ": يَجُوزُ إعْدَامُ الْآيَةِ مِنْ كُتُبِ الْمُبْتَدِعَةِ لِأَجْلِ مَا هِيَ فِيهِ، وَإِهَانَةً لِمَا وُضِعَتْ لَهُ، وَلَوْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهَا، (أَوْ خَرَقَ مَخْزَنَ خَمْرٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ، أَشْبَهَ الْكَلْبَ وَالْمَيْتَةَ، وَلِأَنَّ مَخْزَنَ الْخَمْرِ مِنْ أَمَاكِنِ الْمَعَاصِي، وَإِتْلَافُهَا جَائِزٌ. (وَ) قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ (فِي) كِتَابِ (الْهَدْيِ: يَجُوزُ تَخْرِيقُ أَمَاكِنِ الْمَعَاصِي وَهَدْمُهَا، وَاسْتَدَلَّ) عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِتَحْرِيقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَسْجِدَ الضِّرَارِ) وَأَمْرِهِ بِهَدْمِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُتْلِفِ لِمَا تَقَدَّمَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، كُلٌّ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ. (فَرْعٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ) (لِلْمَظْلُومِ) الِاسْتِعَانَةُ بِمَخْلُوقٍ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ، فَاسْتِعَانَتُهُ بِخَالِقِهِ أَوْلَى مِنْ اسْتِعَانَتِهِ بِالْمَخْلُوقِ، (وَلَهُ الدُّعَاءُ عَلَى ظَالِمِهِ بِقَدْرِ مَا يُوجِبُهُ أَلَمُ ظُلْمِهِ) ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الدُّعَاءُ (عَلَى مَنْ شَتَمَهُ) أَوْ أَخَذَ مَالَهُ بِالْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ مَا يُوجِبُهُ أَلَمُ الظُّلْمِ (وَلَوْ كَذَبَ) ظَالِمٌ (عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى إنْسَانٍ - (لَمْ يَفْتَرِ عَلَيْهِ، بَلْ يَدْعُوَ) اللَّهَ فِيمَنْ يَفْتَرِي عَلَيْهِ (نَظِيرَهُ، وَكَذَا إنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 أَفْسَدَ عَلَيْهِ دِينَهُ) فَلَا يُفْسِدُ هُوَ عَلَيْهِ دِينَهُ، بَلْ يَدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِ فِيمَنْ يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ. هَذَا مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ، وَالتَّوَرُّعُ عَنْهُ أَوْلَى (قَالَ أَحْمَدُ: الدُّعَاءُ قِصَاصٌ، وَمَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَمَا صَبَرَ، يُرِيدُ أَنَّهُ انْتَصَرَ) لِنَفْسِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدْ انْتَصَرَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ. {وَلَمَنْ صَبَرَ} [الشورى: 43] فَلَمْ يَنْتَصِرْ {وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ} [الشورى: 43] الصَّبْرَ وَالتَّجَاوُزَ {لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى: 43] : مَعْزُومَاتِهَا بِمَعْنَى الْمَطْلُوبِ شَرْعًا. [تَتِمَّةٌ إذَا غَصَبَ أَرْضًا فَحُكْمُهَا فِي جَوَازِ دُخُولِ غَيْرِهِ إلَيْهَا حُكْمُهَا قَبْلَ الْغَصْبِ] ِ، فَإِنْ كَانَتْ مَحُوطَةً كَالدَّارِ وَالْبُسْتَانِ الْمَحُوطِ عَلَيْهِ؛ لَمْ يَجُزْ دُخُولُهَا لِغَيْرِ مَالِكِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي الضَّيْعَةِ تَصِيرُ غَيْضَةً فِيهَا سَمَكٌ: لَا يَصِيدُ فِيهَا أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ صَحْرَاءَ جَازَ الدُّخُولُ فِيهَا وَرَعْيُ حَشِيشِهَا. قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِرَعْيِ الْكَلَأِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَذَلِكَ، أَنَّ الْكَلَأَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، وَيَتَخَرَّجُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصُّورَتَيْنِ مِثْلُ حُكْمِ الْأُخْرَى قِيَاسًا لَهَا عَلَيْهَا، وَنُقِلَ عَنْ الْمَرُّوذِيِّ فِي دَارٍ طَوَابِيقُهَا غَصْبٌ لَا يَدْخُلُ عَلَى وَالِدَيْهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ عَلَيْهِمَا تَصَرُّفٌ فِي الطَّوَابِيقِ الْمَغْصُوبَةِ، وَنَقَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ فِي رَجُلٍ لَهُ إخْوَةٌ فِي أَرْضِ غَصْبٍ: يَزُورُهُمْ، وَيُرَاوِدُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ، فَإِنْ أَجَابُوهُ، وَإِلَّا لَمْ يُقِمْ مَعَهُمْ، وَلَا يَدَعُ زِيَارَتَهُمْ، يَعْنِي يَزُورُهُمْ يَأْتِي بَابَ دَارِهِمْ، وَيَتَعَرَّفُ أَخْبَارَهُمْ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، وَيُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَدْخُلُ إلَيْهِمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 [بَابُ الشُّفْعَةِ] ِ - بِإِسْكَانِ الْفَاءِ - مِنْ الشَّفَاعَةِ - أَيْ: الزِّيَادَةِ أَوْ التَّقْوِيَةِ - أَوْ مِنْ الشَّفْعِ، وَهُوَ أَحْسَنُهَا؛ فَإِنَّ الشَّفِيعَ هُوَ الزَّوْجُ، وَالشَّفِيعُ كَانَ نَصِيبُهُ مُنْفَرِدًا فِي مِلْكِهِ؛ فَبِالشُّفْعَةِ ضَمَّ الْمَبِيعَ إلَى مِلْكِهِ، فَصَارَ شَفْعًا، وَالشَّافِعُ هُوَ جَاعِلُ الْوِتْرِ شَفْعًا، وَالشَّفِيعُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. أَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُقَاسِمْ فِيمَا بِيعَ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ أَوْ حَائِطٍ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَرَادَ بَيْعَ نَصِيبِهِ، وَيُمْكِنُ مِنْ بَيْعِهِ لِشَرِيكِهِ وَتَخْلِيصِهِ مِمَّا كَانَ بِصَدَدِهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْخَلَاصِ وَالِاسْتِخْلَاصِ، فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ حُسْنُ الْعِشْرَةِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ لِيَصِلَ إلَى غَرَضِهِ مِنْ بَيْعِ نَصِيبِهِ وَتَخْلِيصٍ لِشَرِيكِهِ مِنْ الضَّرَرِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَبَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ سَلَّطَ الشَّرْعُ الشَّرِيكَ عَلَى صَرْفِ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ. وَهِيَ فِي الشَّرْعِ (اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ) فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ - وَلَوْ مُكَاتَبًا - (انْتِزَاعَ شِقْصِ شَرِيكِهِ) الْمُنْتَقِلِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ. وَالشِّقْصُ بِكَسْرِ الشِّينِ النَّصِيبُ (مِنْ) يَدِ (مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ) ؛ كَالْمُنْتَقِلِ بِالْبَيْعِ الصَّرِيحِ أَوْ بِمَا فِي حُكْمِهِ؛ كَصُلْحٍ بِمَعْنَى بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بِشَرْطِ الثَّوَابِ (إنْ كَانَ) الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ (مِثْلَهُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 أَيْ: الشَّفِيعُ - فِي الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ (أَوْ دُونَهُ) - أَيْ: الشَّرِيكُ - بِأَنْ كَانَ الشَّرِيكُ مُسْلِمًا وَالْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ الشِّقْصَ كَافِرًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الْمَوْرُوثِ وَالْمُوصَى بِهِ وَالْمَوْهُوبِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا الْمَجْعُولِ مَهْرًا أَوْ عِوَضًا فِي خُلْعٍ وَنَحْوِهِ أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمِ عَمْدٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَوْرَدَ عَلَى قَيْدِ الشَّرِكَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ لَمَا حَسُنَ أَنْ يُقَالَ هَلْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ أَوْ لَا. انْتَهَى وَيُرَدُّ بِأَنَّ السُّؤَالَ لَا يَكُونُ مِمَّنْ عَرَفَ هَذَا الْحَدَّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْجَاهِلِ بِهِ، فَيُجَابُ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ لَا الْجَارِ. (وَلَا تَسْقُطُ) الشُّفْعَةُ (بِاحْتِيَالٍ) عَلَى إسْقَاطِهَا، (وَيَحْرُمُ) الِاحْتِيَالُ عَلَى إسْقَاطِهَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الْحِيَلِ فِي إبْطَالِهَا وَلَا إبْطَالِ حَقٍّ مُسَلَّمٍ لَهُ. وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ الْمُخَادِعِينَ بِقَوْلِهِ: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 9] ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَنْ يَخْدَعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ. وَمَعْنَى الْحِيلَةِ أَنْ يُظْهِرُوا فِي الْبَيْعِ شَيْئًا لَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ مَعَهُ، وَيَتَوَاطَئُوا فِي الْبَاطِنِ عَلَى خِلَافِهِ؛ كَإِظْهَارِ (هِبَةِ شِقْصٍ) مَشْفُوعٍ (لِمُشْتَرٍ، وَ) إظْهَارِ هِبَةِ (ثَمَنٍ) مِنْ مُشْتَرٍ (لِبَائِعٍ) بَعْدَ أَنْ تَوَاطَأَ عَلَى ذَلِكَ، (أَوْ إظْهَارِ ثَمَنٍ كَثِيرٍ وَهُوَ قَلِيلٌ) مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ يَقْتَضِيهِ عَنْهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، أَوْ يَشْرِيهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَيَقْتَضِيهِ عَنْهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ يَشْتَرِي الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يَبِيعُهُ الشِّقْصَ بِالْأَلْفِ، أَوْ يَشْتَرِي شِقْصًا بِأَلْفٍ يَدْفَعُ مِنْهَا مِائَةً، (وَيُبْرِئُهُ) الْبَائِعُ (مِنْ الْبَاقِي) وَهِيَ تِسْعُمِائَةٍ، أَوْ يَشْتَرِي جُزْءًا مِنْ الشِّقْصِ بِمِائَةٍ، ثُمَّ يَهَبُ لَهُ الْبَائِعُ بَاقِيَهُ، (أَوْ) يُعْقَدُ الْبَيْعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الْمِقْدَارِ كَأَنْ (يَبِيعَهُ) الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ (بِصُبْرَةٍ يُجْهَلُ قَدْرُهَا) أَوْ حَفْنَةِ قُرَاضَةٍ أَوْ جَوْهَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلُؤْلُؤَةٍ وَأَشْبَاهِ هَذَا، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَحَيُّلٍ سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ تَحَيُّلًا [بِهِ] عَلَى إسْقَاطِهَا لَمْ تَسْقُطْ. (وَيُؤْخَذُ شِقْصٌ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا إذَا ظَهَرَ التَّوَاهُبُ (بِمِثْلِ ثَمَنٍ وُهِبَ) لِلْبَائِعِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، (أَوْ) - أَيْ: فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ - وَهِيَ مَا إذَا كَانَ قِيمَةُ الشِّقْصِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَأَظْهَرَا أَنْ الثَّمَنَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، يُؤْخَذُ شِقْصٌ بِمِثْلِ ثَمَنٍ (عُقِدَ بَاطِنًا) ، وَهُوَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى الشِّقْصَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَقَضَاهُ عَنْهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ؛ يُؤْخَذُ مِائَةُ دِرْهَمٍ دُونَ الْمِائَةِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ، وَفِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ بِأَلْفٍ؛ يُؤْخَذُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ قِيمَتُهَا ذَهَبًا؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ دُونَ الْأَلْفِ، وَفِي الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى شِقْصًا بِأَلْفٍ فَدَفَعَ مِنْهَا مِائَةً، وَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ مِنْ تِسْعِمِائَةٍ؛ يُؤْخَذُ مِنْهُ مِائَةٌ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ أَخَذَ) - أَيْ: الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ - لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ لَيْسَ مَقْصُودًا حَقِيقَةً، وَفِي الصُّورَةِ السَّادِسَةِ، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى جُزْءًا مِنْ الشِّقْصِ بِمِائَةٍ، ثُمَّ وَهَبَ لَهُ الْبَائِعُ بَقِيَّةَ الشِّقْصِ؛ يُؤْخَذُ أَيْضًا مِائَةٌ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ بَقِيَّةَ الشِّقْصِ عِوَضًا عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْجُزْءَ، وَفِي الصُّورَةِ السَّابِعَةِ، وَهِيَ مَا إذَا بَاعَهُ الشِّقْصَ بِصُبْرَةِ دَرَاهِمَ مُشَاهَدَةٌ مَجْهُولٌ قَدْرُهَا حِيلَةً، أَوْ بِحَفْنَةِ قُرَاضَةٍ، أَوْ جَوْهَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَنَحْوِهَا مَجْهُولَةُ الْقِيمَةِ حِيلَةً، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَمَعَ جَهْلِ ثَمَنِ شِقْصٍ) ؛ فَيُؤْخَذُ مِثْلُ الثَّمَنِ الْمَجْهُولِ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ (بِقِيمَتِهِ) إذَا كَانَ جَوْهَرَةً وَنَحْوَهَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا، وَلَوْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ مَعَ الْحِيلَةِ بِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَوْ مَوْتِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ الْمَجْعُولِ ثَمَنًا؛ دَفَعَ الشَّفِيعُ إلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ، لِأَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَكَانَتْ مُحَابَاةً، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا. قَالَ فِي " الْفَائِقِ ": وَمِنْ صُوَرِ التَّحَيُّلِ أَنْ يَقِفَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يَهَبَهُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِهَا؛ فَلَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَيُغَلِّطُ مَنْ يَحْكُمُ بِهَا مِمَّنْ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ أَحْمَدَ، وَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِدُونِ حُكْمٍ انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: هَذَا الْأَظْهَرُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ عِلْمُ قَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ فِي ذَلِكَ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ؛ بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أَعْلَمُ قَدْرَ الثَّمَنِ - وَلَا بَيِّنَةَ بِهِ - فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ الثَّمَنِ (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ حِيلَةٍ) عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. (وَتَسْقُطُ) الشُّفْعَةُ حَيْثُ جَهِلَ قَدْرَ الثَّمَنِ بِلَا حِيلَةٍ؛ كَمَا لَوْ عَلِمَ قَدْرَهُ عِنْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ نَسِيَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالًا يَدَّعِيهِ، وَدَعْوَاهُ لَا تُمْكِنُ مَعَ جَهْلِهِ. وَإِنْ خَالَفَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ، وَأَظْهَرَا خِلَافَهُ؛ كَمَا تَوَاطَآ عَلَى أَنْ الثَّمَنَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَأَظْهَرَا أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَطَالَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِمَا أَظْهَرَاهُ - وَهُوَ الْأَلْفُ فِي الْمِثَالِ - فَإِنَّهُ (يَلْزَمُ) الْمُشْتَرِيَ دَفْعُ (مَا أَظْهَرَ) الْمُتَبَايِعَانِ - وَهُوَ الْأَلْفُ (حُكْمًا) - لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّوَاطُؤِ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِالتَّوَاطُؤِ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَاطَأْ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ. (وَيَحْرُمُ بَاطِنًا عَلَى غَارٍّ الْأَخْذُ) مِنْ الْمُشْتَرِي (بِغَيْرِ مَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ) ؛ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ زِيَادَةً؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ. تَتِمَّةٌ: قَدْ مَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ قِرَدَةً بِحِيَلِهِمْ، فَإِنَّهُمْ رُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْصِبُونَ شِبَاكَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْفِرُ جِبَابًا، وَيُرْسِلُ إلَيْهَا الْمَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا جَاءَتْ الْحِيتَانُ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَعَتْ فِي الشِّبَاكِ وَالْجِبَابِ، فَيَدَعُونَهَا إلَى لَيْلَةِ الْأَحَدِ، فَيَأْخُذُونَهَا، وَيَقُولُونَ: مَا اصْطَدْنَا يَوْمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 السَّبْتِ شَيْئًا، فَمَسَخَهُمْ اللَّهُ قِرَدَةً بِحِيلَتِهِمْ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 66] قِيلَ يَعْنِي بِهِ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أَيْ: لِيَتَّعِظُوا بِذَلِكَ، فَيَجْتَنِبُوا فِعْلَ الْمُعْتَدِينَ، وَلِأَنَّ الْحِيلَةَ خَدِيعَةٌ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحِلُّ الْخَدِيعَةُ لِمُسْلِمٍ» وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ وُضِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَلَوْ سَقَطَتْ بِالتَّحَيُّلِ لَلَحِقَ الضَّرَرُ؛ فَلَمْ تَسْقُطْ كَمَا لَوْ أَسْقَطَهَا الْمُشْتَرِي عَنْهُ بِالْوَقْفِ وَالْبَيْعِ، وَفَارَقَ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّحَيُّلَ؛ لِأَنَّهُ لَا خِدَاعَ فِيهِ وَلَا قَصَدَ بِهِ إبْطَالَ حَقٍّ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. [شُرُوطُ الشُّفْعَةِ] (وَشُرُوطُهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةِ - (خَمْسَةٌ) . (أَحَدُهَا كَوْنُ شِقْصٍ) مُنْتَقَلٍ عَنْ الشَّرِيكِ (مَبِيعًا أَوْ) كَوْنُهُ (صُلْحًا) عَنْ إقْرَارٍ بِمَالٍ، وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، فَيُصَالِحُهُ عَنْ ذَلِكَ بِالشِّقْصِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، أَوْ يَكُونُ الشِّقْصُ مُصَالَحًا بِهِ عَنْ جِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ؛ كَقَتْلِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَأَرْشِ الْجَائِفَةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ كَوْنُهُ (هِبَةً) مَشْرُوطًا فِيهَا الثَّوَابُ، فَإِنَّهَا (بِمَعْنَى الْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي انْتَقَلَ بِهِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَلَا يُمْكِنُ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ، وَأُلْحِقَ بِالْبَيْعِ الْمَذْكُورَاتُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، لَكِنْ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ. (فَلَا شُفْعَةَ) فِيمَا انْتَقَلَ عَنْ مِلْكِ الشَّرِيكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ (كَقِسْمَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا إفْرَازٌ وَتَرَاضٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ ثَبَتَتْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَثَبَتَ مَالُهُ عَلَيْهِ، فَلَا فَائِدَةَ (وَهِبَةٍ) بِغَيْرِ عِوَضٍ وَمُوصٍ بِهِ وَمُوَرَّثٍ وَنَحْوِهِ؛ كَدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِطَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ بِأَنْ أَصَدَقَتْ امْرَأَةٌ أَرْضًا، وَبَاعَتْ نِصْفَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ النِّصْفُ الْبَاقِي فِي مِلْكِهَا، وَلَا شُفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْمَرْأَةِ عَلَيْهِ. (وَلَا) شُفْعَةَ أَيْضًا (فِيمَا عِوَضُهُ غَيْرُ مَالٍ؛ كَصَدَاقٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ) أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ؛ كَقَوْلِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، وَخُذْ هَذَا الشِّقْصَ، وَعِوَضِ (صُلْحٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 عَنْ قَوَدٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ عِوَضٌ يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْمَوْهُوبَ وَالْمَوْرُوثَ، وَفَارَقَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِعِوَضِهِ، فَلَوْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ عَمْدًا وَخَطَأً، فَصَالَحَهُ مِنْهُمَا عَلَى شِقْصٍ؛ أُخِذَ بِهَا فِي نِصْفِ الشِّقْصِ؛ أَيْ: مَا يُقَابِلُ الْخَطَأَ دُونَ بَاقِيهِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ جَمَعَتْ مَا فِيهِ شُفْعَةٌ وَمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ، فَوَجَبَتْ بِهَا فِيمَا تَجِبُ فِيهِ دُونَ الْآخَرِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا. وَمَنْ قَالَ لِأُمِّ وَلَدِهِ: إنْ خَدَمْت وَلَدِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَ، فَلَكَ هَذَا الشِّقْصُ، فَخَدَمَتْهُ إلَى الْفِطَامِ اسْتَحَقَّتْهُ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُوصًى بِهِ بِشَرْطٍ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا شُفْعَةَ أَيْضًا فِي شِقْصٍ (أُخِذَ) مِنْ شَرِيكٍ (أُجْرَةً) أَوْ جَعَالَةً (أَوْ ثَمَنَ سَلَمٍ) إنْ صَحَّ جَعْلُ الْعَقَارِ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ، وَقَرَّرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، (أَوْ عِوَضَ كِتَابَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِوَضِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ، وَلَا بِقِيمَةِ مُقَابِلِهِ مِنْ النَّفْعِ وَالْعَيْنِ، وَأَيْضًا الْخَبَرُ وَارِدٌ فِي الْبَيْعِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَارِدَةٌ فِي مَعْنَاهُ، خِلَافًا لِلْحَارِثِيِّ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَمِثْلُ مَا عِوَضُهُ غَيْرُ مَالِ شِقْصٍ (اشْتَرَاهُ بِنَحْوِ خَمْرٍ) كَجُلُودِ مَيْتَةٍ وَسِرْجِينٍ نَجِسٍ (أَوْ خِنْزِيرٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ كَرَدِّ شِقْصٍ مَشْفُوعٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ (عَلَى بَائِعٍ بِفَسْخٍ) أَوْ عَيْبٍ أَوْ مُقَايَلَةٍ أَوْ لِغَبْنٍ [فَاحِشٍ] أَوْ لِاخْتِلَافِ مُتَبَايِعَيْنِ فِي الثَّمَنِ أَوْ خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ تَدْلِيسٍ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ، وَلَيْسَ بَيْعًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَلَا شُفْعَةَ (فِيمَا) - أَيْ: شِقْصٍ - (لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) كَأَرَاضِي (مِصْرَ) وَأَرَاضِي (الشَّامِ) وَأَرَاضِي الْعِرَاقِ (وَسَائِرِ مَا وَقَفَهُ عُمَرُ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سِوَى الْمَسَاكِنِ مِنْهَا؛ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا (إلَّا إنْ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ حَاكِمٌ) يَرَاهُ، (أَوْ) إلَّا إذَا (بَاعَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فَتَثْبُتُ) الشُّفْعَةُ حِينَئِذٍ؛ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ. الشَّرْطُ (الثَّانِي كَوْنُهُ) - أَيْ: الشِّقْصِ - (مُشَاعًا) مَعَ شَرِيكٍ - وَلَوْ مُكَاتَبًا - (مِنْ عَقَارٍ) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - يَعْنِي أَرْضًا (يَنْقَسِمُ) ؛ أَيْ: تَجِبُ قِسْمَتُهُ بِطَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ (إجْبَارًا) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 يُقْسَمْ، فَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا نَفَى الشُّفْعَةَ بِصَرْفِ الطُّرُقَاتِ، وَهِيَ لِلْجَارِ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ أُجِيبَ بِأَنَّ الطُّرُقَاتِ الَّتِي لَمْ تَنْصَرِفْ بِالْقِسْمَةِ مُخْتَصَّةٌ بِاسْتِطْرَاقِ الْمُشَاعِ الَّذِي يَسْتَطْرِقُ بِهِ الشَّرِيكُ لِيَصِلَ إلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ انْصَرَفَ اسْتِطْرَاقُهُ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الطُّرُقَاتِ الْمُسْتَحَقَّةِ؛ فَلَا تَنْصَرِفُ أَبَدًا. (فَلَا شُفْعَةَ لِجَارٍ فِي مَقْسُومٍ مَحْدُودٍ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ مَرْفُوعًا: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ الصَّقَبَ الْقُرْبُ، يُقَالُ بِالسِّينِ وَالصَّادِ. قَالَ الشَّاعِرُ: كُوفِيَّةٌ نَازِحٌ مَحَلَّتُهَا ... لَا أَمَمَ دَارُهَا وَلَا صَقَبُ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِإِحْسَانِ جَارِهِ وَصِلَتِهِ وَعِيَادَتِهِ، وَحَدِيثُ: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَحَدِيثُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا إذَا كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. فَقَدْ أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَبْهَمَ الْحَقَّ [، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْعُمُومِ. وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ] بِالْفِنَاءِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَارِ مِمَّنْ لَيْسَ بِجَارٍ، أَوْ يَكُونُ مُرْتَفِقًا بِهِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْحَسَنَ رَوَاهُ عَنْ سَمُرَةَ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ اخْتَلَفُوا فِي لِقَاءِ الْحَسَنِ لَهُ، وَمَنْ أَثْبُت لِقَاءَهُ إيَّاهُ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا حَدِيثَ الْعَقَبَةِ، وَلَوْ سَلِمَ لَكَانَ عَنْهُ [الْجَوَابَانِ] الْمَذْكُورَانِ، وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ شُعْبَةَ قَالَ: سَهَا فِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ الَّذِي الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَتِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِ فِي الْأَحَادِيثِ الشَّرِيكُ؛ فَإِنَّهُ جَارٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِوَارِ يَخْتَصُّ بِالْقَرِيبِ، وَالشَّرِيكُ أَقْرَبُ مِنْ اللَّصِيقِ، فَكَانَ أَحَقَّ بِاسْمِ الْجِوَارِ، وَقَدْ أَطْلَقَتْ الْعَرَبُ عَلَى الزَّوْجَةِ جَارَةً لِقُرْبِهَا. قَالَ الْأَعْشَى: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 أَجَارَتَنَا بِينِي فَإِنَّك طَالِقٌ وَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ: كُنْت بَيْنَ جَارَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ، فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا. فَأَطْلَقَ الْجَارَتَيْنِ وَأَرَادَ بِهِمَا الضَّرَّتَيْنِ، وَهَذَا مُمْكِنٌ فِي تَأْوِيلِ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ أَيْضًا. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " (وَلَا) شُفْعَةَ (فِي طَرِيقٍ) نَافِذٍ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلَا شُفْعَةَ فِي فِنَاءٍ وَلَا طَرِيقٍ مُثَقَّبَةٍ» . رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ. وَالْمُثَقَّبَةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ دَارَيْنِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْلُكَهُ أَحَدٌ. وَلَا شُفْعَةَ فِي طَرِيقٍ (مُشْتَرَكٍ لَا يَنْفُذُ بِبَيْعِ دَارٍ فِيهِ) - أَيْ: فِي الطَّرِيقِ - بِأَنْ كَانَ غَيْرَ نَافِذٍ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ فِيهِ بَابٌ، فَبَاعَ أَحَدُهُمْ دَارِهِ الَّتِي فِيهِ بِطَرِيقِهَا، أَوْ بَاعَ الطَّرِيقَ وَحْدَهُ، وَكَانَ الطَّرِيقُ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ [فَلَا شُفْعَةَ] . (وَلَوْ كَانَ نَصِيبُ مُشْتَرٍ) لِلدَّارِ بِطَرِيقِهَا أَوْ لِطَرِيقِهَا (مِنْهَا) - أَيْ: مِنْ الطَّرِيقِ - (أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ) فِي الِاسْتِطْرَاقِ؛ إذْ فِي وُجُوبِهَا تَبْعِيضُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ ضَرَرٌ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ (حَيْثُ لَا بَابَ آخَرَ) لِلدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ سِوَى ذَلِكَ الْبَابِ، (وَلَمْ يُمْكِنْ فَتْحُ بَابٍ لَهَا) - أَيْ: الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ -[سِوَى ذَلِكَ الْبَابِ وَلَمْ يُمْكِنْ فَتْحُ بَابٍ لَهَا أَيْ الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ] (لِشَارِعٍ) نَافِذٍ؛ فَلَا شُفْعَةَ؛ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَلِحُصُولِ الضَّرَرِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِوُجُوبِهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَبْقَى لَا طَرِيقَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ لِسَعَتِهِ، وَلِدَارِ الْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آخَرُ إلَى شَارِعٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا طَرِيقٌ، لَكِنْ يُمْكِنُ فَتْحُ بَابٍ لَهَا إلَى شَارِعٍ؛ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِي الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ أَرْضٌ مُشْتَرَكَةٌ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَوَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَرَاضِيِ، (وَكَذَا) - أَيْ: كَالطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي لَا يَنْفُذُ - (دِهْلِيزٌ) - بِكَسْرِ الدَّالِ - (وَصَحْنُ دَارٍ) - أَيْ: وَسَطُهَا - (مُشْتَرَكَانِ) ، فَإِذَا بِيعَتْ دَارٌ لَهَا دِهْلِيزٌ مُشْتَرَكٌ، أَوْ بَيْتٌ بَابُهُ فِي صَحْنِ دَارٍ مُشْتَرَكٍ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِطْرَاقُ إلَى الْمَبِيعِ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الدِّهْلِيزِ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 الصَّحْنِ؛ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا؛ لِلضَّرَرِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ بَابٌ آخَرُ، أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ لَهُ إلَى شَارِعٍ؛ وَجَبَتْ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الْمَانِعِ. [تَتِمَّةٌ لَا شُفْعَةَ بِالشِّرْبِ] تَتِمَّةٌ: وَلَا شُفْعَةَ بِالشِّرْبِ - بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ - وَهُوَ النَّهْرُ أَوْ الْبِئْرُ أَوْ الْعَيْنُ يَسْقِي أَرْضَ هَذَا وَأَرْضَ هَذَا فَإِذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا أَرْضَهُ الْمُفْرَدَةَ؛ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِسَبَبِ حَقِّهِ مِنْ الشِّرْبِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ لَهُ أَرْضٌ تَشْرَبُ هِيَ وَأَرْضُ غَيْرِهِ مِنْ نَهْرٍ؛ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ مِنْ أَجْلِ الشِّرْبِ، إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ (وَلَا) شُفْعَةَ (فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ) بِالطَّلَبِ (كَحَمَّامٍ صَغِيرٍ وَبِئْرٍ وَطُرُقٍ) ضَيِّقَةٍ (وَعِرَاصٍ ضَيِّقَةٍ) وَرَحًى صَغِيرَةٍ وَعِضَادَةٍ؛ لِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدٍ السَّابِقِ، وَلِقَوْلِ عُثْمَانَ: لَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا نَخْلٍ، وَلِأَنَّ إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ بِهَذَا يَضُرُّ بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ فِي نَصِيبِهِ بِالْقِسْمَةِ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ الشَّفِيعِ، فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ فَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ، فَيُؤَدِّي إثْبَاتُهَا إلَى نَفْيِهَا، فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ قِسْمَةُ مَا ذُكِرَ كَالْحَمَّامِ الْكَبِيرِ الْوَاسِعِ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ حَمَّامَيْنِ بِحَيْثُ إذَا قُسِمَ لَا يَتَضَرَّرُ بِالْقِسْمَةِ، وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ حَمَّامًا، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ فِيهِ، وَكَذَا الْبِئْرُ وَالدُّورُ وَالْعَضَايِدِ مَتَى أَمْكَنَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَانِ كَالْبِئْرِ يُقْسَمُ بِئْرَيْنِ يَرْتَقِي الْمَاءُ مِنْهُمَا، أَوْ كَانَ مَعَ الْبِئْرِ بَيَاضُ أَرْضٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْبِئْرُ فِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِإِمْكَانِ الْقِسْمَةِ، وَهَكَذَا الرَّحَى إنْ كَانَ لَهُ حِصْنٌ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِحَيْثُ تَحْصُلُ الْحَجَرَانِ فِي أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ، أَوْ كَانَ فِيهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْجَارٍ دَائِرَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَجَرَيْنِ؛ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِأَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ إبْقَائِهَا رَحًى؛ لَمْ تَجِبْ. وَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ (فِيمَا لَيْسَ بِعَقَارٍ كَشَجَرٍ) مُفْرَدٍ (وَبِنَاءٍ مُفْرَدٍ) عَنْ أَرْضٍ، وَمِنْ هُنَا لَمْ يَرَ أَحْمَدُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ شُفْعَةً، وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَفَهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ كَأَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ إلَّا أَنْ يَبِيعَهَا حَاكِمٌ، أَوْ يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِمَصْلَحَةٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْعَقَارَ هُوَ الْأَرْضُ فَقَطْ، وَأَنَّ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ لَيْسَ بِعَقَارٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّهُمَا مِنْ الْعَقَارِ. فَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ الْعَقَارُ الْمَنْزِلُ وَالْأَرْضُ وَالضِّيَاعُ. وَعَنْ الزَّجَّاجِ: كُلُّ مَا لَهُ أَصْلٌ انْتَهَى. وَ (لَا) تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي (حَيَوَانٍ وَجَوْهَرٍ وَسَيْفٍ) وَسَفِينَةٍ وَزَرْعٍ وَثَمَرٍ وَكُلِّ مَنْقُولٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ أَرْضًا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ، وَيَدُومُ ضَرَرُهَا. (وَيُؤْخَذُ غِرَاسٌ وَبِنَاءٌ) بِالشُّفْعَةِ (تَبَعًا لِأَرْضٍ) ؛ «لِقَضَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مُشْتَرَكٍ لَمْ يُقْسَمْ رَبْعَةً أَوْ حَائِطًا» ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ، وَفِي النِّهَايَةِ: الرَّبْعُ الْمَنْزِلُ وَدَارُ الْإِقَامَةِ وَرَبْعُ مَحَلَّتِهِمْ، وَالرِّبَاعُ جَمْعُهُ، وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَرَادَتْ بَيْعَ رِبَاعِهَا - أَيْ: مَنَازِلِهَا - وَالْحَائِطُ الْبُسْتَانُ مِنْ النَّخْلِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَهُوَ الْجِدَارُ، وَجَمْعُهُ حَوَائِطُ. انْتَهَى، (وَكَذَا نَهْرٌ وَبِئْرٌ وَقَنَاةٌ وَدُولَابٌ) ، فَتُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، لَا مُفْرَدَةً وَ (لَا) يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ تَبَعًا وَلَا مُفْرَدًا (ثَمَرٌ) . قَالَ فِي " الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ (ظَهَرَ، وَ) لَا (زَرْعٌ) ظَهَرَ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: لَا تَبَعًا وَلَا مُفْرَدًا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ، فَلَا يَدْخُلَانِ بِالشُّفْعَةِ كَقُمَاشِ الدَّارِ، وَعَكْسُهُ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ، يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ الشُّفْعَةَ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، لَكِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لِلشَّفِيعِ سُلْطَانَ الْأَخْذِ بِغَيْرِ رِضَى الْمُشْتَرِي. فَائِدَةٌ: الْحُكْمُ فِي الْغِرَافِ وَالدُّولَابِ وَالنَّاعُورَةِ كَالْحُكْمِ فِي الْبِنَاءِ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، فَإِنْ بِيعَ الشَّجَرُ مَعَ أَرْضٍ فِيهَا شُفْعَةٌ وَأُخِذَ الشَّجَرُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِالشُّفْعَةِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ كَالطَّلْعِ غَيْرِ الْمُشَقَّقِ؛ دَخَلَ الثَّمَرُ فِي الْمَشْفُوعِ تَبَعًا لَهُ حَيْثُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 أَخَذَهُ الشَّفِيعُ قَبْلَ التَّشَقُّقِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ فِي الْبَيْعِ، فَتَبِعَ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فِي الْمَعْنَى، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ حَتَّى تَشَقَّقَ بَقِيَ الثَّمَرُ لِمُشْتَرٍ إلَى أَوَانِ أَخْذِهِ (وَإِنْ بَاعَ عُلُوًّا) مِنْ دَارٍ، وَكَانَ ذَلِكَ الْعُلُوُّ مُشْتَرَكًا وَالسَّقْفُ الَّذِي تَحْتَهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَحْدَهُ، أَوْ كَانَ السَّقْفُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ، أَوْ كَانَ السَّقْفُ (لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ - فَلَا شُفْعَةَ فِي الْعُلُوِّ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ مُفْرَدٌ. وَلَا شُفْعَةَ أَيْضًا فِي السَّقْفِ؛ لِأَنَّهُ أَرْضٌ لَهُ، فَهُوَ كَالْأَبْنِيَةِ الْمُفْرَدَةِ. فَإِنْ بَاعَ (سُفْلًا مُشْتَرَكًا) بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَالْعُلُوُّ خَالِصٌ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، فَبَاعَ رَبُّ الْعُلُوِّ نَصِيبَهُ مِنْ السُّفْلِ؛ (ثَبَتَتْ) الشُّفْعَةُ (فِي السُّفْلِ فَقَطْ) دُونَ الْعُلُوِّ؛ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ فِيهِ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ طَلَبُهَا) أَيْ: الشُّفْعَةِ - (فَوْرًا سَاعَةَ يَعْلَمُ) بِالْبَيْعِ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: الشُّفْعَةُ بِالْمُوَاثَبَةِ سَاعَةَ يَعْلَمُ، وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي لَفْظٍ: «الشُّفْعَةُ كَنَشْطَةِ الْعِقَالِ إنْ قُيِّدَتْ ثَبَتَتْ، وَإِنْ تُرِكَتْ فَاللَّوْمُ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا» . لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ؛ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَلِأَنَّ إثْبَاتَهُ عَلَى التَّرَاخِي يَضُرُّ الْمُشْتَرِيَ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَى الْمَبِيعِ، وَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِعِمَارَةِ الْمَبِيعِ خَشْيَةَ أَخْذِهِ مِنْهُ، وَلَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ الضَّرَرُ بِأَخْذِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ خَسَارَتَهَا فِي الْغَالِبِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا مَعَ تَعَبِ قَلْبِهِ وَبَدَنِهِ فِيهَا. وَالتَّحْدِيدُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ، ثُمَّ هُوَ بَاطِلٌ بِخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، (فَإِنْ أَخَّرَهُ) ؛ أَيْ: أَخَّرَ الشَّفِيعُ طَلَبَ الشُّفْعَةِ عَنْ وَقْتِ الْعِلْمِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ (كَشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ بِهِ) حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ (أَوْ) أَخَّرَهُ الْمُحْدِثُ (لِطَهَارَةٍ أَوْ لِإِغْلَاقِ بَابٍ) كَانَ مَفْتُوحًا (أَوْ لِيَخْرُجَ مِنْ حَمَّامٍ) إنْ عَلِمَ وَهُوَ دَاخِلُهَا، (أَوْ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ) مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، (أَوْ) أَخَّرَهُ مُؤَذِّنٌ (لِيُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 الصَّلَاةَ، (أَوْ) أَخَّرَهُ (لِيَشْهَدَ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ يُخَافُ فَوْتُهَا) ، وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ بِسُنَّتِهَا، أَوْ أَخَّرَهُ (لِيُرَقِّعَ ثَوْبَهُ) الْمُنْخَرِقَ وَقْتَ عِلْمِهِ بِهَا، فَأَخَّرَ الطَّلَبَ لِيُرَقِّعَهُ، لِئَلَّا يَضِيعَ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَخَّرَ الطَّلَبَ لَعَلَّهُ (يَجِدُ مَا ضَاعَ مِنْهُ) ، (أَوْ) أَخَّرَهُ مَنْ (عَلِمَ لَيْلًا حَتَّى يُصْبِحَ مَعَ غَيْبَةِ مُشْتَرٍ) ؛ لَمْ تَسْقُطْ الشُّفْعَةُ (فِي الْجَمِيعِ) - أَيْ: فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ - لِأَنَّهُ مَعَ حُضُورِهِ يُمْكِنُهُ مُطَالَبَتُهُ بِلَا اشْتِغَالٍ عَنْ أَشْغَالِهِ، أَوْ أَخَّرَ الطَّلَبَ لِفِعْلِ (صَلَاةٍ وَسُنَنِهَا وَلَوْ مَعَ حُضُورِهِ) - أَيْ: الْمُشْتَرِي عِنْدَ الشَّفِيعِ - لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْدِيمُ هَذِهِ الْحَوَائِجِ وَنَحْوِهَا عَلَى غَيْرِهَا، فَلَيْسَ الِاشْتِغَالُ بِهَا رِضًى بِتَرْكِ الشُّفْعَةِ؛ كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ الْإِسْرَاعُ فِي مَشْيِهِ أَوْ تَحْرِيكِ دَابَّتِهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَمَضَى عَلَى حَسَبِ عَادَتِهِ إلَى الْمُشْتَرِي؛ إذْ الْفَوْرُ الْمَشْرُوطُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ. (وَلَيْسَ عَلَيْهِ) - أَيْ: الشَّفِيعِ - (تَخْفِيفُهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - (أَوْ اقْتِصَارٌ عَلَى أَقَلِّ مُجْزِئٍ) فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ كَمَالَهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رَغْبَتِهِ عَنْ الشُّفْعَةِ، (أَوْ أَخَّرَهُ) - أَيْ: الطَّلَبَ - (جَهْلًا بِأَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْقِطٌ) لِلشُّفْعَةِ - (وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ) - لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ مِمَّا يُعْذَرُ بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهَا جَهْلًا بِاسْتِحْقَاقِهِ لَهَا أَوْ نِسْيَانًا لِلطَّلَبِ أَوْ الْبَيْعِ كَتَمْكِينِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدِ زَوْجِهَا مِنْ وَطْئِهَا جَاهِلَةً بِمِلْكِ الْفَسْخِ أَوْ نَاسِيَةً لِلْعِتْقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ يَجْهَلُهُ؛ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ. (أَوْ أَشْهَدَ بِطَلَبِهِ) لِلشُّفْعَةِ (غَائِبٌ عَنْ الْبَلَدِ) - أَيْ: بَلَدِ الْمُشْتَرِي - لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّ إشْهَادَهُ بِهِ دَلِيلُ رَغْبَتِهِ، وَلَا مَانِعَ لَهُ مِنْهُ إلَّا قِيَامَ الْعُذْرِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الطَّلَبَ لِلْعُذْرِ، وَقَدْ يَتْرُكُهُ لِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى التَّوْكِيلِ فِيهِ أَوْ لَا؛ إذْ التَّوْكِيلُ إنْ كَانَ بِجَعْلٍ فَفِيهِ غُرْمٌ، وَإِنْ كَانَ بِتَبَرُّعٍ فَفِيهِ مِنَّةٌ، وَقَدْ لَا يَثِقُ بِهِ، أَوْ أَشْهَدَ بِطَلَبِهِ وَهُوَ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ؛ (لَمْ تَسْقُطْ) ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَدَاؤُهُ، فَأَبَى سَقَطَتْ. (وَتَسْقُطُ) الشُّفْعَةُ إذَا عَلِمَ الشَّرِيكُ بِالْبَيْعِ، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ الْبَلَدِ (بِسَيْرِهِ) هُوَ أَوْ وَكِيلِهِ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُشْتَرِي (فِي طَلَبِهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةِ - (بِلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 إشْهَادٍ) قَبْلَ سَيْرِهِ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ يَكُونُ لِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَلِغَيْرِهِ، وَقَدْ قَدَرَ أَنْ يُبَيِّنَ كَوْنَ سَيْرِهِ لِطَلَبِ الشُّفْعَةِ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ؛ سَقَطَتْ؛ كَتَارِكِ الطَّلَبِ مَعَ حُضُورِهِ. (وَلَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ (بِسَيْرِهِ) - أَيْ: الشَّرِيكِ - لِمُشْتَرٍ (حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ، وَلَا يَلْزَمُهُ) - أَيْ: الشَّفِيعَ - (أَنْ يُسْرِعَ) فِي (مَشْيِهِ) ، بَلْ يَمْشِي عَلَى عَادَتِهِ، (أَوْ يُحَرِّكَ دَابَّتَهُ) إنْ رَكِبَ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ الْمَشْرُوطَ هُوَ الطَّلَبُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ. (فَإِذَا لَقِيَهُ) ؛ أَيْ: لَقِيَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ (سَلَّمَ) عَلَيْهِ، (ثُمَّ طَالَبَهُ) ؛ لِأَنَّهُ، السُّنَّةُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ بَدَأَ الْكَلَامَ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. (فَلَوْ قَالَ الشَّفِيعُ بَعْدَ السَّلَامِ مُتَّصِلًا بِهِ: بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَةِ يَمِينِك وَنَحْوِهِ) كَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا أَوْ غَفَرَ لَك؛ (لَمْ تَبْطُلْ) شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَّصِلُ بِالسَّلَامِ، فَهُوَ مِنْ جُمْلَتِهِ، وَالدُّعَاءُ بِالْبَرَكَةِ فِي الصَّفْقَةِ دُعَاءٌ مِنْ الشَّفِيعِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الشِّقْصَ يَرْجِعُ إلَيْهِ إذَا أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الدُّعَاءُ رِضًى بِتَرْكِ الشُّفْعَةِ. (فَإِنْ اشْتَغَلَ) الشَّفِيعُ (بِكَلَامٍ آخَرَ) غَيْرِ الدُّعَاءِ (أَوْ) سَلَّمَ ثُمَّ (سَكَتَ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ) شُفْعَتُهُ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا، وَهُوَ الْفَوْرُ، وَيَمْلِكُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِالْمُطَالَبَةِ - وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ مَعَ مَلَاءَتِهِ بِالثَّمَنِ - لِأَنَّ الْبَيْعَ السَّابِقَ سَبَبٌ، فَإِذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ كَانَ كَالْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْقَبُولُ (وَلَفْظُهُ) - أَيْ: الطَّلَبِ - أَنْ يَقُولَ الشَّفِيعُ: (أَنَا طَالِبٌ) بِالشُّفْعَةِ، (أَوْ) أَنَا (مُطَالِبٌ) بِالشُّفْعَةِ، (أَوْ) أَنَا (آخُذُ بِالشُّفْعَةِ، أَوْ) أَنَا (قَائِمٌ عَلَيْهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةِ - (وَنَحْوُهُ مِمَّا يُفِيدُ مُحَاوَلَةَ الْأَخْذِ) بِالشُّفْعَةِ (كَتَمَلَّكْتُهُ) - أَيْ: الشِّقْصَ - (أَوْ انْتَزَعْتُهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ، أَوْ ضَمَمْتُهُ إلَى مَا كُنْتُ أَمْلِكُهُ) مِنْ الْعَيْنِ. (وَيَمْلِكُ) الشِّقْصَ (بِذَلِكَ، فَيُورَثُ) عَنْهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ الطَّلَبِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 (وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَيْثُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الثَّمَنِ الْحَالِّ، وَلَوْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ (مَوْقُوفًا) عَلَى دَفْعِهِ ثَمَنَهُ لِمُشْتَرٍ؛ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الشِّقْصِ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا تُشْتَرَطُ) لِمِلْكِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ لَهُ بِالطَّلَبِ (رُؤْيَتُهُ) - أَيْ: مَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ (لِأَخْذِهِ) بِالشُّفْعَةِ قَبِلَ التَّمَلُّكَ. قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": وَلَا يُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ نَظَرُوا إلَى كَوْنِهَا انْتِزَاعًا قَهْرِيًّا؛ كَرُجُوعِ نِصْفِ الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ بِطَلَاقِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَآهُ كَمَا لَوْ وَكَّلَ إنْسَانٌ آخَرَ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ وَتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ وَإِصْدَاقِهَا إيَّاهُ فَفَعَلَ، وَلَمْ يَرَهُ الْمُوَكِّلُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا مَعْرِفَةُ ثَمَنِهِ. وَلِشَفِيعٍ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ يَتَعَرَّفُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمَبِيعَ، فَيَأْخُذُهُ بِثَمَنِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " اعْتِبَارُ الْعِلْمِ بِالثَّمَنِ وَبِالْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، فَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالْعِوَضَيْنِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": الْمَذْهَبُ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ نَوْعُ بَيْعٍ؛ لِأَنَّهُ دَفْعُ مَالٍ لِغَرَضِ التَّمَلُّكِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ لَهُ الْعِلْمُ بِالشِّقْصِ وَبِالثَّمَنِ، فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ جَهَالَتِهِمَا. وَفِي " الْإِقْنَاعِ " يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالثَّمَنِ وَالشِّقْصِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 وَالْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْإِقْنَاعِ " مِنْ اعْتِبَارِ الْعِلْمِ بِالشِّقْصِ، وَكَذَا بِالثَّمَنِ، نَعَمْ لَهُ الطَّلَبُ بِالشُّفْعَةِ مَعَ جَهَالَةِ الثَّمَنِ، ثُمَّ يَتَعَرَّفُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ. وَلَا يُعْتَبَرُ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الشَّفِيعِ رِضَى مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا، وَالْمَقْهُورُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ. (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَائِبٌ) عَنْ الْبَلَدِ (مَنْ يُشْهِدُهُ) عَلَى الطَّلَبِ، (أَوْ وَجَدَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَامْرَأَةٍ وَفَاسِقٍ) وَغَيْرِ بَالِغٍ، أَوْ وَجَدَ (مَنْ لَا يَذْهَبُ مَعَهُ لِمَوْضِعِ الْمُطَالَبَةِ) فَلَمْ يُشْهِدْهُ، لَمْ تَسْقُطْ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إشْهَادِهِ، أَوْ وَجَدَ مَسْتُورَيْ الْحَالِ فَلَمْ يُشْهِدْهُمَا؛ لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ وَجَدَ وَاحِدًا فَأَشْهَدَهُ لَمْ تَسْقُطْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلِ يُقْضَى بِهَا مَعَ الْيَمِينِ، (أَوْ أَخَّرَ) الشَّرِيكُ (الطَّلَبَ وَالْإِشْهَادَ عَجْزًا) عَنْهُمَا (كَمَرِيضٍ) أَخَّرَهُمَا عَجْزًا عَنْ السَّيْرِ إلَى الْمُشْتَرِي لِيُطَالِبَهُ وَإِلَى مَنْ يُشْهِدُهُ عَلَى أَنَّهُ مُطَالِبٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ يَسِيرٌ كَصُدَاعٍ وَأَلَمٍ قَلِيلٍ؛ فَلَا يُعْذَرُ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ وَالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْجِزُهُ عَنْهُمَا. وَ (لَا) تَسْقُطُ بِتَأْخِيرِ (مَحْبُوسٍ ظُلْمًا) إنْ عَجَزَ عَنْ الطَّلَبِ وَالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ، (أَوْ) أَخَّرَ الطَّلَب وَالْإِشْهَادَ (لِإِظْهَارِ) الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ مُخْبِرِ الشَّفِيعِ (زِيَادَةَ ثَمَنٍ) عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، (أَوْ غَيْرَ جِنْسِهِ) كَإِظْهَارِهِمَا أَنَّهُمَا تَبَايَعَا بِدَنَانِيرَ، فَظَهَرَ أَنَّهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِنَقْدٍ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِنَوْعٍ مِنْ الْعُرُوضِ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِهِ، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْكُلَّ بِثَمَنٍ، فَظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِنِصْفِهِ، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِثَمَنٍ، فَبَانَ أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 اشْتَرَى جَمِيعَهُ بِضِعْفِهِ، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى الشِّقْصَ وَحْدَهُ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ هُوَ وَغَيْرَهُ، أَوْ بِالْعَكْسِ، بِأَنْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى الشِّقْصَ وَغَيْرَهُ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَحْدَهُ، (أَوْ) لِإِظْهَارِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ (نَقْصَ مَبِيعٍ أَوْ) لِإِظْهَارِ (هِبَةٍ) ؛ أَيْ: أَنَّ الْمَبِيعَ مَوْهُوبٌ، (أَوْ) أَظْهَرَ الْمُشْتَرِي (أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُهُ، فَبَانَ) الْأَمْرُ (بِخِلَافِهِ) ؛ أَيْ: بِأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِي، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِإِنْسَانٍ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ، (أَوْ) أَخَّرَ شَفِيعٌ الطَّلَبَ وَالْإِشْهَادَ عَلَيْهِ (لِتَكْذِيبِ مُخْبِرٍ) لَهُ (يُقْبَلُ) خَبَرُهُ؛ فَهُوَ (عَلَى شُفْعَتِهِ) إذَا عَلِمَ بِالْحَالِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُسْقِطًا لِشُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَعْذُورٌ أَوْ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مُطْلَقًا، وَلِأَنَّ خَبَرَ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِ شَفِيعٍ لَهُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِوُقُوعِ الْبَيْعِ وَتَأْخِيرِهِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ، فَأَمَّا إنْ أَظْهَرَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ فَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَرْضَى بِالْقَلِيلِ لَا يَرْضَى بِأَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْكُلَّ بِثَمَنٍ، فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَى بِهِ الْبَعْضَ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِأَخْذِ الشِّقْصِ كُلِّهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ لَا يَرْضَى بِأَخْذِ بَعْضِهِ. (وَتَسْقُطُ) شُفْعَتُهُ (إنْ كَذَّبَ) مُخْبِرًا لَهُ (مَقْبُولًا) خَبَرُهُ - وَلَوْ وَاحِدًا - لِأَنَّهُ خَبَرُ عَدْلٍ يَجِبُ قَبُولُهُ فِي الرِّوَايَةِ وَالْفُتْيَا وَالْأَخْبَارِ الدِّينِيَّةِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدْلٍ. (أَوْ قَالَ) شَفِيعٌ (لِمُشْتَرٍ) شِقْصًا: (بِعْنِيهِ أَوْ أَكْرَنِيهِ) ، أَوْ قَاسِمْنِي (أَوْ صَالِحْنِي) عَنْهُ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ مَعَ الشُّفْعَةِ، (أَوْ) قَالَ لَهُ: (هَبْهُ لِي) أَوْ ائْتَمِنِّي عَلَيْهِ (أَوْ بِعْهُ مَنْ شِئْت وَنَحْوَهُ) ؛ كَأَعْطِهِ لِمَنْ شِئْت، أَوْ وَلِّهِ إيَّاهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ لِلْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت غَالِيًا أَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْت أَنَا؛ لِأَنَّ هَذَا وَشِبْهَهُ دَلِيلُ رِضَاهُ بِشِرَائِهِ وَتَرْكِهِ لِلشُّفْعَةِ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ: شَرِيكُك بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ زَيْدٍ، فَقَالَ: إنْ بَاعَنِي زَيْدٌ، وَإِلَّا فَلِي الشُّفْعَةُ؛ كَانَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ بِعْنِي مَا اشْتَرَيْت. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، (أَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ، وَلَمْ يُبَادِرْ لِطَلَبِ) الشُّفْعَةِ (أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 يُوَكِّلْ) فِي طَلَبِهَا بِأَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِعَدَمِ عُذْرِهِ فِي التَّأْخِيرِ، (أَوْ لَقِيَ) الشَّفِيعُ (الْمُشْتَرِيَ فَنَسِيَ الْمُطَالَبَةَ) ، أَوْ نَسِيَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الطَّلَبِ فَوْرًا. (وَلَوْ) كَانَ لُقِيُّهُ لَهُ (بِغَيْرِ بَلَدِهِ، وَقَالَ: إنَّمَا تَرَكْتهَا لِأُطَالِبَهُ بِبَلَدِ الْمَبِيعِ) أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ قَالَ: إنَّمَا تَرَكْتهَا لِآخُذَ الشِّقْصَ فِي مَوْضِعِ الشُّفْعَةِ، أَوْ لَمْ يَقُلْ، أَوْ قَالَ الشَّرِيكُ لِلْمُشْتَرِي: بِكَمْ اشْتَرَيْت؟ أَوْ قَالَ لِلشَّرِيكِ: بِعْتُك أَوْ وَلَّيْتُك الْبَيْعَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ؛ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ. وَ (لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ (إنْ عَمِلَ) الشَّرِيكُ (سَفِيرًا بَيْنَهُمَا) - أَيْ: بَيْنَ شَرِيكِهِ وَالْمُشْتَرِي - (وَهُوَ الدَّلَّالُ) - بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا - قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: مَا جَعَلْته لِلدَّلِيلِ وَالدَّلَّالُ؛ لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ، (أَوْ تَوَكَّلَ) الشَّفِيعُ (لِأَحَدِهِمَا) فِي الْبَيْعِ، (أَوْ جَعَلَ لَهُ) - أَيْ: الشَّفِيعِ - (الْخِيَارَ) فِي الْبَيْعِ، (فَاخْتَارَ إمْضَاءَهُ فَرَضِيَ) الشَّرِيكُ (بِهِ) - أَيْ: بِالْبَيْعِ - (أَوْ ضَمِنَ ثَمَنَهُ) - أَيْ: الشِّقْصِ الْمَبِيعِ - لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ، فَلَا تَسْقُطُ بِهِ كَالْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ، (أَوْ أَسْقَطَهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةَ - (قَبْلَ بَيْعٍ) ؛ لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لَهَا إنَّمَا هُوَ الرِّضَى بَعْدَ وُجُوبِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ، كَمَا لَوْ أَبْرَأهُ مِمَّا يَسْتَعْرِضُهُ لَهُ. وَإِنْ قَالَ لِشَرِيكِهِ: بِعْ نِصْفَ نَصِيبِي مَعَ نِصْفِ نَصِيبِك، فَفَعَلَ؛ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْمَبِيعِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرِيكُهُ. (وَمَنْ تَرَكَ شُفْعَةَ مُوَلِّيهِ) - أَيْ: مَحْجُورِهِ - (أَوْ أَسْقَطَهَا) - أَيْ: شُفْعَةَ مُوَلِّيهِ - (وَلَوْ) كَانَ تَرْكُهُ لَهَا (لِعَدَمِ حَظٍّ) رَآهُ؛ (فَلَهُ) - أَيْ: فَلِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ حَالَةَ الْبَيْعِ - (إذَا صَارَ أَهْلًا الْأَخْذُ بِهَا) - أَيْ: بِالشُّفْعَةِ - قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: لَهُ الشُّفْعَةُ إذَا بَلَغَ، فَاخْتَارَ، وَلَمْ يُفَرِّقْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِهَا، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ الْحَظُّ فِيهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِتَرْكِ غَيْرِ الشَّفِيعِ؛ كَالْغَائِبِ إذَا تَرَكَ وَكِيلُهُ الْأَخْذَ بِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 (وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ) صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ (الْأَخْذُ بِهَا) أَيْ: بِالشُّفْعَةِ - لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (مَعَ حَظٍّ) ؛ بِأَنْ كَانَ الشِّرَاءُ رَخِيصًا أَوْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَلِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَالٌ يُشْتَرَى مِنْهُ - (وَلَوْ بَعْدَ عَفْوِهِ) - أَيْ: الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطَ. وَفِعْلُ الْأَخْذِ لَهُ، فَإِنْ تَرَكَ الْوَلِيُّ الْأَخْذَ حِينَئِذٍ؛ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ حَظٌّ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ غَبَنَ الْمُشْتَرِي، أَوْ كَانَ الْأَخْذُ بِهَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَرْهَنَ مَالَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ (حَرُمَ) عَلَى الْوَلِيِّ الْأَخْذُ، وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّرْكُ؛ كَسَائِرِ مَا لَا حَظَّ فِيهِ لِمُوَلِّيهِ، (وَلَمْ يَصِحَّ الْأَخْذُ) بِالشُّفْعَةِ حِينَئِذٍ، فَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي. (وَلَا يَأْخُذُ وَلِيُّ حَمْلٍ) مَاتَ مُوَرِّثُهُ كَأَبِيهِ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ (بِهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةِ - نَقَلَهُ ابْنُ رَجَبٍ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَأَمَّا إذَا طَالَبَ الْمُوَرِّثُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَيُوَرِّثُ عَنْهُ الشِّقْصُ؛ كَسَائِرِ تَرِكَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ تَنْبِيهٌ: وَإِنْ عَفَّى الْوَلِيُّ عَنْ الشُّفْعَةِ الَّتِي فِيهَا حَظٌّ لِمُوَلِّيهِ؛ ثُمَّ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْأَخْذَ بِهَا؛ فَلَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ صِحَّةِ عَفْوِهِ عَنْهَا، وَإِنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْأَخْذَ فِي ثَانِي الْحَالِ وَلَيْسَ فِيهَا مَصْلَحَةٌ لِمُوَلِّيهِ؛ لَمْ يَمْلِكْ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِعَدَمِ الْحَظِّ. وَإِنْ تَجَدَّدَ الْحَظُّ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَخَذَ الْوَلِيُّ لَهُ بِهَا؛ لِعَدَمِ سُقُوطِهَا بِالتَّأْخِيرِ، وَحَيْثُ أَخَذَهَا الْوَلِيُّ مَعَ الْخَطَأِ لِمُوَلِّيهِ؛ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْمَشْفُوعِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الرُّشْدِ؛ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِ الْوَلِيِّ اللَّازِمَةِ [وَحُكْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ غَيْرِ الْمُطْبِقِ حُكْمُ الْمَحْبُوسِ وَالْغَائِبِ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُمَا] ؛ لِأَنَّهُمَا مَعْذُورَانِ، وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِمَا، وَحُكْمُ وَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ - وَهُوَ الَّذِي لَا تُرْجَى إفَاقَتُهُ - وَحُكْمُ وَلِيِّ السَّفِيهِ حُكْمُ وَلِيِّ الصَّغِيرِ فِيمَا تَقَدَّمَ. (وَلِمُفْلِسٍ الْأَخْذُ) بِالشُّفْعَةِ، (وَ) لَهُ (التَّرْكُ) ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ رَشِيدٌ، (وَلَا يُجْبَرُ) أَيْ: وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ إجْبَارُهُ عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ - وَلَوْ (مَعَ حَظٍّ) لَهُ فِي الْأَخْذِ - لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى اسْتِيفَائِهِ، (وَكَذَا الْمُكَاتَبُ) لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالتَّرْكُ كَالْحُرِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 وَلِلْمَأْذُونِ لَهُ مِنْ الْعَبِيدِ فِي التِّجَارَةِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ دُونَ التَّرْكِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لِسَيِّدِهِ لَا لَهُ، فَهُوَ كَوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. (وَإِذَا بَاعَ وَلِيُّ مَحْجُورَيْنِ لِأَحَدِهِمْ نَصِيبًا فِي شَرِكَةِ الْآخَرِ فَلَهُ) - أَيْ: الْوَلِيِّ - (الْأَخْذُ لِلْآخَرِ بِالشُّفْعَةِ) ؛ لِأَنَّهُ كَالشِّرَاءِ لَهُ، (وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ شَرِيكًا لِمَنْ بَاعَ عَلَيْهِ) مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ؛ (فَلَيْسَ لَهُ) - أَيْ: الْوَلِيِّ - (الْأَخْذُ) بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي بَيْعِهِ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ، (سِوَى أَبٍ) بَاعَ شِقْصَ وَلَدِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ؛ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ؛ (لِعَدَمِ تُهْمَتِهِ) ، وَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ نَفْسِهِ مَالَ وَلَدِهِ. (وَلَوْ بَاعَ الْوَلِيُّ نَصِيبَهُ) مِنْ شَخْصٍ آخَرَ؛ (أَخَذَ لِمُوَلِّيهِ) ذَلِكَ النَّصِيبَ بِالشُّفْعَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ (إلَّا مَعَ الْحَظِّ لَهُ) - أَيْ: لِمُوَلِّيهِ - لِأَنَّ التُّهْمَةَ مُنْتَفِيَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي ثَمَنِهِ؛ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي لَا يُوَافِقُهُ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَاصِلٌ مِنْ الْمُشْتَرِي كَحُصُولِهِ مِنْ الْيَتِيمِ، بِخِلَافِ بَيْعِهِ مَالَ الْيَتِيمِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ تَقْلِيلُ الثَّمَنِ لِيَأْخُذَ الشِّقْصَ بِهِ، وَإِذَا رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ، فَبَاعَ؛ فَلِلْوَصِيِّ الْأَخْذُ حِينَئِذٍ؛ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. (وَلِوَكِيلِ بَيْتِ مَالٍ أَخْذُ) شِقْصٍ مُشْتَرَكٍ مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، ثُمَّ بَاعَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ (بِهَا) - أَيْ: بِالشُّفْعَةِ (حَيْثُ لَا وَارِثَ) لِلْمَيِّتِ، وَإِذَا أَخَذَهُ يَضُمُّهُ إلَى مَا بِيَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ لِتُصْرَفَ فِيمَا أُعِدَّتْ لَهُ. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ) لِلْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ (أَخْذُ) الشَّرِيكِ (جَمِيعَ) الشِّقْصِ (الْمَبِيعِ، فَلَا تَتَبَعَّضُ) الصَّفْقَةُ؛ لِئَلَّا يَنْضَرَّ الْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِهَا فِي حَقِّهِ بِأَخْذِ بَعْضِ الْمَبِيعِ مَعَ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، فَإِذَا أَخَذَ الْبَعْضَ لَمْ يَنْدَفِعْ الضَّرَرُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الشَّرْطُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ شَرْطُ الْأَصْلِ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَ الْجَمِيعِ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ، وَالنَّظَرُ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ فَرْعُ اسْتِقْرَارِهِ، فَيَسْتَحِيلُ جَعْلُهُ شَرْطًا؛ لِثُبُوتِ أَصْلِهِ. قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُجْعَلَ شَرْطًا لِلِاسْتِدَامَةِ كَمَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ، (فَإِنْ طَلَبَ) الشَّرِيكُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 (بَعْضَهُ) - أَيْ: الْمَبِيعِ - (مَعَ بَقَاءِ الْكُلِّ) ؛ أَيْ: لَمْ يَتْلَفْ مِنْ الْمَبِيعِ شَيْءٌ؛ (سَقَطَتْ) شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ إذَا سَقَطَ بِالتَّرِكَةِ فِي الْبَعْضِ سَقَطَ فِي الْكُلِّ؛ كَعَفْوِهِ عَنْ بَعْضِ قَوَدٍ يَسْتَحِقُّهُ. (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ) - أَيْ: بَعْضُ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ - كَانْهِدَامِ بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ الَّتِي بِيعَ بَعْضُهَا بِسَبَبِ آدَمِيٍّ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُتْلِفُ لَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرُهُ، وَأَرَادَ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ؛ (أَخَذَ بَاقِيه) - أَيْ: بَاقِي الشِّقْصِ - مَنْسُوبًا إلَى مَا لَا يُتْلِفُهُ مِنْ الدَّارِ (بِحِصَّتِهِ) - أَيْ: بِحِصَّةِ الْبَاقِي - بَعْدَ مَا تَلِفَ مِنْ ثَمَنِ جَمِيعِ الشِّقْصِ. وَلَوْ كَانَ تَلَفُهُ بِسَبَبِ (فِعْلٍ سَمَاوِيٍّ) ، وَهُوَ مَا لَا صُنْعَ لِآدَمِيٍّ فِيهِ كَمَطَرٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ صَاعِقَةٍ؛ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بَاقِيَهُ أَيْضًا بِحِصَّتِهِ لَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، فَلَوْ كَانَ الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ نِصْفًا مِنْ الدَّارِ وَالْبَيْتُ الَّذِي انْهَدَمَ مِنْهَا يَنْقُصُ بِانْهِدَامِ نِصْفِ قِيمَتِهَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ، ثُمَّ (إنْ كَانَتْ الْأَنْقَاضُ مَوْجُودَةً؛ أَخَذَهَا مَعَ الْعَرْصَةِ) ، وَمَا بَقِيَ مِنْ الْبِنَاءِ (بِالْحِصَّةِ أَوْ) ؛ أَيْ: وَإِنْ كَانَتْ الْأَنْقَاضُ (مَعْدُومَةً فَكَذَلِكَ) ؛ أَيْ: أَخَذَ مَا بَقِيَ مِنْ الْبِنَاءِ مَعَ الْعَرْصَةِ بِالْحِصَّةِ، لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَخْذُ كُلِّ الْمَبِيعِ بِتَلَفِ بَعْضِهِ، فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَخْذُ الْكُلِّ؛ لِكَوْنِهِ مَعَ شَفِيعٍ آخَرَ. هَذَا الْمَذْهَبُ. (فَلَوْ اشْتَرَى دَارًا) - أَيْ: شِقْصًا مِنْهَا - (بِأَلْفٍ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ، فَبَاعَ) الْمُشْتَرِي (بَابَهَا) ، فَبَقِيَتْ بِأَلْفٍ، (أَوْ هَدَمَهَا فَبَقِيَتْ بِأَلْفٍ؛ أَخَذَهَا) الشَّفِيعُ (بِخَمْسِمِائَةٍ) بِالْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِطْلَاقُهُ الدَّارَ عَلَى الشِّقْصِ مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة: 19] . (وَتُتَصَوَّرُ) الشُّفْعَةُ (فِي دَارٍ كَامِلَةٍ) وَهِيَ (إمَّا بِإِظْهَارِ) الْمُتَبَايِعَيْنِ (مَا) - أَيْ: ثَمَنَ زَائِدٍ كَثِيرًا بِحَيْثُ (تُتْرَكُ الشُّفْعَةُ مَعَهُ) ؛ كَأَنْ تَكُونَ دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ، فَيَبِيعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ الْجَمِيعِ مُشَاعًا، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ بَاعَ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 تُتْرَكُ الشُّفْعَةُ لِأَجْلِهِ، وَيُقَاسَمُ بِالْمُهَايَأَةِ، فَيَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي دَارٌ كَامِلَةٌ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ الْحَالُ، فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ، أَوْ تَكُونُ دُورُ جَمَاعَةٍ مُشْتَرَكَةٌ، فَيَبِيعُ أَحَدُهُمْ حِصَّةً مِنْ الْجَمِيعِ مُشَاعًا، وَيَظْهَرُ انْتِقَالُ الشِّقْصِ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْلَاكِ بِالْهِبَةِ، فَيُقَاسِمُ الْمُشْتَرِي شُرَكَاءَهُ، فَيَحْصُلُ لَهُ دَارٌ كَامِلَةٌ، فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ الشُّفْعَةُ فِي دَارٍ كَامِلَةٍ (بِتَرْكِ وَكِيلٍ) شَرِيكًا فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ، [ (أَوْ) بِتَرْكِ (وَلِيِّ) مَحْجُورٍ عَلَيْهِ (الْأَخْذَ بِهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةِ - (وَقُسِمَتْ) بِالْمُهَايَأَةِ، (فَخَرَجَ نَصِيبُ مُشْتَرٍ دَارًا) كَامِلَةً، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنْ يُوَكِّلَ الشَّرِيكُ وَكِيلًا فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ] ، وَيُسَافِرَ فَيَبِيعَ شَرِيكُهُ أَوْ شَرِيكُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ فِي جَمِيعِ الدُّورِ الْمُشْتَرَكَةِ، فَيَرَى الْوَكِيلُ أَوْ الْوَلِيُّ أَنَّ الْحَظَّ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ لِمُوَلِّيهِ فِي تَرْكِ الشُّفْعَةِ، فَلَا يُطَالِبُ بِهَا، وَيُقَاسِمُ الْمُشْتَرِي الْوَكِيلَ بِحَسَبِ وَكَالَتِهِ أَوْ الْوَلِيَّ بِحَسَبِ وِلَايَتِهِ، فَيَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي دَارٌ كَامِلَةٌ، فَهَدَمَهَا، أَوْ بَاعَ بَابَهَا فَنَقَصَتْ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ، أَوْ رَشَدَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، وَعَلِمَ مِقْدَارَ الثَّمَنِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي؛ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " بِمَعْنَاهُ. (وَلَوْ تَعَيَّبَ مَبِيعٌ بِمَا) - أَيْ: عَيْبٍ - (يُنْقِصُ الثَّمَنَ) مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَمَا لَوْ انْشَقَّ الْحَائِطُ، أَوْ تَشَعَّثَ الْحَجَرُ، أَوْ بَارَتْ الْأَرْضُ؛ (فَلَيْسَ لَهُ) - أَيْ: الشَّفِيعِ - (الْأَخْذُ إلَّا بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ يَتْرُكُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ مِنْ الْمَبِيعِ شَيْءٌ حَتَّى يُنْقِصَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِسْقَاطُ بَعْضِ الثَّمَنِ إضْرَارٌ بِالْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَعْطَاهُ الشَّفِيعُ قِيمَةَ بِنَائِهِ، وَلَوْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً دَخَلَتْ فِي الشُّفْعَةِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي ". (وَهِيَ) - أَيْ: الشُّفْعَةُ - (بَيْنَ) شُرَكَاءَ (شُفَعَاءَ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ كَمَسَائِلِ الرَّدِّ) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ حَقٌّ يُسْتَفَادُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ، فَكَانَ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ كَالْغَلَّةِ (فَدَارَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ) . لِوَاحِدٍ (نِصْفٌ، وَ) الْآخَرِ (ثُلُثٌ، وَ) الْآخَرِ (سُدُسٌ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 فَبَاعَ رَبُّ الثُّلُثِ) نَصِيبَهُ، فَأَصْلُ (الْمَسْأَلَةِ مِنْ سِتَّةٍ) . مَخْرَجُ الْكُسُورِ الثُّلُثُ بَيْنَ صَاحِبِهِ النِّصْفُ وَالسُّدُسُ، (وَتَرْجِعُ الْأَرْبَعَةُ) . بَسْطُ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ، وَبَسْطُ الثُّلُثِ وَاحِدٌ؛ فَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ وَاحِدٌ، وَلَا يُرَجَّحُ أَقْرَبُ الشُّفَعَاءِ عَلَى أَبْعَدِهِمْ، وَلَا ذَا قَرَابَةٍ مِنْ الشُّفَعَاءِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ لَيْسَ هُوَ بِبَابِ الشُّفْعَةِ، (وَمَعَ تَرْكِ الْبَعْضِ) مِنْ الشُّرَكَاءِ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ؛ (لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِي) الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ حَقَّهُ (أَنْ يَأْخُذَ) بِالشُّفْعَةِ (إلَّا الْكُلَّ) - أَيْ كُلَّ الْمَبِيعِ - (أَوْ يَتْرُكَ) الْكُلَّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْبَعْضِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ كَمَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ غَائِبًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاضِرِ إلَّا أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ الْآنَ مُطَالِبٌ سِوَاهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الشُّفْعَةِ إذَا تَرَكَ الطَّلَبَ وَالْأَخْذَ يَتْرُكُ؛ كَالْمُدَّعِي إذَا سَكَتَ عَنْ دَعْوَاهُ تَرَكَ، (إلَّا أَنْ) يَكُونَ (تَرَكَ) الْأَخْذَ بِهَا (حِيلَةً لِيُلْزِمَ بِهِ) - أَيْ بِالشِّقْصِ كُلِّهِ - (غَيْرَهُ) مِنْ الشُّفَعَاءِ (مَعَ عَجْزِهِ) - أَيْ مَعَ اعْتِقَادِ التَّارِكِ عَجْزَ الْمَتْرُوكِ لَهُ الشِّقْصَ عَنْ أَخْذِهِ كُلِّهِ، فَيَتْرُكُ الشِّقْصَ جَمِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ [لَهُ] أَخْذُ الْبَعْضِ؛ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَإِذَا وَجَدَهُ التَّارِكُ أَعْرَضَ عَنْهُ؛ يَرْجِعُ هُوَ لِيَأْخُذَهُ جَمِيعَهُ لِنَفْسِهِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّحَيُّلُ لِذَلِكَ، وَيُؤْمَرُ بِأَخْذِ حِصَّتِهِ فَقَطْ، وَيَرْجِعُ الْعَاجِزُ عَنْ أَخْذِ الْجَمِيعِ، يَأْخُذُ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ، وَيَدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي قَدْرَ مَا خَصَّهُ مِنْ الثَّمَنِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 (وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي) لِلشِّقْصِ (شَرِيكًا) فِي الْعَقَارِ، وَثَمَّ شَرِيكٌ آخَرُ؛ أَيْ: اسْتَقَرَّ لِمُشْتَرٍ مِنْ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (بِحِصَّتِهِ) . نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي الشَّرِكَةِ فَتَسَاوَيَا فِي الشُّفْعَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَهُمَا. (فَإِنْ عَفَا) الْمُشْتَرِي عَنْ شُفْعَتِهِ (لِيُلْزِمَ بِهِ) - أَيْ: الشِّقْصِ جَمِيعِهِ - (غَيْرَهُ) مِنْ الشُّرَكَاءِ؛ (لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ) ، وَلَمْ يَصِحَّ الْإِسْقَاطُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ، وَجَرَى مَجْرَى الشَّفِيعَيْنِ إذَا أَخَذَ الْجَمِيعَ، ثُمَّ حَضَرَ الْآخَرُ، وَطَلَبَ حَقَّهُ، فَقَالَ الْآخِذُ لِلْجَمِيعِ لِشَرِيكِهِ: خُذْ الْكُلَّ أَوْ دَعْهُ. (وَمَنْ وَهَبَ) مِنْ الشُّفَعَاءِ (شُفْعَتَهُ لِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ) ، أَوْ وَهَبَهُ لِغَيْرِهِ؛ (لَمْ يَصِحَّ، وَسَقَطَتْ) شُفْعَتُهُ؛ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهَا. (وَيَأْخُذُ حَاضِرٌ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (الْكُلَّ) - أَيْ: كُلَّ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ، أَوْ يَتْرُكُهُ نَصًّا، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مُطَالِبٌ سِوَاهُ، وَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ حَقِّهِ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ كَانَ الشُّفَعَاءُ ثَلَاثَةً، فَحَضَرَ أَحَدُهُمْ، وَأَخَذَ جَمِيعَ الشِّقْصِ؛ مَلَكَهُ، (وَلَا يُؤَخِّرُ بَعْضَ ثَمَنِهِ لِيَحْضُرَ غَائِبٌ) ، فَيُطَالِبَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَأْخِيرَهُ (فَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ إيفَائِهِ (فَلَا شُفْعَةَ) لَهُ؛ كَمَا لَوْ أَبَى أَخْذَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ. (وَالْغَائِبُ) مِنْ الشُّفَعَاءِ (عَلَى حَقِّهِ) مِنْ الشُّفْعَةِ لِلْعُذْرِ، (فَإِذَا حَضَرَ) الشَّرِيكُ الْغَائِبُ (قَاسَمَهُ) ؛ أَيْ: قَاسَمَ شَرِيكَهُ الْحَاضِرَ (إنْ شَاءَ) ، أَوْ عَفَا، فَبَقِيَ الشِّقْصُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ إنَّمَا وُجِدَتْ مِنْهُمَا، (فَإِذَا حَضَرَ ثَالِثٌ) بَعْدَ أَنْ قَاسَمَ الثَّانِي الْأَوَّلَ، (قَاسَمَهُمَا إنْ شَاءَ) الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ، (وَبَطَلَتْ الْقِسْمَةُ الْأُولَى) ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ لَهُمَا شَرِيكًا لَمْ يُقَاسِمْ وَلَمْ يَأْذَنْ، وَإِنْ عَفَا الثَّالِثُ عَنْ شُفْعَتِهِ بَقِيَ الشِّقْصُ لِلْأَوَّلَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا مُشَارِكَ لَهُمَا. (وَإِنْ خَرَجَ شِقْصٌ) مَشْفُوعٌ (مُسْتَحَقًّا) وَقَدْ أَخَذَ الْأَوَّلُ ثُمَّ الثَّانِي مِنْهُ ثُمَّ الثَّالِثُ مِنْهُمَا - (فَالْعُهْدَةُ عَلَى مُشْتَرٍ) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بَعْدَ الشِّرَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 وَحُصُولُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي، فَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ (يَرْجِعُونَ) - أَيْ: الثَّلَاثَةُ - (عَلَيْهِ) - أَيْ: الْمُشْتَرِي - وَ (لَا) يَرْجِعُونَ (عَلَى بَعْضِهِمْ) بِشَيْءٍ، (وَلَوْ قَالَ ثَانٍ لِأَوَّلٍ) حِينَ قُدُومِهِ مِنْ غَيْبَتِهِ: (لَا آخُذُ إلَّا قَدْرَ نَصِيبِي؛ فَلَهُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَبْعِيضٌ لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالشَّفِيعُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَتَبَعَّضُ عَلَيْهِ (وَلَا يُطَالِبُ غَائِبٌ شَرِيكَهُ) الَّذِي سَبَقَهُ بِالْأَخْذِ (بِمَا أَخَذَهُ) سَابِقًا (مِنْ غَلَّتِهِ) - أَيْ غَلَّةِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ - مِنْ ثَمَرٍ وَأَجْرٍ وَنَحْوِهِمَا (قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ) مِنْ غَيْبَتِهِ، لِأَنَّهُ انْفَصَلَ فِي مِلْكِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ انْفَصَلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ تَرَكَ الْأَوَّلُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ أَوْ أَخَذَ بِهَا، ثُمَّ رَدَّ مَا أَخَذَهُ بِعَيْبٍ تَوَفَّرَتْ الشُّفْعَةُ عَلَى صَاحِبَيْهِ الْغَائِبَيْنِ، فَإِذَا قَدِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَلَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَخَذَ الْأَوَّلُ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ أَعَادَهُ لِلْمُشْتَرِي بِنَحْوِ هِبَةٍ؛ فَلَا شُفْعَةَ لِلْغَائِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ بِغَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الشُّفْعَةُ، بِخِلَافِ رَدِّهِ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْمُشْتَرِي بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ كَمَا لَوْ عَفَا. (وَلِشَفِيعٍ فِيمَا بِيعَ عَلَى عَقْدَيْنِ الْأَخْذُ) بِالشُّفْعَةِ (بِهِمَا) - أَيْ: الْعَقْدَيْنِ - لِأَنَّهُ شَفِيعٌ فِيهِمَا، وَلَهُ الْأَخْذُ (بِأَحَدِهِمَا) أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَيْعٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّهَا، فَإِذَا سَقَطَ الْبَعْضُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْكُلِّ، (وَيُشَارِكُهُ) - أَيْ: الشَّفِيعَ - (مُشْتَرٍ إذَا أَخَذَ) بِالْعَقْدِ (الثَّانِي، فَقَطْ) - أَيْ: دُونَ الْأَوَّلِ - لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِيهِ، فَهُوَ شَرِيكٌ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي، فَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعَيْنِ أَوْ بِالْأَوَّلِ لَمْ يُشَارِكْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ شَرِكَةٌ، وَإِنْ بِيعَ شِقْصٌ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَقْدَيْنِ؛ فَلِشَفِيعٍ الْأَخْذُ بِالْجَمِيعِ وَبِبَعْضِهَا، وَيُشَارِكُهُ مُشْتَرٍ إنْ أَخَذَ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ بِنَصِيبِهِ مِمَّا قَبْلَهُ. (وَ) إنْ تَعَدَّدَا دُونَ الْعَقْدِ [بِأَنْ] (اشْتَرَى اثْنَانِ حَقَّ وَاحِدٍ) صَفْقَةً وَاحِدَةً (أَوْ) اشْتَرَى [وَاحِدٌ] لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ الْوِلَايَةِ أَوْ لَهُمَا؛ بِأَنْ كَانَ وَكِيلًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 لِأَحَدِهِمَا وَوَلِيًّا عَلَى الْآخَرِ (حَقَّ) وَاحِدٍ؛ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مَعَ اثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ، فَيَكُونُ لِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِهِمَا وَبِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَكَذَا إنْ اشْتَرَى الْوَاحِدُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ؛ لِتَعَدُّدِ مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ. وَإِنْ اشْتَرَى وَاحِدٌ حَقَّ (اثْنَيْنِ) صَفْقَةً وَاحِدَةً، (أَوْ) اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ آخَرَ (شِقْصَيْنِ مِنْ عَقَارَيْنِ صَفْقَةً) وَاحِدَةً؛ (فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا) - أَيْ: أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَوْ الْبَائِعَيْنِ - لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مَعَ اثْنَيْنِ بَائِعِينَ أَوْ مُشْتَرِيَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ، أَوْ بَاعَ شَرِيكٌ مِنْ عَقَارَيْنِ شِقْصَيْنِ صَفْقَةً؛ فَلِلشَّفِيعِ (أَخْذُ أَحَدِ الشِّقْصَيْنِ) مِنْ أَحَدِ الْعَقَارَيْنِ دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ قَدْ يَلْحَقُهُ بِأَرْضٍ دُونَ أُخْرَى. وَلِلشَّفِيعِ (أَخْذُ شِقْصٍ) مَشْفُوعٍ (بِيعَ صَفْقَةً) وَاحِدَةً (مَعَ مَا) - أَيْ: شِقْصٍ - (لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَعَرْضٍ) أَوْ فَرَسٍ أَوْ خَاتَمٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَيَأْخُذُهُ بِحِصَّتِهِ - أَيْ: قِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ - (فَيَقْسِمُ الثَّمَنَ) الْمُسَمَّى (عَلَى قِيمَتِهِمَا) - أَيْ: الشِّقْصَيْنِ أَوْ قِيمَةَ الشِّقْصِ وَقِيمَةَ مَا مَعَهُ نَصًّا - فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةً وَقِيمَةُ مَا مَعَهُ عِشْرُونَ؛ أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، (وَلَا يَثْبُتُ لِمُشْتَرٍ خِيَارُ التَّفْرِيقِ فِيهِمَا) فِي أَخْذِ الشَّفِيعِ. قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ، وَذَلِكَ لِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ فِي الْمَعْنَى. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ بَاعَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً؛ فَالتَّعَدُّدُ وَاقِعٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ؛ إذْ الْبَائِعُ اثْنَانِ وَالْمُشْتَرِي اثْنَانِ وَالْعَقْدُ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ الْعَقْدُ بِمَثَابَةِ أَرْبَعِ صَفَقَاتٍ؛ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الْكُلِّ، أَوْ أَخْذُ نِصْفِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيُبْقِي نِصْفَهُ الْآخَرَ، أَوْ أَخْذُ رُبْعِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيُبْقِي لَهُ وَلِلْآخَرِ نِصْفَهُ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ أَخِيرَةٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا. الشَّرْطُ (الْخَامِسُ) لِلْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ (سَبْقُ مِلْكِ شَفِيعٍ لِلرَّقَبَةِ) ؛ أَيْ: أَنْ يَسْبِقَ مِلْكُهُ الْجُزْءَ مِنْ رَقَبَةِ مَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَبِيعُ عَلَى زَمَنِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ سَابِقٌ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 فَلَا شُفْعَةَ. وَيُعْتَبَرُ ثُبُوتُ (تَمَامِ الْمِلْكِ) لِلشَّفِيعِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ إقْرَارِ الْمُشْتَرِي، فَلَا تَكْفِي الْيَدُ؛ لِأَنَّهَا مُرَجِّحَةٌ فَقَطْ حَمْلًا بِالظَّاهِرِ، وَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ كَمَا يَأْتِي فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ، (فَيَثْبُتُ) الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ (لِمُكَاتَبٍ) سَبَقَ مِلْكُهُ لِلرَّقَبَةِ؛ لِصِحَّةِ مِلْكِهِ كَغَيْرِهِ، وَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ (لِأَحَدِ اثْنَيْنِ اشْتَرَيَا دَارًا صَفْقَةً) وَاحِدَةً عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْأَخْذِ سَبْقُ الْمِلْكِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا، (وَ) كَذَا (لَوْ) جُهِلَ السَّبْقُ (مَعَ ادِّعَاءِ كُلٍّ) مِنْهُمَا (السَّبْقَ، وَتَحَالَفَا) [أَوْ] أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، (وَتَعَارَضَتْ بَيِّنَتَاهُمَا) ؛ بِأَنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبْقِ مِلْكِهِ وَتَجَدُّدِ مِلْكِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ السَّبْقُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَلَا) تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِمَالِكٍ (بِمِلْكٍ غَيْرِ تَامٍّ كَبَيْعِ شِقْصٍ مِنْ دَارٍ مُوصًى لَهُ بِنَفْعِهَا) ؛ فَلَا شُفْعَةَ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ فَلَا تَجِبُ بِهَا وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ [لِمَالِكٍ بِمِلْكٍ] غَيْرِ تَامٍّ (كَشَرِكَةِ وَقْفٍ) عَلَى مُعَيَّنٍ، (فَلَا يَأْخُذُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بِهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةِ - فَدَارٌ نِصْفُهَا وَقْفٌ وَنِصْفُهَا طَلْقٌ، وَبِيعَ الطَّلْقُ لَا شُفْعَةَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ؛ أَشْبَهَ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ. (وَيَتَّجِهُ وَعَكْسُهُ يَصِحُّ) الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ كَتَعَطُّلِ مَنَافِعِ الدَّارِ الَّتِي نِصْفُهَا وَقْفٌ وَنِصْفُهَا طَلْقٌ بِانْهِدَامِهَا أَوْ خَرَابِ مَحَلَّتِهَا، وَبَيْعِ الشِّقْصِ الْمَوْقُوفِ لِيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يَكُونُ وَقْفًا مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ أَوْ يُصْرَفَ فِي وَقْفٍ مِثْلِهِ؛ إذْ مَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ؛ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ؛ فَلِلشَّرِيكِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ إذْ لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ بِلَا رَدِّ عِوَضٍ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ بِرَدِّ عِوَضٍ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ؛ لَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا؛ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْقِسْمَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْآخَرَ بِأَنْ قَالَ لَهُ: (بِعْ نِصْفَ نَصِيبِي مَعَ نِصْفِ نَصِيبِك، فَفَعَلَ) ؛ أَيْ: فَبَاعَ بِالْأَصَالَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْوَكَالَةِ عَنْ شَرِيكِهِ؛ (ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا) - أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 (فِي) الشِّقْصِ (الْمَبِيعِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ) عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ الْمَذْكُورَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ الْعَقْدُ. [فَصْلٌ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ بَعْدَ طَلَبِ الشَّفِيع الشُّفْعَة] (فَصْلٌ: وَتَصَرُّفُ مُشْتَرٍ) فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (بَعْدَ طَلَبِ شَفِيعٍ) بِالشُّفْعَةِ (بَاطِلٌ) ؛ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الشَّفِيعِ بِالطَّلَبِ فِي الْأَصَحِّ أَوْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِهِ لِحَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى مُقَابِلِهِ، وَإِنْ نَهَى الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ عَنْ التَّصَرُّفِ وَلَمْ يُطَالِبْهُ بِهَا؛ لَمْ يَصِرْ الْمُشْتَرِي مَمْنُوعًا، بَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ عَلَى قَوْلِنَا هِيَ عَلَى الْفَوْرِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ. وَتَصَرُّفُ مُشْتَرٍ (قَبْلَهُ) - أَيْ: الطَّلَبِ - (بِوَقْفٍ) عَلَى مُعَيَّنٍ؛ كَأَنْ وَقَفَهُ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ زَيْدٍ، أَوْ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ بِأَنْ وَقَفَهُ عَلَى الْمَسَاجِدِ أَوْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْغُزَاةِ، أَوْ تَصَرُّفُهُ فِي الشِّقْصِ (بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ؛ أَوْ بِمَا لَا تَجِبُ بِهِ شُفْعَةٌ ابْتِدَاءً كَجَعْلِهِ مَهْرًا أَوْ عِوَضَ خُلْعٍ أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمِ عَمْدٍ؛ يُسْقِطُهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةَ - قَالَ الْقَاضِي: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ فِيمَا إذَا تَصَرَّفَ بِالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّ بِالشُّفْعَةِ إضْرَارًا بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إنَّمَا يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ بِوَقْفٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ لِيُسْقِطَ الشُّفْعَةَ، (إنْ قَصَدَهُ) - أَيْ: الْإِسْقَاطَ، وَمَعَ ذَلِكَ تَسْقُطُ لِصُدُورِ التَّصَرُّفِ مِنْهُ قَبْلَ الطَّلَبِ. وَ (لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (بِرَهْنٍ أَوْ إجَارَةٍ) ؛ لِبَقَاءِ الْمَرْهُونِ وَالْمُؤَجَّرِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَسَبْقِ تَعَلُّقِ حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ. (وَيَنْفَسِخَانِ) - أَيْ: الرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ - (بِأَخْذِهِ) - أَيْ: أَخْذِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ الْمَرْهُونَ أَوْ الْمُؤَجَّرَ بِالشُّفْعَةِ - مِنْ حِينِ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَنِدَانِ إلَى حَالِ الشِّرَاءِ، وَلِسَبْقِ حَقِّهِ حَقَّهُمَا، وَأَيْضًا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَخْذِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 بِالشُّفْعَةِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الشِّقْصَ خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي قَهْرًا عَلَيْهِ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. (وَلَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ (بِانْتِقَالٍ لِوَارِثٍ) بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ إنْ طَالَبَ بِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ، (أَوْ) بِانْتِقَالِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (لِبَيْتِ الْمَالِ) ؛ بِأَنْ ارْتَدَّ الْمُشْتَرِي، فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ عِلْمِ الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ؛ فَلِلشَّفِيعِ إذَا عَلِمَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِانْتِقَالِ مَالِ الْمُرْتَدِّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالشِّرَاءِ وَانْتِقَالُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلِهِ أَوْ مَوْتِهِ لَا يَمْنَعُ الشُّفْعَةَ، كَمَا لَوْ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ، أَوْ صَارَ مَالُهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِعَدَمِ وَرَثَتِهِ، وَيُؤْخَذُ الشِّقْصُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ الْآيِلِ إلَيْهِمْ الشِّقْصُ وَ (لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ (بِوَصِيَّةٍ) مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ أَوْصَى بِالشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ، وَمَاتَ. (إنْ أَخَذَ شَفِيعٌ) الشِّقْصَ (قَبْلَ قَبُولِ مُوصًى لَهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ مِنْ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ، فَإِذَا أَخَذَهُ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ ذَهَبَ، فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ، كَمَا لَوْ تَلِفَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُ بَدَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوصِ لَهُ إلَّا بِالشِّقْصِ، وَقَدْ فَاتَ بِأَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ قَبِلَ الْوَصِيَّةِ بِالشِّقْصِ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ قَبْلَ طَلَبِهِ بِهَا؛ لَزِمَتْ الْوَصِيَّةُ، وَاسْتَقَرَّ لِلْمُوصَى لَهُ، وَسَقَطَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ بِالشُّفْعَةِ إضْرَارًا بِالْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَكَمَا لَوْ وَهَبَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الطَّلَبِ. وَإِنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ، وَلَمْ يَأْخُذْ بَعْدَ الطَّلَبِ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي؛ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَاسْتَقَرَّ الْأَخْذُ لِلشَّفِيعِ، سَوَاءٌ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ قَبْلَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، فَفَاتَ عَلَى الْمُوصِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 وَلَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ (بِبَيْعِ) الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ قَبْلَ الطَّلَبِ، (فَيَأْخُذُهُ) - أَيْ: الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ - (شَفِيعٌ بِثَمَنِ أَيِّ الْبَيْعَيْنِ شَاءَ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ الشِّرَاءُ - وَقَدْ وُجِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا - وَلِأَنَّهُ شَفِيعٌ فِي الْعَقْدَيْنِ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي مِنْ الشِّقْصِ قَبْلَ الطَّلَبِ؛ وَكَوْنُ الشَّفِيعِ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مَعِيبًا؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْآخَرِ، وَكَالِابْنِ يَتَصَرَّفُ فِي الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ وَإِنْ جَازَ لِأَبِيهِ الرُّجُوعُ فِيهَا. (وَيَرْجِعُ مَنْ) - أَيْ: الَّذِي (أَخَذَ مِنْهُ الشِّقْصَ بِبَيْعٍ قَبْلَ بَيْعِهِ) ، وَهُوَ مَنْ كَانَ الشِّقْصُ بِيَدِهِ حَالَ الْأَخْذِ (عَلَى بَائِعِهِ بِمَا أَعْطَاهُ) مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ الْعِوَضُ؛ (كَأَنْ يَشْتَرِيَهُ) أَيْ: الشِّقْصَ - الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ (بِخَمْسَةِ) دَنَانِيرَ، مَثَلًا، (وَيَبِيعَهُ) مِنْ آخَرَ (بِعَشَرَةِ) دَنَانِيرَ، (وَيَأْخُذُهُ) - أَيْ: الشِّقْصَ - (شَفِيعٌ) مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ (بِخَمْسَةِ) دَنَانِيرَ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ الْعَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ الثَّانِي. وَإِنْ كَانَ مُشْتَرٍ ثَالِثٌ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دَنَانِيرَ مَثَلًا، وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ حَتَّى تَبَايَعَ ثَلَاثَةٌ فَأَكْثَرُ، وَأَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ؛ رَجَعَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْمُشْتَرِي الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي، وَهَلُمَّ جَرَّا، وَيَنْفَسِخُ مَا بَعْدَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ الْأَخِيرِ؛ فَلَا رُجُوعَ، وَاسْتَقَرَّتْ الْعُقُودُ وَإِنْ أَخَذَ بِالْمُتَوَسِّطِ اسْتَقَرَّ مَا قَبْلَهُ، وَانْفَسَخَ مَا بَعْدَهُ. (وَلَا تَسْقُطُ) الشُّفْعَةُ بِرُجُوعِ الشِّقْصِ إلَى الشَّرِيكِ بِسَبَبِ (فَسْخِ) الْبَيْعِ (لِتَحَالُفٍ) عَلَى قَدْرِ الثَّمَنِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ؛ لِسَبْقِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ الْفَسْخَ، (وَيُؤْخَذُ) الشِّقْصُ (بِهِ) - أَيْ: بِثَمَنٍ - (حَلَفَ عَلَيْهِ بَائِعٌ) ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُقِرٌّ بِالْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَمُقِرٌّ لِلشَّفِيعِ بِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِذَلِكَ، فَإِذَا بَطَلَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِهِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ بِذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ فَسْخَهُمَا وَيَأْخُذَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 (وَلَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ أَيْضًا بِرُجُوعِ الشِّقْصِ إلَى الشَّرِيكِ بِسَبَبِ (فَسْخِ إقَالَةٍ أَوْ) بِسَبَبِ فَسْخِ الْبَيْعِ؛ لِوُجُودِ (عَيْبٍ فِي شِقْصٍ) ؛ فَلِلشَّفِيعِ إبْطَالُ الْإِقَالَةِ وَالرَّدُّ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَيْهِمَا. (وَ) فَسْخُ الْبَائِعِ الْبَيْعَ (لِعَيْبٍ فِي نَفْسِهِ) - أَيْ: ثَمَنِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ - (الْمُعَيَّنِ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى الشِّقْصَ بِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ عَلِمَ الْبَائِعُ عَيْبَهُ، وَفَسَخَ الْبَيْعَ (قَبْلَ أَخْذِهِ) - أَيْ: الشَّفِيعِ - الشِّقْصَ (بِهَا) - أَيْ: بِالشُّفْعَةِ - (يُسْقِطُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ) ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْبَائِعِ بِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ مِنْ الْفَسْخِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بِوُجُودِ الْعَيْبِ، وَالشُّفْعَةُ تَثْبُتُ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ أَسْبَقُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى وُجُودِ الْعَيْبِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ حَالَ الْبَيْعِ، وَالشُّفْعَةُ تَثْبُتُ بِالْبَيْعِ، وَيُفَارِقُ مَا إذَا كَانَ الشِّقْصُ مَعِيبًا فَإِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الشَّفِيعِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الرَّدِّ. وَ (لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِالْفَسْخِ لِعَيْبِ الثَّمَنِ (بَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ الْأَخْذِ بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَلَكَ الشِّقْصَ بِالْأَخْذِ فَلَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ إبْطَالَ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ. (وَلِبَائِعٍ) إذَا فَسَخَ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ (إلْزَامُ مُشْتَرٍ بِقِيمَةِ شِقْصٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ تَلَفِ الشِّقْصِ [لَا] ؛ أَيْ: لَيْسَ لِبَائِعٍ إلْزَامُ مُشْتَرٍ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ (بِالثَّمَنِ) الَّذِي قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الشَّفِيعِ بَدَلًا عَنْ عَبْدِهِ (الْمَعِيبِ) ؛ لِعَدَمِ وُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى مَا أَقَبَضَهُ الشَّفِيعُ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا دَفَعَ لِلْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْعَبْدِ غَيْرَ مَعِيبٍ. (وَيَتَرَاجَعُ مُشْتَرٍ وَشَفِيعٌ بِمَا بَيْنَ قِيمَةِ) شِقْصٍ (وَثَمَنِهِ) الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَيْبِ الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ الثَّمَنُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَبَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَيْبِ الْعَبْدِ وَفَسْخِ الْبَيْعِ وَتَعَذُّرِ رَدِّ الشِّقْصِ؛ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ عَلَى قِيمَةِ الشِّقْصِ، وَالشَّفِيعُ لَا يَلْزَمُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 إلَّا مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَلِلْمُشْتَرِي الْمُطَالَبَةُ بِمَا أَدَّاهُ زِيَادَةً عَلَيْهِ، (فَيَرْجِعُ دَافِعُ الْأَكْثَرِ) مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ (بِالْفَضْلِ) ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةً، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَكَانَ الْمُشْتَرِي أَخَذَ الْمِائَةَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّفِيعِ؛ رَجَعَ الشَّفِيعُ عَلَيْهِ بِالْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الشِّقْصَ إنَّمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ بِالْمِائَةِ. (وَلَا يَرْجِعُ شَفِيعٌ عَلَى مُشْتَرٍ بِأَرْشِ عَيْبٍ فِي ثَمَنٍ عَفَى عَنْهُ بَائِعٌ) ؛ أَيْ: لَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ مُشْتَرِيَ الشِّقْصِ مِنْ الْعَيْبِ الَّذِي وَجَدَهُ بِالْعَبْدِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِلشَّفِيعِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ حَطَّ الْبَائِعُ عَنْهُ بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ. وَإِنْ اخْتَارَ الْبَائِعُ أَخْذَ أَرْشِ الْعَيْبِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَرْجِعُ مُشْتَرٍ عَلَى شَفِيعٍ بِشَيْءٍ إنْ دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ سَلِيمًا، وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِبَدَلِ مَا أَدَّى مِنْ أَرْشِهِ، وَإِنْ عَادَ الشِّقْصُ بَعْدَ فَسْخِ الْعَقْدِ لِعَيْبِ الثَّمَنِ، وَأَخَذَ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَمْلِكْ الْبَائِعُ اسْتِرْجَاعَهُ بِمُقْتَضَى الْفَسْخِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي زَالَ عَنْهُ، وَانْقَطَعَ حَقُّهُ مِنْهُ إلَى الْقِيمَةِ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ، بِخِلَافِ غَاصِبٍ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ مَغْصُوبٍ فَأَدَّى قِيمَتَهُ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ، وَيَسْتَرْجِعُ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ. (وَلِشَفِيعٍ) أَخْذُ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ (ظَهَرَ) ؛ أَيْ: اطَّلَعَ (عَلَى عَيْبٍ) بِهِ لَمْ يَعْلَمْهُ الْمُشْتَرِي، وَلَا الشَّفِيعُ (رَدَّهُ) - أَيْ: الشِّقْصَ - (عَلَى مُشْتَرٍ، أَوْ أَخَذَ أَرْشَهُ) مِنْهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، (وَ) يَرْجِعُ (الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ) بِالثَّمَنِ، وَيَرُدُّ الشِّقْصَ إنْ رَدَّهُ الشَّفِيعُ عَلَيْهِ، أَوْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ. وَمَنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ مِنْ شَفِيعٍ وَمُشْتَرٍ؛ لَمْ يَرُدَّ الشِّقْصَ الْمَعِيبَ، وَلَمْ يُطَالِبْ بِأَرْشِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَلَكِنْ إذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ وَحْدَهُ؛ فَلَا رَدَّ لِلْمُشْتَرِي لِخُرُوجِ الشِّقْصِ عَنْ مِلْكِهِ. وَلِلْمُشْتَرِي الْأَرْشُ لِلْعَيْبِ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْهُ. (وَإِنْ بَانَ ثَمَنٌ مُعَيَّنٌ مُسْتَحَقًّا؛ بَطَلَ بَيْعٌ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 (وَلَا شُفْعَةَ) فِيهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ فِي عَقْدٍ يَنْقُلُ الْمِلْكَ إلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ قَدْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ لَزِمَهُ رَدُّ مَا أَخَذَهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَالشَّفِيعِ، فَإِنْ أَقَرَّا وَأَنْكَرَ الشَّفِيعُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا عَلَيْهِ، وَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الْعَبْدَ لِصَاحِبِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الشِّقْصِ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الشِّقْصَ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ نَقَدَ الثَّمَنَ، فَبَانَ مُسْتَحَقًّا كَانَتْ الشُّفْعَةُ وَاجِبَةً؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ قَبْضُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي لِإِعْسَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ، (وَيُقَدَّمُ) حَقُّ الشَّفِيعِ إذَا بِالْأَخْذِ بِهَا يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي مَا يُؤَدِّيهِ ثَمَنًا، فَتَزُولُ عُسْرَتُهُ، وَيَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الثَّمَنِ مُسْتَحَقًّا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الشِّقْصِ؛ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَصَحَّ فِي الْبَاقِي، وَثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، (وَكَذَا) إذَا كَانَ الثَّمَنُ (نَحْوَ مَكِيلٍ) كَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ (تَلَفَ قَبْلَ قَبْضِهِ) ؛ بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَانْتَفَتْ الشُّفْعَةُ إنْ كَانَ التَّلَفُ قَبْلَ الْأَخْذِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ، فَتَعَذَّرَ إمْضَاءُ الْعَقْدِ، فَلَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ كَالْفَسْخِ بِخِيَارٍ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ (أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ) قَبْلَ التَّلَفِ؛ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ اسْتِرْدَادَ الشِّقْصِ؛ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ الشَّفِيعِ عَلَيْهِ، وَيَغْرَمُ مُشْتَرِيهِ لِبَائِعِهِ قِيمَةَ الْمَبِيعِ، وَيَأْخُذُ مِنْ الشَّفِيعِ بَدَلَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ. تَتِمَّةٌ: وَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بَيْعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مُشْتَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْإِقَالَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَإِنْ بَاعَهُ إيَّاهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِنْ اسْتَغَلَّ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ مُشْتَرٍ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ بِأَنْ أَخَذَ ثَمَرَتَهُ أَوْ أُجْرَتَهُ؛ فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِرَدِّهَا؛ لِحَدِيثِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . (وَإِنْ أَدْرَكَهُ) ؛ أَيْ: أَدْرَكَ الشِّقْصَ الْمَبِيعَ (شَفِيعٌ، وَقَدْ اسْتَغَلَّ) الشِّقْصَ (بِزَرْعٍ مُشْتَرٍ) ، وَكَانَ الشِّقْصُ مِنْ أَرْضٍ وَنَخْلٍ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ الشَّفِيعُ حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 (ظَهَرَ ثَمَرٌ) فِي شَجَرِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ، أَوْ أَدْرَكَهُ شَفِيعٌ وَقَدْ (أُبِّرَ طَلْعٌ) لِلنَّخْلِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَهُ بِلَا تَأْبِيرٍ (وَنَحْوِهِ) ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الشِّقْصُ مِنْ أَرْضٍ بِهَا أُصُولُ بَاذِنْجَانٍ أَوْ قِثَّاءٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَلَمْ يُدْرِكْهُ الشَّفِيعُ حَتَّى ظَهَرَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي لُقَطَةً؛ فَالزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالطَّلْعُ الْمُؤَبَّرُ وَالْبَاذِنْجَانُ وَنَحْوُهُ (لَهُ) - أَيْ: لِلْمُشْتَرِي - دُونَ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ نَمَاءُ بَذْرِهِ، وَالثَّمَرُ وَنَحْوُهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ (بِسَقْيٍ بِلَا أُجْرَةٍ) عَلَى مُشْتَرٍ لِشَفِيعٍ (لِحَصَادِ) زَرْعٍ (وَجِذَاذِ) ثَمَرٍ وَإِلَى أَخْذِ (لُقَطَةٍ أَوْلَى مِنْ نَحْوِ قِثَّاءٍ) كَبَاذِنْجَانٍ وَبَامْيَاءَ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ كَالشِّرَاءِ الثَّانِي مِنْ الْمُشْتَرِي؛ فَحُكْمُهُ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلْعُ مَوْجُودًا حَالَةَ الشِّرَاءِ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ، ثُمَّ أُبِّرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ فَهُوَ لَهُ أَيْضًا مُبْقًى إلَى أَوَانِ جُذَاذِهِ، لَكِنَّ الشَّفِيعَ هُنَا لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهَا بِحِصَّتِهِمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَا شَمِلَهُ عَقْدُ الشِّرَاءِ، وَهُوَ الطَّلْعُ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ حَالَةَ الْعَقْدِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَمِلَ الْعَقْدُ الشِّقْصَ وَعَرْضًا مَعَهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي نَمَاءً مُتَّصِلًا كَالشَّجَرِ يَكْبَرُ وَالنَّخْلُ يَطْلُعُ، وَلَوْ لَمْ يُؤَبَّرْ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِزِيَادَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ تَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْإِقَالَةِ وَالْخِيَارِ، فَتَبِعَتْهُ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَلَمَّا كَانَ الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ مِلْكًا لِمُنْتَقِلٍ إلَيْهِ، وَقُلْنَا لِمَالِكِ زَرْعِهِ وَإِصْلَاحِهِ كَعَادَةِ الْمُلَّاكِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ إنْ تَلِفَ؛ كَانَ مَا زُرِعَ فِيهِ مِنْ أُصُولِ قِثَّاءٍ وَنَحْوِهَا لِزَارِعٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ؛ أَيْ: وَإِنْ أَدْرَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ - وَقَدْ اُشْتُغِلَ بِزَرْعِ أُصُولِ قِثَّاءٍ أَوْ بَاذِنْجَانٍ أَوْ بَامْيَاءَ - فَعَلَى الشَّفِيعِ تَرْكُهُ (لِفَرَاغِ اللُّقُطَاتِ) بِلَا أُجْرَةٍ، هَذَا (إنْ كَانَتْ الْأُصُولُ لِمُشْتَرٍ) ، وَأُمًّا إذَا كَانَتْ لِمُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 مِنْ الْمُشْتَرِي؛ فَلَيْسَ لَهُ سِوَى اللُّقَطَةِ الْأُولَى فَقَطْ، كَذَا قَالَ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. (وَإِنْ قَاسَمَ مُشْتَرٍ شَفِيعًا) أَوْ قَاسَمَ وَكِيلَ الشَّفِيعِ فِي غَيْبَتِهِ (لِإِظْهَارِ) الْمُشْتَرِي (زِيَادَةَ ثَمَنٍ) عَلَى الثَّمَنِ الْمُبْتَاعِ بِهِ الشِّقْصَ (وَنَحْوَهُ) ؛ كَإِظْهَارِهِ أَنَّ الشَّرِيكَ وَهَبَهُ لَهُ، أَوْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّ الشِّرَاءَ لِغَيْرِهِ، (ثُمَّ غَرَسَ) الْمُشْتَرِي، (أَوْ بَنَى) فِيمَا خَرَجَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ؛ (لَمْ تَسْقُطْ) الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ لَمْ يَتْرُكْ الْأَخْذَ بِهَا إعْرَاضًا عَنْهَا، بَلْ لِمَا أَظْهَرهُ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا أَوْ صَغِيرًا، وَطَالَبَ الْمُشْتَرِي الْحَاكِمَ بِالْقِسْمَةِ، فَقَاسَمَ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ، وَبَلَغَ الصَّغِيرُ؛ فَلَهُمَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، (وَلِرَبِّهِمَا) - أَيْ: الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ - إذَا أَخَذَ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ؛ (أَخَذَهُمَا) ؛ أَيْ: قَلَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِلْكَهُ عَلَى انْفِرَادِهِ، (وَلَوْ ضَرَّ) قَلْعُهُمَا (الْأَرْضَ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ الضَّرَرَ وَعَدَمَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ، بَلْ الَّذِي جَزَمُوا بِهِ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَخْلِيصٌ لِعَيْنِ مَالِهِ مِمَّا كَانَ حِينَ الْوَضْعِ فِي مِلْكِهِ. (وَلَا يَضْمَنُ) مُشْتَرٍ قَلْعَ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَاءَهُ (نَقْصًا) حَصَلَ (بِقَلْعٍ) ؛ لِانْتِفَاءِ عُدْوَانِهِ، فَيُخَيَّرُ الشَّفِيعُ بَيْنَ أَخْذِ الشِّقْصِ نَاقِصًا بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرْكِهِ، (وَلَا يُسَوِّي) الْمُشْتَرِي (حَفْرًا) إذَا قَلَعَ غَرْسَهُ أَوْ بِنَاءَهُ؛ لِعَدَمِ عِدْوَانِهِ، (فَإِنْ أَبَى) مُشْتَرٍ قَلْعَ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ؛ (فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ) - أَيْ: الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ - إذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 عَلِمَ الْحَالَ (بِقِيمَتِهِ حِينَ تَقْوِيمِهِ) - أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ -، (وَصِفَتُهُ أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ) مَشْغُولَةً (بِنَحْوِ غَرْسٍ) : كَبِنَاءٍ (ثُمَّ تُقَوَّمَ) الْأَرْضُ (خَالِيَةً) مِنْ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ، (فَمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ قِيمَةُ نَحْوِ بِنَاءٍ) كَغِرَاسٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي زَادَ بِالْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَفِي " الْإِقْنَاعِ " (وَلَا) يَلْزَمُ الشَّفِيعَ إذَا أَخَذَ الْغِرَاسَ أَوْ الْبِنَاءَ، سَوَاءٌ كَانَ مَا أَنْفَقَهُ الْمُشْتَرِي أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا، بَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ فَقَطْ (أَوْ قَلْعُهُ) - أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ (وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ) مِنْ الْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الْأَرْضِ مَغْرُوسَةً أَوْ مَبْنِيَّةً وَبَيْنَ قِيمَتِهَا خَالِيَةً، وَيَلْزَمُ الشَّفِيعَ (إبْقَاؤُهُ) - أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ (بِأُجْرَةٍ) ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ وَلَا يُعْلَمُ مَتَى تَنْقَضِي، (فَإِنْ أَبَى) الشَّفِيعُ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ؛ (فَلَا شُفْعَةَ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُضَارٌّ. (وَإِنْ حَفَرَ) الْمُشْتَرِي فِي الْبُقْعَةِ الْمَشْفُوعَةِ (بِئْرًا) لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ الشَّفِيعِ لِإِظْهَارِ زِيَادَةِ ثَمَنٍ، ثُمَّ عَلِمَ، فَأَخَذَ بِالشُّفْعَةِ (أَخَذَهَا) ؛ أَيْ: أَخَذَ (شَفِيعٌ) الْبِئْرَ مَعَ الشِّقْصِ، (وَلَزِمَهُ) - أَيْ: الشَّفِيعَ - لِلْمُشْتَرِي (أُجْرَةُ مِثْلِ حَفْرِهَا) ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَتَعَدَّ بِحَفْرِهَا. (وَإِنْ بَاعَ شَفِيعٌ شِقْصَهُ) مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي أُبِيعَ مِنْهَا الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ، (أَوْ) بَاعَ (بَعْضَهُ) - أَيْ: بَعْضَ شِقْصِهِ مِنْهَا - (قَبْلَ عِلْمِهِ) بِبَيْعِ شَرِيكِهِ؛ (فَعَلَى شُفْعَتِهِ) ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لَهُ حِينَ بَاعَ شَرِيكُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَفْوِهِ عَنْهَا. (وَثَبَتَتْ) الشُّفْعَةُ (لِمُشْتَرٍ أَوَّلٍ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِشِرَائِهِ حِينَ بَاعَ شِقْصَهُ (فِيمَا بَاعَهُ شَفِيعٌ) ، سَوَاءٌ أَخَذَ مِنْهُ مَا اشْتَرَاهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الرَّقَبَةِ؛ أَشْبَهَ الْمَالِكَ الَّذِي لَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ شُفْعَةٌ، وَإِنْ بَاعَ شَفِيعٌ جَمِيعَ حِصَّتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِبَيْعِ شَرِيكِهِ؛ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ. (وَتَبْطُلُ) ؛ أَيْ: تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ (بِمَوْتِ شَفِيعٍ لَمْ يَطْلُبْ) الْأَخْذَ بِهَا (مَعَ قُدْرَةٍ) أَوْ إشْهَادٍ مَعَ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ خِيَارٍ شُرِطَ لِلتَّمْلِيكِ أَشْبَهَ الْقَبُولَ، فَإِنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 لَوْ مَاتَ مَنْ يُرِيدُ الْقَبُولَ بَعْدَ إيجَابِ صَاحِبِهِ لَمْ يَقُمْ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْقَبُولِ، وَلِأَنَّا لَا نَعْلَمُ بَقَاءَهُ عَلَى الشُّفْعَةِ؛ لِاحْتِمَالِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ مَا شُكَّ فِي ثُبُوتِهِ. وَ (لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِمَوْتِ شَفِيعٍ (بَعْدَ طَلَبِهِ) أَيْ: الْمُشْتَرِي بِهَا - (أَوْ بَعْدَ إشْهَادٍ بِهِ) - أَيْ: الطَّلَبِ - (حَيْثُ اُعْتُبِرَ) الْإِشْهَادُ، كَمَرَضِ شَفِيعٍ أَوْ غَيْبَتِهِ عَنْ الْبَلَدِ، (وَتَكُونُ) الشُّفْعَةُ إذَا مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ (لِوَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ) كَسَائِرِ حُقُوقِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ يَنْتَقِلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ. ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالسَّامِرِيُّ وَابْنُ رَجَبٍ وَغَيْرُهُمْ. وَلَا فَرْقَ فِي الْوَارِثِ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَعَصَبَتِهِ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَبَيْتِ الْمَالِ، فَيَأْخُذُهُ الْإِمَامُ بِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَارِثٌ خَاصٌّ يَسْتَغْرِقُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ أَوْ رَدٍّ أَوْ رَحِمٍ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. (فَإِنْ تَرَكَ بَعْضُهُمْ) - أَيْ: الْوَرَثَةِ - حَقَّهُ مِنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ (فَكَمَا مَرَّ) مِنْ أَنَّهُ يَتَوَفَّرُ الْحَقُّ عَلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَأْخُذُوا الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكُوا الْكُلَّ؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْبَعْضِ وَتَرْكِ الْبَعْضِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي، لَكِنْ عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الشَّفِيعَ يَمْلِكُ الشِّقْصَ بِالطَّلَبِ لَا يَتَأَتَّى الْعَفْوُ بَعْدَهُ، بَلْ يَنْتَقِلُ الشِّقْصُ إلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ قَهْرًا عَلَيْهِمْ، وَيُؤْخَذُ ثَمَنُهُ مِنْ التَّرِكَةِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. (وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ لَهُ شَفِيعَانِ، فَعَفَا أَحَدُهُمَا) عَنْ الشُّفْعَةِ، (وَطَلَبَ الْآخَرُ، ثُمَّ مَاتَ الطَّالِبُ؛ فَوَرِثَهُ) الشَّرِيكُ (الْعَافِي) عَنْ الشُّفْعَةِ؛ (فَلَهُ أَخْذُ الشِّقْصِ بِهَا) - أَيْ: بِالشُّفْعَةِ - لِأَنَّ عَفْوَهُ أَوَّلًا عَنْ حَقِّهِ الثَّابِتِ بِالْبَيْعِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ الْمُتَجَدِّدَ بِالْإِرْثِ، وَإِذَا حَقَّقْتَ النَّظَرَ فَالْمِلْكُ قَدْ انْتَقَلَ إلَى الطَّالِبِ بِالطَّلَبِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِهِ وِرَاثَةً. فَقَوْلُهُ: فَلَهُ الْأَخْذُ إنَّمَا هُوَ مُجَارَاةٌ لِلْخَصْمِ، وَإِلَّا فَهُوَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ قَهْرًا. تَنْبِيهٌ: ثَلَاثَةٌ يَسْقُطُ حَقُّهُمْ قَبْلَ أَنْ يُطَالِبُوا: الشَّفِيعُ، وَالْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ، وَالْمَقْذُوفُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 [فَصْلٌ يَمْلِكُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ شَفِيعٌ مَلِيءٌ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ] (فَصْلٌ: وَيَمْلِكُ الشِّقْصَ) الْمَشْفُوعَ (شَفِيعٌ مَلِيءٌ بِلَا حُكْمِ) حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ؛ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (بِقَدْرِ ثَمَنِهِ) الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «هُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ» . رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَمِ. وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الشِّقْصَ بِالْبَيْعِ، فَكَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِالثَّمَنِ كَالْمُشْتَرِي. لَا يُقَالُ الشَّفِيعُ اسْتَحَقَّ أَخْذَ الشِّقْصِ بِغَيْرِ رِضَى مَالِكِهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ؛ كَالْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبِ حَاجَتِهِ، فَكَانَ الْمَرْجِعُ فِي بَدَلِهِ إلَى قِيمَتِهِ، وَالشَّفِيعُ اسْتَحَقَّهُ بِالْبَيْعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِالْعِوَضِ الثَّابِتِ بِهِ (الْمَعْلُومِ) لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ أَخْذٌ بِعِوَضِهَا، فَاشْتُرِطَ أَنْ يَعْلَمَهُ بَاذِلٌ قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْتِزَامِهِ؛ كَمُشْتَرِي الْمَبِيعِ، وَحَيْثُ تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ كَالْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ (يَدْفَعُ) لِمُشْتَرٍ (مِثْلَ) ثَمَنِ (مِثْلِيٍّ) - أَيْ: قَدْرَهُ مِنْ جِنْسِهِ - (بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ) ؛ لِأَنَّ هَذَا مِثْلٌ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْقِيمَةِ، فَكَانَ أَوْلَى مِمَّا سِوَاهُ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ بَدَلُ الثَّمَنِ، فَكَانَ مِثْلُهُ كَبَدَلِ الْقَرْضِ وَالْمُتْلَفِ. وَيَدْفَعُ لِمُشْتَرٍ (قِيمَةَ) ثَمَنٍ (مُتَقَوِّمٍ) مِنْ حَيَوَانٍ وَثِيَابٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلَهُ فِي الْإِتْلَافِ، وَالْمُرَادُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ، وَالِاعْتِبَارُ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ أَوْ نَقْصِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ. وَيَأْتِي. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى شَفِيعٍ مِثْلُ (مِثْلِيٍّ) ؛ بِعَدَمِهِ فَعَلَيْهِ (قِيمَتُهُ إذَنْ) - أَيْ: يَوْمَ إعْوَازِهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلَهُ فِي الْإِتْلَافِ، (أَوْ) تَعَذَّرَتْ (مَعْرِفَةُ قِيمَةِ) ثَمَنٍ (مُتَقَوِّمٍ) بِتَلَفٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ فَعَلَى شَفِيعٍ (قِيمَةُ شِقْصٍ) مَشْفُوعٍ إذَنْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ فِيهَا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ؛ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَكَانَتْ مُحَابَاةً وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ قِيمَةِ الشِّقْصِ (يَوْمَ عَقْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ جَهِلَ ثَمَنَ) - أَيْ: قَدْرَهُ - كَمَا لَوْ كَانَ صُبْرَةَ نَقْدٍ، فَتَلِفَتْ، أَوْ اخْتَلَطَتْ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ، (وَلَا) حِيلَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ؛ (سَقَطَتْ) كَمَا لَوْ عَلِمَ قَدْرَ الثَّمَنِ عِنْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ نَسِيَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا لَا يَدِّعِيهِ: فَإِنْ اتَّهَمَهُ الشَّفِيعُ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ تَحَيُّلًا عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ؛ حَلَّفَهُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الشَّفِيعِ. وَإِنْ جَهِلَ الثَّمَنَ (مَعَهَا) - أَيْ: الْحِيلَةِ - فَعَلَى شَفِيعٍ (قِيمَةُ شِقْصٍ) ، وَيَأْخُذُهُ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أُبِيعَ بِقِيمَتِهِ. (وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ شِقْصٍ) لِلشَّفِيعِ (قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ أَمْرٌ قَهْرِيٌّ وَالْبَيْعُ عَنْ رِضًى، (وَإِنْ عَجَزَ شَفِيعٌ) عَنْ دَفْعِ ثَمَنِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ - (وَلَوْ) كَانَ عَجْزُهُ (عَنْ بَعْضِ ثَمَنِهِ) - لِأَنَّ فِي أَخْذِهِ بِدُونِ دَفْعِ جَمِيعِ الثَّمَنِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ. وَالْعَجْزُ الْمُسْقِطُ لَهَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ (بَعْدَ إنْظَارِهِ) بِالثَّمَنِ مِنْ حِينِ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ (ثَلَاثًا) - أَيْ: لَيَالٍ - بِأَيَّامِهِنَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ عَجْزُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَالنَّظْمِ " وَ " تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ "؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ مَعَهُ تَعَدٍّ، فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ مَا يَعُدُّهُ فِيهِ، وَالثَّلَاثُ آخِرُ حَدِّ جَمْعِ الْقِلَّةِ، وَيُمْكِنُ الْأَعْدَادُ فِيهَا غَالِبًا. (وَلَوْ) كَانَ الشَّفِيعُ (مُفْلِسًا) ، لِاحْتِمَالِ تَحْصِيلِ الثَّمَنِ بِاتِّهَابٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ مَضَى عَلَيْهِ الْأَمَدُ، وَلَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ؛ (فَلِمُشْتَرٍ) لَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ حَيْثُ عَجَزَ الشَّفِيعُ عَنْهُ أَوْ هَرَبَ، وَقَدْ أَخَذَ [الشِّقْصَ] بِالشُّفْعَةِ (الْفَسْخُ) ؛ [لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 إلَى الثَّمَنِ، فَمَلَكَ الْفَسْخَ؛ كَبَائِعٍ بِثَمَنٍ حَالٍّ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَيْهِ بِلَا حُكْمِ] حَاكِمٍ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لَا يَقِفُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ؛ فَلَا يَقِفُ فَسْخُ الْأَخْذِ بِهَا عَلَيْهِ؛ كَفَسْخِ غَيْرِهَا مِنْ الْبُيُوعِ وَكَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَلَوْ أُتِيَ) الشَّفِيعُ (لَهُ) - أَيْ: الْمُشْتَرِي (بِرَهْنٍ) عَلَى الثَّمَنِ - وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مُحْرَزًا - (أَوْ أَتَى بِضَامِنٍ) لَهُ فِيهِ - وَلَوْ مَلِيًّا - لِأَنَّ الضَّرَرَ بِتَحْصِيلِ الثَّمَنِ حَاصِلٌ مَعَهَا، وَالشُّفْعَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ؛ فَلَا تَثْبُتُ مَعَهُ، وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الشِّقْصِ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ: وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ. (وَمَنْ) أَخَذَ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ، وَ (بَقِيَ) ثَمَنُهُ (بِذِمَّتِهِ حَتَّى فُلِّسَ) ؛ أَيْ: حَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لِفَلَسٍ؛ (خُيِّرَ مُشْتَرٍ بَيْنَ فَسْخٍ) لِلْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ إمْضَائِهِ، (وَضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ) بِالثَّمَنِ كَالْبَائِعِ إذَا أَفْلَسَ مُشْتَرٍ، (وَ) ثَمَنٍ (مُؤَجَّلٍ) أَخَذَ بِهِ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ، وَلَمْ يُدْرِكْ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ حَتَّى (حَلَّ) عَلَى مُشْتَرٍ كَثَمَنٍ (حَالٍّ) ؛ أَيْ: كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ حَالًّا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَإِلَّا) يَحِلُّ الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِهِ (إلَى أَجَلِهِ إنْ كَانَ) الشَّفِيعُ (مَلِيئًا) - أَيْ: قَادِرًا - (أَوْ كَفَّلَهُ) فِيهِ كَفِيلٌ (مَلِيءٌ) نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ، وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَيَنْتَفِي عَنْهُ الضَّرَرُ بِكَوْنِهِ مَلِيئًا، أَوْ كَفِيلُهُ مَلِيءٌ، وَإِذَا أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ مُؤَجَّلًا، ثُمَّ مَاتَ هُوَ أَوْ مُشْتَرٍ، فَحَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآخَرِ. (وَيَتَّجِهُ وَإِلَّا) يَكُنْ الشَّفِيعُ مَلِيئًا؛ (فَسَخَ) الْمُشْتَرِي عَقْدَ التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ (إنْ لَمْ يُوَثِّقْهُ) الشَّفِيعُ بِكَفِيلٍ مَلِيءٍ؛ إذْ التَّوْثِقَةُ شَرْطٌ لِلُّزُومِ التَّمَلُّكِ كَالْمَلَاءَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 [ (وَيُعْتَدُّ) فِي قَدْرِ ثَمَنٍ] (بِمَا زِيدَ) فِي قَدْرِ ثَمَنٍ (بِمَا زِيدَ) فِيهِ زَمَنَ خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ، (أَوْ حَطَّ) مِنْهُ (زَمَنَ خِيَارٍ) ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْخِيَارِ بِمَنْزِلَةِ حَالَةِ الْعَقْدِ، وَالتَّغْيِيرُ يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا عَلَى اخْتِيَارِهِمَا فِيهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا لَزِمَ الْعَقْدُ، فَاعْتُبِرَ الْقَدْرُ الَّذِي لَزِمَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ هِبَةٌ وَالنَّقْصُ إبْرَاءٌ، فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ. (وَيُصَدَّقُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ) فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ هُوَ وَالشَّفِيعُ (فِي قَدْرِ ثَمَنٍ) اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ؛ (لِمُبَاشَرَتِهِ) الْعَقْدَ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِالثَّمَنِ، وَلِأَنَّ الشِّقْصَ مِلْكُهُ؛ فَلَا يُنْتَزَعُ مِنْهُ بِدُونِ مَا يَدَّعِي بِهِ مِنْ قَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ. (وَ) كَذَا (لَوْ) كَانَ الثَّمَنُ (قِيمَةَ عَرْضٍ) اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ، وَقَالَ الشَّفِيعُ: قِيمَتُهُ عِشْرُونَ. وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ ثَلَاثُونَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ قِيمَةِ الْعَرْضِ الْمُشْتَرَى بِهِ بِيَمِينِهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْعَرْضُ مَوْجُودًا، فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا عُرِضَ عَلَى الْمُقَوِّمِينَ لِيَشْهَدُوا بِمَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ قَدْرِ قِيمَتِهِ، وَيُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ أَيْضًا (فِي جَهْلِ قَدْرِ ثَمَنٍ) ، كَتَصْدِيقِهِ بِيَمِينِهِ فِي جَهْلٍ بِقِيمَةِ الْعَرْضِ الْمُشْتَرَى بِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ جُزَافًا أَوْ بِثَمَنٍ نَسِيَ مَبْلَغَهُ، وَيُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا بِيَمِينِهِ فِي (أَنَّهُ غَرَسَ أَوْ بَنَى) فِي الْأَرْضِ الَّتِي مِنْهَا الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الشَّفِيعُ أَنَّهُ أَحْدَثَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ يُرِيدُ تَمَلُّكَهُ عَلَيْهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَالِكِ (إلَّا مَعَ بَيِّنَةِ شَفِيعٍ) فَيُعْمَلُ بِهَا. (وَتُقَدَّمُ) بَيِّنَةُ شَفِيعٍ (عَلَى بَيِّنَةِ مُشْتَرٍ) إنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ. (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَائِعٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) - أَيْ الشَّفِيعِ أَوْ الْمُشْتَرِي - لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَيُقْبَلُ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ. (وَإِنْ قَالَ) مُشْتَرٍ لِشِقْصٍ: (اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ وَأَثْبَتَهُ) - أَيْ: الشِّرَاءَ - (بَائِعٌ بِأَكْثَرَ) مِنْ أَلْفٍ؛ (أَخَذَهُ) - أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 الشِّقْصَ - (شَفِيعٌ بِأَلْفٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُقِرٌّ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِ أَخْذِهِ بِأَلْفٍ؛ فَلَمْ يُسْتَحَقَّ الرُّجُوعُ بِأَكْثَرَ، وَلِأَنَّ دَعْوَى الْمُشْتَرِي تَتَضَمَّنُ دَعْوَى كَذِبِ الْبَيِّنَةِ، وَلِأَنَّ الْبَائِعَ ظَلَمَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ؛ فَلَا يُحْكَمُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الشَّفِيعِ بِمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِهِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَذِّبُهَا. (فَإِنْ قَالَ) مُشْتَرٍ: صَدَقَتْ الْبَيِّنَةُ (وَغَلِطْت) أَنَا (أَوْ نَسِيت أَوْ كَذَبْت؛ لَمْ يُقْبَلْ) رُجُوعُهُ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ. (وَإِنْ ادَّعَى شَفِيعٌ) عَلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ شِقْصٌ كَانَ لِشَرِيكِهِ (شِرَاءَهُ) - أَيْ: الشِّقْصِ الْمُشْتَرَى - قَائِلًا: إنَّك اشْتَرَيْت هَذَا الشِّقْصَ (بِأَلْفٍ) فَلِي الشُّفْعَةُ احْتَاجَ إلَى تَحْرِيرِ الدَّعْوَى، فَيُحَدِّدُ الْمَكَانَ الَّذِي مِنْهُ الشِّقْصُ، وَيَذْكُرُ قَدْرَهُ وَثَمَنَهُ، فَإِنْ اعْتَرَفَ غَرِيمُهُ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ (فَقَالَ: بَلْ اتَّهَبْته أَوْ وَرِثْته) ، فَلَا شُفْعَةَ لَك فِيهِ؛ (حَلَفَ) عَلَيْهِ، وَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، وَالْمُثْبِتُ لِلشُّفْعَةِ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ، (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ ثَبَتَتْ، (أَوْ قَامَتْ لِشَفِيعٍ بَيِّنَةٌ) بِالْبَيْعِ ثَبَتَتْ، (أَوْ أَنْكَرَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ (أَوْ أَقَرَّ بَائِعٌ) بِهِ (ثَبَتَتْ) الشُّفْعَةُ؛ لِثُبُوتِ مُوجِبِهَا، وَمَتَى انْتَزَعَ مِنْهُ الشِّقْصَ، وَأَبَى قَبْضَ الثَّمَنِ، فَإِنَّهُ (يَبْقَى الثَّمَنُ حَتَّى فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأَخِيرَةِ إنْ أَقَرَّ بَائِعٌ بِقَبْضِهِ) - أَيْ الثَّمَنِ - مِمَّا انْتَزَعَ مِنْهُ الشِّقْصَ (فِي ذِمَّةِ شَفِيعٍ) مُتَعَلِّق بِيَبْقَى؛ لِوُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى مَقْصُودِهِ بِدُونِ الْمُحَاكَمَةِ (حَتَّى يَدَّعِيَهُ مُشْتَرٍ) ، فَيُدْفَعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يَكُونُ إنْكَارُ الْمُشْتَرِي لِلْبَيْعِ مُسْقِطًا لِحَقِّهِ؛ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَخْذُ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. (وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بَائِعٌ بِقَبْضِهِ) الثَّمَنَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ (أَخَذَ) الشَّفِيعُ (هُوَ - أَيْ: الشِّقْصَ - مِنْهُ) - أَيْ مِنْ الْبَائِعِ - (وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالْبَيْعِ الْمُوجِبِ لِلشُّفْعَةِ، وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ، فَأُخِذَ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقَّيْنِ حَقٍّ لِلشَّفِيعِ وَحَقٍّ لِلْمُشْتَرِي، فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِهِ ثَبَتَ حَقُّ الْآخَرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 (وَلَوْ ادَّعَى شَرِيكٌ) فِي عَقَارٍ فِيهِ الشُّفْعَةُ (عَلَى) إنْسَانٍ (حَاضِرٍ بِيَدِهِ نَصِيبُ شَرِيكِ الْغَائِبِ أَنَّهُ) - أَيْ: الْحَاضِرَ - (اشْتَرَاهُ) - أَيْ: الشِّقْصَ - (مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ الْغَائِبِ - (وَأَنَّهُ) أَيْ: الْمُدَّعِيَ - (يَسْتَحِقُّهُ) - أَيْ: الشِّقْصَ - (بِالشُّفْعَةِ، فَصَدَّقَهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَخَذَهُ) ؛ أَيْ: أَخَذَ الْمُدَّعِي الشِّقْصَ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ عَلَى حِصَّتِهِ مِمَّا سَبَقَ مِنْ أَنَّهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَخَذَهُ كَامِلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرَ شَرِيكٍ لَهُمَا، لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ يُصَدِّقُهُ فِي تَصَرُّفِهِ فِيمَا هُوَ بِيَدِهِ، (وَكَذَا لَوْ ادَّعَى) الشَّرِيكُ عَلَى حَاضِرٍ (إنَّك بِعْت نَصِيبَ الْغَائِبِ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ: نَعَمْ) ، فَإِنَّ لِلْمُدَّعِي أَخْذَ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ، (فَإِذَا قَدِمَ) الْغَائِبُ، (وَأَنْكَرَ) الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ (حَلَفَ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، (وَأَخَذَ شِقْصَهُ) ، وَطَلَبَ بِالْأُجْرَةِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، (وَيَضْمَنُ الشَّفِيعُ) ؛ أَيْ: يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ ادَّعَى الشَّرِيكُ عَلَى الْوَكِيلِ: أَنَّك اشْتَرَيْت الشِّقْصَ الَّذِي فِي يَدِك، فَأَنْكَرَ، وَقَالَ: إنَّمَا أَنَا وَكِيلٌ فِيهِ أَوْ مُسْتَوْدَعٌ لَهُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَقُضِيَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ إذَا نَكَلَ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي ". [فَصْلٌ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيمَا ادَّعَى شِرَاءَهُ لِمُوَلِّيهِ] (فَصْلٌ: وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيمَا) - أَيْ: فِي شِقْصٍ - (ادَّعَى) مُشْتَرٍ (شِرَاءَهُ لِمُوَلِّيهِ) - أَيْ: لِمَحْجُورِهِ - لِأَنَّ الشُّفْعَةَ حَقٌّ ثَبَتَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، فَاسْتَوَى فِيهِ جَائِزُ التَّصَرُّفِ وَغَيْرِهِ، وَقُبِلَ إقْرَارُ وَلِيِّهِ فِيهِ بِعَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مُشْتَرِي الشِّقْصِ: إنَّمَا اشْتَرَيْته لِفُلَانٍ الْغَائِبِ؛ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ، وَيَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ، وَيَدْفَعُهُ إلَى الشَّفِيعِ، وَيَكُونُ الْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ؛ لِأَنَّنَا لَوْ وَقَفْنَا الْأَمْرَ فِي الشُّفْعَةِ إلَى حُضُورِ الْمُقِرِّ لَهُ لَكَانَ فِي ذَلِكَ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُشْتَرٍ يَدَّعِي أَنَّ الشِّرَاءَ لِغَائِبٍ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ لِمُوَكَّلِهِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَحْجُورِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ حَتَّى يَقُومَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 بِالشِّرَاءِ بَيِّنَةٌ، أَوْ يَقْدَمَ الْغَائِبُ، أَوْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْ الْمَحْجُورِ. وَيَعْتَرِفَا بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا ثَبَتَ لَهُمَا بِالْإِقْرَارِ، فَإِقْرَارُهُ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ إقْرَارٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ؛ فَلَا يُقْبَلُ. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ الْمِلْكِ لَمْ يَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَلَمْ يُطَالَبْ بِبَيَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالشِّرَاءِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شُفْعَةٌ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْكَشْفِ عَنْهُ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي ". وَ (لَا) تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ (مَعَ خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ) مَعَ خِيَارِ (شَرْطٍ قَبْلَ انْقِضَائِهِ) - أَيْ: الْخِيَارِ - سَوَاءٌ كَانَ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا؛ لِمَا فِي الْأَخْذِ مِنْ إبْطَالِ خِيَارِهِ وَإِلْزَامِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ قَبْلَ رِضَاهُ بِالْتِزَامِهِ وَإِيجَابِ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ، وَتَفْوِيتِ حَقِّهِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي غَيْرِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ. تَنْبِيهٌ: بَيْعُ الْمَرِيضِ - وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ - كَبَيْعِ الصَّحِيحِ فِي الصِّحَّةِ وَفِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ رَشِيدٌ، لَكِنْ فِي الْمُحَابَاةِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ بِمَا صَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ إذَا كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ مِنْ الْمَرِيضِ عَلَى مَا يَأْتِي. (وَعُهْدَةُ شَفِيعٍ) فِيمَا إذَا ظَهَرَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا، وَأَرَادَ الشَّفِيعُ الرُّجُوع بِالثَّمَنِ أَوْ الْأَرْشِ (عَلَى مُشْتَرٍ) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَلَكَهُ مِنْ جِهَتِهِ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ؛ لِكَوْنِهِ كَبَائِعِهِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَحُصُولِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي؛ فَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَالْعُهْدَةُ فِي الْأَصْلِ كِتَابُ الشِّرَاءِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا رُجُوعُ مَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ مِنْ شَفِيعٍ أَوْ مُشْتَرٍ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ عَنْهُ الْمِلْكُ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ بِالثَّمَنِ أَوْ الْأَرْشِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الشِّقْصِ أَوْ عَيْبِهِ، فَإِذَا ظَهَرَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا، رَجَعَ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، ثُمَّ اشْتَرَى عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ ظَهَرَ الشِّقْصُ مَعِيبًا، وَاخْتَارَ الشَّفِيعُ الْإِمْسَاكَ مَعَ الْأَرْشِ، رَجَعَ بِالْأَرْشِ عَلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 فَائِدَةٌ: فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ الشَّفِيعُ عِنْدَ الْأَخْذِ؛ فَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي، وَلِلشَّفِيعِ الرَّدُّ وَأَخْذُ الْأَرْشِ، وَإِنْ عَلِمَهُ الشَّفِيعُ وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمُشْتَرِي؛ فَلَا رَدَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا أَرْشَ. [وَ] مَحَلُّ كَوْنِ الْعُهْدَةِ لِلشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ (أَقَرَّ) الْمُشْتَرِي (بِالْبَيْعِ) - أَيْ: بِشِرَائِهِ الشِّقْصَ، (فَإِنْ أَنْكَرَ) مُشْتَرٍ الشِّرَاءَ - وَلَا بَيِّنَةَ بِهِ - (وَأَخَذَ الشِّقْصَ مِنْ بَائِعٍ) مُقِرٍّ بِالْبَيْعِ؛ فَالْعُهْدَةُ إذَنْ (عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى بَائِعٍ - لِحُصُولِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعِ مِنْ جِهَتِهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ وَاضِحٌ. كَمَا أَنَّ (عُهْدَةَ مُشْتَرٍ) عَلَى بَائِعٍ، (فَإِنْ أَبَى مُشْتَرٍ) لِشِقْصٍ مَشْفُوعٍ (قَبْضَ مَبِيعٍ) لِيُسَلِّمَهُ لِشَفِيعٍ (خَوْفَ الْعُهْدَةِ؛ أَجْبَرَهُ حَاكِمٌ) عَلَى قَبْضِ الشِّقْصِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ وَاجِبٌ لِيَحْصُلَ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِهِ، وَمِنْ شَأْنِ الْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُمْتَنِعَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي [وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ وَالزَّيْدِيُّ وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ وَالشِّيرَازِيُّ] وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ، (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) فِي " الْهِدَايَةِ ": (قِيَاسُ الْمَذْهَبِ) لَا يُجْبِرُ الْحَاكِمُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى قَبْضِ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ وَتَسْلِيمِهِ لِلشَّفِيعِ، بَلْ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَأْخُذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ مِنْ الْبَائِعِ، وَيَكُونَ كَأَخْذِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي (لِلُّزُومِ الْعَقْدِ فِي) بَيْعِ (الْعَقَارِ وَصِحَّةِ تَصَرُّفِ مُشْتَرٍ فِيهِ) - أَيْ: الْمَبِيعِ - (بِدُونِ قَبْضِهِ) بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالدُّخُولِ فِي ضَمَانِهِ بِهِ. صَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَيَتَّجِهُ وَهُوَ) - أَيْ: مَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ - (أَصْوَبُ) ؛ لِأَنَّهُ لِلْقَوَاعِدِ أَقْرَبُ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْهَبُ. (وَإِنْ وَرِثَ اثْنَانِ شِقْصًا) عَنْ أَبِيهِمَا وَنَحْوِهِ، (فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ) لَلْآخِر أَوْ غَيْرِهِ؛ (فَالشُّفْعَةُ) فِي الْمَبِيعِ (بَيْنَ) الْوَارِثِ (الثَّانِي) الَّذِي لَمْ يَبِعْ، وَبَيْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 (شَرِيكِ مُوَرِّثِهِ) عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ حَالَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ تَمَلَّكَاهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِيكِ الدَّاخِلِ عَلَى شُرَكَائِهِ بِسَبَبِ شَرِكَتِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ نِصْفَ دَارٍ، ثُمَّ اشْتَرَى اثْنَانِ نِصْفَهَا الْآخَرَ، أَوْ وِرْثَاهُ، أَوْ اتَّهَبَاهُ، أَوْ وَصَلَ إلَيْهِمَا بِسَبَبٍ مَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ. أَوْ وَرِثَ ثَلَاثَةٌ دَارًا، فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْ اثْنَيْنِ، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ نَصِيبَهُ؛ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ، وَخَلَفَ ابْنَتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ، فَبَاعَتْ إحْدَى الِابْنَتَيْنِ نَصِيبَهَا أَوْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ؛ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ. (وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ حَالَ بَيْعٍ) عَلَى مُسْلِمٍ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا شُفْعَةَ لِنَصْرَانِيٍّ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَخُصُّ الْعَقَارَ فَأَشْبَهَ الِاسْتِعْلَاءَ فِي الْبُنْيَانِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ مِلْكِهِ، فَقُدِّمَ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَلْزَمُ تَقْدِيمُ دَفْعِ ضَرَرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ تَقْدِيمَ دَفْعِ الضَّرَرِ لِذِمِّيٍّ، فَإِنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ أَرْجَحُ، وَرِعَايَتُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرِيكِ الْمُسْلِمِ، وَلَيْسَ الذِّمِّيُّ فِي مَعْنَى الْمُسْلِمِ، فَيَبْقَى فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَثْبُتْ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ مَعَ عِظَمِ حُرْمَتِهِ فَلَأَنْ تَثْبُتَ عَلَى الذِّمِّيِّ مَعَ دَنَاءَتِهِ أَوْلَى. (وَ) لَا شُفْعَةَ لِمُبْتَدِعٍ (مُكَفَّرٍ بِبِدْعَةٍ عَلَى مُسْلِمٍ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَأَهْلُ الْبِدَعِ الْغُلَاةُ كَالْمُعْتَقِدِ أَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ فِي الرِّسَالَةِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا أُرْسِلَ إلَى عَلِيٍّ وَنَحْوِهِ، وَكَمَنْ يَعْتَقِدُ أُلُوهِيَّةَ [عَلِيٍّ] ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَثْبُتْ لِلذِّمِّيِّ الَّذِي يُقِرُّ عَلَى كُفْرِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَكَذَا حُكْمُ مِنْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ مِنْ الدُّعَاةِ إلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ، وَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ قَوْلُهُمْ وَيُكَفَّرُ مُجْتَهِدُهُمْ الدَّاعِيَةُ. وَتَثْبُتُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 الشُّفْعَةُ لِمَنْ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ مِنْهُمْ كَالْفَاسِقِ بِالْأَفْعَالِ مِنْ زِنًا وَلِوَاطٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ. فَائِدَةٌ: ذُكِرَ لِأَحْمَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِلرَّافِضَةِ شُفْعَةٌ فَضَحِكَ وَقَالَ: أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ الْإِسْلَامِ. (وَيَتَّجِهُ ثُبُوتُهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةِ - (لِمَجُوسِيٍّ) وَهُوَ مَنْ يَعْبُدُ النَّارَ (عَلَى كِتَابِيٍّ) يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ، وَمَنْ تَدَيَّنَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِمْ، فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْكَافِرِ - وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لِلشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ مُسْلِمًا - لِاسْتِوَائِهِمَا، (وَ) لِأَنَّ (الْكُفْرَ هُنَا) - أَيْ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ - (مِلَّةٌ) وَاحِدَةٌ، وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْمُسَاوِي لَهُ، لَا مِنْ الْبَائِعِ. وَلَوْ تَبَايَعَ كَافِرَانِ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَتَقَابَضَا قَبْلَ إسْلَامِهِمَا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا؛ لَمْ يُنْقَضْ الْبَيْعُ، وَكَذَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِمْ، وَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) شُفْعَةَ (لِمُضَارِبٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ جُزْءٌ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَلَا تَثْبُتُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ (كَأَنْ يَكُونَ لَهُ) - أَيْ: لِلْمُضَارِبِ - (شِقْصٌ فِي دَارٍ) وَلَا تَنْقَسِمُ إجْبَارًا. (فَيَشْتَرِي) الْمُضَارِبُ (بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ بَقِيَّتَهَا) - أَيْ: الدَّارِ -، (وَإِلَّا بِأَنْ) لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ (وَجَبَتْ) الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ. (وَلَا) شُفْعَةَ (لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى مُضَارِبٍ كَأَنْ يَكُونَ لِرَبِّ الْمَالِ شِقْصٌ فِي دَارٍ فَيَشْتَرِي الْمُضَارِبُ بِمَالِهَا) - أَيْ: مَالِ الْمُضَارَبَةِ (بَقِيَّتَهَا) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِرَبِّ الْمَالِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ عَلَى نَفْسِهِ. (وَلَا) شُفْعَةَ (لِمُضَارِبٍ فِيمَا) - أَيْ: شِقْصٍ - (بَاعَهُ مِنْ مَالِهَا) - أَيْ: الْمُضَارَبَةِ - (وَلَهُ) - أَيْ: الْمُضَارِبِ - (فِيهِ) - أَيْ: الَّذِي مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَبِيعُ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 (مِلْكٌ لِتُهْمَتِهِ) أَشْبَهَ شِرَاءَهُ مِنْ نَفْسِهِ، (وَلَهُ) - أَيْ: الْمُضَارِبِ - (الشُّفْعَةُ فِيمَا) ؛ أَيْ: فِي شِقْصِ - (بِيعَ) ؛ أَيْ: بَاعَهُ مَالِكُهُ الْأَجْنَبِيُّ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ مَكَان فِيهِ الشُّفْعَةُ (شَرِكَةً لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ إنْ كَانَ) فِي أَخْذِهِ (حَظٌّ) كَكَوْنِهِ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةَ الرِّبْحِ، (فَإِنْ أَبَى) مُضَارِبٌ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ (أَخَذَ بِهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةِ - (رَبُّ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِلْكُهُ، وَالشَّرِكَةُ حَقِيقَةٌ لَهُ، وَلَا يَنْفُذُ عَفْوُ مُضَارِبٍ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ أَشْبَهَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ. وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلسَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَلَا يُزَكِّيهِ وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا شُفْعَةَ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا بِيَدِهِ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ. [تَتِمَّةٌ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِكُلٍّ مِنْ الْبَدْوِيِّ وَالْقَرَوِيِّ عَلَى الْآخَرِ] تَتِمَّةٌ: وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِكُلٍّ مِنْ الْبَدْوِيِّ وَالْقَرَوِيِّ عَلَى الْآخَرِ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ. [بَابُ الْوَدِيعَةِ] (بَابُ الْوَدِيعَةِ) الْوَدِيعَةُ: وَهِيَ فَعَيْلَةٌ مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ إذَا تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ مَتْرُوكَةً عِنْدَ الْمُودَعِ، وَقِيلَ: مُشْتَقَّةٌ مِنْ الدَّعَةِ، فَكَأَنَّهَا عِنْدَ الْمُودَعِ غَيْرُ مُبْتَذَلَةٍ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا، وَقِيلَ: مِنْ وَدَعَ الشَّيْءُ إذَا سَكَنَ وَاسْتَقَرَّ، فَكَأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَسُمِّيَتْ وَدِيعَةً - بِالْهَاءِ - لِأَنَّهُمْ ذَهَبُوا بِهَا إلَى الْأَمَانَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] : وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرُوِيَ «عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدَائِعُ فَلَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ أَوْدَعَهَا عِنْدَ أُمِّ أَيْمَنَ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَرُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا» . وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَأَجْمَعَ كُلُّ عَصْرٍ عَلَى جَوَازِ الْإِيدَاعِ وَالِاسْتِيدَاعِ، وَالْعِبْرَةُ تَقْتَضِيهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَى جَمِيعِهِمْ حِفْظُ أَمْوَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَيَحْتَاجُونَ إلَى مَنْ يَحْفَظُهَا لَهُمْ. ثُمَّ الْوَدِيعَةُ شَرْعًا (الْمَالُ) أَوْ الْمُخْتَصُّ كَكَلْبِ الصَّيْدِ (الْمَدْفُوعِ) مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (إلَى مَنْ) ؛ أَيْ: إنْسَانٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (يَحْفَظُهُ) ، فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمَالِ أَوْ الْمُخْتَصِّ الْكَلْبُ الَّذِي لَا يُقْتَنَى وَالْخَمْرُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا لَا يُحْتَرَمُ، وَبِقَيْدِ الْمَدْفُوعِ مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارٍ مِنْ نَحْوِ ثَوْبٍ وَمَا أَخَذَهُ بِالتَّعَدِّي، وَبِقَيْدِ الْحِفْظِ الْعَارِيَّةُ وَنَحْوُهَا. (وَيَتَّجِهُ) حِفْظُ الْمَالِ الْمُودَعِ (وَلَوْ بِعِوَضٍ) يُؤْخَذُ عَلَى حِفْظِهِ، وَعَلَيْهِ يَدْخُلُ الْأَجِيرُ لِحِفْظِ الْمَالِ، (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ: الْوَدِيعَةُ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إلَى مَنْ يَحْفَظُهُ بِلَا عِوَضٍ. وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ " نَقْلًا عَنْ " الْفَائِقِ ": الْوَدِيعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَوَكُّلٍ لِحِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ، وَنُقِلَ عَنْ " الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " إنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِحِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ، وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ هَذَا الِاتِّجَاهَ وَلَا مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ. (وَالْإِيدَاعُ التَّوْكِيلُ) مِنْ رَبِّ الْمَالِ (فِي حِفْظِهِ) حَالَ كَوْنِ الْحِفْظِ (تَبَرُّعًا) مِنْ الْحَافِظِ، (وَالِاسْتِيدَاعُ التَّوَكُّلُ) مِنْ إنْسَانٍ (فِي حِفْظِهِ) أَيْ: حِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ - (كَذَلِكَ) - أَيْ: تَبَرُّعًا - (بِغَيْرِ تَصَرُّفٍ) فِي الْمَالِ الْمَحْفُوظِ؛ لِعَدَمِ الْإِذْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 فِي التَّصَرُّفِ بِغَيْرِ الْحِفْظِ، وَيَكْفِي الْقَبْضُ قَبُولًا لِلْوَدِيعَةِ؛ كَالْوَكَالَةِ. (وَيُعْتَبَرُ لَهَا) - أَيْ: لِلْوَدِيعَةِ لِعَقْدِهَا - (أَرْكَانُ وَكَالَةٍ) ؛ أَيْ: مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا جَائِزَ التَّصَرُّفِ، وَتَعْيِينِ وَدِيعٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهَا. (وَتَبْطُلُ) الْوَدِيعَةُ (بِمَا تَبْطُلُ بِهِ وَكَالَةٌ) ، إلَّا إذَا عَزَلَهُ الْمَالِكُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ، وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ؛ فَهِيَ بِيَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَانَةً حُكْمُهَا فِي يَدِهِ حُكْمُ الثَّوْبِ إذَا أَطَارَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ يَجِبُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ (وَيُسْتَحَبُّ قَبُولُهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةِ - (لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ) ؛ أَيْ: أَنَّهُ ثِقَةٌ قَادِرٌ عَلَى حِفْظِهَا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» . قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ إلَّا بِرِضَى رَبِّهَا، قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ ": وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بَعْدَ إعْلَامِهِ بِذَلِكَ إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُهُ لِئَلَّا يَغُرَّهُ. (وَهِيَ) - أَيْ: الْوَدِيعَةُ - (أَمَانَةٌ) بِيَدِ الْمُودِعَ (لَا تُضْمَنُ) ؛ أَيْ: لَا يَضْمَنُهَا الْمُودَعُ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يَحْفَظُهَا لِمَالِكِهَا، فَلَوْ ضُمِنَتْ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا، وَذَلِكَ مُضِرٌّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا (بِلَا تَعَدٍّ) مِنْ الْوَدِيعِ (أَوْ تَفْرِيطٍ) - أَيْ: تَقْصِيرٍ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ - فَيَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ مُتْلِفٌ لِمَالِ غَيْرِهِ، فَضَمِنَهُ؛ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ مِنْ غَيْرِ إيدَاعٍ، وَالْمُفَرِّطُ مُتَسَبِّبٌ بِتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِهَا. (وَلَوْ تَلِفَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ) سَوَاءٌ ذَهَبَ مَعَهَا مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ أَوْ لَا، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ ضَمَّنَ أَنَسًا وَدِيعَةً ذَهَبَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْرِيطِ. (وَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْوَدِيعَ - (حِفْظُهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةِ - بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً كَزَوْجَةٍ وَعَبْدٍ كَمَا يَحْفَظُ مَالَهُ (فِي حِرْزِ مِثْلِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 عُرْفًا) ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِيدَاعِ الْحِفْظُ، وَالِاسْتِيدَاعُ الْتِزَامُ ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَحْفَظْهَا لَمْ يَفْعَلْ مَا الْتَزَمَهُ (كَحِرْزِ سَرِقَةٍ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِالْحِفْظِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": مَنْ اُسْتُوْدِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ عَاجِلًا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَإِلَّا ضَمِنَ. وَإِنْ شَرَطَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ ضَمَانَهَا عَلَى الْوَدِيعِ؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، وَلَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ. أَوْ قَالَ الْوَدِيعُ: أَنَا ضَامِنٌ لِلْوَدِيعَةِ؛ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْأَمَانَاتِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَكَذَلِكَ مَا أَصْلُهُ الْأَمَانَةُ كَالرَّهْنِ وَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ وَالْمُوصَى بِنَفْعِهَا، فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ ضَمَانِهَا وَلَا ضَمَانُهَا. (وَلَا يَضُرُّ نَقْلُهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةِ (مِنْ حِرْزِ مِثْلِهَا) لِحِرْزِ (مِثْلِهِ) - أَيْ: مِثْلِ الْحِرْزِ الْأَوَّلِ - (وَلَوْ) نَقَلَهَا إلَى حِرْزٍ (دُونَ) الْحِرْزِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا رَدَّ حِفْظَهَا إلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، وَأَذِنَ لَهُ فِي إحْرَازِهَا بِمَا شَاءَ مِنْ إحْرَازِ مِثْلِهَا، وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَهَا فِي الثَّانِي أَوَّلًا؛ لَمْ يَضْمَنْهَا، فَكَذَلِكَ إذَا نَقَلَهَا إلَيْهِ، (فَإِنْ عَيَّنَهُ) - أَيْ: الْحِرْزَ (رَبُّهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةِ - بِأَنْ قَالَ: احْفَظْهَا بِهَذَا الْبَيْتِ أَوْ الْحَانُوتِ، (فَأَحْرَزَهَا بِدُونِهِ) - أَيْ: دُونِ الْمُعَيَّنِ رُتْبَةً فِي الْحِفْظِ -. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ أَنَّهُ) - أَيْ: الْحِرْزَ الَّذِي جَعَلَهَا فِيهِ - (حِرْزُ مِثْلِهَا) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، فَضَاعَتْ، (ضَمِنَ) لِأَنَّهُ خَالَفَ الْمَالِكَ فِي حِفْظِ مَالِهِ، وَلِأَنَّ بُيُوتَ الدَّارِ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهَا مَا هُوَ أَسْهَلُ نَقْبًا وَنَحْوُهُ مِمَّا لَهُ أَثَرٌ؛ فَيَضْمَنُهَا بِوَضْعِهَا فِي غَيْرِهِ. (وَلَوْ رَدَّهَا) لِلْحِرْزِ (الْمُعَيَّنِ) بَعْدَ ذَلِكَ وَتَلِفَتْ فِيهِ؛ فَيَضْمَنُهَا؛ لِتَعَدِّيهِ بِوَضْعِهَا فِي الدُّونِ، فَلَا تَعُودُ أَمَانَةً إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، (وَ) إنْ أَحْرَزَهَا (بِمِثْلِهِ) - أَيْ: بِحِرْزٍ مِثْلِ الَّذِي عَيَّنَهُ صَاحِبُهَا فِي الْحِفْظِ - (أَوْ) أَحْرَزَهَا بِحِرْزٍ (فَوْقَهُ) ؛ لَمْ يَضْمَنْ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 (وَلَوْ) أَخْرَجَهَا (لِغَيْرِ حَاجَةٍ) ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ الْحِرْزَ إذْنٌ فِيمَا هُوَ مِثْلُهُ؛ كَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعِ حِنْطَةٍ؛ فَلَهُ زَرْعُهَا وَزَرْعُ مِثْلِهَا فِي الضَّرَرِ، وَاقْتِضَاءُ الْإِذْنِ فِيمَا هُوَ أَحْفَظُ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ كَزَرْعِ مَا هُوَ دُونَ الْحِنْطَةِ، (أَوْ زَادَهَا إقْفَالًا) ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا. (وَلَوْ نَهَاهُ) عَنْ إحْرَازِهَا بِمِثْلِ الْمُعَيَّنِ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ عَنْ نَقْلِهَا مِمَّا عَيَّنَ لَهُ أَوْ عَنْ زِيَادَةِ الْإِقْفَالِ، وَفَعَلَ؛ (لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْجَعْلِ أَوَّلًا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَبَيْنَ النَّقْلِ إلَيْهِ. (وَلَوْ تَلِفَتْ) الْوَدِيعَةُ (بِسَبَبِ نَقْلٍ كَانْهِدَامِ مَا) - أَيْ مَحَلٍّ نُقِلَتْ إلَيْهِ - ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ خِلَافًا لِصَاحِبِ " التَّلْخِيصِ " وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي بَيْتِ صَاحِبِهَا، فَقَالَ الْآخَرُ (احْفَظْهَا بِبَيْتِي مَوْضِعَهَا) ، وَلَا تَنْقُلْهَا (فَنَقَلَهَا) مِنْ مَوْضِعِهَا (لَا لِخَوْفٍ) عَلَيْهَا ضَمِنَهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَدِيعٍ بَلْ وَكِيلٌ فِي حِفْظِهَا، فَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا وَلَا مِنْ مَوْضِعٍ اسْتَأْجَرَهُ لَهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهَا، فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا. وَقَدْ تَعَيَّنَ حِفْظُهَا فِي إخْرَاجِهَا، وَيَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَوْ حَضَرَ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَخْرَجَهَا، وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا عَلَى صِفَةٍ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ الصِّفَةُ لَزِمَهُ حِفْظُهَا؛ كَالْمُسْتَوْدَعِ إذَا خَافَ عَلَيْهَا (وَإِذَا نَهَاهُ) ؛ أَيْ: نَهَى الْمُودِعُ الْوَدِيعَ (عَنْ إخْرَاجِهَا) مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ لِحِفْظِهَا (فَأَخْرَجَهَا) وَدِيعٌ مِنْهُ (لِحِرْزِ مِثْلٍ أَوْ) لِحِرْزٍ (أَعْلَى) مِنْ حِرْزِ الْمِثْلِ (أَوْ) لِحِرْزٍ (دُونَهُ لِعُذْرٍ) بِأَنْ تَعَذَّرَ وُجُودُ حِرْزٍ خَيْرٍ مِنْهُ، (وَيَلْزَمُهُ) إخْرَاجُهَا، فَأَخْرَجَهَا (لِغَشَيَانِ) نَارٍ أَوْ سَيْلٍ أَوْ (شَيْءٍ الْغَالِبُ مِنْهُ) التَّوَى بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ: (الْهَلَاكُ) - فَتَلِفَتْ؛ (لَمْ يَضْمَنْ) مَا تَلِفَ بِنَقْلِهَا. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ، لِأَنَّهُ إذَنْ أَحْفَظُ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ سِوَاهُ (وَإِنْ تَرَكَهَا) فِي الْحِرْزِ الَّذِي عَيَّنَهُ رَبُّهَا (إذَنْ) أَيْ مَعَ غَشَيَانِ مَا الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ، فَتَلِفَتْ؛ ضَمِنَ سَوَاءٌ تَلِفَتْ بِالْأَمْرِ الْمَخُوفِ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِهِ، (أَوْ أَخْرَجَهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةَ - مِنْ الْمَكَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 الَّذِي عَيَّنَهُ رَبُّهَا، وَنَهَاهُ عَنْ إخْرَاجِهَا مِنْهُ (لِغَيْرِ خَوْفٍ) وَيَحْرُمُ إخْرَاجُهَا إذَنْ. (وَلَوْ) كَانَ إخْرَاجُهُ إيَّاهَا لِحِرْزٍ (أَعْلَى) مِنْ الْحِرْزِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ الْمَالِكُ (فَتَلِفَتْ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَخْرَجَهَا إلَى مِثْلِهِ أَوْ أَحْرَزَ مِنْهُ؛ (ضَمِنَ) لِأَنَّهُ خَالَفَ رَبَّهَا لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْهَهُ (فَإِنْ) عَيَّنَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ حِرْزًا أَوْ (قَالَ) لِلْوَدِيعِ (لَا تُخْرِجْهَا) مِنْهُ (وَإِنْ خِفْت عَلَيْهَا، فَحَصَلَ خَوْفٌ؛ فَأَخْرَجَهَا) خَوْفًا عَلَيْهَا؛ لَمْ يَضْمَنْهَا، لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ وَحِفْظٍ (أَوْ لَا) ؛ أَيْ: أَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا مَعَ الْخَوْفِ، فَتَلِفَتْ مَعَ إخْرَاجِهَا وَتَرْكِهِ؛ (لَمْ يَضْمَنْهَا) الْوَدِيعُ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهَا فَهُوَ مُمْتَثِلٌ أَمْرَ صَاحِبِهَا، لِنَهْيِهِ عَنْ إخْرَاجِهَا مَعَ الْخَوْفِ؛ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَتْلِفْهَا فَأَتْلَفَهَا. وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَحِفْظًا، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَتْلِفْهَا فَلَمْ يُتْلِفْهَا وَالْحُكْمُ فِي إخْرَاجِهَا مِنْ الْخَرِيطَةِ أَوْ الصُّنْدُوقِ كَالْحُكْمِ فِي إخْرَاجِهَا مِنْ الْبَيْتِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ. (وَإِنْ) أَوْدَعَهُ بَهِيمَةً وَلَمْ يَأْمُرْهُ رَبُّهَا بِعَلَفِهَا وَلَا سَقْيِهَا، لَزِمَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِنْ كَمَالِ الْحِفْظِ، بَلْ هُوَ الْحِفْظُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي عَلَفَهَا وَسَقْيَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حِفْظِهَا، فَإِنْ (لَمْ يَعْلِفْهَا) الْوَدِيعُ أَوْ لَمْ يَسْقِهَا (حَتَّى مَاتَتْ) جُوعًا أَوْ عَطَشًا؛ (ضَمِنَهَا) بِالتَّفْرِيطِ فِي حِفْظِهَا وَتَعَدِّيهِ بِهِ بِتَرْكِ مَا أُمِرَ بِهِ عُرْفًا أَوْ نُطْقًا (إلَّا إنْ نَهَاهُ) - أَيْ: الْوَدِيعَ - (مَالِكٌ) عَنْ عَلَفِهَا وَسَقْيِهَا، فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَتْ، فَلَا يَضْمَنُ الْوَدِيعُ، لِأَنَّ مَالِكَهَا أَذِنَ بِإِتْلَافِهَا، فَامْتَثَلَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهَا، فَقَتَلَهَا (وَيَحْرُمُ) عَلَى الْوَدِيعِ تَرْكُ عَلَفِهَا وَسَقْيِهَا حَتَّى مَعَ الْأَمْرِ بِتَرْكِهَا، لِحُرْمَتِهَا فِي نَفْسِهَا فَيَجِبُ إحْيَاؤُهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. (وَيَتَّجِهُ وَيَرْجِعُ مُنْفِقٌ) عَلَى بَهِيمَةٍ نَهَاهُ مَالِكُهَا عَنْ عَلَفِهَا وَسَقْيِهَا (إذَنْ) أَيْ حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ (إنْ نَوَاهُ) أَيْ: الرُّجُوعَ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَعَ تَعَذُّرِ اسْتِئْذَانِ مَالِكٍ) لِلْبَهِيمَةِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا إمَّا لِغَيْبَةٍ أَوْ اسْتِتَارِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 وَإِنْ قَدَرَ الْوَدِيعُ عَلَى صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ أَوْ وَكِيلِهِ طَالَبَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، أَوْ رَدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ أَوْ طَالَبَهُ بِالْإِذْنِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لِيَرْجِعَ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْحَيَوَانِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَالِكِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ صَاحِبِهَا وَعَنْ وَكِيلِهِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى أَحَدِهِمَا لِيُطَالِبَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا أَوْ اسْتِرْدَادِهَا أَوْ أَنْ يَأْذَنَهُ فِي النَّفَقَةِ؛ أَنْفَقَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَيْهَا (وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ حَاكِمًا أَمْكَنَ) اسْتِئْذَانُهُ بَلْ نَوَى الرُّجُوعَ فَقَطْ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُنْتَخَبِ " وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ " وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ " الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ " " وَالْفَائِقِ ". قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ؛ أَيْ: أَنْفَقَ مَعَ إمْكَانِ إذْنِ الْحَاكِمِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ بَلْ نَوَى الرُّجُوعَ؛ لَمْ يَرْجِعْ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ - أَيْ: الْوَدِيعِ - (فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَ) بِأَنْ قَالَ الْوَدِيعُ: أَنْفَقْت عَشَرَةً. قَالَ رَبُّهَا: بَلْ ثَمَانِيَةً؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَدِيعِ بِيَمِينِهِ إذَا ادَّعَى النَّفَقَةَ (بِمَعْرُوفٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَإِنْ ادَّعَى الْوَدِيعُ زِيَادَةً عَنْ النَّفَقَةِ بِمَعْرُوفٍ؛ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ لِمُنَافَاةِ الْعُرْفِ لَهَا. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مُدَّةِ الْإِنْقَاقِ بِأَنْ قَالَ رَبُّهَا: أَنْفَقْت مُنْذُ سَنَةٍ، فَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: بَلْ مِنْ سَنَتَيْنِ؛ فَقَوْلُ صَاحِبِهَا بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ. (وَيَلْزَمُ) الْوَدِيعَ (عَلَفُ بَهِيمَةٍ وَلَوْ لَمْ يُؤْمَرْ) ؛ أَيْ: وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ رَبُّهَا (بِهِ) - أَيْ: الْعَلَفِ - لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ حُرْمَةً فِي نَفْسِهِ تُوجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ أَحْيَانًا (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى فِيمَا يُوهِمُ) مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْمُرْ مَالِكُ الْبَهِيمَةِ الْوَدِيعَ فِي عَلَفِهَا وَسَقْيِهَا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَعِبَارَتُهُ: وَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ لَزِمَهُ قَدْ تَقَدَّمَ كُلُّ قَوْلِهِ. وَإِنْ لَمْ يَعْلِفْ الْبَهِيمَةَ حَتَّى مَاتَتْ؛ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَبْقَى عَادَةً بِدُونِ الْعَلَفِ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أُمِرَ الْوَدِيعُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُؤْمَرْ، وَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ. فَائِدَةٌ: لَوْ خَافَ عَلَى الثَّوْبِ الْعُثَّ وَجَبَ عَلَيْهِ نَشْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَلِفَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 ضَمِنَهُ. قَالَ رَبُّ وَدِيعَةٍ لِوَدِيعٍ: (اُتْرُكْهَا فِي جَيْبِك فَتَرَكَهَا فِي يَدِهِ) أَوْ تَرَكَهَا (فِي كُمِّهِ) ؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْجَيْبَ أَحْرَزُ وَرُبَّمَا نَسِيَ فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ أَوْ كُمِّهِ، (أَوْ قَالَ: اُتْرُكْهَا فِي كُمِّك، فَتَرَكَهَا فِي يَدِهِ) ؛ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ يَسْقُطُ مِنْهَا الشَّيْءُ بِالنِّسْيَانِ بِخِلَافِ الْكُمِّ، (أَوْ عَكْسَهُ) بِأَنْ قَالَ: اُتْرُكْهَا فِي يَدِك، فَتَرَكَهَا فِي كُمِّهِ؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْكُمَّ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْبَطُّ، بِخِلَافِ الْيَدِ فَكُلٌّ مِنْهَا أَدْنَى مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ فَضَمِنَ لِمُخَالَفَتِهِ (أَوْ أَخَذَهَا) أَيْ: الْوَدِيعَةَ - الْوَدِيعُ (بِسُوقِهِ) أَوْ أُمِرَ - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ؛ أَيْ: أَمَرَهُ مَالِكُهَا - (بِحِفْظِهَا فِي بَيْتِهِ، فَتَرَكَهَا) الْوَدِيعُ عِنْدَهُ (لِحِينِ مُضِيِّهِ) إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ فَوْقَ مَا يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ بِهَا، فَتَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ بِهَا إلَى بَيْتِهِ؛ (ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ أَحْفَظُ لَهَا، وَتَرَكَهَا فَوْقَ مَا يَمْضِي بِهَا تَفْرِيطُهُ وَ (لَا) يَضْمَنُ الْوَدِيعُ (إنْ قَالَ) لَهُ الْمُودِعَ: (اُتْرُكْهَا فِي كُمِّك أَوْ) قَالَ لَهُ: اُتْرُكْهَا فِي (يَدِك) لِأَنَّهُ أَحْرَزُ (أَوْ أَلْقَاهَا) ؛ أَيْ: الْوَدِيعُ (عِنْدَ هُجُومِ نَحْوِ نَاهِبٍ) كَقَاطِعِ طَرِيقٍ (إخْفَاءً لَهَا) ؛ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ النَّاسِ فِي حِفْظِ أَمْوَالِهِمْ، (وَمَعَ إطْلَاقٍ) بِأَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِوَضْعِهَا فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ (يَضَعُهَا أَيْنَ شَاءَ مِنْ نَحْوِ كُمٍّ وَيَدٍ) كَجَيْبٍ مَزْرُورٍ أَوْ ضَيِّقِ الْفَمِ، لَا إنْ كَانَ الْجَيْبُ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَإِنْ شَدَّهَا فِي كُمِّهِ أَوْ فِي عَضُدِهِ أَوْ تَرَكَهَا فِي كُمِّهِ مُودِعًا ثَقِيلًا حَيْثُ يَشْعُرُ بِهِ إذَا سَقَطَ بِلَا شَدٍّ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْ رَبُّهُ حِرْزًا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، وَإِنْ تَرَكَهَا فِي وَسَطِهِ وَشَدَّ عَلَيْهَا سَرَاوِيلَهُ؛ لَمْ يَضْمَنْ إنْ ضَاعَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا. وَإِنْ أَمَرَهُ رَبُّ الْوَدِيعَةِ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي صُنْدُوقٍ وَقَالَ لَهُ: لَا تَقْفِلْ عَلَيْهَا، أَوْ لَا تَنَمْ فَوْقَهَا، فَخَالَفَهُ وَقَفَلَ عَلَيْهَا الصُّنْدُوقَ، أَوْ نَامَ عَلَيْهَا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ، أَوْ قَالَ: اجْعَلْهَا فِي صُنْدُوقٍ؛ وَلَا تَقْفِلْ عَلَيْهَا إلَّا قُفْلًا وَاحِدًا فَجَعَلَ عَلَيْهَا قُفْلَيْنِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) إنْ قَالَ مُودَعٌ لِوَدِيعٍ: (اجْعَلْ) هَذَا (الْخَاتَمَ فِي الْبِنْصِرِ فَجَعَلَهُ فِي الْخِنْصِرِ) - بِكَسْرِ الصَّادِ فِيهِمَا - فَضَاعَ؛ (فَضَمِنَهُ لَا عَكْسَهُ) بِأَنْ قَالَ: اجْعَلْهُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 الْخِنْصِرِ، فَجَعَلَهُ فِي الْبِنْصِرِ؛ فَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ فَهِيَ أَحْرَزُ، (إلَّا إنْ انْكَسَرَ) الْخَاتَمُ (لِغِلَظِهَا) - أَيْ: الْبِنْصِرِ - فَيَضْمَنُهُ لِإِتْلَافِهِ لَهُ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ مَالِكُهُ "، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي الْوُسْطَى، وَأَمْكَنَ إدْخَالُهُ فِي جَمِيعِهَا، فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي جَمِيعِهَا، فَجَعَلَهُ فِي بَعْضِهَا ضَمِنَ، لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ الْمَأْمُورِ بِهِ (أَوْ جَعَلَهُ) - أَيْ: الْخَاتَمَ - (فِي أُنْمُلَتِهَا) - أَيْ: أُنْمُلَةِ الْبِنْصِرِ - (الْعُلْيَا) وَكَذَا الْوُسْطَى وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي جَمِيعِهَا، ضَمِنَ، لِأَنَّهُ دُونَ الْمَأْمُورِ بِهِ. (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ: (احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا تُدْخِلْهُ أَحَدًا، فَخَالَفَ) بِأَنْ جَعَلَهَا فِي الْبَيْتِ، وَأَدْخَلَ إلَيْهِ قَوْمًا (فَتَلِفَتْ) الْوَدِيعَةُ (بِنَحْوِ حَرْقٍ) كَنَهْبٍ (وَسَرِقَةٍ - وَلَوْ مِنْ غَيْرِ دَاخِلٍ) إلَيْهِ - (ضَمِنَ) لِأَنَّ الدَّاخِلَ رُبَّمَا شَاهَدَ الْوَدِيعَةَ فِي دُخُولِهِ الْبَيْتَ وَعَلِمَ مَوْضِعَهَا وَطَرِيقَ الْوُصُولِ إلَيْهَا، فَسَرَقَهَا، أَوْ دَلَّ غَيْرَهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ خَالَفَ مَالِكَهَا بِإِدْخَالِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ إخْرَاجِهَا، فَأَخْرَجَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقُ وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " لِمُخَالَفَتِهِ. [فَرْعٌ بَيْعُ الْوَدِيعَة الَّتِي تَعَذَّرَ عَلَى الْوَدِيع رَدُّهَا لِمَالِكِهَا] (فَرْعٌ: يَتَّجِهُ لِمُودِعٍ بَيْعُ وَدِيعَةٍ) تَعَذَّرَ عَلَى وَدِيعٍ رَدُّهَا لِمَالِكِهَا أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ لِحَاكِمٍ ثِقَةٍ حَيْثُ (خَافَ عَلَيْهَا) التَّلَفَ، (بَلْ يَجِبُ) بَيْعُهَا (مَعَ خَوْفِ تَلَفٍ) وَحِفْظُ ثَمَنِهَا إلَى حُضُورِ رَبِّهَا، لِأَنَّ حِفْظَ الْأَمْوَالِ مَطْلُوبٌ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا؛ لِتَفْرِيطِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [تَتِمَّةٌ أَمَرَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ الْوَدِيعَ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَخَرَجَ بِهَا] تَتِمَّةٌ: وَلَوْ أَمَرَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ الْوَدِيعَ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي مَنْزِلِهِ، فَتَرَكَهَا فِي ثِيَابِهِ وَخَرَجَ بِهَا؛ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ أَحْرَزُ لَهَا، وَلَوْ أَمَرَهُ بِشَدِّهَا، مِمَّا يَلِي الْجَيْبَ، فَشَدَّهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ؛ ضَمِنَ؛ وَإِنْ أَمَرَهُ بِشَدِّهَا مِمَّا يَلِي الْجَانِبَ الْآخَرَ فَشَدَّهَا مِمَّا يَلِي الْجَيْبَ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِشَدِّهَا عَلَى عَضُدِهِ مُطْلَقًا أَوْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا مَعَهُ، فَشَدَّهَا مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ كَانَ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَ مَالِكِهَا مُحْرِزٌ لَهَا بِحِرْزِ مِثْلِهَا، وَإِنْ شَدَّهَا عَلَى وَسَطِهِ فَهُوَ أَحْرَزُ لَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَهَا فِي بَيْتِهِ فِي حِرْزِهَا. [فَصْلٌ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً وَتَلِفَتْ] (فَصْلٌ: وَإِنْ دَفَعَهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةَ - (إلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ) - أَيْ: الْمُسْتَوْدَعِ - (عَادَةً) أَوْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَ رَبِّهَا (كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ وَخَادِمِهِ) وَنَحْوهمْ كَخَازِنِهِ، وَتَلِفَتْ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا فَلَهُ تَوَلِّيهِ بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ؛ كَمَا لَوْ دَفَعَ الْمَاشِيَةَ إلَى الرَّاعِي، وَالْبَهِيمَةَ إلَى غُلَامِهِ لِيَسْقِيَهَا، وَلِقِيَامِهِمْ مَقَامَ الْمَالِكِ فِي الرَّدِّ، أَوْ دَفَعَهَا (لِعُذْرٍ) كَمَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْ أَرَادَ سَفَرًا وَلَيْسَ السَّفَرُ أَحْفَظَ لَهَا (إلَى أَجْنَبِيٍّ ثِقَةٍ) ؛ لَمْ يَضْمَنْ. (وَ) حُكْمُ دَفْعِ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ (إلَى شَرِيكِهِ) نَفْسِهِ أَوْ شَرِيكِ رَبِّهَا فِي غَيْرِهَا أَوْ فِيهَا كَحُكْمِ دَفْعِهَا (لِأَجْنَبِيٍّ) مَحْضٍ، فَإِنْ كَانَ بِلَا عُذْرٍ، ضَمِنَ، وَلِعُذْرٍ وَهُوَ ثِقَةٌ؛ لَمْ يَضْمَنْ، أَوْ دَفَعَهَا (لِحَاكِمٍ) فَتَلِفَتْ؛ (لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، وَلَمْ يُفَرِّطْ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَنْ قَبَضَ مِنْ يَدِ الْأُمَنَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فِي حَالَةٍ يَجُوزُ إقْبَاضُهَا فَأَمَانَةٌ عِنْدَ الثَّانِي، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ حِينَ دَفَعَهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ الْمَحْضِ، وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِيهَا شَرِيكٌ، وَلَا هُوَ مِمَّنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَ؛ (ضَمِنَ) لِتَعَدِّيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ بِلَا عُذْرٍ؛ كَمَا لَوْ نَهَاهُ عِنْدَ إيدَاعِهَا، وَلِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَرْضَ لَهَا غَيْرَهُ، (وَلِمَالِكِ) الْوَدِيعَةِ إذَنْ (مُطَالَبَةُ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا) بِبَدَلِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ مَا لَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ أَشْبَهَ الْمُودِعَ مِنْ الْغَاصِبِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: الْأَجْنَبِيِّ (الْقَرَارُ) أَيْ: قَرَارُ الضَّمَانِ - (إنْ عَلِمَ) الْحَالَ، لِتَعَدِّيهِ، وَلِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ عِنْدَهُ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ فَلَهُ تَضْمِينُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مَعَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهُ أَمِينٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) حُكْمُ (كُلِّ أَمَانَةٍ) كَعَارِيَّةٍ وَعَيْنٍ مَرْهُونَةٍ وَمَا بِيَدِ وَكِيلٍ وَمُضَارِبٍ إذَا دَفَعَهَا مَنْ هِيَ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ إلَى أَجْنَبِيٍّ، وَتَلِفَتْ، فَمَعَ عِلْمِ الْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ عِنْدَهُ، وَمَعَ جَهْلِهِ الْحَالَ لَا يَضْمَنُ، لِدُخُولِهِ عَلَى أَنَّهَا أَمَانَةٌ. وَيَتَّجِهُ (أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُطَالِبُ) بِبَدَلِ أَمَانَةٍ دُفِعَتْ إلَيْهِ وَتَلِفَتْ عِنْدَهُ بِلَا تَفْرِيطٍ (إلَّا مَعَ عِلْمٍ) بِالْحَالِ فَقَطْ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِالْبَدَلِ عَلِمَ الْحَالَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، لَكِنْ عَلَيْهِ الْقَرَارُ إنْ عَلِمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ دَلَّ) وَدِيعٌ (لِصًّا) عَلَى الْوَدِيعَةِ، فَسَرَقَهَا (ضَمِنَا) - أَيْ: الْوَدِيعُ وَاللِّصُّ - أَمَّا الْوَدِيعُ؛ فَلِمُنَافَاةِ دَلَالَتِهِ الْحِفْظَ الْمَأْمُورَ بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَهَا لِغَيْرِهِ وَأَمَّا اللِّصُّ، فَلِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ لَهَا، (وَعَلَى اللِّصِّ الْقَرَارُ) ؛ لِمُبَاشَرَتِهِ وَوُجُودُ التَّلَفِ فِي يَدِهِ. (وَلَهُ) - أَيْ: الْوَدِيعِ - (الِاسْتِعَانَةُ بِأَجْنَبِيٍّ فِي حَمْلٍ وَنَقْلٍ) مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ (وَسَقْيٍ وَعَلَفِ دَابَّةٍ) ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. (وَ) لَهُ (السَّفَرُ بِوَدِيعَةٍ) - وَلَوْ مَعَ حُضُورِ مَالِكِهَا نَصًّا - فَلَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ مَعَهُ، سَوَاءٌ كَانَ بِهِ ضَرُورَةٌ إلَى السَّفَرِ أَوْ لَا (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " وَ " الْإِقْنَاعِ " - (فِيمَا يُوهِمُ) امْتِنَاعَ السَّفَرِ بِهَا مَعَ حُضُورِ مَالِكِهَا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ كَانَ) السَّفَرُ بِهَا (أَحْفَظَ لَهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةِ - (وَلَمْ يَنْهَهُ) رَبُّهَا عَنْ السَّفَرِ بِهَا، فَإِنْ نَهَاهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِهَا، فَإِنْ سَافَرَ بِهَا؛ ضَمِنَ لِمُخَالَفَتِهِ، [ (وَلَمْ يُفَاجِئْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 الْبَلَدَ عَدُوٌّ) ، فَإِنْ فَجَأَهُ عَدُوٌّ، أَوْ جَلَا أَهْلُهُ، أَوْ حَدَثَ فِيهِ حَرِيقٌ أَوْ غَرِيقٌ، وَأَرَادَ السَّفَرَ بِهَا؛ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، فَإِنْ تَرَكَهَا] إذَنْ؛ [وَتَلِفَتْ] فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِتَرْكِهِ فِعْلَ الْأَصْلَحِ، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى ": وَلَا يُسَافِرُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا أَوْ كَانَ أَحْفَظَ لَهَا " الْمُنَقِّحُ " وَالْمَذْهَبُ بَلَى؛ أَيْ: لَهُ السَّفَرُ بِهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، قَالَ شَارِحُهُ؛ أَيْ: إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا فِي السَّفَرِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ مَعَ حُضُورِهِ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ " وَلَهُ السَّفَرُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا السَّفَرَ بِهَا، فَإِنْ سَافَرَ بِهَا؛ ضَمِنَ، وَمَا قَالَاهُ تَبِعَا فِيهِ الْمُوَفَّقَ فِي ثَانِي قَوْلَيْهِ فِي " الْمُغْنِي ". وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِيهِ الْقَاضِي وَابْنَ عَقِيلٍ وَالْمُقَدَّمُ فِي " النَّظْمِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَ " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَنَصَرَاهُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ [وَإِلَّا] يَكُنْ السَّفَرُ أَحْفَظَ لَهَا، أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ، أَوْ نَهَاهُ الْمَالِكُ عَنْ السَّفَرِ بِهَا، أَوْ فَجَأَ الْبَلَدَ عَدُوٌّ؛ (دَفَعَهَا لِمَالِكِهَا) الْحَاضِرِ (أَوْ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً) كَزَوْجَتِهِ وَخَازِنِهِ (أَوْ وَكِيلِهِ فِي قَبْضِهَا كَحَاضِرٍ خَافَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَخْلِيصًا لَهُ مِنْ دَرْكِهَا وَإِيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِهَا، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى الْوَدِيعِ الْمُرِيدِ لِلسَّفَرِ دَفَعَهَا إلَى مَالِكِهَا أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ؛ فَعَلَيْهِ دَفْعُهَا (لِحَاكِمٍ) مَأْمُونٍ؛ لِأَنَّ فِي السَّفَرِ بِهَا عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ عُرْضَةٌ لِلنَّهْبِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ يَقُومُ مَقَامَ صَاحِبِهَا عِنْدَ غَيْبَتِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْدَعَهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْحَاكِمِ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَاكِمٌ؛ أَوْ كَانَ، وَتَعَذَّرَ دَفْعُهَا إلَيْهِ؛ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَأْمُونٍ، أَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا؛ فَعَلَيْهِ دَفْعُهَا (لِثِقَةٍ) ؛ «لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ أَوْدَعَ الْوَدَائِعَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِأُمِّ أَيْمَنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 وَأَمَرَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَرُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا» ؛ (كَمَنْ) - أَيْ: كَوَدِيعٍ - (حَضَرَهُ الْمَوْتُ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ السَّفَرِ وَالْمَوْتِ سَبَبٌ لِخُرُوجِ الْوَدِيعَةِ عَنْ يَدِهِ، (أَوْ دَفَنَهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةَ - إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهَا الدَّفْنُ، (وَأَعْلَمَ) بِهَا (سَاكِنًا) بِالدَّارِ الَّتِي دَفَنَهَا بِهَا إنْ كَانَ (ثِقَةً) ؛ لِحُصُولِ الْحِفْظِ بِهِ، وَإِعْلَامُ الثِّقَةِ كَإِيدَاعِهِ، (فَإِنْ) دَفَنَهَا، وَلَمْ (يُعْلِمْهُ) - أَيْ: السَّاكِنَ - (أَوْ كَانَ) مَنْ أَعْلَمَهُ (غَيْرَ سَاكِنٍ) فِي الدَّارِ، أَوْ كَانَ مَنْ أَعْلَمَهُ غَيْرَ ثِقَةٍ. قَالَ شَيْخُنَا: أَوْ دَفَنَهَا خَارِجَ الدَّارِ، وَلَوْ رَآهُ أَحْفَظُ لَهَا، فَضَاعَتْ؛ ضَمِنَهَا الْوَدِيعُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي الْحِفْظِ بِعَدَمِ إعْلَامِهِ أَحَدًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ فِي سَفَرِهِ، أَوْ يَضِلُّ عَنْ مَوْضِعِهَا؛ فَلَا يَصِلُ لِمَوْضِعِهَا، وَإِذَا أَعْلَمَ غَيْرَ ثِقَةٍ رُبَّمَا أَخَذَهَا، وَمَنْ لَا يَسْكُنُ الدَّارَ لَا يَتَأَتَّى حِفْظُهُ مَا فِيهَا، وَلَمْ يُودِعْهُ إيَّاهَا، وَلَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهَا. (وَلَا يَضْمَنُ مُسَافِرٌ أُودِعَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - وَدِيعَةً فِي سَفَرِهِ، (فَسَافَرَ بِهَا) الْوَدِيعُ؛ أَيْ: أَتَمَّ سَفَرَهُ، (فَتَلِفَتْ فِي السَّفَرِ) ؛ لِأَنَّ إيدَاعَ الْمَالِكِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَقْتَضِي الْإِذْنَ فِي السَّفَرِ بِهَا. (وَمَنْ تَعَدَّى) فِي وَدِيعَةٍ كَانَتْ دَابَّةً، (فَرَكِبَهَا) لِغَيْرِ نَفْعِهَا؛ كَرُكُوبِهِ (لَا لِسَقْيِ) الدَّابَّةِ أَوْ عَلَفِهَا، وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَجَانِبِ فِي ذَلِكَ وَفِي الْحَمْلِ وَالنَّقْلِ، أَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ ثِيَابًا، (فَلَبِسَهَا وَنَحْوَهُ) ؛ كَافْتِرَاشِهِ فُرُشًا (لَا لِخَوْفِ عُثٍّ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - جَمْعُ عُثَّةٍ سُوسَةٌ تَلْحَسُ الصُّوفَ، وَكَاسْتِعْمَالِهِ آلَةَ صِنَاعَةٍ مِنْ خَشَبٍ لَا لِخَوْفٍ مِنْ الْأَرَضَةِ؛ بَطَلَتْ أَمَانَتُهُ. (وَيَضْمَنُ) وَدِيعٌ ثِيَابَ نَقَصَهَا بِحُصُولِ عُثٍّ بِهَا (إنْ لَمْ يَنْشُرْهَا) ؛ لِأَنَّهُ مُفْرِطٌ، (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْوَدِيعَ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ أَوْ نَقَصَ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِسَبَبِ عُثٍّ، (مَا لَمْ يَقُلْ) لَهُ مَالِكُهَا: (لَا تَنْشُرْهَا) - أَيْ: الثِّيَابَ أَوْ الْفُرُشَ - (وَإِنْ خِفْت عَلَيْهَا) ؛ لِتَضَمُّنِ نَهْيِهِ الْإِذْنَ فِي إتْلَافِهَا. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ آلَةَ صِنَاعَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 مِنْ خَشَبٍ، وَنَهَاهُ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا، فَتَرَكَهَا حَتَّى أَكَلَتْهَا الْأَرَضَةُ؛ فَلَا يَضْمَنُهَا؛ لِامْتِثَالِهِ أَمْرَ مَالِكِهَا الْمُتَضَمِّنِ لِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ أَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ) أَوْ الدَّنَانِيرَ الْمُودَعَةَ (لِيُنْفِقَهَا) ، أَوْ لِيَخُونَ فِيهَا، (أَوْ) أَخْرَجَهَا (لِيَنْظُرَ إلَيْهَا) شَهْوَةً إلَى رُؤْيَتِهَا، (ثُمَّ رَدَّهَا) إلَى وِعَائِهَا - وَلَوْ بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ - بِطَلَبِ أَمَانَتِهِ، وَضَمِنَ؛ لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ، (أَوْ كَسَرَ) الْوَدِيعُ (خَتْمَهَا، أَوْ حَلَّ كِيسَهَا) مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ؛ ضَمِنَهَا؛ لِهَتْكِهِ الْحِرْزَ، أَوْ كَانَتْ مَصْرُورَةً فِي خِرْقَةٍ، فَفَتَحَ الصُّرَّةَ، أَوْ مَقْفُولَةً فَأَزَالَ قُفْلَهَا؛ ضَمِنَ سَوَاءٌ أَخْرَجَ مِنْهَا شَيْئًا أَوْ لَا؛ لِتَعَدِّيهِ، (أَوْ جَحَدَهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةَ - (ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا) ؛ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ بِجَحْدِهَا خَرَجَ عَنْ الِاسْتِئْمَانِ عَنْهَا، فَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ الضَّمَانُ بِالْإِقْرَارِ بِهَا؛ لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ يَدَ عُدْوَانٍ، أَوْ مَنَعَهَا مَالِكَهَا بَعْدَ طَلَبِهِ لَهَا أَوْ وَلِيَّهُ أَوْ وَكِيلَهُ الثَّابِتَةُ وَكَالَتُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ دَفْعِهَا إلَى طَالِبِهَا الشَّرْعِيِّ؛ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَادِيَةٌ إذَنْ بِمَنْعِهَا، (أَوْ خَلْطِهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةِ - بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ كَزَيْتٍ بِزَيْتٍ أَوْ شَيْرَجٍ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَخْلُوطُ (نَقْدًا بِنَقْدٍ) كَدَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ (لَا يَتَمَيَّزُ) بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ؛ (بَطَلَتْ أَمَانَتُهُ فِيمَا تَعَدَّى) فِيهِ (فَقَطْ) ، وَلَوْ كَانَ التَّعَدِّي بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ فِي إحْدَى عَيْنَيْنِ مُودَعَتَيْنِ، وَكَانَ فَعَلَ مَا تَقَدَّمَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ؛ بَطَلَتْ الْوَدِيعَةُ، وَضَمِنَ الْوَدِيعُ، لِأَنَّهُ صَيَّرَهَا فِي حُكْمِ التَّالِفِ، وَفَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ رَدَّهَا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَاهَا فِي بَحْرٍ، وَسَوَاءٌ خَلَطَهَا بِمَالِهِ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ مِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا أَوْ أَجْوَدَ مِنْهَا، (وَ) حَيْثُ بَطَلَتْ؛ (وَجَبَ رَدُّهَا فَوْرًا) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ، وَقَدْ زَالَتْ بِالتَّعَدِّي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 (وَلَا تَعُودُ وَدِيعَةٌ) بَعْدَ التَّعَدِّي فِيهَا (بِغَيْرِ عَقْدٍ مُتَجَدِّدٍ) وَلِبُطْلَانِ الِاسْتِئْمَانِ بِالْعُدْوَانِ. (وَلَا ضَمَانَ) عَلَى وَدِيعٍ (بِنِيَّةِ تَعَدٍّ) فِي الْوَدِيعَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " لِأَنَّهُ لَمْ يَخُنْ فِيهَا بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا كَاَلَّذِي لَمْ يَنْوِ، وَفَارَقَ الْمُلْتَقِطَ بِقَصْدِ التَّمْلِيكِ، فَإِنَّهُ عَمِلَ فِيهَا بِأَخْذِهَا نَاوِيًا لِلْخِيَانَةِ فِيهَا، فَوَجَبَ الضَّمَانُ بِفِعْلِهِ الْمَنْوِيِّ، لَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَلَوْ الْتَقَطَهَا قَاصِدًا لِتَعْرِيفِهَا، ثُمَّ نَوَى بَعْدَ ذَلِكَ إمْسَاكَهَا لِنَفْسِهِ كَانَتْ كَمَسْأَلَتِنَا. وَلَوْ أَخْرَجَهَا بِنِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهَا؛ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِإِخْرَاجِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَعْمَلَهَا. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي ". [تَتِمَّةٌ خَلَطَ الْوَدِيعَةَ غَيْرُ الْوَدِيعِ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ] [تَتِمَّةٌ: وَإِنْ خَلَطَ الْوَدِيعَةَ غَيْرُ الْوَدِيعِ] بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْخَالِطِ دُونَ الْوَدِيعِ؛ لِوُجُودِ الْعُدْوَانِ مِنْ الْخَالِطِ، وَمَتَى جَدَّدَ الْوَدِيعُ اسْتِئْمَانًا؛ بَرِئَ، فَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدُ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِي الِاسْتِئْمَانِ الَّذِي تَلِفَتْ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ قَدْ زَالَ، أَوْ أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ الضَّمَانِ بِتَعَدِّيهِ؛ بَرِئَ، فَلَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ بَعْدُ؛ لِإِمْسَاكِهِ إيَّاهَا بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَزَالَ حُكْمُ التَّعَدِّي بِالْبَرَاءَةِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ رَجُلٍ اسْتَوْدَعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَاسْتَوْدَعَهُ آخَرُ عَشَرَةً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْلِطَهَا، فَخَلَطَهَا، فَضَاعَتْ الدَّرَاهِمُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَمَرَهُ أَحَدُهُمَا بِخَلْطِ دَرَاهِمِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ الْآخَرُ؛ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ دَرَاهِمَ مَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ دُونَ الْأُخْرَى، وَإِنْ خَلَطَهَا بِمُتَمَيِّزٍ كَدَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ بِيضٍ بِسُودٍ أَوْ بُرٍّ بِشَعِيرٍ أَوْ عَدَسٍ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِإِمْكَانِ التَّمَيُّزِ؛ فَلَا يَعْجِزُ بِذَلِكَ عَنْ رَدِّهَا؛ فَلَمْ يَضْمَنْهَا كَمَا لَوْ تَرَكَهَا فِي صُنْدُوقٍ فِيهِ أَكْيَاسٌ لَهُ. (وَصَحَّ) قَوْلُ مَالِكٍ لِوَدِيعٍ؛ (كُلَّمَا خُنْت ثُمَّ عُدْت لِلْأَمَانَةِ فَأَنْتَ أَمِينٌ) ؛ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِيدَاعِ عَلَى الشَّرْطِ كَالْوَكَالَةِ، (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ مَالٍ لِوَدِيعٍ: (رُدَّهُ) - أَيْ: الْمَالَ - (غَدًا وَبَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ غَدٍ - (يَعُودُ) الْمَالُ (وَدِيعَةً) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 عِنْدَك (تَعَيَّنَ) عَلَى الْوَدِيعِ (رَدُّهُ غَدًا) امْتِثَالًا، فَإِنْ أَخَّرَ رَدَّهُ عَنْ الْغَدِ، وَتَلِفَ ضَمِنَ، لِمُخَالَفَتِهِ، وَلَا يَعُودُ أَمَانَةً بَعْدَ رَدِّهِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ؛ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ بِمُجَرَّدِ الرَّدِّ. فَائِدَةٌ: وَمَنْ اسْتَأْمَنَهُ أَمِيرٌ عَلَى مَالِهِ، فَخَشِيَ مِنْ حَاشِيَتِهِ إنْ مَنَعَهُمْ مِنْ عَادَتِهِمْ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لَزِمَهُ فِعْلُ مَا يُمْكِنُهُ، وَهُوَ أَصْلَحُ لِلْأَمِيرِ مِنْ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ فَيَرْتَعَ مَعَهُمْ، لَا سِيَّمَا وَلِلْأَخْذِ شُبْهَةٌ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلَوْ اخْتَلَطَتْ) الْوَدِيعَةُ (لَا بِفِعْلِهِ) - أَيْ: الْوَدِيعِ - بِأَنْ تَدَحْرَجَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ بِفِعْلِ حَيَوَانٍ كَهِرٍّ وَنَحْوِهِ، (فَضَاعَ) مِنْ الْوَدِيعَةِ (الْبَعْضُ) ؛ فَالضَّائِعُ (مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ مَالِ الْوَدِيعِ - وَالْبَاقِي مِنْ الْوَدِيعَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ الْكُلُّ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ. (وَإِنْ أَخَذَ) الْوَدِيعُ (دِرْهَمًا) بِلَا إذْنٍ مِنْ وَدِيعَةٍ غَيْرِ مَخْتُومَةٍ وَلَا مَشْدُودَةٍ وَلَا مَصْرُورَةٍ، (ثُمَّ رَدَّهُ) وَتَلِفَتْ ضَمِنَهُ وَحْدَهُ، أَوْ أَخَذَ مِنْهَا دِرْهَمًا، ثُمَّ رَدَّ (بَدَلَهُ مُتَمَيِّزًا) ، وَضَاعَتْ ضَمِنَهُ وَحْدَهُ. (أَوْ أَذِنَ) الْمَالِكُ لِلْوَدِيعِ (فِي أَخْذِهِ) دِرْهَمًا مِنْهُمَا، فَأَخَذَهُ، وَ (رَدَّ بَدَلَهُ بِلَا إذْنِهِ) - أَيْ: الْمَالِكِ - (فَضَاعَ الْكُلُّ؛ ضَمِنَهُ) - أَيْ: الدَّرَاهِمَ - (وَحْدَهُ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَعَلَّقَ بِالْأَخْذِ، فَلَمْ يَضْمَنْ غَيْرَ مَا أَخَذَهُ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ رَدِّهِ، (مَا لَمْ تَكُنْ) الْوَدِيعَةُ دَرَاهِمَ (مَخْتُومَةً أَوْ مَشْدُودَةً) أَوْ مَصْرُورَةً، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ ضَمِنَ الْجَمِيعَ لِهَتْكِ الْحِرْزِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ، (أَوْ) يَكُنْ الْبَدَلُ الَّذِي رَدَّهُ (غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ) ، وَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ، (فَيَضْمَنُ الْجَمِيعَ) ؛ لِخَلْطِهِ الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا ضَاعَ، هَلْ هُوَ الْمَرْدُودُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْوَدِيعَةِ؟ فَيَضْمَنُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بَرَاءَتِهِ. (وَيَضْمَنُ) وَدِيعٌ (بِخَرْقِ كِيسٍ) فِيهِ وَدِيعَةٌ (مِنْ فَوْقِ شَدٍّ) - أَيْ: رِبَاطٍ - (أَرْشَهُ) - أَيْ: الْكِيسِ - (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ مَا فِي الْكِيسِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ حِرْزَهُ، وَيَضْمَنُ بِخَرْقِهِ (مِنْ تَحْتِهِ) - أَيْ: الشَّدِّ - (أَرْشَهُ وَمَا فِيهِ) إنْ ضَاعَ؛ لِهَتْكِهِ الْحِرْزَ. (وَمَنْ أَوْدَعَهُ صَغِيرٌ) مُمَيَّزٌ أَوْ لَا، (وَيَتَّجِهُ أَوْ) أَوْدَعَهُ (مَجْنُونٌ أَوْ أَوْدَعَهُ سَفِيهٌ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَدِيعَةً) ؛ [لَمْ يَبْرَأْ] الْوَدِيعُ مِنْ صَغِيرٍ وَنَحْوِهِ (إلَّا بِرَدِّهَا لِوَلِيِّهِ) فِي مَالِهِ؛ كَدَيْنِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ (وَيَضْمَنُهَا) قَابِضُهَا مِنْ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ (إنْ تَلِفَتْ مُطْلَقًا) ، تَعَدَّى أَوْ فَرَّطَ أَوْ لَا؛ لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَسْلِيطَ مِنْ الْمَالِكِ، وَقَدْ تَلِفَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَالْعَمْدُ وَالسَّهْوُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ، وَأَوْضَحَهُ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " بَحْثًا، (مَا لَمْ يَكُنْ) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَحْظَهُ مُمَيَّزًا (مَأْذُونًا لَهُ) فِي الْإِيدَاعِ، (أَوْ يَخَفْ) الْآخِذُ (هَلَاكَهَا مَعَهُ) إنْ تَرَكَهَا، (فَأَخَذَهَا لِحِفْظِهَا) حَتَّى يُسَلِّمَهَا لِوَلِيِّهِ حِسْبَةً؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَالٍ (ضَائِعٍ وَمَوْجُودٍ فِي مَهْلَكَةٍ) إذَا أَخَذَهُ لِحِفْظِهِ لِرَبِّهِ، وَتَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهِ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ؛ لِقَصْدِهِ بِهِ التَّخَلُّصَ مِنْ الْهَلَاكِ، فَالْحَظُّ فِيهِ لِمَالِكِهِ، وَ (كَأَخْذِهِ) مَالًا (مَغْصُوبًا) مِنْ الْغَاصِبِ (تَخْلِيصًا لَهُ لِيَرُدَّهُ لِمَالِكِهِ) ، فَتَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَذَا) لَوْ وَجَدَ إنْسَانٌ (مَا) - أَيْ: حَيَوَانًا (حَرُمَ الْتِقَاطُهُ) ؛ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ صِغَارِ الْبَاعِ (بِمَضِيعَةٍ) - أَيْ: فَلَاةٍ بَعِيدَةٍ مِنْ الْعُمْرَانِ، (وَعَلِمَ رَبُّهُ) - أَيْ: مَالِكُهُ - (فَأَخَذَهُ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ) ، وَتَلِفَ، لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ صَنَعَ مَعْرُوفًا، فَلَا يُجَازَى بِضِدِّهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 (وَمَا أُودِعَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (وَنَحْوُهُ) بِأَنْ أُعِيرَ؛ أَيْ: أَوْدَعَهُ مَالِكُهُ، أَوْ أَعَارَهُ، وَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ (لِنَحْوِ صَغِيرٍ) كَمَعْتُوهٍ (وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ) ، أَوْ أَوْدَعَ (قِنٌّ) صَغِيرٌ؛ (لَمْ يَضْمَنْ) ذَلِكَ الْمُعَارَ أَوْ الْمُودَعَ (بِتَلَفٍ) فِي يَدِ قَابِضِهِ، وَلَوْ حَصَلَ التَّلَفُ مِنْهُ - أَيْ: مِنْ الْقَابِضِ - أَوْ حَصَلَ التَّلَفُ (بِتَفْرِيطِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يُسَلِّطُهُ عَلَى الْإِتْلَافِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، (لَكِنْ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ) مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ (قِنٌّ مُكَلَّفٌ) وَمُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ وَأُمُّ وَلَدٍ (فِي رَقَبَتِهِ) إذَا أَتْلَفَهُ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) يَضْمَنُهُ قِنٌّ وَنَحْوُهُ (لَوْ فَرَّطَ) فِي حِفْظِهِ حَتَّى تَلِفَ، لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَصَحَّ اسْتِحْفَاظُهُ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ، وَكَوْنُهَا فِي رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَهُ مِنْ جِنَايَتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [تَنْبِيهٌ مَاتَ وَثَبَتَ أَنَّ عِنْدَهُ وَدِيعَةً وَلَمْ تُوجَدْ بِعَيْنِهَا فِي تَرِكَتِهِ] تَنْبِيهٌ: وَإِذَا مَاتَ إنْسَانٌ، وَثَبَتَ أَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةً أَوْ مُضَارَبَةً أَوْ رَهْنًا وَنَحْوَهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ، وَلَمْ يُوجَدْ تِلْكَ وَنَحْوُهَا بِعَيْنِهَا فِي تَرِكَتِهِ فَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ تَغْرَمُهَا الْوَرَثَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ بَرَاءَتُهُ مِنْهَا؛ كَبَقِيَّةِ الدُّيُونِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ سِوَاهُمَا؛ فَهُمَا سَوَاءٌ [فَصْلٌ الْمُودِعُ أَمِينٌ] (فَصْلٌ) (وَالْمُودَعُ أَمِينٌ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَةً بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] (يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي رَدِّ) الْوَدِيعَةِ، لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي قَبْضِهَا، فَقُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ أَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِلَا جُعْلٍ، وَيُصَدَّقُ الْوَدِيعُ فِي رَدٍّ (لِمَالِكِهِ) ؛ كَوَكِيلِهِ فِي حِفْظِهَا (وَزَوْجَتِهِ) - أَيْ: الْمَالِكِ - وَخَازِنُهُ وَمَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً؛ لِأَنَّ يَدَهُمْ كَيَدِ الْمَالِكِ، فَالدَّفْعُ لَهُمْ كَالدَّفْعِ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْوَدِيعُ الرَّدَّ (عَلَى يَدِ قِنِّهِ) - أَيْ: قِنٌّ مُدَّعِي الرَّدِّ (أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 خَازِنِهِ) - أَيْ: الْوَدِيعِ - قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " لَوْ ادَّعَى الْأَدَاءَ عَلَى يَدِ عَبْدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ خَازِنِهِ فَكَدَعْوَى الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ انْتَهَى. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْوَدِيعَ لَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى يَدِ حَافِظِهِ (أَوْ وَكِيلِهِ) نَفْسِهِ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ حِفْظُهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَانَ لَهُ دَفْعُهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَيْدِيَهُمْ كَيَدِهِ، قَالَهُ فِي " الْقَوَاعِدِ "، وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِي الرَّدِّ مِمَّنْ ذَكَرَ بِيَمِينِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. أَوْ كَانَتْ دَعْوَى الرَّدِّ مِنْ الْوَدِيعِ (بَعْدَ مَوْتِ رَبِّهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةِ - (إلَيْهِ) - أَيْ: إلَى رَبِّ الْوَدِيعَةِ بِأَنْ ادَّعَى وَرَثَةُ الْمَالِكِ عَلَى الْوَدِيعِ الْوَدِيعَةِ، فَقَالَ: رَدَدْتهَا إلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ؛ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ هُوَ الْمُدَّعِي وَأَنْكَرَ، وَيُصَدَّقُ الْوَدِيعُ أَيْضًا بِيَمِينِهِ (فِي قَوْلِهِ) لِمَالِكِهَا (أَذِنْتَ لِي) فِي دَفْعِهَا. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) أَيْ: وَيُصَدَّقُ قَوْلُهُ (أَذِنَ لِي) مَالِكُهَا (قَبْلَ مَوْتِهِ) كَدَعْوَاهُ الدَّفْعَ إلَى رَبِّهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فِي دَفْعِهَا لِفُلَانٍ أَمَانَةً وَفَعَلْتُ) ؛ أَيْ: وَدَفَعَتْهَا إلَيْهِ، وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ الْإِذْنَ فِي دَفْعِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَقُطِعَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمُذَهَّبِ " وَ " مَسْبُوكِ الذَّهَبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَ " الْمُغْنِي " وَ " التَّلْخِيصِ " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفَائِقِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمْ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُصَدَّقُ مِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ قَبْلَ مَوْتِهِ فِي الدَّفْعِ لِفُلَانٍ، (وَلَوْ كَذَّبَهُ فُلَانٌ) ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَكْذِيبِهِ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَ ادَّعَى دَفْعًا يَبْرَأُ بِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ؛ كَمَا لَوْ ادَّعَى رَدَّهَا إلَى مَالِكِهَا، وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمَالِكِ غَيْرُ الْيَمِينِ لَمَّا لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِهِ؛ وَكَذَا إنْ اعْتَرَفَ الْمَالِكُ بِالْإِذْنِ فِي الدَّفْعِ لَهُ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ دَفَعَ لَهُ قُبِلَ قَوْلُ الْوَدِيعِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ أَنْكَرَ حَلَفَ وَبَرِئَ، وَفَاتَتْ عَلَى رَبِّهَا إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ وَدِيعًا، وَإِنْ كَانَ دَائِنًا قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 يَمِينِهِ، وَضَمِنَ الدَّافِعُ إنْ لَمْ يَشْهَدْ؛ لِتَقْصِيرِهِ، صَدَّقَ الْمَالِكَ أَوْ كَذَّبَهُ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ. . وَيُصَدَّقُ وَدِيعٌ بِيَمِينِهِ (فِي) دَعْوَى (تَلَفٍ) لِلْوَدِيعَةِ (بِسَبَبٍ خَفِيٍّ) كَالسَّرِقَةِ؛ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مِثْلِ هَذَا السَّبَبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَبُولِ الْأَمَانَاتِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُسْتَوْدِعَ إذَا أَحْرَزَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا ضَاعَتْ؛ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ. (أَوْ) دَعْوَى تَلَفِ الْوَدِيعَةِ بِسَبَبٍ (ظَاهِرٍ) كَحَرِيقٍ وَغَرَقٍ وَنَهْبِ جَيْشٍ إنْ (ثَبَتَ وُجُودُهُ) بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِوُجُودِ ذَلِكَ السَّبَبِ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ؛ قُبِلَتْ دَعْوَاهُ، ثُمَّ يَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ تَلِفَتْ بِذَلِكَ السَّبَبِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ، لِأَنَّهُ لَا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ السَّبَبِ الظَّاهِرِ الِاسْتِفَاضَةُ. قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَغَيْرِهَا، فَعَلَى هَذَا إذَا عَلِمَهُ الْقَاضِي بِالِاسْتِفَاضَةِ قُبِلَ قَوْلُ الْوَدِيعِ بِيَمِينِهِ، وَلَمْ يُكَلَّفْ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِالسَّبَبِ، وَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ فِي الْحُكْمِ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَوْ بِخُصُوصِ هَذِهِ، وَيُصَدَّقُ الْوَدِيعُ بِيَمِينِهِ أَيْضًا (فِي عَدَمِ خِيَانَةٍ وَ) عَدَمِ (تَفْرِيطٍ وَفِي حِرْزِ مِثْلٍ) بِلَا نِزَاعٍ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فِيمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ. (وَإِنْ ادَّعَى) الْوَدِيعُ: (رَدَّهَا) - أَيْ الْوَدِيعَةِ (لِحَاكِمٍ أَوْ وَرَثَةِ مَالِكٍ) لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتَمِنُوهُ، (أَوْ) ادَّعَى (رَدًّا بَعْدَ مَطْلِهِ) أَيْ: تَأْخِيرِ دَفْعِهَا إلَى مُسْتَحَقِّهِ (بِلَا عُذْرٍ) ثُمَّ ادَّعَى تَلَفًا؛ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَطْلِ بَطَلَ الِاسْتِئْمَانُ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى رَدًّا بَعْدَ مَنْعِهِ مِنْهَا؛ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْغَاصِبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 (أَوْ وَعَدَهُ) ؛ أَيْ: وَعَدَ الْوَدِيعُ الْمَالِكَ (رَدَّهُ) - أَيْ: مَا أَوْدَعَهُ - (ثُمَّ ادَّعَاهُ) ؛ أَيْ: ادَّعَى الْوَدِيعُ الرَّدَّ، أَوْ ادَّعَى (تَلَفَهُ قَبْلَ وَعْدِهِ) بِرَدِّهِ [إلَيْهِ] أَوْ ادَّعَى (وَرَثَتُهُ) - أَيْ: الْوَدِيعِ - (رَدًّا) مِنْهُمْ أَوْ مِنْ مُوَرِّثِهِمْ (وَلَوْ لِمَالِكٍ) (أَوْ) ادَّعَى وَرَثَةُ الْوَدِيعِ (أَنَّ مُوَرِّثَهُمْ رَدَّهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةَ - قَبْلَ مَوْتِهِ؛ (لَمْ يُقْبَلْ) ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤْتَمَنِينَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ مَالِكِهَا وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهُ مُلْتَقِطٌ أَوْ مَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا أَوْ نَحْوَهُ، فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) فِي الْحُكْمِ (كُلُّ مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ) بِيَمِينِهِ مِنْ الْأُمَنَاءِ كَالشَّرِيكِ وَالْوَكِيلِ مَجَّانًا وَالْمُرْتَهِنِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْوَدِيعِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ بِأَنْ (قَالَ) لَمْ يُودِعْنِي (ثُمَّ أَقَرَّ) بِالْإِيدَاعِ أَوْ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةُ (بِبَيِّنَةٍ، فَادَّعَى رَدًّا أَوْ تَلَفًا سَابِقَيْنِ لِجُحُودِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا بِجُحُودِهِ مُعْتَرِفًا عَلَى نَفْسِهِ بِالْكَذِبِ الْمُنَافِي لِلْأَمَانَةِ، (وَلَوْ) أَتَى عَلَيْهِ (بِبَيِّنَةٍ) بِالرَّدِّ أَوْ التَّلَفِ، (وَأَطْلَقَتْ) الْبَيِّنَةُ الشَّهَادَةَ، بِأَنْ لَمْ تُقَلْ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ؛ فَلَا تُسْمَعُ؛ لِتَكْذِيبِهِ لَهَا بِجُحُودِهِ؛ وَإِنْ ادَّعَى رَدًّا أَوْ تَلَفًا بَعْدَ جُحُودِهِ؛ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْوَدِيعَةِ يَوْمَ الْأَحَدِ، فَجَحَدَهَا، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهَا أَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً شَاهِدَيْنِ؛ قُبِلَا، وَلِهَذَا أُشِيرَ بِقَوْلِهِ (وَيُقْبَلَانِ) - أَيْ الرَّدُّ وَالتَّلَفُ - إذَا أَدَّاهُمَا (بِهَا) - أَيْ: الْبَيِّنَةِ - (بَعْدَهُ) - أَيْ: الْجُحُودِ - لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِمُكَذِّبٍ لَهَا. (وَلَا ضَمَانَ) عَلَى وَدِيعٍ (بِتَرْكِهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةِ - (عِنْدَهُ اخْتِيَارًا) - أَيْ: بِاخْتِيَارِ رَبِّهَا بَقَاءَهَا - (بَعْدَ ثُبُوتِهَا) عِنْدَ الْوَدِيعِ؛ لِأَنَّهَا بِإِبْقَاءِ رَبِّهَا لَهَا بِاخْتِيَارِهِ تَعُودُ أَمَانَةً (وَإِنْ قَالَ) مُدَّعَى عَلَيْهِ بِوَدِيعَةٍ فِي جَوَابِهِ (مَالك عِنْدِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 شَيْءٌ وَنَحْوَهُ) ؛ كَلَا حَقَّ لَك قِبَلِي، ثُمَّ أَقَرَّ بِالْإِيدَاعِ، أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ؛ (قُبِلَ) مِنْهُ (بِيَمِينِهِ رَدٌّ أَوْ تَلَفٌ سَبَقَا جُحُودَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِجَوَابِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أُودِعَهُ، ثُمَّ تَلِفَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، أَوْ رَدَّهَا، فَلَا يَكُونُ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَ (لَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى) وُقُوعِ الرَّدِّ وَالتَّلَفِ (بَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ جُحُودِهِ - (بِلَا بَيِّنَةٍ) لِاسْتِقْرَارِ حُكْمِهِ بِالْجُحُودِ، فَيُشْبِهُ الْغَاصِبَ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ وَدِيعَةٍ تَثْبُتُ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِبَيِّنَةٍ، مَا لَمْ يَكُنْ جَدَّدَ عَقْدًا بَعْدَ الْجُحُودِ (وَ) إنْ قَالَ إنْسَانٌ لِآخَرَ: (لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ، ثُمَّ ادَّعَى) الْمُقِرُّ (ظَنَّ الْبَقَاءِ) - أَيْ: قَالَ: كُنْت أَظُنُّهَا بَاقِيَةً ثُمَّ عَلِمْت (تَلَفَهَا، قُبِلَ قَوْلُهُ) بِيَمِينِهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِي قَوْلِهِ: لَوْ قَالَ: لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ، ثُمَّ ادَّعَى ظَنَّ الْبَقَاءِ، ثُمَّ عَلِمَ تَلَفَهَا؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَإِذَا مَاتَ نَحْوُ مُودَعٍ) كَوَكِيلٍ وَشَرِيكٍ (وَمُرْتَهِنٍ وَمُضَارِبٍ) وَانْتَقَلَتْ نَحْوُ الْوَدِيعَةِ إلَى يَدِ مَنْ بَعْدَهُ؛ فَالْوَاجِبُ (عَلَى وَارِثِهِ) الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ ذَلِكَ فَوْرًا مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ (أَحَدُ شَيْئَيْنِ، خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الرَّدِّ فَقَطْ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَ وَارِثٍ قَبْلَ إمْكَانِ رَدِّهَا؛ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَإِلَّا ضَمِنَ، فَإِنَّهُ حَصَرَ الضَّمَانَ بِالتَّلَفِ بَعْدَ إمْكَانِ الرَّدِّ مَعَ أَنَّ صَرِيحَ كَلَامِهِمْ قَاضٍ بِوُجُوبِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، إمَّا (إعْلَامِ مَالِكٍ) بِمَوْتِ الْوَدِيعِ (أَوْ رَدِّهَا) ؛ كَمَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْمُغْنِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الشَّرْحِ " (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ لِرَدِّهَا مُؤْنَةٌ أَوْ لَا، (وَلَا) يَجُوزُ لِمَنْ هِيَ بِيَدِهِ أَنْ (يُمْسِكَهَا) قَبْلَ إعْلَامِ رَبِّهَا بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهَا؛ وَإِنَّمَا حَصَّلَ مَالَ غَيْرِهِ بِيَدِهِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا، وَعَلِمَ بِهِ، فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ مَعَ الْإِمْكَانِ؛ ضَمِنَ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ مَالِكِهَا (لِزَوَالِ حُكْمِ الِائْتِمَانِ) بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ (فَإِنْ تَلِفَتْ) الْوَدِيعَةُ عِنْدَ وَارِثٍ (قَبْلَ إمْكَانِ ذَلِكَ) - أَيْ: الْإِعْلَامِ - أَوْ الرَّدِّ إلَى رَبِّهَا لِنَحْوِ جَهْلٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 بِهَا أَوْ بِهِ (لَمْ يَضْمَنْهَا) إذْ لَمْ يُفَرِّطْ بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَلِفَتْ بَعْدَ إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى رَبِّهَا أَوْ إعْلَامِهِ بِمَوْتِ الْوَدِيعِ، فَلَمْ يَفْعَلْ (ضَمِنَ) لِتَأَخُّرِ رَدِّهَا أَوْ الْإِعْلَامِ مَعَ إمْكَانِهِ وَحُصُولِهَا بِيَدِهِ بِلَا إيدَاعٍ، بِخِلَافِ عَبْدٍ أَوْ حَيَوَانٍ دَخَلَ دَارِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهُ لِيَذْهَبَ كَمَا جَاءَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْقَوَاعِدِ. " وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ فَقَطْ خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") تَصْرِيحٌ بِمَا عَلِمَ سَابِقًا وَإِنَّمَا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ (لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ) كَالْمُسْتَأْجَرِ (وَكَذَا كُلُّ مَنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ بِلَا ائْتِمَانٍ) مِنْ صَاحِبِهَا (كَلُقَطَةٍ وَثَوْبٍ أَطَارَتْهُ رِيحٌ لِدَارِهِ) ، وَعَلِمَ بِهِ؛ فَعَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى الرَّدِّ مَعَ الْعِلْمِ بِصَاحِبِهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْهُ أَوْ إعْلَامِهِ. ذَكَرَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ عَقِيلٍ حُكْمًا فِي " الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ " قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ مَعَ الْإِمْكَانِ؛ ضَمِنَ (وَكَذَا لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ نَحْوَ مُودَعٍ) - بِفَتْحِ الدَّال - كَعَدْلٍ بِيَدِهِ الرَّهْنُ (وَمُرْتَهِنٌ وَوَكِيلٌ وَمُضَارِبٌ وَشَرِيكٌ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ. (وَيَتَّجِهُ) عَلَى الْأَمِينِ رَدُّ مَا ذَكَرَ لِإِخْرَاجِهِ نَفْسَهُ مِنْ الِائْتِمَانِ (لَا إنْ عَزَلَهُ) - أَيْ: الْأَمِينَ (مَالِكٌ) وَلَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ التَّسْلِيمَ (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " كَذَا قَالَ، وَعِبَارَةُ " الْإِقْنَاعِ " لَوْ فَسَخَ الْمَالِكُ عَقْدَ الِائْتِمَانِ فِي الْأَمَانَاتِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ؛ بِزَوَالِ الِائْتِمَانِ؛ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ فِي " الْإِنْصَافِ ". وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْأَمَانَاتِ إذَا فَسَخَهَا الْمَالِكُ كَالْوَدِيعَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ لِزَوَالِ الِائْتِمَانِ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْفَسْخُ فِي حَضْرَةِ الْأَمِينِ أَوْ غَيْبَتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ فِعْلُ الرَّدِّ، فَإِنَّ الْعِلْمَ هُنَا حَاصِلٌ لِلْمَالِكِ. انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَمِينَ إنْ كَانَ أَزَالَ الِائْتِمَانَ بِعُزْلَةِ نَفْسَهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى الرَّدِّ أَوْ الْإِعْلَامِ، وَإِنْ كَانَ الْعَزْلُ صَدَرَ مِنْ الْمَالِكِ، وَطَلَبَ الرَّدَّ؛ وَجَبَ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 الْأَمِينِ التَّمْكِينُ مِنْ الرَّدِّ، قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ " فَمَتَى كَانَ الْمَالِكُ عَالِمًا، وَلَمْ يَطْلُبْ؛ فَلَا ضَمَانَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُؤْنَةُ الرَّدِّ وَاجِبَةً عَلَى مَنْ هُوَ عِنْدَهُ، وَهَذَا حَسَنٌ. انْتَهَى. تَتِمَّةٌ: الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى رَدِّهَا بِكُلِّ حَالٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ حُصُولُهَا فِي يَدِهِ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ أَوْ مَحْظُورٍ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، فَالْأَوَّلُ كَالْعَوَارِيِّ يَجِبُ رَدُّهَا إذَا اسْتَوْفَى مِنْهَا الْغَرَضَ الْمُسْتَعَارَ لَهُ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَهَذَا إذَا انْتَهَى قَدْرُ الِانْتِفَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، مُتَوَجِّهٌ، وَسَوَاءٌ طَالَبَ الْمَالِكُ أَوْ لَمْ يُطَالِبْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمَضْمُونَاتِ، فَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْمَقْبُوضِ، وَكَذَا حُكْمُ الْمَقْبُوضِ لِلسَّوْمِ وَالثَّانِي كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ إذَا (انْقَضَتْ إجَارَةٌ أَوْ) ؛ أَيْ: وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ إذَا (وُفِّيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - (دَيْنٌ بِرَهْنٍ) رَدُّ الرَّهْنِ لِمَالِكِهِ. صَرَّحَ بِهِمَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ قِيَاسًا عَلَى الْأَمَانَةِ إذَا فَسَخَهَا الْمَالِكُ، مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ صَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي خِلَافِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ فِعْلُ الرَّدِّ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الرَّهْنِ لَا يَجِبُ فِعْلُ الرَّدِّ، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ " ذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ فِعْلُ الرَّدِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ فِي الرَّهْنِ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَطَعَ هُنَا بِوُجُوبِ الرَّدِّ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي آخَرِ الْإِجَارَةِ مَا نَصُّهُ: فَصْلٌ: وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ إجَارَةٍ رَفَعَ مُسْتَأْجَرٌ يَدَهُ عَنْ مُؤَجَّرِهِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهُ وَلَا مُؤْنَتُهُ كَمُودِعٍ وَمُرْتَهِنٍ وُفِيَ، وَتَكُونُ أَمَانَةً بِيَدِهِ، فَلَا تُضَمَّنُ بِلَا تَفْرِيطٍ، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ". فَائِدَةٌ: إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ رَفَعَ الْمُسْتَأْجَرُ يَدَهُ عَنْ الْمَأْجُورِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الرَّدُّ عَلَى الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَلَوْ تَلِفَتْ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ رَدِّهِ، لَمْ يَضْمَنْهُ. جَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْحَاوِي الصَّغِيرِ "؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 فِي الِانْتِفَاعِ دُونَ الْإِذْنِ فِي الْحِفْظِ، وَمُؤْنَتُهُ كَمُودَعٍ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ هُنَا مَشَى عَلَى الْمَرْجُوحِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ، فَتَنَبَّهْ لَهُ. (وَيَضْمَنُ مَنْ) - أَيْ: وَدِيعٌ - (أَحْرَزَهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةَ - بِأَنْ لَمْ يُمَكِّنْ مَالِكَهَا مِنْ أَخْذِهَا (بَعْدَ طَلَبٍ) ، فَإِنْ أَخَّرَ الرَّدَّ بَعْدَ طَلَبِهَا (بِلَا عُذْرٍ) فِي تَأْخِيرِهِ؛ ضَمِنَ إنْ تَلِفَتْ، أَوْ نَقَصَتْ كَالْغَاصِبِ، وَإِنْ طَلَبَهَا فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا إلَيْهِ بَعْدَهَا، أَوْ لِمُخَالَفَةٍ فِي طَرِيقِهَا أَوْ لِلْعَجْزِ عَنْهَا وَعَنْ حَمْلِهَا؛ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِتَرْكِ تَسْلِيمِهَا، وَلَمْ يَضْمَنْهَا، لِعَدَمِ عُدْوَانٍ، وَمِثْلُهُ مَنْ (أَخَّرَ مَالًا أَمَرَ) ؛ أَيْ: أَمَرَهُ مَالِكُهُ (بِدَفْعِهِ) إلَى وَكِيلِهِ (بَعْدَ إمْكَانٍ) مِنْ دَفْعِهِ إلَيْهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى تَلِفَ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ - (وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْ) الْوَكِيلُ ذَلِكَ - لِأَنَّهُ أَمْسَكَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَنْ أَخَّرَ رَدَّهَا أَوْ مَالًا أُمِرَ بِدَفْعِهِ بَعْدَ طَلَبٍ بِلَا عُذْرٍ؛ ضَمِنَ. وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَمَشَى عَلَيْهِ فِي " الْإِقْنَاعِ ". (وَيُمْهَلُ) مَنْ طُولِبَ بِوَدِيعَةٍ أَوْ بِمَالٍ أُمِرَ بِدَفْعِهِ إلَى مُسْتَحَقِّهِ (لِنَحْوِ أَكْلٍ) كَكَوْنِهِ فِي حَمَّامٍ إلَى قَضَاءِ غَرَضِهِ (كَهَضْمِ) طَعَامٍ (وَنَوْمٍ) إلَى أَنْ يَسْتَيْقِظَ (وَمَطَرٍ وَطُهْرٍ بِقَدْرِهِ، فَلَا تُضَمَّنُ) الْوَدِيعَةُ (بِتَلَفِ زَمَنِهِ) - أَيْ: الْعُذْرِ - لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ. [وَتَثْبُتُ وَدِيعَةٌ حُكْمًا بِإِقْرَارِ وَارِثٍ] (وَتَثْبُتُ وَدِيعَةٌ حُكْمًا بِإِقْرَارِ) وَدِيعٍ؛ بِأَنْ أَقَرَّ أَنَّهَا لِفُلَانٍ أَوْ إقْرَارِ (وَارِثٍ) لِلْوَدِيعِ بَعْدَهُ، أَوْ وُجُودِ (نَحْوِ بَيِّنَةٍ) كَأَمَارَةٍ ظَاهِرَةٍ، بِأَنْ وُجِدَ إنَاءٌ ذَهَبٌ أَوْ جَوْهَرٌ عِنْدَ فَقِيرٍ، وَادَّعَاهُ غَنِيٌّ مَعْرُوفٌ بِاقْتِنَاءِ ذَلِكَ؛ لِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ، وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ بِعَيْنِهَا وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 سِوَاهَا فَهُمَا سَوَاءٌ إنْ وَفَّتْ بِهِمَا، وَإِلَّا تَحَاصَّا؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ وَجَبَا فِي ذِمَّتِهِ، فَتَسَاوَيَا كَالدَّيْنَيْنِ، وَسَوَاءٌ وُجِدَ فِي تَرِكَتِهِ مِنْ جِنْسِ الْوَدِيعَةِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ، وَقِيلَ: لَا يُعْمَلُ (بِخَطِّ مُوَرِّثٍ خَلَا عَنْهُمَا) - أَيْ: عَنْ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ، (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " وَ " الْإِقْنَاعِ " (وَإِنْ لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ بَاطِنًا مَعَ تَحَقُّقِهِ) أَنَّهُ خَطُّ مُوَرِّثِهِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ " وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقُ كَأَنْ وُجِدَ مَكْتُوبًا عَلَى وِعَاءٍ (هَذَا وَدِيعَةٌ أَوْ) هَذَا (لِفُلَانٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْوِعَاءَ كَانَتْ فِيهِ وَدِيعَةٌ قَبْلَ هَذِهِ، أَوْ كَانَ وَدِيعَةً لِلْمَيِّتِ عِنْدَ غَيْرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى " وَيُعْمَلُ بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ عَلَى كِيسٍ وَنَحْوِهِ هَذَا وَدِيعَةٌ أَوْ لِفُلَانٍ، وَعِبَارَةُ " الْإِقْنَاعِ " وَإِنْ وَجَدَ خَطَّ مُوَرِّثِهِ لِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةٌ أَوْ عَلَى كِيسٍ وَنَحْوِهِ هَذَا لِفُلَانٍ، عُمِلَ بِهِ وُجُوبًا. وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": وَإِنْ وُجِدَ خَطُّ مُوَرِّثِهِ لِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةٌ أَوْ عَلَى كِيسٍ هَذَا لِفُلَانٍ عُمِلَ بِهِ وُجُوبًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيُعْمَلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ فِي الْوَصِيَّةِ وَنَصَرَهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ: قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. انْتَهَى. هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا وَيَعْمَلُ وَارِثٌ وُجُوبًا (بِخَطِّ مُوَرِّثٍ) وَجَدَهُ مَكْتُوبًا عَلَى كِيسٍ أَوْ صُنْدُوقٍ أَوْ كِتَابٍ ثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّهُ بِهِمَا - أَيْ: بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ مُوَرِّثٍ بِذَلِكَ - كَقَوْلِهِ (هَذَا وَدِيعَةٌ) عِنْدِي أَوْ هَذَا (لِفُلَانٍ) نَصًّا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَاهُ؛ إذْ ثُبُوتُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ لَا يَسْتَرِيبُ بِهِ عَاقِلٌ، وَكِلْتَا الْعِبَارَتَيْنِ لَا تَخْلُوَانِ عَنْ تَحْرِيفٍ مِنْ النُّسَّاخِ أَوْ سَهْوٍ مِنْ الْمُصَنِّفِ، (وَ) إنْ وَجَدَ وَارِثٌ خَطَّ مُوَرِّثِهِ (بِدَيْنٍ عَلَيْهِ) عَلَى مُوَرِّثِهِ لِمُعَيَّنٍ؛ عُمِلَ بِهِ وُجُوبًا، وَدُفِعَ الدَّيْنُ إلَى مَنْ هُوَ مَكْتُوبٌ بِاسْمِهِ كَالْوَدِيعَةِ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي " إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " وَقَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَارِثِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْكِتَابَةُ بِالدُّيُونِ عَلَيْهِ كَالْكِتَابَةِ الْوَدِيعَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ السَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " انْتَهَى. أَوْ وَجَدَ خَطَّ مُوَرِّثِهِ بِدَيْنٍ (لِفُلَانٍ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ صَوَابُهُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ لِيُوَافِقَ مَا فِي الْمُتُونِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 فَيَعْمَلُ الْوَارِثُ بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ (يَحْلِفَ) عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ) جَوَازُ الْحَلِفِ (مَعَ) وُجُودِ (شَاهِدٍ) بِالدَّيْنِ، فَيَحْلِفُ (اعْتِمَادًا عَلَى خَطِّ مُوَرِّثِهِ الصَّدُوقِ) الْأَمِينِ الَّذِي يُعْلَمُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَيُعْتَقَدُ أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا حَقًّا، وَيَسْتَحِقُّ الدَّيْنَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَيَطِيبُ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ فُلَانٍ، قَطَعَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَ " إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " فَيَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَى مَا لَا تَجُوزُ بِهِ الشَّهَادَةُ؛ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِ وَغَيْرِهِمَا إذَا رَآهَا بِخَطِّهِ، [ (وَإِلَّا) يَعْلَمْ صِدْقَ مُوَرِّثِهِ (فَلَا) يَجُوزُ لَهُ الْحَلِفُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ شَاهِدٍ فَقَطْ] ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . (وَإِنْ ادَّعَاهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةَ - (اثْنَانِ، فَأَقَرَّ) الْوَدِيعُ (لِأَحَدِهِمَا) ؛ فَهِيَ (لَهُ) - أَيْ: لِلْمَقَرِّ لَهُ - (بِيَمِينِهِ) بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْوَدِيعِ، وَقَدْ نَقَلَهَا إلَى الْمُدَّعِي، فَصَارَتْ الْيَدُ لَهُ، وَمَنْ كَانَتْ الْيَدُ لَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَمِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ لَوْ قَالَ الْوَدِيعُ: أَوْدَعَنِيهَا الْمَيِّتُ، أَوْ قَالَ: هِيَ لِفُلَانٍ، وَقَالَ وَرَثَتُهُ: بَلْ هِيَ لَهُ. أَفْتَى الشَّيْخُ التَّقِيُّ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَدِيعِ مَعَ يَمِينِهِ. (وَيَحْلِفُ) الْوَدِيعُ أَيْضًا لِلْمُدَّعِي (الْآخِرِ) الَّذِي أَنْكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لَدَعْوَاهُ، وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ "، فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِلَّا يَحْلِفُ لَزِمَهُ - أَيْ: الْوَدِيعَ - بَدَلُهَا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَى الْمُدَّعِي، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ أَنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْأَوَّلِ، فَتُسَلَّمُ لِلْأَوَّلِ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِلثَّانِي نَصًّا، وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا (لَهُمَا) مَعًا فَهِيَ (لَهُمَا) - أَيْ: بَيْنَهُمَا - كَمَا لَوْ كَانَتْ بِأَيْدِيهِمَا وَتَدَاعَيَاهَا، (وَيَحْلِفُ لِكُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْهُمَا) يَمِينًا عَلَى نِصْفِهَا، (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينَيْنِ؛ (لَزِمَهُ لِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (نِصْفُ بَدَلِ) نِصْفِهَا، (وَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (لِأَحَدِهِمَا) فَقَطْ؛ (لَزِمَهُ لَهُ) - أَيْ: لِمَنْ نَكَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 عَنْ الْيَمِينِ لَهُ عِوَضُ (نِصْفِهِ، وَ) يَلْزَمُ أَنْ (يَحْلِفَ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (لِصَاحِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لَدَعْوَاهُ. (وَإِنْ قَالَ) الْوَدِيعُ جَوَابًا لِدَعْوَاهُمَا: (لَا أَعْرِفُ صَاحِبَهَا) مِنْكُمَا (وَصَدَّقَاهُ) عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا (أَوْ سَكَتَا) عَنْ تَصْدِيقِهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ؛ (فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ) ؛ إذْ لَا اخْتِلَافَ، (وَاقْتَرَعَا) فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ سُلِّمَتْ إلَيْهِ بِيَمِينِهِ، (وَإِنْ كَذَّبَاهُ) بِأَنْ قَالَا: بَلْ تَعْرِفُ أَيُّنَا صَاحِبُهَا، أَوْ كَذَّبَهُ (أَحَدُهُمَا حَلَفَ) لَهُمَا (يَمِينًا وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَكَذَا إنْ كَذَّبَهُ أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ، (وَاقْتَرَعَا) فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ أَنَّهَا لَهُ؛ لِاحْتِمَالِ عَدَمِهِ، وَأَخَذَهَا بِمُقْتَضَى الْقُرْعَةِ، (فَإِنْ نَكَّلَ) الْوَدِيعُ عَنْ الْيَمِينِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ صَاحِبَهَا (حُكِمَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَأُلْزِمَ) بِتَعْيِينِ صَاحِبِهَا، فَإِنْ أَبَى تَعْيِينُهُ؛ أُلْزِمَ (بِبَدَلِهَا أَيْضًا) مِثْلِ الْمِثْلِيَّةِ وَقِيمَةِ الْمُتَقَوِّمَةِ، فَتُؤْخَذُ الْقِيمَةُ وَالْعَيْنُ أَوْ الْمِثْلُ وَالْعَيْنُ، وَإِذَا أَخَذَاهُمَا (اقْتَرَعَا عَلَيْهِمَا) . قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: أَعْلَمُ الْمُسْتَحِقَّ، وَلَا أَحْلِفُ، (فَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْعَيْنِ لِأَخْذِ الْقِيمَةِ رُدَّتْ إلَيْهِ) الْعَيْنُ لِلْبَيِّنَةِ، وَتَقَدُّمِهَا عَلَى الْقُرْعَةِ، وَرُدَّتْ (الْقِيمَةُ لِلْمُودِعِ، وَلَا شَيْءَ لِلْقَارِعِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ شَيْئًا، بَلْ الْمُفَوِّتُ الْبَيِّنَةُ، (وَيَأْتِي فِي) بَابِ (الدَّعَاوَى) بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا. (وَإِنْ أَوْدِعَاهُ) [- أَيْ:] اثْنَانِ - (مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا يَنْقَسِمُ) إجْبَارًا بِأَنْ لَمْ يَنْقُصْ بِتَفَرُّقِهِ، (فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ) مِنْ الْوَدِيعِ (لِغِيبَةِ شَرِيكِهِ أَوْ) حُضُورِهِ وَ (امْتِنَاعِهِ) ؛ (سَلَّمَ) النَّصِيبَ (إلَيْهِ) - أَيْ: إلَى الطَّالِبِ - وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ أُمْكِنَ تَمْيِيزُ نَصِيبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ بِغَيْرِ غَبَنٍ وَلَا ضَرَرٍ، فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ؛ لَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ مُتَمَيِّزًا. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمُذَهَّبِ " ومَسْبُوكِ الذَّهَبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَ " التَّلْخِيصِ " وَ " الْبُلْغَةِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَوْ كَانَ عَلَى الْوَدِيعِ دَيْنٌ بِقَدْرِ الْوَدِيعَةِ كَأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَعْطَاهُ الْوَدِيعُ أَلْفًا، ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْوَدِيعُ: الَّذِي دَفَعْت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 إلَيْك وَفَاءً عَنْ الدَّيْنِ الْوَدِيعَةُ تَلِفَتْ، فَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ هُوَ الْوَدِيعَةُ وَالدَّيْنُ بِحَالِهِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَدِيعِ. (وَلِمُودِعٍ وَمُضَارِبٍ وَمُسْتَأْجَرٍ وَمُرْتَهِنٍ) قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: وَمِثْلُهُمْ الْعَدْلُ بِيَدِهِ الرَّهْنُ وَالْأَجِيرُ عَلَى حِفْظِ عَيْنٍ وَالْوَكِيلُ فِيهِ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُجَاعِلُ عَلَى عَمَلِهَا (إنَّ غُصِبَتْ الْعَيْنُ) - أَيْ: الْوَدِيعَةُ - أَوْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةِ (الْمُطَالَبَةِ بِهَا) مِنْ غَاصِبِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ حِفْظِهَا الْمَأْمُورِ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ ذَكَرَ الْمُطَالَبَةَ بِالْعَيْنِ إذَا غُصِبَتْ، وَلَا يَلْزَمُهُ (مَعَ حُضُورِ مَالِكِهَا) . قَالَهُ الْمُوَفَّقُ، وَإِلَّا يَكُنْ مَالِكُ الْعَيْنِ حَاضِرًا (لَزِمَهُ) أَنْ يُطَالِبَ بِهَا (مَعَ خَوْفِ ضَيَاعٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا، وَذَلِكَ مِنْهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. غَرِيبَةٌ: لَوْ أَوْدَعَ كِيسًا مَخْتُومًا مِنْ عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ، وَادَّعَى أَنَّهُ فُضَّ خَتْمُهُ، وَأَنَّهُ خَالٍ صُدِّقَ الْمُودِعُ فَلَوْ فَتَحَ فَوَجَدَ فِيهِ دَرَاهِمَ مِنْ ضَرْبِ خَمْسِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَلَا يَضْمَنُ مُودَعٌ أُكْرِهَ) عَلَى دَفْعِ الْوَدِيعَةِ وَلَوْ لَمْ يَنَلْهُ عَذَابٌ، بَلْ أُكْرِهَ (بِتَهْدِيدٍ عَلَى دَفْعِهَا لِغَيْرِ رَبِّهَا) قَالَهُ الْأَصْحَابُ. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ، وَذَكَرَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَوْ أَسْلَمَ لِوَدِيعَةٍ كُرْهًا لَمْ يَضْمَنْ، وَقَالَ: وَإِنْ صَادَرَهُ سُلْطَانٌ لَمْ يَضْمَنْ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ " وَابْنُ عَقِيلٍ فِي " الْفُصُولِ " وَالْمُوَفَّقِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرُهُمْ. (وَإِنْ طَلَبَ يَمِينَهُ) أَيْ: الْوَدِيعِ - أَنْ لَا وَدِيعَةَ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ، (وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا) مِنْ الْحَلِفِ بِأَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ يَمِينَهُ مُتَغَلِّبًا عَلَيْهِ بِسُلْطَتِهِ أَوْ تَلَصُّصٍ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ إلَّا بِالْحَلِفِ؛ (حَلَفَ وَتَأَوَّلَ) ، فَيَنْوِي لَا وَدِيعَةَ عِنْدِي لِفُلَانٍ فِي مَوْضِعِ كَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّذِي لَيْسَتْ بِهَا وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَحْنَثْ لِتَأَوُّلِهِ، (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى أَخَذَهُ مِنْهُ ضَمِنَهَا خِلَافًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 لِأَبِي الْخَطَّابِ) ؛ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْحَلِفِ، كَمَا لَوْ سَلَّمَهَا إلَى غَيْرِ رَبِّهَا ظَانًّا أَنَّهُ هُوَ، فَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ، وَقِيلَ: (لَا يَأْثَمُ إنْ حَلَفَ) الْوَدِيعُ (مُكْرَهًا) أَنَّهُ لَا وَدِيعَةَ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ، (وَلَمْ يَتَأَوَّلْ مَعَ ضَرَرِ تَغْرِيمٍ كَثِيرًا، وَلَا يُكَفِّرُ) عَنْ يَمِينِهِ، (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " وَ " الْإِقْنَاعِ " (فِيهِمَا) - أَيْ: فِي عَدَمِ الْإِثْمِ وَعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ - كَذَا قَالَ، وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى " وَيَأْثَمُ إنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ، وَهُوَ دُونَ إثْمِ إقْرَارِهِ بِهَا، وَيُكَفِّرُ، وَعِبَارَةُ " الْإِقْنَاعِ " وَإِنْ حَلَفَ وَلَمْ يَتَأَوَّلْ؛ أَثِمَ، وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَإِنْ حَلَفَ، وَلَمْ يَتَأَوَّلْ أَثِمَ، وَقَالَ: الصَّوَابُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مَعَ إمْكَانِ التَّأْوِيلِ وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَعِلْمِهِ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ، ثُمَّ وَجَدْته فِي " الْفُرُوعِ " فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ قَالَ: وَيُكَفِّرُ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. وَكَوْنُهُ يَأْثَمُ إذَا لَمْ يَتَأَوَّلْ لِحَلِفِهِ كَاذِبًا، لَكِنَّ إثْمَ حَلِفِهِ دُونَ إثْمِ إقْرَارِهِ بِهَا؛ لِأَنَّ حِفْظَ مَالِ الْغَيْرِ عَنْ الضَّيَاعِ آكَدُ مِنْ بِرِّ الْيَمِينِ. (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ) أَنَّهُ لَا وَدِيعَةَ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ، فَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ بَحْثٌ. وَحَاصِلُهُ (إنْ كَانَ ضَرَرُ التَّغْرِيمِ كَثِيرًا) يُوَازِي الضَّرَرَ فِي صُوَرِ الْإِكْرَاهِ؛ (فَهُوَ إكْرَاهٌ لَا يَقَعُ وَلَا يُوقِعُ) عَلَى الْمَذْهَبِ. انْتَهَى. (وَلَمْ يَقُولُوا) - أَيْ: الْأَصْحَابُ - (وَتَأَوَّلَ) ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَلْزَمُهُ تَأْوِيلٌ؛ لِعَدَمِ انْعِقَادِ يَمِينِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: إنْ أَبَى الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ، فَصَارَ ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهَا؛ فَكَإِقْرَارِهِ طَائِعًا وَهُوَ تَفْرِيطٌ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، نَقَلَهُ فِي " الْفُرُوعِ " فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ. وَإِنْ نَادَى السُّلْطَانُ (بِتَهْدِيدِهِ مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَيُنْكِرُهَا) فَجَزَاؤُهُ كَذَا وَكَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمُعَاقَبَةِ، أَوْ نَادَى بِتَهْدِيدِ (مَنْ لَمْ يَحْمِلْ وَدِيعَةَ فُلَانٍ) عُمِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّهْدِيدِ، (فَحَمَلَهَا بِلَا مُطَالَبَةٍ؛ أَثِمَ) إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، وَبِهَذَا أَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عُقَيْلٍ فِي فَتَاوِيهِمَا. وَإِنْ عَيَّنَهُ بِالتَّهْدِيدِ، فَلَا ضَمَانَ. تَتِمَّةٌ: إذَا اُسْتُوْدِعَ فِضَّةً وَأُمِرَ بِصَرْفِهَا بِذَهَبٍ، فَفَعَلَ وَتَلِفَ الذَّهَبُ، لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ قَالَ: اصْرِفْ مَا لِي عَلَيْك مِنْ قَرْضٍ، فَفَعَلَ وَتَلِفَ؛ ضَمِنَهُ، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْقَرْضِ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". [بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] (بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) الْمَوَاتُ وَالْمَيْتَةُ وَالْمَيْتَانِ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ - الْأَرْضُ الدَّارِسَةُ الْخَرَابُ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَعَرَّفَهَا الْأَزْهَرِيُّ بِأَنَّهَا الْأَرْضُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ وَلَا بِهَا مَاءٌ وَلَا عِمَارَةٌ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا. وَالْمَوَاتُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمَوْتِ، وَهُوَ عَدَمُ الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتَانُ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ - الْمَوْتُ الذَّرِيعُ، وَرَجُلٌ مَوْتَانُ الْقَلْبِ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ - يَعْنِي أَعْمَى الْقَلْبِ لَا يَفْهَمُ، وَفِي الْقَامُوسِ الْمَوَاتُ كَغُرَابِ الْمَوْتِ وَكَسَحَابِ مَا لَا رُوحَ فِيهِ وَأَرْضٌ لَا مَالِكَ لَهَا، وَالْمَوَتَانُ - بِالتَّحْرِيكِ - خِلَافُ الْحَيَوَانِ أَوْ أَرْضٌ لَمْ تَحْيَا بَعْدُ، (وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُنْفَكَّةُ عَنْ الِاخْتِصَاصَاتِ وَمِلْكٍ مَعْصُومٍ) مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ هَذَا الْحَدِّ: فَيَدْخُلُ كُلُّ مَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، وَخَرَجَ كُلُّ مَا لَا يُمْلَكُ بِهِ. انْتَهَى، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 وَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهِ حَدِيثُ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَحَدِيثُ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ مُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْ أَسْمَرَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ: «أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ. قَالَ: فَخَرَجَ النَّاسُ يَتَعَادَوْنَ يَتَخَاطُّونَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «الْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ وَالْبِلَادُ بِلَادُ اللَّهِ فَمَنْ أَحْيَا مِنْ مَوَاتِ الْأَرْضِ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْمَوَاتَ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي شَرْطِهِ. (فَيُمْلَكُ بِإِحْيَاءِ كُلِّ مَا) - أَيْ: مَوَاتٍ - (لَمْ يَجُرَّ عَلَيْهِ بَيْنَ مِلْكِ مَعْصُومٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ عِمَارَةٌ) . قَالَ فِي " الْمُغْنِي " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ الْقَائِلِينَ بِالْإِحْيَاءِ انْتَهَى. وَنَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ فِي أَرْضٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ لَيْسَ فِيهَا مَزَارِعُ وَلَا عُيُونٌ وَأَنْهَارٌ تَزْعُمُ كُلُّ قَرْيَةٍ أَنَّهَا لَهُمْ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِهَؤُلَاءِ وَلَا لِهَؤُلَاءِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُمْ أَحْيَوْهَا، فَمَنْ أَحْيَاهَا فَلَهُ، وَمَعْنَاهُ نَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ الْخَرَابُ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَثَرُ عِمَارَةٍ تَتَحَقَّقُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ (مَلَكَهُ مَنْ لَهُ حُرْمَةٌ) مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ، (أَوْ) مَلَكَهُ مَنْ (شُكَّ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (فِيهِ) - أَيْ: فِي مَنْ كَانَ مَالِكًا لَهُ - هَلْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ حُرْمَةٌ أَوْ لَا؟ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ، (فَإِنْ وُجِدَ) مَالِكُهُ أَوْ وُجِدَ (أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ لَمْ يُمْلَكْ بِإِحْيَاءٍ) . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَا عُرِفَ بِمِلْكِ مَالِكٍ غَيْرِ مُنْقَطِعٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ لِأَحَدٍ غَيْرِ أَرْبَابِهِ. انْتَهَى. (وَكَذَا إنْ جَهِلَ) مَالِكَهُ بِأَنْ لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِجَرَيَانِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ لِذِي حُرْمَةٍ، فَلَا يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ نَصًّا عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ» . وَهَذِهِ مَمْلُوكَةٌ، وَلِأَنَّ هَذَا مَكَانٌ مَمْلُوكٌ، فَلَمْ يُمْلَكْ بِإِحْيَاءٍ؛ كَمَا لَوْ كَانَ مَالِكُهُ مُعَيَّنًا، (وَإِنْ عَلِمَ) مَالِكَهُ وَأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 مَاتَ، (وَلَمْ يُعَقِّبْ) ذُرِّيَّةً وَلَا وَارِثًا؛ لَمْ يَمْلِكْ أَيْضًا بِالْإِحْيَاءِ (وَأَقْطَعَهُ الْإِمَامُ) لِمَنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ فَيْءٌ. (وَإِنْ مَلَكَ بِإِحْيَاءٍ ثُمَّ تَرَكَ حَتَّى دَثَّرَ، وَعَادَ مَوَاتًا؛ لَمْ يَمْلِكْ بِإِحْيَاءٍ إنْ كَانَ لِمَعْصُومٍ) بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ؛ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً لَيْسَتْ لِأَحَدٍ» . وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِحَدِيثِ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَلِأَنَّ مِلْكَ الْمُحْيِي أَوَّلًا وَلَمْ يَزُلْ عَنْهَا بِالتَّرْكِ بِدَلِيلِ سَائِرِ الْأَمْلَاكِ، (وَإِنْ عُلِمَ مِلْكُهُ) - أَيْ: الدَّارِسِ الْخَرَابِ - (لِمُعَيَّنٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ) بِأَنْ كَانَ لِكَافِرٍ لَا ذِمَّةَ لَهُ وَلَا أَمَانَ، (فَإِنْ) كَانَ (أَحْيَاهُ بِدَارِ حَرْبٍ وَانْدَرَسَ كَانَ) ذَلِكَ (كَمَوَاتٍ أَصْلِيٍّ) ؛ أَيْ: فَيَمْلِكُهُ مَنْ يُحْيِيهِ، لِأَنَّ مِلْكَ مَنْ لَا عِصْمَةَ لَهُ كَعَدَمِهِ، (وَإِنْ) لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ (تُرُدِّدَ فِي جَرَيَانِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ) ؛ مَلَكَ الْإِحْيَاءَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَرَيَانِ الْمِلْكِ فِيهِ، (أَوْ كَانَ بِهِ) - أَيْ: الْخَرَابِ - (أَثَرُ مِلْكٍ غَيْرِ جَاهِلِيٍّ كَالْخَرِبِ) - بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْعَكْسِ - وَكِلَاهُمَا جَمْعُ خِرْبَةٍ - بِسُكُونِ الرَّاءِ - وَهِيَ مَا تَهَدَّمَ مِنْ الْبُنَيَّانِ (الَّتِي ذَهَبَتْ أَنْهَارُهَا وَانْدَرَسَتْ آثَارُهَا، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهَا مَالِكٌ) الْآنَ؛ مَلَكَ بِالْإِحْيَاءِ؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ وَالْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ، وَلِأَنَّ عَامِرَ دَارِ الْحَرْبِ إنَّمَا يُمْلَكُ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ كَانَ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ (جَاهِلِيٍّ قَدِيمٍ) كَدِيَارِ عَادٍ وَآثَارِ الرُّومِ؛ فَيَمْلِكُهُ مَنْ أَحْيَاهُ لِمَا سَبَقَ، أَوْ كَانَ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ جَاهِلِيٍّ (قَرِيبٍ؛ مُلِكَ بِإِحْيَاءٍ) ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْمِلْكِ الَّذِي بِهِ لَا حُرْمَةَ لَهُ. (قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَسَاكِنُ) دِيَارِ ( [ثَمُودَ] لَا تُمْلَكُ؛ لِعَدَمِ دَوَامِ الْبُكَاءِ مَعَ السُّكْنَى) [وَمَعَ الِانْتِفَاعِ] عَلَى رِوَايَةٍ، الْأَظْهَرُ خِلَافُهَا. قَالَ الشَّارِحُ: النَّوْعُ الثَّانِي مَا يُوجَدُ فِيهِ آثَارُ مِلْكٍ قَدِيمٍ جَاهِلِيٍّ كَآثَارِ الرُّومِ وَمَسَاكِنِ ثَمُودٍ وَنَحْوِهِمْ؛ فَهَذَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 الْمِلْكَ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَلِمَا رَوَى طَاوُسٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ عَادِي الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ بَعْدُ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ. ، وَقَالَ عَادِي الْأَرْضِ الَّتِي كَانَ بِهَا سَاكِنٌ فِي آبَادِ الدَّهْرِ فَانْقَرَضُوا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَنِيسٌ، فَنُسِبَ كُلُّ أَثَرٍ قَدِيمٍ إلَيْهِمْ. انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " وَالْمُوَفَّقُ فِي " الْمُغْنِي " خِلَافًا فِي جَوَازِ إحْيَائِهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ " الْمُحَرَّرِ وَ " الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فَإِنَّ أَحْمَدَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُمْ فِي الْبِئْرِ الْعَادِيَّةِ وَهُوَ نَصٌّ مِنْهُ فِي خُصُوصِ النَّوْعِ، وَصَحَّحَ الْمَلِكُ فِيهِ بِالْإِحْيَاءِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ " وَ " الْفَائِقِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَ " التَّصْحِيحِ " وَغَيْرُهُمْ، انْتَهَى. . (وَيُكْرَهُ دُخُولُ دِيَارِهِمْ) - أَيْ: ثَمُودَ - (إلَّا لِبَاكٍ مُعْتَبِرٍ، لِئَلَّا يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ) مِنْ الْعَذَابِ؛ لِلْخَبَرِ (وَمَنْ أَحْيَا) مِمَّا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ، (وَلَوْ) كَانَ الْإِحْيَاءُ (بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ) . قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ مُسْتَدِلًّا بِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ مُبَاحَةٌ، فَلَا: يَفْتَقِرُ تَمَلُّكُهَا إلَى إذْنٍ كَأَخْذِ الْمُبَاحِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عُمُومَ الْأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَحْوَالِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْيِي مُسْلِمًا (أَوْ ذِمِّيًّا) اتِّفَاقًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَوْ لَا، لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِفِعْلِهِ كَالِاصْطِيَادِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَوَتَانُ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ» . جَوَابُهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ أَنَّهَا لَكُمْ - أَيْ: لِأَهْلِ دَارِكُمْ - وَالذِّمِّيُّ مِنْ دَارِنَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُنَا، فَيَمْلِكُ الْأَرْضَ الْمُحْيَاةَ بِالْإِحْيَاءِ، كَمَا يَمْلِكُهَا بِالشِّرَاءِ، وَيَمْلِكُ مُبَاحَاتِهَا مِنْ الْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ وَالصَّيُودِ وَالرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ وَاللُّقَطَةِ، وَهِيَ مِنْ مَرَافِقِ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَكَذَلِكَ الْمَوَاتُ (مَوَاتًا) فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا؛ إذْ جَمِيعُ الْبِلَادِ سَوَاءٌ، (سِوَى مَوَاتِ الْحَرَمِ وَعَرَفَاتٍ) ، فَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ مُطْلَقًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ وَاخْتِصَاصِهِ بِمَحَلٍّ النَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةُ مِنْ الْحَرَمِ كَمَا سَبَقَ، فَلَا إحْيَاءَ بِهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 [تَتِمَّةٌ حُكْمُ مَوَاتُ الْعَنْوَةِ] تَتِمَّةٌ: مَوَاتُ الْعَنْوَةِ كَأَرْضِ الشَّام وَالْعِرَاقِ كَغَيْرِهِ مِمَّا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كَالْمَدِينَةِ، وَمَا صُولِحَ أَهْلُهُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيُمْلَكُ مَوَاتُ الْعَنْوَةِ بِالْإِحْيَاءِ، وَلَا خَرَاجَ عَلَى مُسْلِمٍ أَحْيَا مَوَاتَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ لَيْسَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ مَوَاتٌ مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا لِجَمَاعَةٍ، فَلَا يَخْتَصُّ بِهَا أَحَدُهُمْ حَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى الْعَامِرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَهُ؛ لِكَوْنِ السَّوَادِ كَانَ عَامِرًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَحِينَ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْكُفَّارِ، (وَ) سِوَى (مَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَرْضِ كُفَّارٍ صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا) - أَيْ: الْأَرْضَ (لَهُمْ وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا) ، لِأَنَّهُمْ صُولِحُوا فِي بِلَادِهِمْ، فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ تَابِعٌ لِلْبَلَدِ، وَيُفَارِقُ دَارَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، (وَ) سِوَى (مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ) عُرْفًا؛ لِأَنَّ التَّحْدِيدَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّوْقِيفِ لَا بِالرَّأْيِ، وَلَمْ يَرِدْ مِنْ الشَّرْعِ تَحْدِيدٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْإِحْرَازِ، وَمَا قِيلَ: إنَّ حَدَّ الْقَرِيبِ خُمُسُ خُمُسِ الْفَرْسَخِ، وَإِذَا وَقَفَ الرَّجُلُ بِأَعْلَاهُ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَمْ يَسْمَعْ أَدْنَى أَهْلِ الْمِصْرِ إلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِكُلِّ مَا قَرُبَ مِنْ عَامِرٍ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي لِأَنَّ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا فِي مَوَاتٍ حُرِّمَ إحْيَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَوَاتِ عَلَى غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْحَدِّ (وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ كَطُرُقِهِ وَفِنَائِهِ) مَا اتَّسَعَ أَمَامَهُ (وَمَسِيلِ مَائِهِ وَمَرْعَاهُ وَمُحْتَطَبِهِ وَحَرِيمِهِ) - أَيْ: حَرِيمِ بِئْرِهِ وَحَرِيمِ نَهْرِهِ وَحَرِيمِ عَيْنِ مَائِهِ - (وَمَطْرَحِ تُرَابِهِ) وَقُمَامَتِهِ وَمُلْقَى آلَاتِهِ الَّتِي لَا نَفْعَ بِهَا وَمُرْتَكَضِ خَيْلٍ (وَمَدْفِنِ مَوْتَى وَمُنَاخِ إبِلٍ وَمَنَازِلِ مُسَافِرِينَ مُعْتَادَةٍ) حَوْلَ الْمِيَاهِ وَبِقَاعٍ مُرْصَدَةٍ لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْجَنَائِزِ؛ (مَلَكَهُ) جَوَابُ مَنْ؛ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً مِنْ غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ» . وَلِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمَمْلُوكِ، فَأُعْطِيَ حُكْمُهُ، وَيَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ (بِمَا فِيهِ مِنْ كَنْزٍ) جَاهِلِيٍّ (وَمَعْدِنٍ جَامِدٍ بَاطِنٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ) وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَبَلُّورٍ وَمِنْ مَعْدِنٍ جَامِدٍ (ظَاهِرٍ كَجَصٍّ) - وَهُوَ النُّورَةُ (وَكُحْلٍ وَكِبْرِيتٍ) وَزِرْنِيخَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَطَبَقَاتِهَا، وَهَذَا مِنْهَا، فَتَبِعَهَا فِي الْمِلْكِ، وَيُفَارَقُ الْكَنْزُ الْإِسْلَامِيُّ فَإِنَّهُ لَا يُمْلَكُ مَا فِيهَا مِنْ كَنْزٍ عَلَيْهَا فِيهِ عَلَامَةُ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا لِلنَّقْلِ عَنْهَا، وَلَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُحْيِي الْمَعَادِنَ الَّتِي أَحْيَاهَا إذَا حَفَرَهَا وَأَظْهَرَهَا. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَ " الْمُبْدِعِ ": وَلَوْ تَحَجَّرَ الْأَرْضَ وَأَقْطَعَهَا، فَظَهَرَ فِيهَا الْمَعْدِنُ قَبْلَ إحْيَائِهَا كَانَ لَهُ إحْيَاؤُهَا، وَيَمْلِكُهَا بِمَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِتَحَجُّرِهِ وَإِقْطَاعِهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ إتْمَامِ حَقِّهِ [وَ (لَا) يَمْلِكُ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَا فِيهَا مِنْ مَعْدِنٍ (جَارٍ كَمَا يَأْتِي) قَرِيبًا. (وَلَا) يَمْلِكُ إنْسَانٌ] مَا أَحْيَاهُ مِنْ (مَعْدِنٍ مُطْلَقًا) ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا (بِإِحْيَائِهِ) لَهُ (مُفْرَدًا) عَنْ غَيْرِهِ، أَمَّا الظَّاهِرُ وَهُوَ الَّذِي يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُؤْنَةٍ يَنْتَابُهُ النَّاسُ وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ كَمَقْطَعِ الطِّينِ وَالْمِلْحِ وَالْكُحْلِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْقَارِ وَالْمُومْيَا وَالنَّفْطِ وَالْبِرَامِ وَالْيَاقُوتِ؛ فَبِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ وَتَضْيِيقًا عَلَيْهِمْ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ أَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ مَعْدِنَ الْمِلْحِ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْعَدِّ؛ رَدَّهُ» . قَالَ أَحْمَدُ: وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِمْ عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ «أَنَّهُ اسْتَقْطَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِلْحَ الَّذِي بِمَأْرَبٍ فَلَمَّا وَلَّى قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَدْرِي مَا أَقْطَعْت لَهُ؟ إنَّمَا أَقْطَعْته الْمَاءَ الْعَدَّ فَرَجَعَهُ مِنْهُ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُحْمَى مِنْ الْأَرَاكِ؟ قَالَ: مَا لَمْ تَنَلْهُ أَخْفَافُ الْإِبِلِ» ، وَلِأَنَّ هَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةُ؛ فَلَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهُ وَلَا إقْطَاعُهُ؛ كَمَشَارِعِ الْمَاءِ وَطُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا مِنْ مَوَادِّ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَفَيْضِ جُودِهِ الَّذِي لَا غِنَى عَنْهُ، فَلَوْ مَلَكَهُ أَحَدٌ بِالِاحْتِجَارِ مَلَكَ مَنْعَهُ، فَضَاقَ عَلَى النَّاسِ، وَإِنْ أَخَذَ الْعِوَضَ عَنْهُ أَغْلَاهُ، فَخَرَجَ عَنْ الْوَضْعِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ تَعْمِيمِ ذَوِي الْحَوَائِجِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، وَأَمَّا الْبَاطِنُ وَهُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ فِي إخْرَاجِهِ إلَى حَفْرٍ وَمُؤْنَةٍ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ؛ فَلَا يَمْلِك بِإِحْيَائِهِ مُفْرَدًا؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ الَّذِي يُمْلَكُ بِهِ هُوَ الْعِمَارَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 الَّتِي يَتَهَيَّأُ بِهَا الْمُحْيِي لِلِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارِ عَمَلٍ، وَهَذَا حَفْرٌ وَتَخْرِيجٌ يَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارٍ عِنْدَ كُلِّ انْتِفَاعٍ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا) يَمْلِكُ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا (مَا) - أَيْ: مَعْدِنًا (كَانَ) فِيهِمَا (ظَاهِرًا لِلنَّاسِ) ، وَتَقَدَّمَتْ لَك أَمْثِلَةُ الظَّاهِرِ (يَأْخُذُونَهُ قَبْلَ إحْيَاءِ) تِلْكَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ فِي مِلْكِهِ إذْنٌ قَطْعًا لِنَفْعٍ كَانَ وَاصِلًا إلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْعًا لِانْتِفَاعِهِمْ، وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ بِإِظْهَارِهِ [فَإِنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ عَنْهُمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ظَهَرَ بِإِظْهَارِهِ] ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى ذِمِّيٍّ خَرَاجُ مَا أَحْيَا مِنْ مَوَاتِ الْأَرْضِ) فُتِحَتْ (عَنْوَةً) كَأَرْضِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا تُقَرُّ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ بِدُونِ الْخَرَاجِ؛ كَغَيْرِ الْمَوَاتِ، أَمَّا غَيْرُ الْعَنْوَةِ - وَهُوَ مَا صُولِحَ أَهْلُهُ عَلَى أَنْ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ إذَا أَحْيَا الذِّمِّيُّ فِيهِ مَوَاتًا - فَهُوَ كَالْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ فِيمَا أَحْيَاهُ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ وَالصُّلْحِ وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا كَالْمَدِينَةِ؛ إذْ الْأَرْضُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مِنْهُمْ. (وَيُمْلَكُ بِإِحْيَاءٍ وَيُقْطَعُ) - بِبِنَاءِ الْفِعْلَيْنِ لِلْمَفْعُولِ - (مَا) - أَيْ: مَحِلُّ - (إذَا حَصَلَ فِيهِ الْمَاءُ صَارَ مِلْحًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَضِيقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِإِحْدَاثِهِ، بَلْ يَحْدُثُ نَفْعُهُ بِفِعْلِهِ بِالْعَمَلِ فِيهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَبَقِيَّةِ الْمَوَاتِ، وَإِحْيَاءُ هَذَا بِتَهْيِئَتِهِ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ حَفْرِ تُرَابِهِ وَتَمْهِيدِهِ وَفَتْحِ قَنَاةٍ إلَيْهِ تَصُبُّ الْمَاءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ بِهَذَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيُمْلَكُ بِإِحْيَاءِ مَا قَرُبَ (مِنْ الْعَامِرِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَصَالِحِهِ) نَصًّا كَالْبَعِيدِ عَنْهُ؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَهُوَ التَّعَلُّقُ بِمَصَالِحِ الْعَامِرِ، وَلِلْإِمَامِ إقْطَاعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 الْعَقِيقَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ عَامِرِ الْمَدِينَةِ» ، وَلِأَنَّهُ مَوَاتٌ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ مَصْلَحَةُ الْعَامِرِ، فَجَازَ إحْيَاؤُهُ كَالْبَعِيدِ. وَ (لَا) يُمْلَكُ بِإِحْيَاءِ (مَا) - أَيْ: مَكَان - (نَضَبَ) ؛ أَيْ: غَارَ (مَاؤُهُ مِنْ الْجَزَائِرِ) وَالرُّقَاقِ، مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا. وَالرُّقَاقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَرْضٌ لَيِّنَةٌ أَوْ رِمَالٌ يَتَّصِلُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. قَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرْضٌ مُسْتَوِيَةٌ لَيِّنَةُ التُّرَابِ تَحْتَهَا صَلَابَةٌ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى: إذَا نَضَبَ الْمَاءُ عَلَى جَزِيرَةٍ إلَى فِنَاءِ رَجُلٍ لَمْ يَبْنِ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ يَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَإِذَا وَجَدَهُ مَبْنِيًّا رَجَعَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَأَضَرَّ بِأَهْلِهِ، وَلِأَنَّ الْجَزَائِرَ مَنْبَتُ الْكَلَأِ وَالْحَطَبِ، فَجَرَتْ مَجْرَى الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا حِمَى فِي الْأَرَاكِ» . وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَبَاحَ الْجَزَائِرَ؛ أَيْ: مَا نَبَتَ فِيهَا. وَفِي " الْإِقْنَاعِ " أَمَّا مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنْ الْجَزَائِرِ وَالرُّقَاقِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا فَكُلُّ أَحَدٍ أَحْيَاهُ كَمَوَاتٍ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ. (وَلَا) يَمْلِكُ بِإِحْيَاءِ (مَا غَمَرَهُ الْمَاءُ مِنْ) مَكَان (مَمْلُوكٍ) بِأَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ، ثُمَّ نَضَبَ عَنْهُ، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُلَّاكِهِ قَبْلَ غَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ؛ فَلَهُمْ أَخْذُهُ؛ لِعَدَمِ زَوَالِ مِلْكِهِمْ عَنْهُ. فَائِدَةٌ: وَإِنْ كَانَ مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدٌ فَعَمَّرَهُ إنْسَانٌ عِمَارَةً لَا تَرِدُ الْمَاءَ مِثْلَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَزْرَعَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَحَجِّرٌ بِمَا لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ، فَأَشْبَهَ الْمُتَحَجِّرَ فِي الْمَوَاتِ. . (وَإِنْ ظَهَرَ فِيمَا أَحْيَا) مِنْ مَوَاتٍ (عَيْنُ مَاءٍ، أَوْ) ظَهَرَ (مَعْدِنٌ جَارٍ) ، وَهُوَ الَّذِي كُلَّمَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ خَلَفَهُ عِوَضُهُ (كَنَفْطٍ وَقَارٍ أَوْ) ظَهَرَ فِيهِ (كَلَأٌ أَوْ شَجَرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ خَارِجٌ مِنْ أَرْضِهِ، أَشْبَهَ الْمَعَادِنَ الْجَامِدَةَ وَالزَّرْعَ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ أَحَدٌ فَهُوَ لَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي لَفْظٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فَهُنَا أَوْلَى، (وَلَا يَمْلِكُهُ) ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَابْنُ مَاجَهْ. وَزَادَ وَثَمَنُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 حَرَامٌ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ؛ فَلَمْ تُمْلَكْ بِمِلْكِهَا كَالْكَنْزِ. (وَمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ) الَّذِي فِي قَرَارِ الْعَيْنِ أَوْ فِي قَرَارِ الْبِئْرِ، وَلَمْ يُحْزِهِ (عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ عِيَالِهِ وَمَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ يَجِبُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ) ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَيَجِبُ بَذْلُهُ لِزَرْعِهِ - أَيْ: غَيْرِهِ - عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ فَضْلَ مَا يُمْنَعُ بِهِ الْكَلَأُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الْكَلَإِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ أَوْ فَضْلَ كَلَئِهِ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلَا يَتَوَعَّدُ عَلَى مَا يَحِلُّ (مَا لَمْ يَجِدْ) رَبُّ الْبَهَائِمِ وَالزَّرْعِ مَاءً (مُبَاحًا) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا بِهِ، وَلِأَنَّ الْخَبَرَ ظَاهِرٌ فِي اخْتِصَاصِهِ بِمَحِلِّ الْحَاجَةِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةً لَمْ يَجِبْ الْبَذْلُ (أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ) الْبَاذِلُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا (أَوْ يُؤْذِهِ) طَالِبُ الْمَاءِ (بِدُخُولِهِ) إلَيْهَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهُ بِالدُّخُولِ، أَوْ يَكُونَ لَهُ (فِيهِ) - أَيْ: الْبِئْرِ - (مَاءُ السَّمَاءِ، أَوْ يَخَافُ عَطَشًا؛ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْحِيَازَةِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ؛ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، بِخِلَافِ الْعَدُوِّ، وَكَذَا لَوْ حَازَ الْمَاءَ الْعَدَّ فِي إنَاءٍ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ الِاضْطِرَارِ بِشَرْطِهِ، وَإِذَا خِيفَ الْأَذَى بِوُرُودِ الْمَاشِيَةِ الْمَاءَ، بَعْدَ الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَةِ رَبِّ أَرْضِهِ، فَيَجُوزُ لِرُعَاتِهَا سَوْقُ فَضْلِ الْمَاءِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ بِلَا مَفْسَدَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَذْلُ الْمَاءِ بَذْلَ حَبْلٍ وَدَلْوٍ وَبُكْرَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُتْلَفُ بِالِاسْتِعْمَالِ أَشْبَهَتْ بَقِيَّةَ مَالٍ، لَكِنْ إنْ اُضْطُرَّ بِلَا ضَرَرٍ عَلَى رَبِّهَا؛ لَزِمَهُ بَذْلُهَا. (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا) بِأَرْضٍ (مَوَاتٍ لِلسَّابِلَةِ) ؛ أَيْ: لِنَفْعِ الْمُجْتَازِينَ، (فَحَافِرٌ كَغَيْرِهِ) مِنْ الْمُجْتَازِينَ بِهَا؛ كَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا، (فِي سَقْيٍ وَزَرْعٍ وَشُرْبٍ) . قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ الْحَافِرَ لَمْ يَخُصَّ بِهَا نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ (وَمَعَ ضِيقٍ فِيهِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 أَيْ: تَزَاحُمٍ - (يُسْقَى آدَمِيٌّ) أَوَّلًا لِحُرْمَتِهِ. (فَحَيَوَانٌ) ؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً (فَزُرِعَ) بَعْدَهُمَا. (وَ) إنْ حَفَرَ الْبِئْرَ فِي مَوَاتٍ (ارْتِفَاقًا) ؛ أَيْ: لِيَرْتَفِقَ هُوَ بِهَا كَحَفْرِ (السِّفَارَةِ) فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ بِئْرًا لِيَرْتَفِقُوا بِمَائِهَا وَكَحَفْرِ الْمُنْتَجَعَيْنِ كَالْأَعْرَابِ وَالتُّرْكُمَانِ يَنْتَجِعُونَ أَرْضًا فَيَحْفِرُونَ (لِشَرْعِهِمْ، وَ) لِشُرْبِ (دَوَابِّهِمْ؛ فَهُمْ) - أَيْ: الْحَافِرُونَ لَهَا (أَحَقُّ بِمَائِهَا مَا أَقَامُوا) - أَيْ: مُدَّةَ إقَامَتِهِمْ عَلَيْهَا - وَلَا يَمْلِكُونَهَا، (وَعَلَيْهِمْ) - أَيْ: الْحَافِرِينَ لَهَا - (بَذْلُ فَاضِلٍ) عَنْهُمْ مِنْ مَائِهَا (لِشَارِبٍ) فَقَطْ دُونَ نَحْوِ زَرْعٍ. قَالَهُ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " وَتَبِعَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " التَّرْغِيبِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ "، (وَبَعْدَ رَحِيلِهِمْ) عَنْ الْبِئْرِ (يَكُونُ) مَاؤُهَا (سَابِلَةً لِلْمُسْلِمِينَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَحْفِرُهَا أَحَقَّ مِنْ الْآخَرِ (فَإِنْ عَادُوا) إلَيْهَا (كَانُوا أَحَقَّ بِهَا) مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْفِرُوهَا إلَّا لِأَجْلِ أَنْفُسِهِمْ، وَمِنْ عَادَتِهِمْ الرَّحِيلُ وَالرُّجُوعُ، فَلَمْ تَزُلْ أَحَقِّيَّتُهُمْ بِذَلِكَ. اخْتَارَ ذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَ) إنْ حَفَرَ إنْسَانٌ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ (تَمَلُّكًا فَهِيَ مِلْكٌ لِحَافِرٍ) ؛ كَمَا لَوْ حَفَرَهَا بِمِلْكِهِ الْحَيِّ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. تَتِمَّةٌ: لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَسْتَسْقِيَ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي لِشُرْبِهِ وَطَهَارَتِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ وَانْتِفَاعِهِ بِهِ فِي أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤْثَرُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ إلَيْهِ فِي مَكَان مَحُوطٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ ابْنَ السَّبِيلِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَأَمَّا مَا يُؤْثَرُ فِيهِ كَسَقْيِ الْمَاشِيَةِ الْكَثِيرَةِ، فَإِنَّ فَضْلَ الْمَاءِ عَنْ حَاجَةِ صَاحِبِهِ؛ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: الْفَضْلُ الْوَاجِبُ بَذْلُهُ مَا فَضَلَ عَنْ شَفَتِهِ وَشَفَةِ عِيَالِهِ وَعَجِينِهِمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 وَطَبِيخِهِمْ وَطَهَارَتِهِمْ وَغَسْلِ ثِيَابِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَعَنْ مَوَاشِيهِ وَمَزَارِعِهِ وِ بَسَاتِينِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ حَاجَتِهِ. [فَصْلٌ إحْيَاءُ أَرْضٍ فِيهِ الْمَوَاتُ بِحَوْزٍ بِحَائِطٍ مَنِيعٍ عَادَةً] (فَصْلٌ: وَإِحْيَاءُ أَرْضٍ فِيهِ) الْمَوَاتُ (بِحَوْزٍ بِحَائِطٍ مَنِيعٍ عَادَةً) بِحَيْثُ يَمْنَعُ الْحَائِطُ مَا وَرَاءَهُ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ. وَلَهُمَا عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، وَيَكُونُ الْبِنَاءُ مِمَّا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ الْبِنَاءَ بِهِ مِنْ لَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ حَجَرٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ (سَوَاءٌ أَرَادَهَا) الْمُحْيِي (لِبِنَاءٍ أَوْ زَرْعٍ، أَوْ) أَرَادَهَا (حَظِيرَةَ مَاشِيَةٍ) أَوْ حَظِيرَةَ خَشَبٍ وَنَحْوَهُمَا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِحْيَاءِ تَسْقِيفٌ وَلَا نَصْبُ بَابٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْخَبَرِ، وَالسُّكْنَى مُمَكَّنَةٌ بِدُونِهِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَحْصُلُ إحْيَاؤُهَا (بِإِجْرَاءِ مَاءٍ) بِأَنْ يَسُوقَهُ إلَيْهَا مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ إنْ كَانَتْ (لَا تُزْرَعُ إلَّا بِهِ) - أَيْ: بِالْمَاءِ الْمَسُوقِ إلَيْهَا - لِأَنَّ نَفْعَ الْأَرْضِ بِالْمَاءِ أَكْثَرُ مِنْ الْحَائِطِ. (أَوْ مَنْعَ مَا لَا تُزْرَعُ مَعَهُ) كَأَرْضِ الْبَطَائِحِ الَّذِي يُفْسِدُهَا غَرَقُهَا بِالْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ، فَإِحْيَاؤُهَا بِسَدِّهِ عَنْهَا، وَجَعْلِهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ زَرْعُهَا؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِيمَا أَرَادَ، وَجَعْلِهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ زَرْعُهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَكْرَارِ ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ، أَوْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ الْأَرْضُ لِلزَّرْعِ وَالْغِرَاسِ لِكَثْرَةِ أَحْجَارِهَا كَأَرْضِ اللَّجَاةِ نَاحِيَةٌ بِالشَّامِ، فَإِحْيَاؤُهَا (بِقَلْعِ أَحْجَارِهَا) وَتَنْقِيهَا، (أَوْ) كَانَتْ غِيَاضًا ذَاتَ (أَشْجَارٍ لَا تُزْرَعُ مَعَهَا) - أَيْ: الْأَشْجَارُ - كَأَرْضِ الشُّعَرَاءِ، فَإِحْيَاؤُهَا بِأَنْ يُقْلِعَ أَشْجَارَهَا وَيُزِيلَ عُرُوقَهَا الْمَانِعَةَ مِنْ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا (أَوْ حَفَرَ بِئْرًا) أَوْ نَهْرًا نَصًّا. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ: الْإِحْيَاءُ أَنْ يُحَوِّطَ عَلَيْهَا حَائِطًا، أَوْ يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا وَنَهْرًا انْتَهَى. فَإِنْ حَفَرَ الْبِئْرَ وَلَمْ يَصِلْ إلَى الْمَاءِ فَهُوَ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ: وَإِنْ خَرَجَ الْمَاءُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ إلَّا أَنْ يُحْتَاجَ إلَى طَيٍّ، فَتَمَامُ الْإِحْيَاءِ طَيُّهَا، (أَوْ غَرْسُ شَجَرٍ فِيهَا) - أَيْ: فِي الْأَرْضِ الْمَوَاتِ؛ بِأَنْ كَانَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 لَا تَصْلُحُ لِغَرْسٍ؛ لِكَثْرَةِ أَحْجَارِهَا، فَيُنَقِّيهَا وَيَغْرِسُهَا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ كَبِنَاءِ الْحَائِطِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَمْلِكُهَا بِغَرْسٍ وَإِجْرَاءِ مَاءٍ نَصًّا. تَتِمَّةٌ: وَلَا يَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ بِمُجَرَّدِ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْغَرْسِ، وَلَا يَحْصُلُ بِخَنْدَقٍ يَجْعَلُهُ حَوْلَ الْأَرْضِ الَّتِي يُرِيدُ إحْيَاءَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَائِطٍ وَلَا عِمَارَةٍ، إنَّمَا هُوَ حَفْرٌ وَتَخْرِيبٌ، وَلَا يَحْصُلُ بِشَوْكٍ وَشِبْهِهِ يُحَوِّطُهَا بِهِ، وَيَكُونُ تَحَجُّرًا؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَنْزِلُ مَنْزِلًا وَيُحَوِّطُ عَلَى رَحْلِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": إنْ كَانَتْ كَثِيرَةَ الدَّغَلِ وَالْحَشِيشِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ إلَّا بِتَكْرَارِ حَرْثِهَا وَتَنْقِيَةِ دَغَلِهَا وَحَشِيشِهَا الْمَانِعِ مِنْ زَرْعِهَا كَانَ إحْيَاءً، (وَبِحَفْرِ بِئْرٍ) فِي الْمَوَاتِ (يَمْلِكُ) الْحَافِرُ (حَرِيمَهَا وَهُوَ) - أَيْ: حَرِيمُ الْبِئْرِ - (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فِي بِئْرٍ قَدِيمَةٍ) ، وَهِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْعَادِيَّةَ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ - نِسْبَةً إلَى عَادٍ، وَلَمْ يُرِدْ عَادٌ بِعَيْنِهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ عَادٌ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَكَانَتْ لَهَا آثَارٌ فِي الْأَرْضِ نُسِبَ إلَيْهَا كُلُّ قَدِيمٍ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الْبِئْرُ الْعَادِيَّةُ الْقَدِيمَةُ؛ أَيْ: هِيَ الَّتِي انْطَمَّتْ وَذَهَبَ مَاؤُهَا، فَمَنْ جَدَّدَ حَفْرَهَا وَعِمَارَتَهَا، أَوْ اسْتَخْرَجَ مَاءَهَا الْمُنْقَطِعَ مَلَكَهَا، وَمَلَكَ حَرِيمَهَا، وَهُوَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (خَمْسُونَ ذِرَاعًا. وَ) الْحَرِيمُ (فِي) بِئْرِ (غَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ الْقَدِيمَةِ - (خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ) ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ نَصًّا؛ لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «السُّنَّةُ فِي حَرِيمِ الْقَلِيبِ الْعَادِيِّ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَالْبَدِيِّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ» . وَرَوَى الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيّ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْبِئْرَ الَّتِي لَهَا مَاءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ لَيْسَ لِأَحَدٍ احْتِجَارُهُ كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ. تَنْبِيهٌ: وَمَنْ كَانَتْ لَهُ بِئْرٌ فِيهَا مَاءٌ، فَحَفَرَ آخَرُ قَرِيبًا مِنْهَا بِئْرًا يَتَسَرَّقُ إلَيْهَا مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَفِرُ الثَّانِيَةِ فِي مِلْكِهِ كَرَجُلَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ فِي دَارٍ حَفَرَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِهِ بِئْرًا أَعْمَقَ مِنْهَا، فَيَسْرِي إلَيْهَا مَاءُ الْأُولَى، أَوْ كَانَتَا فِي مَوَاتٍ فَسَبَقَ أَحَدُهُمَا، فَحَفَرَ بِئْرًا قَرِيبًا مِنْهَا تَجْتَذِبُ مَاءَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ مِلْكَهُ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ قَبْلَهُ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ مَا يُحْدِثُهُ الْجَارُ مِمَّا يَضُرُّ بِجَارِهِ كَأَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ مَدْبَغَةً أَوْ حَمَّامًا تَضُرُّ بِجِدَارِ عَقَارِ جَارِهِ بِحَمِي نَارِهِ وَرَمَادِهِ أَوْ دُخَانِهِ، أَوْ يَحْفِرُ فِي أَصْلِ حَائِطِهِ بِحَيْثُ يَتَأَذَّى جَارُهُ بِرَائِحَةٍ وَغَيْرِهَا، أَوْ يَجْعَلُ دَارِهِ مَخْبِزًا فِي وَسَطِ الْعَطَّارِينَ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُؤْذِي جَارَهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . وَلِأَنَّهُ أَحْدَثَ ضَرَرًا بِجَارِهِ؛ كَدَقٍّ يَهُزُّ الْحِيطَانَ وَنَحْوَهَا، وَكَإِلْقَاءِ السَّمَادِ وَالتُّرَابِ فِي أَصْلِ حَائِطِهِ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِهِ. وَلَوْ كَانَ لِشَخْصٍ مَصْنَعٌ فَأَرَادَ جَارُهُ غَرْسَ شَجَرَةٍ مِمَّا تَسْرِي عُرُوقُهُ، فَتَشُقُّ حَائِطَ مَصْنَعٍ لِجَارِهِ، وَيُتْلِفُهُ؛ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، وَكَانَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ وَقَلْعُهَا إنْ غَرَسَهَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ الضَّرَرُ سَابِقًا مِثْلَ مَنْ لَهُ فِي مِلْكِهِ مَدْبَغَةٌ أَوْ مُقْصَرَةٌ فَأَحْيَا إنْسَانٌ إلَى جَانِبِهِ مَوَاتًا وَبَنَاهُ دَارًا تَضَرَّرَ بِذَلِكَ؛ لَمْ يَلْزَمْ إزَالَتُهُ الضَّرَرَ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ ضَرَرًا. . (وَحَرِيمُ عَيْنٍ وَقَنَاةٍ) احْتَفَرَهَا إنْسَانٌ فِي مَوَاتٍ (خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ) . نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ حَرِيمِ الْقَنَاةِ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَحَرِيمِ الْعَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " التَّنْقِيحِ " قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَرْعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. (وَ) حَرِيمُ (نَهْرٍ مِنْ جَانِبَيْهِ مَا يَحْتَاجُ) النَّهْرُ (إلَيْهِ لِطَرْحِ كَرَايَتِهِ) - أَيْ: مَا يُلْقَى مِنْهُ طَلَبًا لِسُرْعَةِ جَرْيِهِ - (وَطَرِيقِ قِيمَةٍ) - أَيْ: شَاوِيهِ - وَمَا يَسْتَضِرُّ صَاحِبُهُ بِتَمَلُّكِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَثُرَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " وَإِنْ كَانَ بِجَنْبِهِ مُسْنَاةٌ لِغَيْرِهِ ارْتَفَقَ بِهَا فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً، وَلَهُ عَمَلُ أَحْجَارِ طَحْنٍ عَلَى النَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَمَوْضِعِ غَرْسٍ وَزَرْعٍ وَنَحْوِهِمَا انْتَهَى. وَالْمُسْنَاةُ هِيَ السَّدُّ الَّذِي يُرَادُ الْمَاءُ مِنْ جَانِبِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَالْقِيَمُ وَالشَّاوِي لَمْ أَجِدْ لَهُمَا أَصْلًا فِي اللُّغَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَعَلَّهُمَا مُوَلَّدَتَانِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الشَّامِ. (وَ) حَرِيمُ (شَجَرَةٍ) غُرِسَتْ فِي مَوَاتٍ (قَدْرَ مَدِّ أَغْصَانِهَا) حَوَالَيْهَا؛ لِمَا رَوَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «اُخْتُصِمَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَرِيمِ نَخْلَةٍ، فَأَمَرَ بِجَرِيدَةٍ مِنْ جَرَائِدهَا، فَذُرِعَتْ، فَكَانَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ فَقَضَى بِذَلِكَ» قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَإِنْ سَبَقَ إلَى شَجَرٍ مُبَاحٍ كَالزَّيْتُونِ وَالْخَرُّوبِ فَسَقَاهُ وَأَصْلَحَهُ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ، فَإِنْ طَعِمَهُ مَلَكَهُ بِذَلِكَ وَحَرِيمَهُ؛ لِأَنَّهُ تَهَيَّأَ لِلِانْتِفَاعِ لِمَا يُرَادُ مِنْهُ، فَهُوَ كَسَوْقِ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ الْمَوَاتِ. (وَ) حَرِيمُ (أَرْضٍ) مِنْ مَوَاتٍ (تُزْرَعُ مَا) - أَيْ: مَحِلَّ - (يُحْتَاجُ) إلَيْهِ (لِسَقْيِهَا وَرَبْطِ دَوَابِّهَا وَطَرْحِ سَبَخِهَا فِيهِ وَنَحْوَهُ) مِمَّا يَرْتَفِقُ بِهِ زَارِعُهَا كَمَصْرِفِ مَائِهَا عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ مَرَافِقِهَا. (وَ) حَرِيمُ (دَارٍ مِنْ مَوَاتٍ حَوْلَهَا مَطْرَحُ تُرَابٍ وَكُنَاسَةٌ وَثَلْجٌ وَمَاءُ مِيزَابٍ وَمَمَرٌّ لِبَابٍ) ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِمَّا يَرْتَفِقُ بِهِ سَاكِنُهَا (وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِمِلْكٍ) - أَيْ: بِمِلْكِ غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ - لِأَنَّ الْحَرِيمَ مِنْ الْمَرَافِقِ، وَلَا يَرْتَفِقُ بِمِلْكِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ أَحَقُّ بِهِ. (وَيَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمْ) - أَيْ: مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْلَاكِ - (بِحَسْبِ عَادَةٍ) فِي الِانْتِفَاعِ، فَإِنْ تَعَدَّى الْعَادَةَ مُنِعَ مِنْ التَّعَدِّي؛ عَمَلًا بِالْعَادَةِ. (وَإِنْ وَقَعَ فِي) قَدْرِ (الطَّرِيقِ نِزَاعٌ وَقْتَ الْإِحْيَاءِ فَلَهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ) ؛ لِلْخَبَرِ. (وَلَا تُغَيَّرُ) الطَّرِيقُ (بَعْدَ وَصْفِهَا) نَصًّا، (وَلَوْ زَادَتْ عَلَيْهَا) - أَيْ: عَلَى سَبْعَةِ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ. (وَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا) ؛ أَيْ: شَرَعَ فِي إحْيَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتِمَّهُ (بِأَنْ أَدَارَ حَوْلَهُ أَحْجَارًا) أَوْ تُرَابًا أَوْ حَائِطًا غَيْرَ مَنِيعٍ، (أَوْ حَفَرَ بِئْرًا لَمْ يَصِلْ مَاؤُهَا) نَقَلَهُ حَرْبٌ (أَوْ سَقَى شَجَرًا مُبَاحًا وَأَصْلَحَهُ) بِأَنْ شَفَاهُ؛ أَيْ: قَطَعَ أَغْصَانَهُ الرَّدِيئَةَ لِتَخْلُفَهَا أَغْصَانٌ جَيِّدَةٌ، (وَلَمْ يَرْكَبْهُ، أَوْ حَرَثَ الْأَرْضَ، أَوْ زَرَعَهَا أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 خَنْدَقَ عَلَيْهَا أَوْ حَوَّطَهَا بِنَحْوِ شَوْكٍ) كَعِيدَانِ لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ، (أَوْ أَقْطَعَ مَوَاتًا) بِأَنْ أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ لِيُحْيِيَهُ فَلَمْ يُحْيِهِ؛ (لَمْ يَمْلِكْهُ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِحْيَاءِ، وَلَمْ يُوجَدْ، (وَهُوَ) أَيْ: الْمُتَحَجِّرُ - (أَحَقُّ بِهِ) مِنْ غَيْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَكَذَا (وَارِثُهُ) مِنْ بَعْدِهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» . وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَوْرُوثِ، فَيَقُومُ الْوَارِثُ فِيهِ مَقَامَهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، (وَ) كَذَا (مَنْ يَنْقُلُهُ) الْمُتَحَجِّرُ أَوْ وَرَثَتُهُ (إلَيْهِ) بِغَيْرِ بَيْعٍ، فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ أَقَامَهُ مَقَامَهُ فِيهِ، وَلَيْسَ لِلْمُتَحَجِّرِ أَوْ وَارِثِهِ أَوْ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِهِمَا بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَشَرْطُ الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا. (وَكَذَا مَنْ نَزَلَ عَنْ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ) ، فَإِنَّ الْمَتْرُوكَ لَهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا، وَوَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا مِنْهُ (بِلَا عِوَضٍ) عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَمِنْهَا مَنَافِعُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ فَيَجُوزُ نَقْلُهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهَا، وَتُنْقَلُ إلَى الْوَارِثِ فَيَقُومُ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ فِيهَا. (وَنَصَّ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ (عَلَى جَوَاز دَفْعِهَا مَهْرًا) ، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ وَغَيْرِهِ عَلَى جَوَازِ دَفْعِهَا إلَى الزَّوْجَةِ عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ. (قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا مُعَاوَضَةٌ عَنْ مَنَافِعِهَا الْمَمْلُوكَةِ) فَأَمَّا الْبَيْعُ فَكَرِهَهُ أَحْمَدُ، وَنَهَى عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ قَوْلُهُ فِي بَيْعِ الْعِمَارَةِ الَّتِي فِيهَا لِئَلَّا تُتَّخَذَ طَرِيقًا إلَى بَيْعِ رَقَبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا تُمْلَكُ، بَلْ هِيَ إمَّا وَقْفٌ وَإِمَّا فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا. وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُ آلَاتِ عِمَارَتِهِ بِمَا تُسَاوِي، وَكَرِهَ أَنْ يَبِيعَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ نُقِلَ عَنْ ابْنِ هَانِئٍ أَنَّهُ قَالَ: يُقَوِّمُ دُكَّانَهُ وَمَا فِيهِ مِنْ عَلَفٍ وَكُلِّ شَيْءٍ يُحْدِثُهُ فِيهِ، فَيُعْطَى ذَلِكَ، وَلَا أَرَى أَنْ يَبِيعَ سُكْنَى دَارٍ وَلَا دُكَّانٍ. وَقَالَ (فِي " الْمُبْدِعِ ") بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النُّزُولَ عَنْ الْوَظَائِفِ: وَمِمَّا يُشْبِهُ النُّزُولَ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 الْوَظَائِفِ النُّزُولُ عَنْ الْإِقْطَاعِ فَإِنَّهُ نُزُولٌ عَنْ اسْتِحْقَاقٍ يَخْتَصُّ بِهِ؛ لِتَخْصِيصِ الْإِمَامِ لَهُ اسْتِغْلَالَهُ، أَشْبَهَ مُسْتَحَقَّ الْوَظِيفَةِ وَمُتَحَجِّرَ الْمَوَاتِ. (وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِجَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) - أَيْ: بِالنُّزُولِ عَنْ الْإِقْطَاعَاتِ وَعَنْ الْوَظَائِفِ - (بِالْخُلْعِ) ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ (مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَمْلِكْ الْبُضْعَ) ، وَإِنَّمَا مَلَكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْمُتَحَجِّرَ. انْتَهَى. مَا فِي " الْمُبْدِعِ ". وَقَالَ [ابْنُ] الْقَيِّمِ: وَمَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا كُلَّ عَامٍ، فَمَلَكُوا مَنَافِعَهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي يَبْذُلُونَهُ، وَتَرِثُهُ وَرَثَتُهُ كَذَلِكَ؛ أَيْ: فَيَكُونُونَ أَحَقَّ بِهَا بِالْخَرَاجِ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ نَزَلَ عَنْهَا، أَوْ آثَرَ بِهَا أَحَدًا فَالْمَنْزُولُ لَهُ وَالْمُؤْثَرُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ. انْتَهَى. (أَوْ نَزَلَ) إنْسَانٌ (عَنْ وَظِيفَةٍ) مِنْ إمَامَةٍ أَوْ خَطَابَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ وَنَحْوِهِ (لِأَهْلٍ) - أَيْ: لِمَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلْقِيَامِ بِهَا (فَلَا يُقَرَّرُ غَيْرُ مَنْزُولٍ لَهُ) ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا، (فَإِنْ قُرِّرَ هُوَ) ؛ أَيْ: قَرَّرَهُ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ كَالنَّاظِرِ فَقَدْ تَمَّ الْأَمْرُ لَهُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُقَرِّرْهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْرِيرِ؛ (فَهِيَ) - أَيْ: الْوَظِيفَةُ - (لِلنَّازِلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ رَغْبَةٌ مُطْلَقَةٌ عَنْ وَظِيفَتِهِ، بَلْ مُقَيَّدَةٌ بِحُصُولِهِ لِلْمَنْزُولِ لَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ. وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ التَّقْرِيرُ فِي مِثْلِ هَذَا، إنَّمَا يُقَرِّرُ فِيمَا هُوَ خَالٍ عَنْ يَدِ مُسْتَحَقٍّ أَوْ فِي يَدِ مَنْ يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ لِمُقْتَضَى شَرْعِيٍّ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَقْرِيرُهُ سَائِغًا. (وَمَا قَالَهُ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ مَنْزُولٌ لَهُ، وَيُوَلِّي مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا شَرْعًا) ؛ فَمَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ تَمَامِ النُّزُولِ إمَّا لِكَوْنِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ مِنْ الْمَنْزُولِ لَهُ أَوْ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ إذَا كَانَ النُّزُولُ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ الْإِمْضَاءِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ أَوْ عَلَى مَنْ رَغِبَ عَنْهُ رَغْبَةً مُطْلَقَةً، وَلَمْ يَكُنْ الْمَنْزُولُ لَهُ أَهْلًا، فَفِي هَذَا يَتَّجِهُ الْقَوْلُ بِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ النُّزُولُ مَشْرُوطًا بِالْإِمْضَاءِ، وَتَمَّ النُّزُولُ بِالْقَبُولِ مِنْ الْمَنْزُولِ لَهُ وَلِإِمْضَاءِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ، وَكَانَ الْمَنْزُولُ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 أَهْلًا؛ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يُنْتَقَلُ إلَيْهِ عَاجِلًا بِقَبُولِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ التَّقَرُّرُ عَنْ الْمَنْزُولِ لَهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقْرِيرِ نَاظِرٍ وَلَا مُرَاجَعَتِهِ لَهُ؛ إذْ هُوَ حَقٌّ لَهُ نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي حُقُوقِهِ لَيْسَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، أَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِ؛ إذْ لَا فَرْقَ، وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ كَلَامِهِمْ. مِنْهَا مَا ذَكَرُوا فِي الْمُتَحَجِّرِ أَنَّ مَنْ نَقَلَهُ إلَيْهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَكَذَا ذَكَرُوا أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ لَيْسَ لِلْإِمَامِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ وَدَفْعُهَا إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ آثَرَ بِهَا غَيْرَهُ صَارَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهَا، مَعَ أَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا وَلَمْ يَعْتَبِرُوهُ، وَقَالَ " الْمُوَضِّحُ ": مُلَخَّصُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَسْتَحِقُّهَا مَنْزُولٌ لَهُ إنْ كَانَ أَهْلًا، وَإِلَّا فَلِلنَّاظِرِ تَوْلِيَةُ مُسْتَحَقِّهَا شَرْعًا. انْتَهَى. (وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِشَيْءٍ) كَمُتَحَجِّرِ مَوَاتٍ وَنَحْوِهِ (بَيْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ فَلَمْ يَمْلِكْ بَيْعَهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَكَمَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ، (فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ) - أَيْ: مُدَّةُ التَّحَجُّرِ - (عُرْفًا كَثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَمْ يُتِمَّ إحْيَاؤُهُ، وَحُصِلَ مُتَشَوِّفٌ لِإِحْيَائِهِ قِيلَ لَهُ) ؛ أَيْ: قَالَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ: (إمَّا أَنْ تُحْيِيَهُ) فَتَمْلِكَهُ (أَوْ تَتْرُكَهُ) لِيُحْيِيَهُ غَيْرُك؛ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى ضَيِّقٍ أَوْ مَشْرَعَةِ مَاءٍ أَوْ مَعْدِنٍ لَا يُنْتَفَعُ وَلَا يَدَعُ غَيْرَهُ يَنْتَفِعُ. (فَإِنْ طَلَبَ) الْمُتَحَجِّرُ (الْمُهْلَةَ لِعُذْرٍ أُمْهِلَ مَا يَرَاهُ حَاكِمٌ مِنْ نَحْوِ شَهْرٍ) كَشَهْرَيْنِ (أَوْ ثَلَاثَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَلَا يُمْهَلُ، بَلْ يُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تُعَمِّرَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ يَدَكَ، فَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْهَا كَانَ لِغَيْرِهِ عِمَارَتُهَا. (وَ) أُمْهِلَ لِعُذْرٍ (لَا يَمْلِكُ) الْمَكَانَ الْمُتَحَجَّرَ (بِإِحْيَاءِ غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الْمُتَحَجِّرِ - (زَمَنَ مُهْلَةٍ) أَوْ قَبْلَهَا؛ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ» . وَلِأَنَّهُ أَحْيَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ، كَمَا لَوْ أَحْيَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُتَحَجِّرِ أَسْبِقُ، فَكَانَ أَوْلَى كَحَقِّ الشَّفِيعِ يُقَدَّمُ عَلَى شِرَاءِ الْمُشْتَرِي. وَإِنْ أَحْيَاهُ (بَعْدَهَا) أَيْ: بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ - فَإِنَّهُ (يَمْلِكُ) مَا أَحْيَاهُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 انْتَهَى. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا مِلْكَ لَهُ، وَحَقُّهُ زَالَ بِإِعْرَاضِهِ حَتَّى مُدَّةِ الْإِمْهَالِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": فَائِدَةٌ: قَسَّمَ الْأَصْحَابُ الْإِقْطَاعَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إقْطَاعَ تَمْلِيكٍ وَإِقْطَاعَ اسْتِغْلَالٍ وَإِقْطَاعَ إرْفَاقٍ، وَقَسَّمَ الْقَاضِي إقْطَاعَ التَّمْلِيكِ إلَى مَوَاتٍ وَعَامِرٍ وَمَعَادِنَ، وَجَعَلَ إقْطَاعَ الِاسْتِغْلَالِ عَلَى ضَرْبَيْنِ عُشْرٍ وَخَرَاجٍ. . (وَلِلْإِمَامِ لَا غَيْرِهِ إقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيه) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ، وَأَقْطَعَ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ أَرْضًا» ، وَأَقْطَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَجَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - (وَلَا يَمْلِكُهُ) - أَيْ: الْمَوَاتَ - (بِالْإِقْطَاعِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ لَمَا جَازَ اسْتِرْجَاعُهُ، (بَلْ) يَصِيرُ الْمُقْطَعُ (كَمُتَحَجِّرِهِ) - أَيْ: الْمَوَاتِ - الشَّارِعِ فِي إحْيَائِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ بِالْإِحْيَاءِ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُسَمَّى تَمَلُّكًا لِمَآلِهِ إلَيْهِ (وَلَا) يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ (يَقْطَعَ إلَّا مَا قَدَرَ) الْمُقْطَعُ (عَلَى إحْيَائِهِ) ؛ لِأَنَّ فِي إقْطَاعِهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ. (فَإِنْ زَادَ) الْإِمَامُ أَحَدًا؛ بِأَنْ أَقْطَعَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى إحْيَائِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ عَجْزُهُ عَنْ إحْيَائِهِ (اسْتَرْجَعَهُ) الْإِمَامُ مِنْهُ، كَمَا اسْتَرْجَعَ عُمَرُ مِنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ مَا عَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهِ مِنْ الْعَقِيقِ الَّذِي أَقْطَعَهُ إيَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ عُمَرُ لِبِلَالٍ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْطَعْك لِتُجِيزَ عَنْ النَّاسِ إنَّمَا أَقْطَعَك لِتُعَمِّرَ، فَخُذْ مِنْهَا مَا قَدَرْت عَلَى عِمَارَتِهِ، وَرُدَّ الْبَاقِي. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ. وَلَهُ - أَيْ: الْإِمَامُ - (إقْطَاعُ غَيْرِ مَوَاتٍ) [مُطْلَقًا]- أَيْ: لَهُ أَرْبَابٌ أَوَّلًا - تَمْلِيكًا، وَلَهُ إقْطَاعُ ذَلِكَ (انْتِفَاعًا لِلْمَصْلَحَةِ) دُونَ غَيْرِهَا. نَقَلَ حَرْبٌ: الْقَطَائِعُ جَائِزٌ. وَنَقَلَ يَعْقُوبُ قَطَائِعُ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ مِنْ الْمَكْرُوهَةِ كَانَتْ لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَأَخَذَهَا هَؤُلَاءِ، وَيَجُوزُ الْإِقْطَاعُ مِنْ مَالِ الْجِزْيَةِ كَمَا فِي الْإِقْطَاعِ مِنْ مَالِ الْخَرَاجِ. وَمَعْنَى الِانْتِفَاعِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فِي الزَّرْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ بَقَائِهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ إقْطَاعُ الِاسْتِغْلَالِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَجُوزُ إقْطَاعُ غَيْرِ الْمَوَاتِ (حَيْثُ لَا أَرْبَابَ لَهُ) - أَيْ: لِمَا أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ مِنْ غَيْرِ الْمَوَاتِ - وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ أَرْبَابِهِ وَتَأَهُّلِهِمْ لِلْقِيَامِ؛ فَلَيْسَ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهُمْ، أَوْ كَانَ الْإِمَامُ (أَقْطَعَ) ذَلِكَ (لِأَرْبَابِهِ) ابْتِدَاءً لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ فِي) إقْطَاعِ (التَّمْلِيكِ يُنْقَلُ لِوَرَثَتِهِ) - أَيْ: وَرَثَةِ الْمُقْطَعِ - وَيَكُونُ (مِلْكًا) لَهُمْ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ انْتِزَاعُهُ مِنْهُمْ مَا دَامُوا قَائِمِينَ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَلَوْ فُقِدَتْ الْمَصْلَحَةُ) الَّتِي لِأَجْلِهَا جَازَ الْإِقْطَاعُ ابْتِدَاءً؛ (فَلَهُ) - أَيْ: الْإِمَامِ - (اسْتِرْجَاعُهُ) - أَيْ: اسْتِرْجَاعُ مَا أَقْطَعَهُ - لِاشْتِرَاطِ وُجُودِ الْمَصْلَحَةِ ابْتِدَاءً وَاسْتِمْرَارِهِ دَوَامًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ. . (وَلَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ - (إقْطَاعُ جُلُوسٍ) لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (بِطَرِيقٍ وَاسِعَةٍ وَرِحَابٍ) مُتَّسِعَةٍ (غَيْرَ مَحُوطَةٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُبَاحُ الْجُلُوسُ فِيهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ، فَجَازَ إقْطَاعُهُ كَالْأَرْضِ الدَّارِسَةِ، وَيُسَمَّى إقْطَاعُ إرْفَاقٍ، (مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ) ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُجْلِسَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ فَضْلًا عَمَّا فِيهِ مَضَرَّةٌ. (وَلَا يَمْلِكُهُ مُقْطَعٌ) بِالْإِقْطَاعِ؛ لِمَا ذُكِرَ فِي إقْطَاعِ الْأَرْضِ، (بَلْ يَكُونُ) الْمُقْطَعُ (أَحَقَّ بِهِ) بِالْجُلُوسِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 فِيهَا بِمَنْزِلَةِ السَّابِقِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إقْطَاعٍ، لَكِنْ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِنَقْلِ مَتَاعِهِ، بِخِلَافِ السَّابِقِ، وَشَرْطُهُ (مَا لَمْ يَعُدْ الْإِمَامُ فِي إقْطَاعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ لَهُ اجْتِهَادًا فِي الْإِقْطَاعِ لَهُ اجْتِهَادٌ فِي اسْتِرْجَاعِهِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ رَحْبَةَ الْمَسْجِدِ لَوْ كَانَتْ مَحُوطَةً؛ لَمْ يَجُزْ إقْطَاعُ الْجُلُوسِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَسْجِدِ. (وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ) الْإِمَامُ الطَّرِيقَ الْوَاسِعَةَ وَرِحَابَ الْمَسْجِدِ غَيْرَ الْمَحُوطَةِ أَحَدًا؛ (فَالسَّابِقُ) إلَيْهَا (أَحَقُّ) بِالْجُلُوسِ فِيهَا، (مَا لَمْ يَنْقُلْ قُمَاشَهُ عَنْهُ) - أَيْ: الْمَحِلِّ الَّذِي جَلَسَ فِيهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَلِمَا رَوَى الزُّبَيْرُ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَأَنْ يَحْمِلَ أَحَدُكُمْ حَبْلًا فَيَحْتَطِبَ، ثُمَّ يَجِيءَ فَيَضَعَهُ فِي السُّوقِ فَيَبِيعُهُ، ثُمَّ يَسْتَغْنِي بِهِ فَيُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطُوهُ أَوْ مَنَعُوهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَمَحِلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، وَلِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ عَلَى إقْرَارِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ، وَلِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ بِمُبَاحٍ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ؛ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَالِاجْتِيَازِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا قَامَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ إزَالَتُهُ، وَأَنَّهُ إذَا نَقَلَ مَتَاعَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ، وَلَمْ يَأْتِ اللَّيْلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ (فَإِنْ أَطَالَهُ) ؛ أَيْ: أَطَالَ الْجُلُوسَ مِنْ غَيْرِ إقْطَاعٍ (أُزِيلَ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُتَمَلِّكِ، وَيَخْتَصُّ بِنَفْعٍ يُسَاوِي غَيْرَهُ، وَ (لَهُ) - أَيْ: الْجَالِسِ بِطَرِيقٍ وَاسِعٍ وَرَحْبَةِ مَسْجِدٍ غَيْرِ مَحُوطَةٍ بِإِقْطَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ - (أَنْ يَسْتَظِلَّ بِغَيْرِ بِنَاءٍ بِمَا لَا يَضُرُّ كَبَارِيَّةٍ وَكِسَاءٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ دِكَّةً وَلَا غَيْرَهَا فِي الطَّرِيقِ - وَلَوْ وَاسِعًا - وَلَا فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيق. (وَلَيْسَ لَهُ) - أَيْ: لِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْجُلُوسِ - بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ أَوْ بِسَبْقِهِ (الْجُلُوسُ بِحَيْثُ يَمْنَعُ جَارَهُ رُؤْيَةَ الْمُعَامِلِينَ) لِمَتَاعِهِ، أَوْ يَمْنَعُ وُصُولَهُمْ إلَيْهِ، (أَوْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى جَارِهِ - (فِي كَيْلٍ وَوَزْنٍ وَأَخْذٍ وَعَطَاءٍ) ؛ لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . . (وَإِنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 سَبَقَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ لِذَلِكَ) - أَيْ: إلَى الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ وَإِلَى رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ، - (أَوْ) سَبَقَ (إلَى خَانٍ مُسَبَّلٍ، أَوْ) سَبَقَهُ إلَى (رِبَاطٍ، أَوْ) إلَى (مَدْرَسَةٍ، أَوْ) إلَى (خانكاه) - مَكَانِ الصُّوفِيَّةِ - (وَلَمْ يَتَوَقَّفْ فِيهَا) - أَيْ: الْمَذْكُورَاتِ - (إلَى تَنْزِيلِ نَاظِرٍ) ، وَضَاقَ الْمَكَانُ عَنْ انْتِفَاعِ جَمِيعِهِمْ (أَقْرَعَ) ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي السَّبَقِ وَالْقُرْعَةُ مُمَيِّزَةٌ. (وَالسَّابِقُ إلَى مَعْدِنٍ) غَيْرِ مَمْلُوكٍ (أَحَقُّ بِمَا يَنَالُهُ) مِنْهُ، بَاطِنًا كَانَ الْمَعْدِنُ أَوْ ظَاهِرًا؛ لِحَدِيثِ «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . وَلَا يُمْنَعُ السَّابِقُ (مَا دَامَ يَعْمَلُ) ؛ لِلْحَدِيثِ، (وَلَا يُمْنَعُ) السَّابِقُ (إذَا طَالَ مَقَامُهُ) ، يَعْنِي لِلْأَخْذِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " التَّلْخِيصِ ": وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مَا دَامَ آخِذًا، وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ". (وَإِنْ سَبَقَ عَدَدٌ) اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إلَى الْمَعْدِنِ الْمُبَاحِ (وَضَاقَ الْمَحِلُّ عَنْ الْأَخْذِ جُمْلَةً؛ أُقْرِعَ) كَمَا لَوْ سَبَقَ عَدَدٌ إلَى طَرِيقٍ وَاسِعٍ، وَضَاقَ عَنْ الْجُلُوسِ؛ فَيُقْرَعُ كَمَا سَبَقَ، (فَإِنْ حَفَرَهُ) أَيْ: الْمَعْدِنَ - إنْسَانٌ (آخَرُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ) غَيْرِ الَّذِي حَفَرَ مِنْهُ السَّابِقُ، (فَوَصَلَ إلَى النَّيْلِ؛ لَمْ يُمْنَعْ) لِأَنَّ حَقَّهُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ. (وَالسَّابِقُ إلَى مُبَاحٍ؛ كَصَيْدٍ وَعَنْبَرٍ وَحَطَبٍ وَلُقَطَةٍ وَلَقِيطٍ وَثَمَرٍ) وَلُؤْلُؤٍ وَمَرْجَانٍ (وَمَنْبُوذٍ رَغْبَةً عَنْهُ) كَعَظْمٍ بِهِ شَيْءٌ مِنْ لَحْمٍ رُغِبَ عَنْهُ، وَنُثَارٍ فِي عُرْسٍ وَنَحْوِهِ، وَمَا يَتْرُكُهُ الْحَصَادُ مِنْ الزَّرْعِ وَاللَّقَّاطُ مِنْ الثَّمَرِ أَحَقُّ بِهِ؛ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَكَذَا مَا يَنْبُتُ فِي الْجَزَائِرِ وَالرِّقَاقِ، وَكُلُّ مَوَاتٍ مِنْ الطُّرَفَاءِ وَالْقَصَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّبَاتَاتِ (أَحَقُّ بِهِ) مِنْ غَيْرِهِ، فَيَمْلِكُهُ بِأَخْذِهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا. (وَيُقَسَّمُ) مَا أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ (بَيْنَ عَدَدِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (بِالسَّوِيَّةِ) ؛ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ، وَالْقِسْمَةُ مُمْكِنَةٌ، وَحُذِّرَا مِنْ تَأْخِيرِ الْحَقِّ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 ذِي الْحَاجَةِ وَالتَّاجِرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالسَّبَبِ لَا بِالْحَاجَةِ، (وَالْمِلْكُ مَقْصُورٌ فِيهِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ) ، فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يُجِزْهُ، وَلَا يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْهُ، وَكَذَا سَبَقَ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ إلَى مَا ضَاعَ مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ كَرَغِيفٍ وَتَمْرَةٍ وَسَوْطٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ آخُذُهُ بِمُجَرَّدِ الْتِقَاطٍ، وَلَا يَحْتَاجُ لِتَفْرِيقٍ، وَكَذَا مَنْ سَبَقَ إلَى مَا يَسْقُطْ مِنْ الثَّلْجِ وَالْمَنِّ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ كاللادن، وَكَذَلِكَ مَنْ سَبَقَ إلَى لَقِيطٍ أَوْ لُقَطَةٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ، (فَلَوْ رَأَى اللُّقَطَةَ وَاحِدٌ، وَسَبَقَ آخَرُ لِأَخْذِهَا؛ فَهِيَ لِمَنْ سَبَقَ) ؛ لِلْحَدِيثِ. (فَإِنْ) رَآهَا اثْنَانِ وَ (أَمَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَأَخَذَهَا) الْمَأْمُورُ وَنَوَى الْأَخْذَ (لِنَفْسِهِ) ؛ فَهِيَ لَهُ، (أَوْ أَطْلَقَ) الْمَأْمُورُ، فَلَمْ يَنْوِهَا لِنَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ؛ فَهِيَ (لَهُ) أَيْ: لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ السَّابِقُ وَقَدْ عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ التَّوْكِيلِ؛ فَهِيَ لِمَنْ سَبَقَ؛ لِلْحَدِيثِ. (وَإِنْ نَوَى) الْمَأْمُورُ بِأَخْذِهِ لَهَا أَنَّهَا (لِلْآمِرِ؛ فَهِيَ لِلْآمِرِ) فِي قَوْلِهِ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي الِالْتِقَاطِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ. وَالْمَذْهَبُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهِ؛ لِعَدَمِ قَبُولِهِ النِّيَابَةَ، وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ الِائْتِمَانُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاصْطِيَادِ أَنَّ الِاصْطِيَادَ تَمَلُّكُ مَالٍ بِسَبَبٍ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، فَجَازَ كَالِابْتِيَاعِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ. (وَإِنْ الْتَقَطَاهُ) - أَيْ: الْمَذْكُورَ - (مَعًا فَهُوَ لَهُمَا) ؛ إذْ لَا سَبْقَ. (وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى مَا ذُكِرَ - (كَأَخْذٍ) - أَيْ: بِمَنْزِلَتِهِ، فَيَمْلِكُ بِمُجَرَّدِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ، (وَكَذَا لَقِيطٌ) فِي الْحُكْمِ كَاللُّقَطَةِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. فَرْعٌ: الْأَسْبَابُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلتَّمْلِيكِ الْإِحْيَاءُ وَالْمِيرَاثُ وَالْمُعَاوَضَاتُ وَالْوَصَايَا وَالْوَقْفُ وَالصَّدَقَاتُ وَالْغَنِيمَةُ وَالِاصْطِيَادُ وَوُقُوعُ الثَّلْجِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَعَدَّهُ وَانْقِلَابُ الْخَمْرِ خَلًّا وَالْبَيْضَةُ الْمَذِرَةُ فَرْخًا. (وَلِلْإِمَامِ حَمِي مَوَاتٍ) . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: حَمِيَ الشَّيْءُ يَحْمِيهِ حَمْيًا وَحِمَايَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 بِالْكَسْرِ - وَمَحْمِيَّةً مَنَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَحْمَى الْمَكَانَ جَعَلَهُ حِمَى لَا يَقْرَبُ. انْتَهَى. وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَنْ انْتَجَعَ بَلَدًا أَوْ أَتَى بِكَلْبٍ عَلَى نَشَزٍ، ثُمَّ اسْتَعْوَاهُ، وَوَقَفَ لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ يَسْمَعُ صَوْتَهُ بِالْعُوَاءِ فَحَيْثُ مَا انْتَهَى صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ لِنَفْسِهِ، وَرَعَى مَعَ الْعَامَّةِ فِيمَا سِوَاهُ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ وَمَنْعِهِمْ مِنْ الِانْتِفَاعِ [بِشَيْءٍ] لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ، وَجَاءَ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَيَكُونُ حِمَى الْأَرْضِ الْمَوَاتِ (لِرَعْيِ دَوَابِّ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَقُومُ بِحِفْظِهَا مِنْ صَدَقَةٍ وَجِزْيَةٍ وَضَوَالِّ وَدَوَابِّ غَزَاهُ وَرَعْيِ مَاشِيَةٍ ضَعِيفًا) وَغَيْرِ ذَلِكَ، (مَا لَمْ يَضِقْ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَحْسِبُهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيُّ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بِلَادُنَا قَاتَلْنَا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمْنَا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، عَلَامَ تَحْمِيهَا؟ فَأَطْرَقَ عُمَرُ وَجَعَلَ يَنْفُخُ وَيَفْتِلُ شَارِبَهُ، وَكَانَ إذَا رَكِبَهُ أَمْرٌ فَتَلَ شَارِبَهُ وَنَفَخَ، فَلَمَّا رَأَى الْأَعْرَابِيُّ مَا بِهِ جَعَلَ يُرَدِّدُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: الْمَالُ مَالُ اللَّهِ وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ، وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ لَوْلَا مَا أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت مِنْ الْأَرْضِ شِبْرًا فِي شِبْرٍ. قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ الظَّهْرِ وَعَنْ أَسْلَمَ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ: لِهُنِيٍّ حِينَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى حِمَى الرَّبْذَةِ: يَا هَنِيُّ اُضْمُمْ جَنَاحَك عَنْ النَّاسِ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا مُجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغَنِيمَةِ، وَدَعْنِي مِنْ نَعَمِ ابْنِ عَوْفٍ وَنَعَمِ ابْنِ عَفَّانَ، فَإِنَّهُمَا إنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُمَا رَجَعَا إلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ هَذَا الْمِسْكِينَ إنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ جَاءَ يَصْرُخُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَالْكَلَأُ أَهْوَنُ عَلَيَّ أَمْ غُرْمُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ. إنَّهَا أَرْضُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنَّا نَظْلِمُهُمْ، وَلَوْلَا النَّعَمُ الَّتِي تَحْمِلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَى النَّاسِ مِنْ بِلَادِهِمْ شَيْئًا أَبَدًا. وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ قَامَتْ الْأَئِمَّةُ فِيهِ مَقَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِحَدِيثِ «مَا أَطْعَمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 اللَّهُ لِنَبِيٍّ طُعْمَةً إلَّا جَعَلَهَا طُعْمَةً لِمَنْ بَعْدَهُ» . وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُثْمَانَ حَمَى وَاشْتُهِرَ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. وَحَدِيثُ: «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا يَحْمِيه الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يُفَارِقُ حِمَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ صَلَاحَهُ يَعُودُ إلَى صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَالَهُ كَانَ يَرُدُّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَفَارَقَ الْأَئِمَّةُ فِي ذَلِكَ، وَسَاوُوهُ فِيمَا كَانَ صَلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ فِي جَوَازِ الْحِمَى أَنْ لَا يَكُونَ فِي قَدْرٍ يُضَيِّقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَلَيْسَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ إكْثَارُ الضَّرَرِ عَلَى أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ فِي التَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ (وَلَهُ) - أَيْ: الْإِمَامِ - إذَا حَمَى مَحِلًّا (نَقْضُ مَا حَمَاهُ) بِاجْتِهَادِهِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَهُ نَقْضُ مَا حَمَاهُ (غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ) ؛ لِأَنَّ حِمَى الْأَئِمَّةِ اجْتِهَادٌ فَيَجُوزُ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادِ آخَرَ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَحْيَاهُ إنْسَانٌ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْأَرْضِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالنَّصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ، بَلْ عَمَلٌ بِكُلٍّ مِنْ الِاجْتِهَادَيْنِ فِي مَحِلِّهِ كَالْحَادِثَةِ إذَا حَكَمَ فِيهَا قَاضٍ بِحُكْمٍ، ثُمَّ وَقَعَتْ مَرَّةً أُخْرَى، وَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ كَقَضَاءِ عُمَرَ فِي الْمُشْرِكَةِ. وَ (لَا) يَنْقُضُ أَحَدٌ (مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ نَقْضُهُ وَلَا تَغْيِيرُهُ، (وَلَا يُمْلَكُ) مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِإِحْيَاءٍ) وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي بَابِ صَيْدِ الْحَرَمَيْنِ وَنَبَاتِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْلَ الْمَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حِمًى - (وَلَوْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ) - عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ. (وَكَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ) دُونَ غَيْرِهِ (أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» (وَلَمْ يَفْعَلْ) ؛ أَيْ: لَمْ يَحْمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ. فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «حَمَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ» . رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَالنَّقِيعُ - بِالنُّونِ - مَوْضِعٌ يُنْتَقَعُ فِيهِ الْمَاءُ فَيَكْثُرُ فِيهِ الْخِصْبُ. تَتِمَّةٌ: وَإِذَا كَانَ الْحِمَى لِكَافَّةِ النَّاسِ تَسَاوَوْا فِيهِ جَمِيعُهُمْ، فَإِنْ خُصَّ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ اشْتَرَكَ فِيهِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، وَمُنِعَ مِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ، وَإِنْ خُصَّ فِيهِ الْفُقَرَاءُ مُنِعَ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ فِيهِ الْأَغْنِيَاءُ دُونَ الْفُقَرَاءِ، وَلَا أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَلَوْ امْتَنَعَ الْحِمَى الْمَخْصُوصُ لِعُمُومِ النَّاسِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِيهِ لِارْتِفَاعِ الضَّرَرِ عَلَى مَنْ يُخَصُّ بِهِ، وَلَوْ ضَاقَ الْحِمَى الْعَامُّ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ أَغْنِيَاؤُهُمْ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوَابِّ عِوَضًا عَنْ مَرْعَى مَوَاتٍ أَوْ حِمًى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَشْرَكَ النَّاسَ فِيهِ. قَالَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. [فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الِانْتِفَاعِ بِالْمِيَاهِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ] (فَصْلٌ) : فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الِانْتِفَاعِ بِالْمِيَاهِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ وَنَحْوِهَا (وَلِمَنْ فِي أَعْلَى مَاءٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَالْأَمْطَارِ وَالْأَنْهَارِ الصِّغَارِ أَنْ يَسْقِيَ) [وَيَحْبِسَهُ]- أَيْ: الْمَاءَ - (حَتَّى يَصِلَ إلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ) - أَيْ: السَّاقِي أَوَّلًا - (ثُمَّ هُوَ) - أَيْ: الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْهِ الْمَاءُ - (كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: يَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ الْأَوَّلُ (مُرَتَّبًا) ؛ أَيْ: ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ يَفْعَلُ كَمَا فَعَلَا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَالُ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الْأَرَاضِي كُلُّهَا (إنْ فَضَلَ شَيْءٌ) عَمَّنْ قُلْنَا: إنَّ لَهُ السَّقْيَ وَالْحَبْسَ، (وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لِلْبَاقِي) - أَيْ: لِمَنْ بَعْدَهُ - لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا فَضَلَ، فَهُمْ كَالْعَصَبَةِ مَعَ أَهْلِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ؛ لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي شُرْبِ النَّخْلِ مِنْ السَّيْلِ أَنَّ الْأَعْلَى يَشْرَبُ قَبْلَ الْأَسْفَلِ، وَيُتْرَكُ الْمَاءُ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَاءُ إلَى الْأَسْفَلِ الَّذِي يَلِيهِ، وَكَذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَوَائِطُ أَوْ يَفْنَى الْمَاءُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ. وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْقِ يَا زُبَيْرُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إلَى جَارِك، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ، وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْجُدُرِ» ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: فَوَاَللَّهِ إنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الشِّرَاجُ جَمْعُ شَرَجٍ - نَهْرٌ صَغِيرٌ -، وَالْحَرَّةُ أَرْضٌ مُلْتَبِسَةٌ بِحِجَارَةٍ سُودٍ، وَالْجُدُرُ الْجِدَارُ، وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزُّبَيْرَ أَنْ يَسْقِيَ ثُمَّ يُرْسِلَ الْمَاءَ تَسْهِيلًا عَلَى غَيْرِهِ، فَلَمَّا قَالَ الْأَنْصَارِيُّ مَا قَالَ اسْتَوْعَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ. (فَإِنْ كَانَ لِأَرْضِ أَحَدِهِمْ أَعْلَى وَأَسْفَلُ) ؛ بِأَنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً مِنْهَا مُسْتَعْلِيَةٌ وَمِنْهَا مُسْتَفِلَةٌ (سُقِيَ كُلًّا) مِنْ ذَلِكَ (عَلَى حِدَتِهِ) - أَيْ: عَلَى انْفِرَادِهِ - (وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ فِي قُرْبٍ) مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ؛ (قُسِّمَ الْمَاءُ) بَيْنَهُمْ (عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ) - أَيْ: أَرْضِ كُلٍّ مِنْهُمْ - فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ جَرِيبٌ وَلِآخَرَ جَرِيبَانِ وَلِآخَرَ ثَلَاثَةٌ؛ كَانَ لِرَبِّ الْجَرِيبِ السُّدُسُ، وَلِرَبِّ الْجَرِيبَيْنِ الثُّلُثُ، وَلِرَبِّ الثَّلَاثَةِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ فِي الْأَرْضِ مَنْ أَرْضُهُ أَكْثَرُ مُسَاوٍ فِي الْقُرْبِ، فَاسْتَحَقَّ جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ كَمَا لَوْ كَانُوا سِتَّةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَرِيبٌ. وَمَحِلُّ ذَلِكَ " إنْ أَمْكَنَ " قَسَّمَهُ بَيْنَهُمْ، (وَإِلَّا) يُمْكِنْ قَسْمُهُ؛ (أَقْرَعَ) " بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ قُدِّمَ بِالسَّقْيِ، فَيَسْقِي مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ، فَمَنْ قَرَعَ سَقَى بِقَدْرِ حَقِّهِ، ثُمَّ تَرَكَهُ لِلْآخَرِ، وَلَيْسَ لِمَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ أَنْ يَسْقِيَ بِجَمِيعِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ لَهُ يُسَاوِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ (فَإِنْ لَمْ يُفَضِّلْ عَنْ وَاحِدٍ سَقَى الْقَارِعُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، لَا كُلِّ الْمَاءِ) ؛ أَيْ: لَيْسَ لِلْقَارِعِ السَّقْيُ بِكُلِّ الْمَاءِ؛ (لِمُسَاوَاةِ الْآخَرِ لَهُ) فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقَدُّمِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، (بِخِلَافِ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ؛ فَلَا حَقَّ لِلْأَسْفَلِ إلَّا فِي الْفَاضِلِ) عَنْ الْأَعْلَى كَمَا تَقَدَّمَ. . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 (وَإِنْ أَرَادَ إنْسَانٌ إحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا مِنْهُ) - أَيْ: السَّبِيلِ أَوْ النَّهْرِ الصَّغِيرِ -؛ (لَمْ يُمْنَعْ) مِنْ الْإِحْيَاءِ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ فِي الْمَاءِ، لَا فِي الْمَوَاتِ، (مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ) ، فَإِنْ ضَرَّهُمْ فَلَهُمْ مَنْعُهُ؛ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ عَنْهُمْ، (وَلَا يَسْقِي قَبْلَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَسْبَقُ إلَى النَّهْرِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَهَا بِحُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا، فَلَا يَمْلِكُ غَيْرُهُ إبْطَالَ حُقُوقِهَا وَسَقْيهُمْ إيَّاهُ بِالسَّقْيِ مِنْ حُقُوقِهَا. (وَلَوْ أَحْيَا سَابِقٌ) مَوَاتًا (فِي أَسْفَلِهِ) - أَيْ: النَّهْرِ - (ثُمَّ) أَحْيَا (آخَرُ) مَحِلًّا (فَوْقَهُ) - أَيْ: الْأَوَّلِ - (ثُمَّ) أَحْيَا (آخَرُ) مَحِلًّا (فَوْقَ ثَانٍ؛ سَقَى الْمُحْيِي أَوَّلًا) - وَهُوَ الْأَسْفَلُ - (ثُمَّ) سَقَى (ثَانٍ) فِي الْإِحْيَاءِ، وَهُوَ الَّذِي فَوْقَ الْأَسْفَلِ، (ثُمَّ) سَقَى (ثَالِثٌ) - أَيْ: الَّذِي فَوْقَ الثَّانِي - اعْتِبَارًا بِالسَّبْقِ إلَى الْإِحْيَاءِ أَوَّلَ النَّهْرِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ [الْأَرْضَ] مَلَكَهَا بِحُقُوقِهَا ومَرَافِقِهَا. (وَإِنْ حُفِرَ نَهْرٌ صَغِيرٌ، وَسِيقَ مَاؤُهُ مِنْ نَهْرٍ كَبِيرٍ مَلَكَهُ) ؛ أَيْ: فَيَصِيرُ حَافِرُهُ مَالِكًا لِلْمَاءِ الدَّاخِلِ إلَيْهِ وَقَرَارِهِ وَحَافَّتَيْهِ بِانْتِهَاءِ الْحَفْرِ إلَى قَصْدِهِ، (وَهُوَ) - أَيْ: هَذَا النَّهْرُ - يَكُونُ (بَيْنَ جَمَاعَةٍ) اشْتَرَكُوا فِي حَفْرِهِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ فِي النَّهْرِ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ (عَلَى حَسَبِ عَمَلٍ وَنَفَقَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَ بِالْعِمَارَةِ، وَهُوَ الْعَمَلُ وَالنَّفَقَةُ، فَإِنْ كَفَاهُمْ لِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِيهَا فَلَا كَلَامَ، (وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمْ وَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ) بِالْمُهَايَأَةِ (بِسَاعَاتٍ أَوْ أَيَّامٍ جَازَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ، (وَإِلَّا) ؛ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ وَتَشَاحُّوا؛ (قَسَّمَهُ حَاكِمٌ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ) ؛ أَيْ: قَسَّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَاءِ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ مِنْ النَّهْرِ، (فَتُؤْخَذُ خَشَبَةٌ) صُلْبَةٌ (أَوْ حَجَرٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ، فَيُوضَعُ عَلَى مَوْضِعٍ مُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ فِي مصدم الْمَاءِ فِيهِ) حُزُوزٌ أَوْ (ثُقُوبٌ مُتَسَاوِيَةٌ فِي السَّعَةِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ) ، فَإِنْ كَانَتْ أَمْلَاكُهُمْ مُخْتَلِفَةً، قَسَّمَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ. (فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهُ وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ وَلِآخَرَ سُدُسُهُ؛ جَعَلَ فِيهِ سِتَّةَ ثُقُوبٍ، لِرَبِّ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 وَلِرَبِّ الثُّلُثِ اثْنَانِ وَلِرَبِّ السُّدُسِ وَاحِدٌ، يُصَبُّ مَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي سَاقِيَتِهِ) ، فَإِذَا حَصَلَ مَاءُ كُلٍّ فِي سَاقِيَتِهِ انْفَرَدَ بِهِ، (فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ) ؛ لِانْفِرَادِهِ بِمِلْكِهِ. فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُجْرِيَ مَاءَهُ فِي سَاقِيَةِ غَيْرِهِ لِيُقَاسِمَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي سَاقِيَتِهِ، وَيُخَرِّبُ حَافَّتَيْهَا وَيَخْلِطُ حَقَّهُ بِحَقِّ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ، وَمَا حَصَلَ لِأَحَدِهِمْ فِي سَاقِيَتِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ (مِنْ سَقْيٍ أَوْ عَمَلِ رَحًى أَوْ دُولَابٍ) أَوْ عَمَلِ قَنْطَرَةٍ يَعْبُرُ الْمَاءُ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهَا، (لَا التَّصَرُّفُ بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: إذَا كَانَ النَّهْرُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ فَتْحِ سَاقِيَتِهِ إلَى جَانِبِ النَّهْرِ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهَا، وَلَا أَنْ يَنْصِبَ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ رَحًى تَدُورُ بِالْمَاءِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ حَرِيمَ النَّهْرِ مُشْتَرَكٌ، فَلَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ (قَبْلَ قِسْمَةٍ) ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ النَّهْرِ قَبْلَ قِسْمَةِ شَيْءٍ، فَيَسْقِي بِهِ أَرْضًا فِي أَوَّلِ النَّهْرِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ رُبَّمَا احْتَاجَ إلَى تَصَرُّفٍ فِي أَوَّلِ حَافَّةِ النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ (بِلَا إذْنِ) شُرَكَائِهِ؛ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ. (لَكِنْ لِكُلِّ إنْسَانٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَاءٍ جَارٍ مَمْلُوكٍ أَوْ غَيْرِهِ لِشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ، إذَا لَمْ يَدْخُلْ إلَيْهِ فِي مَكَان مَحُوطٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ، (لَا مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَسَقْيِ مَاشِيَةٍ كَثِيرَةٍ) ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءِ الطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ ابْنَ السَّبِيلِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَتَقَدَّمَ. (وَمَنْ سَبَقَ إلَى قَنَاةٍ لَا مَالِكَ لَهَا، فَسَبَقَ آخَرُ إلَى بَعْضِ أَفْوَاهِهَا مِنْ فَوْقِ أَوْ مِنْ أَسْفَلَ؛ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا سَبَقَ إلَيْهِ) مِنْ ذَلِكَ؛ لِلْخَبَرِ. تَنْبِيهٌ: إنْ احْتَاجَ النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ وَنَحْوُهُ إلَى عِمَارَةٍ أَوْ تَنْظِيفٍ؛ فَعَلَى الشُّرَكَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 بِحَسَبِ أَمْلَاكِهِمْ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَدْنَى إلَى أَوَّلِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ اشْتَرَكَ الْكُلُّ إلَى أَنْ يَصِلُوا إلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَى الثَّانِي، ثُمَّ يَشْتَرِكُ الْبَاقُونَ حَتَّى يَصِلُوا إلَى الثَّانِي، ثُمَّ يَشْتَرِكُ مِنْ بَعْدِهِ كَذَلِكَ، كُلَّمَا انْتَهَى الْعَمَلُ إلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا يَنْتَفِعُ بِالْمَاءِ الَّذِي فِي مَوْضِعِ شُرْبِهِ، وَمَا بَعْدَهُ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ دُونِهِ؛ فَلَا يُشَارِكُهُمْ فِي مُؤْنَتِهِ، كَمَا لَا يُشَارِكُهُمْ فِي نَفْعِهِ، فَإِنْ كَانَ يَفْضُلُ عَنْ جَمِيعِهِمْ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى مَصْرِفٍ؛ فَمُؤْنَتُهُ عَلَى جَمِيعِهِمْ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ كَأَوَّلِهِ. (وَلِمَالِكِ أَرْضٍ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا) - أَيْ: بِأَرْضِهِ - (وَلَوْ كَانَتْ رُسُومُهَا) - أَيْ: الْقَنَاةِ الْمُحَيَّاةِ - (فِي أَرْضِهِ) - أَيْ أَرْضِ الْمَانِعِ، فَلَا يَدْخُلُ الْمُحْيِي فِي الْقَنَاةِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا ذَكَرُوهُ فِي الصُّلْحِ مِنْ أَنَّ مَنْ وَجَدَ رُسُومَ خَشَبَةٍ أَوْ مَسِيلَ مَاءٍ وَنَحْوَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، يُقْضَى لَهُ بِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ؛ لِأَنَّا هُنَا عَلِمْنَا عَدَمَ سَبْقِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمُحْيِيَ إنَّمَا مَلَكَ مَاءَهُ بِالْإِحْيَاءِ، فَوُجُودِ الرُّسُومِ لَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الْجَارِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ مِلْكُهُ ثَابِتٌ. (وَلَا يَمْلِكُ) رَبُّ أَرْضٍ (تَضْيِيقَ مَجْرَى قَنَاةٍ فِي أَرْضِهِ مِنْ خَوْفِ لِصٍّ) نَصًّا؛ لِأَنَّ مَجْرَاهَا لِصَاحِبِهَا، فَلَا يَتَصَرَّفُ غَيْرُهُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ بِتَقْلِيلِ الْمَاءِ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ. (وَمَنْ سُدَّ لَهُ مَاءٌ لِجَاهِهِ) لِيَسْقِيَ بِهِ أَرْضَهُ؛ (فَلِغَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الْمُتَجَوَّهِ - مِمَّنْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ فِي أَصْلِ الْمَاءِ إلَّا بِالْحَاجَةِ؛ (السَّقْيُ مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ الْمَاءِ الْمَسْدُودِ لِلْمُتَجَوَّهِ - (مَا لَمْ يَكُنْ تَرَكَهُ) - أَيْ: هَذَا الْغَيْرُ - السَّقْيَ مِنْ الْمَاءِ الْمَسْدُودِ سَبَبًا؛ لَأَنْ (يَرُدَّهُ) ؛ أَيْ: يَرُدُّ الْمُتَجَوَّهُ الْمَاءَ الَّذِي سَدَّهُ (عَلَى مَنْ سَدَّهُ عَنْهُ) ، فَيَمْتَنِعَ عَلَيْهِ السَّقْيُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي ظُلْمِ مَنْ سَدَّ عَنْهُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 نَقْلَ مُثَنَّى: مَنْ سَدَّ لَهُ الْمَاءَ لِجَاهِهِ أَفَأَسْقِي مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَرْكِي لَهُ يَرُدُّهُ عَلَى مَنْ سَدَّهُ عَنْهُ فَأَجَازَهُ بِقَدْرِ حَاجَتِي. تَتِمَّةٌ: وَإِذَا حَصَلَ نَصِيبُ إنْسَانٍ فِي سَاقِيَتِهِ فَلَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِهَا مَا شَاءَ مِنْ الْأَرْضِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا رَسْمٌ شُرِبَ مِنْ هَذَا النَّهْرِ أَوْ لَا، وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ يَسْقِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ قَدْ انْفَرَدَ بِاسْتِحْقَاقِهِ، فَكَانَ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ مَا شَاءَ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِهِ مِنْ أَصْلِهِ. [بَابُ الْجَعَالَةِ] الْجَعَالَةُ: - بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ - كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ مَالِكٍ، يُقَالُ جَعَلْتُ لَهُ جُعْلًا أَوْجَبْتُ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الْجُعْلُ وَالْجَعَالَةُ وَالْجَعِيلَة: مَا يُعْطَاهُ الْإِنْسَانُ عَلَى أَمْرٍ يَفْعَلُهُ، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ كَالْوَسْقِ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ. وَحَدِيثُ اللَّدِيغِ شَاهِدٌ بِذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِيهِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُوجَدُ مَنْ يَتَبَرَّعُ بِالْعَمَلِ، فَاقْتَضَتْ جَوَازَ ذَلِكَ. وَشَرْعًا (جُعْلٌ) - أَيْ: تَسْمِيَتُهُ - (مَالٌ مَعْلُومٌ كَأُجْرَةٍ) بِالرُّؤْيَةِ وَالْوَصْفِ، و (لَا) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا إنْ كَانَ (مِنْ مَالِ مُحَارِبٍ) - أَيْ: حَرْبِيٍّ - فَيَصِحُّ مَجْهُولًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ الْجَعَالَةِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ؛ كَقَوْلِ شَخْصٍ لِآخَرَ: (بِعْ ثَوْبِي بِكَذَا) دِرْهَمٍ (فَمَا زَادَ) عَمَّا عَيْنَته لَكَ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ (لَكَ) ، وَهَذَا؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 الِاتِّجَاهُ مَبْنِيٌّ عَلَى احْتِمَالِ مَرْجُوحٍ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجُوزَ الْجَعَالَةُ مَعَ جَهَالَةِ الْعِوَضِ إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ؛ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ فَلَهُ نِصْفُهُ، وَمَنْ رَدَّ ضَالَّتِي فَلَهُ ثُلُثُهَا. فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إذَا قَالَ الْأَمِيرُ فِي الْغَزْوِ: مَنْ جَاءَ بِعَشْرَةِ رُءُوسٍ فَلَهُ رَأْسٌ جَازَ، وَقَالُوا: إذَا جَعَلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى قَلْعَةٍ أَوْ طَرِيقٍ سَهْلٍ، وَكَانَ الْجُعْلُ مِنْ مَال الْكُفَّارِ؛ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا كَجَارِيَةٍ يُعَيِّنُهَا الْعَامِلُ؛ فَيَخْرُجُ هَا هُنَا مِثْلُهُ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ؛ لَمْ تَصِحَّ الْجَعَالَةُ وَجْهًا وَاحِدًا، (لِمَنْ يَعْمَلُ) مُتَعَلِّقٌ بِجُعْلٍ لَهُ - أَيْ: الْجَاعِلُ - (عَمَلًا مُبَاحًا) لَا مُحَرَّمًا كَمِزْمَارٍ وَغِنَاءٍ. (وَيَتَّجِهُ لَا) تَصِحُّ الْجَعَالَةُ لِمَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا (عَبَثًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ (كَسَاعٍ يَقْطَعُ أَيَّامًا فِي يَوْمٍ) وَاحِدٍ، وَمِثْلُهُ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ تَكْلِيفٌ فَوْقَ الطَّاقَةِ (كَرَفْعٍ ثَقِيلٍ) مِنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَمَشْيٍ عَلَى حَبْلٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الشَّارِعُ؛ فَلَا تَنْعَقِدُ الْجَعَالَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِاشْتِرَاطِ الْإِبَاحَةِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ إمَّا أَنْ يَخْشَى فَاعِلُهَا الضَّرَرَ فِي بَدَنِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ خَشِيَ الضَّرَرَ فَحَرَامٌ، وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ، وَعَلَى كُلٍّ يَكُونُ غَيْرَ مُبَاحٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ) كَانَ الْعَمَلُ (مَجْهُولًا) إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ لَمْ يَصِفْهَا، وَرَدِّ لُقَطَةٍ لَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ جَائِزَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخٌ، فَلَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَلْزَمَهُ مَجْهُولٌ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ (مَعَ شَخْصٍ) جَائِزِ التَّصَرُّفِ، أَوْ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ (مُدَّةً، وَلَوْ) كَانَتْ الْمُدَّةُ (مَجْهُولَةً) ؛ كَمَنْ حَرَسَ زَرْعِي فَلَهُ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 وَيَصِحُّ الْجُعْلُ عَلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ، وَعَلَى مَجْهُولٍ إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهَا مَجْهُولًا؛ وَالْمُدَّةُ مَجْهُولَةً؛ كَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ؛ وَلِأَنَّ الْجَائِرَةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهَا، فَلَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَلْزَمَهُ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى كَوْنِ الْعَمَلِ مَجْهُولًا، وَكَذَلِكَ الْمُدَّةُ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَعْلَمُ مَوْضِعَ الضَّالَّةِ وَالْآبِقِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى جَهَالَةِ الْعِوَضِ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَصِيرُ لَازِمًا؛ فَلَمْ يُشْتَرَطْ كَوْنُهُ مَعْلُومًا، وَالْعِوَضُ يَصِيرُ لَازِمًا بِإِتْمَامِ الْعَمَلِ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ انْتَهَى. وَلَوْ جَعَلَهُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ (كَ) أَنْ يَقُولَ: (مَنْ بَنَى لِي هَذَا الْحَائِطَ) فَلَهُ كَذَا، أَوْ مَنْ رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ، أَوْ إنْ (أَقْرَضَنِي زَيْدٌ بِجَاهِهِ أَلْفًا) فَلَهُ كَذَا؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ فِي مُقَابَلَةِ مَا بَذَلَهُ مِنْ جَاهِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ لَهُ بِالْقَرْضِ، (أَوْ أَذِنَ بِهَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ فَعَلَهُ مِنْ مَدِينِي) - أَيْ: مِمَّنْ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ - (فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ كَذَا) ؛ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ مَعَ كَوْنِهِ تَعْلِيقًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، لَا تَعْلِيقًا مَحْضًا. (فَمَنْ بَلَغَهُ) الْجُعْلُ (قَبْلَ فِعْلِهِ) الْعَمَلَ الْمَجْعُولَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعِوَضُ؛ (اسْتَحَقَّهُ) - أَيْ: الْجُعْلَ (بِهِ) أَيْ: الْعَمَلِ بَعْدُ -؛ لِاسْتِقْرَارِهِ بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَالرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ تَلِفَ فَلَهُ مِثْلُ مِثْلَيْ، وَقِيمَةُ غَيْرِهِ، وَلَا يَحْبِسُ الْعَامِلُ الْعَيْنَ حَتَّى يَأْخُذَهُ (وَ) مَنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ (فِي أَثْنَائِهِ) - أَيْ: الْعَمَلِ - فَلَهُ مِنْ الْجُعْلِ (حِصَّةُ تَمَامِهِ) ؛ أَيْ: فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْجُعْلِ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَمَلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْجُعْلَ وَقَعَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عَنْهُ عِوَضًا؛ لِبَذْلِهِ مَنَافِعَهُ مُتَبَرِّعًا بِهَا، وَمَحِلُّ ذَلِكَ (إنْ أَتَمَّهُ) - أَيْ: الْعَمَلَ - (بِنِيَّةِ الْجُعْلِ، وَ) لِهَذَا لَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْجُعْلُ إلَّا (بَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ - (لَمْ يَسْتَحِقَّهُ) - أَيْ: الْجُعْلَ - وَلَا شَيْئًا مِنْهُ لِمَا سَبَقَ، (وَحَرُمَ) عَلَيْهِ (أَخْذُهُ) - أَيْ: الْجُعْلِ - لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، إلَّا إنْ تَبَرَّعَ لَهُ رَبُّهُ بِهِ بَعْدَ إعْلَامِهِ بِالْحَالِ. (وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ) فِي الْمُنْتَظِمِ: يَجِبُ عَلَى الْوُلَاةِ إيصَالُ قَصَصِ أَهْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 الْحَوَائِجِ، (فَإِقَامَةُ مَنْ يَأْخُذُ الْجُعْلَ عَلَى إيصَالِ الْقَصَصِ لِلْوُلَاةِ حَرَامٌ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حُرِّمَ، وَإِلَّا فَلَا. (وَ) إنْ قَالَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ لِزَيْدٍ مِثْلًا: (إنْ رَدَدْتُ لُقَطَتِي فَلَكَ ذَلِكَ) فَيَسْتَحِقُّهُ إنْ رَدَّهَا هُوَ، وَ (لَمْ يَسْتَحِقَّهُ مَنْ رَدَّهَا دُونَهُ) - أَيْ: دُونَ زَيْدٍ - الْمَقُولِ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا لَمْ يُجَاعِلْهُ عَلَى رَدِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ إنْسَانٍ فَجَعَلَ لَهُ مَالِكُهَا جُعْلًا لِيَرُدَّهَا؛ لَمْ يَبُحْ لَهُ أَخْذُهُ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَالْجَمَاعَةُ) إنْ فَعَلْت الْمُجَاعَلَ عَلَيْهِ (تَقْتَسِمُهُ) - أَيْ: الْجُعْلَ -؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي الْعَمَلِ الَّذِي بِهِ اُسْتُحِقَّ الْجُعْلُ، فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: (مَنْ نَقَبَ السُّورَ فَلَهُ دِينَارٌ، فَنَقَبُوهُ) ؛ أَيْ: نَقَبَهُ ثَلَاثَةٌ (نَقْبًا وَاحِدًا اسْتَحَقُّوا دِينَارًا) وَاحِدًا بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي الْعَمَلِ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ الْعِوَضُ، فَاشْتَرَكُوا فِي الْعِوَضِ كَالْأَجْرِ فِي الْإِجَارَةِ. (وَ) إنْ نَقَبَ (كُلُّ وَاحِدٍ نَقْبًا فَكُلُّ وَاحِدٍ دِينَارًا) كَمَا لَوْ قَالَ: (مَنْ دَخَلَ هَذَا النَّقْبَ فَلَهُ دِينَارٌ، فَدَخَلَهُ جَمَاعَةٌ؛ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (دِينَارًا) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّاخِلِينَ دَخَلَ دُخُولًا كَامِلًا كَدُخُولِ الْمُنْفَرِدِ، فَاسْتَحَقَّ الْعِوَضَ كَامِلًا. وَ (لَوْ) فَاوَتَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ الْعَامِلِينَ، (فَجَعَلَ لِإِنْسَانٍ فِي رَدِّ آبِقٍ) عَلَى رَدِّهِ (دِينَارًا، أَوْ) جَعَلَ (لِآخَرَ دِينَارَيْنِ، أَوْ) جَعَلَ (لِآخَرَ ثَلَاثَةَ) دَنَانِيرَ؛ فَإِنْ رَدَّهُ وَاحِدٌ اسْتَحَقَّ جُعْلَهُ، وَإِنْ (رَدَّهُ) ؛ أَيْ: رَدَّ الْآبِقَ الثَّلَاثَةُ (فَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمْ (ثُلُثُ مَا جُعِلَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ ثُلُثَ الْعَمَلِ، فَاسْتَحَقَّ ثُلُثَ الْمُسَمَّى، وَإِنْ رَدَّهُ اثْنَانِ مِنْهُمْ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ جُعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ نِصْفَ الْعَمَلِ، فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمُسَمَّى، (وَ) إنْ جَعَلَ (لِوَاحِدٍ) عِوَضًا (مَعْلُومًا) كَدِينَارٍ مَثَلًا، وَجَعَلَ لِآخَرَ عِوَضًا (مَجْهُولًا) فَرَدَّاهُ مَعًا؛ (فَلِرَبِّ الْمَعْلُومِ نِصْفُهُ؛ وَلِلْآخَرِ أَجْرُ عَمَلِهِ. وَإِنْ) جَعَلَ رَبُّ الْعَبْدِ الْآبِقِ مَثَلًا لِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ شَيْئًا، (فَرَدَّهُ مِنْ جُوعِلَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 وَهُوَ زَيْدٌ فِي الْمِثَالِ - هُوَ (وَآخَرَانِ مَعَهُ، وَقَالَا) - أَيْ: الْآخَرَانِ -: رَدَدْنَاهُ مُعَاوَنَةً لِزَيْدٍ؛ (اسْتَحَقَّ) زَيْدٌ (كُلَّ الْجُعْلِ) ، وَلَا شَيْءَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا تَبَرَّعَا بِعَمَلِهِمَا. (وَإِنْ قَالَا) رَدَدْنَاهُ (لِنَأْخُذَ الْعِوَضَ مِنْهُ) لِأَنْفُسِنَا؛ (فَلَا شَيْءَ لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُمَا عَمِلَا مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ، (وَلَهُ ثُلُثُ الْجُعْلِ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ ثُلُثَ الْعَمَلِ، فَاسْتَحَقَّ ثُلُثَ الْجُعْلِ، قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. (وَلَوْ نَادَى غَيْرُ صَاحِبِ الضَّالَّةِ) ، فَقَالَ: (مَنْ رَدَّهَا فَلَهُ دِينَارٌ) فَرَدَّهَا إنْسَانٌ (فَالدِّينَارُ عَلَى الْمُنَادِي؛ لِأَنَّهُ كَانَ ضَمِنَ الْعِوَضَ) فَالْتَزَمَ بِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، (لَا إنْ قَالَ) الْمُنَادِي غَيْرَ رَبِّ الضَّالَّةِ فِي النِّدَاءِ: (قَالَ فُلَانٌ مَنْ رَدَّهَا) - أَيْ: ضَالَّتِي - فَلَهُ دِينَارٌ، وَلَمْ يَكُنْ رَبُّهَا قَالَ ذَلِكَ فَرَدَّهَا إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ الْمُنَادِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْعِوَضَ، وَالرَّادُّ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاطِ. (وَيَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ) فِي الْجَعَالَةِ؛ كَأَنْ يَقُولَ: مَنْ خَاطَ هَذَا الثَّوْبَ فِي يَوْمٍ فَلَهُ كَذَا، فَإِنَّ أَتَى بِهِ فِيهَا اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهِ فِيهَا؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ. (وَلَوْ قَالَ مَنْ دَاوَى لِي هَذَا) الْجَرِيحَ (حَتَّى يَبْرَأَ) مِنْ جُرْحِهِ، أَوْ دَاوَى هَذَا الْمَرِيضَ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ دَاوَى هَذَا الْأَرْمَدَ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ رَمَدِهِ فَلَهُ كَذَا؛ (لَمْ يَصِحَّ) الْعَقْدُ فِيهَا (مُطْلَقًا) - أَيْ: لَا إجَارَةً وَلَا جَعَالَةً - صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَغَيْرِهِ. (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ آبِقٍ (مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا، وَهُوَ) - أَيْ: الْمُسَمَّى أَكْثَرُ مِنْ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَرَدَّهُ إنْسَانٌ؛ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ بِعَمَلِ مَا جُوعِلَ عَلَيْهِ؛ كَرَدِّ اللُّقَطَةِ وَبِنَاءِ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى الْجَاعِلِ بِالْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى (أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ) أَقَلَّ مِنْ (اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا) فِضَّةً (اللَّذَيْنِ قَدَّرَهُمَا الشَّارِعُ لِمَنْ رَدَّ آبِقًا) - أَيْ: الرَّادِّ (فَلَهُ) بِرَدِّ الْآبِقِ (الْجُعْلُ فَقَطْ عَمَلًا بِالشَّرْطِ) ، قَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْمُسَمَّى. قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ رَدَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ غَيْرَهُ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ - أَيْ: الْمُسَمَّى - أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ فَلَهُ فِي الْعَبْدِ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ انْتَهَى. (وَيَسْتَحِقُّ مَنْ) سُمِّيَ لَهُ جُعْلٌ عَلَى رَدِّ آبِقٍ وَ (رَدَّهُ مِنْ دُونِ مَسَافَةٍ مُعَيَّنَةِ الْقِسْطَ) مِنْ الْجُعْلِ الْمُسَمَّى، فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ الَّذِي رَدَّهُ مِنْهُ نِصْفَ الْمَسَافَةِ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَبِحِسَابِهِ، وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ مَوْضِعٍ (أَبْعَدَ) مِنْ الْبَلْدَةِ الْمُسَمَّاةِ فَلَهُ (الْمُسَمَّى فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِلزَّائِدِ عَلَى الْمَسَافَةِ عِوَضًا، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْئًا، وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ غَيْرِ الْبَلَدِ الْمُسَمَّى، وَمِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ رَبَّهُ لَمْ يَجْعَلْ عَلَى رَدِّهِ مِنْ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي عَيَّنَهُ عِوَضًا؛ فَالرَّادُّ مِنْ غَيْرِهِ مُتَبَرِّعٌ بِعَمَلِهِ. كَمَا لَوْ جَعَلَ رَبُّ آبِقَيْنِ فِي رَدِّ أَحَدِ عَبْدَيْهِ كَسَالِمٍ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَرَدَّ الْعَبْدَ الْآخَرَ؛ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ الْمُعَيَّنَ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَخَالَفَهُمْ شَارِحُهُ، فَقَالَ: قُلْتُ: بَلْ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ، وَكَذَا الَّتِي قَبْلَهَا، كَذَا قَالَ. (وَ) يَسْتَحِقُّ (مَنْ رَدَّ أَحَدَ آبِقَيْنِ) جُوعِلَ عَلَى رَدِّهِمَا (نِصْفَهُ) - أَيْ: نِصْفَ الْجُعْلِ - عَنْ رَدِّهِمَا؛ لِأَنَّهُ رَدَّ نِصْفَهُمَا، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا أَمْ اخْتَلَفَتْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: مَنْ خَاطَ لِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ فَلَهُ كَذَا، فَخَاطَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ بِقَدْرِهِ مِنْ الْجُعْلِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى فِعْلِ الشَّيْئَيْنِ مَعًا؛ كَمَا لَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّهُمَا كِلَيْهِمَا فَلَهُ كَذَا. (وَبَعْدَ شُرُوعِ عَامِلٍ) فِي الْعَمَلِ (إنْ فَسَخَ جَاعِلٌ فَعَلَيْهِ) لِعَامِلٍ (أُجْرَةُ) مِثْلُ (عَمَلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَكَانَ لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَمَا عَمِلَهُ بَعْدَ الْفَسْخِ لَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ. وَإِنْ زَادَ الْجَاعِلُ أَوْ نَقَصَ مِنْ الْجُعْلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ؛ جَازَ وَعَمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ فَجَازَ فِيهِ ذَلِكَ؛ كَالْمُضَارَبَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 (وَإِنْ فَسَخَ عَامِلٌ) قَبْلَ تَمَامِ عَمَلِهِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) ؛ لِإِسْقَاطِ حَقِّ نَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يُوَفِّ مَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلَ الْجَعَالَةِ) - أَيْ: التَّسْمِيَةِ - بِأَنْ أَنْكَرَهُ أَحَدُهُمَا؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ) مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. وَإِنْ اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِهِ) - أَيْ: الْجُعْلِ - (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ (الْمَسَافَةِ) بِأَنْ قَالَ الْجَاعِلُ: جَعَلْتُ ذَلِكَ لِمَنْ رَدَّهُ مِنْ عَشَرَةِ أَمْيَالٍ، فَقَالَ الْعَامِلُ: بَلْ مِنْ سِتَّةِ أَمْيَالٍ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْعَبْدِ الَّذِي جُعِلَ فِيهِ الْجُعْلُ فِي رَدِّهِ، فَقَالَ: رَدَدْت الْعَبْدَ الَّذِي جَعَلْتَ إلَيَّ الْجُعْلَ فِيهِ، فَأَنْكَرَ الْجَاعِلُ، وَقَالَ: بَلْ شَرَطْته فِي الْعَبْدِ الَّذِي لَمْ تَرُدَّهُ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ جَاعِلٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْعَامِلُ زِيَادَةً عَمَّا يَعْتَرِفُ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ. (وَإِنْ عَمِلَ) شَخْصٌ (وَلَوْ الْمُعَدُّ لِأَخْذِ أُجْرَةٍ) عَلَى عَمَلِهِ كَالْمَلَّاحِ وَالْمُكَارَى وَالْحَجَّامِ وَالْقَصَّارِ، وَالْخَيَّاطِ وَالدَّلَّالِ وَالنَّقَّادِ، وَالْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَشَبَهِهِمْ مِمَّنْ يَرْصُدُ نَفْسَهُ لِلتَّكَسُّبِ بِالْعَمَلِ، وَأَذِنَ لَهُ الْمَعْمُولُ لَهُ فِي الْعَمَلِ؛ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِدَلَالَةِ الْعُرْفِ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِأَخْذِ الْأُجْرَةِ، وَعَمِلَ (لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِلَا إذْنٍ أَوْ بِلَا جُعْلٍ) مِمَّنْ عَمِلَ لَهُ؛ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَنْفَعَتَهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وَلِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِهِ (إلَّا فِي تَخْلِيصِ مَالِ غَيْرِهِ وَلَوْ) كَانَ مَالُ غَيْرِهِ (قِنًّا مِنْ بَحْرِ) أَوْ فَمِ سَبُعٍ (أَوْ فَلَاةٍ) يُظَنُّ هَلَاكُهُ فِي تَرْكِهِ؛ فَلَهُ (أَجْرُ مِثْلِهِ) ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى هَلَاكَهُ وَتَلَفَهُ عَلَى مَالِكِهِ، بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ. وَكَذَا لَوْ انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ فَخَلَّصَ قَوْمٌ الْأَمْوَالَ مِنْ الْبَحْرِ فَتَجِبُ لَهُمْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَثًّا وَتَرْغِيبًا فِي إنْقَاذِ الْأَمْوَالِ مِنْ الْمَهْلَكَةِ؛ فَإِنَّ الْغَوَّاصَ إذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ غَرَّرَ بِنَفْسِهِ، وَبَادَرَ إلَى التَّخْلِيصِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ، وَإِلَّا فِي (رَدِّ آبِقٍ مِنْ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ إنْ لَمْ يَكُنْ) الرَّادُّ (الْإِمَامَ) ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الرَّادَّ (أَوْ نَائِبَهُ) ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِانْتِصَابِهِ لِلْمَصَالِحِ، وَلَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَكْلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ الرَّادُّ غَيْرَهُمَا؛ فَلَهُ (مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ) دِينَارًا وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمَا: وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّادُّ زَوْجًا أَوْ ذَا رَحِمٍ فِي عِيَالِ الْمَالِكِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مُرْسَلًا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ فِي رَدِّ الْآبِقِ إذَا جَاءَ بِهِ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ دِينَارًا» . وَالْمَعْنَى فِيهِ الْحَثُّ عَلَى حِفْظِهِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَصِيَانَةِ الْعَبْدِ عَمَّا يُخَافُ مِنْ لِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْمَتَاعِ، (سَوَاءٌ رَدَّهُ مِنْ دَاخِلِ الْمِصْرِ أَوْ خَارِجِهِ) ، قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ، (مَا لَمْ يَمُتْ سَيِّدُ مُدَبَّرٍ) خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ (وَأُمِّ وَلَدٍ قَبْلَ وُصُولٍ) إلَيْهِ (فَيُعْتَقَا؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ: لِرَادِّهِمَا فِي نَظِيرِ الرَّدِّ - لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَتِمَّ؛ إذْ الْعَتِيقُ لَا يُسَمَّى آبِقًا، (أَوْ يَهْرُبُ) الْآبِقُ مِنْ وَاجِدِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا. (وَيَأْخُذُ) رَادُّ الْآبِقِ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ تَرِكَتِهِ (مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَوْ) مَا أَنْفَقَ (عَلَى دَابَّةٍ) يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا (فِي قُوتٍ) وَعَلَفٍ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمِثْلُهُ كِسْوَةٌ وَأُجْرَةُ حَمْلٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِمَا، لَا دُهْنٌ وَحَلْوَى، (وَلَوْ هَرَبَ) أَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ جُعْلًا لِرَدِّهِ مِنْ غَيْرِ بَلَدٍ سَمَّاهُ، (أَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ) الْمُنْفِقُ (مَالِكًا) فِي الْإِنْفَاقِ (مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَى اسْتِئْذَانِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا؛ لِحُرْمَةِ النَّفْسِ؛ وَحَثًّا عَلَى صَوْنِ ذَلِكَ عَلَى رَبِّهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ. (وَلَا) يَجُوزُ لِوَاجِدِ آبِقٍ أَنْ (يَسْتَخْدِمَهُ بَدَلَ نَفَقَتِهِ) عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَأَوْلَى. (وَيُؤْخَذُ جُعْلٌ وَنَفَقَةٌ مِنْ تَرِكَةِ) سَيِّدِ (مَيِّتٍ) ؛ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ، (مَا لَمْ) يَنْوِ أَنْ (يَتَبَرَّعَ) بِالْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ، فَإِنْ نَوَى التَّبَرُّعَ؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ نَوَى بِالْعَمَلِ التَّبَرُّعَ لَا أُجْرَةَ لَهُ، وَمُقْتَضَاهُ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الرُّجُوعِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 (وَيَجُوزُ ذَبْحُ) حَيَوَانٍ (مَأْكُولٍ) إذَا (خِيفَ مَوْتُهُ) صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (يَجِبُ) عَلَيْهِ ذَبْحُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ؛ اسْتِنْقَاذًا لَهُ مِنْ التَّلَفِ، وَحِفْظًا لِمَالِيَّتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا بَيْعُ مَا) - أَيْ: مَتَاعٍ أَوْ حَيَوَانٍ - (اسْتَنْقَذَهُ) مِنْ مَهْلَكَةٍ (خَوْفَ تَلَفِهِ) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَإِنْ وَجَدَ فَرَسًا لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ الْعَرَبِ - أَيْ: قُطَّاعِ الطَّرِيقِ - فَأَخَذَ الْفَرَسَ مِنْهُمْ، ثُمَّ إنَّ الْفَرَسَ مَرِضَ بِحَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ؛ جَازَ لِلْأَخْذِ بَيْعُهُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَبِيعَهُ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكَّلَهُ فِي الْبَيْعِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا، وَيَحْفَظُ الثَّمَنَ لِرَبِّهِ انْتَهَى. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) يَجُوزُ بَيْعُ (نَحْوِ وَدِيعَةٍ) كَلُقَطَةٍ (وَرَهْنٍ) خِيفَ تَلَفُهُ، وَيَحْفَظُ ثَمَنُهُ لِرَبِّهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ) حَيَوَانٌ مَأْكُولٌ (بِذَبْحٍ؛ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ الْعَمَلُ فِي مَالِ الْغَيْرِ إنْقَاذًا لَهُ مِنْ التَّلَفِ) الْمُشْرِفِ عَلَيْهِ؛ (جَازَ) بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُتَصَرِّفِ إنْ حَصَلَ بِهِ نَقْصٌ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ. (فَلَوْ وَقَعَ حَرِيقٌ بِدَارٍ، فَهَدَمَهَا غَيْرُ رَبِّهَا بِلَا إذْنٍ عَلَى النَّارِ خَوْفَ سَرَيَانٍ أَوْ هَدَمَ قَرِيبًا مِنْهَا خَوْفَ تَعَدِّيهَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 وَعُتُوِّهَا؛ (لَمْ يَضْمَنْ) . ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: (وَكَذَا لَوْ رَأَى السَّيْلَ يَقْصِدُ) الدَّارَ (الْمُؤَجَّرَةَ) ، فَبَادَرَ، (وَهَدَمَ الْحَائِطَ لِيَخْرُجَ السَّيْلُ) ، وَلَا يَهْدِمَ الدَّارَ؛ كَانَ مُحْسِنًا، وَلَا يَضْمَنُ. انْتَهَى. (وَالْآبِقُ) وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَالِ الضَّائِعِ (بِيَدِ آخِذِهِ أَمَانَةٌ) ، إنْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا تَعَدٍّ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِأَخْذِهِ، (وَمَنْ ادَّعَاهُ) - أَيْ: الْآبِقَ - أَنَّهُ مِلْكُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ، (فَصَدَّقَهُ الْآبِقُ الْمُكَلَّفُ؛ أَخَذَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ أَخْذُهُ بِوَصْفِهِ إيَّاهُ فَتَصْدِيقُهُ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوْلَى. وَأَمَّا قَوْلُ الصَّغِيرِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) وَاجِدُ الْآبِقِ (سَيِّدَهُ؛ دَفَعَهُ لِنَائِبِ إمَامٍ) فَيَحْفَظُهُ لِرَبِّهِ إلَى أَنْ يَجِدَهُ، (وَلِنَائِبِ إمَامٍ بَيْعُهُ لِمَصْلَحَةٍ ) رَآهَا فِي بَيْعِهِ، وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ؛ لِانْتِصَابِهِ لِذَلِكَ. (فَلَوْ قَالَ سَيِّدُهُ بَعْدَ بَيْعٍ) ؛ أَيْ: بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ وَاجِدُهُ: (كُنْتُ أَعْتَقْتُهُ) قَبْلَ صُدُورِ الْبَيْعِ؛ (عُمِلَ بِهِ) - أَيْ بِقَوْلِهِ هَذَا - (وَبَطَلَ الْبَيْعُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ بِهِ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا، وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يُنَافِيهِ، وَلَيْسَ لِوَاجِدِ الْعَبْدِ بَيْعُهُ وَلَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَتَحَفَّظُ بِنَفْسِهِ؛ فَهُوَ كَضَوَالِّ الْإِبِلِ، لَكِنْ جَازَ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ لِحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَارْتِدَادُهُ وَاشْتِغَالُهُ بِالْفَسَادِ. [تَكْمِيلٌ كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْجَعَالَةِ] تَكْمِيلٌ: وَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْجَعَالَةِ؛ فَيَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ لِعَامِلٍ نَفَقَتَهُ وَكِسْوَتَهُ؛ كَاسْتِئْجَارِهِ بِذَلِكَ مُفْرَدًا أَوْ مَعَ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ، وَتَزِيدُ الْجَعَالَةُ بِجُعْلٍ مَجْهُولٍ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ، وَكُلُّ مَا جَازَ عَلَيْهِ أَخْذُ الْعِوَضِ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ الْأَعْمَالِ جَازَ عَلَيْهِ أَخْذُ الْعِوَضِ فِي الْجَعَالَةِ، وَمَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ كَالْغِنَاءِ وَالزَّمْرِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 [بَابُ اللُّقَطَةِ] ِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: اللُّقَطَةُ مُحَرَّكَةٌ وَكَحُزَمَةٍ وَهُمَزَةٍ، وَتَمَامُهُ مَا اُلْتُقِطَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ مُحَرَّكَةٌ - أَيْ: مَفْتُوحَةُ اللَّامِ وَالْقَافِ - وَحُكِيَ عَنْ الْخَلِيلِ اللُّقَطَةُ - بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ - الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطُ. وَحُكِيَ عَنْهُ فِي الشَّرْحِ اسْمُ الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّ مَا جَاءَ عَلَى فَعْلَةٍ فَهُوَ اسْمٌ لِلْفَاعِلِ كَالضَّحْكَةِ وَالصَّرْعَةِ وَالْهَمْزَةِ وَاللَّمْزَةِ، وَاللُّقْطَةُ: بِسُكُونِ الْقَافِ الْمَلْقُوطُ مِثْلُ الضُّحْكَةِ الَّذِي يُضْحَكُ مِنْهُ، وَالْهُزْأَةِ الَّذِي يُهْزَأُ بِهِ. وَعُرْفًا: (مَالٌ) كَنَفَقَةٍ وَمَتَاعٍ (أَوْ مُخْتَصٌّ) كَخَمْرَةِ الْخَلَّالِ (ضَائِعٌ) كَالسَّاقِطِ مِنْ مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ (أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ) كَمَتْرُوكٍ قَصْدًا لِمَعْنًى وَمَدْفُونٍ مَنْسِيٍّ (لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ) ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ لِحَرْبِيٍّ مَالِكُهَا وَاجِدُهَا؛ كَمَا لَوْ ضَلَّ الْحَرْبِيُّ الطَّرِيقَ، فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِآخِذِهِ وَالْأَصْلُ فِي اللُّقَطَةِ مَا رَوَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ: اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَقَالَ مَالَكَ وَلَهَا؛ دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا وَسَأَلَهُ عَنْ الشَّاةِ فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْوِكَاءُ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْمَالُ فِي الْخَاصَّةِ فِي الْخِرْقَةِ، وَالْعِفَاصُ الْوِعَاءُ الَّذِي هِيَ فِيهِ مِنْ خِرْقَةٍ أَوْ قِرْطَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْأَصْلُ أَنَّهُ الْجِلْدُ الَّذِي يُلْبَسُ رَأْسَ الْقَارُورَةِ. وَقَوْلُهُ مَعَهَا حِذَاءَهَا يَعْنِي خُفَّهَا؛ لِأَنَّ لِقُوَّتِهِ وَصَلَابَتِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْحِذَاءِ. وَسِقَاءَهَا بَطْنَهَا؛ لِأَنَّهَا تَأْخُذُ فِيهِ كَثِيرًا فَيَبْقَى مَعَهَا يَمْنَعُهَا الْعَطَشَ، وَالضَّالَّةُ اسْمٌ لِلْحَيَوَانِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ اللُّقَطَةِ، وَالْجَمْعُ ضَوَالُّ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا الْهَوَامِيُّ وَالْهَوَامِلُ. قَالَهُ الشَّارِحُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 (فَمَنْ أُخِذَ مَتَاعُهُ) فِي نَحْوِ حَمَّامٍ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ مَدَاسٍ وَنَحْوِهِ، (وَتُرِكَ) - بِبِنَاءِ الْفِعْلَيْنِ لِلْمَجْهُولِ - (بَدَلُهُ) - أَيْ: شَيْءٌ مُتَمَوَّلٌ غَيْرُهُ - فَالْمَتْرُوكُ (كَلُقَطَةٍ) . نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ بُخْتَانَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَمَنْ أُخِذَتْ ثِيَابُهُ مِنْ الْحَمَّامِ، وَوَجَدَ غَيْرَهَا؛ لَمْ يَأْخُذْهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا عَرَّفَهَا سَنَةً، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا، إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَارِقَ الثِّيَابِ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهَا مُعَاوَضَةٌ تَقْتَضِي زَوَالَ مِلْكِهِ عَنْ ثِيَابِهِ، فَإِذَا أَخَذَهَا فَقَدْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ، وَلَا يَعْرِفُ صَاحِبَهُ، (فَيُعَرِّفُهُ) كَاللُّقَطَةِ. انْتَهَى. (وَيَأْخُذُ) الْمَأْخُوذُ مَتَاعُهُ (حَقَّهُ مِنْهُ) أَيْ: الْمَتْرُوكِ بَدَلَ مَتَاعِهِ - (بَعْدَ تَعْرِيفِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِهِ إلَى حَاكِمٍ. قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: هَذَا أَقْرَبُ إلَى الرِّفْقِ بِالنَّاسِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَقْوَى عَلَى أَصْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا لِمَنْ سُرِقَتْ ثِيَابُهُ بِحُصُولِ عِوَضٍ عَنْهَا؛ وَنَفْعًا لِلْآخَرِ إنْ كَانَ سَارِقًا بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُ مِنْ الْإِثْمِ؛ وَحِفْظًا لِهَذِهِ الثِّيَابِ عَنْ الضَّيَاعِ، فَلَوْ كَانَتْ الثِّيَابُ الْمَتْرُوكَةُ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الْمَأْخُوذَةِ؛ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهَا بِقَدْرِ قِيمَةِ ثِيَابِهِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ فَاضِلٌ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ، وَلَمْ يَرْضَ صَاحِبُهُ بِتَرْكِهَا عِوَضًا عَمَّا أَخَذَهُ، (وَيَتَصَدَّقُ بِبَاقٍ) إنْ أَحَبَّ، (أَوْ يَدْفَعُهُ) - أَيْ: الْبَاقِيَ - (لِحَاكِمٍ) لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهِ. (وَصَوَّبَ فِي " الْإِنْصَافِ ") وُجُوبَ التَّعْرِيفِ (إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ تَقْتَضِي السَّرِقَةَ) ؛ بِأَنْ تَكُونَ ثِيَابُهُ أَوْ مَدَاسُهُ خَيْرًا مِنْ الْمَتْرُوكَةِ، وَهِيَ مِمَّا لَا تَشْتَبِهُ عَلَى الْأَخْذِ بِثِيَابِهِ وَمَدَاسِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا جُعِلَ فِي الْمَالِ الضَّائِعِ عَنْ رَبِّهِ؛ لِيَعْلَمَ بِهِ وَيَأْخُذَهُ، وَتَارِكُ هَذِهِ عَالِمٌ بِهَا رَاضٍ بِبَدَلِهَا عِوَضًا عَمَّا أَخَذَهُ، وَلَا يَعْتَرِفُ أَنَّهُ لَهُ؛ فَلَا يَحْصُلُ مِنْ تَعْرِيفِهِ فَائِدَةٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ. انْتَهَى. لَكِنَّ الْأَوَّلَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ. (وَهِيَ) - أَيْ: اللُّقَطَةُ - (ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ) . (أَحَدُهَا: مَا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ) يَعْنِي مَا لَا يُتَّهَمُونَ فِي طَلَبِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْهِمَّةُ - بِالْكَسْرِ وَتُفْتَحُ - مَا هُمَّ بِهِ لِيُفْعَلَ (كَسَوْطٍ) مَا يُضْرَبُ بِهِ، هُوَ فَوْقَ الْقَضِيبِ وَدُونَ الْعِصِيِّ (وَشِسْعٍ) أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ (وَرَغِيفٍ) وَكِسْرَةٍ وَتَمْرَةٍ (وَعَصًا) ، وَكُلُّ مَا لَا خَطَرَ لَهُ كَخِرْقَةٍ وَحَبْلٍ لَا تَتْبَعُهَا الْهِمَّةُ، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ صَدَقَةَ أَنَّهُ يُعَرِّفُ الدِّرْهَمَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجِبُ تَعْرِيفُ الدَّانَقِ، وَحَمَلَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " عَلَى دَانِقِ الذَّهَبِ؛ نَظَرًا لِعُرْفِ الْعِرَاقِ، وَمَا قِيمَتُهُ كَقِيمَةِ ذَلِكَ، (فَيُمْلَكُ بِأَخْذٍ) ، وَيُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعِصِيِّ وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَلَا يَلْزَمُ تَعْرِيفُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحَاتِ، (وَالْأَفْضَلُ) لِوَاجِدِهِ (التَّصَدُّقُ بِهِ) . ذَكَرَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَلَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا (بَدَلُهُ) - أَيْ: بَدَلُ مَا وَجَدَهُ - مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ (مَعَ تَلَفِهِ) . قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": إذَا الْتَقَطَهُ إنْسَانٌ، وَانْتَفَعَ بِهِ وَتَلِفَ؛ فَلَا ضَمَانَ (إنْ وَجَدَ رَبَّهُ) الَّذِي سَقَطَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ لَاقِطَهُ مَلَكَهُ بِأَخْذِهِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مَا الْتَقَطَهُ مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ مَوْجُودًا، أَوْ وَجَدَ رَبَّهُ؛ (لَزِمَهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطَ - (دَفْعُهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقَطَ (لَهُ) ، وَيُؤَيِّدُهُ تَعْبِيرُهُمْ بِالْبَدَلِ؛ إذْ لَا يَعْدِلُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَلِفَ الْمُبْدَلِ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُوَضِّحُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَلْزَمُ دَفْعُ عَيْنِهِ، (وَكَذَا) ؛ أَيْ: وَكَالْقَوْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي كَوْنِ آخِذِهِ يَمْلِكُهُ (لَوْ لَقِيَ كَنَّاسٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ) كَنَخَّالٍ وَمَقْلَشٍ (قِطَعًا صِغَارًا مُتَفَرِّقَةً) مِنْ الْفِضَّةِ؛ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِأَخْذِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهَا، وَلَا بُدَّ لَهَا إنْ وَجَدَ بَدَلَهَا - (وَلَوْ كَثُرَتْ) بِضَمِّ بَعْضِهَا - لِأَنَّ تَفَرُّقَهَا يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ أَرْبَابِهَا. (وَمَنْ تَرَكَ دَابَّةً لَا عَبْدًا أَوْ مَتَاعًا بِمَهْلَكَةٍ أَوْ تُرِكَ إيَاسٌ لِانْقِطَاعِهَا) بِعَجْزِهَا عَنْ الْمَشْيِ (أَوْ عَجْزِهِ) - أَيْ: مَالِكِهَا - (عَنْ عَلَفِهَا) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَعْلِفُهَا فَتَرَكَهَا؛ (مَلَكَهَا آخِذُهَا) ، لِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ مَرْفُوعًا: «مَنْ وَجَدَ دَابَّةً قَدْ عَجَزَ عَنْهَا أَهْلُهَا فَسَيَّبُوهَا، فَأَخَذَهَا فَأَحْيَاهَا؛ فَهِيَ لَهُ.» قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ يَعْنِي لِلشَّعْبِيِّ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ. ، وَفِي الْقَوْلِ بِمِلْكِهَا إحْيَاؤُهَا وَإِنْقَاذُهَا؛ وَلِأَنَّهَا تُرِكَتْ رَغْبَةً عَنْهَا، أَشْبَهَ سَائِرَ مَا يُتْرَكُ رَغْبَةً عَنْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا لِيَرْجِعَ إلَيْهَا أَوْ ضَلَّتْ مِنْهُ، فَلَا يَمْلِكُهَا آخِذُهَا. وَتَقَدَّمَ آخِرُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مُوَضَّحًا. (وَكَذَا مَا يَلْقَى) مِنْ سَفِينَةٍ (فِي الْبَحْرِ خَوْفَ غَرَقٍ) فَيَمْلِكُهُ آخِذُهُ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ أَلْقَاهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَأَشْبَهَ الْمَنْبُوذَ رَغْبَةً عَنْهُ. قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " - حَيْثُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ تَرَكَهَا لِيَرْجِعَ إلَيْهَا، أَوْ ضَلَّتْ مِنْهُ؛ أَيْ: فَلَا يَمْلِكُهَا آخِذُهَا. ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا مَا أُلْقِيَ خَوْفَ الْغَرَقِ؛ أَيْ: فَلَا يُمْلَكُ، فَجُعِلَ حُكْمُ مَا أُلْقِيَ خَوْفَ الْغَرَقِ كَحُكْمِ مَا تَرَكَهَا؛ لِيَرْجِعَ إلَيْهَا، وَكَالَتِي ضَلَّتْ مِنْهُ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَمْلِكُهُ آخِذُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَهُ (كَ) حُكْمِ (مُلْقًى رَغْبَةً عَنْهُ) فِي مَحَلٍّ يَتْلَفُ بِتَرْكِهِ فِيهِ. الْقِسْمُ (الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، وَلَا يُمْلَكُ بِتَعْرِيفِهِ (الضَّوَالُّ) - جَمْعُ ضَالٍّ - اسْمٌ لِلْحَيَوَانِ خَاصَّةً، وَتَقَدَّمَ، (الَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ كَثَعْلَبٍ وَذِئْبٍ) وَابْنِ آوَى وَأَسَدٍ صَغِيرٍ، وَامْتِنَاعُهَا إمَّا بِكِبَرِ جُثَّتِهَا (كَإِبِلٍ وَبَقَرٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ) ، وَإِمَّا؛ لِسُرْعَةِ عَدْوِهَا (كَحُمُرٍ وَظِبَاءٍ) ، وَإِمَّا لِطَيْرٍ (كَطَيْرٍ مُمْتَنِعٍ) بِطَيَرَانِهِ (وَ) إمَّا بِنَابِهِ (كَفَهْدٍ مُعَلَّمٍ أَوْ قَابِلٍ لِلتَّعْلِيمِ) ، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِمَالٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ (وَنَحْوِهِ) ؛ أَيْ: نَحْوِ الْمُتَقَدِّمِ كَفِيلٍ وَزَرَافَةٍ وَنَعَامَةٍ وَقِرْدٍ وَهِرٍّ وَقِنٍّ كَبِيرٍ، فَهَذَا الْقِسْمُ (غَيْرُ) الْقِنِّ (الْآبِقِ يَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ: مَالَكَ وَلَهَا دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» . وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ، وَلَمَّا رَوَى مُنْذِرُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: " كُنْتُ مَعَ أَبِي جَرِيرٍ بِالْبَوَارِيجِ فِي السَّوَادِ فَرَاحَتْ الْبَقَرَةُ، فَرَأَى بَقَرَةً أَنْكَرَهَا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 الْبَقَرَةُ؟ قَالُوا: بَقَرَةٌ لَحِقَتْ بِالْبَقَرِ، فَأَمَرَ بِهَا، فَطُرِدَتْ حَتَّى تَوَارَتْ: ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ: لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إلَّا الضَّالُّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ - أَيْ: مُخْطِئٌ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَوَازِ الِالْتِقَاطِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ، فَكَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ جَوَازِ أَخْذِهِ كَغَيْرِ الضَّالَّةِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْأَخْذُ؛ لِحِفْظِ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِذَا كَانَ مَحْفُوظًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ، وَأَمَّا الْآبِقُ فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهُ؛ صَوْنًا لَهُ عَنْ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَارْتِدَادِهِ وَسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ، وَتَقَدَّمَ. وَهَذَا الْقِسْمُ (لَا يُمْلَكُ بِتَعْرِيفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ؛ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ وَعَدَمِ إذْنِ الشَّارِعِ فِي ذَلِكَ؛ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ زَمَنِ الْأَمْنِ وَالْفَسَادِ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ (لِإِمَامٍ وَنَائِبِهِ أَخَذُهُ؛ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ لَا) عَلَى أَنَّهُ (لُقَطَةٌ) ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي حِفْظِ مَالِ الْغَائِبِ، وَفِي أَخْذِ هَذِهِ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ مَصْلَحَةٌ لِمَالِكِهَا بِصِيَانَتِهَا، (وَلَا يَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْإِمَامَ - أَوْ نَائِبَهُ (تَعْرِيفُهُ) مَا أَخَذَهُ؛ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ لِيُعَرِّفَ الضَّوَالَّ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ مِنْ الْإِمَامِ حِفْظُ الضَّوَالِّ؛ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ ضَالَّةٌ فَإِنَّهُ يَجِيءُ إلَى مَوْضِعِ الضَّوَالِّ، فَمَنْ عَرَفَ مَالَهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ. (وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، (بِوَصْفٍ) ؛ أَيْ: لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الضَّالَّةَ كَانَتْ ظَاهِرَةً لِلنَّاسِ، حِينَ كَانَتْ فِي يَدِ مَالِكِهَا، فَلَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا دُونَ غَيْرِهَا؛ فَلَمْ يَكْفِ ذَلِكَ، بَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ (بَيِّنَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا؛ لِظُهُورِهَا لِلنَّاسِ، وَمَعْرِفَةِ خُلَطَائِهِ وَجِيرَانِهِ بِمِلْكِهِ إيَّاهَا. وَمَا يَحْصُلُ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ الضَّوَالِّ؛ فَإِنَّهُ يُشْهِدُ عَلَيْهَا، وَيَجْعَلُ عَلَيْهَا وَسْمًا بِأَنَّهَا ضَالَّةٌ؛ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ حِمًى تَرَكَهَا تَرْعَى فِيهَا، إنْ رَأَى ذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهَا، وَحِفْظِ ثَمَنِهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمًى؛ بَاعَهَا بَعْدَ أَنْ يُحَلِّيَهَا، وَيَحْفَظَ صِفَاتِهَا، وَيَحْفَظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْفَظُ لَهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا يُفْضِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 إلَى أَنْ تَأْكُلَ جَمِيعَ ثَمَنِهَا، وَإِنْ أَخَذَهَا غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ضَمِنَهَا، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهَا. (وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ صَيُودٍ مُتَوَحِّشَةٍ، بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَتْ رَجَعَتْ لِلصَّحْرَاءِ بِشَرْطِ عَجْزٍ) عَنْهَا، لِأَنَّ تَرْكَهَا إذَنْ أَضْيَعُ لَهَا مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَالْمَقْصُودُ حِفْظُهَا لِصَاحِبِهَا لَا حِفْظُهَا فِي نَفْسِهَا، وَلَوْ كَانَ الْقَصْدُ حِفْظَهَا فِي نَفْسِهَا لَمَا جَازَ الْتِقَاطُ الْأَثْمَانِ؛ فَإِنَّ الدِّينَارَ دِينَارٌ حَيْثُمَا كَانَ، وَلَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ فِيهَا. (وَلَا يَمْلِكُهَا) آخِذُهَا (بِتَعْرِيفٍ) ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَحْفَظُهَا لِرَبِّهَا، فَهُوَ كَالْوَدِيعِ. (وَأَحْجَارُ طَوَاحِينَ) - مُبْتَدَأٌ - (وَقُدُورٌ ضَخْمَةٌ وَأَخْشَابٌ كَبِيرَةٌ) وَقَوْلُهُ: (كَإِبِلٍ) - خَبَرُهُ - أَيْ: فَلَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَضِيعُ عَنْ صَاحِبِهَا، وَلَا تَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهَا، فَهِيَ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ مِنْ الضَّوَالِّ فِي الْجُمْلَةِ لِلتَّلَفِ، إمَّا بِسَبُعٍ أَوْ جُوعٍ، أَوْ عَطَشٍ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ هَذِهِ. (وَمَا حَرُمَ الْتِقَاطُهُ ضَمِنَهُ آخِذُهُ، إنْ تَلِفَ أَوْ نَقَصَ كَغَاصِبٍ) ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَآخِذُهُ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِقَاطِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّ الْتِقَاطَ ذَلِكَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ مِنْ الشَّارِعِ، (لَا إنْ تَبِعَ) شَيْءٌ مِنْ الضَّوَالِّ الْمَذْكُورَةِ (دَوَابَّهُ فَطَرَدَهُ) ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، (أَوْ دَخَلَ) شَيْءٌ مِنْهَا (دَارِهِ فَأَخْرَجَهُ) ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، حَيْثُ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَلَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَيْهِ، (وَلَا) إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ (كَلْبًا الْتَقَطَهُ) ؛ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ. (وَمَنْ) الْتَقَطَ مَا لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، وَ (كَتَمَهُ) عَنْ رَبِّهِ، ثُمَّ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، (فَتَلِفَ) ؛ فَعَلَيْهِ (قِيمَتُهُ مَرَّتَيْنِ) لِرَبِّهِ نَصًّا؛ لِحَدِيثٍ: «فِي الضَّالَّةِ الْمَكْتُومَةِ غَرَامَتُهَا وَمِثْلُهَا مَعَهَا» . قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي " التَّنْبِيهِ ": وَهَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُرَدُّ. سَوَاءٌ كَانَ الْمُلْتَقِطُ إمَامًا أَوْ غَيْرَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 (وَيَزُولُ ضَمَانُهُ) ؛ أَيْ: ضَمَانُ مَا حَرُمَ الْتِقَاطُهُ عَمَّنْ أَخَذَهُ (بِدَفْعِهِ لِإِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي ضَوَالِّ النَّاسِ، فَيَقُومُ مَقَامَ الْمَالِكِ (أَوْ رَدَّهُ) ؛ أَيْ: الْمَأْخُوذَ مِنْ ذَلِكَ، (إلَى مَكَانِهِ) الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ (بِأَمْرِهِ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ، عَنْ الْقَضْبَيْ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلِ وَجَدَ بَعِيرًا: أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِرَدِّهِ، كَأَخْذِهِ مِنْهُ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ رَدَّهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، فَتَلِفَ؛ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ، فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا، فَإِذَا ضَيَّعَهَا؛ لَزِمَهُ ضَمَانُهَا؛ كَمَا لَوْ ضَيَّعَ الْوَدِيعَةَ. [فَرْعٌ وَجَدَ مَا حَرُمَ الْتِقَاطُهُ مِنْ الضَّوَالِّ الْمُمْتَنِعَةِ بِنَفْسِهَا بِمَهْلَكَةٍ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": (وَلَوْ وَجَدَ مَا حَرُمَ الْتِقَاطُهُ) مِنْ الضَّوَالِّ الْمُمْتَنِعَةِ بِنَفْسِهَا، (بِمَهْلَكَةٍ كَأَرْضٍ مَسْبَعَةٍ) ، يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْأَسَدَ يَفْتَرِسُهَا إنْ تُرِكَتْ بِهَا، (أَوْ) وُجِدَ ذَلِكَ (قَرِيبًا مِنْ دَارِ حَرْبٍ) ، يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِهَا (أَوْ) وَجَدَهُ (بِمَوْضِعٍ يَسْتَحِلُّ أَهْلُهُ أَمْوَالَنَا) ، كَوَادِي التَّيْمِ، أَوْ وَجَدَهُ (بِبَرِّيَّةٍ) لَا مَاءَ فِيهَا وَلَا مَرْعًى، (فَالْأَوْلَى جَوَازُ أَخْذِهِ) ؛ أَيْ: الْمُحَرَّمِ الْتِقَاطُهُ (لِلْحِفْظِ، اسْتِنْقَاذًا) لَهُ مِنْ الْهَلَاكِ. لَا لُقَطَةً، لِمَا تَقَدَّمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ تَخْلِيصَهُ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرِيقٍ، فَإِذَا حَصَلَ فِي يَدِهِ، سَلَّمَهُ لِنَائِبِ الْإِمَامِ، وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ بِالتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ " (وَ) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: (لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ) ، أَيْ: الْأَخْذِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ "، (إذَنْ) ؛ أَيْ: وَالْحَالَةُ هَذِهِ، (لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ) انْتَهَى. الْقِسْمُ (الثَّالِثُ) مَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، وَيُمْلَكُ بِتَعْرِيفِهِ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا، (مَا عَدَاهُمَا) ؛ أَيْ: مَا عَدَا مَا ذُكِرَ فِي الْقِسْمَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، (مِنْ ثَمَنٍ) - أَيْ: نَقْدٍ - (وَمَتَاعٍ) كَثِيَابٍ وَفُرُشٍ وَأَوَانِي وَآلَاتِ الْحَرْثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمَا لَا يَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ؛ (كَغَنَمٍ وَفُصْلَانٍ) - بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا -، جَمْعُ فَصِيلٍ، وَهُوَ وَلَدٌ لِلنَّاقَةِ، إذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ (وَعَجَاجِيلُ) - جَمْعُ عِجْلٍ، وَهُوَ وَلَدُ الْبَقَرَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 وَجِحَاشٍ وَحَمِيرٍ (وَأَفْلَاءٍ) - بِالْمَدِّ: جَمْعُ فُلُوٍّ، - بِوَزْنِ سَحْرٍ، وَجِرْوٍ، وَعَدْوٍ، وَسَمْوٍ، وَهُوَ الْجَحْشُ وَالْمُهْرُ إذَا فُطِمَا، أَوْ بَلَغَ السَّنَةَ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَالْإِوَزُّ وَالدَّجَاجُ وَنَحْوُهَا، كَالْخَشَبَةِ الصَّغِيرَةِ، وَقِطْعَةِ الْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، وَالْكُتُبِ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ. وَالْمَرِيضُ مِنْ كِبَارِ الْإِبِلِ وَنَحْوِهَا كَالصَّغِيرِ، سَوَاءٌ وُجِدَ بِمِصْرٍ أَوْ مَهْلَكَةٍ، لَمْ يَنْبِذْهُ رَبُّهُ رَغْبَةً عَنْهُ، فَإِنْ نَبَذَهُ كَذَلِكَ مَلَكَهُ آخِذُهُ؛ وَتَقَدَّمَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ. (وَقِنٍّ صَغِيرٍ) ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " وَالْعَبْدُ الصَّغِيرُ كَالشَّاةِ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) ، كَالزِّقِّ مِنْ الدُّهْنِ أَوْ الْعَسَلِ، أَوْ الْغِرَارَةِ مِنْ الْحَبِّ؛ (فَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةِ (أَخْذُهَا) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَضْيِيعِ مَالِ غَيْرِهِ، فَحَرُمَ كَإِتْلَافِهِ، وَكَمَا لَوْ نَوَى تَمَلُّكَهَا فِي الْحَالِ، أَوْ كِتْمَانَهَا. (وَكَعَاجِزٍ عَنْ تَعْرِيفِهَا) ، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا، وَلَوْ بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ وُصُولِهَا إلَى رَبِّهَا، (وَيَضْمَنُهَا بِهِ) أَيْ: بِأَخْذِهَا إنْ تَلِفَتْ (مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ كَانَ تَلَفُهَا بِتَفْرِيطٍ، أَوْ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ، فَضَمِنَهُ كَالْغَاصِبِ. (وَلَا يَمْلِكُهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةَ - (وَلَوْ عَرَّفَهَا) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُحَرَّمَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، بِدَلِيلِ السَّرِقَةِ؛ فَإِنْ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ، ثُمَّ (طَرَأَ لَهُ قَصْدُ الْخِيَانَةِ؛ لَمْ يَضْمَنْ) اللُّقَطَةَ إنْ تَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ فِي الْحَوْلِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا. (وَإِنْ أَمِنَ نَفْسَهُ) عَلَى اللُّقَطَةِ، (وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا؛ فَلَهُ أَخْذُهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةِ - وَهِيَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي النَّقْدَيْنِ، وَقِيسَ عَلَيْهِمَا كُلُّ حَيَوَانٍ لَا يَمْتَنِعُ بِنَفْسِهِ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ. (وَالْأَفْضَلُ) لِمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا، وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا، (تَرْكُهَا) - أَيْ: عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهَا - قَالَ أَحْمَدُ: الْأَفْضَلُ تَرْكُ الِالْتِقَاطِ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَلَوْ وَجَدَهَا (بِمُضِيعَةٍ) - بِكَسْرِ الضَّادِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 الْمُعْجَمَةِ - قَالَهُ فِي " الْمُطْلِعِ "؛ لِأَنَّ فِي الِالْتِقَاطِ تَعْرِيضًا بِنَفْسِهِ لِأَكْلِ الْحَرَامِ، وَتَضْيِيعَ الْوَاجِبِ مِنْ تَعْرِيفِهَا، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِيهَا، فَتَرْكُ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَسْلَمُ. (وَيَتَّجِهُ) الْأَفْضَلُ (عَكْسُهُ) - أَيْ: تَرْكِهَا، وَهُوَ أَخْذُهَا (مَعَ وُجُودِ رَبِّهَا) ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، إنْ وَجَدَهَا بِمُضِيعَةٍ وَأَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا، فَالْأَفْضَلُ أَخْذُهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحِفْظِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا، كَتَخْلِيصِهِ مِنْ الْغَرَقِ. وَلَا يَجِبُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ. وَخَرَجَ وُجُوبُهُ إذَنْ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. . (وَمَنْ أَخَذَهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةَ - (ثُمَّ رَدَّهَا بِلَا إذْنِ إمَامٍ وَنَائِبِهِ إلَى مَوْضِعهَا) ؛ حَرُمَ، وَضَمِنَهَا. (أَوْ فَرَّطَ) فِيهَا وَتَلِفَتْ، (حَرُمَ، وَضَمِنَهَا) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ؛ فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ، وَتَرْكُهَا وَالتَّفْرِيطُ فِيهَا تَضْيِيعٌ لَهَا. وَإِنْ رَدَّهَا بِأَمْرِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ بِذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي الْمَالِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ مَالِكُهُ، وَكَذَا لَوْ الْتَقَطَهَا وَدَفَعَهَا لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ. (وَيُنْتَفَعُ بِمُبَاحٍ مِنْ كِلَابٍ، وَلَا تُعَرَّفُ) وَظَاهِرُهُ جَوَازُ الْتِقَاطِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَغَيْرِهِ، فَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الْمَنْعِ، وَلَيْسَ فِي الْمَعْنَى الْمَمْنُوعَ، وَفِي أَخْذِهِ حِفْظٌ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ، أَشْبَهَ الْأَثْمَانَ، وَأَوْلَى مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مَالًا فَهُوَ أَخَفُّ. (وَيُمْلَكُ قِنٌّ صَغِيرٌ بِتَعْرِيفٍ) ؛ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالْأَثْمَانِ، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ " وَ " الْوَجِيزِ "، قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَصِغَارُ الرَّقِيقِ مُطْلَقًا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. (خِلَافًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ قِنٍّ صَغِيرٍ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَلَا يُمْلَكُ بِالِالْتِقَاطِ. انْتَهَى. (فَإِنْ) اُلْتُقِطَ صَغِيرٌ، وَ (جُهِلَ رِقُّهُ) وَحُرِّيَّتُهُ؛ فَهُوَ (حُرٌّ لَقِيطٌ) ، قَالَ الْمُوَفَّقُ: لِأَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ عَلَى حُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي اللَّقِيطِ. [فَصْلٌ مَا أُبِيحَ الْتِقَاطُهُ وَلَمْ يُمْلَكْ بِهِ] (فَصْلٌ: وَمَا أُبِيحَ الْتِقَاطُهُ وَلَمْ يُمْلَكْ بِهِ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا (ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ) . الضَّرْب الْأَوَّلُ: (حَيَوَانٌ) مَأْكُولٌ كَالْفَصِيلِ وَالشَّاةِ وَالدَّجَاجَةِ؛ (فَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطَ - (فِعْلُ الْأَصْلَحِ) مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ، (أَكْلُهُ بِقِيمَتِهِ) فِي الْحَالِ؛ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَسُئِلَ عَنْ لُقَطَةِ الشَّاةِ - هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» ، فَجَعَلَهَا لَهُ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ، وَالذِّئْبُ لَا يَسْتَأْنِي بِأَكْلِهَا؛ وَلِأَنَّ فِي أَكْلِ الْحَيَوَانِ فِي الْحَالِ إغْنَاءً عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ؛ وَحِرَاسَةً لِمَالِيَّتِهِ عَلَى صَاحِبِهِ إذَا جَاءَ، وَإِذَا أَرَادَ أَكْلَهُ حَفِظَ صِفَتَهُ، فَمَتَى جَاءَ رَبُّهُ فَوَصَفَهُ؛ غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهُ بِكَمَالِهَا، (أَوْ بَيْعُهُ) - أَيْ: الْحَيَوَانَ - لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَكْلُهُ فَبَيْعُهُ أَوْلَى، (وَحِفْظُ ثَمَنِهِ) لِصَاحِبِهِ، وَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ فِي الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ، (أَوْ حِفْظُهُ) - أَيْ: الْحَيَوَانَ - (وَيُنْفِقُ) مُلْتَقِطٌ (عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِهِ عَلَى مَالِكِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ بِلَا إنْفَاقٍ عَلَيْهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ، وَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْحَيَوَانَ، وَلَوْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ لَا يَبِيعُ مِنْ نَفْسِهِ. (وَيَرْجِعُ) الْمُلْتَقِطُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْحَيَوَانِ، مَا لَمْ يَتَعَدَّ بِأَنْ الْتَقَطَهُ؛ لَا لِيُعَرِّفَهُ، أَوْ بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهِ فِي الْحَالِ، (إنْ نَوَى) الرُّجُوعَ عَلَى مَالِكِهِ إنْ وَجَدَهُ بِمَا أَنْفَقَ، كَالْوَدِيعَةِ. قَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِي طَيْرَةٍ أَفْرَخَتْ عِنْدَ قَوْمٍ: فَقَضَى أَنَّ الْفِرَاخَ لِصَاحِبِ الطَّيْرَةِ، وَيَرْجِعُ بِالْعَلَفِ، مَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا. (فَإِنْ اسْتَوَتْ) الْأُمُورُ (الثَّلَاثَةُ) فِي نَظَرِ الْمُلْتَقِطِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْأَحَظُّ مِنْهَا؛ (خُيِّرَ) ؛ لِجَوَازِ كُلٍّ مِنْهَا، وَعَدَمِ ظُهُورِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 الْأَحَظِّ فِي أَحَدِهَا. (قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَوْلَى) لِلْمُلْتَقِطِ (حِفْظٌ) مَعَ الْإِنْفَاقِ، (فَبَيْعٌ) وَحِفْظُ ثَمَنٍ، (فَأَكْلٌ) وَغُرْمُ قِيمَةٍ انْتَهَى. الضَّرْبُ (الثَّانِي) : مَا اُلْتُقِطَ مِمَّا (يُخْشَى فَسَادُهُ) بِتَبْقِيَتِهِ؛ كَالْبِطِّيخِ وَالْخَضْرَاوَاتِ وَالْفَاكِهَةِ؛ (فَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطَ - (فِعْلُ الْأَحَظِّ مِنْ بَيْعِهِ) بِقِيمَتِهِ، وَحِفْظِ ثَمَنِهِ، بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ أَكْلِهِ بِقِيمَتِهِ) قِيَاسًا عَلَى الشَّاةِ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حِفْظًا لِمَالِيَّتِهِ عَلَى مَالِكِهِ، وَيَحْفَظُ صِفَاتِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِيَدْفَعَ لِمَنْ وَصَفَهُ ثَمَنَهُ أَوْ قِيمَتَهُ، (أَوْ تَجْفِيفِ مَا يُجَفَّفُ؛ كَعِنَبٍ) وَرُطَبٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَفِعْلُ الْأَحَظِّ فِي الْأَمَانَاتِ مُتَعَيَّنٌ. وَإِنْ احْتَاجَ فِي تَجْفِيفِهِ إلَى مُؤْنَةٍ، (فَمُؤْنَتُهُ مِنْهُ، فَيُبَاعُ بَعْضُهُ لِذَلِكَ) ؛ أَيْ: لِتَجْفِيفِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ. فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ؛ رَجَعَ بِهِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ؛ تَعَيَّنَ أَكْلُهُ (فَإِنْ اسْتَوَتْ) الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ: فِي نَظَرِ الْمُلْتَقِطِ؛ خُيِّرَ بَيْنَهَا، فَأَيُّهَا فَعَلَ جَازَ لَهُ، وَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى تَلِفَ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي حِفْظِ مَا بِيَدِهِ أَمَانَةٌ، فَضَمِنَهُ كَالْوَدِيعَةِ. (وَقَيَّدَهُ) ؛ أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْأَكْلِ، (جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَتَابَعَهُ فِي الْمُذَهَّبِ وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَالتَّلْخِيصِ " بِمَا (بَعْدَ تَعْرِيفِهِ) ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: عَرَّفَهُ (بِقَدْرِ مَا لَا يُخَافُ مَعَهُ فَسَادُهُ) ، ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَكْلِهِ وَبَيْعِهِ. الضَّرْبُ (الثَّالِثُ بَاقِي الْمَالِ) ؛ أَيْ: مَا عَدَا الضَّرْبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنْ الْمَالِ؛ كَالْأَثْمَانِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهِمَا. (وَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطَ - (حِفْظُ الْجَمِيعِ) ، مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بِالْتِقَاطِهِ، وَيَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ، سَوَاءٌ أَرَادَ الْمُلْتَقِطُ تَمَلُّكَهُ، أَوْ حِفْظَهُ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ، وَلَمْ يُفَرِّقْ؛ وَلِأَنَّ حِفْظَهَا لِصَاحِبِهَا إنَّمَا يُفِيدُ بِوُصُولِهَا إلَيْهِ. وَطَرِيقَةُ التَّعْرِيفِ: بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ (بِنَفْسِهِ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطِ - (أَوْ نَائِبِهِ) ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ تَضْيِيعٌ لَهَا عَنْ صَاحِبِهَا، فَلَمْ يَجُزْ؛ كَرَدِّهَا إلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 مَوْضِعِهَا وَإِلْقَائِهَا فِي غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ التَّعْرِيفُ لِمَا جَازَ الِالْتِقَاطُ، لِأَنَّ بَقَائِهَا فِي مَكَانِهَا إذَنْ أَقْرَبُ إلَى صَاحِبِهَا. إمَّا بِأَنْ يَطْلُبَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ضَاعَتْ فِيهِ فَيَجِدُهَا، وَإِمَّا بِأَنْ يَجِدَهَا مَنْ يَعْرِفُهَا، وَأَخْذُ هَذَا لَهَا يُفَوِّتُ الْأَمْرَيْنِ، فَيَحْرُمُ. فَلَمَّا جَازَ الِالْتِقَاطُ وَجَبَ التَّعْرِيفُ؛ كَيْ لَا يَحْصُلَ الضَّرَرُ (فَوْرًا) ؛ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ، إذْ مُقْتَضَاهُ الْفَوْرُ؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا عَقِبَ ضَيَاعِهَا، فَإِذَا عُرِّفَتْ إذَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى وُصُولِهَا إلَيْهِ (نَهَارًا) ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ مَجْمَعُ النَّاسِ وَمُلْتَقَاهُمْ (أَوَّلَ كُلِّ يَوْمٍ) ، قَبْلَ انْشِغَالِ النَّاسِ بِمَعَاشِهِمْ، (أُسْبُوعًا) ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ فِيهِ أَكْثَرُ؛ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ تَوَالِي طَلَبِ صَاحِبِهَا لَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ بِاعْتِبَارِ غَالِبِ النَّاسِ أُسْبُوعًا. وَقَالَ (فِي " التَّرْغِيبِ ") وَ " التَّلْخِيصِ " وَالرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهِمْ: ثُمَّ يُعَرِّفُ (مَرَّةً كُلَّ أُسْبُوعٍ إلَى) تَمَامِ (شَهْرٍ، ثُمَّ) يُعَرِّفُ (مَرَّةً كُلَّ شَهْرٍ) إلَى أَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ (ثُمَّ) عَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا بَعْدَ الْأُسْبُوعِ مُتَوَالِيًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ (عَادَةً) ؛ أَيْ: بِالنَّظَرِ إلَى عَادَةِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، قَطَعَ بِهِ فِي " الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ (حَوْلًا) كَامِلًا مِنْ وَقْتِ (الْتِقَاطِهِ) . ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ بِعَامٍ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْقَوَافِلُ، وَيَمْضِي فِيهَا الزَّمَانُ الَّذِي تُقْصَدُ فِيهِ الْبِلَادُ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالِاعْتِدَالِ، فَصَلُحَتْ قَدْرًا؛ كَمُدَّةِ أَجَلِ الْعِنِّينِ. وَصِفَةُ التَّعْرِيفِ (بِأَنْ يُنَادِيَ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ) ، أَوْ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ (نَفَقَةٌ) ، وَلَا يَصِفُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَنْ يَدَّعِيَهَا بَعْضُ مَنْ سَمِعَ صِفَتَهَا، فَتَضِيعُ عَلَى مَالِكِهَا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ وَصَفَهَا، فَأَخَذَهَا غَيْرُ مَالِكِهَا بِالْوَصْفِ؛ ضَمِنَهَا الْمُلْتَقِطُ لِمَالِكِهَا، كَمَا لَوْ دَلَّ الْوَدِيعُ عَلَى الْوَدِيعَةِ مَنْ سَرَقَهَا. وَيَكُونُ مَكَانَ النِّدَاءِ (بِجَامِعِ النَّاسِ؛ كَسُوقٍ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 (وَحَمَّامٍ، وَبَابِ مَسْجِدٍ وَقْتَ صَلَاةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إشَاعَةُ ذِكْرِهَا، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِصَلَاةٍ (وَكُرِهَ) النِّدَاءُ عَلَيْهَا (دَاخِلَهُ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ -؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ إلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا» وَالْإِنْشَادُ دُونَ التَّعْرِيفِ، فَهُوَ أَوْلَى. (وَيُكْثِرُ مِنْهُ) - أَيْ: التَّعْرِيفِ - (بِمَوْضِعِ وِجْدَانِهَا) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ طَلَبِهَا، وَيُكْثِرُ مِنْهُ أَيْضًا (فِي الْوَقْتِ) الَّذِي يَلِي (الْتِقَاطَهَا) ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا عَقِبَ ضَيَاعِهَا، فَالْإِكْثَارُ مِنْهُ إذَنْ أَقْرَبُ إلَى وُصُولِهَا إلَيْهِ. (وَإِنْ الْتَقَطَ) اللُّقَطَةَ (بِصَحْرَاءَ عَرَّفَهَا بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهَا) ؛ أَيْ: الصَّحْرَاءِ الَّتِي الْتَقَطَهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ طَلَبِهَا، (وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى وُجُودُ رَبِّ اللُّقَطَةِ) . وَمِنْهُ لَوْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ بِصُرَّةٍ وَلَا نَحْوِهَا، عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي مُعِينِ ذَوِي الْأَفْهَامِ "، حَيْثُ ذَكَرَ: أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مُلْتَقِطُهَا بِلَا تَعْرِيفٍ. (لَمْ يَجِبْ تَعْرِيفُهَا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) ، نَظَرًا إلَى أَنَّهُ كَانَ كَالْعَبَثِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ " التَّنْقِيحِ " وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا: يَجِبُ مُطْلَقًا. (وَأُجْرَةُ مُنَادٍ عَلَى مُلْتَقِطٍ) نَصًّا، لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي الْعَمَلِ، فَكَانَتْ أُجْرَتُهُ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ اكْتَرَى شَخْصًا يَقْلَعُ لَهُ مُبَاحًا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ عَرَّفَهَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ. وَلَا يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمُنَادِي عَلَى رَبِّ اللُّقَطَةِ، وَلَوْ قَصَدَ حِفْظَهَا لِمَالِكِهَا، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُلْتَقِطِ. (وَإِنْ أَخَّرَهُ) - أَيْ: التَّعْرِيفَ عَنْ (الْحَوْلِ) الْأَوَّلِ أَثِمَ وَسَقَطَ، أَوْ أَخَّرَهُ (بَعْضَهُ) - أَيْ: بَعْضَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ - (لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ أَثِمَ) الْمُلْتَقِطُ بِتَأْخِيرِهِ التَّعْرِيفَ؛ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَسَقَطَ التَّعْرِيفُ؛ لِأَنَّ حِكْمَةَ التَّعْرِيفِ لَا تَحْصُلُ بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا تَرَكَهُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ عَرَّفَ بَقِيَّتَهُ فَقَطْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 (وَلَمْ يَمْلِكْهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةَ بِهِ - أَيْ: التَّعْرِيفِ - (بَعْدُ) - أَيْ: بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ؛ - لِأَنَّ شَرْطَ الْمِلْكِ التَّعْرِيفُ فِيهِ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّعْرِيفَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا بَعْدَهُ يَسْلُو عَنْهَا، وَيَتْرُكُ طَلَبَهَا. وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا، كَمَا يَأْثَمُ بِالْتِقَاطٍ بِنِيَّةِ تَمَلُّكٍ بِلَا تَعْرِيفٍ، أَوْ لَمْ يُرِدْ بِهِ تَعْرِيفَهَا وَلَا تَمَلُّكَهَا، فَلَا يَمْلِكُهَا وَلَوْ عَرَّفَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ، فَأَشْبَهَ الْغَاصِبَ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": نَصَّ عَلَى هَذَا [أَحْمَدُ] . (وَلَيْسَ خَوْفُهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطِ - (أَنْ يَأْخُذَهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةَ (سُلْطَانٌ جَائِرٍ) عُذْرًا فِي تَرْكِ تَعْرِيفِهَا (أَوْ خَوْفُهُ أَنْ يُطَالِبَهُ السُّلْطَانُ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَجَدَ عُذْرًا لَهُ فِي تَرْكِ تَعْرِيفِهَا) . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَإِنْ أَخَّرَ التَّعْرِيفَ لِذَلِكَ الْخَوْفِ؛ لَمْ يَمْلِكْهَا إلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ عُذْرًا (حَتَّى يَمْلِكَهَا) بِلَا تَعْرِيفٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (بِدُونِهِ) قَالَ: وَلِهَذَا جَزَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا بَعْدَهُ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ خَوْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: تَبْقَى بِيَدِهِ، (فَإِذَا وَجَدَ أَمْنًا عَرَّفَهَا حَوْلًا وَمَلَكَهَا) ، انْتَهَى. فَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ تَأْخِيرَ التَّعْرِيفِ لِلْعُذْرِ لَا يُؤَثِّرُ، (وَكَذَا إذَا) تَرَكَ تَعْرِيفَهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ، ثُمَّ (زَالَ عُذْرُ نَحْوِ مَرَضٍ وَحَبْسٍ وَنِسْيَانٍ، فَعَرَّفَهَا بَعْدُ) ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِتَعْرِيفِهَا حَوْلًا بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ التَّعْرِيفَ عَنْ وَقْتِ إمْكَانِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَرَّفَهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلَ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ " التَّنْقِيحِ " أَنَّهُ الْمَذْهَبُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُ فِيهِ عَجْزًا؛ كَمَرِيضٍ وَمَحْبُوسٍ، أَوْ نِسْيَانًا. انْتَهَى وَكَأَنَّهُ مَشَى عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَهُوَ مَرْجُوحٌ (وَمَنْ) وَجَدَ لُقَطَةً (وَعَرَّفَهَا حَوْلًا فَلَمْ تُعَرَّفْ) فِيهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 وَهِيَ مِمَّا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، (دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ) ؛ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِعْهَا وَفِي لَفْظٍ: وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ وَفِي لَفْظٍ: ثُمَّ كُلْهَا وَفِي لَفْظٍ: فَانْتَفِعْ بِهَا وَفِي لَفْظٍ: فَشَأْنُكَ بِهَا» حُكْمًا كَالْمِيرَاثِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا كَانَتْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَيَمْلِكُ اللُّقَطَةَ (مِلْكًا مُرَاعًا) يَزُولُ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ فِي وُجُوبِ الْعِوَضِ بِوُجُودِ صَاحِبِهَا، كَمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ نِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ بَدَلِهِ لِلزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ. انْتَهَى. (وَلَوْ) كَانَتْ اللُّقَطَةُ (عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا) ؛ فَتُمْلَكُ كَالْأَثْمَانِ؛ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي اللُّقَطَةِ جَمِيعِهَا، «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: فَانْتَفِعْ بِهَا، أَوْ فَشَأْنُكَ بِهَا» . (أَوْ) كَانَتْ اللُّقَطَةُ (لُقَطَةَ الْحَرَمِ) ، فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ حُكْمًا؛ كَلُقَطَةِ الْحِلِّ عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَرَمَيْنِ، فَأَشْبَهَ حَرَمَ الْمَدِينَةِ؛ وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهَا بِالْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْوَدِيعَةِ، وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا عَامًا، وَتَخْصِيصُهَا بِذَلِكَ لِتَأَكُّدِهَا لَا لِتَخْصِيصِهَا، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ» ، وَضَالَّةُ الذِّمِّيِّ مَقِيسَةٌ عَلَيْهَا. (أَوْ) كَانَ الْمُلْتَقِطُ وَجَدَ اللُّقَطَةَ (بِجَيْشٍ) - أَيْ: مَعَهُ - (بِدَارِ حَرْبٍ) ، وَيَبْدَأُ بِتَعْرِيفِهَا فِي الْجَيْشِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ لِأَحَدِهِمْ، فَإِذَا قَفَلَ أَتَمَّ التَّعْرِيفَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا لَمْ تُعَرَّفْ؛ مَلَكَهَا كَمَا يَمْلِكُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. هَذَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا ظَنَّ أَنَّهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَهِيَ غَنِيمَةٌ لَهُ، لَا تَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَأَمْوَالُهُمْ غَنِيمَةٌ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَكَيْف يُعْرَفُ ذَلِكَ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 لِلْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَجَدَ لُقَطَةً بِدَارِ حَرْبٍ، وَهُوَ فِي الْجَيْشِ عَرَّفَهَا سَنَةً، ابْتَدَأَ فِي الْجَيْشِ، وَبَقِيَّتُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ وَضَعَهَا فِي الْمَغْنَمِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِأَمَانٍ عَرَّفَهَا فِي دَارِهِمْ، ثُمَّ هِيَ لَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي جَيْشٍ فَكَالَّتِي قَبْلَهَا. انْتَهَى. وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (أَوْ لَمْ يَخْتَرْ) الْمُلْتَقِطُ تَمَلُّكَهَا، هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ دَاخِلَةٌ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا، يَعْنِي مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ الْمُلْتَقِطِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. أَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ (غَنِيًّا) فَتَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ كَالْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهَا كَالْمِيرَاثِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَالْعَدْلِ وَالْفَاسِقِ. (أَوْ أَخَّرَهُ) - أَيْ التَّعْرِيفَ (لِعُذْرٍ) ، ثُمَّ عَرَّفَهَا فَيَمْلِكُهَا، وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ أَخَّرَهُ أَوْ بَعْضَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ، وَلَمْ يَمْلِكْهَا بِهِ بَعْدُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. (أَوْ ضَاعَتْ) اللُّقَطَةُ مِنْ وَاجِدِهَا بِلَا تَفْرِيطٍ، فَالْتَقَطَهَا آخَرُ، (فَعَرَّفَهَا) الْمُلْتَقِطُ (الثَّانِي، مَعَ عِلْمِهِ) بِالْمُلْتَقِطِ (الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ) ؛ أَيْ: يُعْلِمْ الثَّانِي الْأَوَّلَ بِاللُّقَطَةِ؛ (أَوْ أَعْلَمَهُ) ؛ أَيْ: أَعْلَمَ الثَّانِي الْأَوَّلَ، وَعَرَّفَهَا الثَّانِي، (وَقَصَدَ بِتَعْرِيفِهَا) تَمَلُّكَهَا (لِنَفْسِهِ) ، فَتَدْخُلُ فِي مِلْكِ الثَّانِي حُكْمًا بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ الَّذِي عَرَّفَهَا فِيهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وُجِدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 مِنْهُ، وَالْأَوَّلُ لَمْ يَمْلِكْهَا. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " لَكِنْ تَوَهَّمَ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ الَّذِي يَمْلِكُهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا حَكَوْا الْوَجْهَيْنِ فِي مِلْكِ الثَّانِي لَهَا، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعْرِيفٌ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِنَائِبِهِ، وَالتَّعْرِيفُ هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ، وَفِي الْإِقْنَاعِ لَمْ يَمْلِكْهَا - أَيْ: الثَّانِي - وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ. (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمُلْتَقِطُ الثَّانِي بِالْمُلْتَقِطِ (الْأَوَّلِ، حَتَّى عَرَّفَهَا حَوْلًا) كَامِلًا؛ (مَلَكَهَا) الثَّانِي قَوْلًا وَاحِدًا؛ (لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ إذَنْ) ، وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ التَّمَلُّكِ (وَإِذَا جَاءَ رَبُّهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةِ - (أَخَذَهَا مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ الثَّانِي - (وَلَا يُطَالِبُ الْأَوَّلَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ. (وَلَوْ عَلِمَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ، فَرَدَّهَا لَهُ) - أَيْ: لِلْأَوَّلِ - (فَإِنْ أَبَى) الْأَوَّلُ (أَخْذَهَا) فَهِيَ (لِلثَّانِي) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَرَكَ حَقَّهُ فَسَقَطَ. (وَإِنْ قَالَ) الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: (عَرِّفْهَا) وَيَكُونُ مِلْكُهَا لِي، فَفَعَلَ الثَّانِي؛ فَهُوَ نَائِبُهُ فِي التَّعْرِيفِ، وَيَمْلِكُهَا الْأَوَّلُ؛ وَلِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي التَّعْرِيفِ؛ فَصَحَّ؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ قَالَ: عَرِّفْهَا وَتَكُونُ (بَيْنَنَا) ، فَفَعَلَ؛ صَحَّ أَيْضًا، وَكَانَتْ (بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ نِصْفِهَا، وَوَكَّلَهُ فِي الْبَاقِي. [تَتِمَّةٌ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَعَرَّفَهَا] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَعَرَّفَهَا؛ لَمْ يَمْلِكْهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ تَمَلُّكِهَا، فَإِنَّ الِالْتِقَاطَ مِنْ جُمْلَةِ السَّبَبِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَقَطَهَا اثْنَانِ، فَإِنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ الِالْتِقَاطُ. . [فَصْلٌ حُكْمُ تَصَرُّفُ الْمُلْتَقِطِ فِي اللُّقَطَةِ] (فَصْلٌ: وَيَحْرُمُ تَصَرُّفُهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطِ (فِيهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةِ - بَعْدَ تَعْرِيفِهَا الْحَوْلَ، وَلَوْ بِخَلْطٍ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ، (حَتَّى يَعْرِفَ وِعَاءَهَا - وَهُوَ كِيسُهَا - وَنَحْوُهُ) ، كَخِرْقَةٍ مَشْدُودَةٍ فِيهَا، وَقِدْرٍ، وَزِقٍّ فِيهِ اللُّقَطَةُ الْمَائِعَةُ، وَلُفَافَةٍ عَلَى ثِيَابٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 وَحَتَّى يَعْرِفَ (وِكَاءَهَا) - بِالْمَدِّ (وَهُوَ مَا شُدَّ بِهِ) الْكِيسُ، وَالزِّقُّ، هَلْ هُوَ سَيْرٌ، أَوْ خَيْطٌ مِنْ إبْرَيْسَمٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ وَنَحْوِهِ، (وَ) حَتَّى يُعَرِّفَ (عِفَاصَهَا) - بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - (وَهُوَ صِفَةُ الشَّدِّ) ، فَيَعْرِفُ الْمَرْبُوطَ هَلْ هُوَ عُقْدَةٌ أَوْ عُقْدَتَانِ، وَأُنْشُوطَةٌ وَغَيْرُهَا؛ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَمْر بِمَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا، وَهَذِهِ مِنْهَا. وَالْأُنْشُوطَةُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: كَأُنْبُوبَةٍ، عُقْدَةٌ يَسْهُلُ انْحِلَالُهَا كَعَقْدِ التِّكَّةِ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعِفَاصُ: كَكِتَابٍ الْوِعَاءُ فِيهِ النَّفَقَةُ، جِلْدًا أَوْ خِرْقَةً أَوْ غِطَاءُ الْقَارُورَةِ، وَالْجِلْدُ يُغَطَّى بِهِ رَأْسُهَا. انْتَهَى فَالْعِفَاصُ مُشْتَرَكٌ، لَكِنْ لَمَّا ذُكِرَ مَعَ الْوِعَاءِ حُمِلَ عَلَى مَا يُغَايِرُهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعَطْفِ. (وَ) حَتَّى: يَعْرِفَ (قَدْرَهَا) بِمِعْيَارِهَا الشَّرْعِيِّ، مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ ذَرْعٍ. وَحَتَّى يَعْرِفَ جِنْسَهَا وَصِفَتَهَا الَّتِي تَتَمَيَّزُ بِهَا، وَهِيَ نَوْعُهَا، لِحَدِيثِ زَيْدٍ وَفِيهِ «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، فَعَرَفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ، وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي «حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَفِيهِ اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا، وَاخْلِطْهَا بِمَالِك، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ» ؛ لِأَنَّ دَفْعَهَا إلَى رَبِّهَا يَجِبُ بِوَصْفِهَا. وَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهَا قَبْلَ مَعْرِفَةِ صِفَتِهَا؛ لَمْ يَبْقَ سَبِيلٌ إلَى مَعْرِفَةِ وَصْفِهَا بِانْعِدَامِهَا بِالتَّصَرُّفِ؛ وَلِأَنَّهُ حَيْثُ وَجَبَ دَفْعُهَا إلَى رَبِّهَا بِوَصْفِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ. (وَسُنَّ ذَلِكَ) أَيْ: أَنْ يَعْرِفَ وِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا وَعِفَاصَهَا وَجِنْسَهَا وَقَدْرَهَا وَصِفَتَهَا عِنْدَ وِجْدَانِهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ. وَسُنَّ لَهُ أَيْضًا عِنْدَ وِجْدَانِهَا إشْهَادُ عَدْلَيْنِ عَلَيْهَا قَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَمَسَّهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهَا، وَهَذَا النَّصُّ ظَاهِرٌ فِي الِاسْتِحْبَابِ؛ «وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. لَمْ يَأْمُرْ بِهِ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى النَّدْبِ. وَكَالْوَدِيعَةِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 وَفَائِدَةُ الْإِشْهَادِ حِفْظُهَا مِنْ نَفْسِهِ عَنْ أَنْ يَطْمَعَ فِيهَا، وَمِنْ وَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ، وَغُرَمَائِهِ إنْ أَفْلَسَ. وَ (لَا) يُسَنُّ الْإِشْهَادُ (عَلَى صِفَتِهَا) ، لِئَلَّا يَنْتَشِرَ ذَلِكَ فَيَدَّعِيَهَا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا، وَيَذْكُرَ صِفَتَهَا، كَمَا قُلْنَا فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَقَدْ سَأَلَهُ إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهَا، هَلْ يُبَيِّنُ كَمْ هِيَ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَقُولُ: أَصَبْتُ لُقَطَةً. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ صِفَاتِهَا؛ لِيَكُونَ أَثْبَتَ لَهَا، مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَاهَا إنْ اقْتَصَرَ عَلَى حِفْظِهَا فَغَلَبَهُ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ عُرْضَةُ النِّسْيَانِ انْتَهَى. (وَمَتَى وَصَفَهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةَ - (طَالِبُهَا) - أَيْ: مُدَّعِي ضَيَاعَهَا - بِصِفَاتِهَا، وَلَوْ بَعْدَ الْحَوْلِ، (لَزِمَ دَفْعُهَا لَهُ) ، إنْ كَانَتْ عِنْدَهُ، (بِنَمَائِهَا) الْمُتَّصِلِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ مَالِكَهَا، وَلَا يُمْكِنُ انْفِصَالُهَا عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُتْبَعُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ (بِلَا يَمِينٍ) وَلَا بَيِّنَةٍ، ظَنَّ صِدْقَهُ أَوَّلًا؛ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ وَقَوْلِهِ: فَإِنْ جَاءَكَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا غَالِبًا؛ لِسُقُوطِهَا حَالَ الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ دَفْعُهَا بِالصِّفَةِ؛ لَمَا جَازَ الْتِقَاطُهَا، وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيِّنَةَ مُدَّعِي اللُّقَطَةَ وَصْفَهَا، فَإِذَا وَصَفَهَا فَقَدْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ. . (وَ) دَفْعُ اللُّقَطَةِ لِمُدَّعِيهَا (بِلَا وَصْفٍ) وَلَا بَيِّنَةٍ، (يَحْرُمُ، وَلَوْ ظَنَّ صِدْقَهُ) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَى مَنْ لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ صَاحِبُهَا، كَالْوَدِيعَةِ، (وَيَضْمَنُ) . قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَإِنْ دَفَعَهَا، فَجَاءَ آخَرُ فَوَصَفَهَا، أَوْ أَقَامَ بِهَا بَيِّنَةً، لَزِمَ الدَّافِعَ غَرَامَتُهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَى مَالِكِهَا بِتَفْرِيطِهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مُدَّعِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ، وَلِصَاحِبِهَا تَضْمِينُ آخِذِهَا. فَإِذَا ضَمَّنَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَدَّعِيهَا فَلِلْمُلْتَقِطِ مُطَالَبَةُ آخِذِهَا بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مَجِيءَ صَاحِبِهَا فَيُغَرِّمَهُ؛ وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، فَمَلَكَ الْأَخْذَ مِنْ غَاصِبِهَا انْتَهَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 (وَمَعَ رِقِّ مُلْتَقِطٍ وَإِنْكَارِ سَيِّدِهِ) أَنَّهَا لُقَطَةٌ؛ (فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِأَنَّهُ الْتَقَطَهَا وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْقِنِّ بِالْمَالِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى سَيِّدِهِ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِنَحْوِ طَلَاقٍ. (وَ) النَّمَاءُ (الْمُنْفَصِلُ بَعْدَ حَوْلِ تَعْرِيفِهَا لِوَاجِدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ اللُّقَطَةَ بِانْفِصَالِ الْحَوْلِ، فَنَمَاؤُهَا إذَنْ نَمَاءُ مِلْكِهِ، فَهُوَ لَهُ، لِيَكُونَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ. وَأَمَّا النَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ فَيُرَدُّ مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا. (وَإِنْ تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ، (أَوْ نَقَصَتْ) ، أَوْ ضَاعَتْ (قَبْلَهُ) - أَيْ: الْحَوْلِ - (وَلَمْ يُفَرِّطْ؛ لَمْ يَضْمَنْهَا) ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ، فَلَمْ تُضَمْنَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، كَالْوَدِيعَةِ. وَإِنْ تَلِفَتْ، أَوْ نَقَصَتْ، أَوْ ضَاعَتْ (بَعْدَهُ) ، - أَيْ: بَعْدَ الْحَوْلِ - فَإِنَّ الْمُلْتَقِطَ (يَضْمَنُهَا مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ فَرَّطَ فِيهَا أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ، فَكَانَ تَلَفُهَا مِنْ مَالِهِ. (وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ) ؛ أَيْ: قِيمَةُ اللُّقَطَةِ إذَا تَلِفَتْ، وَقَدْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ، (يَوْمَ عَرَفَ رَبُّهَا) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ إلَيْهِ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً. (وَيُرَدُّ مِثْلُ مِثْلِيٍّ) ، قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ مَعَ يَمِينِهِ، إذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ قَدْ اُسْتُهْلِكَتْ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: (وَإِنْ وَصَفَهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةَ - اثْنَانِ فَأَكْثَرَ مَعًا، أَوْ وَصَفَهَا (ثَانٍ) بَعْدَ الْأَوَّلِ، لَكِنْ (قَبْلَ دَفْعِهَا إلَى الْأَوَّلِ؛ أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا أَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِاللُّقَطَةِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. (وَتُدْفَعُ لِقَارِعٍ بِيَمِينِهِ) نَصًّا؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ صَاحِبِهِ، كَمَا لَوْ تَدَاعَيَا عَيْنًا بِيَدِ غَيْرِهِمَا، وَلِتَسَاوِيهِمَا فِي الْبَيِّنَةِ أَوْ عَدَمِهَا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَيَا وَدِيعَةً، وَقَالَ: هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَلَا أَعْرِفُ عَيْنَهُ. وَإِنْ وَصَفَهَا ثَانٍ (بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: بَعْدَ دَفْعِهَا لِمَنْ وَصَفَهَا أَوَّلًا؛ (فَلَا شَيْءَ لِثَانٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّهَا بِوَصْفِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 إيَّاهَا، مَعَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ لَهُ حِينَ أَخَذَهَا، وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي انْتِزَاعَهَا مِنْهُ؛ فَوَجَبَ بَقَاؤُهَا لَهُ؛ كَسَائِرِ مَالِهِ. (وَلَوْ أَقَامَ أَحَدٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ) ، بَعْدَ أَنْ أَخَذَهَا الْأَوَّلُ بِالْوَصْفِ؛ (أَخَذَهَا) الثَّانِي (مِنْ وَاصِفٍ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْوَصْفِ، فَيُرَجَّحُ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَاصِفُ رَآهَا عِنْدَ مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، فَحَفِظَ أَوْصَافَهَا فَجَاءَ وَادَّعَاهَا وَهُوَ مُبْطِلٌ. فَائِدَةٌ لَوْ ادَّعَى اللُّقَطَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَوَصَفَهَا أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ؛ حَلَفَ وَاصِفُهَا، وَأَخَذَهَا. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِتَرَجُّحِهِ بِوَصْفِهَا. (فَإِنْ تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ (عِنْدَهُ) أَيْ: الْوَاصِفِ (ضَمِنَهَا) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَادِيَةٌ، كَالْغَاصِبِ، (لَا مُلْتَقِطٌ) دَفَعَهَا لِوَاصِفِهَا؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِأَمْرِ الشَّرْعِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إذَنْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَيَغْرَمُهَا الْوَاصِفُ لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ؛ لِعُدْوَانِ يَدِهِ. وَإِنْ أَعْطَى مُلْتَقِطٌ وَاضِعَهَا بَدَلَهَا؛ لِتَلَفِهَا عِنْدَهُ؛ لَمْ يُطَالِبْهُ ذُو الْبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْوَاصِفِ بِمَا أَخَذَهُ؛ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ، إنْ لَمْ يَكُنْ أَقَرَّ لِلْوَاصِفِ بِمِلْكِهَا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُدَّعِيًا أَنَّ مُقِيمَ الْبَيِّنَةِ ظَلَمَهُ بِتَضْمِينِهِ؛ فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَلَى غَيْرِ مَنْ ظَلَمَهُ. (وَلَوْ أَدْرَكَهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةَ - (رَبُّهَا بَعْدَ الْحَوْلِ) وَالتَّعْرِيفِ (مَبِيعَةً، أَوْ) أَدْرَكَهَا (مَوْهُوبَةً) بِيَدِ مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ، أَوْ أَدْرَكَهَا مَوْقُوفَةً؛ (فَلَيْسَ لَهُ) - أَيْ: لِرَبِّهَا - (إلَّا الْبَدَلُ) ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُلْتَقِطِ وَقَعَ صَحِيحًا؛ لِكَوْنِهَا صَارَتْ فِي مِلْكِهِ. (وَيُفْسَخُ) الْعَقْدُ إنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا (زَمَنَ خِيَارٍ) ؛ بِأَنْ بِيعَتْ لِشَرْطِ الْخِيَارِ، سَوَاءٌ كَانَ لِبَائِعٍ، أَوْ لَهُ وَلِلْمُشْتَرِي، وَتُرَدُّ لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ؛ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إلَّا الْبَدَلُ، مَا لَمْ يَخْتَرْ الْمُشْتَرِي الْفَسْخَ، وَلَا يَلْزَمُهُ؛ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهَا (بَعْدَ عَوْدِهَا) إلَى الْمُلْتَقِطِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 (بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ) ؛ فَيَنْتَزِعُهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فِي يَدِ مُلْتَقِطٍ، فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ، كَالزَّوْجِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَوَجَدَ الصَّدَاقَ قَدْ رَجَعَ إلَى الْمَرْأَةِ. (أَوْ) كَمَا لَوْ أَدْرَكَهَا بَعْدَ (رَهْنِهَا) ، فَإِنَّ رَبَّهَا يَنْتَزِعُهَا مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِقِيَامِ مِلْكِهِ وَانْتِفَاءِ إذْنِهِ. (وَمُؤْنَةُ رَدِّ) اللُّقَطَةِ إلَى مَالِكِهَا إنْ احْتَاجَ إلَى مُؤْنَةٍ (عَلَى رَبِّهَا) . ذَكَرَهُ فِي " التَّعْلِيقِ " " وَالِانْتِصَارِ "؛ لِتَبَرُّعِ الْمُلْتَقِطِ بِحِفْظِهَا. (وَلَوْ قَالَ رَبُّهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةِ - (بَعْدَ تَلَفِهَا) بِيَدِ الْمُلْتَقِطِ، (بِحَوْلِ تَعْرِيفٍ) ، بِلَا تَفْرِيطِ الْمَشْرُوعِ: عَلَيْك ضَمَانُهَا؛ لِكَوْنِكَ (أَخَذْتَهَا لِتَذْهَبَ بِهَا) لَا لِتُعَرِّفَهَا، (وَقَالَ مُلْتَقِطٌ) : بَلْ أَخَذْتُهَا (لِأُعَرِّفَهَا) ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطِ - (بِيَمِينِهِ) . ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ " لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ. (وَوَارِثُ) مُلْتَقِطٍ (فِيمَا تَقَدَّمَ) تَفْصِيلُهُ (كَمُوَرِّثِهِ) ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، فَإِنْ مَاتَ مُلْتَقِطٌ، عَرَّفَهَا وَارِثُهُ بَقِيَّةَ الْحَوْلِ، وَمَلَكَهَا، وَبَعْدَ الْحَوْلِ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ إرْثًا؛ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَيِّتِ، وَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا، أَوْ وَارِثُهُ، أَخَذَهَا أَوْ بَدَلَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ عَدِمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ؛ فَرَبُّهَا غَرِيمٌ بِبَدَلِهَا فِي التَّرِكَةِ. (وَمَنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَحْوِ نَوْمٍ) ، كَإِغْمَاءٍ، (فَوَجَدَ بِثَوْبِهِ) أَوْ كِيسِهِ مَالًا، دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا، (لَا يَدْرِي مَنْ صَرَّهُ) أَوْ وَضَعَهُ فِي كِيسِهِ أَوْ جَيْبِهِ؛ (فَهُوَ لَهُ) بِلَا تَعْرِيفٍ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَقْتَضِي تَمْلِيكَهُ لَهُ، (وَلَا يَبْرَأُ مَنْ أَخَذَ مِنْ نَحْوِ نَائِمٍ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ (شَيْئًا إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لَهُ بَعْدَ إفَاقَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي حَالَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ مُوجِبُ الضَّمَانِ الْمَأْخُوذِ عَلَى آخِذِهِ؛ لِوُجُودِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ إمَّا سَارِقٌ أَوْ غَاصِبٌ، فَلَا يَبْرَأُ مِنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِرَدِّهِ عَلَى مَالِكِهِ، فِي حَالَةٍ يَصِحُّ قَبْضُهُ لَهُ فِيهَا. (وَمَنْ وَجَدَ فِي حَيَوَانٍ) اشْتَرَاهُ، كَشَاةٍ وَنَحْوِهَا؛ (نَقْدًا) كَدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَجَدَهَا فِي بَطْنِ الشَّاةِ؛ فَلُقَطَةٌ. (أَوْ) وَجَدَ فِيهِ (دُرَّةً) أَوْ عَنْبَرَةً؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 فَهُوَ (لُقَطَةٌ لِوَاجِدِهِ) ، يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهَا؛ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ، (وَيَبْدَأُ فِي تَعْرِيفٍ بِبَائِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الشَّاةُ ابْتَلَعَتْهَا مِنْ مِلْكِهِ، كَمَا لَوْ وَجَدَ صَيْدًا مَخْضُوبًا، أَوْ فِي أُذُنِهِ قُرْطٌ، أَوْ فِي عُنُقِهِ خَرَزٌ؛ فَإِنَّهُ لُقَطَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْخِضَابَ وَنَحْوَهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ. (وَإِنْ وَجَدَ) إنْسَانٌ (دُرَّةً غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فِي) بَطْنِ (سَمَكَةٍ مَلَكَهَا) بِاصْطِيَادِهِ لَهَا مِنْ الْبَحْرِ؛ (فَ) الدُّرَّةُ (لِصَيَّادٍ) . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " لِأَنَّ الظَّاهِرَ ابْتِلَاعُهَا مِنْ مَعِدَتِهَا. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " لِأَنَّ الدُّرَّ يَكُونُ فِي الْبَحْرِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12] وَإِنْ بَاعَ الصَّيَّادُ السَّمَكَةَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالدُّرَّةِ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهَا؛ فَتُرَدُّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ يَبِعْهُ، وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ، وَإِنْ وَجَدَ الصَّيَّادُ فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ مَا لَا يَكُونُ إلَّا لِآدَمِيٍّ؛ كَدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ وَجَدَ فِيهَا دُرَّةً أَوْ غَيْرَهَا مَثْقُوبَةً أَوْ مُتَّصِلَةً بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَلُقَطَةٌ، لَا يَمْلِكُهَا الصَّيَّادُ، بَلْ يُعَرِّفُهَا، (وَكَطَيْرٍ صَادَهُ، وَلَا أَثَرَ مِلْكٍ بِهِ) ؛ فَهُوَ لِلصَّيَّادِ. (وَ) إنْ وَجَدَ إنْسَانٌ (عَنْبَرَةٌ بِسَاحِلٍ) فَحَازَهَا؛ فَهِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَحْرَ قَذَفَ بِهَا، فَهِيَ مُبَاحَةٌ، وَمَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ فَهُوَ لَهُ. وَمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَلْقَى بَحْرُ عَدَنَ عَنْبَرَةٌ مِثْلُ الْبَعِيرِ، فَأَخَذَهَا نَاسٌ بِعَدَنَ، فَكُتِبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَكَتَبَ إلَيْنَا: أَنْ خُذُوا مِنْهَا الْخُمُسَ، وَادْفَعُوا إلَيْهِمْ سَائِرَهَا، وَإِنْ بَاعُوكُمُوهَا فَاشْتَرُوهَا، فَأَرَدْنَا أَنْ نَزِنَهَا فَلَمْ نَجِدْ مِيزَانًا يُخْرِجُهَا، فَقَطَعْنَاهَا ثِنْتَيْنِ وَوَزَنَّاهَا، فَوَجَدْنَاهَا سِتَّمِائَةِ رِطْلٍ، فَأَخَذْنَا خُمُسَهَا، وَدَفَعْنَا سَائِرَهَا، ثُمَّ اشْتَرَيْنَاهَا بِخَمْسَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَبَعَثْنَا بِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 إلَى عُمَرَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إلَّا قَلِيلًا حَتَّى بَاعَهَا بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ؛ فَهُوَ اجْتِهَادٌ مِنْ عُمَرَ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ جَمِيعَهَا لِوَاجِدِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَنْبَرَةُ عَلَى السَّاحِلِ؛ فَلُقَطَةٌ يُعَرِّفُهَا (مَا لَمْ تُصَدْ) السَّمَكَةُ الَّتِي وَجَدَ بِهَا الدُّرَّةَ (مِنْ عَيْنٍ أَوْ نَهْرٍ لَا يَتَّصِلُ بِالْبَحْرِ) ؛ فَكَالشَّاةِ فِي أَنَّ مَا وُجِدَ فِي بَطْنِهَا مِنْ دُرَّةٍ مَثْقُوبَةٍ أَوْ غَيْرِ مَثْقُوبَةٍ لُقَطَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ وَالنَّهْرَ غَيْرَ الْمُتَّصِلِ لَيْسَ مُعَدًّا لِلدُّرِّ. وَعُلِمَ مِنْهُ إنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْبَحْرِ، وَكَانَتْ الدُّرَّةُ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ، أَنَّهَا لِلصَّيَّادِ، (أَوْ) وَجَدَ (بِهِ) - أَيْ: بِمَا الْتَقَطَ (أَثَرَ مِلْكٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ لَهُ) - أَيْ: لِلْمُلْتَقِطِ - تَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. تَكْمِيلٌ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ أَلْقَى شَبَكَةً فِي الْبَحْرِ، فَوَقَفَتْ فِيهَا سَمَكَةٌ، فَجَذَبَتْ الشَّبَكَةَ فَمَرَّتْ بِهَا فِي الْبَحْرِ، فَصَادَهَا رَجُلٌ فِي الْبَحْرِ: فَإِنَّ السَّمَكَةَ لِلَّذِي حَازَهَا، وَالشَّبَكَةُ يُعَرِّفُهَا، وَيَدْفَعُهَا إلَى صَاحِبِهَا. فَجَعَلَ الشَّبَكَةَ لُقَطَةً؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِآدَمِيٍّ، وَالسَّمَكَةَ لِمَنْ صَادَهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً، وَلَمْ يَمْلِكْهَا صَاحِبُ الشَّبَكَةِ؛ لِكَوْنِ شَبَكَتِهِ لَمْ تُثْبِتْهَا، فَبَقِيَتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي ". وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي رَجُلٍ انْتَهَى إلَى شَرَكٍ فِيهَا حِمَارُ وَحْشٍ أَوْ ظَبْيَةٌ قَدْ شَارَفَ الْمَوْتَ، فَخَلَّصَهُ وَذَبَحَهُ: هُوَ لِصَاحِبِ الْأُحْبُولَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ الصَّيْدِ فِي الْأُحْبُولَةِ فَهُوَ لِمَنْ نَصَبَهَا. وَإِنْ بَازِيًا أَوْ صَقْرًا أَوْ عُقَابًا قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ بَازٍ أَوْ صَقْرٍ أَوْ كَلْبٍ مُعَلَّمٍ أَوْ فَهْدٍ ذَهَبَ عَنْ صَاحِبِهِ فَدَعَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَمَرَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى أَتَى لِذَلِكَ أَيَّامٌ، فَأَتَى قَرْيَةً فَسَقَطَ عَلَى حَائِطٍ، فَدَعَاهُ رَجُلٌ فَأَجَابَهُ، قَالَ: يَرُدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ دَعَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَنَصَبَ لَهُ شَرَكًا فَصَادَهُ بِهِ، قَالَ: يَرُدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ. (وَمَنْ ادَّعَى مَا بِيَدِ لِصٍّ أَوْ نَاهِبٍ، أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ) أَنَّهُ لَهُ (وَوَصَفَهُ فَهُوَ لَهُ) ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَمَنْ وَصَفَ مَغْصُوبًا وَمَسْرُوقًا وَمَنْهُوبًا وَنَحْوَهُ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْوَصْفِ، وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِهِ. ذَكَرَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ "، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ: إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي دَفْنِ الدَّارِ؛ فَمَنْ وَصَفَهُ فَهُوَ لَهُ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 لِتَرَجُّحِهِ بِالْوَصْفِ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسْعِينَ: مَنْ ادَّعَى شَيْئًا وَوَصَفَهُ؛ دُفِعَ إلَيْهِ بِالصِّفَةِ، إذَا جُهِلَ رَبُّهُ وَلَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ يَدٌ مِنْ جِهَةِ مَالِكٍ، وَإِلَّا فَلَا. (فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ) فِي وُجُوبِ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ حَوْلًا وَمِلْكِهَا بَعْدَهُ، (بَيْنَ مُلْتَقِطٍ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، وَقِنٍّ لَمْ يَنْهَهُ سَيِّدُهُ، وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) ؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ نَوْعُ اكْتِسَابٍ، فَاسْتَوَوْا فِيهِ، كَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ. وَأَمَّا مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا، وَتَقَدَّمَ، (وَإِنْ وَجَدَهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةَ - (صَغِيرٌ أَوْ سَفِيهٌ أَوْ مَجْنُونٌ) ، صَحَّ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَكَسُّبٍ كَالِاصْطِيَادِ، وَ (قَامَ وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا عَنْهُ) - أَيْ: عَنْ وَاجِدِهَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِوَاجِدِهَا حَقُّ التَّمَلُّكِ فِيهَا، فَكَانَ عَلَى وَلِيِّهِ الْقِيَامُ بِهَا. وَ (لَا) تَكُونُ اللُّقَطَةُ (لَهُ) - أَيْ: لِلْوَلِيِّ - بَلْ لِوَاجِدِهَا بَعْدَ تَعْرِيفِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ تَمَّ بِشَرْطِهِ. (فَإِنْ تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ (بِيَدِ أَحَدِهِمْ) بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (وَ) إنْ (فَرَّطَ) فِي حِفْظِهَا؛ (ضَمِنَ) مَا تَلِفَ مِنْهَا بِتَفْرِيطِهِ فِي مَالِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": نَصَّ عَلَيْهِ فِي صَبِيٍّ (كَإِتْلَافِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " (وَكَتْمُهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةِ - (عَنْ وَلِيِّهِ) ؛ أَيْ: وَلِيِّ الْوَاجِدِ لَهَا، (تَفْرِيطٌ) مِنْهُ (ذَكَرَهُ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى. وَإِنْ كَانَ تَلَفُهَا (بِتَفْرِيطِ وَلِيٍّ) وَاجِدِهَا؛ بِأَنْ (عَلِمَ بِهَا وَلَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُ) ؛ لِكَوْنِهِ لَيْسَ أَهْلًا لِلْحِفْظِ، حَتَّى تَلِفَتْ؛ (فَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْوَلِيِّ - ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُضَيِّعُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مُوَلِّيهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. (وَلَوْ عَرَّفَهَا مُمَيِّزٌ بِنَفْسِهِ) بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ؛ (فَالْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ) لِأَنَّهُ يَعْقِلُ التَّعْرِيفَ فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ. (فَلَوْ لَمْ يُعَرِّفْهَا) الْوَلِيُّ، وَلَا الصَّغِيرُ (حَتَّى بَلَغَ؛ لَمْ يَمْلِكْهَا) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى أَجَلُ التَّعْرِيفِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ السِّنِينَ، وَإِنْ عَرَّفَهَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بَعْدَهُ لَا يُفِيدُ ظَاهِرًا؛ لِكَوْنِ صَاحِبِهَا يَيْأَسُ مِنْهَا، وَيَتْرُكُ طَلَبَهَا. قَالَ الْإِمَامُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 فِي غُلَامٍ أَصَابَ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ، فَذَهَبَ بِهَا إلَى مَنْزِلِهِ، فَضَاعَتْ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرَادَ رَدَّهَا، فَلَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهَا: تَصَدَّقْ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، وَكَانَ يَجْحَفُ بِهِ؛ تَصَدَّقَ قَلِيلًا قَلِيلًا. قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى هَذَا أَنَّهَا إنْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِ الصَّبِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْ وَلِيَّهُ حَتَّى يَقُومَ بِتَعْرِيفِهَا. انْتَهَى، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَرَكَ التَّعْرِيفَ لِعُذْرٍ؛ كَانَ كَتَرْكِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ مِنْ أَهْلِ الْعُذْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الضَّرْبِ الثَّالِثِ أَنَّ تَأْخِيرَ التَّعْرِيفِ لِعُذْرٍ لَيْسَ مَانِعًا لِلتَّعْرِيفِ بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ الْعُذْرِ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَيَتَّجِهُ فِيهِ) - أَيْ: الصَّغِيرِ - أَنَّ تَرْكَهُ التَّعْرِيفَ لِعُذْرِ صِغَرٍ، كَتَرْكِ غَيْرِهِ التَّعْرِيفَ (لِعُذْرٍ أَوْ مَرَضٍ) أَوْ حَبْسٍ وَنَحْوِهِ مَنَعَهُ عَنْ التَّعْرِيفِ أَنَّهُ مَتَى زَالَ الْعُذْرُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِتَعْرِيفِهَا حَوْلًا، بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ؛ لِعَدَمِ تَأْخِيرِ التَّعْرِيفِ عَنْ وَقْتِ إمْكَانِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا. (وَالْقِنُّ) يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ؛ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الصَّغِيرُ، وَيَصِحُّ مِنْهُ، فَصَحَّ مِنْ الرَّقِيقِ. وَلَهُ تَعْرِيفُهَا بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، كَاحْتِطَابِهِ وَاحْتِشَاشِهِ وَاصْطِيَادِهِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسْبِيٌّ، فَلَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ، وَلَهُ إعْلَامُ سَيِّدِهِ الْعَدْلِ بِهَا، إنْ أَمِنَهُ عَلَيْهَا. وَ (لِسَيِّدِهِ أَخْذُهَا مِنْهُ) ؛ لِيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ، وَلِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُ كَسْبِهِ مِنْ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقِنُّ قَدْ عَرَّفَهَا بَعْضَ الْحَوْلِ عَرَّفَهَا السَّيِّدُ تَمَامَهُ، (وَ) لِسَيِّدِهِ أَيْضًا (تَرْكُهَا مَعَهُ) - أَيْ: مَعَ الرَّقِيقِ الْمُلْتَقِطِ - (إنْ كَانَ) الرَّقِيقُ (عَدْلًا؛ لِيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا) ، وَيَكُونُ السَّيِّدُ مُسْتَعِينًا بِهِ فِي حِفْظِهَا، كَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي حِفْظِ سَائِرِ مَالِهِ. وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ أَمِينٍ كَانَ السَّيِّدُ مُفَرِّطًا بِإِقْرَارِهَا فِي يَدِهِ؛ فَيَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ؛ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ كَانَ لَهُ انْتِزَاعُ اللُّقَطَةِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 يَدِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ) الرَّقِيقُ (سَيِّدَهُ) عَلَى اللُّقَطَةِ، (لَزِمَهُ سَتْرُهَا عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُهَا، وَذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ، وَيُسَلِّمُهَا إلَى الْحَاكِمِ لِيُعَرِّفَهَا، ثُمَّ يَدْفَعُهَا إلَى سَيِّدِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ. فَإِنْ أَعْلَمَ سَيِّدَهُ بِهَا فَلَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُ، أَوْ أَخَذَهَا فَعَرَّفَهَا، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ فِيهَا، فَتَلِفَتْ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ؛ فَلَا ضَمَانَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ بِتَفْرِيطٍ مِنْ أَحَدِهِمَا. (وَمَتَى تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ (بِإِتْلَافِهِ) - أَيْ: الرَّقِيقِ الْمُلْتَقَطَ - (أَوْ تَفْرِيطِهِ) فِي الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَوْ بِدَفْعِهَا لِسَيِّدِهِ، وَهُوَ لَا يَأْمَنُهُ عَلَيْهَا؛ (فَفِي رَقَبَتِهِ) ضَمَانُهَا (مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ تَلِفَتْ فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ أَوْ بَعْدَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ، فَكَانَ ضَمَانُهُ فِي رَقَبَتِهِ كَغَيْرِ اللُّقَطَةِ. (وَكَذَا مُدَبَّرٌ وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ وَأُمُّ وَلَدٍ، لَكِنْ إنْ فَرَّطَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ (فَدَاهَا سَيِّدُهَا بِالْأَقَلِّ) مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ قِيمَةِ مَا أَتْلَفَتْهُ؛ كَسَائِرِ إتْلَافَاتِهَا. (وَمُكَاتَبٌ) فِي الْتِقَاطٍ (كَحُرٍّ) ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ، وَهَذَا مِنْهَا وَمَتَى عَادَ قِنًّا بِعَجْزِهِ كَانَتْ كَلُقَطَةِ الْقِنِّ (وَ) مَا يَلْتَقِطُ (مُبَعَّضٌ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ) عَلَى قَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ؛ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ. (وَكَذَا) فِي الْحُكْمِ (كُلُّ نَادِرٍ مِنْ كَسْبٍ؛ كَهِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَوَصِيَّةٍ وَرِكَازٍ) وَنَحْوِهَا؛ كَنِثَارٍ وَقَعَ فِي حِجْرِهِ. (وَلَوْ أَنَّ بَيْنَهُمَا) - أَيْ: الْمُبَعَّضِ وَسَيِّدِهِ - (مُهَايَأَةً) ؛ أَيْ: مُنَاوَبَةً عَلَى أَنَّ كَسْبَهُ لِنَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَلِسَيِّدِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ النَّادِرَ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ وَلَا يُظَنُّ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ. وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ الْمُلْتَقِطُ بَيْنَ شُرَكَاءِ؛ فَاللُّقَطَةُ بَيْنَهُمْ بِحَسَبِ حِصَصِهِمْ فِيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 [بَابُ اللَّقِيطِ] ُ: هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ، كَقَتِيلٍ وَجَرِيحٍ وَشَرْعًا (طِفْلٌ) لَا مُمَيِّزٌ، (لَا يَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَلَا) يَعْرِفُ (رِقَّهُ، نُبِذَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - أَيْ: طُرِحَ فِي شَارِعٍ أَوْ بَابِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، (أَوْ ضَلَّ) الطَّرِيقَ، مَا بَيْنَ وِلَادَتِهِ (إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ) فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ": (وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ إلَى الْبُلُوغِ) . قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُمَيِّزَ يَكُونُ لَقِيطًا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا الْتَقَطَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مَعًا مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ؛ أُقْرِعَ، وَلَمْ يُخَيَّرْ، بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ لَوْ نُبِذَ أَوْ ضَلَّ طِفْلٌ مَعْرُوفٌ النَّسَبِ، أَوْ مَعْلُومُ الرِّقِّ، فَعَرَفَهُ مَنْ يَعْرِفُهُ أَوْ غَيْرُهُ؛ فَهُوَ لَقِيطٌ لُغَةً لَا شَرْعًا. (وَالْتِقَاطُهُ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - شَرْعًا (فَرْضُ كِفَايَةٍ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَلِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ نَفْسٍ، فَكَانَ وَاجِبًا، كَإِطْعَامِهِ إذَا اُضْطُرَّ، وَإِنْجَائِهِ مِنْ نَحْوِ غَرَقٍ. فَلَوْ تَرَكَهُ جَمِيعُ مَنْ رَآهُ؛ أَثِمُوا. وَيَحْرُمُ النَّبْذُ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِالْمَنْبُوذِ لِلتَّلَفِ. (وَسُنَّ إشْهَادٌ عَلَيْهِ) كَاللُّقَطَةِ، وَدَفْعًا لِنَفْسِهِ لِئَلَّا تُرَاوِدَهُ بِاسْتِرْقَاقِهِ. [وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ رَآهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُرَبِّيَهُ إنْ كَانَ أَمِينًا، وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا] فَلِلْحَاكِمِ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ، وَتَسْلِيمُهُ إلَى أَمِينٍ لِيُرَبِّيَهُ. وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: اللَّقِيطُ، وَقَدْ عُرِّفَ، وَالِالْتِقَاطُ، وَالْمُلْتَقِطُ: وَهُوَ كُلُّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ عَدْلٍ وَلَوْ ظَاهِرًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِمَّا مَعَهُ) إنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَاجِبَةٌ فِي مَالِهِ، وَمَا وَجَدَ مَعَهُ فَهُوَ مَالُهُ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ يَمْلِكُ، وَلَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرِثُ وَيُورَثُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ وَلِيُّهُ وَيَبِيعَ مِنْ مَالِهِ. (وَإِلَّا) يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ؛ (فَ) يُنْفِقُ عَلَيْهِ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ: وَجَدْتُ مَلْقُوطًا، فَأَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ، فَقَالَ عَرِيفُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقَالَ عُمَرُ: أَكَذَلِكَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: فَاذْهَبْ هُوَ حُرٌّ، وَلَكَ وَلَاؤُهُ، وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ أَوْ رَضَاعُهُ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِكَوْنِهِ لَا مَالَ فِيهِ، أَوْ لِكَوْنِ الْبَلَدِ لَيْسَ فِيهَا بَيْتُ مَالٍ وَنَحْوِهِ؛ (اقْتَرَضَ عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى بَيْتِ الْمَالِ - (حَاكِمٌ) ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مُتَبَرِّعٍ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِدُونِ مِنَّةٍ تَلْحَقُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَشْبَهَ الْأَخْذَ لَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى ". (فَلَوْ) اقْتَرَضَ الْحَاكِمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، ثُمَّ (بَانَ) اللَّقِيطُ رَقِيقًا، أَوْ بَانَ (لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) ؛ كَأَبٍ مُوسِرٍ أَوْ وَارِثٍ مُوسِرٍ؛ (رَجَعَ) الْحَاكِمُ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى سَيِّدِ الرَّقِيقِ، وَأَبِي الْحُرِّ الْمُوسِرِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَحَدٌ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ؛ وَفِي الْحَاكِمِ مَا اقْتَرَضَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ حِينَئِذٍ وَاجِبَةٌ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ لِلَّقِيطِ مَالٌ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ لِمَانِعٍ، أَوْ يُنْتَظَرُ حُصُولُهُ مِنْ وَقْفٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلِمَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَنِيٌّ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ. هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْحَارِثِيِّ، وَقَالَ: وَإِذَا أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ نَفَقَةَ الْمِثْلِ، بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، لِيَرْجِعَ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ انْتَهَى. وَإِذَا أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ فَقَالَ أَحْمَدُ: يُؤَدِّي النَّفَقَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى الْحَاكِمِ الِاقْتِرَاضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْهُ لِنَحْوِ مَنْعٍ مَعَ وُجُودِ الْمَالِ فِيهِ؛ (فَعَلَى مَنْ عَلِمَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مَجَّانًا؛ لِلْأَمْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَبِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَلِأَنَّهُ إحْيَاءُ مَعْصُومٍ، وَإِنْقَاذٌ لَهُ مِنْ التَّلَفِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) حُكْمُ (كُلِّ فَرْضِ كِفَايَةٍ) ، يَلْزَمُ مَنْ عَلِمَ بِهِ الْقِيَامُ بِهِ مَجَّانًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا يَرْجِعُ) الْمُنْفِقُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ (إذَنْ) ؛ أَيْ: عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ الِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ سَقَطَتْ عَنْ الْبَاقِينَ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَإِنْ تَرَكَ الْكُلُّ أَثِمُوا، أَوْ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِلْمُوَاسَاةِ، فَهِيَ كَنَفَقَةِ الْغَرِيبِ وَقِرَى الضَّيْفِ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُسْتَوْعِبِ " " وَالتَّلْخِيصِ "، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " الْمُوجَزِ " " وَالتَّبْصِرَةِ "، وَقَالَا: لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ". قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَجَّانًا، وَاسْتِحْقَاقَ الْعِوَضِ لَا يَجْتَمِعَانِ انْتَهَى. (وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - إنْ وُجِدَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فِيهِ مُسْلِمٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِظَاهِرِ الدَّارِ، وَتَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ. (وَ) يُحْكَمُ (بِحُرِّيَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّينَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ أَحْرَارًا، وَالرِّقُّ لِعَارِضٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. فَاللَّقِيطُ حُرٌّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، حَتَّى فِي قَذْفٍ وَقَوَدٍ، (إلَّا أَنْ يُوجَدَ) اللَّقِيطُ (بِبَلَدِ حَرْبٍ، وَلَا مُسْلِمَ فِيهِ) - أَيْ: فِي بَلَدِ الْحَرْبِ - (أَوْ فِيهِ مُسْلِمٌ كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ؛ فَهُوَ كَافِرٌ رَقِيقٌ) ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَهُمْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ كَانَ أَهْلُهَا مِنْهُمْ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا قَلِيلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ؛ غَلَبَ فِيهَا حُكْمُ الْأَكْثَرِ، مِنْ أَجْلِ كَوْنِ الدَّارِ لَهُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ سَاكِنٌ؛ فَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 الْحَارِثِيُّ فَقَالَ مَثَّلَ الْأَصْحَابُ فِي الْمُسْلِمِ هُنَا بِالتَّاجِرِ وَالْأَسِيرِ، وَاعْتَبَرَ إقَامَتَهُ زَمَنًا، حَتَّى صَرَّحَ فِي " التَّلْخِيصِ ": أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُرُورُهُ مُسَافِرًا. (وَإِنْ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ) فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ فَلَقِيطُهَا (مُسْلِمٌ) حُرٌّ، تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ أَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ (فِي بَلَدِ إسْلَامٍ كُلُّ أَهْلِهِ ذِمَّةٌ) ، (فَ) قِيلَ: إنَّهُ (مُسْلِمٌ) ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ مُسْلِمٍ يَكْتُمُ إيمَانَهُ. قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " " وَالْإِقْنَاعِ " - فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ (تَغْلِيبًا لِلدَّارِ وَانْعِدَامِ أَبَوَيْهِ) قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَفِي بَلَدٍ كُلُّ أَهْلِهِ ذِمَّةٌ فَكَافِرٌ. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ ": وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فِي بَلَدٍ كُلُّ أَهْلِهَا ذِمَّةٌ، وَوُجِدَ فِيهَا لَقِيطٌ؛ حُكِمَ بِكُفْرِهِ. انْتَهَى. وَكَذَلِكَ جَزَمَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرُهُمْ: بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّ تَغْلِيبَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَهَذِهِ لَا مُسْلِمَ فِيهَا يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بِهَا مُسْلِمٌ؛ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى كَتْمِ إيمَانِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَاهُ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَى مَا نَقَلَاهُ. (وَإِنْ كَانَ بِهَا) ؛ أَيْ: بِبَلَدِ إسْلَامٍ كُلُّ أَهْلِهِ ذِمَّةٌ، (مُسْلِمٌ) ، وَلَوْ وَاحِدًا، (يُمْكِنُ كَوْنُهُ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - (مِنْهُ) - أَيْ: الْمُسْلِمِ - فَاللَّقِيطُ (مُسْلِمٌ) . قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: (قَوْلًا وَاحِدًا) ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ، وَلِظَاهِرِ الدَّارِ. (وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَنْ) - أَيْ: لَقِيطٌ - (قُلْنَا بِكُفْرِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ) - أَيْ: دَارِ الْكُفْرِ - وَهُوَ مَنْ وُجِدَ فِي بَلَدِ أَهْلِ حَرْبٍ لَا مُسْلِمَ بِهِ، أَوْ بِهِ نَحْوُ تَاجِرٍ وَأَسِيرٍ، (حَتَّى صَارَتْ) دَارُ الْكُفْرِ (دَارَ إسْلَامٍ؛ فَهُوَ مُسْلِمٌ فِيهَا) ؛ أَيْ: حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ. (وَمَا وُجِدَ مَعَهُ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - (مِنْ فِرَاشٍ تَحْتَهُ؛) كَوِطَاءٍ وَبِسَاطٍ وَوِسَادَةٍ وَسَرِيرٍ (وَثِيَابٍ) وَحُكِيَ أَوْ غِطَاءٍ عَلَيْهِ، (أَوْ مَالٍ بِجَيْبِهِ، أَوْ تَحْتَ فِرَاشِهِ) أَوْ وِسَادَتِهِ، أَوْ وُجِدَ (مَدْفُونًا تَحْتَهُ) دَفْنًا (طَرِيًّا) ؛ بِأَنْ تَجَدَّدَ حَفْرُهُ، (أَوْ) وُجِدَ (مَطْرُوحًا قَرِيبًا مِنْهُ) ، كَثَوْبٍ مَوْضُوعٍ إلَى جَانِبِهِ، (أَوْ) وَجَدْنَا (حَيَوَانًا مَشْدُودًا بِثِيَابِهِ) ؛ فَهُوَ لَهُ، وَكَذَا مَا طُرِحَ مِنْ فَوْقِهِ، أَوْ رَبَطَهُ بِهِ، أَوْ بِثِيَابِهِ أَوْ سَرِيرِهِ، وَمَا بِيَدِهِ مِنْ عِنَانِ دَابَّةٍ؛ أَوْ مَرْبُوطٌ عَلَيْهَا، أَوْ مَرْبُوطٌ بِهِ أَوْ بِثِيَابِهِ، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمُكَلَّفِ. وَيَمْتَنِعُ الْتِقَاطُهُ بِدُونِ الْتِقَاطِ الْمَالِ الْمَوْجُودِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَمَالِكِهِ (وَكَذَا خَيْمَةٌ وَدَارٌ وُجِدَ فِيهَا) ، فَهِيَ لَهُ. (وَيَتَّجِهُ وَجَهِلَ مَالِكُهَا) وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ بَالِغٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ؛ فَهُوَ بِهِ أَخَصُّ، إضَافَةً لِلْحُكْمِ إلَى أَقْوَى السَّبَبَيْنِ، فَإِنَّ يَدَ الْمُلْتَقِطِ ضَعِيفَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى يَدِ الْبَالِغِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَقِيطًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِاسْتِوَاءِ يَدِهِمَا. إلَّا أَنْ تُوجَدَ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ؛ فَيُعْمَلُ بِهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَمَا وُجِدَ مَدْفُونًا بَعِيدًا عَنْهُ، أَوْ مَدْفُونًا تَحْتَهُ غَيْرَ طَرِيٍّ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ، اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ وَمَا لَيْسَ مَحْكُومًا لَهُ بِهِ فَلُقَطَةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 (وَالْأَوْلَى بِحَضَانَتِهِ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - (وَاجِدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ، (إنْ كَانَ أَمِينًا) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (عَدْلًا) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَقَرَّ اللَّقِيطَ فِي يَدِ أَبِي جَمِيلَةَ، حِينَ قَالَ لَهُ عَرِيفُهُ: إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ. (وَلَوْ) كَانَ (ظَاهِرًا) ؛ أَيْ: لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَتُهُ بَاطِنًا؛ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةِ فِيهِ وَأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ. (حُرًّا) تَامَّ الْحُرِّيَّةِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ مَنَافِعُهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ، فَلَا يَصْرِفُهَا فِي غَيْرِ نَفْعِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ؛ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ، وَلَا مَنَافِعُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَكَذَا الْمُبَعَّضُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِكْمَالِ الْحَضَانَةِ. فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِرَقِيقِهِ أُقِرَّ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّ السَّيِّدَ الْتَقَطَهُ، وَاسْتَعَانَ بِرَقِيقِهِ فِي حَضَانَتِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَصَارَ كَمَا لَوْ الْتَقَطَهُ (مُكَلَّفًا) ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ، فَلَا يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ. (رَشِيدًا) ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى. وَيَجُوزُ لِمَنْ لَا يُقِرُّ بِيَدِهِ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ قُرْبَةٌ لَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ، وَعَدَمُ إقْرَارِهِ بِيَدِهِ دَوَامًا لَا يَمْنَعُ أَخْذَهُ ابْتِدَاءً، إلَّا الرَّقِيقَ فَلَيْسَ لَهُ الْتِقَاطُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، إلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهِ سِوَاهُ؛ فَعَلَيْهِ الْتِقَاطُهُ؛ لِتَخْلِيصِهِ مِنْ الْهَلَاكِ كَالْغَرَقِ، وَيَأْتِي. (وَلَهُ) - أَيْ: لِوَاجِدِهِ - الْمُتَّصِفِ بِمَا تَقَدَّمَ (حِفْظُ مَالِهِ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ؛ (لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ) ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: وَلَكَ وَلَاؤُهُ، وَلِأَنَّهُ وَلِيٌّ بِحَضَانَتِهِ لَا مِنْ أَجْلِ قَرَابَتِهِ مِنْهُ، أَشْبَهَ الْحَاكِمَ، وَلِوَاجِدِهِ الْمُتَّصِفِ بِمَا تَقَدَّمَ (الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - مِمَّا وَجَدَ مَعَهُ، (بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ) ؛ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ وَصِيٌّ. وَلِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ؛ بِخِلَافِ مَنْ أَوْدَعَ مَالًا وَغَابَ، وَلَهُ وَلَدٌ؛ فَلَا يُنْفِقُ الْوَدِيعُ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ، بَلْ تَقُومُ امْرَأَتُهُ إلَى الْحَاكِمِ، حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ. (وَنُدِبَ) لِوَاجِدِ اللَّقِيطِ الْإِنْفَاقُ (بِإِذْنِهِ) - أَيْ: الْحَاكِمِ - إنْ وَجَدَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ، وَأَقْطَعُ مِنْ الْمَظِنَّةِ، وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ، وَحِفْظٌ لِمَالِهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ [تَنْبِيهٌ يَنْبَغِي لِوَلِيِّ اللَّقِيطِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ] ِ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، فَإِذَا بَلَغَ وَاخْتَلَفَا هُوَ وَوَاجِدُهُ فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّفْرِيطِ فِي الْإِنْقَاقِ بِأَنْ قَالَ اللَّقِيطُ: أَنْفَقْتُ فَوْقَ الْمَعْرُوفِ، وَأَنْكَرَهُ وَاجِدُهُ؛ فَقَوْلُ الْمُنْفِقِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ. (وَكَذَا) لِوَاجِدِ اللَّقِيطِ (قَبُولُ هِبَةٍ) لِلَّقِيطِ، وَقَبُولُ (وَصِيَّةٍ) لَهُ، وَزَكَاةٍ، وَنَذْرٍ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَلِأَنَّ الْقَبُولَ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ، فَكَانَ لَهُ بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ، كَحِفْظِهِ وَتَرْبِيَتِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ يَجِبُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِاللَّقِيطِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ. (وَيَصِحُّ) - أَيْ: يَجُوزُ - (الْتِقَاطُ قِنٍّ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ) ، بَلْ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ تَخْلِيصٌ لَهُ مِنْ الْمَهْلَكَةِ؛ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ لِانْحِصَارِهِ فِيهِ. وَيَصِحُّ الْتِقَاطُ (ذِمِّيٍّ لِذِمِّيٍّ) ، وَيُقَرُّ بِيَدِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] . (وَلَوْ الْتَقَطَ) لَقِيطًا (كَافِرًا) اثْنَانِ (مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ) ؛ فَهُمَا (سَوَاءٌ) قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِالْتِقَاطِ. وَلِلْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ الْوِلَايَةُ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " وَالشَّارِحِ وَالنَّظْمِ " أَنَّ (الْمُسْلِمَ أَحَقُّ بِهِ) . قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ بِلَا تَرَدُّدٍ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ يَنْشَأُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيَتَعَلَّمُ شَرَائِعَ الدِّينِ، فَيَفُوزُ بِالسَّعَادَةِ الْكُبْرَى. (وَيُقَرُّ) لَقِيطٌ (بِيَدِ مَنْ) الْتَقَطَهُ (بِالْبَادِيَةِ مُقِيمًا فِي حِلَّةٍ) - بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَهُوَ بُيُوتٌ مُجْتَمِعَةٌ لِلِاسْتِيطَانِ؛ لِأَنَّهَا كَالْقَرْيَةِ، فَإِنَّ أَهْلَهَا لَا يَرْحَلُونَ عَنْهَا لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ. (أَوْ) لَمْ يَكُنْ فِي حِلَّةٍ، لَكِنَّهُ (يُرِيدُ) وَاجِدُهُ (نَقْلَهُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 أَيْ: اللَّقِيطِ (إلَى الْحَضَرِ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُهُ مِنْ أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالشَّقَاءِ، إلَى أَرْضِ الرَّفَاهِيَةِ وَالدِّينِ. وَ (لَا) يُقَرُّ بِيَدِ مُلْتَقِطِهِ إنْ كَانَ (بَدَوِيًّا يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ) ؛ لِأَنَّهُ إتْعَابٌ لِلطِّفْلِ بِنَقْلِهِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ إلَى مَنْ فِي قَرْيَةٍ، لِأَنَّهُ أَرْفَهُ لَهُ وَأَخَفُّ عَلَيْهِ. (أَوْ) - أَيْ: وَلَا يُقَرُّ أَيْضًا بِيَدِ (مَنْ وَجَدَهُ) - أَيْ: اللَّقِيطَ - (فِي الْحَضَرِ، فَأَرَادَ نَقْلَهُ لِلْبَادِيَةِ) ؛ لِأَنَّ مَقَامَهُ فِي الْحَضَرِ أَصْلَحُ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَأَرْفَهُ لَهُ، وَكَوْنُهُ وُجِدَ فِي الْحَضَرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وُلِدَ فِيهِ، فَبَقَاؤُهُ فِيهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ، وَظُهُورِ أَهْلِهِ، وَاعْتِرَافِهِمْ بِهِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يُقَرُّ بِيَدِ وَاجِدِهِ (مَعَ فِسْقِهِ) الظَّاهِرِ، (أَوْ رِقِّهِ) ؛ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْحَضَانَةِ وَالْوِلَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ؛ فَهُوَ نَائِبُهُ. وَلَا يُقَرُّ بِيَدِ مُدَبَّرٍ، وَأُمِّ وَلَدٍ، وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَمُكَاتَبٍ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ؛ لِقِيَامِ الرِّقِّ وَتَقَدَّمَ. (أَوْ) مَعَ (كُفْرِهِ) - أَيْ: الْوَاجِدِ - (وَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ) ؛ لِانْتِفَاءِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، وَلَا يُؤْمَنُ فِتْنَتُهُ فِي الدِّينِ، وَلَا يُقَرُّ بِيَدِ صَبِيٍّ، وَمَجْنُونٍ، وَسَفِيهٍ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلْوِلَايَةِ. (وَإِنْ الْتَقَطَهُ حَضَرًا مَنْ يُرِيدُ نَقْلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ) ؛ لَمْ يُقَرَّ بِيَدِهِ. (أَوْ) الْتَقَطَهُ فِي الْحَضَرِ مَنْ يُرِيدُ النَّقْلَةَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ؛ أَوْ إلَى (قَرْيَةٍ) ، أَوْ الْتَقَطَهُ مَنْ يُرِيدُ النَّقْلَةَ (مِنْ حِلَّةٍ إلَى حِلَّةٍ؛ لَمْ يُقَرَّ بِيَدِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي بَلَدِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ أَوْ حِلَّتِهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ. وَكَالْمُنْتَقِلِ بِهِ إلَى الْبَادِيَةِ. وَمَحَلُّ الْمَنْعِ (مَا لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ الَّذِي كَانَ) - أَيْ: وُجِدَ - (بِهِ وَبِيئًا) - أَيْ: وَخِيمًا (كَغَوْرِ بَيْسَانِ) - بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ، ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ - مَوْضِعٌ بِالشَّامِ، (وَنَحْوُهُ) أَيْ: نَحْوِ غَوْرِ بَيْسَانِ مِنْ الْأَرَاضِي الْوَبِيئَةِ؛ كَالْجُحْفَةِ بِالْحِجَازِ، فَإِنَّ اللَّقِيطَ يُقَرُّ بِيَدِ الْمُنْتَقِلِ عَنْهَا إلَى الْبِلَادِ الَّتِي لَا وَبَاءَ فِيهَا، أَوْ دُونَهَا فِي الْوَبَاءِ؛ لِتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِي النَّقْلِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 (وَإِنْ وَجَدَهُ) - أَيْ اللَّقِيطَ - (بِفَضَاءٍ خَالٍ) مِنْ السُّكَّانِ؛ (نَقَلَهُ حَيْثُ شَاءَ) قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " " وَالتَّلْخِيصِ " إذْ لَا وَجْهَ لِلتَّرْجِيحِ. [فَائِدَةٌ لَا يُقَرُّ اللَّقِيطُ بِيَدِ مُبَذِّرٍ] ٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " فَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِهِ لَمْ يُمْنَعْ؛ لِلْأَمْنِ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ مَسْتُورَ الْحَالِ، لَمْ تُعْرَفُ مِنْهُ حَقِيقَةً عَدَالَةٌ وَلَا خِيَانَةٌ؛ أَقَرَّ اللَّقِيطُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَدْلِ فِي لُقَطَةِ الْمَالِ، وَالْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةِ فِيهِ، وَفِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ". . فَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِلَقِيطِهِ لِغَيْرِ نَقْلَةٍ؛ أُقِرَّ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَرُّ فِي يَدِهِ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ مُشْرِفٍ يُضَمُّ إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الْعَدْلَ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ السَّتْرُ وَالصِّيَانَةُ. (وَحَيْثُ قُلْنَا: لَمْ يُقَرَّ) اللَّقِيطُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ، (فَإِنَّمَا هُوَ) - أَيْ: عَدَمُ إقْرَارِهِ (عِنْدَ وُجُودِ الْأَوْلَى بِهِ) مِنْ الْمُلْتَقِطِ، (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ) أَوْلَى مِنْهُ، (فَإِقْرَارُهُ بِيَدِهِ أَوْلَى كَيْف كَانَ) ؛ لِرُجْحَانِهِ بِالسَّبْقِ إلَيْهِ. (وَيُقَدَّمُ مُوسِرٌ وَمُقِيمٌ مِنْ مُلْتَقِطَيْنِ) لِلَّقِيطِ مَعًا (عَلَى ضِدِّهِمَا) ، فَيُقَدَّمُ الْمُوسِرُ عَلَى الْمُعْسِرِ؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لِلَّقِيطِ، وَيُقَدَّمُ الْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ. (فَإِنْ اسْتَوَيَا) - أَيْ: الْمُلْتَقِطَانِ - بِأَنْ لَمْ يَتَّصِفْ أَحَدُهُمَا بِمَا يَكُونُ بِهِ أَوْلَى، وَتَشَاحَّا؛ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ تَهَايَآهُ، بِأَنْ جُعِلَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ؛ أَضَرَّ بِالطِّفْلِ؛ لِأَنَّهُ تَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الْأَغْذِيَةُ وَالْأُنْسُ وَالْإِلْفُ، وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بِالتَّحَكُّمِ لِتَسَاوِي حَقِّهِمَا؛ فَتَعَيَّنَ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمَا؛ كَالشَّرِيكَيْنِ فِي تَعْيِينِ السِّهَامِ بِالْقِسْمَةِ، وَكَمَا يُقْرَعُ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي الْبُدَاءَةِ بِالْقَسَمِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 وَلَا تُرَجَّحُ الْمَرْأَةُ فِي الِالْتِقَاطِ، كَمَا تُرَجَّحُ فِي حَضَانَةِ وَلَدِهَا عَلَى أَبِيهِ. لِأَنَّهَا إنَّمَا رَجَحَتْ هُنَاكَ لِشَفَقَتِهَا عَلَى وَلَدِهَا، وَتَوَلِّيهَا لِحَضَانَتِهِ بِنَفْسِهَا، وَالْأَبُ يَحْضُنُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، فَكَانَتْ أُمُّهُ أَحَظَّ لَهُ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ اللَّقِيطِ، وَالرَّجُلُ يَحْضُنُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ؛ فَاسْتَوَيَا. وَ (لَا) يُقَدَّمُ (ظَاهِرُ عَدَالَةٍ، أَوْ كَرِيمٌ، أَوْ بَلَدِيٌّ عَلَى ضِدِّهِ) ؛ أَيْ: ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ وَمَسْتُورُهَا سَوَاءٌ، وَالْكَرِيمُ وَالْبَخِيلُ سَوَاءٌ، وَالْبَلَدِيُّ وَالْقَرَوِيُّ سَوَاءٌ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْأَهْلِيَّةِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) - أَيْ: الْمُتَنَازِعَانِ - (فِي الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا) ؛ بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الَّذِي الْتَقَطَ وَحْدَهُ؛ فَاللَّقِيطُ (لِمَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ) بِهِ بِلَا نِزَاعٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِ؛ إعْمَالًا لِبَيِّنَتِهِ. فَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ؛ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا أَخَذَ مِمَّنْ ثَبَتَ الْحَقُّ لَهُ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالْكَافِي " " وَالشَّرْحِ " " وَالْهِدَايَةِ " " وَالْمُذَهَّبِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّقِيطَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ، فَهُوَ كَالْمَالِ؛ فَيَجْرِي مَا فِي بَيِّنَةِ الْمَالِ مِنْ رِوَايَةِ اعْتِبَارِ سَبْقِ التَّارِيخِ، وَرِوَايَةِ تَسَاوِي الْبَيِّنَتَيْنِ، فَإِنْ اتَّحَدَتَا تَارِيخًا، أَوْ أُطْلِقَتَا، أَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا وَأُطْلِقَتْ الْأُخْرَى؛ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا؛ فَكَدَعْوَى الْمَالِ؛ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ خَارِجٍ، (عَدِمَاهَا) - أَيْ: الْبَيِّنَةَ - وَهُوَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا؛ فَاللَّقِيطُ (لِذِي الْيَدِ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ تُفِيدُ الْمِلْكَ، فَأَوْلَى أَنْ تُفِيدَ الِاخْتِصَاصَ (بِيَمِينِهِ) ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْآخَرِ. (فَإِنْ كَانَ) اللَّقِيطُ (بِيَدَيْهِمَا) ، وَلَا بَيِّنَةَ؛ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا؛ لِتَسَاوِيهِمَا فِي السَّبَبِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى اشْتِرَاكِهِمَا فِي كَفَالَةِ اللَّقِيطِ، كَمَا تَقَدَّمَ [ (فَمَنْ قَرَعَ) - أَيْ: خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ - (سُلِّمَ) اللَّقِيطُ (إلَيْهِ بِيَمِينِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ] . (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا) - أَيْ: لِمَنْ عَدِمَتْ بَيِّنَتَاهُمَا أَوْ تَعَارَضَتَا، - (يَدٌ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 عَلَى اللَّقِيطِ، (فَوَصَفَهُ أَحَدُهُمَا بِعَلَامَةٍ مَسْتُورَةٍ) ، بِأَنْ يَقُولَ بِظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ أَوْ كَتِفِهِ أَوْ فَخِذِهِ شَامَةٌ أَوْ أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ نَارٍ وَنَحْوِهِ، فَكُشِفَ وَوُجِدَ كَمَا ذَكَرَ؛ (قُدِّمَ) عَلَى مَنْ لَمْ يَصِفْهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ اللُّقَطَةِ، فَقُدِّمَ بِوَصْفِهَا كَلُقَطَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ (وَصَفَاهُ) جَمِيعًا بِمَا تَقَدَّمَ؛ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا؛ لِانْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا، (وَلَمْ يَصِفَاهُ) ، وَلَا وَصَفَهُ أَحَدُهُمَا، (وَلَا يَدَ) لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا؛ (سَلَّمَهُ حَاكِمٌ لِمَنْ يَرَى) مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ، فَاسْتَوَيَا وَغَيْرُهُمَا فِيهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَتَنَازَعَاهُ. (وَلَا تَخْيِيرَ لِلَّقِيطِ) ؛ إذْ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ، بِخِلَافِ اخْتِيَارِ الصَّغِيرِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى تَجْرِبَةٍ تَقَدَّمَتْ. قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ ". (وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ) مِنْ مُخْتَلِفَيْنِ فِي لَقِيطٍ؛ (سَقَطَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، فَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَرْكُهُ لِلْآخَرِ، كَالشَّفِيعَيْنِ. وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنْ الْآخَرَ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا، وَسَأَلَ يَمِينَهُ؛ فَفِي " الْفُرُوعِ " يُتَوَجَّهُ يَمِينُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ» . [تَتِمَّةٌ الشَّرِكَةُ فِي الِالْتِقَاطِ] تَتِمَّةٌ وَالشَّرِكَةُ فِي الِالْتِقَاطِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُلْتَقِطَانِ اللَّقِيطَ مَعًا. وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ كَالْأَخْذِ. وَلَا اعْتِبَارَ بِالْقِيَامِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْأَخْذِ عِنْدَ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَخْذِ، وَفِي مَعْنَاهُ وَضْعُ الْيَدِ، فَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِمَا. [فَصْلٌ إرْثُ اللَّقِيطِ إنْ مَاتَ لِبَيْتِ الْمَالِ] (فَصْلٌ: وَإِرْثُهُ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - إنْ مَاتَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَرِثُهُ الْمُلْتَقِطُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَحِمٌ، وَلَا نِكَاحٌ فَالْإِرْثُ بِالْوَلَاءِ (وَدِيَتُهُ إنْ قُتِلَ لِبَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ مِيرَاثِهِ، كَسَائِرِ مَالِهِ، إنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ؛ فَلَهَا الرُّبُعُ، وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ. وَإِنْ مَاتَتْ لَقِيطَةٌ لَهَا زَوْجٌ؛ فَلَهُ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 بِنْتُ ابْنٍ أَوْ ابْنُ بِنْتٍ؛ أَخَذَ جَمِيعَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَالرَّحِمَ مُقَدَّمٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ مُلْتَقِطُهُ) ، بِأَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مِنْهُ، فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ، وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ لَحِقَهُ، وَحَازَ إرْثَهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِذَا جَنَى اللَّقِيطُ جِنَايَةً تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ؛ بِأَنْ جَنَى خَطَأً أَوْ شَبَهَ عَمْدٍ؛ (فَدِيَةُ خَطَئِهِ) وَنَحْوُهَا (فِيهِ) - أَيْ: فِي بَيْتِ الْمَالِ - لِأَنَّ مِيرَاثَهُ لَهُ، وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، كَالْعَمْدِ الْمَحْضِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ؛ فَحُكْمُهُ فِيهَا حُكْمُ غَيْرِ اللَّقِيطِ، فَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ؛ اُقْتُصَّ مِنْهُ مَعَ الْمُكَافَأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ، وَلَهُ مَالٌ؛ اُسْتُوْفِيَ مَا وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ مِنْ مَالِهِ، وَإِلَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ، كَسَائِرِ الدُّيُونِ. (وَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي) قَتْلٍ (عَمْدٍ، بَيْنَ أَخْذِهَا) - أَيْ: الدِّيَةِ - وَبَيْنَ (الْقِصَاصِ) نَصًّا، أَيَّهُمَا فَعَلَهُ جَازَ، إذَا رَآهُ أَصْلَحَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَمَتَى عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ؛ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ. (وَإِنْ قُطِعَ طَرَفُهُ) - أَيْ: طَرَفُ اللَّقِيطِ - وَهُوَ صَغِيرٌ وَمَجْنُونٌ حَالَ كَوْنِ الْقَطْعِ (عَمْدًا؛ اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ وَرُشْدُهُ) لِيَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّ الِاسْتِيفَاءِ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِيفَاءِ، فَانْتُظِرَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَفَارَقَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ لَهُ، بَلْ لِوَارِثِهِ، وَالْإِمَامُ هُوَ الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ؛ فَيَحْبِسُ الْجَانِيَ عَلَى طَرَفِ اللَّقِيطِ إلَى أَوَانِ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ لِئَلَّا يَهْرَبَ. (إلَّا أَنْ يَكُونَ) اللَّقِيطُ (فَقِيرًا) عَاقِلًا كَانَ أَوْ مَجْنُونًا؛ (فَيُلْزِمُهُ الْإِمَامُ الْعَفْوَ عَلَى مَا) ؛ أَيْ: شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ، يَكُونُ فِيهِ حَظٌّ لِلَّقِيطِ، (يُنْفَقُ عَلَيْهِ) مِنْهُ، دَفْعًا لِحَاجَةِ الْإِنْفَاقِ. قَالَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 شَرْحِ الْمُنْتَهَى " عَنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَجْنُونِ وَالْعَاقِلِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَيَأْتِي فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ أَنَّ لِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْعَفْوَ، لِأَنَّهُ لَا أَمَدَ لَهُ يَنْتَهِي إلَيْهِ، بِخِلَافِ وَلِيِّ الْعَاقِلِ. وَقُطِعَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " " وَالْمُغْنِي " هُنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " " وَالْمُذَهَّبِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " وَغَيْرِهِمْ هُنَاكَ. وَعَلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّقِيطَ لَوْ كَانَ مَجْنُونًا غَنِيًّا؛ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ، بَلْ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ ". (وَإِنْ ادَّعَى جَانٍ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى اللَّقِيطِ - جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ الْمَالَ - رِقَّهُ، أَوْ ادَّعَى (قَاذِفُهُ رِقَّهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَكَذَّبَهُمَا) اللَّقِيطُ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلظَّاهِرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ إنْسَانًا، وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْحُرِّ. فَلِلَّقِيطِ طَلَبُ حَدِّ الْقَذْفِ، وَاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ الْجَانِي، وَإِنْ كَانَ حُرًّا. وَإِنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ مَالًا طَالَبَ، بِمَا يَجِبُ فِي الْحُرِّ. وَإِنْ صَدَّقَ اللَّقِيطُ قَاذِفَهُ؛ أَوْ الْجَانِيَ عَلَيْهِ عَلَى كَوْنِهِ رَقِيقًا؛ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا مَا يَجِبُ فِي قَذْفِ الرَّقِيقِ أَوْ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ) - أَيْ: غَيْرُ وَاجِدِهِ - (رِقَّهُ) - أَيْ اللَّقِيطِ - (أَوْ) ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّ (مَجْهُولَ نَسَبِ غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ اللَّقِيطِ - مَمْلُوكُهُ، (وَهُوَ بِيَدِهِ) - أَيْ: الْمُدَّعِي رِقَّهُ - (صُدِّقَ) الْمُدَّعِي؛ لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ، (بِيَمِينِهِ) ؛ لِإِمْكَانِ عَدَمِ الْمِلْكِ حَيْثُ كَانَ دُونَ التَّمْيِيزِ أَوْ مَجْنُونًا، ثُمَّ إذَا بَلَغَ وَقَالَ: أَنَا حُرٌّ لَمْ يُقْبَلْ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّقِيطُ أَوْ مَجْهُولُ النَّسَبِ بِيَدِ الْمُدَّعِي؛ فَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تُخَالِفُ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ. (وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - إذَا ادَّعَاهُ، (مَعَ) بَقَاءِ (رِقِّهِ) لِسَيِّدِهِ، وَلَوْ مَعَ بَيِّنَةٍ بِنَسَبِهِ. قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ امْرَأَةً حُرَّةً؛ فَتَثْبُتُ حُرِّيَّتُهُ. فَإِنْ ادَّعَى مُلْتَقِطُهُ رِقَّهُ، أَوْ ادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ، وَلَيْسَ بِيَدِهِ؛ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهَا تُخَالِفُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 الظَّاهِرَ. بِخِلَافِ دَعْوَى النَّسَبِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ يَثْبُتُ بِهَا حَقُّ اللَّقِيطِ، وَدَعْوَى الرِّقِّ يَثْبُتُ بِهَا حَقٌّ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ تُقْبَلْ بِمُجَرَّدِهَا، كَرِقِّ غَيْرِ اللَّقِيطِ. (وَإِلَّا) يَكُنْ اللَّقِيطُ بِيَدِ الْأَجْنَبِيِّ الْمُدَّعِي لِرِقِّهِ، (وَحَلَفَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً بِيَدِهِ) ، كَمَا لَوْ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ جَارٍ فِي مِلْكِهِ كَانَ بِيَدِهِ حُكِمَ لَهُ بِالْيَدِ، (وَحَلَفَ أَنَّهُ) - أَيْ: اللَّقِيطَ - (مِلْكُهُ) ؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ دَلِيلُ الْمِلْكِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ (أَوْ شَهِدَتْ) لَهُ بَيِّنَةٌ (بِمِلْكٍ) بِأَنْ قَالَ: نَشْهَدُ أَنَّهُ جَارٍ فِي مِلْكِهِ، أَوْ أَنَّهُ مِلْكُهُ، أَوْ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ أَوْ عَبْدُهُ، وَلَوْ لَمْ تَذْكُرْ الْبَيِّنَةُ سَبَبَ الْمِلْكِ؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ؛ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِمِلْكِ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ، (أَوْ) شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ (أَنَّ أَمَتَهُ) - أَيْ: الْمُدَّعِي (وَلَدَتْهُ) - أَيْ: اللَّقِيطَ (بِمِلْكِهِ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي - (أَوْ) شَهِدَتْ (أَنَّهُ قِنُّهُ، وَلَوْ لَمْ تَذْكُرْ سَبَبَ الْمِلْكِ؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَا تَلِدُ فِي مِلْكِهِ إلَّا مَلَكَهُ فَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ ابْنُ أَمَتِهِ، أَوْ أَنْ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ، وَلَمْ تَقُلْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهَا، فَلَا يَكُونُ لَهُ، مَعَ كَوْنِهِ ابْنَ أَمَتِهِ وَكَوْنُهَا وَلَدَتْهُ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ شَهِدَتْ بِالْوِلَادَةِ؛ قُبِلَ فِيهِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ. (وَإِنْ ادَّعَاهُ) - أَيْ: رِقَّ اللَّقِيطِ - (مُلْتَقِطٌ؛ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِمِلْكِهِ لَهُ، أَوْ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ، فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُلْتَقِطَهُ، وَلَا تَكْفِي يَدُهُ، وَلَا بَيِّنَةَ تَشْهَدُ لَهُ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، وَيَدُهُ عَنْ سَبَبٍ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا. بِخِلَافِ الْمَالِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْمِلْكُ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) ؛ أَيْ: عَدَمُ قَبُولِ دَعْوَى الْمُلْتَقِطِ بِدُونِ بَيِّنَةٍ إنْ أَقَامَهَا، (بَعْدَ اعْتِرَافِهِ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطِ - (أَنَّهُ لَقِيطٌ) ؛ لِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاعْتِرَافِ، (وَإِلَّا) يَعْتَرِفْ بِأَنَّهُ لَقِيطٌ (فَلَوْ ادَّعَاهُ) - أَيْ: رِقَّ اللَّقِيطِ - (ابْتِدَاءً) مِنْ غَيْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 تَقَدُّمِ اعْتِرَافٍ مِنْهُ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالرِّقِّ؛ (قُبِلَ) قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ، وَحُكِمَ لَهُ بِهِ؛ كَمَا لَوْ صَدَرَتْ دَعْوَى ذَلِكَ مِنْ (أَجْنَبِيٍّ) ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ لَقِيطٍ وَمَجْهُولٍ نَسَبُهُ بَالِغًا عَاقِلًا، وَكَذَا مُمَيِّزًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى، فَأَنْكَرَ أَنَّهُ رَقِيقٌ، وَقَالَ: أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنَّهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِرِقِّ لَقِيطٍ بَالِغٍ) ، بِأَنْ قَالَ: أَنَا مِلْكُ زَيْدٍ؛ (لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ، (وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إقْرَارَهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ - (تَصَرُّفٌ مِنْهُ بِنَحْوِ بَيْعٍ) أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إقْرَارَهُ (صَدَاقٌ وَلَا نِكَاحٌ، أَوْ) لَمْ يَتَقَدَّمْهُ (اعْتِرَافٌ بِحُرِّيَّتِهِ) قُبِلَ ذَلِكَ، بِأَنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ جَوَابًا لِدَعْوَى مُدَّعٍ، (أَوْ) أَقَرَّ ابْتِدَاءً، وَلَوْ (صَدَّقَ مُقِرٌّ لَهُ) بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْحُرِّيَّةِ الْمَحْكُومِ بِهَا، فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ؛ كَمَا لَوْ أَقَرَّ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلِأَنَّ الطِّفْلَ الْمَنْبُوذَ لَا يَعْلَمُ رِقَّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِمَّنْ لَا يَعْقِلُ، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ رِقٌّ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ؛ فَكَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا. (فَإِنْ شَهِدَتْ) لِمُدَّعِي رِقِّ اللَّقِيطِ أَوْ مَجْهُولِ النَّسَبِ (بَيِّنَةٌ) بِدَعْوَاهُ؛ (حُكِمَ لَهُ بِهَا) - أَيْ: بِبَيِّنَتِهِ - (وَنُقِضَ تَصَرُّفُهُ) الْوَاقِعُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِهِ لِمُدِعِّ رِقِّهِ؛ لِأَنَّهُ بَانَ قَدْ تَصَرَّفَ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 وَإِنْ أَقَرَّ لَقِيطٌ بَالِغٌ (بِكُفْرٍ، وَقَدْ نَطَقَ بِإِسْلَامٍ، وَهُوَ مُمَيِّزٌ يَعْقِلُهُ) - أَيْ: الْإِسْلَامَ - أَوْ أَقَرَّ بِهِ لَقِيطٌ بَالِغٌ (مُسْلِمٌ حُكْمًا) ؛ بِأَنْ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ (تَبَعًا لِلدَّارِ) ؛ بِأَنْ كَانَ وُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِيهِ مُسْلِمٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ؛ (فَ) هُوَ (مُرْتَدٌّ) ؛ أَيْ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ، يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ فِي الصُّورَتَيْنِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَبِلَا نِزَاعٍ فِي الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ مُتَيَقَّنٌ؛ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِمَا يُنَافِيهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وُجِدَ عُرْيًا عَنْ الْمَعَارِضِ، وَثَبَتَ حُكْمُهُ وَاسْتَقَرَّ؛ فَلَمْ يَجُزْ إزَالَةُ حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ ابْنٌ مُسْلِمٌ، وَقَوْلُهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ فِي الْحَالِ مَنْ كَانَ أَبُوهُ، وَلَا مَا كَانَ دِينُهُ، وَإِنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. [فَائِدَةٌ أَمَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ وَلَدَتْ مِنْ فُجُورٍ] فَائِدَةٌ قَالَ أَحْمَدُ فِي أَمَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ وَلَدَتْ مِنْ فُجُورٍ: وَلَدُهَا مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، وَهَذَا لَيْسَ مَعَهُ إلَّا أُمُّهُ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ) ؛ أَيْ: بِأَنَّ اللَّقِيطَ وَلَدُهُ، (مَنْ) - أَيْ: إنْسَانٌ - (كَوْنُهُ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - (مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ الْمُقِرِّ - وَلَوْ كَانَ الْمُقِرُّ (كَافِرًا، أَوْ قِنًّا، أَوْ أُنْثَى ذَاتَ زَوَاجٍ أَوْ) ذَاتَ (نَسَبٍ مَعْرُوفٍ) ، أَوْ ذَاتَ إخْوَةٍ؛ (أُلْحِقَ) اللَّقِيطُ، (وَلَوْ) كَانَ (مَيِّتًا، بِهِ) - أَيْ: بِالْمُقِرِّ - لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ لِلَّقِيطِ لِاتِّصَالِ نَسَبِهِ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ؛ فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ. وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، فِيمَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ رَجُلًا حُرًّا مُسْلِمًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَعَلَى الصَّحِيحِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ كَافِرًا، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ نَصِّ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِنَسَبِ مَجْهُولِ النَّسَبِ، وَلَيْسَ فِي إقْرَارِهِ إضْرَارٌ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْحَقُهُ فِي النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ؛ فَصَحَّ إقْرَارُهُ. كَالْمُسْلِمِ. وَعَلَى الصَّحِيحِ أَيْضًا، فِيمَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ أُنْثَى ذَاتَ زَوْجٍ، أَوْ نَسَبٍ مَعْرُوفٍ، أَوْ إخْوَةٍ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ؛ فَثَبَتَ النَّسَبُ بِدَعْوَاهَا، كَالْأَبِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا، كَمَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ الرَّجُلِ، بَلْ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي بِهِ مِنْ زَوْجٍ، وَمَنْ وَطِئَ شُبْهَةً، وَيَلْحَقُهَا وَلَدُهَا مِنْ الزِّنَا دُونَ الرَّجُلِ. وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ اللَّقِيطِ عَلَى الْقِنِّ الَّذِي أَلْحَقْنَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَلَا حَضَانَةَ لَهُ عَلَى مَنْ اسْتَلْحَقَهُ؛ لِاشْتِغَالِهِ بِالسَّيِّدِ، فَيَضِيعُ، فَلَا يَتَأَهَّلُ لِلْحَضَانَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ جَازَ؛ لِانْتِفَاءِ مَانِعِ الشَّغْلِ. وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ مَنْ اسْتَلْحَقَهُ الْقِنُّ عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، وَالسَّيِّدُ غَيْرُ نَسِيبٍ لَهُ، وَتَكُونُ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. وَلَا يَلْحَقُ (بِزَوْجِ) امْرَأَةٍ (مُقِرَّةٍ) بِهِ، بِدُونِ تَصْدِيقِ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهَا لَا يَنْفُذُ عَلَى غَيْرِهَا، فَلَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ نَسَبُ وَلَدٍ لَمْ يُولَدْ عَلَى فِرَاشِهِ، وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ. فَإِنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً أَنَّهَا وَلَدَتْهُ عَلَى فِرَاشِ زَوْجِهَا؛ لَحِقَ بِهِ. وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا ادَّعَى نَسَبَهُ؛ لَمْ يَلْحَقْ بِزَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَسْرِي عَلَيْهَا. (وَلَا يَتْبَعُ) اللَّقِيطُ رَقِيقًا ادَّعَى نَسَبَهُ (فِي رِقٍّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَبَعِيَّتِهِ النَّسَبَ الرِّقُّ بِدُونِ بَيِّنَةٍ. (وَ) لَا يَتْبَعُ لَقِيطٌ كَافِرًا اسْتَلْحَقَهُ فِي (كُفْرٍ) ، لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ، فَلَا يَتَأَثَّرُ بِدَعْوَى الْكَافِرِ، وَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ، وَفِيهِ إضْرَارٌ بِاللَّقِيطِ وَلَا حَقَّ لِلْكَافِرِ فِي حَضَانَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِكَفَالَةِ مُسْلِمٍ، وَلَا تُؤْمَنُ فِتْنَتُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ وَطِىءَ) اثْنَانِ (مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ) امْرَأَةً (كَافِرَةً) بِشُبْهَةٍ، وَادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، (وَأَلْحَقَتْهُ) الْقَافَةُ (بِالْكَافِرِ) ؛ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ فِي النَّسَبِ، وَلَا يَتْبَعُهُ فِي الدِّينِ؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 وَلَا يُسَلَّمُ اللَّقِيطُ إلَى مُسْتَلْحَقِهِ الْكَافِرِ، (إلَّا أَنْ يُقِيمَ) مُسْتَلْحَقُهُ (بَيِّنَةً) تَشْهَدُ (أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) ، فَيَلْحَقُهُ دِينًا؛ لِثُبُوتِ أَنَّهُ وَلَدُ ذِمِّيَّيْنِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَقِيطًا، بِشَرْطِ اسْتِمْرَارِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْحَيَاةِ وَالْكُفْرِ إلَى بُلُوغِهِ عَاقِلًا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ بُلُوغِهِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ. [تَنْبِيهٌ الْمَجْنُونُ إذَا أَقَرَّ إنْسَانٌ أَنَّهُ وَلَدُهُ] تَنْبِيهٌ وَالْمَجْنُونُ كَالطِّفْلِ، إذَا أَقَرَّ إنْسَانٌ أَنَّهُ وَلَدُهُ؛ لَحِقَ بِهِ، إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، وَكَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَجْنُونِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَهُوَ كَالطِّفْلِ. وَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ لِحَاقُهُ بِالِاسْتِلْحَاقِ، لَوْ بَلَغَ أَوْ عَقَلَ وَأَنْكَرَ؛ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ؛ لِنُفُوذِ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ أَوْ جُنُونِهِ لِمُسْتَنَدٍ صَحِيحٍ، أَشْبَهَ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ. (وَإِنْ ادَّعَاهُ) - أَيْ: نَسَبَ اللَّقِيطِ - (جَمْعٌ) ، اثْنَانِ فَأَكْثَرُ؛ سُمِعَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَوْ انْفَرَدَ صَحَّتْ دَعْوَاهُ فَإِذَا تَنَازَعُوا تَسَاوَوْا فِي الدَّعْوَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ. فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ بَيِّنَةٌ؛ (قُدِّمَ ذُو الْبَيِّنَةِ) بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ الْحَقَّ، وَتُبَيِّنُهُ. وَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ الْمُدَّعَى نَسَبُهُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ؛ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ خَارِجٍ، كَالْمَالِ. وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ امْرَأَةٍ، وَادَّعَتْ نَسَبَهُ، وَأَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةً؛ قُدِّمَتْ عَلَى امْرَأَةٍ ادَّعَتْهُ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَامَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى إظْهَارِ الْحَقِّ. (فَإِنْ تَسَاوَوْا فِيهَا) - أَيْ: الْبَيِّنَةِ بِأَنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمْ بَيِّنَةً، وَالطِّفْلُ بِأَيْدِيهِمْ، أَوْ لَيْسَ بِيَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، (أَوْ) تَسَاوَوْا (فِي عَدَمِهَا) ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ؛ (عَرَضَ) اللَّقِيطُ (مَعَ مُدَّعٍ) مَوْجُودٍ (أَوْ) مَعَ (أَقَارِبِهِ) - أَيْ: الْمُدَّعِي - كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَخِيهِ وَابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ. (إنْ) كَانَ (مَاتَ) الْمُدَّعِي، (عَلَى الْقَافَةِ) - بِالتَّخْفِيفِ - جَمَعَ قَائِفٌ. وَيَأْتِي مَعْنَاهُ. وَكَانَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَائِفًا، وَكَذَا شُرَيْحٌ. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ. (فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ) الْقَافَةُ (بِوَاحِدٍ) ؛ لَحِقَ بِهِ؛ لِحَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 يَوْمٍ، وَهُوَ مَسْرُورٌ تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَيْ عَائِشَةُ، أَلَم تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا، وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» وَفِي لَفْظٍ: «دَخَلَ قَائِفٌ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاهِدٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْجَبَهُ، وَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. فَلَوْلَا جَوَازُ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْقَافَةِ؛ لَمَا سُرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ قَضَى بِهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ: اُنْظُرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ حَمْشَ السَّاقَيْنِ، كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا. وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا، جَمَالِيًّا، سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ، فَأَتَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» ، فَحَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَشْبَهَ مِنْهُمَا " وَقَوْلُهُ: لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ؛ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْعَمَلِ بِالشَّبَهِ إلَّا الْأَيْمَانُ، فَإِذَا انْتَفَى الْمَانِعُ؛ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ. وَقَوْلُهُ حَمْشَ السَّاقَيْنِ - أَيْ: دَقِيقَهُمَا - وَالْجَعْدُ لَئِيمُ الْحَسَبِ، وَخَدَلَّجُ السَّاقَيْنِ مُمْتَلِئُهُمَا، وَكَذَلِكَ «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ، حِينَ رَأَى بِهِ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ» . فَعَمِلَ بِالشَّبَهِ فِي حَجْبِ سَوْدَةَ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْحَدِيثَانِ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ، إذْ لَمْ يَحْكُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشَّبَهِ فِيهِمَا، بَلْ أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِزَمْعَةَ، وَقَالَ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَلَمْ يَعْمَلْ شَبَهُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا لِشَبَهِهِ بِالْمَقْذُوفِ، قُلْنَا: إنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ فِي أَمَةِ ابْنِ زَمْعَةَ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ أَقْوَى، وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ لِمُعَارَضَةِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا؛ لَا يُوجِبُ الْإِعْرَاضَ عَنْهَا، إذَا خَلَتْ عَنْ الْمَعَارِضِ، وَلِذَلِكَ تَرَكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ أَيْمَانِهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» . عَلَى أَنَّ ضَعْفَ الشَّبَهِ عَنْ إقَامَةِ الْحَدِّ، لَا يُوجِبُ ضَعْفَهُ عَنْ إلْحَاقِ النَّسَبِ، فَإِنَّ الْحَدَّ فِي الزِّنَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَقْوَى الْبَيِّنَتَيْنِ، وَأَكْثَرِهَا عَدَدًا وَأَقْوَى الْإِقْرَارِ، حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهِ تَكْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَيُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ، وَيَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَيَثْبُتُ مَعَ ظُهُورِ انْتِفَائِهِ، حَتَّى لَوْ أَنْ امْرَأَةً أَتَتْ بِوَلَدِ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ عَنْهَا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً؛ لَحِقَهُ وَلَدُهَا، فَكَيْفَ يَحْتَجُّ عَلَى نَفْيِهِ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ. وَلِأَنَّهُ حَكَمَ بِظَنٍّ غَالِبٍ وَرَأْيٍ رَاجِحٍ، مِمَّنْ هُوَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ؛ فَجَازَ؛ كَقَوْلِ الْمُقَوِّمِينَ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَاهُنَا إذَا عَمِلْتُمْ بِالْقِيَافَةِ فَقَدْ نَفَيْتُمْ النَّسَبَ عَمَّنْ تَلْحَقُهُ الْقَافَةُ بِهِ؛ قُلْنَا: إنَّمَا انْتَفَى النَّسَبُ هَاهُنَا لِعَدَمِ دَلِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مُجَرَّدَ الدَّعْوَى، وَقَدْ عَارَضَهَا مِثْلُهَا؛ فَسَقَطَ حُكْمُهَا، فَكَانَ الشَّبَهُ مُرَجِّحًا لِأَحَدِهِمَا، فَانْتَفَتْ دَلَالَةُ الْأُخْرَى، فَلَزِمَ انْتِفَاءُ النَّسَبِ لِانْتِفَاءِ دَلِيلِهِ، وَتَقْدِيمِ اللِّعَانِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ، كَالْيَدِ تُقَدَّمُ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ وَيُعْمَلُ بِهَا انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ " الْمُغْنِي ". (أَوْ) أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ (بِاثْنَيْنِ؛ لَحِقَ) نَسَبُهُ بِهِمَا؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ، فِي امْرَأَةٍ وَطِئَهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ، فَقَالَ الْقَائِفُ: قَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا، فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا، وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: وَعَلِيٌّ يَقُولُ: هُوَ ابْنُهُمَا وَهُمَا أَبَوَاهُ، يَرِثُهُمَا، وَيَرِثَانِهِ. رَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ عَنْ عُمَرَ (فَيَرِثُ) اللَّقِيطُ الْمُلْحَقُ بِأَبَوَيْنِ (كُلًّا مِنْهُمَا) - أَيْ: الْأَبَوَيْنِ - إرْثَ وَلَدٍ كَامِلٍ، فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَهُ وَرِثَ جَمِيعَ مَالِهِمَا. (وَيَرِثَانِهِ إرْثَ أَبٍ) وَاحِدٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ إلْحَاقُ الْقَافَةِ لَقِيطًا بِاثْنَيْنِ مُعْتَبَرًا (فَلَوْ تَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: مَنْ أَلْحَقَتْ الْقَافَةُ الْوَلَدَ بِهِ، (بِنْتَ) الْمُلْحَقِ (الْآخَرِ) الْمَفْرُوضِ فِي مَسْأَلَتِنَا (قِيلَ) - أَيْ: قَالَ الْقَائِلُ - (فِيهِ) ؛ أَيْ: الشَّخْصِ الَّذِي تَزَوَّجَ: قَدْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 (تَزَوَّجَ) هَذَا (أُخْتَ ابْنِهِ) لِأَبِيهِ (نَسَبًا) ؛ أَيْ: فِي النَّسَبِ لَا فِي الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [تَنْبِيهٌ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِاثْنَيْنِ وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ بِنْتٌ وَلِلَّقِيطِ أُمٌّ] تَنْبِيهٌ قَالَ الْخَلْوَتِيُّ: إذَا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِاثْنَيْنِ، وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ بِنْتٌ، وَلِلَّقِيطِ أُمٌّ؛ جَازَ لِوَاحِدٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُمَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ بِنْتَيْ هَذَيْنِ الشَّخْصَيْنِ وَأُمِّ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْآخَرَيْنِ، وَيُعَايَا بِهَا، فَيُقَال: شَخْصٌ تَزَوَّجَ بِأُمِّ شَخْصٍ وَأُخْتَيْهِ مَعًا، وَأُقِرُّ النِّكَاحُ مَعَ إسْلَامِ الْجَمِيعِ. وَفِي ذَلِكَ قُلْتُ مُلْغِزًا: يَا فَقِيهًا حَوَى الْفَضَائِلَ طُرًّا ... وَتَسَامَى عَلَى الْأَنَامِ بِعِلْمِهِ أَفْتِنَا فِي شَخْصٍ تَزَوَّجَ أُخْ ... تَيْنِ لِشَخْصٍ مَعَ الْبِنَاءِ بِأُمِّهِ وَأَجَازُوا عُقُودَهُ دُونَ رَيْبٍ ... أَوْ مَلَامٍ فِي الشَّرْعِ أَرْشِدْ لِفَهْمِهِ. (وَإِنْ وَصَّى) أَيْ: الْمُلْحَقُ بِاثْنَيْنِ؛ قَبِلَا لَهُ الْوَصِيَّةَ (أَوْ وَهَبَ لَهُ؛ قَبِلَا) لَهُ الْهِبَةَ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ أَبٍ وَاحِدٍ. وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الْمُوَضِّحُ: وَهُمَا وَلِيَّانِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَنِكَاحٍ وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ خَلَّفَ) الْمُلْحَقُ بِاثْنَيْنِ (أَحَدَهُمَا فَلَهُ) - أَيْ: الْمُخَلَّفِ مِنْهُمَا - (إرْثُ أَبٍ كَامِلٌ، وَنَسَبُهُ) مَعَ ذَلِكَ (ثَابِتٌ مِنْ الْمَيِّتِ) ، لَا يُزِيلُهُ شَيْءٌ، كَمَا أَنَّ الْجَدَّةَ إذَا انْفَرَدَتْ أَخَذَتْ مَا تَأْخُذُهُ الْجَدَّاتُ وَالزَّوْجَةُ وَحْدَهَا تَأْخُذُ مَا تَأْخُذُهُ الزَّوْجَاتُ. (وَلِأُمِّ أَبَوَيْهِ) ، إذَا مَاتَ وَخَلَّفَهُمَا (مَعَ أُمِّ أُمِّهِ) وَعَاصِبٍ، (نِصْفُ سُدُسٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ جَدَّةِ الْأَبِ (وَلَهَا) ؛ أَيْ: لِأُمِّ أُمِّهِ (نِصْفُهُ) - أَيْ: السُّدُسِ - كَمَا لَوْ كَانَتْ مَعَ أُمِّ أَبٍ وَاحِدٍ. (وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَتْهُ) الْقَافَةُ (بِأَكْثَرَ) مِنْ اثْنَيْنِ؛ فَيَلْحَقُ بِهِمْ وَإِنْ كَثُرُوا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ أُلْحِقَ بِاثْنَيْنِ مَوْجُودٌ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ، فَقِيَاسٌ عَلَيْهِ. وَإِذَا جَازَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 أَنْ يُخَلِّفَ مِنْ اثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يُخَلِّفَ مِنْ أَكْثَرَ. وَلَوْ تَوَقَّفَتْ الْقَافَةُ فِي إلْحَاقِهِ بِأَحَدِ مَنْ ادَّعَاهُ، أَوْ نَفَتْهُ عَنْ الْآخَرِ؛ لَمْ يَلْحَقْ بِاَلَّذِي تَوَقَّفَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لَهُ. وَإِنْ ادَّعَى نَسَبَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أُلْحِقَ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا؛ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُمَا بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ، فَيَكُونُ ابْنُهُمَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمَا، كَالِانْفِرَادِ فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ: هُوَ ابْنِي مِنْ زَوْجَتِي، وَادَّعَتْ زَوْجَتُهُ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْهُ، وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ ابْنُهَا فَهُوَ ابْنُهُ، وَتُرَجَّحُ زَوْجَتُهُ عَلَى الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ زَوْجَهَا أَبُوهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا أُمُّهُ. (وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ) ، وَقَدْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ، ضَاعَ نَسَبُهُ فَإِنْ وُجِدَتْ (وَلَوْ بَعِيدَةً) ؛ ذَهَبُوا إلَيْهَا. (أَوْ نَفَتْهُ) الْقَافَةُ عَمَّنْ ادَّعَيَاهُ أَوْ ادَّعَوْهُ، (أَوْ أَشْكَلَ) أَمْرُهُ عَلَى الْقَافَةِ، فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ؛ ضَاعَ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لِأَحَدِهِمْ، أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُدَّعَ نَسَبُهُ. (أَوْ اخْتَلَفَ) فِيهِ (قَائِفَانِ) ، فَأَلْحَقَهُ أَحَدُهُمَا بِوَاحِدٍ، وَالْآخَرُ بِآخَرَ، (أَوْ) اخْتَلَفَ قَائِفَانِ (اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ) مِنْ الْقَافَةِ فَأَكْثَرَ؛ بِأَنْ قَالَ اثْنَانِ مِنْهُمْ: هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ الْبَاقُونَ: هُوَ ابْنُ عُمَرَ؛ (ضَاعَ نَسَبُهُ) ؛ لِتَعَارُضِ الدَّلِيلِ، وَلَا مُرَجِّحَ لِبَعْضِ مَنْ يَدَّعِيهِ، أَشْبَهَ تَعَارُضَ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَلَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمْ بِذِكْرِ عَلَامَةٍ فِي جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الْغَيْرُ، فَلَا يَحْصُلُ الثِّقَةُ بِذِكْرِهَا. (وَيُؤْخَذُ) بِقَوْلِ قَائِفِينَ (اثْنَيْنِ خَالَفَهُمَا) قَائِفٌ (ثَالِثٌ) ؛ لِكَمَالِ النِّصَابِ إنْ اُعْتُبِرَ التَّعَدُّدُ، وَإِلَّا فَتَعَارُضُ الْقَائِفَيْنِ يَقْتَضِي تَسَاقُطَهُمَا، وَالثَّالِثُ خَلَا عَنْ مُعَارِضٍ فَيُعْمَلُ بِهِ، (كَبَيْطَارَيْنِ) خَالَفَهُمَا بَيْطَارٌ فِي عَيْبٍ، (وَكَطَبِيبَيْنِ) خَالَفَهُمَا طَبِيبٌ (فِي عَيْبٍ) قَالَهُ فِي " الْمُنْتَخَبِ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَوْ رَجَعَا بَعْدَ التَّقْوِيمِ، بِأَنْ قَوَّمَاهُ بِعَشْرَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ ثَمَانِيَةٍ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا بَعْدَ الْحُكْمِ. (وَلَوْ رَجَعَ عَنْ دَعْوَاهُ) النَّسَبَ (مَنْ أَلْحَقَتْهُ قَافَةٌ بِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ (وَمَعَ عَدَمِ إلْحَاقِ) الْقَافَةِ بِهِ (فَرَجَعَ أَحَدُهُمَا) عَنْ دَعْوَاهُ؛ (أُلْحِقَ بِالْآخَرِ) ؛ لِزَوَالِ الْمُعَارِضِ، وَلَا يُضَيَّعُ نَسَبُهُ. (وَيَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ) فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: " أَنَّهُ اسْتَقَافَ الْمُصْطَلَقَيْ وَحَّدَهُ " وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ اسْتَقَافَ ابْنَ كَلْدَةَ وَاسْتَلْحَقَ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ حَكَمٌ، فَقُبِلَ فِيهِ الْوَاحِدُ، كَالْحَاكِمِ. (وَهُوَ كَحَاكِمٍ فَيَكْفِي مُجَرَّدُ خَبَرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ مَا يَقُولُهُ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ. فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ، ثُمَّ أَلْحَقَهُ قَائِفٌ آخَرُ بِآخَرَ؛ كَانَ لَاحِقًا بِالْأَوَّلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ إلْحَاقَهُ جَرَى مَجْرَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، فَلَا يُنْقَضُ بِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ، وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ، ثُمَّ عَادَ فَأَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ. وَإِنْ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَلَدُهُ؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَسَقَطَ قَوْلُ الْقَائِفِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ، فَيَسْقُطُ بِوُجُودِ الْأَصْلِ، كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ. (وَشُرِطَ كَوْنُهُ) - أَيْ: الْقَائِفِ - (ذَكَرًا) ؛ لِأَنَّ الْقِيَافَةَ حُكْمٌ مُسْتَنَدُهَا النَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ، فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الذُّكُورَةُ؛ كَالْقَضَاءِ (عَدْلًا) ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَعُلِمَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ إسْلَامِهِ بِالْأَوْلَى؛ إذْ الْحَاكِمُ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْلِمًا حُرًّا؛ لِأَنَّهُ كَحَاكِمٍ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَالشَّارِحِ، وَالْمُوَفَّقُ، وَذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " عَنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ ": الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ كَحَاكِمٍ، فَتُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لِأَنَّ قَوْلَهُ حُكْمٌ، وَالْحُكْمُ يُعْتَبَرُ لَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ انْتَهَى. (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ. كَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى قَوْلِ صَاحِبِ " الْإِنْصَافِ ": إنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ هُوَ الْمَذْهَبُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ: فَعَلَى الْأَوَّلِ - وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ - يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ، وَعَلَى الثَّانِي - وَهُوَ اشْتِرَاطُهَا - يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ. ثُمَّ لَمَّا أَلَّفَ " التَّنْقِيحَ " جَزَمَ بِأَنَّ الْقَائِفَ كَحَاكِمٍ، فَإِذَنْ تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ وَمُقْتَضَى أَنَّهُ كَحَاكِمٍ وَشَاهِدٍ اعْتِبَارُ الْإِسْلَامِ قَطْعًا (مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ) لِأَنَّهُ أَمْرٌ عِلْمِيٌّ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِعِلْمِهِ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ التَّجْرِبَةِ فِيهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي كَيْفِيَّةِ التَّجْرِبَةِ: هُوَ أَنْ يُتْرَكَ اللَّقِيطُ مَعَ عَشَرَةٍ مِنْ الرِّجَالِ، غَيْرَ مَنْ يَدَّعِيهِ، وَيَرَى إيَّاهُمْ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ سَقَطَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا نَتَبَيَّنُ خَطَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَرَيْنَاهُ إيَّاهُ مَعَ عِشْرِينَ مِنْهُمْ مُدَّعِيهِ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِ لَحِقَ. وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِأَنْ يَرَى صَبِيًّا مَعْرُوفَ النَّسَبِ، مَعَ قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ، فَإِذَا أَلْحَقَهُ بِقَرِيبِهِ عُلِمَتْ إصَابَتُهُ، وَإِنْ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ سَقَطَ قَوْلُهُ. وَهَذِهِ التَّجْرِبَةُ عِنْدَ عَرْضِهِ عَلَى الْقَائِفِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي مَعْرِفَةِ إصَابَتِهِ وَإِنْ لَمْ نُجَرِّبْهُ فِي الْحَالِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْإِصَابَةِ وَصِحَّةِ الْمَعْرِفَةِ فِي مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ؛ جَازَ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَقَدْ رُوِينَا أَنَّ رَجُلًا شَرِيفًا شَكَّ فِي وَلَدٍ لَهُ مِنْ جَارِيَتِهِ، وَأَبَى أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ، فَمَرَّ بِهِ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي الْمَكْتَبِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، فَقَالَ اُدْعُ لِي أَبَاكَ، فَقَالَ الْمُعَلِّمُ: وَمَنْ أَبُو هَذَا؟ قَالَ: فُلَانٌ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّهُ أَبُوهُ؟ قَالَ: هُوَ أَشْبَهُ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ، فَقَامَ الْمُعَلِّمُ مَسْرُورًا إلَى أَبِيهِ، فَأَعْلَمَهُ بِقَوْلِ إيَاسٍ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَسَأَلَ إيَاسًا: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا وَلَدِي؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَهَلْ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ؟ إنَّهُ لَأَشْبَهُ مِنْكَ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ، فَسُرَّ الرَّجُلُ، وَاسْتَلْحَقَ وَلَدَهُ انْتَهَى. (وَكَذَا) - أَيْ: كَاللَّقِيطِ (إنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً) بِلَا زَوْجٍ (بِشُبْهَةٍ) فِي طُهْرٍ، (أَوْ) وَطِئَا (أَمَتَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ زَوْجَةً) لِآخَرَ، (أَوْ سُرِّيَّةً لِآخَرَ) ، هِيَ فِرَاشٌ لِذَلِكَ الْآخَرِ، وَهُوَ أَنْ يَجِدَهَا الْوَاطِئُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَيَظُنُّهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، أَوْ يَدْعُو زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فِي ظُلْمَةٍ، فَتُجِيبُهُ زَوْجَةُ آخَرَ أَوْ أَمَتُهُ، أَوْ يَتَزَوَّجَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَزْوِيجًا فَاسِدًا، أَوْ يَكُونُ نِكَاحُ أَحَدِهِمَا صَحِيحًا وَالْآخَرُ فَاسِدًا، مِثْلُ أَنْ يُطَلِّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَيَنْكِحَهَا آخَرُ فِي عِدَّتِهَا أَوْ يَطَؤُهَا؛ أَوْ يَبِيعُ جَارِيَتَهُ أَوْ يَطَؤُهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، فَإِذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ (وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ) مِنْهُمَا - أَيْ: الْوَاطِئَيْنِ -؛ فَإِنَّهُ يَرَى الْقَافَةُ مَعَهُمَا. قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": سَوَاءٌ ادَّعَيَاهُ، أَوْ جَحَدَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ ثَبَتَ الِافْتِرَاشُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (وَلَمْ يَدَّعِ؛ زَوْجٌ أَنَّهُ) - أَيْ: الْوَلَدَ - (مِنْ وَاطِئٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، (خِلَافًا لَهُ - أَيْ:) لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ، أَوْ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا، فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ وُطِئَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ، أَوْ أُمُّ وَلَدٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنْ الْوَاطِئِ أَرَى الْقَافَةَ مَعَهُمَا. انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ مِنْ اشْتِرَاطِ دَعْوَى الزَّوْجِ، تَبِعَ فِيهِ اخْتِيَارَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ؛ لِانْفِرَادِهِ بِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَكَلَامُهُ فِي " الْإِنْصَافِ " هُنَا مُشْكِلٌ، فَلْيُرَاجِعْهُ بِتَأَمُّلٍ مَنْ شَاءَ. انْتَهَى. وَعِبَارَةُ " الْإِنْصَافِ ": وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ، أَوْ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا، فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ وُطِئَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ بِشُبْهَةٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنْ الْوَاطِئِ أَرَى الْقَافَةَ مَعَهُمَا، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ عِبَارَاتِ مَنْ ذَكَرَ، وَأَمْعَنَ فِيهَا دِقَّةَ الْفِكْرِ، وَحِدَّةَ النَّظَرِ؛ وَجَدَ بَعْضَهَا مُخَالِفًا لِمَا رَقَمَ، وَجَزَمَ بِأَنَّهَا مُجَرَّدُ سَبْقِ قَلَمٍ، فَإِنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ لَمْ يَشْتَرِطْهَا سِوَى أَبِي الْخَطَّابِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ قَبْلَهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، بَلْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ خَلَفَ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِلْحَائِزِينَ بِالتَّقَدُّمِ غَايَةَ الشَّرَفِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 [تَتِمَّةٌ نَفَقَةُ الْمَوْلُودِ الْمُشْتَبَهِ نَسَبُهُ] تَتِمَّةٌ: وَنَفَقَةُ الْمَوْلُودِ الْمُشْتَبَهِ نَسَبُهُ عَلَى الْوَاطِئِ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي إمْكَانِ لُحُوقِهِ بِهِمَا، فَإِذَا لَحِقَ بِأَحَدِهِمَا رَجَعَ مَنْ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ عَلَى الْآخَرِ بِنَفَقَتِهِ؛ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ مَحَلُّ الْوُجُوبِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْقَائِفِ فِي غَيْرِ بُنُوَّةٍ؛ كَأُخُوَّةٍ وَعُمُومَةٍ وَخُؤُولَةٍ، لِحَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ؛ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَعْمَامَهُ» ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْعَصَبَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ شَبَهِ الْمُدَّعَى لِلْمَيِّتِ بِشَبَهِ مُنَاسِبِيهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْعَصَبَاتِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ وُطِئَتْ مُزَوَّجَةٌ أَوْ أَمَةٌ (بِزِنًا) ، وَهِيَ فِرَاشٌ لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، مِنْ الْوَاطِئِ، فَالْوَلَدُ الَّذِي أَتَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ (لِزَوْجٍ، وَ) الَّذِي أَتَتْ بِهِ الْأَمَةُ (لِسَيِّدٍ) ؛ لِقُوَّةِ جَانِبِ كُلٍّ مِنْهَا، بِكَوْنِهَا فِرَاشًا لَهُ. وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ إذَا وَطِئَ اثْنَانِ أَمَةً لَهُمَا، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ، وَأَشْكَلَ أَمْرُهُ (فِي أَمَتِهِمَا) الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَدَّعِهِ أَحَدُهُمَا، (وَلَا قَافَةَ) مَوْجُودَةً يُعْرَضُ عَلَيْهَا، أَوْ وَجَدَ قَافَةَ وَأَشْكَلَ الْأَمْرُ عَلَيْهَا؛ (يَلْحَقُهُمَا) ؛ أَيْ: الْوَلَدُ الْوَاطِئَيْنِ مَعًا، إذْ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْمِلْكِ لَلَحِقَهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ فِرَاشٍ، فَكَذَلِكَ هُنَا؛ إذْ لَا فَرْقَ (وَتَعْتِقُ بِمَوْتِهِمَا) ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِمَا، وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا يَعْتِقُ مِنْهَا قَدْرَ نَصِيبِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 (وَلَيْسَ لِزَوْجٍ) وُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ، وَ (أُلْحِقَ بِهِ) الْوَلَدُ بِإِلْحَاقِ الْقَافَةِ لَهُ، وَهُوَ يَجْحَدُهُ؛ (اللِّعَانُ؛ لِنَفْيِهِ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ قَذْفٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] وَهَذَا لَيْسَ بِقَاذِفٍ؛ فَلَا يَصِحُّ اللِّعَانُ؛ لِعَدَمِ شَرْطِهِ (وَالْقَافَةُ) قَوْمٌ يَعْرِفُونَ الْإِنْسَانَ بِالشَّبَهِ، جَمْعُ قَائِفٍ، وَ (لَا تَخْتَصُّ) الْقَافَةُ (بِقَبِيلَةٍ) مُعَيَّنَةٍ كَبَنِي مُدْلِجٍ، (بَلْ مَنْ) عُرِفَ عَنْهُ الْمَعْرِفَةُ، وَ (جُرِّبَ فِي) هَذَا الشَّأْنِ، وَتَكَرَّرَتْ مِنْهُ (الْإِصَابَةُ؛ فَهُوَ قَائِفٌ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ: يُقَالُ قِفْتُ، وَقَفَوْتُ، وَقَافَ، وَاقْتَافَ أَثَرَهُ، إذَا اتَّبَعَهُ، وَهُوَ أَقْوَفُ النَّاسِ انْتَهَى. [فَرْعٌ لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ ذَكَرًا وَوَلَدَتْ امْرَأَةٌ أُخْرَى أُنْثَى وَاخْتَلَفَا] (فَرْعٌ: لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ ذَكَرًا وَ) وَوَلَدَتْ امْرَأَةٌ (أُخْرَى أُنْثَى، وَاخْتَلَفَا) ؛ بِأَنْ ادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنْ الذَّكَرَ وَلَدُهَا دُونَ الْأُنْثَى؛ (عُرِضَ) الْوَلَدَانِ مَعَ أُمَّيْهِمَا (عَلَى قَافَةٍ، كَرَجُلَيْنِ) فِيمَا تَقَدَّمَ، فَيَلْحَقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ الْقَافَةُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ آخَرُ (لَكِنْ لَا يَلْحَقُ) الْوَلَدُ الْوَاحِدُ (بِأَكْثَرَ مِنْ) امْرَأَةٍ (وَاحِدَةٍ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأُمَّيْنِ، سَقَطَ قَوْلُهُ) ؛ أَيْ: الْقَائِفِ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ. (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَائِفٌ؛ اُعْتُبِرَ بِاللَّبَنِ) خَاصَّةً، (فَلَبَنُ الذَّكَرِ يُخَالِفُ لَبَنَ الْأُنْثَى فِي طَبْعِهِ، وَزِنَتِهِ، فَلَبَنُهُ) - أَيْ: الذَّكَرِ - (أَثْقَلُ مِنْ لَبَنِهَا) - أَيْ: الْأُنْثَى - فَمَنْ كَانَ لَبَنُهَا لَبَنَ الذَّكَرِ؛ فَهُوَ وَلَدُهَا، وَالْبِنْتُ لِلْأُخْرَى. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ كَانَ الْوَلَدَانِ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ، وَادَّعَتَا أَحَدَهُمَا؛ تَعَيَّنَ عَرْضُ الْوَلَدِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ عَلَى الْقَائِفِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ ادَّعَى اثْنَانِ مَوْلُودًا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هُوَ ابْنِي، وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ بِنْتِي؛ نُظِرَ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَلِمُدَّعِيهِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلِمُدَّعِيهَا، سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ سِوَى مَا ادَّعَاهُ. وَإِنْ كَانَ خُنْثَى مُشْكِلٌ؛ عُرِضَ مَعَهُمَا عَلَى الْقَافَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَوْلُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 [كِتَابُ الْوَقْفِ] الْوَقْفُ: مَصْدَرُ وَقَفَ بِمَعْنَى حَبَسَ وَأَحْبَسَ وَسَبَّلَ، قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَوْقَفَهُ لُغَةٌ لِبَنِي تَمِيمٍ. وَهُوَ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْتُ مَالًا بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ قَطُّ مَالًا أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهِ؟ قَالَ: إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ، قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ، وَذَوِي الْقُرْبَى، وَالرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضِّيَافِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا، غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ» وَفِي لَفْظٍ: " غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ، فِي صَدَقَةِ عُمَرَ: «لَيْسَ عَلَى الْوَالِي جُنَاحٌ أَنْ يَأْكُلَ، وَيُؤْكِلَ صَدِيقًا لَهُ، غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ» . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ هُوَ يَلِي صَدَقَةَ عُمَرَ، وَيُهْدِي لِلنَّاسِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ الْمَجْدُ: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى صِنْفٍ مِنْ النَّاسِ، وَوَلَدُهُ مِنْهُمْ؛ دَخَلَ فِيهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ، صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ جَابِرٌ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي تَحْبِيسِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَالْوَقْفُ (تَحْبِيسُ مَالِكٍ) بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ، (مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ) ، وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ، (مَالَهُ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، بِقَطْعِ تَصَرُّفِهِ) - أَيْ: الْمَالِكِ - وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَحْبِيسٍ، عَلَى أَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ؛ أَيْ: إمْسَاكُ الْمَالِ عَنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكَاتِ بِقَطْعِ تَصَرُّفِ مَالِكِهِ (وَغَيْرِهِ فِي رَقَبَتِهِ) بِشَيْءٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، (يُصْرَفُ رِيعُهُ) ؛ أَيْ: غَلَّةُ الْمَالِ وَثَمَرَتُهُ وَنَحْوُهَا، بِسَبَبِ تَحْبِيسِهِ، (إلَى جِهَةِ بِرٍّ) يُعَيِّنُهَا وَاقِفٌ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ؛ أَيْ: إطْلَاقُ فَوَائِدِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ، مِنْ غَلَّةٍ وَثَمَرَةٍ وَغَيْرِهَا؛ لِلْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ، (تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى) ؛ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْقُرْبَةَ. وَهَذَا الْحَدُّ لِصَاحِبِ " الْمُطْلِعِ " وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَالْمُنْتَهَى " وَالْإِقْنَاعِ " وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ وَاسْتَظْهَرَ شَارِحُ الْمُنْتَهَى " أَنَّ قَوْلَهُ: تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ فِي حَدِّ الْوَقْفِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ، لَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقِفُ مِلْكَهُ عَلَى غَيْرِهِ تَوَدُّدًا لَا لِأَجْلِ الْقُرْبَةِ، وَيَكُونُ وَقْفًا لَازِمًا. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقِفُ عَقَارَهُ عَلَى وَلَدِهِ، خَشْيَةً عَلَى بَيْعِهِ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِتْلَافِ ثَمَنِهِ وَاحْتِيَاجِهِ إلَى غَيْرِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطِرَ الْقُرْبَةَ بِبَالِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَدِينُ حَتَّى يَسْتَغْرِقَ الدَّيْنُ مَالَهُ، وَهُوَ مِمَّا يَصِحُّ وَقْفُهُ، فَيَخْشَى أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ، وَيُبَاعُ مَالُهُ فِي الدَّيْنِ، فَيَقِفُهُ؛ لِيُفَوِّتَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ، وَيَكُونَ وَقْفًا لَازِمًا؛ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، لَكِنَّهُ آثِمٌ بِذَلِكَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ عَلَى مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ غَالِبًا إلَّا قُرْبَةً؛ كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ، قَاصِدًا بِذَلِكَ الرِّيَاءَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ، وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَغِ بِهِ وَجْهَ اللَّه - تَعَالَى. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ مِنْ نَحْوِ مُكَاتَبٍ، وَلَا سَفِيهٍ، وَلَا وَقْفُ نَحْوِ الْكَلْبِ وَالْخَمْرِ، وَلَا نَحْوِ الْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ، إلَّا الْمَاءَ، وَيَأْتِي. (فَهُوَ) - أَيْ: الْوَقْفُ - (سُنَّةٌ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] ، وَلِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ. (وَأَرْكَانُهُ) - أَيْ: الْوَقْفِ - (أَرْبَعَةٌ، وَاقِفٌ، وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 يَنْعَقِدُ بِهِ) مِنْ الصِّيَغِ الْقَوْلِيَّةِ أَوْ الْفِعْلِيَّةِ؛ (فَيَصِحُّ) الْوَقْفُ (بِإِشَارَةٍ مِنْ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْقَوْلِ مِنْ النَّاطِقِ (وَ) يَصِحُّ الْوَقْفُ (بِفِعْلٍ مَعَ) شَيْءٍ (دَالٍّ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ - (عُرْفًا) ، كَمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ الْقَوْلُ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ؛ (كَبِنَاءِ هَيْئَةِ مَسْجِدٍ مَعَ إذْنٍ عَامٍّ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ، وَلَوْ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ فِيهِ) أَيْ: فِيمَا بَنَاهُ عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ، بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ نَصَبَهُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ فِيهِ كَالْإِذْنِ الْعَامِّ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ نَوَى خِلَافَهُ. وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ؛ أَيْ: إنَّ نِيَّةَ خِلَافِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ لَا أَثَرَ لَهَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَيْسَ يُعْتَبَرُ لِلْإِذْنِ وُجُودُ صِيغَةٍ، بَلْ يَكْفِي مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ فَتْحِ الْأَبْوَابِ وَالتَّأْذِينِ، أَوْ كِتَابَةِ لَوْحٍ بِالْأَذَانِ أَوْ الْوَقْفِ انْتَهَى (أَوْ) كَانَ مَا بَنَاهُ عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ وَأَذِنَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ (أَسْفَلَ بَيْتِهِ، وَيَنْتَفِعُ بِسَطْحِهِ) - أَيْ: الْبَيْتِ - فَيَصِحُّ (وَلَوْ) كَانَ انْتِفَاعُهُ بِهِ (بِجِمَاعٍ) ؛ فَيُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ. (أَوْ) جَعَلَ (عُلْوَهُ) - أَيْ: الْبَيْتِ - مَسْجِدًا، وَانْتَفَعَ بِعُلْوِهِ وَسُفْلِهِ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِطْرَاقًا إلَى مَا جَعَلَهُ مَسْجِدًا؛ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ، (وَيَسْتَطْرِقُ) إلَيْهِ؛ (كَمَا لَوْ بَاعَ) بَيْتًا مِنْ دَارِهِ، (أَوْ أَجَّرَ بَيْتًا مِنْ دَارِهِ) ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ اسْتِطْرَاقًا؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ، وَيَسْتَطْرِقُ إلَيْهِ عَلَى الْعَادَةِ. (أَوْ) بَنَى بَيْتًا (لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَتَطَهُّرٍ وَيَشْرَعُهُ) ؛ أَيْ: يَفْتَحُ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ، (وَيَمْلَأُ خَابِيَةَ مَاءٍ عَلَى الطَّرِيقِ) ، أَوْ يَنْثُرُ عَلَى النَّاسِ نِثَارًا، فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ كَانَ تَسْبِيلًا وَإِذْنًا فِي الِالْتِقَاطِ، وَأُبِيحَ أَخْذُهُ، وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ، وَاسْتِعْمَالُ مَائِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، مُبَاحٌ بِدَلَالَةِ الْحَالِ. (أَوْ يَجْعَلُ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً، وَيَأْذَنُ) لِلنَّاسِ (إذْنًا عَامًّا بِالدَّفْنِ فِيهَا) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْخَاصَّ قَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ، فَلَا يُفِيدَ دَلَالَةَ الْوَقْفِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (أَوْ يَفْرِشُ نَحْوَ حَصِيرٍ) كَبِسَاطٍ (بِمَسْجِدٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 وَمَدْرَسَةٍ، (وَيَأْذَنُ) لِلنَّاسِ (إذْنًا عَامًّا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ) . وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهُ لِقَيِّمِ الْمَسْجِدِ، وَأَمَرَهُ بِافْتِرَاشِهِ فِيهِ، أَوْ خَاطَهُ بِمَفْرُوشٍ بِجَانِبِهِ؛ فَيَصِحُّ ذَلِكَ، وَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يَحْصُلُ الْوَقْفُ (بِقَوْلٍ) رِوَايَةً وَاحِدَةً. (وَصَرِيحُهُ وَقَفْتُ، وَحَبَسْتُ، وَسَبَّلْتُ) فَمَنْ أَتَى بِكَلِمَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ؛ صَحَّ الْوَقْفُ، لِعَدَمِ احْتِمَالِ غَيْرِهِ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ الْمُنْضَمِّ إلَيْهِ عُرْفُ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَسَبَّلَتْ ثَمَرَتَهَا» . فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي الْوَقْفِ كَلَفْظِ التَّطْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ. وَإِضَافَةُ التَّحْبِيسِ إلَى الْأَصْلِ، وَالتَّسْبِيلِ إلَى الثَّمَرَةِ، لَا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ مُحْبَسَةٌ أَيْضًا عَلَى مَا شَرَطَ صَرْفَهَا إلَيْهِ. فَلَوْ قَالَ مَالِكٌ: أَحْبَسْتُ ثَمَرَةَ نَخْلٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ كَانَ ذَلِكَ وَقْفًا لَازِمًا، بِاتِّفَاقِ مَنْ يَرَى أَنَّ التَّحْبِيسَ صَرِيحٌ فِي الْوَقْفِ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَقَدْ سَبَقَ لَهَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ، هِيَ أَعَمُّ مِنْ الْوَقْفِ، فَلَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ لَهَا إلَّا بِقَيْدٍ يُخْرِجُهَا عَنْ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ. وَلِهَذَا كَانَتْ كَكِنَايَةٍ فِيهِ. وَفِي جَمْعِ الشَّارِعِ بَيْنَ لَفْظَيْ التَّحْبِيسِ وَالتَّسْبِيلِ، تَبْيِينٌ لِحَالَةِ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْوَقْفِ ابْتِدَاءُ تَحْبِيسِهِ، وَدَوَامُ تَسْبِيلِ مَنْفَعَتِهِ؛ وَلِهَذَا حَدَّ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْوَقْفَ بِأَنَّهُ، تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الثَّمَرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ. (وَكِنَايَتُهُ) - أَيْ: الْوَقْفِ - (تَصَدَّقْتُ، وَحَرَّمْتُ، وَأَبَّدْتُ) ؛ لِعَدَمِ خُلُوصِ كُلِّ لَفْظٍ مِنْهَا عَنْ الِاشْتِرَاكِ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي الزَّكَاةِ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَالتَّحْرِيمَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ، وَالتَّأْبِيدَ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يُرَادُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 تَأْبِيدُهُ مِنْ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بِهَا مُجَرَّدَةً عَمَّا يَصْرِفُهَا إلَيْهِ كَكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا عُرْفٌ لُغَوِيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ. (إلَّا بِنِيَّةٍ) لِلْوَقْفِ، فَمَنْ أَتَى بِكِنَايَةٍ وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ نَوَى بِهَا الْوَقْفَ؛ لَزِمَهُ حُكْمًا؛ لِأَنَّهَا بِالنِّيَّةِ صَارَتْ ظَاهِرَةً فِيهِ وَإِنْ قَالَ مَا أَرَدْتُ بِهَا الْوَقْفَ؛ قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرَهُ. (أَوْ قَرَنَهَا) - أَيْ: الْكِنَايَةَ فِي اللَّفْظِ - (بِإِحْدَى الْأَلْفَاظِ الْخَمْسَةِ) ، وَهِيَ الصَّرَائِحُ الثَّلَاثُ، وَالْكِنَايَاتُ؛ كَقَوْلِهِ: (تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً، أَوْ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً (مُحَبَّسَةً، أَوْ) تَصَدَّقَتْ صَدَقَةً (مُسَبَّلَةً، أَوْ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً (مُحَرَّمَةً، أَوْ) يَقُولُ: (حَرَّمْتُ كَذَا تَحْرِيمًا مَوْقُوفًا، إلَى آخِرِهِ) ، كَقَوْلِهِ: حَرَّمْتُهُ تَحْرِيمًا مُحَبَّسًا، أَوْ تَحْرِيمًا مُسَبَّلًا، أَوْ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا. (أَوْ قَرَنَهَا) - أَيْ: الْكِنَايَةَ - (بِحُكْمِ الْوَقْفِ) ؛ كَقَوْلِهِ: تَصَدَّقْتُ بِهِ (صَدَقَةً لَا تُبَاعُ، أَوْ) صَدَقَةً (لَا تُوهَبُ، أَوْ) صَدَقَةً (لَا تُورَثُ، أَوْ تَصَدَّقْتُ) بِدَارِي (عَلَى قَبِيلَةِ) كَذَا، (أَوْ) عَلَى (طَائِفَةِ كَذَا، أَوْ) عَلَى (مَسْجِدِ كَذَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ، فَانْتَفَتْ الشَّرِكَةُ، (أَوْ) قَرَنَ الْكِنَايَةَ بِحُكْمِ الْوَقْفِ؛ كَأَنْ يَقُولَ: تَصَدَّقْتُ بِأَرْضِي (عَلَى زَيْدٍ وَالنَّظَرُ لِي) أَيَّامَ حَيَاتِي، أَوْ النَّظَرُ لِفُلَانٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِفُلَانٍ. (أَوْ) تَصَدَّقْتُ بِهِ (عَلَيْهِ) - أَيْ: زَيْدٍ - ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ (عَلَى وَلَدِهِ) ، وَعَلَى عَمْرٍو. (فَلَوْ قَالَ) رَبُّ دَارٍ: (تَصَدَّقْتُ بِدَارِي عَلَى زَيْدٍ، ثُمَّ قَالَ) الْمُتَصَدِّقُ: (أَرَدْتُ الْوَقْفَ، وَأَنْكَرَ زَيْدٌ) ، وَقَالَ: إنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ، فَلِيَ التَّصَرُّفُ فِي رَقَبَتِهَا بِمَا أُرِيدُ؛ قُبِلَ قَوْلُ زَيْدٍ، وَ (لَمْ يَكُنْ وَقْفًا) ؛ لِمُخَالَفَةِ قَوْلِ الْمُتَصَدِّقِ لِلظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا يَدَّعِي مَا اللَّفْظُ صَرِيحٌ فِيهِ، وَالْوَاقِفُ يَدَّعِي مَا هُوَ كِنَايَةٌ فِيهِ، فَقُدِّمَتْ دَعْوَى زَيْدٍ. لَكِنْ إنْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدْ نَوَى الْوَقْفَ؛ كَانَ وَقْفًا بَاطِنًا، وَحَصَلَ لَهُ ثَوَابُ الْوَقْفِ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ تَصَدَّقْتُ وَغَيْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْكِنَايَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ صَرِيحَةً. فَلَوْ قَالَ: حُرِّمَتْ هَذِهِ الدَّارَ عَلَى زَيْدٍ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 وَقَالَ: أَرَدْتُ الْوَقْفَ، وَأَنْكَرَ زَيْدٌ؛ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى إنْكَارِهِ، وَتَكُونُ وَقْفًا. (وَعِنْدَ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (لَوْ قَالَ) إنْسَانٌ: قَرْيَتِي الَّتِي فِي الثَّغْرِ لِمَوَالِي الَّذِينَ بِهِ وَلِأَوْلَادِهِمْ؛ صَحَّ وَقْفًا. وَنَقَلَهُ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ عَنْ أَحْمَدَ. وَإِذَا قَالَ وَاحِدٌ: (جَعَلْتُ هَذَا الْمَكَانِ مَسْجِدًا) ، أَوْ وَقْفًا، صَارَ مَسْجِدًا أَوْ وَقْفًا بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَكْمُلْ عِبَارَتُهُ. (أَوْ قَالَ) كُلُّ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ: (جَعَلْتُ مِلْكِي لِلْمَسْجِدِ) ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ (صَحَّ) ، وَصَارَ بِذَلِكَ وَقْفًا لِلْمَسْجِدِ. قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَقْفَ يَحْصُلُ بِكُلِّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ. وَوَقْفُ الْهَازِلِ وَوَقْفُ التَّلْجِئَةِ، إنْ غَلَبَ عَلَى الْوَقْفِ جِهَةُ التَّحْرِيرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْفَسْخَ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، كَالْعِتْقِ وَالْإِتْلَافِ. وَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ شِبْهُ التَّمْلِيكِ؛ فَيُشْبِهُ الْهِبَةَ وَالتَّمْلِيكَ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْ الْهَازِلِ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ". قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيُتَوَجَّهُ مِنْهُ الِاكْتِفَاءُ بِلَفْظٍ يُشْعِرُ بِالْمَقْصُودِ، وَهُوَ أَظْهَرُ عَلَى أَصْلِنَا؛ فَيَصِحُّ جَعَلْتُ هَذَا لِلْمَسْجِدِ وَفِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ انْتَهَى. [فَصْلٌ شُرُوطُ الْوَقْفِ] (فَصْلٌ: وَشُرُوطُهُ) ؛ أَيْ: شُرُوطُ الْوَقْفِ الْمُعْتَبَرَةُ لِصِحَّتِهِ (سِتَّةٌ) : (أَحَدُهَا كَوْنُهُ) - أَيْ: الْوَقْفُ - (مِنْ مَالِكٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ؛ فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ مَجْنُونٍ، كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِمْ الْمَالِيَّةِ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا فِي يَدِهِ فِي الْوَقْفِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ. (أَوْ) كَوْنُ الْوَقْفِ (مِمَّنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) ، كَوَكِيلِهِ، لَا الْوَلِيِّ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِيهِ (الثَّانِي كَوْنُهُ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ - (عَيْنًا) فَ (لَا) يَصِحُّ وَقْفُ (مَا فِي الذِّمَّةِ) ، كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ دَارًا أَوْ عَبْدًا، وَلَوْ مَوْصُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ (مَعْلُومَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 يَصِحُّ بَيْعُهَا) ، بِخِلَافِ نَحْوِ أُمِّ الْوَلَدِ، (وَأَنْ) تَكُونَ الْعَيْنُ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي (يُنْتَفَعُ بِهَا) ، انْتِفَاعًا (عُرْفًا) ، وَأَنْ يَكُونَ النَّفْعُ مُبَاحًا بِلَا ضَرُورَةٍ، مَقْصُودًا، مُتَقَوِّمًا، (كَإِجَارَةٍ) ، وَاسْتِغْلَالِ ثَمَرَةٍ، وَنَحْوِهِ (مَعَ بَقَائِهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ؛ لِيَكُونَ صَدَقَةً جَارِيَةً، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِيمَا لَا تَبْقَى عَيْنُهُ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: كَإِجَارَةٍ، إلَى أَنَّ الْمُنْتَفَعَ بِهِ تَارَةً يُرَادُ مِنْهُ مَا لَيْسَ عَيْنًا؛ كَسُكْنَى الدَّارِ، وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ، وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ، وَتَارَةً يُرَادُ مِنْهُ حُصُولُ عَيْنٍ، كَالثَّمَرِ مِنْ الشَّجَرِ، وَالصُّوفِ، وَالْوَبَرِ، وَالْأَلْبَانِ، وَالْبَيْضِ مِنْ الْحَيَوَانِ. (وَلَوْ) صَادَفَ الْوَقْفُ جُزْءًا (مُشَاعًا مِنْهَا) ؛ أَيْ: مِنْ الْعَيْنِ الْمُتَّصِفَةِ بِمَا تَقَدَّمَ، كَنِصْفٍ أَوْ سَهْمٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْمِائَةُ سَهْمٍ الَّتِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَعْجَبَ إلَيَّ مِنْهَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: احْبِسْ أَصْلَهَا، وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ: كَذَا سَهْمًا مِنْ كَذَا سَهْمًا. قَالَهُ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ عَلَى بَعْضِ الْجُمْلَةِ مُفْرَزًا، فَجَازَ عَلَيْهِ مُشَاعًا، كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ، وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ يَحْصُلُ فِي الْمُشَاعِ كَحُصُولِهِ فِي الْمَفْرُوزِ. وَلَا نُسَلِّمُ اعْتِبَارَ الْبَعْضِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَهُوَ يَصِحُّ فِي الْوَقْفِ؛ كَمَا يَصِحُّ فِي الْبَيْعِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُشَاعَ لَوْ وَقَفَهُ مَسْجِدًا؛ (يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ) فِي الْحَالِ، (فَيُمْنَعُ مِنْهُ نَحْوُ جُنُبٍ) ، كَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ. (وَتَتَعَيَّنُ الْقِسْمَةُ) هُنَا؛ (لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا لِلِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ) . انْتَهَى وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ (أَوْ) كَوْنُهُ (مَنْقُولًا كَحَيَوَانٍ) ؛ أَيْ: كَمَا لَوْ وَقَفَ فَرَسًا عَلَى الْغُزَاةِ، أَوْ عَبْدًا لِخِدْمَةِ الْمَرْضَى (وَأَثَاثٍ) يُفْرَشُ فِي مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ. (وَسِلَاحٍ) ؛ كَسَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ أَوْ قَوْسٍ، عَلَى الْغُزَاةِ. أَمَّا الْحَيَوَانُ؛ فَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 اللَّهِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرَوْثَهُ فِي مِيزَانِهِ حَسَنَاتٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا الْأَثَاثُ وَالسِّلَاحُ؛ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ حَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: " وَأَعْتُدَهُ ". قَالَ الْخَطَّابِيِّ: الْأَعْتَادُ مَا يُعِدُّهُ الرَّجُلُ مِنْ رَكُوبٍ وَسِلَاحٍ وَآلَةِ الْجِهَادِ. وَقَالَ فِي " النِّهَايَةِ: " الْأَعْتُدُ جَمْعُ قِلَّةٍ لِلْعَتَادِ، وَهُوَ مَا أَعَدَّهُ الرَّجُلُ مِنْ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ وَآلَةِ الْحَرْبِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَعْتِدَةٍ أَيْضًا. وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: " أَعْبُدُ " بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، جَمْعُ عَبْدٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مَقِيسٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا مَقْصُودًا، فَجَازَ وَقْفُهُ؛ كَوَقْفِ السِّلَاحِ. (أَوْ) صَادَفَ الْوَقْفُ (دَارًا لَمْ يَذْكُرْ) الْوَاقِفُ (حُدُودَهَا) ؛ فَيَصِحُّ (إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً) . قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَقَارًا مَشْهُورًا لَمْ يَشْتَرِطْ حُدُودَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": نَقَلَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ وَقَفَ دَارًا، وَلَمْ يَحُدَّهَا، قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَحُدَّهَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً انْتَهَى. (وَكَذَا) يَصِحُّ وَقْفُ (حُلِيٍّ عَلَى لُبْسٍ وَعَارِيَّةٍ) ؛ لِمَا رَوَى نَافِعٌ: أَنَّ حَفْصَةَ ابْتَاعَتْ حُلِيًّا بِعِشْرِينَ أَلْفًا حَبَسَتْهُ عَلَى نِسَاءِ آلِ الْخَطَّابِ، فَكَانَتْ لَا تُخْرِجُ زَكَاتَهُ. رَوَاهُ الْخَلَّالُ. (فَلَا يَصِحُّ إنْ أَطْلَقَ) وَاقِفٌ وَقْفَ الْحُلِيِّ، فَلَمْ يُعَيِّنْهُ لِلُبْسٍ أَوْ عَارِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهِ. وَ (لَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (مُبْهَمًا) غَيْرَ مُعَيَّنٍ؛ (كَ) وَقَفْتُ (أَحَدَ هَذَيْنِ) الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ نَقْلُ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ، فَلَمْ تَصِحَّ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْهِبَةِ. فَإِنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ مَجْهُولًا؛ مِثْلُ أَنْ يَقِفَ دَارًا لَمْ يَرَهَا، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: مَنْعُ هَذَا بَعِيدٌ. وَكَذَلِكَ هِبَةٌ (أَوْ) وَقْفُ (مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، كَأُمِّ وَلَدٍ) ؛ فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا أَيْضًا. فَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهَا؛ كَعَلَى زَيْدٍ، عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 أَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا، عَلَى أَنْ يَكُونَ الرُّبْعُ لِأُمِّ وَلَدِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، صَحَّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ لِأُمِّ وَلَدِهِ كَاسْتِثْنَائِهَا لِنَفْسِهِ. (وَ) لَا يَصِحُّ أَيْضًا وَقْفُ (كَلْبٍ) وَخِنْزِيرٍ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ، وَكَذَا جَوَارِحُ الطَّيْرِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَلَا وَقْفُ مَنْفَعَةٍ يَمْلِكُهَا؛ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ مُوصَى لَهُ بِهَا، وَمَنْفَعَةِ أُمِّ وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَمَنْفَعَةِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقِفَ الْحُرُّ نَفْسَهُ، وَإِنْ صَحَّتْ إجَارَتُهُ، وَلَا أَنْ يَقِفَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ. (وَ) لَا يَصِحُّ وَقْفُ (نَحْوِ أَرْضِ مِصْرَ) ؛ كَأَرْضِ الشَّام وَالْعِرَاقِ، (وَ) لَا وَقْفُ (مَرْهُونٍ بِلَا إذْنِ) رَاهِنٍ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَصَرُّفٌ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فِيمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. (وَيَتَّجِهُ فَلَوْ وَقَفَ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ (نَحْوَ أَرْضِ مِصْرَ) ؛ كَأَرْضِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَكُلِّ مَا فُتِحَ عَنْوَةً، وَوَقَفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (عَلَى نَحْوِ مَدَارِسَ) ؛ كَمَسَاجِدَ وَخَوَانِكَ وَغَيْرِهَا، (إنَّمَا هِيَ) - أَيْ: الْأَرْضُ - (إرْصَادٌ) - أَيْ: اعْتِدَادٌ - وَإِرْصَادُ الْأَرْضِ اعْتِدَادُهَا، فَكَأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِصَرْفِ نَمَائِهَا عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا. (وَإِفْرَازٌ) ، يُقَالُ: أَفْرَزَ الشَّيْءَ إذَا عَزَلَهُ وَمَيَّزَهُ، وَبَابُهُ ضَرَبَ، فَكَأَنَّهُ أَفْرَزَهَا عَنْ مِلْكِهِ (وَوَقَفَهَا) - أَيْ: الْأَرْضَ - (مَسَاجِدَ؛ يَكْتَفِي فِي) ثُبُوتِ وَقْفِهِ لَهَا بِنَاءَ (الْمَسْجِدِيَّةِ بِالصُّورَةِ) أَيْ: صُورَةِ الْمَسْجِدِ - كَبِنَاءِ مِحْرَابٍ أَوْ مِنْبَرٍ، (وَ) يَكْتَفِي بِذَلِكَ أَيْضًا (بِالِاسْمِيَّةِ) ؛ أَيْ: بِتَسْمِيَتِهِ مَسْجِدًا، (فَإِذَا زَالَتْ) تِلْكَ الصُّورَةُ بِانْهِدَامِهَا، وَتَعَطُّلِ مَنَافِعِهَا؛ (عَادَتْ الْأَرْضُ إلَى حُكْمِهَا) الْأَصْلِيِّ، (مِنْ جَوَازِ لُبْثِ جُنُبٍ) فِيهَا، (وَعَدَمِ صِحَّةِ اعْتِكَافٍ) ؛ لِزَوَالِ حُكْمِ الْمَسْجِدِيَّةِ عَنْهَا، وَعَوْدِهَا إلَى الْحُكْمِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ إذْ هِيَ وَقْفٌ وَقَفَهَا الْإِمَامُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَقْسِمْهَا بَيْنَهُمْ، كَمَا وَصَلَ إلَيْنَا ذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 وَالْوَقْفُ لَا يُوقَفُ، فَلِذَلِكَ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَقْفَهَا مُجَرَّدَ إرْصَادٍ وَإِفْرَازٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَا (لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ) دَائِمًا (غَيْرَ مَاءٍ) ؛ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ. قَالَ فِي " الْفَائِقِ. ": وَيَجُوزُ وَقْفُ الْمَاءِ. نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَفِي الْجَامِعِ ": يَصِحُّ وَقْفُ الْمَاءِ قَالَ الْفَضْلُ: سَأَلْتُهُ عَنْ وَقْفِ الْمَاءِ فَقَالَ: إنْ كَانَ شَيْئًا اسْتَخَارُوهُ بَيْنَهُمْ جَازَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا النَّصُّ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ الْوَقْفِ لِنَفْسِ الْمَاءِ، كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ دِمَشْقَ، يَقِفُ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ أَوْ بَعْضَهَا مِنْ مَاءِ النَّهْرِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إثْبَاتُ الْوَقْفِ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ، فَإِنَّ الْمَاءَ يَتَجَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا. الثَّانِي: ذَهَابُ الْعَيْنِ بِالِانْتِفَاعِ. وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: بَقَاءُ مَادَّةِ الْحُصُولِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرِهِ بِالِانْتِفَاعِ، يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ بَقَاءِ أَصْلِ الْعَيْنِ مَعَ الِانْتِفَاعِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا صِحَّةُ وَقْفِ الْبِئْرِ؛ فَإِنَّ الْوَقْفَ وَارِدٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَاءِ وَالْحَفِيرَةِ، فَالْمَاءُ أَصْلٌ فِي الْوَقْفِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبِئْرِ ثُمَّ لَا أَثَرَ لِذَهَابِ الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ لِتَجَدُّدِ بَدَلِهِ، فَهُنَا كَذَلِكَ: فَيَجُوزُ وَقْفُ الْمَاءِ لِذَلِكَ. انْتَهَى. (كَمَطْعُومٍ وَمَشْمُومٍ يُسْرِعُ فَسَادُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 بِخِلَافِ نَدٍّ وَصَنْدَلٍ وَقَطْعِ كَافُورٍ؛ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ لِشَمِّ مَرِيضٍ وَغَيْرِهِ؛ لِبَقَائِهِ مَعَ الِانْتِفَاعِ، وَقَدْ صَحَّتْ إجَارَتُهُ لِذَلِكَ، فَصَحَّ وَقْفُهُ. وَاسْتَظْهَرَ فِي " الْإِنْصَافِ " أَنَّ هَذَا مِنْ الْمُتَّفَقَ عَلَى صِحَّتِهِ؛ لِوُجُودِ شُرُوطِ الْوَقْفِ فِيهِ. (وَ) لَا يَصِحُّ وَقْفُ (دُهْنٍ عَلَى مَسْجِدٍ) وَلَا وَقْفُ شَمْعٍ كَذَلِكَ، وَلَا وَقْفُ الرَّيْحَانِ لِيَشُمَّهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ فِي تَجْوِيزِ وَقْفِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَوْ تَصَدَّقَ بِدُهْنٍ عَلَى مَسْجِدٍ لِيُوقَدَ فِيهِ؛ جَازَ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْوَقْفِ، وَتَسْمِيَتُهُ وَقْفًا بِمَعْنَى أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ، لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِهَا. لَا تَأْبَاهُ اللُّغَةُ، وَهُوَ جَارٍ فِي الشَّرْعِ. وَقَالَ أَيْضًا: يَصِحُّ وَقْفُ الرِّيحَانِ لِيَشُمَّهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ قَالَ: وَطِيبُ الْكَعْبَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ كِسْوَتِهَا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": فَعَلِمَ أَنَّ التَّطَيُّبَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، لَكِنْ قَدْ تَطُولُ مُدَّةُ التَّطَيُّبِ، وَقَدْ تَقْصُرُ، وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ. انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَ) لَا يَصِحُّ وَقْفُ (أَثْمَانٍ) ، وَلَوْ لِتَحَلٍّ وَوَزْنٍ، (كَقِنْدِيلٍ) عَلَى مَسْجِدٍ، (وَحَلْقَةٍ مِنْ نَقْدٍ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ تُجْعَلُ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ؛ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (عَلَى الْمَسْجِدِ) ؛ كَمَا لَا يَصِحُّ وَقْفُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِيُنْتَفَعَ بِاقْتِرَاضِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا فِي الْإِتْلَافِ لَا يَصِحُّ فِيهِ ذَلِكَ. (فَيُزَكِّيهِ) - أَيْ: النَّقْدَ (رَبُّهُ) ؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ. وَلَمَّا كَانَ وَاقِفُ الْأَثْمَانِ يَصِحُّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ، أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا) إذَا وَقَفَ الْأَثْمَانَ (تَبَعًا) ؛ كَوَقْفِ (فَرَسٍ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى - (بِلِجَامٍ وَسَرْجٍ مُفَضَّضَيْنِ) ، فَيَصِحُّ الْوَقْفُ فِي الْكُلِّ. (فَتُبَاعُ الْفِضَّةُ) ؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، (وَتُصْرَفُ) - أَيْ: ثَمَنُهَا - (فِي وَقْفِ مِثْلِهِ) . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ وَصَّى بِفَرَسٍ وَسَرْجٍ وَلِجَامٍ مُفَضَّضٍ يُوقَفُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: فَهُوَ عَلَى مَا وُقِفَ وَوَصَّى، وَإِنْ بِيعَتْ الْفِضَّةُ مِنْ السَّرْجِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَلَعَلَّهُ يُشْتَرَى بِتِلْكَ الْفِضَّةِ سَرْجٌ وَلِجَامٌ، فَيَكُونُ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ. قِيلَ: فَتُبَاعُ الْفِضَّةُ، وَتُجْعَلُ فِي نَفَقَتِهِ؟ قَالَ: لَا قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": فَأَبَاحَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِفِضَّةِ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ سَرْجًا وَلِجَامًا؛ لِأَنَّهَا صَرْفٌ فِي جِنْسِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْفَرَسَ الْحَبِيسَ إذَا عَطِبَ فَلَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي الْجِهَادِ، جَازَ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ، وَلَمْ يَجُزْ إنْفَاقُهَا عَلَى الْفَرَسِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لَهَا إلَى غَيْرِ جِهَتِهَا. انْتَهَى. وَ (لَا) تُصْرَفُ (فِي نَفَقَتِهِ) - أَيْ: الْفَرَسِ - (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: فَيُبَاعُ ذَلِكَ، وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ. انْتَهَى. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) ؛ أَيْ: مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ، (وَقْفُ دَارٍ بِقَنَادِيلِ نَقْدٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَلَى جِهَةِ بِرٍّ؛ فَإِنَّهَا تُبَاعُ الْقَنَادِيلُ، وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهَا دَارًا أَوْ حَانُوتًا يَكُونُ وَقْفًا، وَتُصْرَفُ غَلَّةُ ذَلِكَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ، مَا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ مُحْتَاجَةً لِعِمَارَةٍ أَوْ إصْلَاحٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْفِ مَا يُصْرَفُ مِنْهُ؛ فَتُبَاعُ، وَيُصْرَفُ ثَمَنُهَا فِي ذَلِكَ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلِجَوَازِ بَيْعِ بَعْضِ الْوَقْفِ لِإِصْلَاحِ بَاقِيهِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، فَهَذَا أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ كَوْنُهُ) أَيْ: الْوَقْفِ - (عَلَى بِرٍّ) ، وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 لِلْخَيْرِ، وَأَصْلُهُ الطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَاشْتِرَاطُ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي الصَّرْفِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ قُرْبَةٌ وَصَدَقَةٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا فِيمَا لِأَجْلِهِ الْوَقْفُ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْمُسْلِمِ الْوَقْفُ عَلَيْهِ؛ لَا يَصِحُّ مِنْ الذِّمِّيِّ، كَالْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ. قَالَ أَحْمَدُ فِي نَصَارَى: وَقَفُوا عَلَى الْبَيْعَةِ، وَمَاتُوا وَلَهُمْ أَبْنَاءٌ نَصَارَى، فَأَسْلَمُوا وَالضِّيَاعُ بِيَدِ النَّصَارَى: فَلَهُمْ أَخْذُهَا، وَلِلْمُسْلِمِينَ عَوْنُهُمْ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ، لَا يُقَالُ: مَا عَقَدَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَتَقَابَضُوهُ، ثُمَّ أَسْلَمُوا وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا؛ لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ صَحِيحًا لَمْ يَزُلْ الْمِلْكُ؛ فَيَبْقَى بِحَالِهِ، كَالْعِتْقِ. وَالْقُرْبَةُ قَدْ تَكُونُ عَلَى الْآدَمِيِّ؛ كَالْفُقَرَاءِ (وَالْمَسَاكِينِ) وَالْغُزَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ، وَقَدْ تَكُونُ عَلَى غَيْرِ آدَمِيٍّ؛ كَالْحَجِّ، وَالْغَزْوِ، وَالسِّقَايَةِ الَّتِي يَتَّخِذُ فِيهَا الشَّرَابَ فِي الْمَوَاسِمِ، وَغَيْرِهَا، وَإِصْلَاحِ الطُّرُقِ (وَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَقَابِرِ) وَالْمَدَارِسِ والْبيمَارِستاناتِ، وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُهَا تَعُودُ عَلَى الْآدَمِيِّ، فَيَتَصَرَّفُ فِي مَصَالِحِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَمِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ (الْأَقَارِبُ) ؛ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْقَرِيبِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بِرٍّ؛ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ الَّذِي شُرِعَ لِأَجْلِهِ. وَيَصِحُّ عَلَى كُلِّ مَا فِيهِ قُرْبَةٌ؛ كَالرُّبُطِ وَالْخَانَاتِ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، (وَكُتُبِ الْعِلْمِ) النَّافِعِ كَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالْعَرَبِيَّةِ؛ (فَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى) تَعْلِيمِ شِعْرٍ (مُبَاحٍ) (وَ) لَا عَلَى (مَكْرُوهٍ) ؛ كَتَعْلِيمِ مَنْطِقٍ؛ لِانْتِفَاءِ الْقُرْبَةِ. (وَ) لَا عَلَى (مَعْصِيَةٍ) ، وَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَعُونَةِ عَلَيْهَا. وَ (يَصِحُّ) الْوَقْفُ (مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ) مُعَيَّنٍ؛ لِمَا رُوِيَ: " أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَتْ عَلَى أَخٍ لَهَا يَهُودِيٍّ "؛ وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلْقُرْبَةِ؛ لِجَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ) كَانَ الذِّمِّيُّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (أَجْنَبِيًّا) مِنْ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ تَجُوزُ صِلَتُهُ. وَفِي " الِانْتِصَارِ ": لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ عَلَى ذِمِّيَّةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 لَزِمَهُ، (كَعَكْسِهِ) ؛ أَيْ: كَمَا يَصِحُّ مِنْ ذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ طَائِفَةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. (وَيَسْتَمِرُّ) الْوَقْفُ لَهُ (إذَا أَسْلَمَ) بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ كَمَعَ عَدَمِ هَذَا الشَّرْطِ. (وَيَلْغُو شَرْطُهُ) ؛ أَيْ: شَرْطُ الْوَاقِفِ اسْتِحْقَاقَهُ، (مَا دَامَ كَذَلِكَ) - أَيْ: ذِمِّيًّا - لِئَلَّا يَخْرُجَ الْوَقْفُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً (وَكَذَا) ؛ أَيْ: مِثْلُ ذَلِكَ، مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ (مَا دَامَ زَيْدٌ غَنِيًّا، أَوْ) عَلَى فُلَانَةَ مَا دَامَتْ (مُتَزَوِّجَةً) . (لَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى كَنَائِسَ) - جَمْعِ كَنِيسَةٍ - مُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَوْ الْكُفَّارِ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ. (أَوْ) عَلَى (بُيُوتِ نَارٍ، أَوْ عَلَى بِيَعٍ) - جَمْعِ بِيعَةٍ - بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى، وَنَحْوِهَا كَدُيُورِ وَصَوَامِعَ رُهْبَانٍ، وَمَصَالِحِهَا كَقَنَادِيلِهَا وَفُرُشِهَا وَوُقُودِهَا وَسَدَنَتِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ. (وَلَوْ) كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَا ذُكِرَ (مِنْ ذِمِّيٍّ) ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْمُسْلِمِ لَا يَصِحُّ مِنْ الذِّمِّيِّ. قَالَ فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ: وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى كُلِّ وَقْفٍ وَقَفَ عَلَى كَنِيسَةٍ، أَوْ بَيْتِ نَارٍ، أَوْ بِيعَةٍ، وَيَجْعَلَهَا عَلَى جِهَةِ قُرُبَاتٍ. انْتَهَى. وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَرَثَةُ وَاقِفِهَا، وَإِلَّا فَلِلْوَرَثَةِ أَخْذُهَا، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى ذِمِّيٍّ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ دِينِهِ؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لِفَقْرِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ، وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ. وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَعْمُرُهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِتَعْظِيمِهَا، (بَلْ) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى الْمَارِّ بِهَا مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) ؛ لِجَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُجْتَازِينَ، وَصَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْقُرْبَةِ وَ (لَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى (ذِمِّيٍّ فَقَطْ) . قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: " إنَّهُ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ خَصَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ، فَوَقَفَ عَلَى الْمَارَّةِ مِنْهُمْ؛ لَمْ يَصِحَّ. (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: بَلْ عَلَى مَنْ يَنْزِلُهَا مِنْ مَارٍّ وَمُجْتَازٍ فَقَطْ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَطْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى (جِنْسِ) - أَيْ: طَائِفَةِ - (الْأَغْنِيَاءِ، أَوْ الْفُسَّاقِ) ، أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، أَوْ الْمَغَانِي، (أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ) ، (وَلَوْ) خَصَّ (الْفُقَرَاءَ) ، مِنْ الْفُسَّاقِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. (وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى كُتُبٍ) - أَيْ: كِتَابَةٍ - (نَحْوِ التَّوْرَاةِ) . كَالْإِنْجِيلِ، أَوْ شَيْءٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مِنْ ذِمِّيٍّ؛ لِوُقُوعِ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَضِبَ لَمَّا رَأَى مَعَ عُمَرَ صَحِيفَةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ، وَقَالَ: أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ ، أَلَمْ آتِ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً؟ ؛ لَوْ كَانَ أَخِي مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إلَّا اتِّبَاعِي» . (وَ) كَذَا (كُتُبُ بِدَعٍ) ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ كُتُبُ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى حَرْبِيٍّ أَوْ عَلَى مُرْتَدٍّ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَجُوزُ إزَالَتُهُ، وَالْوَقْفُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا، وَلِأَنَّ إتْلَافَ أَنْفُسِهِمَا وَالتَّضْيِيقَ عَلَيْهِمَا وَاجِبٌ؛ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِبَقَائِهِمَا وَالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمَا. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ (وَقْفُ سُتُورٍ) - وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَرِيرًا - (لِغَيْرِ الْكَعْبَةِ) ؛ كَوَقْفِهَا عَلَى الْأَضْرِحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ. (وَلَا) يَصِحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ مَالَهُ (عَلَى نَفْسِهِ) . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ فِي " الْفُصُولِ ": هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَقْيَسُ. قَالَ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ ": وَلَا يَصِحُّ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُوَفَّقِ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ "، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ فِي " الْمُبْهِجِ "، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ "، وَغَيْرُهُمْ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ إمَّا لِلرَّقَبَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ هُنَا؛ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ؛ كَبَيْعِهِ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَمَنْ سَنَذْكُرُهُ. فَإِنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى مَنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَوَلَدِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ، (وَيَنْصَرِفُ) الْوَقْفُ (لِمَنْ بَعْدَهُ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ) . فَمَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِ أَوْ الْفُقَرَاءِ؛ صُرِفَ فِي الْحَالِ إلَى أَوْلَادِهِ أَوْ الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ؛ كَعَدَمِهِ، فَيَكُونُ كَمَنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ ابْتِدَاءً، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ نَفْسِهِ؛ فَمِلْكُهُ بِحَالِهِ، وَيُورَثُ عَنْهُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى، وَالْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ. قَالَ فِي " الْمُذَهَّبِ ": وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ "؛ صَحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فِي " النِّهَايَةِ " " وَالْخُلَاصَةِ ": يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: يَجُوزُ عَلَى الْمَنْصُورِ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ. وَصَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " " وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ ". قَالَ فِي " الْفَائِقِ " وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَمَالَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُنَوِّرِ " وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْهِدَايَةِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " وَالْهَادِي " " وَالْفَائِقِ " وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي مُسْوَدَّتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ، وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هِيَ أَصَحُّ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَيْهَا الْعَمَلُ فِي زَمَنِنَا، وَقَبْلَهُ عِنْدَ حُكَّامِنَا مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ، وَتَرْغِيبٌ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ، وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَمَتَى حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ؛ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ ظَاهِرًا. قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى: ": وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الْقَضَاءِ بِالْمَرْجُوحِ مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَى. (وَيَصِحُّ وَقْفُ قِنِّهِ عَلَى خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ) صَانَهَا اللَّهُ تَعَالَى (وَعَلَى حُجْرَتِهِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 أَيْ: النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِإِخْرَاجِ تُرَابِهَا، وَإِشْعَالِ قَنَادِيلَهَا وَإِصْلَاحِهَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ قُرْبَةً فِي الْجُمْلَةِ. وَ (لَا) يَصِحُّ وَقْفُ الْقِنِّ (لِإِشْعَالِهَا وَحْدَهُ، وَتَعْلِيقِ سُتُورِهَا) الْحَرِيرِ، وَكَنْسِ الْحَائِطِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْوَاقِفِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُمَكَّنُ مِنْ تِلْكَ الْقُرْبَةِ، فَلَوْ أَرَادَ الْكَافِرُ أَنْ يَقِفَ مَسْجِدًا مُنِعَ مِنْهُ. (وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى تَنْوِيرِ قَبْرٍ، وَلَا عَلَى تَبْخِيرِهِ، وَلَا عَلَى مَنْ يُقِيمُ عِنْدَهُ أَوْ يَخْدُمُهُ أَوْ يَزُورُهُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ") لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ، لَكِنْ فِي مَنْعِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَزُورُهُ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ سُنَّةٌ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى زِيَارَةٍ فِيهَا سَفَرٌ. (وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ أَيْضًا عَلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ عَلَى الْقَبْرِ وَلَا (وَقْفُ بَيْتٍ فِيهِ قُبُورٌ مَسْجِدًا) ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذَاتِ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد؛ وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ. (وَمَنْ وَقَفَ) شَيْئًا (عَلَى غَيْرِهِ) ؛ كَأَوْلَادِهِ أَوْ مَسْجِدٍ، (وَاسْتَثْنَى غَلَّتَهُ) كُلَّهَا لِنَفْسِهِ، (أَوْ) اسْتَثْنَى (سُكْنَاهُ، أَوْ) اسْتَثْنَى (بَعْضَهَا لَهُ) - أَيْ: الْوَاقِفِ - مُدَّةَ حَيَاتِهِ، أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً؛ صَحَّ. (أَوْ) اسْتَثْنَى غَلَّتَهُ أَوْ بَعْضَهَا (لِوَلَدِهِ) - أَيْ: الْوَاقِفِ - أَوْ غَيْرِهِ، صَحَّ. (أَوْ) اسْتَثْنَى (الْأَكْلَ) مِمَّا وَقَفَهُ، أَوْ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ وَعَلَى عِيَالِهِ، (أَوْ) اسْتَثْنَى (الِانْتِفَاعَ) لِنَفْسِهِ أَوْ لِأَهْلِهِ، وَلَوْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِسُكْنَى مُدَّةِ حَيَاتِهِمْ، (أَوْ) اشْتَرَطَ أَنَّهُ (يُطْعِمُ صَدِيقَهُ) مِنْهُ (مُدَّةَ حَيَاتِهِ، أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً؛ صَحَّ) الْوَقْفُ، وَالشَّرْطُ عَلَى مَا قَالَ، سَوَاءٌ قَدَّرَ مَا يَأْكُلُهُ أَوْ عِيَالَهُ أَوْ صَدِيقَهُ وَنَحْوَهُ، أَوْ أَطْلَقَهُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَشْتَرِطُ فِي الْوَقْفِ أَنِّي أَقِفُ عَلَى نَفْسِي وَأَهْلِي، قَالَ: نَعَمْ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ أَنَّهُ فِي صَدَقَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْكُلَ أَهْلُهُ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ ". وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْلُ عُمَرَ لَمَّا وَقَفَ: لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وُلِّيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا، غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. وَكَانَ الْوَقْفُ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا وَقَفَ وَقْفًا عَامًّا؛ كَالْمَسَاجِدِ، وَالسِّقَايَاتِ وَالرِّبَاطَاتِ، وَالْمَقَابِرِ؛ كَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ هُنَا. (فَلَوْ مَاتَ) مَنْ اسْتَثْنَى نَفْعَ مَا وَقَفَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، (فِي أَثْنَائِهَا) - أَيْ: الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لِنَحْوِ السُّكْنَى - فَالْبَاقِي مِنْهَا (لِوَرَثَتِهِ) ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى سُكْنَاهَا سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ فِيهَا. قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: فَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ إجَارَةِ كُلِّ مَا مَلَكَ مَنْفَعَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهَا الْوَاقِفُ لَهُ. (وَلَهُمْ) - أَيْ: وَرَثَتِهِ - (إجَارَتُهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِهِ) ؛ كَالْمُسْتَثْنَى فِي الْبَيْعِ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ صِحَّةُ إجَارَةِ مَا شُرِطَ سُكْنَاهُ لِنَحْوِ بِنْتِهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ خَطِيبٍ، أَوْ إمَامٍ. قَالَهُ الْبُهُوتِيُّ. (وَيَتَّجِهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ) لِمَنْ مَاتَ، وَقَدْ بَقِيَ لَهُ بَعْضُ الْمُدَّةِ (وَرَثَةٌ فَ) الْبَاقِي مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي مَاتَ عَنْهَا (لِبَيْتِ الْمَالِ) ؛ كَبَاقِي تَرِكَتِهِ، وَ (لَا) يُعْطَى (لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ جَمِيعِ الْمُدَّةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ وَقَفَ) شَيْئًا (عَلَى الْفُقَرَاءِ فَافْتَقَرَ) ؛ شَمَلَهُ الْوَقْفَ، وَ (تَنَاوَلَ) الْوَاقِفُ مِنْهُ؛ لِوُجُودِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ فِيهِ (وَلَوْ وَقَفَ) إنْسَانٌ (مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ بِئْرًا، أَوْ مَدْرَسَةً) لِعُمُومِ (الْفُقَهَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ) ؛ أَيْ: نَوْعٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، (أَوْ) وَقَفَ (رِبَاطًا) أَوْ غَيْرَهُ (لِلصُّوفِيَّةِ) أَوْ نَحْوِهِمْ، (مِمَّا يَعُمُّ؛ فَهُوَ) - أَيْ: الْوَاقِفُ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 (كَغَيْرِهِ) فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالِانْتِفَاعِ بِمَا وَقَفَهُ؛ لِقَوْلِ عُثْمَانَ: «هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ بِهَا مَا يُسْتَعْذَبُ غَيْرُ بِئْرِ رُومَةَ، فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ؟ فَيَجْعَلُ فِيهَا دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ، بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ، فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي، فَجَعَلْتُ فِيهَا دَلْوِي مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ» (وَالصُّوفِيَّةُ: هُمْ الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَاتِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الدُّنْيَا) ، الْمُتَبَتِّلُونَ لِلْعِبَادَةِ وَتَصْفِيَةِ النَّفْسِ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ. (فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ) - أَيْ: الصُّوفِيَّةِ - (جَمَّاعًا لِلْمَالِ، وَلَمْ يَتَخَلَّقْ بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ، وَلَا تَأَدَّبَ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ) غَالِبًا، لَا آدَابَ وَضْعِيَّةٍ؛ إذْ لَا أَثَرَ لِمَا وَضَعُوهُ مِنْ الْآدَابِ الْغَيْرِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الشَّرْعِ، أَوْ كَانَ فَاسِقًا؛ (لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا) مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهِمْ. وَقَالَ: الصُّوفِيُّ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ يُعْتَبَرُ لَهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي دِينِهِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لِغَالِبِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً؛ كَآدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ وَالنَّوْمِ وَالسَّفَرِ وَالصُّحْبَةِ وَالْمُعَامَلَةِ مَعَ الْخَلْقِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آدَابِ الشَّرِيعَةِ، قَوْلًا وَفِعْلًا، (وَلَا يُلْتَفَتُ لِمَا أَحْدَثَهُ) بَعْضُ (الْمُتَصَوِّفَةِ) مِنْ الْآدَابِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا فِي الدِّينِ، (مِنْ الْتِزَامِ شَكْلٍ مَخْصُوصٍ) فِي اللِّبْسَةِ وَنَحْوِهَا؛ (كَلِبَاسِ خِرْقَةٍ مُتَعَارَفَةٍ عِنْدَهُمْ مِنْ يَدِ شَيْخٍ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسْتَحَبُّ فِي الشَّرِيعَةِ؛ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الشَّرْعِ. (بَلْ مَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ) فَهُوَ حَقٌّ يُصَارُ إلَيْهِ، وَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَهُوَ (بَاطِلٌ) لَا يُعَوَّلُ إلَيْهِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى اشْتِرَاطِهِ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَانِعًا بِالْكِفَايَةِ مِنْ الرِّزْقِ، بِحَيْثُ لَا يُمْسِكُ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 الشَّرْطُ (الرَّابِعُ) مِنْ شُرُوطِ الْوَقْفِ (كَوْنُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ) ، مِنْ جِهَةٍ كَمَسْجِدِ كَذَا، أَوْ شَخْصٍ كَزَيْدٍ، (غَيْرَ نَفْسِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، (يَمْلِكُ مِلْكًا ثَابِتًا) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي تَحْبِيسَ الْأَصْلِ تَحْبِيسًا لَا تَجُوزُ إزَالَتُهُ، وَالْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا، وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فِي نَفْعٍ خَاصٍّ لَهُمْ (فَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى مُكَاتَبٍ) ، وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ، وَالْمُكَاتَبُ مِلْكُهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمُكَاتِبِينَ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمْ جِهَةٌ يُرَادُ مَعْنَاهُ صَرَفَهُ عَلَى جِهَةِ الْمُكَاتَبِينَ، فَمَنْ كَانَ مُكَاتَبًا اسْتَحَقَّ قَضَاءَ كِتَابَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. (أَوْ مَجْهُولٍ؛ كَرَجُلٍ) لِصِدْقِهِ بِكُلِّ رَجُلٍ، (وَمَسْجِدٍ) ؛ لِصِدْقِهِ بِكُلِّ مَسْجِدٍ. أَوْ عَلَى (مُبْهَمٍ؛ كَأَحَدِ هَذَيْنِ) الرَّجُلَيْنِ، أَوْ الْمَسْجِدَيْنِ، وَنَحْوِهِمَا؛ لِتَرَدُّدِهِ؛ كَبِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى (مَنْ لَا يَمْلِكُ: كَقِنٍّ وَأُمِّ وَلَدٍ، وَمُدَبَّرٍ، وَمَيِّتٍ، وَجِنٍّ، وَمَلِكٍ) - بِفَتْحِ اللَّامِ - أَحَدِ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا عَلَى بَهِيمَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ، (وَ) لَا عَلَى (حَمْلٍ أَصَالَةً) ؛ كَوَقْفِ دَارِهِ (عَلَى حَمْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ إذَنْ، وَالْحَمْلُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ بِغَيْرِ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمَعْدُومِ؛ كَعَلَى (مَنْ سَيُولَدُ لِي، أَوْ) عَلَى مَنْ سَيُولَدُ (لِفُلَانٍ) ؛ فَلَا يَصِحُّ أَصَالَةً، (بَلْ) يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ، وَعَلَى مَنْ سَيُولَدُ، (تَبَعًا) لِمَنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ؛ كَقَوْلِ وَاقِفٍ: وَقَفْتُ كَذَا (عَلَى أَوْلَادِي وَمَنْ سَيُولَدُ لِي مِنْ فُلَانٍ) ، أَوْ لِفُلَانٍ بِلَا نِزَاعٍ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ وَقَفَ) وَاقِفٌ شَيْئًا (عَلَى شَخْصٍ؛ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَصِحُّ عَلَى مُبْهَمٍ. وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ (عَلَى جِهَةٍ، فَلَا) يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ أَشْخَاصِهَا، (بَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْجِهَةِ فَقَطْ) ، كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ كَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 (عَلَى مَنْ يَقْرَأُ) سُورَةَ كَذَا، أَوْ جُزْءًا مِنْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فِي مَوْضِعِ كَذَا، أَوْ يُطْلِقُ، (أَوْ عَلَى مَنْ يَدْرُسُ) الْحَدِيثَ أَوْ التَّفْسِيرَ أَوْ الْفِقْهَ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْعُلُومِ الْمُبَاحَةِ، فِي مَوْضِعِ كَذَا، أَوْ يُطْلِقُ، (أَوْ عَلَى مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ) الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ كَذَا أَوْ مَدْرَسَةِ كَذَا، (أَوْ) عَلَى مَنْ (يَرْمِي الرَّيْحَانَ عَلَى الْقَبْرِ) الْفُلَانِيِّ، أَوْ عَلَى مُطْلَقِ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ؛ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ. وَإِذَا عَيَّنَ الْوَاقِفُ لِوَقْفِهِ نَاظِرًا؛ فَإِنَّهُ (يُقَرِّرُ) ذَلِكَ (النَّاظِرُ) فِي الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ، (الصَّالِحَ) لِمُبَاشَرَةِ مَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ، وَهُوَ الْمُتَأَهِّلُ (لِذَلِكَ) الْعَمَلِ فَلَوْ أَقَرَّ النَّاظِرُ غَيْرَ صَالِحٍ لِلْقِيَامِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ؛ فَلَا يَنْفُذُ تَقْرِيرُهُ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ (وَ) إنْ قَالَ إنْسَانٌ: وَقَفْتُ كَذَا (عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ، وَفِيهِمْ) - أَيْ: أَوْلَادِ فُلَانٍ (حَمْلٌ) فَيَشْمَلُهُ الْوَقْفُ، كَمَنْ يُخْلَقُ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ تَبَعًا؛ (فَيَسْتَحِقُّ) الْحَمْلُ بِمُجَرَّدِ (وَضْعٍ. وَكُلُّ حَمْلٍ مِنْ أَهْلِ وَقْفٍ) . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": يَتَجَدَّدُ حَقُّ الْحَمْلِ بِوَضْعِهِ (مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُشْتَرٍ لِشَجَرٍ وَأَرْضٍ، مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ) نَصًّا. قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ ": سُئِلَ أَحْمَدُ. عَمَّنْ وَقَفَ نَخْلًا عَلَى وَلَدِ قَوْمٍ، ثُمَّ وُلِدَ مَوْلُودٌ، قَالَ: إنْ كَانَ النَّخْلُ قَدْ أُبِّرَ فَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ مِلْكُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أُبِّرَ؛ فَهُوَ مَعَهُمْ، وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ إذَا بَلَغَ الْحَصَادَ؛ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحَصَادَ؛ فَلَهُ فِيهِ. وَفِي " الْمُغْنِي ": مَا كَانَ مِنْ الزَّرْعِ لَا يَتَّبِعُ الْأَرْضَ فِي الْبَيْعِ فَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُتَجَدِّدِ؛ لِأَنَّهُ كَالثَّمَرِ الْمُؤَبَّرِ، وَمَا يَتْبَعُ، وَهُوَ لَمْ يَظْهَرْ مِمَّا يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ؛ فَيَسْتَحِقُّ فِيهِ الْمُتَجَدِّدَ فِي الثَّمَرِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ، لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ نَحْوِ أَرْضِ مَا فِيهَا مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 زَرْعٍ لَا يُحْصَدُ إلَّا مَرَّةً؛ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ وَقُطْنِيَّاتٍ وَنَحْوِهَا، وَيَبْقَى لِبَائِعٍ إلَى أَوَّلِ وَقْتِهِ بِلَا أُجْرَةٍ، مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ مُشْتَرٍ، وَإِنْ كَانَ يُجَزُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى؛ كَرَطْبَةٍ أَوْ بُقُولٍ، أَوْ تَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُهُ كَقِثَّاءٍ وَبَاذِنْجَانٍ؛ فَأُصُولُهُ لِمُشْتَرٍ، وَجَزَّةٌ ظَاهِرَةٌ وَلُقْطَةٌ أَوْلَى لِبَائِعٍ. انْتَهَى. هَذَا إذَا وُجِدَ حَالَةَ الْوَقْفِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ مَالِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ؛ فَهُوَ لَهُمْ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْحَمْلَ بِوَضْعِهِ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ قَدْرَ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ. (وَكَذَا) ؛ أَيْ: وَكَالْحَمْلِ فِي تَجْدِيدِ الِاسْتِحْقَاقِ، (مَنْ) أَيْ إنْسَانٌ (قَدِمَ إلَى) مَكَانٍ (مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ) كَثَغْرٍ نَزَلَ (فِيهِ) - أَيْ: ذَلِكَ الْمَكَانِ، (أَوْ خَرَجَ مِنْهُ إلَى مِثْلِهِ) ؛ فَيَسْتَحِقُّ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُشْتَرٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، قِيَاسًا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ لِكُلِّ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ؛ فَيَكُونَ لَهُ بِقِسْطِهِ) ، وَقِيَاسُهُ مَنْ نَزَلَ فِي مَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَاقِفَ الْمَدْرَسَةِ وَنَحْوِهَا جَعَلَ رِيعَ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ، كَالْجُعْلِ عَلَى اشْتِغَالِ مَنْ هُوَ فِي الْمَدْرَسَةِ عَامًّا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ مِنْ السَّنَةِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْإِنْسَانُ شَهْرًا فَيَأْخُذَ جَمِيعَ الْوَقْفِ، وَيَحْضُرَ غَيْرُهُ بَاقِيَ السَّنَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَهَذَا يَأْبَاهُ مُقْتَضَى الْوُقُوفِ، وَمَقَاصِدُهَا. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيُّ الدِّينِ: يَسْتَحِقُّ بِحِصَّةٍ مِنْ مُغِلِّهِ، وَمَنْ جَعَلَهُ كَالْوَلَدِ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَلِلْوَرَثَةِ مِنْ الْمُغَلِّ مَا بَاشَرَ مُوَرِّثُهُمْ. انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِصِفَةٍ مَحْضَةٍ؛ مِثْلُ كَوْنِهِ فَقِيهًا أَوْ فَقِيرًا؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَمْلِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ الْوَقْفَ عِوَضًا عَنْ عَمَلٍ، أَوْ كَانَ اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ كُلُّ مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 فِي ذَلِكَ الْعَامِ مِنْهُ، حَتَّى مَنْ مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّرْعُ قَدْ وُجِدَ. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ أَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَشَجَرُ الْحُورِ الْمَوْقُوفِ إنْ أُدْرِكَ أَوْ إنْ قَطَعَهُ فِي حَيَاةِ الْبَطْنِ؛ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ، وَبَقِيَ الْحُورُ فِي الْأَرْضِ مُدَّةً، حَتَّى زَادَ كَانَتْ الزِّيَادَةُ حَادِثَةً مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ الَّتِي لِلْبَطْنِ الثَّانِي، وَمِنْ الْأَصْلِ الَّذِي لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ، فَإِمَّا أَنْ تُقْسَمَ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَتَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْطِيَ الْوَرَثَةُ أُجْرَةَ الْأَرْضِ لِلْبَطْنِ الثَّانِي. وَالْأَوَّلُ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ. وَإِنْ غَرَسَ الْحُورَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، وَلَمْ يُدْرَكْ أَوَانُ قَطْعِهِ، إلَّا بَعْدَ انْتِقَالِهِ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي؛ فَهُوَ لَهُمْ، وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أَصْلَهُ فِي الْبَيْعِ، فَيَتْبَعُهُ فِي انْتِقَالِ الِاسْتِحْقَاقِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثَّمَرِ غَيْرِ الْمُتَشَقِّقِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. الشَّرْطُ (الْخَامِسُ) مِنْ شُرُوطِ الْوَقْفِ، (أَنْ يَقِفَ نَاجِزًا) ، غَيْرَ مُعَلَّقٍ وَلَا مُوَقَّتٍ وَلَا مَشْرُوطٍ بِنَحْوِ خِيَارٍ؛ (فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) - أَيْ: الْوَقْفِ - عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ، سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي ابْتِدَائِهِ؛ كَقَوْلِهِ: إذَا قَدِمَ زَيْدٌ، أَوْ وُلِدَ لِي وَلَدٌ، أَوْ جَاءَ رَمَضَانُ، فَدَارِي وَقْفٌ عَلَى كَذَا، أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ لِانْتِهَائِهِ؛ كَقَوْلِهِ: دَارِي وَقْفٌ عَلَى كَذَا إلَى أَنْ يَحْضُرَ زَيْدٌ، أَوْ يُولَدَ لِي وَلَدٌ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ فِيمَا لَمْ يُبْنَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ؛ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ؛ كَالْهِبَةِ. (إلَّا) إنْ عَلَّقَ وَاقِفٌ الْوَقْفَ (بِمَوْتِهِ) ؛ كَقَوْلِهِ: (هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي) ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَهُوَ) ؛ أَيْ: التَّعْلِيقُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ (تَبَرُّعٌ مَشْرُوطٌ بِهِ) - أَيْ: الْمَوْتِ - فَصَحَّ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: قِفُوا دَارِي عَلَى جِهَةِ كَذَا بَعْدَ مَوْتِي. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ وَصَّى، فَكَانَ فِي وَصِيَّتِهِ: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ، أَنَّ ثَمْغًا صَدَقَةٌ. وَذَكَر بَقِيَّةَ الْخَبَرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا. وَوَقْفُهُ هَذَا كَانَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاشْتُهِرَ فِي الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إجْمَاعًا وَيُفَارِقُ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ، وَهِيَ أَوْسَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْحَيَاةِ؛ بِدَلِيلِ جَوَازِهَا بِالْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَثَمَغُ - بِالْفَتْحِ - مَالٌ بِالْمَدِينَةِ لِعُمَرَ وَقَفَهُ. (وَيَلْزَمُ) الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ (مِنْ حِينِ وَقَفَهُ) ؛ أَيْ: مِنْ حِينِ صُدُورِهِ مِنْهُ؛ إذْ مِنْ أَحْكَامِ الْوَقْفِ لُزُومُهُ فِي الْحَالِ، أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ، أَمْ لَمْ يُخْرِجْهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْقَطِعُ تَصَرُّفٌ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ: إنَّ الْمُدَبَّرَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مِلْكُ السَّاعَةِ، وَهَذَا مَتَى وَقَفَهُ عَلَى قَوْمٍ مَسَاكِينَ فَكَيْف يُحْدِثُ بِهِ شَيْئًا قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْفَرْقُ عَسِرٌ جِدًّا. وَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ نَحْوَ أَمَةٍ؛ فَفِي الْقَوَاعِدِ صَارَتْ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا. انْتَهَى. وَأَمَّا الْكَسْبُ وَنَحْوُهُ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلْوَاقِفِ وَوَرَثَتُهُ إلَى الْمَوْتِ؛ لِقَوْلِ الْمَيْمُونِيِّ: لِلْإِمَامِ، وَالْوُقُوفُ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَقَفَهُ بَعْدَهُ، وَهُوَ مِلْكُ السَّاعَةِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْوَقْفَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَوْتِ يَكُونُ لَازِمًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، (لُزُومًا مُرَاعًى بِالْمَوْتِ) - أَيْ: مَوْتِ الْوَاقِفِ - لِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ، فَمَا دَامَ الْوَاقِفُ حَيًّا يَتَصَرَّفُ فِي نَمَائِهِ وَكَسْبِهِ، وَمَتَى مَاتَ انْتَقَلَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهُ لَهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَيُعْتَبَرُ) الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ (مِنْ ثُلُثِهِ) ؛ أَيْ: ثُلُثِ مَالِ الْوَاقِفِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 لِأَنَّهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ رَدُّ شَيْءٍ مِنْهُ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَاقِفُ مِنْهُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ، وَالزَّائِدُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ وَارِثٍ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ الْوَقْفِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِذَا قَالَ: دَارِي وَقْفٌ عَلَى مَوَالِيَّ بَعْدَ مَوْتِي؛ دَخَلَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَمُدَبَّرُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ مَوَالِيهِ حَقِيقَةً إذَنْ. الشَّرْطُ (السَّادِسُ) : مِنْ شُرُوطِ الْوَقْفِ، (أَنْ لَا يَشْتَرِطَ) الْوَاقِفُ (فِيهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ (مَا) ؛ أَيْ: شَرْطًا - (يُنَافِيهِ) مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ؛ (كَشَرْطِ نَحْوِ بَيْعِهِ) أَوْ هِبَتِهِ (مَتَى شَاءَ) ، (أَوْ) شَرْطِ (خِيَارٍ فِيهِ) ؛ بِأَنْ قَالَ: وَقَفْتُهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، (أَوْ) شَرْطِ (تَوْقِيتِهِ) ؛ كَقَوْلِهِ: هُوَ وَقْفٌ يَوْمًا أَوْ سَنَةً وَنَحْوَهُ، (أَوْ) بِشَرْطِ (تَحْوِيلِهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ - (مِنْ جِهَةٍ لِأُخْرَى) ؛ كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ دَارِي عَلَى جِهَةِ كَذَا، عَلَى أَنْ أُحَوِّلَهَا عَنْهَا أَوْ عَنْ الْوَقْفِيَّةِ؛ بِأَنْ أَرْجِعَ عَنْهَا مَتَى شِئْتُ. فَإِنْ شَرَطَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ بَطَلَ الشَّرْطُ وَالْوَقْفُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ " وَالْفَائِقِ " " وَالرِّعَايَتَيْنِ " " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ". قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِمُنَافَاتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَغْيِيرَ شَرْطِهِ وَمَتَى شَاءَ أَبْطَلَهُ؛ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ. (لَكِنْ إنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ) ؛ بِأَنْ قَالَ: هَذَا وَقْفٌ عَلَى وَلَدِي (سَنَةً وَنَحْوَهَا) كَشَهْرٍ، (ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ؛ صَحَّ) الْوَقْفُ وَالتَّوْقِيتُ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: هَذَا وَقْفٌ عَلَى وَلَدِي مُدَّةَ حَيَاتِي، ثُمَّ هُوَ بَعْدَ مَوْتِي لِلْمَسَاكِينِ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ مُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ. (وَ) إنْ قَالَ: هُوَ وَقْفٌ (عَلَيْهِمْ) - أَيْ: الْمَسَاكِينِ - (ثُمَّ عَلَيْهِ) - أَيْ: وَلَدِهِ (صَحَّ لَهُمْ) - أَيْ: الْمَسَاكِينِ - (دُونَهُ) - أَيْ: دُونَ وَلَدِهِ -؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 لَا انْقِرَاضَ لَهُمْ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": (وَلَا تَأْثِيرَ لِشَرْطِ بَيْعِهِ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ - (إذَا خَرِبَ، وَصَرْفِ ثَمَنِهِ بِمِثْلِهِ) . فَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ، أَوْ شَرَطَهُ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ، فَسَدَ الشَّرْطُ فَقَطْ، وَصَحَّ الْوَقْفُ، كَمَا فِي الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ، وَاسْتَصْوَبَهُ صَاحِبُ " الْإِنْصَافِ ". قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَشَرْطُ بَيْعِهِ إذَا خَرِبَ فَاسِدٌ فِي الْمَنْصُوصِ، نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَعُلِّلَ بِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَمَنْفَعَةٌ لَهُمْ. [فَصْلٌ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ ذِكْرُ الْجِهَةِ الَّتِي يُصْرَفُ الْوَقْفُ إلَيْهَا] (فَصْلٌ) (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الْوَقْفِ (ذِكْرُ الْجِهَةِ) الَّتِي يُصْرَفُ الْوَقْفُ إلَيْهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " - حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قَالَ: وَقَفْتُ كَذَا وَسَكَتَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَصْرِفَهُ؛ فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: " الْوَقْفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ صَحِيحٌ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي " الرَّوْضَةِ ": عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا. وَلَوْ قَالَ إنْسَانٌ: (وَقَفْتُ كَذَا) ، وَسَكَتَ؛ (صَحَّ) الْوَقْفُ، وَصُرِفَ رَيْعُهُ (لِوَرَثَتِهِ) - أَيْ: الْوَاقِفِ - (نَسَبًا) لَا وَلَاءً وَلَا نِكَاحًا، وَيَأْتِي. (وَلَا) يُشْتَرَطُ (لِلُزُومِهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ - (إخْرَاجُهُ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ - (عَنْ يَدِهِ) - أَيْ: الْوَاقِفِ - نَصًّا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْخُلَاصَةِ " قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": هُوَ الْأَشْبَهُ، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَالْمُصَنِّفُ، وَعِنْدَهُمْ فِي الْخِلَافِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ وَالْمُحَرَّرُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِحَدِيثِ عُمَرَ: " رُوِيَ أَنَّ وَقْفَهُ كَانَ بِيَدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ. (فَيَلْزَمُ) الْوَقْفُ (بِمُجَرَّدِهِ؛ كَعِتْقٍ) . وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ، فَلَزِمَ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ؛ كَالْعِتْقِ، وَالْهِبَةُ تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 وَالْوَقْفُ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، فَهُوَ بِالْعِتْقِ أَشْبَهُ، فَإِلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى. وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ إخْرَاجَهُ عَنْ يَدِهِ لَيْسَ شَرْطًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ لَوْ شُرِطَ نَظْرُهُ لِنَفْسِهِ؛ سَلَّمَهُ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ ارْتَجَعَهُ مِنْهُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَلَا) يُشْتَرَطُ (فِيمَا) وُقِفَ (عَلَى) شَخْصٍ (مُعَيَّنٍ قَبُولُهُ) لِلْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالْمِيرَاثَ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْقَبُولُ؛ أَشْبَهَ الْعِتْقَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَخْتَصُّ الْمُعَيَّنَ، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى جَمِيعِهِمْ، إلَّا أَنَّهُ مُرَتَّبٌ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لَا يَبْطُلُ بِرَدِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَا يَقِفُ عَلَى قَبُولِهِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ لِمُعَيَّنٍ. وَإِذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ كَالْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، أَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْقَبُولُ كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ؛ لَمْ يُفْتَقَرْ إلَى الْقَبُولِ مِنْ نَاظِرِهَا وَلَا مِنْ غَيْرِهِ كَنَائِبِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ لَامْتَنَعَ صِحَّةَ الْوَقْفِ عَلَيْهَا. (وَلَا يَبْطُلُ) الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ (بِرَدِّهِ) لِلْوَقْفِ، فَقَبُولُهُ لَهُ وَرَدُّهُ وَعَدَمُهُمَا سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ. (وَيَتَعَيَّنُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ) مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ لَهُ نَصًّا، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْوَاقِفِ لَهَا صَرْفٌ عَمَّا سِوَاهَا. (فَلَوْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلشُّرْبِ؛ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ) وَلَا الْغُسْلُ وَنَحْوُهُ وَكَذَا لَوْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلْوُضُوءِ؛ لَمْ يَجُزْ الشُّرْبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ اتِّبَاعُ تَعْيِينِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا يَصِحُّ) الْوُضُوءُ وَنَحْوُهُ بِهِ؛ (لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاحٍ) ، أَشْبَهَ الْمَاءَ الْمَغْصُوبَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا فِي الْبِلَادِ الْقَلِيلَةِ الْمِيَاهِ، الَّتِي يَجْمَعُونَ مَاءَ الْوُضُوءِ فِي أَحْوَاضِهَا بِالدِّلَاءِ وَالسِّقَايَاتِ، أَوْ يَجُرُّونَ الْمَاءَ إلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى حَسَبِ نَوْبِهِمْ، فَهَذِهِ لَوْ اُسْتُعْمِلَتْ لِلشُّرْبِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، لَضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرُ طَهَارَتِهِمْ، بَلْ رُبَّمَا تَعَطَّلُوا بِالْكُلِّيَّةِ وَكَذَلِكَ الْمَصَانِعُ الصِّغَارُ الَّتِي عَلَى الطُّرُقَاتِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 إنَّمَا بُنِيَتْ لِإِرْوَاءِ ظَمَأِ الْمَارَّةِ، فَلَوْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لَنَفَذَتْ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَتَبْقَى الْمَارَّةُ بَقِيَّةَ السَّنَةِ بِلَا مَاءٍ. وَأَمَّا فِي الْبِلَادِ الْكَثِيرَةِ الْمِيَاهِ، كَدِمَشْقَ الشَّامِ وَأَمْثَالِهَا مِنْ الْبِلَادِ الْكَثِيرَةِ الْمِيَاهِ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِ مَاءِ الْبِرَكِ فِي مَدَارِسِهَا وَمَسَاجِدِهَا الْمُعَدَّةِ لِلْوُضُوءِ فِي الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ لَاحَظَ فِي بِنَائِهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَنَاوَلَ مِنْ الْبِرْكَةِ الْوَاحِدَةِ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ فِي آنٍ وَاحِدٍ، لَا يَنْقُصُ مَاؤُهَا؛ إذْ كُلَّمَا أُخِذَ مِنْهَا شَيْءٌ خَلَفَهُ أَضْعَافُهُ. وَكَذَلِكَ السُّبْلَانُ الَّتِي بُنِيَتْ فِي الْأَزِقَّةِ لِلشُّرْبِ، الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ مَعَ جَرَيَانِهِ إلَيْهَا دَائِمًا، وَالْمَصَانِعُ الْكِبَارُ فِي الصَّحَارِي الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا مَحَارِيبُ؛ يُبَاحُ اسْتِعْمَالُ مَائِهَا شُرْبًا وَوُضُوءًا؛ إذْ وَضْعُ وَاقِفِيهَا عَلَيْهَا الْمَحَارِيبَ قَرِينَةٌ مِنْهُمْ عَلَى إبَاحَةِ اسْتِعْمَالِهَا لِذَلِكَ كُلِّهِ. وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا قَوْلُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ الْآتِي قَرِيبًا: يَجُوزُ تَغْيِيرُ شَرْطِ الْوَاقِفِ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُ. وَنَقَلَ فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا: إنْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلشُّرْبِ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: فَشُرْبُ مَاءٍ مَوْقُوفٍ لِلْوُضُوءِ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ، وَأَوْلَى انْتَهَى. (وَلَا يُرْكَبُ) فَرَسٌ (حَبِيسٌ فِي) حَاجَةٍ (غَيْرِ) تَأْدِيبِهِ وَغَيْرِ (جَمَالٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَرِفْعَتِهِمْ وَغَيْظِ عَدُوِّهِمْ أَوْ فِي عَلَفِهِ) - أَيْ: الْفَرَسِ - (وَسَقْيِهِ، وَلَا يُعَارُ أَوْ يُؤَجَّرُ إلَّا لِنَفْعِهِ) . قَالَهُ الْآجُرِّيُّ، وَسُئِلَ عَنْ التَّعْلِيمِ بِسِهَامِ الْغَزْوِ، فَقَالَ: هُوَ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ. (وَعَنْهُ) - أَيْ: الْإِمَامِ - (يَجُوزُ إخْرَاجُ بُسُطِ مَسْجِدٍ وَحُصُرِهِ لِمُنْتَظِرِ جِنَازَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مِنْهَا. (وَيَجُوزُ صَرْفُ مَوْقُوفٍ عَلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ لِبِنَاءِ مَنَارَتِهِ) وَإِصْلَاحِهَا، وَالْمَذْهَبُ لَا يَجُوزُ. (وَبِنَاءِ مِنْبَرِهِ، وَشِرَاءِ سُلَّمٍ لِلسَّطْحِ، وَبِنَاءِ ظُلَّةٍ) ؛ لِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِهِ وَمَصَالِحِهِ. وَ (لَا) يَجُوزُ صَرْفُ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْمَسْجِدِ (فِي بِنَاءِ مِرْحَاضٍ) ، وَهُوَ بَيْتُ الْخَلَاءِ وَجَمْعُهُ مَرَاحِيضَ؛ لِمُنَافَاتِهِ الْمَسْجِدَ، وَإِنْ ارْتَفَقَ بِهِ أَهْلُهُ. (وَ) لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ أَيْضًا فِي (زَخْرَفَةٍ) بِالذَّهَبِ أَوْ الْأَصْبَاغِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَيْسَ بِبِنَاءٍ، بَلْ لَوْ شُرِطَ لَمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قُرْبَةً، وَلَا دَاخِلًا فِي قِسْمِ الْمُبَاحِ. (وَلَا فِي شِرَاءِ مَجَارِفَ وَمَكَانِسَ وَقَنَادِيلَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبِنَاءٍ، وَلَا سَبَبًا لَهُ، فَانْتَفَى دُخُولُهُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. (قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ مَصَالِحِهِ؛ جَازَ صَرْفُهُ فِي عِمَارَةٍ، وَفِي نَحْوِ مَكَانِسَ) ، كَحُصُرٍ (وَقَنَادِيلَ، وَوَقُودٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ كَزَيْتٍ، وَمَجَارِفَ وَمَسَاحِي، (وَزَوْرَقِ إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَقَيِّمٍ) ؛ لِدُخُولِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَضْعًا أَوْ عُرْفًا. انْتَهَى بِالْمَعْنَى. (وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ: (إذَا وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْحَرَمِ وَعِمَارَتِهِ؛ جَازَ صَرْفُهُ لِقَائِمٍ) بِالْوَظَائِفِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَسْجِدُ، مِنْ (تَنْظِيفٍ وَحِفْظٍ وَفِرَاشٍ وَفَتْحِ بَابٍ وَإِغْلَاقِهِ) ، مِمَّنْ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ. (وَعِنْدَ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ نَصًّا: (يَجُوزُ تَغْيِيرُ شَرْطِ وَاقِفٍ لِمَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُ، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَهَاءَ أَوْ صُوفِيَّةٍ، وَاحْتِيجَ لِلْجِهَادِ صُرِفَ لِلْجُنْدِ) . انْتَهَى. (وَ) وَقْفُ (مُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ) فَقَطْ، كَوَقْفِهِ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، كَعَلَى عَبْدِهِ ثُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ؛ (يُصْرَفُ فِي الْحَالِ لِمَنْ بَعْدَهُ) ، فَيُصْرَفُ لِوَلَدِهِ فِي الْحَالِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَعَدَمِهِ. (وَ) يُصْرَفُ (مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ) كَوَقْفِهِ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَبْدِهِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَ انْقِطَاعِ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، (لِمَنْ بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: بَعْدَمَا هُوَ مُنْقَطِعٌ مِنْهُ، فَيُصْرَفُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ إلَى الْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ صَيْرُورَةَ الْوَقْفِ إلَى الْأَوْسَطِ وَالْآخَرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلِإِحَالَةٍ يُمْكِنُ انْتِظَارُهَا؛ فَوَجَبَ الصَّرْفُ إلَيْهِ لِئَلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 يَفُوتَ غَرَضُ الْوَاقِفِ، وَلِكَيْ لَا تَبْطُلَ فَائِدَةُ الصِّحَّةِ، وَلِأَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَعَدَمِهِ، فَيَكُونُ كَأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْجِهَةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْبَاطِلَةِ، وَلِأَنَّنَا لَمَّا صَحَّحْنَا الْوَقْفَ مَعَ ذِكْرِ مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، فَقَدْ أَلْغَيْنَاهُ، فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ الصَّحِيحُ مَعَ اعْتِبَارِهِ. [فَائِدَةٌ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ] : فَائِدَةٌ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَالًا صَحِيحًا؛ كَأَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُهُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ أَوْ الذِّمِّيِّينَ، أَوْ عَلَى الْكَنِيسَةِ وَنَحْوِهَا؛ بَطَلَ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْمَصْرِفَ الْبَاطِلَ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. (وَ) يُصْرَفُ (مُنْقَطِعُ الْآخِرِ) ؛ كَعَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو ثُمَّ عَبِيدِهِ أَوْ الْكَنِيسَةِ، (بَعْدَ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ) ، إلَى وَرَثَتِهِ حِينَ الِانْقِطَاعِ نَسَبًا عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ وَقْفًا. وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. (وَ) يُصْرَفُ (مَا وَقَفَهُ وَسَكَتَ) كَمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ هَذِهِ الدَّارَ، وَلَمْ يُسَمِّ مَصْرِفًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ، فَيُحْمَلُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَلَا يَضُرُّ تَرْكُهُ ذِكْرَ مَصْرِفِهِ؛ وَلِأَنَّ الْإِطْلَاقَ إذَا كَانَ لَهُ عُرْفٌ؛ صَحَّ وَحُمِلَ عَلَيْهِ. وَعُرْفُ الْمَصْرِفِ هَا هُنَا أَوْلَى الْجِهَاتِ بِهِ، فَكَأَنَّهُ عَيَّنَهُمْ بِصَرْفِهِ، فَيُصْرَفُ رَيْعُهُ (إلَى وَرَثَتِهِ) - أَيْ: الْوَاقِفِ حِينَ انْقِطَاعِ الْوَقْفِ، لَا حِينَ مَوْتِهِ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِانْتِهَاءِ (نَسَبًا) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ مَصْرِفُهُ الْبِرُّ، وَأَقَارِبُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِبِرِّهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» . وَلِأَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِصَدَقَاتِهِ النَّوَافِلِ وَالْمَفْرُوضَاتِ، فَكَذَا صَدَقَتُهُ الْمَنْقُولَةُ. (لَا وَلَاءً وَلَا نِكَاحًا) ؛ لِعَدَمِ الِانْتِسَابِ، (عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ) مِنْ الْوَاقِفِ، (وَقْفًا) عَلَيْهِمْ، فَلَا يَمْلِكُونَ نَقْلَ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ الْوَقْفِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَصْرِفًا، وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ مِنْ الْوَاقِفِ، فَيَسْتَحِقُّونَهُ كَالْمِيرَاثِ. (وَ) يَقَعُ (الْحَجْبُ بَيْنَهُمْ) - أَيْ: وَرَثَةِ الْوَاقِفِ - فِيهِ؛ كَوُقُوعِهِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 (إرْثٍ، وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ) فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْقَرَابَةِ. قَالَ الْقَاضِي: (فَلِبِنْتِ مَعَ ابْنٍ ثُلُثٌ) ، وَلَهُ الْبَاقِي. (وَلِأَخٍ لِأُمٍّ مَعَ أَخٍ لِأَبٍ سُدُسٌ) ، وَلَهُ مَا بَقِيَ. وَإِنْ كَانَ (جَدٌّ) لِأَبٍ (وَأَخٌ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ؛ (يَشْتَرِكَانِ) سَوِيَّةً، وَيَقْتَسِمَانِ رَيْعِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ كَالْمِيرَاثِ. وَإِنْ كَانَ (أَخٌ) لِغَيْرِ أُمٍّ، (وَعَمٌّ) لِغَيْرِ أُمٍّ؛ (فَلِأَخٍ) الِانْفِرَادُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَمٌّ لِغَيْرِ أُمٍّ؛ انْفَرَدَ بِهِ الْعَمُّ كَالْمِيرَاثِ. انْتَهَى. (فَإِنْ عَدِمُوا) ؛ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاقِفٍ وَرَثَةٌ مِنْ النَّسَبِ؛ فَمَعْرُوفٌ وَقْفُهُ (لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) وَقْفًا عَلَيْهِمْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي " التَّذْكِرَةِ "، " وَالْمُوَفَّقُ "، " وَالشَّارِحُ "، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفَائِقِ "؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْوَقْفِ الثَّوَابُ الْجَارِي عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، وَإِنَّمَا قَدَّمُوا الْأَقَارِبَ عَلَى الْمَسَاكِينِ؛ لِكَوْنِهِمْ أَوْلَى، فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا فَالْمَسَاكِينُ أَهْلٌ لِذَلِكَ، فَيُصْرَفُ إلَيْهِمْ، (وَنَصُّهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ وَأَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ يُصْرَفُ (فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) ، فَيَرْجِعُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصُّ الرِّوَايَاتِ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِمْ، وَيَكُونُ وَقْفًا أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَمَتَى انْقَطَعَتْ الْجِهَةُ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا، (وَالْوَاقِفُ حَيٌّ) ؛ بِأَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ فَقَطْ فَانْقَرَضُوا فِي حَيَاتِهِ (لَمْ يَرْجِعْ) الْوَقْفُ (إلَيْهِ) - أَيْ: إلَى الْوَاقِفِ (وَقْفًا) ؛ لِانْقِطَاعِ الْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْمُنْتَهَى " وَالْإِقْنَاعِ " (بَلْ) يَكُونُ مَصْرِفُ رَيْعِهِ (كَمَا مَرَّ) ؛ أَيْ: لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. كَذَا قَالَ: وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى " وَمَتَى انْقَطَعَتْ الْجِهَةُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 وَالْوَاقِفُ حَيٌّ؛ رَجَعَ إلَيْهِ وَقْفًا. وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ ": وَإِنْ انْقَطَعَتْ الْجِهَةُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ؛ رَجَعَ إلَيْهِ وَقْفًا عَلَيْهِ. يَعْنِي وَمَتَى قُلْنَا: يَرْجِعُ إلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ وَقْفًا، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا وَقْتَ انْقِطَاعِ الْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا رَجَعَ إلَيْهِ وَقْفًا، يَتَصَرَّفُ فِيهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ لِلْمَصَالِحِ، كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ ": الْخِلَافُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْأَقَارِبِ أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ إلَى الْمَسَاكِينِ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ، أَمَّا إذَا كَانَ حَيًّا فَانْقَطَعَتْ الْجِهَةُ؛ فَفِي رُجُوعِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى عَصَبَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. إحْدَاهُمَا يَدْخُلُ، قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ رَجَبٍ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَالنِّسَاءُ لَهُمْ أَبَدًا عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ رَجَعَ نَصِيبَهُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ، فَتُوُفِّيَ أَحَدُ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ عَنْ وَلَدٍ، وَالْأَبُ الْوَاقِفُ حَيٌّ، فَهَلْ يَعُودُ نَصِيبَهُ إلَيْهِ. لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ النَّاسِ إلَيْهِ، أَمْ لَا، يَخْرُجُ عَلَى مَا قَبْلَهَا، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ. وَالْمَسْأَلَةُ مُلْتَفِتَةٌ إلَى دُخُولِ الْمُخَاطَبِ فِي خِطَابِهِ، فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَشَى عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَرْجُوحَةِ، الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِقِيلِ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى مَا قَدَّمَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ. (وَيُعْمَلُ فِي) وَقْفٍ (صَحِيحِ وَسَطٍ فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ الِابْتِدَاءِ وَالْآخَرُ؛ كَمَا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى عَبْدِهِ ثُمَّ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى الْكَنِيسَةِ، (بِالِاعْتِبَارَيْنِ) ؛ بِأَنْ يُلْغَى مَا عَدَا الْوَسَطِ، وَيُجْعَلَ كَأَنَّهُ جَعَلَ وَقْفَهُ مَا عَدَا الطَّرَفَيْنِ، (فَيُصْرَفُ فِي الْحَالِ لَهُ) - أَيْ: لِزَيْدٍ - (وَ) يَرْجِعُ (بَعْدَهُ) - أَيْ: زَيْدٍ - (لِوَرَثَةِ وَاقِفٍ) نَسَبًا وَقَفَا؛ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ، ثُمَّ الْمَسَاكِينَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 [فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ ثُمَّ عَلَيَّ الْمَسَاكِين] (فَرْعٌ: لَوْ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ) ؛ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ، (ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ؛ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رَجَعَ نَصِيبَهُ لِمَنْ بَقِيَ) مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَعَوْدُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ مَشْرُوطٌ بِانْقِرَاضِهِمْ؛ إذْ اسْتِحْقَاقُهُمْ مُرَتَّبٌ بِثُمَّ. (فَإِنْ مَاتُوا) - أَيْ: الثَّلَاثَةُ - (فَلِلْمَسَاكِينِ) عَمَلًا بِشَرْطِهِ. (وَإِنْ) وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَ (لَمْ يَذْكُرْ لَهُ) أَيْ: الْوَقْفِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ (مَآلًا) بَلْ سَكَتَ، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ (رَجَعَ نَصِيبُ مَيِّتٍ مِنْهُمْ لِبَاقٍ) ؛ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، (لَا كَمُنْقَطِعٍ) ؛ إذْ احْتِمَالُ الِانْقِطَاعِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ فِي " الْمُقْنِعِ " وَقَوَّاهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ: " وَهُوَ أَظْهَرُ قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ " وَهُوَ قَوِيٌّ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَآلًا، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَحُكْمُ نَصِيبِهِ حُكْمُ الْمُنْقَطِعِ. (فَإِذَا مَاتُوا) - أَيْ: الثَّلَاثَةُ - (جَمِيعًا صُرِفَ كَمُنْقَطِعٍ) لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ نَسَبًا، عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ وَقَفَا. فَإِنْ عَدِمُوا فَلِلْمَسَاكِينِ. (وَمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَعَلَى الْمَسَاكِينِ؛ فَهُوَ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ نِصْفَيْنِ) ، يُصْرَفُ لِأَوْلَادِهِ النِّصْفُ، وَلِلْمَسَاكِينِ النِّصْفُ؛ لِاقْتِضَاءِ الْإِضَافَةِ التَّسْوِيَةَ. (وَكَذَا) لَوْ وَقَفَ (عَلَى مَسْجِدٍ) مُعَيَّنٍ، أَوْ وَقَفَ عَلَى (مَسَاجِدَ) مَعْلُومَاتٍ، (وَعَلَى إمَامٍ يُصَلِّي فِيهِ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ - أَوْ يُصَلِّي (فِي أَحَدِهَا) - أَيْ: الْمَسَاجِدِ فَيَكُونُ مَا وَقَفَهُ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ نِصْفَيْنِ؛ لِانْتِفَاءِ مُقْتَضَى التَّفَاوُتِ. [فَصْلٌ يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ فِيمَا وَقَفَ] (فَصْلٌ) : (وَ) يَزُولُ (الْمِلْكُ) - أَيْ: مِلْكُ الْوَاقِفِ - (فِيمَا وَقَفَ عَلَى نَحْوِ مَسْجِدٍ) ؛ كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ وَقَنْطَرَةٍ، (وَفُقَرَاءَ) وَغُزَاةٍ، وَكَذَا بِقَاعِ الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ وَالْقَنَاطِرِ وَالسِّقَايَاتِ. وَيَنْتَقِلُ بِمُجَرِّدِ وَقْفٍ (لِلَّهِ تَعَالَى) قَالَ الْحَارِثِيُّ: بِلَا خِلَافٍ (وَ) يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ (فِيمَا وُقِفَ عَلَى آدَمِيٍّ) مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو لَهُ. وَعَلَى جَمْعٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 (مَحْصُورٍ) كَأَوْلَادِهِ أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ (لَهُ) - أَيْ: الْمَحْصُورِ - لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُزِيلُ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ، فَمَلَكَهُ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ؛ كَالْهِبَةِ. وَفَارِقِ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إخْرَاجٌ عَنْ حُكْمِ الْمَالِيَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لِلْمَنْفَعَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَمْ يَلْزَمْ كَالْعَارِيَّةِ وَالسُّكْنَى. وَقَوْلُ أَحْمَدَ: مَنْ وَقَفَ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي مَرَضِهِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ، وَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ؛ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ، جَمْعًا بَيْنَ قَوْلَيْهِ. لَا يُقَالُ: عَدَمُ مِلْكِهِ التَّصَرُّفَ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مِلْكِهِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، بِدَلِيلِ أُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَتِهَا (فَيَنْظُرُ فِيهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ (هُوَ) - أَيْ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ - إنْ كَانَ مُكَلَّفًا رَشِيدًا. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. أَوْ يَنْظُرُ فِيهِ (وَلِيُّهُ) ، إنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ سَفِيهًا (حَيْثُ لَا نَاظِرَ بِشَرْطٍ) ، يَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى النَّاظِرِ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ أَرْضًا عَلَى مُعَيَّنٍ، وَقُلْنَا: إنَّهُ يَمْلِكُ الْوَقْفَ، فَغَصَبَهَا إنْسَانٌ وَزَرَعَهَا، وَأَدْرَكَهَا مَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ وَالزَّرْعُ قَائِمٌ؛ فَإِنَّهُ (يَتَمَلَّكُ زَرْعَ غَاصِبٍ) بِنَفَقَتِهِ، وَهِيَ مِثْلُ بَذْرِهِ وَعُوِّضَ لَوَاحِقَهُ؛ كَمَالِكَ الْأَرْضِ الطَّلْقِ. (وَيَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنَ، (أَرْشُ جِنَايَةِ خَطَئِهِ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ - إنْ كَانَ قِنًّا، كَمَا يَلْزَمُ سَيِّدَ أُمِّ الْوَلَدِ فِدَاؤُهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمِهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ، بَلْ يَفْدِيهِ (بِالْأَقَلِّ) مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ (عَمْدُهُ) ؛ أَيْ: مَا جَنَاهُ الْقِنُّ الْمَوْقُوفُ عَمْدًا. وَيَتَّجِهُ (أَنَّهُ) - أَيْ: الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ - (لَهُ تَسْلِيمُهُ) - أَيْ: الْقِنُّ الْجَانِي عَمْدًا، (لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ) الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] الْآيَةُ (لِقَتْلٍ) إنْ اخْتَارَهُ الْوَلِيُّ؛ لِوُجُوبِهِ بِالْجِنَايَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْجَانِي؛ (لِتَمْلِيكٍ) ؛ أَيْ: لِيَتَمَلَّكهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ بَدَلَ مِلْكِهِ الَّذِي فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِجِنَايَتِهِ، لَكِنَّ التَّسْلِيمَ لِلتَّمْلِيكِ تَأْبَاهُ الْقَوَاعِدُ لِخُرُوجِهِ عَنْ التَّأْبِيدِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَقَاصِدِ وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى مَالٍ؛ فَعَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ كَمَا سَبَقَ. (وَ) يَلْزَمُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (فِطْرَتُهُ) - أَيْ: الْقِنِّ الْمَوْقُوفِ - وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِخِدْمَةِ الْوَقْفِ؛ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِتَمَامِ التَّصَرُّفِ فِيهِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: (وَ) يَلْزَمُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (زَكَاتُهُ) ، لَوْ كَانَ إبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا سَائِمَةً، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارِ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ "، وَالْمَجْدِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ النَّاظِمُ: لَكِنْ يُخْرَجُ مِنْ غَيْرِهَا. وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَتَقَدَّمَ أَيْضًا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَلَّةِ شَجَرٍ، وَأَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ، بِشَرْطِهِ؛ وَيُخْرَجُ مِنْ عَيْنِ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 (وَيُقْطَعُ سَارِقُهُ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ - (وَسَارِقُ نَمَائِهِ إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ) ؛ وَلَا شُبْهَةَ لِلسَّارِقِ؛ لِتَمَامِ الْمِلْكِ فِيهِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فَيَسْتَوْفِيهِ بِنَفْسِهِ وَبِالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَنَحْوِهَا إلَّا إنْ عَيَّنَ فِي الْوَقْفِ غَيْرَ ذَلِكَ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ، (نَفْعُهُ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ - بِاسْتِعْمَالِهِ، (وَ) لَهُ (نَمَاؤُهُ وَغَلَّتُهُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَجِنَايَةُ مَا) - أَيْ: مَوْقُوفٍ - (عَلَى غَيْرِ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ) ؛ كَعَبْدٍ مَوْقُوفٍ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ؛ إذَا جَنَى فَأَرْشُ جِنَايَتِهِ (فِي كَسْبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ إيجَابُ الْأَرْشِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهَا فِي رَقَبَتِهِ؛ فَتَعَيَّنَ فِي كَسْبِهِ. (وَلَا يَتَزَوَّجُ) مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ أَمَةً (مَوْقُوفَةً عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُجَامِعُ النِّكَاحَ. (وَيَنْفَسِخُ بِهِ) - أَيْ: وَقْفِهَا عَلَيْهِ (نِكَاحُهَا) ؛ لِلْمِلْكِ، (وَلَا يَطَؤُهَا) - أَيْ: الْأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ - (وَلَوْ أَذِنَ) فِي وَطِئَهَا (وَاقِفٌ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ، وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُ حَبَلِهَا، فَتَنْقُصُ أَوْ تَتْلَفُ، أَوْ تَخْرُجُ مِنْ الْوَقْفِ بِأَنْ تَبْقَى أُمَّ وَلَدٍ. (وَلَهُ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ - (وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا) ؛ لِمِلْكِهِ لَهَا، (وَيَلْزَمُ) الْوَلِيَّ تَزْوِيجُهَا (إنْ طَلَبَتْ) ؛ صِيَانَةً لَهَا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ، (إنْ لَمْ يَشْرِطْ) وَاقِفٌ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ (لِغَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ -. (وَ) لِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ الْأَمَةُ (أَخْذُ مَهْرِهَا) ، إنْ زَوَّجَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَهْرُ (لِوَطْءِ شُبْهَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّهَا؛ كَالْأُجْرَةِ وَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاطِئُ الْوَاقِفَ أَوْ غَيْرَهُ. وَهَذِهِ كُلُّهَا فَوَائِدُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 (وَوَلَدُهَا) - أَيْ: الْمَوْقُوفَةِ - مِنْ وَطْءٍ (مَعَ شُبْهَةٍ) ؛ بِنَحْوِ زَوْجَةٍ (حُرَّةٍ) ؛ كَبِأَمَتِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْوَطْءُ (مِنْ قِنٍّ) اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِمَنْ وَلَدُهُ مِنْهَا (حُرٌّ) ؛ لِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّتَهُ. (وَعَلَى وَاطِئٍ قِيمَتُهُ) - أَيْ: الْوَلَدِ - لِتَفْوِيتِهِ عَلَيْهِ رِقَّهُ بِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّتِهِ يَوْمَ وَضَعَهُ حَيًّا، (تُصْرَفُ) قِيمَتُهُ فِي شِرَاءِ مِثْلِهِ، يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَنْ الْوَقْفِ؛ فَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ فِي مِثْلِهِ، وَتَصِيرُ الْمَوْقُوفَةُ أُمَّ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ. (وَ) وَلَدُهَا (مِنْ زَوْجٍ وَلَا شُرِطَ حُرِّيَّتُهُ، أَوْ مِنْ زِنًا وَقْفٌ) مَعَهَا، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ حُكْمُهُ حُكْمُهَا؛ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْكَسْبِ، مَا لَمْ يَعْرِضْ لِذَلِكَ مَا يَمْنَعُهُ كَالشُّبْهَةِ؛ وَاشْتِرَاطِ زَوْجِ الْأَمَةِ عَلَى سَيِّدِهَا عِنْدَ تَزْوِيجِهَا حُرِّيَّةَ وَلَدِهَا وَنَحْوِهِمَا، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَنَظَرَ الْبُهُوتِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ عِتْقَهُ بِالتَّصْرِيحِ؛ فَلَا يَمْلِكُ شَرْطَهُ. انْتَهَى. مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ شَارِحِ الْمُنْتَهَى " لَا تُؤَدِّي مَا فُهِمَ مِنْهَا، إذْ مَا ذَكَرُوهُ بَيَانٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِيضَاحٌ لِأَصْلِ الْقَاعِدَةِ، مِنْ أَنَّ وَلَدَ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ حُكْمُهُ حُكْمُهَا، فَاسْتُثْنِيَ مِنْ الْقَاعِدَةِ، الشُّبْهَةُ، وَاشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ، وَلَا بُدَّ فِي الشُّبْهَةِ مِنْ كَوْنِهَا اشْتَبَهَتْ بِمَنْ وَلَدُهَا مِنْهُ حُرٌّ، وَلَوْ كَانَ الْوَاطِئُ رَقِيقًا، فَمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ. (وَ) حَيْثُ قُلْنَا: إنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الْمَوْقُوفَةَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 فَوَطِئَهَا، فَإِنَّهُ (لَا حَدَّ) عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ (وَلَا مَهْرَ) عَلَيْهِ (بِوَطْئِهِ) إيَّاهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لَهُ، وَلَا يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ شَيْءٌ عَلَى نَفْسِهِ. (وَوَلَدُهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْقُوفَةِ، (حُرٌّ) ؛ لِلشُّبْهَةِ. (وَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْوَاطِئِ - (قِيمَتُهُ) - أَيْ: الْوَلَدِ - يَوْمَ وَضْعِهِ حَيًّا، (تُصْرَفُ فِي مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى مَنْ يَئُولَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَنْ الْوَقْفِ، فَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ فِي مِثْلِهِ. (وَتَعْتِقُ) الْمُسْتَوْلَدَةُ مِمَّنْ هِيَ وَقْفٌ عَلَيْهِ (بِمَوْتِهِ) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ؛ لِوِلَادَتِهَا مِنْهُ، وَهُوَ مَالِكُهَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ وَاطِئَ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ؛ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا بِاسْتِيلَادِهِ إيَّاهَا مَا دَامَ حَيًّا، (مَعَ بَقَاءِ تَحْرِيمِهَا) عَلَيْهِ، وَكَوْنِهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ لَا يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِنَقْصِ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا ابْتِدَاءً فَمُنِعَ مِنْهُ دَوَامًا، وَلَوْ قَدَّمَ هَذَا الِاتِّجَاهَ عَلَى قَوْلِهِ: وَتَعْتِقُ؛ لَكَانَ أَوْضَحَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَجِبُ قِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ) كَانَتْ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْبُطُونِ، (يَشْتَرِي بِهَا) - أَيْ: قِيمَتِهَا - مِثْلَهَا، (وَ) يَشْتَرِي (بِقِيمَةٍ وَجَبَتْ بِتَلَفِهَا أَوْ تَلِفِ بَعْضِهَا مِثْلَهَا) . يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهَا؛ لِيَنْجَبِرَ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي مَا فَاتَهُمْ، (أَوْ) يَشْتَرِي بِذَلِكَ (شِقْصًا) مِنْ أَمَةٍ، إنْ تَعَذَّرَ شِرَاءُ أَمَةٍ كَامِلَةٍ، (يَصِيرُ) مَا يُشْتَرَى بِالْقِيمَةِ أَوْ بَعْضِهَا (وَقْفًا) بِمُجَرَّدِ (الشِّرَاءِ) ؛ كَبَدَلِ أُضْحِيَّةٍ. (وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ) رَقِيقٍ (مَوْقُوفٍ بِحَالٍ) ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ مَنْ يَئُولَ إلَيْهِ الْوَقْفُ بِهِ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ، وَفِي الْقَوْلِ بِنُفُوذِ عِتْقِهِ إبْطَالٌ لَهُ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ غَيْرَ مَوْقُوفٍ، فَأَعْتَقَهُ مَالِكُهُ صَحَّ فِيهِ، وَلَمْ يَسِرِ إلَى الْبَعْضِ الْمَوْقُوفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتِقْ بِالْمُبَاشَرَةِ فَلَأَنْ لَا يَعْتِقَ بِالسِّرَايَةِ أَوْلَى (غَيْرَ) قِنٍّ (مُكَاتَبٍ وَقْفٍ) ؛ أَيْ: وَقَفَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ مُكَاتَبَتِهِ، (وَأَدَّى) مَا عَلَيْهِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 مَالِ الْكِتَابَةِ. (كَذَا قِيلَ) ، إشَارَةٌ لِلتَّبَرِّي، كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ مَيْلٌ إلَى مَا قَالَهُ فِي " الْكَافِي "، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْخِرَقِيِّ: لَا يَصِحُّ وَقْفُ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا، وَالْوَقْفُ فِيهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. انْتَهَى. لَكِنْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: يَصِحُّ وَقْفُ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، فَإِذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ؛ عَتَقَ، وَبَطَلَ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَا تَبْطُلُ بِوَقْفِهِ؛ كَبَيْعِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ كَمَا يَعْتِقُ الْقِنُّ الْمُكَاتَبُ بِمُجَرَّدِ أَدَائِهِ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ لِمِلْكِهِ نَفْسَهُ بِالْأَدَاءِ؛ كَذَلِكَ يَكُونُ (عِتْقُ مُحَرَّمٍ وُقِفَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - أَيْ: وَقَفَهُ شَخْصٌ عَلَى قَرِيبِهِ الْمُعَيَّنِ؛ فَإِنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا بِمُجَرَّدِ وَقْفِهِ (عَلَيْهِ) ؛ لِمِلْكِهِ بِذَلِكَ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ. هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُهُ، وَالشَّرِيفَانِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَلَا يُعْتَقُ (مَا) - أَيْ: قِنٌّ - وَقَفَهُ شَخْصٌ (عَلَى الْفُقَرَاءِ) ، وَفِيهِمْ مَحْرَمٌ لَهُ، (وَهُوَ) - أَيْ: الْوَاقِفُ - (فَقِيرٌ) مِنْ جُمْلَتِهِمْ؛ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيمَا وُقِفَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ كَالْمَسَاجِدِ وَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ، بِمُجَرَّدِ وَقْفِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يُصَادِفْ مَالِكًا مُحَرَّمًا مُخْتَصًّا يُعْتَقُ عَلَيْهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 (وَإِنْ قَطَعَ) عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ (مَوْقُوفٍ) ؛ كَيَدِهِ وَنَحْوِهَا، عَمْدًا؛ (فَلَهُ) - أَيْ: الْقِنِّ الْمَوْقُوفِ - (الْقَوَدُ) ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ لَا يَشْتَرِكُ فِيهِ أَحَدٌ. (وَإِنْ عَفَا) الرَّقِيقُ الْمَوْقُوفُ عَنْ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ الْقَطْعُ أَوْ الْجُرْحُ لَا يُوجِبُ قَوَدًا؛ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ، أَوْ كَوْنِهِ خَطَأً أَوْ جَائِفَةً وَنَحْوَهُ؛ (فَأَرْشُهُ) يُصْرَفُ (فِي مِثْلِهِ) - أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ - إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا؛ اُشْتُرِيَ بِهِ شِقْصٌ مِنْ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ بَعْضِ الْوَقْفِ، فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ فِي مِثْلِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: اعْتِبَارُ الْمِثْلِيَّةِ فِي الْبَدَلِ الْمُشْتَرَى بِمَعْنَى وُجُوبِ الذَّكَرِ فِي الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى، وَالْكَبِيرِ فِي الْكَبِيرِ، وَسَائِرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَتَفَاوَتُ الْأَعْيَانُ بِتَفَاوُتِهَا، لَا سِيَّمَا الصِّنَاعَةَ الْمَقْصُودَةَ فِي الْوَقْفِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاعْتِبَارِ أَنَّ الْغَرَضَ جُبْرَانُ مَا فَاتَ، وَلَا يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ. (وَإِنْ قَتَلَ) رَقِيقٌ مَوْقُوفٌ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، وَلَوْ كَانَ قَتْلُهُ (عَمْدًا) مَحْضًا مِنْ مُكَافِئٍ لَهُ؛ (فَالْوَاجِبُ) بِذَلِكَ (قِيمَتُهُ) دُونَ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ قَاتِلِهِ؛ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ. (وَلَا يَصِحُّ عَفْوُ) الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (عَنْهَا) - أَيْ: قِيمَةِ الْمَقْتُولِ - وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَطْنِ الثَّانِي بِهِ تَعَلُّقًا لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ، وَلَا يُعْلَمُ قَدْرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ هَذَا مِنْهُ فَيَعْفُو عَنْهُ. (وَإِنْ قُتِلَ) الْمَوْقُوفُ (قَوَدًا) ؛ بِأَنْ قَتَلَ مُكَافِئًا لَهُ عَمْدًا، فَقَتَلَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ قِصَاصًا (بَطَلَ الْوَقْفُ) ؛ كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ. وَ (لَا) يَبْطُلُ الْوَقْفُ (إنْ قَطَعَ) عُضْوًا مِنْهُ قِصَاصًا؛ كَمَا لَوْ سَقَطَ بِآكِلَةٍ، (وَيَتَلَقَّاهُ) ؛ أَيْ: يَتَلَقَّى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ الْوَقْفَ، (كُلُّ بَطْنٍ) مِنْهُمْ (عَنْ وَاقِفِهِ) ، لَا مِنْ الْبَطْنِ الَّذِي قَبْلَهُ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ " وَابْنُ عَقِيلٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 فِي " الْفُصُولِ " وَالْمُوَفَّقُ فِي " الْمُغْنِي " وَابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ " وَصَحَّحَهُ الطُّوفِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ "؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ صَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْوَقْفِ مِنْ حِينِهِ، فَمَنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا، كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جَمِيعِ نَسْلِهِ، إلَّا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ كُلِّ طَبَقَةٍ مَشْرُوطٍ بِانْقِرَاضِ مَنْ فَوْقَهَا. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَإِنْ رَتَّبَ فَقَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَوَلَدِي مَا تَنَاسَلُوا أَوْ تَعَاقَبُوا، الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، أَوْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، أَوْ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، أَوْ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الْبَطْنُ الثَّانِي، أَوْ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي، أَوْ عَلَى أَوْلَادِي فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي؛ فَكُلُّ هَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَيَكُونُ عَلَى مَا شَرَطَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي شَيْئًا حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ كُلُّهُ، وَلَوْ بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَانَ الْجَمِيعُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ، فَيُتَّبَعُ فِيهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ. وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ مَا تَعَاقَبُوا وَتَنَاسَلُوا، عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ كَانَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ جَارِيًا عَلَى وَلَدِهِ، كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَضَى التَّشْرِيكَ لَاقْتَضَى التَّسْوِيَةَ. وَلَوْ جَعَلْنَا لِوَلَدِ الْوَلَدِ سَهْمًا مِثْلَ سَهْمِ أَبِيهِ، ثُمَّ دَفَعْنَا إلَيْهِ سَهْمَ أَبِيهِ، صَارَ لَهُ سَهْمَانِ وَلِغَيْرِهِ سَهْمٌ، وَهَذَا يُنَافِي التَّسْوِيَةَ. وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَفْضِيلِ وَلَدِ الِابْنِ عَلَى الِابْنِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ إرَادَةِ الْوَاقِفِ خِلَافُ هَذَا، فَإِذَا ثَبَتَ التَّرْتِيبُ فَإِنَّهُ تَرْتِيبٌ بَيْنَ كُلِّ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ، فَإِذَا مَاتَ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ إلَى وَلَدِهِ سَهْمُهُ، سَوَاءٌ بَقِيَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَحَدٌ، أَوْ لَمْ يَبْقَ. (فَإِذَا امْتَنَعَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ) ، حَالَ اسْتِحْقَاقِهِمْ، (مِنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ) لَهُمْ بِالْوَقْفِ، (لِثُبُوتِ وَقْفِهِ؛ فَلِمَنْ بَعْدَهُ) مِنْ الْبُطُونِ، وَلَوْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْوَقْفِ، (الْحَلِفُ) مَعَ الشَّاهِدِ بِالْوَقْفِ لِثُبُوتِهِ (لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ) . وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَهُ بِالْحَلِفِ، بَلْ بَعْدَ انْقِرَاضٍ مَنْ قَبْلَهُمْ، فَفَائِدَةُ ذَلِكَ عَدَمُ صِحَّةِ تَصَرُّفِ مَنْ بِيَدِهِ الْوَقْفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ، وَحَيْثُ ثَبَتَ الْوَقْفُ بِالْحَلِفِ الْمَذْكُورِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 فَإِنَّ الرَّيْعَ يَكُونُ لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِمْ قَهْرًا، كَالْإِرْثِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِيَدِهِ. [فَصْلٌ يُرْجَعُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْوَقْفِ وُجُوبًا لِشَرْطِ وَاقِفٍ] (فَصْلٌ: وَيُرْجَعُ) : - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْوَقْفِ (وُجُوبًا لِشَرْطِ وَاقِفٍ) ؛ كَقَوْلِهِ شَرَطْت لِزَيْدٍ كَذَا، وَلِعَمْرِو كَذَا؛ لِأَنَّ عُمَرَ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ شُرُوطًا، وَلَوْ لَمْ يَجِبْ اتِّبَاعُ شَرْطِهِ لَمْ يَكُنْ فِي اشْتِرَاطِهِ فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ، وَجَعَلَ لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ أَنْ تَسْكُنَ غَيْرِ مُضِرَّةٍ وَلَا مُضَرٍّ بِهَا، فَإِذَا اسْتَغْنَتْ بِزَوْجٍ فَلَا حَقَّ لَهَا فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ مُتَلَقًّى مِنْ جِهَتِهِ؛ فَاتُّبِعَ شَرْطُهُ، وَنَصُّهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ. (وَلَوْ) كَانَ الشَّرْطُ (مُبَاحًا) ؛ كَشَرْطِهِ الدَّارَ الْمَوْقُوفَةَ أَنْ تَكُونَ لِلسُّكْنَى دُونَ الِاسْتِغْلَالِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِيمَا يَأْتِي. (غَيْرَ مَكْرُوهٍ) ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ؛ كَشَرْطِهِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ بَنَاهُ إلَّا طَائِفَةُ كَذَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُعْتَبَرُ (هَذَا) الشَّرْطُ، وَيَرْجِعُ إلَيْهِ وُجُوبًا، (إذَا وَقَفَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 الْإِنْسَانُ (مَا) - أَيْ: وَقْفًا - (يَمْلِكُهُ) بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّمْلِيكَاتِ الصَّحِيحَةِ. (فَأَمَّا وَقْفُ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ فَلَا يَتْبَعُ شُرُوطَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا مِلْكَ لَهُمْ؛ إذْ مَا بِأَيْدِيهِمْ إمَّا مُجْتَمِعٌ مِنْ الْمَظَالِمِ، أَوْ مِنْ الْغَنَائِمِ، أَوْ مِنْ الْجِزْيَةِ، أَوْ مِنْ مَالٍ لَا وَارِثَ لَهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَيْسَ لَهُمْ مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ، يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. فَلَوْ اشْتَرَوْا مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ عَقَارَاتٍ وَوَقَفُوهَا، وَشَرَطُوا فِي أَوْقَافِهِمْ شُرُوطًا؛ فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَمُنِعَ مِنْهُ؛ فَلَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ أَوْقَافِهِمْ كِفَايَتَهُ، وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِمَا شَرَطُوهُ. (إلَّا إنْ كَانَ فِيهِ) ؛ أَيْ: فِيمَا شَرَطُوهُ (مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ كَمُدَرِّسِ كَذَا) مِنْ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، (وَطَالِبِ كَذَا) مِنْهَا كَذَلِكَ، (وَ) كَشَرْطِهِمْ (إنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ وَهُوَ) - أَيْ: الْوَلَدُ - (فِي مَرْتَبَتِهِ) ؛ أَيْ: مَرْتَبَةِ وَالِدِهِ؛ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلْقِيَامِ بِوَظِيفَةِ أَبِيهِ؛ (فَالْوَظِيفَةُ لَهُ) - أَيْ: الْوَلَدُ - لِاسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهَا، فَفِي هَذَا كُلِّهِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِشُرُوطِهِمْ؛ إذْ فِي الْعَمَلِ بِهَا مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا. وَ (لَا) يَجِبُ الْعَمَلُ بِشَرْطِهِمْ إذَا شَرَطُوا أَنْ وَظِيفَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَ (إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ) ؛ أَيْ: مِثْلَ وَالِدِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رَفْعُ الشَّيْءِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ، وَوَضْعُهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ. (أَوْ) شَرَطَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَدْفَعَ كَذَا مِنْ رَيْعِ وَقْفِهِ لِمَنْ (يَقْرَأُ الدَّرْسَ) مِنْ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ (فِي مَدْرَسَتِهِ) ؛ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فِي تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ الدَّرْسَ الْمَشْرُوطَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي الْجُمْلَةِ. (أَوْ) شَرَطَ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ كَذَا، عَلَى أَنْ يَقْرَأَ (عَلَى قَبْرِهِ) شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ؛ فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ (لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ غَرَضٍ لِلْوَاقِفِ) ، بَلْ يَقْرَأُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَيُهْدِي لَهُ الثَّوَابَ؛ لِأَنَّ كُلَّ قُرْبَةٍ فُعِلَتْ، وَجُعِلَ ثَوَابُهَا لِمُسْلِمٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ؛ نَفَعَهُ ذَلِكَ وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مِنْ أَحْسَنِ اتِّجَاهَاتِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 (وَمِثْلُ شَرْطٍ) صَرِيحٍ فِي حُكْمِ وُجُوبِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ (اسْتِثْنَاءٌ) . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَالِاسْتِثْنَاءُ كَالشَّرْطِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ انْتَهَى. أَيْ: فَيُرْجَعُ إلَيْهِ. فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ زَيْدٍ، أَوْ قَبِيلَةِ كَذَا إلَّا بَكْرًا؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ. (وَ) مِثْلُ الشَّرْطِ (مُخَصَّصٌ مِنْ صِفَةٍ) ؛ كَمَا لَوْ وَقَفَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ الْفُقَهَاءِ، أَوْ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِمْ، فَلَا يُشَارِكُهُمْ مَنْ سِوَاهُمْ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِتَخْصِيصِهِ فَائِدَةٌ. (وَ) مِثْلُ الشَّرْطِ فِي حُكْمِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ مُخَصَّصٌ مِنْ (عَطْفِ بَيَانٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالصِّفَةِ فِي إيضَاحِ مُتَنَوِّعِهِ، وَعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ. فَمَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ، وَفِي أَوْلَادِهِ مَنْ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ غَيْرُهُ؛ اخْتَصَّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ. (وَ) مِثْلُهُ فِي حُكْمٍ أَيْضًا مُخَصَّصٍ مِنْ تَوْكِيدٍ؛ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ زَيْدٍ نَفْسِهِ؛ فَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ. وَكَذَا مُخَصَّصٌ مِنْ بَدَلٍ، كَمَنْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْلَادٍ، وَقَالَ: وَقَفْتُ عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي؛ فَإِنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ عَلَى أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ، وَأَوْلَادِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْدَلَ بَعْضَ الْوَلَدِ وَهُوَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، مِنْ اللَّفْظِ الْمُتَنَاوَلِ لِلْجَمِيعِ وَهُوَ وَلَدِي، فَاخْتَصَّ بِالْبَعْضِ الْمُبْدَلِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُكْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] لَمَّا خَصَّ الْمُسْتَطِيعَ بِالذِّكْرِ اخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: ضَرَبْتُ زَيْدًا رَأْسَهُ، وَرَأَيْتُ زَيْدًا وَجْهَهُ؛ اخْتَصَّ الضَّرْبُ بِالرَّأْسِ، وَالرُّؤْيَةِ بِالْوَجْهِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ} [الأنفال: 37] وَقَوْلُ الْقَائِلِ: طَرَحْتُ الثِّيَابَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ؛ فَإِنَّ الْفَوْقِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالْبَعْضِ مَعَ عُمُومِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ، كَذَا هَاهُنَا. وَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ؛ لَا يَشْتَمِلُ وَلَدَ وَلَدِهِ. وَنَحْوُ مَا تَقَدَّمَ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ؛ كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ دَارِي عَلَى أَوْلَادِي وَالسَّاكِنِ مِنْهُمْ عِنْدَ حَاجَتِهِ بِلَا أُجْرَةٍ فُلَانٍ. (وَ) كَذَا مُخَصَّصٌ مِنْ (جَارٍّ) وَمَجْرُورٍ؛ (نَحْوُ) وَقَفْتُ هَذَا (عَلَى أَنَّهُ) مَنْ اشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ مِنْ أَوْلَادِي؛ صُرِفَ إلَيْهِ. وَكَذَا إنْ قَالَ: وَقَفْته (بِشَرْطِ أَنَّهُ) مَنْ تَأَدَّبَ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ صُرِفَ إلَيْهِ، (وَنَحْوُهُ) ؛ فَيُرْجَعُ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ كَالشَّرْطِ. (فَلَوْ تَعَقَّبَ الشَّرْطُ) وَنَحْوُهُ (جُمَلًا؛ عَادَ) الشَّرْطُ وَنَحْوُهُ (إلَى الْكُلِّ) ؛ أَيْ: إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ. وَكَذَا الصِّفَةُ إذَا تَعَقَّبَتْ جُمَلًا؛ عَادَتْ إلَى الْكُلِّ. قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: " فِي عَوْدِ الصِّفَةِ لِلْكُلِّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُتَقَدِّمَةً أَوْ مُتَأَخِّرَةً. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُوجِبُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا أَيْ: فِي عَوْدِ الشَّرْطِ وَنَحْوِهِ لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَبِالْفَاءِ أَوْ بِثُمَّ عَلَى عُمُومِ كَلَامِهِمْ. (وَ) يَجِبُ الْعَمَلُ بِالشَّرْطِ (فِي عَدَمِ إيجَارِهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ (أَوْ) فِي (قَدْرِ مُدَّتِهِ) - أَيْ: الْإِيجَارِ، فَإِنَّ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ؛ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لَكِنْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ يُزَادُ بِحَسَبِهَا، وَلَمْ يَزَلْ عَمَلُ الْقُضَاةِ عَلَيْهِ مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالشُّرُوطُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا إذَا لَمْ تُفْضِ إلَى الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ. وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالشَّرْطِ، (إنْ لَمْ يُحْتَجْ) إلَى زِيَادَةٍ عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ، أَمَّا إذَا اُحْتِيجَ؛ بِأَنْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُ الْمَوْقُوفِ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَعْمِيرُهُ إلَّا بِذَلِكَ؛ جَازَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 وَيَتَّجِهُ (إنْ تَعَذَّرَ عُقُودٌ) حَيْثُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ (كَعَقْدٍ) وَاحِدٍ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَبَدًا، وَاحْتَاجَ الْوَقْفُ إلَى الْإِجَارَةِ؛ فَلِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ بَيْعِهِ، وَقَدْ أَفْتَى بِهِ الْمِرْدَاوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ تَزَلْ عُلَمَاؤُنَا تُفْتِي بِهِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ بَيْعِهِ. وَلَا تَجُوزُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى بَعْضِهَا مَعَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ بِهَا وَيَأْتِي قَالَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ " إنْ كَانَ الْوَقْفُ يَحْتَاجُ إلَى عِمَارَةٍ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِأَنْ يُزَادَ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ مُدَّةً أُخْرَى؛ جَازَ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَقَطْ؛ كَكَوْنِ الْعِمَارَةِ تَحْتَاجُ إلَى اسْتِلَافِ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَحْصُلْ مَنْ يُسَلِّفُهُمْ إلَّا مَنْ يَسْتَأْجِرُ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَأَنْ تَكُونَ عِمَارَتُهُ مَعَ الْخَرَابِ لِيَعْمُرَ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ الْأُجْرَةِ لَا تُمْكِنُ إلَّا مَعَ الزِّيَادَةِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ عِمَارَةَ الْوَقْفِ وَاجِبَةٌ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ وَهَذَا وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ انْتَهَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ (فِي قِسْمَتِهِ) ؛ أَيْ: الْوَقْفِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَى شَرْطِهِ، (بِتَقْدِيرِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ تَسَاوٍ أَوْ تَفْضِيلٍ) ؛ كَعَلَى أَنَّ لِلْأُنْثَى سَهْمًا، وَلِلذَّكَرِ سَهْمَيْنِ، أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ عَلَى أَنَّ لِلْمُؤَذِّنِ كَذَا، وَلِلْإِمَامِ كَذَا، وَلِلْخَطِيبِ كَذَا، وَلِلْمُدَرِّسِ كَذَا، وَنَحْوِهِ. (وَ) يُرْجَعُ أَيْضًا إلَى شَرْطِهِ (فِي تَقْدِيمِ بَعْضِ أَهْلِهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ - كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ هَذَا (عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ وَيُبْدَأُ) بِالدَّفْعِ (لِزَيْدٍ بِكَذَا، أَوْ) وَقَفْتُ (عَلَى طَائِفَةٍ كَذَا، وَيُبْدَأُ بِنَحْوِ الْأَصْلَحِ) ؛ كَالْأَفْقَهِ، أَوْ الْأَدْيَنِ أَوْ الْمَرِيضِ أَوْ الْفَقِيرِ. وَيُرْجَعُ أَيْضًا إلَى شَرْطِهِ فِي تَأْخِيرٍ، وَهُوَ عَكْسُ التَّقْدِيمِ؛ كَقَوْلِهِ: يُعْطِي مِنْهُ أَوَّلًا مَا سِوَى فُلَانٍ كَذَا، ثُمَّ مَا فَضَلَ لِفُلَانٍ؛ فَلَيْسَ لِلْمُؤَخِّرِ إلَّا مَا فَضَلَ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ يَسْقُطُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 وَيُرْجَعُ أَيْضًا إلَى شَرْطِهِ فِي جَمْعٍ؛ كَجَعْلِ الِاسْتِحْقَاقِ مُشْتَرَكًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ؛ كَأَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ. (وَ) يُرْجَعُ أَيْضًا إلَى شَرْطِهِ (فِي تَرْتِيبٍ؛ كَجَعْلِ اسْتِحْقَاقِ بَطْنٍ مُرَتَّبًا عَلَى الْآخَرِ؛) كَأَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ (فَالتَّقْدِيمُ بَقَاءُ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمُؤَخَّرِ عَلَى صِفَةِ أَنَّ لَهُ مَا فَضَلَ) عَنْ الْمُقَدَّمِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ الْمُقَدَّمِ شَيْءٌ؛ (سَقَطَ) الْمُؤَخَّرُ. وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ لِلْمُقَدَّمِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ؛ كَمِائَةٍ مَثَلًا، فَحِينَئِذٍ إنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ وَافِرَةً، حَصَلَ بَعْدَ الْمُقَدَّرِ لِلْمُقَدَّمِ فَضْلٌ، فَيَأْخُذُهُ الْمُؤَخَّرُ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ غَيْرَ وَافِرَةٍ، فَلَا يَفْضُلُ بَعْدَهُ فَضْلٌ، فَلَا شَيْءَ لِلْمُؤَخَّرِ. (وَالتَّرْتِيبُ عَدَمُهُ) ؛ أَيْ: عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْمُؤَخَّرِ (مَعَ وُجُودِ الْمُقَدَّمِ) ، فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ أَوْ لَا. (وَالتَّسَاوِي جَعْلُ رَيْعٍ بَيْنَ أَهْلِ وَقْفٍ مُتَسَاوِيًا) ؛ كَقَوْلِهِ: وَقَفْت عَلَى جَمِيعِ أَوْلَادِي، يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. (وَالتَّفْضِيلُ جَعْلُهُ) - أَيْ: الرَّيْعِ - (مُتَفَاوِتًا) ؛ كَقَوْلِهِ: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، وَنَحْوِهِ. وَالتَّسْوِيَةُ وَالتَّفْضِيلُ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فِي قِسْمَتِهِ (وَ) يُرْجَعُ إلَى شَرْطِهِ (فِي إخْرَاجِ مَنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ مُطْلَقًا أَوْ بِصِفَةٍ) ؛ كَإِخْرَاجِ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ الْبَنَاتِ وَنَحْوِهِ، (وَإِدْخَالِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ مُطْلَقًا؛ كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي، أُخْرِجُ مَنْ أَشَاءُ مِنْهُمْ، وَأُدْخِلُ مَنْ أَشَاءُ (أَوْ بِصِفَةٍ كَصِفَةِ فَقْرٍ، أَوْ اشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِخْرَاجٍ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْفِ؛ وَإِنَّمَا عَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقَ بِصِفَةٍ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ حَقًّا فِي الْوَقْفِ إذَا اتَّصَفَ بِإِرَادَتِهِ أَعْطَاهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَقًّا إذَا اتَّفَقَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ تَعْلِيقٌ لِلْوَقْفِ بِصِفَةٍ، بَلْ وَقْفٌ مُطْلَقٌ، وَالِاسْتِحْقَاقُ لَهُ صِفَةٌ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ " كَالتَّنْقِيحِ " وَالْمُنْتَهَى " " وَالْإِقْنَاعِ "؛ لِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ، وَفَرَضَهَا فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَهُ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ، لَكِنَّ التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ. (وَ) وَقَفَ (عَلَى زَوْجَتِهِ مَا دَامَتْ عَازِبَةً) ، وَمَتَى تَزَوَّجَتْ فَلَا حَقَّ لَهَا (أَوْ) وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَشَرَطَ (أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ بَنَاتِهِ فَلَا حَقَّ لَهُ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمَعْنَى الْإِخْرَاجِ وَالْإِدْخَالِ بِصِفَةٍ؛ جَعْلُ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْحِرْمَانِ مُرَتَّبًا عَلَى وَصْفٍ مُشْتَرَطٍ، (فَمَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةٍ) مِنْ صِفَاتِ (الِاسْتِحْقَاقِ؛ اسْتَحَقَّ) مَا شَرَطَ لَهُ، (فَإِنْ زَالَتْ) تِلْكَ الصِّفَةُ، (زَالَ اسْتِحْقَاقُهُ، فَإِنْ عَادَتْ) الصِّفَةُ؛ (عَادَ) اسْتِحْقَاقُهُ. وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ إنْ شَرَطَ فِيهِ (إدْخَالَ مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ) - أَيْ: أَهْلِ الْوَقْفِ - وَإِخْرَاجَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ فَأَفْسَدَهُ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ. (كَشَرْطِهِ) - أَيْ: الْوَاقِفِ - (تَغْيِيرَ شَرْطٍ) ؛ فَلَا يَصِحُّ، (وَيَبْطُلُ بِهِ وَقْفٌ) ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ فَأَفْسَدَهُ؛ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُنْتَفَعَ بِهِ، بِخِلَافِ إدْخَالِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَإِخْرَاجِهِ، وَتَقَدَّمَ تَعْلِيلُهُ. (وَ) يُرْجَعُ إلَى شَرْطِ وَاقِفِهِ (فِي نَاظِرِهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ - لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ وَقْفَهُ إلَى بِنْتِهِ حَفْصَةَ، ثُمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْي مِنْ أَهْلِهَا، وَلِأَنَّ مُصَرِّفَ الْوَقْفِ يُتَّبَعُ فِيهِ شَرْطُ وَاقِفِهِ، فَكَذَا فِي نَاظِرِهِ. (وَ) فِي (إنْفَاقٍ عَلَيْهِ) إذَا خَرِبَ، وَإِذَا كَانَ حَيَوَانًا؛ بِأَنْ يَقُولَ، يُنْفَقُ عَلَيْهِ، أَوْ يُعْمَرُ مِنْ جِهَةِ كَذَا (وَ) فِي (سَائِرِ أَحْوَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِوَقْفِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُتَّبَعُ فِيهِ شَرْطُهُ. (كَ) مَا لَوْ شَرَطَ (أَنْ لَا يَنْزِلَ فِيهِ فَاسِقٌ وَلَا شِرِّيرٌ وَلَا مُتَجَوِّهٌ وَنَحْوُهُ) ؛ كَذِي بِدْعَةٍ؛ فَيُعْمَلُ بِهِ. (بَلْ قَالَ الشَّيْخُ) : تَقِيُّ الدِّينِ: (الْجِهَاتُ الدِّينِيَّةُ، كَالْخَوَانِكِ وَالْمَدَارِسِ وَغَيْرِهَا؛ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ فِيهَا فَاسِقٌ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ بِظُلْمِهِ الْخَلْقَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 وَتَعَدِّيهِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ مِنْ نَحْوِ سَبٍّ أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ كَانَ فِسْقُهُ بِتَعَدِّيهِ حُقُوقَ اللَّهِ، يَعْنِي (وَلَوْ لَمْ يَشْرِطْهُ الْوَاقِفُ) ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَعُقُوبَتُهُ، فَكَيْفَ يَنْزِلُ؟ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، (صَحِيحٌ) مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الشَّرْطُ الْمُبَاحُ الَّذِي لَا يُظْهِرُ قَصْدَ الْقُرْبَةِ مِنْهُ هَلْ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ جَعْلِ الْمُبَاحِ جِهَةً لِلْوَقْفِ انْتِفَاءٌ جَعْلِهِ شَرْطًا فِيهِ؛ لِأَنَّ جَعْلَهُ أَصْلًا فِي الْجِهَةِ مُخِلٌّ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ، وَجَعْلُهُ شَرْطًا لَا يُخِلُّ بِهِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يُفِيدُ تَخْصِيصَ الْبَعْضِ بِالْعَطِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَرْفَعُ أَصْلَ الْقُرْبَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّوَابِعِ، وَالشَّيْءِ قَدْ يَثْبُتُ لَهُ حَالُ تَبَعِيَّتِهِ مَا لَا يَثْبُتُ لَهُ حَالَ أَصَالَتِهِ. (وَإِنْ خَصَّصَ) الْوَاقِفُ (مَقْبَرَةً أَوْ رِبَاطًا أَوْ مَدْرَسَةً) ، أَوْ (خَصَّصَ) (إمَامَتَهَا أَوْ) خَصَّصَ (خَطَابَتَهَا، بِأَهْلِ مَذْهَبٍ أَوْ) بِأَهْلِ (بَلَدٍ، أَوْ قَبِيلَةٍ؛ تَخَصَّصَتْ) بِهَا، إعْمَالًا لِلشَّرْطِ، إلَّا أَنْ يَقَعَ الِاخْتِصَاصُ بِنِحْلَةٍ بِدْعَةٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَ (لَا) يَصِحُّ شَرْطُ وَاقِفِ الْمَدْرَسَةِ وَنَحْوِهِ تَخْصِيصَ (الْمُصَلِّينَ بِهَا) بِذِي مَذْهَبٍ؛ فَلَا تَخْتَصُّ بِهِمْ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمَسْجِدِيَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ، كَمَا فِي التَّحْرِيرِ " فَاشْتِرَاطُ التَّخْصِيصِ يُنَافِيهِ، وَلِغَيْرِهِمْ الصَّلَاةُ بِهَا؛ لِعَدَمِ التَّزَاحُمِ بِهَا، وَلَوْ وَقَعَ، وَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُرَادُ لَهُ. وَ (لَا) يَصِحُّ تَخْصِيصُ (الْإِمَامَةِ بِذِي مَذْهَبٍ مُخَالِفٍ) لِصَرِيحِ، (أَوْ ظَاهِرِ السُّنَّةِ) ، سَوَاءٌ كَانَ خِلَافَهُ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا، أَوْ لِتَأْوِيلٍ ضَعِيفٍ؛ إذْ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مِثْلِ هَذَا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. (أَوْ) ؛ أَيْ: لَا يَصِحُّ شَرْطُ وَاقِفٍ (أَنْ لَا يُنْتَفَعَ بِهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ - (أَوْ) شَرْطُهُ (عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ مُرْتَكِبِ الْخَيْرِ) لِشَيْءٍ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: نُصُوصُ الْوَقْفِ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ، يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ، لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ) . وَهَذَا مُقَابِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ. (مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ لَفْظَهُ) - أَيْ: الْوَاقِفِ - (وَلَفْظَ الْمُوصِي وَالْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ وَكُلِّ عَاقِدٍ؛ يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا) ، سَوَاءٌ (وَافَقَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ، أَوْ لُغَةَ الشَّارِعِ، أَوْ لَا) . (وَقَالَ) الشَّيْخُ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ جِهَادٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ، وَالْخِلَافُ فِي الْمُبَاحِ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَلَا يَجُوزُ اعْتِقَادُ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ مَشْرُوعًا وَقُرْبَةً وَطَاعَةً، وَاتِّخَاذُهُ دِينًا. وَقَالَ: (الشُّرُوطُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا؛ إذْ لَمْ تُفْضِ إلَى الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ) ، وَلَا يَجُوزُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى بَعْضِهَا مَعَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ بِهَا. وَقَالَ: (فَمَنْ شَرَطَ فِي الْقُرُبَاتِ أَنْ يُقَدِّمَ فِيهَا الصِّنْفَ الْمَفْضُولَ، فَقَدْ شَرَطَ خِلَافَ شَرْطِ اللَّهِ؛ كَشَرْطِهِ فِي الْإِمَامَةِ تَقْدِيمَ غَيْرِ الْأَعْلَمِ) . وَقَالَ أَيْضًا: إنْ نَزَّلَ مُسْتَحِقًّا تَنْزِيلًا شَرْعِيًّا؛ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ عَمَّا نَزَلَ فِيهِ بِلَا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ. (وَقَالَ) : كُلُّ مُتَصَرِّفٍ بِوِلَايَةٍ إذَا قِيلَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ فِعْلُهُ لِمَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ، حَتَّى (لَوْ صَرَّحَ وَاقِفٌ بِفِعْلِ مَا يَهْوَاهُ) النَّاظِرُ مُطْلَقًا (أَوْ مَا يَرَاهُ؛ فَشَرْطٌ بَاطِلٌ) عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ؛ لِمُخَالِفَتِهِ الشَّرْعِيِّ، وَغَايَتِهِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مُبَاحًا، وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ، حَتَّى لَوْ تُسَاوَى فِعْلَانِ عَمِلَ بِالْقُرْعَةِ. (وَ) قَالَ: الشَّرْطُ (الْمَكْرُوهُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا وَعِنْدَهُ) - أَيْ: الشَّيْخِ - (إنَّمَا يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِشَرْطٍ مُسْتَحَبٍّ) . قَالَ: وَعَلَى النَّاظِرِ بَيَانُ الْمَصْلَحَةِ أَيْ: التَّثَبُّتُ وَالتَّحَرِّي فِيهَا؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، فَيَعْمَلُ بِمَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ، وَمَعَ الِاشْتِبَاهَ إنْ كَانَ النَّاظِرُ عَالِمًا عَادِلًا سَاغَ لَهُ اجْتِهَادُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 (وَقَالَ: لَوْ شَرَطَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى أَهْلِ مَدْرَسَةٍ بِالْقُدْسِ بِهَا) - أَيْ: الْمَدْرَسَةِ - (كَانَ الْأَفْضَلُ لِأَهْلِهَا صَلَاةُ الْخَمْسِ بِ) الْمَسْجِدِ (الْأَقْصَى، وَلَا يَقِفُ اسْتِحْقَاقُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ بِالْمَدْرَسَةِ، وَكَانَ يُفْتِي بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ) . وَقَالَ: إذَا شَرَطَ فِي اسْتِحْقَاقِ رَيْعِ الْوَقْفِ الْعُزُوبَةَ، فَالْمُتَأَهِّلُ أَحَقُّ مِنْ الْمُتَعَزِّبِ، إذَا اسْتَوَيَا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ. وَقَالَ: إذَا وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَأَقَارِبُ الْوَاقِفِ الْفُقَرَاءُ أَحَقُّ مِنْ الْفُقَرَاءِ الْأَجَانِبِ، مَعَ التَّسَاوِي فِي الْحَاجَةِ، وَإِذَا قُدِّرَ وُجُودُ فَقِيرٍ مُضْطَرٍّ، كَانَ دَفْعُ ضَرُورَتِهِ وَاجِبًا، وَإِذَا لَمْ تَنْدَفِعْ ضَرُورَتُهُ إلَّا بِتَنْقِيصِ كِفَايَةِ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ، مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَحْصُلُ لَهُمْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ. (وَقَالَ: فِي وَاقِفِ مَدْرَسَةٍ، شَرْطٌ أَنْ لَا يُصْرَفَ رَيْعُهَا لِمَنْ لَهُ وَظِيفَةٌ بِجَامِكِيَّةِ، أَوْ مُرَتَّبٌ فِي جِهَةٍ أُخْرَى: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرْطِ مَقْصُودٌ شَرْعِيٌّ خَالِصٌ أَوْ رَاجِحٌ؛ كَانَ) الشَّرْطُ (بَاطِلًا؛ كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ نَوْعَ مَطْعَمٍ أَوْ مَلْبَسٍ) أَوْ مَسْكَنٍ (لَا تَسْتَحِبُّهُ الشَّرِيعَةُ، وَلَا يَمْنَعُهُمْ النَّاظِرُ مِنْ تَنَاوُلِ كِفَايَتِهِمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى) هُمْ مُرَتَّبُونَ فِيهَا وَلَيْسَ هَذَا إبْطَالًا لِلشَّرْطِ، لَكِنَّهُ تَرْكٌ لِلْعَمَلِ. (وَقَالَ: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَحْضَرِ وَقْفٍ فِيهِ شُرُوطٌ) هُمْ مُرْتَبِطُونَ فِيهَا وَالْمَحْضَرُ خَطٌّ يُكْتَبُ فِي وَاقِفِهِ خُطُوطُ الشُّهُودِ فِي آخِرِهِ؛ لِصِحَّةِ مَا تَضْمَنَّهُ صَدْرُهُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ. (ثُمَّ ظَهَرَ كِتَابُ الْوَقْفِ بِخِلَافِهِ؛ وَجَبَ ثُبُوتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ) ، إنْ أَمْكَنَ إثْبَاتَهُ. (أَوْ أَقَرَّ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي هَذَا الْوَقْفِ إلَّا مِقْدَارًا مَعْلُومًا، ثُمَّ ظَهَرَ شَرْطُ الْوَاقِفِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ) مِمَّا قَالَ: (حُكِمَ لَهُ بِمُقْتَضَاهُ) - أَيْ: الشَّرْطِ - (وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الْإِقْرَارُ الْمُتَقَدِّمُ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَدَمِ عِلْمِهِ إيَّاهُ. (انْتَهَى) . وَقَوْلُهُ ثُمَّ ظَهَرَ شَرْطُ الْوَاقِفِ إلَى آخِرِهِ؛ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا كَذَا، يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 انْتَقَلَ اسْتِحْقَاقُهُ بَعْدَهُ لِوَلَدِهِ مَثَلًا؛ فَلَهُ الطَّلَبُ بِمَا فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ مِنْ حِينِ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَسْرِي عَلَى وَلَدِهِ. وَذَكَرَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ " الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ، سَوَاءٌ عَلِمَ شَرْطَ الْوَاقِفِ وَكَذَبَ فِي إقْرَارِهِ، أَمْ لَمْ يَعْلَمْ؛ فَإِنَّ ثُبُوتَ هَذَا الْحَقِّ لَهُ لَا يَنْتَقِلُ بِكَذِبِهِ. انْتَهَى. قَالَ الْمُحِبُّ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ كَوْنُ الْمُقِرِّ يَمْلِكُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ الَّتِي يُقِرُّ بِهَا، وَمُسْتَحِقُّ الْوَقْفِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ؛ فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ، وَلَا يَمْلِكُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِي رَيْعِهِ إلَّا بَعْدَ حُصُولِهِ فِي يَدِهِ، فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ جَوَازِ بَيْعِهِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ، وَلَوْ صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالرَّيْعِ قَبْلَ مِلْكِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ؛ لَاُتُّخِذَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى إجَارِهِ مُدَّةً مَجْهُولَةً؛ بِأَنْ يَأْخُذَ الْمُسْتَحِقُّ عِوَضَهَا مِنْ شَخْصٍ عَنْ رَيْعِهِ أَوْ عَنْ رَقَبَتِهِ، وَيُقِرُّ لَهُ بِهِ، فَيَسْتَحِقُّهُ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُقِرِّ، أَوْ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِ الْمُقِرِّ؛ فَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ إقْرَارِ الْمُسْتَحِقِّ بِالْوَقْفِ وَلَا بِرَيْعِهِ إلَّا بِشَرْطِ مِلْكِهِ لِلرَّيْعِ، وَلَمْ أَزَلْ أُفْتِي بِهَذَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ أَكُونَ قَدْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ، وَلَا رَأَيْتُ فِيهِ كَلَامًا لِغَيْرِهِ، وَلَكِنِّي قُلْته تَفَقُّهًا، وَلَا أَظُنُّ لِمَنْ لَهُ نَظَرٌ تَامٌّ فِي الْفِقْهِ يَقُولُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ يَأْكُلُ نَاظِرُ الْوَقْفِ بِمَعْرُوفٍ] ٍ نَصًّا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا، قَالَهُ فِي " الْقَوَاعِدِ " وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَمَلِهِ مَعَ فَقْرِهِ انْتَهَى. (وَلَوْ تَصَادَقَ) مُسْتَحِقُّو وَقْفٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَصَارِفِهِ، وَ (عَلَى) مَقَادِيرِ (اسْتِحْقَاقِهِمْ فِيهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ - (وَنَحْوِهِ) ؛ كَدَفْعِ سَهْمٍ لِمُدَّعٍ اسْتِحْقَاقًا، (ثُمَّ ظَهَرَ كِتَابُ الْوَقْفِ مُنَافِيًا لِمَا تَصَادَقُوا) عَلَيْهِ؛ (عُمِلَ بِهِ) ؛ أَيْ: بِمَا تَضْمَنَّهُ كِتَابُ الْوَقْفِ وُجُوبًا، عَلَى حَسَبِ مَا وَظَّفَهُ الْوَاقِفُ مِنْ تَعْيِينِ مَصَارِفَ وَتَقْدِيرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 وَظَائِفِ، (وَأُلْغِيَ التَّصَادُقُ) الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمْ؛ لِمُخَالِفَتِهِ كِتَابَ الْوَاقِفِ. (أَفْتَى بِهِ) الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (وَ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى (فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ": يَعْمَلُ وَالِي الْمَظَالِمَ فِي وَقْفٍ عَامٍّ) لَيْسَ لَهُ نَاظِرٌ مُعَيَّنٌ بِكِتَابِ (دِيوَانِ حَاكِمٍ) ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْقُضَاةُ سِجِلًّا؛ إذْ هُوَ لِلصِّحَّةِ وَالضَّبْطِ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ. (أَوْ) يَعْمَلُ بِمَا فِي دِيوَانِ (سَلْطَنَةٍ) ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِالدَّفْتَرِ السُّلْطَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونُ التَّزْوِيرِ، وَمَحْفُوظٌ مِنْ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ. (أَوْ) يَعْمَلُ (بِكِتَابِ) وَقْفٍ (قَدِيمٍ) ظَهَرَ، وَعَلَيْهِ أَمَارَاتُ الصِّدْقِ، بِحَيْثُ (يَقَعُ فِي النَّفْسِ صِحَّتُهُ) ، وَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى مَنْ يَشْهَدُ؛ لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّةِ مَا تَضْمَنَّهُ. وَلِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْكِتَابِ الْقَدِيمِ مُتَعَذِّرٌ، فَاكْتُفِيَ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ. (وَلَوْ جَهِلَ) ؛ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ (شَرْطَ) كَيْفِيَّةِ (قَسَمِ وَاقِفِ) غَلَّةٍ مَا وَقَفَهُ، وَأَمْكَنَ التَّأَنُّسَ بِصَرْفِ مَنْ تَقَدَّمَ، مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ؛ رَجَعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَرْجَحُ مِمَّا عَدَاهُ، وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ صَرْفِهِ وَوُقُوعِهِ عَلَى الْوَاقِفِ؛ فَإِنْ تَعَذَّرَ، وَكَانَ الْوَقْفُ عَلَى عِمَارَةٍ أَوْ إصْلَاحٍ؛ صُرِفَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْمٍ؛ (عُمِلَ) - بِالْبِنَاءِ الْمَجْهُولِ - (بِعَادَةٍ جَارِيَةٍ) ، إنْ كَانَتْ، (ثُمَّ) إنْ لَمْ تَكُنْ عَادَةٌ؛ عُمِلَ (بِعُرْفٍ) مُسْتَقِرٍّ فِي الْوَقْفِ فِي مَقَادِيرِ الْوَقْفِ؛ كَفُقَهَاءِ الْمَدَارِسِ؛ (لِأَنَّهُ) - أَيْ: الْعُرْفَ الْمُسْتَقِرَّ - (يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ أَكْثَرَ مِنْ) دَلَالَةِ لَفْظِ (الِاسْتِفَاضَةِ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَلِأَنَّ الْغَالِبَ وُقُوعُ الشَّرْطِ عَلَى وَقْفِهِ وَأَيْضًا فَالْأَصْلُ عَدَمُ تَقْيِيدِ الْوَاقِفِ، فَيَكُونُ مُطْلَقًا، وَالْمُطْلَقُ مِنْهُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْعُرْفِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. (ثُمَّ) إنْ لَمْ تَكُنْ عَادَةٌ، وَلَا عُرْفٌ بِبَلَدِ الْوَقْفِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ بِبَادِيَةٍ لَيْسَ لَهَا عَادَةٌ وَلَا عُرْفٌ، (التَّسَاوِي) ؛ أَيْ: سَاوَى فِيهِ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ ثَبَتَتْ، وَلَمْ يَثْبُتْ التَّفْضِيلُ، فَوَجَبَتْ التَّسْوِيَةُ. وَمَحَلُّ كَوْنِ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ فِي أَيْدِيهِمْ، أَوْ لَا يَدَ لِوَاحِدٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 مِنْهُمْ عَلَيْهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِي يَدِ بَعْضِهِمْ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. كَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ. فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا يُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ. [فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى أَحَدِ أَوْلَادِهِ وَقْفًا وَجُهِلَ اسْمُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ] (فَرْعٌ: أَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ) ، (فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَحَدِ أَوْلَادِهِ) وَقْفًا، (وَجُهِلَ اسْمُهُ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ -؛ (أَنَّهُ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ) ، وَلَوْ وَجَدَ فِي كِتَابِ وَقْفٍ رَجُلًا وَقَفَ (عَلَى فُلَانٍ، وَ) عَلَى (بَنِي بَنِيهِ، وَاشْتَبَهَ هَلْ الْمُرَادُ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: بَيْنَ بَنِيهِ - جَمْعُ ابْنٍ -، أَوْ الْمُرَادُ (بَنِي بِنْتِهِ) ، وَاحِدَةِ الْبَنَاتِ؛ فَيَكُونُ الْوَقْفُ (لِبَنِي الْبَنِينَ) خَاصَّةً، (وَلَا يُشَارِكُهُمْ بَنُو الْبَنَاتِ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ) فِي قَوْلِهِ فِي " الْفُنُونِ ": يَكُونُ بَيْنَهُمَا؛ لِتَسَاوِيهِمَا؛ كَمَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ هَذَا مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ تَرَدُّدِ الْبَيِّنَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ؛ فَالْقِسْمَةُ عِنْدَ التَّعَارُضِ رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ، وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ إمَّا التَّسَاقُطُ وَإِمَّا الْقُرْعَةُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَعَ هُنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَجَّحَ بَنُو الْبَنِينَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِ بَنِيهِ لَا يَخُصُّ مِنْهُمَا الذُّكُورَ، بَلْ يَعُمُّ أَوْلَادَهُمَا، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِ الذُّكُورِ؛ فَإِنَّهُ يَخُصُّ ذُكُورَهُمْ كَثِيرًا كَآبَائِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ وَلَدَ الْبِنْتِ لَسَمَّاهَا بِاسْمِهَا، أَوْ لَشَرَّكَ بَيْنَ وَلَدِهَا وَوَلَدِ سَائِرِ بَنَاتِهِ. قَالَ: وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْإِنْصَافِ. [فَصْلٌ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ] (فَصْلٌ: وَإِذَا لَمْ يَشْرُطْ وَاقِفٌ نَاظِرًا) عَلَى الْمَوْقُوفِ (أَوْ شَرَطَهُ) ؛ أَيْ: النَّظَرَ (لِمُعَيَّنٍ، فَمَاتَ) الْمَشْرُوطُ لَهُ؛ فَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ وِلَايَةُ النَّصْبِ؛ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ النَّصْبَ وَلَا الْعَزْلَ، وَيَكُونُ (نَظَرُهُ لِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، إنْ حُصِرَ) مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ؛ كَأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ زَيْدٍ (فَيَنْظُرُ كُلٌّ) مِنْهُمْ (عَلَى حِصَّتِهِ) كَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ الْمُشْتَرَكِ، سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَغَلَّتَهُ لَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَحْصُورٍ. كَالْوَقْفِ (عَلَى الْفُقَرَاءِ) وَالْمَسَاكِينِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْقُرَّاءِ، فَنَظَرُهُ لِلْحَاكِمِ، وَإِلَّا فَالْمَوْقُوفُ عَلَى مَسْجِدٍ، أَوْ مَدْرَسَةٍ، أَوْ رِبَاطٍ، أَوْ قَنْطَرَةٍ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 أَوْ سِقَايَةٍ، فَنَظَرُهُ (لِحَاكِمِ بَلَدِ الْوَقْفِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ (أَوْ مَنْ يُقِيمُهُ) الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَوْجُودِينَ، وَحَقُّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ؛ فَكَانَ نَظَرُهُ لِلْحَاكِمِ أَوْ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ الْحَاكِمُ. (وَمَنْ أَطْلَقَ النَّظَرَ) مِنْ الْوَاقِفِينَ (لِلْحَاكِمِ) فَلَمْ يُعَيِّنْهُ بِكَوْنِهِ حَنَفِيًّا أَوْ مَالِكِيًّا أَوْ شَافِعِيًّا أَوْ حَنْبَلِيًّا (شَمِلَ) لَفْظُ الْحَاكِمِ (أَيَّ حَاكِمٍ كَانَ، مِنْ أَيِّ مَذْهَبٍ) كَانَ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مَذْهَبُ الْحَاكِمِ مَذْهَبَ حَاكِمِ الْبَلَدِ زَمَنَ الْوَاقِفِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظَرٌ إذَا انْفَرَدَ، وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَيَتَّجِهُ) فِي إطْلَاقِ الْوَاقِفِ النَّظَرَ لِلْحَاكِمِ، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ لِمَنْ بِالْبَلْدَةِ مِنْ الْحُكَّامِ جَمِيعًا (وَلَوْ تَعَدَّدُوا) - أَيْ: حُكَّامُ الْبَلَدِ (لَا إنَّهُ) - أَيْ: أَمْرُ النَّظَرِ -، يَكُونُ (لِلسُّلْطَانِ إذَنْ) أَيْ: حَيْثُ كَانَ مُطْلَقًا (إذْ هُمْ) - أَيْ: الْحُكَّامُ الْمُتَعَدِّدُونَ - (نُوَّابُهُ) - أَيْ: السُّلْطَانِ -، فَيُعْمَلُ بِتَوْجِيهٍ سَابِقٍ مِنْ أَحَدِهِمْ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ وَلَا غَيْرِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ، وَلَا نَقْضُ تَوْجِيهٍ صَدَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ ذَلِكَ بِإِطْلَاقِ الْوَاقِفِ النَّظَرَ، وَبِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْ السُّلْطَانِ، مَأْذُونًا لَهُ فِي تَعَاطِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَهَذَا مِنْهَا (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " وَالْمُنْتَهَى " الْقَائِلِينَ فِي ذَلِكَ (تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ) مِنْهُمْ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَابْنُ قُنْدُسٍ، فَإِنَّهُمَا جَزَمَا بِأَنَّ النَّظَرَ يَكُونُ لِلسُّلْطَانِ مَعَ التَّعَدُّدِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ مَقْبُولٌ، لَوْ سَاعَدَتْهُ النُّقُولُ. وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ ": فَإِنْ تَعَدَّدَ الْحُكَّامُ؛ كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى فِي شَرْحِهِ: قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ نَصْرُ اللَّهِ الْحَنْبَلِيُّ، وَالشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ " " فِي وَقْفٍ شَرَطَ وَاقِفُهُ أَنْ النَّظَرَ فِيهِ لِحَاكِمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 الْمُسْلِمِينَ كَائِنًا مَنْ كَانَ؛ بِأَنَّ الْحُكَّامَ إذَا تَعَدَّدُوا؛ يَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ لِلسُّلْطَانِ، يُوَلِّيهِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ، وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ، وَشِهَابُ الدِّينِ الْبَاعُونِيُّ، وَابْنُ الْهَائِمِ، وَالتَّفْهَنِيُّ الْحَنَفِيُّ، وَالْبِسَاطِيُّ الْمَالِكِيُّ. (فَلَوْ وَلَّى كُلٌّ مِنْهُمَا) - أَيْ: الْحَاكِمَيْنِ -، أَوْ الْحُكَّامِ الْمُتَعَدِّدِينَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ (شَخْصًا؛ صَحَّ، وَقَدَّمَ السُّلْطَانُ أَحَقَّهُمَا) - أَيْ: الشَّخْصَيْنِ -؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِذَلِكَ، إنْ اتَّحَدَا تَارِيخًا، وَلَا يَشْتَرِكَانِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا وُلِّيَ لِيَنْظُرَ فِيهِ عَلَى انْفِرَادِهِ، فَكَانَ أَحَقُّهُمَا بِذَلِكَ أَوْلَى، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْأَحَقِّيَّةِ؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. (وَلَوْ فَوَّضَهُ) - أَيْ: النَّظَرَ - (حَاكِمٌ) لِإِنْسَانٍ (لَمْ يَجُزْ) لِحَاكِمٍ آخَرَ (نَقْضُهُ) قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَاسُوا التَّفْوِيضَ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ قَبْلَهُ. انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْحَاكِمَ لَهُ نَصْبُ نَاظِرٍ وَعَزْلُهُ. إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا تَعَدَّدَتْ الْحُكَّامُ، وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا حَاكِمٌ وَاحِدٌ، بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ. أَوْ يُقَالُ النَّصْبُ بِمَعْنَى التَّوْكِيلِ، أَوْ التَّفْوِيضُ إسْنَادُهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ (بَلْ يَنْظُرُ) الْحَاكِمُ (مَعَهُ) - أَيْ: مَعَ الْمُفَوَّضِ لَهُ النَّظَرُ، حِفْظًا لِلْوَقْفِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (لَا يَجُوزُ لِوَاقِفٍ شَرْطَ نَظَرٍ لِذِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ دَائِمًا) وَهَذَا اخْتِيَارُ مِنْهُ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ. (وَمَنْ شَرَطَهُ) - أَيْ: النَّظَرَ - (لِفُلَانٍ، فَإِنْ مَاتَ فَفُلَانٍ) بِأَنْ قَالَ الْوَاقِفُ: النَّظَرُ لِزَيْدٍ، فَإِنْ مَاتَ فَلِعَمْرٍو مَثَلًا (فَعَزَلَ) زَيْدٌ (نَفْسَهُ، أَوْ فَسَقَ) وَقُلْنَا: يَنْعَزِلُ (فَكَمَوْتِهِ) لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ الْمَوْتَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ فَلَا يُعْتَدُّ بِمَفْهُومِهِ، وَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ النَّظَرِ لِغَيْرِهِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إدْخَالٌ فِي الْوَقْفِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ، وَحَقُّهُ بَاقٍ. فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى عَدَمِ التَّصَرُّفِ؛ انْتَقَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 إلَى مَنْ يَلِيهِ، كَمَا لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَلِيهِ؛ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (وَ) إنْ شَرَطَ النَّظَرَ (لِأَفْضَلِ أَوْلَادِهِ) أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ؛ فَالنَّظَرُ لَهُ - أَيْ: لِلْأَفْضَلِ مِنْهُمْ؛ عَمَلًا بِالشَّرْطِ (فَإِنْ أَبَى) الْأَفْضَلُ الْقَبُولَ (فَ) النَّظَرُ (لِمَنْ يَلِيهِ) كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. (وَلَوْ وَلِيَهُ) - أَيْ: النَّظَرَ (الْأَفْضَلُ، فَحَدَثَ) مَنْ هُوَ (أَفْضَلُ مِنْهُ انْتَقَلَ) النَّظَرُ (إلَيْهِ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِيهِ (فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ) فِي الْفَضْلِ (اشْتَرَكَا) فِي النَّظَرِ. (وَ) إنْ شَرَطَ النَّظَرَ (لِاثْنَيْنِ مِنْ أَفَاضِلِ وَلَدِهِ) - أَيْ: الْوَاقِفِ - (فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا) فَاضِلٌ (وَاحِدٌ) مِنْ أَوْلَادِهِ (ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ) يَنْظُرُ مَعَهُ؛ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ جَعَلَهُ) - أَيْ: النَّظَرَ - (لِاثْنَيْنِ غَيْرِ مُسْتَقِلَّيْنِ) لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بِلَا شَرْطِ وَاقِفٍ، كَالْوَكِيلَيْنِ وَالْوَصِيَّيْنِ عَنْ وَاحِدٍ (فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ انْعَزَلَ) ضُمَّ إلَى الْحَيِّ أَمِينٌ يَنْظُرُ مَعَهُ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. (وَشُرِطَ فِي نَاظِرٍ أَجْنَبِيٍّ) - أَيْ: غَيْرِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ - وَكَذَا إنْ كَانَ لِبَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ إنْ كَانَتْ (وِلَايَتُهُ مِنْ حَاكِمٍ) كَوَقْفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ غَيْرِ مَحْصُورِينَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاقِفُهُ نَاظِرًا، فَفَوَّضَهُ الْحَاكِمُ إلَى إنْسَانٍ (أَوْ) كَانَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ (نَاظِرٍ أَصَالَةً) أَيْ: بِجَعْلِ الْوَاقِفِ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ بِدُونِهِ إنْ جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ (إسْلَامٌ) إنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا، أَوْ كَانَتْ جِهَةٌ مِنْ جِهَاتِ الْإِسْلَامِ؛ كَمَسْجِدٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى كَافِرٍ مُعَيَّنٍ؛ جَازَ شَرْطُ النَّظَرِ فِيهِ لِكَافِرٍ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْكُفَّارِ، وَشَرَطَ النَّظَرَ لِأَحَدِهِمْ، أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 فَيَصِحُّ، كَمَا فِي وَصِيَّةِ الْكَافِرِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ، أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي وَغَيْرُهُ. (وَ) شُرِطَ أَيْضًا فِي النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ (تَكْلِيفٌ) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَنْظُرُ فِي مِلْكِهِ الطَّلْقِ، فَفِي الْوَقْفِ أَوْلَى. (وَ) شُرِطَ فِيهِ أَيْضًا (رُشْدٌ) لِأَنَّ السَّفِيهَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ فِي مَالِهِ؛ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِهِ. (وَ) شُرِطَ فِيهِ أَيْضًا (كِفَايَةٌ لِتَصَرُّفٍ، وَخِبْرَةٌ) - أَيْ: عِلْمٌ - (بِهِ) - أَيْ: التَّصَرُّفِ (وَقُوَّةٌ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْوَقْفِ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُتَصَرِّفُ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لَمْ يُمْكِنْهُ مُرَاعَاةُ حِفْظِ الْوَقْفِ، وَلَا تُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الذُّكُورِيَّةُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى بِالنَّظَرِ لِحَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (وَيَضُمُّ) لِنَاظِرٍ (ضَعِيفٍ) تَعَيَّنَ كَوْنُهُ نَاظِرًا، بِشَرْطِ وَاقِفٍ، أَوْ كَوْنُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (قَوِيًّا أَمِينًا) لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ (وَ) إنْ كَانَتْ الْوِلَايَةُ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ نَاظِرٍ أَصْلِيٍّ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الـ (عَدَالَةِ) فِيهِ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى مَالٍ، فَاشْتُرِطَ لَهَا الْعَدَالَةُ، كَالْوِلَايَةِ، عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَجْنَبِيُّ الْمُوَلَّى مِنْ حَاكِمٍ أَوْ نَاظِرٍ أَصْلِيٍّ عَدْلًا؛ لَمْ تَصِحَّ وِلَايَتُهُ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْعَدَالَةُ، وَأُزِيلَتْ يَدُهُ عَنْ الْوَقْفِ حِفْظًا لَهُ. (فَإِنْ فَسَقَ مَنْصُوبُ حَاكِمٍ) بَعْدَ أَنْ كَانَ عَدْلًا؛ عُزِلَ (أَوْ أَصَرَّ مُتَصَرِّفًا بِخِلَافِ الشَّرْطِ) الصَّحِيحِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ (عُزِلَ) مِنْ التَّوْلِيَةِ، وَأُزِيلَتْ يَدُهُ عَنْ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ مَا مَنَعَ التَّوْلِيَةَ ابْتِدَاءُ مَنْعِهَا دَوَامًا (فَإِنْ عَادَ) إلَى أَهْلِيَّتِهِ (عَادَ حَقُّهُ) مِنْ النَّظَرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِأَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى أَهْلِيَّتِهِ عَادَ حَقُّهُ (كَوَصِيٍّ) عُزِلَ لِمُقْتَضٍ ثُمَّ زَالَ؛ فَيُعَادُ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى أَهْلِيَّتِهِ؛ يُعَادُ إلَى النَّظَرِ (مَا لَمْ يُقَرِّرْ) الْحَاكِمُ شَخْصًا (غَيْرَهُ قَبْلَ) عَوْدِهِ، فَإِنْ قَرَّرَهُ قَبْلَ عَوْدِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ إزَالَتُهُ بِدُونِ مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ؛ لِمُصَادَفَةِ تَقْرِيرِهِ مَحَلَّهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 (وَ) إنْ وُلِّيَ النَّظَرَ أَجْنَبِيٌّ (مِنْ وَاقِفٍ) بِأَنْ شَرَطَهُ لَهُ (وَهُوَ) - أَيْ: الْأَجْنَبِيُّ - (فَاسِقٌ أَوْ) وَهُوَ عَدْلٌ، ثُمَّ (فَسَقَ؛ يُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ) لِحِفْظِ الْوَقْفِ، وَلَمْ تَزُلْ يَدُهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَمَتَى لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُهُ مِنْهُ؛ أُزِيلَتْ وِلَايَتُهُ، فَإِنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْوَقْفِ أَهَمُّ مِنْ إبْقَاءِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، إمَّا بِجَعْلِهِ) أَيْ: الْوَاقِفِ النَّظَرَ (لَهُ) أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (أَوْ لِكَوْنِهِ) أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (أَحَقَّ) بِالنَّظَرِ (لِعَدَمِ) تَعْيِينِ (غَيْرِهِ؛ فَهُوَ) أَيْ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (مَعَ رُشْدٍ أَحَقُّ) بِالنَّظَرِ (مُطْلَقًا) أَيْ: عَدْلًا كَانَ، أَوْ فَاسِقًا، رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْوَقْفَ، فَهُوَ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ رَشِيدٍ، وَلَمْ يُشْرَطْ النَّظَرُ لِغَيْرِهِ (فَوَلِيُّهُ) يَقُومُ بِالنَّظَرِ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ، فَهُوَ كَمِلْكِهِ الطَّلْقِ. (وَلَوْ شَرَطَهُ) أَيْ: النَّظَرَ (وَاقِفٌ لِغَيْرِهِ) مِنْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ عَزَلَهُ (لَمْ يَصِحَّ عَزْلُهُ لَهُ) كَإِخْرَاجِ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ (إلَّا إنْ شَرَطَ) الْوَاقِفُ (لِنَفْسِهِ، وِلَايَةَ الْعَزْلِ) فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَلَهُ شَرْطُهُ. (وَ) إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ (لِنَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ) أَيْ: النَّظَرَ (لِغَيْرِهِ، أَوْ أَسْنَدَهُ، أَوْ فَوَّضَهُ) أَيْ: النَّظَرَ (إلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ: جَعَلْت النَّظَرَ، أَوْ فَوَّضْته، أَوْ أَسْنَدْته إلَى زَيْدٍ (فَلَهُ) أَيْ: الْوَاقِفِ (عَزْلُهُ) أَيْ: الْمَجْعُولِ أَوْ الْمُسْنَدِ أَوْ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ (لِأَنَّهُ نَائِبُهُ) أَشْبَهَ الْوَكِيلَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 (وَلِنَاظِرٍ بِأَصَالَةٍ كَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ) إنْ كَانَ مُعَيَّنًا (وَحَاكِمٍ) فِيمَا وَقَفَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ غَيْرَهُ (نُصِّبَ) وَكِيلٌ عَنْهُ (وَعَزَلَهُ) لِأَصَالَةِ وِلَايَتِهِ، أَشْبَهَ الْمُتَصَرِّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَتَصَرُّفَ الْحَاكِمِ فِي مَالِ يَتِيمٍ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَحَاكِمٍ عَزْلُ وَكِيلِهِ (وَلَوْ بِلَا جُنْحَةٍ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَكَوْنُهُ لَهُ عَزْلُهُ (لِأَصَالَةِ نَظَرِهِ فَهُوَ) أَيْ: مَنْ نَصَّبَهُ النَّاظِرُ أَوْ الْحَاكِمُ (نَائِبُهُ) كَمَا فِي الْمُطْلَقِ، وَلَهُ الْوَصِيَّةُ لِنَظَرٍ؛ لِأَصَالَةِ الْوِلَايَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: (وَلِلْمُسْتَنِيبِ عَزْلُ نَائِبِهِ مَتَى شَاءَ) لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ، وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ مَتَى شَاءَ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ النَّائِبَ وَكِيلٌ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ (فَلَوْ فَوَّضَهُ) أَيْ: النَّظَرَ (حَاكِمٌ) لِشَخْصٍ؛ وَعُزِلَ الْحَاكِمُ لِطُرُوِّ فِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ مَاتَ (جَازَ) لِحَاكِمٍ (آخَرَ نَقْضُهُ) - أَيْ: نَقْضُ مَا فَوَّضَهُ -؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ، وَمَتَى عُزِلَ الْأَصِيلُ، أَوْ مَاتَ عُزِلَ الْوَكِيلُ. (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " وَالْمُنْتَهَى " (فِيمَا يُوهِمُ) خِلَافَ ذَلِكَ. وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ ": وَلِنَاظِرٍ - وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ - وَلِحَاكِمٍ نَصْبُ نَاظِرٍ، وَعَزْلُهُ. وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى ": وَلِنَاظِرٍ بِأَصَالَةٍ، كَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَحَاكِمٍ، نَصْبٌ وَعَزْلٌ. فَاقْتِصَارُهُمَا عَلَى أَنَّ النَّصْبَ وَالْعَزْلَ لِلنَّاظِرِ وَالْحَاكِمِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِحَاكِمٍ آخَرَ نَقْضُ مَا فَوَّضَهُ حَاكِمٌ قَبْلَهُ، مَعَ أَنَّ الْمُقْتَضَى خِلَافُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَفْوِيضَ النَّاظِرِ بِالْأَصَالَةِ أَوْ الْحَاكِمِ، إنَّمَا هُوَ اسْتِنَابَةٌ قَائِمَةٌ مَقَامَ التَّوْكِيلِ، فَإِذَا طَرَأَ الْعَزْلُ عَلَى أَحَدِهِمَا؛ فَلِمَنْ لَهُ التَّوْلِيَةُ بَعْدَهُ نَقْضُ مَا فَعَلَهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ فَوَّضَ النَّظَرَ حَاكِمٌ؛ لَمْ يَجُزْ لِآخَرَ نَقْضُهُ فَإِنَّهُ هُنَاكَ إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ مَعَ تَعَدُّدِ الْحُكَّامِ، وَهُنَا مَعَ الِانْفِرَادِ، فَانْتَفَى التَّعَارُضُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 (وَلَا يُنَصَّبُ) نَاظِرٌ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ مُسْتَفَادٌ بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ النَّصْبُ لَهُ، وَلَوْ مَاتَ النَّاظِرُ بِالشَّرْطِ فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ، لَمْ يَمْلِكْ الْوَاقِفُ نَصْبَ غَيْرِهِ بِدُونِ شَرْطٍ، أَيْ بِدُونِ شَرْطِ وِلَايَةِ النَّصْبِ لِنَفْسِهِ، وَانْتَقَلَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وَفَاةِ الْوَاقِفِ، فَكَذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ. (وَلَا يَعْزِلُ نَاظِرٌ بِشَرْطٍ) نَاظِرًا حَيْثُ أَقَامَهُ هُوَ. فَقَوْلُهُ: وَلَا يَعْزِلُ، فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ إذْ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ النَّصْبِ أَصَالَةً، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: وَلَا يَعْزِلُ؛ إذْ لَيْسَ ثَمَّ مَنْصُوبًا يَعْزِلُهُ. (وَلَا يُوصِي) نَاظِرٌ بِشَرْطٍ (بِهِ) ؛ أَيْ: بِالنَّظَرِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُشْرَطْ الْإِيصَاءُ لَهُ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ لَا، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ الْعَمَلَ بِوَصِيَّتِهِ بِالنَّظَرِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ (بِلَا شَرْطِ وَاقِفٍ) أَمَّا لَوْ جَعَلَ لَهُ الْوَاقِفُ أَنْ يُوصِيَ؛ صَحَّ إيصَاؤُهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْمَشْرُوطُ فَالْأَشْبَهُ أَنَّ لَهُ النَّصْبَ؛ لِأَصَالَةِ وِلَايَتِهِ؛ إذْ الشَّرْطُ كَالْمُؤَكِّدِ لِمُقْتَضَى الْوَقْفِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ أَسْنَدَ) الْوَاقِفُ النَّظَرَ (لِاثْنَيْنِ) فَأَكْثَرَ، مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ غَيْرِهِمْ، أَوْ جَعَلَ النَّظَرَ الْحَاكِمُ أَوْ النَّاظِرُ الْأَصْلِيُّ إلَيْهِمَا (لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا) عَنْ الْآخَرِ (بِلَا شَرْط) لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَرْضَ بِوَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا وَاحِدٌ، وَأَبَى أَحَدُهُمَا، أَوْ مَاتَ؛ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ آخَرَ. (وَإِنْ شَرَطَ) وَاقِفٌ (النَّظَرَ لِكُلِّ مِنْهُمَا) بِأَنْ قَالَ: جَعَلْت النَّظَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَوْ) جَعَلَ (التَّصَرُّفَ لِوَاحِدٍ، أَوْ) جَعَلَ (الْيَدَ لِآخَرَ) صَحَّ (أَوْ) جَعَلَ (عِمَارَتَهُ) أَيْ: الْوَقْفَ (لِوَاحِدٍ، وَ) جَعَلَ (تَحْصِيلَ رِيعِهِ لِآخَرَ؛ صَحَّ) تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا. وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ أَبَى؛ لَمْ يُحْتَجْ إلَى إقَامَةِ آخَرَ، وَاسْتَقَلَّ الْمَوْجُودُ مِنْهُمَا بِالنَّظَرِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 (فَلَوْ) تَنَازَعَ نَاظِرَانِ غَيْرُ مُسْتَقِلَّيْنِ بِالتَّصَرُّفِ فِي نَصْبِ إمَامٍ، نَصَّبَ أَحَدُهُمَا زَيْدًا، وَالْآخَرُ عَمْرًا؛ لَمْ تَنْعَقِدْ وِلَايَةُ الْإِمَامَةِ لِأَحَدِهِمَا، لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا. وَإِنْ اسْتَقَلَّا وَ (قُرِّرَا فِي وَظِيفَةٍ) وَسَبَقَ نَصْبُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ؛ انْعَقَدَتْ وَ (قُدِّمَ الْأَسْبَقُ) مِنْهُمَا دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لَمْ تُصَادِفْ مَحَلًّا (وَإِلَّا) بِأَنْ اتَّحَدَ وَاسْتَوَى الْمَنْصُوبَانِ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ صَاحِبُهُ قُدِّمَ؛ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. (وَيَتَّجِهُ) وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِيمَا وَظَّفَهُ (فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاكُ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (فِي) وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ، كَإِمَامَةٍ أَوْ خَطَابَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ (وَظَائِفِ أَوْقَافٍ حَقِيقِيَّةٍ) كَأَوْقَافِ التُّجَّارِ وَنَحْوِهِمْ؛ كَمَا لَا يَجُوزُ جَمْعُ شَخْصٍ وَاحِدٍ جُمْلَةً مِنْ الْوَظَائِفِ فِي وَقْفٍ، وَيَأْتِي. (بَلْ) يَجُوزُ اشْتِرَاكُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي وَظِيفَةٍ فِي أَوْقَافٍ صُورِيَّةٍ (كَأَوْقَافِ) الْأُمَرَاءِ وَ (الْمُلُوكِ) فَإِنَّ أَوْقَافَهُمْ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، وَأَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ فَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ. وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ وَقْفَ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى جِهَاتِ الْخَيْرِ نُورُ الدِّينِ الشَّهِيدُ صَاحِبُ دِمَشْقَ، ثُمَّ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ صَاحِبُ مِصْرَ لَمَّا اسْتَفْتَيَا ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ فَأَفْتَاهُمَا بِالْجَوَازِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إرْصَادٌ وَإِفْرَازٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ مُسْتَحِقِّيهِ، لِيَصِلُوا إلَيْهِ بِسُهُولَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ حَقِيقِيٌّ؛ إذْ مِنْ شَرْطِ الْمَوْقُوفِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ، وَالسُّلْطَانُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِذَلِكَ. وَوَافَقَ ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ عَلَى فَتْوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ، مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ. وَحَيْثُ كَانَتْ هَذِهِ الْأَوْقَافُ الصُّورِيَّةُ إفْرَازًا وَإِرْصَادًا؛ فَلِلسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي ذَلِكَ، أَنْ يُقِيمَ وَكِيلًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ بِإِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا؛ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا رِيبَةَ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِ هَذَا النَّاظِرِ الْمَنْصُوبِ وَكِيلًا عَمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 (وَلَا نَظَرَ لِحَاكِمٍ مَعَ نَاظِرٍ خَاصٍّ) أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَيَتَوَجَّهُ) عَدَمُ النَّظَرِ لِغَيْرِ النَّاظِرِ (مَعَ حُضُورِهِ) فِي الْبَلَدِ، أَمَّا إذَا غَابَ النَّاظِرُ (فَيُقَرَّرُ حَاكِمٌ فِي وَظِيفَةٍ خَلَتْ فِي غَيْبَتِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْقِيَامِ بِلَفْظِ الْوَاقِفِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَدَوَامِ نَفْعِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُهُ وَلَا حُجَّةَ فِي تَوْلِيَةِ الْأَئِمَّةِ مَعَ الْبُعْدِ لِمَنْعِهِمْ غَيْرَهُمْ التَّوْلِيَةَ، فَنَظِيرُهُ مَنْعُ الْوَاقِفِ التَّوْلِيَةَ لِغَيْبَةِ النَّاظِرِ. (انْتَهَى) . وَعَلَى هَذَا لَوْ وَلَّى النَّاظِرُ الْغَائِبُ إنْسَانًا، وَوَلَّى الْحَاكِمُ آخَرَ؛ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ تَوْلِيَةً مِنْهُمَا (لَكِنْ لَهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (النَّظَرُ الْعَامُّ، فَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى النَّاظِرِ الْخَاصِّ (إنْ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ) لَهُ فِعْلُهُ؛ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ (وَلَهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (ضَمُّ أَمِينٍ) إلَى النَّاظِرِ الْخَاصِّ (مَعَ تَفْرِيطِهِ أَوْ تُهْمَتِهِ؛ لِيَحْصُلَ) بِالْأَمِينِ (الْمَقْصُودِ) مِنْ حِفْظِ الْوَقْفِ، وَاسْتِصْحَابِ يَدِ مَنْ أَرَادَهُ الْوَاقِفُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ إلَى رَأْيِ الثَّانِي، وَلَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِإِذْنِهِ؛ لِيَحْصُلَ الْغَرَضُ مِنْ نَصْبِهِ. وَكَذَا إذَا ضُمَّ إلَى ضَعِيفٍ قَوِيٌّ مُعَاوِنًا لَهُ، فَلَا تَزَالُ يَدُ الْأَوَّلِ عَنْ الْمَالِ، وَلَا نَظَرِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ النَّاظِرُ دُونَ الثَّانِي، هَذَا قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُوصَى لَهُ. (وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ عَلَى نَاظِرٍ أَمِينٍ) وَلَّاهُ الْوَاقِفُ، وَلَهُمْ مَسْأَلَتُهُ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إلَى عِلْمِهِ مِنْ أَمْرِ وَقْفِهِمْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ عِلْمُهُمْ وَعِلْمُهُ فِيهِ (وَلَهُمْ) أَيْ: أَهْلِ الْوَقْفِ (الْمُطَالَبَةُ بِانْتِسَاخِ كِتَابِ الْوَقْفِ) . لِتَكُونَ نُسْخَتُهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَثِيقَةً لَهُمْ. (وَلِلنَّاظِرِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْوَقْفِ (بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ لِمَصْلَحَةٍ؛ كَشِرَاءٍ لِلْوَقْفِ نَسِيئَةً، أَوْ شِرَاءٍ بِنَقْدٍ لَمْ يُعِنْهُ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِي قَرْضِهِ مَالًا كَوَلِيٍّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى النَّاظِرِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَاكِمُ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 غَيْرُهُ (نَصْبُ) جَابٍ (مُسْتَوْفٍ لِلْعُمَّالِ) عَلَى الْوَقْفِ (الْمُتَفَرِّقِينَ) وَظَائِفَهُ الْقَائِمِينَ بِهَا، وَلَهُ أَنْ يَفْرِضَ لِكُلٍّ عَلَى عَمَلِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِثْلُهُ، فِي كُلِّ مَالٍ يَعْمَلُ فِيهِ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ (إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ) - أَيْ: الْمُسْتَوْفِي - أَوْ لَمْ تَتِمَّ مَصْلَحَةٌ إلَّا بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ وَتَمَّتْ الْمَصْلَحَةُ بِدُونِهِ لِقِلَّةِ الْأَعْمَالِ، وَمُبَاشَرَتِهِ الْحِسَابَ بِنَفْسِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ نَصْبُهُ، وَلِهَذَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَدِينَةِ يُبَاشِرُ الْحُكْمَ وَاسْتِيفَاءَ الْحِسَابِ بِنَفْسِهِ، وَيُوَلِّي مَعَ الْبُعْدِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَإِذَا قَامَ الْمُسْتَوْفِي بِمَا عَلَيْهِ) مِنْ الْعَمَلِ (اسْتَحَقَّ مَا فُرِضَ لَهُ) وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ؛ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ. (وَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ نَصْبُ دِيوَانٍ) يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا (لِحِسَابِ أَمْوَالِ الْأَوْقَافِ) عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ ؛ كَمَا لَهُ نَصْبُ دَوَاوِينَ لِحِسَابِ (الْأُمُورِ السُّلْطَانِيَّةِ) كَالْفَيْءِ وَغَيْرِهِ، مِمَّا يَئُولُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ تَرِكَاتٍ وَنَحْوِهَا. [فَصْلٌ وَظِيفَةُ نَاظِرِ الْوَقْفِ] (فَصْلٌ: وَوَظِيفَةُ نَاظِرٍ حِفْظُ وَقْفٍ، وَعِمَارَتُهُ، وَإِيجَارُهُ، وَزَرْعُهُ، وَمُخَاصَمَةٌ فِيهِ، وَتَحْصِيلُ رِيعِهِ مِنْ أُجْرَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَنْمِيَتِهِ، وَصَرْفُهُ فِي جِهَاتِهِ) بِمَا تَحْصُلُ بِهِ تَنْمِيَتُهُ (مِنْ عِمَارَةٍ، وَإِصْلَاحٍ، وَإِعْطَاءِ مُسْتَحِقٍّ) وَتَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ؛ يُقْبَلُ قَوْلُ النَّاظِرِ الْمُتَبَرِّعِ فِي دَفْعِ الْمُسْتَحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " وَلَا يُعْمَلُ بِالدَّفْتَرِ الْمَمْضِيِّ الْمَعْرُوفِ فِي زَمَنِنَا بِالْمُحَاسَبَاتِ، فِي مَنْعِ مُسْتَحَقٍّ وَنَحْوِهِ، إذَا كَانَ بِمُجَرَّدِ إمْلَاءِ النَّاظِرِ وَالْكَاتِبِ عَلَى مَا اُعْتِيدَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ. وَقَدْ أَفْتَى بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي عَصْرِنَا. (وَنَحْوُهُ) كَشِرَاءِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ هُوَ الَّذِي يَلِي الْوَقْفَ، وَحِفْظُهُ وَحِفْظُ رِيعِهِ، وَتَنْفِيذُ شَرْطِ وَاقِفِهِ، وَطَلَبُ الْحَظِّ مَطْلُوبٌ فِيهِ شَرْعًا، فَكَانَ ذَلِكَ إلَى النَّاظِرِ. (وَلَهُ) - أَيْ: النَّاظِرِ - (وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ -، وَعَلَى رِيعِهِ (وَ) لَهُ (التَّقْرِيرُ فِي وَظَائِفِهِ) ذَكَرُوهُ فِي نَاظِرِ الْمَسْجِدِ، فَيُنَصِّبُ مَنْ يَقُومُ بِوَظَائِفِهِ، مِنْ إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَقَيِّمٍ وَغَيْرِهِمْ؛ كَمَا أَنَّ لِلنَّاظِرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ نَصْبَ مَنْ يَقُومُ بِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ، مِنْ جَابٍ وَحَافِظٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَمَتَى امْتَنَعَ مِنْ نَصْبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 مَنْ يَجِبُ نَصْبُهُ؛ نَصَّبَهُ الْحَاكِمُ؛ كَوَلِيِّ النِّكَاحِ إذَا عَضَلَ، وَإِنْ طَلَبَ عَلَى النَّصْبِ جُعْلًا سَقَطَ حَقُّهُ، وَقَرَّرَ الْحَاكِمُ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ. وَلَيْسَ لِمُتَكَلِّمٍ عَلَى وَقْفٍ، مِنْ نَاظِرٍ وَغَيْرِهِ، تَقْرِيرُ نَفْسِهِ، أَوْ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ؛ كَوَلَدِهِ وَنَحْوِهِ، فِي شَيْءٍ مِنْ وَظَائِفِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُمْ كَهُوَ؛ وَلِذَلِكَ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ لَهُ وَلَا لَهُمْ؛ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ مَعَ كَوْنِهِ نَاظِرًا أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا لِوَقْفٍ، وَلَا مُبَاشِرًا فِيهِ، وَلَا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِغَيْرِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ، أَفْتَى بِذَلِكَ ابْنُ النَّجَّارِ. (وَلَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ) [عَلَى نَصْبِهِ]- أَيْ: النَّاظِرِ، وَلَا الْإِمَامِ (إلَّا بِشَرْطٍ) مِنْ الْوَاقِفِ، فَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي الصَّرْفِ نَصْبَ النَّاظِرِ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ كَالْمُدَرِّسِ وَالْمُعِيدِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ بِالْمَدْرَسَةِ مَثَلًا؛ فَلَا إشْكَالَ فِي تَوَقُّفِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى نَصْبِ النَّاظِرِ لَهُ، عَمَلًا بِالشَّرْطِ، وَإِلَّا يَشْرِطُ الْوَاقِفُ نَصْبَ النَّاظِرِ لِلْمُسْتَحِقِّ، بَلْ قَالَ: وَيَصْرِفُ النَّاظِرُ إلَى مُدَرِّسٍ أَوْ مُعِيدٍ أَوْ مُتَفَقِّهَةٍ بِالْمَدْرَسَةِ؛ فَلَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى نَصْبِ نَاظِرٍ وَلَا إمَامٍ. (فَلَوْ انْتَصَبَ بِمَدْرَسَةٍ مُدَرِّسٌ أَوْ مُعِيدٌ وَأَذْعَنَ لَهُ) الطَّلَبَةُ (بِالِاسْتِفَادَةِ، وَتَأَهَّلَ لِذَلِكَ؛ اسْتَحَقَّ، وَلَمْ يُنَازَعْ) لِوُجُودِ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ الشَّيْخِ غَيْرُ شَرْطٍ فِي جَوَازِ التَّصَدِّي لِلْإِقْرَاءِ وَالْإِفَادَةِ، فَمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَهْلِيَّةَ؛ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ أَحَدٌ، وَعَلَى ذَلِكَ السَّلَفُ، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ عِلْمٍ، وَفِي الْإِقْرَاءِ وَالْإِفْتَاءِ، خِلَافًا لِمَا يَتَوَهَّمُهُ الْأَغْبِيَاءُ مِنْ اعْتِقَادِ كَوْنِهِمَا شَرْطًا. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ ": وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا إجْمَاعًا، بَلْ إنْ عَلِمَ أَهْلِيَّتَهُ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِجَازَةُ، أَوْ عَدِمَهَا؛ حَرُمَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَادَّعَى ابْنُ خَيْرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُلَ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ رِوَايَةٌ - وَلَوْ بِالْإِجَازَةِ - انْتَهَى. (وَكَذَا لَوْ أَقَامَ بِهَا) أَيْ: الْمَدْرَسَةِ (طَالِبٌ مُتَفَقِّهًا) وَلَوْ لَمْ يُنَصِّبْهُ نَاصِبٌ اسْتَحَقَّ؛ لِوُجُودِ التَّفَقُّهِ (وَكَذَا) لَوْ شُرِطَ الصَّرْفُ الْمُطْلَقُ إلَى (إمَامِ) مَسْجِدٍ (وَنَحْوِ مُؤَذِّنِهِ) كَقَيِّمِهِ فَأَمَّ إمَامٌ، وَرَضِيَهُ الْجِيرَانُ أَوْ أَذَّنَ فِيهِ مُؤَذِّنٌ، أَوْ قَامَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 بِخِدْمَةِ الْمَسْجِدِ قَائِمٌ؛ كَانَ مُسْتَحِقًّا؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَمَعَ شَرْطِ وَاقِفٍ نَحْوِ نَاظِرٍ) كَأَمِينٍ (وَمُدَرِّسٍ وَمُعِيدٍ وَإِمَامٍ لَمْ يَجُزْ قِيَامُ شَخْصٍ) وَاحِدٍ بِالْوَظَائِفِ كُلِّهَا (وَلَوْ أَمْكَنَهُ جَمْعٌ بَيْنَهَا) صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ الْكَبِيرِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ أَمْكَنَ النَّاظِرُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْوَظَائِفِ لِوَاحِدٍ فَعَلَ. (وَ) قَالَ (فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ") وَ (لَا) يَجُوزُ أَنْ (يَؤُمَّ) فِي الْمَسَاجِدِ السُّلْطَانِيَّةِ وَهِيَ (الْجَوَامِعُ الْكِبَارُ إلَّا مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ) لِئَلَّا يُفْتَأَتَ عَلَيْهِ فِيمَا وُكِّلَ إلَيْهِ، وَإِنْ نَدَبَ لَهُ إمَامَيْنِ، وَخَصَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؛ جَازَ؛ كَمَا فِي تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِصَلَاةِ النَّهَارِ وَالْآخَرِ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، فَإِنْ لَمْ يُخَصِّصْ فَهُمَا سَوَاءٌ وَأَيُّهُمَا سَبَقَ كَانَ أَحَقَّ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَؤُمَّ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِقَوْمٍ آخَرِينَ وَإِنْ حَضَرَا مَعًا وَتَنَازَعَا؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا؛ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. (وَيَسْتَنِيبُ) مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ (إنْ غَابَ) وَيَصِيرُ نَائِبُهُ أَحَقَّ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَإِنْ غَابَ وَلَمْ يُقِمْ نَائِبًا؛ فَيُقَدَّمُ مَنْ رَضِيَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ؛ لِتَعَذُّرِ إذْنِهِ (وَمَا بَنَاهُ أَهْلُ الشَّوَارِعِ وَالْقَبَائِلِ مِنْ الْمَسَاجِدِ فَالْإِمَامَةُ لِمَنْ رَضُوهُ) لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ فِي أَئِمَّةِ مَسَاجِدِهِمْ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) اتِّفَاقُهُمْ عَلَى وَاحِدٍ (فَلِرَئِيسِ الْقَرْيَةِ) نَصْبُ إمَامٍ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِهِ (وَلَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ الرِّضَا) بِهِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ (عَزْلُهُ) عَنْ إمَامَتِهِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُمْ بِهِ كَالْوِلَايَةِ، فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ) بِنَحْوِ فِسْقٍ أَوْ مَا يَمْنَعُ الْإِمَامَةَ (لَكِنْ يَسْتَنِيبُ إنْ غَابَ) قَالَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْجِيرَانِ لَهُ لَيْسَ وِلَايَةً، وَإِنَّمَا قُدِّمَ لِرِضَاهُمْ بِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رِضَاهُمْ بِهِ الرِّضَى بِنَائِبِهِ كَمَا فِي الْوَصِيِّ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَيِّتٍ، بِخِلَافِ مَنْ وَلَّاهُ النَّاظِرُ أَوْ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ صَارَ لَهُ بِالْوِلَايَةِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ (وَأَقَلُّ مَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْإِمَامِ) الَّذِي نَصَّبَهُ جِيرَانُ الْمَسْجِدِ أَوْ رَئِيسُ الْقَرْيَةِ (الْعَدَالَةُ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَالْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ) فِي الصَّلَاةِ (وَالْعِلْمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ) وَمَا يُعْتَبَرُ بِهَا مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ. (قَالَ الْحَارِثِيُّ) : فَجُعِلَ نَصْبُ الْإِمَامِ فِي هَذَا النَّوْعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ أَيْ: جِيرَانِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ لِلْإِمَامِ النَّصْبَ أَيْضًا) لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ (لَكِنْ لَا يُنَصِّبُ إلَّا بِرِضَى الْجِيرَانِ) عِبَارَتُهُ لَا يُنَصِّبُ إلَّا مَنْ يَرْضَاهُ الْجِيرَانُ (وَكَذَا نَاظِرٌ خَاصٌّ، فَلَا يُنَصِّبُ مَنْ لَا يَرْضَوْنَهُ) أَيْ: الْجِيرَانُ؛ لِمَا فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً، مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ» . وَذُكِرَ بَقِيَّةُ الْخَبَرِ، وَقَالَ الْحَارِثِيُّ أَيْضًا مَا مَعْنَاهُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ مَعَ وُجُودِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ نَصْبُ نَاظِرٍ فِي مَصَالِحِهِ وَوَقْفِهِ كَمَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْقَاضِي كَالْقُرَى الصِّغَارِ وَالْأَمَاكِنِ النَّائِيَةِ، أَوْ وُجِدَ وَكَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَوْ وُجِدَ وَهُوَ مَأْمُونٌ، لَكِنَّهُ يُنَصِّبُ غَيْرَ مَأْمُونٍ؛ فَلِأَهْلِهِ النَّصْبُ؛ تَحْصِيلًا لِلْغَرَضِ، وَدَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ، وَكَذَا مَا عَدَا الْمَسْجِدَ مِنْ الْأَوْقَافِ لِأَهْلِهِ نَصْبُ نَاظِرٍ فِيهِ كَذَلِكَ؛ أَيْ: لِعَدَمِ وُجُودِ الْقَاضِي الْمَأْمُونِ نَاصِبًا لِمَأْمُونٍ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": (وَيَجِبُ أَنْ يُوَلَّى فِي الْوَظَائِفِ وَإِمَامَةِ الْمَسَاجِدِ الْأَحَقُّ شَرْعًا) وَأَنْ يَعْمَلَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلٍ وَاجِبٍ. وَقَالَ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ": الْإِمَامَةُ بِالنَّاسِ طَرِيقُهَا الْأَوْلَى لَا الْوُجُوبُ، بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالنِّقَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَاضَى النَّاسُ بِإِمَامٍ يُصَلِّي لَهُمْ صَحَّ (وَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَنْ يُوَلُّوا عَلَيْهِمْ الْفُسَّاقُ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْوِلَايَةُ خَاصَّةً أَوْ عَامَّةً قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَالْحَاصِلُ إنْ كَانَ النَّظَرُ لِغَيْرِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ نَاظِرٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَرْطِ الْعَدَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ [مِنْ] وَاقِفٍ وَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ عَدْلٌ فَفَسَقَ؛ صَحَّ، وَضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ (وَمَنْ قُرِّرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِوَظِيفَةٍ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ حَرُمَ) عَلَى نَاظِرٍ وَغَيْرِهِ (صَرْفُهُ عَنْهَا بِلَا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ) يَقْتَضِي ذَلِكَ كَتَعْطِيلِهِ الْقِيَامَ بِهَا وَفِسْقٍ يُنَافِيهَا، وَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ وَلَوْ عَيَّنَهُ وَاقِفٌ (وَمَنْ لَمْ يُقَمْ بِوَظِيفَةِ بَدَلٍ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ؛ أَيْ: غَيَّرَهُ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ (بِمَنْ يَقُومُ بِهَا) تَحْصِيلًا لِغَرَضِ الْوَاقِفِ (إنْ لَمْ يَتُبْ وَيَلْتَزِمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 الْوَاجِبَ) قُبِلَ صَرْفُهُ. قَالَ فِي " النُّكَتِ ": وَلَوْ عُزِلَ مِنْ وَظِيفَةٍ لِلْفِسْقِ، ثُمَّ تَابَ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا. انْتَهَى. وَإِنْ قَصَّرَ فَتَرَكَ بَعْضَ الْعَمَلِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا قَابَلَهُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا عَلَى الزِّيَادَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (مَنْ وَقَفَ) وَقْفًا (عَلَى مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ فَلِنَاظِرٍ ثُمَّ حَاكِمٍ تَقْدِيرُ أَعْطِيَتِهِمْ) [فَلَوْ زَادَ النَّمَاءُ فَهُوَ لَهُمْ] وَلَيْسَ تَقْدِيرُ النَّاظِرِ أَمْرًا حَتْمًا كَتَقْدِيرِ الْحَاكِمِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ زِيَادَتُهُ وَنَقْصُهُ لِمَصْلَحَةٍ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ تَغْيِيرُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَنَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ، وَلَيْسَ مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ، بَلْ عَمَلٍ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي لِتَغَيُّرِ السَّبَبِ، وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُدَرِّسَ لَا يُزَادُ وَلَا يَنْقُصُ بِزِيَادَةِ النَّمَاءِ وَنَقْصِهِ لِلْمَصْلَحَةِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَهُمْ (وَالْحُكْمُ بِتَقْدِيرِ مُدَرِّسٍ أَوْ غَيْرِهِ بَاطِلٌ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا يُعْتَدُّ بِهِ قَالَ بِهِ) وَلَا بِمَا يُشْبِهُهُ. (وَلَوْ نَفَّذَهُ حَاكِمٌ) . وَبُطْلَانُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ وَالْعُرْفَ أَيْضًا (لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُنَفِّذَ) الْحَاكِمُ (حُكْمَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ) لِلْحُكْمِ كَالْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّهُ (لِحُكْمِهِ مَسَاغٌ، وَالضَّرُورَةُ وَإِنْ أَلْجَأَتْ إلَى تَنْفِيذِ حُكْمِ الْمُقَلِّدِ، فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ: التَّنْفِيذُ يَسُوغُ (إذَا وَقَفَ) الْمُقَلِّدُ (عَلَى حَدِّ التَّقْلِيدِ) وَلَمْ يَتَجَاسَرْ عَلَى قَضِيَّةٍ لَوْ نَزَلَتْ عَلَى عُمَرَ لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ الشُّورَى (وَ) إنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ بِالتَّقْدِيمِ بَاطِلًا (لِأَنَّهُ حُكْمٌ) عَلَى مَا سَيُوجَدُ؛ فَهُوَ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَةٍ) فُوِّضَ إلَيْهِ (الْحُكْمُ) بِهَا فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ (وَلِأَنَّ النَّمَاءَ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْقَيِّمُ وَنَحْوُ إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ فَوْقَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ بِلَا شَرْطٍ، بِخِلَافِ مُدَرِّسٍ وَمُعِيدٍ وَفُقَهَاءَ) أَيْ: مُتَفَقِّهَةٍ (فَإِنَّهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ) . قَالَ فِي " الْفَائِقِ ": وَلَوْ شُرِطَ عَلَى مُدَرِّسٍ أَوْ فُقَهَاءَ وَإِمَامٍ؛ فَلِكُلِّ جِهَةٍ الثُّلُثُ أَيْ: (وَإِنْ تَفَاوَتُوا فِي الْمَنْفَعَةِ كَالْجَيْشِ) فَإِنَّ فِيهِ الْمُقَاتِلَةَ وَغَيْرَهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ (فِي الْمَغْنَمِ) سَوَاءٌ (لَكِنْ دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى التَّفْضِيلِ) . وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا (لَوْ عَطَّلَ مُغِلٌّ) وَقْفَ (مَسْجِدٍ سَنَةً، قُسِّطَتْ أُجْرَةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى السَّنَةِ الَّتِي تَعَطَّلَ مُغِلُّهَا (وَعَلَى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 السَّنَةِ (الْمَاضِيَةِ) الَّتِي لَمْ يَتَعَطَّلْ مُغِلُّهَا لِتَقْوِيمِ الْوَظِيفَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّعْطِيلِ، وَلَا يُنْقِصُ الْإِمَامُ بِسَبَبِ تَعَطُّلِ الزَّرْعِ بَعْضَ الْعَامِ (وَ) قَالَ (فِي " الْفُرُوعِ ") فَقَدْ أَدْخَلَ يَعْنِي الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ مُغِلَّ سَنَةٍ فِي سَنَةٍ، وَقَدْ (أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَّا) ؛ أَيْ: الْحَنَابِلَةِ (فِي زَمَانِنَا فِيمَا نَقَصَ عَمَّا قَدَّرَهُ الْوَاقِفُ كُلَّ شَهْرٍ أَنَّهُ يُتَمِّمُ مَا بَعْدَهُ) وَحَكَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْدَ سِنِينَ انْتَهَى. وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: إذَا وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْحَرَمِ وَعِمَارَتِهِ؛ فَالْقَائِمُونَ بِالْوَظَائِفِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَسْجِدُ مِنْ التَّنْظِيفِ وَالْحِفْظِ وَالْفَرْشِ وَفَتْحِ الْأَبْوَابِ وَإِغْلَاقِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ (وَمَا يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْوَقْفِ فَكَرِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رِزْقٌ (لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِلْمِ، لَا كَجُعْلٍ، أَوْ) ؛ أَيْ: (لَا) كَ (أُجْرَةٍ) عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْقَدْرِ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا أَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى نَوْعِ الْقُرْبِ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَخْذِ الْمَشْرُوطِ فِي الْوَقْفِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ فِي النَّاظِرِ (وَكَذَا مَا وُقِفَ عَلَى أَعْمَالِ بِرٍّ وَمُوصًى بِهِ وَمَنْذُورٌ لَهُ) لَيْسَ كَالْأُجْرَةِ وَالْجُعْلِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: وَلَا يُقَالُ إنَّ مِنْهُ مَا يُؤْخَذُ أُجْرَةٌ عَنْ عَمَلٍ كَالتَّدْرِيسِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَوَّلًا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ مَحْضَةٌ، بَلْ هُوَ رِزْقٌ وَإِعَانَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَمْوَالِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " قُلْت: وَعَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِشَرْطٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ انْتَهَى. وَهَذَا فِي الْأَوْقَافِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَأَمَّا الْأَوْقَافُ الَّتِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَأَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ أَوْ الْمُلُوكِ فَلَيْسَتْ بِأَوْقَافٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هِيَ أَوْقَافٌ بِالصُّورَةِ، فَكُلُّ مَنْ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهَا - وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْمَشْرُوطَ - كَمَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " مُوَافَقَةً لِلشَّيْخِ الرَّمْلِيِّ وَغَيْرِهِ فِي وَقْفِ جَامِعِ طُولُونَ وَنَحْوِهِ. وَفِي " الْيَنْبُوعِ لِلسُّيُوطِيِّ " فَرْعٌ ": نَذْكُرُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ فِي الْوَظَائِفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ كُلِّهَا، إنْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ؛ فَيَجُوزُ لِمَنْ كَانَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ عَالِمٍ لِلْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَطَالِبِ الْعِلْمِ كَذَلِكَ، وَصُوفِيٍّ عَلَى طَرِيقَةِ الصُّوفِيَّةِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا وَقَفُوهُ غَيْرِ مُتَقَيِّدٍ بِمَا شَرَطُوهُ، وَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الِاسْتِنَابَةُ لِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ، وَيَتَنَاوَلُ الْمَعْلُومَ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ، وَلَا اسْتَنَابَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلِ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ - وَلَوْ قَرَّرَهُ النَّاظِرُ وَبَاشَرَ الْوَظِيفَةَ - لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ بِجُعْلِ أَحَدٍ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا (مَنْ أَكَلَ الْمَالَ بِالْبَاطِلِ، قُوِّمَ لَهُمْ رَوَاتِبُ أَضْعَافُ حَاجَاتِهِمْ) أَيْ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَقُوِّمَ لَهُمْ جِهَاتٌ مَعْلُومُهَا كَثِيرٌ يَأْخُذُونَهُ وَيَسْتَنِيبُونَ) فِي الْجِهَاتِ (بِيَسِيرٍ) مِنْ الْمَعْلُومِ؛ لِأَنَّ هَذَا خِلَافُ غَرَضِ الْوَاقِفِينَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَالنِّيَابَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ) مِنْ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَأَذَانٍ وَغَلْقِ بَابٍ وَنَحْوِهَا (جَائِزَةٌ وَلَوْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ) وَفِي عِبَارَةٍ أُخْرَى لَهُ: وَلَوْ نَهَى الْوَاقِفُ عَنْهُ (إذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْلَ مُسْتَنِيبِهِ) فِي كَوْنِهِ أَهْلًا لِمَا اُسْتُنِيبَ فِيهِ (وَلَا مَفْسَدَةَ) رَاجِحَةٌ انْتَهَى. وَجَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ كَالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَبِنَاءِ الْحَائِطِ. [فَصْلٌ أَجَرَ النَّاظِرُ الْوَقْفِ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ بِأَنْقَصَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ] (فَصْلٌ: وَلَوْ أَجَرَ نَاظِرُ الْوَقْفِ) الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ (بِأَنْقَصَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ صَحَّ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ (وَضَمِنَ) النَّاظِرُ (نَقْصًا لَا يَتَغَابَنُ بِهِ) فِي الْعَادَةِ إنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ، فَضَمِنَ مَا نَقَصَهُ بِعَقْدِهِ كَالْوَكِيلِ إذَا بَاعَ أَوْ أَجَرَ بِدُونِ ثَمَنٍ أَوْ أَجْرِ الْمِثْلِ. (وَلَا تُفْسَخُ) الْإِجَارَةُ حَيْثُ صَحَّتْ (لَوْ طُلِبَ) الْوَقْفُ (بِزِيَادَةٍ) عَنْ الْأُجْرَةِ الْأُولَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ضَرَرٌ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. قَالَ " الْمُنَقَّحُ " (وَمَنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى) لِنَفْسِهِ (فِيمَا هُوَ وَقْفٌ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَهُوَ) أَيْ: الْغِرَاسُ أَوْ الْبِنَاءُ لَهُ، أَيْ: الْغَارِسِ أَوْ الْبَانِي (مُحْتَرَمٌ) لِأَنَّهُ وَضَعَهُ بِحَقٍّ. قَالَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": (فَلَوْ مَاتَ، وَانْتَقَلَ الْوَقْفُ لِغَيْرِهِ) فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَغَرْسٍ وَبِنَاءٍ مُسْتَأْجَرٍ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ [ (وَإِنْ كَانَ) الْغَارِسُ أَوْ الْبَانِي (شَرِيكًا) فِي الْوَقْفِ؛ بِأَنْ كَانَ عَلَى جَمَاعَةٍ، فَغَرَسَ] فِيهِ أَحَدُهُمْ، أَوْ بَنَى، فَغَرْسُهُ وَبِنَاؤُهُ لَهُ، غَيْرُ مُحْتَرَمٍ فَيُقْلَعُ (أَوْ) كَانَ (لَهُ النَّظَرُ فَقَطْ) دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَغَرَسَ أَوْ بَنَى فِي الْوَقْفِ فَغَرْسُهُ أَوْ بِنَاؤُهُ (غَيْرُ مُحْتَرَمٍ، فَيُقْلَعُ) وَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ بِغَيْرِ رِضَا أَهْلِ الْوَقْفِ (إنْ أَشْهَدَ، وَيَتَوَجَّهُ) إنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى [مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ أَوْ نَاظِرُ وَقْفٍ (أَنَّ لَهُ إنْ أَشْهَدَ) أَنَّهُ غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ] لَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُشْهِدْ أَنَّهُ لَهُ فَغَرْسُهُ وَبِنَاؤُهُ (لِلْوَقْفِ) تَبَعًا لِلْأَرْضِ. (وَلَوْ غَرَسَهُ) النَّاظِرُ أَوْ بَنَاهُ (لِلْوَقْفِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، فَهُوَ وَقْفٌ، وَيَتَوَجَّهُ فِي غَرْسِ أَجْنَبِيٍّ) وَمِثْلُهُ بِنَاؤُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ غَيْرُ النَّاظِرِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (أَنَّهُ لِلْوَقْفِ بِنِيَّتِهِ) انْتَهَى. وَالتَّوْجِيهَانِ لِصَاحِبِ " الْفُرُوعِ ". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَدُ الْوَقْفِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمُتَّصِلِ بِهِ، مَا لَمْ تَأْتِ حُجَّةٌ تَدْفَعُ مُوجِبَهَا كَمَعْرِفَةِ كَوْنِ الْغَارِسِ غَرَسَهَا لَهُ بِحُكْمِ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ، وَيَدُ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، فَلَيْسَ لَهُ دَعْوَى الْبِنَاءِ بِلَا حُجَّةٍ. وَيَدُ أَهْلِ عَرْصَةٍ مُشْتَرَكَةٍ ثَابِتَةٍ عَلَى مَا فِيهَا بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ، إلَّا مَعَ بَيِّنَةٍ بِاخْتِصَاصِهِ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ (وَيُنْفِقُ) النَّاظِرُ (عَلَى) مَوْقُوفٍ (ذِي رُوحٍ) كَالرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ (مِمَّا عَيَّنَ وَاقِفٌ) الْإِنْفَاقَ مِنْهُ رُجُوعًا إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ (فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) الْوَاقِفُ مَحَلًّا لِلنَّفَقَةِ؛ فَنَفَقَتُهُ (مِنْ غَلَّتِهِ) لِأَنَّ الْوَقْفَ اقْتَضَى تَحْبِيسَ أَصْلِهِ وَتَسْبِيلَ مَنْفَعَتِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَتِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لَهُ غَلَّةٌ لِضَعْفِهِ وَنَحْوِهِ؛ فَنَفَقَتُهُ (عَلَى مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ مُعَيَّنٍ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَنَحْوِهِمَا (بِيعَ) الْمَوْقُوفُ (وَصُرِفَ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ) لَكِنَّ غَيْرَ ذِي رُوحٍ (يَكُونُ وَقْفًا) لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ إيجَارُهُ (فَإِنْ أَمْكَنَ إيجَارُهُ كَعَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ، أُوجِرَ) مُدَّةً (بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ) لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْبَيْعِ بِذَلِكَ (وَنَفَقَةُ مَا) أَيْ: حَيَوَانٍ (عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَفُقَرَاءَ وَمَسْجِدٍ، مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ هُنَا مِنْ الْمَصَالِحِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْأَخْذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (بِيعَ) الْمَوْقُوفُ، وَصُرِفَ ثَمَنُهُ فِي عَيْنٍ أُخْرَى (كَمَا تَقَدَّمَ) فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ، وَتَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ. وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ فَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. (وَإِنْ كَانَ) الْمَوْقُوفُ (عَقَارًا) وَاحْتَاجَ لِعِمَارَةٍ (لَمْ تَجِبْ عِمَارَتُهُ) عَلَى أَحَدٍ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ لَا (بِلَا شَرْطٍ) مِنْ وَاقِفِهِ (كَالطِّلْقِ) ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدُ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ: تَجِبُ إبْقَاءً لِلْأَصْلِ لِيَحْصُلَ دَوَامُ الصَّدَقَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: تَحْتَ عِمَارَةِ الْوَقْفِ بِحَسَبِ الْبُطُونِ (فَإِنْ شَرَطَهَا) أَيْ: الْعِمَارَةَ وَاقِفٌ (عُمِلَ بِهِ) أَيْ: بِالشَّرْطِ عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَ؛ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ، سَوَاءٌ شَرَطَ الْبَدَاءَةَ بِالْعِمَارَةِ أَوْ تَأْخِيرَهَا، فَيُعْمَلُ بِمَا شَرَطَ، لَكِنْ إنْ شَرَطَ تَقْدِيمَ الْجِهَةِ عُمِلَ بِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّعْطِيلِ، فَإِذَا أَدَّى إلَيْهِ؛ قُدِّمَتْ الْعِمَارَةُ حِفْظًا لِأَصْلِ الْوَقْفِ، وَقَالَ: اشْتِرَاطُ الصَّرْفِ إلَى الْجِهَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا، فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ، وَمَعَ الْإِطْلَاقِ تُقَدَّمُ عَلَى أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ (وَأَمَّا نَحْوُ مَسْجِدٍ وَمَدَارِسَ) وَزَوَايَا (فَتُقَدَّمُ عِمَارَةٌ عَلَى أَرْبَابِ وَظَائِفَ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ شَرَطَ الْبَدَاءَةَ بِالْعِمَارَةِ أَوْ بِالْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا، أَوْ لَمْ يَشْرُطْ شَيْئًا. قَالَ الْمُنَقِّحُ (مَا لَمْ يُفْضِ) تَقْدِيمُ الْعِمَارَةِ (إلَى تَعْطِيلِ مَصَالِحِهِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْعِمَارَةِ وَأَرْبَابِ الْوَظَائِفِ (حَسَبَ الْإِمْكَانِ) لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْوَقْفُ أَوْ مَصَالِحُهُ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِمَارَةِ وَأَرْبَابِ الْوَظَائِفِ فِيمَا إذَا اُحْتِيجَ إلَى (عِمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ، كَحَائِطِ مَسْجِدٍ) وَمَدْرَسَةٍ (وَسَقْفِهِ) أَيْ: الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَدْرَسَةِ فَيُعَادُ ذَلِكَ (بِلَا تَزْوِيقٍ) بِنَقْشٍ وَصَبْغٍ وَكِتَابَةٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُلْهِي الْمُصَلِّيَ عَنْ صَلَاتِهِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَمِثْلُهُ التَّجْصِيصُ. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْمَسَاجِدِ وَزَخْرَفَتُهَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا سَاءَ عَمَلُ قَوْمٍ قَطُّ إلَّا زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أُمِرْت بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَأَمَّا إعَادَةُ الْحَائِطِ بِهِ؛ أَيْ: التَّزْوِيقُ (أَوْ) إعَادَةُ (مِئْذَنَةٍ مُرْتَفِعَةٍ) انْهَدَمَتْ كُلُّهَا أَوْ غَالِبُهَا (فَلَا يَجُوزُ) إعَادَتُهَا (مِنْ مَالِ الْوَقْفِ) إذْ الْمَنَارَةُ غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ لِلْمَسْجِدِ، وَيُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهَا بِالْأَذَانِ عَلَى مَحَلٍّ مُرْتَفِعٍ مِنْ سَطْحٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى التَّزْوِيقِ أَوْ إعَادَةِ الْمَنَارَةِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، أَوْ أَنْفَقَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ (بَيْتِ مَالِ) الْمُسْلِمِينَ؛ حَرُمَ عَلَيْهِ (وَيَضْمَنُ) بَدَلَ مَا أَنْفَقَهُ لِلْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ احْتَاجَ خَانٌ) مُسَبَّلٌ أَوْ احْتَاجَتْ (دَارٌ مَوْقُوفَةٌ) وُقِفَتْ (لِسُكْنَى نَحْوِ حَاجٍّ) كَعَابِرِي سَبِيلٍ (وَغُزَاةٍ إلَى مَرَمَّةٍ، أُوجِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقُوفِ جُزْءٌ (بِقَدْرِ ذَلِكَ) أَيْ: بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إلَى مَرَمَّتِهِ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤَجِّرُ مِنْهُ ذَلِكَ جَوَازًا؛ لِأَنَّ الْعِمَارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِشَرْطٍ مِنْ الْوَاقِفِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنْ يُؤَجِّرَ جُزْءًا مِنْ ذَلِكَ لِإِصْلَاحِ الْبَاقِي (إنْ تَعَذَّرَ) الْإِنْفَاقُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ (بَيْتِ الْمَالِ) فَإِنْ أَمْكَنَ الْإِنْفَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ امْتَنَعَ صِحَّةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 إيجَارِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَتَسْجِيلُ كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْهُ) كَالْعَادَةِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. تَتِمَّةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ عَمَّرَ وَقْفًا بِالْمَعْرُوفِ؛ فَلَهُ أَخْذٌ مِنْ غَلَّتِهِ، وَقَالَ أَيْضًا: وَلَوْ وَقَفَ مَسْجِدًا، أَوْ شَرَطَ إمَامًا وَسِتَّةَ قُرَّاءٍ وَقَيِّمًا وَمُؤَذِّنًا، وَعَجَزَ الْوَقْفُ عَنْ تَكْمِيلِ حَقِّ الْجَمِيعِ، وَلَمْ يَرْضَ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ وَالْقَيِّمُ إلَّا بِأَخْذِ جَامَكِيَّةٍ مِثْلِهِمْ؛ صُرِفَ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ جَامَكِيَّةٍ مِثْلُهُمْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقُرَّاءِ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ بِتَقْدِيمِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ. [فَصْلٌ مَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ الْمَسَاكِينِ] (فَصْلٌ: مَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ) ثُمَّ الْمَسَاكِينِ، أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ الْمَسَاكِينِ، أَوْ وَقَفَ عَلَى (وَلَدِ غَيْرِهِ) أَوْ عَلَى أَوْلَادِ غَيْرِهِ (ثُمَّ) عَلَى (الْمَسَاكِينِ دَخَلَ مَوْجُودٌ) مِنْ أَوْلَادِهِ (إذَنْ) ؛ أَيْ: حَالَ الْوَقْفِ فَقَطْ. نُصَّ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) دُخُولُ مَوْجُودٍ حَالَ الْوَقْفِ (وَلَوْ) كَانَ الْمَوْجُودُ (حَمْلًا) وَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَلَدًا قَبْلَهُ، فَيَسْتَحِقُّ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ، كَمُشْتَرٍ. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (لِأُنْثَى) مِنْ أَوْلَادِهِ وَخُنْثَى (كَذَكَرٍ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، كَمَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ. وَيَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، لِأَنَّهُ جَعَلَهُ لَهُمْ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 وَإِطْلَاقُ التَّشْرِيكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ؛ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ بِشَيْءٍ. وَكَوَلَدِ الْأُمِّ فِي الْمِيرَاثِ. وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ الْمَنْفِيُّ بِلِعَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ كَوَلَدِ زِنًا؛ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ صِيغَةِ الْوَلَدِ أَوْ الْأَوْلَادِ فِي اسْتِقْلَالِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ فِي الْوَقْفِ، وَاحِدًا كَانَ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْوَاقِفِ بِوُجُودِ مَا دُونَ الْجَمْعِ دَلِيلُ إرَادَتِهِ مِنْ الصِّيغَةِ، وَ (لَا) يَدْخُلُ وَلَدٌ (حَادِثٌ) لِلْوَاقِفِ؛ بِأَنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ صُدُورِ الْوَقْفِ مِنْهُ. قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَالنَّظْمِ " وَقَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى ". (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ "؛ - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ حَدَثَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ بَعْدَ وَقْفِهِ؛ اسْتَحَقَّ كَالْمَوْجُودِينَ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَقُلْ) الْوَاقِفُ: وَقَفْت كَذَا عَلَى وَلَدِي (وَمَنْ يُولَدُ لِي) فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ، دَخَلَ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَقْفِ، وَمَنْ يَحْدُثُ بَعْدَهُ، (وَ) دَخَلَ أَيْضًا فِي الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِهِ، أَوْ أَوْلَادِهِ، أَوْ أَوْ وَلَدِ غَيْرِهِ، أَوْ أَوْلَادِهِ. (وَلَدُ) بَنِيهِ (الْمَوْجُودِينَ تَبَعًا) سَوَاءٌ (وُجِدُوا) - أَيْ: وَلَدُ الْبَنِينَ - (حَالَةَ وَقْفٍ أَوْ لَا كَوَصِيَّتِهِ) لِوَلَدِ فُلَانٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُهُ الْمَوْجُودُونَ حَالَ الْوَصِيَّةِ، وَأَوْلَادُ بَنِيهِ، وُجِدُوا حَالَ الْوَصِيَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، لَا مَنْ وُجِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ، مَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ. (لَكِنْ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ بَنَاتٍ) فِي الْوَقْفِ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، بَلْ إلَى آبَائِهِمْ. قَالَ تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] . قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْت لِأَبِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 عَبْدِ اللَّهِ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى وَلَدِهِ، فَمَاتَ الْأَوْلَادُ وَتَرَكُوا النِّسْوَةَ حَوَامِلَ؟ فَقَالَ: كُلُّ مَا كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ بَنَاتٍ كُنَّ أَوْ بَنِينَ؛ فَالضَّيْعَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِمْ، وَمَا كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ؛ فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] . دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ وَإِنْ سَفَلُوا؛ وَلِمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] تَنَاوَلَ وَلَدَ الْبَنِينَ، فَالْمُطْلَقُ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ إذَا خَلَا عَنْ قَرِينَةٍ؛ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُفَسَّرُ بِمَا يُفَسَّرُ بِهِ، وَلِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ وَلَدٌ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 27] وَ {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 40] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا» وَقَالُوا: " نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بَنُو كِنَانَةَ "، وَالْقَبَائِلُ كُلُّهَا تُنْسَبُ إلَى جُدُودِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ - وَهُمْ قَبِيلَةٌ - دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ، فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُونُوا قَبِيلَةً؛ وَإِنَّمَا يُسَمَّى وَلَدُ الْوَلَدِ وَلَدًا مَجَازًا، وَلِهَذَا يَصِحُّ نَفْيُهُ، فَيُقَالُ: مَا هَذَا وَلَدِي، فَأَمَّا وَلَدُ الْبَنَاتِ فَلَا يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] قَالَ الشَّاعِرُ: بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ (وَيَسْتَحِقُّونَهُ) ؛ أَيْ: يَسْتَحِقُّ أَوْلَادُ الْبَنِينَ الْوَقْفَ (مُرَتَّبًا) بَعْدَ آبَائِهِمْ. (وَإِنْ سَفَلُوا) لَكِنْ يَحْجُبُ أَعْلَاهُمْ أَسْفَلَهُمْ (كَقَوْلِهِ) وَقَفْته عَلَى أَوْلَادِي (بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَوْ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ أَوْ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ أَوْ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ أَوْ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، أَوْ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، أَوْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، مَا لَمْ يَكُونُوا قَبِيلَةً كَوَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، أَوْ يَأْتِي بِمَا يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ كَعَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ، فَلَا تَرْتِيبَ. وَإِنْ قَالَ وَقَفْت (عَلَى وَلَدِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 وَوَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي شَمِلَ) قَوْلُهُ (فَوْقَ ثَلَاثَةِ بُطُونٍ) لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الِابْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ قَالَ وَقَفْت عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ [وَلَدِ وَلَدِي] دَخَلَ ثَلَاثَةُ بُطُونٍ، دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَ) إنْ قَالَ: وَقَفْتُ (عَلَى وَلَدِي ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِي ثُمَّ الْفُقَرَاءِ؛ شَمِلَ) قَوْلُهُ الْبَطْنَ الثَّالِثَ (وَ) شَمِلَ (مَنْ بَعْدَهُ) لِتَنَاوُلِ الْوَلَدِ أَوْلَادَ الِابْنِ، (خِلَافًا " لِلْمُبْدِعِ ") فَإِنَّهُ قَالَ مَسْأَلَةٌ إذَا قَالَ عَلَى وَلَدِي ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي ثُمَّ الْفُقَرَاءِ؛ لَمْ يَشْمَلْ الْبَطْنَ الثَّالِثَ وَمَنْ بَعْدَهُ فِي الْأَشْهَرِ، كَذَا قَالَ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. وَإِنْ قَالَ: وَقَفْتُ (عَلَى وَلَدِي لِصُلْبِي) لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُ وَلَدٍ (أَوْ) قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى (أَوْلَادِي الَّذِينَ يَلُونِي) اُخْتُصَّ بِهِمْ (وَلَمْ يَدْخُلْ وَلَدُ وَلَدٍ) مَعَهُمْ، وَإِنْ وَقَفَ (عَلَى عَقِبِهِ أَوْ) وَقَفَ عَلَى (نَسْلِهِ أَوْ) وَقَفَ عَلَى (وَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ) وَقَفَ عَلَى (ذُرِّيَّتِهِ؛ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ وَلَدُ بَنَاتِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ الْوَقْفِ) كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ (إلَّا بِقَرِينَةٍ) كَقَوْلِهِ (مَنْ مَاتَ) عَنْ وَلَدٍ (فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ لِوَلَدِ الْأُنْثَى سَهْمٌ وَالذَّكَرِ سَهْمَانِ) أَوْ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانَةَ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ. وَأَصْلُ النَّسْلِ مِنْ النُّسَالَةِ هِيَ شَعْرُ الدَّابَّةِ إذَا سَقَطَ عَنْ جَسَدِهَا. وَالذُّرِّيَّةُ مِنْ ذَرَأَ إذَا زَرَعَ. قَالَ الشَّاعِرُ: شَقَقْتُ الْأَرْضَ ثُمَّ ذَرَأْت فِيهِ أَوْ مِنْ ذَرَّ إذَا طَلَعَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: ذَرَّ قَرْنُ الشَّهْرِ. (أَوْ قَالَ: فَإِذَا خَلَتْ الْأَرْضُ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَيَّ مِنْ قِبَلِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ، أَوْ قَالَ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ أَوْلَادِي) ثُمَّ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَأَوْلَادِهِمْ (وَالْبَطْنُ الْأَوَّلُ بَنَاتٌ) وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ؛ فَيَدْخُلُونَ بِلَا خِلَافٍ. (أَوْ قَالَ الْهَاشِمِيُّ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ الْهَاشِمِيِّينَ فَتَزَوَّجْنَ) أَيْ: بَنَاتُهُ (بِهَاشِمِيٍّ) دَخَلَ أَوْلَادُهُنَّ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ، قَالَهُ الْمُوَفَّقُ. وَإِنْ تَزَوَّجْنَ غَيْرَ هَاشِمِيٍّ؛ لَمْ يَدْخُلْ أَوْلَادُهُنَّ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الْوَصْفِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الْوَاقِفُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 وَمَنْ وَقَفَ (عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ) أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ، أَوْ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا أَوْ تَعَاقَبُوا الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، أَوْ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، أَوْ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ، أَوْ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ. أَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي (فَتَرْتِيبُ جُمْلَةٍ عَلَى) جُمْلَةٍ (مِثْلِهَا لَا يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي شَيْئًا قَبْلَ انْقِرَاضِ) الْبَطْنِ (الْأَوَّلِ) لِأَنَّ الْوَقْفَ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ فَيُتْبَعُ فِيهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ، كَقَوْلِهِ: (بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَنَحْوِهِ) كَقَرْنٍ بَعْدَ قَرْنٍ (فَمَتَى بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَانَ الْكُلُّ لَهُ) ؛ أَيْ: لِمَنْ وُجِدَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَعْلَى حَيْثُ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ أَوْلَادِهِ، أَوْ ذَكَرَ مَا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ (وَعِنْدَ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (الْمُرَتَّبُ بِثُمَّ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ، لَا) تَرْتِيبِ (الْبُطُونِ) فَعَلَيْهِ (يَسْتَحِقُّ الْوَلَدُ نَصِيبَ أَبِيهِ بَعْدَهُ، وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ) . (فَلَوْ قَالَ الْوَاقِفُ: وَمَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ) فَهُوَ دَلِيلُ تَرْتِيبٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ [لَوْ] اقْتَضَى التَّشْرِيكَ لَاقْتَضَى التَّسْوِيَةَ، وَلَوْ جَعَلْنَا لِوَلَدِ الْوَلَدِ سَهْمًا مِثْلَ سَهْمِ أَبِيهِ، ثُمَّ دَفَعْنَا إلَيْهِ مِثْلَ سَهْمِ أَبِيهِ؛ صَارَ لَهُ سَهْمَانِ، وَلِغَيْرِهِ سَهْمٌ، وَهَذَا يُنَافِي التَّسْوِيَةَ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَفْضِيلِ وَلَدِ الِابْنِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مُرَادِ الْوَاقِفِ خِلَافُهُ، فَإِذَا ثَبَتَ التَّرْتِيبُ؛ فَإِنَّهُ تَرْتِيبٌ بَيْنَ كُلِّ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ، فَإِذَا مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ مِمَّنْ لَهُ وَلَدٌ (اسْتَحَقَّ كُلُّ وَلَدٍ بَعْدَ أَبِيهِ نَصِيبَهُ الْأَصْلِيَّ وَالْعَائِدَ إلَيْهِ) سَوَاءٌ بَقِيَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَاحِدٌ أَوْ لَمْ يَبْقَ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ. فَلَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةً، وَمَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ؛ فَنَصِيبُهُ لِأَخَوَيْهِ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ وَلَدٍ كَانَ النِّصْفُ لِوَلَدِهِ، فَإِذَا مَاتَ الثَّانِي عَنْ وَلَدَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ فَنَصِيبُهُ لَهُمْ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ إخْوَةٍ فَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ عَنْ وَلَدٍ؛ انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَيَمُوتُ الثَّانِي عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ؛ فَنَصِيبُهُ لِأَخِيهِ الثَّالِثِ، فَإِذَا مَاتَ الْأَخُ الثَّالِثُ عَنْ وَلَدٍ؛ اسْتَحَقَّ الْوَلَدُ جَمِيعَ مَا كَانَ فِي يَدِ أَبِيهِ مِنْ الثُّلُثِ الْأَصْلِيِّ، وَالثُّلُثِ الْعَائِدِ إلَيْهِ مِنْ أَخِيهِ؛ لِعُمُومِ؛ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ لِمَعْرِفَةٍ فَيَعُمُّ (وَكَذَا) إنْ زَادَ الْوَاقِفُ فِي شَرْطِهِ (عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ) ؛ أَيْ: قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْوَقْفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 وَلَهُ وَلَدٌ (ثُمَّ مَاتَ الْوَالِدُ) عَنْ أَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ، وَعَنْ وَلَدِ وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ (فَلَهُ) أَيْ: وَلَدِ الِابْنِ مَعَ أَعْمَامِهِ (مَا لِأَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا) فَهَذَا صَرِيحٌ فِي تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ، فَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ وَجُهِلَ شَرْطُ الْوَاقِفِ؛ صُرِفَ إلَى جَمِيعِ الْمُسْتَحَقِّينَ بِالسَّوِيَّةِ. ذَكَرَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ ": وَقَوْلُ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ يَعُمُّ مَا اسْتَحَقَّهُ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مَعَ صِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ اسْتَحَقَّهُ أَوَّلًا؛ تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ، وَلِصِدْقِ الْإِضَافَةِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، يَعْنِي لَوْ مَاتَ إنْسَانٌ عَنْ وَلَدِ [وَلَدٍ] قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ أَبُوهُ فِي الْوَقْفِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ، أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ؛ فَلِوَلَدِ الْوَلَدِ نَصِيبُ جَدِّهِ [لِأَنَّ أَبَاهُ اسْتَحَقَّهُ أَنْ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، وَلِأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ] لَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْعَامَّةِ الشَّارِطِينَ، وَيَقْصِدُونَهُ لِأَنَّهُ يَتِيمٌ لَمْ يَرِثْ هُوَ وَأَبُوهُ مِنْ الْجَدِّ، وَلِأَنَّ فِي صُورَةِ الِاجْتِمَاعِ يَنْتَقِلُ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ إلَى وَلَدِهِ، لَكِنْ هُنَا [هَلْ] يُعْتَبَرُ مَوْتُ الْوَالِدِ؟ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا مَا اسْتَحَقَّهُ؛ فَمَفْهُومُهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَقَدْ تَنَاوَلَهُ الْوَقْفُ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، قَالَ فَعَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا أَيْ: الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ إنْ قَالَ: بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَنَحْوَهُ؛ فَتَرْتِيبُ جُمْلَةٍ مَعَ أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى أَنَّهُ إنْ تُوُفِّيَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، وَلَهُ وَلَدٌ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْ أَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ وَعَنْ وَلَدٍ لِوَلَدِهِ لِصُلْبِهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ؛ فَلَهُ مَعَهُمْ مَا لِأَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ صِفَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْوَقْفِ ثَلَاثَةٌ: تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ، وَتَرْتِيبُ أَفْرَادٍ، وَاشْتِرَاكٌ. فَتَرْتِيبُ الْجُمْلَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ يَنْفَرِدُ بِالْوَقْفِ كُلِّهِ عَمَّنْ بَعْدَهُ مَا دَامَ مِنْهُ وَاحِدٌ، ثُمَّ إذَا انْقَرَضَ أَهْلُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كُلُّهُمْ؛ انْتَقَلَ إلَى الثَّانِي فَقَطْ، وَمَا دَامَ مِنْ الثَّانِي وَاحِدٌ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْهُ شَيْءٌ لِلثَّالِثِ، وَهَكَذَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 وَتَرْتِيبُ أَفْرَادٍ: عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّخْصِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ لَا يُشَارِكُهُ وَلَدُهُ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مِنْ الْوَقْفِ شَيْئًا مَا دَامَ الْأَبُ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ؛ انْتَقَلَ مَا بِيَدِهِ إلَى وَلَدِهِ، فَاسْتِحْقَاقُهُ مَشْرُوطٌ بِمَوْتِ أَبِيهِ. وَالِاشْتِرَاكُ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الْمَوْجُودِينَ مِنْ الْبُطُونِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى شَيْءٍ، بَلْ هُمْ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، فَيُشَارِكُ الْوَلَدُ وَالِدَهُ وَكَذَا وَلَدُ الْوَلَدِ. ثُمَّ الصِّفَةُ الْأُولَى تَحْصُلُ بِصِيَغٍ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ: هَذَا وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي أَوْ وَلَدِي، أَوْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، أَوْ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ، أَوْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، أَوْ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ. وَتَحْصُلُ الثَّانِيَةُ بِقَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ؛ فَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَتَحْصُلُ الثَّالِثَةُ بِالْوَاوِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَ) إنْ أَتَى الْوَاقِفُ (بِالْوَاوِ) بِأَنْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ، كَانَ الْوَاوُ (لِلِاشْتِرَاكِ) لِأَنَّهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، فَيَشْتَرِكُونَ فِيهِ بِلَا تَفْضِيلٍ (فَيَسْتَحِقُّ الْأَوْلَادُ مَعَ آبَائِهِمْ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ بِلَا قَرِينَةٍ. وَإِنْ قَالَ الْوَاقِفُ: هَذَا وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ (عَلَى أَنْ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ) فَنَصِيبُهُ (لِوَلَدِهِ) (فَ) هُوَ (تَرْتِيبٌ بَيْنَ كُلِّ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ) فَيَسْتَحِقُّ كُلُّ وَلَدٍ بَعْدَ أَبِيهِ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ. وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ؛ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَلَدٍ نَصِيبَ أَبِيهِ بَعْدَهُ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، فَهَذَا دَالٌّ عَلَى إرَادَةِ تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ. وَإِنْ مَاتَ وَلَدٌ فَنَصِيبُهُ لَهُ (وَ) إنْ قَالَ (عَلَى أَنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَالْوَقْفُ مُرَتَّبُ) بِثُمَّ أَوْ نَحْوِهَا فَمَاتَ أَحَدُهُمْ (فَهُوَ) أَيْ: نَصِيبُهُ (لِأَهْلِ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ) دُونَ بَقِيَّةِ الْبُطُونِ (مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ) الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِمْ وَدُونَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ فِي الْوَقْفِ؛ عَمَلًا بِسَوَابِقِ الْكَلَامِ، فَلَوْ كَانَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ ثَلَاثَةً، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ ابْنٍ، ثُمَّ مَاتَ الثَّانِي عَنْ ابْنَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ، وَتَرَك أَخَاهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَعَمَّهُ وَأَبْنَاءً لِعَمِّهِ الْحَيِّ؛ كَانَ نَصِيبُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 لِأَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ، دُونَ عَمِّهِ الْحَيِّ وَابْنِهِ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ بَنِيهِ الْأَرْبَعِ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ، فَمَاتَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ؛ كَانَ نَصِيبُهُ بَيْنَ أَخَوَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ دُونَ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، أَشْبَهَ ابْنَ عَمِّهِمْ. تَتِمَّةٌ: قَالَ السُّبْكِيُّ: إذَا وَقَفَ عَلَى شَخْصٍ ثُمَّ أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، وَشَرَطَ أَنْ مَنْ مَاتَ مِنْ بَنَاتِهِ فَنَصِيبُهَا لِلْبَاقِينَ مِنْ إخْوَتِهَا، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ وَلَهُ وَلَدٌ؛ اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْمُتَوَفَّى [لَوْ كَانَ حَيًّا فَمَاتَ الْمَوْقُوفُ] عَلَيْهِ وَخَلَفَ وَلَدَيْنِ وَوَلَدَ وَلَدٍ، مَاتَ أَبُوهُ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، فَأَخَذَ الْوَلَدَانِ نَصِيبَهُمَا وَهُمَا ابْنٌ وَبِنْتٌ، وَأَخَذَ وَلَدُ الْوَلَدِ النَّصِيبَ الَّذِي لَوْ كَانَ وَالِدُهُ حَيًّا لَأَخَذَهُ، ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ، فَهَلْ يَخْتَصُّ أَخُوهَا الْبَاقِي بِنَصِيبِهَا أَوْ يُشَارِكُهُ فِيهِ ابْنُ أَخِيهِ؟ قَالَ: تَعَارَضَ اللَّفْظَانِ الْمَذْكُورَانِ، وَنَظَرْنَا، فَرَجَّحْنَا أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْإِخْوَةِ وَعَلَى الْبَاقِينَ مِنْهُمْ كَالْخَاصِّ، وَقَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْعَامِّ، فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِ؛ فَلِذَلِكَ تَرَجَّحَ عِنْدَنَا تَخْصِيصُ الْأَخِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ مُحْتَمَلًا وَهُوَ مُشَارَكَةُ ابْنِ الْأَخِ انْتَهَى (وَكَذَا) الْحُكْمُ (إنْ كَانَ) الْوَقْفُ (مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْبُطُونِ) وَشَرَطَ إنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ؛ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ، فَيَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَلَيْسَ لِلْأَعْلَى مَعَ أَهْلِ دَرَجَةِ الْمَيِّتِ شَيْءٌ مِنْ نَصِيبِهِ، وَإِنْ كَانُوا مُشَارِكِينَ لَهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ قَوْلِ الْوَاقِفِ: مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ دَلِيلًا عَلَى تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ، بَلْ كَانَ مُرَتَّبًا تَرْتِيبَ جُمْلَةٍ عَلَى مِثْلِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي أَوْ أَوْلَادِي أَوْ زَادَ: ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، أَوْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى آخِرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَّ عَلَى التَّشْرِيكِ أَوْ أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، كَالْوَاوِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ حِينَئِذٍ: مَنْ جَاءَتْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ غَيْرُ مُخْرِجٍ لَهُ إلَى تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ، بَلْ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَكَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 فَالظَّاهِرُ [أَنَّ] نَصِيبَهُ يَكُونُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، فَكَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّرْطَ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَخُصَّهُمْ بِنَصِيبِهِ لَمْ يَكُنْ فِي اشْتِرَاطِ الْوَاقِفِ لِهَذَا الشَّرْطِ. فَائِدَةٌ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ شَيْئًا يُفِيدُ (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي دَرَجَتِهِ) أَيْ: دَرَجَةِ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ (أَحَدٌ) مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ (فَكَمَا لَوْ لَمْ يُذْكَرْ الشَّرْطُ) [لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيهِ (فَيَشْتَرِكُ الْجَمِيعُ) مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ (فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِرَاكِ) ] لِأَنَّ التَّشْرِيكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، وَتَخْصِيصُ بَعْضِ الْبُطُونِ يُفْضِي إلَى عَدَمِهَا (وَيَخْتَصُّ) الْبَطْنُ (الْأَعْلَى بِهِ) أَيْ: بِنَصِيبِ الْمُتَوَفَّى الَّذِي لَمْ يُوجَدْ فِي دَرَجَتِهِ أَحَدٌ (فِي مَسْأَلَةِ التَّرْتِيبِ) لِأَنَّ الْوَقْفَ مُرَتَّبٌ، فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي عَلَى أَنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ؛ فَكَذَلِكَ نَصِيبُهُ لِأَهْلِ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ أَحَدٌ اخْتَصَّ بِهِ الْأَعْلَى؛ كَمَا لَوْ لَمْ يُذْكَرْ الشَّرْطُ، وَحَيْثُ كَانَ نَصِيبُ مَيِّتٍ لِأَهْلِ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ (فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إخْوَتُهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ (وَبَنُو عَمِّهِ وَبَنُو بَنِي عَمِّ أَبِيهِ وَنَحْوُهُمْ) كَبَنِي بَنِي عَمِّ أَبِي أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي دَرَجَتِهِ فِي الْقُرْبِ إلَى الْجَدِّ الَّذِي يَجْمَعُهُمْ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، وَكَذَا إنَاثُهُمْ حَيْثُ لَا مُخَصِّصٌ لِلذُّكُورِ (إلَّا أَنْ يَقُولَ) الْوَاقِفُ (يُقَدَّمُ) مِنْهُمْ (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَى الْمُتَوَفَّى وَنَحْوُهُ) كَأَنْ يَقُولُ: يُقَدَّمُ وَلَدُ الظَّهْرِ، أَوْ يُقَدَّمُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ إخْوَتِهِ (فَيَخْتَصُّ) نَصِيبُ الْمَيِّتِ (بِالْأَقْرَبِ) فَلَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ شَقِيقٌ وَأَخٌ لِأَبٍ؛ فَمُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ يُقَدَّمُ الشَّقِيقُ فِيمَا إذَا قَالَ: الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَبِالْأُخُوَّةِ إذَا قَالَ لِإِخْوَتِهِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ (وَلَيْسَ مِنْ الدَّرَجَةِ مَنْ هُوَ أَعْلَى) مِنْ الْمَيِّتِ كَعَمِّهِ (أَوْ أَنْزَلُ) مِنْهُ كَابْنِ أَخِيهِ (وَالْحَادِثُ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْآيِلِ نَصِيبُهُ إلَيْهِمْ كَالْمَوْجُودِينَ حِينَهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْتِ؛ لِوُجُودِ الْوَصْفِ فِيهِ، وَالشَّرْطُ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِ (وَعَلَى هَذَا) الْقَوْلِ؛ أَيْ: مُشَارَكَةُ الْحَادِثِ لِلْمَوْجُودِينَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 وَأَفْتَى بِهِ الشَّارِحُ (لَوْ حَدَثَ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْ الْمَوْجُودِينَ) وَشَرْطُ الْوَاقِفِ فِي (الْوَقْفِ مُرَتَّبٌ) بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى. كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَمَنْ يُولَدُ لَهُ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا؛ وَمَاتَ أَوْلَادُهُ وَانْتَقَلَ الْوَقْفُ لِأَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ (أَخَذَهُ) أَيْ: أَخَذَ الْوَلَدُ الْحَادِثُ مَا آلَ إلَى النَّازِلِينَ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ عَمَلًا بِالشَّرْطِ (مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: مِنْ أَوْلَادِ إخْوَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْهُمْ دَرَجَةً؛ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ مَعَهُ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا يَرْجِعُ) الْحَادِثُ عَلَى أَوْلَادِ إخْوَتِهِ بِمَا قَبَضُوهُ فِيمَا (مَضَى) مِنْ الزَّمَانِ (مِنْ غَلَّتِهِ) أَيْ: الْوَقْفِ (لِأَنَّهُ) أَيْ: الْمَقْبُوضَ (إنَّمَا اُسْتُحِقَّ) أَيْ: اسْتَحَقَّهُ قَابِضُهُ وَمَالِكُهُ (بِوَضْعِ) يَدِهِ عَلَيْهِ وَتَنَاوُلِهِ إيَّاهُ فِي مُدَّةٍ كَانَ يَسْتَحِقُّهَا فِيهَا دُونَ غَيْرِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا شُبْهَةَ فِيهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) مَنْ قَالَ: وَقَفْت (عَلَى وَلَدِي) بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ (فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَعَلَى وَلَدِ وَلَدِي وَ) كَانَ (لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ كَانَ) الْوَقْفُ (عَلَى) الْوَلَدَيْنِ (الْمُسَمَّيَيْنِ وَ) عَلَى (أَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ الثَّالِثِ) الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ وَلَدِي (دُونَهُ) ؛ أَيْ: الثَّالِثِ جَعْلًا لِتَسْمِيَتِهَا بَدَلًا لِلْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ، فَاخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] . وَلِأَنَّ خُلُوَّهُ عَنْ الْعَطْفِ دَلِيلُ إرَادَةِ التَّفْسِيرِ وَالتَّبْيِينِ، بِخِلَافِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِ؛ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مَعْنَى التَّأْكِيدِ، فَوَجَبَ حَمْلُ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى التَّفْسِيرِ وَالتَّبْيِينِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 (وَيَتَّجِهُ) دُخُولُهُ (إنْ كَانَ وَلَدُ الثَّالِثِ مَوْجُودًا عِنْدَ) إنْشَاءِ (وَقْفٍ) لِدُخُولِهِ حِينَئِذٍ فِي وَلَدِ وَلَدِهِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الِاثْنَيْنِ - وَإِنْ كَانُوا مَعْدُومِينَ - تَبَعًا، وَالثَّالِثُ لَيْسَ مُسْتَحِقًّا؛ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَوْلَادُهُ الْمَعْدُومُونَ وَقْتَ إنْشَاءِ الْوَقْفِ، وَهَذَا لَا قَائِلَ بِهِ. وَإِنْ قَالَ: وَقَفْت (عَلَى زَيْدٍ وَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُ فَعَلَى الْمَسَاكِينِ كَانَ) الْوَقْفُ (بَعْدَ مَوْتِ زَيْدٍ لِأَوْلَادِهِ) . (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ قَوْلَهُ: لِأَوْلَادِهِ، يَشْمَلُ أَوْلَادَ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ (وَإِنْ نَزَلُوا) لِدَلَالَةِ قَوْلِ الْوَاقِفِ، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى الْمَسَاكِينِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَوَقُّفِ اسْتِحْقَاقِ الْمَسَاكِينِ عَلَى انْقِرَاضِهِمْ فَائِدَةٌ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 (ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلْمَسَاكِينِ) وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ أَوْ أَوْلَادِهِ أَوْ ذُرِّيَّتِهِ وَنَحْوُهُ، إلَّا بِصَرِيحٍ؛ كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ لِوَلَدِ الْإِنَاثِ سَهْمًا، وَلِوَلَدِ الذُّكُورِ سَهْمَيْنِ وَنَحْوِهِ، أَوْ بِقَرِينَةٍ كَقَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ؛ فَيَدْخُلُونَ بِلَا خِلَافٍ. (وَ) إنْ قَالَ: وَقَفْت (عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ فَقَطْ، ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ - الْعَقِبُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِهَا: الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ - ثُمَّ الْفُقَرَاءِ عَلَى أَنْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَتَرَكَ وَلَدًا، وَإِنْ سَفَلَ؛ فَنَصِيبُهُ لَهُ) هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْوَاقِفِ (فَمَاتَ أَحَدُ الطَّبَقَةِ الْأُولَى وَتَرَكَ بِنْتًا، ثُمَّ مَاتَتْ) الْبِنْتُ (عَنْ وَلَدٍ؛ فَلَهُ مَا اسْتَحَقَّتْهُ أُمُّهُ قَبْلَ مَوْتِهَا) . قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا الِاسْتِحْقَاقُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ذَكَرًا مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّهُ هُنَا؛ لِقَوْلِ الْوَاقِفِ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا عَادَ إلَى الْكُلِّ، فَاعْتِبَارُ الذُّكُورِ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ فِي الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لَا غَيْرُ. وَقَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ": أَوْلَادُهَا لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُعْطِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ إلَّا الْأَوْلَادَ وَأَوْلَادَ الْأَوْلَادِ، ثُمَّ خَصَّ أَوْلَادَ الظَّهْرِ بَعْدَهُمَا بِالْوَقْفِ. قَالَ: وَأَوْلَادُ هَذِهِ الْبِنْتِ لَيْسُوا مِنْ أَوْلَادِ الظَّهْرِ، وَهِيَ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَك وَلَدًا وَإِنْ سَفَلَ فَنَصِيبُهُ لَهُ. يَعْنِي إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 الْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَأَوْلَادُهَا لَيْسُوا مِنْهُمْ انْتَهَى، وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ الْبِنْتِ مِنْ أَوْلَادِ الظَّهْرِ أَيْضًا بِأَنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِابْنِ عَمِّهَا، فَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ؛ فَذَلِكَ الْوَلَدُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَ أُمِّهِ؛ إذْ هُوَ ابْنُ ابْنِ ابْنٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ ابْنُ بِنْتِ ابْنٍ، وَحِينَئِذٍ فَيُوَافِقُ مَا فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ". (وَلَوْ قَالَ) وَاقِفٌ (وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ؛ فَنَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ عَمَّ وَلَوْ مَنْ لَمْ يُعْقِبْ) مِنْ إخْوَتِهِ ثُمَّ نَسْلِهِمْ. (وَمَنْ أَعْقَبَ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَقِبُهُ) أَيْ: ذُرِّيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ غَيْرَهُ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ؛ فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَطْعًا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. [فَرْعٌ رَتَّبَ الْوَاقِفُ أَوَّلًا بَعْضَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ] (فَرْعٌ: لَوْ رَتَّبَ) الْوَاقِفُ (أَوَّلًا) بَعْضَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي (ثُمَّ شَرَّكَ) بِأَنْ قَالَ: بَعْدَ أَوْلَادِ أَوْلَادِي: وَأَوْلَادِهِمْ (أَوْ عَكَسَ) بِأَنْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ؛ فَهُوَ (عَلَى مَا شَرَطَ) فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَخْتَصُّ الْأَوْلَادُ؛ لِاقْتِضَاءِ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ؛ صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ - وَإِنْ نَزَلُوا - لِأَنَّ الْعَطْفَ فِيهِمْ بِالْوَاوِ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَتَّبَ أَوَّلًا. فَهَلَّا؟ حُمِلَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ؛ فَالْجَوَابُ قَدْ يَكُونُ غَرَضُ الْوَاقِفِ تَخْصِيصَ أَوْلَادِهِ لِقُرْبِهِمْ مِنْهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ؛ يَشْتَرِكُ الْبَطْنَانِ الْأَوَّلَانِ لِلْعَطْفِ بِالْوَاوِ، دُونَ غَيْرِهِمْ، فَلَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ فِي الْوَقْفِ لِعَطْفِهِ بِثُمَّ، فَإِذَا انْقَرَضُوا اشْتَرَكَ فِيهِ مَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَوْ قَالَ بَعْدَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ أَوْلَادِهِ) بِقَوْلِهِ: هَذَا وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ (ثُمَّ عَلَى أَنْسَالِهِمْ وَأَعْقَابِهِمْ؛ اسْتَحَقَّهُ أَهْلُ الْعَقِبِ مُرَتَّبًا) لِقَرِينَةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا قَبْلَهُ، وَلَا يَسْتَحِقُّونَهُ مُشْتَرَكًا مَعَ الْأَنْسَالِ؛ نَظَرًا إلَى عَطْفِهِمْ بِالْوَاوِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَرِينَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 السِّيَاقِ (وَصَوَّبَهُ) أَيْ: اسْتِحْقَاقَ أَهْلِ الْعَقِبِ مُرَتَّبًا فِي " الْإِنْصَافِ " قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": الْوَاوُ كَمَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ لَا تَنْفِيهِ، لَكِنْ هِيَ سَاكِتَةٌ عَنْهُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَلَكِنْ تَدُلُّ عَلَى التَّشْرِيكِ، وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُطْلَقُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْفِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ مِثْلَ إنْ رَتَّبَ أَوَّلًا؛ عُمِلَ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَى الْوَاوِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ مَنْ مَاتَ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْوَقْفِ عَنْ وَلَدٍ - وَإِنْ سَفَلَ - وَآلَ الْحَالُ فِي الْوَقْفِ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَوَفَّى مَوْجُودًا لَدَخَلَ؛ قَامَ وَلَدُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ سَفَلَ، وَاسْتَحَقَّ مَا كَانَ أَصْلُهُ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا، فَانْحَصَرَ الْوَقْفُ فِي رَجُلٍ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ، وَرُزِقَ خَمْسَةَ أَوْلَادٍ مَاتَ أَحَدُهُمْ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، وَتَرَكَ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ عَنْ أَوْلَادِهِ الْأَرْبَعَةِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَنْ الْأَرْبَعَةِ ثَلَاثَةٌ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، وَبَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَاحِدٌ مَعَ وَلَدِ أَخِيهِ؛ اسْتَحَقَّ الْوَلَدُ الْبَاقِي أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ رِيعِ الْوَقْفِ، وَوَلَدُ أَخِيهِ الْخُمْسَ الْبَاقِي. أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الشَّهَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ، وَتَابَعَهُ النَّاصِرُ الطَّبَلَاوِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَالشِّهَابِيُّ أَحْمَدُ الْبُهُوتِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، وَوَجْهُهُ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ: عَلَى أَنَّ مِنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي هَذَا الْوَقْفِ إلَى آخِرِهِ، مَقْصُورٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ لِنَصِيبِ وَالِدِهِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ فِي حَيَاتِهِ، لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى مَنْ مَاتَ مِنْ إخْوَةِ وَالِدِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، بَلْ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ الْأَحْيَاءِ؛ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ: عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى آخِرِهِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْوَلَدِ مَقَامَ أَبِيهِ فِي صَفِّ الَّذِي هُوَ الْإِخْوَةُ، حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا، وَالْأَصْلُ حِفْظُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ، وَعَمَلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَحَلِّهِ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا. [فَصْلٌ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى بَنِيهِ أَوْ عَلَى بَنِي فُلَانٍ] (فَصْلٌ: مَنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى بَنِيهِ أَوْ عَلَى بَنِي فُلَانٍ فَهُوَ لِذُكُورٍ خَاصَّةً) لِأَنَّ لَفْظَ الْبَنِينَ وُضِعَ لِذَلِكَ حَقِيقَةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات: 153] وَقَوْلِهِ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمران: 14] وقَوْله تَعَالَى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46] (فَلَا يَدْخُلُ) فِيهِ (خُنْثَى) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ ذَكَرًا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ عَلَى بَنَاتِهِ؛ اخْتَصَّ بِهِنَّ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الذُّكُورُ وَلَا الْخَنَاثَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُنَّ إنَاثًا (وَإِنْ كَانُوا) أَيْ: بَنُو فُلَانٍ (قَبِيلَةً) كَبِيرَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": كَبَنِي هَاشِمٍ وَتَمِيمٍ وَقُضَاعَةَ (دَخَلَ) فِيهِ (إنَاثٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] وَلِأَنَّ الْقَبِيلَةَ يَشْمَلُ ذَكَرَهَا وَأُنْثَاهَا، وَيُقَالُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي كَذَا، رُوِيَ أَنَّ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قُلْنَ: نَحْنُ جِوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ... يَا حَبَّذَا مُحَمَّدًا مِنْ جَارِ (دُونَ أَوْلَادِهِنَّ) أَيْ: نِسَاءِ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ (مِنْ) رِجَالٍ (غَيْرِهَا) لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَى الْقَبِيلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا، بَلْ إلَى غَيْرِهَا، وَكَمَا لَوْ قَالَ: الْمُنْتَسِبِينَ إلَيَّ، وَيَدْخُلُ أَوْلَادُهُنَّ مِنْهُمْ؛ لِوُجُودِ الِانْتِسَابِ حَقِيقَةً، وَلَا يَشْمَلُ مَوَالِيَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْهُمْ حَقِيقَةً، كَمَا لَا يَدْخُلُونَ فِي الْوَصِيَّةِ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَحَنْبَلٍ. قَالَ فِي " الْخِلَافِ ": لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا لَفْظُ الْمُوصِي، وَلَفْظُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ: يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَعْنَى، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ: لَا أَكَلْتُ السُّكَّرَ لِأَنَّهُ حَلَفَ؛ لَمْ يَعُمَّ غَيْرَهُ [مِنْ الْحَلَاوَاتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: عَبْدِي حُرٌّ لِأَنَّهُ أَسْوَدُ؛ لَمْ يُعْتَقْ غَيْرُهُ] مِنْ الْعَبِيدِ، وَلَوْ قَالَ: اللَّهُ حَرَّمَ السُّكَّرَ؛ لِأَنَّهُ حُلْوٌ، عَمَّ جَمِيعَ الْحَلَاوَاتِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: اعْتِقْ عَبْدَك لِأَنَّهُ أَسْوَدُ؛ عَمَّ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": قَالَ فِي شَرْحِ " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": فَكَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَصِيَّةِ لَفْظُ الْمُوصِي يُعْتَبَرُ فِي الْوَقْفِ لَفْظُ الْوَاقِفِ، وَلِهَذَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهِمَا عَدَمَ دُخُولِ الْمَوَالِي. (وَ) إنْ وَقَفَ (عَلَى عِتْرَتِهِ أَوْ) عَلَى (عَشِيرَتِهِ) بِأَنْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى عِتْرَتِي (فَكَ) مَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى (الْقَبِيلَةِ) . قَالَ فِي " الْمُقْنِعِ ": الْعِتْرَةُ هُمْ الْعَشِيرَةُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَ " الْفَائِقِ " وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ انْتَهَى. لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي مَحْفِلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْضَتُهُ الَّتِي تَفَقَّأَتْ عَنْهُ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ. وَإِنْ وَقَفَ (عَلَى قَرَابَتِهِ أَوْ) عَلَى (قَرَابَةِ زَيْدٍ) فَهُوَ أَيْ: الْوَقْفُ (لِذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَبِيهِ) وَهُمْ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَأَوْلَادِ جَدِّهِ، وَهُمْ أَبُوهُ وَأَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُهُ. وَأَوْلَادِ جَدِّ أَبِيهِ، وَهُمْ جَدُّهُ وَأَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُهُ (فَقَطْ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُجَاوِزْ بَنِي هَاشِمٍ بِسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7] فَلَمْ يُعْطِ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ كَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا، وَلَا يُقَالُ: هُمَا كَبَنِي الْمُطَّلِبِ؛ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سِوَاهُمْ مِمَّنْ سَاوَاهُمْ فِي الْقُرْبِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَلَمْ يُعْطِ قَرَابَتَهُ مِنْ وَلَدِ أُمِّهِ، وَهُمْ بَنُو زُهْرَةَ شَيْئًا مِنْهُ، وَيُسَوِّي بَيْنَ مَنْ يُعْطِي مِنْهُمْ؛ فَلَا يُفَضِّلُ أَعْلَى وَلَا فَقِيرًا وَلَا ذَكَرًا عَلَى مَنْ سِوَاهُ؛ لِعُمُومِ الْقَرَابَةِ. (وَلَا يَدْخُلُ) فِي الْوَقْفِ عَلَى الْقَرَابَةِ (مُخَالِفٌ دِينَهُ) أَيْ: الْوَاقِفِ، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ مُسْلِمًا لَمْ يَدْخُلْ فِي قَرَابَتِهِ كَافِرُهُمْ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يَدْخُلْ الْمُسْلِمُ إلَّا بِقَرِينَةٍ؛ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (وَلَا) يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى قَرَابَتِهِ (أُمُّهُ أَوْ قَرَابَتُهُ مِنْ قِبَلِهَا) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعْطِ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى قَرَابَتَهُ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ شَيْئًا (إلَّا بِقَرِينَةٍ) أَيْ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الدُّخُولِ (كَتَفْضِيلِ جِهَةِ قَرَابَةٍ) مِنْ جِهَةِ أَبٍ عَلَى قَرَابَةٍ مِنْ جِهَةِ (أُمٍّ أَوْ قَوْلِهِ) ؛ أَيْ الْوَاقِفِ (إلَّا ابْنَ خَالَتِي فُلَانًا) وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى الْقَرِينَةِ، أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تُخْرِجُ بَعْضَهُمْ؛ عُمِلَ بِهَا، وَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا حُكْمُ أَقْرَبِ قَرَابَتِهِ أَوْ الْأَقْرَبِ إلَيْهِ مُفَصَّلًا. وَالْوَقْفُ مِنْ إنْسَانٍ (عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ) عَلَى (قَوْمِهِ أَوْ) عَلَى (نِسَائِهِ أَوْ) عَلَى (آلِهِ أَوْ) عَلَى (أَهْلِهِ كَعَلَى قَرَابَتِهِ) فَلِكُلِّ قَرَابَةٍ، أَمَّا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِي وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِي» وَفِي رِوَايَةٍ: «إنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» . فَجُعِلَ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى لَهُمْ عِوَضًا عَنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ ذُو الْقُرْبَى الَّذِينَ سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى هُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ. احْتَجَّ بِذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَرُوِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ عِنْدَ الْعَرَبِ آبَاءُ الرَّجُلِ وَأَوْلَادُهُمْ، كَالْأَجْدَادِ وَالْأَعْمَامِ وَأَوْلَادِهِمْ (وَ) إنْ وَقَفَ (عَلَى ذَوِي رَحِمِهِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ (لِكُلِّ قَرَابَةٍ لَهُ) أَيْ: لِلْوَاقِفِ (مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ) سَوَاءٌ كَانُوا عَصَبَةً كَالْآبَاءِ وَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ، أَوْ لَا، كَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْعَمِّ، وَلِكُلِّ قَرَابَةٍ مِنْ جِهَةِ (الْأُمَّهَاتِ) كَأُمِّهِ وَأَبِيهَا وَأَخْوَالِهِ وَأَخْوَالِهَا وَخَالَاتِهِ وَخَالَاتِهَا؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ مُرَجِّحًا؛ فَلَا أَقَلَّ أَنْ لَا يَكُونَ مَانِعًا، وَلِكُلِّ قَرَابَةٍ لَهُ مِنْ جِهَةِ (الْأَوْلَادِ مِمَّنْ يَرِثُ بِفَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ أَوْ رَحِمٍ) كَابْنِهِ وَبِنْتِهِ وَأَوْلَادِهِمْ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ يَشْمَلُهُمْ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي ذِي الرَّحِمِ مُجَاوَزَتَهُ لِلْأَبِ الْخَامِسِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَلَيْسَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِمَنْ يَذْكُرُهُ، بَلْ عُمُومُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَشْمَلُهُ. (وَالْأَشْرَافُ أَهْلُ بَيْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالشَّرِيفُ كَانَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ الْعَبَّاسِيَّ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَأَهْلُ الْعِرَاقِ كَانُوا لَا يُسَمُّونَ شَرِيفًا إلَّا مَنْ كَانَ عَلَوِيًّا، بَلْ لَا يُسَمُّونَ شَرِيفًا إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى آلِ جَعْفَرٍ وَآلِ عَلَيَّ، فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَفْتَيْتُ أَنَا وَطَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَ أَعْيَانِ الطَّائِفَتَيْنِ، وَأَفْتَى طَائِفَةٌ أَنَّهُ يُقَسَّمُ نِصْفَيْنِ، فَيَأْخُذُ آلُ جَعْفَرٍ النِّصْفَ وَإِنْ كَانُوا وَاحِدًا، وَهُوَ مُقْتَضَى أَحَدِ قَوْلَيْ أَصْحَابِنَا انْتَهَى. قَالَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: هُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي مَوَاضِعَ. (وَالْأَيَامَى وَالْعُزَّابُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] وَيُقَالُ رَجُلٌ عَزَبٌ وَامْرَأَةٌ عَزَبٌ. قَالَ ثَعْلَبٌ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَزَبًا؛ لِانْفِرَادِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ انْفَرَدَ فَهُوَ عَزَبٌ. وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ: أَعْزَبُ، وَرُدَّ بِمَا فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَكُنْت شَابًّا أَعْزَبَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْعَزَبُ وَالْأَيِّمُ غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ (وَالْأَرَامِلُ النِّسَاءُ اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ النَّاسِ (بِمَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ) قَالَ جَرِيرٌ: هَذِي الْأَرَامِلُ قَدْ قَضَّيْتُ حَاجَتَهَا ... فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذِهِ الْأَرْمَلِ الذَّكَرِ فَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ حَيْثُ أَرَادَ بِهِ الْإِنَاثَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَهُ، وَوَصَفَهُ فِي الثَّانِي بِالذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَهُ لَمْ يُفْهَمْ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي: الصَّغِيرَةُ لَا تُسَمَّى أَيِّمًا وَلَا أَرَمَلَةً عُرْفًا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ صِفَةٌ لِلْبَالِغِ (وَالْيَتَامَى مَنْ لَا أَبَ لَهُ، وَلَمْ يَبْلُغْ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (وَلَوْ جَهِلَ بَقَاءَ أَبِيهِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْأَبِ إلَّا فِي صُورَةِ (غَيْبَةِ) الْأَبِ غِيبَةً ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ، بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ أَمْرُهُ إلَى الْحَاكِمِ لَحَكَمَ بِمَوْتِهِ؛ كَمَنْ فُقِدَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ أَوْ مِنْ بَيْنِ الصَّفَّيْنِ، أَوْ انْقَطَعَ بِفَلَاةٍ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعُ سِنِينَ فَمَا فَوْقُ مِنْ حِينِ فَقْدِهِ، أَوْ غَابَ غَيْبَةً ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ مَضَى مِنْ سِنِّهِ تِسْعُونَ سَنَةً؛ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ (تَتَزَوَّجُ فِيهَا) أَيْ: الْغَيْبَةِ (نِسَاؤُهُ) وَتُقَسَّمُ أَمْوَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِمَوْتِهِ، فَطِفْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَشْمَلُهُ اسْمُ الْيَتِيمِ؛ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا يَشْمَلُ) الْوَقْفُ عَلَى الْيَتَامَى (وَلَدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 زِنًا) لِأَنَّ لِلْيَتِيمِ انْكِسَارًا يَدْخُلُ عَلَى الْقَلْبِ بِفَقْدِ الْأَبِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ بَلَغَ: خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْيَتِيمِ. (وَالْحَفِيدُ وَالسِّبْطُ: وَلَدُ ابْنٍ وَبِنْتٍ) قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: (وَالرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ رِجَالٍ) خَاصَّةً لُغَةً لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، أَوْ الْجَمْعُ أَرْهُطٌ وَأَرْهَاطٌ وَأَرَاهِطُ وَأَرَاهِيطُ، وَقَالَ فِي " كَشْفِ الْمُشْكِلِ ": الرَّهْطُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ وَكَذَا قَالَ النَّفَرُ: مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَالْقَوْمُ لِلرِّجَالِ) دُونَ النِّسَاءِ (وَبِكْرٌ) يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (وَثَيِّبٌ) كَذَلِكَ (وَعَانِسٌ) كَذَلِكَ، وَهُوَ مَنْ بَلَغَ حَدَّ التَّزْوِيجِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ (وَأُخُوَّةٌ) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ - (وَعُمُومَةٌ لِذَكَرٍ وَأُنْثَى) وَالْأَخَوَاتُ لِلْإِنَاثِ خَاصَّةً (وَالثُّيُوبَةُ زَوَالُ الْبَكَارَةِ) بِالْوَطْءِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، لَا زَوَالُهَا بِنَحْوِ إصْبَعٍ (وَ) إنْ قَالَ: هَذَا وَقْفٌ (لِجَمَاعَةٍ) مِنْ الْأَقْرَبِ إلَيْهِ (أَوْ) هَذَا وَقْفٌ (لِجَمْعٍ مِنْ الْأَقْرَبِ إلَيْهِ، فَثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهُمْ أَقَلُّ الْجَمْعِ (فَإِنْ لَمْ يَفِ الدَّرَجَةَ الْأُولَى) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَلَاثَةٌ؛ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدَانِ وَأَوْلَادُ ابْنٍ، تُمِّمَ الْجَمْعُ مِمَّا، أَيْ: مِنْ دَرَجَةِ الَّتِي (بَعْدَهَا) وَهُمْ أَوْلَادُ الِابْنِ، فَيُتَمَّمُ الْجَمْعُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ يَخْرُجُ بِقُرْعَةٍ (وَيَشْمَلُ) الْجَمْعُ (أَهْلَ الدَّرَجَةِ، وَإِنْ كَثُرُوا) لِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ (وَالْعُلَمَاءُ حَمَلَةُ الشَّرْعِ) وَلَوْ أَغْنِيَاءً (وَقِيلَ: مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ) أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ": لَا ذَوُو أَدَبٍ وَنَحْوٍ وَلُغَةٍ وَصَرْفٍ وَعِلْمِ كَلَامٍ أَوْ طِبٍّ وَحِسَابٍ وَهَنْدَسَةٍ وَهَيْئَةٍ وَتَعْبِيرِ رُؤْيَا وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَإِقْرَائِهِ وَتَجْوِيدِهِ (وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فُقَهَاءَ وَمُتَفَقِّهَةً كَعُلَمَاءَ) قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: مَدْلُولُ فُقَهَاءَ الْعُلَمَاءُ بِالْفِقْهِ وَالْمُتَفَقِّهَةُ طَلَبَةُ الْفِقْهِ (وَأَهْلُ الْحَدِيثِ مَنْ عَرَفَهُ، وَلَوْ حَفِظَ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا، لَا مَنْ سَمِعَهُ) مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ (وَالْقُرَّاءُ) فِي عُرْفِ هَذَا الزَّمَانِ (حُفَّاظُ الْقُرْآنِ) وَفِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ هُمْ الْفُقَهَاءُ (وَأَعْقَلُ النَّاسِ الزُّهَّادُ) لِأَنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ الْفَانِي لِلْبَاقِي (قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَيْسَ مِنْ الزُّهْدِ تَرْكُ مَا يُقِيمُ النَّفْسَ، وَيُصْلِحُ أَمْرَهَا، وَيُعِينُهَا عَلَى طَرِيقِ الْآخِرَةِ، بَلْ هَذَا زُهْدُ الْجُهَّالِ، وَإِنَّمَا) هُوَ؛ أَيْ: الزُّهْدُ (تَرْكُ فُضُولِ الْعَيْشِ، وَهُوَ مَا لَيْسَ بِضَرُورَةٍ فِي بَقَاءِ النَّفْسِ) ؛ أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 نَفْسِهِ وَنَفْسِ عِيَالِهِ (وَعَلَى هَذَا كَانَ) النَّبِيُّ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ) وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» . : وَإِنْ وَقَفَ (عَلَى مَوَالِيهِ، وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ فَوْقُ) فَقَطْ، وَهُمْ أَعْتَقُوهُ؛ اُخْتُصَّ الْوَقْفُ بِهِمْ، أَوْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ، وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ أَسْفَلُ فَقَطْ، وَهُمْ عُتَقَاؤُهُ؛ اُخْتُصَّ الْوَقْفُ بِهِمْ. وَإِنْ كَانَ لَهُ مَوَالٍ مِنْ فَوْقُ، وَمَوَالٍ مِنْ أَسْفَلُ (تَنَاوَلَ) الْوَقْفُ (جَمِيعَهُمْ) وَاسْتَوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ إنْ لَمْ يَفْضُلْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْأَسْهُمَ تَتَنَاوَلُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ (وَمَتَى عَدِمَ) أَيْ: انْقَرَضَ (مَوَالِيهِ) فَالْوَقْفُ (لِعَصَبَتِهِمْ) ؛ أَيْ: عَصَبَةِ مَوَالِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوَالٍ) حِينَ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى مَوَالِيَّ؛ فَالْوَقْفُ (لِمَوَالِي عَصَبَةٍ) لِشُمُولِ الِاسْمِ لَهُمْ مَجَازًا مَعَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ إذْ ذَاكَ مَوَالٍ، ثُمَّ انْقَرَضُوا؛ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ الْوَقْفِ شَيْءٌ لِمَوَالِي عَصَبَةٍ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ تَنَاوَلَ غَيْرَهُمْ، فَلَا يَعُودُ إلَيْهِمْ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَا شَيْءَ لِمَوَالِي عَصَبَةٍ إلَّا مَعَ عَدَمِ مَوَالِيهِ ابْتِدَاءً. (وَ) إنْ وَقَفَ (عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ يَتَنَاوَلُ الْآخَرَ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى إذَا اجْتَمَعَا فِي الذِّكْرِ. وَمَتَى كَانَ الْوَقْفُ (عَلَى صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ) كَالْفُقَرَاءِ وَالرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ (لَمْ يَدْفَعْ لِوَاحِدٍ فَوْقَ حَاجَتِهِ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ، فَيُعْطَى فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ تَمَامَ كِفَايَتِهِمَا مَعَ عَائِلَتِهِمَا سَنَةً، وَمُكَاتَبٌ وَغَارِمٌ مَا يَقْضِيَانِ دَيْنَهُمَا، وَابْنُ سَبِيلٍ مَا يَحْتَاجُهُ لِسَفَرِهِ، وَغَازٍ مَا يَحْتَاجُهُ لِغَزْوِهِ وَهَكَذَا، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ (عَلَى أَصْنَافِهَا) كُلِّهِمْ (فَوُجِدَ مَنْ فِيهِ صِفَاتٌ) بِأَنْ كَانَ ابْنَ سَبِيلٍ غَازِيًا غَارِمًا (اسْتَحَقَّ بِهَا) ؛ أَيْ: بِالصِّفَاتِ كَالزَّكَاةِ، فَيُعْطَى مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ، وَيُوَصِّلُهُ إلَى بَلَدِهِ، وَكِفَايَتَهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا. تَنْبِيهٌ: وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَصْنَافِ الزَّكَاةِ، أَوْ صِنْفَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ أَصْنَافِهَا، أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ؛ جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى صِنْفٍ كَزَكَاةٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَقْصُودَ [الْوَاقِفِ] عَدَمُ مُجَاوَزَتِهِمْ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالدَّفْعِ إلَى صِنْفٍ مِنْهُمْ بَلْ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُعْطَى فَقِيرٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطَاهُ مِنْ زَكَاةٍ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِهَا، وَتَقَدَّمَ. (وَ) إنْ وَقَفَ (عَلَى سُبُلِ الْخَيْرِ، فَلِمَنْ أَخَذَ مِنْ زَكَاةٍ لِحَاجَةٍ) كَفَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ وَابْنِ سَبِيلٍ (لَا مُؤَلَّفٍ وَعَامِلٍ وَغَارِمٍ) فَلَا يُعْطُونَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ لَا يَشْمَلُهُمْ وَإِنْ وَقَفَ (عَلَى جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ) وَاسْتِيعَابُهُمْ كَبَنِيهِ أَوْ بَنِي فُلَانٍ، وَلَيْسُوا قَبِيلَةً أَوْ مَوَالِيَ غَيْرِهِ (وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ) بِالْوَقْفِ (وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ) فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَأَمْكَنَ الْوَفَاءُ بِهِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ (كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ) بِمَالٍ (وَلَوْ أَمْكَنَ فِيهِ) حَصْرُهُمْ (ابْتِدَاءً) أَيْ: فِي ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ (ثُمَّ تَعَذَّرَ) بِكَثْرَةِ أَهْلِهِ (كَوَقْفِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّمَ مَنْ أَمْكَنَ) مِنْهُمْ بِالْوَقْفِ (وَسَوَّى بَيْنَهُمْ) فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ وَالتَّسْوِيَةَ كَانَا وَاجِبَيْنِ فِي الْجَمِيعِ، فَإِذَا تَعَذَّرَا فِي بَعْضٍ وَجَبَا فِيمَا لَمْ يَتَعَذَّرَا فِيهِ؛ كَالْوَاجِبِ الَّذِي تَعَذَّرَ بَعْضُهُ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حَصْرُهُمْ ابْتِدَاءً كَالْمَسَاكِينِ) وَالْقَبِيلَةِ الْكَبِيرَةِ كَبَنِي هَاشِمٍ (وَقُرَيْشٍ وَبَنِي تَمِيمٍ؛ جَازَ التَّفْضِيلُ) بَيْنَهُمْ (وَالِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ) مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَقْفِ عَدَمُ مُجَاوَزَةِ الْجِنْسِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالدَّفْعِ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِذَا جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ؛ فَالتَّفْضِيلُ أَوْلَى، وَكَالْوَقْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ أَوْ عَلَى أَهْلِ إقْلِيمٍ كَالشَّامِ وَمَدِينَةٍ كَدِمَشْقَ، فَيَجُوزُ التَّفْضِيلُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ (وَيَشْمَلُ جَمْعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ) كَالْمُسْلِمِينَ (وَضَمِيرُهُ) وَهُوَ الْوَاوُ (الْأُنْثَى) تَغْلِيبًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] (لَا عَكْسُهُ) وَهُوَ جَمْعُ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ وَضَمِيرُهُ؛ فَلَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ؛ إذْ لَا يَغْلِبُ غَيْرُ الْأَشْرَافِ عَلَيْهِ. (وَ) إنْ وَقَفَ (عَلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ) عَلَى (قَرَابَتِهِ أَوْ) عَلَى (إخْوَتِهِ أَوْ) عَلَى (جِيرَانِهِ) أَوْ وَصَّى لَهُمْ بِشَيْءٍ (لَمْ يَدْخُلْ) فِيهِمْ (مُخَالِفٌ دِينَهُ) ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 أَيْ: دِينَ الْوَاقِفِ وَالْمُوصِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْوَاقِفِ أَوْ الْمُوصِي لَمْ يُرِدْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا (إلَّا بِقَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِمْ فِيهِ؛ فَيَدْخُلُونَ [ (كَمَا مَرَّ) وَمِنْ الْقَرِينَةِ كَوْنُ كُلِّهِمْ كُفَّارًا؛ فَيَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ دُخُولِهِمْ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ اللَّفْظِ بِالْكُلِّيَّةِ (أَوْ كَانَ مُوَافِقُهُ) ؛ أَيْ: الْوَاقِفِ] (وَاحِدًا) مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ (وَالْبَاقِي مُخَالِفٌ) لِدِينِهِ؛ كَأَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ مُسْلِمًا، وَفِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَاحِدٌ مُسْلِمٌ، وَالْبَاقِي كُفَّارٌ؛ فَيَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى وَاحِدٍ بَعِيدٌ جِدًّا. وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ كَافِرًا، وَفِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ كَافِرٌ غَيْرُ دِينِ الْوَاقِفِ الْكَافِرِ؛ لَمْ يَدْخُلْ الْكَافِرُ الْمُغَايِرُ لِدِينِهِ كَمَا لَا يَرِثُهُ. (وَوَصِيَّةٌ كَوَقْفٍ فِي كُلِّ مَا مَرَّ) فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ الْمَسَائِلِ (لَكِنَّهَا) ؛ أَيْ: الْوَصِيَّةَ (أَعَمُّ لِصِحَّتِهَا لِنَحْوِ حَمْلٍ) مَوْجُودٍ حِينَهَا، كَقِنٍّ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ (وَحَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ) لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى لَفْظِ الْمُوصِي؛ أَشْبَهَتْ الْوَقْفَ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْأَصَحُّ دُخُولُ وَارِثِهِ فِي وَصِيَّتِهِ؛ لِقَرَابَتِهِ، خِلَافًا " لِلْمُسْتَوْعِبِ " وَمَنْ لَمْ يُجِزْ مِنْ الْوَرَثَةِ؛ بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ. وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ أَمَةٍ فَأُنْثَى، وَالْعَبْدُ ذَكَرٌ. وَلَوْ وَصَّى بِأُضْحِيَّةٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَضَحَّوْا بِغَيْرِهِ خَيْرًا مِنْهُ؛ جَازَ، وَعَلَيْهِ ابْنُ عَقِيلٍ بِزِيَادَةِ خَيْرٍ فِي الْمَخْرَجِ (وَيَأْتِي فِيهَا) ؛ أَيْ: الْوَصِيَّةِ (بَيَانُ نَحْوِ شَيْخٍ) كَهَرِمٍ وَشَابٍّ وَفَتًى (وَكَهْلٍ وَ) بَيَانُ مَعْنَى (سِكَّةٍ وَ) بَيَانُ (الْأَقْرَبِ) وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَلْيُرَاجَعْ هُنَاكَ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ كَالْوَصِيَّةِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": لَكِنَّ الْوَصِيَّةَ أَعَمُّ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى مَا يَأْتِي. [تَتِمَّةٌ فِي الْمُسْتَحَبُّ لِلْوَاقِفِ] تَتِمَّةٌ: وَالْمُسْتَحَبُّ لِلْوَاقِفِ أَنْ يُقَسِّمَ الْوَقْفَ عَلَى أَوْلَادِهِ عَلَى حَسَبِ قِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْمِيرَاثَ، {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَقَالَ الْقَاضِي: الْمُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْقُرْبَةُ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، وَقَدْ اسْتَوَوْا فِي الْقَرَابَةِ، وَلَنَا أَنَّهُ اتِّصَالُ الْمَالِ إلَيْهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 الْمِيرَاثِ كَالْعَطِيَّةِ، وَلِأَنَّ الذَّكَرَ فِي مَظِنَّةِ الْحَاجَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْأُنْثَى، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْعَادَةِ يَتَزَوَّجُ، وَيَكُونُ [لَهُ] الْوَلَدُ، فَالذَّكَرُ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَالْمَرْأَةُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا، وَلَا يَلْزَمُهَا نَفَقَةُ أَوْلَادِهَا، وَقَدْ فَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى الذَّكَرَ عَلَى الْأُنْثَى فِي الْمِيرَاثِ عَلَى وَفْقِ هَذَا الْمَعْنَى، فَيَصِحُّ تَعْلِيلُهُ بِهِ، وَيَتَعَدَّى إلَى الْوَقْفِ وَالْعَطَايَا وَالصِّلَاتِ. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَا أَصْلَ لَهُ، وَهُوَ مُلْغًى بِالْمِيرَاثِ وَالْعَطِيَّةِ، فَإِنْ خَالَفَ وَسَوَّى بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، أَوْ فَضَّلَهَا عَلَيْهِ أَوْ فَضَّلَ بَعْضَ الْبَنِينَ أَوْ الْبَنَاتِ عَلَى بَعْضٍ، أَوْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِالْوَقْفِ دُونَ بَعْضٍ؛ فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ: إنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْأَثَرَةِ فَأَكْرَهُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَهُ عِيَالٌ وَبِهِ حَاجَةٌ كَمَسْكَنَةٍ أَوْ عَمًى وَنَحْوِهِ، أَوْ خَصَّ، أَوْ فَضَّلَ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ، أَوْ ذَا الدِّينِ دُونَ الْفُسَّاقِ، أَوْ خَصَّ أَوْ فَضَّلَ الْمَرِيضَ، أَوْ خَصَّ أَوْ فَضَّلَ مَنْ لَهُ فَضِيلَةٌ مِنْ أَجْلِ فَضِيلَتِهِ؛ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لِغَرَضٍ مَقْصُودٍ شَرْعًا. [فَصْلٌ الْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ] (فَصْلٌ: وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ) بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ؛ فَلَزِمَ بِمُجَرَّدِهِ كَالْعِتْقِ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ: وَحُكْمُهُ اللُّزُومُ فِي الْحَالِ. أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ أَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ، حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَوْ لَا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَلْزَمُ بِالْوَصِيَّةِ، فَإِذَا تَجَرَّدَ فِي الْحَيَاةِ؛ لَزِمَ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ كَالْعِتْقِ. (لَا يُفْسَخُ) الْوَقْفُ (بِإِقَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا) لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ (وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُسْتَبْدَلُ وَلَا يُنَاقَلُ بِهِ) وَلَوْ بِخَيْرٍ مِنْهُ (نَصًّا) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (وَلَا يُبَاعُ) فَيَحْرُمُ بَيْعُهُ، وَلَا يَصِحُّ، وَكَذَا الْمُنَاقَلَةُ بِهِ (إلَّا أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ) أَيْ: الْوَقْفِ (الْمَقْصُودَةُ) مِنْهُ (بِخَرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ) مَا يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 بِحَيْثُ لَا يَرُدُّ) الْوَقْفُ (شَيْئًا) عَلَى أَهْلِهِ (أَوْ يَرُدُّ شَيْئًا لَا يُعَدُّ نَفْعًا) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَتَتَعَذَّرُ عِمَارَتُهُ وَعَوْدُ نَفْعِهِ (وَلَمْ يُوجَدْ) فِي رِيعِ الْوَقْفِ (مَا يُعَمَّرُ بِهِ وَلَوْ) كَانَ الْخَارِبُ الَّذِي تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَتُهُ وَتَعَذَّرَتْ إعَادَتُهُ (مَسْجِدًا) حَتَّى (بِضِيقِهِ عَلَى أَهْلِهِ) الْمُصَلِّينَ بِهِ، وَتَعَذَّرَ تَوْسِيعُهُ فِي مَحَلِّهِ (أَوْ) كَانَ مَسْجِدًا، وَتَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ (لِخَرَابِ مَحَلَّتِهِ) أَيْ: النَّاحِيَةِ الَّتِي بِهَا الْمَسْجِدُ (أَوْ اسْتِقْذَارِ مَوْضِعِهِ) قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي إذَا كَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ (أَوْ) كَانَ الْوَقْفُ (حَبِيسًا لَا يَصْلُحُ لِغَزْوٍ، فَيُبَاعُ) وُجُوبًا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَإِنَّمَا يَجِبُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَلْزَمُهُ فِعْلُ الْمَصْلَحَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَغَيْرِهَا (وَلَوْ شَرَطَ) وَاقِفُهُ (عَدَمَ بَيْعِهِ، وَشَرْطُهُ) إذَنْ (فَاسِدٌ) نَصًّا، وَعُلِّلَ بِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَمَنْفَعَةٌ لَهُمْ؛ لِحَدِيثِ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ» . إلَى آخِرِهِ (وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ) إنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ فِي إقَامَةِ الْبَدَلِ مَقَامَهُ تَأْبِيدًا لَهُ وَتَحْقِيقًا لِلْمَقْصُودِ، فَتَعَيَّنَ وُجُوبُهُ (أَوْ فِي بَعْضِ مِثْلِهِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَهُ أَحْمَدُ: لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ. وَقَالَ الْخِرَقِيِّ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ جِنْسِ الْوَقْفِ الَّذِي بِيعَ، بَلْ أَيَّ شَيْءٍ اُشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مِمَّا يُرَدُّ عَلَى الْوَقْفِ؛ جَازَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَأَمَّا الْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُ فَلَيْسَ مِلْكًا لِمُعَيَّنٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِلْكٌ لِلَّهِ فَإِذَا جَازَ إبْدَالُهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ؛ فَالْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْلَى بِأَنْ يُعَوَّضَ بِالْبَدَلِ، وَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ الْبَدَلُ، وَالْإِبْدَالُ بِجِنْسِهِ مِمَّا هُوَ أَنْفَعُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إذَا كَانَ يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ الْمَوْقُوفِ الَّذِي يُوقَفُ لِلِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ - وَعَيْنُهُ مُحْتَرَمَةٌ شَرْعًا - يَجُوزُ أَنْ يُبْدَلَ بِهِ غَيْرُهُ لِلْمَصْلَحَةِ، لِكَوْنِ الْبَدَلُ أَنْفَعَ وَأَصْلَحَ وَإِنْ لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنْفَعَتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيَعُودُ الْأَوَّلُ طَلْقًا مَعَ أَنَّهُ مَعَ مُتَعَطِّلٍ نَفَعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَأَنْ يَجُوزَ الْإِبْدَالُ بِالْأَنْفَعِ وَالْأَصْلَحِ فِيمَا يُوقَفُ لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْلَى وَأَحْرَى، فَإِنَّهُ عِنْدَ أَحْمَدَ يَجُوزُ مَا يُوقَفُ لِلِاسْتِغْلَالِ لِلْحَاجَةِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي بَيْعِ الْمَسْجِدِ رِوَايَتَانِ، فَإِذَا جُوِّزَ عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ أَنْ يُجْعَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 الْمَسْجِدُ طَلْقًا وَيُوقَفَ بَدَلُهُ أَصْلَحُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنْفَعَةُ الْأَوَّلِ، أَحْرَى، فَإِنَّ بَيْعَ الْوَقْفِ الْمُسْتَغَلِّ أَوْلَى مِنْ بَيْعِ الْمَسْجِدِ، وَإِبْدَالَهُ أَوْلَى مِنْ إبْدَالِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ تُحْتَرَمُ عَيْنُهُ شَرْعًا، وَيُقْصَدُ لِلِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ؛ فَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ وَلَا الْمُعَاوَضَةُ عَنْ مَنْفَعَتِهِ، بِخِلَافِ وَقْفِ الِاسْتِغْلَالِ؛ فَإِنَّهُ تَجُوزُ إجَارَتُهُ وَالْمُعَاوَضَةُ عَنْ نَفْعِهِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَنْفَعَتَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا يُقْصَدُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ، وَلَا لَهُ حُرْمَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لِلْمَسْجِدِ، وَقَالَ: يَجِبُ بَيْعُ الْوَقْفِ مَعَ الْحَاجَةِ بِالْمِثْلِ، وَبِلَا حَاجَةٍ يَجُوزُ بِخَيْرٍ مِنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ، وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ لِفَوَاتِ التَّغْيِيرِ بِلَا حَاجَةٍ، وَذَكَرَهُ وَجْهًا فِي الْمُنَاقَلَةِ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ قُدَامَةَ فِي كِتَابِهِ الْمُنَاقَلَةِ فِي الْأَوْقَافِ وَاقِعَةُ نَقْلِ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، وَجَعْلِ بَيْتِ الْمَالِ فِي قِبْلَتِهِ، وَجَعْلِ مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ سُوقًا لِلتَّمَّارِينَ اشْتَهَرَتْ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ، وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُهَا، وَلَا الِاعْتِرَاضُ فِيهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، بَلْ عُمَرُ هُوَ الْخَلِيفَةُ الْآمِرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الْمَأْمُورُ النَّاقِلُ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى مَسَاغِ الْقِصَّةِ وَالْإِقْرَارِ عَلَيْهَا وَالرِّضَى بِمُوجَبِهَا، وَهَذِهِ حَقِيقَةُ الِاسْتِبْدَالِ وَالْمُنَاقَلَةِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَسَاغِ بَيْعِ الْوَقْفِ عِنْدَ تَعَطُّلِ نَفْعِهِ؛ فَهُوَ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِدْلَالِ عِنْدَ رُجْحَانِ الْمُبَادَلَةِ، وَلِأَنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَطِّلًا، وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي نَقْلِهِ لِحِرَاسَةِ بَيْتِ الْمَالِ الَّذِي جُعِلَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ الثَّانِي انْتَهَى. وَصَنَّفَ صَاحِبُ " الْفَائِقِ " مُصَنَّفًا فِي جَوَازِ الْمُنَاقَلَةِ لِلْمَصْلَحَةِ سَمَّاهُ " الْمُنَاقَلَةُ بِالْأَوْقَافِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ النِّزَاعِ وَالْخِلَافِ " قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَأَجَادَ فِيهِ، وَوَافَقَهُ عَلَى جَوَازِهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ الْقَيِّمِ، وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ حَمْزَةُ ابْنُ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ، وَصَنَّفَ فِيهِ مُصَنَّفًا سَمَّاهُ: " دَفْعُ الْمُثَاقَلَةِ فِي بَيْعِ الْمُنَاقَلَةِ " وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّتِنَا جَمَاعَةٌ فِي عَصْرِهِ. (وَ) يَجُوزُ (نَقْلُ آلَةِ) مَسْجِدٍ (وَ) نَقْلُ (أَنْقَاضِ مَسْجِدٍ؛ جَازَ بَيْعُهُ) كَخَرَابِهِ أَوْ خَرَابِ مَحَلَّتِهِ أَوْ قَذَرِ مَحَلِّهِ (لِمَسْجِدٍ آخَرَ) إنْ (احْتَاجَهَا) مِثْلُهُ -[وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 بِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ حَوَّلَ مَسْجِدَ الْجَامِعِ مِنْ التَّمَّارِينَ أَيْ: بِالْكُوفَةِ - (أَوْلَى مِنْ بَيْعِهِ) ] لِبَقَاءِ الِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ فِيهِ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ إلَى مِثْلِهِ، أَنَّهُ لَا يُعَمَّرُ بِآلَةِ الْمَسْجِدِ مَدْرَسَةٌ وَلَا رِبَاطٌ وَلَا بِئْرٌ وَلَا حَوْضٌ وَلَا قَنْطَرَةٌ، وَكَذَا آلَاتُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، لَا يُعَمَّرُ بِهَا مَا عَدَاهُ؛ لِأَنَّ جَعْلَهَا فِي مِثْلِ الْعَيْنِ مُمْكِنٌ، فَتَعَيَّنَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَيَصِيرُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ بَعْدَ بَيْعِهِ لِلثَّانِي الَّذِي اُشْتُرِيَ بَدَلَهُ. وَأَمَّا إذَا نُقِلَتْ آلَتُهُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ؛ فَالْبُقْعَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى أَنَّهَا مَسْجِدٌ. قَالَ حَرْبٌ: قُلْت لِأَحْمَدَ: رَجُلٌ بَنَى مَسْجِدًا فَأَذَّنَ فِيهِ، ثُمَّ قَلَعُوا هَذَا الْمَسْجِدَ، وَبَنَوْا مَسْجِدًا آخَرَ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَنَقَلُوا خَشَبَ هَذَا الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ. قَالَ: يَرُمُّوا هَذَا الْمَسْجِدَ الْآخَرَ الْعَتِيقَ، وَلَا يُعَطِّلُوهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ، فَلَمْ يَمْنَعْ النَّقْلُ مَنْعَ الْبَيْعِ وَإِخْرَاجَ الْبُقْعَةِ عَنْ كَوْنِهَا مَسْجِدًا كَمَا يَجُوزُ (تَجْدِيدُ بِنَائِهِ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (لِمَصْلَحَتِهِ نَصًّا) لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إبْرَاهِيمَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلَا يَجُوزُ قَسْمُ الْمَسْجِدِ مَسْجِدَيْنِ بِبَابَيْنِ إلَى دَرْبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ لَهُ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِهِ) أَيْ: الْوَقْفِ إذَا لَمْ تُمْكِنْ إجَارَتُهُ (لِإِصْلَاحِ بَاقِيهِ) لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُ الْكُلِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ فَبَيْعُ الْبَعْضِ مَعَ بَقَاءِ الْبَعْضِ أَوْلَى (إنْ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَجُزْ (إنْ كَانَ) الْمَوْقُوفُ (عَيْنَيْنِ) عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ وَاقِفٍ وَاحِدٍ، كَدَارَيْنِ خَرِبَتَا، فَتُبَاعُ إحْدَاهُمَا لِإِصْلَاحِ الْأُخْرَى (أَوْ) كَانَ الْمَوْقُوفُ (عَيْنًا) وَاحِدَةً؛ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا لِإِصْلَاحِ بَاقِيهَا. وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ، أَيْ: قِيمَةُ الْعَيْنِ الْمَبِيعِ بَعْضُهَا بِالتَّشْقِيصِ؛ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ بِبَيْعِ الْبَعْضِ إذَنْ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً، وَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِالتَّشْقِيصِ (بِيعَ الْكُلُّ) كَبَيْعِ وَصِيٍّ لِدَيْنٍ أَوْ حَاجَةٍ، بَلْ هَذَا أَسْهَلُ؛ لِجَوَازِ تَغْيِيرِ صِفَاتِهِ لِمَصْلَحَةٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 وَجَوَّزَ] جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَغْيِيرَ صُورَتِهِ لِمَصْلَحَةٍ؛ كَجَعْلِ الدَّارِ حَوَانِيتَ، وَالْحُكُورَةُ الْمَشْهُورَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بِنَاءٍ بِبِنَاءٍ، وَعَرْصَةٍ بِعَرْصَةٍ. هَذَا صَرِيحُ لَفْظِهِ، وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ وَقَفَ كُرُومًا عَلَى الْفُقَرَاءِ يَحْصُلُ عَلَى جِيرَانِهَا بِهِ ضَرَرٌ: يُعَوِّضُ عَنْهُ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْجِيرَانِ، وَيَعُودُ الْأَوَّلُ مِلْكًا، وَالثَّانِي وَقْفًا انْتَهَى. وَإِنْ تَوَقَّفَتْ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ عَلَى بَيْعِ بَعْضِ آلَاتِهِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصُّورَةِ مَعَ بَقَاءِ الِانْتِفَاعِ. [فَائِدَةٌ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ] فَائِدَةٌ: يَصِحُّ بَيْعُ شَجَرَةٍ مَوْقُوفَةٍ يَبِسَتْ، وَبَيْعُ جِذْعٍ مَوْقُوفٍ انْكَسَرَ أَوْ بَلِيَ، أَوْ خِيفَ الْكَسْرُ، أَوْ انْهَدَمَ. نَقَلَ أَبُو دَاوُد أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ مَسْجِدٍ فِيهِ خَشَبَتَانِ لَهُمَا ثَمَنٌ تَشَعَّثَ، وَخَافُوا سُقُوطَهُ أَتُبَاعَانِ، وَيُنْفَقُ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَيُبْدَلُ مَكَانَهُمَا جِذْعَيْنِ؟ قَالَ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. وَاحْتَجَّ بِدَوَابِّ الْحَبِيسِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، تُبَاعُ، وَيُجْعَلُ ثَمَنُهَا فِي الْحَبِيسِ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": إذَا أَشْرَفَ جِذْعُ الْوَقْفِ عَلَى الِانْكِسَارِ، أَوْ دَارُهُ عَلَى الِانْهِدَامِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ أُخِّرَ لَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ؛ فَإِنَّهُ يُبَاعُ رِعَايَةً لِلْمَالِيَّةِ، أَوْ يُنْقَضُ تَحْصِيلًا [لِلْمَصْلَحَةِ] قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَالْمَدَارِسُ وَالرُّبُطُ وَالْخَانَاتُ الْمُسَبَّلَةُ وَنَحْوُهَا؛ جَائِزٌ بَيْعُهَا عِنْدَ خَرَابِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبُهُوتِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْإِقْنَاعِ ": تَنْبِيهٌ: الْخَلَوَاتُ الْمَشْهُورَاتُ يُمْكِنُ تَخْرِيجُهَا عِنْدَنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْمَنْفَعَةِ مُفْرَدَةً عَنْ الْعَيْنِ كَعُلْوِ بَيْتٍ يُبْنَى عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ وَفِي الصُّلْحِ؛ إذْ الْعِوَضُ فِيهَا مَبْذُولٌ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ مِثْلِ الْمَكَانِ عِشْرِينَ مَثَلًا، وَدَفَعَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ شَيْئًا مَعْلُومًا عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ عَشَرَةٌ فَقَطْ؛ فَقَدْ اشْتَرَى نِصْفَ الْمَنْفَعَةِ، وَبَقِيَ لِلْوَقْفِ نِصْفُهَا؛ فَيَجُوزُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا بَيْعُ الْوَقْفِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ بَقَاءَ عَيْنِ الْوَقْفِ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَلَى هَذَا فَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي إجَارَةِ الْمُشَاعِ؛ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ النَّاظِرِ وَلَا صَاحِبِ الْخُلُوِّ لِلْآخَرِ أَوْ مَعَهُ. وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 لَا وَقْفُهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُصَادِفَ عَيْنًا، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: يُؤْخَذُ [مِنْ قَوْلِ] الْإِمَامِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي وَقْفِ الْمَاءِ إنْ كَانَ شَيْئًا اعْتَادُوهُ، صِحَّةُ [وَقْفِهِ إذَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ] كَمَا فِي هَذَا الزَّمَنِ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَجِدْهُ مَسْطُورًا، لَكِنَّ الْقِيَاسَ لَا يَأْبَاهُ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَلَا يُعَمَّرُ وَقْفٌ مِنْ رِيعِ) وَقْفٍ (آخَرَ) وَلَوْ عَلَى (جِهَتِهِ. وَأَفْتَى عُبَادَةُ) مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا (بِجَوَازِ عِمَارَةِ وَقْفٍ مِنْ رِيعِ وَقْفٍ آخَرَ عَلَى جِهَتِهِ) ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي طَبَقَاتِهِ "، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ قَوِيٌّ، بَلْ عَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ. (وَيَجُوزُ نَقْضُ مَنَارَةِ مَسْجِدٍ، وَجَعْلُهَا فِي حَائِطِهِ لِتَحْصِينِهِ) مِنْ الْكِلَابِ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَيَجُوزُ (اخْتِصَارُ آنِيَةٍ) مَوْقُوفَةٍ كَقُدُورٍ وَقِرَبٍ وَنَحْوِهِمَا إذَا تَعَطَّلَتْ إلَى أَصْغَرَ مِنْهَا (وَإِنْفَاقُ الْفَضْلِ عَلَى الْإِصْلَاحِ) مُحَافَظَةً عَلَى بَقَاءِ عَيْنِ الْوَقْفِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ اخْتِصَارُهَا؛ بِيعَتْ وَصُرِفَ ثَمَنُهَا فِي آنِيَةٍ مِثْلِهَا؛ رِعَايَةً لِلنَّفْعِ الَّذِي لِأَجْلِهِ وُقِفَتْ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ. (وَيَبِيعُهُ) ؛ أَيْ: الْوَقْفَ حَيْثُ جَازَ بَيْعُهُ (حَاكِمٌ إنْ كَانَ) الْوَقْفُ (عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ، كَعَلَى الْمَسَاجِدِ) وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَدَارِسِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ الْأَكْثَرُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ " فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَالْحَارِثِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ، وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النَّصَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ عَرْصَةِ الْمَسْجِدِ: وَتَكُونُ الشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ، انْتَهَى. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ فَسْخٌ لِعَقْدٍ لَازِمٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اخْتِلَافًا قَوِيًّا، فَتُوقَفُ عَلَى الْحَاكِمِ كَمَا قِيلَ فِي الْفُسُوخِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَإِلَّا يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ بِأَنْ كَانَ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ، أَوْ مَنْ يَؤُمُّ أَوْ يُؤَذِّنُ أَوْ يَبِيتُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ (فَ) يَبِيعُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (نَاظِرٌ خَاصٌّ) إنْ كَانَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا تَعَطَّلَ الْوَقْفُ فَإِنَّ النَّاظِرَ فِيهِ يَبِيعُهُ، وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ. نُصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي " الْفَائِقِ " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 وَيَتَوَلَّى الْبَيْعَ نَاظِرُهُ الْخَاصُّ، حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " فَقَالَ: يَبِيعُهُ النَّاظِرُ فِيهِ (وَالْأَحْوَطُ) أَنْ يَبِيعَهُ النَّاظِرُ (بِإِذْنِ حَاكِمٍ) قَالَهُ فِي " التَّنْقِيحِ " لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْبَيْعَ عَلَى مَنْ سَيَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْمَوْجُودِينَ الْآن؛ أَشْبَهَ الْبَيْعَ عَلَى الْغَائِبِ. (وَبِمُجَرَّدِ شِرَاءِ الْبَدَلِ) لِجِهَةِ الْوَقْفِ (يَصِيرُ وَقْفًا كَبَدَلِ أُضْحِيَّةٍ وَ) بَدَلِ (رَهْنٍ أُتْلِفَ) قَالَ الْحَارِثِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُوَفَّقِ فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ: إذَا أَوْلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ، يَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا يَكُونُ وَقْفًا، ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَدَلَ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ انْتَهَى. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامٍ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ هُنَا، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى بَيْعِ وَشِرَاءِ بَدَلِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " فَقَالَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ: وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ، وَيَصِيرُ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ " فِي مَوْضِعَيْنِ، فَقَالَ: فَلِنَاظِرِهِ الْخَاصِّ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ أَوْ بَعْضِ مِثْلِهِ، وَيَكُونُ مَا اشْتَرَاهُ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ، وَقَالَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْفِ: فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي أُمِّ وَلَدِهِ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، وَيُؤْخَذُ قِيمَتُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ يُصْرَفُ فِي مِثْلِهِ يَكُونُ بِالشِّرَاءِ وَقْفًا مَكَانَهَا، وَهَذَا صَرِيحٌ بِلَا شَكٍّ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُبْتَدِئِ ": وَإِذَا خَرِبَ الْوَقْفُ وَانْعَدَمَتْ مَنْفَعَتُهُ بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يُرَدُّ [عَلَى] أَهْلِ الْوَقْفِ وَكَانَ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْمُحَرَّرِ ": الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الشِّرَاءُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، وَلَزِمَ الْعَقْدُ، أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فِي الشِّرَاءِ، وَالْوَكِيلُ يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِلْمُوَكِّلِ، فَكَذَا هَذَا يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِلْجِهَةِ الْمُشْتَرَى لَهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا وَقْفًا انْتَهَى، وَهُوَ الصَّوَابُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْوَقْفِ؛ لَمْ يَكُنْ مَا اشْتَرَاهُ وَقْفًا، وَيُطَالَبُ بِالثَّمَنِ لِيَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَكُونُ وَقْفًا، وَأَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا إذَا اشْتَرَاهُ لِلْوَقْفِ إلَّا بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ؛ بِأَنْ يَنْقَضِيَ الْخِيَارُ (وَالْأَحْوَطُ وَقْفُهُ) لِئَلَّا يَنْقُضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ لَا يَرَى وَقْفِيَّتَهُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 (وَفَضْلُ غَلَّةِ مَوْقُوفٍ عَلَى مُعَيَّنٍ اسْتِحْقَاقُهُ) [مُقَدَّرٌ] مِنْ الْوَاقِفِ (يَتَعَيَّنُ إرْصَادُهُ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: وَأَمَّا فَضْلُ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ مُعَيَّنِينَ أَوْ طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ فَيَتَعَيَّنُ إرْصَادُهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فَضْلِ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَى نَفَقَةِ إنْسَانٍ، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى إذَا كَانَ الصَّرْفُ مُقَدَّرًا، أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ التَّقْدِيرِ فَلَا فَضْلَ، إذْ الْغَلَّةُ مُتَفَرِّقَةٌ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ وَاضِحٌ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (إنْ عُلِمَ أَنَّ رِيعَهُ يَفْضُلُ دَائِمًا، وَجَبَ صَرْفُهُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فَسَادٌ لَهُ وَإِعْطَاؤُهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْتَحِقِّ (فَوْقَ مَا قَدَّرَ لَهُ الْوَاقِفُ جَائِزٌ) لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَهُ. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّاظِرِ صَرْفُ الْفَاضِلِ؛ لِأَنَّهُ افْتِئَاتٌ عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَتُهُ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: وَالظَّاهِرُ لَا ضَمَانَ، كَتَفْرِقَةِ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ. (وَمَنْ وَقَفَ عَلَى ثَغْرٍ فَاخْتَلَّ) الثَّغْرُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (صُرِفَ) الْمَوْقُوفُ (فِي ثَغْرٍ مِثْلِهِ) أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ؛ إذْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ هُنَا الصَّرْفُ إلَى الْمَرَابِطِ فَإِعْمَالُ شَرْطِ الثَّغْرِ الْمُعَيَّنِ مُعَطِّلٌ لَهُ؛ فَوَجَبَ الصَّرْفُ إلَى ثَغْرٍ آخَرَ. قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": (وَعَلَى نَحْوِ قِيَاسِهِ) ؛ أَيْ: الثَّغْرِ (نَحْوُ مَسْجِدٍ) كَمَدْرَسَةٍ (وَرِبَاطٍ) وَسِقَايَةٍ. صَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ. قَالَ: وَالشَّرْطُ قَدْ يُخَالَفُ لِلْحَاجَةِ، كَالْوَقْفِ عَلَى الْمُتَفَقِّهَةِ عَلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ الصَّرْفَ يَتَعَيَّنُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُتَفَقِّهَةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ إلَى الْمُتَفَقِّهَةِ عَلَى مَذْهَبٍ آخَرَ؛ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ. قَالَ: وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ حَوْضٍ، وَتَعَطَّلَ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا؛ صُرِفَ إلَى مِثْلِهِمَا. وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالٍ فِي يَوْمٍ مَخْصُوصٍ مِنْ السَّنَةِ، وَتَعَذَّرَ فِيهِ وَجَبَ مَتَى أَمْكَنَ. (وَنَصَّ) أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ (فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى قَنْطَرَةٍ فَانْحَرَفَ الْمَاءُ) أَوْ انْقَطَعَ: (يُرْصَدُ) مَالُ الْوَقْفِ (لَعَلَّهُ) ؛ أَيْ: الْمَاءَ (يَرْجِعُ) إلَى الْقَنْطَرَةِ، فَيُصْرَفُ عَلَيْهَا مَا وُقِفَ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ رُجُوعِهِ [يُصْرَفُ إلَى قَنْطَرَةٍ أُخْرَى؛ لِمَا تَقَدَّمَ.] (وَمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ نَحْوِ مَسْجِدٍ) [كَرِبَاطٍ] وَمَدْرَسَةٍ وَخَانْكَاةٍ (مِنْ حُصْرٍ وَزَيْتٍ وَمَغْلٍ وَأَنْقَاضٍ وَآلَةٍ) جَدِيدَةٍ (وَثَمَنُهَا) ؛ أَيْ: هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا بِيعَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 (يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي مِثْلِهِ) فَإِنْ فَضَلَ عَنْ مَسْجِدٍ صُرِفَ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ رِبَاطٍ فَهِيَ رِبَاطٌ وَهَكَذَا، وَيَجُوزُ صَرْفُهُ (لِفَقِيرٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُنْقَطِعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنَّمَا لَمْ يُرْصَدْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْطِيلِ، فَيُخَالِفُ الْمَقْصُودَ، وَلَوْ تَوَقَّفَتْ الْحَاجَةُ فِي زَمَنٍ آخَرَ - وَلَا رِيعَ يَسُدُّ مَسَدَّهَا - لَمْ يُصْرَفْ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصَّرْفُ فِي الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَإِنَّمَا سُومِحَ بِغَيْرِهَا حَيْثُ لَا حَاجَةَ؛ حَذَرًا مِنْ التَّعْطِيلِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ الْحَجَبِيَّ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِخُلْعَانِ الْكَعْبَةِ. وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عَائِشَةَ أَمَرَتْهُ بِذَلِكَ. وَلِأَنَّهُ مَالُ اللَّهِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَصْرِفٌ فَجَازَ صَرْفُهُ لِلْفُقَرَاءِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ صَرْفُ الْفَاضِلِ فِي مِثْلِهِ (وَفِي سَائِرِ الْمَصَالِحِ وَفِي بِنَاءِ مَسَاكِنَ لِمُسْتَحِقِّ رِيعِهِ الْقَائِمِ بِمَصْلَحَتِهِ) انْتَهَى. (وَيَحْرُمُ حَفْرُ بِئْرٍ) بِمَسْجِدٍ، وَلَوْ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي الْغَصْبِ: وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ؛ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ مُسْتَحِقَّةٌ لِلصَّلَاةِ " فَتَعْطِيلُهَا عُدْوَانٌ، وَنُصَّ عَلَى الْمَنْعِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ (وَ) يَحْرُمُ (غَرْسُ شَجَرَةٍ بِمَسْجِدٍ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ) لِلْمُصَلِّينَ كَاسْتِظْلَالِهِمْ بِهَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْحَفْرَ أَوْ الْغَرْسَ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ؛ وَلَيْسَتْ الْبِئْرُ أَوْ الشَّجَرَةُ (بِبُقَعِ الْمُصَلِّينَ) وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ ضِيقٌ، يَجُوزُ (فَإِنْ فَعَلَ) ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 أَيْ: بِأَنْ حَفَرَ الْبِئْرَ، أَوْ غَرَسَ الشَّجَرَةَ (طُمَّتْ) الْبِئْرُ نَصًّا (وَقُلِعَتْ) الشَّجَرَةُ نَصًّا، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ ": وَإِنْ غُرِسَتْ بَعْدَ وَقْفِهِ؛ قُلِعَتْ. قَالَ أَحْمَدُ: غُرِسَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، ظَالِمٌ غَرَسَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ قَلْعُهَا بِوَاحِدٍ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الشَّرْحِ ": أَنَّهُ لِلْإِمَامِ (فَإِنْ لَمْ تُقْلَعْ) الشَّجَرَةُ؛ بِأَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا غَارِسُهَا وَأَثْمَرَتْ (فَثَمَرُهَا لِمَسَاكِينِهِ) أَيْ: الْمَسْجِدِ؛ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ: وَالْأَقْرَبُ حِلُّهُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَسَاكِينِ، أَيْضًا (وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّ الْأَكْلَ مِنْهَا) لِأَنَّهَا غُرِسَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَإِنْ غُرِسَتْ) الشَّجَرَةُ (قَبْلَ بِنَائِهِ) ؛ أَيْ: الْمَسْجِدِ (وَوُقِفَتْ مَعَهُ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (فَإِنْ عَيَّنَ) الْوَاقِفُ (مَصْرِفَهَا) بِأَنْ قَالَ: تُصْرَفُ ثَمَرَتُهَا فِي حُصْرٍ أَوْ زَيْتٍ وَنَحْوِهِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ (عُمِلَ بِهِ) ؛ أَيْ: بِمَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ (وَإِلَّا) يُعَيَّنُ مَصْرِفُهَا، فَكَوَقْفٍ (مُنْقَطِعٍ) تُصْرَفُ ثَمَرَتُهَا لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ نَسَبًا وَقْفًا، فَإِنْ انْقَرَضُوا فَلِلْمَسَاكِينِ. (وَيَجُوزُ رَفْعُ مَسْجِدٍ) إذَا (أَرَادَ أَكْثَرُ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ) أَيْ: جِيرَانِهِ (ذَلِكَ) ؛ أَيْ: رَفْعَهُ (وَجُعِلَ) تَحْتَ (سُفْلِهِ سِقَايَةٌ وَحَوَانِيتُ) يُنْتَفَعُ بِهَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِجُنُبٍ وَنَحْوِهِ جُلُوسٌ بِتِلْكَ الْحَوَانِيتِ؛ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَسْجِدِيَّةِ. وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ؛ أَيْ الْمَسْجِدِ إلَى مَكَانٍ غَيْرِ مَكَانِهِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ خَرِبَ (مَعَ إمْكَانِ عِمَارَتِهِ وَ) لَوْ (دُونَ) الْعِمَارَةِ (الْأُولَى) لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَنْعُ، فَجُوِّزَ لِلْحَاجَةِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 [تَنْبِيهٌ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ وَأَرَادَ غَيْرُهُ أَنْ يَبْنِيَ فَوْقَهُ بَيْتًا وَقْفًا لَهُ] تَنْبِيهٌ: سُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ، وَأَرَادَ غَيْرُهُ أَنْ يَبْنِيَ فَوْقَهُ بَيْتًا وَقْفًا لَهُ، إمَّا لِيَنْتَفِعَ بِأُجْرَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ لِيُسْكِنَهُ لِإِمَامِهِ، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْإِمَامِ أَوْ لِلْمَسْجِدِ، فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمَسْجِدِ بِحَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ أَعْوَنَ عَلَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِيهِ مِنْ الْإِمَامَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شُرِعَ فِي الْمَسَاجِدِ؛ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي فِعْلُهُ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَنَحْوِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، حَتَّى سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مَسْجِدٍ لَاصِقٍ بِالْأَرْضِ فَأَرَادُوا أَنْ يَرْفَعُوهُ، وَيَبْنُوا تَحْتَهُ سِقَايَةً، وَهُنَاكَ شُيُوخٌ فَقَالُوا: نَحْنُ لَا نَسْتَطِيعُ الصُّعُودَ إلَيْهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: يُنْظَرُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنَّ تَغْيِيرَ صُورَةِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَقْفِ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ؛ جَائِزٌ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْمَسَاجِدِ مَا هُوَ مُعَيَّنٌ بِذَاتِهِ إلَّا الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ، وَإِلَّا الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي تُشَدُّ إلَيْهَا الرِّحَالُ؛ إذْ هِيَ مِنْ بِنَاءِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَكَانَتْ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي بَنَاهَا غَيْرُهُ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهَا يَتْبَعُ الْمَصْلَحَةَ، وَلَكِنَّ الْمَصْلَحَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ. (وَمَرَّ) فِي آخِرِ بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ (قُبَيْلَ) بَابِ (اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ حُكْمُ تَغْيِيرِ) حِجَارَةِ (الْكَعْبَةِ) أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ احْتَاجَتْ لِمَرَمَّةٍ (وَنَحْوُهُ) كَجَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلْيُرَاجَعْ، وَمَرَّ فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْ كِتَابِ (الِاعْتِكَافِ حُكْمُ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ) وَمَا يَجُوزُ وَمَا يَمْتَنِعُ فِيهَا مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ. [خَاتِمَةٌ فِي الْأَرْزَاقُ الَّتِي يُقَدِّرُهَا الْوَاقِفُونَ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ النَّقْدُ فِيمَا بَعْدُ] خَاتِمَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْأَرْزَاقُ الَّتِي يُقَدِّرُهَا الْوَاقِفُونَ، ثُمَّ يَتَغَيَّرُ النَّقْدُ فِيمَا بَعْدُ، نَحْوُ أَنْ يُشْرَطَ مِائَةُ دِرْهَمٍ نَاصِرِيَّةٍ، ثُمَّ يَحْرُمُ التَّعَامُلُ بِهَا، وَتَصِيرُ الدَّرَاهِمُ ظَاهِرِيَّةً؛ فَإِنَّهُ يُعْطَى الْمُسْتَحِقُّ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ مَا قِيمَتُهُ قِيمَةُ الْمَشْرُوطِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 [بَابُ الْهِبَةِ] (بَابُ الْهِبَةِ) أَصْلُهَا مِنْ هُبُوبِ الرِّيحِ؛ أَيْ: مُرُورِهِ، يُقَالُ: وَهَبْتُ لَهُ وَهْبًا، بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا، وَهِبَةً، وَاسْمُ الْمُوهِبِ وَالْمُوهِبَةِ بِكَسْرِ الْهَاءِ فِيهِمَا؛ وَالِاتِّهَابُ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَالِاسْتِيهَابُ سُؤَالُ الْهِبَةِ، وَتَوَاهَبَ الْقَوْمُ؛ أَيْ وَهَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَوَهَبْته كَذَا، لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَقَدْ تُطْلَقُ الْهِبَةُ عَلَى الْمَوْهُوبِ كَمَا فِي الْخَبَرِ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً، أَوْ يَهَبَ هِبَةً، ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا إلَّا الْوَالِدُ» وَفِي الْمُحْكَمِ ": لَا يُقَالُ: وَهَبَكَهُ، وَعَنْ السِّيرَافِيِّ، أَنَّ بَعْضَ الْأَعْرَابِ قَالَ: انْطَلِقْ مَعِي أَهَبْكَ نَبْلَةً. وَهِيَ شَرْعًا (تَمْلِيكُ) خَرَجَ بِهِ الْعَارِيَّةُ (جَائِزِ التَّصَرُّفِ) وَهُوَ الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ (مَالًا) خَرَجَ بِهِ الْكَلْبُ وَنَحْوُهُ (مَعْلُومًا) يَصِحُّ بَيْعُهُ مَنْقُولًا أَوْ عَقَارًا، (أَوْ) مَالًا (مَجْهُولًا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ) كَدَقِيقٍ اخْتَلَطَ بِدَقِيقٍ لِآخَرَ، فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مِلْكَهُ مِنْهُ؛ فَيَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ، لِلْحَاجَةِ. (وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَالِ الْمَوْهُوبِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ) فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَعْدُومِ كَمَا تَحْمِلُ أَمَتَهُ أَوْ شَجَرَتَهُ، وَلَا هِبَةُ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَآبِقٍ وَشَارِدٍ، كَبَيْعِهِ (غَيْرَ وَاجِبٍ) عَلَى مُمَلِّكِهِ، فَلَا تَسَمَّى نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ وَنَحْوِهِمَا هِبَةً، لِوُجُوبِهَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّمْلِيكُ مُنَجَّزًا (فِي الْحَيَاةِ) خَرَجَ الْوَصِيَّةُ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكٍ (بِلَا عِوَضٍ) مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِهِ، فَإِنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ فَبَيْعٌ، وَيَأْتِي (بِمَا يُعَدُّ هِبَةً) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، كَإِرْسَالِ هَدِيَّةٍ وَدَفْعِ دَرَاهِمَ لِفَقِيرٍ (عُرْفًا) كَالْمُعَاطَاةِ، وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِلَا عِوَضٍ (بِخِلَافِ عَارِيَّةٍ) فَإِنَّهَا إبَاحَةٌ (وَنَحْوِ كَلْبٍ) كَخَمْرٍ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ (وَحَمْلٍ) لِجَهَالَتِهِ وَتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ (وَنَفَقَةِ زَوْجَةٍ) لِوُجُوبِهَا (وَوَصِيَّةٍ) إذْ هِيَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 (وَنَحْوِ بَيْعٍ) كَإِجَارَةٍ، لِأَنَّهُمَا عَقْدَا مُعَاوَضَةٍ. (وَلَا تَصِحُّ) الْهِبَةُ (هَزْلًا وَلَا تَلْجِئَةً) [بِأَنْ لَا تُرَادَ الْهِبَةُ بَاطِنًا] كَأَنْ تُوهَبَ فِي الظَّاهِرِ، وَتُقْبَضَ مَعَ اتِّفَاقِ الْوَاهِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنْهُ مَتَى شَاءَ، أَوْ تُوهَبَ لِخَوْفٍ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلَا تَصِحُّ، وَلِلْوَاهِبِ اسْتِرْجَاعُهَا إذَا زَالَ مَا يَخَافُ، أَوْ جُعِلَتْ الْهِبَةُ طَرِيقًا إلَى (مَنْعِ وَارِثٍ) حَقَّهُ أَوْ مَنْعِ (غَرِيمٍ حَقَّهُ) فَهِيَ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ (فَمَنْ قَصَدَ بِإِعْطَاءٍ) لِغَيْرِهِ (ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَقَطْ) فَعَطِيَّتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (صَدَقَةٌ وَ) إنْ قَصَدَ بِإِعْطَائِهِ (إكْرَامًا أَوْ تَوَدُّدًا أَوْ مُكَافَأَةً) ، فَعَطِيَّتُهُ (هَدِيَّةٌ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِإِعْطَائِهِ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فَمَا أَعْطَى (هِبَةٌ وَعَطِيَّةٌ وَنِحْلَةٌ) ؛ أَيْ: يُسَمَّى بِذَلِكَ، فَالْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ مُتَّفِقَةٌ مَعْنًى وَحُكْمًا (وَيَعُمُّ جَمِيعَهَا لَفْظُ الْعَطِيَّةِ) لِشُمُولِهَا لَهَا (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الْمَذْكُورَاتُ مِنْ صَدَقَةٍ وَعَطِيَّةٍ وَهَدِيَّةٍ (مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ قَصَدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ) تَعَالَى، كَالْهِبَةِ (لِعَالِمٍ وَصَالِحٍ وَفَقِيرٍ، وَ) مَا قَصَدَ بِهِ (صِلَةَ الرَّحِمِ) بَلْ الصَّدَقَةُ عَلَى قَرِيبٍ مُحْتَاجٍ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ " عِنْدَ مَيْمُونَةُ: «أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ أَعْطَيْتِهَا لِأَخْوَالِكَ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكَ» . وَلَا رَيْبَ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْهِبَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَجِنْسُ الْهِبَةِ مَنْدُوبٌ؛ لِشُمُولِهِ مَعْنَى التَّوْسِعَةِ عَلَى الْغَيْرِ، وَنَفْيِ الشُّحِّ. قَالَ: وَالْفَضْلُ فِيهَا يَثْبُتُ بِإِزَاءِ مَا قُصِدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا خَيْرَ فِيمَا قُصِدَ بِهِ رِيَاءٌ أَوْ سُمْعَةٌ انْتَهَى وَلَا تُسْتَحَبُّ إنْ قُصِدَ بِهَا مُبَاهَاةٌ أَوْ رِيَاءٌ أَوْ سُمْعَةٌ، بَلْ تُكْرَهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعْ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْهِبَةِ) لِمَا وَرَدَ، فِيهَا مِمَّا لَا يُحْصَرُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (مَعْنًى يَقْتَضِي تَفْضِيلَهَا) عَلَى الصَّدَقَةِ (كَالْإِهْدَاءِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَحَبَّةً وَ) كَالْإِهْدَاءِ (لِقَرِيبٍ لِصِلَةِ الرَّحِمِ أَوْ) الْإِهْدَاءِ (لِأَخٍ فِي اللَّهِ) فَهَذَا قَدْ يَكُونُ أَفْضَلُ، مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى غَيْرِهِ (وَالْهَدِيَّةُ تُذْهِبُ الْحِقْدَ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «تَهَادَوْا فَإِنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 الْهَدَايَا تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ» . وَالْوَحَرُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: الْحِقْدُ وَالْغَيْظُ (وَتَجْلِبُ الْمَحَبَّةَ) لِحَدِيثِ: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» (وَتَخْتَصُّ) الْهَدِيَّةُ (بِالْمَنْقُولَاتِ) كَالنَّقْدَيْنِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْأَسْلِحَةِ وَالْأَوَانِي وَالْأَمْتِعَةِ وَالْحَيَوَانَاتِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنَّمَا اُخْتُصَّتْ بِالْمَنْقُولَاتِ؛ لِأَنَّهَا تُحْمَلُ إلَيْهِ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ (فَلَا) تَصِحُّ هَدِيَّةُ الْعَقَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا (يُقَالُ: أَهْدَى دَارًا) أَوْ ضَيْعَةً أَوْ بُسْتَانًا. (وَمَنْ أَهْدَى) شَيْئًا (لِيُهْدَى لَهُ أَكْثَرُ) مِنْهُ (فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُسْتَغْزِرُ يُثَابُ مِنْ هِبَتِهِ» . (لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ؛ لِقَوْلَةِ تَعَالَى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] ؛ أَيْ: لَا تُعْطِ شَيْئًا لِتَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَشْرَفِ الْأَخْلَاقِ وَأَجَلِّهَا. (وَوِعَاءُ هَدِيَّةٍ كَهِيَ) فَلَا يُرَدُّ (مَعَ عُرْفٍ) بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِرْفٌ رَدَّهُ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا يَدْخُلُ الْوِعَاءُ إلَّا مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ (كَقَوْصَرَّةِ تَمْرٍ) وَنَحْوِهَا انْتَهَى. (وَكُرِهَ رَدّ هِبَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ) كَذِرَاعٍ، أَوْ كُرَاعٍ - بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ - مُسْتَدَقُّ السَّاقِ مِنْ الرِّجْلِ وَمِنْ حَدِّ الرُّسْغِ فِي الْيَدِ، وَهُوَ مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْوَظِيفِ مِنْ الْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ، وَوَظِيفُ الْبَعِيرِ خُفُّهُ، وَهُوَ كَالْحَافِرِ لِلْفَرَسِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٍ لَقَبِلْتُ» . خُصُوصًا الطِّيبُ؛ لِحَدِيثِ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ فَعَدَّ مِنْهَا الطِّيبَ» ، وَلِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «لَا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ» وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ وَهِبَةٍ، وَلَوْ جَاءَتْ بِلَا مَسْأَلَةٍ وَلَا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، يَعْنِي الْمُوَفَّقَ وَغَيْرَهُ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 الْأَصْحَابِ، قَالُوا فِي الْحَجِّ: لَا يَكُونُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ، وَفِي الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ قَبُولُ السُّتْرَةِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. (وَيُكَافِئُ) الْمُهْدِيَ لَهُ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (أَوْ يَدْعُو لَهُ) ؛ أَيْ: إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهَا، فَلْيَذْكُرْهَا، وَيُثْنِي عَلَى صَاحِبِهَا الَّذِي أَهْدَاهَا (نَدْبًا فِيهَا) ؛ أَيْ: فِي حَالِ الْمُكَافَأَةِ وَغَيْرِهَا، فَيَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «مَنْ أَعْطَى عَطَاءً، فَوَجَدَ؛ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ، فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَلِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ صُنِعَ إلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَيُقَدَّمُ فِي الْهَدِيَّةِ الْجَارُ الْقَرِيبُ بَابُهُ عَلَى الْبَعِيدِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: قَالَتْ «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ لِي جَارَيْنِ فَلِأَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْك بَابًا» . وَيَجُوزُ رَدُّهَا لِأُمُورٍ، مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ أَخْذَهَا بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي جَمَلِهِ: «قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعْنِي جَمَلَك هَذَا. قَالَ قُلْت: لَا بَلْ هُوَ لَك. قَالَ: لَا بَلْ بِعْنِيهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَوْ يَكُونُ الْمُعْطِي لَا يَقْنَعُ بِالثَّوَابِ الْمُعْتَادِ؛ لِمَا فِي الْقَبُولِ مِنْ الْمَشَقَّةِ حِينَئِذٍ، أَوْ تَكُونُ الْهَدِيَّةُ بَعْدَ السُّؤَالِ وَاسْتِشْرَافِ النَّفْسِ لَهَا؛ لِحَدِيثِ عُمَرَ: «إذَا جَاءَك مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» . وَإِشْرَافُ النَّفْسِ فَسَّرَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ بِأَنَّهُ تَطَلُّبٌ لِلشَّيْءِ، وَارْتِفَاعٌ لَهُ، وَتَعَرُّضٌ إلَيْهِ، أَوْ لِقَطْعِ الْمِنَّةِ إذَا كَانَ عَلَى الْآخِذِ فِيهِ مِنَّةٌ، وَقَدْ يَجِبُ رَدُّ الْهِبَةِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا إذَا عَلِمَ) الْمُهْدَى لَهُ (أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْمُهْدِي (أَهْدَى حَيَاءً فَيَجِبُ الرَّدُّ) ؛ أَيْ: رَدُّ هَدِيَّتِهِ إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْآدَابِ ": وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْمَقَاصِدَ فِي الْعُقُودِ عِنْدَنَا مُعْتَبَرَةٌ، وَكَذَا يَجِبُ رَدُّ هَدِيَّةِ صَيْدٍ لِمُحْرِمٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَدَّ عَلَى الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ هَدِيَّةَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ، وَقَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ أَهْدَى لَهُ حَيَاءً، إمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ، (أَوْ) يَجِبُ عَلَيْهِ (الْعِوَضُ) وَأَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مِثْلَهَا أَوْ خَيْرًا مِنْهَا. (وَ) يَتَّجِهُ مَا ذَكَرَ (أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى) مَنْ كَانَ (بَذِيءَ لِسَانٍ) ؛ أَيْ: فَاحِشَهُ (يُخَافُ مِنْهُ) التَّسَلُّطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُكَافِئْهُ بِالْهَجْوِ وَ (الذَّمِّ) فَإِذَا عَلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْ هَدِيَّتِهِ خُرُوجًا مِنْ عُهْدَتِهِ وَاسْتِنْقَاذًا لَهُ مِنْ تَمْزِيقِ عِرْضِهِ وَارْتِكَابِهِ إثْمَ الْغِيبَةِ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يُحَرَّمُ أَكْلُ نَحْوِ طُفَيْلِيٍّ) كَمِلْحٍ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ طَعَامٌ لِيَسْتَحِي مِنْهُ وَيُطْعِمَهُ. وَالطُّفَيْلِيُّ مَنْ يَجْلِسُ عَلَى مَائِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ وَلَا إذْنٍ مِنْهُ (وَ) يُحَرَّمُ أَكْلُ (ضَيْفٍ كَذَلِكَ) أَيْ: عَلَى وَجْهِ الْمُحَابَاةِ بِأَنْ يُقِيمَ فِي الْقَرْيَةِ زِيَادَةً عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَيُكَلِّفَ أَهْلَهَا أَنْ يُضَيِّفُوهُ، فَيَسْتَحْيُونَ، وَيُطْعِمُونَهُ؛ فَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ مِنْ زَادِهِمْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْغَاصِبِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيَجِبُ عَلَى مَنْ شَفَعَ شَفَاعَةً لِآخَرَ، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ؛ لِمَا (فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد: «مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ شَفَاعَةً، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً؛ فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا» ) . قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَمِنْهَا الْهَدِيَّةُ لِمَنْ يَشْفَعُ لَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ؛ فَلَا يَجُوزُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي: وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهَا كَالْأُجْرَةِ، وَالشَّفَاعَةِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ؛ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا. وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، فَأَدَّاهَا، فَأُهْدِيَتْ لَهُ هَدِيَّةٌ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا إلَّا بِنِيَّةِ الْمُكَافَأَةِ انْتَهَى. (وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي لِلْخَاطِبِ إذَا خَطَبَ لِقَوْمٍ) امْرَأَةً (أَنْ يَقْبَلَ لَهُمْ هَدِيَّةً) لِأَنَّ الْخَاطِبَ كَالشَّفِيعِ؛ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي قَوْله تَعَالَى: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ كَانُوا يَسْمَعُونَ لِمَنْ يَكْذِبُ عِنْدَهُمْ، وَيَأْخُذُونَ الرِّشْوَةَ مِمَّنْ يَحْكُمُونَ لَهُ، وَالْهَدِيَّةَ مِمَّنْ يَشْفَعُونَ فِيهِ ". وَقَالَ جَمَاعَةٌ: السُّحْتُ خَمْسَةَ عَشَرَ: الرِّشْوَةُ وَمَهْرُ الْبَغْيِ، وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَالنَّرْدُ، وَالْخَمْرُ، وَالْخِنْزِيرُ، وَالْمَيْتَةُ، وَالدَّمُ، وَعَسْبُ الْفَحْلِ، وَأَجْرُ النَّائِحَةِ، وَالْمُغَنِّيَةِ، وَالسَّاحِرِ، وَأَجْرُ مُصَوِّرِ التَّمَاثِيلِ. (وَإِنْ شُرِطَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (فِيهَا) ؛ أَيْ: الْهِبَةِ (عِوَضٌ مَعْلُومٌ فَ) هُوَ (بَيْعٌ صَحِيحٌ) نَصًّا كَشَرْطِهِ فِي عَارِيَّةٍ، فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ مَجْلِسٍ وَنَحْوِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَاللُّزُومِ قَبْلَ التَّقَابُضِ، وَضَمَانِ الدَّرْكِ، وَوُجُوبِ التَّسَاوِي مَعَ التَّقَابُضِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِي الرِّبَوِيِّ الْمُتَّحِدِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك أَوْ مَلَّكْتُك هَذَا بِهَذَا. (وَ) إنْ شُرِطَ فِي الْهِبَةِ ثَوَابٌ (مَجْهُولٌ فَ) هُوَ بَيْعٌ (فَاسِدٌ) لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَجْهُولٌ فِي مُعَاوَضَةٍ؛ فَلَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ، وَحَيْثُ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَتُرَدُّ بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ الْوَاهِبِ، وَإِنْ تَلِفَتْ أَوْ زَوَائِدُهَا؛ ضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَقِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَافِئَهُ بِالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَ) إنْ صَدَرَتْ الْهِبَةُ مِنْ شَخْصٍ لِآخَرَ (مَعَ إطْلَاقٍ) بِأَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا؛ فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا (لَا تَقْتَضِي عِوَضًا، وَلَوْ) كَانَ الْمُهْدِي إنَّمَا (أَعْطَاهُ) الْهَدِيَّةَ (لِيُعَاوِضَهُ) عَنْهَا (أَوْ) أَعْطَاهُ الْهَدِيَّةَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الْمُهْدَى إلَيْهِ (يَقْضِي لَهُ) ؛ أَيْ: لِمَنْ أَهْدَى (حَاجَةً) وَلَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ انْتِفَاءُ الْعِوَضِ وَالْقَرِينَةُ لَا تُسَاوِيهِ؛ فَلَا يَصِحُّ إعْمَالُهَا، وَلِهَذَا لَمْ نُلْحِقْهُ بِالشَّرْطِ. (أَوْ) كَانَتْ الْهَدِيَّةُ (مِنْ) شَخْصٍ لِمِثْلِهِ، أَوْ كَانَتْ مِنْ (أَدْنَى لِأَعْلَى مِنْهُ) وَقَوْلُ عُمَرَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً يُرِيدُ بِهَا الثَّوَابَ؛ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا جَوَابَهُ بِأَنَّهَا هِبَةٌ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ، فَلَمْ تَقْتَضِ ثَوَابًا كَالْوَصِيَّةِ، وَقَوْلُ عُمَرَ خَالَفَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 ابْنُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَفِي نُسْخَةٍ (وَيَتَّجِهُ أَنَّ الْمَنْفِيَّ) فِي قَوْلِهِ لَا يَقْتَضِي عِوَضًا (الْمُعَاوَضَةَ) وَنَفْيِ وُجُوبِ الْمُعَاوَضَةِ (لَا) يَقْتَضِي نَفْيَ جَوَازِ (الرُّجُوعِ) وَحِينَئِذٍ فَلِمُعْطِي الْهَدِيَّةِ رَجَاءُ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ قَضَاءُ حَاجَةٍ، مِمَّنْ أَهْدَى إلَيْهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ أَنْ (يَرْجِعَ) بِهَدِيَّتِهِ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، أَوْ بَدَلِهَا إنْ تَلِفَتْ (كَزَوْجٍ) خَطَبَ امْرَأَةً، وَ (وَعَدَ) هـ أَوْلِيَاؤُهَا أَنْ يُزَوِّجُوهَا مِنْهُ (وَلَمْ يَفُوا لَهُ) بِمَا وَعَدُوهُ مِنْ التَّزْوِيجِ وَكَانَ قَدْ أَهْدَى لَهُمْ بَعْدَ أَنْ أَجَابُوهُ قَبْلَ عُدُولِهِمْ عَنْ التَّزْوِيجِ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَهْدَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ ذَلِكَ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطِ عِوَضٍ) بِأَنْ قَالَ الْوَاهِبُ: شَرْطُنَا الْعِوَضُ، وَأَنْكَرَهُ مَوْهُوبٌ لَهُ (فَقَوْلُ) مَوْهُوبٍ لَهُ (مُنْكَرٌ) بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي) الصَّادِرِ مِنْهُمَا، فَقَالَ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنِ (وَهَبْتنِي) مَا بِيَدِي (فَقَالَ) مُقْبِضٌ (بَلْ بِعْتُكَهُ، وَلَا بَيِّنَةَ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا قَالَهُ؛ فَإِنَّهُ (يَحْلِفُ كُلٌّ) مِنْهُمَا (عَلَى مَا أَنْكَرَ) مِنْ دَعْوَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَلَا هِبَةَ) بَيْنَهُمَا (وَلَا بَيْعَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ (فَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ بَائِعٍ) لِمَا مَعَهَا مِنْ زِيَادَةِ عِلْمٍ، وَهُوَ إثْبَاتُ الثَّمَنِ، وَلِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَتِلْكَ نَافِيَةٌ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 (وَتَصِحُّ) الْهِبَةُ بِعَقْدٍ (وَتُمْلَكُ) الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ (بِ) مُجَرَّدِ (عَقْدٍ) وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ؛ فَالْقَبْضُ مُعْتَبَرٌ لِلُزُومِهَا وَاسْتِمْرَارِهَا، لَا لِانْعِقَادِهَا، وَإِنْشَائِهَا. صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفَائِقِ ". إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَفِطْرَةُ عَبْدٍ مَوْهُوبٍ قَبْلَ غُرُوبِ لَيْلَةِ الْفِطْرِ عَلَى مَوْهُوبٍ لَهُ - وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ - لِدُخُولِ وَقْتِ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ (فَيَصِحُّ تَصَرُّفُ) مَوْهُوبٌ لَهُ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ (مَوْقُوفًا) عَلَى الْقَبْضِ، فَإِنْ وُجِدَ الْقَبْضُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِقَبُولِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْوَاهِبِ. قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَهُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ (غَيْرُ عِتْقٍ) فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ، فَإِذَا وَهَبَ إنْسَانٌ قِنًّا لِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ يُعْتَقُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (قَبْلَ قَبْضٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالنَّمَاءُ لِلْمُتَّهِبِ. وَتَصِحُّ هِبَةً وَتُمْلَكُ (بِمُعَاطَاةٍ) مُقْتَرِنَةٍ بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْهِبَةِ - وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ - لِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ وَالْأَفْعَالَ الدَّالَّةَ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَافِيَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى لَفْظٍ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُهْدِي وَيُهْدَى إلَيْهِ، وَيُعْطِي وَيُعْطَى، وَيُفَرِّقُ الصَّدَقَاتِ، وَيَأْمُرُ سُعَاتَهُ بِأَخْذِهَا وَتَفْرِيقِهَا، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ وَلَا أَمْرٌ بِهِ، وَلَا تَعْلِيمُهُ لِأَحَدٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا لَنُقِلَ عَنْهُمْ نَقْلًا مُشْتَهِرًا، «وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى بَعِيرٍ لِعُمَرَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِعْنِيهِ، فَقَالَ: هُوَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ لَك يَا عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْت» . وَلَمْ يُنْقَلْ قَبُولُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا قَبُولُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ دَلَالَةَ الرِّضَى بِنَقْلِ الْمِلْكِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّا اكْتَفَيْنَا بِالْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ، وَاكْتَفَيْنَا بِدَلَالَةِ الْحَالِ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ، وَهُوَ إجَارَةٌ وَبَيْعُ أَعْيَانٍ، فَإِذَا اكْتَفَيْنَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ مَعَ تَأَكُّدِهَا بِدَلَالَةِ الْحَالِ؛ فَإِنَّهَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ فَلَأَنْ نَكْتَفِيَ بِهِ فِي الْهِبَةِ أَوْلَى (فَ) عَلَى الْمَذْهَبِ (تَجْهِيزُ بِنْتِهِ، وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (أَوْ) تَجْهِيزُ (ابْنِهِ، أَوْ) تَجْهِيزُ (أُخْتِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " وَنَحْوُهَا، فَعَلَيْهِ تَجْهِيزُ أَجْنَبِيٍّ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ كَذَلِكَ؛ لِحُصُولِهِ بِالْمُعَاطَاةِ الْمُكْتَفَى بِهَا عَنْ الصَّرِيحِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِجِهَازٍ لِبَيْتِ زَوْجٍ) هَا (تَمْلِيكٌ) لَهَا وَقَبُولٌ؛ لِوُجُودِ الْمُعَاطَاةِ بِالْفِعْلِ الدَّالِ عَلَى الْهِبَةِ (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الْهِبَةُ إذَا وَقَعَتْ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ (فِي تَرَاخٍ) نَحْوَ قَبُولٍ عَنْ إيجَابٍ كَبَيْعٍ؛ فَتَصِحُّ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهَا، (وَ) هِيَ كَبَيْعٍ فِي (تَقَدُّمِهِ) ؛ أَيْ: تَقَدُّمِ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ؛ فَيَصِحُّ فِي الْحَالِ الَّتِي يَصِحُّ فِيهَا الْبَيْعُ، وَيَبْطُلُ فِيمَا يَبْطُلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 فِيهِ، وَغَيْرِهِمَا كَانْعِقَادِهَا بِكُلِّ لَفْظٍ أَدَّى مَعْنَاهَا، وَبِالْمُعَاطَاةِ (وَ) كَ (اسْتِثْنَاءِ) وَاهِبٍ (نَفْعَ) مَوْهُوبٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَرَّحَ بِصِحَّتِهِ الْمُوَفَّقِ إجَابَةً لِسُؤَالٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رَجَبٍ (كَمَبِيعٍ) جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْإِنْصَافِ " وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ. (وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ حَمْلِ أَمَةٍ وُهِبَتْ فِيهِ) كَالْعِتْقِ (وَكَذَا) يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ (نَحْوِ لَبَنٍ) كَشَعْرٍ (وَصُوفٍ) مِنْ شَاةٍ وُهِبَتْ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ نَفْعِ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ وُهِبَا مُدَّةً مَعْلُومَةً كَالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ. (وَ) يَحْصُلُ (قَبُولٌ هُنَا وَفِي وَصِيَّةٍ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ دَالٍّ عَلَى الرِّضَى وَقَبْضُهَا) ؛ أَيْ: الْهِبَةِ فِي الْحُكْمِ (كَ) قَبْضِ (مَبِيعٍ) فَيَكُونُ فِي مَوْهُوبٍ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ أَوْ مَذْرُوعِ بِكَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ عَدِّهِ أَوْ ذَرْعِهِ، وَفِيمَا يُنْقَلُ بِنَقْلِهِ، وَفِيمَا يُتَنَاوَلُ بِتَنَاوُلِهِ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ بِالتَّخْلِيَةِ. (وَلَا يَصِحُّ) قَبْضُ هِبَةٍ (إلَّا بِإِذْنِ وَاهِبٍ لَهُ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَى الْوَاهِبِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَأَصْلِ الْعَقْدِ وَكَالرَّهْنِ (وَلَوْ) كَانَ الْقَبْضُ (بِمُنَاوَلَةٍ) لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَيَحْصُلُ الْإِذْنُ فِي قَبْضِ هِبَةٍ (بِتَخْلِيَةٍ) بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْوَاهِبِ (الرُّجُوعُ) فِي هِبَةٍ وَفِي إذْنِهِ فِي قَبْضِهَا (قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: الْقَبْضِ - وَلَوْ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْمُتَّهِبِ - لِبَقَاءِ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ الرُّجُوعُ عَنْهُ رُجُوعًا فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ إبْطَالَ الْإِذْنِ إعْدَامٌ لَهُ، وَعَدَمُهُ لَا يُوجِبُ رُجُوعًا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: وَعِتْقُ الْمَوْهُوبِ وَبَيْعُهُ وَهِبَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ رُجُوعٌ؛ لِحُصُولِ الْمُنَافَاةِ. (وَيُكْرَهُ) رُجُوعُهُ عَنْ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْهِبَةَ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهَا (وَلَوْ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ) أَيْ: الْمُتَّهِبِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَمْ يَتِمَّ، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَنْعِ (وَيَبْطُلُ إذْنُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 وَاهِبٍ فِي قَبْضِ هِبَةٍ. وَ (لَا) تَبْطُلُ (هِيَ) ؛ أَيْ: الْهِبَةُ (بِمَوْتِ وَاهِبٍ) فَيَبْطُلُ إذْنُهُ لِلْمُتَّهِبِ بِمَوْتِهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ ثُمَّ مَاتَ (كَ) مَا تَبْطُلُ (هِيَ) ؛ أَيْ: الْهِبَةُ (بِمَوْتِ مُتَّهِبٍ) قَبْلَ قَبْضِ مَوْهُوبٍ، وَ (لَا) تَبْطُلُ الْهِبَةُ بِمَوْتِ مُتَّهِبٍ (بَعْدَ قَبْضِ وَكِيلِهِ) لِلُزُومِهَا بِالْقَبْضِ، وَأَمَّا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَبْلَ الْقَبُولِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِعَدَمِ تَمَامِ الْعَقْدِ، وَإِنْ مَاتَ وَاهِبٌ قَبْلَ إقْبَاضٍ وَرُجُوعٍ لَمْ تَبْطُلْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَقْدًا مَآلُهُ إلَى اللُّزُومِ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِمَوْتِهِ كَمَوْتِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (وَيَقُومُ وَارِثٌ وَاهِبٌ مَقَامَهُ فِي إذْنٍ) فِي الْقَبْضِ (وَ) فِي رُجُوعٍ فِي الْهِبَةِ، إذْ عَقْدُ الْهِبَةِ بِالْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ أَشْبَهُ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ. تَكْمِيلٌ: وَإِنْ وَهَبَ إنْسَانٌ لِغَائِبٍ هِبَةً وَأَنْفَذَهَا الْوَاهِبُ مَعَ رَسُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ وَكِيلِهِ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ وُصُولِهَا؛ لَزِمَ حُكْمُهَا، وَكَانَتْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَهَا كَقَبْضِهِ، فَلَا يُؤَثِّرُ الْمَوْتُ بَعْدَ لُزُومِهَا. وَإِنْ أَنْفَذَهَا الْوَاهِبُ مَعَ رَسُولِ نَفْسِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ؛ بَطَلَتْ وَكَانَتْ لِلْوَاهِبِ أَوْ وَرَثَتِهِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ؛ لِحَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ: «لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ سَلَمَةَ قَالَ لَهَا: إنِّي قَدْ أَهْدَيْتُ إلَى النَّجَاشِيِّ حُلَّةً وَأَوَاقٍ مِسْكٍ، وَلَا أَرَى النَّجَاشِيَّ إلَّا قَدْ مَاتَ وَلَا أَرَى هَدِيَّتِي إلَّا مَرْدُودَةً عَلَيَّ، فَإِنْ رُدَّتْ فَهِيَ لَك. قَالَتْ: فَكَانَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُدَّتْ عَلَيْهِ هَدِيَّتُهُ، فَأَعْطَى كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أُوقِيَّةً مِنْ مِسْكٍ وَأَعْطَى أُمَّ سَلَمَةَ بَقِيَّةَ الْمِسْكِ وَالْحُلَّةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَبُطْلَانُ الْهِبَةِ إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ بَعْدَ بَعْثِ رَسُولِهِ بِالْهَدِيَّةِ؛ لِعَدَمِ الْقَبُولِ كَمَا يَأْتِي، وَلَيْسَ لِلرَّسُولِ حَمْلُ الْهِبَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاهِبِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ صَارَ إلَيْهِ، وَكَذَا حُكْمُ هَدِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ، لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الْهِبَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 (وَتَلْزَمُ) الْهِبَةُ (بِ) مُجَرَّدِ (قَبْضٍ) بِإِذْنِ وَاهِبٍ؛ لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِعَائِشَةَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: يَا بُنَيَّةُ كُنْتُ نَحَلْتُكِ جُذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا، وَلَوْ كُنْتِ جَذَذْتِيهِ وَحُزْتِيهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ "، وَقَالَ عُمَرُ: لَا نِحْلَةَ إلَّا نِحْلَةٌ يَحُوزُهَا الْوَلَدُ دُونَ الْوَلَدِ. وَكَالطَّعَامِ الْمَأْذُونِ فِي أَكْلِهِ، وَيَعْتَبِرُ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ مِنْ (رَشِيدٍ فِي غَيْرِنَا تَافِهٍ) أَيْ: قَلِيلٍ لَا يُعْبَأُ بِهِ كَرَغِيفٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا يُشْتَرَطُ رُشْدُ قَابِضِهِ (أَوْ) بِقَبْضِ (وَلِيِّ غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الرَّشِيدِ - كَالصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ قَبُولٌ لِمَا لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِيهِ حَظٌّ، فَكَانَ إلَى الْوَلِيِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَا يَصِحُّ الْقَبُولُ وَلَا الْقَبْضُ مِنْ غَيْرِ الْوَلِيِّ، وَهُوَ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ أَوْ أَمِينُهُ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِي صَبِيٍّ وُهِبَتْ لَهُ هِبَةٌ، أَوْ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ، فَقَبَضَتْ الْأُمُّ ذَلِكَ وَأَبُوهُ حَاضِرٌ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ لِلْأُمِّ قَبْضًا " وَلَا يَكُونُ إلَّا لِلْأَبِ، وَإِنْ عَدِمَ الْوَلِيُّ فَيَقْبِضُ لِغَيْرِ الرَّشِيدِ مَنْ يَلِيهِ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَيَأْتِي. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": فَإِنَّ الصَّبِيَّ قَدْ يَكُونُ فِي مَكَان لَا حَاكِمَ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ، وَيَكُونُ فَقِيرًا لَا غِنَى بِهِ عَنْ الصَّدَقَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُ غَيْرِهِمْ لَهُ، انْسَدَّ بَابُ وُصُولِهَا إلَيْهِ، فَيَضِيعُ وَيَهْلِكُ، وَمُرَاعَاةُ حِفْظِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْوِلَايَةِ (كَ) مَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ (بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ فِيمَا بِيَدِ مُتَّهِبٍ) كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ، وَلَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهِ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِأَنَّ قَبْضَهُ مُسْتَدَامٌ، فَأَغْنَى عَنْ الِابْتِدَاءِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً، وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعُ مِنْ شَرِيكِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ، مَنْقُولًا كَانَ كَجُزْءٍ مِنْ نَحْوِ فَرَسٍ أَوْ غَيْرِهِ كَجُزْءٍ مِنْ عَقَارٍ، سَوَاءٌ كَانَ يَنْقَسِمُ أَوْ لَا كَالْعَبْدِ، لِمَا فِي " الصَّحِيحِ «أَنَّ وَفْدَ هَوَازِنَ لَمَّا جَاءُوا يَطْلُبُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَا غَنِمَ مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ» . (وَيَعْتَبِرُ لِصِحَّةِ قَبْضِ مُشَاعٍ يُنْقَلُ) أَيْ: لِجَوَازِهِ أَوْ لِانْتِقَاءِ ضَمَانِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ. ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (إذْنُ شَرِيكٍ) فِيهِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 إلَّا بِقَبْضِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِجَوَازِ الْقَبْضِ، [لَا لُزُومِ الْهِبَةِ فَتَلْزَمُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ شَرِيكُهُ، وَيَكُونُ نَصِيبُ الْقَابِضِ] مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا وَنَصِيبُ الشَّرِيكِ مَقْبُوضًا أَمَانَةً، فَإِنْ أَبَى الشَّرِيكُ أَنْ يُسَلِّمَ نَصِيبَهُ قِيلَ لِلْمُتَّهِبِ: وَكُلُّ الشَّرِيكِ فِي قَبْضِهِ لَك وَنَقْلِهِ، فَإِنْ أَبَى نَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا، فَيَنْقُلُهُ فَيَحْصُلُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَذِنَ شَرِيكُهُ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ مَجَّانًا فَكَعَارِيَّةٍ فِي ضَمَانِهِ إذَا تَلِفَ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، وَإِذَا كَانَ أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ بِأُجْرَةٍ؛ فَإِنَّ نَصِيبَهُ يَكُونُ فِي يَدِ الْقَابِضِ أَمَانَةً كَمَأْجُورٍ؛ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ. وَإِنْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ وَلَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً كَأَنْ اسْتَعْمَلَهُ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِثْلَهَا بِقَصْدِ الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ فَاسِدَ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَتَقَدَّمَ. وَإِنْ تَصَرَّفَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ، وَلَا إجَارَةٍ، أَوْ قَبَضَ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ فَكَغَاصِبٍ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَادِيَةٌ. (وَإِنْ وَهَبَ وَلِيٌّ) كَحَاكِمٍ أَوْ وَصِيٍّ (مُوَلِّيَهُ) لَمْ يَتَوَلَّ طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ وَ (وَكَّلَ مَنْ يَقْبَلُ) لَهُ الْهِبَةَ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْأَبِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ (وَيَقْبِضُ هُوَ) ؛ أَيْ: الْوَلِيُّ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ لِلصَّبِيِّ غَيْرَ الْأَبِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبَلُ لِلصَّبِيِّ، وَيَقْبِضُ لَهُ لِيَكُونَ الْإِيجَابُ مِنْهُ وَالْقَبُولُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْبَيْعِ (وَلَا يَحْتَاجُ أَبٌ وَهَبَ وَلَدَهُ لِصِغَرٍ) إلَى تَوْكِيلٍ فِي الْقَبُولِ؛ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ (وَيَتَّجِهُ) أَيْضًا وَلَا يَحْتَاجُ أَبٌ وَهَبَ وَلَدَهُ لِسَفَهٍ (أَوْ جُنُونٍ) . قَالَ الْبُهُوتِيُّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (إلَى تَوْكِيلٍ فِي الْقَبُولِ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ؛ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ (فَيَكْفِي) قَوْلُ الْأَبِ (وَهَبْتُ ذَا لِوَلَدِي وَقَبِلْته لَهُ) فَإِنْ لَمْ يَقُلْ: وَقَبِلْته أَوْ وَقَبَضْته لَهُ؛ لَمْ يَكْفِ عَلَى ظَاهِرِ رِوَايَةِ حَرْبٍ؛ لِتَغَايُرِ الْقَبْضَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ الَّتِي لِجِهَةِ الْمُتَّهِبِ هُنَا هِيَ نَفْسُ يَدِ الْوَاهِبِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَدَّعِيَهُ فِي ثَانِي الْحَالِ، أَوْ يَدَّعِيَهُ الْوَرَثَةُ تِرْكَةً، فَيَذْهَبَ عَنْ الطِّفْلِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 (وَيُغْنِي قَبْضُ) هِبَةٍ إذَا كَانَ قَابِضُهَا رَشِيدًا (عَنْ قَبُولٍ) فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى لَفْظِ الْقَبُولِ (لَا عَكْسِهِ) أَيْ: لَا يُغْنِي قَبُولُ الْهِبَةِ عَنْ قَبْضِهَا؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْقَبْضِ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ رُجُوعِ الْوَاهِبِ بِهَا. وَلَا يَصِحُّ قَبْضُ طِفْلٍ - وَلَوْ مُمَيَّزًا - وَلَا قَبْضُ مَجْنُونٍ لِأَنْفُسِهِمَا، وَلَا قَبُولُهُمَا الْهِبَةَ؛ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، بَلْ يَقْبَلُ وَيَقْبِضُ لَهُمَا وَلِيُّهُمَا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ عَلَيْهِمَا. فَالْأَبُ الْعَدْلُ وَلَوْ ظَاهِرًا يَقُومُ مَقَامَهُمَا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ عِنْدَ عَدَمِهِ وَصِيٌّ، ثُمَّ حَاكِمٌ أَمِينٌ كَذَلِكَ، أَوْ مَنْ يُقِيمُونَهُ مَقَامَهُمْ (وَعِنْدَ عَدَمِ وَلِيٍّ غَيْرِ رَشِيدٍ، يَقْبِضُ لَهُ) أَيْ: لِغَيْرِ الرَّشِيدِ (مَنْ يَلِيه مِنْ نَحْوِ أُمٍّ وَقَرِيبٍ) وَغَيْرِهِمَا (نَصًّا) قَالَ ابْنُ الْحَكَمِ: سُئِلَ أَحْمَدُ: يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ الصَّبِيُّ؟ قَالَ: نَعَمْ يُعْطَى أَبَاهُ أَوْ مَنْ يَقُومُ بِشَأْنِهِ. وَرَوَى الْمَرُّوذِيُّ أَيْضًا نَحْوَهُ. [قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ جَلَبَ مَنْفَعَةً، وَمَحِلَّ حَاجَةٍ، (لَكِنْ يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ) ] قَبْضُ الْمَأْكُولِ الَّذِي يُدْفَعُ مِثْلُهُ لِلصَّغِيرِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «كَانَ النَّاسُ إذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثِّمَارِ جَاءُوا بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا أَخَذَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُ مِنْ الْوِلْدَانِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ كَانَ الْأَبُ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَوْ كَانَ مَجْنُونًا قَبِلَ الْحَاكِمُ الْهِبَةَ لِوَلَدِهِ، أَوْ كَانَ الْأَبُ قَدْ مَاتَ - وَلَا وَصِيَّ لَهُ - قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ إذَنْ. (وَمَا أُهْدِيَ فِي) دَعْوَةِ (خِتَانِ صَبِيٍّ) اتَّخَذَهَا أَبُوهُ (فَ) هُوَ (لِأَبِيهِ) لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ (إلَّا مَعَ) وُجُودِ (قَرِينَةٍ) تَقْتَضِي (اخْتِصَاصَ) ذَلِكَ (بِمَخْتُونٍ، كَثَوْبٍ) فَلَهُ (أَوْ) تَقْتَضِي (اخْتِصَاصَ) ذَلِكَ (بِأُمٍّ، فَلَهَا، كَكَوْنِ مُهْدٍ قَرِيبَهَا أَوْ) كَوْنِهِ (مَعْرِفَتَهَا) حَمْلًا عَلَى الْعُرْفِ (وَخَادِمُ الْفُقَرَاءِ الَّذِي يَطُوفُ لَهُمْ فِي الْأَسْوَاقِ مَا حَصَلَ لَهُ عَلَى اسْمِهِمْ، أَوْ بِنِيَّةِ قَبْضِهِ لَهُمْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ) لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ إنَّمَا يُدْفَعُ إلَيْهِ لِلشَّرِكَةِ فِيهِ، وَهُوَ إمَّا وَكِيلُهُمْ أَوْ وَكِيلُ الدَّافِعِينَ، فَيَنْتَفِي الِاخْتِصَاصُ (وَمَا يُدْفَعُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (مِنْ صَدَقَةٍ لِشَيْخِ زَاوِيَةٍ) أَوْ شَيْخِ رِبَاطٍ (فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ) لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ اخْتِصَاصًا، فَهُوَ كَوَكِيلِ الْفُقَرَاءِ أَوْ الدَّافِعِينَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَهُ التَّفْضِيلُ) فِي الْقَسْمِ (بِحَسَبِ الْحَاجَةِ) لِأَنَّ الصَّدَقَةَ يُرَادُ بِهَا سَدُّ الْخُلَّةَ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ إلَيْهِ مَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ؛ وَالظَّاهِرُ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ (وَمَا لَمْ تَجُزْ عَادَةً بِتَفْرِيقِهِ لِقِلَّتِهِ فَيَخْتَصُّ هُوَ بِهِ) لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ صَدَرَ إلَيْهِ، وَلَا قَرِينَةَ تَصْرِفُهُ عَنْهُ (ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَهِبَةُ مَحْجُورٍ) عَلَيْهِ (مَالُهُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ (وَلَوْ) صَدَرَتْ مِنْهُ (بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَهِبَةُ سَفِيهٍ كَذَلِكَ، وَلَوْ أَذِنَ فِيهَا وَلِيُّهُ. (وَتَصِحُّ) الْهِبَةُ (مِنْ قِنٍّ بِإِذْنِ سَيِّدِ) هـ، لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَقٌّ عَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ، فَإِذَا أَذِنَهُ انْفَكَّ، بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ، وَ (لَا) تَصِحُّ الْهِبَةُ بِحَيْثُ تَكُونُ تَمْلِيكًا (لَهُ) أَيْ: الْقِنِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، وَأَمَّا قَبُولُهُ الْهِبَةَ؛ فَيَصِحُّ بِلَا رَيْبٍ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَمَا اتَّهَبَهُ عَبْدٌ غَيْرُ مُكَاتَبٍ وَقَبِلَهُ؛ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، وَيَصِحُّ قَبُولُهُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْهِبَةَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْمَالِ لِلسَّيِّدِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُهُ فِيهِ كَالِالْتِقَاطِ، وَمَا وَهَبَهُ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ اكْتِسَابِهِ، فَأَشْبَهَ اصْطِيَادَهُ وَقَوْلُهُ: (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ صَاحِبُ " الْإِقْنَاعِ " لَمْ يَقُلْ بِجَوَازِ مِلْكِ الْهِبَةِ لِلْقِنِّ، وَإِنَّمَا قَالَ بِجَوَازِ قَبُولِهَا فَقَطْ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ قَبُولِهِ لَهَا أَنْ يَمْلِكَهَا، وَعِبَارَتُهُ: وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْهِبَةَ وَالْهَدِيَّةَ بِغَيْرِ إذْنِهِ انْتَهَى. وَقَدْ ظَهَرَ لَك بِمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 ذَكَرْنَاهُ مِنْ النُّقُولِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ خِلَافًا لَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ. (وَلَا) تَصِحُّ الْهِبَةُ (لِحَمْلٍ) لِأَنَّ تَمْلِيكَهُ تَعْلِيقٌ عَلَى خُرُوجِهِ حَيًّا، وَالْهِبَةُ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ (وَمَنْ) (أَبْرَأَ) مَدِينَهُ (مِنْ دَيْنِهِ) صَحَّ (أَوْ وَهَبَهُ لِمَدِينِهِ) صَحَّ (أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ) صَحَّ (أَوْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ) صَحَّ لِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ (أَوْ تَرَكَهُ) لَهُ صَحَّ (أَوْ مَلَّكَهُ لَهُ) صَحَّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ هِبَتِهِ إيَّاهُ (أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ) صَحَّ لِوُرُودِ الْإِبْرَاءِ فِي الْقُرْآنِ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] . (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ بِمَا فِي ذِمَّتِهِ إنْ كَانَ (صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ) إذْ لَا يَصِحُّ جَعْلُ مَا فِي الذِّمَّةِ عَنْ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ. (أَوْ عَفَا عَنْهُ صَحَّ) ذَلِكَ جَمِيعُهُ، وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] يَعْنِي بِهِ الْإِبْرَاءَ مِنْ الصَّدَاقِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعْطَيْتُكَهُ وَنَحْوَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ إبْرَاءً وَإِسْقَاطًا، وَلَفْظُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى مَعْنَى الْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَيْنَ مَوْجُودَةٌ يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ دَيْنَهُ هِبَةً حَقِيقِيَّةً لَمْ يَصِحَّ؛ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ، وَانْتِفَاءِ شَرْطِ الْهِبَةِ، وَمِنْ هُنَا امْتَنَعَ هِبَتُهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَامْتَنَعَ إجْزَاؤُهُ عَنْ الزَّكَاةِ؛ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ انْتَهَى. وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ بِالْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (قَبْلَ حُلُولِهِ) أَيْ: الدَّيْنِ (أَوْ رَدَّ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 الْمَدِينُ الْإِبْرَاءَ، لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، بِخِلَافِ هِبَةِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ (أَوْ) كَانَ الدَّيْنُ الْمُبْرِئُ مِنْهُ مَجْهُولًا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَسَوَاءٌ (جَهِلَ) هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا (قَدْرَهُ) أَوْ جَهِلَا وَصْفَهُ أَوْ جَهِلَا الْقَدْرَ وَالْوَصْفَ مَعًا (أَوْ اعْتَقَدَ) رَبُّ الدَّيْنِ الْمُسْقِطُ لَهُ (عَدَمَهُ) أَيْ: الدَّيْنِ كَقَوْلِهِ: أَبْرَأْتُكَ مِنْ مِائَةٍ يَعْتَقِدُ عَدَمَهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ، اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَكَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ وَنَحْوَهُ ظَانًّا حَيَاتَهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ؛ لِمُصَادِفَةِ الْحَقِّ. وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَجْهُولِ وَلَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ فَيَنْفُذُ مَعَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ أَيْضًا مِنْ الْمَجْهُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا سَبِيلٌ إلَى مَعْرِفَتِهِ، أَوْ كَانَ يَعْلَمهُ الْمُبْرِئُ فَقَطْ، كَمَا تَصِحُّ مِنْ الْمَعْلُومِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عُمُومُ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ. صَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " آخِرَ الْقَذْفِ (لَا إنْ عَلِمَهُ) أَيْ: الدَّيْنَ (مَدِينٌ فَقَطْ وَكَتَمَهُ) مِنْ رَبِّ دَيْنٍ (خَوْفًا مِنْ أَنَّهُ) أَيْ: رَبَّ الدَّيْنِ (إنْ عَلِمَ) بِالدَّيْنِ (لَمْ يُبْرِئْهُ) أَيْ: رَبُّ الدَّيْنِ مِنْهُ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ؛ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ، وَهُوَ إذَنْ كَالْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الْمُطَالَبَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهِ، وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى أَلْفٍ، صَحَّ الْإِبْرَاءُ فِي الْأَلْفِ وَفِيمَا دُونَهُ. وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءَ مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ وُجُوبِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا طَلَاقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ» . وَالْإِبْرَاءُ فِي مَعْنَاهُمَا (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ إنْ (عَلَّقَهُ) رَبُّ دَيْنٍ بِشَرْطٍ نَصًّا (فَ) قَوْلُهُ لِلْمَدِينِ (إنْ مِتَّ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ بِفَتْحِ التَّاءِ، تَعْلِيقٌ) فَلَا يَبْرَأُ (وَ) قَوْلُهُ إنْ مِتُّ (بِضَمِّهَا) أَيْ: التَّاءِ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ (وَصِيَّةٌ) لِلْمَدِينِ بِالدَّيْنِ، لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ. (وَلَا تَصِحُّ) الْبَرَاءَةُ (مَعَ إبْهَامِ) الْمَحَلِّ الْوَارِدِ عَلَيْهِ الْإِبْرَاءُ (كَأَبْرَأْتُ أَبْرَأْتُ أَحَدَ غَرِيمَيَّ أَوْ) أَبْرَأْتُ غَرِيمِي هَذَا (مِنْ أَحَدِ دَيْنَيَّ) كَوَهَبْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ أَوْ كَفَلْت أَحَدَ الدَّيْنَيْنِ (فَلَا يُؤْخَذُ بِبَيَانٍ خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَدَّمَ الصِّحَّةَ تَبَعًا لِاخْتِيَارِ الْحَلْوَانِيِّ وَالْحَارِثِيِّ، فَقَالَ: وَمِنْ صُوَرِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 الْمَجْهُولِ لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا، وَيُؤْخَذُ بِالْبَيَانِ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " " وَالْمُنْتَهَى " عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَتَابَعَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَلَوْ تَبَارَآ) أَيْ: الدَّائِنُ وَالْمُسْتَدِينُ (وَ) ظَهَرَ (لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ) مُسَطَّرٌ (بِ) صَكٍّ (مَكْتُوبٍ، فَادَّعَى) مَنْ هُوَ بِيَدِهِ (اسْتِثْنَاءَهُ) مِنْ الْإِبْرَاءِ (قُبِلَ) قَوْلُهُ (بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ مَا صَحَّ بَيْعُهُ مِنْ الْأَعْيَانِ صَحَّتْ هِبَتُهُ] (فَصْلٌ: وَمَا صَحَّ بَيْعُهُ) مِنْ الْأَعْيَانِ (صَحَّتْ هِبَتُهُ) لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ، فَصَحَّتْ فِيمَا صَحَّ فِيهِ الْبَيْعُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ؛ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَيَجُوزُ نَقْلُ الْيَدِ فِي الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَلَيْسَ هِبَةً حَقِيقِيَّةً (وَ) صَحَّ (اسْتِثْنَاءُ نَفْعِهِ) أَيْ: الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ فِي الْهِبَةِ (عِنْدَ إنْشَائِهَا زَمَنًا مُعَيَّنًا) كَشَهْرٍ وَسَنَةٍ، قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ فِيمَا إذَا شَرَطَ فِيهِ الْبَائِعُ نَفْعًا مَعْلُومًا، كَسُكْنَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ شَهْرًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَمَا لَا) يَصِحُّ بَيْعُهُ (فَلَا) تَصِحُّ هِبَتُهُ كَالْكَلْبِ وَجِلْدِ الْمَيِّتَةِ الْمَأْكُولَةِ، وَإِنْ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا. (وَيَتَّجِهُ غَيْرُ نَحْوِ جِلْدِ أُضْحِيَّةٍ) كَجِلْدِ هَدْيٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَتَصِحُّ هِبَتُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَتَصِحُّ هِبَةُ مُصْحَفٍ وَإِنْ قِيلَ يُمْنَعُ بَيْعُهُ، قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (فَلَا تَصِحُّ) هِبَةُ مَجْهُولٍ (كَحَمْلٍ بِبَطْنٍ وَلَبَنٍ بِضَرْعٍ وَصُوفٍ عَلَى ظَهْرٍ) خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي الْأَخِيرَةِ؛ لِلْجَهَالَةِ وَتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ (فَإِنْ أَذِنَ رَبُّ شَاةٍ لَهُ) أَيْ: لِإِنْسَانٍ (فِي جَزِّ صُوفِ) هَا (وَحَلْبِ) هَا (فَ) هُوَ (إبَاحَةٌ) لَا هِبَةٌ. وَإِنْ وَهَبَ دُهْنَ سِمْسِمٍ - وَهُوَ الشَّيْرَجَ - قَبْلَ عَصْرِهِ، أَوْ زَيْتَ زَيْتُونَةٍ، أَوْ جَفَّتْهُ قَبْلَ عَصْرِهِمَا؛ لَمْ يَصِحَّ كَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَأَوْلَى لِكُلْفَةِ الِاعْتِصَارِ (فَ) قَوْلُ رَبِّ مَالٍ لِآخَرَ (خُذْ مِنْ هَذَا الْكِيسِ مَا شِئْت؛ فَلَهُ أَخْذُ كُلِّ مَا بِهِ) . وَلَوْ قَالَ: خُذْ (مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 مَا شِئْت؛ لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَ الْكُلِّ) إذْ الْكِيسُ ظَرْفٌ، فَإِذَا أَخَذَ الْمَظْرُوفَ حَسُنَ أَنْ يُقَالَ: أَخَذْت مِنْ الْكِيسِ مَا فِيهِ، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: أَخَذْت مِنْ الدَّرَاهِمِ كُلِّهَا. قَالَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي " النَّوَادِرِ ". (وَكَذَا) أَيْ: كَالصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا قَوْلُ مَالِكٍ: (مَا أَخَذْت مِنْ مَالِي فَهُوَ لَك أَوْ) قَوْلُهُ: (مَنْ وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَالِي، فَلَهُ حَيْثُ لَا قَصْدَ) فَهُوَ (هِبَةٌ حَقِيقِيَّةٌ كَمَا) مَرَّ (فِي هِبَةِ دَيْنٍ) قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " بَعْدَ ذِكْرِهِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: وَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ وَنَحْوِهِ، وَلِلْمُبِيحِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا قَالَ قَبْلَ التَّمَلُّكِ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْهِبَةِ يَتَأَخَّرُ الْقَبُولُ فِيهِ عَنْ الْإِيجَابِ كَثِيرًا، وَلَيْسَ بِإِبَاحَةٍ. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ الْهِبَةِ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا (وَ) أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ قَائِلُ ذَلِكَ (بَعْدَ قَبْضٍ) أَخَذَ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ صَادَفَ إذْنًا صَحِيحًا مِنْ مَالِكٍ، فَمَلَك مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمَالِ، وَامْتَنَعَ عَلَى الْمُعْطِي الرُّجُوعُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَأْخُوذِ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ بَابَ الْإِبَاحَةِ أَوْسَعُ) مِنْ بَابِ الْهِبَةِ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مِثْلَهُ) فِي الْحُكْمِ (مَنْ يَتَصَدَّقْ) عَلَى شَخْصٍ فَأَكْثَرَ (جُزَافًا) أَيْ: مِنْ غَيْرِ وَزْنٍ وَلَا كَيْلٍ وَلَا عَدٍّ كَالصُّبْرَةِ؛ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا قَابِضُهَا، وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ الرُّجُوعُ بِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْأَخْذِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تَصِحُّ (هِبَةُ مَجْهُولٍ لَهُمَا) أَيْ: الْوَاهِبِ وَالْمُتَّهِبِ (لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ) نَصًّا كَنَحْلٍ فِي كُوَّارَةٍ، وَحَمْلٍ فِي بَطْنٍ وَنَحْوِهِ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ؛ فَلَا تَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ كَالْبَيْعِ (بِخِلَافِ أَعْيَانٍ اشْتَبَهَتْ) كَزَيْتٍ اخْتَلَطَتْ بِزَيْتٍ وَنَحْوِهِ أَوْ بِشَيْرَجٍ (وَتَعَذَّرَ فِيهِ تَمْيِيزُهَا) فَتَصِحُّ هِبَتُهَا (كَمَا مَرَّ فِي الصُّلْحِ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ (فَمَنْ وَهَبَ) أَرْضًا (أَوْ تَصَدَّقَ) بِأَرْضٍ (أَوْ وَقَفَ) أَرْضًا (أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 وَصَّى بِأَرْضٍ) يَعْنِي بِجُزْءٍ مِنْهَا (أَوْ بَاعَهَا؛ احْتَاجَ أَنْ يَحُدَّهَا كُلَّهَا) مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ إنْ كَانَتْ مَفْرُوزَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُشَاعَةً يَقُولُ كَذَا سَهْمًا مِنْ كَذَا سَهْمًا؛ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ بَيْتٌ مُشَاعٌ غَيْرُ مَقْسُومٍ، فَتَصَدَّقَ أَحَدُهُمْ عَلَى بَعْضِهِمْ حِصَّةً مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ، هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ قَالَ: إذَا كَانَ سَهْمٌ مِنْ كَذَا وَكَذَا سَهْمٌ؛ فَهُوَ جَائِزٌ، فَإِنْ قَالَ: ثُلُثُهَا أَوْ نَحْوُهُ؛ صَحَّ. (وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَالرَّهْنُ) وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَسُئِلَ عَمَّنْ يَهَبُ رُبْعَ دَارِهِ قَالَ: هُوَ جَائِزٌ (وَقَالَ: إذَا وَقَفَ أَوْ أَوْصَى بِأَرْضٍ مُشَاعَةٍ احْتَاجَ أَنْ يَحُدَّهَا كُلَّهَا، وَكَذَا الْبَيْعُ وَالصَّدَقَةُ هُوَ عِنْدِي وَاحِدٌ) وَأَيْضًا قِيلَ لَهُ: وَهَبْتُ مِنْك نَصِيبِي مِنْ الدَّارِ قَالَ: إنْ كَانَ يَعْلَمُ كَمْ نُصِيبُهُ؛ فَهُوَ جَائِزٌ. (وَلَا) تَصِحُّ (هِبَةُ مَا فِي ذِمَّةِ مَدِينٍ لِغَيْرِهِ إلَّا لِضَامِنِهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ. (وَلَا) تَصِحُّ هِبَةُ (مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ) كَمَغْصُوبٍ لِغَيْرِ غَاصِبِهِ، أَوْ قَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ كَبَيْعِهِ. (وَلَا) يَصِحُّ (تَعْلِيقُهَا) أَيْ: الْهِبَةِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ فَقَدْ وَهَبْتُك كَذَا، قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي الْحُلَّةِ الْمُهْدَاةِ إلَى النَّجَاشِيِّ: إنْ رَجَعَتْ إلَيْنَا فَهِيَ لَك» . قَالَ الْمُوَفَّقُ عَلَى مَعْنَى الْعِدَّةِ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَقْبَلِ الْمَاضِي وَالْحَالُ؛ فَلَا يَمْنَعُ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ الصِّحَّةَ؛ كَإِنْ كَانَتْ مِلْكِي وَنَحْوِهِ فَقَدْ وَهَبْتُكهَا (بِغَيْرِ مَوْتِ) الْوَاهِبِ؛ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِهِ، وَتَكُونُ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِمُعَيَّنٍ فِي الْحَيَاةِ، فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ كَالْبَيْعِ. (وَلَا) يَصِحُّ (اشْتِرَاطُ مَا يُنَافِيهَا) أَيْ: الْهِبَةَ (كَأَنْ) يَشْتَرِطُ الْوَاهِبُ عَلَى الْمُتَّهِبِ أَنْ (لَا يَبِيعَهَا) أَيْ: الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ (أَوْ لَا يَهَبَهَا أَوْ لَا يَأْكُلَهَا وَنَحْوَهُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 كَلَا يَلْبِسُ الثَّوْبَ الْمَوْهُوبَ؛ فَلَا يَصِحُّ الشَّرْطُ؛ إذْ مُقْتَضَى الْمِلْكِ التَّصَرُّفُ الْمُطْلَقُ، فَالْحَجْرُ فِيهِ مُنَافٍ لِمُقْتَضَاهُ (وَتَصِحُّ هِيَ) أَيْ: الْهِبَةُ الْمَشْرُوطُ فِيهَا مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْسَرَ. (وَلَا) تَصِحُّ الْهِبَةُ (مُؤَقَّتَةً) كَوَهَبْتُك شَهْرًا أَوْ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِانْتِهَاءِ الْهِبَةِ؛ فَلَا تَصِحُّ مَعَهُ كَالْبَيِّعِ (إلَّا فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى) فَيَصِحَّانِ وَهُمَا (نَوْعَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِبَةِ) يَفْتَقِرَانِ إلَى مَا تَفْتَقِرُ إلَيْهِ سَائِرُ الْهِبَّاتِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ، وَيَصِحُّ تَوَقِّيَتُهُمَا، سُمِّيَتْ عُمْرَى؛ لِتَقَيُّدِهَا بِالْعُمْرِ، وَسُمِّيَتْ رُقْبَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ: أَعْمَرْتُهُ وَعَمَّرْته مُشَدَّدًا إذَا جُعِلَتْ لَهُ الدَّارُ مُدَّةَ عُمْرِهِ أَوْ عُمْرِي، وَكَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ، فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ ذَلِكَ (كَ) قَوْلِهِ: (أَعْمَرْتُكَ أَوْ أَرْقَبْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ) هَذِهِ (الْفَرَسَ أَوْ) هَذِهِ (الْأَمَةَ) . قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: أَرْقَبْتُك أَعْطَيْتُك، وَهِيَ هِبَةٌ تَرْجِعُ إلَى الْمُرْقِبِ إنْ مَاتَ الْمُرْقَبُ، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ (وَنَصَّهُ) أَيْ: الْإِمَامُ (لَا يَطَأُ) الْمَوْهُوبُ لَهُ الْجَارِيَةَ الْمُعْمِرَةَ. نَقَلَ يَعْقُوبُ وَابْنُ هَانِئٍ: مَنْ يُعَمِّرُ الْجَارِيَةَ هَلْ يَطَؤُهَا؟ قَالَ: لَا أَرَاهُ (وَحَمَلَ) الْقَاضِي النَّصَّ الْمَذْكُورَ (عَلَى الْوَرَعِ) لِأَنَّ الْوَطْءَ اسْتِبَاحَةٌ. فَرْعٌ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الْعُمْرَى، وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، فَلَمْ يَرَ الْإِمَامُ وَطْأَهَا؛ لِهَذَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهُوَ؛ أَيْ: مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي بَعِيدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بِالْعُمْرَى قَاصِرٌ. (وَ) إنْ قَالَ: (جَعَلْتُهَا) أَيْ: الدَّارَ أَوْ الْفَرَسَ أَوْ الْجَارِيَةَ (لَك عُمْرَك أَوْ) جَعَلْتهَا لَك (حَيَاتَكَ أَوْ) جَعَلْتهَا لَك (عُمْرَى أَوْ) جَعَلْتهَا لَك (رُقْبَى أَوْ) جَعَلْتهَا لَك (مَا بَقِيت) أَوْ مَا حَيِيت أَوْ مَا عِشْت (أَوْ أَعْطَيْتُكهَا عُمْرَك وَنَحْوَهُ) كَمَا بَقِيت أَوْ حَيَاتَكَ أَوْ عُمْرَى أَوْ رُقْبَى (فَتَصِحُّ) الْهِبَةُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ أَمْثِلَةُ الْعُمْرَى (وَتَكُونُ) الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ (لِمُعْطَى وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ إنْ كَانُوا، كَتَصْرِيحِهِ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُعْمِرُ: هِيَ لَك وَلِعَقِبِك مِنْ بَعْدِك (وَإِلَّا) يَكُنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَارِثٌ فَهِيَ (لِبَيْتِ الْمَالِ) نَصًّا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُخَلَّفَةِ عَنْهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا تُفْسِدُوهَا؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا» . وَفِي الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ عَنْ جَابِرٍ: «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ» . وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: «الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُعْمِرُوا وَلَا تَرْقُبُوا، فَمَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا» . وَعَقِبِهِ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْلَامِ لَهُمْ بِنُفُوذِهَا بِدَلِيلِ السِّيَاقِ، وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ أُرِيدُ بِهِ حَقِيقَةُ النَّهْيِ لَمْ يَمْنَعْ الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِيهَا عَلَى فَاعِلِهَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْهُ لَا يَقْتَضِي فَسَادُهُ كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَإِنْ أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى عُمْرِ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، بِأَنْ قَالَ: وَهَبْتُك الدَّارَ وَنَحْوَهَا عُمْرَ زَيْدٍ؛ لَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ، وَلَيْسَتْ مِنْ الْعُمْرَى وَلَا الرُّقْبَى. (وَإِنْ شَرَطَ) وَاهِبٌ عَلَى مَوْهُوبٍ لَهُ (رُجُوعَهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (فِي لَفْظِ إرْقَابٍ وَنَحْوِهِ) كَإِعْمَارٍ (لِغَيْرِهِ) عِنْدَ مَوْتِ الْمَوْهُوبِ قَبْلَهُ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: وَهَبْتُك هَذِهِ الدَّارَ، وَهِيَ لَك عُمْرَك عَلَى أَنَّك إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ أَوْ إلَى فُلَانٍ، وَإِنْ مِتَّ أَوْ مَاتَ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ عَلَيْك؛ فَهِيَ الرُّقْبَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ (أَوْ) شَرَطَ وَاهِبٌ [رُجُوعَهَا (لَهُ) بِنَفْسِهِ (عِنْدَ مَوْتِهِ) أَيْ: فُلَانٍ (أَوْ) عِنْدَ (مَوْتِ مُتَّهِبٍ قَبْلَهُ) ] ؛ أَيْ: قَبْلَ وَاهِبٍ (أَوْ شَرَطَ) وَاهِبٌ (رُجُوعَهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ (إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْوَاهِبِ (أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ) شَرَطَ وَاهِبٌ رُجُوعَهَا إلَى (آخَرِهِمَا مَوْتًا؛ لُغِيَ الشَّرْطُ، وَصَحَّتْ) الْهِبَةُ (لِمُعْمَرٍ) اسْمُ مَفْعُولٍ (وَ) بَعْدَهُ (لِوَرَثَتِهِ) فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَلِبَيْتِ الْمَالِ (كَالْأَوَّلِ) أَيْ: كَالْمَذْكُورِ أَوَّلًا مِنْ صُوَرِ الْعُمْرَى، وَلَا تُرْجَعُ الْعَيْنُ إلَى وَاهِبٍ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَرْقُبُوا وَلَا تُعْمِرُوا؛ فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا، أَوْ أَعْمَرَهُ؛ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالسَّنَدُ صَحِيحٌ بِلَا إشْكَالٍ. وَأَخْرَجُهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَرَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 نَحْوَهُ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ. ؛ فَهَذِهِ نُصُوصٌ تَدُلُّ عَلَى مِلْكِ الْمُعْمَرِ وَالْمُرْقَبِ مَعَ بُطْلَانِ شَرْطِ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْعَيْنَ لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهُ بِالشَّرْطِ، وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ؛ كَشَرْطِهِ فِي الْبَيْعِ أَنْ لَا يَبِيعَ. وَلَوْ جَعَلَ اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا دَارِهِ لِلْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَهُ عَادَتْ إلَيْهِ فَرُقْبَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ. [فَائِدَةٌ قَالَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ فِي قِنٍّ لِلْقِنِّ الْمُشْتَرَكِ أَنْتَ حَبِيسٌ عَلَى آخَرِنَا مَوْتًا] فَائِدَةٌ: وَإِنْ قَالَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ فِي قِنٍّ لِلْقِنِّ الْمُشْتَرَكِ: أَنْتِ حَبِيسٌ عَلَى آخَرِنَا مَوْتًا، لَمْ يُعْتَقْ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَيَكُونُ فِي يَدِ الْآخَرِ عَارِيَّةً، فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ " انْتَهَى. (وَ) لَا يَصِحُّ إعْمَارُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا إرْقَابُهَا، فَلَوْ قَالَ رَبُّ بَيْتٍ لِآخَرَ (مَنَحْتُكَهُ عُمْرَك) فَعَارِيَّةٌ قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": مَنَحَهُ النَّاقَةَ جَعَلَ لَهُ وَبَرَهَا وَلَبَنَهَا وَوَلَدَهَا، وَهِيَ الْمِنْحَةُ وَالْمَنِيحَةُ، أَوْ قَالَ مَنَحْتُك (غَلَّتَهُ) أَيْ: الْبَيْتِ لَك عُمْرَك (أَوْ) قَالَ رَبُّ بَيْتٍ أَوْ بُسْتَانٍ: مَنَحْتُك (سُكْنَاهُ) أَيْ: الْبَيْتِ أَوْ الْبُسْتَانِ عُمْرَك فَعَارِيَّةٌ (أَوْ) قَالَ رَبُّ عَبْدٍ: مَنَحْتُك (خِدْمَتَهُ لَك) عُمْرَك (فَعَارِيَّةٌ وَإِبَاحَةٌ تَلْزَمُ فِي قَدْرِ مَا قَبَضَهُ مِنْ غَلَّةٍ قَبْلَ رُجُوعِ) الْمَانِحِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لِلْمَانِحِ الرُّجُوعَ فِي مِنْحَتِهِ مَتَى شَاءَ فِي حَيَاةِ الْمَمْنُوحِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ، وَيَصِحُّ إعْمَارُ مَنْقُولٍ وَإِرْقَابُهُ مِنْ حَيَوَانٍ كَعَبْدٍ وَجَارِيَةٍ وَنَحْوِهِمَا كَبَعِيرٍ وَشَاةٍ وَغَيْرِ حَيَوَانٍ كَثَوْبٍ وَكِتَابٍ؛ لِعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا أَوْ أَعْمَرَهُ؛ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» . [تَنْبِيهٌ بَيَانُ شُرُوطِ الْهِبَةِ] (تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ عَدُّ شُرُوطِ هِبَةٍ أَحَدَ عَشَرَ: كَوْنُهَا مِنْ جَائِزِ تَصَرُّفٍ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ (مُخْتَارٍ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ (جَادٍّ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ هَازِلٍ (بِمَالٍ) مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ (يَصِحُّ بَيْعُهُ) فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ (بِلَا عِوَضٍ) فَإِنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ فَهِيَ بِمَعْنَى الْبَيْعِ (لِمَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ) وَهُوَ الْحُرُّ (مَعَ قَبُولِهِ) إنْ كَانَ رَشِيدًا (أَوْ) قَبُولِ (وَلِيِّهِ) إنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ الْقَبُولِ (قَبْلَ تَشَاغُلٍ بِقَاطِعٍ) عُرْفًا (مَعَ تَنْجِيزٍ) لِهِبَةٍ فِي الْحَالِ (أَوْ) مَعَ (عَدَمِ تَوْقِيتٍ) إلَّا فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى، وَتَقَدَّمَ. [فَصْلٌ فِي حُكْمِ عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ وَحُكْمِ الرُّجُوعِ فِيهَا] (فَصْلٌ) : فِي حُكْمِ عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ وَحُكْمِ الرُّجُوعِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. (وَيَجِبُ عَلَى وَاهِبٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (تَعْدِيلٌ بَيْنَ مَنْ يَرِثُ) مِنْ الْوَاهِبِ (بِقَرَابَةٍ لَا زَوْجِيَّةٍ) وَوَلَاءٍ، فَلَا يَجِبُ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ، بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ (مِنْ وَلَدٍ وَغَيْرِهِ) كَأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ وَابْنِهِ وَعَمٍّ وَابْنِهِ فِي عَطِيَّتِهِمْ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «قَالَتْ امْرَأَةُ بَشِيرٍ لِبَشِيرٍ: أَعْطِ ابْنِي غُلَامَكَ، وَأَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ ابْنَةَ فُلَانٍ سَأَلَتْنِي أَنْ أَنْحَلَ ابْنَهَا غُلَامِي، قَالَ: أَلَهُ إخْوَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: كُلُّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا، وَإِنِّي لَا أَشْهَدُ إلَّا عَلَى حَقٍّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَقَالَ فِيهِ: «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ، إنَّ لِبَنِيكَ عَلَيْك مِنْ الْحَقِّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ» . وَفِي لَفْظِ لِمُسْلِمٍ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» . وَلِلْبُخَارِيِّ مِثْلُهُ، لَكِنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْعَطِيَّةِ، فَأَمَرَ بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ، وَسَمَّى تَخْصِيصَ أَحَدِهِمْ دُونَ الْبَاقِينَ جَوْرًا، وَالْجَوْرُ حَرَامٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِالْعَدْلِ لِلْوُجُوبِ، وَقِيسَ عَلَى الْأَوْلَادِ بَاقِي الْأَقَارِبِ بِجَامِعِ الْقَرَابَةِ، وَخَرَجَ مِنْهُ الزَّوْجَاتُ وَالْمَوَالِي؛ فَلَا يَجِبُ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ فِي الْهِبَةِ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ التَّعْدِيلِ (فِي هِبَةِ) شَيْءٍ (غَيْرِ تَافِهٍ) لِأَنَّهُ يَتَسَامَحُ بِهِ، فَلَا يَحْصُلُ التَّأَثُّرُ وَالتَّعْدِيلُ الْوَاجِبُ (بِكَوْنِهَا) أَيْ: الْعَطِيَّةِ لِلْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَنَحْوِهِمْ (بِقَدْرِ إرْثِهِمْ) مِنْهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] اقْتِدَاءً بِقِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيَاسًا لِحَالَةِ الْحَيَاةِ عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ. قَالَ عَطَاءٌ: مَا كَانُوا يَقْسِمُونَ إلَّا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. فَائِدَةٌ: نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ وَحَنْبَلٍ فِيمَنْ لَهُ أَوْلَادُ زَوْجِ بَعْضِ بَنَاتِهِ فَجَهَّزَهَا وَأَعْطَاهَا، قَالَ: يُعْطِي جَمِيعَ وَلَدِهِ مِثْلَ مَا أَعْطَاهَا. وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ لَهُ وَلَدٌ يُزَوِّجُ الْكَبِيرَ، وَيُنْفِقُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 عَلَيْهِ، وَيُعْطِيه، قَالَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ كُلَّهُمْ مِثْلَ مَا أَعْطَاهُ، أَوْ يَمْنَحُهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ. وَرَوَى عَنْهُ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَى ذَلِكَ، وَقَدْ اسْتَوْعَبَهَا الْحَارِثِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (إلَّا فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ فَتَجِبُ الْكِفَايَةُ) دُونَ التَّعْدِيلِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ فِي طَعَامٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى فِي الْقُبَلِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَدَخَلَ فِيهِ نَظَرٌ وَوَقْفٌ (وَحَلَّ) لِمَنْ ذُكِرَ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَغَيْرِهِمَا (تَفْضِيلٌ) لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ (بِإِذْنٍ بَاقٍ) مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ التَّخْصِيصِ كَوْنُهُ يُوَرِّثُ الْعَدَاوَةَ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ مَعَ الْإِذْنِ (وَإِلَّا) بِأَنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِالْعَطِيَّةِ، أَوْ فَضَّلَهُ بِالْإِعْطَاءِ بِلَا إذْنِ الْبَاقِي (أَثِمَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَرَجَعَ) الْأَبُ وُجُوبًا دُونَ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا فِيمَا خُصَّ بِهِ أَوْ فَضَّلَ (إنْ جَازَ) أَيْ: إنْ أَمْكَنَ رُجُوعُهُ بِهِ بِأَنْ كَانَ بَاقِيًا، وَقَدَرَ عَلَى اسْتِرْجَاعِهِ، أَوْ (أَعْطَى حَتَّى يَسْتَوُوا) بِمَنْ خَصَّهُ نَصًّا (فَلَوْ زَوَّجَ أَحَدَ ابْنَيْهِ) فِي صِحَّتِهِ (بِصَدَاقٍ) أَدَّاهُ الْأَبُ (مِنْ عِنْدِهِ) ثُمَّ مَرِضَ الْأَبُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (وَجَبَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْأَبِ (إعْطَاءُ) ابْنِهِ (الْآخَرِ مِثْلَهُ) أَيْ: مِثْلَ مَا أَعْطَى الْأَوَّلَ لِيَسْتَوِيَ بِمَنْ خَصَّهُ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ (وَلَوْ بِمَرَضِ مَوْتِهِ) لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا وَاجِبَةٌ، وَلَا طَرِيقَ لَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إلَّا بِعَطِيَّةِ الْآخَرِ، فَتَكُونُ وَاجِبَةً؛ إذْ لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ هُنَاكَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَلَكَتْ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ (وَلَا يُحْسَبُ) مَا يُعْطِيه الْأَبُ لِابْنِهِ الثَّانِي (مِنْ الثُّلُثِ) مَعَ أَنَّهُ عَطِيَّةٌ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ (لِأَنَّهُ تَدَارُكٌ لِلْوَاجِبِ؛ أَشْبَهَ قَضَاءَ الدَّيْنِ) وَيَجُوزُ لِلْأَبِ تَمَلُّكُ مَا يُعْطِيه لِلتَّسْوِيَةِ بِلَا حِيلَةٍ، قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ؛ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ " (فَإِنْ مَاتَ) مُعْطٍ (قَبْلَهُ) أَيْ: التَّعْدِيلِ (وَلَيْسَتْ) الْعَطِيَّةُ (بِمَرَضِ مَوْتِهِ) الْمَخُوفِ (ثَبَتَتْ الْعَطِيَّةُ لِآخِذٍ) فَلَا يَمْلِكُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ الرُّجُوعَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ وَالْمَيْمُونِيِّ؛ لِخَبَرِ الصِّدِّيقِ، وَتَقَدَّمَ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْآخِذُ أَجْنَبِيًّا؛ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لِذِي رَحِمٍ؛ فَلَزِمَتْ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 (وَتُحَرَّمُ الشَّهَادَةُ عَلَى تَفْضِيلٍ أَوْ تَخْصِيصٍ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً) وَلَوْ كَانَ الْأَدَاءُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَصِّصِ وَالْمُفَضِّلِ (إنْ عَلِمَ) الشَّاهِدُ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ التَّفْضِيلِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لِبَشِيرٍ «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ» . فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» ، وَهُوَ أَمْرٌ، وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ الِاسْتِحْبَابُ، فَكَيْفَ تُحَرَّمُ الشَّهَادَةُ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَهْدِيدٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] وَلَوْ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا الْمَعْنَى بَشِيرٌ لَبَادَرَ إلَى الِامْتِثَالِ، وَلَمْ يَرُدَّ الْعَطِيَّةَ (وَكَذَا) فِي حُكْمِ تَحْرِيمِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ (كُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ عِنْدَهُ) أَيْ: الشَّاهِدِ، فَتُحَرَّمُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَبَيْعٍ غَيْرِ مَرْئِيٍّ وَلَا مَوْصُوفٍ؛ لِاعْتِقَادِهِ عَدَمَ جَوَازِهِ قِيَاسًا عَلَى التَّخْصِيصِ إنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ مَنْ يَرَاهُ (وَلَا يَجِبُ عَلَى مُسْلِمٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ [مِنْ أَهْلِ] الذِّمَّةِ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ لَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: وَلَا فَرْقَ فِي امْتِنَاعِ التَّخْصِيصِ وَالتَّفْضِيلِ بَيْنَ كَوْنِ الْبَعْضِ ذَا حَاجَةٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ عَمًى أَوْ عِيَالٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ لَا، وَلَا كَوْنِ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَاسِقًا أَوْ مُبْتَدِعًا أَوْ مُبَذِّرًا، أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى فِي الرَّجُلِ لَهُ الْوَلَدُ الْبَارُّ الصَّالِحُ وَآخَرُ غَيْرُ بَارٍّ؛ لَا يُنِيلُ الْبَارَّ دُونَ الْآخَرِ (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) كَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَالنَّاظِمِ (جَوَازَ تَفْضِيلٍ) لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ (لِمَعْنَى حَاجَةٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ عَمًى أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَةٍ أَوْ اشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ) وَنَحْوِهِ كَصَلَاحٍ (وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ) أَيْ: مَنَعَ الْأَبُ بَعْضَ وَلَدِهِ (لِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ أَوْ كَوْنِهِ يَعْصِي اللَّهَ بِمَا يَأْخُذُهُ) اسْتِدْلَالًا بِتَخْصِيصِ الصِّدِّيقِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَيْسَ إلَّا لِامْتِيَازِهَا بِالْفَضْلِ، وَلَنَا عُمُومُ الْأَمْرِ بِالتَّسْوِيَةِ، وَفِعْلُ الصِّدِّيقِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَحَلَ مَعَهَا غَيْرَهَا، أَوْ أَنَّهُ نَحَلَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَنْحَلَ غَيْرَهَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 فَأَدْرَكَ الْمَرَضَ وَنَحْوَهُ (وَتُبَاحُ) لِمَنْ لَهُ وَرَثَةٌ (قِسْمَةُ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ) نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُولَدَ لَهُ؛ لِأَنَّهَا قِسْمَةٌ لَيْسَ فِيهَا جَوْرٌ، فَجَازَتْ فِي جَمِيعِ مَالِهِ كَبَعْضِهِ (وَيُعْطَى) وَارِثٌ (حَادِثٌ) بَعْدَ الْقِسْمَةِ (حِصَّتُهُ) مِمَّا قُسِمَ (وُجُوبًا) لِيَحْصُلَ التَّعْدِيلُ، وَإِنْ حَدَثَ الْوَارِثُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ اُسْتُحِبَّ لِلْمُعْطِي أَنْ يُسَاوِيَ الْمَوْلُودَ الْحَادِثَ بَعْدَ مُوَرَّثِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ، وَإِزَالَةِ الشَّحْنَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا سَبَقَ فِي الْوَقْفِ مِنْ قَوْلِهِ: دَخَلَ الْمَوْجُودُونَ فَقَطْ أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي الْعَطِيَّةِ وَاجِبَةٌ، وَفِي الْوَقْفِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَتَأَتَّى الرُّجُوعُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْعَطِيَّةِ (وَسُنَّ لِوَاقِفٍ) شَيْئًا (عَلَى وَرَثَتِهِ) أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ (بِأَنْ لَا يُفَضِّلَ ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى) مِنْ أَوْلَادٍ وَإِخْوَةٍ وَنَحْوِهِمْ (إلَّا لِحَاجَةِ عَائِلَةٍ وَنَحْوِهِ) كَزَمَانَةٍ وَعَمًى وَاشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ (قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ فَضَّلَ. قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي عَلَى وَجْهِ الْأَثَرَةِ إلَّا لِعِيَالٍ بِقَدْرِهِمْ) وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا. (وَيَصِحُّ) مِنْ مَرِيضٍ مَرَضِ الْمَوْتِ (وَقْفُ ثُلُثِهِ) فَأَقَلَّ (فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ (عَلَى بَعْضِهِمْ) أَيْ: الْوَرَثَةِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْمَيْمُونِيُّ: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقِفَ فِي مَرَضِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ تَذْهَبُ أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَالْوَقْفُ غَيْرُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوَرَّثُ وَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ؛ أَيْ: مِلْكًا مُطْلَقًا، وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بِحَدِيثِ عُمَرَ حَيْثُ قَالَ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ أَنَّ ثَمْغًا صَدَقَةٌ، وَالْعَبْدَ الَّذِي فِيهِ وَالسَّهْمَ الَّذِي بِخَيْبَرَ وَرَقِيقَهُ الَّذِي فِيهِ وَالْمِائَةَ وَسْقٍ الَّذِي أَطْعَمَنِي مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلِيه حَفْصَةُ مَا عَاشَتْ، ثُمَّ يَلِيه ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهِ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى تُنْفِقُهُ حَيْثُ تَرَى مِنْ السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَذِي الْقُرْبَى، وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ يُوَلِّيه إنْ أَكَلَ وَاشْتَرَى رَقِيقًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَيَجْرِي الْوَقْفُ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ مَجْرَى الْوَصِيَّةِ فِي أَنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ بِهِ لَا فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. . فَلَوْ وَقَفَ دَارًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا عَلَى ابْنِهِ وَبِنْتِهِ بِالسَّوِيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 فَرَدَّا؛ فَثُلُثُهَا وَقْفٌ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَثُلُثَاهَا مِيرَاثٌ، وَإِنْ رَدَّ الِابْنُ وَحْدَهُ؛ فَلَهُ ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ إرْثًا وَلِلْبِنْتِ ثُلُثُهُمَا وَقْفًا، وَإِنْ رَدَّتْ الْبِنْتُ وَحْدَهَا، فَلَهَا ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ إرْثًا، وَلِلِابْنِ نِصْفُهُمَا وَقْفًا، وَسُدُسُهُمَا إرْثًا، لِرَدِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لِرَدِّ التَّسْوِيَةِ فَقَطْ دُونَ أَصْلِ الْوَقْفِ كَمَا لَوْ قَالَ: رَدَدْت تَسْوِيَةَ وَالِدِي بَيْنِي وَبَيْنَ أُخْتِي فِي الْوَقْفِ؛ فَإِنَّهُ يُبْطَلُ الْوَقْفُ فِي سُدُسِ الثُّلُثَيْنِ وَهُوَ نِصْفُ الْبِنْتِ الَّذِي بِهِ حَصَلَتْ التَّسْوِيَةُ، وَيَبْقَى لَهَا ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ وَقْفًا عَلَيْهَا، وَالسُّدُسُ الَّذِي يُبْطَلُ الْوَقْفُ فِيهِ يَكُونُ إرْثًا لِلِابْنِ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ مِنْ وَقْفٍ غَيْرِ النِّصْفِ، فَلَا نَحْكُمُ بِوَقْفِيَّةِ هَذَا السُّدُسِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُقْتَضَى، وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ التَّشْبِيهِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ مَا إذَا أَرَادَتْ الْبِنْتُ وَحْدَهَا وَهُوَ أَنَّ نِصْفَ الثُّلُثَيْنِ لِلِابْنِ وَقْفًا، وَسُدُسَهُمَا لَهُ إرْثًا فِي الصُّورَتَيْنِ، فَهَذَا هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا. وَ (لَا) يَنْفُذُ وَقْفُ مَرِيضٍ (بِ) جُزْءٍ (زَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ) أَيْ: ثُلُثِ مَالِهِ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ (وَلَوْ) كَانَ وَقْفُهُ (عَلَى أَجْنَبِيٍّ) كَالْعَطِيَّةِ فِي الْمَرَضِ وَالْوَصِيَّةِ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَنْفُذُ وَقْفُ الْمَرِيضِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ (بِلَا إجَازَةٍ) مِنْ الْوَرَثَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى بَعْضِهِمْ أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ كَالْعَطِيَّةِ فِي الْمَرَضِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَصْلٌ رُجُوعُ الواهب فِي هِبَتِهِ بَعْدَ قَبْضِ مُعْتَبَرٍ] (فَصْلٌ: وَحُرِّمَ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُ وَاهِبٍ) فِي هِبَتِهِ (بَعْدَ قَبْضِ مُعْتَبَرٍ) بِأَنْ يَكُونَ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ أَوْ وَكِيلِهِ؛ لِلُزُومِهَا بِهِ (وَلَوْ) كَانَتْ الْهِبَةُ (صَدَقَةً وَهَدِيَّةً وَنِحْلَةً، أَوْ نُقُوطًا وَحُمُولَةً فِي نَحْوِ عُرْسٍ) كَخِتَانٍ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَ قَتَادَةُ: وَلَا أَعْلَمُ الْقَيْءَ إلَّا حَرَامًا، وَسَوَاءٌ عُوِّضَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُعَوَّضْ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ وَتَقَدَّمَ (إلَّا مَنْ وَهَبَتْ زَوْجَهَا) شَيْئًا (بِمَسْأَلَتِهِ) إيَّاهَا لَهُ (ثُمَّ ضَرَّهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ إذَا وَهَبَتْ لَهُ مَهْرَهَا، فَإِنْ كَانَ سَأَلَهَا ذَلِكَ رَدَّهُ إلَيْهَا رَضِيَتْ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 كَرِهَتْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَهَبُ إلَّا مَخَافَةَ غَضَبِهِ أَوْ إضْرَارٍ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلَهَا وَتَبَرَّعَتْ بِهِ؛ فَهُوَ جَائِزٌ انْتَهَى. لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَطِبْ بِهَا نَفْسًا وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ طِيبِ نَفْسِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] وَغَيْرُ الصَّدَاقِ كَالصَّدَاقِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا (لَا) تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ (مُطْلَقًا بَلْ) تَرْجِعُ عَلَيْهِ (بِشُرُوطٍ) كَمَا لَوْ وَهَبَتْهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ، فَلَمْ يَنْدَفِعْ، أَوْ لِوُجُودِ شَرْطٍ فَلَمْ يُوجَدْ، وَهَذَا قَوْلٌ مَرْجُوحٌ فِي الْمَذْهَبِ (وَ) إلَّا (الْأَبُ) الْأَقْرَبُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً وَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِرُجُوعِهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. وَلَوْ وَهَبَ كَافِرٌ لِوَالِدِهِ الْكَافِرِ شَيْئًا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْوَلَدُ؛ فَلِأَبِيهِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ. قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: لَيْسَ هِيَ عِنْدِي كَالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، بِخِلَافِ الْأُمِّ وَبِوِلَايَتِهِ وَحِيَازَتِهِ جَمِيعِ الْمَالِ وَهَذَا فِي الْأَبِ (الْوَاحِدِ خَاصَّةً) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى وَلَدًا مَجْهُولَ النَّسَبِ اثْنَانِ، وَوَهَبَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا شَيْئًا؛ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ؛ لِانْتِفَاءِ ثُبُوتِ الدَّعْوَى، وَإِنْ ثَبَتَ اللِّحَاقُ بِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ الرُّجُوعُ (وَلَوْ) كَانَ مَا قَبَضَهُ الْوَلَدُ (صَدَقَةً) إذْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْهِبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَنَصَرَاهُ (أَوْ تَعَلَّقَ بِمَا وَهَبَ) الْأَبُ لِوَلَدِهِ (حَقٌّ كَفَلَسٍ) أَيْ: كَأَنْ يُفْلِسَ الْوَلَدُ وَالْمَالُ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَجْرَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْإِقْنَاعِ " أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ مَانِعٍ مِنْ الرُّجُوعِ كَالرَّهْنِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْمُرْتَهِنِ بِالْعَيْنِ، وَفِي الرُّجُوعِ إبْطَالٌ لِذَلِكَ، وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . وَقَالَ الْحَارِثِيُّ عِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ فِيهِ أَنَّهُ الصَّوَابُ بِلَا خِلَافٍ، فَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى فَلَسٍ لَا حَجْرَ مَعَهُ لِيُوَافِقَ مَا ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ (أَوْ) تَعَلَّقَ بِالْمَوْهُوبِ (رَغْبَةٌ كَتَزْوِيجٍ) أَيْ: بِأَنْ يُزَوِّجُوا الْمَوْهُوبَ لَهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا رَغْبَةً فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ، أَوْ يَتَزَوَّجُوهَا إنْ كَانَتْ أُنْثَى رَغْبَةً فِيمَا بِيَدِهَا مِنْ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَايَنُوا الْمَوْهُوبَ لَهُ أَوْ أَقْرَضُوهُ أَوْ بَاعُوهُ أَوْ أَجَرُوهُ وَنَحْوُهُ؛ لِوُجُودِ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي وَهَبَهُ لَهُ أَبُوهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ رُجُوعَ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ (إلَّا إذَا وَهَبَهُ) أَيْ: وَهَبَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ (سُرِّيَّةً لِإِعْفَافِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهَا (وَلَوْ اسْتَغْنَى) عَنْهَا الْوَلَدُ بِتَزَوُّجِهِ أَوْ شِرَائِهِ غَيْرَهَا وَنَحْوِهِ (أَوْ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوْجَةِ (أَوْ) إلَّا (إذَا أَسْقَطَ) الْأَبُ (حَقَّهُ مِنْ رُجُوعٍ) فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ، فَيَسْقُطُ خِلَافًا لِمَا فِي " الْإِقْنَاعِ " وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ مُجَرَّدُ حَقِّهِ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ، بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ؛ فَإِنَّهَا حَقٌّ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمَرْأَةِ بِدَلِيلِ إثْمِهِ بِالْعَضْلِ، بِخِلَافِ الرُّجُوعِ (وَلَا يَمْنَعُهُ) أَيْ: الرُّجُوعُ (نَقْصَ) عَيْنٍ مَوْهُوبَةٍ بِيَدِ وَلَدٍ سَوَاءٌ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا أَوْ ذَاتُهَا بِتَآكُلِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا أَوْ جَنَى عَلَيْهَا، أَوْ جَنَى الْمَوْهُوبُ، فَتَعَلَّقَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ، وَعَلَى الْأَبِ فِي هَذِهِ إنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 رَجَعَ ضَمَانُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الِابْنِ لِلْأَبِ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَمَتَى رَجَعَ فِي رَقِيقٍ أَوْ بَهِيمَةٍ - وَقَدْ جَنَى عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا - فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ لِلِابْنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ (فَيَرْجِعُ) الْأَبُ (فِي) مَوْهُوبٍ (مُتَعَيِّبٍ) وَتَقَدَّمَتْ أَمْثِلَتُهُ (وَ) فِي (بَاقٍ مِنْ تَالِفٍ) فِي عَبْدٍ (وَآبِقٍ) لِبَقَاءِ الْمِلْكِ (وَجَانٍ) كَمَا ذَكَرْنَا (وَلَا) يَمْنَعُ الرُّجُوعَ (زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ كَثَمَرٍ جُذَّ) أَيْ: جَذَّهُ الْوَلَدُ وَكَوَلَدِ الْبَهِيمَةِ وَكَسْبِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْأَصْلِ دُونَ النَّمَاءِ (لَا) إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً كَثَمَرٍ (قَبْلَ) جَذِّهِ (وَلَوْ) كَانَ الْمَوْهُوبُ (نَخْلًا أُبِّرَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُتَّصِلًا مَا لَمْ يُجَذُّ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَهَبَهُ نَخْلًا، فَحَمَلَتْ فَقَبْلَ التَّأْبِيرِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَبَعْدَهُ مُنْفَصِلَةٌ (وَهِيَ) أَيْ: الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ لِ (لْوَلَدِ) لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ فِي مِلْكِهِ، وَلَا تُتَّبَعُ فِي الْفُسُوخِ فَكَذَا هُنَا (إلَّا إذَا حَمَلَتْ الْأَمَةُ) الْمَوْهُوبَةُ لِلْوَلَدِ (وَوَلَدَتْ) عِنْدَهُ (فَيُمْنَعُ) الرُّجُوعُ (فِي الْأُمِّ) الْمَوْهُوبَةِ؛ لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا (وَتَمْنَعُهُ) أَيْ: الرُّجُوعَ زِيَادَةٌ (مُتَّصِلَةٌ تَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ) أَيْ: قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ (كَسِمَنٍ وَكِبَرٍ وَحَمْلٍ) بِأَنْ وَهَبَ الْأَبُ وَلَدَهُ أَمَةً أَوْ بَهِيمَةً حَامِلًا، فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الِابْنِ؛ فَالْوَلَدُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِاعْتِبَارِ الْكِبَرِ، وَإِنْ وَهَبَهُ أَمَةً أَوْ بَهِيمَةً حَامِلًا، ثُمَّ رَجَعَ الْأَبُ فِيهَا حَامِلًا، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا بِالْحَمْلِ؛ فَزِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ (وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ) أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ قُرْآنٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيهَا كَالْمُنْفَصِلَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فِيهَا امْتَنَعَ فِي الْأَصْلِ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَضَرَرِ التَّشْقِيصِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِرْجَاعٌ لِلْمَالِ بِفَسْخٍ لِغَيْرِ عَيْبٍ فِي عِوَضِهِ؛ فَمَنْعُهُ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ كَاسْتِرْجَاعِ الصَّدَاقِ بِفَسْخِ النِّكَاحِ أَوْ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ أَوْ رُجُوعِ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ لِفَلَسِ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 الْمُشْتَرِي، وَقَدْ رَضِيَ بِبَذْلِ الزِّيَادَةِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَإِنْ زَادَ بِبُرْئِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ صَمَمٍ؛ مُنِعَ الرُّجُوعُ كَسَائِرِ الزِّيَادَاتِ (وَيُصَدَّقُ الْأَبُ فِي عَدَمِهَا) أَيْ: الزِّيَادَةِ إنْ أَنْكَرَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ. (وَ) يَمْنَعُ الرُّجُوعَ (رَهْنُ) مَوْهُوبٍ (لَزِمَ) لِأَنَّ فِي رُجُوعِهِ إبْطَالًا لَحِقَ الْمُرْتَهِنِ وَإِضْرَارًا بِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا (إلَّا أَنْ يَنْفَكَّ) الرَّهْنُ بِوَفَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ إذَنْ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الِابْنِ لَمْ يَزُلْ وَإِنَّمَا طَرَأَ مَعْنَى قَطْعِ التَّصَرُّفِ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ، فَمُنِعَ الرُّجُوعُ، فَإِذَا زَالَ زَالَ الْمَنْعُ وَيُمْنَعُ الرُّجُوعُ أَيْضًا (وَهِبَةُ وَالِدٍ) مَا وَهَبَهُ لَهُ أَبُوهُ (لِوَلَدِهِ) لِأَنَّ فِي رُجُوعِ الْأَبِ إبْطَالًا لِمِلْكِ غَيْرِ ابْنِهِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ (إلَّا أَنْ يَرْجِعَ هُوَ) أَيْ: الْوَاهِبُ الثَّانِي فِي هِبَتِهِ لِابْنِهِ، فَإِنَّ الْوَاهِبَ الْأَوَّلَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ هِبَتَهُ بِرُجُوعِهِ، فَعَادَ إلَيْهِ الْمِلْكُ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ (وَ) يَمْنَعُ الرُّجُوعَ (بَيْعُهُ) أَيْ: الْوَلَدِ (وَنَحْوِهِ مِمَّا يَنْتَقِلُ لِمِلْكِهِ) فِي الرَّقَبَةِ؛ كَأَنْ يَهَبَهُ أَوْ يَقِفَهُ، وَكَذَا مَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَوْهُوبَةِ كَاسْتِيلَادِهَا، أَوْ لَمْ يَهَبْهَا لَهُ لِذَلِكَ (إلَّا أَنْ يَرْجِعَ) الْمَبِيعُ (إلَيْهِ) أَيْ: الْوَلَدِ (بِفَسْخٍ أَوْ فَلَسِ مُشْتَرٍ) فَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِيهِ إذَنْ؛ لِعَوْدِ الْمِلْكِ لِلْوَلَدِ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، فَكَأَنَّهُ مَا انْتَقَلَ (لَا) إنْ رَجَعَ الْمَبِيعُ لِلْوَلَدِ (بِنَحْوِ شِرَاءٍ) أَوْ اتِّهَابٍ؛ فَلَا رُجُوعَ لِأَبٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ لِلْوَلَدِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ إزَالَتَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْهُوبًا (وَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ) تَصَرُّفُ الِابْنِ فِي الرَّقَبَةِ تَصَرُّفًا (غَيْرَ نَاقِلٍ لِلْمِلْكِ كَإِجَارَةٍ وَمُزَارَعَةٍ) عَلَيْهَا (وَ) جَعْلُهَا مُضَارَبَةً فِي (عَقْدِ شَرِكَةٍ وَتَزْوِيجٍ وَتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ وَعِتْقٍ مُعَلَّقٍ) عَلَى صِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا وَوَطْءٍ مُجَرَّدٍ عَنْ إحْبَالٍ (وَكَذَا وَصِيَّةٌ) لَمْ تُقْبَضْ (وَهِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ) لِبَقَاءِ مِلْكِ الِابْنِ وَسَلْطَنَةِ تَصَرُّفِهِ (وَيَمْلِكُهُ) أَيْ: الرُّجُوعَ أَيْضًا (مَعَ بَقَاءِ إجَارَةٍ) بِحَالِهَا (وَ) مَعَ بَقَاءِ (كِتَابَةٍ وَتَزْوِيجٍ) كَاسْتِمْرَارِهِ مَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَلَدِ لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْأَبِ فِعْلًا فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَهُ لِوَلَدِهِ تَسْلِيطٌ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَلَا كَذَلِكَ الشَّفِيعُ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 جَائِزًا كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُشَارَكَةِ؛ بَطَلَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ حُكْمِهِ مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ مَعَهُ - وَقَدْ فَاتَ - بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَ (لَا) كَذَلِكَ (تَدْبِيرٌ) لِلرَّقِيقِ (وَتَعْلِيقُ) عِتْقِهِ بِصِفَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى حُكْمُهَا فِي حَقِّ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَصْدُرَا مِنْهُ (وَمَعَ عَوْدِهِ) أَيْ: الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةِ الْمِلْكِ (لِلِابْنِ فَحُكْمُهَا بَاقٍ) لِعَوْدِ الصِّفَةِ (وَمَا قَبَضَهُ ابْنٌ مِنْ مَهْرِ) أَمَةٍ زَوَّجَهَا قَبْلَ رُجُوعِ أَبِيهِ (وَ) مِنْ دَيْنِ (كِتَابَةٍ وَ) مِنْ (أَرْشِ) جِنَايَةٍ عَلَى الرَّقِيقِ (وَ) مِنْ (مُسْتَقَرِّ أُجْرَةٍ فَلَهُ) أَيْ: الِابْنِ دُونَ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ (وَلَا رُجُوعَ) لِلْأَبِ (فِيمَا أَبْرَأَهُ) أَيْ أَبْرَأَ وَلَدَهُ (مِنْ دَيْنٍ) كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ بِهِ بَعْدَ أَنْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ لَا تَمْلِيكٌ. (وَلَا يَصِحُّ رُجُوعٌ) مِنْ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ (إلَّا بِقَوْلٍ كَ) أَنْ يَقُولَ: (رَجَعْت فِي هِبَتِي أَوْ ارْتَجَعْتهَا أَوْ رَدَدْتهَا وَنَحْوَهُ) كَعُدْت فِيهَا أَوْ أَعَدْتهَا إلَى مِلْكِي وَنَحْوَ ذَلِكَ (مِمَّا يَدُلُّ) عَلَى الرُّجُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَكْمَلُ رَجَعْتُ فِيمَا وَهَبْتُ لَكِ مِنْ كَذَا، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْوَلَدُ بِرُجُوعِ أَبِيهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَا يَحْتَاجُ الرُّجُوعُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ كَفَسْخِ مُعْتَقَةٍ تَحْتَ عَبْدٍ، (وَلَا) يَثْبُتُ الرُّجُوعُ (بِتَصَرُّفِهِ) أَيْ: الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بَعْدَ قَبْضِ الِابْنِ (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ التَّصَرُّفِ بِالْعَيْنِ؛ بِأَنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الَّتِي وَهَبَهَا لِابْنِهِ، وَأَقْبَضَهَا لَهُ (وَلَوْ نَوَى) الْأَبُ (بِهِ) أَيْ: بِالتَّصَرُّفِ أَوْ الْوَطْءِ (الرُّجُوعَ) لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثَابِتٌ يَقِينًا، فَلَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَهُوَ صَرِيحُ الْقَوْلِ. [تَنْبِيهٌ شُرُوطُ رُجُوعِ الْأَبِ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ] تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِرُجُوعِ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ وَكُلُّهَا مَعْلُومَةٌ مِمَّا تَقَدَّمَ: الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ بَاقِيَةً أَوْ بَعْضَهَا فِي مِلْكِ الْوَلَدِ إلَى رُجُوعِ أَبِيهِ؛ فَلَا رُجُوعَ فِيمَا أَبْرَأَهُ وَلَدُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا [فِي] مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا، وَلَا فِيمَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لَازِمَةٍ أَوْ وَقْفٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً فِي يَدِ الْوَلَدِ وَتَصَرُّفِهِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَتِهَا؛ فَلَا رُجُوعَ فِي قِيمَةِ تَالِفٍ، وَلَا فِي أَمَةٍ اسْتَوْلَدَهَا الِابْنُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِ سَيِّدِهَا، فَلَوْ تَصَرَّفَ الِابْنُ بِمَا لَا يَمْنَعُهُ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَطْءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْإِحْبَالِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْإِجَارَةِ وَالْمُزَارَعَةِ عَلَيْهَا وَجَعْلِهَا مُضَارَبَةً. وَتَعْلِيقِ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ رُجُوعُ الْأَبِ؛ لِبَقَاءِ تَصَرُّفِ الِابْنِ، فَإِذَا رَجَعَ، فَمَا كَانَ مِنْ الْمُتَصَرِّفِ لَازِمًا كَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْكِتَابَةِ؛ فَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا تَزِيدَ الْعَيْنُ عِنْدَ الْوَلَدِ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَكِبَرٍ وَحَمْلٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ قُرْآنٍ. الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْأَبُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الرُّجُوعِ، فَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ [فَصْلٌ لِلْأَبِ خَاصَّةً تَمْلِك مَا شَاءَ مِنْ مَال وَلَده] (فَصْلٌ) (وَلِأَبٍ خَاصَّةً) دُونَ أُمٍّ وَجَدٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَنْعُ خُولِفَ فِي الْأَبِ؛ لِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (حُرٌّ) كَامِلُ الْحُرِّيَّةِ (وَلَوْ) كَانَ الْأَبُ (غَيْرَ مُحْتَاجٍ) بِأَنْ كَانَ غَنِيًّا (تَمَلَّكَ مَا شَاءَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ) قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّ مَالَ الْوَلَدِ مِلْكٌ لَهُ دُونَ أَبِيهِ، قَالَ أَحْمَدُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ وَلَدِهِ رَبًّا (تَنْجِيزًا) لَا تَعْلِيقًا، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَمْنَعُ الِابْنُ الْأَبَ مَا أَرَادَ مِنْ مَالِهِ؛ فَهُوَ لَهُ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ؛ فَلِلْأَبِ التَّمَلُّكُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَعَ صِغَرِهِ وَكِبَرِهِ وَسُخْطِهِ وَرِضَاهُ وَبِعِلْمِهِ وَبِغَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ أَبِي احْتَاجَ مَالِي فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . وَلِأَنَّ الْوَلَدَ مَوْهُوبٌ لِأَبِيهِ بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ، وَمَا كَانَ مَوْهُوبًا لَهُ كَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ كَعَبْدِهِ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: 61] الْآيَةَ ذَكَرَ الْأَقَارِبَ دُونَ الْأَوْلَادِ؛ لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: 61] لِأَنَّ بُيُوتَ أَوْلَادِهِمْ كَبُيُوتِهِمْ، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ يَلِي مَالَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةٍ، فَكَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ كَمَالِ نَفْسِهِ (مَا لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ: يَضُرَّ الْأَبُ وَلَدَهُ بِمَا يَتَمَلَّكُهُ مِنْهُ، فَإِنْ أَضَرَّهُ بِأَنْ تَتَعَلَّقَ حَاجَةُ الْوَلَدِ بِهِ كَآلَةِ حِرْفَتِهِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَتَمَلَّكْهُ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَيْنِهِ، فَلَأَنْ تُقَدَّمَ عَلَى أَبِيهِ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِي الْوَلَدِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (أَوْ) إلَّا إذَا تَمَلَّكَهُ الْأَبُ (لِيُعْطِيَهُ لِوَلَدٍ آخَرَ) فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْصِيصِ [بَعْضِ وَلَدِهِ بِالْعَطِيَّةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ تَخْصِيصٍ] بِمَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْآخَرِ بِالْأَوْلَى (أَوْ) إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّمَلُّكُ (بِمَرَضِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) الْمَخُوفُ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْإِرْثِ (أَوْ سُرِّيَّتُهُ) أَيْ: الْأَمَةُ الَّتِي وَطِئَهَا الْوَلَدُ؛ فَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا (وَلَوْ لَمْ تَكُنْ) سُرِّيَّتُهُ (أُمَّ وَلَدٍ) لِلِابْنِ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوْجَاتِ نَصًّا (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ التَّمَلُّكُ (مَعَ كُفْرِ أَبٍ وَإِسْلَامِ ابْنٍ) لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الِابْنُ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ حَسَنٌ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْت: وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ انْتَهَى؛ لِحَدِيثِ: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» . (وَ) قَالَ الشَّيْخُ أَيْضًا (وَالْأَشْبَهُ أَنَّ) الْأَبَ (الْمُسْلِمَ لَا يَتَمَلَّكُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْكَافِرِ) شَيْئًا؛ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ وَالتَّوَارُثِ. (وَيَحْصُلُ تَمَلُّكُ) الْأَبِ لِمَالِ وَلَدِهِ (بِقَبْضِ) مَا تُمَلَّكَهُ نَصًّا (مَعَ قَوْلٍ) بِأَنْ يَقُولَ تَمَلَّكْتُهُ وَنَحْوَهُ (أَوْ نِيَّةٍ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَوْ قَرِينَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ غَيْرِهِ، فَاعْتُبِرَ الْقَوْلُ أَوْ النِّيَّةُ؛ لِيَتَعَيَّنَ وَجْهُ الْقَبْضِ (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) أَيْ الْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ (قَبْلَ قَبْضٍ) لِمَا تَمَلَّكَهُ (بِذَلِكَ) الْقَوْلِ أَوْ النِّيَّةِ (وَلَوْ) كَانَ تَصَرُّفُهُ (عِتْقًا) لِأَنَّ مِلْكَ الِابْنِ تَامٌّ عَلَى مَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 نَفْسِهِ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَيَحِلُّ لَهُ وَطْءُ جَوَارِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْوَطْءُ كَمَا لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَإِنَّمَا لِلْأَبِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ كَالْعَيْنِ الَّتِي وَهَبَهَا إيَّاهُ (وَحَيْثُ تَمَلَّكَ) الْأَبُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ شَيْئًا (ثُمَّ انْفَسَخَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ) ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَأْخُوذِ بِحَيْثُ صَارَ رَدُّهُ وَاجِبًا إلَى مَالِكِهِ الْأَوَّلِ (كَفَسْخِ مَبِيعٍ) بِأَنْ يَأْخُذَ الْأَبُ ثَمَنَ السِّلْعَةِ الَّتِي بَاعَهَا الْوَلَدُ، ثُمَّ تُرَدُّ السِّلْعَةُ، أَوْ يَأْخُذُ الْأَبُ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْوَلَدُ ثُمَّ يُفْلِسُ الْوَلَدُ بِالثَّمَنِ، وَيَحْجُرُ عَلَيْهِ، وَيَفْسَخُ الْبَائِعُ لِذَلِكَ، أَوْ يَفْسَخُ لِبَائِعِ الْعَيْبِ الثَّمَنَ بَعْدَ أَخْذِ الْأَبِ الْمَبِيعِ مِنْ وَلَدِهِ (وَطَلَاقٍ) كَأَنْ يَأْخُذَ الْأَبُ صَدَاقَ ابْنَتِهِ، ثُمَّ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُ الصَّدَاقَ (رَجَعَ مُسْتَحِقٌّ) فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (عَلَى الْوَلَدِ خَاصَّةً) دُونَ الْأَبِ؛ لِطُرُوءِ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَالٍ تَمَلَّكَهُ الْأَبُ تَمَلُّكًا تَامًّا مِنْ مَالِ وَلَدِهِ عَلَى وَجْهٍ يُبَاحُ لَهُ التَّمَلُّكُ فَلَمْ يَمْلِكْ الْمُسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فِي حَالٍ كَانَ مَالِكًا لَهُ فِيهَا، فَكَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَلَدِ لِتَلَفِ مَالِهِ تَحْتَ يَدِهِ (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " - لِقَوْلِهِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ: فَالْأَقْوَى فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ أَنَّ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَبِ. انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا يَأْتِي فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ عَلَى أَلْفٍ لَهَا وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ، وَأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ مَعَ نِيَّةِ التَّمَلُّكِ، وَأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُهُ؛ رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا، لَا عَلَى أَبِيهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَلَا يَمْلِكُ) الْأَبُ (إبْرَاءَ نَفْسِهِ) مِنْ دَيْنٍ لِوَلَدِهِ عَلَيْهِ، (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَمْلِكُ إبْرَاءَ (غَرِيمِ وَلَدِهِ) وَلَا تَمَلُّكُهُ مَا فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ، وَلَا تَمَلُّكُهُ مَا فِي ذِمَّةِ غَرِيمِ وَلَدِهِ (وَلَا) يَمْلِكُ (قَبْضَهُ) - أَيْ: دَيْنَ وَلَدِهِ - (مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ غَرِيمِ وَلَدِهِ - وَلَا مِنْ نَفْسِهِ (لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَمْلِكُهُ) - أَيْ: الدَّيْنَ - (إلَّا بِقَبْضِهِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 مِنْ غَرِيمِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِدَيْنٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ. (وَلَوْ أَقَرَّ أَبٌ بِقَبْضِهِ) - أَيْ: دَيْنِ وَلَدِهِ - مِنْ غَرِيمِهِ (وَأَنْكَرَ وَلَدٌ) أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ قَبَضَ (أَوْ صَدَقَ) غَرِيمَهُ بِدَعْوَاهُ قَبْضَ الْأَبِ؛ رَجَعَ الْوَلَدُ عَلَى غَرِيمِهِ (خِلَافًا لِ) مَا يُفْهَمُ مِنْ (" الْمُنْتَهَى ") الْقَائِلُ: وَلَوْ أَقَرَّ الْأَبُ بِقَبْضِهِ، وَأَنْكَرَ الْوَلَدُ؛ رَجَعَ عَلَى غَرِيمِهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَوْ صَدَقَ. فَاقْتِصَارُهُ عَلَى إنْكَارِ الْوَلَدِ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَلَدِ مَعَ تَصْدِيقِهِ الْغَرِيمَ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا أَنْكَرَ الْوَلَدُ أَوْ صَدَقَ (رَجَعَ) الْوَلَدُ (عَلَى غَرِيمِهِ) بِدَيْنِهِ؛ لِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ بِالدَّفْعِ إلَى أَبِيهِ وَتَصْدِيقِهِ بِقَبْضِ أَبِيهِ لَا يَتَضَمَّنُ إذْنَ أَبِيهِ فِي قَبْضِهِ؛ فَهُوَ قَبْضٌ فَاسِدٌ خَالٍ عَنْ مُسَوِّغٍ شَرْعِيِّ (وَ) رَجَعَ (الْغَرِيمُ عَلَى الْأَبِ) بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَبِبَدَلِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَا لَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ، لَا بِوِلَايَةٍ وَلَا بِوَكَالَةٍ. فَقَوْلُ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ مُهَنَّا: وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنِ ابْنِهِ، فَأَنْكَرَ رَجَعَ عَلَى غَرِيمِهِ وَهُوَ الْأَبُ لَا يُعَوَّلُ عَلَى مَفْهُومِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ سَائِلٍ؛ فَلَا يُحْتَجُّ بِمَفْهُومِهِ. (وَإِنْ أَوَلَدَ) أَبٌ (قَبْلَ تَمَلُّكِ جَارِيَةٍ لِوَلَدِهِ لَمْ يَطَأْهَا) الِابْنُ (صَارَتْ لَهُ) أَيْ: الْأَبِ - (أُمَّ وَلَدٍ) لِأَنَّ إحْبَالَهُ لَهَا يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْوَطْءُ مُصَادِفًا لَلْمِلْكِ، فَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَلَدِ (وَوَلَدُهُ) - أَيْ: الْأَبِ مِنْ أَمَةِ وَلَدِهِ - (حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ انْتَفَى فِيهِ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ (لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) لِوَلَدِهِ رَبِّ الْجَارِيَةِ الَّتِي انْتَقَلَ مِلْكُهَا إلَيْهِ لِعُلُوقِهَا؛ فَهِيَ إنَّمَا أَتَتْ بِهِ فِي مِلْكِ الْأَبِ (وَلَا) يَلْزَمُهُ (مَهْرٌ) لِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبُ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا وَإِيجَابِ الْقِيمَةِ لِلْوَلَدِ، وَالْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْقِيمَةِ كَالْإِتْلَافِ، فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ الْمَهْرُ، (وَلَا حَدَّ) عَلَى أَبٍ بِوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ؛ لِحَدِيثِ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . (وَيُعَزَّرُ) الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ وَطْئًا مُحَرَّمًا، أَشْبَهَ وَطْءَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ (وَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْأَبِ - بِإِحْبَالِهِ جَارِيَةَ وَلَدِهِ (قِيمَتُهَا) لِوَلَدِهِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةٌ بِهَا، وَمَحَلُّ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهَا لِلْأَبِ إنْ لَمْ يَكُنْ الِابْنُ وَطِئَهَا؛ لِأَنَّهَا بِالْوَطْءِ تَصِيرُ كَحَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ، فَتُحَرَّمُ عَلَى الْأَبِ، وَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهَا إنْ كَانَ الِابْنُ اسْتَوْلَدَهَا، فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ؛ إذْ أُمُّ الْوَلَدِ لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهَا. (وَإِنْ كَانَ الِابْنُ وَطِئَهَا) وَلَوْ لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا (لَمْ تَنْتَقِلْ) الْجَارِيَةُ (لِمِلْكِ أَبٍ) بِالْإِحْبَالِ (فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) - أَيْ: الْأَبِ - إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهَا بِالْوَطْءِ صَارَتْ مُلْحَقَةً بِالزَّوْجَةِ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِالْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يَمْلِكُهَا بِالْإِحْبَالِ (وَلَا حَدَّ) عَلَى الْأَبِ، لِلشُّبْهَةِ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ) لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِمَا عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَوْطُوءَاتِ ابْنِهِ، وَعَلَى الِابْنِ؛ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ. (وَمَنْ اسْتَوْلَدَ أَمَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ (وَوَلَدُهُ قِنٌّ، وَحُدَّ بِشَرْطِهِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ، فَلَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْوَطْءِ، لَا يُقَالُ إنَّهُ رَحِمٌ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْأَبِ، (وَلَيْسَ لِوَلَدِ صُلْبٍ وَلَا لِوَرَثَتِهِ) - أَيْ: الْوَلَدِ - (مُطَالَبَةَ أَبٍ) . قَالَ فِي " الْمُوجَزِ ": (فَلَا يَمْلِكُ) الْوَلَدُ (إحْضَارَهُ) - أَيْ: الْأَبِ - (لِمَجْلِسِ حُكْمٍ بَ) سَبَبِ (دَيْنٍ) كَقَرْضٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ (أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ) كَثَوْبٍ وَنَحْوِهِ حَرَقَهُ لِوَلَدِهِ (أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ) عَلَى وَلَدِهِ كَقَلْعِ سِنٍّ وَقَطْعِ طَرَفٍ (وَلَا) بِشَيْءٍ (غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لِلِابْنِ عَلَيْهِ) كَأُجْرَةِ أَرْضٍ وَزَرْعِهَا أَوْ دَارٍ سَكَنَهَا؛ لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِيهِ يَقْتَضِيهِ دَيْنًا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . وَلِأَنَّ الْمَالَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْحُقُوقِ، فَلَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَةَ أَبِيهِ كَحُقُوقِ الْأَبْدَانِ، وَلَا لِلِابْنِ أَنْ يُحِيلَ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَبَهُ بِهِ، فَلَا يَمْلِكُ الْحَوَالَةَ عَلَيْهِ (إلَّا بِنَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ) عَلَى الْأَبِ؛ لِفَقْرِ الِابْنِ وَعَجْزِهِ عَنْ التَّكَسُّبِ، فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهَا. زَادَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 الْوَجِيزِ ": (وَيَحْبِسُهُ هُوَ عَلَيْهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهِنْدَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . وَلِلْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ (بِعَيْنِ مَالٍ لَهُ) - أَيْ: الْوَلَدِ - (بِيَدِهِ) - أَيْ: الْأَبِ، وَيَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لِتَمَامِ مِلْكِ الْوَلَدِ عَلَى مَالِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ -، وَوُجُوبِ زَكَاتِهِ عَلَيْهِ وَحَلَّ الْوَطْءُ وَتَوْرِيثُ وَرَثَتِهِ. وَحَدِيثُ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . عَلَى مَعْنَى سَلْطَنَةِ التَّمَلُّكِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إضَافَةُ الْمَالِ لِلْوَلَدِ (لَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ) - أَيْ: الْوَلَدِ - (فِي ذِمَّةِ وَالِدِهِ دَيْنٌ) مِنْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ قَرْضٍ (وَقِيمَةُ مُتْلَفٍ) إعْمَالًا لِلسَّبَبِ، فَإِنَّ مِلْكَ الْوَلَدِ تَامٌّ، وَالسَّبَبُ إمَّا إتْلَافٌ فَلِمَالِ الْغَيْرِ وَإِمَّا قَرْضٌ وَنَحْوُهُ فَعَقْدٌ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . (فَلَا يَسْقُطُ) دَيْنُ الْوَلَدِ الثَّابِتُ لَهُ فِي ذِمَّةِ أَبِيهِ (بِمَوْتِهِ) - أَيْ: الْأَبِ - (فَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ) مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (وَكَذَا) لَا يَسْقُطُ (أَرْشُ جِنَايَةٍ) مِنْ الْأَبِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى مَالِ الْوَلَدِ أَوْ نَفْسِهِ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَمْلِكُ إحْضَارَ أَبِيهِ لِمَجْلِسِ حُكْمٍ بِدَيْنٍ أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لِلِابْنِ عَلَيْهِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مِلْكِهِ الْمُطَالَبَةُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ سُقُوطَ حَقِّهِ عَنْهُ مَا دَامَ حَيًّا، وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِيمَا لَوْ وَفَّاهُ وَالِدُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ، بَلْ يَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا يَأْتِي. (لَكِنْ يَسْقُطُ) أَرْشُ الْجِنَايَةِ (بِمَوْتِهِ) - أَيْ: الْأَبِ - فَلَا يَرْجِعُ بِهِ فِي تِرْكَتِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ الْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِمَا كَوْنُ الْأَبِ أَخَذَ عَنْ هَذَا عِوَضًا، بِخِلَافِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (وَ) عَلَى هَذَا (يَنْبَغِي) أَنْ يَكُونَ (مِثْلَهُ دَيْنُ ضَمَانٍ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الْوَالِدِ دَيْنُ الضَّمَانِ إذَا ضَمِنَ غَرِيمٌ وَلَدَهُ لَهُ (وَمَا قَضَاهُ أَبٌ مِنْ ذَلِكَ) الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ لِوَلَدِهِ (فِي مَرَضِهِ) - أَيْ: الْأَبِ - (أَوْ وَصِيِّ) الْأَبِ (بِقَضَائِهِ) مِنْ دَيْنِ وَلَدِهِ، قَالَ شَيْخُنَا أَحْمَدُ: أَوْ أُرُوشِ جِنَايَةٍ وَغَيْرِهَا (فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ عَلَيْهِ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، فَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَدَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ، وَلِوَلَدِ الْوَلَدِ مُطَالَبَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 جَدِّهِ بِمَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ دَيْنٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَيْرِهَا كَسَائِرِ الْأَقَارِبِ إنْ لَمْ يَكُنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِوَرَثَةِ الْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنِهِ، وَكَذَا الْأُمُّ تُطَالَبُ بِدَيْنِ وَلَدِهَا. (وَمَا) (وَجَدَهُ ابْنٌ بَعْدَ مَوْتِ أَبٍ) فِي تِرْكَتِهِ (مِنْ عَيْنِ مَالِهِ) - أَيْ: الِابْنِ - (الَّذِي أَقْرَضَهُ) لِأَبِيهِ (أَوْ بَاعَهُ) لَهُ (أَوْ غَصَبَهُ) الْأَبُ مِنْهُ (فَلَهُ) - أَيْ: الِابْنِ - (أَخْذُهُ) - أَيْ: مَا وَجَدَ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ - دُونَ بَقِيَّةِ وَرَثَةِ الْأَبِ (إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ دَفَعَ) لِوَلَدِهِ (ثَمَنَهُ) لِتَعَذُّرِ الْعِوَضِ. قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَلَا يَكُونُ مَا وَجَدَ مِنْ عَيْنِ مَالِ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ مِيرَاثًا لِوَرَثَةِ الْأَبِ، بَلْ هُوَ لِلْوَلَدِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، دُونَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ. [فَصْلٌ فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ وَمُحَابَاتِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] (وَعَطِيَّةُ مَرِيضٍ، وَهِيَ هِبَتُهُ فِي) مَرَضٍ (غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ وَلَوْ) كَانَ الْمَرَضُ (مَخُوفًا) كَصَحِيحٍ (أَوْ) كَانَ مَرَضُهُ (غَيْرَ مَخُوفٍ كَصُدَاعٍ) - أَيْ: وَجَعِ رَأْسٍ - وَرَمَدٍ وَ (وَجَعِ ضِرْسٍ) وَجَرَبٍ (وَحُمَّى) سَاعَةٍ أَوْ (يَوْمٍ وَإِسْهَالِ سَاعَةٍ بِلَا دَمٍ وَلَوْ صَارَ) الْمَرَضُ (مَخُوفًا وَمَاتَ بِهِ فَ) عَطِيَّتُهُ (كَصَحِيحٍ فَتَصِحُّ) عَطِيَّتُهُ (فِي كُلِّ مَالِهِ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصِّحَّةِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يُخَافُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ وَكَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا وَبَرِئَ، وَأَمَّا الْإِسْهَالُ فَإِنْ كَانَ مُنْحَرِفًا لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهُ وَلَا إمْسَاكُهُ؛ فَهُوَ مَخُوفٌ - وَإِنْ كَانَ سَاعَةً - لِأَنَّ مَنْ لَحِقَهُ ذَلِكَ أَسْرَعَ فِي هَلَاكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْحَرِفًا، لَكِنَّهُ يَكُونُ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مِنْ فَضْلَةِ الطَّعَامِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ زَحِيرٌ وَتَقْطِيعٌ؛ كَأَنْ يَخْرُجَ مُتَقَطِّعًا؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَخُوفًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُ، وَإِنْ دَامَ الْإِسْهَالُ فَهُوَ مَخُوفٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ زَحِيرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَمَا أَشْكَلَ أَمْرُهُ مِنْ الْأَمْرَاضِ رُجِعَ فِيهِ إلَى قَوْلِ أَهْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 الْمَعْرِفَةِ، وَهُمْ الْأَطِبَّاءُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْمَعْرِفَةِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي ". (وَ) عَطِيَّةُ مَرِيضٍ (فِي مَرَضٍ مَخُوفٍ كَبِرْسَامٍ) - بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ - بُخَارٌ يَرْتَقِي إلَى الرَّأْسِ، وَيُؤَثِّرُ فِي الدِّمَاغِ، فَيَخْتَلُّ الْعَقْلُ بِهِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ وَرَمٌ فِي الدِّمَاغِ يَتَغَيَّرُ مِنْهُ عَقْلُ الْإِنْسَانِ وَيَهْذِي. (وَذَاتِ جَنْبٍ) - قُرُوحٌ بِبَاطِنِ الْجَنْبِ - (وَوَجَعِ رِئَةٍ) فَإِنَّهَا لَا تَسْكُنُ حَرَكَتُهَا فَلَا يَنْدَمِلُ جُرْحُهَا (وَ) وَجَعُ - (قَلْبٍ وَرُعَافٍ دَائِمٍ) لِأَنَّهُ يُصَفِّي الدَّمَ فَتَذْهَبُ الْقُوَّةُ (وَقِيَامِ مُتَدَارِكٍ) - وَهُوَ الْإِسْهَالُ الْمُتَوَاتِرُ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ - (أَوْ) إسْهَالٍ (مَعَهُ دَمٌ) لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الْقُوَّةَ (وَ) مِنْ الْمَخُوفِ (كَفَالِجٍ) - وَهُوَ اسْتِرْخَاءٌ لِأَحَدِ شِقَّيْ الْبَدَنِ لِانْصِبَابِ خَلْطٍ بَلْغَمِيٍّ تَفْسُدُ مِنْهُ مَسَالِكُ الرُّوحِ - (فِي ابْتِدَاءِ) هـ (وَالسِّلُّ) - بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ دَاءٌ مَعْرُوفٌ (فِي انْتِهَاءِ) هـ (أَوْ هَاجَ بِهِ بَلْغَمٌ) لِأَنَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْبُرُودَةِ، وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ، فَيُطْفِئُهَا (أَوْ) هَاجَتْ بِهِ (صَفْرَاءُ) لِأَنَّهَا تُورِثُ يُبُوسَةً (أَوْ) هَاجَ بِهِ (قُولَنْجُ) - وَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ الطَّعَامُ فِي بَعْضِ الْأَمْعَاءِ وَلَا يَنْزِلُ عَنْهُ - أَوْ هَاجَتْ بِهِ (حُمَّى مُطْبَقَةٌ) فَهَذِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِمُفْرَدِهِ مَخُوفٌ، وَمَعَ الْحُمَّى أَشَدُّ خَوْفًا، إنْ ثَاوَرَهُ الدَّمُ وَاجْتَمَعَ فِي عُضْوٍ كَانَ مَخُوفًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَرَارَةِ الْمُفْرِطَةِ (وَمَا قَالَهُ عَدْلَانِ) لَا وَاحِدٌ وَلَوْ عَدِمَ غَيْرَهُ (مُسْلِمَانِ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ) عِنْدَ إشْكَالِ الْمَرَضِ (أَنَّهُ مَخُوفٌ) . قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": لَيْسَ مَعْنَى الْمَرَضِ الْمَخُوفِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ الْمَوْتُ مِنْهُ، أَوْ يَتَسَاوَى فِي الظَّنِّ جَانِبُ الْبَقَاءِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا جَعَلُوا ضَرْبَ الْمَخَاضِ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ، وَلَيْسَ الْهَلَاكُ غَالِبًا وَلَا مُسَاوِيًا لِلسَّلَامَةِ وَإِنَّمَا الْمَرَضُ إنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا صَالِحًا لِلْمَوْتِ، فَيُضَافُ إلَيْهِ، وَيَجُوزُ حُدُوثُهُ عِنْدَهُ، وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ مَا يَكْثُرُ حُصُولُ الْمَوْتِ مِنْهُ (فَ) عَطَايَاهُ (كَوَصِيَّةٍ) فِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْوَقْفِ لِلثُّلُثِ فَأَقَلَّ، وَلَا لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا بِإِجَازَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 الْوَرَثَةِ فِيهِمَا؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. فَمَفْهُومُهُ لَيْسَ لَكُمْ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ، فَاسْتَدْعَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ مَعَ سِرَايَتِهِ؛ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَ الظَّاهِرُ مِنْهَا الْمَوْتُ، فَكَانَتْ عَطِيَّتُهُ فِيهَا فِي حَقِّ وَرَثَةٍ لَا تَتَجَاوَزُ الثُّلُثَ كَالْوَصِيَّةِ (غَيْرَ أَنَّهُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا فِي الْجَمِيعِ) - أَيْ: جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ - عَلَى مَا (قَالَهُ الْقَاضِي) . قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": ذَكَرَ الْقَاضِي الْمَوْهُوبُ لَهُ يَقْبِضُ الْهِبَةَ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا مَعَ كَوْنِهَا مَوْقُوفَةً عَلَى الْإِجَازَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَوْهُوبِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ يَذْهَبُ حَيْثُ يَشَاءُ وَإِرْسَالُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ أَوْ إرْسَالُ الْمُحَابَاةِ لَا يَجُوزُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُوقَفَ أَمْرُ التَّبَرُّعَاتِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ الْوَارِثُ مِنْ رَدِّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا شَاءَ. (وَلَوْ) كَانَتْ عَطِيَّتُهُ (عِتْقًا) لِبَعْضِ أَرِقَّائِهِ (أَوْ) كَانَتْ عَطِيَّتُهُ (عَفْوًا عَنْ جِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا أَوْ) كَانَتْ عَطِيَّتُهُ (مُحَابَاةً فِي نَحْوِ بَيْعٍ) كَإِجَارَةٍ وَالْمُحَابَاةُ أَنْ يُسَامِحَ أَحَدُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ الْآخَرَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِبَعْضِ مَا يُقَابِلُ الْعِوَضَ؛ كَأَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِثَمَانِيَةٍ، أَوْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي ثَمَانِيَةً بِعَشَرَةٍ؛ فَهِيَ كَوَصِيَّةٍ فِي الْجَمِيعِ (لَا) إنْ كَانَ الصَّادِرُ مِنْ الْمَرِيضِ (كِتَابَةً) لِرَقِيقِهِ أَوْ بَعْضِهِ بِمُحَابَاةٍ (أَوْ) كَانَ (وَصِيَّتُهُ بِهَا) - أَيْ: كِتَابَتِهِ (بِمُحَابَاةٍ) فَالْمُحَابَاةُ فِيهِمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " الْإِنْصَافِ " وَفِي " التَّنْقِيحِ " " وَالْمُنْتَهَى ". لَكِنَّ كَلَامَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ هُوَ الْكِتَابَةُ نَفْسُهَا؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ مِنْ الْغَيْرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَدْ ذَكَرْته لَك فَوَقَعَ الِاشْتِبَاهُ عَلَى صَاحِبِ " الْإِنْصَافِ " وَ " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ مِنْ تَبِعَهُ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ. انْتَهَى. (وَمَعَ إطْلَاقٍ) أَيْ: إذْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 وَصَّى السَّيِّدُ أَنْ يُكَاتَبَ عَبْدُهُ فُلَانٌ، وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى كَذَا (فَ) إنَّهُ يُكَاتَبُ (بِقِيمَتِهِ) - أَيْ: بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي ذَلِكَ الْعَبْدُ - جَمْعًا بَيْنَ حَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقِّهِ، فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَطْلُبَ الْكِتَابَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَلَا لِلْعَبْدِ أَنْ يَطْلُبَ الْكِتَابَةَ بِأَقَلَّ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا. [تَتِمَّةٌ تَنْفِيذ الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فِي الْحَالِ] تَتِمَّةٌ: وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فِي الْحَالِ، وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَا حِينَ الْعِتْقِ، فَلَوْ عَتَقَ فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ أَمَةً تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَالَ الْعِتْقِ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَلَا تُعْتَقُ كُلُّهَا إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ مِنْ مَرَضِهِ، فَيَصِحُّ تَزَوُّجُهَا لِنُفُوذِ الْعِتْقِ قَطْعًا، لَكِنْ لَوْ تَزَوَّجَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحَّ وَوَرِثَتْ مِنْهُ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ: وَإِنْ أَعْتَقَ أَمَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا فَكَمَا لَوْ كَسَبَتْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ، فَتَنَبَّهْ لَهُ. وَإِنْ وَهَبَ الْمَرِيضُ أَمَةً حَرُمَ عَلَى الْمُتَّهِبِ وَطْؤُهَا حَتَّى يَبْرَأَ الْوَاهِبُ أَوْ يَمُوتَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. (وَالْأَمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ كَسُلٍّ ابْتِدَاءً) لَا فِي حَالَةِ الِانْتِهَاءِ (وَجُذَامٍ) وَحُمَّى الرِّبْعِ - وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ يَوْمًا وَتَذْهَبُ يَوْمَيْنِ وَتَعُودُ فِي الرَّابِعِ - (وَفَالِجٍ انْتِهَاءً) وَحُمَّى الْغِبِّ (وَهَرَمٍ) إنْ صَارَ صَاحِبُهَا ذَا فِرَاشٍ (فَ هِيَ مَخُوفَةٌ، وَإِلَّا) يَصِرْ صَاحِبُهَا ذَا فِرَاشٍ، بَلْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ (فَلَا) تَكُونُ مَخُوفَةً وَعَطَايَاهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ كَعَطَايَا الصَّحِيحِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا تَحْقِيقُ الْمَذْهَبِ فِيهِمْ، وَمَا رَوَاهُ حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي وَصِيَّةِ الْمَجْذُومِ وَالْمَفْلُوجِ مِنْ الثُّلُثِ؛ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا صَارَا صَاحِبَا فِرَاشٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْفِرَاشِ يَخْشَى تَلَفَهُ، أَشْبَهَ صَاحِبَ الْحُمَّى الدَّائِمَةَ. (وَكَمَرِيضِ مَرَضِ مَوْتٍ مَخُوفٍ مَنْ) كَانَ (بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَقْتَ الْتِحَامِ حَرْبٍ) هُوَ فِيهِ وَاخْتَلَطَتْ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ، وَسَوَاءٌ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ فِي الدِّينِ أَوْ لَا؛ لِوُجُودِ خَوْفِ التَّلَفِ (مَعَ مُكَافَأَةٍ) بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُكَافِئًا لِلْأُخْرَى (أَوْ) كَانَ الْمُعْطِي (مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 الطَّائِفَةِ الْمَقْهُورَةِ) لِأَنَّ تَوَقُّعَ التَّلَفِ هُنَا كَتَوَقُّعِ الْمَرِيضِ أَوْ أَكْثَرَ، فَوَجَبَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ (لَا) إنْ كَانَ الْمُعْطِي مِنْ الطَّائِفَةِ (الْقَاهِرَةِ) بَعْدَ ظُهُورِهَا، أَوْ كَانَ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ اخْتِلَاطٍ لِلْحَرْبِ، سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا رَمْيُ سِهَامٍ أَوْ لَا، فَلَيْسَ حَالُهُ بِمَنْزِلَةِ مَرَضٍ مَخُوفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّعُ التَّلَفَ قَرِيبًا. (وَمَنْ) كَانَ (بِلُجَّةِ) الْبَحْرِ (عِنْدَ الْهَيَجَانِ) أَيْ: ثَوَرَانِ الْبَحْرِ - بِهُبُوبِ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ هَذِهِ الْحَالَةَ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} [يونس: 22] : (أَوْ وَقَعَ طَاعُونٌ) . قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: هُوَ الْمَرَضُ الْعَامُّ وَالْوَبَاءُ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ فَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَةَ وَالْأَبْدَانَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْمَغَابِنِ وَغَيْرِهَا لَا يَلْبَثُ صَاحِبُهَا، وَتَعُمُّ إذَا ظَهَرَتْ، وَفِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ ": وَأَمَّا الطَّاعُونُ فَوَبَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بَثْرٌ وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ مَعَ لَهَبٍ، وَيُسَوِّدُ مَا حَوْلَهُ، وَيَخْضَرُّ وَيَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً، وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانٌ لِلْقَلْبِ (بِبَلَدِهِ) أَيْ: الْمُعْطِي - قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَخُوفٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كَوْنِ الطَّاعُونِ وَخْزَ أَعْدَائِنَا الْجِنِّ حِكْمَةً بَالِغَةً، فَإِنَّ أَعْدَاءَنَا شَيَاطِينُهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الطَّاعَةِ مِنْهُمْ؛ فَهُمْ إخْوَانُنَا، وَاَللَّهُ أَمَرَنَا بِمُعَادَاةِ أَعْدَائِنَا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَأَنْ نُحَارِبَهُمْ طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ، فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إلَّا مُسَالَمَتَهُمْ وَمُوَالَاتَهُمْ، فَسَلَّطَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ حَيْثُ اسْتَجَابُوا لَهُمْ حَتَّى أَغْوَوْهُمْ وَأَمَرُوهُمْ بِالْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، فَأَطَاعُوهُمْ، فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ أَنْ سَلَّطَهُمْ عَلَيْهِمْ بِالطَّعْنِ فِيهِمْ كَمَا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ أَعْدَاءَهُمْ مِنْ الْإِنْسِ حَيْثُ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، وَنَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، فَهَذِهِ مَلْحَمَةٌ مِنْ الْإِنْسِ، وَالطَّاعُونُ مَلْحَمَةٌ مِنْ الْجِنِّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِتَسْلِيطِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ عُقُوبَةً لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، وَشَهَادَةً وَرَحْمَةً لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 لَهَا، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعُقُوبَاتِ تَقَعُ عَامَّةً؛ فَتَكُونُ طُهْرًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَانْتِقَامًا مِنْ الْفَاجِرِينَ انْتَهَى. وَقَدْ ثَبَتَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ أَنَّهُ وَخْزُ أَعْدَائِنَا مِنْ الْجِنِّ. أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدَيْهِمَا " وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الطَّوَاعِينَ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ؟ قَالَ وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ الْجِنَّ وَفِي كُلٍّ شَهَادَةٌ» . قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الطَّعْنُ: الْقَتْلُ بِالرُّمْحِ، وَالْوَخْزُ طَعْنٌ بِلَا نَفَاذٍ، فَبِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ ظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ إنَّ الطَّاعُونَ مَادَّةٌ سُمِّيَّةٌ تُحْدِثُ وَرَمًا قَتَّالًا، وَأَنَّ سَبَبَهُ فَسَادُ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ، وَقَدْ أَبْطَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ قَوْلَ الْأَطِبَّاءِ هَذَا بِوُجُوهٍ: مِنْهَا وُقُوعُهُ فِي أَعْدَلِ الْفُصُولِ وَفِي أَصَحِّ الْبِلَادِ هَوَاءً وَأَطْيَبِهَا مَاءً، وَمِنْهَا لَوْ كَانَ مِنْ الْهَوَاءِ لَعَمَّ النَّاسَ وَالْحَيَوَانَ، وَنَحْنُ نَجِدُ الْكَثِيرَ مِنْ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ يُصِيبُهُ الطَّاعُونُ، وَبِجَانِبِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَمَنْ يُشَابِهُ مِزَاجَهُ مَنْ لَمْ يُصِبْهُ وَقَدْ يَأْخُذُ أَهْلَ الْبَيْتِ بِأَجْمَعِهِمْ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتًا يُجَاوِرُهُمْ أَصْلًا، وَيَدْخُلُ بَيْتًا فَلَا يُصَابُ مِنْهُ إلَّا الْبَعْضُ، وَرُبَّمَا كَانَ عِنْدَ فَسَادِ الْهَوَاءِ أَقَلَّ مِمَّا يَكُونُ عِنْدَ اعْتِدَالِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ فَسَادَ الْهَوَاءِ يَقْتَضِي تَغْيِيرَ الْأَخْلَاطِ وَكَثْرَةَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، وَهَذَا يَقْتُلُ بِلَا مَرَضٍ أَوْ بِمَرَضٍ يَسِيرٍ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ فَسَادِ الْهَوَاءِ لَعَمَّ جَمِيعَ الْبَدَنِ بِمُدَاوَمَتِهِ الِاسْتِنْشَاقَ. وَالطَّاعُونُ إنَّمَا يَحْدُثُ فِي جُزْءٍ خَاصٍّ مِنْ الْبَدَنِ لَا يَتَعَدَّاهُ لِغَيْرِهِ، وَلِلُزُومِ دَوَامِهِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ يَصِحُّ تَارَةً وَيَفْسُدُ أُخْرَى، وَيَأْتِي عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَلَا تَجْرِبَةٍ وَلَا انْتِظَامٍ، فَرُبَّمَا جَاءَ سَنَةً عَلَى سَنَةٍ، وَرُبَّمَا أَبْطَأَ عِدَّةَ سِنِينَ. وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ دَاءٍ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الطَّبِيعِيَّةِ لَهُ دَوَاءٌ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَهَذَا الطَّاعُونُ أَعْيَا الْأَطِبَّاءَ دَوَاؤُهُ حَتَّى سَلَّمَ حُذَّاقُهُمْ أَنَّهُ لَا دَوَاءَ لَهُ، وَلَا دَافِعَ لَهُ إلَّا الَّذِي خَلَقَهُ وَقَدَّرَهُ انْتَهَى. وَقَدْ جَمَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْوَارِدِ وَكَلَامِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ظُهُورَ الطَّاعُونِ أَفْسَدَ الْهَوَاءَ، وَجَعَلَهُ مُتَعَفِّنًا، فَتَخْرُجُ بِسَبَبِهِ الْجِنُّ، لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِهِمْ تَتَبُّعَ الْعُفُونَاتِ، فَيَخْتَلِطُونَ بِالنَّاسِ، فَيَظْهَرُ مِنْهُمْ مَا سُلِّطُوا بِهِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ (أَوْ) (قَدِمَ لِقَتْلٍ) قِصَاصًا أَوْ غَيْرَهُ فَلِمَرَضٍ مَخُوفٍ، وَأَوْلَى لِظُهُورِ التَّلَفِ وَقُرْبِهِ (أَوْ حَبْسٍ لَهُ) - أَيْ: الْقَتْلِ، أَوْ حُبِسَ (أَوْ) أُسِرَ (عِنْدَ مَنْ عَادَتُهُ الْقَتْلُ) فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَقَّبُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتَهُمْ الْقَتْلُ فَعَطَايَاهُ كَصَحِيحٍ (أَوْ جُرِحَ جُرْحًا مُوحِيًا مَعَ ثَبَاتِ عَقْلِهِ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا جُرِحَ سَقَاهُ الطَّبِيبُ لَبَنًا، فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ: اعْهَدْ إلَى النَّاسِ، فَعَهِدَ إلَيْهِمْ، وَوَصَّى فَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَبُولِ عَهْدِهِ وَوَصِيَّتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ عَهِدَ إلَى عُمَرَ فَنَفَّذَ عَهْدَهُ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ ضَرْبِ ابْنَ مُلْجِمٍ أَوْصَى وَأَمَرَ وَنَهَى، فَلَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ، وَمَعَ عَدَمِ ثَبَاتِ عَقْلِهِ لَا حُكْمَ لِعَطِيَّتِهِ، بَلْ وَلَا لِكَلَامِهِ. (وَحَامِلٌ عِنْدَ مَخَاضِ) - أَيْ: طَلَّقَ - نَصًّا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْأَشْهَرُ (مَعَ أَلَمٍ حَتَّى تَنْجُوَ) يَعْنِي مِنْ نِفَاسِهَا؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ضَرْبِ الْمَخَاضِ لَا تَخَافُ الْمَوْتَ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ الْمَرَضِ الْمُمْتَدِّ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ صَاحِبُ فِرَاشٍ، فَإِنْ خَرَجَ الْوَلَدُ وَالْمَشِيمَةُ، وَحَصَلَ هُنَاكَ وَرَمٌ أَوْ ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ، أَوْ رَأَتْ دَمًا كَثِيرًا فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْجُ بَعْدُ، وَالسَّقْطُ كَالْوَلَدِ التَّامِّ. (وَلَوْ وَضَعَتْ مُضْغَةً) فَعَطَايَاهَا كَعَطَايَا الصَّحِيحِ، إنْ لَمْ يَكُنْ أَلَمٌ (وَ) إنْ كَانَ (ثَمَّ مَرَضٌ) أَوْ أَلَمٌ؛ فَكَمَرَضٍ (مَخُوفٍ) لِلْخَوْفِ الشَّدِيدِ (وَكَمَيِّتٍ) فِي الْحُكْمِ - أَيْ: مِنْ جِهَةِ عَدَمِ نُفُوذِ عَطَايَاهُ وَتَبَرُّعَاتِهِ - لَا مُطْلَقًا فَلَوْ مَاتَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ وَرِثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَكَلَامِ الْمُوَفَّقِ (مَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ) أَيْ: فُصِلَتْ وَأُخْرِجَتْ، لَا إنْ شُقَّتْ وَهِيَ فِي الْبَطْنِ (حُشْوَتُهُ وَهِيَ أَمْعَاؤُهُ) فَلَا يُعْتَدُّ بِكَلَامِهِ (لَا خَرْقَهَا) وَقَطْعَهَا (فَقَطْ) مِنْ غَيْرِ إبَانَةٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْمَفْهُومَ (مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ قَوْلِهِمْ وَكَمَيِّتٍ مِنْ ذَبْحٍ أَوْ أُبِينَتْ حُشْوَتُهُ - (فَلَا يَرِثُ) مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ مِمَّنْ كَانَ يَرِثُهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) كَذَا قَالَ. وَعِبَارَتُهُ هُنَا لَا حُكْمَ لِعَطِيَّتِهِ وَلَا لِكَلَامِهِ. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ إنْ خَرَجَتْ حُشْوَتُهُ، وَلَمْ تَبِنْ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ، وَرِثَهُ، وَإِنْ أُبِينَتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرِثُ (لِأَنَّ الْمَوْتَ زُهُوقُ النَّفْسِ وَخُرُوجُ الرُّوحِ، وَلَمْ يُوجَدْ) وَلِأَنَّ الطِّفْلَ يَرِثُ وَيُوَرَّثُ بِمُجَرَّدِ اسْتِهْلَالِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ أَثْبَتُ مِنْ حَيَاةِ هَذَا انْتَهَى. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَظَاهِرُ هَذَا مِنْ الشَّيْخِ أَنَّ مَنْ ذُبِحَ لَيْسَ كَمَيِّتٍ مَعَ بَقَاءِ رُوحِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَمَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ حُشْوَتُهُ فَقَوْلُهُ لَغْوٌ، فَإِنْ خَرَجَتْ حُشْوَتُهُ، وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ وَعَقْلُهُ ثَابِتٌ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَعَطِيَّتُهُ وَتَبَرُّعُهُ. (وَلَوْ عَلَّقَ) إنْسَانٌ (صَحِيحٌ عِتْقَ قِنِّهِ) عَلَى صِفَةٍ كَقُدُومِ زَيْدٍ أَوْ نُزُولِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ (فَوُجِدَ) شَرْطُهُ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الْعِتْقَ (فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ، وَلَوْ كَانَ وُجُودُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ (فَ) عِتْقُ الْعَبْدِ، يُعْتَبَرُ (مِنْ ثُلُثِهِ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نُفُوذِ الْعِتْقِ. (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ، وَأَقْبَضَ فِي الْمَرَضِ) لِأَنَّ مِنْ إتْمَامِ صِحَّةِ الْهِبَةِ التَّسْلِيمُ، وَلَمْ يَحْصُلْ إلَّا فِي الْمَرَضِ؛ فَخَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ. (وَلَوْ) اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ وَصَاحِبُ الْعَطِيَّةِ أَوْ الْعَتِيقُ؛ بِأَنْ (ادَّعَى مُتَّهِبٌ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 أَنْ (الْهِبَةَ) أُعْطِيَهَا فِي الصِّحَّةِ فَتَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (أَوْ) ادَّعَى (مَعْتُوقٌ) صُدُورَ الْعِتْقِ (فِي الصِّحَّةِ) فَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَهُ (فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ) ذَلِكَ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُمْ) - أَيْ: الْوَرَثَةِ - نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي الْعِتْقِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " فِي آخِرِ الْعَطِيَّةِ: وَإِنْ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ، وَاخْتَلَفَ الْوَارِثُ وَالْمُعْطَى فِي مَرَضِ الْمُعْطِي فِي رَأْسِ الشَّهْرِ فَقَوْلُ الْمُعْطَى إنَّ الْمُعْطِيَ كَانَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَرَضِ. ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَتَقَدَّمَ عَطِيَّةٌ اجْتَمَعَتْ مَعَ وَصِيَّةٍ، وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا مَعَ عَدَمِ إجَازَةٍ) لَهُمَا قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَطِيَّةَ تُقَدَّمُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَالنَّظْمِ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ، فَقُدِّمَتْ عَلَى الْوَصِيَّةِ كَعَطِيَّةِ الصِّحَّةِ (وَإِنْ لَمْ يَفِ) الثُّلُثُ (بِتَبَرُّعَاتٍ نُجِّزَتْ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ) مِنْهَا (فَالْأَوَّلِ مُرَتَّبَةً) لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ الْمُنَجَّزَةَ لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمُعْطِي، فَإِذَا كَانَتْ خَارِجَةً مِنْ الثُّلُثِ لَزِمَتْ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، فَلَوْ شَارَكَتْهَا الثَّانِيَةُ لَمَنَعَ ذَلِكَ لُزُومَهَا فِي حَقِّ الْمُعْطِي؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ بَعْضِهَا بِعَطِيَّةٍ أُخْرَى، وَاحْتُرِزَ بِالْمُنَجَّزَةِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَرُّعِ (وَ) إنْ وَقَعَتْ الْعَطَايَا الْمُنَجَّزَةِ (دَفْعَةً) وَاحِدَةً كَمَا لَوْ قَبِلَهَا الْكُلُّ مَعًا، أَوْ وَكَّلُوا وَاحِدًا قَبِلَ لَهُمْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ؛ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْجَمِيعِ (بِالْحِصَصِ) لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ كَغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ. (وَلَوْ) كَانَتْ التَّبَرُّعَاتُ (عِتْقًا) فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ؛ لِاسْتِحْقَاقِ السَّابِقِ الثُّلُثَ فَلَمْ يَسْقُطْ بِمَا بَعْدَهُ (لَكِنْ إنْ كَانَتْ) التَّبَرُّعَاتُ (كُلُّهَا عِتْقًا أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ، فَكَمَّلْنَا الْعِتْقَ) كُلَّهُ (فِي بَعْضِهِمْ) . قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَتَبِعَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْعِتْقِ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَإِنْ) قَالَ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ، إنْ (أَعْتَقْتَ سَعْدًا فَسَعِيدٌ حُرٌّ، ثُمَّ أَعْتَقَ) الْمَرِيضُ (سَعْدًا؛ عَتَقَ سَعِيدٌ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ. (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) مِنْ الثُّلُثِ (إلَّا أَحَدُهُمَا عَتَقَ سَعْدٌ وَحْدَهُ) وَلَمْ يُقْرَعْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 بَيْنَهُمَا؛ لِسَبْقِ عِتْقِ سَعْدٍ. (وَلَوْ رَقَّ بَعْضُ سَعْدٍ لِعَجْزِ الثُّلُثِ) عَنْ قِيمَتِهِ كُلِّهِ (فَاتَ عِتْقُ سَعِيدٍ) لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ (فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ) بَعْدَ إعْتَاقِ سَعْدٍ (مَا يُعْتَقُ بِهِ بَعْضُ سَعِيدٍ عَتَقَ بِقَدْرِهِ) - أَيْ: الثُّلُثِ مِنْ سَعِيدٍ - لِوُجُوبِ شَرْطِ عِتْقِهِ. (وَ) إنْ قَالَ الْمَرِيضُ (إنْ أَعْتَقْت سَعْدًا فَسَعِيدٌ وَعَمْرٌو حُرَّانِ، ثُمَّ أَعْتَقَ سَعْدًا، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَحَدُهُمْ؛ عَتَقَ سَعْدٌ وَحْدَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ (اثْنَانِ أَوْ) خَرَجَ (وَاحِدٌ وَبَعْضُ آخَرَ؛ عَتَقَ سَعْدٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَأَقْرَعَ بَيْنَ سَعِيدٍ وَعَمْرو) فِيمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِإِيقَاعِ عِتْقِهِمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمٍ لِوَاحِدٍ عَلَى آخَرَ (وَلَوْ) خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ (اثْنَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ) عَتَقَ سَعْدٌ كَامِلًا بِلَا قُرْعَةٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا) - أَيْ: بَيْنَ سَعِيدٍ وَعَمْرٍو (لِتَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ فِي أَحَدِهِمَا وَ) حُصُولِ (التَّشْقِيصِ) فِي (الْآخَرِ) لِمَا تَقَدَّمَ،. (وَكَذَا) لَوْ قَالَ مَرِيضٌ: (إنْ أَعْتَقْتَ سَعْدًا فَسَعِيدٌ حُرٌّ) فِي حَالِ إعْتَاقِي؛ فَالْحُكْمُ سَوَاءٌ (أَوْ) قَالَ: إنْ أَعْتَقْت سَعْدًا (فَهُوَ) - أَيْ: سَعْدٌ - (وَعَمْرٌو حُرَّانِ) فِي (حَالِ إعْتَاقِي) فَالْحُكْمُ سَوَاءٌ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ؛ لِجَعْلِهِ عِتْقَ سَعْدٍ شَرْطًا لِعِتْقِ وَحْدِهِ أَوْ مَعَ عَمْرٍو، وَلَوْ رَقَّ بَعْضُ سَعْدٍ لَفَاتَ شَرْطُ عِتْقِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ فِي الصِّحَّةِ وَوُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي الْمَرَضِ؛ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْإِعْتَاقِ (وَإِنْ) قَالَ مَرِيضٌ إنْ (تَزَوَّجْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَ) فِي مَرَضِهِ (بِفَوْقِ مَهْرِ الْمِثْلِ) (فَ) الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (مُحَابَاةً) تُعْتَبَرُ (مِنْ الثُّلُثِ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ لَمْ يَفِ) الثُّلُثُ (إلَّا بِهَا) - أَيْ: الْمُحَابَاةِ - (أَوْ الْعَبْدِ قُدِّمَتْ) الْمُحَابَاةُ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ قَبْلَ الْعِتْقِ؛ بِكَوْنِ التَّزْوِيجِ شَرْطًا فِي الْعِتْقِ، فَقَدْ سَبَقَتْ الْعِتْقَ، وَهَذَا فِيمَا إذَا ثَبَتَتْ الْمُحَابَاةُ بِأَنْ لَا تَرِثَ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ، إمَّا لِوُجُودِ مَانِعٍ مِنْ الْإِرْثِ أَوْ لِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهَا فِي حَيَاتِهِ، إمَّا بِمَوْتِهَا أَوْ طَلَاقِهَا وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا إنْ وَرِثَتْهُ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمُحَابَاةَ لَا تَثْبُتُ لَهَا إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَدَّمَ الْعِتْقُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَازِمٌ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَيَكُونُ مُتَقَدِّمًا. وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ فِي حَالِ تَزْوِيجِي، فَتَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَيَكُونُ الْعِتْقُ سَابِقًا؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِتَمَامِ التَّزْوِيجِ وَالْعِتْقُ قَبْلَ تَمَامِهِ، فَيَكُونُ سَابِقًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 عَلَى الْمُحَابَاةِ فَيَتَقَدَّمُ لِهَذَا الْمَعْنَى، سِيَّمَا إذَا تَأَكَّدَ بِمَوْتِهِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ وَارِثٍ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ. (وَ) مَا لَزِمَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ مِنْ حَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ وَلَا إسْقَاطُهُ كَ (أُرُوشِ جِنَايَاتِهِ) وَجِنَايَاتِ عَبْدِهِ (وَ) مَا لَزِمَهُ مِنْ (مُعَاوَضَةٍ بِثَمَنٍ مِثْلَ) بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ (أَوْ) كَانَ (بِزَائِدٍ) يَسِيرًا بِحَيْثُ (يَتَغَابَنُ) النَّاسُ (بِهِ) - أَيْ: بِمِثْلِهِ عَادَةً (فَمِنْ رَأْسِ مَالٍ) لِأَنَّهُ يَنْدَرِجُ فِي ثَمَنِ الْمِثْلِ؛ لِوُقُوعِ التَّعَارُفِ بِهِ (وَلَوْ) كَانَتْ مُعَاوَضَتُهُ (مَعَ وَارِثٍ) فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَبَرُّعَ فِيهَا وَلَا تُهْمَةَ (وَإِنْ حَابَا) مَرِيضٌ (وَارِثَهُ؛ بَطَلَتْ) تَصَرُّفَاتُهُ (فِي قَدْرِهَا) - أَيْ: الْمُحَابَاةِ - لِأَنَّهَا كَالْهِبَةِ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ لِوَارِثٍ بِغَيْرِ إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ كَالْوَصِيَّةِ، وَهِيَ لِوَارِثٍ بَاطِلَةٌ، فَكَذَا الْمُحَابَاةُ (وَصَحَّتْ) الْمُعَاوَضَةُ (فِي غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ قَدْرِ الْمُحَابَاةِ. قَالَ شَيْخُنَا: فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا صَحَّ الْبَيْعُ، وَيُطْلَبُ مِنْهُ بَاقِي الثَّمَنِ (بِقِسْطِهِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْمُحَابَاةُ، وَهِيَ فِي غَيْرِ قَدْرِهَا مَفْقُودَةٌ، فَلَوْ بَاعَ لِوَارِثِهِ شَيْئًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِعَشَرَةٍ؛ فَلَمْ يُجِزْ بَاقِي الْوَرَثَةِ؛ صَحَّ بَيْعُ ثُلُثِهِ بِالْعَشَرَةِ وَالثُّلُثَانِ كَعَطِيَّةٍ (وَلَهُ) - أَيْ: الْمُشْتَرِي - (الْفَسْخُ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِ) فَشُرِحَ لَهُ ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، فَإِنْ فَسَخَ، وَطَلَبَ قَدْرَ الْمُحَابَاةِ، أَوْ طَلَبَ الْإِمْضَاءَ فِي الْكُلِّ وَتَكْمِيلِ حَقِّ الْوَرَثَةِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ (لَا إنْ كَانَ لَهُ) - أَيْ: الْوَارِثِ الْمُشْتَرِي - (شَفِيعٌ، وَأَخَذَهُ) أَيْ: الشِّقْصَ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمُحَابَاةُ (مِنْ وَارِثٍ) لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ وُجِدَ وَحَيْثُ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ؛ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِزَوَالِ الضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الشَّفِيعِ. (وَلَوْ حَابَى) الْمَرِيضُ (أَجْنَبِيًّا) بِأَنْ بَاعَهُ شِقْصًا وَحَابَاهُ فِي ثَمَنِهِ، وَخَرَجَتْ الْمُحَابَاةُ مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ (وَشَفِيعُهُ) - أَيْ: الْأَجِيرِ - (وَارِثٌ أَخَذَ بِهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةِ - (إنْ لَمْ تَكُنْ حِيلَةٌ) عَلَى مُحَابَاةِ الْوَارِثِ، فَإِنْ كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 كَذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لِغَيْرِهِ) - أَيْ: الْوَارِثِ - مُتَعَلِّقٌ بِأَخْذٍ بِهَا عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِغَرِيمِ وَارِثِهِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ التُّهْمَةِ مِنْ إيصَالِ الْمَالِ إلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِيمَا إذَا أُخِذَ بِالشُّفْعَةِ. (وَإِنْ أَجَرَ) الْمَرِيضُ (نَفْسَهُ وَحَابَا الْمُسْتَأْجِرَ) وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (صَحَّ) الْعَقْدُ (مَجَّانًا) - أَيْ: مِنْ غَيْرِ رَدِّ الْمُسْتَأْجِرِ لِشَيْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ أَوْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤْجَرْ نَفْسَهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ شَيْءٌ، بِخِلَافِ عَبِيدِهِ وَبَهَائِمِهِ. (وَيُعْتَبَرُ ثُلُثُهُ) - أَيْ: ثُلُثُ مَالِ الْمُعْطِي فِي الْمَرَضِ - (عِنْدَ مَوْتٍ) لَا عِنْدَ عَطِيَّةٍ أَوْ مُحَابَاةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ عِتْقٍ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْوَصِيَّةِ، وَالثُّلُثُ فِي الْوَصِيَّةِ مُعْتَبَرٌ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ لُزُومِهَا وَقَبُولِهَا وَرَدِّهَا؛ فَكَذَلِكَ فِي الْعَطِيَّةِ. (فَلَوْ أَعْتَقَ) مَرِيضٌ (مَا) - أَيْ: عَبْدًا - (لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، ثُمَّ مَلَكَ مَا) - أَيْ: مَالًا - (يُخْرِجُ) الْعَبْدُ (مِنْ ثُلُثِهِ؛ تَبَيَّنَ عِتْقُهُ كُلُّهُ) لِخُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ الْمَوْتِ (وَإِنْ لَزِمَهُ) بَعْدَ عِتْقِهِ (دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ) أَيْ: الْعَتِيقُ - (لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ فِي مَعْنَاهَا بِدَلِيلِ قَوْلِ عَلِيٍّ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» وَحُكْمُ هِبَتِهِ كَعِتْقِهِ. (وَلَوْ قَضَى) مَرِيضٌ (بَعْضَ غُرَمَائِهِ) دَيْنَهُ (صَحَّ) الْقَضَاءُ (وَفَازَ) الْمَقْضِيُّ (بِهِ) - أَيْ: بِمَا اقْتَضَاهُ - وَلَمْ يَكُنْ لِبَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّهِ، وَلَيْسَ بِتَبَرُّعٍ، وَلَمْ يُزَاحِمْ الْبَاقُونَ مِنْ الْغُرَمَاءِ الْمَقْضِيَّ، (وَلَوْ لَمْ تَفِ تِرْكَتُهُ) أَيْ: الْمَرِيضِ - (بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِ) لِأَنَّهُ أَدَّى وَاجِبًا عَلَيْهِ كَأَدَاءِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ. (وَإِذَا تَبَرَّعَ) الْمَرِيضُ (بِمَالٍ أَوْ عِتْقٍ ثُمَّ أَقَرَّ) بَعْدَ التَّبَرُّعِ (بِدَيْنٍ؛ لَمْ يُبْطَلْ تَبَرُّعٌ وَلَا عِتْقٌ) بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ التَّبَرُّعِ أَوْ الْعِتْقِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ بِالتَّبَرُّعِ فِي الظَّاهِرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 (وَلَا يُعْتَبَرُ اسْتِيلَادُ) مَرِيضٍ مَرَضًا مَخُوفًا (مِنْ الثُّلُثِ؛ فَإِنَّهُ) - أَيْ: الِاسْتِيلَادُ - (مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِهْلَاكِ فِي مُهُورِ الْأَنْكِحَةِ وَطَيِّبَاتِ الْأَطْعِمَةِ وَنَفَائِسِ الثِّيَابِ وَالتَّدَاوِي) وَدَفْعِ الْحَاجَاتِ، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِالِاسْتِيلَادِ وَنَحْوِهِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إنْشَائِهِ. (وَ) قَالَ (فِي " الِانْتِصَارِ " لَهُ) - أَيْ: الْمَرِيضِ - (لُبْسُ نَاعِمٍ وَأَكْلُ طَيِّبٍ لِحَاجَتِهِ) إلَيْهِ (وَإِنْ فَعَلَهُ) - أَيْ: مَا ذَكَرَ - (لِتَفْوِيتِ) حَقِّ (الْوَرَثَةِ؛ مُنِعَ) إلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَدْرِكُ كَإِتْلَافِهِ. [تَنْبِيهٌ حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ] (تَنْبِيهٌ) حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِي أَشْيَاءَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْهَا أَنَّهُ يَقِفُ نُفُوذُهَا عَلَى خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ أَوْ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَمِنْهَا أَنَّ فَضِيلَتَهَا نَاقِصَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الصَّدَقَةِ فِي الصِّحَّةِ وَمِنْهَا أَنَّهَا تَتَزَاحَمُ فِي الثُّلُثِ إذَا وَقَعَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَتَزَاحُمِ الْوَصَايَا. وَمِنْهَا أَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ الثُّلُثِ يُعْتَبَرُ حَالَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. وَ (تُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ) فِي الْمَرَضِ (الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةِ) أَحْكَامٍ. أَحَدُهَا: (أَنْ يُبْدَأَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا) - أَيْ: الْعَطَايَا - لِوُقُوعِهَا لَازِمَةً (وَالْوَصِيَّةُ يُسَوَّى بَيْنَ مُتَقَدِّمِهَا وَمُتَأَخِّرِهَا) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَوُجِدَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً. (وَمِنْهَا) - أَيْ: الْوَصِيَّةِ - (كُلُّ مَا) - أَيْ: شَيْءٍ - (عُلِّقَ بِمَوْتٍ كَ) قَوْلِ الْمَرِيضِ: (إذَا مِتُّ فَأَعْطُوا فُلَانًا كَذَا) مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ غَيْرِهَا (أَوْ أَعْتِقُوا) رَفِيقِي (فُلَانًا) أَوْ أَمَتِي فُلَانَةَ (وَنَحْوَهُ) كَأَوْقِفُوا دَارِي وَنَحْوَهَا أَوْ أَسْكِنُوا فُلَانًا بِهَا سَنَةً. (الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعٌ فِي عَطِيَّةٍ قُبِضَتْ) لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمُعْطِي وَإِنْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، لَا لِحَقِّهِ، فَلَا يَمْلِكُ إجَازَتَهَا وَلَا رَدَّهَا (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِهَا مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ، فَقَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يُوجَدْ؛ فَهِيَ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْعَطِيَّةِ فِي الْمَرَضِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ الْعَطِيَّةُ مِنْهُ وَالْقَبُولُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 وَالْقَبْضُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ؛ فَلَزِمَتْ كَالْوَصِيَّةِ إذَا قُبِلَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقُبِضَتْ. (الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَبُولُ عَطِيَّةٍ عِنْدَهَا) لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ فِي الْحَالِ فَيُعْتَبَرُ شُرُوطُهُ وَقْتَ وُجُودِهِ (وَالْوَصِيَّةُ بِخِلَافِهِ) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَاعْتُبِرَ عِنْدَ وُجُودِهِ؛ إذْ لَا حُكْمَ لِقَبُولِهَا وَلَا رَدِّهَا قَبْلَهُ. (الرَّابِعُ: أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي عَطِيَّتِهِ) مِنْ حِينِ وُجُودِهَا بِشُرُوطِهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ هِبَةً فَمُقْتَضَاهَا تَمْلِيكُهُ الْمَوْهُوبَ فِي الْحَالِ كَعَطِيَّةِ الصِّحَّةِ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ مُحَابَاةً أَوْ إعْتَاقًا، وَيَكُونُ هَذَا الثُّبُوتُ (مُرَاعًى) لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ هَلْ هَذَا مَرَضُ الْمَوْتِ أَوْ لَا؟ وَلَا نَعْلَمُ هَلْ يَسْتَفِيدُ مَالًا أَوْ يُتْلِفُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ؟ فَتَوَقَّفْنَا لِنَعْلَمَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ لِنَعْمَلَ بِهَا، (فَإِذَا) مَاتَ وَ (خَرَجَتْ) الْعَطِيَّةُ (مِنْ ثُلُثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ تَبْيِنًا أَنَّهُ) - أَيْ: الْمِلْكَ - (كَانَ ثَابِتًا) مِنْ حِينِ الْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ثُبُوتِهِ كَوْنُهُ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ. تَتِمَّةٌ: تُخَالِفُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ أَيْضًا فِي أَنَّهَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ إلَّا الْعِتْقُ. [فَصْلٌ فِي مَنْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ قِنًّا فِي مَرَضِهِ فَكَسَبَ] (فَصْلٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ قِنًّا) لِغَيْرِ وَارِثِهِ (فِي مَرَضِهِ، فَكَسَبَ) الرَّقِيقُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ (ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ، فَخَرَجَ) الرَّقِيقُ (مِنْ الثُّلُثِ فَكَسْبُ مُعْتَقٍ لَهُ) لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ حِينِ الْعِتْقِ صَارَ حُرًّا، فَكَانَ كَسْبُهُ لَهُ كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ (وَ) كَانَ كَسْبُ قِنٍّ (مَوْهُوبٍ لِمُتَّهِبٍ) لِأَنَّ الْكَسْبَ تَابِعٌ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مَوْهُوبًا لَهُ. (وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ) - أَيْ: الْعَتِيقِ أَوْ الْمَوْهُوبِ - مِنْ الثُّلُثِ دُونَ بَقِيَّتِهِ (فَلَهُمَا) - أَيْ: الْعَتِيقِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ - (مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِهِ) أَيْ: قَدْرِ الْبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْ الثُّلُثِ - فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ رُبْعُ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ أَوْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ رُبْعُ كَسْبِهِ، وَبَاقِيه لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ نِصْفُ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ أَوْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ نِصْفُ كَسْبِهِ وَالنِّصْفُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ثُلُثَا كَسْبِهِ، وَبَاقِيهِ لِلْوَرَثَةِ، وَهَكَذَا، وَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى الدَّوْرِ. (فَ) مِنْ ذَلِكَ (لَوْ أَعْتَقَ) الْمَرِيضُ (قِنًّا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فَكَسْبُ) الْعَتِيقِ (مِثْلُ قِيمَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ؛ فَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ حِينَ أَعْتَقَهُ وَبَاقِيهِ لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّ الْكَسْبَ يَتْبَعُ مَا تَنْفُذُ فِيهِ الْعَطِيَّةُ، دُونَ غَيْرِهِ، ثُمَّ التَّرِكَةُ تُتْبَعُ بِحِصَّةِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْعِتْقِ مِلْكٌ لِلْعَبْدِ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ، فَلَا تَدْخُلُ فِي التَّرِكَةِ، وَإِذَا اتَّسَعَتْ التَّرِكَةُ (فَيَزْدَادُ بِهِ) - أَيْ: بِكَسْبِهِ - (مَالُهُ) - أَيْ: مَالُ الْعَبْدِ - (وَتَزْدَادُ حُرِّيَّتُهُ لِذَلِكَ) الْكَسْبِ (وَيَزْدَادُ حَقُّهُ مِنْ كَسْبِهِ) وَمِنْ ضَرُورَةِ هَذَا نُقْصَانُ حِصَّةِ التَّرِكَةِ (فَيَنْقُصُ) بِهِ حَقُّ السَّيِّدِ مِنْ الْكَسْبِ، وَيَنْقُصُ (بِذَلِكَ قَدْرُ الْعِتْقِ مِنْهُ) فَتَزِيدُ الْحُرِّيَّةُ، فَتَدُورُ زِيَادَتُهُ عَلَى نُقْصَانِهِ، وَنُقْصَانُهُ عَلَى زِيَادَتِهِ، وَلِاسْتِخْرَاجِ الْمَقْصُودِ وَانْفِكَاكِ الدَّوْرِ طُرُقٌ حِسَابِيَّةٌ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا عَلَى طَرِيقِ الْجَبْرِ. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (فَيُسْتَخْرَجُ ذَلِكَ بِالْجَبْرِ، فَيُقَالُ قَدْ عَتَقَ مِنْهُ) - أَيْ: الْعَبْدُ - (شَيْءٌ وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ) لِأَنَّ كَسْبَهُ مِثْلُهُ، (وَلِلْوَرَثَةِ مِنْهُ شَيْءٌ وَمِنْ كَسْبِهِ شَيْئَانِ) لِأَنَّ لَهُمْ مِثْلَيْ مَا عَتَقَ مِنْهُ، وَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يُحْبَسُ عَلَى الْمُكْتَسِبِ مَا كَسَبَهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ، لَا مِنْ جِهَةِ سَيِّدِهِ (فَصَارَ) الْعَبْدُ (وَكَسْبُهُ نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا اسْتَحَقَّ بِعِتْقِهِ شَيْئًا وَبِكَسْبِهِ شَيْئًا؛ كَانَ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ شَيْءٌ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ. (يُعْتَقُ مِنْهُ نِصْفُهُ وَلَهُ نِصْفُ كَسْبِهِ) غَيْرُ مَحْسُوبٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ لَا مِنْ جِهَةِ سَيِّدِهِ، (وَلِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُمَا) أَيْ: نِصْفُ الْمُكْتَسِبِ وَنِصْفُ كَسْبِهِ، وَذَلِكَ مِثْلَا مَا عَتَقَ. (فَلَوْ كَانَ) الْعَبْدُ (يُسَاوِي اثْنَيْ عَشَرَ، فَكَسَبَ) قَبْلَ الْوَفَاةِ (مِثْلَهَا) اثْنَيْ عَشَرَ (عَتَقَ) مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ مِنْ الْكَسْبِ شَيْءٌ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ، فَقَدْ عَتَقَ (نِصْفُهُ وَأَخَذَ سِتَّةً) لَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ (وَلِوَارِثٍ نِصْفُهُ) - أَيْ: الْعَبْدِ - (وَسِتَّةٌ) مِنْ كَسْبِهِ، وَذَلِكَ مِثْلَا مَا عَتَقَ. (وَإِنْ كَسَبَ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ صَارَ لَهُ) مِنْ كَسْبِهِ (شَيْئَانِ) لِأَنَّ كَسْبَهُ مِثْلَاهُ (وَعَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلِوَارِثٍ شَيْئَانِ) فَيُقْسَمُ هُوَ وَكَسْبُهُ أَخْمَاسًا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 (فَيُعْتَقُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ كَسْبِهِ وَالْبَاقِي) وَهُوَ خُمْسَاهُ وَخُمُسَا كَسْبِهِ (لِوَارِثٍ) وَإِنْ كَسَبَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ قِيمَتِهِ؛ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ مِنْ كَسْبِهِ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثَاهُ وَلَهُ ثُلُثَا كَسْبِهِ وَلِلْوَرَثَةِ الْبَاقِي. (وَإِنْ كَسَبَ نِصْفَ قِيمَتِهِ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ نِصْفُ شَيْءٍ مِنْ كَسْبِهِ) لِأَنَّ كَسْبَهُ مِثْلُ نِصْفِهِ (وَلِوَارِثٍ شَيْئَانِ) فَالْجَمِيعُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ وَنِصْفٍ اُبْسُطْهَا تَكُنْ سَبْعَةً. لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا (فَيُعْتَقُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ كَسْبِهِ وَالْبَاقِي) أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهِ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ كَسْبِهِ (لِوَارِثٍ) . تَكْمِيلٌ: فَلَوْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ كَقِيمَةِ الْعَبْدِ صُرِفَ فِيهِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ كَسْبِهِ وَقُسِّمَ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُعْتَقِ نِصْفَيْنِ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْكَسْبِ. فَإِنْ كَسَبَ الْعَبْدُ مِثْلَ قِيمَتِهِ وَلِلسَّيِّدِ مَالٌ مِثْلُ قِيمَتِهِ؛ قَسَمْتَ الْعَبْدَ وَمِثْلَ قِيمَتِهِ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ: فَلِكُلِّ شَيْءٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، فَيُعْتَقُ مِنْ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ، ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، وَكَسَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ قِيمَتِهِ؛ لَكَمُلَتْ الْحُرِّيَّةُ فِي الْعَبْدِ الْأَوَّلِ فَيُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ، وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ، وَيُقْسَمُ الْعَبْدَانِ وَكَسْبُهُمَا عَلَى الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ، فَيَكُونُ لِكُلِّ شَيْءٍ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ فَيُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ بَدَأَ بِعِتْقِ الْأَدْنَى عَتَقَ كُلُّهُ، وَأَخَذَ كَسْبَهُ، وَتَسْتَحِقُّ الْوَرَثَةُ مِنْ الْعَبْدِ الْآخَرِ وَكَسْبِهِ مِثْلَيْ الْعَبْدِ الَّذِي عَتَقَ وَهُوَ نِصْفُهُ وَنِصْفُ كَسْبِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَيُعْتَقُ رُبْعُهُ، وَلَهُ رُبْعُ كَسْبِهِ [وَيَرِقُّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ] ، وَيَتْبَعُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ وَذَلِكَ مِثْلَا مَا انْعَتَقَ مِنْهُمَا، وَإِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ دَفْعَةً وَاحِدَةً قَرَعْنَا بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ بَدَأَ بِإِعْتَاقِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ قِيمَةِ أَحَدِهِمْ وَكَسْبُ أَحَدِهِمْ مِثْلُ قِيمَتِهِ؛ أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ لِإِخْرَاجِ الدَّيْنِ، فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى غَيْرِ الْمُكْتَسِبِ؛ بِيعَ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 أَقْرَعْنَا بَيْنَ الْمُكْتَسِبِ وَالْآخَرِ لِأَجْلِ الْحُرِّيَّةِ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ الْمُكْتَسِبِ؛ عَتَقَ كُلُّهُ، وَالْمُكْتَسِبُ وَمَالُهُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ وَقَعَتْ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الْمُكْتَسِبِ عَتَقَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ، وَبَاقِيهِ وَبَاقِي كَسْبِهِ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ لِلْوَرَثَةِ كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا كَانَ لِلسَّيِّدِ مَالٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ. وَلَوْ وَقَعَتْ قُرْعَةُ الدَّيْنِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُكْتَسِبِ لَقَضَيْنَا الدَّيْنَ بِنِصْفِهِ وَنِصْفِ كَسْبِهِ، ثُمَّ أَقْرَعْنَا بَيْنَ بَاقِيهِ وَبَيْنَ الْعَبْدَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِي الْحُرِّيَّةِ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِهِ عَتَقَ كُلُّهُ، وَلِلْوَرَثَةِ مَا بَقِيَ وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْمُكْتَسِبِ عَتَقَ بَاقِيهِ، وَأَخَذَ بَاقِي كَسْبِهِ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِإِتْمَامِ الثُّلُثِ، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ، وَالْعَبْدُ الْآخَرُ لِلْوَرَثَةِ. (وَ) يَكُونُ الْحُكْمُ (فِي هِبَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ) مِنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ (وَبِقَدْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ) لِأَنَّ الْكَسْبَ يَتْبَعُ الْمِلْكَ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَكَسَبَ تِسْعَةً فَاجْعَلْ لَهُ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ شَيْئًا، فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مِائَةُ شَيْءٍ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ، وَلِلْوَرَثَةِ مِائَتَا شَيْءٍ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ مِائَةُ جُزْءٍ وَتِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ وَتِسْعَةٍ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَهُ مِائَتَا جُزْءٍ مِنْ نَفْسِهِ وَمِائَتَا جُزْءٍ مِنْ كَسْبِهِ. فَرْعٌ: رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْ الْقِيمَةِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي حَيَاتِهِ؛ أَقْرَعَ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَالْحَيُّ رَقِيقٌ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَيِّتَ نِصْفُهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ مَعَ الْوَرَثَةِ مِثْلَيْ نِصْفِهِ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْحَيِّ؛ عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَلَا يُحْسَبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ. (وَإِنْ أَعْتَقَ) الْمَرِيضُ (أَمَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا، ثُمَّ وَطِئَهَا) الْمُعْتِقُ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً (وَمَهْرُ مِثْلِهَا نِصْفُ قِيمَتُهَا فَ) هُوَ (كَمَا لَوْ كَسَبَتْهُ) أَيْ: فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا لَوْ كَسَبَتْ نِصْفَ قِيمَتِهَا (فَيُعْتَقُ) مِنْهَا (ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا، سُبْعٌ بِمَا مَلَكَتْهُ) مِنْ نَفْسِهَا بِحَقِّهَا (مِنْ مَهْرِهَا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) لِأَحَدٍ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَنَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ (وَسُبْعَانِ) يُعْتَقَانِ (بِإِعْتَاقِ الْمَرِيضِ) . قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَفِي التَّشْبِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَسْبَ يَزِيدُ بِهِ مِلْكُ السَّيِّدِ، ذَلِكَ يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ فِي الْعِتْقِ وَالْمَهْرِ يَنْقُصُهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نُقْصَانَ الْعِتْقِ. وَنَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. (وَلَوْ وَهَبَهَا) الْمَرِيضُ (لِمَرِيضٍ آخَرَ لَا مَالَ لَهُ) أَيْضًا غَيْرَهَا (فَوَهَبَهَا الثَّانِي لِلْأَوَّلِ) وَمَاتَا جَمِيعًا (صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ وَعَادَ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُهُ، وَبَقِيَ لِوَرَثَةِ الْآخَرِ ثُلُثَا شَيْءٍ وَلِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ شَيْئَانِ) فَاضْرِبْ الشَّيْئَيْنِ وَالثُّلُثَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ لِيَزُولَ الْكَسْرُ؛ تَكُنْ ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءَ تَعْدِلُ الْأَمَةَ الْمَوْهُوبَةَ (فَلَهُمْ) - أَيْ: لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ - (ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا) سِتَّةٌ (وَلِوَرَثَةِ الثَّانِي رُبْعُهَا) شَيْئَانِ، وَإِنْ شِئْت قُلْتَ: الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الْمَالِ، وَهِبَةُ الثَّانِي صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الثُّلُثِ، فَتَكُونُ مِنْ ثَلَاثَةٍ. اضْرِبْهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ تِسْعَةً، أَسْقِطْ السَّهْمَ الَّذِي صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ الثَّانِيَةُ؛ بَقِيَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ؛ وَطَرِيقُهَا بِالْجَبْرِ أَنْ تَقُولَ صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجَارِيَةِ، فَبَقِيَتْ جَارِيَةٌ إلَّا شَيْئًا، وَصَحَّتْ هِبَةُ الثَّانِي فِي ثُلُثِ الشَّيْءِ يَبْقَى مَعَ الْأَوَّلِ جَارِيَةٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ يَعْدِلُ ضِعْفَ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَتُهُ، وَهُوَ شَيْءٌ، وَضِعْفُهُ شَيْئَانِ، فَتُجْبَرُ الْجَارِيَةُ بِزِيَادَةِ ثُلُثَيْ شَيْءٍ، وَتُقَابَلُ بِزِيَادَتِهِمَا الشَّيْئَيْنِ، فَتَبْقَى جَارِيَةٌ كَامِلَةٌ تَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَثُلُثَيْ شَيْءٍ، فَتُقْسَمُ الْجَارِيَةُ عَلَى الْأَشْيَاءِ فَتَقُولُ وَاحِدُ عَلَى اثْنَيْنِ وَثُلُثَيْنِ، وَيَخْرُجُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ، وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي صَحَّتْ فِيهِ هِبَةُ الْأَوَّلِ، فَيَبْقَى مَعَهُ خَمْسَةُ أَثْمَانِ الْجَارِيَةِ، وَصَحَّتْ هِبَةُ الثَّانِي فِي ثُلُثِ ثَلَاثَةِ الْأَثْمَانِ، فَيَجْتَمِعُ مَعَ وَرَثَةِ الْأَوَّلِ سِتَّةُ أَثْمَانٍ، وَهُوَ ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَةُ الْأَوَّلِ، وَمَعَ وَرَثَةِ الثَّانِي ثُمْنَانِ وَهُمَا ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَةُ الثَّانِي. (وَلَوْ) (بَاعَ مَرِيضٌ قَفِيزًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي) الْقَفِيزُ (ثَلَاثِينَ بِقَفِيزٍ) مِنْ جِنْسِهِ (يُسَاوِي عَشَرَةً، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ) ، فَيُحْتَاجُ إلَى تَصْحِيحِ الْبَيْعِ بِجُزْءٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 مِنْهُ مَعَ التَّخَلُّصِ مِنْ الرِّبَا؛ لِامْتِنَاعِ التَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا (فَأَسْقِطْ) عَشَرَةً (قِيمَةَ الرَّدِيءِ مِنْ) ثَلَاثِينَ (قِيمَةِ الْجَيِّدِ، ثُمَّ اُنْسُبْ الثُّلُثَ إلَى الْبَاقِي بَعْدَ الْإِسْقَاطِ، وَهُوَ) - أَيْ: الثُّلُثُ - (عَشَرَةٌ مِنْ عِشْرِينَ) الَّتِي هِيَ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ (تَجِدْهُ) - أَيْ: الثُّلُثَ - (نِصْفَهَا) - أَيْ: الْعِشْرِينَ - (فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ) الْقَفِيزِ (الْجَيِّدِ بِنِصْفِ) الْقَفِيزِ (الرَّدِيءِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مُقَابَلَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذِ جَمِيعِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى سِلْعَتَيْنِ بِثَمَنٍ، فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَيَبْطُلُ) الْبَيْعُ (فِيمَا بَقِيَ) بَعْدَ نِصْفِهَا؛ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي لِلصِّحَّةِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْجَيِّدِ بِقِيمَةِ الرَّدِيءِ، وَيَبْطُلُ فِي غَيْرِهِ (لِئَلَّا يُفْضِيَ) تَصْحِيحُ الْبَيْعِ فِي الْأَكْثَرِ مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَقَلَّ مِنْ الْآخَرِ (إلَى رِبَا الْفَضْلِ) وَهُوَ مُحَرَّمٌ؛ لِكَوْنِهِ بَيْعَ ثُلُثِ الْجَيِّدِ بِكُلِّ الرَّدِيءِ، وَذَلِكَ رِبًا (وَ) لَا شَيْءَ (لِمُشْتَرٍ) سِوَى (الْخِيَارِ) لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (وَإِنْ شِئْتَ) فِي عَمَلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (فَاضْرِبْ مَا حَابَاهُ) بِهِ، وَهُوَ عِشْرُونَ (فِي ثَلَاثَةٍ) مَخْرَجُ الثُّلُثِ (يَبْلُغُ سِتِّينَ، وَنِسْبَةُ قِيمَةِ جَيِّدٍ) ثَلَاثِينَ (إلَيْهَا) فَهُوَ (نِصْفٌ؛ فَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ، وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ قَدْرُ الْمُحَابَاةِ الثُّلُثَانِ، وَمَخْرَجُهُمَا ثَلَاثَةٌ، فَخُذْ لِمُشْتَرٍ سَهْمَيْنِ مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ الْمَخْرَجِ - وَهُوَ ثَلَاثَةٌ (وَلِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةُ) مِثْلَا مَا لِلْمُشْتَرِي (ثُمَّ اُنْسُبْ الْمَخْرَجَ) وَهُوَ ثَلَاثَةٌ (إلَى الْكُلِّ) وَهُوَ السِّتَّةُ تَجِدْهُ (بِالنِّصْفِ؛ فَيَصِحُّ بَيْعُ) نِصْفِ (أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ الْآخَرِ) وَإِنْ شِئْت فَانْسُبْ ثُلُثَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ وَثُلُثُهُ عَشَرَةٌ، فَانْسُبْهُمَا مِنْ الْمُحَابَاةِ وَهِيَ عِشْرُونَ؛ تَكُنْ النِّصْفَ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا بِالنِّسْبَةِ، وَهُوَ هُنَا نِصْفُ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ. وَبِطَرِيقِ الْجَبْرِ يُقَالُ يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْلَى بِشَيْءٍ مِنْ الْأَدْنَى قِيمَتُهُ ثُلُثُ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْلَى، فَتَكُونُ الْمُحَابَاةُ بِثُلُثَيْ شَيْءٍ مِنْ الْجَيِّدِ، فَأَلْقِهَا مِنْهُ يَبْقَ قَفِيزٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ تَعْدِلُ مِثْلَ الْمُحَابَاةِ مِنْهُ، وَهُوَ شَيْءٌ وَثُلُثُ شَيْءٍ، فَإِذَا جَبَرْت وَقَابَلْت عَدْلَ شَيْئَيْنِ؛ فَالشَّيْءُ نِصْفُ قَفِيزٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَدْنَى يُسَاوِي عِشْرِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 صَحَّتْ فِي جَمِيعِ الْجَيِّدِ بِجَمِيعِ الرَّدِيءِ، وَإِنْ كَانَ الْأَدْنَى يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ فَاعْمَلْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، يَصِحُّ بَيْعُ ثُلُثَيْ الْجَيِّدِ بِثُلُثِ الرَّدِيءِ، وَيَبْطُلُ فِيمَا عَدَاهُ. (فَلَوْ لَمْ يُفِضْ إلَى رِبَا كَعَبْدٍ) بَاعَهُ الْمَرِيضُ (يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِعَبْدٍ يُسَاوِي عَشَرَةً) وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْمُحَابَاةَ (صَحَّ بَيْعُ ثُلُثِهِ) - أَيْ: الْعَبْدِ الْمُسَاوِي ثَلَاثِينَ - (بِالْعَشَرَةِ) - أَيْ: بِالْعَبْدِ الْمُسَاوِي لَهَا - (وَالثُّلُثَانِ) مِنْ الْعَبْدِ الْمُسَاوِي ثَلَاثِينَ (كَالْهِبَةِ) لِأَنَّهُ لَا مُقَابِلَ لَهُمَا (لِلْمُبْتَاعِ نِصْفُهَا) وَهُوَ عَشَرَةٌ يَرُدُّهُ الْأَجْنَبِيُّ، وَيَأْخُذُ عَشَرَةً بِالْمُحَابَاةِ (وَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ مَعَ وَارِثٍ صَحَّ الْبَيْعُ فِي ثُلُثِهِ) - أَيْ: الْعَبْدِ بِالْعَشَرَةِ - (وَلَا مُحَابَاةَ) حَيْثُ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ وَالْوَارِثِ فَسْخُ الْبَيْعِ؛ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. (وَإِنْ) (أَقَالَ) الْمَرِيضُ فِي عَقْدٍ سَلَمٍ (مَنْ أَسْلَمَهُ عَشَرَةَ) دَرَاهِمَ مَثَلًا (فِي كُرٍّ) جَمْعُهُ أَكْرَارَ كَقُفْلٍ وَأَقْفَالٍ، وَهُوَ سِتُّونَ قَفِيزًا وَالْقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ، وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ (حِنْطَةٍ وَقِيمَتُهُ) - أَيْ: الْكُرِّ - (عِنْدَ الْإِقَالَةِ ثَلَاثُونَ) مِنْ جِنْسِ الْعَشَرَةِ، وَلَا مِلْكَ لَهُ غَيْرُ الْكُرِّ (صَحَّتْ) الْإِقَالَةُ (فِي نِصْفِهِ) - أَيْ: الْكُرِّ - (بِخَمْسَةٍ) مِنْ الْعَشَرَةِ، وَكَانَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ جَيِّدٍ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِقَفِيزٍ رَدِيءٍ يُسَاوِي عَشَرَةَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا أَنْ تُسْقِطَ قِيمَةَ الرَّدِيءِ مِنْ قِيمَةِ الْجَيِّدِ، وَتَنْسِبَ الثُّلُثَ الَّذِي يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ إلَى الْبَاقِي مِنْ قِيمَةِ الْجَيِّدِ بَعْدَ إسْقَاطِ قِيمَةِ الرَّدِيءِ مِنْهُ، فَأُسْقِطَ هُنَا قِيمَةُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَهُوَ عَشَرَةٌ مِنْ قِيمَةِ الْكُرِّ وَهُوَ ثَلَاثُونَ يَبْقَى عِشْرُونَ، اُنْسُبْ إلَيْهَا الثُّلُثَ وَهُوَ عَشَرَةٌ يَكُنْ نِصْفُ فَتْحِ الْإِقَالَةِ فِي نِصْفِ الْكُرِّ بِنِصْفِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَتَبْطُلُ فِي الْبَاقِي؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ صِحَّتُهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَى الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ بِزِيَادَةٍ إلَّا إنْ كَانَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَارِثًا، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعُ الْوَارِثِ. (وَإِنْ) (أَصْدَقَ) الْمَرِيضُ (امْرَأَةً عَشَرَةً لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا وَصَدَاقُ مِثْلِهَا) - أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 الْمَرْأَةِ (خَمْسَةٌ، فَمَاتَتْ) تَحْتَهُ، ثُمَّ وَرِثَهَا (ثُمَّ مَاتَ) وَلَمْ يُخْلِفْ غَيْرَ مَا أَصْدَقَهَا؛ دَخَلَهَا الدَّوْرُ (فَ) نَقُولُ (لَهَا بِالصَّدَاقِ خَمْسَةٌ) الَّتِي هِيَ مَهْرُ مِثْلِهَا (وَ) لَهَا (شَيْءٌ بِالْمُحَابَاةِ) بَقِيَ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ خَمْسَةُ الْأَشْيَاءِ، ثُمَّ (رَجَعَ إلَيْهِ) - أَيْ: الزَّوْجِ - (نِصْفُهُ) - أَيْ: الَّذِي لَهَا - وَهُوَ الْخَمْسَةُ وَ (شَيْءٌ بِمَوْتِهَا) وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ وَنِصْفُ شَيْءٍ (صَارَ لَهُ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا نِصْفُ شَيْءٍ) لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ خَمْسَةٌ إلَّا نِصْفِ شَيْءٍ، وَوَرِثَ اثْنَيْنِ وَنِصْفًا وَنِصْفَ شَيْءٍ (يَعْدِلُ ذَلِكَ شَيْئَيْنِ) لِأَنَّهُ مِثْلَا مَا اسْتَحَقَّتْهُ الْمَرْأَةُ بِالْمُحَابَاةِ، وَذَلِكَ شَيْءٌ (اُجْبُرْهُمَا) - أَيْ: الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا نِصْفُ شَيْءٍ (بِنِصْفِ شَيْءٍ) بِأَنْ تُقَدِّرَ إضَافَةَ نِصْفِ شَيْءٍ إلَى ذَلِكَ، فَتَصِيرَ سَبْعَةً وَنِصْفًا تَامَّةً (وَقَابِلْ) الْجَبْرَ بِتَقْدِيرِ إضَافَةِ نِصْفِ شَيْءٍ عَلَى الشَّيْئَيْنِ، فَتَصِيرُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفًا (يَخْرُجُ الشَّيْءُ ثَلَاثَةً) لِأَنَّ السِّتَّةَ تُقَابِلُ شَيْئَيْنِ، وَالْوَاحِدُ وَنِصْفٌ تَكْمِلَةُ السَّبْعَةِ وَنِصْفٌ تُقَابِلُ نِصْفَ شَيْءٍ (فَلِوَرَثَتِهِ) - أَيْ: الزَّوْجِ - (سِتَّةٌ) لِأَنَّ لَهُمْ شَيْئَيْنِ (وَلِوَرَثَتِهَا أَرْبَعَةٌ) لِأَنَّهَا كَانَ لَهَا خَمْسَةٌ وَشَيْءٌ وَهُوَ - أَيْ: الشَّيْءُ - ثَلَاثَةٌ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ رَجَعَ إلَى وَرَثَتِهِ نِصْفُهَا وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، وَالطَّرِيقُ فِي هَذَا أَنْ تَنْظُرَ مَا بَقِيَ فِي يَدِ وَرَثَةِ الزَّوْجِ، فَخُمُسَاهُ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي صَحَّتْ الْمُحَابَاةُ فِيهِ، وَلِذَلِكَ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْجَبْرِ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفًا وَالشَّيْءُ هُوَ خُمْسَاهَا، وَإِنْ شِئْتَ أَسْقَطْتَ خَمْسَةً وَأَخَذْتَ نِصْفَ مَا بَقِيَ (وَإِنْ مَاتَ) زَوْجُهَا (قَبْلَهَا وَرِثَتْهُ) - أَيْ: وَرِثَتْ - فَرْضَهَا مِنْهُ بِالزَّوْجِيَّةِ (وَسَقَطَتْ الْمُحَابَاةُ) فَلَا تَصِحُّ نَصًّا إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ، فَإِنْ لَمْ تَرِثْهُ لِنَحْوِ مُخَالَفَةِ دِينٍ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَثُلُثُ مَا حَابَاهَا بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ ذَلِكَ. (وَمَنْ وَهَبَ زَوْجَتَهُ كُلَّ مَالِهِ فِي مَرَضِهِ، فَمَاتَتْ قَبْلَهُ) ثُمَّ مَاتَ (فَلِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ، وَلِوَرَثَتِهَا خُمْسُهُ) وَطَرِيقُهُ بِالْجَبْرِ أَنْ تَقُولَ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ وَعَادَ إلَيْهِ نِصْفُهُ بِالْإِرْثِ؛ يَبْقَى لِوَرَثَتِهِ الْمَالُ كُلُّهُ إلَّا نِصْفُ شَيْءٍ يَعْدِلُ ذَلِكَ شَيْئَيْنِ، فَإِذَا أَجْبَرَتْ، وَقَابَلَتْ خَرَجَ الشَّيْءُ خُمْسَيْ الْمَالِ وَهُوَ مَا صَحَّتْ فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 الْهِبَةُ، فَيَحْصُلُ لِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، وَلِعَصَبَتِهَا خُمُسُهُ انْتَهَى. وَوَجْهُ إفْضَاءِ ذَلِكَ إلَى الدَّوْرِ أَنَّا تَبَيَّنَّا بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ قَبْلَهُ أَنَّ الْهِبَةَ لِغَيْرِ وَارِثٍ؛ فَتَصِحُّ فِي ثُلُثِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَدْ صَحَّتْ فِي قَدْرٍ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ الْهِبَةِ، وَعَادَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ بِالْمِيرَاثِ، وَيَزِيدُ ثُلُثُهُ بِذَلِكَ، وَإِذَا زَادَ ثُلُثُهُ زَادَ الْقَدْرُ الَّذِي صَحَّتْ الْهِبَةُ فِيهِ فَيَدُورُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ حَتَّى يُعْلَمَ الْمِيرَاثُ، وَلَا يُعْلَمُ الْمِيرَاثُ حَتَّى يُعْلَمَ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ، فَيُعْمَلُ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ، لِأَنَّهَا تُخْرِجُ الْمَجْهُولَاتِ؛ إذْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِذَلِكَ، فَيُقَالُ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ مَجْهُولِ الْقَدْرِ، وَعَادَ إلَيْهِ نِصْفُهُ بِالْإِرْثِ، فَيَبْقَى لِوَرَثَتِهَا نِصْفُ شَيْءٍ، وَلِوَرَثَتِهِ الْمَالُ كُلُّهُ إلَّا نِصْفُ شَيْءٍ، وَذَلِكَ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ؛ لِأَنَّا صَحَّحْنَا الْهِبَةَ فِي شَيْءٍ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ مِثْلَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الْمَالِ، وَبَقِيَ لِوَرَثَتِهِ ثُلُثَاهُ، فَإِذَا كَانَ الثُّلُثُ شَيْئًا يَكُونُ الثُّلُثَانِ شَيْئَيْنِ، فَاجْبُرْ الْمَالَ بِنِصْفِ شَيْءٍ، وَقَابِلْ بِأَنْ تَزِيدَ عَلَى مَا يُعَادِلُهُ نِصْفَ شَيْءٍ مِثْلَ مَا جَبَرَتْ بِهِ، يَصِيرُ الْمَالُ كُلُّهُ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفَ شَيْءٍ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ خُمْسَيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِوَرَثَةِ الزَّوْجِ الشَّيْئَيْنِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْمَالِ، وَلِعَصَبَتِهَا نِصْفُ شَيْءٍ وَهُوَ خُمْسُ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ حُكْمُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ] (فَصْلٌ: وَلَوْ) (أَقَرَّ) مَرِيضٌ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ فِي صِحَّتِهِ حَالَ كَوْنِ إقْرَارِهِ (بِمَرَضِهِ) أَيْ: مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (أَنَّهُ أَعْتَقَ نَحْوَ ابْنِ عَمِّهِ) كَابْنِ ابْنِ عَمِّهِ، أَوْ ابْنِ عَمِّ أَبِيهِ وَنَحْوِهِ (فِي) حَالِ (صِحَّتِهِ) عَتَقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَوَرِثَهُ (أَوْ مَلَكَ) الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ (مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) كَأَخِيهِ وَأَبِيهِ، وَكَانَ مِلْكُهُ لِذَلِكَ فِي الْمَرَضِ (بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةِ عَتَقَ) الْمُقَرُّ بِعِتْقِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالْحَادِثِ مِلْكُهُ بِالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فِي الْمَرَضِ (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِيهِ، إذْ التَّبَرُّعُ بِالْمَالِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَطِيَّةِ أَوْ الْإِتْلَافِ أَوْ التَّسَبُّبِ إلَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَالْعِتْقُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ؛ فَهُوَ كَالْحُقُوقِ الَّتِي تَلْزَمُ بِالشَّرْعِ، وَقَبُولُ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لَيْسَ بِعَطِيَّةٍ وَلَا إتْلَافٍ لِمَالِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَحْصِيلٌ لِشَيْءٍ تَلِفَ بِتَحْصِيلِهِ، فَأَشْبَهَ قَبُولَهُ الشَّيْءِ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ، وَفَارَقَ الشِّرَاءَ فَإِنَّهُ تَضْيِيعٌ لِمَالِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 فِي ثَمَنِهِ (وَوَرِثَ) لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ بِهِ مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ أَشْبَهَ غَيْرَهُ مِنْ الْأَحْرَارِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَصِيَّةً، وَإِلَّا لَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ (فَلَوْ) (اشْتَرَى) الْمَرِيضُ (نَحْوَ ابْنِهِ) كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ (بِمِائَةٍ) وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا سِوَى مِائَتَيْنِ (وَ) هُوَ (يُسَاوِي أَلْفًا) فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ الصَّادِرَةِ مِنْ الْبَائِعِ لِلْمَرِيضِ، وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) أَيْ: فَلَا يُحْتَسَبُ بِهَا فِي التَّرِكَةِ وَلَا عَلَيْهَا، وَعَتَقَ بِالشِّرَاءِ إنْ خَرَجَ ثَمَنُهُ مِنْ الثُّلُثِ (وَتَحْسِبُ الثَّمَنَ) الَّذِي هُوَ الْمِائَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ. (وَثَمَنُ كُلِّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْمَرِيضِ - إذَا اشْتَرَاهُ فِي مَرَضِهِ (مِنْ ثُلُثِهِ) لِأَنَّهُ عَتَقَ فِي الْمَرَضِ، فَحُسِبَ مِنْ الثُّلُثِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَتِيقُ أَجْنَبِيًّا. فَلَوْ كَانَ ابْنًا وَاشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ وَلَهُ غَيْرُهُ ابْنٌ حُرٌّ وَأَلْفَانِ؛ عَتَقَ وَشَارَكَ أَخَاهُ فِي الْأَلْفَيْنِ. (وَيَرِثُ) مِنْ الْمَرِيضِ ذُو رَحِمِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ فِي مَرَضِهِ مِنْ ثُلُثِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ أَشْبَهَ غَيْرَهُ (فَلَوْ اشْتَرَى) الْمَرِيضُ (أَبَاهُ بِكُلِّ مَالِهِ) وَمَاتَ (وَتَرَكَ ابْنًا عَتَقَ ثُلُثُ الْأَبِ بِمُجَرَّدِ شِرَائِهِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ) - أَيْ: الثُّلُثِ - لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرَ لِسَبَبِ عِتْقِهِ (وَوَرِثَ) الْأَبُ (بِثُلُثِهِ الْحُرِّ مِنْ نَفْسِهِ ثُلُثَ سُدُسِ بَاقِيهَا الْمَوْقُوفِ) لِأَنَّ فَرْضَهُ السُّدُسُ لَوْ كَانَ تَامَّ الْحُرِّيَّةِ، فَلَهُ بِثُلُثِهَا ثُلُثُ السُّدُسِ (وَلَا وَلَاءَ) لِأَحَدٍ (عَلَى هَذَا الْجُزْءِ) الَّذِي وَرِثَهُ مِنْ نَفْسِهِ (وَبَقِيَّةُ الثُّلُثَيْنِ) وَهِيَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْأَبِ وَثُلُثَا سُدُسِهِ (تَعْتِقُ عَلَى الِابْنِ) بِمِلْكِهِ لَهَا مِنْ جَدِّهِ (وَلَهُ وَلَاؤُهَا) لِعِتْقِهَا عَلَيْهِ (وَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، تِسْعَةٌ مِنْهَا وَهِيَ الثُّلُثُ تَعْتِقُ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَهُ وَلَاؤُهَا، وَسَهْمٌ مِنْهَا يَعْتِقُ عَلَى نَفْسِهِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) لِأَحَدٍ، (وَهُوَ ثُلُثُ سُدُسِ الثُّلُثَيْنِ، وَيَبْقَى سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا لِلِابْنِ تَعْتِقُ عَلَيْهِ) وَلَهُ وَلَاؤُهَا. (وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْمَرِيضُ أَبَاهُ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ (تِسْعَةُ دَنَانِيرَ، وَقِيمَتُهُ) - أَيْ: الْأَبِ (سِتَّةٌ؛ تَحَاصَّا) - أَيْ: الْبَائِعُ وَالْأَبُ فِي ثُلُثِ التِّسْعَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَرِيضِ لِأَبِيهِ مُقَارِنٌ لِمِلْكِ الْبَائِعِ لِثَمَنِهِ، فَقَدْ حَصَلَ مِنْهُ عَطِيَّتَانِ مِنْ عَطَايَا الْمَرِيضِ، مُحَابَاةُ الْبَائِعِ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَعِتْقُ الْأَبِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَطِيَّةٌ مُنَجَّزَةٌ، فَتَحَاصَّا لِتَقَارُنِهِمَا (فَكَانَ ثُلُثُ الثُّلُثِ) - وَهُوَ دِينَارٌ - (لِلْبَائِعِ مُحَابَاةً، وَثُلُثَاهُ لِلْأَبِ عِتْقًا يُعْتَقُ بِهِ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ، وَيَرُدُّ الْبَائِعُ) مِنْ الْمُحَابَاةِ (دِينَارَيْنِ) لِبُطْلَانِهِمَا فِيهِمَا (وَيَكُونُ ثُلُثَا) رَقَبَةِ (الْأَبِ مَعَ الدِّينَارَيْنِ) اللَّذَيْنِ رَدَّهُمَا الْبَائِعُ (مِيرَاثًا) يَرِثُ مِنْهُ الْأَبُ بِثُلُثِهِ الْحُرِّ ثُلُثَ سُدُسِ ذَلِكَ، وَالْبَاقِي لِلِابْنِ، وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بَاقِي جَدِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ عَتَقَ) مَنْ اشْتَرَاهُ الْمَرِيضُ مِنْ أَقَارِبِهِ (عَلَى وَارِثِهِ) دُونَهُ؛ بِأَنْ يَكُونَ أَخًا لِابْنِ عَمِّهِ الْوَارِثِ لَهُ، فَاشْتَرَاهُ (صَحَّ) شِرَاؤُهُ (وَعَتَقَ عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى أَخِيهِ - لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِإِرْثِهِ لَهُ مِنْ ابْن عَمِّهِ، فَلَا يَرِثُ مَعَهُ (وَإِنْ دَبَّرَ) الْمَرِيضُ (نَحْوَ ابْنِ عَمِّهِ) كَابْنِ عَمِّ أَبِيهِ (عَتَقَ) بِمَوْتِهِ (وَلَمْ يَرِثْ) مِنْهُ (لِأَنَّ الْإِرْثَ قَارَنَ الْحُرِّيَّةَ وَلَا سَبْقَ) فَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْإِرْثِ حِينَئِذٍ. وَإِنْ قَالَ الْمَرِيضُ لِابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوِهِ (أَنْتَ حُرٌّ آخِرَ حَيَاتِي) ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ؛ (عَتَقَ) ابْنُ عَمِّهِ وَنَحْوُهُ؛ لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِ (وَوَرِثَ) لِسَبْقِ الْحُرِّيَّةِ الْإِرْثَ، بِخِلَافِ مَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمَوْتِ قَرِيبِهِ؛ كَمَنْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: إنْ مَاتَ أَخُوك الْحُرُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا مَاتَ أَخُوهُ عَتَقَ، وَلَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حُرًّا حَالَ الْإِرْثِ (وَلَيْسَ عِتْقُهُ) - أَيْ: الْمَقُولِ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ آخِرَ حَيَاتِي - (وَصِيَّةٌ) لَهُ حَتَّى يَكُونَ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ، فَتَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ فِي آخِرِ الْحَيَاةِ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَا إنْ قَالَ الْمَرِيضُ لِابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوِهِ: (أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ) قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ (مَعَهُ) - أَيْ: مَعَ مَوْتِي؛ لَمْ يَرِثْ لِمُقَارَنَةِ الْحُرِّيَّةِ الْإِرْثَ، وَعَدَمِ سَبْقِهَا لَهُ. (وَلَوْ أَعْتَقَ) الْمَرِيضُ (أَمَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا فِي مَرَضِهِ) ثُمَّ مَاتَ، (وَرِثَتْهُ) نَصًّا حَيْثُ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَعَتَقَتْ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ، وَصَحَّ النِّكَاحُ) لِحُرِّيَّتِهَا التَّامَّةِ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ " بِتَحْرِيمِهِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ؛ إذْ الصِّحَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ التَّحْرِيمِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (عَتَقَ) مِنْهَا (قَدْرُهُ) - أَيْ: قَدْرُ مَا يُقَابِلُ الثُّلُثَ - كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ (وَبَطَلَ النِّكَاحُ) لِأَنَّهُ قَدْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَكَحَ مُبَعَّضَةً يَمْلِكُ بَعْضَهَا، فَيَبْطُلُ إرْثُهَا لِبُطْلَانِ سَبَبِهِ، وَهُوَ النِّكَاحُ. (وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَأَصْدَقهَا مِائَتَيْنِ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا وَهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا، ثُمَّ مَاتَ؛ صَحَّ الْعِتْقُ) وَالنِّكَاحُ (وَلَمْ تَسْتَحِقَّ الصَّدَاقَ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى بُطْلَانِ عِتْقِهَا، فَيَبْطُلُ صَدَاقُهَا) لِأَنَّهَا إذَا اسْتَحَقَّتْ الصَّدَاقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ سِوَى قِيمَةِ الْأَمَةِ الْمُقَدَّرِ بَقَاؤُهَا، فَلَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي كُلِّهَا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَإِذَا بَطَلَ الْعِتْقُ فِي الْبَعْضِ بَطَلَ النِّكَاحُ، وَإِذَا بَطَلَ النِّكَاحُ بَطَلَ الصَّدَاقُ. وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَأَصْدَقَ الْمِائَتَيْنِ أَجْنَبِيَّةً وَهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ مَالٌ صَحَّ الْإِصْدَاقُ، وَبَطَلَ الْعِتْقُ فِي ثُلُثَيْ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الثُّلُثِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْمَوْتِ، وَحَالَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مَالٌ، وَكَذَا لَوْ تَلِفَتْ الْمِائَتَانِ قَبْلَ مَوْتِهِ. (وَلَوْ تَبَرَّعَ) الْمَرِيضُ (بِثُلُثِهِ) فِي الْمَرَضِ (ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ وَنَحْوَهُ) كَأُمِّهِ وَأَخِيهِ (مِنْ الثُّلُثَيْنِ؛ صَحَّ الشِّرَاءُ) لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ (وَلَا عِتْقَ) لِمَا اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِلْوَرَثَةِ بِتَقْدِيرِ مَوْتِهِ (فَإِذَا مَاتَ) الْمَرِيضُ (عَتَقَ) الْأَبُ وَنَحْوُهُ (عَلَى وَارِثِهِ) لِمِلْكِهِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، فَعَتَقَ. وَمَحِلُّ ذَلِكَ (إنْ كَانَ) الَّذِي اشْتَرَاهُ (مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى وَارِثِ الْمَرِيضِ - كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَبًا لِلْمَرِيضِ أَوْ أُمًّا لَهُ، وَالْوَارِثُ ابْنًا لَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَدُّهُ أَوْ جَدَّتُهُ (وَلَا إرْثَ لَهُ) - أَيْ: الْعَتِيقِ إذَنْ (لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ فِي حَيَاتِهِ) بَلْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ حُرِّيَّةُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَمْ يُوجَدْ. [تَتِمَّةٌ مَرِيضَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَتَزَوَّجَهَا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ وَخَلَفَتْ مِائَةً] تَتِمَّةٌ: وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مَرِيضَةً أَعْتَقْتَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، وَتَزَوَّجَهَا بِعَشَرَةٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ مَاتَتْ، وَخَلَفَتْ مِائَةً اقْتَضَى قَوْلُ أَصْحَابِنَا أَنْ تَضُمَّ الْعَشَرَةَ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْمِائَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ هُوَ التَّرِكَةُ، وَيَرِثُ نِصْفَ ذَلِكَ، وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 [كِتَابُ الْوَصِيَّةِ] (كِتَابُ الْوَصِيَّةِ) يُقَالُ: وَصَّى تَوْصِيَةً وَأَوْصَى إيصَاءً وَالِاسْمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوَصَاةُ وَالْوِصَايَةُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا - وَالْوَصَايَا جَمْعُ وَصِيَّةٍ كَقَضَايَا جَمْعُ قَضِيَّةٍ. وَأَصْلُهُ وَصَائِيٌّ - بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ - بَعْدَ الْمَدِّ تَلِيهَا يَاءٌ مُتَحَرِّكَةٌ هِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ فُتِحَتْ هَذِهِ الْهَمْزَةُ الْعَارِضَةُ فِي الْجَمْعِ، وَقُلِبَتْ الْيَاءُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، فَصَارَ: وَصَاآ فَكَرِهُوا اجْتِمَاعَ أَلِفَيْنِ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ فَقَلَبُوهَا يَاءً فَصَارَ وَصَايَا. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَلَوْ قِيلَ: إنَّ جَمْعَهُ فَعَالَى، وَإِنَّ جَمْعَ الْمُعْتَلِّ خِلَافُ جَمْعِ الصَّحِيحِ لَكَانَ حَسَنًا انْتَهَى. وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ وَصَيْتُ الشَّيْءَ أَصِيهِ إذَا وَصَلْتُهُ، فَإِنَّ الْمَيِّتَ وَصَلَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ حَيَاتِهِ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ أَمْرِ مَمَاتِهِ. وَالْوَصِيَّةُ لُغَةً: الْأَمْرُ. قَالَ تَعَالَى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة: 132] وَقَالَ: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: 151] : وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَطِيبِ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ. وَشَرْعًا: (الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ) كَأَنْ يُوصِيَ إلَى إنْسَانٍ بِتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ أَوْ غَسْلِهِ أَوْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إمَامًا أَوْ الْكَلَامِ عَلَى صِغَارِ أَوْلَادِهِ أَوْ تَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ وَنَحْوَهُ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] . وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ أَوْ الْمَرْأَةَ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ، ثُمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 12] إلَى قَوْلِهِ {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء: 13] » رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مَعْنَاهُ وَقَالَا فِيهِ: " سَبْعِينَ سَنَةً ". وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ بِالْخِلَافَةِ لِعُمَرَ، وَوَصَّى بِهَا عُمَرُ إلَى أَهْلِ الشُّورَى. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَوْصَى إلَى الزُّبَيْرِ سَبْعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَانَ يَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَيُنْفِقُ عَلَى أَيْتَامِهِمْ مِنْ مَالِهِ وَقَوْلُهُ: بَعْدَ الْمَوْتِ مُخْرِجٌ لِلْوَكَالَةِ، وَلَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ لِأَجْنَبِيٍّ؛ لِعَدَمِ دَلِيلِ وُجُوبِهَا، وَلَا لِقَرِيبٍ. وَآيَةُ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] مَنْسُوخَةٌ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْحَدُّ السَّابِقُ لِأَحَدِ نَوْعَيْ الْوَصِيَّةِ وَذَكَرَ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَ) الْوَصِيَّةُ (بِمَالٍ: التَّبَرُّعِ بِهِ) - أَيْ: الْمَالِ - (بَعْدَ الْمَوْتِ) ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ؛ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ يَعْمَلُ بِالْخَطِّ إذَا عَرَفَ. (وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا) - أَيْ: الْوَصِيَّةِ - (الْقُرْبَةُ؛ لِصِحَّتِهَا لِنَحْوِ حَرْبِيٍّ) بِدَارِ حَرْبٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ كَمَا تَصِحُّ هِبَتُهُ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَالذِّمِّيِّ. (وَ) تَصِحُّ (لِمُرْتَدٍّ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَيَأْتِي. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مُطْلَقَةً كَأَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا وَ) تَصِحُّ (مُقَيَّدَةً كَإِنْ مِتُّ فِي مَرَضِي) هَذَا (أَوْ بَلَدِي) هَذَا أَوْ عَامِي (هَذَا) فَلِزَيْدٍ كَذَا؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ يَمْلِكُ تَنْجِيزَهُ، فَمَلَكَ تَعْلِيقَهُ كَالْعِتْقِ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ مُوصٍ وَوَصِيَّةٌ وَمُوصَى بِهِ وَمُوصَى لَهُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (مِنْ كُلِّ) إنْسَانٍ (عَاقِلٍ) رَشِيدٍ (لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ) . قَالَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 فِي " الْكَافِي " فَإِنْ عَايَنَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ قَوْلٌ. قَالَ فِي " الْآدَابِ الْكُبْرَى ": وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَلَكَ الْمَوْتِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِ " الرِّعَايَةِ ". قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَنَا خِلَافٌ هَلْ تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَلَكُ أَوْ مَا دَامَ مُكَلَّفًا أَوْ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، أَيْ تَبْلُغْ رُوحُهُ حُلْقُومَهُ؟ قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ": وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ، وَالصَّوَابُ: تُقْبَلُ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا. وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغْت الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ» . وَقَالَ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ ": إمَّا مِنْ عِنْدِهِ أَوْ حِكَايَةً عَنْ الْخَطَّابِيِّ، وَالْمُرَادُ قَارَبَتْ بُلُوغَ الْحُلْقُومِ إذْ لَوْ بَلَغَتْهُ حَقِيقَةً؛ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُوصِي (مُمَيِّزًا يَعْقِلُهَا) - أَيْ: الْوَصِيَّةَ - رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سُلَيْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنَّ هَاهُنَا غُلَامًا يَفَاعًا لَمْ يَحْتَلِمْ وَوَرَثَتُهُ بِالشَّامِ، وَهُوَ ذُو مَالٍ وَلَيْسَ لَهُ هَاهُنَا إلَّا ابْنَةَ عَمٍّ، فَقَالَ عُمَرُ: فَلْيُوصِ لَهَا، فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ: بِئْرُ جُشَمَ قَالَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، فَبَعَثَ ذَلِكَ الْمَالَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَابْنَةُ عَمِّهِ الَّتِي أَوْصَى لَهَا هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، وَهَذِهِ قِصَّةٌ انْتَشَرَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ تَمَحَّضَ نَفْعًا لِلصَّبِيِّ، فَصَحَّ مِنْهُ كَالْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَقَةٌ يُحَصَّلُ ثَوَابُهَا لَهُ بَعْدَ غِنَاهُ عَنْ مِلْكِهِ وَمَالِهِ، فَلَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُ وَلَا أُخْرَاهُ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ الْمُنْجَزِ، فَإِنَّهُ يُفَوِّتُ مِنْ مَالٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَإِذَا رُدَّتْ رَجَعَتْ إلَيْهِ وَهَاهُنَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بِالرَّدِّ، فَإِذَا وَصَّى بِوَصِيَّةٍ يَصِحُّ مِثْلُهَا مِنْ الْبَالِغِ صَحَّتْ مِنْهُ، وَمَا لَا فَلَا. قَالَ شُرَيْحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةُ وَهُمَا قَاضِيَانِ: مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ أَجَزْنَا وَصِيَّتَهُ (أَوْ) كَانَ الْمُوصِي (كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا) رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ هِبَتُهُ صَحِيحَةٌ فَوَصِيَّتُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى (أَوْ) كَانَ (قِنًّا) أَوْ مُدَبِّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فِي غَيْرِ مَالٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 لِأَنَّ لَهُمْ عِبَادَةً صَحِيحَةً وَأَهْلِيَّةً تَامَّةً، وَأَمَّا وَصِيَّتَهُمْ فِي الْمَالِ إنْ مَاتُوا عَلَى الرِّقِّ؛ فَلَا وَصِيَّةَ لَهُمْ؛ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِمْ. وَمَنْ عَتَقَ مِنْهُمْ، ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يُغَيِّرْ وَصِيَّتَهُ صَحَّتْ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ مَعَ عَدَمِ الْمَالِ كَالْفَقِيرِ إذَا وَصَّى وَلَا مَالَ لَهُ، ثُمَّ اسْتَغْنَى صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ (أَوْ) كَانَ (سَفِيهًا) وَوَصَّى (بِمَالٍ) فَتَصِحُّ؛ لِتَمَحُّضِهَا نَفْعًا لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ كَعِبَادَاتِهِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ وَلَيْسَ فِي الْوَصِيَّةِ إضَاعَةٌ لَهُ لِأَنَّهُ إنْ عَاشَ كَانَ مَالُهُ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ كَانَ ثَوَابُهُ لَهُ، وَهُوَ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَ (لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ (عَلَى وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَوَصِيُّهُ أَوْلَى، وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَظِّ الْغُرَمَاءِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ فِي ثُلُثِهِ بَعْدَ وَفَاءِ دُيُونِهِ (أَوْ) كَانَ (أَخْرَسَ) فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ (بِإِشَارَةٍ تُفْهَمُ) ؛ لِأَنَّ تَعْبِيرَهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ عُرْفًا، فَهِيَ كَاللَّفْظِ مِنْ قَادِرٍ عَلَيْهِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْهُ بِالْكِتَابَةِ. وَ (لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إنْ كَانَ الْمُوصِي (مُعْتَقَلًا لِسَانُهُ) بِإِشَارَةٍ - وَلَوْ فُهِمَتْ - (إلَّا إنْ أَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْيُوسًا مِنْ نُطْقِهِ كَقَادِرٍ عَلَى الْكَلَامِ؛ فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ؛ لِمَا فِي " مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ " عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ أَنَّ امْرَأَةً قِيلَ لَهَا فِي مَرَضِهَا أَوْصِي بِكَذَا، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا؛ فَلَمْ يُجِزْهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ (سَكْرَانَ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ عَاقِلٍ أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ وَطَلَاقُهُ إنَّمَا وَقَعَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ (أَوْ) كَانَ (مُبَرْسَمًا) لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانًا، وَوَصَّى فِي إفَاقَتِهِ؛ صَحَّتْ. وَلَا تَصِحُّ مِنْ طِفْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ الْوَصِيَّةَ وَلَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ. [فَائِدَةٌ الضَّعِيفُ فِي عَقْلِهِ إنْ مَنَعَ ضَعْفُهُ ذَلِكَ رُشْدَهُ فِي مَالِهِ] ِ؛ فَكَسَفِيهٍ تَصِحُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 وَصِيَّتُهُ فِي مَالِهِ، لَا عَلَى وَلَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ رُشْدَهُ؛ فَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِخَطٍّ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّ مُوصٍ بِإِقْرَارِ وَارِثٍ) أَنَّهُ خَطُّهُ (أَوْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّهُ خَطُّهُ) وَيُعْمَلُ بِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْوَارِثَ إذَا وَجَدَ فِي دَفْتَرِ مُوَرِّثِهِ [إنَّ] لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا؛ جَازَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَ فِي دَفْتَرِهِ: إنِّي أَدَّيْت إلَى فُلَانٍ مَا عَلَيَّ؛ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ إنْ وَثِقَ بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ وَأَمَانَتِهِ. وَقَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِالْخَطِّ الْمَعْرُوفِ وَكَذَا الْإِقْرَارُ إذَا وُجِدَ فِي دَفْتَرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ انْتَهَى. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَاعْتَمَدَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ وَ " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» . وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْكِتَابَةِ، فَدَلَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا: «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ وَغَيْرِهِمْ مُلْزِمًا لِلْعَمَلِ بِتِلْكَ الْكِتَابَةِ» وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْمَقْصُودِ، فَهِيَ كَاللَّفْظِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَوْلُ أَحْمَدَ إنْ كَانَ عُرِفَ خَطُّهُ، وَكَانَ مَشْهُورٌ الْخَطُّ يَنْفُذُ مَا فِيهَا. فَإِنَّهُ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْمَعْرِفَةِ وَالشُّهْرَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِمُعَايَنَةِ الْفِعْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، خِلَافًا لِلْقَاضِي حَيْثُ اعْتَبَرَ مُعَايَنَةَ الْبَيِّنَةِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِنِسْبَةِ الْخَطِّ إلَيْهِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ بِحَيْثُ يَسْتَقِرُّ فِي النَّفْسِ اسْتِقْرَارًا لَا تَرَدُّدَ مَعَهُ، فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ انْتَهَى. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَتَبْطُلُ؛ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ كَمَا يَأْتِي، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْهَا عُمِلَ بِهَا (وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ أَوْ تَغَيَّرَ حَالُ مُوصٍ) مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ فِي مَرَضٍ، فَيَبْرَأَ مِنْهُ، ثُمَّ يَمُوتَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ أَوْ يُقْتَلَ (لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ) - أَيْ: الْمُوصِي عَلَى وَصِيَّتِهِ - وَ (لَا) تَصِحُّ (إنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 خَتَمَهَا) مُوصٍ (وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا) مَخْتُومَةً، وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّاهِدُ مَا فِيهَا (وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهَا) - أَيْ: الْوَصِيَّةَ - (بِخَطِّهِ) - أَيْ: الْمُوصِي - فَلَا يُعْمَلُ بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا تَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِمَا فِيهَا بِمُجَرَّدِ هَذَا الْقَوْلِ، لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا فِيهَا، لَكِنْ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ خَطُّهُ مِنْ خَارِجٍ عُمِلَ بِهِ، لَا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهَا كَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، وَعَكْسُ الْوَصِيَّةِ الْحُكْمُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ احْتِيَاطًا لِلْحُكْمِ، وَلَوْ رَأَى الْحَاكِمُ حُكْمَهُ بِخَطِّهِ تَحْتَ خَتْمِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ، أَوْ رَأَى الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ؛ لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ إنْفَاذُ الْحُكْمِ بِمَا وَجَدَهُ بِخَطِّهِ تَحْتَ خَتْمِهِ وَلَا لِلشَّاهِدِ الشَّهَادَةُ بِمَا رَأَى خَطَّهُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ احْتِيَاطًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّهَا سُومِحَ فِيهَا بِصِحَّتِهَا مَعَ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ، وَبِالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ؛ فَجَازَتْ الْمُسَامَحَةُ فِيهَا بِالْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَالرِّوَايَةِ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ وَالشَّهَادَةِ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِ وَصِيَّتِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلَانٌ) ابْنُ فُلَانٍ (أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ؛ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأُوصِي مَنْ تَرَكْت مِنْ أَهْلِي أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ. وَأُوصِيهِمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] . لِمَا ثَبَتَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: هَكَذَا كَانُوا يُوصُونَ. أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَفِي أَوَّلِهِ: كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَوْصَى. (وَتَجِبُ) الْوَصِيَّةُ (عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ) كَدَيْنٍ بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ (بِلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 بَيِّنَةٍ) أَوْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ (فَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يُوصِيَ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ) لِأَنَّ أَدَاءَ الْأَمَانَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ وَاجِبٌ. (وَتُسَنُّ) الْوَصِيَّةُ (لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا) . لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] . نَسَخَ الْوُجُوبَ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ التَّرْكِ، بَقِيَ الرُّجْحَانُ، وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا ابْنَ آدَمَ جَعَلْتُ لَك نَصِيبًا مِنْ مَالِك حِينَ أَخَذْتَ بِكَظْمِكَ لِأُطَهِّرَك وَأُزَكِّيَك} . (وَهُوَ) أَيْ: الْخَيْرُ (الْمَالُ الْكَثِيرُ عُرْفًا) فَلَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي تَقْدِيرِهِ (بِخُمُسِهِ) - أَيْ: مَالِهِ - مُتَعَلِّقٌ بِتُسَنُّ. رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَصَّيْت بِمَا رَضِيَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لِنَفْسِهِ يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] (لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ) لَا يَرِثُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْوَارِثُونَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . وَبَقِيَ سَائِرُ الْأَقَارِبِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لَهُمْ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ الِاسْتِحْبَابُ، وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ فِي الْحَيَاةِ أَفْضَلُ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ فَقِيرٌ وَتَرَكَ خَيْرًا (فَ) الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ (لِمِسْكِينٍ وَعَالِمٍ) فَقِيرٍ (وَدَيْنِ) فَقِيرٍ وَابْنِ سَبِيلٍ وَغَازٍ (وَتُكْرَهُ) وَصِيَّةٌ (لِفَقِيرٍ) - أَيْ: مِنْهُ - إنْ كَانَ (لَهُ وَرَثَةٌ) مَحَاوِيجُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنْ تَتْرُكْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً» . وَلِأَنَّ إعْطَاءَ الْقَرِيبِ الْمُحْتَاجِ خَيْرٌ مِنْ إعْطَاءِ الْغَنِيِّ، فَمَتَى لَمْ يَبْلُغْ الْمِيرَاثُ غِنَاهُمْ كَانَ تَرْكُهُ لَهُمْ كَعَطِيَّتِهِمْ إيَّاهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِهِمْ، فَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ بِاخْتِلَافِ الْوَرَثَةِ فِي كَثْرَتِهِمْ وَقِلَّتِهِمْ وَغِنَاهُمْ وَفَقْرِهِمْ (إلَّا مَعَ غِنَاهُمْ) - أَيْ: الْوَرَثَةِ - (فَتُبَاحُ) الْوَصِيَّةُ. قَالَ فِي " التَّبْصِرَةِ " رَوَاهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. وَقَالَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ وَ " الْفَائِقِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَ " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمُذَهَّبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِنَحْوِ رَحِمٍ) كَفَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ (بِجَمِيعِ مَالِهِ) . رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ مَنْعَ مُجَاوَزَةِ الثُّلُثِ ثَبَتَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَحَيْثُ لَا وَارِثَ لَهُ يَنْتَفِي الْمَنْعُ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ. (فَلَوْ) مَاتَ وَ (وَرِثَهُ زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ) لَا غَيْرُ وَكَانَ قَدْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ (وَرَدَّهَا) أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (بِالْكُلِّ) - أَيْ: كُلِّ الْمَالِ - (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ (فِي قَدْرِ فَرْضِهِ) - أَيْ: الرَّادِّ - (مِنْ ثُلُثَيْهِ) - أَيْ: الْمَالِ - فَإِنْ كَانَ الرَّادُّ زَوْجًا بَطَلَتْ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ لَهُ نِصْفَ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَانَ زَوْجَةً بَطَلَتْ فِي السُّدُسِ؛ لِأَنَّ لَهَا رُبْعَ الثُّلُثَيْنِ، (فَيَأْخُذُ وَصِيٌّ) - أَيْ: مُوصَى لَهُ - (الثُّلُثَ) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةٍ، (ثُمَّ) يَأْخُذُ (ذُو الْفَرْضِ) وَهُوَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْمِثَالِ (فَرْضَهُ مِنْ ثُلُثَيْهِ) الْبَاقِيَيْنِ بَعْدَ أَخْذِ الْمُوصِي لَهُ، فَيَأْخُذُ رُبْعَ الثُّلُثَيْنِ وَهُوَ سُدُسٌ إنْ كَانَ الرَّادُّ زَوْجَةً، وَنِصْفَهُمَا وَهُوَ الثُّلُثُ إنْ كَانَ الرَّادُّ زَوْجًا (ثُمَّ تَتِمُّ الْوَصِيَّةُ مِنْهُمَا) - أَيْ: الثُّلُثَيْنِ -؛ أَيْ: مِنْ الْبَاقِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا، فَلَا يَأْخُذَانِ مِنْ الْمَالِ أَكْثَرَ مِنْ فَرْضَيْهِمَا، وَلِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لَيْسَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِمُوصٍ وَارِثٌ أَصْلًا. (وَلَوْ وَصَّى أَحَدُهُمَا) - أَيْ: أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ - (لِلْآخَرِ) بِكُلِّ مَالِهِ، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ (فَلَهُ) - أَيْ: الْمُوصَى لَهُ - (كُلُّهُ) - أَيْ: كُلُّ الْمَالِ - فَيَأْخُذُهُ جَمِيعَهُ (إرْثًا وَوَصِيَّةً) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا. (وَتَحْرُمُ) الْوَصِيَّةُ (وَلَوْ) كَانَتْ (لِصَحِيحٍ) - أَيْ: مِنْهُ - إذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صِحَّةِ الْمُوصِي أَوْ مَرَضِهِ (مِمَّنْ يَرِثُهُ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ (غَيْرَ زَوْجٍ أَوْ) غَيْرَ (زَوْجَةٍ، وَيَتَّجِهُ) كَوْنُ الزَّوْجَيْنِ (أَجْنَبِيَّيْنِ) إذْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا وَارِثًا لَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ وَارِثًا بِغَيْرِ الزَّوْجِيَّةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلِوَارِثٍ بِشَيْءٍ) مُطْلَقًا، سَوَاءٌ وُجِدَتْ الْوَصِيَّةُ فِي صِحَّةِ الْمُوصِي أَوْ مَرَضِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِسَعْدٍ حِينَ قَالَ: أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّك إنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ. (وَتَصِحُّ) هَذِهِ الْوَصِيَّةُ الْمُحَرَّمَةُ (وَيَقِفُ نُفُوذُ) هَا (عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ» . وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ» . رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ. وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ؛ وَلَوْ خَلَا عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ فَمَعْنَاهُ لَا وَصِيَّةَ نَافِذَةٌ أَوْ لَازِمَةٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُخَصِّصَانِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعُمُومِ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا رَضُوا بِإِسْقَاطِهِ سَقَطَ. (وَلَوْ وَصَّى) مَنْ لَهُ وَرَثَةٌ (لِكُلِّ وَارِثٍ) مِنْهُمْ (بِمُعَيَّنٍ) مِنْ مَالِهِ (بِقَدْرِ إرْثِهِ) صَحَّ، أَجَازَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ كَرَجُلٍ خَلَفَ ابْنًا وَبِنْتًا وَخَلَفَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَمَةً قِيمَتُهَا خَمْسُونَ، فَوَصَّى لِلِابْنِ بِالْعَبْدِ وَلِلْبِنْتِ بِالْأَمَةِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الْعَيْنِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَاوَضَ الْمَرِيضُ بَعْضَ وَرَثَتِهِ أَوْ أَجْنَبِيًّا جَمِيعَ مَالِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 وَلَوْ تَضَمَّنَ فَوَاتَ عَيْنِ جَمِيعِ الْمَالِ (أَوْ) وَصَّى (بِوَقْفِ ثُلُثِهِ عَلَى بَعْضِهِمْ) - أَيْ: الْوَرَثَةِ - (صَحَّ) ذَلِكَ (مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ أَجَازَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُمَلَّكُ مِلْكًا تَامًّا، لِتَعَلُّقِ حَقِّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ بِهِ. (وَكَذَا وَقْفٌ زَائِدٌ) عَلَى الثُّلُثِ إذَا (أُجِيزَ) فَإِنَّهُ يَنْفُذُ، فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهُ لَمْ يَنْفُذْ الزَّائِدُ (وَلَوْ مَعَ وَحْدَةِ وَارِثٍ) مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَدَّهُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِ فَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى نَفْسِهِ. (وَمَنْ لَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِوَصَايَاهُ) وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ (أُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلٍّ) مِنْ الْمُوصَى لَهُمْ (بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ) فَلَوْ وَصَّى لِوَاحِدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ، وَلِثَالِثٍ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ، وَبِثَلَاثِينَ لِفِدَاءِ أَسِيرٍ، وَلِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ بِعِشْرِينَ، وَكَانَ ثُلُثُ مَالِهِ مِائَةً وَبَلَغَ مَجْمُوعُ الْوَصَايَا ثَلَاثَمِائَةٍ نُسِبَتْ مِنْهَا الثُّلُثُ فَهُوَ ثُلُثُهَا، فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثَ وَصِيَّتِهِ. (وَإِنْ) كَانَتْ وَصِيَّةُ بَعْضِهِمْ (عِتْقًا) لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الْأَصْلِ وَتَفَاوَتُوا فِي الْمِقْدَارِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ (وَإِنْ أَجَازَهَا) - أَيْ: الْوَصِيَّةَ - بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ (وَرَثَةٌ بِلَفْظِ إجَازَةٍ) كَأَجَزْتُهَا (أَوْ) بِلَفْظِ (إمْضَاءٍ) كَأَمْضَيْتُهَا (أَوْ) بِلَفْظِ (تَنْفِيذٍ) كَنَفَّذْتُهَا (لَزِمَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، كَمَا تَبْطُلُ بِرَدِّهِمْ تَتِمَّةٌ: لَوْ أَسْقَطَ مَرِيضٌ عَنْ وَارِثِهِ دَيْنًا أَوْ عَفَا عَنْ جِنَايَةٍ مُوجِبُهَا الْمَالُ، أَوْ أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا عَنْ زَوْجِهَا فِي مَرَضِهَا الْمَخُوفِ؛ فَكَالْوَصِيَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِي الْمَرَضِ فَهُوَ كَالْعَطِيَّةِ فِيهِ، وَإِنْ وَصَّى لِوَلَدِ وَارِثِهِ بِالثُّلُثِ فَمَا دُونَ ذَلِكَ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ، فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ نَفْعَ الْوَارِثِ؛ لَمْ يَجُزْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، وَتَنْفُذُ حُكْمًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ إجَازَةُ الْوَرَثَةِ تَنْفِيذٌ لِلْوَصِيَّةِ] (فَصْلٌ وَالْإِجَازَةُ) - أَيْ: إجَازَةُ الْوَرَثَةِ - لِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلِلْوَارِثِ بِشَيْءٍ (تَنْفِيذٌ) لِمَا وَصَّى بِهِ الْمُوَرِّثُ (لَا يَثْبُتُ لَهَا) - أَيْ: الْإِجَازَةِ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 (أَحْكَامُ هِبَةٍ) فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى أَرْكَانِ الْهِبَةِ الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صِحَّتُهَا مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَبْضٍ وَنَحْوِهِ كَالْعِلْمِ بِمَا وَقَعَتْ فِيهِ الْإِجَازَةُ وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْهِبَةِ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ الْإِجَازَةُ (فَلَا يَرْجِعُ أَبٌ) وَارِثٌ مِنْ مُوصٍ (أَجَازَ ابْنَهُ) فِيمَا أَجَازَهُ لَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ، وَالْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ لِمَا وَهَبَهُ غَيْرُهُ لِابْنِهِ (وَلَا يَحْنَثُ بِهَا) - أَيْ: الْإِجَازَةِ - (حَالِفٌ لَا يَهَبُ) شَيْئًا، فَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِهِبَةٍ (وَوَلَاءُ عِتْقٍ) مِنْ مُوَرِّثٍ (مُجَازٌ) - أَيْ: مُفْتَقِرٌ إلَى الْإِجَازَةِ - تَنْجِيزًا كَانَ كَعِتْقِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، ثُمَّ مَاتَ أَوْ مُوصَى بِهِ كَوَصِيَّةٍ بِعِتْقِ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، فَعِتْقُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِي ثُلُثَيْهِ، فَإِذَا أَجَازُوهُ نَفَذَ وَوَلَاؤُهُ (لِمُوصٍ تَخْتَصُّ بِهِ) - أَيْ: بِالْإِرْثِ بِهِ - (عَصَبَتُهُ) دُونَ بَاقِي وَرَثَتِهِ، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَنْفِيذٌ لِفِعْلِ الْمَيِّتِ (وَمَا وَلَدَتْهُ) أَمَةٌ (مُوصَى بِعِتْقِهَا) قَبْلَ عِتْقٍ وَ (بَعْدَ مَوْتٍ) (فَ) وَلَدُهَا (كَهِيَ) أَيْ: يَصِيرُ عَتِيقًا تَبَعًا لِأُمِّهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ. (وَتَلْزَمُ) الْإِجَازَةُ (بِغَيْرِ قَبُولِ) مُجَازٍ لَهُ (وَ) بِغَيْرِ (قَبْضٍ - وَلَوْ) كَانَتْ الْإِجَازَة (مِنْ سَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ) - لِأَنَّهَا تَنْفِيذٌ لَا تَبَرُّعٌ بِالْمَالِ (لَا) إنْ كَانَ الْمُجِيزُ (غَيْرَ مُكَلَّفٍ) كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُعْتَدُّ بِكَلَامِهِمَا، فَإِجَازَتُهُمَا وَعَدَمُهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. وَتَلْزَمُ الْإِجَازَةُ (مَعَ كَوْنِهِ) - أَيْ: الْمُجَازِ - (وَقْفًا عَلَى مُجِيزِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ صَادِرًا مِنْ الْمُجِيزِ وَلَا مَنْسُوبًا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُنَفِّذٌ لَهُ (وَ) تَلْزَمُ (مَعَ جَهَالَةِ مَالٍ أُجِيزَ) لِأَنَّهَا عَطِيَّةُ غَيْرِهِ، فَلَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُجَازُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هِبَةً وَلَوْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ الْمُفْتَقِرَةَ إلَى الْإِجَازَةِ لِمُجَاوَزَتِهَا الثُّلُثَ أَوْ لِكَوْنِهَا لِوَارِثٍ، قَبْلَ الْإِجَازَةِ، ثُمَّ أُجِيزَتْ الْوَصِيَّةُ بَعْدَ قَبُولِهِ؛ فَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ مِنْ حِينِ قَبُولِهِ الْوَصِيَّةَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهَا تَنْفِيذٌ لِقَوْلِ مُوصٍ لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ. (وَ) مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ مِنْ الْوَصَايَا - إذَا أُجِيزَ لِلْمُوصَى لَهُ؛ فَإِنَّهُ (يُزَاحِمُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 بِهِ (مُجَاوِزُ الثُّلُثِ مَنْ لَمْ يُجَاوِزْهُ) - أَيْ: الثُّلُثَ - كَوَصِيَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُجَاوِزَةٌ الثُّلُثَ، وَالْأُخْرَى غَيْرُ مُجَاوِزَةٍ، كَوَصِيَّةٍ بِنِصْفٍ وَوَصِيَّةٍ بِثُلُثٍ، فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ بِالنِّصْفِ فَقَطْ (فَلِذِي نِصْفٍ أُجِيزَ مَعَ ذِي ثُلُثٍ لَمْ يَجُزْ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الثُّلُثِ) لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ يُزَاحِمُ صَاحِبَ الثُّلُثِ بِنِصْفٍ كَامِلٍ، فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ، وَهِيَ بَسْطُ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ مِنْ مَخْرَجِهِمَا وَهُوَ سِتَّةٌ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الثُّلُثِ (وَلِلْآخَرِ) - أَيْ: صَاحِبِ الثُّلُثِ - (خُمُسَاهُ) فَيُرَدُّ السُّدُسُ إلَى التَّرِكَةِ اعْتِبَارًا (ثُمَّ يُكْمَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ) نِصْفُهُ (بِالْإِجَازَةِ) مِنْ التَّرِكَةِ، فَتُعْمَلُ لَهَا مَسْأَلَةُ رَدٍّ وَمَسْأَلَةُ إجَازَةٍ؛ فَالْجَامِعَةُ ثَلَاثُونَ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَهِيَ خَمْسَةٌ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي اثْنَيْنِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ بِأَرْبَعَةٍ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ (وَ) قَالَ (فِي " الْإِنْصَافِ ") : وَقَدْ (تَكَلَّمَ) مُحِبُّ الدِّينِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ (عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كُرَّاسَةٍ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ) انْتَهَى كَلَامُ " الْإِنْصَافِ ". (لَكِنْ لَوْ أَجَازَ مَرِيضٌ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ وَصِيَّةً تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ (فَ) إجَازَتُهُ (مِنْ ثُلُثِهِ) لِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ قَدْ تَرَكَ حَقًّا مَالِيًّا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَتْرُكَهُ، فَاعْتُبِرَ مِنْ ثُلُثِهِ (كَمُحَابَاةِ صَحِيحٍ فِي بَيْعِ خِيَارٍ لَهُ) يَعْنِي كَمَا لَوْ بَاعَ صَحِيحٌ شَيْئًا يُسَاوِي مِائَةً وَخَمْسِينَ بِمِائَةٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا (ثُمَّ مَرِضَ) الْبَائِعُ (زَمَنَهُ) - أَيْ: فِي الشَّهْرِ الْمَشْرُوطِ لِنَفْسِهِ فِيهِ الْخِيَارُ - وَلَمْ يَخْتَرْ فَسْخَ الْبَيْعِ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّ مُحَابَاتَهُ بِالْخَمْسِينَ تُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ عَدَمُ تَرْكِ الْقَدْرِ الْمُحَابَى بِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ رَجَعَ ذَلِكَ إلَى وَرَثَتِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَفْسَخْهُ صَارَ كَأَنَّهُ اخْتَارَ وُصُولَ ذَلِكَ إلَى الْمُشْتَرِي، فَيَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ الْمَرِيضُ فَمِنْ ثُلُثِهِ تَبَعًا " لِلْمُنْتَهَى " وَمَشَى عَلَيْهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ " وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ؛ إذْ صَاحِبُ " الْإِقْنَاعِ " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 صَرَّحَ بِأَنَّ إجَازَةَ الْمَرِيضِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ مِنْ ثُلُثِهِ تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ أَنَّ الْإِجَازَةَ تَنْفِيذٌ؛ أَيْ: لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ وَهُنَا اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ كَعَطِيَّةٍ مُبْتَدَأَةٍ؛ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا فِيمَا تَقَدَّمَ تَنْفِيذٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُجِيزُ صَحِيحًا، وَهُنَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ؛ فَلَا مُنَافَاةَ (وَكَإِذْنِ) مَرِيضٍ (فِي قَبْضِ هِبَةٍ) وَهَبَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَ (لَا) تُعْتَبَرُ مُحَابَاةٌ فِي (خِدْمَتِهِ) مِنْ الثُّلُثِ بِأَنْ أَجَرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ بِدُونِ أَجْرِ مِثْلِهِ، ثُمَّ مَرِضَ فَأَمْضَاهَا، بَلْ مُحَابَاتُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْفَسْخَ إذَنْ لَيْسَ بِتَرْكِ مَالٍ. (وَالِاعْتِبَارُ بِكَوْنِ مَنْ وَصَّى) لَهُ بِوَصِيَّةٍ (أَوْ وَهَبَ لَهُ) هِبَةً مِنْ قِبَلِ مَرِيضٍ (وَارِثًا أَوْ لَا عِنْدَ الْمَوْتِ) - أَيْ: مَوْتِ الْمُوصِي وَالْوَاهِبِ - فَمَنْ وَصَّى لِأَحَدِ إخْوَتِهِ، ثُمَّ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِوَارِثٍ. وَإِنْ وَصَّى أَوْ وَهَبَ مَرِيضٌ أَخَاهُ، وَلَهُ ابْنٌ، فَمَاتَ قَبْلَهُ؛ وَقَفَتَا عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. (وَ) الِاعْتِبَارُ (بِإِجَازَةِ) الْوَصِيَّةِ أَوْ الْعَطِيَّةِ مِنْ قِبَلِ الْوَرَثَةِ (أَوْ رَدٍّ) مِنْهُمْ لِأَحَدِهِمَا (بَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ الْمَوْتِ - وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ رَدٍّ أَوْ إجَازَةٍ لَا عِبْرَةَ بِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ هُوَ وَقْتُ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، وَالْعَطِيَّةُ فِي مَعْنَاهَا. (وَمَنْ أَجَازَ) مِنْ الْوَرَثَةِ هِبَةً فِي الْمَرَضِ أَوْ وَصِيَّةً، وَكَانَ الْمَوْهُوبُ أَوْ الْمُوصَى بِهِ جُزْءًا (مَشَاعًا) كَنِصْفٍ وَنَحْوِهِ (ثُمَّ قَالَ) الْمُجِيزُ: (إنَّمَا أَجَزْت) ذَلِكَ (لِأَنِّي ظَنَنْته) - أَيْ: الْمَالَ - الْمُخَلَّفَ (قَلِيلًا) ثُمَّ تَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ كَثِيرٌ (قُبِلَ) قَوْلُهُ ذَلِكَ (بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ، وَالظَّاهِرُ مَعَهُ (فَيَرْجِعُ) الْمُجِيزُ (بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ) لِإِجَازَتِهِ مَا فِي ظَنِّهِ، فَإِذَا كَانَ الْمَالُ أَلْفًا وَظَنَّهُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَالْوَصِيَّةُ بِالنِّصْفِ؛ فَقَدْ أَجَازَ السُّدُسَ، وَهُوَ خَمْسُونَ؛ فَهِيَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ مَعَ ثُلُثِ الْأَلْفِ، فَلِمُوصَى لَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 وَثُلُثٌ، وَالْبَاقِي لِلْوَارِثِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ) الْمُخَلَّفُ (ظَاهِرًا لَا يَخْفَى) عَلَى الْمُجِيزِ؛ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ ظَنَّهُ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ) عَلَى الْمُجِيزِ (بِعِلْمِ قَدْرِهِ) - أَيْ: الْمَالِ - فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ (وَإِنْ كَانَ) الْمُجَازُ مِنْ عَطِيَّةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ (عَيْنًا) كَعَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ مُعَيَّنَيْنِ، يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ، فَأَجَازَ الْوَارِثُ، وَقَالَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ: ظَنَنْت الْمَالَ كَثِيرًا تَخْرُجُ الْوَصِيَّةُ مِنْ ثُلُثِهِ، فَبَانَ قَلِيلًا أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، (أَوْ) كَانَ الْمُجَازُ (مَبْلَغًا مَعْلُومًا) كَمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ بُرٍّ تَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ أَوْصَى بِهَا وَأَجَازَهَا الْوَارِثُ (وَقَالَ ظَنَنْت الْبَاقِيَ) بَعْدَهُ (كَثِيرًا) فَبَانَ قَلِيلًا، أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ أَعْلَمْهُ (لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ، وَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ الْمُجَازَ مَعْلُومٌ لَا جَهَالَةَ فِيهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت قِيمَتَهُ أَلْفًا، فَبَانَ أَكْثَرَ؛ قِيلَ وَلَيْسَ نَقْضًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَقَالَ إنْ أَجَازَ وَقَالَ: أَرَدْت أَصْلَ الْوَصِيَّةِ؛ قُبِلَ. [فَصْلٌ حُكْمِ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَرَدِّهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ] (فَصْلٌ) فِي حُكْمِ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَرَدِّهَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَمَا وَصَّى بِهِ لِغَيْرِ مَحْصُورٍ) كَالْعُلَمَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمَنْ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ كَبَنِي تَمِيمٍ (أَوْ) وَصَّى بِهِ (لِنَحْوِ مَسْجِدٍ) كَثَغْرٍ وَرِبَاطٍ وَحَجٍّ (لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ وَلَزِمَتْ) الْوَصِيَّةُ (بِمُجَرَّدِ مَوْتٍ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْقَبُولِ مِنْهُمْ مُتَعَذَّرٌ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَالْوَقْفِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَيُكْتَفَى بِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ ذُو رَحِمٍ مِنْ الْمُوصَى بِهِ مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ بِعَبْدٍ لِلْفُقَرَاءِ وَأَبُو الْعَبْدِ فَقِيرٌ؛ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَثْبُتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ إلَّا بِالْقَبْضِ (وَإِلَّا) تَكُنْ الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ، بَلْ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ - وَلَوْ عَدَدًا يُمْكِنُ حَصْرُهُ - (اُشْتُرِطَ) قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لَهُ كَالْهِبَةِ. (وَيَحْصُلُ قَبُولٌ بِلَفْظٍ) كَقَبِلْتُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ اللَّفْظُ، بَلْ يُجْزِئُ مَا قَامَ مَقَامَهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَحْصُلُ قَبُولٌ (بِفِعْلٍ) دَالٍّ عَلَى الرِّضَى (كَأَخْذِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 مُوصٍ (وَوَطِئَ) أَمَةً مُوصَى بِهَا كَرَجْعَةٍ وَبَيْعِ خِيَارٍ، وَيَجُوزُ فَوْرًا وَمُتَرَاخِيًا (وَمَحَلُّهُ) - أَيْ الْقَبُولِ - (بَعْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِ قَبْلَ الْمَوْتِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": لَا قَبُولَ وَلَا رَدَّ لِمُوصَى لَهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَلَا رَدَّ بَعْدَ قَبُولِهِ. (وَيَثْبُتُ مِلْكُ مُوصَى لَهُ مِنْ حِينِهِ) - أَيْ: الْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ - لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ عَيْنٍ لِمُعَيَّنٍ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ، فَلَمْ يَبْقَ الْمِلْكُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلِأَنَّ الْقَبُولَ مِنْ تَمَامِ السَّبَبِ، وَالْحُكْمِ لَا يَتَقَدَّمُ سَبَبُهُ (وَلَوْ قَبْلَ إجَازَةِ) الْوَرَثَةِ فِيمَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى إجَازَتِهِمْ، فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَ مَكِيلًا وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ اسْتَقَرَّ فِيهِ بِالْقَبُولِ، فَلَا يُخْشَى انْفِسَاخُهُ، لَا رُجُوعَ بِبَدَلِهِ عَلَى أَحَدٍ كَالْوَدِيعَةِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى انْفِسَاخُ الْبَيْعِ فِيهِ (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) - أَيْ: الْمُوصَى لَهُ فِي الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا - (وَلَا) تَصَرُّفُ (وَارِثٍ قَبْلَهُ) - أَيْ: قَبْلَ الْقَبُولِ - يَعْنِي فَلَوْ بَاعَ الْمُوصَى لَهُ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا، أَوْ أَجَرَهَا، أَوْ وَهَبَهَا، أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَأَعْتَقَهَا، أَوْ زَوَّجَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبُولِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ إذَنْ، وَالْوَارِثُ كَذَلِكَ (وَ) لَوْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ نِصَابًا زَكَوِيًّا وَتَأَخَّرَ الْقَبُولُ مُدَّةً تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فِيمَا فِي مِثْلِهِ بِأَنْ يَكُونَ نَقْدًا فَيَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، أَوْ مَاشِيَةً فَتَسُومُ الْحَوْلَ، أَوْ زَرْعًا أَوْ ثَمَرًا فَيَبْدُو صَلَاحُهُ قَبْلَ قَبُولِهِ؛ فَ (لَا زَكَاةَ) فِيهِ (عَلَى وَاحِدٍ) مِنْ مُوصَى لَهُ وَوَارِثٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُوصَى بِهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَمَا حَدَثَ) مِنْ عَيْنٍ مُوصَى بِهَا بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ وَقَبْلَ قَبُولِ مُوصَى لَهُ بِهَا (مِنْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ) كَكَسْبٍ وَثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ (فَ) هُوَ (لِوَارِثٍ) لِأَنَّ الْعَيْنَ فِي مِلْكِهِ حِينَئِذٍ (وَيَتْبَعُ) الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا نَمَاءٌ (مُتَّصِلٌ) كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ. (وَإِنْ كَانَتْ) الْوَصِيَّةُ (بِأَمَةٍ فَأَحْبَلَهَا وَارِثٌ قَبْلَهُ) - أَيْ: قَبْلَ الْقَبُولِ - وَبَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ، وَوَلَدَتْ مِنْهُ (صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ) لِأَنَّهَا حَمَلَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 مِنْهُ فِي مِلْكِهِ لَهَا (وَوَلَدُهُ حُرٌّ) لِإِتْيَانِهَا بِهِ مِنْ وَطْءٍ فِي مِلْكِهِ (وَ) حِينَئِذٍ (لَا يَلْزَمُهُ) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (سِوَى قِيمَتِهَا لِمُوصَى لَهُ) بِهَا إذَا قَبِلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ (كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا) وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لَهُ قِيمَتُهَا بِإِتْلَافِهَا قَبْلَ دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ بِالْقَبُولِ (إذَا قَبِلَ) هَا؛ لِثُبُوتِ حَقِّ التَّمَلُّكِ لَهُ فِيهَا بِمَوْتِ الْمُوصِي، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَضَيْتُمْ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ وَهِيَ لَا تُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنْ الْعِتْقِ، وَلِذَلِكَ يَصِحُّ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ إعْتَاقُهُمَا، وَإِنْ وَطِئَ الْأَمَةَ الْمُوصَى لَهُ بِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ فِي الْمِلْكِ، فَتَعَاطِيهِ دَلِيلُ اخْتِيَارِ الْمِلْكِ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِهِ كَقَبُولِهِ بِاللَّفْظِ وَكَوَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ. (وَإِنْ) وَصَّى لِزَيْدٍ بِأَرْضٍ فَ (بَنَى أَوْ غَرَسَ) فِيهَا (وَارِثٌ قَبْلَ قَبُولِ) مُوصَى لَهُ، ثُمَّ قَبِلَ (فَكَغَرْسِ مُشْتَرٍ شِقْصًا مَشْفُوعًا) وَبِنَائِهِ، فَيَكُونُ مُحْتَرَمًا يَتَمَلَّكُهُ مُوصَى لَهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِقَلْعِهِ وَيَغْرَمُ نَقْصَهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ غَرَسَ وَبَنَى فِي مِلْكِهِ؛ فَلَيْسَ بِظَالِمٍ؛ فَلِعَرَقِهِ حَقٌّ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْوَصِيَّةِ أَمْ لَا. تَكْمِيلٌ: وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ فِي شَرِكَةِ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ قَبُولِهِ، وَكَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ قُبِلَ؛ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ حَالَ الْبَيْعِ، وَتَخْتَصُّ الْوَرَثَةُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالْمِلْكِ. (وَإِنْ وُصِّيَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (لَهُ) - أَيْ: لِإِنْسَانٍ حُرٍّ - (بِزَوْجَتِهِ) الْأَمَةِ، فَقَبِلَهَا الْمُوصَى لَهُ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ مِلْكِ الْيَمِينِ، (فَ) إنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ؛ فَهُوَ مُوصًى بِهِ مَعَهَا تَبَعًا لَهَا، سَوَاءٌ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ أَوْ بَعْدَهُ، قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ بَعْدَهُ. وَإِنْ (أَحْبَلَهَا) بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَوَلَدَتْهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي؛ فَالْوَلَدُ لِلْمُوصِي تَبَعًا لِأُمِّهِ. وَإِنْ أَحْبَلَهَا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ (وَوَلَدَتْ) بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (قَبِلَهُ) - أَيْ: الْقَبُولُ - وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَحْبَلَهَا فَقَطْ (لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) لِزَوْجِهَا الْمُوصَى لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِلْكَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 حِينَ أَحْبَلَهَا (وَوَلَدُهُ) أَيْ: الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ قَبْلَ قَبُولِهَا (رَقِيقٌ) لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِمْ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ اشْتَرَطَ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهِ، وَإِنْ أَحْبَلَهَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَوَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبُولِ؛ فَالْوَلَدُ لِأَبِيهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمُوصَى لَهُ؛ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ ابْنُهُ. وَإِنْ أَحْبَلَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَوَضَعَتْ قَبْلَ الْقَبُولِ؛ فَالْوَلَدُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِمْ. وَإِنْ أَحْبَلَهَا بَعْدَ الْقَبُولِ؛ فَالْوَلَدُ لِأَبِيهِ حُرُّ الْأَصْلِ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ حَالَ إحْبَالِهِ. هَذَا كُلُّهُ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ كُلُّهَا مِنْ الثُّلُثِ مَلَكَ الْمُوصَى لَهُ مِنْهَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِحُصُولِ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ. تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْوَلَدُ لِأَبِيهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ مِنْهُ هَاهُنَا بِقَدْرِ مِلْكِهِ مِنْ أُمِّهِ، وَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِ إنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُوسِرًا بِقِيمَةِ بَاقِيهِ، وَإِلَّا يَكُنْ مُوسِرًا بِقِيمَةِ بَاقِيهِ عَتَقَ مَا مَلَكَ مِنْهُ فَقَطْ، وَلَا سِرَايَةَ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهَا. وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ هُنَاكَ؛ فَإِنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ هُنَا مُوسِرًا كَانَ الْمُوصَى لَهُ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِهْلَاكِ. (وَ) إنْ وَصَّى لِحُرٍّ (بِأَبِيهِ) الرَّقِيقِ (فَمَاتَ) مُوصَى لَهُ بَعْد مُوصٍ، وَ (قَبْلَ قَبُولِهِ) الْوَصِيَّةَ (فَقَبِلَ ابْنُهُ) - أَيْ: الْمُوصَى لَهُ - الْوَصِيَّةَ بِجَدِّهِ؛ صَحَّ الْقَبُولُ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَ (عَتَقَ مُوصَى بِهِ حِينَئِذٍ) أَيْ: حِينَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ لِمِلْكِ ابْنِ ابْنِهِ لَهُ إذَنْ (وَلَمْ يَرِثْ) الْعَتِيقُ مِنْ ابْنِهِ الْمَيِّتِ شَيْئًا؛ لِحُدُوثِ حُرِّيَّتِهِ بَعْدَ أَنْ صَارَ الْمِيرَاثُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ ابْنَ أَخٍ لِلْمُوصَى لَهُ، وَقَدْ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَقَبِلَ ابْنَهُ؛ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ ابْنُ عَمِّهِ؛ لِأَنَّ الْقَابِلَ إنَّمَا تَلَقَّى الْوَصِيَّةَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي، لَا مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ، وَلِذَا لَا تُقْضَى دُيُونُ مُوصَى لَهُ مَاتَ بَعْدَ مُوصٍ وَقَبْلَ قَبُولِهِ مِنْ وَصِيَّتِهِ إذَا قَبِلَهَا وَارِثُهُ. (وَعَلَى وَارِثٍ ضَمَانُ عَيْنٍ) لَا دَيْنٍ (حَاضِرَةٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهَا بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 مُوَرِّثِهِ) إنْ تَلِفَتْ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُحْتَسَبُ عَلَى الْوَارِثِ (فَمَا نَقَصَ مِنْ التَّرِكَةِ) بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ (فَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْوَارِثِ - وَ (لَا يَنْقُصُ بِهِ) - أَيْ: التَّلَفِ - (ثُلُثٌ أَوْصَى بِهِ) الْمُوَرِّثُ. (قَالَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (فِي رَجُلٍ) مَاتَ وَ (تَرَكَ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَعَبْدًا بِمِائَةِ) دِينَارٍ (فَأَوْصَى بِهِ) - أَيْ: الْعَبْدِ - (لِرَجُلٍ، فَسُرِقَتْ الدَّنَانِيرُ بَعْدَ الْمَوْتِ) أَيْ: بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي - وَتَمَكَّنَ الْوَرَثَةُ مِنْ قَبْضِهَا: (وَجَبَ الْعَبْدُ لِمُوصَى لَهُ، وَذَهَبَتْ دَنَانِيرُ وَرَثَةٍ) لِأَنَّ مِلْكَهُمْ اسْتَقَرَّ بِثُبُوتِ سَبَبِهِ؛ إذْ هُوَ لَا يُخْشَى انْفِسَاخُهُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُمْ بِالْبَدَلِ عَلَى أَحَدٍ، فَأَشْبَهَ الْمُودِعَ وَنَحْوَهُ، بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ بِالْعُقُودِ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً أَوْ حَاضِرَةً، وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قَبْضِهَا؛ لَمْ تُحْتَسَبْ عَلَى الْوَرَثَةِ. وَ (لَا) يَكُونُ عَلَى وَارِثٍ (سَقْيُ ثَمَرَةٍ مُوصَى بِهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ تَسْلِيمَ هَذِهِ الثَّمَرَةِ إلَى الْمُوصَى لَهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. (وَإِنْ مَاتَ مُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ؛ بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ صَادَفَتْ الْمُعْطِيَ مَيِّتًا فَلَمْ تَصِحَّ كَهِبَتِهِ مَيِّتًا، وَ (لَا) تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إنْ مَاتَ مُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ (إنْ كَانَتْ) الْوَصِيَّةُ (بِقَضَاءِ دَيْنِهِ) أَيْ: دَيْنِ الَّذِي مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ تَفْرِيغَ ذِمَّةِ الْمَدِينِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَتَفْرِيغِهَا قَبْلَهُ؛ لِوُجُودِ الشَّغْلِ فِي الْحَالَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَإِنْ رَدَّهَا) أَيْ: رَدَّ مُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ: الْمُوصِي (فَإِنْ كَانَ) رَدُّهُ (بَعْدَ قَبُولِهِ) لِلْوَصِيَّةِ (لَمْ يَصِحَّ رَدٌّ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ قَبَضَهَا أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ غَيْرَهُمَا؛ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا بِالْقَبُولِ (كَرَدِّهِ لِسَائِرِ أَمْلَاكِهِ) وَلَا عِبْرَةَ بِقَبُولِهِ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ وَلَا رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ (وَإِلَّا) يَكُنْ رَدُّهُ لِلْوَصِيَّةِ بَعْدَ قَبُولِهَا؛ بِأَنْ رَدَّهَا قَبْلَهُ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي حَالٍ يَمْلِكُ قَبُولَهُ وَأَخْذَهُ، أَشْبَهَ عَفْوَ الشَّفِيعِ عَنْ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ صَحَّ فِيهِ الرَّدُّ بَطَلَتْ فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 الْوَصِيَّةُ (وَعَادَ) الْمُوصَى بِهِ (تَرِكَةً) وَيَكُونُ الْمُوصَى بِهِ لِلْوَارِثِ (وَلَوْ خَصَّ بِهِ الرَّادُّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ) كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لَمْ يَتَخَصَّصْ وَكَانَ بَيْنَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ عَادَ إلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، فَلَا اخْتِصَاصَ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ امْتَنَعَ الرَّدُّ فِي الْمُوصَى بِهِ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْمُوصَى بِهِ؛ فَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ بَعْضَ الْوَرَثَةِ، فَيَكُونُ ابْتِدَاءَ تَمْلِيكٍ؛ لِأَنَّ لَهُ تَمْلِيكَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، فَلَهُ تَمْلِيكُهُ لِوَارِثٍ. وَحِينَئِذٍ لَوْ قَالَ: رَدَدْت الْوَصِيَّةَ لِفُلَانٍ فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يُفِيدُ تَمْلِيكَ فُلَانٍ؛ فَيَصِحُّ. وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الْمُجَرَّدِ " يُقَالُ لَهُ: مَا أَرَدْت؟ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت تَمْلِيكَهُ إيَّاهَا وَتَخْصِيصَهُ بِهَا، فَقَبِلَهَا اخْتَصَّ بِهَا. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت رَدَّهَا إلَى جَمِيعِهِمْ لِيَرْضَى فَلَأَنْ عَادَتْ إلَى جَمِيعِهِمْ إذَا قَبِلُوهَا، فَإِنْ قَبِلَهَا بَعْضُهُمْ فَلَهُ حِصَّتُهُ. انْتَهَى. وَفِيهِ بَحْثٌ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. (وَيَحْصُلُ رَدٌّ بِنَحْوِ) قَوْلِ مُوصَى لَهُ (لَا أَقْبَلُ) هَذِهِ الْوَصِيَّةِ كَرَدَدْتُهَا وَأَبْطَلْتهَا (وَإِنْ امْتَنَعَ) مُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ مُوصَى (مِنْ قَبُولٍ وَرَدٍّ) لِلْوَصِيَّةِ (حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ) شَرْعًا مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ (وَسَقَطَ حَقُّهُ) مِنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِهِ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَإِنْ مَاتَ) مُوصَى لَهُ (بَعْدَ) مَوْتِ (مُوصٍ وَقَبْلَ رَدٍّ وَقَبُولٍ) لِلْوَصِيَّةِ (قَامَ وَرَثَتُهُ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (مَقَامَهُ) فِي رَدٍّ وَقَبُولٍ لِلْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْمُوَرِّثِ، فَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ تَرَكَ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» . وَكَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ؛ فَلَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ كَعَقْدِ الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ إذْ الشَّرْطُ فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا، وَبِهَذَيْنِ فَارَقَتْ الْهِبَةَ وَالْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَأَيْضًا الْوَصِيَّةُ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوجِبِ لَهَا، فَلَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ وَارِثُهُ جَمَاعَةً اُعْتُبِرَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ مِنْ جَمِيعِهِمْ (فَمَنْ قَبِلَ مِنْهُمْ) فَلَهُ حُكْمُهُ مِنْ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ فِي نَصِيبِهِ (أَوْ رَدَّ) مِنْهُمْ (فَلَهُ حُكْمُهُ) مِنْ سُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ نَصِيبِهِ لِعَوْدِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ (وَيَقُومُ وَلِيٌّ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ (مَقَامَهُ) فِي ذَلِكَ (فَيَفْعَلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 مَا فِيهِ الْحَظُّ) لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَإِنْ فَعَلَ) الْوَلِيُّ (غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ مَا فِيهِ الْحَظُّ (لَمْ يَصِحَّ) فَإِذَا كَانَ الْحَظُّ فِي قَبُولِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ، وَكَانَ لَهُ قَبُولُهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي رَدِّهَا، لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ لَهَا، لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِغَيْرِ مَا لَهُ الْحَظُّ فِيهِ وَحِينَئِذٍ (فَلَا) يَجُوزُ لِوَلِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَنْ (يَقْبَلَ) لِمُوَلِّيهِ (مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) بِرَحِمٍ وُصِّيَ لَهُ بِهِ (إنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ) كَأَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ لِكَوْنِ الْمُوصَى بِهِ فَقِيرًا لَا كَسْبَ لَهُ، وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ مُوسِرٌ قَادِرٌ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي قَبُولِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ (وَإِلَّا) يَكُنْ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ؛ لِكَوْنِ الْمُوصَى بِهِ ذَا كَسْبٍ أَوْ لِكَوْنِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَقِيرًا لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (وَجَبَ) عَلَى الْوَلِيِّ الْقَبُولُ، لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً بِلَا مَضَرَّةٍ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ. [فَصْلٌ أَحْكَامُ الرُّجُوعِ فِي الْوَصِيَّةِ وَمَا يَحْصُلُ بِهِ الرُّجُوعُ] (فَصْلٌ) : فِي أَحْكَامِ الرُّجُوعِ فِي الْوَصِيَّةِ وَمَا يَحْصُلُ بِهِ الرُّجُوعُ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (تَبْطُلُ وَصِيَّةٌ بِقَوْلِ مُوصٍ: رَجَعْت فِي وَصِيَّتِي أَوْ أَبْطَلْتهَا، أَوْ غَيَّرْتهَا أَوْ فَسَخْتهَا وَنَحْوِهِ) كرددتها؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الرُّجُوعِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: يُغَيِّرُ الرَّجُلُ مَا شَاءَ مِنْ وَصِيَّتِهِ، وَلِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ تُنَجَّزُ بِالْمَوْتِ، فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ تَنْجِيزِهَا كَهِبَةِ مَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَتُفَارِقُ التَّدْبِيرَ، فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ فَلَمْ يَمْلِكْ تَغْيِيرَهُ كَتَعْلِيقِهِ عَلَى صِفَةٍ فِي الْحَيَاةِ (وَإِنْ قَالَ) مُوصٍ (عَنْ مُوصَى بِهِ هَذَا لِوَرَثَتِي) أَوْ هَذَا فِي مِيرَاثِي؛ فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي كَوْنَهُ وَصِيَّةً (أَوْ) قَالَ (مَا وَصَّيْت بِهِ لِزَيْدٍ فَلِعَمْرٍو؛ فَهُوَ رُجُوعٌ) عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى؛ لِمُنَافَاتِهِ لَهَا وَرُجُوعِهِ عَنْهُ، وَصَرْفِهِ إلَى عَمْرٍو؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ (وَإِنْ وَصَّى) بِمُعَيَّنٍ لِإِنْسَانٍ كَعَبْدِهِ سَالِمٍ مَثَلًا، ثُمَّ وَصَّى (بِهِ لِآخَرَ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ) أَيْ: مَا وَصَّيْت بِهِ لِزَيْدٍ فَلِعَمْرٍو (فَ) الْمُوصَى بِهِ (بَيْنَهُمَا) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِهِ أَوَّلًا وَالْمُوصَى لَهُ بِهِ ثَانِيًا؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيهِ كَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ، أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ مَثَلًا بِثُلُثِهِ ثُمَّ وَصَّى لِآخَرَ بِثُلُثِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الرَّدِّ لِلتَّزَاحُمِ، وَإِنْ أُجِيزَ لَهُمَا أَخْذُ كُلِّ الثُّلُثِ لِتَغَايُرِهِمَا أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ، ثُمَّ وَصَّى بِهِ لِآخَرَ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِلتَّزَاحُمِ. (وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ أَوَّلًا وَالْمُوصَى لَهُ بِهِ ثَانِيًا (قَبْلَ) مَوْتِ (مُوصٍ) كَانَ الْكُلُّ لِلْآخَرِ (أَوْ) تَأَخَّرَ مَوْتُهُمَا عَنْ مَوْتِ مُوصٍ وَ (رَدَّ) أَحَدُهُمَا الْوَصِيَّةَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ: الْمُوصِي وَقَبِلَ الْآخَرُ [ (كَانَ الْكُلُّ) أَيْ: كُلُّ الْمُوصَى بِهِ] (لِلْآخَرِ) الَّذِي قَبِلَ الْوَصِيَّةَ (لِأَنَّهُ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ) وَقَدْ زَالَ الْمُزَاحِمُ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ؛ وَتَقَدَّمَ. وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: رَدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَنَّ رَدَّهُ قَبْلَهُ لَا أَثَرَ لَهُ، وَتَقَدَّمَ. (وَإِنْ قَتَلَ وَصِيٌّ) أَيْ: مُوصَى لَهُ (مُوصِيًا) قَتْلًا مَضْمُونًا بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (وَلَوْ) كَانَ الْقَتْلُ (خَطَأً، بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْهَا؛ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى وَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَيَأْتِي حُكْمُ الْمُدَبَّرِ إذَا قَتَلَ سَيِّدَهُ فِي بَابِ الْمُوصَى بِهِ (لَا إنْ جَرَحَهُ؛ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ فَمَاتَ مِنْ الْجَرْحِ) فَلَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْجَرْحِ صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحِلِّهَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ فَإِنَّ الْقَتْلَ طَرَأَ عَلَيْهَا فَأَبْطَلَهَا (وَكَذَا فِعْلُ مُدَبَّرِ بِسَيِّدِهِ) فَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ، ثُمَّ دَبَّرَهُ، وَمَاتَ السَّيِّدُ، لَمْ يَبْطُلْ تَدْبِيرُهُ، لِمَا تَقَدَّمَ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَبَّرَهُ ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ وَتَقَدَّمَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَذَلِكَ الْعَطِيَّةُ الْمُنَجَّزَةُ فِي الْمَرَضِ إذَا وُجِدَ الْقَتْلُ مِنْ الْمُعْطَى. (وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ وَصِيَّةٍ) مِنْ شَخْصٍ (لِوَارِثِهِ بَعْدَ أَنْ جَرَحَهُ) الْوَارِثُ وَمَاتَ مِنْ الْجَرْحِ (لِكَوْنِهِ) أَيْ: الْجَارِحِ (إذَنْ) أَيْ: حِينَ لَزِمَهُ الْوَصِيَّةُ وَهُوَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (غَيْرَ وَارِثٍ) لِأَنَّهُ جَرَحَهُ جُرْحًا أَفْضَى إلَى هَلَاكِهِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِرْثِ بِسَبَبِهِ؛ وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْجُرْحِ؛ لَمْ يَعْتَرِيهَا مُزِيلٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 لِصِحَّتِهَا، فَلَزِمَتْ بِقَبُولِهِ الصَّادِرِ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ وَ) أَوْصَى (لِآخَرَ بِثُلُثِهِ فَ) الْعَبْدُ (بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا) بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِلْأَوَّلِ بِجَمِيعِهِ، وَلِلثَّانِي بِثُلُثِهِ فَكَامِلُ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْصَى بِهِ ثَانِيًا، وَقَدْ أَوْصَى لِلثَّانِي بِثُلُثٍ، فَاجْتَمَعَ مَعَنَا أَرْبَعَةٌ فَقُسِّمَ عَلَيْهَا، فَكَانَ لِلْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلِلثَّانِي رُبْعُهُ كَمَا يَأْتِي فِي عَمَلِ الْوَصَايَا (وَإِنْ وَصَّى بِهِ) أَيْ: بِالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ (لِاثْنَيْنِ فَرَدَّ أَحَدُهُمَا) وَصِيَّتَهُ (وَقَبِلَ الْآخَرُ فَلِلْآخَرِ نِصْفُهُ) أَيْ: الْعَبْدِ لِأَنَّهُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ (وَ) إنْ وَصَّى (لِاثْنَيْنِ بِثُلُثَيْ مَالِهِ فَرَدَّ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ) لِمُجَاوَزَةِ الثُّلُثِ (وَرَدَّ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ وَصِيَّتَهُ فَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ كَامِلًا) لِأَنَّهُ مُوصَى لَهُ بِهِ؛ وَلَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِ (وَإِنْ أَقَرَّ وَارِثٌ بِوَصِيَّتِهِ) أَنَّ مُوَرِّثَهُ أَوْصَى بِهَا (لِوَاحِدٍ ثُمَّ) أَقَرَّ أَنَّهُ أَوْصَى بِهَا (لِآخَرَ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ فَ) الْمُقِرُّ بِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ (بَيْنَهُمَا) حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى؛ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسَيْنِ، فَلَا يُقْبَلُ لِلْمُتَأَخِّرِ؛ لِتَضَمُّنِهِ رَفْعَ مَا ثَبَتَ لِلْمُتَقَدِّمِ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَالْمُقَرُّ بِهِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ كَالْحَالِ الْوَاحِدَةِ. (وَمَنْ) ادَّعَى أَنْ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَ (شَهِدَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالثُّلُثِ) الَّذِي ادَّعَاهُ (فَأَقَرَّ وَارِثٌ) مُكَلَّفٌ (ذَكَرٌ) لَا أُنْثَى وَلَا خُنْثَى (عَدْلٌ) لَا فَاسِقٌ إذْ إقْرَارُ الْفَاسِقِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ أَنْ مُوَرِّثَهُ أَوْصَى (بِهِ) أَيْ الثُّلُثِ الْمُدَّعَى بِهِ (لِآخَرَ) وَرَدَّ الْوَارِثُ الْوَصِيَّتَيْنِ (فَ) الثُّلُثُ (بَيْنَهُمَا) سَوِيَّةٌ إنْ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ يَمِينًا مَعَ شَهَادَةِ الْوَارِثِ، لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْوَارِثُ الْمُقِرُّ عَدْلًا، أَوْ كَانَ الْمُقِرُّ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى (فَ) الثُّلُثُ (لِذِي الْبَيِّنَةِ) لِثُبُوتِ وَصِيَّتِهِ دُونَ الْمُقِرِّ (وَإِنْ) فَعَلَ مُوصٍ مَا يَقْتَضِي عُدُولَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ بِأَنْ (بَاعَ مَا أَوْصَى بِهِ أَوْ وَهَبَهُ) فَرُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ، وَهُوَ يُنَافِي الْوَصِيَّةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 (وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ) الْمُبْتَاعُ أَوْ الْمُتَّهِبُ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي إيجَابِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ (أَوْ عَرَضَهُ لَهُمَا) أَيْ: الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ؛ فَرُجُوعٌ (أَوْ رَهَنَهُ أَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ أَوْ) وَصَّى (بِعِتْقِهِ) أَيْ: مَا وَصَّى بِهِ لِإِنْسَانٍ مِنْ رَقِيقِهِ بِأَنْ قَالَ: أَعْطُوهُ لِزَيْدٍ، ثُمَّ قَالَ: أَعْتِقُوهُ (أَوْ) وَصَّى (بِهِبَتِهِ) فَرُجُوعٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ (أَوْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِهِ؛ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فَرُجُوعٌ (أَوْ كَاتَبَهُ) أَيْ: الْمُوصَى بِهِ (أَوْ دَبَّرَهُ) فَرُجُوعٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ (أَوْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِهِ. كَمَا لَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فَرُجُوعٌ (أَوْ كَاتَبَهُ) أَيْ: الْمُوصَى بِهِ (أَوْ دَبَّرَهُ) فَرُجُوعٌ (أَوْ خَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ) مِنْهُ كَزَيْتٍ بِزَيْتٍ، أَوْ دَقِيقٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَلَوْ) كَانَ الْمُوصَى بِهِ (صُبْرَةً) فَخَلَطَهَا (بِغَيْرِهَا، أَوْ أَزَالَ اسْمَهُ كَطَحْنِ حِنْطَةٍ، وَخَبْزِ دَقِيقٍ، وَفَتِّ خُبْزٍ، وَنَسْجِ غَزْلٍ، وَغَزْلِ قُطْنٍ، وَحَشْوُهُ بِفَرْشٍ، وَتَفْصِيلِ ثَوْبٍ، وَضَرْبِ نُقْرَةِ دَرَاهِمَ، وَذَبْحِ حَيَوَانٍ) مُوصَى بِهِ (أَوْ بَنَى الْحَجَرَ) أَوْ الْآجُرَّ الْمُوصَى بِهِ (أَوْ غَرَسَ النَّوَى) الْمُوصَى بِهِ، فَصَارَ شَجَرًا (أَوْ نَجَرَ الْخَشَبَةَ نَحْوَ بَابٍ) كَدُولَابٍ أَوْ كُرْسِيٍّ وَنَحْوِهِ (أَوْ سَمَّرَ) نَحْوَ بَابٍ (بِمَسَامِيرَ) مُوصَى بِهَا (أَوْ أَعَادَ دَارًا انْهَدَمَتْ، أَوْ جَعَلَهَا نَحْوَ حَمَّامٍ) كَخَانٍ (فَرُجُوعٌ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِيَارِ الرُّجُوعِ، وَكَذَا لَوْ كَسَرَ السَّفِينَةَ فَصَارَ اسْمُهَا خَشَبًا، أَوْ عَمِلَ الثَّوْبَ قَمِيصًا (لَا إنْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ) فَلَيْسَ رُجُوعًا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ كَسَائِرِ الْعُقُودِ (أَوْ أَجَرَ) مُوصٍ عَيْنًا مُوصَى بِهَا (أَوْ زَوَّجَ) رَقِيقًا مُوصَى بِهِ (أَوْ زَرَعَ) أَرْضًا مُوصَى بِهَا، فَلَيْسَ رُجُوعًا، وَإِنْ غَرَسَهَا أَوْ بَنَاهَا؛ فَرُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَيُشْعِرُ بِالصَّرْفِ عَنْ الْأَوَّلِ. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. (أَوْ وَطِئَ) أَمَةً مُوصَى بِهَا (وَلَمْ تَحْمِلْ) مِنْ وَطْئِهِ فَإِنْ حَمَلَتْ، فَرُجُوعٌ (أَوْ لَبِسَ) ثَوْبًا مُوصَى بِهِ (أَوْ غَسَلَ) ثَوْبًا مُوصَى بِهِ فَلَيْسَ رُجُوعًا، (أَوْ سَكَنَ) مُوصٍ مَكَانًا (مُوصَى بِهِ) فَلَيْسَ رُجُوعًا، لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْمَ وَلَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ (أَوْ وَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ، فَتَلِفَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 الَّذِي كَانَ يَمْلِكُهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ بِإِتْلَافِهِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ بَاعَهُ ثُمَّ مَلَكَ مَالًا غَيْرَهُ) فَلَيْسَ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِجُزْءٍ مَشَاعٍ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَمْلِكُهُ حِينَ الْمَوْتِ، فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِيهَا أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ الْمُوصَى بِهَا، وَلَمْ يَزُلْ اسْمُهَا، أَوْ عَلَّمَ الرَّقِيقَ الْمُوصَى بِهِ صَنْعَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْمَ وَلَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ (أَوْ) كَانَتْ الْوَصِيَّةُ (بِقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ فَخَلَطَهَا) أَيْ: الصُّبْرَةَ بِصُبْرَةٍ أُخْرَى (وَلَوْ بِخَيْرٍ مِنْهَا) مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ؛ فَلَيْسَ رُجُوعًا لِأَنَّ الْقَفِيزَ كَانَ مَشَاعًا وَبَقِيَ عَلَى إشَاعَتِهِ. (وَزِيَادَةُ مُوصٍ فِي دَارٍ) بَعْدَ وَصِيَّتِهِ بِهَا (لِلْوَرَثَةِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ وُجُودِهَا حِينَهَا (لَا الْمُنْهَدِمَ) الْمُنْفَصِلَ مِنْ الدَّارِ الْمُوصَى بِهَا إذَا أَعَادَهُ مُوصٍ (بَعْدَهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ (وَلَوْ قَبْلَ قَبُولِ) مُوصَى لَهُ، فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ، بَلْ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَنْقَاضَ مِنْهَا؛ فَتَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ، لِوُجُودِهَا حِينَهَا. (وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ) بِنَحْوِ عَبْدٍ (ثُمَّ قَالَ: إنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلَهُ) مَا وَصَّيْت بِهِ لِزَيْدٍ (فَقَدِمَ) عَمْرٌو (بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ فَ) الْمُوصَى بِهِ (لِزَيْدٍ) دُونَ عَمْرٍو لِأَنَّ الْمُوصِي لَمَّا مَاتَ قَبْلَ قُدُومِ عَمْرٍو انْقَطَعَ حَقُّهُ مِنْ الْمُوصَى بِهِ، وَانْتَقَلَ إلَى زَيْدٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إذْ ذَاكَ مَا يَمْنَعُهُ؛ فَلَمْ يُؤَثِّرْ وُجُودُ الشَّرْطِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ إنْسَانٌ طَلَاقًا، أَوْ عِتْقًا عَلَى شَيْءٍ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فِي حَيَاةِ مُوصٍ كَانَ لَهُ بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ) أَيْ: لِعَمْرٍو مَثَلًا (بِثُلُثِهِ، وَقَالَ) الْمُوصِي لِعَمْرٍو (إنْ مِتُّ قَبْلِي أَوْ رَدَدْته فَ) هُوَ (لِزَيْدٍ، فَمَاتَ) عَمْرٌو (قَبْلَهُ) أَيْ: الْمُوصِي (أَوْ رَدَّ) الْوَصِيَّةَ (فَعَلَى مَا شَرَطَ) الْمُوصِي، فَتَكُونُ لِزَيْدٍ عَمَلًا بِالشَّرْطِ (كَ) قَوْلِ مُوصٍ (أَوْصَيْت لَهُ) أَيْ: عَمْرٍو مَثَلًا (بِكَذَا إذَا مَرَّ شَهْرٌ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ) قَوْلُهُ أَوْصَيْت (لَفُلَانَةَ) الْحَامِلِ (بِكَذَا إذَا وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِي) فَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَثَبَتَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ تَعْلِيقُهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَتَأَثَّرُ بِالتَّعْلِيقِ لِوُضُوحِ الْأَمْرِ وَقِلَّةِ الْغَرَرِ فَإِنْ كَانَتْ الصِّفَةُ لَا يُرْتَقَبُ وُقُوعُهَا بَعْد الْمَوْتِ؛ فَفِي التَّعْلِيقِ عَلَيْهَا نَظَرٌ وَالْأَوْلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 عَدَمُ جَوَازِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْوَرَثَةِ بِطُولِ الِانْتِظَارِ لَا إلَى أَمَدٍ يُعْلَمُ (وَيُخْرِجُ وَصِيٌّ) أَيْ: مُوصَى إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ الْوَاجِبِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ (فَوَارِثٌ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ أَبَى (فَحَاكِمٌ الْوَاجِبَ) عَلَى مَيِّتٍ مِنْ دَيْنٍ لِآدَمِيٍّ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُخْرِجُ، أَيْ يَجِبُ إخْرَاجُهُ (وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] (وَيُجْزِئُ إخْرَاجُ) الْوَاجِبِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ (أَجْنَبِيٍّ) لَا وِلَايَةَ لَهُ مِنْ مَالِهِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ (وَلَا يَضْمَنُ) الْأَجْنَبِيُّ، بَلْ يَرْجِعُ بِمَا أَخْرَجَهُ عَلَى التَّرِكَةِ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَإِلَّا فَلَا. (وَمِنْ الْوَاجِبِ وَصِيَّةٌ بِعِتْقٍ فِي كَفَّارَةِ تَخْيِيرٍ) وَهِيَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ (فَإِنْ أَوْصَى مَعَهُ) أَيْ: الْوَاجِبِ (بِتَبَرُّعٍ) مِنْ مُعَيَّنٍ أَوْ مَشَاعٍ (اُعْتُبِرَ الثُّلُثُ) الَّذِي تُعْتَبَرُ مِنْهُ التَّبَرُّعَاتُ (مِنْ) الْمَالِ (الْبَاقِي) بَعْدَ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، كَأَنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ أَرْبَعِينَ وَالدَّيْنُ عَشَرَةً، وَوَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ؛ دَفَعَ الدَّيْنَ أَوَّلًا ثُمَّ دَفَعَ لِلْمُوصَى لَهُ عَشَرَةً، لِأَنَّهَا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَعُلِمَ مِنْهُ تَقْدِيمُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» . أَخْرَجَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " الْمُسْنَدِ " وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اقْضُوا اللَّهَ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا. وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ فِي الْآيَةِ قَبْلَ الدَّيْنِ أَنَّهَا لَمَّا أَشْبَهَتْ الْمِيرَاثَ فِي كَوْنِهَا بِلَا عِوَضٍ، فَكَانَ فِي إخْرَاجِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْوَارِثِ، فَقُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إخْرَاجِهَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَلِذَلِكَ جِيءَ بِكَلِمَةِ: أَوْ، الَّتِي لِلتَّسْوِيَةِ؛ أَيْ: فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاهْتِمَامِ وَعَدَمِ التَّضْيِيعِ، وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْوَصِيَّةُ غَالِبًا تَكُونُ لِضِعَافٍ، فَقَوَّى جَانِبَهَا فِي التَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ؛ لِئَلَّا يُطْمَعَ وَيُتَسَاهَلَ فِيهَا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مُؤْنَةَ التَّجْهِيزِ تُقَدَّمُ مُطْلَقًا. (فَإِنْ وَصَّى بِكَفَّارَةِ أَيْمَانٍ فَأَقَلُّهُ) أَيْ: الْوَاجِبِ إخْرَاجُهُ كَفَّارَةً (ثَلَاثَةُ) أَيْمَانٍ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ. (وَإِنْ قَالَ) مَنْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَوَصَّى بِتَبَرُّعٍ (أَخْرَجُوا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثَيْ، بُدِئَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِهِ) أَيْ: الْوَاجِبِ مِنْ الثُّلُثِ، لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ بَعْدَ الثُّلُثِ (فَمَا فَضَلَ مِنْهُ) أَيْ: الثُّلُثِ (فَ) هُوَ (لِصَاحِبِ التَّبَرُّعِ) لِأَنَّ الدَّيْنَ تَجِبُ الْبَدَاءَةَ بِهِ قَبْلَ الْمِيرَاثِ وَالتَّبَرُّعِ، فَإِذَا عَيَّنَهُ فِي الثُّلُثِ؛ وَحَيْثُ الْبَدَاءَةَ بِهِ، وَمَا فَضَلَ لِلتَّبَرُّعِ (وَأَلَّا) يَفْضُلَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْوَاجِبِ مِنْهُ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ بِالتَّبَرُّعِ كَمَا لَوْ رَجَعَ عَنْهَا إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ، فَيُعْطَى مَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 [بَابُ حُكْمِ الْمُوصَى لَهُ] (بَابُ حُكْمِ الْمُوصَى لَهُ) وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْوَصِيَّةِ (تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ) مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ (لِكُلِّ مَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ مُسْلِمٍ) مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ أَوْ لَا كَالْفُقَرَاءِ (وَ) تَصِحُّ (لِكَافِرٍ مُعَيَّنٍ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، وَلِأَنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ لَهُمْ فَصَحَّتْ لَهُمْ الْوَصِيَّةُ (وَلَوْ) كَانَ الْكَافِرُ (مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا) وَلَوْ بِدَارِ حَرْبٍ كَالْهِبَةِ فَلَا تَصِحُّ لِعَامَّةِ النَّصَارَى أَوْ نَحْوِهِمْ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " الْآيَةُ أَيْ: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] إلَى آخِرِهَا حُجَّةٌ لَنَا فِيمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، فَأَمَّا الْمُقَاتِلُ فَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ تَوَلِّيهِ لَا عَنْ بِرِّهِ، وَالْوَصِيَّةُ لَهُ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِغَيْرِ مُصْحَفٍ وَسِلَاحٍ وَقِنٍّ مُسْلِمٍ) أَمَّا بِهَا فَلَا تَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ ذَلِكَ وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَافِرٍ بِحَدِّ قَذْفٍ يَسْتَوْفِيهِ لِلْمُسْلِمِ الْمَقْذُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ لِنَفْسِهِ فَلِغَيْرِهِ أَوْلَى (وَتَبْطُلُ) وَصِيَّةٌ بِعَبْدٍ كَافِرٍ لِكَافِرٍ (بِإِسْلَامِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ سَوَاءٌ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ أَوْ بَعْدَهُ (قَبْلَ قَبُولِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ، لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ تَعَاطِي مِلْكِهِ (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ إنْسَانٍ (لِمُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ (وَلِمُكَاتَبِ وَارِثِهِ) كَمَا تَصِحُّ لِمُكَاتَبٍ أَجْنَبِيٍّ مِنْ مُوصٍ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَعَ سَيِّدِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَسَوَاءٌ وَصَّى لَهُ (بِجُزْءٍ شَائِعٍ) كَثُلُثِ مَالِهِ وَرُبْعِهِ (أَوْ) بِشَيْءٍ (مُعَيَّنٍ) كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ، لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْلِكُونَ مَالَ الْمُكَاتَبِ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِأُمِّ وَلَدِهِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 لِأَنَّهَا حُرَّةٌ عِنْدَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ؛ فَتَقْبَلُ التَّمْلِيكَ (كَوَصِيَّتِهِ أَنَّ ثُلُثَ قَرْيَتِهِ وَقْفٌ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ) أَيْ: مَا دَامَتْ حَاضِنَةً لِوَلَدِهَا مِنْهُ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (يَسْقُطُ حَقُّهَا) أَيْ: أُمِّ وَلَدِهِ (لَوْ مَاتَ) الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ بِذَلِكَ تَرْبِيَةُ الْوَلَدِ وَالْقِيَامُ بِخِدْمَتِهِ وَحِفْظُهُ مِنْ الضَّيَاعِ، فَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ انْقَطَعَ مَا لُوحِظَ لِأَجْلِهِ، فَسَقَطَ حَقُّهَا عَمَلًا بِالشَّرْطِ، وَيُصْرَفُ مَصْرِفُ الْمُنْقَطِعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَإِنْ) (شَرَطَ) فِي وَصِيَّتِهِ (عَدَمَ تَزْوِيجِهَا) أَيْ: أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ (فَفَعَلَتْ) أَيْ: وَافَقَتْ عَلَيْهِ (وَأَخَذَتْ الْوَصِيَّةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ) (رَدَّتْ مَا أَخَذَتْ) مِنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِفَوَاتِ شَرْطِهَا، وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ بِتَعَذُّرِ رَفْعِهِ. (وَلَوْ دَفَعَ لِزَوْجَتِهِ مَالًا عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ مَوْتِهِ (ثُمَّ تَزَوَّجَتْ؛ لَزِمَ رَدُّهُ) أَيْ: الْمَالِ (لِوَارِثٍ) نَصًّا نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ؛ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ (وَكَذَا لَوْ أَعْطَتْهُ) مَالًا (عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَتَزَوَّجَ) رَدَّ مَا أَخَذَهُ وُجُوبًا. نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ. (وَإِنْ وَصَّى بِعِتْقِ أَمَتِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ، فَمَاتَ) الْمُوصِي (فَقَالَتْ) الْأَمَةُ (لَا أَتَزَوَّجُ عَتَقَتْ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (فَإِنْ تَزَوَّجَتْ) بَعْدَ ذَلِكَ (لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهَا) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ. (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِمُدَبَّرِهِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا عِنْدَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، فَيَقْبَلُ التَّمَلُّكَ كَأُمِّ الْوَلَدِ (فَإِنْ ضَاقَ ثُلُثُهُ) أَيْ: الْمُخَلَّفِ (عَنْهُ) أَيْ: عَنْ الْمُدَبَّرِ (وَعَنْ وَصِيَّتِهِ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِهِ (بُدِئَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ ثُلُثِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 (بِعِتْقِهِ) فَيُقَدَّمُ عِتْقُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْهَا، وَبَطَلَ مَا عَجَزَ عَنْ الثُّلُثِ. (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِقِنِّهِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى غَيْرِ مُكَاتَبِهِ وَرَقِيقِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ (بِمَشَاعٍ) مِنْ مَالِهِ (كَثُلُثِهِ) أَيْ: مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثُ الْمَالِ أَوْ بَعْضُهُ؛ فَالْوَصِيَّةُ تَنْحَصِرُ فِيهِ اعْتِبَارًا لِلْعِتْقِ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِمِلْكِ نَفْسِهِ، وَإِذَا وُصِّيَ لَهُ بِالرُّبْعِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَلِلْمُوصِي سِوَى الْقِنِّ ثَمَانِمِائَةٍ؛ عَتَقَ وَأَخَذَ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْمَالِ تِسْعُمِائَةٍ وَرُبْعُهَا مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ؛ عَتَقَ مِنْهَا الْعَبْدُ بِمِائَةٍ، يَبْقَى لَهُ مَا ذُكِرَ فَيَأْخُذُهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالرُّبْعِ وَلَهُ سِوَاهُ ثَلَاثُمِائَةٍ؛ عَتَقَ فَقَطْ. وَإِنْ كَانَ لَهُ سِوَاهُ مِائَتَانِ؛ عَتَقَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَهَكَذَا. وَالْحَاصِلُ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَفْقَ قِيمَتِهِ عَتَقَ، أَوْ أَزْيَدَ فَالزِّيَادَةُ لَهُ، أَوْ أَنْقَصَ فَيَعْتِقُ بِقَدْرِهِ مِنْهُ. (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِقِنِّهِ (بِنَفْسِهِ وَرَقَبَتِهِ) أَيْ: الْقِنِّ بِأَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْت لَك بِنَفْسِك أَوْ رَقَبَتِك؛ كَمَا لَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ (وَيَعْتِقُ) كُلُّهُ (بِقَبُولِهِ إنْ خَرَجَ) كُلُّهُ (مِنْ ثُلُثِهِ) لِأَنَّ الْقِنَّ يَدْخُلُ فِي الْجُزْءِ الْمَشَاعِ، فَيَمْلِكُ الْجُزْءَ الْمُوصَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ بِقَبُولِهِ، فَيَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ؛ لِتَعَذُّرِ مِلْكِهِ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَسْرِي الْعِتْقُ لِبَقِيَّتِهِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ؛ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ. وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ يُعْتَقْ؛ لِاقْتِضَاءِ الصِّيغَةِ الْقَبُولَ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَهَبْت مِنْك نَفْسَك، أَوْ مَلَكْتُك نَفْسَك؛ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ (وَإِلَّا) يَخْرُجْ كُلُّهُ مِنْ ثُلُثِهِ بَلْ بَعْضُهُ (فَ) إنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ (بِقَدْرِهِ) أَيْ: الثُّلُثِ إنْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ عِتْقَ بَاقِيهِ. فَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِقِنِّهِ بِثُلُثِ الْمَالِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلَهُ سِوَاهُ خَمْسُونَ؛ عَتَقَ نِصْفُهُ. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لِقِنٍّ غَيْرِ أَهْلٍ لِلْقَبُولِ لِصِغَرِهِ أَوْ جُنُونِهِ (وَيُنْتَظَرُ تَكْلِيفُ) الصَّغِيرِ وَإِفَاقَةُ الْمَجْنُونِ لِيَقْبَلَ أَوْ يَرُدَّ؛ إذْ لَا يُعْتَدُّ بِقَبُولِ (غَيْرِ مُكَلَّفٍ) وَلَا رَدِّهِ وَالْوَصِيَّةُ يَفْتَقِرُ لُزُومُهَا إلَى قَبُولٍ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ وَقْتَ مَوْتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 الْمُوصِي. وَقَدْ يُقَالُ: لِلْحَاكِمِ قَبُولُ ذَلِكَ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَيَعْتِقُ بِشَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الِانْتِظَارِ قَدْ تَطُولُ، وَلَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا (وَإِنْ كَانَتْ) الْوَصِيَّةُ (بِثُلُثِهِ، وَفَضَلَ) مِنْهُ (شَيْءٌ) بَعْدَ عِتْقِهِ (أَخَذَهُ) فَلَوْ وَصَّى لَهُ بِالثُّلُثِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلَهُ سِوَاهُ خَمْسُمِائَةٍ؛ عَتَقَ وَأَخَذَ مِائَةً؛ لِأَنَّهَا تَمَامُ الثُّلُثِ الْمُوصَى بِهِ. وَ (لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِقِنِّهِ (بِمُعَيَّنٍ) لَا يَدْخُلُ هُوَ فِيهِ (كَثَوْبٍ) وَفَرَسٍ وَدَارٍ، وَقِنِّ غَيْرِهِ وَمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ شَيْءٌ فِيمَا وَصَّى لَهُ بِهِ، فَلَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ آلَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَكَانَ مَا وَصَّى بِهِ لَهُمْ، فَكَأَنَّ الْمَيِّتَ وَصَّى لِوَرَثَتِهِ بِمَا يَرِثُونَهُ؛ فَتَلْغُو الْوَصِيَّةُ؛ لِعَدَمِ فَائِدَتِهَا. (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِقِنِّ غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَصَّى لِحَجَرٍ. هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ أَوْ لَا (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعَبْدِ غَيْرِهِ، وَلَوْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ. انْتَهَى وَفِي " الْمُقْنِعِ ": وَتَصِحُّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِالصِّحَّةِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ إكْسَابِ الْعَبْدِ، وَإِكْسَابُهُ [لِسَيِّدِهِ] ، وَسَوَاءٌ اسْتَمَرَّ فِي رِقِّ الْمَوْجُودِ حِينَ الْوَصِيَّةِ أَوْ انْتَقَلَ إلَى آخَرَ، وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 الْإِقْنَاعِ " ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ كَالْهِبَةِ، وَلَمْ يَحْكِ الْحَارِثِيُّ فِيهِ خِلَافًا مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَكَذَا الشَّارِحُ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَأَيَّ فَرْقٍ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ: وَيُعْتَبَرُ قَبُولُ الْعَبْدِ لِلْوَصِيَّةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا قَبِلَ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ فَهِيَ لِسَيِّدِهِ وَقْتَ الْقَبُولِ كَكَسْبِهِ لِمُبَاحٍ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنٍ، وَإِنْ قَبِلَ سَيِّدُهُ دُونَهُ؛ لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَجْرِ مَعَ السَّيِّدِ، فَلَا جَوَابَ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ حُرًّا وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ، ثُمَّ قَبِلَ؛ فَهِيَ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ [هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْوَصِيَّةِ] . [تَنْبِيهٌ وَصِيَّتُهُ لِعَبْدِ وَارِثِهِ كَوَصِيَّتِهِ لِوَارِثِهِ] ِ، فَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَوَصِيَّتُهُ لِعَبْدٍ قَاتِلٍ كَوَصِيَّتِهِ لِقَاتِلِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا قَبِلَهَا لِسَيِّدِهِ. (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِحَمْلٍ) مَشْكُوكٍ فِي وُجُودِهِ حِينَهَا (إلَّا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ حِينَهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ؛ فَلَا تَصِحُّ لِمَعْدُومٍ (بِأَنْ تَضَعَهُ) الْأُمُّ (حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ حِينِ الْوَصِيَّةِ (فِرَاشًا كَانَتْ) لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ (أَوْ بَائِنًا) لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا يَأْتِي، فَإِذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا، وَعَاشَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حِينَهَا (أَوْ) تَضَعُهُ (لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ إنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا أَوْ كَانَتْ) لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا لِمَرَضٍ) يَمْنَعُ الْوَطْءَ (أَوْ أُسِرَ أَوْ حُبِسَ أَوْ بَعُدَ) عَنْ بَلَدِهَا (أَوْ عَلِمَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا، أَوْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ) لِلَحَاقِهِ بِأَبِيهِ، وَالْوُجُودُ لَازِمٌ لَهُ، فَوَجَبَ تَرَتُّبُ الِاسْتِحْقَاقِ، وَوَطْءُ الشُّبْهَةِ نَادِرٌ، وَتَقْدِيرُ الزِّنَا إسَاءَةُ ظَنٍّ بِمُسْلِمٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ لَمْ يَسْتَحِقَّ؛ لِاسْتِحَالَةِ الْوُجُودِ حِينَ الْوَصِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ أَوْ أَقَرُّوا صَوَابُهُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُمْ مَعَ عَدَمِ إقْرَارِهِمْ بِهِ لَا وُصُولَ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ (وَكَذَا لَوْ وَصَّى بِهِ) أَيْ: الْحَمْلِ مِنْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 وَنَحْوِهَا؛ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَّا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالظَّاهِرُ يُرْجَعُ بِهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ. قَالَهُ شَيْخُنَا. (وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ) أَيْ: الْحَمْلِ (مِنْ حِينِ قَبُولِ الْوَلِيِّ) الْوَصِيَّةَ (لَهُ) أَيْ: لِلْحَمْلِ الْوَاقِعِ قَبُولُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْحَمْلِ (بَعْدَ خُرُوجِهِ) حَيًّا. صَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ؛ إذْ الْوَصِيَّةُ لَهُ، تَعْلِيقٌ عَلَى خُرُوجِهِ حَيًّا، وَالْوَصِيَّةُ قَابِلَةٌ لِلتَّعْلِيقِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ. قَالَهُ الْقَاضِي، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَبُولُ الْوَلِيِّ يُعْتَبَرُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، لَا قَبْلُ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الْمِلْكِ إنَّمَا تَثْبُتُ حِينَئِذٍ، وَإِذَا انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِهِ بِجِنَايَةِ جَانٍ وَغَيْرِهَا؛ لِانْتِفَاءِ إرْثِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ وَصَّى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ مِنْ زَوْجِ) هَا (أَوْ سَيِّدِ) هَا (صَحَّتْ) الْوَصِيَّةُ (لَهُ إنْ لَحِقَ بِهَا) أَيْ: بِالزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ (لَا إنْ نُفِيَ) الْحَمْلُ (بِلِعَانٍ أَوْ دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ) فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ؛ لِعَدَمِ شَرْطِهِ الْمَشْرُوطَ فِي الْوَصِيَّةِ، (وَ) لَوْ وَصَّى (لِحَمْلِ امْرَأَةٍ) بِوَصِيَّةٍ (فَوَلَدَتْ ذَكَرًا، وَأُنْثَى، تَسَاوَيَا فِيهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَطِيَّةٌ وَهِبَةٌ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُمَا شَيْئًا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يُفَاضِلْ) الْمُوصِي بَيْنَهُمَا، فَإِنْ فَاضَلَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ جَعَلَ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ فَعَلَى مَا قَالَ كَالْوَقْفِ، وَإِنْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا مُنْفَرِدًا فَلَهُ وَصِيَّتُهُ؛ لِتَحَقُّقِ الْمُقْتَضَى. (فَإِنْ) قَالَ مُوصٍ لِحَمْلِ امْرَأَةٍ: إنْ (كَانَ فِي بَطْنِك ذَكَرٌ فَلَهُ كَذَا) أَيْ: ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا مَثَلًا (وَإِنْ كَانَ) فِي بَطْنِك (أُنْثَى فَ) لَهَا (كَذَا) أَيْ: عِشْرُونَ دِرْهَمًا مَثَلًا (فَكَانَا) أَيْ: تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَطْنِهَا ذَكَرٌ وَأُنْثَى بِوِلَادَتِهَا لَهُمَا (فَلَهُمَا) أَيْ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (مَا شَرَطَ) لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِيهِمَا (وَلَوْ كَانَ قَالَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 لَهَا (إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك) أَوْ حَمَلْتِ ذَكَرًا، فَلَهُ كَذَا، وَإِنْ كَانَ (أُنْثَى) فَلَهَا كَذَا فَكَانَا (فَلَا) شَيْءَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بَعْضُ مَا فِي بَطْنِهَا أَوْ حَمْلِهَا، لَا كُلُّهُ. (وَ) إنْ كَانَ حَمْلُ الْمَقُولِ لَهَا: إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك ذَكَرًا فَلَهُ كَذَا وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَكَذَا فَظَهَرَ أَنَّهُ (خُنْثَى) فَهُوَ (كَأُنْثَى) فِي الْحُكْمِ. قَالَ فِي " الْكَافِي ": فَيُعْطَى مَا لِلْأُنْثَى، وَيُوقَفُ الزَّائِدُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، وَتَتَبَيَّنَ ذُكُورِيَّتُهُ، فَيَأْخُذُ الزَّائِدَ، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَلِلذَّكَرَيْنِ مَا لِلذَّكَرِ، وَلِلْأُنْثَيَيْنِ مَا لِلْأُنْثَى؛ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ وَصَّى لِمَنْ تَحْمِلُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ لِمَعْدُومٍ وَكَذَا الْمَجْهُولُ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ، كَأَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِهِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الْمَسْجِدَيْنِ، أَوْ قَالَ: أَوْصَيْت بِكَذَا لِجَارِي فُلَانٍ أَوْ قَرَابَتِي فُلَانٍ بِاسْمٍ مُشْتَرَكٍ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمُوصَى لَهُ شَرْطٌ، فَإِذَا قَالَ: لِأَحَدِ هَذَيْنِ فَقَدْ أَبْهَمَ الْمُوصَى لَهُ، وَكَذَا الْجَارُ وَالْقَرِيبُ؛ لِوُقُوعِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُسَمَّيَيْنِ مَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مُعَيَّنًا مِنْ الْجَارِ وَالْقَرِيبِ فَيُعْطَى مَنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى إرَادَتِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَعْطُوا ثُلُثِي أَحَدَهُمَا صَحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتِقُوا أَحَدَ عَبْدَيَّ، وَلِلْوَرَثَةِ الْخِيَرَةُ فِيمَنْ يُعْطُوهُ الثُّلُثَ مِنْ الِاثْنَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ قَوْلَهُ: أَعْطُوا ثُلُثِي أَحَدَهُمَا أَمْرٌ بِالتَّمَلُّكِ، فَصَحَّ جَعْلُهُ إلَى اخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: بِعْ سِلْعَتِي مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَصَّيْتُ وَنَحْوُهُ؛ فَإِنَّهُ مِلْكٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يَصِحَّ لِمُبْهَمٍ (وَطِفْلٌ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ) قَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ: الطِّفْلُ: الْوَلَدُ الصَّغِيرُ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالدَّوَابِّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَبْقَى هَذَا الِاسْمُ لِلْوَلَدِ حَتَّى يُمَيِّزَ، ثُمَّ لَا يُقَالُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ طِفْلٌ بَلْ صَبِيٌّ وَحَزْوَرٌ وَيَافِعٌ وَغُلَامٌ وَمُرَاهِقٌ (وَصَبِيٌّ وَغُلَامٌ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اسْمُ الْغُلَامِ يَقَعُ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ حِينِ يُولَدُ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ انْتَهَى. (وَيَافِعٌ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ) . قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 تُطْلَقُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ حِينِ وِلَادَتِهِ إلَى حِينِ بُلُوغِهِ، بِخِلَافِ الطِّفْلِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ إلَى حِينِ تَمْيِيزِهِ فَقَطْ؛ فَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ أَعَمُّ مِنْ لَفْظِ الطِّفْلِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي حَدِيثِ: «عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعٍ» . يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِ الصَّبِيِّ عَلَى ابْنِ سَبْعٍ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى صَبِيًّا إلَّا إذَا كَانَ رَضِيعًا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ غُلَامٌ إلَى أَنْ يَصِيرَ ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ، ثُمَّ يَصِيرُ يَافِعًا إلَى عَشْرٍ، وَيُوَافِقُ الْحَدِيثُ قَوْلَ الْجَوْهَرِيِّ الصَّبِيُّ الْغُلَامُ. انْتَهَى. (وَكَذَا يَتِيمٌ) أَيْ: مَنْ لَمْ يَبْلُغْ يَعْنِي وَلَا أَبَ لَهُ وَفِي غَيْرِ النَّاسِ مَنْ أُمٌّ لَهُ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبَوَانِ فَالصَّغِيرُ لَطِيمٌ، فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّهُ فَالصَّغِيرُ عَجِيٌّ، قَالَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ " (وَلَا يَشْمَلُ) الْيَتِيمُ (وَلَدَ زِنًا) وَلَا مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ مَنْ فَقَدَ أَبَاهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ (وَمُرَاهِقٌ مَنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ) . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: رَاهَقَ الْغُلَامُ قَارَبَ الْحُلُمَ (وَشَابٌّ وَفَتًى مِنْ بُلُوغٍ لِثَلَاثِينَ) سَنَةً (وَكَهْلٌ مِنْهَا) أَيْ: الثَّلَاثِينَ (لِخَمْسِينَ) سَنَةً. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْكَهْلُ مَنْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ وَرُئِيَتْ لَهُ بَجَالَةٌ، أَوْ مَنْ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إلَى إحْدَى وَخَمْسِينَ انْتَهَى. وَالْبَجَالَةُ مَصْدَرُ بَجُلَ كَعَظُمَ (وَشَيْخٌ مِنْهَا) أَيْ: الْخَمْسِينَ (لِسَبْعِينَ) سَنَةً (ثُمَّ) مَنْ جَاوَزَ ذَلِكَ (هَرِمٌ) إلَى آخِرِ عُمْرِهِ، فَمَنْ وَصَّى بِشَيْءٍ لِهَرْمَى بَنِي فُلَانٍ، لَمْ يَتَنَاوَلْ مَنْ سِنُّهُ دُونَ السَّبْعِينَ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ أَوْصَى لِشُبَّانِهِمْ أَوْ كُهُولِهِمْ أَوْ شُيُوخِهِمْ؛ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَتَنَاوَلُ مَنْ هُوَ دُونَ ذَلِكَ وَلَا مَنْ هُوَ أَعْلَى. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِصِنْفٍ) مِنْهَا (مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ) كَالْفُقَرَاءِ وَالْغُزَاةِ (وَ) تَصِحُّ (لِجَمِيعِهَا) أَيْ: أَصْنَافِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ (وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (قَدْرَ مَا يُعْطَى مِنْ زَكَاةٍ) حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى كُلُّ صِنْفٍ حَيْثُ أَوْصَى لِجَمِيعِهِمْ ثُمُنُ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ وَصَّى لِثَمَانِ قَبَائِلَ (وَيَكْفِي مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) شَخْصٌ (وَاحِدٌ) لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيعَابِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِثَلَاثَةٍ عُيِّنُوا، حَيْثُ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ لِإِضَافَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 الِاسْتِحْقَاقِ إلَى أَعْيَانِهِمْ (وَنُدِبَ تَعْمِيمُ مَنْ أَمْكَنَ) مِنْهُمْ وَالدَّفْعُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَتَقْدِيمُ أَقَارِبِ الْمُوصِي؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ، وَلَا يُعْطَى إلَّا الْمُسْتَحِقُّ مِنْ أَهْلِ بَلْدَةِ الْمُوصِي كَالزَّكَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ فَقِيرٌ تَقَيَّدَ بِالْأَقْرَبِ إلَيْهِ، وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فَيَجُوزُ التَّفْضِيلُ؛ كَمَا لَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ، وَإِنْ وَصَّى لِفُقَرَاءَ دَخَلَ فِيهِ الْمَسَاكِينُ، وَكَذَا بِالْعَكْسِ. (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِكُتُبِ قُرْآنٍ وَ) كُتُبِ (عِلْمٍ) نَافِعٍ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، فَصَحَّ الصَّرْفُ فِيهِ كَالصَّدَقَةِ (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِمَسْجِدٍ) كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ (وَيُصْرَفُ فِي مَصْلَحَتِهِ) لِأَنَّهُ الْعُرْفُ، وَيَبْدَأُ النَّاظِرُ بِالْأَهَمِّ وَالْأَصْلَحِ بِاجْتِهَادٍ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ لِقَنْطَرَةٍ وَسِقَايَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ. (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِمُصْحَفٍ لِيُقْرَأَ فِيهِ) لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَيُوضَعُ بِجَامِعٍ أَوْ مَوْضِعٍ حَرِيزٍ لِيَحْفَظَهُ (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِفَرَسٍ حَبِيسٍ) لِأَنَّهُ جِهَةُ قُرْبَةٍ (وَيَتَّجِهُ وَنَحْوِهِ) كَبَعِيرٍ وَرِبَاطٍ وَ (يُنْفِقُ) الْمُوصَى بِهِ لِلْفَرَسِ الْحَبِيسِ وَنَحْوَهُ (عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ (فَإِنْ مَاتَ) الْفَرَسُ الْحَبِيسُ وَالْبَعِيرُ (وَيَتَّجِهُ أَوْ خَرِبَ) الرِّبَاطُ وَهُمَا مُتَّجِهَانِ (رَدَّ مُوصَى بِهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ أُنْفِقَ مِنْهُ شَيْءٌ (أَوْ) رَدَّ (بَاقِيَهُ لِلْوَرَثَةِ) لِبُطْلَانِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ وَصَّى لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ، فَرَدَّهُ، وَلَا يُصْرَفُ فِي فَرَسٍ حَبِيسٍ آخَرَ نَصًّا، وَإِنْ شَرَدَ الْفَرَسُ الْمُوصَى لَهُ أَوْ سُرِقَ أَوْ غُصِبَ؛ انْتَظَرَ عَوْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ، وَإِنْ أَيِسَ مِنْ عَوْدِهِ رَدَّ الْمُوصَى بِهِ إلَى الْوَرَثَةِ، إذْ لَا مَصْرِفَ لَهُ. وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِفَرَسِ زَيْدٍ - وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى بِهِ زَيْدٌ - وَيُصْرَفُ الْمُوصَى بِهِ لِلْفَرَسِ فِي عَلَفِهِ رِعَايَةً لِقَصْدِ الْمُوصِي، فَإِنْ مَاتَ الْفَرَسُ قَبْلَ إنْفَاقِ الْكُلِّ عَلَيْهِ فَالْبَاقِي لِوَرَثَةِ الْمُوصِي، لَا لِمَالِكِ الْفَرَسِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ وَهِيَ الصَّرْفُ فِي مَصْلَحَةِ دَابَّتِهِ؛ رِعَايَةً لِقَصْدِ الْمُوصِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: بِحَيْثُ يَتَوَلَّى الْوَصِيُّ أَوْ الْحَاكِمُ الْإِنْفَاقَ، لَا الْمَالِكُ (كَوَصِيَّتِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 عِتْقَ عَبْدِ زَيْدٍ، فَتَعَذَّرَ) ذَلِكَ بِأَنْ مَاتَ الْعَبْدُ؛ فَقِيمَتُهُ لِلْوَرَثَةِ (أَوْ) وَصِيَّتُهُ (بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ أَوْ) بِشِرَاءِ (عَبْدِ زَيْدٍ بِهَا) أَيْ: الْأَلْفِ (لِيَعْتِقَ عَنْهُ، فَاشْتَرَوْهُ) أَيْ: الْوَرَثَةُ بِدُونِ الْأَلْفِ (أَوْ) اشْتَرَوْا (عَبْدًا يُسَاوِيهَا) أَيْ: الْأَلْفَ (بِدُونِهَا) فَإِنَّ الْفَاضِلَ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ غَيْرُهُمْ (وَلَوْ أَرَادَ) الْمُوصِي بِوَصِيَّتِهِ (تَمْلِيكَ مَسْجِدٍ أَوْ فَرَسٍ؛ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ) لِاسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِهِ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ": (وَ) إنْ قَالَ مُوصٍ (إنْ مِتَّ فَبَيْتِي لِلْمَسْجِدِ، أَوْ) قَالَ: إنْ مِتَّ (فَأَعْطُوهُ) أَيْ: الْمَسْجِدَ (مِائَةَ) دِرْهَمٍ مَثَلًا (مِنْ مَالِي تَوَجَّهَ صِحَّتُهُ) أَيْ: صِحَّةُ مَا أَوْصَى بِهِ، وَيَصِيرُ الْبَيْتُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوصِي وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَيُجْعَلُ الْخَارِجُ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ. [فَصْلٌ فِي مَنْ وَصَّى فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ] (فَصْلٌ: وَمَنْ وَصَّى فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الطَّاعَةُ وَالْخَيْرُ وَالْإِحْسَانُ. إلَى النَّاسِ (صُرِفَ فِي الْقُرَبِ) كُلِّهَا؛ لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَعَدَمِ الْمُخَصِّصِ. وَالْقُرَبُ جَمْعُ قُرْبَةٍ، وَهِيَ كُلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى (وَيُبْدَأُ) مِنْهَا (بِالْغَزْوِ نَدْبًا) نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ يُجَزَّأُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءٌ فِي الْجِهَادِ، وَجُزْءٌ يُتَصَدَّقُ بِهِ فِي قَرَابَتِهِ، وَجُزْءٌ فِي الْحَجِّ. وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ وَالتَّحْدِيدِ، بَلْ يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي جِهَاتِ الْبِرِّ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْعُمُومِ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَرُبَّمَا كَانَ غَيْرُ هَذِهِ الْجِهَاتِ أَحْوَجَ مِنْ بَعْضِهَا وَأَحَقَّ، وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى تَكْفِينِ مَيِّتٍ وَإِصْلَاحِ طَرِيقٍ وَفَكِّ أَسِيرٍ وَإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ أَكْثَرَ مِنْ دُعَائِهَا إلَى حَجِّ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فَتَكْلِيفُ وُجُوبِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَاجِبًا وَتَعَبًا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَرَاحَهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَقْدِيمُ هَذَا عَلَى مَا مَصْلَحَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ دَاعِيَةٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، تَحَكُّمٌ لَا مَعْنَى لَهُ. (وَ) إنْ قَالَ الْمُوصِي لِمَنْ جَعَلَ لَهُ صَرْفَ ثُلُثِهِ (ضَعْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 ثُلُثِي حَيْثُ أَرَاك اللَّهُ) أَوْ حَيْثُ يُرِيكَ اللَّهُ (فَلَهُ صَرْفُهُ فِي أَيِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرَبِ) رَأَى وَضْعَهُ فِيهِ؛ عَمَلًا بِمُقْتَضَى وَصِيَّتِهِ (وَالْأَفْضَلُ صَرْفُهُ لِفُقَرَاءِ أَقَارِبِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوصِي غَيْرِ الْوَارِثِينَ؛ لِأَنَّهَا فِيهِمْ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي أَقَارِبُ مِنْ النَّسَبِ (فَ) إلَى (مَحَارِمِهِ مِنْ الرَّضَاعِ) كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ رَضَاعٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَحَارِمَ مِنْ الرَّضَاعِ (ف) إلَى (جِيرَانِهِ) الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ إلَى مَا يَرَاهُ، فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالتَّحَكُّمِ، وَلَوْ وَصَّى بِفِكَاكِ الْأَسْرَى أَوْ وَقَفَ مَالًا عَلَى فِكَاكِهِمْ؛ صُرِفَ مِنْ يَدِ الْوَصِيِّ أَوْ وَكِيلِهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْتَرِضَ عَلَيْهِ، وَيُوَفِّيَهُ مِنْهُ؛ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْجِهَاتِ. وَمَنْ افْتَكَّ أَسِيرًا غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ جَازَ صَرْفُ الْمَالِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَرَضَ غَيْرُ الْوَصِيِّ مَالًا فَكَّ بِهِ أَسِيرًا جَازَتْ تَوْفِيَتُهُ مِنْهُ. وَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ الْوَصِيُّ فِي افْتِكَاكِهِمْ مِنْ أُجْرَةٍ صُرِفَ مِنْ الْمَالِ. وَلَوْ تَبَرَّعَ بَعْضُ أَهْلِ الثَّغْرِ بِفِدَائِهِ، وَاحْتَاجَ الْأَسِيرُ إلَى نَفَقَةِ الْإِيَابِ؛ صُرِفَ مِنْ مَالِ الْأَسْرَى، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ عَلَى افْتِكَاكِهِمْ أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَى بُلُوغِ مَحِلِّهِ. قَالَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ". (وَإِنْ وَصَّى) مَنْ لَا حَجَّ عَلَيْهِ (أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ؛ صُرِفَ) الْأَلْفُ (مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ) الْحَجُّ (تَطَوُّعًا فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى) لِمَنْ يَحُجُّ (رَاكِبًا) كَانَ الْحَاجُّ عَنْ الْمُوصِي (أَوْ رَاجِلًا يَدْفَعُ لِكُلٍّ) مِنْ الرَّاكِبِ وَالرَّاجِلِ (قَدْرَ مَا يَحُجُّ بِهِ) فَقَطْ، فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ التَّصَرُّفَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ عِوَضَ الْمِثْلِ كَالتَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (حَتَّى يَنْفُذَ) الْأَلْفُ، لِأَنَّهُ وَصَّى بِجَمِيعِهِ فِي جِهَةِ قُرْبَةٍ، فَوَجَبَ صَرْفُهُ فِيهَا، كَمَا لَوْ وَصَّى فِي سَبِيلِ اللَّهِ (فَلَوْ لَمْ يَكْفِ الْأَلْفُ) أَنْ يَحُجَّ بِهِ مِنْ بَلَدِ مُوصٍ (أَوْ) صَرَفَ مِنْهُ فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، وَلَمْ تَكْفِ (الْبَقِيَّةُ) لِلْحَجِّ (حَجَّ بِهِ) ؛ أَيْ: الْبَاقِي (مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ عَيَّنَ صَرْفَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ، فَصُرِفَ فِيهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَلَا يَصِحُّ حَجُّ وَصِيٍّ بِإِخْرَاجِهَا) ؛ أَيْ: إخْرَاجِ نَفَقَةِ الْحَجِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 نُصَّ عَلَيْهِ، قَالَ: لِأَنَّهُ مُنَفِّذٌ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: تَصَدَّقْ بِهِ، لَا يَأْخُذُهُ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَأْخَذَ الْمَنْعِ عَدَمُ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ. (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا (حَجُّ وَارِثٍ) بِهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُوصِي جَعْلُهُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمُوصِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ؛ جَازَ، وَيُجْزِئُ أَنْ يُحَجَّ عَمَّنْ أَوْصَى بِالْحَجِّ، وَلَا حَجَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمِيقَاتِ حَمْلًا عَلَى أَدْنَى الْحَالَاتِ؛ وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّائِدِ، وَلِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا تَنَاوَلَ الْحَجَّ، وَفِعْلُهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَقَطْعُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَسَافَةِ لَيْسَ مِنْهُ. (وَإِنْ قَالَ) يَحُجُّ عَنِّي (حَجَّةً بِأَلْفٍ دَفَعَ الْكُلَّ لِمَنْ يَحُجُّ) بِهِ عَنْهُ حَجَّةً وَاحِدَةً؛ عَمَلًا بِمُقْتَضَى وَصِيَّتِهِ وَتَنْفِيذًا لَهَا (فَإِنْ عَيَّنَهُ) الْمُوصِي بِأَنْ قَالَ: يَحُجُّ عَنِّي زَيْدٌ حَجَّةً بِأَلْفٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لَهُ: أَنْ حُجَّ، وَلَهُ أَخْذُهُ قَبْلَ التَّوَجُّهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التَّجْهِيزِ بِهِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْأَخْذُ قَبْلَهُ، لَكِنْ لَا يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ جُعِلَ لَهُ عَلَى صِفَةٍ، فَلَا يَمْلِكُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَلَا يُعْطَى الْمَالُ إلَّا أَيَّامَ الْحَجِّ احْتِيَاطًا لِلْمَالِ، وَلِأَنَّهُ مَعُونَةٌ فِي الْحَجِّ؛ فَلَيْسَ مَأْذُونًا فِيهِ قَبْلَ وَقْتِهِ (فَ) إنْ (أَبَى) زَيْدٌ (الْحَجَّ) ، وَقَالَ: اصْرِفُوا لِي الْفَضْلَ لَمْ يُعْطَهُ، وَ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ فِي حَقِّهِ؛ أَيْ: بَطَلَ تَعْيِينُهُ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ فِيهَا حَقٌّ لِلْحَجِّ وَحَقٌّ لِلْمُوصَى لَهُ، فَإِذَا رَدَّ بَطَلَ فِي حَقِّهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ كَقَوْلِهِ: بِيعُوا عَبْدِي لِفُلَانٍ، وَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ. وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقْدِرْ الْمُوصَى لَهُ بِفَرَسٍ فِي السَّبِيلِ عَلَى الْخُرُوجِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ (وَيَحُجُّ عَنْهُ) ثِقَةٌ سِوَى الْمُعَيَّنِ الرَّادِّ (بِأَقَلِّ مَا يُمْكِنُ) مِنْ النَّفَقَةِ لِمِثْلِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالنَّائِبُ أَمِينٌ فِيمَا أُعْطِيهِ لِيَحُجَّ مِنْهُ، (وَالْبَقِيَّةُ) بَعْدَ نَفَقَةِ مِثْلِهِ (لِلْوَرَثَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَصْرَفَ لَهَا؛ لِبُطْلَانِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ بِامْتِنَاعِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْحَجِّ؛ كَمَا لَوْ وَصَّى بِهِ لِإِنْسَانٍ، فَرَدَّ الْوَصِيَّةَ (فِي) حَجِّ (فَرْضٍ وَنَفْلٍ) وَلِلنَّائِبِ تَأْخِيرُ الْحَجِّ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ (وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ) الْمُعَيَّنُ مِنْ الْحَجِّ (أُعْطَى الْأَلْفَ) ؛ لِأَنَّهُ مُوصَى لَهُ بِالزِّيَادَةِ بِشَرْطِ حَجِّهِ، وَقَدْ بَذَلَ نَفْسَهُ لِلْحَجِّ، فَوَجَبَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا قَالَ مُوصٍ (وَحُسِبَ الْفَاضِلُ) مِنْ الْأَلْفِ (عَنْ نَفَقَةِ مِثْلٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 لِتِلْكَ الْحَجَّةِ (فِي فَرْضٍ) مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَدْرُ الْمُتَبَرَّعُ بِهِ، وَتَكُونُ نَفَقَةُ الْمِثْلِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ (وَ) حُسِبَ (الْأَلْفُ) جَمِيعُهُ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ (فِي) حَجِّ (نَفْلٍ مِنْ الثُّلُثِ) ؛ لِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ بِأَلْفٍ بِشَرْطِ الْحَجِّ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي حَجَّةً، وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرًا مِنْ الْمَالِ؛ دَفَعَ إلَى مَنْ يَحُجُّ قَدْرَ نَفَقَةِ الْمِثْلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لَا يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا. (وَلَوْ وَصَّى بِثَلَاثِ حِجَجٍ إلَى ثَلَاثَةٍ، صَحَّ صَرْفُهَا) إلَى ثَلَاثَةٍ (فِي عَامٍ وَاحِدٍ) لِإِطْلَاقِ الْوَصِيَّةِ وَإِمْكَانِ الْفِعْلِ. قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: وَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّأْخِيرِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُوصِي فَرْضٌ، فَيُحْرِمُ النَّائِبُ بِالْفَرْضِ أَوَّلًا؛ لِتَقَدُّمِهِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِهِ قَبْلَهُ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ، وَكَذَا إنْ وَصَّى بِثَلَاثِ حِجَجٍ وَلَمْ يَقُلْ إلَى ثَلَاثَةٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ وَأَمْكَنَ أَنْ يُسْتَنَابَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي عَامٍ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: صُرِفَ فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى - أَيْ: بَعْدَ الصَّرْفِ فِي حَجَّةٍ أُخْرَى - كَمَا يَمِيلُ إلَيْهِ كَلَامُ الْحَارِثِيِّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ بِالْمُبَاشَرَةِ إلَّا بِحَجَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّسِعُ لِأَكْثَرَ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِالنَّائِبِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ إذَا تَعَدَّدَ أَمْكَنَ الِاتِّسَاعُ، فَأَمْكَنَ تَعَدُّدُ الْوُقُوعِ (وَتَلَفُ مَالٍ بِطَرِيقٍ عَلَى مُوصٍ) غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى النَّائِبِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ بِالْإِذْنِ فِي إثْبَاتِ يَدِهِ أَشْبَهَ الْمُودَعَ وَالتَّصَرُّفُ بِالْإِنْفَاقِ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا، وَلَا يَزِيدُ ائْتِمَانًا؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ كَمَا فِي إنْفَاقِ الْمُضَارِبِ بِالْإِذْنِ (وَلَيْسَ عَلَى نَائِبٍ) تَلِفَتْ النَّفَقَةُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ (إتْمَامُ حَجٍّ) وَلَا يَضْمَنُ مَا كَانَ أَنْفَقَ؛ لِوُجُودِ الْإِذْنِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَوْ أُحْصِرَ أَوْ مَرِضَ أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ؛ لِلْإِذْنِ فِيهِ. وَإِنْ رَجَعَ خَشْيَةَ أَنْ يَمْرَضَ وَجَبَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ، وَالْعُذْرُ مَوْهُومٌ، وَلِلْمَعْذُورِ مِمَّنْ ذَكَرَ نَفَقَةُ الرُّجُوعِ، وَإِنْ مَضَى مَنْ ضَاعَتْ مِنْهُ النَّفَقَةُ، فَمَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالٍ اسْتَدَانَهُ؛ رَجَعَ بِهِ عَلَى التَّرِكَةِ إذَا عَادَ إنْ كَانَ وَاجِبًا، وَإِنْ مَضَى هَذَا الضَّائِعُ مِنْهُ النَّفَقَةُ لِلْحَجِّ عَنْ آخَرَ بِنَفَقَةٍ يَأْخُذُهَا، جَازَ؛ لِانْقِطَاعِ عَلَاقَتِهِ عَنْ الْأَوَّلِ بِنَفَادِ نَفَقَتِهِ، وَلِانْتِفَاءِ اللُّزُومِ، وَعَلَى الْمُوصِي اسْتِنَابَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 ثِقَةٍ؛ لِأَنَّ فِي الْحَجِّ أَمَانَةً؛ فَإِنَّ مَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَيْهِ النِّيَّةُ، وَلَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ ثِقَةً لَا يَبْرَأُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ. (وَوَصِيَّةٌ بِصَدَقَةٍ) بِمَالٍ (أَفْضَلُ مِنْ وَصِيَّتِهِ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ. (وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ بِأَلْفٍ، فَأَعْتَقُوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ نَسَمَةً بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لَزِمَهُمْ عِتْقُ نَسَمَةٍ (أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ) حَيْثُ احْتَمَلَ الثُّلُثُ الْأَلْفَ اسْتِدْرَاكًا لِبَاقِي الْوَاجِبِ. (وَإِنْ قَالَ) الْمُوصِي: اعْتِقُوا (أَرْبَعَةَ) أَعْبُدٍ (بِكَذَا) كَخَمْسِمِائَةٍ (جَازَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمْ) بِأَنْ يُشْتَرَى وَاحِدٌ بِمِائَةٍ وَآخَرُ بِمِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ، وَآخَرُ بِثَمَانِينَ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ (مَا لَمْ يُسَمِّ لِكُلٍّ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ (ثَمَنًا مَعْلُومًا) فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَا قَالَ. (وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ عَبْدِ زَيْدٍ وَوَصِيَّةً لَهُ) بِأَنْ قَالَ: يُشْتَرَى عَبْدُ زَيْدٍ وَيَعْتِقُ وَيُعْطَى مِائَةً (فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ؛ أَخَذَ الْعَبْدُ الْوَصِيَّةَ) بِالْمِائَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ أَوْصَى بِوَصِيَّتَيْنِ عِتْقِهِ وَإِعْطَائِهِ الْمِائَةَ، فَإِذَا فَاتَ عِتْقُهُ لِسَبْقِ سَيِّدِهِ بِهِ بَقِيَتْ الْأُخْرَى. (وَ) لَوْ وَصَّى (بِعِتْقِ عَبْدٍ) مِنْ عَبِيدِهِ (بِأَلْفٍ) نَفَذَ ذَلِكَ إنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ (اُشْتُرِيَ) عَبْدٌ (بِثُلُثِهِ) ؛ أَيْ: ثُلُثِ الْمَالِ (إنْ لَمْ يَخْرُجْ) الْأَلْفُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ. (وَلَوْ وَصَّى بِشِرَاءِ فَرَسٍ) لَهُ (لِلْغَزْوِ بِمُعَيَّنٍ) كَأَلْفٍ (وَ) وَصَّى (بِمِائَةٍ نَفَقَةً) لِلْفَرَسِ (فَاشْتُرِيَ) الْفَرَسُ (بِأَقَلَّ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْأَلْفِ وَالْحَالُ أَنَّ الثُّلُثَ يَحْتَمِلُ الْأَلْفَ وَالْمِائَةَ (فَبَاقِيهِ) ؛ أَيْ: الْأَلْفِ (نَفَقَةٌ) لِلْفَرَسِ نُصَّ عَلَيْهِ، (لَا إرْثَ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْأَلْفَ وَالْمِائَةَ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْفَرَسُ فِيهِمَا، فَهُمَا مَالٌ وَاحِدٌ، بَعْضُهُ لِلثَّمَنِ، وَبَعْضُهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيرُ الثَّمَنِ لِتَحْصِيلِ صِفَةٍ، فَإِذَا حَصَلَتْ فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ، فَيَخْرُجُ الثَّمَنُ مِنْ الْمَالِ وَتَبْقَى بَقِيَّتُهُ لِلنَّفَقَةِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَّى بِعِتْقِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ، فَاشْتَرَوْا مَا يُسَاوِيهِ بِثَمَانِمِائَةٍ فَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، فَإِنَّهُ لَا مَصْرَفَ لَهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. (وَإِنْ وَصَّى لِأَهْلِ سِكَّتِهِ) (فَا) لْمُوصَى بِهِ (لِأَهْلِ زُقَاقِهِ) بِضَمِّ الزَّايِ - أَيْ: زُقَاقِ الْمُوصِي - وَالْجَمْعُ أَزِقَّةٌ. قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ: أَهْلُ الْحِجَازِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 يُؤَنِّثُونَ الزُّقَاقَ وَالطَّرِيقَ وَالسَّبِيلَ وَالصِّرَاطَ وَالسُّوقَ، وَتَمِيمٌ تُذَكِّرُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ خِطِّهِ - بِكَسْرِ الْخَاءِ - وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلُ الْعُرْفِ يَقُولُهُ بِالضَّمِّ، يَسْتَحِقُّهَا أَهْلُ دَرْبِهِ وَمَا قَارَبَهُ مِنْ الشَّارِعِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ، وَالدَّرْبُ فِي الْأَصْلِ بَابُ السِّكَّةِ الْوَاسِعُ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَأَصْلُ السِّكَّةِ الطَّرِيقُ الْمُصْطَفَّةُ مِنْ النَّخْلِ وَسُمِّيَ الدَّرْبُ سِكَّةً لِاصْطِفَافِ الْبُيُوتِ بِهِ، فَإِذَا أَوْصَى لِأَهْلِ سِكَّتِهِ أُعْطِيَ لِأَهْلِ دَرْبِهِ لِذَلِكَ؛ وَقَدْ كَانَتْ الدُّرُوبُ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ تُسَمَّى سِكَكًا، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُوصَى بِهِ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ مَنْ كَانَ سَاكِنًا فِيهِ (حَالَ الْوَصِيَّةِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْحَقُ أَعْيَانَ سُكَّانِهَا الْمَوْجُودِينَ لِحَصْرِهِمْ. [تَتِمَّةٌ وَصَّى بِمَا فِي كِيسٍ مُعَيَّنٍ] تَتِمَّةٌ: لَوْ وَصَّى بِمَا فِي كِيسٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْمُتَجَدِّدَ فِيهِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ. وَلَوْ وَصَّى لِأَهْلِ الْعِلْمِ، فَلِمَنْ اتَّصَفَ بِهِ؛ أَوْ لِأَهْلِ الْقُرْآنِ فَلِلْحَفَظَةِ. ذَكَرَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ. (وَ) لَوْ وَصَّى (لِجِيرَانِهِ تَنَاوَلَ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْجَارُ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَالْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ حَارَتِهِ (وَتُقَسَّمُ) الْوَصِيَّةُ (عَلَى عَدَدِ الدُّورِ، ثُمَّ تُقَسَّمُ حِصَّةُ كُلِّ دَارٍ عَلَى سُكَّانِهَا) لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِضَافَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ (وَجِيرَانُ الْمَسْجِدِ مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ) لِحَدِيثِ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْأَعْمَى لَمَّا سَأَلَهُ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَأَجِبْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَ) إنْ وَصَّى (لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ) (أَوْ) وَصَّى (لِأَقْرَبِ قَرَابَتِهِ أَوْ) وَصَّى (لِأَقْرَبِهِمْ رَحِمًا) لَا يُدْفَعُ إلَى الْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ، فَلَوْ مَاتَ مُوصٍ لِأَحَدِ مَنْ ذُكِرَ (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصِي (أَبٌ وَابْنٌ) فَهُمَا سَوَاءٌ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُدْلِي بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، (أَوْ) كَانَ لَهُ (جَدٌّ وَأَخٌ) لِغَيْرِ أُمٍّ (فَهُمَا سَوَاءٌ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 حَيْثُ لَمْ يَرِثَا لِمَانِعٍ، أَوْ أُجِيزَ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ وَالْأَخَ يُدْلِيَانِ بِالْأَبِ (وَأَخٌ مِنْ أَبٍ وَأَخٌ مِنْ أُمٍّ لَوْ دَخَلَ) الْأَخُ لِأُمٍّ (فِي الْقَرَابَةِ سَوَاءٌ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ، وَالْمَذْهَبُ: لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْأُمِّ فِي الْقَرَابَةِ، وَيَأْتِي اسْتِدْرَاكُ الْمُصَنِّفِ (وَكَذَا جَدُّهُ لِأَبِيهِ وَجَدُّهُ لِأُمِّهِ) فِي الْقَرَابَةِ سَوَاءٌ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ (وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُ فِي الْقُرْبَةِ مَنْ هُوَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ) كَالْأَخِ لِأُمٍّ وَالْجَدِّ لَهَا وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ (وَوَلَدُ الْأَبَوَيْنِ أَحَقُّ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: مِنْ الْأَخِ لِأَبٍ فَقَطْ وَالْأَخِ لِأُمٍّ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ قَرَابَتَانِ أَقْرَبُ مِمَّنْ لَهُ قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ (وَالذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ فِيهَا) سَوَاءٌ؛ أَيْ: الْقَرَابَةِ، فَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَالْأَخُ وَالْأُخْتُ سَوَاءٌ، وَالْأَبُ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الِابْنِ وَمِنْ الْجَدِّ وَمِنْ الْإِخْوَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ يُدْلِي بِلَا وَاسِطَةٍ أَقْرَبُ مِمَّنْ يُدْلِي بِوَاسِطَةٍ، وَكُلُّ مَنْ قُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ قُدِّمَ وَلَدُهُ، فَيُقَدَّمُ ابْنُ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ أَخٍ لِأَبٍ إلَّا الْجَدَّ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى بَنِي إخْوَةِ الْمُوصِي مَعَ أَنَّهُ يَسْتَوِي مَعَ آبَائِهِمْ، وَإِلَّا أَخَاهُ لِأَبِيهِ؛ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ لِأَبَوَيْهِ كَمَا فِي الْإِرْثِ، مَعَ أَنَّ الْأَخَ لِأَبَوَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ كَمَا تَقَدَّمَ. [تَنْبِيهٌ وَصَّى لِقَرَابَتِهِ أوأهل بَيْتِهِ أَوْ جِيرَانِهِ أَوْ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَنَحْوِهِ] تَنْبِيهٌ: لَوْ وَصَّى لِقَرَابَتِهِ أَوْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ جِيرَانِهِ أَوْ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَدْخُلْ مَنْ وُجِدَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ كَمَنْ وُجِدَ بَعْدَ الْمَوْتِ. [فَائِدَةٌ وَصَّى أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ] فَائِدَةٌ: لَوْ وَصَّى أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ، لَمْ تُنَفَّذْ وَصِيَّتُهُ، وَصُرِفَتْ الدَّرَاهِمُ فِي الصَّدَقَةِ، وَيَخْتَصُّ بِهَا أَهْلُ الصَّلَاةِ. وَلَوْ وَصَّى أَنْ يُشْتَرَى مَكَانَ مُعَيَّنٌ، فَيُوقَفُ عَلَى جِهَةِ بِرٍّ، فَلَمْ يُبَعْ ذَلِكَ الْمَكَانُ؛ اُشْتُرِيَ مَكَانٌ آخَرُ وَوُقِفَ عَلَيْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا قَالَ: بِيعُوا غُلَامِي مِنْ زَيْدٍ، وَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهِ، فَامْتَنَعَ زَيْدٌ مِنْ شِرَائِهِ؛ فَإِنَّهُ يُبَاعُ مِنْ غَيْرِهِ، وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ. وَلَوْ وَصَّى بِمَالٍ يُنْفَقُ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ، صُرِفَ فِي الْقُرَبِ. قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ. [فَصْلٌ الْوَصِيَّةُ لِنَحْوِ كَنِيسَةٍ أَوْ بَيْتِ نَارٍ] (فَصْلٌ: وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِنَحْوِ كَنِيسَةٍ) كَدَيْرٍ وَبِيعَةٍ (أَوْ بَيْتِ نَارٍ) أَوْ صَوْمَعَةٍ أَوْ مَكَانٍ مِنْ أَمَاكِنِ الْكُفْرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِبِنَائِهَا أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 إصْلَاحِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ كَشِرَاءِ حُصْرِهَا وَشُعَلِ قَنَادِيلِهَا وَخِدْمَتِهَا وَلَوْ مِنْ ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ؛ فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِهِ، كَوَصِيَّتِهِ بِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ لِلْفُجُورِ أَوْ شِرَاءِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ (أَوْ كُتُبٍ نَحْوِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) كَالزَّبُورِ وَالصُّحُفِ، وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ ذِمِّيٍّ فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَالِاشْتِغَالُ بِهَا غَيْرُ جَائِزٍ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ، «وَقَدْ غَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ شَيْئًا مَكْتُوبًا مِنْ التَّوْرَاةِ» . (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكِتَابَةِ كُتُبِ (سِحْرٍ) وَتَعْزِيمٍ وَتَنْجِيمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْكُتُبِ الْمُحَرَّمَةِ؛ لِأَنَّهَا إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، (وَلَا) لِكِتَابَةِ (عِلْمِ كَلَامٍ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ مِنْ الْعِلْمِ، وَيَأْتِي إذْ لَوْ وَصَّى إنْسَانٌ لِآخَرَ بِكُتُبِ عِلْمٍ لَا تَدْخُلُ فِيهَا كُتُبُ الْكَلَامِ. (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعَامَّةِ (الْيَهُودِ وَ) لَا (النَّصَارَى) ، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ؛ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لَهُ، وَتَقَدَّمَ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ جَعْلُ الْكُفْرِ أَوْ الْجَهْلِ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ. فَلَوْ وَصَّى (لِأَجْهَلِ النَّاسِ) لَمْ تَصِحَّ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْبُسْتِيُّ: أَجْهَلُ النَّاسِ مَنْ كَانَ عَلَى السُّلْطَانِ مُدِلًّا وَلِلْإِخْوَانِ مُذِلًّا؛ أَيْ: كَأَتْبَاعِ الظَّلَمَةِ الَّذِينَ يَبِيعُونَ دِينَهُمْ بِدِينِ غَيْرِهِمْ، وَلَا يُبَالُونَ بِتَحْصِيلِ الْمَالِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ، وَلَا يَبْتَغُونَ سِوَى مَرْضَاةِ مَنْ يُوَلِّيهِمْ الْوِلَايَاتِ، وَيُبَارِزُونَ لِأَجْلِهِ جَبَّارَ السَّمَوَاتِ، مَعَ أَنَّهُ يَنْتَقِمُ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَيُذِيقُهُمْ شَدِيدَ الْعَذَابِ مَعَ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ، وَبِمُجَرَّدِ خَلَاصِهِمْ مِمَّا لَهُ مِنْ أَشْرَاكٍ يَتَوَسَّلُونَ إلَيْهِ لِيُعِيدَهُمْ إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الِانْهِمَاكِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَجْهَلُ النَّاسِ وَأَطْوَعُهُمْ لِمَتْبُوعِهِمْ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، فَمَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الرَّدِيئَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ لَهُ الْوَصِيَّةُ، بَلْ يَعُودُ كَبَاقِي التُّرَاثِ، وَيَحُوزُهَا أَقَارِبُ الْمُوصِي مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْبِرُّ وَالصِّلَةُ، وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا، وَفِي دَفْعِهَا إلَيْهِمْ إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى تَمَادِيهِمْ فِي الظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي بِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ لِتَمَكُّنِ الْجَهْلِ مِنْهُمْ وَاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِمْ، وَفِي تَارِيخِ ابْنِ النَّجَّارِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 أَنَّ الذُّبَابَ كَانَ لَا يَقَعُ عَلَى جَسَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَلَى ثِيَابِهِ، وَهُوَ أَجْهَلُ الْخَلْقِ؛ لِأَنَّهُ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي الْهَلَكَةِ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِجِنِّيٍّ أَوْ مَلِكٍ أَوْ مَيِّتٍ) ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ، [وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ] فَلَمْ يَصِحَّ لَهُمْ كَالْهِبَةِ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ لِشَخْصٍ (مُبْهَمٍ كَأَحَدِ هَذَيْنِ) لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمُوصَى بِهِ شَرْطٌ، فَإِذَا قَالَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ فَقَدْ أَبْهَمَ الْمُوصَى لَهُ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِبِنَاءِ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ مَارٌّ) ؛ أَيْ: مُجْتَازٌ (مِنْ أَهْلِ ذِمَّةٍ أَوْ) أَهْلِ (حَرْبٍ، خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " كَذَا قَالَ مَعَ أَنَّ مَا فِي " الْإِقْنَاعِ " قَطَعَ بِهِ " الْمُوَفَّقُ " وَ " الشَّارِحُ " وَ " الْمُبْدِعُ " وَشَارِحُ " الْمُنْتَهَى " وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ يَحْكُوا فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا، وَعِبَارَتُهُمْ: وَإِنْ وَصَّى بِبِنَاءِ بَيْتٍ لِيَسْكُنَهُ الْمُجْتَازُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ صَحَّ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ مَسَاكِنِهِمْ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ. (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِبَهِيمَةٍ إنْ قَصَدَ) الْمُوصِي (تَمْلِيكَهَا) لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِفَرَسِ زَيْدٍ، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى بِهِ زَيْدٌ (وَيُصْرَفُ) الْمُوصَى بِهِ (فِي عَلَفِهِ) رِعَايَةً لِقَصْدِ الْمُوصِي (فَإِنْ مَاتَ) الْفَرَسُ قَبْلَ إنْفَاقِ الْكُلِّ عَلَيْهِ (فَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ) ؛ أَيْ: وَرَثَةِ الْمُوصِي لَا لِمَالِكِ الْفَرَسِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ، وَهِيَ الصَّرْفُ فِي مَصْلَحَةِ دَابَّتِهِ رِعَايَةً لِقَصْدِ الْمُوصِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: بِحَيْثُ يَتَوَلَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 الْوَصِيُّ أَوْ الْحَاكِمُ الْإِنْفَاقَ لَا الْمَالِكُ، أَمَّا الْوَارِثُ فَلِأَنَّهُ قَدْ يُتَّهَمُ، وَأَمَّا الْمَالِكُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ. (وَإِنْ) (أَوْصَى لِمَنْ) ؛ أَيْ: مَيِّتٍ (يَعْلَمُ) الْمُوصِي (مَوْتَهُ أَوْ لَا) يَعْلَمُ مَوْتَهُ (وَحَيٍّ) (فَلِلْحَيِّ النِّصْفُ) وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ مُوصٍ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَيْهِمَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ؛ بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ، وَبَقِيَ نَصِيبُ الْحَيِّ وَهُوَ النِّصْفُ. (وَكَذَا) إنْ وَصَّى (لِحَيَّيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا) قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَلِلْحَيِّ النِّصْفُ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. (وَ) إنْ وَصَّى (لَهُ) ؛ أَيْ: لِإِنْسَانٍ حَيٍّ (وَلِمَلِكٍ، أَوْ) وَوَصَّى لَهُ (وَلِحَائِطٍ بِالثُّلُثِ) كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِزَيْدٍ وَجِبْرِيلَ مَثَلًا، أَوْ لَهُ وَلِحَائِطٍ (فَلَهُ) ؛ أَيْ؛ زَيْدٍ فِي الْمِثَالِ (الْجَمِيعُ) ؛ أَيْ: جَمِيعُ الثُّلُثِ نَصًّا؛ لِأَنَّ مَنْ أَشْرَكَهُ مَعَهُ لَا يَمْلِكُ؛ فَلَا يَصِحُّ التَّشْرِيكُ، وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا (لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِنَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ (غَيْرِ نَبِيِّنَا) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا تَصِحُّ لَهُ، وَتُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي صِحَّتِهَا لَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اخْتِصَاصُهُ بِالْغَنِيمَةِ دُونَ غَيْرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] . الْآيَةَ. وَكَأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنَى الْغَنِيمَةِ، فَلِذَلِكَ صَحَّتْ لَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَ) الْمُوصَى بِهِ (نِصْفَانِ) بَيْنَهُمَا (وَمَا لِلَّهِ أَوْ الرَّسُولِ فَ) يُصْرَفُ (فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ) كَالْفَيْءِ. (وَ) إنْ وَصَّى (بِثُلُثِهِ) ؛ أَيْ: ثُلُثِ مَالِهِ (لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ) فَأَجَازَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ وَصِيَّةَ الْوَارِثِ؛ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِضَافَةِ التَّسْوِيَةُ، وَإِنْ وَصَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُعَيَّنَيْنِ قِيمَتُهُمَا الثُّلُثُ، فَأَجَازَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ وَصِيَّةَ الْوَارِثِ، (فَ) الْوَصِيَّتَانِ لَهُمَا عَلَى مَا قَالَ الْمُوصِي؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ. وَإِنْ (رَدَّ الْوَرَثَةُ فَلِأَجْنَبِيٍّ السُّدُسُ) فِي الْأُولَى وَلِلْمُعَيَّنِ الْمُوصَى لَهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ؛ لِعَدَمِ إجَازَتِهَا. (وَ) إنْ وَصَّى لَهُمَا (بِثُلُثَيْهِ) سَوِيَّةً (فَرَدُّوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ (نِصْفَهَا) ؛ أَيْ: الْوَصِيَّةِ (وَهُوَ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ) بِلَا تَعْيِينِ نَصِيبِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ الْوَارِثَ يُزَاحِمُ الْأَجْنَبِيَّ مَعَ الْإِجَازَةِ، فَإِذَا رَدُّوا؛ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (وَلَوْ رَدُّوا نَصِيبَ وَارِثٍ) فَقَطْ (أَوْ أَجَازُوا) الْوَصِيَّةَ (لِلْأَجْنَبِيِّ) فَقَطْ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْأَجْنَبِيِّ (الثُّلُثُ) كَامِلًا (كَإِجَازَتِهِمْ لِلْوَارِثِ) فَيَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا لَهُمَا وَيَرُدُّوا عَلَيْهِمَا، فَلَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا لِأَحَدِهِمَا، وَيَرُدُّوا عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ رَدُّوا وَصِيَّةَ الْوَارِثِ وَنِصْفَ وَصِيَّةِ الْأَجْنَبِيِّ؛ فَلِلْأَجْنَبِيِّ السُّدُسُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا الثُّلُثَ لَهُمَا، فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ، فَإِذَا رَجَعُوا فِيمَا لِلْوَارِثِ لَمْ يَزِدْ الْأَجْنَبِيَّ عَلَى مَالِهِ حَالَ الْإِجَازَةِ لِلْوَارِثِ، وَلَوْ أَرَادُوا نَقْصَ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ نِصْفِ وَصِيَّتِهِ لَمْ يَمْلِكُوا ذَلِكَ، أَجَازُوا لِلْوَارِثِ أَوْ رَدُّوا. وَإِنْ وَصَّى بِثُلُثِهِ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ، وَقَالَ: إنْ رَدُّوا وَصِيَّةَ الْوَارِثِ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْأَجْنَبِيِّ، فَرَدُّوا وَصِيَّةَ الْوَارِثِ؛ فَكَمَا قَالَ الْمُوصِي، وَإِنْ أَجَازُوا لِلْوَارِثِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا. (وَ) مَنْ لَهُ ابْنَانِ فَقَطْ وَوَصَّى (بِمَالِهِ) كُلِّهِ (لِابْنَيْهِ وَأَجْنَبِيٍّ فَرَدَّاهَا) ؛ أَيْ: رَدَّ الِابْنَانِ الْوَصِيَّةَ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْأَجْنَبِيِّ (التُّسْعُ) لِأَنَّهُ بِالرَّدِّ رَجَعَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى الثُّلُثِ، وَالْمُوصَى لَهُ ابْنَانِ وَأَجْنَبِيٌّ، فَيَكُونُ لِلْأَجْنَبِيِّ التُّسْعُ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثُ الثُّلُثِ. (وَ) إنْ وَصَّى (بِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَلَهُ) ؛ أَيْ: زَيْدٍ (تُسْعٌ) وَالتُّسْعَانِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ كَالْوَصِيَّةِ لِثَلَاثِ جِهَاتٍ، فَوَجَبَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ وَصَّى لِثَلَاثِ أَنْفُسٍ (وَلَا يَسْتَحِقُّ) زَيْدٌ (مَعَهُمْ) ؛ أَيْ: الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (بِالْفَقْرِ) وَالْمَسْكَنَةِ شَيْئًا؛ لِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ الْمُغَايِرَةَ. وَلَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 بِثُلُثِهِ؛ قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ زَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ نِصْفَيْنِ، نِصْفٌ لِزَيْدٍ وَنِصْفُهُ لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَاسْتَوَيَا فِي قَدْرِ الِاسْتِحْقَاقِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَلَوْ قَالَ لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ؛ فَلِزَيْدٍ الثُّلُثُ، وَلَهُمَا الثُّلُثَانِ كَذَلِكَ. (وَلَوْ وَصَّى بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ وَبِشَيْءٍ) آخَرَ (لِلْفُقَرَاءِ) وَزَيْدٌ مِنْهُمْ؛ لَمْ يُشَارِكْهُمْ، (أَوْ وَصَّى) لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ وَ (لِجِيرَانِهِ وَزَيْدٌ مِنْهُمْ؛ لَمْ يُشَارِكْهُمْ) زَيْدٌ بِكَوْنِهِ جَارًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ وَصَّى لِقَرَابَتِهِ وَالْفُقَرَاءِ؛ فَلِقَرِيبٍ فَقِيرٍ سَهْمَانِ ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ وَصْفَيْهِ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِهِ، فَجَازَ تَعَدُّدُ اسْتِحْقَاقِهِ بِتَعَدُّدِ وَصْفِهِ. (وَ) لَوْ وَصَّى بِثُلُثِهِ (لِأَحَدِ هَذَيْنِ) بِأَنْ قَالَ: وَصَّيْت بِثُلُثِي لِأَحَدِ هَذَيْنِ، وَهُوَ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ مُبْهَمٌ كَأَحَدِ هَذَيْنِ (أَوْ) وَصَّى بِهِ (لِجَارِهِ) فُلَانٍ (أَوْ قَرِيبِهِ فُلَانٍ بِاسْمٍ مُشْتَرَكٍ؛ لَمْ يَصِحَّ) لِإِبْهَامِ الْمُوصَى لَهُ، وَتَعْيِينُهُ شَرْطٌ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ أَوْ غَيْرُهَا أَنَّهُ أَرَادَ مُعَيَّنًا مِنْهُمَا وَأَشْكَلَ؛ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَأُخْرِجَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمَا بِقُرْعَةٍ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ [الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ] . [ (فَ) لَوْ قَالَ: عَبْدِي (غَانِمٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ) ؛ أَيْ: غَانِمٍ مِائَةُ] (دِرْهَمٍ، وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصِي (عَبْدَانِ) مُسَمَّيَانِ (بِهَذَا الِاسْمِ) غَانِمٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي (عَتَقَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الْعَبْدَيْنِ الْمُسَمَّيَيْنِ بِهَذَا الِاسْمِ (بِقُرْعَةٍ وَلَا شَيْءَ لَهُ) ؛ أَيْ: لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (مِنْ الدَّرَاهِمِ) الْمُوصَى بِهَا، وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهَا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَلَمْ تَصِحَّ نَصًّا. (وَيَصِحُّ) قَوْلُ مُوصٍ: (أَعْطُوا ثُلُثِي لِأَحَدِهِمَا) كَأَعْتِقُوا أَحَدَ عَبْدَيَّ (وَيَلْزَمُ، وَخُيِّرَ وَرَثَةٌ) فِيمَنْ يُعْطُوهُ الثُّلُثَ مِنْهُمَا أَوْ يُعْتِقُوهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ الْعِتْقِ، فَصَحَّ جَعْلُهُ إلَى اخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ كَقَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ: بِعْ سِلْعَتِي مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ، بِخِلَافِ وَصَّيْت؛ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ لِمُبْهَمٍ. (وَلَوْ وَصَّى بِبَيْعِ عَبْدِهِ) الْمُعَيَّنِ لِمُعَيَّنٍ مِنْ اثْنَيْنِ؛ كَمَا لَوْ قَالَ لِوَصِيِّهِ: بِعْ عَبْدِي سَالِمًا (لِزَيْدٍ أَوْ) قَالَ: بِعْهُ (لِعُمَرَ، أَوْ) أَبْهَمَ فَقَالَ: بِعْهُ (لِأَحَدِهِمَا؛ صَحَّ، وَخُيِّرُوا) ؛ أَيْ: الْمَجْعُولُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الْأَخِيرَةِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 لِأَنَّ الْمُوصِيَ جَعَلَ لِوَصِيِّهِ تَعْيِينَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. [فَصَحَّتْ] وَالْوَصِيَّةُ بِبَيْعِ شَيْءٍ لِمَنْ يُعَيِّنُهُ الْمُوصِي أَوْ وَصِيُّهُ فِي ذَلِكَ، فِيهَا غَرَضٌ مَقْصُودٌ عُرْفًا، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ، ثُمَّ هَذَا تَارَةً يَكُونُ الْغَرَضُ الْإِرْفَاقَ بِالْعَبْدِ بِإِيصَالِهِ إلَى مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِحُسْنِ الْمَلَكَةِ وَإِعْتَاقِ الرِّقَابِ، وَتَارَةً يَكُونُ الْغَرَضُ الْإِرْفَاقَ بِالْمُشْتَرِي لِمَعْنًى يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ، فَلَوْ تَعَذَّرَ بَيْعُ الْعَبْدِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ، أَوْ أَبَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِثَمَنٍ عَيَّنَهُ الْمُوصِي أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الثَّمَنَ؛ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. (لَا) إنْ وَصَّى وَرَثَتَهُ (أَنْ يَبِيعُوهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدَ (وَيُطْلِقُ) فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُسْتَحِقٍّ، وَلَا مُسْتَحِقَّ هَاهُنَا. (وَلَوْ) (وَصَّى لِشَخْصٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً ثُمَّ هُوَ) ؛ أَيْ: الْعَبْدُ بَعْدَ خِدْمَتِهِ لِمُوصَى لَهُ سَنَةً (حُرٌّ، فَوَهَبَهُ) ؛ أَيْ: وَهَبَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ (الْخِدْمَةَ) عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ (أَوْ رَدَّ) الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ (عَتَقَ) الْعَبْدُ (مُنَجَّزًا) وَإِنْ وَهَبَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْخِدْمَةِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ عَتَقَ بِمُجَرَّدِ [الْهِبَةِ (لَا) أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ أَوْ الرَّدِّ إلَّا (بَعْدَ) مُضِيِّ (سَنَةٍ) مِنْ ابْتِدَاءِ الْخِدْمَةِ] (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ قَالَ: يَخْدُمُ عَبْدِي فُلَانًا سَنَةً، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ؛ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، أَوْ وَهَبَ لَهُ الْخِدْمَةَ؛ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بَعْدَ السَّنَةِ انْتَهَى. وَالْمُعْتَمَدُ مَا عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. (وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ) وَصَّى (بِوَقْفِهِ؛ لَزِمَ) الْعَمَلُ بِوَصِيَّتِهِ وُجُوبًا (وَلَمْ يَقَعْ) الْعِتْقُ أَوْ الْوَقْفُ (حَتَّى يُنَجِّزَهُ وَارِثُهُ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِذَلِكَ أَمْرٌ بِفِعْلِهِ، فَلَمْ يَقَعْ إلَّا بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ كَالتَّوْكِيلِ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ هُنَا يَلْزَمُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ (فَإِنْ أَبَى) وَارِثٌ تَنْجِيزَهُ (فَحَاكِمٌ) يُنَجِّزُهُ، وَيَكُونُ حُرًّا أَوْ وَقْفًا مِنْ حِينِ عَتَقَ أَوْ وُقِفَ، وَوَلَاؤُهُ لِمُوصٍ (وَكَسْبُهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَوْ وَقْفِهِ (بَيْنَ مَوْتِ) [مُوصٍ (وَتَنْجِيزِ) ] مَا وَصَّى بِهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ وَقْفٍ (إرْثٌ) لِبَقَائِهِ فِي الْمِلْكِ إلَى التَّنْجِيزِ. (وَ) قَالَ (فِي الرَّوْضَةِ) : الْقِنُّ (الْمُوصَى بِعِتْقِهِ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ، وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ (حُكْمُ) الْقِنِّ (الْمُدَبَّرِ فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 [بَابُ أَحْكَامِ الْمُوصَى بِهِ] (بَابُ أَحْكَامِ الْمُوصَى بِهِ) وَهُوَ آخِرُ أَرْكَانِ الْوَصِيَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَهِيَ مُوصٍ وَصِيغَةٌ، وَمُوصَى لَهُ وَمُوصَى بِهِ. (يُعْتَبَرُ) فِي الْمُوصَى بِهِ (إمْكَانُهُ) قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (فَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِمُدَبَّرٍ) لِعَدَمِ إمْكَانِهِ بِحُرِّيَّتِهِ بِمَوْتِ الْمُوصِي، وَلَا بِحَمْلِ أَمَتِهِ الْآيِسَةِ، وَلَا بِخِدْمَةِ أَمَتِهِ الزَّمِنَةِ. (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمُدَبَّرِ (مَا لَمْ يَقْتُلْ) الْمُدَبَّرُ (سَيِّدَهُ) فَإِنْ قَتَلَ سَيِّدَهُ وَلَوْ خَطَأً؛ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ، وَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ (وَنَحْوِهِ) كَمَا لَوْ قَتَلَ مُوصَى لَهُ مُوصِيًا فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْقَاتِلَ مِنْ الْمِيرَاثِ، فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْوَصِيَّةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَتَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يُعْتَبَرُ فِيهَا أَيْضًا (اخْتِصَاصُهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى بِهِ بِالْمُوصِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا كَجِلْدِ مَيِّتَةٍ وَنَحْوِهِ (فَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمَالِ غَيْرِهِ، وَلَوْ مَلَكَهُ بَعْدُ) كَمَا لَوْ قَالَ: وَصَّيْتُ لَكَ بِمَالِ زَيْدٍ أَوْ ثُلُثِهِ؛ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ - وَلَوْ مَلَكَ الْمُوصِي مَالَ زَيْدٍ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ - لِفَسَادِ الصِّيغَةِ حِينَئِذٍ بِإِضَافَةِ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ. (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِمَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَخَمْرٍ وَمَيْتَةٍ وَخِنْزِيرٍ وَسِبَاعٍ) مِنْ بَهَائِمَ وَطُيُورٍ (لَا تَصْلُحُ لِصَيْدٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 لِعَدَمِ نَفْعِهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ؛ فَلَا تَصِحُّ بِذَلِكَ كَالْهِبَةِ، وَقَدْ حَثَّ الشَّارِعُ عَلَى إرَاقَةِ الْخَمْرِ وَإِعْدَامِهِ، فَلَمْ يُنَاسِبْ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِمَا ذُكِرَ (إلَّا لِمُضْطَرٍّ لِأَكْلِهَا) أَوْ لِإِزَالَةِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ [يَجُوزُ] التَّنَاوُلُ مِنْ ذَلِكَ مِقْدَارَ إزَالَةِ الضَّرَرِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِإِنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ) إنَاءِ (فِضَّةٍ) لِأَنَّهُ مَالٌ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ؛ بِأَنْ يَكْسِرَهُ وَيَبِيعَهُ أَوْ يُغَيِّرَهُ عَنْ هَيْئَتِهِ، فَيَجْعَلُهُ حُلِيًّا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ. (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِمَا يَعْجِزُ) مُوصٍ (عَنْ تَسْلِيمِهِ) لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ حَالَ الْوَصِيَّةِ. (وَلِوَصِيٍّ) ؛ أَيْ: مُوصَى لَهُ (السَّعْيُ فِي تَحْصِيلِهِ) فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ. مِثَالُ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ (كَآبِقٍ) مِنْ رَقِيقٍ (وَشَارِدٍ) مِنْ دَوَابَّ (وَطَيْرٍ بِهَوَاءٍ وَحَمْلٍ بِبَطْنٍ وَلَبَنٍ بِضَرْعٍ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْمِيرَاثِ، وَهَذَا يُوَرَّثُ، فَيُوصَى بِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْحَمْلِ أَنْ يَكُونَ حَمْلَ أَمَةٍ أَوْ حَمْلَ بَهِيمَةٍ مَمْلُوكَةٍ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، فَجَرَى مَجْرَى إعْتَاقِهِ. وَيُعْتَبَرُ وُجُودُهُ فِي الْأَمَةِ بِمَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْحَمْلِ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ كَانَ حَمْلَ بَهِيمَةٍ اُعْتُبِرَ وُجُودُهُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ وُجُودُهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ. (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِمَعْدُومٍ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ بِالسَّلَمِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ، فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَ بِالْوَصِيَّةِ، وَذَلِكَ كَوَصِيَّتِهِ (بِمَا تَحْمِلُ أَمَتُهُ) أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (أَوْ) بِمَا تَحْمِلُ (شَجَرَتُهُ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً) كَسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يَضْمَنُ الْوَارِثُ السَّقْيَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ تَسْلِيمَهَا، بِخِلَافِ مُشْتَرَكٍ، (وَ) كَوَصِيَّةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 (بِمِائَةٍ) مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِهَا لَا يَمْلِكُهَا مُوصٍ حَالَ وَصِيَّتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْوَصِيَّةِ بِمَالِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْهَا إلَى مِلْكِ إنْسَانٍ سِوَاهُ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ) مِمَّا وَصَّى بِهِ مِنْ الْمَعْدُومِ؛ فَلِمُوصَى لَهُ (أَوْ قَدَرَ) مُوصٍ (عَلَى الْمِائَةِ) الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ، (أَوْ) قَدَرَ عَلَى (شَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَ مَوْتِ) الْمُوصِي، (فَ) هُوَ لِمُوصَى (لَهُ) بِمُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ. (إلَّا حَمْلَ الْأَمَةِ) الْمُوصَى لَهُ بِهِ؛ (فَ) يَكُونُ لَهُ (قِيمَتُهُ) لِئَلَّا يُفَرَّقَ بَيْنَ ذَوِي رَحِمٍ فِي الْمِلْكِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ إنْ قَبِلَ قَبْلَهَا، وَإِلَّا فَوَقْتَ الْقَبُولِ، فَلَوْ مَاتَتْ أَمَةٌ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ فَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنْ تَكُونَ لِمُوصَى لَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ. (وَإِلَّا) يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُصَادِفْ مَحَلًّا كَمَا لَوْ وَصَّى بِثُلُثِهِ، وَلَمْ يُخْلِفْ شَيْئًا (كَمَا لَوْ لَمْ تَحْمِلْ الْأَمَةُ حَتَّى صَارَتْ حُرَّةً) فَإِنْ وُطِئَتْ وَهِيَ فِي الرِّقِّ بِشُبْهَةٍ، وَحَمَلَتْ فَعَلَى وَاطِئٍ قِيمَةُ الْوَلَدِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ. (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (ب) مَا فِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ مِنْ (غَيْرِ مَالٍ، كَكَلْبِ صَيْدٍ وَ) كَلْبِ (مَاشِيَةٍ وَ) كَلْبِ (زَرْعٍ وَ) كَلْبِ (حِرَاسَةِ بُيُوتٍ وَجَرْوٍ) يُرَبَّى (لِذَلِكَ) ؛ أَيْ: لِمَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا، وَتُقَرُّ الْيَدُ عَلَيْهِ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ، فَصَحَّتْ بِغَيْرِ الْمَالِ كَالْمَالِ (غَيْرِ) كَلْبٍ (أَسْوَدَ بَهِيمٍ) لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ صَيْدُهُ وَلَا اقْتِنَاؤُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصِي (كَلْبٌ كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: مُبَاحٌ (لَمْ تَصِحَّ) الْوَصِيَّةُ سَوَاءٌ قَالَ مِنْ كِلَابِي أَوْ مِنْ مَالِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَلَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِمُتَقَوِّمٍ أَوْ مِثْلِيٍّ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، فَيُشْتَرَى لَهُ ذَلِكَ مِنْ التَّرِكَةِ. وَإِنْ وَصَّى بِكَلْبٍ وَلَهُ كِلَابٌ؛ فَلِلْوَرَثَةِ إعْطَاؤُهُ أَيَّ كَلْبٍ شَاءُوا. صَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَكَزَيْتٍ مُتَنَجِّسٍ) فَتَصِحُّ بِهِ الْوَصِيَّةُ (لِغَيْرِ مَسْجِدٍ) لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا وَهُوَ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ لِمَسْجِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِالْكَلْبِ الْمُبَاحِ أَوْ الزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ (ثُلُثُهُمَا لَا غَيْرُ، وَلَوْ كَثُرَ الْمَالُ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ) لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْوَصِيَّةِ عَلَى أَنْ يُسَلَّمَ ثُلُثَا التَّرِكَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 لِلْوَرَثَةِ، وَلَيْسَ مِنْ التَّرِكَةِ شَيْءٌ مِنْ الْمُوصَى بِهِ، وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِكِلَابِهِ؛ وَوَصَّى لِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ؛ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُ الْمَالِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْكِلَابِ ثُلُثُهَا إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ ثُلُثَيْ الْمَالِ قَدْ حَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ، وَلَمْ يُحْتَسَبْ عَلَى الْوَرَثَةِ بِالْكِلَابِ. [ (وَ) لَوْ وَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلَمْ يُوصِ بِالْكِلَابِ] (لَا تَدْخُلُ كِلَابٌ فِي وَصِيَّةٍ بِثُلُثِ مَالِهِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ، (فَ) يَدْفَعُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثَ الْمَالِ، وَلَمْ تُحْتَسَبْ الْكِلَابُ عَلَى الْوَرَثَةِ، بَلْ (تَخْتَصُّ بِهَا) ؛ أَيْ: الْكِلَابِ (وَرَثَةُ) الْمُوصِي (وَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةِ بِالْعَدَدِ (فَإِنْ تَشَاحُّوا فِي بَعْضِهَا) بِأَنْ طَلَبَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ (أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ) قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمْ عَلَى غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ أُوصِي لَهُ بِثَلَاثَةٍ مِنْ الْكِلَابِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهَا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الزَّائِدِ عَنْ الثُّلُثِ لَهُمْ. (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِمُبْهَمٍ كَثَوْبٍ) لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَبِيهٌ بِالْوَارِثِ مِنْ جِهَةِ انْتِقَالِ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ إلَيْهِ مَجَّانًا، وَالْجِهَاتُ لَا تَمْنَعُ الْإِرْثَ؛ فَلَا تَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ (وَيُعْطَى) الْمُوصَى لَهُ (مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ) ؛ أَيْ: اسْمُ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، سَوَاءٌ كَانَ مَنْسُوجًا مِنْ حَرِيرٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ وَنَحْوِهِ، مَصْبُوغًا أَوْ لَا، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَالْوَصِيَّةُ تَصِحُّ بِالْمَعْدُومِ فَهَذَا أَوْلَى. (فَإِنْ اخْتَلَفَ) اسْمُ مُوصَى بِهِ (بِالْعُرْفِ وَالْحَقِيقَةِ) اللُّغَوِيَّةِ (غُلِّبَ الْعُرْفُ كَالْيَمِينِ) اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " التَّبْصِرَةِ " وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ " وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَتُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ خُوطِبَ قَوْمٌ بِشَيْءٍ لَهُمْ فِيهِ عُرْفٌ، وَحَمَلُوهُ عَلَى عُرْفِهِمْ لَمْ يُعَدُّوا مُخَالِفِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فِي قَوْلِهِ؛ فَإِنْ اخْتَلَفَ بِالْعُرْفِ وَالْحَقِيقَةِ؛ قُدِّمَتْ. انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَرْجَحُ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِعُرْفِهِ، وَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ (فَشَاةٌ وَغَنَمٌ) هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، وَالْهَاءُ لِلْوَاحِدَةِ (وَبَعِيرٌ وَإِبِلٌ وَثَوْرٌ وَفَرَسٌ وَبَقَرٌ وَخَيْلٌ وَقِنٌّ وَرَقِيقٌ لُغَةً لِذَكَرٍ وَأُنْثَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ) فَيُعْطَى مُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ [مَا] يَقَعُ الِاسْمُ عَلَيْهِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ؛ لَصَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ لَهُ (وَعُرْفًا فَالشَّاةُ هِيَ الْأُنْثَى الْكَبِيرَةُ مِنْ ضَأْنٍ وَمَاعِزٍ) غُلِّبَ الْعُرْفُ كَالْأَيْمَانِ (وَالثَّوْرُ وَالْبَعِيرُ) فِي الْعُرْفِ (الذَّكَرُ الْكَبِيرُ) مِنْ الْبَقَرِ أَوْ الْإِبِلِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى غُلِّبَ الْعُرْفُ كَالْأَيْمَانِ (وَالدَّابَّةُ لُغَةً مَا دَبَّ، وَعُرْفًا اسْمٌ لِذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ خَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْقَائِلُونَ بِالْحَقِيقَةِ لَمْ يَقُولُوا هَاهُنَا بِالْأَعَمِّ، كَأَنَّهُمْ لَحَظُوا غَلَبَةَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ بِحَيْثُ صَارَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً. (فَإِنْ) قَرَنَ الْمُوصِي بِذِكْرِ الدَّابَّةِ فِي الْوَصِيَّةِ مَا يَصْرِفُهُ إلَى أَحَدِ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ، كَأَنْ (قَالَ) : أَعْطُوا لَهُ (دَابَّةً يُقَاتِلُ عَلَيْهَا أَوْ يُسْهِمُ لَهَا؛ انْصَرَفَ لِخَيْلٍ) ؛ لِاخْتِصَاصِهَا بِذَلِكَ، (وَ) إنْ قَالَ أَعْطُوا لَهُ (دَابَّةً يَنْتَفِعُ بِظَهْرِهَا وَنَسْلِهَا خَرَجَ ذَكَرٌ وَبَغْلٌ) لِانْتِفَاءِ النَّسْلِ فِيهِمَا (وَحِصَانٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (وَجَمَلٌ وَحِمَارٌ وَعَبْدٌ لِذَكَرٍ) فَقَطْ. قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ، وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْعَبْدِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ فَلَيْسَ لَهُ شِرَاءُ أَمَةٍ (وَحِجْرٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ الْأُنْثَى مِنْ الْخَيْلِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَبِالْهَاءِ لَحْنٌ (وَأَتَانُ) الْحِمَارَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْأَتَانَةُ قَلِيلَةٌ (وَنَاقَةٌ وَبَكْرَةٌ وَقَلُوصٌ وَبَقَرَةٌ لِأُنْثَى) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 (وَكَبْشٌ لِكَبِيرِ ذَكَرِ ضَأْنٍ وَتَيْسٌ لِكَبِيرِ ذَكَرِ مَعْزٍ) فَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ عَشْرَةً أَوْ عَشْرًا مِنْ غَنَمِي؛ فَلِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُلْحَظُ فِي التَّذْكِيرِ مَعْنَى الْجَمْعِ، وَفِي التَّأْنِيثِ مَعْنَى الْجَمَاعَةِ، وَأَيْضًا اسْمُ الْجِنْسِ يَصِحُّ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَتُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: مِنْ عَبِيدِهِ نَصًّا، لِتَنَاوُلِ اسْمِ الْعَبْدِ لِلْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ وَالْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ (فَإِنْ مَاتُوا) ؛ أَيْ: عَبِيدُ الْمُوصِي (إلَّا وَاحِدًا تَعَيَّنَتْ) الْوَصِيَّةُ (فِيهِ) لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْبَاقِي (وَإِنْ قُتِلُوا) كُلُّهُمْ بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ؛ (فَ) لِمُوصَى (لَهُ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ) تَخْتَارُ الْوَرَثَةُ إعْطَاءَهُ لَهُ (عَلَى قَاتِلٍ) لَهُ كَمَا يَلْزَمُ الْقَاتِلَ قِيمَتُهُ (وَالْخِيَرَةُ لِلْوَرَثَةِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوصَى بِهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) ؛ أَيْ الْمُوصِي (عَبْدٌ) حَالَ الْوَصِيَّةِ (وَلَمْ يَمْلِكْهُ) ؛ أَيْ: يَمْلِكُ عَبْدًا (قَبْلَ مَوْتِهِ؛ لَمْ تَصِحَّ) الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَا فِي كِيسِهِ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَتَبْطُلُ إنْ مَاتُوا كُلُّهُمْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَلْزَمُ بِالْمَوْتِ، وَلَا رَقِيقَ لَهُ حِينَئِذٍ. (وَإِنْ مَلَكَ) مَنْ لَيْسَ لَهُ عَبِيدٌ حِينَ الْوَصِيَّةِ (وَاحِدًا) بَعْدَهَا تَعَيَّنَ (أَوْ كَانَ) لَهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ عَبْدٌ وَاحِدٌ (تَعَيَّنَ) كَوْنُهُ لِمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَصِيَّةِ مَحِلٌّ غَيْرُهُ؛ وَكَذَا حُكْمُ شَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ وَثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِهِ وَنَحْوِهِ. (وَإِنْ قَالَ) مُوصٍ (أَعْطُوهُ عَبْدًا مِنْ مَالِي أَوْ) أَعْطُوهُ (مِائَةً مِنْ أَحَدِ كِيسَيَّ وَ) الْحَالُ أَنْ (لَا عَبْدَ لَهُ) فِي الْأَوْلَى (أَوْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا) ؛ أَيْ: فِي الْكِيسَيْنِ شَيْءٌ فِي الثَّانِيَةِ (اشْتَرَى لَهُ ذَلِكَ) الْمُوصَى بِهِ، وَأُعْطِيَ الْمِائَةَ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ، وَقَدْ قَصَدَ أَنْ يَصِلَ لَهُ مِنْ مَالِهِ ذَلِكَ الْمُوصَى بِهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِشِرَائِهِ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ إعْطَاءِ الْمِائَةِ مِنْهُ تَنْفِيذًا لِلْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَلَا عَبْدَ لَهُ؛ فَتَبْطُلُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقَدْرَ الْفَائِتَ فِي صُورَةِ الْمِائَةِ صِفَةُ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ لَا أَصْلَ الْمَحَلِّ، فَإِنَّ كِيسًا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِائَةٌ مَوْجُودٌ مِلْكًا، فَأَمْكَنَ تَعَلُّقُ الْوَصِيَّةِ بِهِ، وَالْفَائِتُ فِي صُورَةِ الْعَبْدِ أَصْلُ الْمَحَلِّ، وَهُوَ عَدَمُ الْعَبِيدِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَالتَّعَلُّقُ مُتَعَذِّرٌ. انْتَهَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 (وَ) إنْ وَصَّى (بِقَوْسٍ وَلَهُ أَقْوَاسٌ) قَوْسٌ (لِرَمْيٍ) نُشَّابٌ - وَهُوَ الْفَارِسِيُّ - أَوْ قَوْسُ نَبْلٍ - وَهُوَ الْعَرَبِيُّ - أَوْ قَوْسٌ بِمَجْرَى - وَهُوَ الْقَوْسُ الَّذِي يُوضَعُ السَّهْمُ الصَّغِيرُ فِي مَجْرَاهُ - فَيَخْرُجُ السَّهْمُ مِنْ الْمَجْرَى، وَيُقَالُ لَهُ قَوْسُ حَسِبَانِ - وَهِيَ السِّهَامُ الصَّغِيرَةُ - قَالَهُ الْحَارِثِيُّ (وَ) قَوْسٌ لِرَمْيِ (بُنْدُقٍ) وَهُوَ قَوْسُ جُلَاهِقَ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْهَاءِ - وَهِيَ اسْمٌ لِلْبُنْدُقِ، وَأَصْلُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ جُلَاهَهْ وَهِيَ كُبَّةُ غَزْلٍ وَالْكَبِيرُ جُلُّهَا (وَ) قَوْسِ (نَدْفٍ) يُنْدَفُ بِهِ نَحْوُ الْقُطْنِ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِقَوْسٍ مُطْلَقٍ (قَوْسُ النَّشَّابِ) بِغَيْرِ وَتَرٍ (لِأَنَّهَا أَظْهَرُهَا) ؛ أَيْ: أَسْبَقُ إلَى الْفَمِ، فَلَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُتَعَارَفِ يُعَيِّنُهُ الْوَارِثُ (إلَّا مَعَ صَرْفِ قَرِينَةٍ إلَى غَيْرِهَا) كَأَنْ يَكُونَ نَدَّافًا لَا عَادَةَ لَهُ بِالرَّمْيِ، أَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يَرْمِيَ الطُّيُورَ بِالْبُنْدُقِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُوصِي أَنَّهُ قَصَدَ نَفْعَهُ بِمَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا قَوْسٌ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْقِسِيِّ؛ تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ؛ إذْ لَا مَحَلَّ لَهَا غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَقْوَاسٌ مِنْ النَّوْعِ الَّذِي اسْتَحَقَّ الْوَصِيُّ قَوْسًا مِنْهَا؛ أَعْطَاهُ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا مِنْهَا؛ كَالْوَصِيَّةِ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ (وَلَا يَدْخُلُ) فِي الْوَصِيَّةِ بِقَوْسٍ (وَتَرُهَا) لِأَنَّ الِاسْمَ يَقَعُ عَلَيْهَا دُونَهُ. (وَ) مَنْ وَصَّى (بِكَلْبٍ أَوْ طَبْلٍ) وَلَهُ مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ كَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَطَبْلِ اللَّهْوِ وَثَمَّ - بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ - (مُبَاحٌ) مِنْ الْكِلَابِ كَاَلَّذِي يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ وَمِنْ الطُّبُولِ (كَطَبْلِ حَرْبٍ) قَالَ الْحَارِثِيُّ وَطَبْلُ صَيْدٍ وَحَجِيجٍ لِنُزُولٍ وَارْتِحَالٍ (انْصَرَفَ) اللَّفْظُ (إلَيْهِ) لِأَنَّ وُجُودَ الْمُحَرَّمِ كَعَدَمِهِ شَرْعًا، فَلَا يَشْمَلُهُ اللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَإِلَّا) يَكُنْ عِنْدَهُ كَلْبٌ مُبَاحٌ وَلَا طَبْلٌ مُبَاحٌ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمُحَرَّمِ مَعْصِيَةٌ وَلِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ فِيهِ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ طَبْلٌ يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ وَلِلَّهْوِ مَعًا؛ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ؛ لِقِيَامِ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ فِيهِ. وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْبُوقِ، لِمَنْفَعَتِهِ فِي الْحَرْبِ، قَالَهُ الْقَاضِي. وَإِنْ كَانَ لِلْمُوصِي طُبُولٌ تَصْلُحُ لِلْحَرْبِ، وَوَصَّى بِأَحَدِهَا وَأَطْلَقَ. فَلِلْمُوصَى لَهُ أَحَدُهَا بِاخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمُحَرَّمٍ (كَطَبْلِ لَهْوٍ وَطُنْبُورٍ وَمِزْمَارٍ) وَعُودِ لَهْوٍ وَكَذَا آلَاتُ اللَّهْوِ كُلُّهَا كَرَبَابٍ وَقَانُونٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَوْتَارٌ؛ لِأَنَّهَا مُهَيَّئَةٌ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ بِأَوْتَارِهَا. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (الصِّحَّةُ) ؛ أَيْ: صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةِ إنْ كَانَتْ مِنْ جَوْهَرٍ نَفِيسٍ يُنْتَفَعُ بِكَسْرِهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، نَظَرًا إلَى الِانْتِفَاعِ بِجَوْهَرِهِمَا، أَوْ كَانَتْ مُكَفَّتَةً بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ (قِيَاسًا عَلَى أَوَانِي نَقْدٍ) لِأَنَّهَا تُكْسَرُ وَتُبَاعُ، فَيُنْتَفَعُ بِثَمَنِهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى جِهَةِ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ، وَقِيَاسٌ مُسْتَحْسَنٌ. (وَ) لَوْ وَصَّى إنْسَانٌ (بِدَفْنِ كُتُبِ الْعِلْمِ لَمْ تُدْفَنْ) لِأَنَّ الْعِلْمَ مَطْلُوبٌ نَشْرُهُ، وَدَفْنُهُ مُنَافٍ لِذَلِكَ (وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا) ؛ أَيْ: كُتُبِ الْعِلْمِ (إنْ وَصَّى بِهَا لِشَخْصٍ: كُتُبُ الْكَلَامِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إمَّا مِنْ عِنْدِهِ أَوْ حِكَايَةً عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَمْ يُخَالِفْهُ. لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى بِكُتُبِهِ مِنْ الْعِلْمِ لِآخَرَ، وَكَانَ فِيهَا كُتُبُ الْكَلَامِ؛ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ (لِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْكَلَامَ (لَيْسَ مِنْ الْعِلْمِ) انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: الْكَلَامُ رَدِيءٌ لَا يَدْعُو إلَى خَيْرٍ لَا يُفْلِحُ صَاحِبُ كَلَامٍ، تَجَنَّبُوا أَصْحَابَ الْجِدَالِ وَالْكَلَامِ، وَعَلَيْكَ بِالسُّنَنِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْكَلَامَ. وَعَنْهُ: لَا يُفْلِحُ صَاحِبُ كَلَامٍ أَبَدًا وَلَا تَرَى أَحَدًا نَظَرَ فِي الْكَلَامِ إلَّا وَفِي قَلْبِهِ دَغَلٌ، وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا حَكَى الْبَغَوِيّ: لَوْ كَانَ الْكَلَامُ عِلْمًا لَتَكَلَّمَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ كَمَا تَكَلَّمُوا فِي الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَلَكِنَّهُ بَاطِلٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 الْفِقْهِ وَالْآثَارِ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْصَارِ أَنَّ أَهْلَ الْكَلَامِ لَا يُعَدُّونَ فِي طَبَقَاتِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا الْعُلَمَاءُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ. (وَمَنْ وَصَّى بِإِحْرَاقِ ثُلُثِ مَالِهِ صَحَّ وَصُرِفَ فِي تَجْمِيرِ الْكَعْبَةِ) ؛ أَيْ: تَبْخِيرِهَا (وَتَنْوِيرِ الْمَسَاجِدِ) وَشِرَاءِ بَارُودٍ لِجِهَادِ كُفَّارٍ. (وَ) لَوْ وَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ (فِي التُّرَابِ يُصْرَفُ فِي تَكْفِينِ الْمَوْتَى) . (وَ) لَوْ وَصَّى بِثُلُثِهِ (فِي الْمَاءِ، يُصْرَفُ فِي عَمَلِ سُفُنٍ لِلْجِهَادِ) مُحَافَظَةً عَلَى تَصْحِيحِ كَلَامِ الْمُكَلِّفِ مَهْمَا أَمْكَنَ (وَيَتَّجِهُ) وَلَوْ وَصَّى بِثُلُثِهِ (فِي الْهَوَاءِ فَ) يُصْرَفُ (فِي نَحْوِ سِهَامٍ) كَنُشَّابٍ (تُرْمَى فِي الْجِهَادِ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ يَتَوَجَّهُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ باذهنج لِمَسْجِدٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُصَلُّونَ قَالَ) تِلْمِيذُهُ (فِي " الْمُبْدِعِ " وَفِيهِ شَيْءٌ) انْتَهَى. (وَتُنَفَّذُ وَصِيَّةُ) مُوصٍ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْ مَالِهِ كَرُبُعٍ وَخُمُسٍ (فِيمَا عَلِمَ) الْمُوصِي (مِنْ مَالِهِ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ) مِنْهُ؛ لِعُمُومِ لَفْظِهِ، فَإِنَّ الْمَالَ يَعُمُّ مَعْلُومُهُ وَمَجْهُولُهُ، وَقِيَاسًا عَلَى نَذْرِ الصَّدَقَةِ بِالثُّلُثِ. (فَإِنْ وَصَّى بِثُلُثِهِ) لِنَحْوِ زَيْدٍ أَوْ مَسْجِدٍ (فَاسْتَحْدَثَ مَالًا) بَعْدَ الْوَصِيَّةِ (وَلَوْ بِنَصْبِ أُحْبُولَةٍ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَقَعُ فِيهَا صَيْدٌ بَعْدَهُ دَخَلَ ثُلُثُهُ) ؛ أَيْ: ثُلُثُ الْمَالِ الْمُسْتَحْدَثِ (فِي الْوَصِيَّةِ) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَمَنْ وَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ؛ تَتَنَاوَلُ الْمُتَجَدِّدَ وَالْمَوْجُودَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَلِأَنَّهُ تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ (وَيُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ) أَشْبَهَ مَا لَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ. (وَإِنْ قُتِلَ) مَنْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً (فَأُخِذَتْ دِيَتُهُ فَمِيرَاثٌ) ؛ أَيْ: فَدِيَتُهُ مِيرَاثٌ عَنْهُ، فَتَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ التَّرِكَةِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الدِّيَةَ مِيرَاثٌ، فَعَلَى هَذَا (تَدْخُلُ) الدِّيَةُ (فِي وَصِيَّةٍ، وَيُقْضَى مِنْهَا دَيْنُهُ) لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسِهِ وَنَفْسُهُ لَهُ؛ فَكَذَلِكَ بَدَلُهَا، وَلِأَنَّ دِيَةَ أَطْرَافِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لَهُ، فَكَذَلِكَ دِيَةُ نَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 مِلْكُهُ عَمَّا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، فَأَمَّا مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ كَتَجْهِيزِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ فَلَا، وَوَصِيَّتُهُ مِنْ حَاجَتِهِ، فَتَحْدُثُ الدِّيَةُ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ (وَتَجِبُ) الدِّيَةُ (عَلَى الْوَرَثَةِ) ؛ أَيْ: وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ (إنْ) كَانَ (وَصَّى بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ نِصْفِهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ كَمَا لَوْ وَصَّى بِنَحْوِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ بِقَدْرِ نِصْفِ الدِّيَةِ، حُسِبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ مِنْ ثُلُثَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَرِكَةٌ، وَيَأْخُذُ الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ. [فَصْلٌ الْوَصِيَّةُ بِمَنْفَعَةٍ مُنْفَرِدَةٍ] (فَصْلٌ: وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمَنْفَعَةٍ مُنْفَرِدَةٍ) عَنْ الرَّقَبَةِ بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا كَالْأَعْيَانِ، وَقِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ (وَتُوَرَّثُ) الْمَنْفَعَةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ (بِمَنَافِعِ أَمَتِهِ) أَوْ خِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ أَوْ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِذَلِكَ (أَبَدًا) ؛ أَيْ: فِي الزَّمَانِ كُلِّهِ (أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً) كَسَنَةٍ؛ لِأَنَّ غَايَةَ التَّأْبِيدِ جَهَالَةُ الْقَدْرِ، وَجَهَالَتُهُ لَا تُقْدَحُ، وَلَوْ قَالَ: وَصَّيْتُ بِمَنَافِعِهِ وَأَطْلَقَ، أَفَادَ التَّأْبِيدَ أَيْضًا؛ لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ الْمُعَمِّمَةِ. وَلَوْ وَقَّتَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَأَطْلَقَ؛ وَجَبَ فِي أَوَّلِ زَمَنٍ؛ لِظُهُورِ مَعْنَى الْإِبْهَامِ بِقَوْلِهِ مِنْ السِّنِينَ، وَإِذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِثَمَرَةِ بُسْتَانٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً؛ لَا يَمْلِكُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثِ إجْبَارَ الْآخَرِ عَلَى السَّقْيِ؛ لِعَدَمِ الْمُوجِبِ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَقْيَهَا بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِصَاحِبِهِ؛ لَمْ يَمْلِكْ الْآخَرُ مَنْعَهُ مِنْ السَّقْيِ، فَإِنْ تَضَرَّرَ مُنِعَ؛ لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . وَإِنْ يَبِسَتْ الشَّجَرَةُ الْمُوصَى بِثَمَرَتِهَا فَحَطَبَهَا لِلْوَارِثِ، إذْ لَا حَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ فِي رَقَبَتِهَا. وَإِنْ وَصَّى بِحِمْلِ الشَّجَرِ الْمُوصَى بِثَمَرَتِهِ لِزَيْدٍ سَنَةً مَثَلًا فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ؛ فَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ الْمُوصِي لِزَيْدٍ: لَكَ ثَمَرَتُهَا أَوَّلَ عَامٍ تُثْمِرُ؛ صَحَّ. وَلَهُ ثَمَرَتُهَا ذَلِكَ الْعَامَ تَنْفِيذًا لِلْوَصِيَّةِ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِلَبَنِ شَاتِهِ وَصُوفِهَا، صَحَّ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ. وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَنْفَعَةِ أَمَةٍ (فَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ جَمِيعِ الْأَمَةِ مِنْ الثُّلُثِ) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ نُفِّذَتْ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ أُجِيزَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 مِنْهَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْبَاقِيَ كَسَائِرِ الْوَصَايَا (لَا أَنَّ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: اعْتِبَارَ خُرُوجِ جَمِيعِ الْأَمَةِ يَكُونُ (فِي التَّأْبِيدِ) فَقَطْ، بَلْ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَجْهُولَةٌ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهَا عَلَى انْفِرَادِهَا؛ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ جَمِيعِ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا (وَ) قَوْلُهُ (فِي الْمُدَّةِ) عَطْفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ؛ أَيْ: إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَنْفَعَةٍ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ كَسَنَةٍ؛ فَلَا (تُعْتَبَرُ الْمَنْفَعَةُ فَقَطْ) بَلْ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ جَمِيعِهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَيْنٍ مُوصَى بِنَفْعِهَا (مِنْ الثُّلُثِ) هَذَا الصَّحِيحُ، فَتُقَوَّمُ الْأَمَةُ بِمَنْفَعَتِهَا، فَمَا بَلَغَتْ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ سَاوَاهُ أَوْ نَقَصَ نُفِّذَ؛ وَإِلَّا فَبِقَدْرِهِ، وَيَتَوَقَّفُ الزَّائِدُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ لِقَوْلِهِ: وَإِذَا أُرِيدَ تَقْوِيمُهَا وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُقَيَّدَةً بِمُدَّةٍ؛ قَوَّمَ الْمُوصِي بِمَنْفَعَةٍ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ، ثُمَّ تُقَوَّمُ الْمَنْفَعَةُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَيُنْظَرُ كَمْ قِيمَتُهَا انْتَهَى. وَالْمُعْتَمَدُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالْمَنْفَعَةُ) ؛ أَيْ: خِدْمَةُ الْقِنِّ الْمُوصَى بِهَا (إنْ وَهَبَهَا صَاحِبُهَا) الْمُوصَى لَهُ بِهَا (لِلْقِنِّ وَأَسْقَطَهَا عَنْهُ، فَلِوَرَثَتِهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ) لِأَنَّ مَا يُوهِبُهُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ، فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ هَذَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَيْسَ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ (وَلِلْوَرَثَةِ) ؛ أَيْ: وَرَثَةِ الْمُوصِي (وَلَوْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ) بِمَنَافِعِ الْأَمَةِ (أَبَدًا عَتَقَهَا) ؛ أَيْ: عَتَقَ الْأَمَةَ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ، وَمَنَافِعُهَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى مُعْتِقِيهَا بِشَيْءٍ، وَإِنْ أَعْتَقَهَا الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا لَمْ تُعْتَقْ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِلرَّقَبَةِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا، وَ (لَا) يُجْزِئُ عِتْقُ وَرَثَةٍ لَهَا (عَنْ كَفَّارَةٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِعَجْزِهَا عَنْ الِاسْتِقْلَالِ بِنَفْعِهَا؛ فَهِيَ كَالزَّمِنَةِ، وَمَنْفَعَتُهَا بَاقِيَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ (وَ) لِلْوَرَثَةِ (بَيْعُهَا) ؛ أَيْ: الرَّقَبَةِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِمَنَافِعِهَا وَلِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ يَرْجُو الْكَمَالَ بِحُصُولِ مَنَافِعِهَا لَهُ مِنْ جِهَةِ الْوَصِيِّ، إمَّا بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ مُصَالَحَةٍ بِمَالٍ، وَقَدْ يَقْصِدُ تَكْمِيلَ الْمَصْلَحَةِ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ بِتَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ لَهُ، وَقَدْ يُعْتِقُهَا، فَيَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ، وَلِأَنَّ الرَّقَبَةَ مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ؛ فَيَصِحُّ بَيْعُهَا كَغَيْرِهَا (وَ) لِلْوَرَثَةِ (كِتَابَتُهَا) لِأَنَّهَا بَيْعٌ (وَيَبْقَى انْتِفَاعُ وَصِيٍّ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 لَهُ؛ أَيْ: مُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا (بِحَالِهِ) وَلَوْ عَتَقَتْ أَوْ بِيعَتْ أَوْ كُوتِبَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ (وَ) لِلْوَرَثَةِ (وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا) لِأَنَّهُمْ الْمَالِكُونَ لِرَقَبَتِهَا، وَلَيْسَ لَهُمْ تَزْوِيجُهَا إلَّا (بِإِذْنِ مَالِكِ النَّفْعِ) لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ جَازَ، وَيَجِبُ تَزْوِيجُهَا بِطَلَبِهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا، كَمَا لَوْ طَلَبَتْهُ مِنْ سَيِّدِهَا وَأَوْلَى (وَالْمَهْرُ) فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ، سَوَاءٌ كَانَ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (لَهُ) -؛ أَيْ: الْمَالِكِ النَّفْعُ - لِأَنَّهُ بَدَلُ بُضْعِهَا، وَهُوَ مِنْ مَنَافِعِهَا. وَإِنْ وُطِئَتْ الْأَمَةُ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا (فَوَلَدُهَا مِنْ) وَطْءِ (شُبْهَةِ حُرٍّ) لِاعْتِقَادِ الْوَاطِئِ أَنَّهُ وَطِئَ فِي مِلْكٍ كَالْمَغْرُورِ بِأَمَةٍ (وَلِلْوَرَثَةِ قِيمَتُهُ) ؛ أَيْ: الْوَلَدِ (عِنْدَ وَضْعٍ عَلَى وَاطِئٍ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَيْهِمْ بِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّتَهُ، وَاعْتُبِرَتْ حَالَةُ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ (وَ) لِلْوَرَثَةِ (قِيمَتُهَا) ؛ أَيْ: الْأَمَةِ (إنْ قُتِلَتْ) كَأَنْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ صَادَفَ الرَّقَبَةَ وَهُمْ مَالِكُوهَا، وَفَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ حَصَلَ ضِمْنًا، وَإِنْ قَتَلَهَا الْوَارِثُ فَقِيمَةُ مَنْفَعَتِهَا لِلْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِهَا، وَإِنْ قَتَلَهَا الْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا بِمَنْفَعَتِهَا لِلْوَرَثَةِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ. (وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا كَبُطْلَانِ إجَارَةٍ بِقَتْلِ مُؤَجَّرَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ جَنَتْ) الْأَمَةُ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا (سَلَّمَهَا وَارِثٌ) إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ (أَوْ فَدَاهَا مَسْلُوبَةَ) الْمَنْفَعَةِ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا كَذَلِكَ كَأُمِّ الْوَلَدِ (وَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْوَارِثِ (إنْ قَتَلَهَا قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ لِلْوَصِيِّ) ؛ أَيْ: لِلْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا. قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُنْتَهَى ". وَقَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ ": وَإِنْ قَتَلَهَا وَارِثٌ أَوْ غَيْرُهُ فَلَهُمْ قِيمَتُهَا - أَيْ: دُونَ الْمُوصَى لَهُ - مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْتَ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمَةَ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا إمَّا أَنْ يَقْتُلَهَا أَجْنَبِيٌّ فَقِيمَتُهَا غَيْرُ مَسْلُوبَةِ الْمَنَافِعِ لِلْوَرَثَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَهَا الْوَارِثُ فَقِيمَةُ مَنْفَعَتِهَا لِلْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِهَا، كَمَا نَصُّوا عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَهَا الْمُوصَى لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 بِنَفْعِهَا، وَلَمْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا غَيْرَ مَسْلُوبَةِ الْمَنْفَعَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ. (وَ) حَيْثُ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْوَارِثِ قِيمَةُ مَنْفَعَةٍ مُوصَى لَهُ بِهَا؛ فَاَلَّذِي (يَتَّجِهُ) دَفْعُهَا إنْ عُلِمَتْ وَلَوْ تَقْرِيبًا، وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهَا أَنْ تُقَوَّمَ فَيُنْظَرُ كَمْ كَانَتْ تُسَاوِي بِمَنْفَعَتِهَا وَقْتَ قَتْلِهَا ثُمَّ تُقَوَّمُ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ، فَلَوْ قُوِّمَتْ بِمَنْفَعَتِهَا بِأَلْفٍ وَمَسْلُوبَتُهَا بِمِائَتَيْنِ، فَقِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ ثَمَانُمِائَةٍ، وَهِيَ الْوَاجِبُ لِلْمُوصَى لَهُ. (وَ) إنْ جُهِلَ كَمْ كَانَتْ تُسَاوِي فَ (يَصْطَلِحَانِ) عَلَيْهَا؛ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ (وَإِلَّا) يَصْطَلِحَانِ (ف) لَا يُجْبَرُ مُمْتَنِعٌ مِنْهُمَا بِإِبَائِهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ (مُدَّتَهَا مَجْهُولَةُ) الْمِقْدَارِ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهَا، فَوَجَبَ إبْقَاؤُهَا إلَى أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَيْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلِلْوَصِيِّ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةِ أَمَةٍ (اسْتِخْدَامُهَا حَضَرًا وَسَفَرًا) ، لِأَنَّهُ مَالِكُ مَنْفَعَتِهَا أَشْبَهَ مُسْتَأْجِرَهَا لِلْخِدْمَةِ (وَلَهُ إجَارَتُهَا) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْعَهَا مِلْكًا تَامًّا فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْأَعْيَانِ وَكَالْمُسْتَأْجَرِ (وَ) لَهُ (إعَارَتُهَا) لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ النَّفْعَ جَازَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وَبِمِنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَكَذَا حُكْمُ الْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِهِ (وَكَذَا وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ) لَهُمْ اسْتِخْدَامُهَا حَضَرًا وَسَفَرًا وَإِجَارَتُهَا وَإِعَارَتُهَا لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ (وَلَيْسَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةِ الْأَمَةِ وَطْؤُهَا (وَلَا لِوَارِثِ) مُوصٍ (وَطْؤُهَا) لِأَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ لَيْسَ بِزَوْجٍ وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 مَالِكٍ لِلرَّقَبَةِ، وَالْوَطْءُ لَا يُبَاحُ بِغَيْرِهِمَا، وَمَالِكُ الرَّقَبَةِ لَا يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا، وَلَا يَأْمَنُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ، وَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى هَلَاكِهَا (وَلَا حَدَّ بِهِ) ؛ أَيْ: بِوَطْئِهَا (عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِلشُّبْهَةِ. قَالَ عَبْدُ الْجَلِيلِ الْمَوَاهِبِيُّ: يُعَزَّرُ كَتَعْزِيرِ وَاطِئِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بِمِائَةٍ إلَّا سَوْطًا لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ. لِأَحَدِهِمَا الْمَنْفَعَةُ وَلِلْآخَرِ الرَّقَبَةُ انْتَهَى. (وَمَا تَلِدُهُ) مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ فَهُوَ (حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (وَتَصِيرُ إنْ كَانَ الْوَاطِئُ مَالِكًا لِرَقَبَةِ أُمِّ وَلَدٍ) لَهُ بِمَا تَلِدُهُ مِنْهُ لِأَنَّهَا عُلِّقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لِمَالِكِ النَّفْعِ دُونَ رَقَبَةِ الْوَلَدِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ، يَأْخُذُ شُرَكَاؤُهُ حِصَّتَهُمْ مِنْهَا؛ لِكَوْنِهِ فَوَّتَهُ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِنَّهَا إنْ وَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ وَضْعِهِ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ لَهُ، وَلَا يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ (وَوَلَدُهَا مِنْ زَوْجٍ) لَمْ يُشْتَرَطْ حُرِّيَّتُهُ (أَوْ) مِنْ (زِنًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهَا، وَلَيْسَ مِنْ النَّفْعِ الْمُوصَى بِهِ، وَلَا هُوَ مِنْ الرَّقَبَةِ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا، فَكَانَ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ (وَنَفَقَتُهَا) وَفِطْرَتُهَا؛ أَيْ: الْمُوصَى بِنَفْعِهَا (عَلَى مَالِكِ نَفْعِهَا) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُنَوِّرِ " وَ " مُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ " قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لِأَنَّهُ يَمْلِكُ النَّفْعَ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ كَالزَّوْجِ، وَلِأَنَّ نَفْعَهَا عَلَيْهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ ضَرُّهَا كَالْمَالِكِ لَهَا جَمِيعُهَا، يُحَقِّقُهُ أَنَّ إيجَابَ النَّفَقَةِ عَلَى مَنْ لَا نَفْعَ لَهُ ضَرَرٌ مُجَرَّدٌ، فَيَصِيرُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ أَوْصَيْتُ لَكَ بِنَفْعِ أَمَتِي، وَأَبْقَيْتُ عَلَى وَرَثَتِي ضَرَّهَا (وَكَذَا كُلُّ حَيَوَانٍ مُوصَى بِنَفْعِهِ) ؛ أَيْ: نَفَقَتُهُ عَلَى الْمُوصِي بِنَفْعِهِ. (وَإِنْ وَصَّى) رَبُّ أَمَةٍ (لِإِنْسَانٍ بِرَقَبَتِهَا وَ) وَصَّى (لِآخَرَ بِمَنْفَعَتِهَا، صَحَّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِرَقَبَتِهَا يَنْتَفِعُ بِثَمَنِهَا مِمَّنْ يَرْغَبُ فِي ابْتِيَاعِهَا وَبِعِتْقِهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِهَا يَنْتَفِعُ بِهَا (وَصَاحِبُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 الرَّقَبَةِ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِهَا (كَالْوَرَثَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الرَّقَبَةِ. [تَتِمَّةٌ وَصَّى لِرَجُلٍ بِحَبِّ زَرْعِهِ وَلِآخَرَ بِتِبْنِهِ] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِحَبِّ زَرْعِهِ وَلِآخَرَ بِتِبْنِهِ؛ صَحَّ، وَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا عَلَى الْإِنْفَاقِ مَعَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا وَإِضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَتَكُونُ النَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْحَبِّ وَالتِّبْنِ كَالشَّرِيكَيْنِ فِي أَصْلِ الزَّرْعِ. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ لِرَجُلٍ (بِخَاتَمٍ وَلِآخَرَ بِفَصِّهِ) ؛ أَيْ: الْخَاتَمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا (وَحَرُمَ تَصَرُّفُ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (بِلَا إذْنِ الْآخَرِ) لِأَنَّهُ كَالْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا (وَأَيُّهُمَا طَلَبَ قَلْعَ فَصٍّ) مِنْ الْخَاتَمِ (وَجَبَتْ إجَابَتُهُ) إلَيْهِ، وَأُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ لِتَمْيِيزِ حَقِّهِ. (وَمَنْ وَصَّى لَهُ بِمُكَاتَبٍ صَحَّ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، (وَكَانَ) مُوصَى لَهُ بِهِ (كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ أَشْبَهَتْ الشِّرَاءَ، فَإِنْ أَدَّى، عَتَقَ وَالْوَلَاءُ لَهُ كَالْمُشْتَرِي، وَإِنْ عَجَزَ عَادَ رَقِيقًا لَهُ، وَإِنْ عَجَزَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي لَمْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ رِقَّهُ لَا يُنَافِيهَا، وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ بَطَلَتْ، وَيَأْتِي. فَإِنْ قَالَ: إنْ عَجَزَ وَرُقَّ فَهُوَ لَك بَعْدَ مَوْتِي، فَعَجَزَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي صَحَّتْ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ مَوْتِهِ بَطَلَتْ، وَإِنْ قَالَ: إنْ عَجَزَ بَعْدَ مَوْتِي فَهُوَ لَكَ؛ فَفِيهِ وَجْهَانِ، لَكِنْ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ الصِّحَّةُ. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمَالِ الْكِتَابَةِ) كُلِّهِ (وَبِنَجْمٍ مِنْهَا) لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِمَا لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ، كَمَا تَصِحُّ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي الْحَالِ كَحَمْلِ الْجَارِيَةِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ حُلُولِهِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ، وَيُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ بِأَحَدِهِمَا، وَالْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَأَرَادَ الْوَارِثُ تَعْجِيزَهُ، وَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ إنْظَارَهُ أَوْ عَكْسَهُ؛ فَالْحُكْمُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ قِيَامِ الْعَقْدِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ، فَإِنْ عَجَزَ كَانَ الْعَقْدُ مُسْتَحِقَّ الْإِزَالَةِ، فَيَمْلِكُ الْوَارِثُ الْفَسْخَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 وَالْإِنْظَارَ، فَإِنْ قَالَ لِوَرَثَتِهِ: ضَعُوا عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ أَوْ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ؛ وَضَعُوا مَا شَاءُوا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ. وَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَيَّ نَجْمٍ شَاءَ رَجَعَ ذَلِكَ إلَى مَشِيئَتِهِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْمُوصِي. وَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَكْبَرَ نُجُومِهِ، وَضَعُوا أَكْثَرَهَا مَالًا؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُهَا قَدْرًا. وَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَهَا - بِالْمُثَلَّثَةِ - وَضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهَا، فَإِنْ كَانَتْ النُّجُومُ خَمْسَةً، وَضَعُوا مِنْهَا ثَلَاثَةً، وَإِنْ كَانَتْ سِتَّةً، وَضَعُوا مِنْهَا أَرْبَعَةً؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ يَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ. (فَلَوْ وَصَّى) لَهُ (بِأَوْسَطِهَا) ؛ أَيْ: نُجُومِهِ (أَوْ قَالَ ضَعُوهُ) ؛ أَيْ: أَوْسَطَهَا عَنْ الْمُكَاتَبِ (وَالنُّجُومُ شَفْعٌ) مُتَسَاوِيَةُ الْقَدْرِ كَأَرْبَعَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ (صُرِفَ) اللَّفْظُ (لِشَفْعٍ مُتَوَسِّطٍ) مِنْهَا (كَثَانٍ وَثَالِثٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَالِثٍ وَرَابِعٍ مِنْ سِتَّةٍ) وَرَابِعٍ وَخَامِسٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، لِأَنَّهُ الْوَسَطُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ " ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى. وَإِنْ كَانَتْ النُّجُومُ وَتْرًا مُتَسَاوِيَةَ الْقَدْرِ وَالْأَجَلِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ النُّجُومُ خَمْسَةً؛ تَعَيَّنَ النَّجْمُ الثَّالِثُ، أَوْ كَانَتْ النُّجُومُ سَبْعَةً؛ تَعَيَّنَ الرَّابِعُ؛ لِأَنَّهُ أَوْسَطُهَا، وَإِنْ كَانَتْ النُّجُومُ مُخْتَلِفَةَ الْمِقْدَارِ، فَبَعْضُهَا مِائَةٌ، وَبَعْضُهَا مِائَتَانِ، وَبَعْضُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ؛ فَأَوْسَطُهَا الْمِائَتَانِ، فَيَتَعَيَّنُ وَضْعُهُ، وَإِنْ تَعَدَّدَ. (وَ) إنْ قَالَ مُوصٍ (ضَعُوا) عَنْهُ (نَجْمًا، فَمَا شَاءَ وَارِثٌ) مِنْ النُّجُومِ وَضَعَهُ عَنْهُ، سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ النُّجُومُ أَوْ اخْتَلَفَتْ؛ لِصِدْقِ اللَّفْظِ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ. (وَ) إنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ (أَكْثَرَ مَا عَلَيْهِ وَمِثْلَ نِصْفِهِ؛ وُضِعَ) مِنْهُ (فَوْقَ نِصْفِهِ وَفَوْقَ رُبُعِهِ) ؛ أَيْ: مَا عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَكُونُ نِصْفَ الْمَوْضُوعِ أَوَّلًا، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَأَدْنَى زِيَادَةٍ. (وَ) إنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ (مَا شَاءَ مِنْ مَالِهَا فَ) يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَضْعُ (مَا شَاءَ مِنْهُ، لَا) وَضْعُ (كُلِّهِ) لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ. قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَالْقَاضِي، وَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ مَا شَاءَ؛ فَالْكُلُّ يُوضَعُ عَنْهُ إذَا شَاءَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ تَنْفِيذًا لِلْوَصِيَّةِ؛ لِدُخُولِ الشَّرْطِ عَلَى مُطْلَقٍ. وَإِنْ قَالَ مُوصٍ: ضَعُوا عَنْهُ مَا عَلَيْهِ وَمِثْلَهُ، فَذَلِكَ الْكِتَابَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 كُلُّهَا وَزِيَادَةٌ عَلَيْهَا؛ فَتَصِحُّ فِي الْكِتَابَةِ، وَتَبْطُلُ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِعَدَمِ مَحَلِّهَا. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِرَقَبَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (لِشَخْصٍ، وَ) الْوَصِيَّةُ (لِآخَرَ بِمَا عَلَيْهِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّقَبَةِ وَالدَّيْنِ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ [بِهِ] مُفْرَدًا، فَجَازَ مُجْتَمِعًا (فَإِنْ أَدَّى) الْمُكَاتَبُ لِصَاحِبِ وَصِيَّةِ الْمَالِ؛ عَتَقَ (أَوْ أُبْرِئَ) بِأَنْ أَبْرَأَهُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ (عَتَقَ، وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ) لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ أَصْحَابُنَا (وَ) يَكُونُ (وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ) قَالَ فِي " الشَّرْحِ " (وَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ عَنْ أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ؛ فَهُوَ (رَقِيقٌ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ) عَمَلًا بِالْوَصِيَّةِ (وَبَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْمَالِ فِيمَا بَقِيَ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا (وَمَا كَانَ قَبَضَهُ) الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ (فَ) هُوَ (لَهُ) وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ. (وَ) إنْ وَصَّى (بِمَا عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُكَاتَبُ مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (لِلْمَسَاكِينِ وَوَصَّى إلَى مَنْ) ؛ أَيْ: شَخْصٍ مُعَيَّنٍ (يَقْبِضُهُ) مِنْ الْمُكَاتَبِ (وَيُفَرِّقُهُ) عَلَيْهِمْ (فَدَفَعَهُ) ؛ أَيْ: دَيْنَ الْكِتَابَةِ (مُكَاتَبٌ ابْتِدَاءً) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْفَعَهُ لِمُوصَى إلَيْهِ لِيُوَصِّلَهُ (لِلْمَسَاكِينِ؛ لَمْ يَبْرَأْ) بِدَفْعِهِ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ (وَلَمْ يَعْتِقْ) لِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ. (وَإِنْ وَصَّى) السَّيِّدُ (بِدَفْعِ الْمُكَاتَبِ الْمَالَ) الَّذِي كَاتَبَهُ عَلَيْهِ (إلَى غُرَمَائِهِ) ؛ أَيْ: غُرَمَاءِ السَّيِّدِ (تَعَيَّنَ) عَلَى الْمُكَاتَبِ (الْقَضَاءُ) ؛ أَيْ: قَضَاءُ الْغُرَمَاءِ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَصِيًّا عَنْهُ فِي ذَلِكَ. (وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمَا) ؛ أَيْ: دَيْنٍ (عَلَى مَنْ) ؛ أَيْ: مُكَاتَبٍ (كُوتِبَ) عَلَى شَيْءٍ مَجْهُولٍ كَثَوْبٍ أَوْ فَرَسٍ لِصَيْرُورَةِ الْعَقْدِ عَلَى الْعِوَضِ الْمَجْهُولِ (فَاسِدًا) فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الذِّمَّةِ يُوصِي بِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لَكَ بِمَا أَقْبِضُهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِي الْفَاسِدَةِ كَالْأَدَاءِ فِي الصَّحِيحَةِ، مِنْ تَرَتُّبِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ. وَإِنْ وَصَّى بِرَقَبَتِهِ، صَحَّ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ فِي الصَّحِيحَةِ، فَفِي الْفَاسِدَةِ أَوْلَى. (وَ) إذَا قَالَ: (اشْتَرُوا بِثُلُثِي رِقَابًا وَأَعْتِقُوهَا؛ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ لِلْمُكَاتَبِينَ) لِأَنَّهُ أَوْصَى بِالشِّرَاءِ لَا بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَإِنْ اتَّسَعَ الثُّلُثُ لِثَلَاثَةٍ؛ لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ أَقَلِّ مِنْهَا، فَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ أَمْكَنَ شِرَاءُ ثَلَاثَةٍ رَخِيصَةٍ وَحِصَّةٍ مِنْ رَابِعٍ، فَثَلَاثَةٌ غَالِيَةٌ أَوْلَى، وَيُقَدَّمُ مَنْ بِهِ تَرْجِيحٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 مِنْ عِفَّةٍ وَدِينٍ وَصَلَاحٍ، وَلَا يُجْزِئُ إلَّا رَقَبَةٌ مُسْلِمَةٌ سَالِمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ كَالْكَفَّارَةِ، وَإِنْ وَصَّى بِكَفَّارَةِ أَيْمَانٍ فَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. [فَصْلٌ تَبْطُلُ وَصِيَّةٌ بِمُعَيَّنٍ بِتَلَفِهِ قَبْلَ قَبُولِ مُوصَى لَهُ] (فَصْلٌ: وَتَبْطُلُ وَصِيَّةٌ بِمُعَيَّنٍ بِتَلَفِهِ) قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ أَوْ بَعْدَهُ (قَبْلَ قَبُولِ) مُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُعَيَّنُ، فَإِذَا ذَهَبَ الْمُعَيَّنُ زَالَ حَقُّهُ. وَ (لَا) تَبْطُلُ (بِإِتْلَافِهِ) ؛ أَيْ: إتْلَافِ وَارِثٍ أَوْ غَيْرِهِ الْمُوصَى بِهِ (إنْ قَبِلَهُ) الْمُوصَى لَهُ - وَلَوْ بَعْدَ الْإِتْلَافِ - فَإِنَّ عَلَى مُتْلِفِهِ ضَمَانَهُ لَهُ. (وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ غَيَّرَهُ) ؛ أَيْ: غَيَّرَ الْمُعَيَّنَ الْمُوصَى بِهِ (بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ فَ) الْمُوصَى بِهِ كُلُّهُ (لِمُوصَى لَهُ) لِأَنَّ حُقُوقَ الْوَرَثَةِ؛ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ؛ لِتَعْيِينِهِ لِلْمُوصَى لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَخْذَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، فَتَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ دُونَ سَائِرِ مَالِهِ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إنْ كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ قَدْرُ الثُّلُثِ أَوْ أَقَلُّ، وَإِلَّا مَلَكَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ. (وَإِنْ) تَرَكَ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصَى بِهِ زَمَانًا و (لَمْ يَقْبَلْهُ حَتَّى غَلَا أَوْ) حَتَّى (نَمَا) بِأَنْ صَارَ ذَا صِفَةٍ زَادَتْ بِهَا قِيمَتُهُ (قُوِّمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ؛ أَيْ: اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ لِيُنْظَرَ، أَيَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَا يَخْرُجُ (حِينَ مَوْتِ) مُوصٍ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ حَالَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَالِ فِيهِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لَا حِينَ (قَبُولٍ) هُوَ تَأْكِيدٌ، فَيُنْظَرُ كَمْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ ثُلُثَ التَّرِكَةِ أَوْ دُونَهُ؛ اسْتَحَقَّهُ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَتْ مِثْلَ الْمَالِ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ هَلَكَ الْمَالُ سِوَاهُ؛ اخْتَصَّ بِهِ، وَلَا شَيْءَ لِلْوَرَثَةِ، وَتَقَدَّمَ. وَإِنْ كَانَ حِينَ الْمَوْتِ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ فَلِلْمُوصَى لَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْمَالِ فَلَهُ ثُلُثَاهُ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَيْهِ فَلَهُ نِصْفُهُ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَ الْمَالِ وَنِصْفَهُ فَلَهُ خُمُسَاهُ، فَإِنْ نَقَصَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ سَائِرُ الْمَالِ، أَوْ زَادَ؛ فَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا مَا كَانَ لَهُ حِينَ الْمَوْتِ فَلَوْ وَصَّى بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ مَثَلًا (وَلَهُ) مَالٌ غَيْرُ الْعَبْدِ قَدْرُهُ (سِتَّةُ) دَنَانِيرَ (فَزَادَتْ قِيمَتُهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ (بَعْدَ مَوْتِ) الْمُوصِي (سِتَّةَ) دَنَانِيرَ، فَصَارَ يُسَاوِي تِسْعَةَ دَنَانِيرَ (فَهُوَ) ؛ أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 الْعَبْدُ كُلُّهُ (لِمُوصَى لَهُ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَدَثَتْ فِي الْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَاسْتَحَقَّهَا الْمُوصَى لَهُ. (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ (حِينَ مَوْتِ) مُوصٍ (سِتَّةَ) دَنَانِيرَ مَثَلًا (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (ثُلُثَاهُ) ؛ أَيْ: ثُلُثَا الْعَبْدِ، وَهُمَا أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ فِي الْمِثَالِ (وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ) ؛ أَيْ: (حِينَ مَوْتِ) مُوصٍ؛ بِأَنْ صَارَ يُسَاوِي دِينَارَيْنِ (فَ) النَّقْصُ الْحَاصِلُ مَحْسُوبٌ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى الْمُوصَى لَهُ، لِأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ غُنْمُ شَيْءٍ فَعَلَيْهِ غُرْمُهُ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمُوصٍ) بِمُعَيَّنِ مَالٌ (سِوَاهُ إلَّا دَيْنٌ) بِذِمَّةِ مُوسِرٍ أَوْ مُعْسِرٍ (أَوْ) إلَّا مَالٌ (غَائِبٌ) عَنْ بَلَدِهِ (فَلِمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَا وَصَّى بِهِ) يُسَلَّمُ إلَيْهِ وُجُوبًا؛ لِاسْتِقْرَارِ حَقِّهِ فِيهِ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي وَقْفِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُخْلِفْ سِوَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ وَقَبْضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلِفَ فَلَا تُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ فِي الْمُعَيَّنِ كُلِّهِ (وَكُلَّمَا اُقْتُضِيَ) مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ (أَوْ حَضَرَ) مِنْ الْمَالِ الْغَائِبِ (شَيْءٌ مَلَكَ) مُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ (مِنْ مُوصَى بِهِ قَدْرَ ثُلُثِهِ) ؛ أَيْ: مَا اُقْتُضِيَ أَوْ حَضَرَ (حَتَّى يَتِمَّ) مِلْكُهُ عَلَيْهِ إنْ حَصَلَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْغَائِبِ مَثَلًا الْمُعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ مُوصَى لَهُ بِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَجْلِ حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَقَدْ زَالَ. فَلَوْ خَلَفَ ابْنًا وَتِسْعَةً عَيْنًا أَوْصَى بِهَا لِشَخْصٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا دَيْنًا؛ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهَا ثَلَاثَةٌ، فَإِذَا اقْتَضَى ثَلَاثَةً فَلَهُ مِنْ التِّسْعَةِ وَاحِدٌ، وَهَكَذَا حَتَّى يَقْتَضِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَتَكْمُلُ لَهُ التِّسْعَةُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ فَالسِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ لِلِابْنِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ تِسْعَةً، فَالِابْنُ يَأْخُذُ ثُلُثَ الْعَيْنِ، وَالْمُوصَى لَهُ ثُلُثَهَا، وَيَبْقَى ثُلُثُهَا مَوْقُوفًا، كُلَّمَا اسْتَوْفَى مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا، فَلِلْمُوصَى لَهُ مِنْ الْعَيْنِ قَدْرُ ثُلُثِهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى الدَّيْنَ، كَمَّلَ لِلْمُوصَى لَهُ سِتَّةً وَهِيَ ثُلُثُ الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِنِصْفِ الْعَيْنِ، أَخَذَ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَهَا وَالِابْنُ نِصْفَهَا، وَيَبْقَى سُدُسُهَا مَوْقُوفًا، فَمَتَى اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ ثُلُثَيْهِ؛ كَمُلَتْ وَصِيَّتُهُ (وَكَذَا حُكْمُ مُدَبَّرٍ) ؛ أَيْ: يُعْتَقُ فِي الْحَالِ ثُلُثُهُ، وَكُلَّمَا اُقْتُضِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ أَوْ حَضَرَ مِنْ الْغَائِبِ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ حَتَّى يَعْتِقَ جَمِيعُهُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى أَخَوَيْ الْمَيِّتِ - وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ - فَكُلَّمَا أَدَّى مِنْ نَصِيبِ أَخِيهِ شَيْئًا بَرِئَ مِنْ نَظِيرِهِ وَلَا يَبْرَأُ قَبْلَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 (وَمَنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ نَحْوِ عَبْدٍ) كَثُلُثِ دَارٍ وَنَحْوِهَا (فَاسْتَحَقَّ ثُلُثَاهُ، فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (ثُلُثُهُ الْبَاقِي) مِنْ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ مُسْتَحِقًّا (إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ مُوصَى بِهِ - وَقَدْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ - فَاسْتَحَقَّهُ مُوصَى لَهُ بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ شَيْئًا مُعَيَّنًا، وَكَذَا لَوْ وَصَّى بِثُلُثِ صُبْرَةٍ مِنْ نَحْوِ بُرٍّ أَوْ ثُلُثِ دَنٍّ زَيْتٍ وَنَحْوِهِ، فَتَلِفَ أَوْ اسْتَحَقَّ ثُلُثَا ذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ (فَلَهُ ثُلُثُ الثُّلُثِ) مِنْ الْعَبْدِ (إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ) . (وَ) إنْ وَصَّى لَهُ (بِثُلُثِ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ، فَاسْتَحَقَّ اثْنَانِ، أَوْ مَاتَا فَلَهُ ثُلُثُ) الْعَبْدِ (الْبَاقِي) لِاقْتِضَاءِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ ثُلُثُهُ، وَقَدْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَنْ مَاتَ أَوْ اسْتَحَقَّ؛ فَبَقِيَ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي. (وَ) مَنْ وَصَّى لِشَخْصٍ (بِعَبْدٍ) مُعَيَّنٍ (قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَ) وَصَّى (لِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَمَلَكَهُ غَيْرُهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ (مِائَتَانِ) فَأُجِيزَ لَهُمَا؛ انْفَرَدَ صَاحِبُ الْمُشَاعِ بِوَصِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، ثُمَّ شَارَكَ صَاحِبَ الْمُعَيَّنِ فِيهِ، فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا فِيهِ، وَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ؛ كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ) الْوَصِيَّتَيْنِ (فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ، وَثُلُثَانِ لَا يُزَاحِمُهُ الْآخَرُ فِيهِمَا (وَ) لَهُ (رُبُعُ الْعَبْدِ) لِدُخُولِهِ فِي الْمَالِ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِهِ مَعَ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِهِ لِلْآخَرِ، (وَ) طَرِيقُ ذَلِكَ بِأَخْذِ (بَسْطِ الْكَامِلِ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ) ؛ أَيْ: الثُّلُثِ يَصِيرُ الْعَبْدُ ثَلَاثَةً (وَضَمِّهِ) ؛ أَيْ: الثُّلُثِ الْمُوصَى بِهِ (إلَيْهِ) يَصِيرُ أَرْبَعَةً، فَإِذَا قُسِّمَ يَصِيرُ الثُّلُثُ رُبُعًا (كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ) فَيَخْرُجُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبُعٌ (وَلِمُوصَى لَهُ بِهِ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ (ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ) لِمُزَاحَمَةِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي الْعَبْدِ بِالرُّبُعِ. ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى حَالِ الرَّدِّ فَقَالَ: (وَإِنْ رَدُّوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ فِي الْوَصِيَّتَيْنِ؛ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِتَسَاوِي وَصِيَّتِهِمَا بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ مِائَةٌ، فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، إلَّا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 كُلَّهُ مِنْهُ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَأْخُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ سُدُسَهُ (فَلِمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سُدُسُ الْمِائَتَيْنِ) ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ (وَسُدُسُ الْعَبْدِ، وَلِمُوصَى لَهُ بِهِ) ؛ أَيْ؛ الْعَبْدِ (نِصْفُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ وَصَّى (بِالنِّصْفِ مَكَانَ الثُّلُثِ) مَعَ الْوَصِيَّةِ لِلْآخَرِ بِالْعَبْدِ وَأَجَازُوا؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: صَاحِبِ النِّصْفِ (مِائَةٌ) لِأَنَّهَا نِصْفُ الْمِائَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِمَا (وَ) لَهُ (ثُلُثُ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ مُوصَى لَهُ بِنِصْفِهِ؛ لِدُخُولِهِ فِي جُمْلَةِ الْمَالِ، وَمُوصَى لِلْآخَرِ بِكُلِّهِ، وَذَلِكَ نِصْفَانِ وَنِصْفٌ، فَاقْسِمْهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ يَرْجِعُ النِّصْفُ إلَى الثُّلُثِ (لِأَنَّ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (نِصْفَهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ؛ لِدُخُولِهِ فِي جُمْلَةِ الْمَالِ (وَلِلْآخَرِ كُلَّهُ) ؛ أَيْ الْعَبْدِ (وَذَلِكَ) ؛ أَيْ: الْكُلُّ (نِصْفَانِ وَنِصْفٌ فَ) إذَا قَسَّمَهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ (يَرْجِعُ إلَى ثُلُثٍ، وَلِمُوصَى لَهُ) بِالْعَبْدِ (ثُلُثَاهُ) لِرُجُوعِ كُلِّ نِصْفٍ إلَى ثُلُثٍ. (وَإِنْ رَدُّوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ لَهُمَا بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ؛ قُسِّمَ الثُّلُثُ - وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، قِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةٌ، وَنِصْفُ الْمَالِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ - بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ، بَسْطِ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ (فَلِصَاحِبِ النِّصْفِ خُمُسُ الْمِائَتَيْنِ وَ) خُمُسُ (الْعَبْدِ) سِتُّونَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ، وَذَلِكَ خُمُسَا وَصِيَّتِهِ (وَلِصَاحِبِهِ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ (خُمُسَاهُ) أَرْبَعُونَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ، وَذَلِكَ خُمُسَا وَصِيَّتِهِ (وَالطَّرِيقُ فِيهِمَا) ؛ أَيْ: فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (أَنْ تَنْسُبَ الثُّلُثَ، وَهُوَ مِائَةٌ إلَى وَصِيَّتِهِمَا جَمِيعًا، وَهُمَا) ؛ أَيْ: الْوَصِيَّتَانِ (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى مِائَتَانِ) لِأَنَّهُمَا بِالْعَبْدِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَبِثُلُثِ الْمَالِ - وَهُوَ مِائَةٌ - فَيَكُونُ نِصْفًا، (وَفِي) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ) لِأَنَّهُمَا بِالْعَبْدِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَبِنِصْفِ الْمَالِ، وَهُوَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، فَيَكُونُ خَمْسِينَ (وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الْمُوصَى لَهُمَا (مِنْ وَصِيَّتِهِ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ) فَنِسْبَةُ الثُّلُثِ إلَى الْوَصِيَّتَيْنِ فِي الْأُولَى نِصْفٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي الثَّانِيَةِ خُمُسَانِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّتَيْنِ فِيهِمَا بِنِصْفٍ وَثُلُثٍ، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَالْمِائَةُ خُمُسَا ذَلِكَ. (وَلَوْ وَصَّى لِشَخْصٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ، وَلِثَالِثٍ بِتَمَامِ الثُّلُثِ عَلَى الْمِائَةِ، فَلَمْ يَزِدْ الثُّلُثُ عَنْ مِائَةٍ) بِأَنْ كَانَ الْمَالُ ثَلَاثَمِائَةٍ (بَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ التَّمَامِ) لِأَنَّهَا لَمْ تُصَادِفْ مَحَلًّا، كَمَا لَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 وَصَّى لَهُ بِدَارِهِ - وَلَا دَارَ لَهُ - (وَ) قَسَّمَ (الثُّلُثَ) ؛ أَيْ: ثُلُثَ مَالِ الْمُوصِي (مَعَ الرَّدِّ) مِنْ الْوَرَثَةِ لِلزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ (بَيْنَ الْآخَرَيْنِ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْمِائَةِ (عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا) بِالْمُحَاصَّةِ (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (خَمْسُونَ) إنْ رَدَّ الْوَرَثَةُ، فَلَوْ كَانَ الثُّلُثُ مِائَةً مَثَلًا (فَكَأَنَّهُ أَوْصَى بِمِائَةٍ وَ) بِ (مِائَةٍ) فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الثُّلُثُ خَمْسِينَ، كَأَنْ أَوْصَى بِمِائَةٍ وَبِخَمْسِينَ؛ فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَلَوْ كَانَ الثُّلُثُ أَرْبَعِينَ؛ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا أَسْبَاعًا، لِلْمُوصَى لَهُ بِالْمِائَةِ خَمْسَةُ أَسْبَاعِهِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سُبْعَاهُ (وَإِنْ زَادَ الثُّلُثُ عَنْهَا) ؛ أَيْ: الْمِائَةِ، بِأَنْ كَانَ الْمَالُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ، صَحَّتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ التَّمَامِ أَيْضًا، ثُمَّ يُنْظَرُ (فَ) إنْ (أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ) لَهُمْ (نُفِّذَتْ) الْوَصِيَّةُ (عَلَى مَا قَالَ) الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ [لَا] مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ الثُّلُثُ مَثَلًا مِائَتَيْنِ أَخَذَهُمَا الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ مِائَةً (وَإِنْ رَدُّوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ (فَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْ الْمُوصَى لَهُمْ (نِصْفُ وَصِيَّتِهِ) سَوَاءٌ جَاوَزَ الثُّلُثُ مِائَتَيْنِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ وَصِيَّةَ الْمِائَةِ وَتَمَامَ الثُّلُثِ مِثْلُ الثُّلُثِ [وَقَدْ أَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِالثُّلُثِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ وَصَّى بِالثُّلُثَيْنِ، فَيُرَدَّانِ إلَى الثُّلُثِ] ؛ لِرَدِّ الْوَرَثَةِ الزَّائِدَ عَلَيْهِ، فَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ بِالنِّصْفِ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ، فَتُرَدُّ وَصِيَّتُهُ إلَى نِصْفِهَا. (وَإِنْ تَرَكَ سِتَّمِائَةٍ وَوَصَّى لِأَجْنَبِيٍّ بِمِائَةٍ وَ) وَصَّى (لِآخَرَ بِتَمَامِ الثُّلُثِ؛ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ، وَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ وَصِيَّتَهُ فَلِلْآخَرِ مِائَةٌ) كَمَا لَوْ لَمْ يَرُدَّ (وَإِنْ وَصَّى لِلْأَوَّلِ بِمِائَتَيْنِ وَ) وَصَّى (لِلْآخَرِ بِبَاقِي الثُّلُثِ فَلَا شَيْءَ لَهُ) ؛ أَيْ: لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَلَمْ يُوصِ لَهُ بِشَيْءٍ (وَلَوْ رَدَّ الْأَوَّلُ) لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِرَدِّ الْأَوَّلِ وَلَا قَبُولِهِ. (وَلَوْ وَصَّى لِشَخْصٍ بِعَبْدٍ وَ) وَصَّى (لِآخَرَ بِتَمَامِ الثُّلُثِ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ (فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ) مَوْتِ (الْمُوصِي) بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَ (قُوِّمَتْ التَّرِكَةُ) عِنْدَ الْمَوْتِ (بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ اعْتِبَارًا بِحَالِ مَوْتِ الْمُوصِي (ثُمَّ أُلْقِيَتْ قِيمَتُهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ (مِنْ ثُلُثِهَا) ؛ أَيْ: التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ (كَأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ) تَتِمَّةَ (الثُّلُثِ) بَعْدَ الْعَبْدِ، فَقَدْ جَعَلَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 الثُّلُثَ (إلَّا قِيمَةَ الْعَبْدِ، فَمَا بَقِيَ) مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ إلْقَاءِ قِيمَتِهِ مِنْهُ (فَهُوَ لِوَصِيَّةِ صَاحِبِ التَّمَامِ) كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى مِنْ الثُّلُثِ قَدْرًا مَعْلُومًا، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ وَلَوْ وَصَّى لِشَخْصٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَيُعْطِي لِزَيْدٍ مِنْهُ كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً حَتَّى يَمُوتَ؛ صَحَّ، فَإِنْ مَاتَ وَبَقِيَ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ. نُصَّ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ] (بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ) الْأَنْصِبَاءُ: جَمْعُ نَصِيبٍ كَالْأَنْصِبَةِ، وَهُوَ الْحَظُّ مِنْ الشَّيْءِ، وَأَنْصَبَهُ جَعَلَ لَهُ نَصِيبًا، وَهُمْ يَتَنَاصَبُونَهُ؛ أَيْ: يَقْتَسِمُونَهُ، وَالْأَجْزَاءُ جَمْعُ جُزْءٍ وَهُوَ الطَّائِفَةُ مِنْ الشَّيْءِ. وَالْجَزْءُ - بِالْفَتْحِ - لُغَةً، وَجَزَّأْتُ الشَّيْءَ جَزْءًا، وَجَزَّأْتُهُ تَجْزِئَةً جَعَلْتُهُ أَجْزَاءً، وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: جَزَّأَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ مُشَدَّدًا لَا غَيْرُ: قَسَّمَهُ، وَعَبَّرَ عَنْ هَذَا الْبَابِ فِي " الْمُحَرَّرِ " بِ: بَابِ حِسَابِ الْوَصَايَا، وَفِي " الْفُرُوعِ " بَابُ عَمَلِ الْوَصَايَا، وَالْغَرَضُ مِنْهُ الْعِلْمُ بِنِسْبَةِ مَا يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوصَى لَهُمْ إلَى أَنْصِبَاءِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مَنْسُوبَةً إلَى جُمْلَةِ التَّرِكَةِ، أَوْ إلَى نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ، وَلِذَلِكَ طُرُقٌ نُبَيِّنُ مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا. وَتَنْقَسِمُ مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ، وَقِسْمٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ، وَقِسْمٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، وَتَأْتِي مُرَتَّبَةً. فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (مَنْ وَصَّى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ مُعَيَّنٍ) بِالتَّسْمِيَةِ، كَقَوْلِهِ: وَصَّيْتُ لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي فُلَانٍ، أَوْ الْإِشَارَةِ، كَابْنِي هَذَا، أَوْ يَذْكُرُ نِسْبَتَهُ مِنْهُ، كَقَوْلِهِ: ابْنٌ مِنْ بَنِيَّ أَوْ بِنْتٌ مِنْ بَنَاتِي وَنَحْوُهُ، أَوْ وَصَّى لَهُ بِنَصِيبِ الْوَارِثِ الْمُعَيَّنِ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (مِثْلُهُ) ؛ أَيْ: مِثْلُ نَصِيبِ ذَلِكَ الْوَارِثِ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مُبَعَّضًا فَلَهُ مِثْلُ مَا يَرِثُهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ (مَضْمُومًا إلَى الْمَسْأَلَةِ) ؛ أَيْ: مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ لَوْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً، وَعَلِمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 مِنْهُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِهِ، وَلِأَنَّ الْمُرَادَ تَقْدِيرُ الْوَصِيَّةِ، فَلَا أَثَرَ لِذِكْرِ الْوَارِثِ، وَفِيمَا إذَا أَوْصَى بِنَصِيبِ أَبِيهِ وَنَحْوُهُ الْمَعْنَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ؛ صَوْنًا لِلَّفْظِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، فَإِنَّهُ مُمْكِنُ الْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَمِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ كَثِيرٌ. وَأَيْضًا، فَبَعْدَ حُصُولِ نَصِيبِ الِابْنِ لِلْغَيْرِ، فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى إضْمَارِ لَفْظِ الْمِثْلِ. (فَ) مَنْ وَصَّى (بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَهُ ابْنَانِ) وَارِثَانِ، (فَ) لِمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ (ثُلُثُ) جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ وَارِثَهُ أَصْلًا وَقَاعِدَةً، وَحَمَلَ عَلَيْهِ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ، وَجَعَلَهُ مَثَلًا لَهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُزَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. (وَ) لَوْ كَانَ لِمُوصٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ (ثَلَاثَةُ) بَنِينَ (فَ) لِمُوصَى لَهُ (رُبُعٌ) فَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ) ؛ أَيْ: الْبَنِينَ الثَّلَاثَةِ (بِنْتٌ) لِلْمُوصِي؛ (فَ) لِمُوصَى لَهُ (تُسْعَانِ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَتَهُمْ) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةِ (بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: بِدُونِ الْمُوصَى لَهُ (مِنْ سَبْعَةٍ) لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ، وَلِلْبِنْتِ سَهْمٌ (وَيُزَادُ عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: الْمَسْأَلَةِ (نَصِيبُهُ) ؛ أَيْ: نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ، فَتَصِيرُ تِسْعَةً، لِكُلِّ ابْنٍ تُسْعَانِ، وَلِلْبِنْتِ تُسْعٌ، وَلِلْمُوصَى لَهُ تُسْعَانِ. (فَ) إنْ وَصَّى لَهُ (بِنَصِيبِ ابْنِهِ) وَلَمْ يَقُلْ: مِثْلُ؛ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا كَمَا لَوْ أَتَى بِلَفْظِ مِثْلِ، فَيَكُونُ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] (فَ) لِمُوصَى (لَهُ) بِنَصِيبِ الِابْنِ (مِثْلُ نَصِيبِهِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ حَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ. (وَ) إنْ وَصَّى لَهُ (بِمِثْلِ نَصِيبِ بِنْتِهِ وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهَا ف) لِمُوصَى (لَهُ النِّصْفُ) ؛ لِأَنَّهَا تَأْخُذُ الْمَالَ كُلَّهُ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَ) إنْ وَصَّى لَهُ (بِمِثْلِ نَصِيبِ وَلَدِهِ وَلَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ، فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (مِثْلُ نَصِيبِ الْبِنْتِ) لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. وَإِنْ خَلَفَ بِنْتَيْنِ وَوَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ إحْدَاهُمَا؛ فَلَهُ ثُلُثٌ، وَلَهُمَا ثُلُثَانِ كَذَلِكَ. وَإِنْ خَلَفَ جَدَّةً أَوْ أَخًا لِأُمٍّ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ؛ فَقِيَاسُ قَوْلِنَا الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. (وَ) إنْ وَصَّى (لِثَلَاثَةٍ بِمِثْلِ أَنْصِبَاءِ بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ، فَ) التَّرِكَةُ (بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ إنْ أَجَازُوا) ؛ أَيْ: الْأَبْنَاءُ (وَ) تَكُونُ التَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ (مِنْ تِسْعَةٍ إنْ رَدُّوا) ؛ أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 الْأَبْنَاءُ الثَّلَاثَةُ. (وَ) إنْ وَصَّى (بِضِعْفِ نَصِيبِ ابْنِهِ فَ) لِمُوصَى لَهُ (مِثْلَاهُ) ؛ أَيْ: الِابْنِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء: 75] وَقَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا} [سبأ: 37] وَقَوْلِهِ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39] وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَضْعَفَ الزَّكَاةَ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ، فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ عَشْرَةً. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الضِّعْفُ الْمِثْلُ فَمَا فَوْقَهُ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الضِّعْفَيْنِ الْمِثْلَانِ. فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّحْوِيِّ قَالَ: إنَّ الْعَرَبَ تَتَكَلَّمُ بِالضِّعْفِ مُثَنَّى، فَتَقُولُ: إنْ أَعْطَيْتَنِي دِرْهَمًا فَلَكَ ضِعْفَاهُ أَيْ: مِثْلَاهُ، وَإِفْرَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ، إلَّا أَنَّ التَّثْنِيَةَ أَحْسَنُ. (وَ) إنْ وَصَّى (بِضِعْفَيْهِ) ؛ أَيْ: ضِعْفَيْ نَصِيبِ ابْنِهِ؛ فَلِمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ (ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ) . (وَ) إنْ وَصَّى (بِثَلَاثَةِ أَضْعَافِهِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ، وَهَلُمَّ جَرَّا) ؛ أَيْ: كُلَّمَا زَادَ ضِعْفًا زَادَ مِثْلًا؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ ضَمُّ الشَّيْءِ إلَى مِثْلِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى: ضِعْفُ الشَّيْءِ هُوَ وَمِثْلُهُ، وَضِعْفَاهُ هُوَ وَمِثْلَاهُ، وَثَلَاثَةُ أَضْعَافِهِ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَوْلَا أَنَّ ضِعْفَيْ الشَّيْءِ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ، لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِضِعْفِ الشَّيْءِ وَبِضِعْفَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مُرَادٌ وَمَقْصُودٌ، وَإِرَادَةُ الْمِثْلَيْنِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] إنَّمَا فُهِمَ مِنْ لَفْظِ يُضَاعَفْ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ ضَمُّ الشَّيْءِ إلَى مِثْلِهِ، فَكُلٌّ مِنْ الْمِثْلَيْنِ الْمُنْضَمَّيْنِ ضِعْفٌ، كَمَا قِيلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ: زَوْجٌ، وَالزَّوْجُ هُوَ الْوَاحِدُ الْمَضْمُومُ إلَى مِثْلِهِ. (وَ) إنْ وَصَّى (بِمِثْلِ نَصِيبِ مَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ، كَمَحْجُوبٍ) عَنْ مِيرَاثِهِ (بِوَصْفٍ) كَكَوْنِهِ رَقِيقًا، أَوْ مُخَالِفًا لِدِينِ الْمُوَرِّثِ (أَوْ) مَحْجُوبًا (بِشَخْصٍ) كَأَنْ يَكُونَ أَخًا مَعَ وُجُودِ الِابْنِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّ الْمَحْجُوبَ لَا شَيْءَ لَهُ، فَمِثْلُهُ لَا شَيْءَ لَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 (وَ) إنْ وَصَّى (بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ) ؛ أَيْ: يُعَيِّنُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِي؛ فَلَهُ مِثْلُ مَا لِأَقَلِّهِمْ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، أَوْ وَصَّى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَقَلِّهِمْ مِيرَاثًا (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (مِثْلُ مَا لِأَقَلِّهِمْ) مِيرَاثًا؛ عَمَلًا بِوَصِيَّتِهِ، (فَ) لَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ (مَعَ ابْنٍ وَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ) فَمَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ (تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ) لِأَنَّ أَصْلَهَا ثَمَانِيَةٌ. لِلزَّوْجَاتِ سَهْمٌ عَلَيْهِنَّ لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يُوَافِقُ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُنَّ فِي ثَمَانِيَةٍ تَبْلُغُ ذَلِكَ (لِكُلِّ زَوْجَةٍ) مِنْ ذَلِكَ (سَهْمٌ) وَلِلِابْنِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ (وَيُزَادُ لِلْوَصِيِّ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (سَهْمٌ) عَلَى الْمَسْأَلَةِ (فَتَصِيرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ) لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ امْرَأَةٍ سَهْمٌ، وَلِلِابْنِ مَا بَقِيَ. (وَ) إنْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ (بِمِثْلِ نَصِيبِ أَكْثَرِهِمْ مِيرَاثًا فَلَهُ) مِثْلُ نَصِيبِ أَكْثَرِهِمْ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ أُجِيزَ مُضَافًا إلَى الْمَسْأَلَةِ فَيَكُونُ لَهُ (فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، وَ) مِثْلُ نَصِيبِ الِابْنِ، لِأَنَّهُ أَكْثَرُهُمْ (تَضُمُّ لِلْمَسْأَلَةِ) اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ (فَتَبْلُغُ) الْمَسْأَلَةُ (سِتِّينَ) سَهْمًا مَعَ الْإِجَازَةِ، وَمَعَ الرَّدِّ لَهُ الثُّلُثُ، وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، لِلْوَصِيَّةِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلْوَرَثَةِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ. وَطَرِيقُهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، لِلْمُوصَى لَهُ وَاحِدٌ، يَفْضُلُ اثْنَانِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ، وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهَا وَتُوَافِقُهَا بِالنِّصْفِ، فَرَدَّ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثِينَ إلَى نِصْفِهَا سِتَّةَ عَشَرَ، وَاضْرِبْ ثَلَاثَةَ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي السِّتَّةَ عَشَرَ تَبْلُغُ ذَلِكَ. (وَ) إنْ وَصَّى لِزَيْدٍ مَثَلًا (بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ لَوْ كَانَ) مَوْجُودًا (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الْوَارِثِ الْمُقَدَّرِ وُجُودُهُ (مِثْلُ مَالَهُ لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَهُوَ مَوْجُودٌ) بِأَنْ يُنْظَرَ مَا يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ مَعَ وُجُودِ الْوَارِثِ، فَيَكُونُ لَهُ مَعَ عَدَمِهِ، وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنْ تُصَحِّحَ مَسْأَلَةَ عَدَمِ الْوَارِثِ، ثُمَّ تُصَحِّحَ مَسْأَلَةَ وُجُودِ الْوَارِثِ، ثُمَّ تَضْرِبَ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى، ثُمَّ تَقْسِمَ الْمُرْتَفِعَ مِنْ الضَّرْبِ عَلَى مَسْأَلَةِ وُجُودِ الْوَارِثِ، فَمَا خَرَجَ بِالْقِسْمَةِ أَضِفْهُ إلَى مَا ارْتَفَعَ مِنْ الضَّرْبِ، فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَاقْسِمْ الْمُرْتَفِعَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ. (فَلَوْ كَانُوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ (أَرْبَعَةَ بَنِينَ) وَوَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ لَوْ كَانَ، فَمَسْأَلَةُ عَدَمِهِ أَرْبَعَةٌ، وَمَسْأَلَةُ وُجُودِهِ خَمْسَةٌ، وَهُمَا مُتَبَايِنَتَانِ، فَاضْرِبْ أَرْبَعَةً فِي خَمْسَةٍ تَبْلُغُ عِشْرِينَ، اقْسِمْهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 عَلَى مَسْأَلَةِ وُجُودِهِ يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ، أَضِفْهَا إلَى الْعِشْرِينَ تَصِيرُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ (فَلِمُوصَى لَهُ) مِنْهَا (السُّدُسُ) وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ. (وَلَوْ كَانُوا) ؛ أَيْ: الْأَبْنَاءُ (ثَلَاثَةً) وَوَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ رَابِعٍ لَوْ كَانَ، فَمَسْأَلَةُ عَدَمِهِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَوُجُودِهِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَحَاصِلُ ضَرْبِهِمَا اثْنَا عَشَرَ، وَالْخَارِجُ بِقِسْمَتِهَا عَلَى أَرْبَعَةٍ ثَلَاثَةٌ، فَرُدَّهَا عَلَى الِاثْنَيْ عَشَرَ تَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ؛ (فَ) لِلْمُوصَى لَهُ مِنْهَا (خُمُسٌ) وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةٌ. (وَ) إنْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ لَوْ كَانَ وَلَهُ ابْنَانِ (اثْنَانِ) فَمَسْأَلَةُ وُجُودِهِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَمَسْأَلَةُ عَدَمِهِ مِنْ اثْنَيْنِ، وَحَاصِلُ ضَرْبِ الِاثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ، زِدْ عَلَيْهَا مِثْلَ نَصِيبِ مَا لِأَحَدِهِمْ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً؛ (فَ) لِلْمُوصَى لَهُ (رُبُعٌ) وَهُوَ اثْنَانِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةٌ. (وَلَوْ كَانُوا) ؛ أَيْ: أَبْنَاءُ الْمُوصِي (أَرْبَعَةً فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ خَامِسٍ لَوْ كَانَ، فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِالْخُمُسِ إلَّا السُّدُسَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، فَيَكُونُ لَهُ سَهْمٌ يُزَادُ عَلَى ثَلَاثِينَ) سَهْمًا حَاصِلَةً مِنْ (ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي سِتَّةٍ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ اسْتَثْنَى السُّدُسَ مِنْ الْخُمُسِ، فَإِذَا ضَرَبْتَ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ كَانَ ثَلَاثِينَ، خُمُسُهَا سِتَّةٌ، وَسُدُسُهَا خَمْسَةٌ، فَإِذَا طَرَحْتَ الْخَمْسَةَ مِنْ السِّتَّةِ بَقِيَ سَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ (فَإِذَا أَخَذَهُ) الْمُوصَى لَهُ (فَالثَّلَاثُونَ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَتُوَافِقُ بِالنِّصْفِ) فَرُدَّ الْأَرْبَعَةَ إلَى اثْنَيْنِ (وَاضْرِبْ الِاثْنَيْنِ فِي ثَلَاثِينَ بِسِتِّينَ، فَزِدْ عَلَيْهِمَا سَهْمَيْنِ تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ، لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (مِنْهُمَا سَهْمَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةَ عَشَرَ) سَهْمًا. وَإِنْ قَالَ مَنْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَبْنَاءٍ: أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ خَامِسٍ لَوْ كَانَ إلَّا مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ سَادِسٍ لَوْ كَانَ، فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِالسُّدُسِ إلَّا السُّبْعَ، وَهُوَ سَهْمٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَهْمًا، وَطَرِيقُهُ أَنْ تَضْرِبَ مَخْرَجَ أَحَدِهِمَا فِي مَخْرَجِ الْآخَرِ سِتَّةً فِي سَبْعَةٍ تَكُنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، سُدُسُهَا سَبْعَةٌ، أَسْقِطْ مِنْ السَّبْعَ سِتَّةً يَبْقَى سَهْمٌ لِلْوَصِيَّةِ، فَيُزَادُ ذَلِكَ السَّهْمُ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَهْمًا، يَجْتَمِعُ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ، لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ وَالْبَاقِي لِلْبَنِينَ الْأَرْبَعَةِ لَا يَنْقَسِمُ، وَيُوَافِقُ بِالنِّصْفِ، فَرُدَّ [الْأَرْبَعَةَ] إلَى نِصْفِهَا اثْنَيْنِ، وَاضْرِبْهُمَا فِي ثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعِينَ، فَتَصِحُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 مِنْ سِتَّةٍ وَثَمَانِينَ، لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا. (وَلَوْ كَانُوا) ؛ أَيْ: بَنُو الْمُوصِي (خَمْسَةً فَوَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ سَادِسٍ لَوْ كَانَ، فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِالسُّدُسِ إلَّا السُّبْعَ) بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، فَاضْرِبْ أَحَدَ الْمَخْرَجَيْنِ فِي الْآخَرِ يَخْرُجُ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، سُدُسُهَا سَبْعَةٌ، بَقِيَ سَهْمٌ؛ فَهُوَ لِلْوَصِيَّةِ (فَيَكُونُ) لِلْمُوصَى (لَهُ سَهْمٌ يُزَادُ عَلَى اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ) مَبْلَغَ (ضَرْبِ) أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ وَهُوَ (سِتَّةٌ فِي) الْمَخْرَجِ الْآخَرِ وَهُوَ سَبْعَةٌ، وَتَصِحُّ مِنْ (مِائَتَيْنِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ) لِأَنَّ الْبَاقِيَ لِلْوَرَثَةِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ عَلَى خَمْسَةٍ تُبَايِنُهَا، فَتَضْرِبُ الْخَمْسَةَ فِي الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ يَحْصُلُ ذَلِكَ (لِمُوصَى لَهُ خَمْسَةٌ) لِأَنَّهَا حَاصِلُ ضَرْبِ الْوَاحِدِ فِي الْخَمْسَةِ (وَ) لِلْبَنِينَ الْبَاقِي (لِكُلِّ ابْنٍ) مِنْهُمْ (اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ) . (وَلَوْ خَلَّفَتْ) الْمَرْأَةُ (زَوْجًا وَأُخْتًا) شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ (وَأَوْصَتْ بِمِثْلِ نَصِيبِ أُمٍّ لَوْ كَانَتْ؛ فَلِمُوصَى لَهُ الْخُمُسُ مُضَافًا لِأَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّ لِلْأُمِّ الرُّبُعَ لَوْ كَانَتْ) وَتَعُولُ الْمَسْأَلَةُ إلَى ثَمَانِيَةٍ، لِلْأُمِّ سَهْمَانِ، وَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةٌ، فَزِدْ عَلَيْهَا سَهْمَيْنِ مِثْلَ مَا لِلْأُمِّ لِلْمُوصَى لَهُ؛ تَكُنْ عَشَرَةً، وَلِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ، يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ، لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ، ثُمَّ تَرُدُّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى نِصْفِهِ لِلْمُوَافَقَةِ، فَيُجْعَلُ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ مُضَافًا إلَى أَرْبَعَةِ الْوَرَثَةِ، وَلِلزَّوْجِ سَهْمَانِ وَلِلْأُخْتِ سَهْمَانِ، يَكُونُ مَا لِلْمُوصَى لَهُ خُمُسًا لِمَا عَلِمْتَ. [فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ] (فَصْلٌ: فِي الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ) وَهَذَا الْفَصْلُ يُذْكَرُ فِيهِ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ (مَنْ وُصِّيَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (لَهُ بِجُزْءٍ أَوْ حَظٍّ أَوْ نَصِيبٍ أَوْ قِسْطٍ أَوْ شَيْءٍ،) (فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يُعْطُوهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِأَحَدِ هَذِهِ (مَا شَاءُوا) لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ جُزْءٌ وَنَصِيبٌ وَحَظٌّ وَشَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعْطُوا فُلَانًا مِنْ مَالِي أَوْ اُرْزُقُوهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا حَدَّ لَهُ لُغَةً وَلَا شَرْعًا، فَهُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ (مِنْ مُتَمَوَّلٍ) لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْوَصِيَّةِ بِرُّ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنَّمَا وَكَّلَ قَدْرَ الْمُوصَى بِهِ وَتَعْيِينَهُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَمَا لَا يُتَمَوَّلُ شَرْعًا لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ. (وَ) إنْ وَصَّى (بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ) ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِالسَّهْمِ (سُدُسٌ بِمَنْزِلَةِ سُدُسٍ مَفْرُوضٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّدُسَ» . وَلِأَنَّ السَّهْمَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السُّدُسُ، قَالَهُ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَتَنْصَرِفُ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ لَفَظَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ السُّدُسَ أَقَلُّ سَهْمٍ مَفْرُوضٍ يَرِثُهُ ذُو قَرَابَةٍ، فَتَنْصَرِفُ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ (إنْ لَمْ تَكْمُلْ فُرُوضُ الْمَسْأَلَةِ) كَأُمٍّ وَبِنْتَيْنِ، مَسْأَلَتُهُمْ مِنْ سِتَّةٍ، وَتَرْجِعُ بِالرَّدِّ إلَى خَمْسَةٍ، وَيُزَادُ عَلَيْهَا السَّهْمُ الْمُوصَى بِهِ؛ فَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ، وَلِلْأُمِّ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمَانِ. (أَوْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ عُصْبَةً) كَخَمْسَةِ بَنِينَ مَعَ الْوَصِيَّةِ بِسَهْمٍ، فَلَهُ سُدُسٌ، وَالْبَاقِي لِلْبَنِينَ (وَإِنْ كَمُلَتْ) فُرُوضُ الْمَسْأَلَةِ (أُعِيلَتْ بِهِ) ؛ أَيْ: السُّدُسِ (كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ) أَوْ لِأَبٍ مَعَ وَصِيَّةٍ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، (فَ) إنَّهَا تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ، وَ (يُعْطَى) الْمُوصَى لَهُ (السُّبْعَ) وَاحِدٌ مِنْ سَبْعَةٍ، وَالزَّوْجُ ثَلَاثَةً، وَالْأُخْتُ ثَلَاثَةً مِنْ السَّبْعَةِ (وَإِنْ عَالَتْ) الْمَسْأَلَةُ بِدُونِ السَّهْمِ الْمُوصَى بِهِ (أُعِيلَ مَعَهَا) بِالسَّهْمِ الْمُوصَى بِهِ (كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ وَالْأُخْتِ (جَدَّةٌ) زَادَ عَوْلُهَا بِالسَّهْمِ الْمُوصَى بِهِ (فَيُعْطَى) الْمُوصَى لَهُ (الثُّمُنَ) وَالْجَدَّةُ سَهْمًا، وَكُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْأُخْتِ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: فَكَانَ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ: أَوْصَيْتُ لَكَ بِسَهْمِ مَنْ يَرِثُ السُّدُسَ انْتَهَى. وَإِنْ خَلَّفَ زَوْجَةً وَخَمْسَةَ بَنِينَ فَأَصْلُهَا ثَمَانِيَةٌ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعِينَ، فَيُزَادُ عَلَيْهَا مِثْلُ سُدُسِهَا - وَلَا سُدُسَ لَهَا - فَتَضْرِبُهَا فِي سِتَّةٍ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَتَزِيدُ عَلَى الْحَاصِلِ سُدُسَهُ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ، تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ، لِلْمُوصَى لَهُ بِالسَّهْمِ أَرْبَعُونَ، وَلِلزَّوْجَةِ ثَلَاثُونَ؛ لِأَنَّ لَهَا مِنْ الْأَرْبَعِينَ خَمْسَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي سِتَّةٍ عَدَدِ الرُّءُوسِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ؛ لِأَنَّ لَهُ سَبْعَةً مِنْ الْأَرْبَعِينَ مَضْرُوبَةً فِي سِتَّةٍ. وَإِنْ وَصَّى لِإِنْسَانٍ بِسُدُسِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِسَهْمٍ مِنْهُ، وَخَلَّفَ أَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ؛ جَعَلْتَ ذَا السَّهْمِ كَالْأُمِّ، وَأَعْطَيْتَ صَاحِبَ السُّدُسِ سُدُسًا كَامِلًا، وَقَسَمْتَ الْبَاقِيَ بَيْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 الْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالسَّهْمِ عَلَى سَبْعَةٍ؛ فَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ. لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَبْعَةٌ، وَلِصَاحِبِ السَّهْمِ خَمْسَةٌ. قَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي ". (وَ) إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ (بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ تَأْخُذُهُ مِنْ مَخْرَجِهِ) لِيَكُونَ صَحِيحًا (فَتَدْفَعُهُ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: إلَى الْمُوصَى لَهُ بِهِ (وَتُقَسِّمُ الْبَاقِيَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ) لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ، فَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ وَلَهُ ابْنَانِ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةَ بَنِينَ، وَوَصَّى بِرُبُعِهِ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَإِنْ وَصَّى بِخَمْسَةٍ، وَخَلَّفَ زَوْجَةً وَأُخْتًا؛ صَحَّتْ مِنْ خَمْسَةٍ، وَبِتِسْعَةٍ. وَخَلَّفَ زَوْجَةً وَسَبْعَ بَنِينَ؛ صَحَّتْ مِنْ تِسْعَةٍ (إلَّا أَنْ يَزِيدَ) الْجُزْءُ الْمُوصَى بِهِ (عَلَى الثُّلُثِ) كَالنِّصْفِ (وَلَمْ تُجِزْ) الْوَرَثَةُ الزَّائِدَ (فَيُفْرَضُ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (الثُّلُثُ، وَتُقَسِّمُ الثُّلُثَيْنِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ) كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِالثُّلُثِ فَقَطْ، فَلَوْ وَصَّى لَهُ بِالنِّصْفِ، وَلَهُ ابْنَانِ فَرَدَّا؛ فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي لِلِابْنَيْنِ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ (فَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ) الْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ (ضَرَبْتَ الْمَسْأَلَةَ) ؛ أَيْ: مَسْأَلَةَ الْوَرَثَةِ إنْ بَايَنَهَا الْبَاقِي، (أَوْ) ضَرَبْتَ (وَفْقَهَا) إنْ وَافَقَهَا الْبَاقِي (فِي مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ) مِثَالُ الْمُبَايَنَةِ مَا لَوْ وَصَّى بِنِصْفٍ وَلَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ فَرَدُّوا، مَخْرَجُ الْوَصِيَّةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ مِنْهَا، يَبْقَى اثْنَانِ تُبَايِنُ عَدَدَ الْبَنِينَ، فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ تَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ، وَمِثَالُ الْمُوَافَقَةِ لَوْ كَانَ الْبَنُونَ أَرْبَعَةً فَقَدْ بَقِيَ لَهُ سَهْمَانِ تُوَافِقُ عَدَدَهُمْ بِالنِّصْفِ، فَرُدَّهُمْ إلَى نِصْفِهِمْ اثْنَيْنِ، وَاضْرِبْهُمَا فِي ثَلَاثَةٍ؛ تَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ. لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ. (وَ) إنْ وَصَّى (بِجُزْأَيْنِ) كَثُمُنٍ وَتُسْعٍ؛ أَخَذْتُهُمَا مِنْ مَخْرَجِهِمَا سَبْعَةَ عَشَرَ، وَهِيَ لَا تَنْقَسِمُ، فَاضْرِبْ ثَمَانِيَةً فِي تِسْعَةٍ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، فَأَعْطِ لِصَاحِبِ الثُّمُنِ تِسْعَةً، وَلِصَاحِبِ التُّسْعِ ثَمَانِيَةً يَبْقَى خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ تُدْفَعُ لِلْوَرَثَةِ. (أَوْ) وَصَّى (بِأَكْثَرَ) مِنْ جُزْأَيْنِ كَثُمُنٍ وَتُسْعٍ وَعُشْرٍ (تَأْخُذُهَا) ؛ أَيْ: الْكُسُورَ (مِنْ مَخْرَجِهَا) الْجَامِعِ لَهَا وَذَلِكَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَهِيَ لَا تَنْقَسِمُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 518 فَاضْرِبْ الثَّمَانِيَةَ فِي التِّسْعَةِ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ؛ ثُمَّ اضْرِبْ ذَلِكَ فِي عَشْرٍ تَبْلُغُ سَبْعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ، فَأَعْطِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّمُنِ تِسْعِينَ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّبْعِ ثَمَانِينَ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعُشْرِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ (وَتُقَسِّمُ الْبَاقِيَ) وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ (عَلَى الْمَسْأَلَةِ) ؛ أَيْ: مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَإِنْ زَادَتْ) الْأَجْزَاءُ الْمُوصَى بِهَا (عَلَى الثُّلُثِ، وَرَدَّ الْوَرَثَةُ) الزَّائِدَ (جَعَلْتَ السِّهَامَ الْحَاصِلَةَ لِلْأَوْصِيَاءِ) وَهِيَ بَسْطُ الْكُسُورِ مِنْ مَخْرَجِهَا (ثُلُثَ الْمَالِ) لِيُقْسَمَ عَلَيْهِمْ بِلَا كَسْرٍ (وَقَسَمْتَ الثُّلُثَيْنِ عَلَى الْوَرَثَةِ) إنْ انْقَسَمَ، وَإِلَّا فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُوصَى لَهُمْ مَنْ جَاوَزَتْ وَصِيَّتُهُ الثُّلُثَ أَوْ لَا، وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. (فَلَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَ) وَصَّى (لِآخَرَ بِرُبُعِهِ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ، أَخَذْتَ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ مِنْ مَخْرَجِهِمَا سَبْعَةً مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ) لِأَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالرُّبُعِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ مُتَبَايِنَانِ، وَمُسَطَّحُهُمَا اثْنَا عَشَرَ، فَهِيَ الْمَخْرَجُ، وَثُلُثُهَا أَرْبَعَةٌ وَرُبُعُهَا ثَلَاثَةٌ؛ فَمَجْمُوعُ الْبَسْطَيْنِ سَبْعَةٌ لِلْوَصِيَّيْنِ (يَبْقَى خَمْسَةٌ لِلِابْنَيْنِ إنْ أَجَازَا) لِلْوَصِيَّيْنِ، لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا وَتُبَايِنُ عَدَدَهُمَا، فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ (وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ) ثُمَّ اقْسِمْ؛ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثَمَانِيَةٌ، وَالرُّبُعِ سِتَّةٌ، وَلِلِابْنَيْنِ عَشَرَةٌ، لِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ. (وَإِنْ رَدَّا) ؛ أَيْ: الِابْنَانِ الْوَصِيَّتَيْنِ (جَعَلْتَ السَّبْعَةَ ثُلُثَ الْمَالِ) وَقَسَمْتَهَا بَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلَاثَةٌ (فَتَكُونُ) الْمَسْأَلَةُ (مِنْ وَاحِدٍ وَعِشْرِينَ) لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ أَبَدًا مِنْ ثَلَاثَةٍ، سَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُمْ يُقَسَّمُ عَلَى سِهَامِهِمْ وَسَهْمَانِ لِلْوَرَثَةِ عَلَى مَسْأَلَتِهِمْ، فَاضْرِبْ سَبْعَةً فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ (لِلْوَصِيَّيْنِ الثُّلُثُ سَبْعَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِابْنَيْنِ سَبْعَةٌ،) . (وَإِنْ أَجَازَا) ؛ أَيْ: الِابْنَانِ (لِأَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الْوَصِيِّينَ دُونَ الْآخَرِ (أَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الِابْنَيْنِ (لَهُمَا) ؛ أَيْ: الْوَصِيَّيْنِ (أَوْ) أَجَازَ (كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الِابْنَيْنِ لِوَاحِدٍ مِنْ الْوَصِيَّيْنِ، فَاعْمَلْ مَسْأَلَةَ الْإِجَازَةِ وَمَسْأَلَةَ الرَّدِّ، وَانْظُرْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 519 بَيْنَهُمَا بِالنِّسَبِ الْأَرْبَعِ، فَإِنْ تَبَايَنَا فَاضْرِبْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى، وَإِنْ تَوَافَقَتَا كَمَا فِي الْمِثَالِ، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْإِجَازَةِ فِيهِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَمَسْأَلَةَ الرَّدِّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ، وَهُمَا مُتَوَافِقَتَانِ بِالثُّلُثِ (فَاضْرِبْ وَفْقَ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ وَهِيَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، تَكُنْ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَسِتِّينَ) ثُمَّ اقْسِمْهَا بَيْنَهُمْ (لِلَّذِي أُجِيزَ لَهُ) ؛ أَيْ: أَجَازَهُ الِابْنَانِ مِنْ الْوَصِيَّتَيْنِ (سَهْمُهُ) مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ: فَإِنْ كَانَ أَجَازَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَحْدَهُ فَلَهُ مِنْ الْإِجَازَةِ ثَمَانِيَةٌ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ وَهُوَ سَبْعَةٌ، يَحْصُلُ لَهُ سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ نَصِيبُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ ثَلَاثَةٌ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَيَبْقَى ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ بَيْنَ الِابْنَيْنِ، لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَإِنْ كَانَا أَجَازَا لِصَاحِبِ الرُّبُعِ وَحْدَهُ فَلَهُ مِنْ الْإِجَازَةِ سِتَّةٌ فِي سَبْعَةٍ بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ (وَلِلَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ) كَصَاحِبِ الثُّلُثِ فِي الْمِثَالِ (سَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ) تُضْرَبُ بِأَرْبَعَةٍ (فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ) وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ يَخْرُجُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، فَمَجْمُوعُ مَا لِلْوَصِيَّيْنِ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ (وَالْبَاقِي) وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَتِسْعُونَ (لِلْوَرَثَةِ) وَهُمَا الِابْنَانِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ. (وَ) إنْ كَانَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ أَجَازَ لَهُمَا وَالْآخَرُ رَدَّ لَهُمَا؛ فَ (لِ) لِابْنِ (الَّذِي أَجَازَ لَهُمَا نَصِيبُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ) وَهُوَ خَمْسَةٌ (فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ) سَبْعَةٌ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ (وَلِ) لِابْنِ الْآخَرِ الرَّادِّ عَلَى الْوَصِيَّيْنِ (سَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ) سَبْعَةٌ (فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ) ثَمَانِيَةٌ بِسِتَّةٍ وَخَمْسِينَ، فَيَكُونُ مَجْمُوعُ مَا لِلْوَلَدَيْنِ أَحَدًا وَتِسْعِينَ (وَالْبَاقِي) وَهُوَ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ (بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى) سِهَامِهَا (سَبْعَةٌ) لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الِابْنَيْنِ إذَا أَجَازَا لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ، وَإِذَا رَدَّا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، فَقَدْ نَقَصَهُ رَدُّهُمَا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، فَيَنْقُصُهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا اثْنَيْ عَشَرَ، وَإِنْ أَجَازَا لِصَاحِبِ الرُّبُعِ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، وَإِنْ رَدَّا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، فَقَدْ نَقَصَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 رَدُّهُمَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَيَنْقُصُهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا تِسْعَةً، وَأَمَّا الِابْنَانِ فَاَلَّذِي أَجَازَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَحْدَهُ إنْ أَجَازَ لَهُمَا مَعًا كَانَ لَهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِمَا كَانَ لَهُ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ، فَنَقَصَتْهُ الْإِجَازَةُ لَهُمَا أَحَدًا وَعِشْرِينَ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ مِنْهَا عَشَرَةٌ يَبْقَى لِلِابْنِ الَّذِي أَجَازَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَاَلَّذِي أَجَازَ لِصَاحِبِ الرُّبُعِ إذَا أَجَازَ لَهُمَا مَعًا كَانَ لَهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِمَا كَانَ لَهُ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ، فَنَقَصَتْهُ الْإِجَازَةُ لَهُمَا أَحَدًا وَعِشْرِينَ، مِنْهَا تِسْعَةٌ لِصَاحِبِ الرُّبُعِ يَبْقَى لِلِابْنِ الَّذِي أَجَازَ لِصَاحِبِهِ الرُّبُعَ سَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ. (وَإِنْ زَادَتْ) الْأَجْزَاءُ الْمُوصَى بِهَا (عَلَى الْمَالِ عَمِلْتَ فِيهَا عَمَلَكَ فِي مَسَائِلِ الْعَوْلِ) نَصًّا بِأَنْ تَجْعَلَ وَصَايَاهُمْ كَالْفُرُوضِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْوَرَثَةِ. (فَ) لَوْ وَصَّى (بِنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَرُبُعٍ وَسُدُسٍ تَأْخُذُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ) لِأَنَّهُ مَخْرَجُهَا (وَتَعُولُ لِخَمْسَةَ عَشَرَ، فَيُقَسَّمُ الْمَالُ كَذَلِكَ) بَيْنَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا (إنْ أُجِيزَ لَهُمْ) كُلِّهِمْ، (أَوْ) يُقَسَّمُ (الثُّلُثُ) كَذَلِكَ (إنْ رُدَّ عَلَيْهِمْ) : فَتَصِحُّ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ لِي إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِنِصْفِ وَثُلُثِ مَالِهِ وَرُبُعِ مَالِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا يَجُوزُ. قَالَ: قَدْ أَجَازُوهُ. قُلْتُ: لَا أَدْرِي. قَالَ: أَمْسِكْ اثْنَيْ عَشَرَ فَأَخْرِجْ نِصْفَهَا سِتَّةً وَثُلُثَهَا أَرْبَعَةً وَرُبُعَهَا ثَلَاثَةً، وَاقْسِمْ الْمَالَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ. (وَ) مَنْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ (وَ) وَصَّى (لِآخَرَ بِنَصَفِهِ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: الْوَصِيَّيْنِ (عَلَى ثَلَاثَةٍ إنْ أُجِيزَ لَهُمَا) ؛ أَيْ: الْوَصِيَّيْنِ (وَالثُّلُثُ) بَيْنَهُمَا (عَلَى ثَلَاثَةٍ مَعَ الرَّدِّ) نَصًّا؛ لِأَنَّ بَسْطَ الْمَالِ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ نِصْفَيْنِ، فَإِذَا ضَمَمْتَ إلَيْهِمَا النِّصْفَ الْآخَرَ تَصِيرُ ثَلَاثَةَ أَنْصَافٍ، وَتُقَسِّمُ الْمَالَ عَلَيْهَا مَعَ الْإِجَازَةِ، فَيَصِيرُ النِّصْفُ ثُلُثًا، كَمَا فِي زَوْجٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ (وَإِنْ أُجِيزَ) ؛ أَيْ: أَجَازَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ (لِصَاحِبِ الْمَالِ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِهِ (وَحْدَهُ) ؛ أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 دُونَ الْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ (فَلِصَاحِبِ النِّصْفِ التُّسْعُ) لِأَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثُلُثُهُ وَهُوَ التُّسْعُ (لِأَنَّهُ ثُلُثُ الثُّلُثِ، وَالْبَاقِي) وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَتْسَاعٍ (لِصَاحِبِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مُوصَى لَهُ بِالْمَالِ كُلِّهِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لِمُزَاحَمَةِ صَاحِبِهِ لَهُ، فَإِذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ فِي الْبَاقِي كَانَ لَهُ (وَإِنْ أُجِيزَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَحْدَهُ) ؛ أَيْ: دُونَ الْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ (فَلَهُ النِّصْفُ) لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِ (وَلِصَاحِبِ الْمَالِ تُسْعَانِ) لِأَنَّ لَهُ ثُلْثَيْ الثُّلُثِ وَهُمَا ذَلِكَ (وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: أَحَدُ ابْنَيْ الْمُوصِي (لَهُمَا فَسَهْمُهُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ وَ) حِينَئِذٍ فَ (لَا) شَيْءَ لَهُ؛ أَيْ: الْمُجِيزِ (وَلِلرَّادِّ ثُلُثُ الْمَالِ، وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ) فَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ، لِلْمُوصَى لَهُمَا ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَصْلِ، يَبْقَى سِتَّةٌ لِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ تُقَسِّمُ نَصِيبَ الْمُجِيزِ لَهُمَا، فَيَصِيرُ لَهُمَا سِتَّةٌ مَقْسُومَةٌ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، لِصَاحِبِ الْمَالِ أَرْبَعَةٌ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ سَهْمَانِ، وَيَبْقَى لِلرَّادِّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ يَخْتَصُّ بِهَا (وَإِنْ أَجَازَ) أَحَدُ الِابْنَيْنِ (لِصَاحِبِ الْمَالِ وَحْدَهُ دَفَعَ إلَيْهِ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ؛ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ تُسْعٌ، وَلِلرَّادِّ ثَلَاثَةُ أَتْسَاعٍ وَالْبَاقِي) خَمْسَةُ أَتْسَاعٍ تُدْفَعُ (لِمُوصًى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ أَجَازَ) أَحَدُ الِابْنَيْنِ (لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَحْدَهُ) ؛ أَيْ: دُونَ الْآخَرِ (دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَنِصْفَ سُدُسِهِ وَهُوَ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ وَرُبُعُهُ، وَتَصِحُّ) الْمَسْأَلَةُ (مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ) لِلَّذِي لَمْ يُجِزْ اثْنَا عَشَرَ، وَلِلْمُجِيزِ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ لَهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ اثْنَيْ عَشَرَ، فَلَمَّا أَجَازَ انْتَزَعَ مِنْهُ نِصْفَ مَا بِيَدِهِ وَنِصْفَ سُدُسِهِ، وَهُمَا سَبْعَةٌ، فَيَبْقَى لَهُ خَمْسَةٌ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ أَرْبَعَةٌ وَأَخَذَ مِنْ الْمُجِيزِ سَبْعَةً، فَتَكْمُلُ لَهُ أَحَدَ عَشَرَ، وَلِصَاحِبِ الْمَالِ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّ لَهُ مِثْلَا مَا لِصَاحِبِ النِّصْفِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ مِنْ تِسْعَةٍ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ مِنْهَا سَهْمٌ، فَلَوْ أَجَازَ الِابْنَانِ كَانَ لَهُ تَمَامُ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ، فَإِذَا أَجَازَ لَهُ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ نِصْفُ ذَلِكَ سَهْمٌ وَنِصْفٌ وَرُبُعٌ. وَمِنْ تُسْعٍ، فَتَضْرِبُ مَخْرَجَ الرُّبُعِ فِي تِسْعَةٍ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 [فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَنْصِبَاءِ] (فَصْلٌ: فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَنْصِبَاءِ إذَا خَلَّفَ ابْنَيْنِ، وَوَصَّى لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِعَمْرٍو بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الثُّلُثُ مَعَ الْإِجَازَةِ) أَمَّا زَيْدٌ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَمْرٌو فَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُفْرَضُ لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ ابْنٍ، وَيُضَمُّ إلَيْهِمَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَصِيٌّ آخَرُ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ (وَ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا (السُّدُسُ مَعَ الرَّدِّ) لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِثُلُثَيْ مَالِهِ، وَقَدْ رَجَعَتْ وَصِيَّتُهُمَا بِالرَّدِّ إلَى نِصْفِهَا، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، لِكُلِّ وَصِيٍّ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ (وَالِابْنَانِ بِالْعَكْسِ) فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا السُّدُسُ مَعَ الْإِجَازَةِ وَالثُّلُثُ مَعَ الرَّدِّ. (وَإِنْ كَانَ) الْجُزْءُ الْمُوصَى بِهِ (لِزَيْدٍ النِّصْفَ، وَأَجَازَا) ؛ أَيْ: الِابْنَانِ لِلْوَصِيَّيْنِ (فَهُوَ) ؛ أَيْ: النِّصْفُ (لَهُ) ؛ أَيْ: لِزَيْدٍ (وَلِعَمْرٍو الثُّلُثُ وَيَبْقَى سُدُسٌ بَيْنَ الِابْنَيْنِ، وَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ) لِزَيْدٍ سِتَّةٌ وَلِعَمْرٍو أَرْبَعَةٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ (وَإِنْ رَدَّا فَ) تَصِحُّ (مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ) لِأَنَّ الثُّلُثَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ، فَتَضْرِبُهَا فِي ثَلَاثَةٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ (لِزَيْدٍ ثَلَاثَةٌ وَلِعَمْرٍو اثْنَانِ) وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ (وَإِنْ كَانَ لِزَيْدٍ الثُّلُثَانِ) وَلِعَمْرٍو مِثْلُ نَصِيبِ ابْنٍ (صَحَّتْ مَعَ الْإِجَازَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ) مَخْرَجِ الثُّلُثَيْنِ، وَالثُّلُثُ لِلتَّمَاثُلِ (لِزَيْدٍ سَهْمَانِ، وَلِعَمْرٍو سَهْمٌ، وَمَعَ الرَّدِّ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ) لِزَيْدٍ تُسْعَانِ، وَلِعَمْرٍو تُسْعٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةٌ. (وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ) أَوْ امْرَأَةٍ (بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الِابْنَيْنِ (وَ) وَصَّى لِآخَرَ بِثُلُثِ بَاقِي الْمَالِ فَلِصَاحِبِ النَّصِيبِ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ (ثُلُثُ الْمَالِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَصِيٌّ آخَرُ (وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الْبَاقِي) ؛ أَيْ: الثُّلُثَيْنِ، وَذَلِكَ (تُسْعَانِ مَعَ الْإِجَازَةِ) مِنْ الِابْنَيْنِ لَهُمَا، وَالْبَاقِي لِلِابْنَيْنِ، فَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ، لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْآخَرِ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ (وَمَعَ الرَّدِّ) مِنْ الِابْنَيْنِ عَلَى الْوَصِيَّيْنِ (الثُّلُثُ) بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ (عَلَى خَمْسَةٍ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَتَصِحُّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ) لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْآخَرِ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ. (وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةُ الثَّانِي بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ النِّصْفِ) بِأَنْ وَصَّى لِوَاحِدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ ابْنَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ النِّصْفِ، (فَ) إنَّهَا تَصِحُّ (مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) لِأَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ سِتَّةٌ، وَثُلُثُهَا اثْنَانِ، فَإِذَا طَرَحْتَ مِنْ نِصْفِهَا ثَلَاثَةً بَقِيَ وَاحِدٌ، وَلَا ثُلُثَ لَهُ صَحِيحٌ، فَتَضْرِبُ السِّتَّةَ فِي مَخْرَجِ الثُّلُثِ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ (فَلِصَاحِبِ النَّصِيبِ الثُّلُثُ سِتَّةٌ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ النِّصْفِ) وَالْبَاقِي مِنْهُ ثَلَاثَةٌ، وَثُلُثُهَا (سَهْمٌ، يَبْقَى أَحَدَ عَشَرَ لِلِابْنَيْنِ) لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا، فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ (وَتَصِحُّ) الْمَسْأَلَةُ (مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، لِصَاحِبِ النَّصِيبِ اثْنَا عَشَرَ) ثُلُثُ الْمَالِ (وَلِلْآخَرِ) الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ النِّصْفِ (سَهْمَانِ) لِأَنَّ نِصْفَ السِّتَّةِ وَالثَّلَاثِينَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَالْبَاقِي مِنْهُ بَعْدَ الثُّلُثِ سِتَّةٌ وَثُلُثُهَا اثْنَانِ؛ فَهُوَ الْمُوصَى بِهِ لِلْآخَرِ، (وَ) يَبْقَى اثْنَانِ وَعِشْرُونَ (لِكُلِّ ابْنٍ أَحَدَ عَشَرَ إنْ أَجَازَا) ؛ أَيْ: الِابْنَانِ (لَهُمَا) ؛ أَيْ: الْوَصِيَّيْنِ (وَمَعَ الرَّدِّ) مِنْ الِابْنَيْنِ لِلْوَصِيَّيْنِ (الثُّلُثُ) بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ (عَلَى سَبْعَةٍ) وَهِيَ سِهَامُهُمَا مِنْ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ لَهُ اثْنَا عَشَرَ، وَالْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ النِّصْفِ سَهْمَانِ، وَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالنِّصْفِ، فَرُدَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى وَفْقِهِ يَبْلُغَانِ مَا ذُكِرَ (وَتَصِحُّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ، لِلْأَوَّلِ) وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ (سِتَّةٌ، وَلِلْآخَرِ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سَبْعَةُ) أَسْهُمٍ. (وَإِنْ خَلَّفَ) الْمَيِّتُ (أَرْبَعَةَ بَنِينَ وَ) كَانَ قَدْ (وَصَّى لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ إلَّا مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ) ؛ أَيْ: الْأَرْبَعَةِ بَنِينَ (فَأَعْطِ زَيْدًا وَابْنًا الثُّلُثَ، وَ) أَعْطِ (الثَّلَاثَةَ) الْبَنِينَ الْبَاقِينَ (الثُّلُثَيْنِ) فَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ (لِكُلِّ ابْنٍ تُسْعَانِ وَلِزَيْدٍ تُسْعٌ) لِأَنَّ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ ثَلَاثَةٌ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةٍ عَدَدِ الْبَاقِينَ بَعْدَ الِابْنِ وَزَيْدٍ، تَكُونُ تِسْعَةً، لِزَيْدٍ ثُلُثُهَا، وَالْبَاقِي سِتَّةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ بَنِينَ، لِكُلِّ ابْنٍ تُسْعَانِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْ الثُّلُثِ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ اثْنَانِ، وَإِذَا أَسْقَطْتَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةٍ بَقِيَ سَهْمٌ لِزَيْدٍ، وَهُوَ التُّسْعُ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ لِزَيْدٍ الثُّلُثَ، اسْتَثْنَى مِنْهُ نَصِيبَ ابْنٍ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُ الْبَنِينَ نَصِيبَهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَبَقِيَّةُ الْبَنِينَ يَخْتَصُّونَ بِالثُّلُثَيْنِ بَيْنَهُمْ سَوِيَّةً، فَمَا حَصَلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الثُّلُثَيْنِ، أُخِذَ مِنْ زَيْدٍ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 524 الثُّلُثِ نَظِيرُهُ، وَيَبْقَى بَاقِي الثُّلُثِ لِزَيْدٍ (وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ) ؛ أَيْ: الْبَنِينَ الْأَرْبَعَةِ (إلَّا سُدُسَ جَمِيعِ الْمَالِ، وَوَصَّى لِعَمْرٍو بِثُلُثٍ بَاقِي الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ؛ صَحَّتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ، لِكُلِّ ابْنٍ تِسْعَةَ عَشَرَ) وَهِيَ النَّصِيبُ (وَلِزَيْدٍ خَمْسَةٌ) لِأَنَّهَا الْبَاقِي مِنْ النَّصِيبِ بَعْدَ سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ (وَلِعَمْرٍو ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهَا ثُلُثُ بَاقِي الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ، لِأَنَّ ثُلُثَهَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، وَالنَّصِيبُ تِسْعَةَ عَشَرَ، فَبَاقِي الثُّلُثِ تِسْعَةٌ، وَثُلُثُهَا ثَلَاثَةٌ (لِضَرْبِكَ الثُّلُثَ) ثَلَاثَةً (فِي عَدَدِ الْبَنِينَ) الْأَرْبَعَةِ (بِاثْنَيْ عَشَرَ، لِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةُ) أَسْهُمٍ (وَيُزَادُ لِزَيْدٍ مِثْلُ نَصِيبِ ابْنٍ) ثَلَاثَةٌ (فَاسْتَثْنِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ اثْنَيْنِ سُدُسَ الْجَمِيعِ) وَهُوَ (اثْنَانِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، زِدْهُمَا) ؛ أَيْ: الِاثْنَيْنِ (عَلَيْهَا بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ اضْرِبْهَا) ؛ أَيْ: الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ (فِي مَخْرَجِ السُّدُسِ) لِيَخْرُجَ الْكَسْرُ صَحِيحًا (بِأَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ،) . (وَإِنْ) (خَلَّفَ) مَيِّتٌ (أُمًّا وَبِنْتًا وَأُخْتًا) لِغَيْرِ أُمٍّ وَ (أَوْصَى) لِشَخْصٍ (بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ وَسُبْعِ مَا بَقِيَ) مِنْ الْمَالِ بَعْدَ مِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ (وَ) وَصَّى (لِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ وَرُبُعِ مَا بَقِيَ) بَعْدَ مِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ (وَ) وَصَّى (لِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ وَثُلُثِ مَا بَقِيَ) بَعْدَ مِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ، وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصَايَا (فَمَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ مِنْ سِتَّةٍ) لِأَنَّ فِيهَا نِصْفًا وَسُدُسًا، وَمَا بَقِيَ لِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ سَهْمٌ وَلِلْأُخْتِ سَهْمَانِ (لِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ السِّتَّةِ سَهْمٌ) لَهُ أَرْبَعَةٌ (وَلِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ سَهْمَانِ وَرُبُعُ مَا بَقِيَ) مِنْ السِّتَّةِ (سَهْمٌ) فَيَجْتَمِعُ لَهُ ثَلَاثَةٌ (وَلِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ سَهْمٌ وَسُبْعُ مَا بَقِيَ) مِنْ السِّتَّةِ (وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ سَهْمٍ، فَيَكُونُ مَجْمُوعُ الْمُوصَى بِهِ) لَهُمْ (ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ وَخَمْسَةَ أَسْبَاعِ سَهْمٍ تُضَافُ إلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ) وَهِيَ سِتَّةٌ (تَكُونُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَخَمْسَةَ أَسْبَاعِ) سَهْمٍ (تُضْرَبُ فِي سَبْعَةٍ لِيَخْرُجَ الْكَسْرُ صَحِيحًا، تَبْلُغُ مِائَةً وَثَلَاثَةً، فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةِ أَسْبَاعٍ مَضْرُوبٌ فِي سَبْعَةٍ؛ فَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ) مَضْرُوبَةٌ (فِي سَبْعَةٍ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ) حَاصِلَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي سَبْعَةٍ (وَلِلْأُمِّ سَبْعَةٌ) حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ وَاحِدٍ فِي سَبْعَةٍ (وَلِمُوصًى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ وَثُلُثِ مَا بَقِيَ أَرْبَعَةٌ) مَضْرُوبَةٌ (فِي سَبْعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ، وَلِمُوصًى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ وَرُبُعِ مَا بَقِيَ أَرْبَعَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي إحْدَى وَعِشْرِينَ) حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي سَبْعَةٍ (وَلِمُوصًى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ وَسُبْعِ مَا بَقِيَ اثْنَا عَشَرَ) حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ وَاحِدٍ وَخَمْسَةِ أَسْبَاعٍ فِي سَبْعَةٍ (وَهَكَذَا) تَفْعَلُ (بِكُلِّ مَا وَرَدَ) عَلَيْكَ (مِنْ هَذَا الْبَابِ) لِأَنَّهَا طَرِيقَةٌ صَحِيحَةٌ [مُوَافِقَةٌ] لِلصَّوَابِ وَالْقَوَاعِدِ، هَذَا مَعَ الْإِجَازَةِ، وَمَعَ الرَّدِّ تُقَسِّمُ الثُّلُثَيْنِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى سِتَّةٍ، وَالثُّلُثَ بَيْنَ الْأَوْصِيَاءِ عَلَى أَحَدٍ وَسِتِّينَ، وَلِقِسْمَتِهِ طُرُقٌ أَقْرَبُهَا أَنْ تَجْمَعَ سِهَامَ الْأَوْصِيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَجِدَهَا أَحَدًا وَسِتِّينَ سَهْمًا، وَتُقَسِّمَ الثُّلُثَ عَلَيْهَا تَجِدْهَا طِبْقَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ، غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ كَانَتْ مِنْ الْجَمِيعِ، وَهَذِهِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الثُّلُثِ. (وَإِنْ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ، وَوَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا رُبُعَ الْمَالِ، فَخُذْ الْمَخْرَجَ) ؛ أَيْ: مَخْرَجَ الْكَسْرِ وَهُوَ الرُّبُعُ الْمُسْتَثْنَى (أَرْبَعَةٌ، وَزِدْ) عَلَى الْأَرْبَعَةِ (رُبُعَهُ) وَهُوَ وَاحِدٌ (يَكُنْ) الْمُجْتَمِعُ (خَمْسَةً؛ فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ ابْنٍ) مِنْ الثَّلَاثَةِ (وَزِدْ عَلَى عَدَدِ الْبَنِينَ وَاحِدًا) يَكُنْ أَرْبَعَةً (وَاضْرِبْهُ) ؛ أَيْ: الْمَجْمُوعَ مِنْ عَدَدِ الْبَنِينَ وَالْوَاحِدَ الْمُزَادَ عَلَيْهِ (فِي الْمَخْرَجِ) ؛ أَيْ: مَخْرَجِ الْكَسْرِ الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ أَرْبَعَةٌ (يَكُنْ) الْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ (سِتَّةَ عَشَرَ، أَعْطِ الْمُوصَى لَهُ) مِنْ ذَلِكَ (نَصِيبًا وَهُوَ خَمْسَةٌ وَاسْتَثْنِ مِنْهُ) ؛ أَيْ: النَّصِيبِ وَهُوَ خَمْسَةٌ (رُبُعَ الْمَالِ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى فِي وَصِيَّتِهِ (أَرْبَعَةً يَبْقَى لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى (سَهْمٌ وَ) الْبَاقِي لِلْبَنِينَ (لِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ، وَإِنْ شِئْتَ خَصَصْتَ كُلَّ ابْنٍ بِرُبُعِ) الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنَى، فَيُعْطَى كُلُّ ابْنٍ أَرْبَعَةٌ مِنْ السِّتَّةَ عَشَرَ (وَقَسَمْتَ الرُّبُعَ الْبَاقِيَ) وَهُوَ أَرْبَعَةٌ (بَيْنَهُمْ) ؛ أَيْ: الْبَنِينَ (وَبَيْنَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (عَلَى أَرْبَعَةٍ) لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ فَيَجْتَمِعُ لِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ، وَلِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ، وَعَلَى هَذَا فَتَعْلَمُ انْتِفَاءَ وُرُودِ السُّؤَالِ، وَهُوَ أَنَّ الْمِثْلَ مَعَ الثَّلَاثَةِ رُبُعٌ، فَكَيْفَ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 الرُّبُعُ، وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ بِالرُّبُعِ، بَلْ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ، وَنَصِيبُهُ هُوَ مَا يَسْتَقِرُّ لَهُ، وَهُوَ أَزْيَدُ مِنْ رُبُعِ الْمَالِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ هَذَا النَّصِيبِ الْمُسْتَقِرِّ رُبُعُ الْمَالِ كَمَا عَلِمْت، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَظَائِرِهِ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ لَا يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَأَجَابَ عَنْهُ أَبُو الْخَطَّابِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِنَّمَا كَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ بَعْضٍ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا بِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً. (وَإِنْ قَالَ) الْمُوصِي: أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيَّ الثَّلَاثَةِ (إلَّا رُبُعَ الْبَاقِي بَعْدَ النَّصِيبِ، فَزِدْ عَلَى عَدَدِ) سِهَامِ (الْبَنِينَ سَهْمًا وَرُبُعًا) لِيَكُونَ الْبَاقِي بَعْدَ النَّصِيبِ مِنْ الْمَبْلَغِ الْحَاصِلِ بَعْدَ الضَّرْبِ رُبُعًا صَحِيحًا (وَاضْرِبْهُ) ؛ أَيْ: الْحَاصِلَ مِنْ عَدَدِ الْبَنِينَ وَالْمُزَادَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَرُبُعٌ (فِي أَرْبَعَةٍ) مَخْرَجِ الْكَسْرِ الْمُسْتَثْنَى (يَكُنْ) حَاصِلُ الضَّرْبِ (سَبْعَةَ عَشَرَ) لِلْمُوصَى (لَهُ) مِنْهَا (سَهْمَانِ) لِأَنَّ النَّصِيبَ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّهُ دَائِمًا مَخْرَجُ الْجُزْءِ الْمُسْتَثْنَى مَعَ زِيَادَةِ وَاحِدٍ، فَإِذَا أَسْقَطْتَ الْخَمْسَةَ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَبْقَى اثْنَا عَشَرَ، فَإِذَا سَقَطَ مِنْهَا رُبُعُهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، يَبْقَى مِنْ النَّصِيبِ سَهْمَانِ لِلْوَصِيَّةِ (وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ) وَإِنْ أَرَدْتَ عَمَلَهَا بِطَرِيقِ الْجَبْرِ تَأْخُذُ مَالًا وَتَدْفَعُ مِنْهُ نَصِيبًا إلَى الْمُوصَى لَهُ وَاسْتَثْنِ مِنْهُ رُبُعَ الْبَاقِي وَهُوَ رُبُعُ مَالٍ إلَّا رُبُعَ نَصِيبٍ، صَارَ مَعَكَ مَالٌ وَرُبُعٌ إلَّا نَصِيبًا وَرُبُعًا، يَعْدِلُ ذَلِكَ أَنْصِبَاءَ الْبَنِينَ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، أَجْبِرْ وَقَابِلْ، يَحْصُلْ مَعَكَ مَالٌ وَرُبُعٌ يَعْدِلُ أَرْبَعَةَ أَنْصِبَاءٍ وَرُبُعَ نَصِيبٍ، فَابْسُطْ الْكُلَّ أَرْبَاعًا يَبْلُغُ خَمْسَةَ أَمْوَالٍ تَعْدِلُ سَبْعَةَ عَشَرَ نَصِيبًا، فَاقْلِبْ وَحَوِّلْ بِأَنْ تَجْعَلَ الْمَالَ مَوْضِعَ النَّصِيبِ، وَالنَّصِيبَ مَوْضِعَ الْمَالِ، يَخْرُجُ النَّصِيبُ خَمْسَةً وَالْمَالُ سَبْعَةَ عَشَرَ. (وَ) إنْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيَّ الثَّلَاثَةِ (إلَّا رُبُعَ الْبَاقِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، فَاجْعَلْ الْمَخْرَجَ ثَلَاثَةً وَزِدْ) عَلَيْهِ (وَاحِدًا تَكُنْ) ؛ أَيْ: تَبْلُغُ (أَرْبَعَةً فَهُوَ النَّصِيبُ، وَزِدْ عَلَى سِهَامِ الْبَنِينَ) الثَّلَاثَةِ (سَهْمًا) لِيَكُونَ النَّصِيبُ أَرْبَعَةً (وَ) زِدْ أَيْضًا (ثُلُثًا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 لِأَجْلِ الْوَصِيَّةِ (وَاضْرِبْهُ) ؛ أَيْ: الْمُجْتَمِعَ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَثُلُثٌ (فِي ثَلَاثَةٍ) الَّتِي هِيَ الْمَخْرَجُ (يَكُنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ) سَهْمًا (لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (سَهْمٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةٌ) وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: الْمَالُ كُلُّهُ ثَلَاثَةُ أَنْصِبَاءٍ وَوَصِيَّةٌ، وَالْوَصِيَّةُ هِيَ نَصِيبٌ إلَّا رُبُعَ الْمَالِ الْبَاقِي بَعْدَهَا، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ نَصِيبٍ، فَيَبْقَى رُبُعُ نَصِيبٍ وَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ ثَلَاثَةٌ وَرُبُعٌ، فَأَلْقِ مِنْ وَاحِدٍ رُبُعَهَا وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، يَبْقَى رُبُعٌ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ، زِدْهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ يَبْلُغُ ثَلَاثَةً وَرُبُعًا، وَهُوَ الْمَالُ، فَابْسُطْ الْكُلَّ أَرْبَاعًا لِيَزُولَ الْكَسْرُ يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، لِلْوَصِيَّةِ وَاحِدٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةٌ، وَفِي أَكْثَرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الصُّوَرِ طُرُقٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَقَدْ أَطَالَ الْأَصْحَابُ وَالْفَرْضِيُّونَ وَالْحُسَّابُ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَنَظَائِرِهَا، وَوَضَعُوا لَهَا كُتُبًا أَفْرَدُوهَا فِي هَذَا الْفَنِّ قَصْدًا لِلتَّمْرِينِ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [بَابُ الْمُوصَى إلَيْهِ] (بَابُ الْمُوصَى إلَيْهِ) (الْمُوصَى إلَيْهِ) : وَهُوَ الْمَأْذُونُ لَهُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ. (الدُّخُولُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَوِيِّ عَلَيْهَا قُرْبَةٌ) مَنْدُوبَةٌ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ لَمَّا عَبَرَ الْفُرَاتَ أَوْصَى إلَى عُمَرَ. وَأَوْصَى إلَى الزُّبَيْرِ سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ، عُثْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَلِأَنَّهُ مَعُونَةٌ لِلْمُسْلِمِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] وقَوْله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ» وَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا. أَخْرَجَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 الْبُخَارِيُّ (وَتَرْكُهُ) ؛ أَيْ: الدُّخُولِ فِي الْوَصِيَّةِ (أَوْلَى) لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، وَهُوَ لَا يَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا (فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ) إذْ الْغَالِبُ فِيهَا الْعَطَبُ وَقِلَّةُ السَّلَامَةِ، لَكِنْ رَدَّ الْحَارِثِيُّ ذَلِكَ، وَقَالَ: الْوَصِيَّةُ إمَّا وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ، وَأَوْلَوِيَّةُ تَرْكِ الدُّخُولِ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِهَا. قَالَ: فَالدُّخُولُ قَدْ يَتَعَيَّنُ فِيمَا هُوَ مُعَرَّضٌ لِلضَّيَاعِ، إمَّا لِعَدَمِ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ دَرْءِ الْمَفْسَدَةِ وَجَلْبِ الْمَصْلَحَةِ. (وَتَصِحُّ) وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ (إلَى) كُلِّ (مُسْلِمٍ) لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَلِي مُسْلِمًا (مُكَلَّفٍ) فَلَا تَصِحُّ إلَى طِفْلٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا أَبْلَهٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَأَهَّلُونَ إلَى تَصَرُّفٍ أَوْ وِلَايَةٍ (رَشِيدٍ) فَلَا تَصِحُّ إلَى سَفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ (عَدْلٍ) إجْمَاعًا (وَلَوْ) كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ (مَسْتُورًا) ؛ أَيْ: ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ، (أَوْ) كَانَ (عَاجِزًا وَيُضَمُّ) إلَيْهِ (قَوِيٌّ أَمِينٌ أَوْ) كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ (أُمَّ وَلَدٍ أَوْ قِنًّا وَلَوْ) كَانَا (لِمُوصٍ) لِصِحَّةِ اسْتِنَابَتِهِمَا فِي الْحَيَاةِ، أَشْبَهَا الْحُرَّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ» . وَالرِّعَايَةُ وِلَايَةٌ فَوَجَبَ ثُبُوتُ الصِّحَّةِ، وَلِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْعَدَالَةِ وَالِاسْتِنَابَةِ فِي الْحَيَاةِ فَتَأَهَّلَ لِلْإِسْنَادِ إلَيْهِ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَلِي عَلَى ابْنِهِ؛ فَلَا أَثَرَ لَهُ بِدَلِيلِ الْمَرْأَةِ، وَكَوْنُ عَبْدِ الْغَيْرِ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ عَلَى إذْنِ سَيِّدِهِ، لَا أَثَرَ لَهُ أَيْضًا بِدَلِيلِ تَوَقُّفِ التَّنْفِيذِ لِلْقَدْرِ [الْمُجَاوِزِ] لِلثُّلُثِ عَلَى إذْنِ الْوَارِثِ (وَيَقْبَلُ) الْقِنُّ وَأُمُّ الْوَلَدِ إنْ كَانَتْ لِغَيْرِ مُوصٍ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ، وَفِعْلُ مَا وُصِّيَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا، فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِ مَنْفَعَتِهِ. وَكَمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى مَنْ ذُكِرَ تَصِحُّ (مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ لَيْسَتْ تَرِكَتُهُ نَحْوَ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) وَنَحْوَهُمَا كَسِرْجِينٍ نَجِسٍ، (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (مِنْ كَافِرٍ إلَى) كَافِرٍ (عَدْلٍ فِي دِينِهِ) لِأَنَّهُ يَلِي عَلَى غَيْرِهِ بِالنَّسَبِ، فَيَلِي بِالْوَصِيَّةِ كَالْمُسْلِمِ (وَتُعْتَبَرُ) هَذِهِ (الصِّفَاتُ) الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالتَّكْلِيفِ وَالرُّشْدِ وَالْعَدَالَةِ (حِينَ مَوْتِ) مُوصٍ؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَمْلِكُ الْمُوصَى إلَيْهِ التَّصَرُّفَ بِالْإِيصَاءِ (وَ) يُعْتَبَرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 وُجُودُهَا حِينَ (وَصِيَّةِ) مُوصٍ؛ لِأَنَّهَا شُرُوطٌ لِصِحَّتِهَا، فَاعْتُبِرَ وُجُودُهَا حَالَهَا (فَإِنْ تَغَيَّرَتْ) هَذِهِ الصِّفَاتُ (بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ عَادَتْ قَبْلَ مَوْتِ) مُوصٍ (عَادَ) الْمُوصَى إلَيْهِ (لِعَمَلِهِ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَ (لَا) يَعُودُ مُوصًى إلَيْهِ إلَى الْوَصِيَّةِ (إنْ) زَالَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِوُجُودِ الْمُنَافِي، أَوْ زَالَتْ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَ (لَمْ تَعُدْ قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْتِ؛ لِانْعِزَالِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِزَوَالِ الصِّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِصِحَّتِهَا (وَيَصِحُّ قَبُولُ وَصِيَّةٍ فِي حَيَاةِ مُوصٍ) لِأَنَّهُ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَصَحَّ قَبُولُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْوَكَالَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ؛ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي وَقْتٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ قَبْلَهُ، (وَ) يَصِحُّ الْقَبُولُ أَيْضًا (بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ وَصِيَّةٍ، فَصَحَّ قَبُولُهُ إذَنْ كَوَصِيَّةِ الْمَالِ (فَمَتَى قَبِلَ) مُوصًى إلَيْهِ (صَارَ وَصِيًّا) قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَقُومُ فِعْلُ التَّصَرُّفِ مَقَامَ اللَّفْظِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ (وَتَنْعَقِدُ) الْوَصِيَّةُ إلَى شَخْصٍ (بِ) قَوْلِ مُوصٍ: (فَوَّضْت) إلَيْك كَذَا (أَوْ وَصَّيْت إلَيْك بِكَذَا) أَوْ وَصَّيْت إلَى زَيْدٍ بِكَذَا (أَوْ أَنْتَ) وَصِيِّي، أَوْ زَيْدٌ وَصِيِّي فِي كَذَا (أَوْ جَعَلْتُك) أَوْ جَعَلْت زَيْدًا (وَصِيِّي) عَلَى كَذَا. (وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (إلَى فَاسِقٍ أَوْ) إلَى (صَبِيٍّ وَلَوْ مُرَاهِقًا أَوْ) إلَى (سَفِيهٍ أَوْ) إلَى (مَجْنُونٍ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ وَالْأَمَانَةِ (أَوْ إلَى كَافِرٍ مِنْ مُسْلِمٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا نَظَرَ لِحَاكِمٍ مَعَ وَصِيٍّ خَاصٍّ كُفُؤٍ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي أُسْنِدَ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقْطَعُ نَظَرَ الْحَاكِمِ، لَكِنْ لَهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ. (وَمَنْ نَصَبَ وَصِيًّا، وَنَصَبَ عَلَيْهِ نَاظِرًا؛ يَرْجِعُ الْوَصِيُّ لِرَأْيِهِ وَلَا يَتَصَرَّفُ) الْوَصِيُّ (إلَّا بِإِذْنِهِ جَازَ) فَإِنْ خَالَفَ؛ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ (وَإِنْ حَدَثَ عَجْزٌ) لِمُوصًى إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ (لِضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ) كَعَمًى (أَوْ كَثْرَةِ عَمَلٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا يَشُقُّ مَعَهُ الْعَمَلُ (وَجَبَ ضَمُّ أَمِينٍ) إلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 لِيَتَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِ الْمُوصَى إلَيْهِ فِيهِ، وَإِلَّا تَعَطَّلَ الْحَالُ، وَحَيْثُ ضُمَّ الْأَمِينُ إلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ مُنْفَرِدًا (وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَصِيُّ فَقَطْ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ، وَلَمْ يَنْعَزِلْ إجْمَاعًا. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِمُنْتَظِرِ) أَهْلِيَّتِهِ (كَ) أَنْ يُوصِيَ إلَى صَغِيرٍ بِأَنْ يَكُونَ وَصِيًّا (إذَا بَلَغَ، أَوْ) وَصَّى إلَى غَائِبٍ لِيَكُونَ وَصِيًّا إذَا (حَضَرَ) مِنْ غَيْبَتِهِ، (أَوْ) وَصَّى إلَى سَفِيهٍ إذَا (رَشِدَ أَوْ) إلَى فَاسِقٍ إذَا (تَابَ مِنْ فِسْقِهِ، أَوْ) إلَى مَرِيضٍ إذَا (صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ إذَا صَالَحَ أُمَّهُ) عَمَّا تَدَّعِيهِ، أَوْ إلَى كَافِرٍ إذَا أَسْلَمَ، (أَوْ) يُوصِيَ إلَى شَخْصٍ، وَيَقُولَ: (إنْ مَاتَ الْوَصِيُّ فَزَيْدٌ وَصِيٌّ) بِذَلِكَ (أَوْ) يَقُولَ: (زَيْدٌ وَصِيٌّ سَنَةً ثُمَّ عَمْرو) وَصِيٌّ بَعْدَهَا، فَإِذَا قَالَ: أَوْصَيْت إلَيْك، فَإِذَا بَلَغَ ابْنِي فَهُوَ وَصِيِّي؛ صَحَّ ذَلِكَ، فَإِذَا بَلَغَ ابْنُهُ صَارَ وَصِيَّهُ، وَمِثْلُهُ إذَا قَالَ: أَوْصَيْت إلَيْك، فَإِذَا تَابَ ابْنِي مِنْ فِسْقِهِ، أَوْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ اشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ، أَوْ صَالَحَ أُمَّهُ عَنْ دَعْوَاهَا عَلَيْهِ، أَوْ رَشِدَ، فَهُوَ وَصِيِّي؛ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَيَصِيرُ الْمَذْكُورُ وَصِيًّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» . وَالْوَصِيَّةُ كَالتَّأْمِيرِ (وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ) الْأَعْظَمُ: (الْخَلِيفَةُ بَعْدِي فُلَانٌ، فَإِنْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ تَغَيَّرَ حَالُهُ فَ) الْخَلِيفَةُ بَعْدِي (فُلَانٌ؛ صَحَّ) عَلَى مَا قَالَ (وَكَذَا فِي ثَالِثٍ وَرَابِعٍ) قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَ (لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِلثَّانِي إنْ قَالَ) الْإِمَامُ: (فُلَانٌ وَلِيُّ عَهْدِي، فَإِنْ وَلِيَ ثُمَّ مَاتَ، فَفُلَانٌ بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ إذَا وَلِيَ صَارَ الِاخْتِيَارُ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ، فَالْعَهْدُ إلَيْهِ فِيمَنْ يَرَاهُ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا جَعَلَ الْعَهْدَ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَتَغَيُّرُ صِفَاتِهِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَعْهُودِ إلَيْهِ فِيهَا إمَامَةٌ (وَإِنْ عَلَّقَ وَلِيُّ الْأَمْرِ وِلَايَةَ حُكْمٍ أَوْ) إمَارَةً أَوْ وِلَايَةَ (وَظِيفَةٍ بِشَرْطِ شُغُورِهَا) ؛ أَيْ: تَعَطُّلِهَا (أَوْ غَيْرَهُ) كَمَوْتِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ (فَلَمْ يُوجَدْ) الشَّرْطُ (حَتَّى أَقَامَ وَلِيُّ أَمْرٍ) غَيْرَهُ مَقَامَهُ (صَارَ الِاخْتِيَارُ لَهُ) ؛ أَيْ: لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْأَوَّلِ بَطَلَ بِمَوْتِهِ؛ كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 أَوْ طَلَاقًا بِشَرْطٍ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ وُجُودِهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ؛ فَتَبْطُلُ تَصَرُّفَاتُهُ (وَمَنْ وَصَّى زَيْدًا) عَلَى أَوْلَادِهِ وَنَحْوَهُ (ثُمَّ) وَصَّى (عَمْرًا؛ اشْتَرَكَا) كَمَا لَوْ وَكَّلَهُمَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَاسْتَوَيَا فِيهَا، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً (إلَّا أَنْ يَخْرُجَ زَيْدًا) فَتَبْطُلَ وَصِيَّتُهُ لِلرُّجُوعِ عَنْهَا (وَلَا يَنْفَرِدُ بِتَصَرُّفٍ وَحِفْظٍ غَيْرُ وَصِيٍّ مُفْرَدٍ) عَنْ غَيْرِهِ، كَالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ إلَّا بِتَصَرُّفِهِمَا، وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ الْمُوصِي التَّصَرُّفَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ جَعَلَهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَهُ الِانْفِرَادُ حِينَئِذٍ؛ لِرِضَى الْمُوصِي بِذَلِكَ، أَوْ يَجْعَلَ التَّصَرُّفَ لِأَحَدِهِمَا وَالْيَدَ لِلْآخَرِ؛ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ مُنْفَرِدًا، عَمَلًا بِالْوَصِيَّةِ، وَإِذَا أَرَادَ التَّصَرُّفَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاجْتِمَاعِهِمَا أَنْ يَتَلَفَّظَا بِصِيَغِ الْعُقُودِ مَعًا (بَلْ) مَعْنَاهُ أَنَّ التَّصَرُّفَ (يَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِمَا) وَاجْتِهَادِهِمَا، ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ أَحَدُهُمَا التَّصَرُّفَ وَحْدَهُ أَوْ يُبَاشِرَهُ الْغَيْرُ بِإِذْنِهِمَا (وَلَوْ لَمْ يُوَكِّلْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ لَمْ يُبَاشِرْ مَعَهُ) وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَّفِقَا (وَإِنْ جَعَلَ) الْمُوصِي (لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَصَرُّفٍ) أَوْ جَعَلَ التَّصَرُّفَ لِأَحَدِهِمَا (كَفَى وَاحِدٌ) مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا (وَلَا يُوصِي وَصِيٌّ) لِأَنَّهُ قَصَّرَ تَوْلِيَتَهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّفْوِيضُ كَالْوَكِيلِ، وَسَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ [لَهُ] أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا لَا يُبَاشِرُهُ مِثْلُهُ أَوْ يَعْجِزُ عَنْهُ فَقَطْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَمْرَاضُ الْمُعْتَادَةُ كَالرَّمَدِ وَالْحُمَّى تَلْتَحِقُ بِنَوْعِ مَا لَا يُبَاشِرُهُ، وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ، كَالْفَالِجِ وَغَيْرِهِ يَلْتَحِقُ بِنَوْعِ مَا يُبَاشِرُهُ، (إلَّا أَنْ يَجْعَلَ) الْمُوصَى (إلَيْهِ) ذَلِكَ، فَيَمْلِكُهُ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ لِوَصِيِّهِ: أَذِنْت لَك أَنْ تُوصِيَ لِمَنْ شِئْت، أَوْ يَقُولَ: كُلُّ مَنْ أَوْصَيْت إلَيْهِ أَنْتَ فَقَدْ أَوْصَيْت أَنَا إلَيْهِ، أَوْ يَقُولَ: كُلُّ مَنْ أَوْصَيْت إلَيْهِ أَنْتَ فَهُوَ وَصِيِّي؛ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ رَضِيَ رَأْيَهُ وَرَأْيَ مَنْ يَرَاهُ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَأْذُونٌ فِيهِ، فَكَانَ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ اثْنَيْنِ) وَصِيَّيْنِ (لَا يَنْفَرِدَانِ) إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُوصِي جَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادَ (بِالتَّصَرُّفِ أَوْ تَغَيَّرَ حَالُهُ) ؛ أَيْ: أَحَدِهِمَا بِأَنْ جُنَّ أَوْ غَابَ أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ عَزْلُهُ، كَسَفَهٍ وَعَزْلِهِ نَفْسَهُ (أَوْ مَاتَا هُمَا) ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 أَيْ: الْوَصِيَّانِ أَوْ تَغَيَّرَ حَالُهُمَا (أُقِيمَ) ؛ أَيْ: أَقَامَ الْحَاكِمُ (مَقَامَهُ) فِي الْأُولَى أَمِينًا لِيَتَصَرَّفَ مَعَ الْآخَرِ (أَوْ) أَقَامَ (مَقَامَهُمَا) فِي الثَّانِيَةِ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْحَالُ (وَلَيْسَ لِحَاكِمٍ اكْتِفَاءٌ بِبَاقٍ) مِنْ الْوَصِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَكْتَفِ بِأَحَدِهِمَا، فَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ؛ إذْ الْوَصِيَّةُ تَقْطَعُ نَظَرَ الْحَاكِمِ وَاجْتِهَادَهُ (وَمَنْ عَادَ إلَى حَالِهِ مِنْ عَدَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) بَعْدَ تَغَيُّرِهِ (عَادَ إلَى عَمَلِهِ) مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى تَوْلِيَةِ الْحَاكِمِ وَلَوْ (بَعْدَ عَزْلِهِ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ (بِلَا عَقْدٍ جَدِيدٍ، خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ "، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ زَالَتْ؛ أَيْ: الصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالتَّكْلِيفِ وَالرُّشْدِ وَالْعَدَالَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَلَمْ تَعُدْ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ انْعَزَلَ، وَلَمْ تَعُدْ وَصِيَّتُهُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. (وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ (هَذَا) ؛ أَيْ: الْمُتَغَيِّرُ حَالُهُ أَنَّهُ [إذَا] عَادَ يَعُودُ إلَى عَمَلِهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ جَدِيدٍ (فِي وَصِيِّ الْمَيِّتِ) الَّذِي رَضِيَ بِهِ وَصِيًّا، وَأَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ، فَلَا يَفْتَقِرُ عَوْدُهُ لِتَجْدِيدِ عَقْدٍ، كَالْأَبِ إذَا فَسَقَ تَعُودُ وِلَايَتُهُ بِعَوْدِ الْأَهْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَنْ سَبَبِ الْأُبُوَّةِ وَهُوَ ثَابِتٌ (لَا مَنْ أَقَامَهُ حَاكِمٌ) فَتَغَيَّرَ حَالُهُ، ثُمَّ عَادَ؛ فَلَا يَعُودُ إلَى عَمَلِهِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ سَبَبُهَا تَوْلِيَةُ الْحَاكِمِ، وَقَدْ بَطَلَ السَّبَبُ، فَلَا بُدَّ فِي الْعَوْدِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ السَّبَبِ، ثُمَّ مَا تَصَرَّفَ بَعْدَ الْبُطْلَانِ مَرْدُودٌ لِصُدُورِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، لَكِنَّ رَدَّ الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ وَالْعَوَارِيِّ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ الَّتِي جِنْسُهَا فِي التَّرِكَةِ، تَقَعُ مَوْقِعَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وُصُولُهَا إلَى أَهْلِهَا، وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ، وَإِذَا أُعِيدَ وَكَانَ أَتْلَفَ مَالًا؛ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ بَرَاءَتُهُ بِالْقَبْضِ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ لِلْأَبِ، وَقَدْ نَصَّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي النِّكَاحِ. وَقَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 (وَصَحَّ قَبُولُ وَصِيٍّ) الْإِيصَاءَ إلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَصَحَّ قَبُولُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْوَكَالَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ؛ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي وَقْتٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ قَبْلَهُ، وَيَصِحُّ الْقَبُولُ أَيْضًا بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ وَصِيَّةٍ، فَصَحَّ قَبُولُهَا إذَنْ كَوَصِيَّةِ الْمَالِ. (وَ) لِلْوَصِيِّ (عَزْلُ نَفْسِهِ) مَتَى شَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ (فِي حَيَاةِ مُوصٍ وَبَعْدَ مَوْتِهِ) وَفِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ: أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبُولِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي وَبَعْدَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا يَعُودُ) مَنْ عَزَلَ نَفْسَهُ (وَصِيًّا بِلَا عَقْدٍ) جَدِيدٍ؛ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْوِصَايَةِ بِاخْتِيَارِهِ، كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ هُنَا تَرَكَ حَقَّهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، فَافْتَقَرَ عَوْدُهُ إلَى عَقْدٍ جَدِيدٍ مِنْ الْمُوصِي إنْ كَانَ مَوْجُودًا، أَوْ الْحَاكِمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوصِي، وَأَمَّا هُنَاكَ فَإِنَّهُ مُنِعَ مِنْ تَعَاطِي الْوِصَايَةِ لِطُرُوِّ تَغَيُّرِ حَالِهِ؛ حِفْظًا لِلْأَمْوَالِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ إلَى إيصَائِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلِمُوصٍ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ) كَالْمُوَكَّلِ. تَتِمَّةٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُوصِي أَوْ الْحَاكِمُ لِلْوَصِيِّ جُعْلًا مَعْلُومًا كَالْوَكَالَةِ، وَمُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ الْمُوصَى لَهُ نَافِذَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُمْ، فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِمْ، بِخِلَافِ مُقَاسَمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ؛ فَإِنَّهَا لَا تَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ كَتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 [فَصْلٌ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَّا فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ] (فَصْلٌ: وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (إلَّا فِي) تَصَرُّفٍ (مَعْلُومٍ) لِيَعْلَمَ الْوَصِيُّ مَا وَصَّى بِهِ إلَيْهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ كَمَا أَمَرَ (يَمْلِكُ) الْمُوصِي (فِعْلَهُ) ؛ أَيْ: مَا وَصَّى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ، وَالْوَصِيُّ فَرْعُهُ، وَلَا يَمْلِكُ الْفَرْعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَصْلُ (كَإِمَامٍ) أَعْظَمَ يُوصِي (بِخِلَافَةٍ) كَمَا وَصَّى أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ، وَعَهِدَ عُمَرُ إلَى أَهْلِ الشُّورَى، (وَكَ) أَنْ يُوصِيَ مَدِينٌ فِي (قَضَاءِ دَيْنٍ) عَلَيْهِ (وَ) كَالْوَصِيَّةِ فِي (تَفْرِيقِ وَصِيَّةٍ وَرَدِّ أَمَانَةٍ وَغَصْبٍ) وَعَارِيَّةٍ (وَنَظَرٍ فِي أَمْرِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ) رَشِيدٍ مِنْ طِفْلٍ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ (وَحَدِّ قَذْفٍ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ؛ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا فِي مَعْلُومٍ يَمْلِكُهُ الْمُوصِي كَالْوَكَالَةِ وَ (يَسْتَوْفِيهِ لِنَفْسِهِ) ؛ أَيْ: لِلْمُوصِي نَفْسِهِ (لَا لِمُوصًى إلَيْهِ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ يَمْلِكُ فِعْلَ ذَلِكَ، فَمَلَكَهُ وَصِيُّهُ كَوَكِيلِهِ. وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ (بِتَزْوِيجِ مَوْلَيَاتِهِ) كَبَنَاتِهِ وَلَوْ كُنَّ دُونَ تِسْعٍ (وَيَقُومُ وَصِيٌّ مَقَامَهُ) ؛ أَيْ: مَقَامَ الْمُوصِي (فِي الْإِجْبَارِ) كَالْأَبِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ كَوَكِيلِهِ، وَيَأْتِي فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ مُفَصَّلًا. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ لِلْوَصِيِّ قَضَاءُ الدَّيْنِ إلَّا إذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ؛ إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَلَا مُدَّعِي الدَّيْنِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ غَيْرَ مَا يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي أَمْوَالِهِمْ، فَإِذَا كَانَ الْمُوصِي ذَا وِلَايَةٍ عَلَيْهِمْ فِي الْمَالِ كَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ وَمَنْ لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ مِنْهُمْ؛ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ فِيمَنْ يَنْظُرُ فِي أَمْوَالِهِمْ بِحِفْظِهَا، وَيَتَصَرَّفَ لَهُمْ فِيهَا بِمَا لَهُمْ الْحَظُّ فِيهِ؛ لِقِيَامِ وَصِيِّهِ مَقَامَهُ. وَ (لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ (الْمَرْأَةِ عَلَى أَوْلَادِهَا وَلَا) مِنْ الْمُوصِي عَلَى (مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ) كَالْعُقَلَاءِ الرَّشِيدِينَ مِنْ أَوْلَادِهِ وَ (كَأَوْلَادِ ابْنِهِ) وَغَيْرِهِمْ كَإِخْوَتِهِ مُطْلَقًا وَأَعْمَامِهِ وَبَنِيهِمْ، وَبَنَاتِهِمْ كَذَلِكَ وَسَائِرُ مَنْ عَدَا أَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهِمْ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لِغَيْرِ الْأَبِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ مَعَ رُشْدِ وَارِثِهِ وَلَوْ مَعَ غَيْبَتِهِ) ؛ أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 الْوَارِثِ؛ لِانْتِقَالِ الْمَالِ إلَى مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِاسْتِيفَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ. فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَا أَنْفَقَهُ وَصِيٌّ مُتَبَرِّعٌ بِالْمَعْرُوفِ فِي ثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ؛ فَمِنْ مَالِ الْيَتِيمِ انْتَهَى، وَعَلَى قِيَاسِهِ كُلُّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ. (وَمَنْ وَصَّى فِي) فِعْلِ (شَيْءٍ لَمْ يَصِرْ وَصِيًّا فِي غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ التَّصَرُّفَ بِإِذْنِ مُوصِيهِ، فَكَانَ مَقْصُورًا عَلَى مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ كَالْوَكِيلِ، فَإِنْ وَصَّى إلَيْهِ فِي تَرِكَتِهِ وَأَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ؛ فَهَذَا وَصِيٌّ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إذَا كَانَ نَاظِرًا لَهُمْ، وَإِنْ خَصَّصَهُمَا بِشَيْءٍ لَمْ يَتَعَدَّهُ (كَوَصِيَّتِهِ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ) فَلَهُ فِعْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ (أَوْ) وَصِيَّتِهِ (بِقَضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ) بِ (النَّظَرِ إلَى أَمْرِ أَطْفَالِهِ) أَوْ تَزْوِيجِهِمْ، فَلَا يَتَجَاوَزُهُ، وَإِنْ جَعَلَ الْمُوصِي لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ وَصِيًّا؛ جَازَ عَلَى مَا قَالَ، وَيَتَصَرَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا جَعَلَ الْمُوصِي إلَيْهِ خَاصَّةً (وَمَنْ وَصَّى) إلَيْهِ (بِتَفْرِيقِ ثُلُثٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ) عَلَى الْمَيِّتِ (فَأَبَى وَرَثَةٌ) إخْرَاجَ ثُلُثِ مَا بِأَيْدِيهِمْ (أَوْ جَحَدُوا) الدَّيْنَ (وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ قَضَى) الْمُوصَى إلَيْهِ (الدَّيْنَ بَاطِنًا) بِلَا عِلْمِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ حَاكِمٌ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إنْفَاذِ مَا وُصِّيَ إلَيْهِ بِفِعْلِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَجْحَدْهُ الْوَرَثَةُ، وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ إلَّا بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ (وَأَخْرَجَ) الْمُوصَى إلَيْهِ (بَقِيَّةَ الثُّلُثِ) الْمُوصَى إلَيْهِ بِتَفْرِقَتِهِ (مِمَّا فِي يَدِهِ) لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ مُتَعَلِّقٌ بِأَجْزَاءِ التَّرِكَةِ، وَحَقَّ الْوَرَثَةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا وَدَفْعُهَا لِأَرْبَابِهَا (عَمَّا فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ) وَمَحَلُّ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى الْوَصِيِّ (إنْ لَمْ يَخَفْ تَبَعَةً) ؛ أَيْ: رُجُوعَ الْوَرَثَةِ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ فِي الدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ وَيُنْكِرُونَهُمَا - وَلَا بَيِّنَةَ بِهِمَا - فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِلْعُذْرِ (وَإِنْ فَرَّقَهُ) ؛ أَيْ: الثُّلُثَ مُوصًى إلَيْهِ بِتَفْرِيقِهِ (ثُمَّ ظَهَرَ) عَلَى مُوصٍ (دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ) ؛ أَيْ: الثُّلُثَ؛ لِاسْتِغْرَاقِهِ جَمِيعَ الْمَالِ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَدَمِ عِلْمِهِ رَبَّ الدَّيْنِ (أَوْ جَهِلَ مُوصًى لَهُ) بِالثُّلُثِ كَقَوْلِهِ: أَعْطُوا ثُلُثَيْ قَرَابَتِي فُلَانٍ، فَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَرِيبٌ بِهَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 الِاسْمِ (فَتَصَدَّقَ هُوَ) ؛ أَيْ: الْوَصِيُّ بِهِ (أَوْ) تَصَدَّقَ (حَاكِمٌ بِهِ) ؛ أَيْ: الثُّلُثِ (ثُمَّ ثَبَتَ) الْمُوصَى لَهُ (لَمْ يَضْمَنْ) مُوصًى إلَيْهِ وَلَا حَاكِمٌ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ الرُّجُوعُ عَلَى قَابِضٍ؛ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَوَفَّى بِهِ الدَّيْنَ، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ بَحْثًا. (وَيَبْرَأُ مَدِينٌ) لِمَيِّتٍ (بِدَفْعِ) مَا لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ (لِوَارِثٍ وَوَصِيٍّ مَعًا) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَ) يَبْرَأُ مَدِينٌ بَاطِنًا (بِقَضَاءِ دَيْنٍ) عَنْ مَيِّتٍ (يَعْلَمُهُ عَلَى الْمَيِّتِ) فَيَسْقُطُ مِمَّا عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا قَضَاهُ عَنْ الْمَيِّتِ، كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَى الْوَصِيِّ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَدَفَعَهُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا سِوَى تَوَسُّطِ الْوَصِيِّ بَيْنَهُمَا (وَلِمَدِينٍ) وَصَّى غَرِيمُهُ بِدَيْنِهِ لِغَيْرِهِ (دَفْعُ دَيْنٍ مُوصًى بِهِ لِمُعَيَّنٍ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُعَيَّنِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ بِلَا حُضُورِ وَرَثَةٍ وَوَصِيٍّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَفَعَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ، (وَ) لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ (إلَى الْوَصِيِّ) ؛ أَيْ: وَصِيِّ الْمَيِّتِ فِي تَنْفِيذِ وَصَايَاهُ، وَيَبْرَأُ بِذَلِكَ؛ لِدَفْعِهِ إلَى مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَمْرِ الْمَيِّتِ لَهُ بِدَفْعِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ دَفَعَهُ لِلْوَصِيِّ لِيُفَرِّقَهُ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ صَرَفَ أَجْنَبِيٌّ) ؛ أَيْ: مَنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ وَلَا وَصِيٍّ (الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ فِي جِهَتِهِ) الْمُوصَى بِهِ فِيهَا (لَمْ يَضْمَنْهُ) لِمُصَادِفَتِهِ الصَّرْفَ فِي مُسْتَحَقِّهِ؛ كَمَا لَوْ دَفَعَ وَدِيعَةً إلَى رَبِّهَا بِلَا إذْنِ مُودِعٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُوصَى بِهِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ إذَا صَرَفَهُ الْأَجْنَبِيُّ فِي جِهَتِهِ؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ مُسْتَحِقًّا، وَلَا نَظَرَ لِلدَّافِعِ فِي تَعْيِينِهِ. (وَإِنْ) أَقَامَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مِنْ دَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَنَحْوِهِمَا بَيِّنَةً فَ (شَهِدَتْ) تِلْكَ الـ (بَيِّنَةُ بِحَقٍّ) عِنْدَ الْوَصِيِّ (لَمْ يُشْتَرَطْ حَاكِمٌ، وَكَفَتْ) الشَّهَادَةُ (عَنْ وَصِيٍّ) وَلَهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ لَهُ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَقَطْعًا لِلتُّهْمَةِ (وَإِنْ وَصَّى بِإِعْطَاءِ مُدَّعٍ عَيْنَهُ) بِأَنْ قَالَ: أَعْطُوا زَيْدًا (دَيْنًا) يَدَّعِيهِ (بِيَمِينِهِ نَفَّذَهُ) الْوَصِيُّ (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِإِمْكَانِ أَنْ يَعْلَمَ الْمُوصِي بِالدَّيْنِ، وَلَا يَعْلَمَ قَدْرَهُ، وَيُرِيدُ خَلَاصَ نَفْسِهِ مِنْهُ (وَإِنْ وَصَّى إلَيْهِ بِحَفْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 بِئْرٍ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ: لَا أَقْدِرُ، (أَوْ) بِحَفْرِ بِئْرٍ (فِي السَّبِيلِ فَقَالَ: لَا أَقْدِرُ، فَقَالَ) لَهُ (الْمُوصِي: افْعَلْ مَا تَرَى، لَمْ تُحْفَرْ بِدَارِ قَوْمٍ لَا بِئْرَ لَهُمْ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ) نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْوَصِيَّةِ حَفْرُهَا بِمَوْضِعٍ يَعُمُّ نَفْعُهُ (وَ) إنْ وَصَّى (بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فَلَمْ يَجِدْ) الْوَصِيُّ (عَرْصَتَهُ) ؛ أَيْ: أَرْضًا يَبْنِيهَا مَسْجِدًا (لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ عَرْصَةٍ يَزِيدُهَا بِمَسْجِدٍ صَغِيرٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلًا لِمَا أُمِرَ بِهِ، (وَ) لَوْ وَصَّى (بِدَفْعِ هَذَا لِيَتَامَى) بَنِي (فُلَانٍ فَإِقْرَارٌ بِقَرِينَةٍ، وَإِلَّا) تَكُنْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ (فَ) هُوَ (وَصِيَّةٌ) لَهُمْ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَ) إنْ قَالَ لِوَصِيِّهِ (ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت، أَوْ أَعْطِهِ) لِمَنْ شِئْت (أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى مَنْ شِئْت؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ) ؛ أَيْ: الثُّلُثِ لِنَفْسِهِ وَلَا دَفْعُهُ إلَى وَلَدِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ لِلْمَسَاكِينِ وَأَبْوَابِ الْبِرِّ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ؛ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا، إنَّمَا أَمَرَهُ بِتَنْفِيذِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ أَبُو ثَوْرٍ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَحَدُ احْتِمَالَيْ " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ أَخْذِهِ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَلَكَهُ بِالْإِذْنِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا؛ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ سِلْعَتِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا وَلَدِهِ (وَلَا) يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَيْضًا (دَفْعُهُ) ؛ أَيْ: الثُّلُثِ (لِأَقَارِبِهِ) ؛ أَيْ: الْوَصِيِّ (الْوَارِثِينَ لَهُ وَلَوْ) كَانُوا (فُقَرَاءَ) نَصًّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِمْ، (وَلَا) يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَيْضًا دَفْعُ الثُّلُثِ (لِوَرَثَةِ مُوصٍ) لِأَنَّهُ قَدْ أَوْصَى بِإِخْرَاجِهِ، فَلَا يَرْجِعُ إلَى وَرَثَتِهِ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ نَائِبُ الْمَيِّتِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الدَّفْعُ إلَى مَنْ لَا يَدْفَعُ الْمُسْتَنِيبُ إلَيْهِ. [تَتِمَّةٌ قَالَ اصْنَعْ فِي مَالِي مَا شِئْت أوافعل بِهِ مَا شِئْت] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ قَالَ: اصْنَعْ فِي مَالِي مَا شِئْت، أَوْ هُوَ بِحُكْمِك افْعَلْ بِهِ مَا شِئْت، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْإِبَاحَةِ، لَا الْأَمْرِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَفْتَيْت أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 هَذَا الْوَصِيَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ ثُلُثَهُ، وَلَهُ أَنْ لَا يُخْرِجَهُ؛ فَلَا يَكُونُ الْإِخْرَاجُ وَاجِبًا وَلَا حَرَامًا، بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِ الْوَصِيِّ (وَإِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ لِبَيْعِ بَعْضِ عَقَارٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ (لِقَضَاءِ دَيْنٍ) عَلَى الْمَيِّتِ مُسْتَغْرِقٍ مَالَهُ غَيْرَ الْعَقَارِ، أَوْ احْتَاجَ إلَى تَتِمَّتِهِ مِنْ الْعَقَارِ، (أَوْ) دَعَتْ الْحَاجَةُ لِبَيْعِ بَعْضِ الْعَقَارِ (لِحَاجَةِ صِغَارٍ) مِنْ وَرَثَةٍ (وَفِي بَيْعِ بَعْضِهِ) ؛ أَيْ: الْعَقَارِ (ضَرَرٌ كَنَقْصِ ثَمَنٍ) عَلَى الصِّغَارِ (بَاعَ الْوَصِيُّ) الْعَقَارَ كُلَّهُ عَلَى صِغَارٍ وَ (عَلَى كِبَارٍ) إنْ (أَبَوْا) ؛ أَيْ: الْكِبَارُ بَيْعَهُ (أَوْ غَابُوا) لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ، وَلِلْأَبِ بَيْعُ الْكُلِّ، فَالْوَصِيُّ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ وَصِيٌّ يَمْلِكُ بَيْعَ الْبَعْضِ، فَمَلَكَ بَيْعَ الْكُلِّ، كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ صِغَارًا أَوْ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلِهَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا وَفَّى مِنْ الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ شَرِيكُ الصِّغَارِ غَيْرَ وَارِثٍ لَمْ يَبِعْ الْوَصِيُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ فَرْعُ الْمَيِّتِ، وَهُوَ لَا يَبِيعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَنَائِبُهُ أَوْلَى (وَكَذَا لَوْ اخْتَصُّوا) ؛ أَيْ: الْكِبَارُ (بِمِيرَاثٍ) بِأَنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَوَصَّى بِقَضَائِهِ، أَوْ وَصِيَّتُهُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَاحْتِيجَ فِي ذَلِكَ لِبَيْعِ بَعْضِ عَقَارِهِ، وَفِي تَشْقِيصِهِ ضَرَرٌ، وَالْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ كِبَارٌ (وَأَبَوْا وَفَاءَهُ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ، أَوْ غَابُوا؛ بَاعَ الْوَصِيُّ عَلَى الْكُلِّ، وَكَذَا لَوْ امْتَنَعَ الْبَعْضُ، أَوْ غَابَ؛ فَلَهُ بَيْعُ الْكُلِّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ نَائِبُ الْمُوصِي، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَ الْبَعْضِ فَمَلَكَ بَيْعَ الْكُلِّ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْعَقَارِ، بَلْ يَثْبُتُ فِيمَا عَدَاهُ، إلَّا الْفُرُوجَ احْتِيَاطًا نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْوَصِيِّ يَبِيعُ عَلَى الْبَالِغِ الْغَائِبِ، فَقَالَ: إنَّمَا الْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ إذَا كَانَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ، قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنْ كَانَ فَرْجٌ، قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَبِيعَهُ. وَإِنَّمَا خُصَّ الْعَقَارُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ أَحَظُّ لِلْيَتِيمِ؛ فَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ مُنَبِّهٌ عَلَى الثُّبُوتِ فِيمَا دُونَهُ فِي ذَلِكَ، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. (وَمَنْ مَاتَ بِنَحْوِ بَرِّيَّةٍ) كَجَزَائِرَ لَا عُمْرَانَ بِهَا (أَوْ بَلَدٍ وَلَا حَاكِمَ) حَضَرَ مَوْتَهُ (وَلَا وَصِيَّ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 لَهُ بِأَنْ لَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ، أَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى إلَيْهِ (فَلِمُسْلِمٍ حَضَرَهُ أَخْذُ تَرِكَتِهِ وَبَيْعُ مَا يَرَاهُ) مِنْهَا (مِمَّا يَسْرُعُ فَسَادُهُ) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ لِحِفْظِ مَالِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ؛ إذْ فِي تَرْكِهِ إتْلَافٌ لَهُ، فَيَفْعَلُ الْأَصْلَحَ فِي التَّرِكَةِ، فَإِنْ كَانَ حِفْظُهَا وَحَمْلُهَا لِلْوَرَثَةِ أَصْلَحَ، وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (أَوْ كَانَ) الْبَيْعُ (أَصْلَحَ) وَجَبَ بَيْعُهَا حِفْظًا لَهَا، (وَلَوْ) كَانَ فِي التَّرِكَةِ (إمَاءً) ؛ أَيْ: فَلَهُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُنَّ حَاكِمٌ إنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهَا إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ مُكَاتَبَتِهِمْ لِيَحْضُرُوا وَيَأْخُذُوهَا انْتَهَى. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَنْ بَيْعِهِنَّ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِيَارِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ بَيْعَهُنَّ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ فُرُوجِهِنَّ، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي (وَيُجَهِّزُهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْلِمُ الَّذِي حَضَرَهُ (مِنْهَا) ؛ أَيْ: مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَتْ وَأَمْكَنَ تَكْفِينُهُ مِنْهَا (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) تَرِكَةٌ أَوْ كَانَتْ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْهِيزُهُ مِنْهَا (فَ) يُجَهِّزُهُ الَّذِي حَضَرَهُ (مِنْ عِنْدِهِ وَيَرْجِعُ) بِمَا جَهَّزَهُ بِهِ بِالْمَعْرُوفِ (عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: عَلَى تَرِكَتِهِ حَيْثُ كَانَتْ، (أَوْ) يَرْجِعُ بِهِ (عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) غَيْرَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ، (إنْ نَوَاهُ) : أَيْ: الرُّجُوعَ سَوَاءٌ اسْتَأْذَنَ حَاكِمًا أَوْ لَا، أَشْهَدَ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ أَوْ لَا (أَوْ اسْتَأْذَنَ حَاكِمًا) فِي تَجْهِيزِهِ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى تَرِكَتِهِ إنْ كَانَتْ، أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْجِعْ إذَنْ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ فِعْلِهِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ، فَإِنْ نَوَاهُ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ قَامَ عَنْ غَيْرِهِ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَوْ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ كَفَنُهُ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ إذْ الزَّوْجُ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَنُهَا؛ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى زَوْجِهَا بَلْ عَلَى أَبِيهَا وَنَحْوِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 [كِتَابُ الْفَرَائِضِ] ِ الْفَرَائِضُ جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ، وَالْهَاءُ فِيهَا لِلنَّقْلِ مِنْ الْمَصْدَرِ إلَى الِاسْمِ، كَالْحَفِيرَةِ مِنْ الْفَرْضِ بِمَعْنَى التَّوْقِيتِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] وَالْجُزْءُ مِنْ الشَّيْءِ كَالتَّفْرِيضِ، وَمِنْ الْقَوْسِ مَوْقِعُ الْوَتَرِ، وَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ، كَالْمَفْرُوضِ، وَالْقِرَاءَةُ وَالسُّنَّةُ. يُقَالُ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أَيْ: سَنَّ، وَنَوْعٌ مِنْ التَّمْرِ، وَالْجُنْدُ يَفْتَرِضُونَ وَالتُّرْسُ، وَعُودٌ مِنْ أَعْوَادِ الْبَيْتِ، وَالْعَطِيَّةُ الْمَوْسُومَةُ، وَمَا فَرَضْته عَلَى نَفْسِك فَوَهَبْته، وَمِنْ الزَّنْدِ حَيْثُ يُقْدَحُ مِنْهُ، وَالْحَزُّ الَّذِي فِيهِ وَ {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] جَعَلْنَا فِيهَا فَرَائِضَ الْأَحْكَامِ، وَبِالتَّشْدِيدِ؛ أَيْ: جَعَلْنَا فِيهَا فَرِيضَةً بَعْدَ فَرِيضَةٍ، أَوْ فَصَّلْنَاهَا وَبَيَّنَّاهَا، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ". وَهِيَ شَرْعًا (الْعِلْمُ بِقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ) جَمْعُ مِيرَاثٍ، وَهُوَ الْحَقُّ الْمُخَلَّفُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَأَصْلُهُ مِوْرَاثٌ، قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً؛ لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا التُّرَاثُ، وَأَصْلُ التَّاءِ فِيهِ وَاوٌ، وَالْإِرْثُ لُغَةً: الْبَقَاءُ وَانْتِقَالُ الشَّيْءِ مِنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ آخَرِينَ، وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى الْمِيرَاثِ، وَيُسَمَّى الْقَائِمُ بِهَذَا الْعِلْمِ: فَارِضًا وَفَرِيضًا وَفَرْضِيًّا - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا - وَفَرَّاضًا وَفَرَائِضِيًّا. (وَمَوْضُوعُهُ) ؛ أَيْ: هَذَا الْفَنِّ (التَّرِكَاتُ) لِأَنَّهَا الَّتِي يُبْحَثُ فِيهَا عَنْ عَوَارِضِهَا مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمَيِّتِ بِمُؤَنِ التَّجْهِيزِ مِنْهَا، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِبَاقِيهَا، إمَّا وَحْدَهُمْ أَوْ مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِمْ، كَأَصْحَابِ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا (لَا الْعَدَدُ) فَإِنَّهُ مَوْضُوعُ عِلْمِ الْحِسَابِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 (وَالْفَرِيضَةُ) عُرْفًا (نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لِمُسْتَحِقِّهِ) وَقَدْ رُوِيَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى فَضْلِ هَذَا الْعِلْمِ، وَالْحَثِّ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ، فَمِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَضْلٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَفَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ، فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ. وَعَنْ عُمَرَ: تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ، فَإِنَّهَا مِنْ دِينِكُمْ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا؛ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ، وَهُوَ يُنْسَى، وَهُوَ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ. فَقَالَ أَهْلُ السَّلَامَةِ: لَا نَتَكَلَّمُ فِيهِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ نِصْفُ الْعِلْمِ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ؛ فَإِنَّ لِلنَّاسِ حَالَتَيْنِ: حَيَاةٌ وَوَفَاةٌ، فَالْفَرَائِضُ تَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي، وَبَاقِي الْعُلُومِ بِالْأَوَّلِ، وَقِيلَ بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّ لَهُ بِتَعْلِيمِ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْفَرَائِضِ مِائَةَ حَسَنَةٍ، وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْعُلُومِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ قِيلَ: وَأَحْسَنُ الْأَقْوَالِ أَنْ يُقَالَ: أَسْبَابُ الْمِلْكِ نَوْعَانِ: اخْتِيَارِيٌّ، وَهُوَ مَا يَمْلِكُ رَدَّهُ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَقَهْرِيٌّ وَهُوَ مَا لَا يَمْلِكُ رَدَّهُ، وَهُوَ الْإِرْثُ. وَعَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دَيْنِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهَا بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَقْرَؤُهَا لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أُبَيٌّ، وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - ، وَحُكِيَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ دَخَلَ بُسْتَانًا، فَأَكَلَ مِنْ جَمِيعِ ثَمَرِهِ إلَّا الْعِنَبَ الْأَبْيَضَ، فَقَصَّهُ عَلَى شَيْخِهِ الْأَوْزَاعِيِّ، فَقَالَ: تُصِيبُ مِنْ الْعِلْمِ كُلِّهَا إلَّا الْفَرَائِضَ؛ فَإِنَّهَا جَوْهَرُ الْعِلْمِ، كَمَا أَنَّ الْعِنَبَ الْأَبْيَضَ جَوْهَرُ الْعِنَبِ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَسَتَقِفُ عَلَى ذَلِكَ مُفَصَّلًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 (وَمَنْ مَاتَ بُدِئَ مِنْ تَرِكَتِهِ بِ) كَفَنِهِ وَحَنُوطِهِ وَ (مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ) بِالْمَعْرُوفِ وَدَفْنِهِ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ (مُقَدَّمًا) ذَلِكَ (عَلَى نَحْوِ دَيْنٍ بِرَهْنٍ) كَأَرْشِ جِنَايَةٍ؛ إذْ لَا يُقْضَى دَيْنُهُ إلَّا بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ (وَمَا بَقِيَ) بَعْدَ مُؤْنَةِ تَجْهِيزٍ بِالْمَعْرُوفِ (فَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ) سَوَاءٌ وَصَّى بِهَا أَوْ لَا، وَتُقَدَّمُ، وَيُبْدَأُ مِنْهَا بِالْمُتَعَلِّقِ بِعَيْنِ الْمَالِ كَدَيْنٍ بِرَهْنٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي، ثُمَّ الدُّيُونُ الْمُرْسَلَةُ فِي الذِّمَّةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى (كَزَكَاةِ) الْمَالِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَ (الْكَفَّارَةِ) وَالْحَجِّ الْوَاجِبِ وَالنَّذْرِ (أَوْ) كَانَتْ (لِآدَمِيٍّ كَدَيْنٍ) مِنْ قَرْضٍ وَثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ وَجَعَالَةٍ اسْتَقَرَّتْ، وَنَحْوِهَا كَعَقْلٍ بَعْدَ الْحَوْلِ (وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ ضَاقَ الْمَالُ تَحَاصُّوا (وَمَا بَقِيَ) بَعْدَ ذَلِكَ (فَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ) لِأَجْنَبِيٍّ (مِنْ ثُلُثِهِ حَيْثُ لَا إجَازَةَ) مِنْ الْوَرَثَةِ (ثُمَّ يُقْسَمُ مَا بَقِيَ) بَعْدَ ذَلِكَ (عَلَى وَرَثَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] . (وَأَسْبَابُ إرْثٍ) ؛ أَيْ: انْتِقَالِ التَّرِكَةِ عَنْ مَيِّتٍ إلَى حَيٍّ بِمَوْتِهِ (ثَلَاثَةٌ فَقَطْ) فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ بِغَيْرِهَا كَالْمُوَالَاةِ؛ أَيْ: الْمُؤَاخَاةِ وَالْمُعَاقَدَةِ، وَهِيَ الْمُحَالَفَةُ، وَإِسْلَامُهُ عَلَى يَدَيْهِ، وَكَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ وَاحِدٍ، وَالْتِقَاطٍ؛ لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . أَحَدُهَا: (رَحِمٌ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] . (وَ) الثَّانِي (نِكَاحٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] الْآيَةَ (وَهُوَ عَقْدُ الزَّوْجِيَّةِ الصَّحِيحُ) سَوَاءٌ دَخَلَ أَوْ لَا، فَلَا إرْثَ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ. (وَ) الثَّالِثُ (وَلَاءُ عِتْقٍ) فَيَرِثُ بِهِ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ مِنْ عَتِيقِهِ (وَلَوْ) كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 (فِي شِرَاءٍ فَاسِدٍ) لِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ. فَشَبَّهَ الْوَلَاءَ بِالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ يُورَثُ بِهِ؛ فَكَذَا الْوَلَاءُ، وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ السَّيِّدَ أَخْرَجَ عَبْدَهُ بِعِتْقِهِ إيَّاهُ مِنْ حَيِّزِ الْمَمْلُوكِيَّةِ الَّتِي سَاوَى بِهَا الْبَهَائِمَ، إلَى حَيِّزِ الْمَالِكِيَّةِ الَّتِي سَاوَى بِهِ الْأَنَاسِيَّ، فَأَشْبَهَ بِذَلِكَ الْوِلَادَةِ الَّتِي أَخْرَجَتْ الْمَوْلُودَ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ. (وَمَوَانِعُهُ) ؛ أَيْ: التَّوَارُثِ (ثَلَاثَةٌ: رِقٌّ وَقَتْلٌ وَاخْتِلَافُ دِينٍ) وَتَأْتِي مُفَصَّلَةً. (وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: مُوَرِّثٌ وَوَارِثٌ وَحَقٌّ مَوْرُوثٌ) . وَشُرُوطُهُ ثَلَاثَةٌ: تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ أَوْ إلْحَاقُهُ بِالْأَحْيَاءِ، وَتَحَقُّقُ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ إلْحَاقُهُ بِالْأَمْوَاتِ، وَالْعِلْمُ بِالْجِهَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْإِرْثِ، وَتُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. (وَتَرِكَةُ الْأَنْبِيَاءِ) - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (صَدَقَةٌ لَا إرْثَ) لِحَدِيثِ: «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (وَالْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ مِنْ الذُّكُورِ عَشَرَةٌ: الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ) بِمَحْضِ الذُّكُورِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَةَ وَابْنُ الِابْنِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ - يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 27 - 40] (وَالْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا) بِمَحْضِ الذُّكُورِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] وَالْجَدُّ تَنَاوَلَهُ النَّصُّ؛ لِدُخُولِ وَلَدِ الِابْنِ فِي الْأَوْلَادِ، وَقِيلَ: ثَبَتَ نَسَبُهُ بِالنِّسْبَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَاهُ السُّدُسَ (وَالْأَخُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ) شَقِيقًا كَانَ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، أَمَّا الَّذِي لِأُمٍّ، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] فَإِنَّهَا فِي الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا الَّذِي لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ؛ فَلِقَوْلِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 تَعَالَى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] (وَابْنُ الْأَخِ لَا) إنْ كَانَ الْأَخُ (مِنْ الْأُمِّ) فَقَطْ، فَابْنُهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَالْعَمُّ) لَا مِنْ الْأُمِّ (وَابْنُهُ كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: لَا مِنْ الْأُمِّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَأَمَّا الْعَمُّ لِأُمٍّ وَابْنُهُ فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَالزَّوْجُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] (وَالْمُعْتِقُ) وَعَصَبَتُهُ الْمُتَعَصِّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ لِلْخَبَرِ وَالْإِجْمَاعِ. (وَ) الْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِنَّ (مِنْ الْإِنَاثِ سَبْعٌ: الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ نَزَلَ) أَبُوهَا بِمَحْضِ الذُّكُورِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] (وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهَا أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي: (وَالْأُخْتُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَتْ شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (وَالزَّوْجَةُ) هِيَ بِالتَّاءِ لُغَةُ سَائِرِ الْعَرَبِ مَا عَدَا أَهْلَ الْحِجَازِ، اقْتَصَرَ الْفُقَهَاءُ وَالْفَرْضِيُّونَ عَلَيْهَا؛ لِلْإِيضَاحِ وَخَوْفِ اللَّبْسِ (وَالْمُعْتِقَةُ) وَمُعْتِقُهَا وَإِنْ عَلَتْ، فَدَلِيلُ ذَلِكَ يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَمِمَّا يَأْتِي، وَمَا عَدَا الْمَذْكُورِينَ فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَيَأْتِي حُكْمُهُمْ. (وَالْوَارِثُ ثَلَاثَةُ) أَصْنَافٍ: (ذُو فَرْضٍ) ؛ أَيْ: نَصِيبٍ (وَعَصَبَةٍ) يَرِثُونَ بِلَا تَقْدِيرٍ (وَ) ذُو (رَحِمٍ) يَرِثُونَ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ، وَأَصْحَابُ الْفُرُوضِ غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ. (وَمَتَى اجْتَمَعَ كُلُّ الذُّكُورِ) الْمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِمْ (وَرِثَ) مِنْهُمْ (ابْنٌ وَأَبٌ وَزَوْجٌ) فَقَطْ (وَ) مَتَى اجْتَمَعَ (كُلُّ الْإِنَاثِ وَرِثَ) مِنْهُنَّ (بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأُمٌّ وَزَوْجَةٌ وَشَقِيقَةٌ) ، وَمُمْكِنٌ الْجَمْعُ مِنْ الصِّنْفَيْنِ، وَيَرِثُ مِنْهُمْ أَبَوَانِ وَوَلَدَانِ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 (فَرْعٌ: اسْمُ) الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ (الْأَشِقَّاءِ بَنِي الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ عَيْنٍ) وَاحِدَةٍ، (وَ) اسْمُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ إذَا كَانُوا (لِلْأَبِ) فَقَطْ (بَنِي الْعَلَّاتِ) جَمْعُ عَلَّةٍ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (أَيْ: الضَّرَّاتِ) وَبَنُو الْعَلَّاتِ بَنُو أُمَّهَاتٍ شَتَّى مِنْ رَجُلٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَزَوَّجُهَا عَلَى أُولَى، كَانَ قَدْ تَأَهَّلَ قَبْلَهَا، ثُمَّ عَلَّ مِنْ هَذِهِ، (وَ) اسْمُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ (لِلْأُمِّ بَنِي الْأَخْيَافِ) - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ تَلِيهَا يَاءٌ تَحْتِيَّةٌ مُثَنَّاةٌ - سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَخْيَافَ الْأَخْلَاطُ، فَهُمْ مِنْ أَخْلَاطِ الرِّجَالِ لَيْسُوا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ. (وَالْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْوَرَثَةِ مَا عَدَا الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ نَصًّا) وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: الْكَلَالَةُ مَنْ عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ، وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ. وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمَجْدِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ ... عَنْ ابْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْإِكْلِيلِ الَّذِي يُحِيطُ بِالرَّأْسِ، وَلَا يَعْلُو عَلَيْهِ، فَكَأَنَّ الْوَرَثَةَ مَا عَدَا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ قَدْ أَحَاطُوا بِالْمَيِّتِ مِنْ حَوْلِهِ، لَا مِنْ طَرَفَيْهِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ كَإِحَاطَةِ الْإِكْلِيلِ بِالرَّأْسِ، فَأَمَّا الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ فَهُمَا طَرَفَا الرَّجُلِ، فَإِذَا ذَهَبَا كَانَ بَقِيَّةُ النَّسَبِ كَلَالَةً. قَالَ الشَّاعِرُ: فَكَيْف بِأَطْرَافِي إذَا مَا شَتَمَتْنِي ... وَمَا بَعْدَ شَتْمِ الْوَالِدَيْنِ صُلُوحُ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) أَنَّ الْكَلَالَةَ (اسْمٌ لِلْمَيِّتِ نَفْسِهِ؛ أَيْ: الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَقِيلَ: الْكَلَالَةُ: قَرَابَةُ الْأُمِّ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّهُ عَنَى أَنَّكُمْ وَرِثْتُمْ الْمُلْكَ عَنْ آبَائِكُمْ، لَا عَنْ أُمَّهَاتِكُمْ. وَيُرْوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْمَيِّتُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ كَلَالَةٌ، وَيُسَمَّى وَارِثُهُ كَلَالَةً، وَالْآيَتَانِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْمُرَادُ بِالْكَلَالَةِ فِيهِمَا الْمَيِّتُ (وَلَا خِلَافَ فِي إطْلَاقِهِ) ؛ أَيْ: اسْمِ الْكَلَالَةِ (عَلَى الْإِخْوَةِ مِنْ الْجِهَاتِ كُلِّهَا) وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُ جَابِرٍ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ الْمِيرَاثُ؟ إنَّمَا يَرِثُنِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 كَلَالَةٌ، فَجَعَلَ الْوَارِثَ هُوَ الْكَلَالَةُ» ، وَلَمْ يَكُنْ لِجَابِرٍ يَوْمئِذٍ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْكَلَالَةِ عَدَمُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ: زَيْدٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالنَّخَعِيِّ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ، وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْكَلَالَةُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَالصَّحِيحُ عَنْهُمَا كَقَوْلِ الْجَمَاعَةِ. [بَابُ الْفُرُوضِ] ِ الْفُرُوضُ جَمْعُ فَرْضٍ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْجُزْءُ وَالْقَطْعُ وَالتَّقْدِيرُ. وَفِي الْعُرْفِ: النَّصِيبُ الْمُقَدَّرُ شَرْعًا لِوَارِثٍ خَاصٍّ، لَا يُزَادُ إلَّا بِالرَّدِّ؛ وَلَا يَنْقُصُ إلَّا بِالْعَوْلِ وَقَوْلُهُ (وَذَوِيهَا) ؛ أَيْ: ذَوِي الْأَنْصِبَاءِ الْمُقَدَّرَةِ - وَلَوْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ - كَالْأَبِ مَعَ ذُكُورِيَّةِ الْوَلَدِ، وَإِنْ سَفَلَ؛ فَإِنَّ إرْثَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَفْرُوضٌ، وَهُوَ السُّدُسُ فَقَطْ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي. (وَهُمْ) ؛ أَيْ: ذُو الْفُرُوضِ (كُلُّ الْإِنَاثِ) الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُنَّ (إلَّا الْمُعْتِقَةَ) فَإِنَّهَا عَصَبَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) ذَوُو الْفُرُوضِ مِنْ الذُّكُورِ (الْأَبُ) الْمُبَاشِرُ لِلْوِلَادَةِ (وَالْجَدُّ) لِأَبٍ (وَالزَّوْجُ وَالْأَخُ لِلْأُمِّ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. (وَالْفُرُوضُ) الْقُرْآنِيَّةُ (سِتٌّ: نِصْفٌ وَرُبُعٌ وَثُمُنٌ وَثُلُثَانِ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ) وَإِنْ شِئْت قُلْت: النِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَنِصْفُ نِصْفِهِمَا، أَوْ الثُّمُنُ وَالسُّدُسُ وَضِعْفُهُمَا وَضِعْفُ ضِعْفِهِمَا، أَوْ الرُّبُعُ وَالثُّلُثُ وَضِعْفُ كُلٍّ وَنِصْفُ كُلٍّ، وَثُلُثُ الْبَاقِي. ثَبَتَ بِاجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (فَالنِّصْفُ لِخَمْسٍ: لِزَوْجٍ حَيْثُ لَا فَرْعَ وَارِثَ لِزَوْجَةٍ) بِالْإِجْمَاعِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] ، (وَلِبِنْتٍ) عِنْدَ انْفِرَادِهَا عَمَّنْ يُعَصِّبُهَا وَهُوَ أَخُوهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] (وَبِنْتُ ابْنٍ مَعَ عَدَمِ وَلَدِ صُلْبٍ) وَعَدَمِ مُعَصِّبٍ لَهَا، كَأَخٍ أَوْ ابْنِ عَمٍّ إجْمَاعًا قِيَاسًا عَلَى بِنْتِ الصُّلْبِ (وَلِأُخْتٍ شَقِيقَةٍ مَعَ عَدَمِ فَرْعٍ وَارِثٍ) وَعَدَمِ مُعَصِّبٍ لَهَا مِنْ أَخٍ شَقِيقٍ أَوْ جَدٍّ (وَلِأُخْتٍ لِأَبٍ مَعَ عَدَمِ الْأَشِقَّاءِ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَعَدَمِ مُعَصِّبٍ لَهَا مِنْ أَخٍ لِأَبٍ أَوْ جَدٍّ، وَعَدَمِ فَرْعٍ وَارِثٍ. (وَالرُّبُعُ لِاثْنَيْنِ: لِزَوْجٍ مَعَ فَرْعٍ وَارِثٍ لَهَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَوَلَدُ بَنِيهَا كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] . (وَ) الرُّبُعُ (لِزَوْجَةٍ فَأَكْثَرَ مَعَ عَدَمِهِ) ؛ أَيْ: الْفَرْعِ الْوَارِثِ (لَهُ) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، مِنْ الزَّوْجَةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء: 12] (وَ) إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ (مَعَهُ) ؛ أَيْ: مَعَ وَلَدِ الزَّوْجِ أَوْ وَلَدِ بَنِيهِ (فَ) لَهَا (الثُّمُنُ) إجْمَاعًا. (وَالثُّلُثَانِ لِأَرْبَعَةٍ: لِذَوَاتِ النِّصْفِ) وَهُوَ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ فَ (إذَا تَعَدَّدَتْ) ؛ أَيْ: ذَوَاتُ النِّصْفِ؛ بِأَنْ كُنَّ ثِنْتَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ حُزْنَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ النِّصْفَ؛ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] فَمُنْكَرٌ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ، وَاَلَّذِي صَحَّ عَنْهُ مُوَافَقَةُ النَّاسِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَدَلِيلُ الْإِجْمَاعِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثِّنْتَيْنِ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] وَفِي الْبِنْتَيْنِ الْقِيَاسُ عَلَى الْأُخْتَيْنِ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ شُبْهَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنْ صَحَّتْ عَنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 فَائِدَةٌ: لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْمُعَصِّبِ فِي إرْثِ هَؤُلَاءِ الْإِنَاثِ الثُّلُثَيْنِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْأَوْلَادِ فِي إرْثِ بَنَاتِ الِابْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَفِي إرْثِ الْأَخَوَاتِ كَذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْأَشِقَّاءِ فِي إرْثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ الثُّلُثَيْنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ، وَضَابِطُ أَصْحَابِ الثُّلُثَيْنِ أَنْ تَقُولَ: الثُّلُثَانِ فَرْضُ اثْنَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِمَّنْ يَرِثُ النِّصْفَ، وَهِيَ عِبَارَةُ ابْنِ الْهَائِمِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ اثْنَتَيْنِ الزَّوْجُ، وَبِقَوْلِهِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ مِثْلُ بِنْتٍ وَأُخْتٍ لِغَيْرِ أُمٍّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ صِنْفَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الثُّلُثَانِ. (وَالثُّلُثُ لِثَلَاثَةِ: لِوَلَدَيْ الْأُمِّ فَأَكْثَرَ يَسْتَوِي فِيهِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] (وَلِلْجَدِّ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ) مَعَ الْإِخْوَةِ، وَقَدْ يَرِثُ ثُلُثَ الْبَاقِي فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ مَعَهُمْ، وَيَأْتِي فِي بَابِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ (وَلِلْأُمِّ حَيْثُ لَا فَرْعٌ وَارِثٌ لِمَيِّتٍ) مِنْ وَلَدٍ أَوْ وَالِدٍ (وَلَا جَمْعٌ مِنْ إخْوَةٍ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (أَوْ أَخَوَاتٍ) أَوْ خَنَاثَى، وَلَا فَرْقَ فِي الْإِخْوَةِ بَيْنَ كَوْنِهِمْ أَشِقَّاءً أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ أَوْ مُخْتَلِفِينَ، وَلَا بَيْنَ كَوْنِهِمْ وَارِثِينَ أَوْ مَحْجُوبِينَ أَوْ بَعْضِهِمْ حَجْبَ شَخْصٍ، بِخِلَافِ الْمَحْجُوبِ بِالْوَصْفِ مِنْ الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ؛ فَإِنَّ وُجُودَهُ كَالْعَدَمِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] مَعَ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُثْمَانَ: لَيْسَ الْأَخَوَانِ إخْوَةً فِي لِسَانِ قَوْمِك، فَلِمَ تَحْجُبُ بِهِمَا الْأُمَّ، فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا كَانَ قَبْلِي، وَمَضَى فِي الْبُلْدَانِ، وَتَوَارَثَ النَّاسُ بِهِ، وَهَذَا مِنْ عُثْمَانَ يَدُلُّ عَلَى اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ مُخَالَفَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هُنَا لَفْظُ الْإِخْوَةِ يَتَنَاوَلُ الْأَخَوَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْجَمْعِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ مِنْ غَيْرِ كَمِّيَّةٍ (لَكِنْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ أَبٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 وَأُمٌّ وَزَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ) وَهُمَا الْعُمَرِيَّتَانِ لِقَضَاءِ عُمَرَ بِهِمَا، وَالْغَرَاوَانِ لِشُهْرَتِهِمَا (كَانَ لَهَا) ؛ أَيْ: الْأُمِّ (ثُلُثُ الْبَاقِي) بَعْدَ الزَّوْجَيْنِ، قَضَى بِذَلِكَ عُمَرَ، فَتَبِعَهُ عَلَيْهِ عُثْمَانُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَهَا ثُلُثُ الْمَالِ كُلِّهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَالْحُجَّةُ مَعَهُ لَوْلَا انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي النَّسَبِ الْمُدْلِي بِهَا وَهُوَ الْوِلَادَةُ، وَامْتَازَ الْأَبُ بِالتَّعْصِيبِ، بِخِلَافِ الْجَدِّ، فَلَوْ أَعْطَيْنَا الزَّوْجَ فَرْضَهُ، وَأَخَذَتْ الْأُمُّ الثُّلُثَ؛ لَزِمَ تَفْضِيلُ أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ مِنْ حَيِّزٍ وَاحِدٍ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ أَعْطَيْنَا الزَّوْجَةَ فَرْضَهَا وَالْأُمَّ الثُّلُثَ كَامِلًا؛ لَزِمَ أَنْ لَا يُفَضَّلَ عَلَيْهَا التَّفْضِيلَ الْمَعْهُودَ مَعَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَالرُّتْبَةِ؛ فَلِذَلِكَ اسْتَدْرَكُوا هَذَا الْمَحْذُورَ، وَأَعْطَوْا الْأُمَّ ثُلُثَ الْبَاقِي وَالْأَبَ ثُلُثَيْهِ؛ مُرَاعَاةً لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَالَفَ الصَّحَابَةَ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ اُشْتُهِرَ قَوْلُهُ فِيهَا: إحْدَاهَا: زَوْجٌ وَأَبَوَانِ، وَالثَّانِيَةُ امْرَأَةٌ وَأَبَوَانِ، لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي عِنْدَهُمْ، وَجَعَلَ هُوَ لَهَا ثُلُثَ الْمَالِ مِنْهُمَا. الثَّالِثَةُ لَا يَحْجُبُ الْأُمَّ إلَّا بِثَلَاثَةِ إخْوَةٍ. الرَّابِعَةُ لَمْ يَجْعَلْ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً. الْخَامِسَةُ لَمْ يُعِلْ الْمَسَائِلَ، وَهَذِهِ الْخَمْسُ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِيهَا، وَاشْتُهِرَ الْقَوْلُ عَنْهُ بِهَا (وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا) ؛ أَيْ: الْأُمِّ (أَبٌ لِكَوْنِهِ وَلَدَ زِنًا أَوْ) لِكَوْنِهِ (مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ أَوْ) لِكَوْنِهَا (ادَّعَتْهُ) أَنَّهُ وَلَدُهَا (وَأُلْحِقَ بِهَا) وَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ دُونَ زَوْجِهَا الْجَاحِدِ لَهُ (فَمُنْقَطِعٌ تَعْصِيبُهُ) ؛ أَيْ: الْوَلَدِ (مِمَّنْ نَفَاهُ) بِلِعَانٍ (وَنَحْوِهِ) كَجَحْدِ زَوْجِ الْمُقِرَّةِ بِهِ (فَلَا يَرِثُهُ) النَّافِي (وَلَا) يَرِثُهُ (أَحَدٌ مِنْ عَصَبَاتِهِ) لِانْقِطَاعِ السَّبَبِ وَهُوَ النَّسَبُ، وَكَذَا الزَّانِي وَعَصَبَتُهُ لَا يَرِثُونَ وَلَدَ الزِّنَا، وَكَذَا زَوْجُ الْمُقِرَّةِ وَعَصَبَتُهُ لَا يَرِثُونَ مَنْ أَقَرَّتْ بِهِ إنْ لَمْ يُصَدِّقُوهَا؛ لِانْقِطَاعِ نَسَبِهِ (وَلَوْ) كَانَ (التَّعْصِيبُ بِإِخْوَةٍ مِنْ أُمٍّ إذَا وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ) مِنْ زِنًا أَوْ زَوْجٍ (وَنُفِيَا) ؛ أَيْ: نَفَاهُمَا الزَّوْجُ بِلِعَانٍ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ بِأُخُوَّتِهِ لِأَبِيهِ، وَلَا يَحْجُبُ تَوْأَمُهُ أَحَدًا مِمَّنْ يَحْجُبُهُ الْأَخُ لِأَبٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 نَسَبُ أُبُوَّةٍ (وَتَرِثُ أُمُّهُ) ؛ أَيْ: أُمُّ مَنْ لَا أَبَ لَهُ مِنْهُ فَرْضَهَا (وَ) يَرِثُ (ذُو فَرْضٍ مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ وَلَدِ زِنًا وَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ وَنَحْوِهِ (فَرْضَهُ) كَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ لَا أَبَ لَهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي مَنْعِ ذِي فَرْضٍ مِنْ فَرْضِهِ (وَعَصَبَتِهِ) ؛ أَيْ: عَصَبَةِ مَنْ لَا أَبَ لَهُ شَرْعًا (بَعْدَ ابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ عَصَبَةُ أُمِّهِ، لَا هِيَ) ؛ أَيْ: لَا أُمُّهُ عَصَبَتُهُ، سَوَاءٌ وُجِدَ وَارِثٌ غَيْرُهَا أَوْ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ مِنْ ذَوَاتِ الْفُرُوضِ، وَكَوْنُ عَصَبَتِهِ عَصَبَةَ أُمِّهِ. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، إلَّا أَنَّ عَلِيًّا يَجْعَلُ ذُو السَّهْمِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَحَقُّ مِمَّنْ لَا سَهْمَ لَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعُصُوبَةُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَبَقِيَ أَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ أَقَارِبُ أُمِّهِ، فَيَكُونُ مِيرَاثُهُ بَعْدَ أَخْذِ ذَوِي الْفُرُوضِ فَرْضَهُمْ لَهُ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ: «فَجَرَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَرِثَهَا، وَأَنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ لَهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تَرِثُ أَكْثَرَ مِنْ فَرْضِهَا، فَيَبْقَى الْبَاقِي لِذَوِي قَرَابَتِهِ، وَهُمْ قَرَابَتُهُ، وَعَلَى هَذَا إنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَوْلَاةً، فَمَا بَقِيَ لِمَوْلَاهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأُمِّهِ عَصَبَةٌ؛ فَلَهَا الثُّلُثُ فَرْضًا، وَالْبَاقِي رَدًّا فِي قَوْلِ عَلِيٍّ وَسَائِرِ مَنْ يَرَى الرَّدَّ (فِي إرْثٍ) فَقَطْ، كَقَوْلِنَا فِي الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ (لَا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ) فَلَا يُزَوِّجُونَهُ، وَلَا فِي وِلَايَةِ مَالِهِ، (وَ) لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فِي (عَقْلٍ) فَلَا يَعْقِلُونَ عَنْهُ، كَمَا لَوْ عَلِمَ أَبُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّعْصِيبِ فِي الْمِيرَاثِ التَّعْصِيبُ فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ (وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ) ؛ أَيْ: الْبَاقِي بَعْدَ الْفُرُوضِ إنْ كَانَتْ (لِأَقْرَبِهِمْ) ؛ أَيْ: الْعَصَبَةِ مِنْ الْأُمِّ (فَأُمٍّ وَخَالٍ) لِمَنْ مَاتَ وَلَا أَبَ لَهُ وَ (لَهُ) ؛ أَيْ: الْخَالِ (الْبَاقِي بَعْدَ) أَخْذِ الْأُمِّ (الثُّلُثَ) لِأَنَّ الْخَالَ عَصَبَةُ الْأُمِّ (وَ) إنْ كَانَ (مَعَهُمَا) ؛ أَيْ: الْأُمِّ وَالْخَالِ وَ (لِلْأَخِ لِأُمٍّ) السُّدُسُ فَرْضًا وَالْبَاقِي تَعْصِيبًا، وَيَسْقُطُ الْخَالُ؛ لِأَنَّ أَخَ الْمَيِّتِ لِأُمِّهِ أَقْرَبُ مِنْ الْخَالِ، فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ (أَوْ) كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 مَعَ الْأُمِّ وَالْخَالِ (ابْنُهُ) ؛ أَيْ: ابْنُ الْأَخِ لِأُمٍّ - وَإِنْ نَزَلَ - فَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَ (لَهُ) ؛ أَيْ: ابْنِ الْأَخِ لِأُمٍّ (السُّدُسُ فَرْضًا وَالْبَاقِي تَعْصِيبًا؛ لِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: ابْنَ الْأَخِ لِأُمٍّ (أَقْرَبُ مِنْ الْخَالِ) فَيَسْقُطُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَكَذَا لَا شَيْءَ لِلْخَالِ مَعَ أَبِي أُمٍّ، وَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَ أُمِّ جَدِّهَا وَأَخُوهَا؛ فَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ وَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ إلَّا أَخًا لِأُمٍّ؛ فَالْكُلُّ لَهُ، أَوْ لَمْ يُخَلِّفْ إلَّا خَالَةً وَخَالًا وَمَوْلَى أُمٍّ؛ فَالْكُلُّ لِلْخَالِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ (وَيَرِثُ) مِنْهُ (أَخُوهُ لِأُمِّهِ مَعَ بِنْتِهِ) بِالْعُصُوبَةِ فَقَطْ (النِّصْفَ تَعْصِيبًا) فَإِذَا مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ؛ فَلِبِنْتِهِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِأَخِيهِ لِأُمِّهِ عُصُوبَةً، وَلَا شَيْءَ لَهُ بِالْفَرْضِ؛ لِسُقُوطِهِ بِالْبِنْتِ، وَ (لَا) تَرِثُ مِنْهُ (أُخْتُهُ لِأُمِّهِ) مَعَ بِنْتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا تَحْجُبُهَا عَنْ الْفَرْضِ، وَلَا عُصُوبَةَ لَهَا، فَإِذَا خَلَّفَ مَنْ لَا أَبَ لَهُ بِنْتًا وَأُخْتًا لِأُمٍّ؛ فَلِبِنْتِهِ النِّصْفُ فَرْضًا وَالْبَاقِي لِلْأَخِ تَعْصِيبًا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عَصَبَةِ أُمِّهِ، وَبِدُونِ الْبِنْتِ لَهُمَا الثُّلُثُ فَرْضًا وَرَدًّا وَالْبَاقِي لِلْأَخِ عُصُوبَةً، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَصَبَةِ الْأُمِّ الْعَصَبَةُ بِالنَّفْسِ لَا بِالْغَيْرِ، وَإِنْ خَلَّفَ أُخْتًا وَابْنَ أَخٍ فَلِأُخْتِهِ السُّدُسُ، وَلِابْنِ أَخِيهِ الْبَاقِي. وَإِنْ خَلَّفَ بِنْتًا وَبِنْتَ ابْنٍ وَمَوْلَى أُمِّهِ؛ فَالْبَاقِي لَهُ بَعْدَ فَرْضِهِمَا وَمَعَهُمَا أُمٌّ لَهَا السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِمَوْلَاهَا، وَإِنْ خَلَّفَ زَوْجَةً وَجَدَّةً وَأُخْتَيْنِ وَابْنَ أَخٍ؛ فَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي لِابْنِ الْأَخِ. وَإِنْ خَلَّفَ بِنْتًا وَأَبًا أُمٍّ وَابْنَ أَخٍ وَبِنْتَ أَخٍ؛ فَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الْبِنْتِ لِابْنِ الْأَخِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى عُصُوبَةً، وَإِلَّا يُخَلِّفْ إلَّا ذَا رَحِمٍ فَكَغَيْرِهِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى مَا يَأْتِي (وَإِنْ مَاتَ ابْنُ ابْنِ مُلَاعَنَةٍ وَخَلَّفَ أُمَّهُ وَجَدَّتَهُ أُمَّ أَبِيهِ الْمُلَاعَنَةِ) وَلَا عَصَبَةَ (فَالْكُلُّ لِأُمِّهِ فَرْضًا وَرَدًّا) لِأَنَّ الْجَدَّةَ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ، وَإِنْ خَلَّفَ جَدَّتَيْهِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا فَرْضًا وَرَدًّا، وَإِنْ خَلَّفَ أُمَّ أُمِّهِ وَخَالَ أَبِيهِ؛ فَلِأُمِّ أُمِّهِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِخَالِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ أَبِيهِ، وَإِنْ خَلَّفَ خَالًا وَعَمًّا وَخَالَ أَبٍ وَأَبَا أُمِّ أَبٍ؛ فَالْكُلُّ لِلْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَمٌّ فَهُوَ لِأَبِي أُمِّ الْأَبِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 لِأَنَّهُ أَبُوهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ لِخَالِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ أَخُوهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْخَالِ؛ لِأَنَّهُ ذُو رَحِمِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ مَاتَ ابْنُ ابْنِ مُلَاعَنَةٍ عَنْ عَمِّهِ وَعَمِّ أَبِيهِ؛ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِعَمِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ، وَإِنْ خَلَّفَ خَالَهُ وَخَالَ أَبِيهِ وَخَالَ جَدِّهِ؛ فَالْمَالُ لِخَالِ جَدِّهِ أَخِي الْمُلَاعَنَةِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ أَبِي أَبِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَالُ جَدٍّ؛ فَالْمَالُ لِخَالِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ دُونَ خَالِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ جَدَّتِهِ، وَالْأُمُّ تَحْجُبُ الْجَدَّةَ (وَإِذَا) قُسِمَ مِيرَاثُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ، ثُمَّ (كَذَّبَ مُلَاعِنٌ نَفْسَهُ، لَحِقَهُ الْوَلَدُ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا تَوْأَمٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَيْهِ، وَلَا نَظَرَ لِلتُّهْمَةِ (وَنُقِضَتْ الْقِسْمَةُ) كَمَا لَوْ اقْتَسَمُوهُ فِي غَيْبَةِ بَعْضِهِمْ. تَتِمَّةٌ: إذَا تَمَّ اللِّعَانُ انْقَطَعَ التَّوَارُثُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبُهُ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ إتْمَامِهِ وَرِثَهُ الْآخَرُ؛ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ إلَى الْمَوْتِ، وَعَدَمِ الْمَانِعِ [فَصْلٌ السُّدُسُ فرض سَبْعَةٍ] (فَصْلٌ: وَالسُّدُسُ لِسَبْعَةٍ: لِأُمٍّ مَعَ فَرْعٍ وَارِثٍ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا، وَمَعَ وَلَدِ الِابْنِ كَذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] (أَوْ) ؛ أَيْ: وَمَعَ (جَمْعِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (مَعَ إخْوَةٍ أَوْ) جَمْعِ ثِنْتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ (أَخَوَاتٍ) أَوْ خَنَاثَى كَامِلِي الْحُرِّيَّةِ، وَمَعَ نَقْصِ الْحُرِّيَّةِ بِالْحِسَابِ، فَإِنْ خَلَّفَ أَخَوَيْنِ نِصْفَ كُلِّ حُرٍّ؛ فَالسُّدُسُ ثَابِتٌ لِلْأُمِّ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْحَجْبُ فِي السُّدُسِ الْوَاحِدِ، فَنَقُولُ: لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ كَانَ لَهَا سُدُسُهَا الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَا رَقِيقَيْنِ كَانَ لَهَا السُّدُسُ الثَّانِي، فَمَعَ رِقِّ نِصْفِهِمَا يَكُونُ لَهَا نِصْفُ هَذَا السُّدُسِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْحَجْبُ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ نَقُولَ: إذَا كَانَ نِصْفُهُمَا حُرًّا فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ أَخٍ وَاحِدٍ فَلَهَا ثُلُثٌ؛ لِأَنَّ الْأَخَ الْوَاحِدَ لَا يَحْجُبُهَا إلَى السُّدُسِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا إلْغَاءُ قَوْلِهِمْ: الْمُبَعَّضُ يَرِثُ، وَيَحْجُبُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا حَجْبَ؛ لِأَنَّ هَذَا السُّدُسَ الَّذِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 553 فِي يَدِهَا ثَابِتٌ لَهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] (وَ) السُّدُسُ أَيْضًا (لِوَاحِدٍ مِنْ وَلَدِهَا) ؛ أَيْ: الْأُمِّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَ) هُوَ أَيْضًا (لِبِنْتِ ابْنٍ فَأَكْثَرَ مَعَ بِنْتٍ) وَاحِدَةٍ مِنْ (صُلْبٍ) وَكَذَا بِنْتُ ابْنِ نَازِلَةٍ فَأَكْثَرَ مَعَ بِنْتِ ابْنِ وَاحِدَةٍ أَعْلَى مِنْهَا (وَ) هُوَ أَيْضًا (لِأُخْتٍ لِأَبٍ فَأَكْثَرَ مَعَ) أُخْتٍ وَاحِدَةٍ (شَقِيقَةٍ، وَ) هُوَ أَيْضًا (لِأَبٍ) مَعَ فَرْعٍ وَارِثٍ (أَوْ جَدٍّ مَعَ فَرْعٍ وَارِثٍ) وَكَذَا فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَسَتَأْتِي (وَ) هُوَ أَيْضًا (لِجَدَّةٍ فَأَكْثَرَ) سَوَاءٌ كَانَتْ (مَعَهُ) ؛ أَيْ: الْفَرْعِ الْوَارِثِ (أَوْ لَا) يَكُنْ فَرْعٌ وَارِثٌ أَصْلًا (مَعَ تَسَاوٍ) ؛ أَيْ: تَسَاوِي الْجَدَّاتِ فِي الْقُرْبِ أَوْ الْبُعْدِ مِنْ الْمَيِّتِ؛ لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى لِلْجَدَّتَيْنِ مِنْ الْمِيرَاثِ بِالسُّدُسِ بَيْنَهُمَا» . رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ (وَتُحْجَبُ قُرْبَى) مِنْ الْجَدَّاتِ (بُعْدَى) مِنْهُنَّ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتَا [مِنْ] جِهَةٍ أَوْ مِنْ جِهَتَيْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَالْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ إجْمَاعًا أَوْ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّهَا جَدَّةُ قُرْبَى، فَتَحْجُبُ الْبُعْدَيْ كَاَلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ؛ وَلِأَنَّ الْجَدَّاتِ أُمَّهَاتٌ يَرِثْنَ مِيرَاثًا وَاحِدًا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا اجْتَمَعْنَ فَالْمِيرَاثُ لِأَقْرَبِهِنَّ كَالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَةِ وَالْبَنَاتِ (وَلَا يَرِثُ) مِنْ الْجَدَّاتِ (أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثٍ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَيَتَّجِهُ) الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثِ جَدَّاتٍ (فِي غَيْرِ لُحُوقٍ) مُوَرِّثٍ (بِجَمْعٍ) مِنْ الرِّجَالِ، أَمَّا إذَا أَلْحَقَتْ الْقَافَةُ شَخْصًا مَجْهُولَ النَّسَبِ بِعَدَدٍ مِنْ الرِّجَالِ، ثُمَّ مَاتَ فَتَرِثُهُ جَمِيعُ جَدَّاتِهِ لِآبَائِهِ مَعَ أُمِّ أُمِّهِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ؛ وَرِثَتْ مَعَ أُمِّ أُمِّهِ وَأُمِّ أَبِي أَبِيهِ، وَالثَّلَاثُ جَدَّاتٍ الْمَذْكُورَاتِ هُنَّ: (أُمُّ أُمٍّ، وَأُمُّ أَبٍ، وَأُمُّ أَبِي أَبٍ) فَقَطْ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أُمَّهَاتِهِنَّ (وَإِنْ عَلَوْنَ أُمُومَةً) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 554 وَابْنِ مَسْعُودٍ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ، ثِنْتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ» ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَرَوَى سَعِيدٌ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوَرِّثُونَ مِنْ الْجَدَّاتِ ثَلَاثًا، ثِنْتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْدِيدِ بِثَلَاثٍ، وَأَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ مَنْ فَوْقَهَا (فَلَا مِيرَاثَ لِأُمِّ أَبِي أُمِّ أَبٍ) لَا لِكُلِّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَبٍ بَيْنَ أُمَّيْنِ (وَلَا لِأُمِّ أَبِي جَدٍّ) لِأَنَّ الْقَرَابَةَ كُلَّمَا بَعُدَتْ ضَعُفَتْ، وَالْجُدُودَةُ جِهَةٌ ضَعِيفَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْقَرَابَاتِ، وَلِذَلِكَ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فُرُوضَ الْوَرَثَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَدَّاتِ، فَإِذَا بَعُدْنَ زِدْنَ ضَعْفًا، فَيَكُونُ مَنْ عَدَاهُنَّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَ) الْجَدَّاتُ (الْمُتَحَاذِيَاتُ) ؛ أَيْ: الْمُتَسَاوِيَاتُ فِي الدَّرَجَةِ (أُمُّ أُمِّ أُمٍّ، وَ) أُمُّ (أُمِّ أَبٍ، وَأُمُّ أَبِي أَبٍ) وَكَذَا أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ، وَأُمُّ أُمِّ أُمِّ أَبٍ، وَأُمُّ أُمِّ أَبِي أَبٍ، وَإِنْ أَرَدْت تَنْزِيلَ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ وَغَيْرِهِنَّ فَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَيِّتِ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى جَدَّةً بَيْنَ أُمِّ أُمِّهِ وَأُمِّ أَبِيهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ جَدَّةً، فَهُمَا أَرْبَعَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ ثَمَانٍ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْ وَلَدَيْهِ أَرْبَعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَيَكُونُ لِوَلَدِهِمَا ثَمَانٍ، وَعَلَى هَذَا كُلَّمَا عَلَوْنَ دَرَجَةً يُضَاعَفُ عَدَدُهُنَّ، وَلَا يَرِثُ مِنْهُنَّ إلَّا ثَلَاثٌ. (وَ) لِجَدَّةٍ (ذَاتِ قَرَابَتَيْنِ مَعَ) جَدَّةٍ (ذَاتِ قَرَابَةٍ) وَاحِدَةٍ (ثُلُثَا السُّدُسِ، وَلِلْأُخْرَى) ذَاتِ الْقَرَابَةِ الْوَاحِدَةِ (ثُلُثُهُ) ؛ أَيْ: السُّدُسُ؛ لِأَنَّ ذَاتِ الْقَرَابَتَيْنِ شَخْصٌ ذُو قَرَابَتَيْنِ يَرِثُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً لَا يُرَجَّحُ بِهِمَا عَلَى غَيْرِهِ، فَوَجَبَ أَنْ تَرِثَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، كَابْنِ الْعَمِّ إذَا كَانَ أَخًا لِأُمٍّ أَوْ زَوْجًا، وَفَارَقَتْ الْأَخَ لِأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهُ رَجَحَ بِقَرَابَتِهِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ التَّرْجِيحِ بِالْقَرَابَةِ الزَّائِدَةِ وَالتَّوْرِيثِ بِهَا، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْآخَرُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخِلَّ بِهِمَا جَمِيعًا، وَهَاهُنَا قَدْ انْتَفَى التَّرْجِيحُ بِالْقَرَابَةِ الزَّائِدَةِ؛ فَيَثْبُتُ التَّوْرِيثُ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ؛ فَإِنَّهُمَا قَالَا: السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، (فَلَوْ تَزَوَّجَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 555 بِنْتَ عَمَّتِهِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَجَدَّتُهُ) ؛ أَيْ: الْمُتَزَوِّجِ لِأَبِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَلَدِ الَّذِي وُلِدَ بَيْنَهُمَا (أُمّ أُمُّ أُمِّهِ) ؛ أَيْ: وَلَدِهِمَا (وَأُمُّ أَبِي أَبِيهِ) فَتَرِثُ مَعَهَا أُمُّ أُمِّ أَبِيهِ ثُلُثَ السُّدُسِ، (وَ) إنْ تَزَوَّجَ (بِنْتَ خَالَتِهِ) فَأَتَتْ بِوَلَدٍ (فَجَدَّتُهُ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَلَدِ (أُمُّ أُمِّ أُمٍّ، وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ) فَتَرِثُ أُمُّ أَبِي أَبِيهِ مَعَهَا ثُلُثَ السُّدُسِ (وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَرِثَ جَدَّةٌ لِجِهَةٍ) وَاحِدَةٍ (مَعَ) جَدَّةٍ (ذَاتِ ثَلَاثِ) جِهَاتٍ (فَلَوْ تَزَوَّجَ هَذَا الْوَلَدُ بِنْتَ خَالَةٍ لَهُ، فَالْجَدَّةُ الْمَذْكُورَةُ) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ (أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ، وَأُمُّ أُمِّ [أُمِّ] أَبٍ، وَ [أُمُّ] أُمِّ أَبِي أَبٍ) فَهَذِهِ الْجَدَّةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ يَنْحَصِرُ السُّدُسُ فِيهَا؛ لِأَنَّا لَا نُوَرِّثُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ جَدَّاتٍ. [فَرْعٌ حَالَاتُ الْأَبِ وَالْجَدِّ] (فَرْعٌ: لِلْأَبِ وَالْجَدِّ ثَلَاثُ حَالَاتٍ) الْأُولَى أَنَّهُمَا (يَرِثَانِ بِتَعْصِيبٍ فَقَطْ مَعَ عَدَمِ فَرْعٍ وَارِثٍ) كَوَلَدٍ وَوَلَدِ ابْنٍ، (وَ) الثَّانِيَةُ أَنَّهُمَا يَرِثَانِ (بِفَرْضٍ فَقَطْ مَعَ ذُكُورِيَّتِهِ) ؛ أَيْ: الْفَرْعِ الْوَارِثِ كَالِابْنِ وَإِنْ نَزَلَ، (وَ) الثَّالِثَةُ أَنَّهُمَا يَرِثَانِ (بِفَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ مَعَ أُنُوثَتِهِ) ؛ أَيْ: الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْعَصَبَاتِ] (بَابُ الْعَصَبَاتِ) الْعَصَبَاتُ: جَمْعُ عَصَبَةٍ، وَهُوَ جَمْعُ عَاصِبٍ مِنْ الْعَصَبِ، وَهُوَ الشَّدُّ، وَمِنْ عِصَابَةِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ يُعَصَّبُ بِهَا؛ أَيْ: يَشُدُّ، وَالْعَصَبُ؛ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْأَعْضَاءَ، وَعِصَابَةُ الْقَوْمِ لِاشْتِدَادِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَهَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ؛ أَيْ: شَدِيدٌ، فَسُمِّيَتْ الْقَرَابَةُ عَصَبَةً؛ لِشِدَّةِ الْأَزْرِ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ الْوَارِثُ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ، أَوْ مَنْ يَحُوزُ الْمَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ، وَيَأْتِي. وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ كَالْمُعْتِقِ وَكُلُّ ذَكَرٍ نَسِيبٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أُنْثَى كَالِابْنِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 556 وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ كَالْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ، كُلٌّ بِأَخِيهَا. (النِّسَاءُ كُلُّهُنَّ صَاحِبَاتُ فَرْضٍ، وَلَيْسَ فِيهِنَّ) ؛ أَيْ: النِّسَاءِ (عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ إلَّا الْمُعْتِقَةَ) فَإِنَّهَا عَصَبَةٌ بِنَفْسِهَا لِلْعَتِيقِ وَلِمَنْ انْتَمَى إلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْوَلَاءِ. (وَالرِّجَالُ كُلُّهُمْ عَصَبَاتٌ بِأَنْفُسِهِمْ سِوَى زَوْجٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ) فَإِنَّهُمَا صَاحِبَا فَرْضٍ. (وَالْأَخَوَاتُ) الشَّقِيقَاتُ أَوْ لِأَبٍ الْوَاحِدَةُ فَأَكْثَرُ (مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَاتٌ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْأُخْتِ أَخُوهَا، فَإِنْ كَانَ فَهِيَ عَصَبَةٌ بِالْغَيْرِ لَا مَعَ الْغَيْرِ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ صَارَتْ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ عَصَبَةً مَعَ الْغَيْرِ صَارَتْ كَالْأَخِ الشَّقِيقِ، فَتَحْجُبُ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ، ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعَصَبَاتِ، وَحَيْثُ صَارَتْ الْأُخْتُ لِلْأَبِ عَصَبَةً مَعَ الْغَيْرِ صَارَتْ كَالْأَخِ، فَتَحْجُبُ بَنِي الْإِخْوَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعَصَبَاتِ. (وَالْبَنَاتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتُ الشَّقِيقَاتُ أَوْ لِأَبٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَعَ أَخِيهَا عَصَبَةٌ بِهِ، لَهُ) ؛ أَيْ: أَخِيهَا (مَثَلًا مَا لَهَا) ؛ أَيْ: فَتَكُونُ الْأُنْثَى مِنْهُنَّ مَعَ الذَّكَرِ الْمُسَاوِي لَهَا عَصَبَةً بِالْغَيْرِ، وَتَزِيدُ بِنْتُ الِابْنِ عَلَيْهِنَّ بِأَنَّهُ يُعَصِّبُهَا ابْنُ ابْنٍ فِي دَرَجَتِهَا، سَوَاءٌ كَانَ أَخَاهَا أَوْ ابْنَ عَمِّهَا، وَيُعَصِّبُهَا أَيْضًا ابْنُ ابْنٍ أَنْزَلُ مِنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَتَزِيدُ الْأُخْتُ شَقِيقَةً كَانَتْ أَوْ لِأَبٍ بِأَنَّهَا يُعَصِّبُهَا الْجَدُّ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ بِنْتٌ فَأَكْثَرُ مَعَ ابْنٍ فَأَكْثَرَ، الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ بِنْتُ ابْنِ ابْنٍ سَوَاءٌ كَانَ أَخَاهَا أَوْ ابْنَ عَمِّهَا، وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ مَعَ أَخٍ شَقِيقٍ، وَأُخْتٌ لِأَبٍ مَعَ أَخٍ لِأَبٍ فَأَكْثَرَ، فِي الْجَمِيعِ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَابْنُ ابْنٍ فِي دَرَجَتِهَا، سَوَاءٌ كَانَ أَخَاهَا أَوْ ابْنَ عَمِّهَا، لِلْبِنْتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 557 النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ مَعَ ابْنِ الِابْنِ الْبَاقِي، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. بِنْتُ ابْنٍ وَابْنُ ابْنِ ابْنٍ أَنْزَلُ مِنْهَا، لَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لَهُ، فَلَا يُعَصِّبُهَا لِاسْتِغْنَائِهَا بِفَرْضِهَا. بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ فَأَكْثَرُ وَابْنُ ابْنٍ، لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ فَأَكْثَرَ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَالْبَاقِي لِابْنِ ابْنِ الِابْنِ النَّازِلِ، فَلَا يُعَصِّبُهَا؛ لِمَا مَرَّ. بِنْتَا ابْنٍ وَابْنُ ابْنِ ابْنٍ، لَهُمَا الثُّلُثَانِ، وَالْبَاقِي لَهُ؛ لِمَا مَرَّ. بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَبِنْتُ ابْنِ ابْنِ ابْنٍ، وَابْنُ ابْنِ ابْنِ ابْنٍ نَازِلٍ، لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَالْبَاقِي لِبِنْتِ ابْنِ ابْنِ الِابْنِ مَعَ ابْنِ ابْنِ ابْنِ الِابْنِ الْمَذْكُورِ؛ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ. أُخْتٌ شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ مَعَ جَدٍّ، الْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، كَمَا سَيَأْتِي، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] وَقِيَاسُ أَوْلَادِ الِابْنِ عَلَى أَوْلَادِ الصُّلْبِ مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَحُكْمُ الْعَاصِبِ أَخْذِ كُلِّ التَّرِكَةِ) لِأَنَّهُ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ، فَمَتَى لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ أَخَذَ الْمَالَ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ أَخَذَ الْبَاقِيَ، وَاخْتَصَّ التَّعْصِيبُ بِالذُّكُورِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الشِّدَّةِ وَالنُّصْرَةِ، وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ أَحْوَالُهُمْ فِي الشِّدَّةِ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ كَانَ الْأَقْرَبُ أَوْلَى، وَمَتَى أُطْلِقَ الْعَاصِبُ فَالْمُرَادُ الْعَاصِبُ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ (إذَا انْفَرَدَ) أَخَذَ الْمَالَ كُلَّهُ تَعْصِيبًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] وَغَيْرُ الْأَخِ كَالْأَخِ (أَوْ) يَأْخُذُ (مَا أَبْقَتْ الْفُرُوضُ) إنْ كَانَ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ وَاحِدٍ فَأَكْثَرُ؛ لِحَدِيثِ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . (وَإِنْ) اسْتَوْعَبَتْ الْفُرُوضُ الْمَالَ وَ (لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ سَقَطَ) الْعَاصِبُ؛ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا، أَوْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَأَكْثَرَ (وَإِخْوَةٌ لِأَبٍ أَوْ) إخْوَةٌ (لِأَبَوَيْنِ) ذَكَرٌ فَأَكْثَرُ (أَوْ أَخَوَاتٌ) وَاحِدَةٌ فَأَكْثَرُ (لِأَبٍ أَوْ) أَخَوَاتٌ (لِأَبَوَيْنِ مَعَهُنَّ أَخُوهُنَّ وَهُوَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 558 الْمُسَمَّى بِالْأَخِ (الْمَشْئُومِ) لِأَنَّ وُجُودَهُ صَارَ سَبَبًا لِحِرْمَانِ نَفْسِهِ وَأُخْتِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ (لِلزَّوْجِ نِصْفُ) التَّرِكَةِ ثَلَاثَةٌ (وَلِلْأُمِّ سُدُسُ) هَا وَاحِدٌ (وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ ثُلُثُ) هَا اثْنَانِ (وَسَقَطَ سَائِرُهُمْ) أَيْ: بَاقِيهِمْ؛ لِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ التَّرِكَةَ (وَتُسَمَّى) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (مَعَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ) الذَّكَرِ فَأَكْثَرَ، أَوْ الذَّكَرِ مَعَ الْإِنَاثِ (الْمُشَرَّكَةَ) وَكَذَلِكَ كُلُّ مَسْأَلَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا زَوْجٌ وَأُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ وَاثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ وَعَصَبَةٌ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْمُشَرَّكَةَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ شَرَّكَ فِيهَا وَلَدَ الْأَبَوَيْنِ وَوَلَدَ الْأُمِّ فِي فَرْضِ وَلَدِ الْأُمِّ، فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ (وَ) تُسَمَّى (الْحِمَارِيَّةَ) لِأَنَّهُ يُرْوَى أَنَّ عُمَرَ أَسْقَطَ وَلَدَ الْأَبَوَيْنِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: هَبْ أَبَانَا حِمَارًا، أَلَيْسَتْ أُمُّنَا وَاحِدَةً؟ فَشَرَّكَ بَيْنَهُمْ، وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَدُ الْأُمِّ عَلَى الْخُصُوصِ، فَمَنْ شَرَّكَ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يُعْطِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ ظَاهِرِ الْآيَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] يُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ سَائِرُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَهُمْ يُسَوُّونَ بَيْنَ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا» . وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ وَلَدَ الْأَبَوَيْنِ عَصَبَةٌ لَا فَرْضَ لَهُمْ، وَقَدْ تَمَّ الْمَالُ بِالْفُرُوضِ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطُوا؛ كَمَا لَوْ كَانَ مَكَانَ وَلَدِ الْأُمِّ ابْنَتَانِ، وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ وَمِائَةٌ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ؛ لَكَانَ لِلْوَاحِدِ السُّدُسُ، وَلِلْمِائَةِ السُّدُسُ الْبَاقِي، لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةٌ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَفْضُلَهُمْ الْوَاحِدُ هَذَا الْفَضْلَ كُلَّهُ، فَلَأَنْ يُسْقِطَهُمْ وُجُودُ الْأُنْثَيَيْنِ مِنْ بَابِ أَوْلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 559 (وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُمْ) ؛ أَيْ: مَكَانَ الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (أَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ) مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ (عَالَتْ) الْمَسْأَلَةُ (إلَى عَشَرَةٍ) لِازْدِحَامِ الْفُرُوضِ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ أَوْ الْجَدَّةِ السُّدُسُ وَاحِدٌ، وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ اثْنَانِ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ (وَتُسَمَّى) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَاتَ الْفُرُوخِ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، لِكَثْرَةِ عَوْلِهَا شَبَّهُوا أَصْلَهَا بِالْأُمِّ، وَعَوْلَهَا بِفُرُوخِهَا، وَلَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ مَا يَعُولُ بِثُلُثَيْهِ سِوَاهَا وَشَبَهِهَا (وَ) تُسَمَّى أَيْضًا (الشُّرَيْحِيَّةَ) لِحُدُوثِهَا زَمَنَ الْقَاضِي شُرَيْحٍ، رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ - وَهُوَ قَاضٍ بِالْبَصْرَةِ - فَقَالَ: مَا نَصِيبُ الرَّجُلِ مِنْ زَوْجَتِهِ؟ قَالَ: النِّصْفُ مَعَ غَيْرِ الْوَلَدِ وَالرُّبْعُ مَعَهُ، فَقَالَ: امْرَأَتِي مَاتَتْ وَخَلَّفْتنِي وَأُمَّهَا وَأُخْتَيْهَا لِأُمِّهَا وَأُخْتَيْهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا، فَقَالَ: لَك إذَنْ ثَلَاثَةٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: لَمْ أَرَ كَقَاضِيكُمْ لَمْ يُعْطِنِي نِصْفًا وَلَا ثُلُثًا، فَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ لَهُ إذَا لَقِيَهُ: إذَا رَأَيْتنِي ذَكَرْت حَاكِمًا جَائِرًا، وَإِذَا رَأَيْتُك ذَكَرْت رَجُلًا فَاجِرًا، إنَّك تَكْتُمُ الْقَضِيَّةَ، وَتُشِيعُ الْفَاحِشَةَ. (وَمَتَى عُدِمَتْ الْعَصَبَةُ مِنْ النَّسَبِ وَرِثَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ، وَلَوْ) كَانَ (أُنْثَى) لِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَلِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ. ، وَالنَّسَبُ يُورَثُ بِهِ، فَكَذَا الْوَلَاءُ، وَرَوَى سَعِيدٌ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: «كَانَ لِبِنْتِ حَمْزَةَ مَوْلًى أَعْتَقَتْهُ، فَمَاتَ، وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَمَوْلَاتَهُ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنْتَهُ النِّصْفَ، وَأَعْطَى مَوْلَاتَهُ بِنْتَ حَمْزَةَ النِّصْفَ» . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمِيرَاثُ لِلْعَصَبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ فَلِلْمَوْلَى» . (ثُمَّ عَصَبَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، كَنَسَبٍ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ: «أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، وَتَرَكَتْ ابْنًا لَهَا وَأَخَاهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ مَوْلَاهَا مِنْ بَعْدِهَا، فَأَتَى أَخُو الْمَرْأَةِ وَابْنُهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِيرَاثِهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ أَخُوهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَرَّ جَرِيرَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 560 كَانَتْ عَلَيَّ وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ لِهَذَا؟ ، قَالَ: نَعَمْ» . وَلِأَنَّهُ صَارَ بَيْنَ الْعَتِيقِ وَمُعْتِقِهِ مُضَايَفَةً كَمُضَايَفَةِ النَّسَبِ؛ فَوَرِثَهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِهِ (ثُمَّ مَوْلَاهُ) ؛ أَيْ: مَوْلَى الْمَوْلَى (كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: يُقَدَّمُ مَوْلَى الْمَوْلَى ثُمَّ عَصَبَتُهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَذَلِكَ، ثُمَّ مَوْلَى مَوْلَى الْمَوْلَى كَذَلِكَ - وَإِنْ بَعُدَ - وَلَا شَيْءَ لِمَوَالِي أَبِيهِ وَإِنْ قَرُبُوا؛ لِأَنَّهُ عَتِيقٌ مُبَاشَرَةً فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِمَوَالِي أَبِيهِ (ثُمَّ) بَعْدَ الْمَوْلَى وَإِنْ بَعُدَ وَعَصَبَتُهُ فَ (الرَّدُّ) عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ غَيْرَ الزَّوْجَيْنِ كَمَا يَأْتِي؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] فَإِنْ لَمْ يُرَدَّ الْبَاقِي عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْأَوْلَوِيَّةُ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُ غَيْرَهُمْ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ، وَالْفُرُوضُ إنَّمَا قُدِّرَتْ لِلْوَرَثَةِ حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ؛ لِئَلَّا يَزْدَحِمُوا فَيَأْخُذَ الْأَقْوَى، وَيُحْرَمَ الضَّعِيفُ، وَلِذَلِكَ فُرِضَ لِلْإِنَاثِ، وَفُرِضَ لِلْأَبِ مَعَ الْوَلَدِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الذُّكُورِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَضْعَفُ مِنْ الْوَلَدِ وَأَقْوَى مِنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، فَاخْتُصَّ فِي مَوْضِعِ الضَّعْفِ بِالْفَرْضِ، وَفِي مَوْضِعِ الْقُوَّةِ بِالتَّعْصِيبِ (ثُمَّ) إنْ عُدِمَ ذُو فَرْضٍ يُرَدُّ عَلَيْهِ فَ (الرَّحِمُ) ؛ أَيْ: تُعْطَى ذَوُو الْأَرْحَامِ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ الْقَرَابَةُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَارِثَ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتُ إنَّمَا وَرِثُوا لِمُشَارَكَتِهِمْ الْمَيِّتَ فِي نَسَبِهِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَيَرِثُونَ كَغَيْرِهِمْ. [تَنْبِيهٌ لَا يَرِثُ الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ] َ وَهُوَ الْعَتِيقُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ عَتِيقًا مِنْ مُعْتِقِهِ؛ لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . (وَمَتَى كَانَ الْعَصَبَةُ عَمًّا أَوْ) كَانَ (ابْنَهُ) ؛ أَيْ: ابْنَ عَمٍّ (أَوْ) كَانَ (ابْنَ أَخٍ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (انْفَرَدَ بِالْإِرْثِ دُونَ أَخَوَاتِهِ) لِأَنَّ أَخَوَاتِ هَؤُلَاءِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَالْعَصَبَةُ مُقَدَّمٌ عَلَى ذِي الرَّحِمِ، بِخِلَافِ الِابْنِ وَابْنِهِ وَالْأَخِ لِغَيْرِ أُمٍّ؛ فَيُعَصِّبُ أُخْتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُعَصِّبُ ابْنُ الِابْنِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 561 مُطْلَقًا، وَمَنْ هِيَ أَعْلَى مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ نِصْفٍ أَوْ سُدُسٍ أَوْ مُشَارَكَةٍ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَتَقَدَّمَ. (وَمَتَى كَانَ أَحَدُهُمْ) ؛ أَيْ: أَحَدُ بَنِي عَمٍّ (زَوْجًا) أَخَذَ فَرْضَهُ، وَشَارَكَ الْبَاقِي (أَوْ) كَانَ أَحَدُ بَنِي عَمٍّ (أَخًا لِأُمٍّ، أَخَذَ فَرْضَهُ) أَوَّلًا (وَشَارَكَ الْبَاقِينَ) الْمُسَاوِينَ لَهُ فِي الْعُصُوبَةِ فِي الْمِيرَاثِ بِالْعُصُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُفْرَضُ لَهُ لَوْ لَمْ يَرِثْ بِالتَّعْصِيبِ؛ فَلَا يُرَجَّحُ بِهِ، بِخِلَافِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ مَعَ أَخٍ لِأَبٍ؛ فَإِنَّهُ لَا فَرْضَ لَهُ بِقَرَابَةِ أُمِّهِ، فَرَجَحَ بِهَا، وَلَا يَجْتَمِعُ فِي إحْدَى الْقَرَابَتَيْنِ تَرْجِيحٌ وَفَرْضٌ، فَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ بِنْتٍ وَزَوْجٍ هُوَ ابْنُ عَمٍّ، فَتَرِكَتُهَا بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ. وَإِنْ تَرَكَتْ مَعَهُ بِنْتَيْنِ؛ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ لِأَبَوَيْنِ أَصْغَرُهُمْ زَوْجٌ لِبِنْتِ عَمِّهِمْ الْمُوَرِّثَةِ، لَهُ ثُلُثَانِ وَلَهُمَا ثُلُثٌ. وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ ... وَكُلُّهُمْ إلَى خَيْرٍ فَقِيرُ فَحَازَ الْأَكْبَرَانِ هُنَاكَ ثُلُثًا ... وَبَاقِي الْمَالِ أَحْرَزَهُ الصَّغِيرُ (وَتَسْقُطُ أُخُوَّةٌ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ (لِأُمٍّ بِمَا يُسْقِطُهَا) لَوْ انْفَرَدَتْ عَنْ بُنُوَّةِ الْعَمِّ (فَبِنْتٌ وَأَبْنَاءُ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ؛ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: بَنِي الْعَمِّ (نِصْفَانِ) نَصًّا؛ لِأَنَّ ابْنَ الْأُمِّ مَحْجُوبٌ بِالْبِنْتِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا جِهَةُ الْعُصُوبَةِ فَقَطْ، خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ الْبُهُوتِيُّ حَيْثُ جَعَلَهُ وَارِثًا بِقَرَابَتَيْنِ مِيرَاثَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرِثُ إلَّا بِقَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ الْعُصُوبَةُ، وَأَمَّا جِهَةُ إخْوَتِهِ لِأُمِّهِ فَمَحْجُوبَةٌ بِالْبِنْتِ، وَلَعَلَّهُ سَبْقَ قَلَمٍ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَمَنْ وَلَدَتْ وَلَدًا مِنْ زَوْجٍ، ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا، فَتَزَوَّجَتْ أَخَاهُ لِأَبِيهِ، وَلَهُ خَمْسَةُ ذُكُورٍ مِنْ غَيْرِهَا، فَوَلَدَتْ مِنْهُ خَمْسَةَ ذُكُورٍ أَيْضًا ثُمَّ بَانَتْ، وَتَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ خَمْسَةَ ذُكُورٍ أَيْضًا، ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهَا الْأَوَّلُ؛ وَرِثَ خَمْسَةٌ نِصْفًا، وَهُمْ أَوْلَادُ عَمِّهِ الَّذِينَ هُمْ إخْوَتُهُ مِنْ أُمِّهِ، وَخَمْسَةٌ ثُلُثًا وَهُمْ أَوْلَادُ عَمِّهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَخَمْسَةٌ سُدُسًا، وَهُمْ أَوْلَادُ أُمِّهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَيُعَايَا بِهَا. (وَمَنْ خَلَّفَ أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُ عَمٍّ؛ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: بَيْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 562 الْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ (فَرْضًا وَالْبَاقِي لِابْنِ الْعَمِّ تَعْصِيبًا؛ فَتَصِحُّ) مَسْأَلَتُهُمْ (مِنْ سِتَّةٍ لِابْنِ الْعَمِّ خَمْسَةٌ وَلِلْآخَرِ) سَهْمٌ (وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانُوا) ؛ أَيْ: إخْوَةُ الْمَيِّتِ لِأُمِّهِ (ثَلَاثَةَ إخْوَةٍ أَحَدُهُمْ) ؛ أَيْ: الثَّلَاثَةِ (ابْنُ عَمٍّ) لِلْمَيِّتِ (فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةٍ) لِأَنَّهُ فَرْضُ أَوْلَادِ الْأُمِّ (وَالْبَاقِي لِابْنِ الْعَمِّ) تَعْصِيبًا (وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ) لِابْنِ الْعَمِّ سَبْعَةٌ وَلِلْآخَرَيْنِ سَهْمَانِ. (وَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً وَ) تَزَوَّجَ (أَبُوهُ بِنْتَهَا) وَوُلِدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنٌ (فَابْنُ الْأَبِ عَمٌّ) لِابْنِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ أَخُو أَبِيهِ لِأَبِيهِ (وَابْنُ الِابْنِ خَالٌ) لِابْنِ الْأَبِ مِنْ بِنْتِهَا؛ لِأَنَّهُ أَخُو أُمِّهِ لِأُمِّهَا، فَإِنْ مَاتَ ابْنُ الْأَبِ، وَخَلَّفَ خَالَهُ هَذَا (فَ) إنَّهُ (يَرِثُهُ مَعَ عَمِّهِ لَهُ، خَالُهُ) هَذَا (دُونَ عَمِّهِ؛ لِأَنَّ خَالَهُ) هَذَا (ابْنُ أَخِيهِ) وَابْنُ الْأَخِ يَحْجُبُ الْعَمَّ (وَلَوْ خَلَّفَ الْأَبُ فِيهَا) ؛ أَيْ: هَذِهِ الصُّورَةِ (أَخًا) لَهُ (وَابْنَ ابْنِهِ هَذَا وَهُوَ أَخُو زَوْجَتِهِ؛ وَرِثَهُ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ ابْنِهِ دُونَ أَخِيهِ) لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِابْنِ الِابْنِ (وَ) يُعَايَا بِهَا فَ (يُقَالُ فِيهَا: زَوْجَةٌ وَرِثَتْ ثُمُنَ التَّرِكَةِ، وَأَخُوهَا الْبَاقِي) فَلَوْ كَانَتْ الْإِخْوَةُ لِلزَّوْجَةِ - وَهُوَ بَنُو ابْنِهِ - سَبْعَةً؛ وَرِثُوا الْمَالَ سَوَاءٌ، لَهَا مِثْلُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَيُعَايَا بِهَا (وَلَوْ كَانَ الْأَبُ نَكَحَ الْأُمَّ) وَابْنُهُ بِنْتَهَا (فَوَلَدُهُ) ؛ أَيْ: الْأَبِ (عَمُّ وَلَدِ ابْنِهِ وَخَالُهُ) فَيُعَايَا بِهَا. (وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ) وَوُلِدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنٌ (فَوَلَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَمُّ الْآخَرِ) وَهُمَا الْقَائِلَتَانِ مَرْحَبًا بِابْنَيْنَا وَزَوْجَيْنَا. وَلَوْ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ، فَوَلَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا خَالُ وَلَدِ الْآخَرِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ زَيْدٌ أُمَّ عَمْرٍو، وَعَمْرٌو بِنْتَ زَيْدٍ؛ فَابْنُ زَيْدٍ عَمُّ ابْنِ عَمْرٍو وَخَالُهُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُخْتَ الْآخَرِ؛ فَوَلَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا ابْنُ خَالِ وَلَدِ الْآخَرِ. تَتِمَّةٌ: وَأَوْلَى وَلَدِ كُلِّ أَبٍ أَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ، فَإِذَا خَلَّفَ ابْنَ عَمٍّ وَابْنَ ابْنِ عَمٍّ؛ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْجَدِّ الَّذِي يَجْتَمِعَانِ إلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الدَّرَجَةِ؛ فَأَوْلَاهُمْ مَنْ كَانَ لِأَبَوَيْنِ، فَأَخٌ شَقِيقٌ أَوْلَى مِنْ أَخٍ لِأَبٍ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 563 وَابْنُ أَخٍ شَقِيقٍ أَوْلَى مِنْ ابْنِ عَمٍّ لِأَبٍ، وَالْأَخُ مِنْ الْأُمِّ لَيْسَ مِنْ الْعَصَبَاتِ، وَيَأْخُذُ فَرْضَهُ مَعَ الشَّقِيقِ، وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ مَعَ بِنْتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ كَأَخٍ شَقِيقٍ؛ فَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ لِأَبٍ وَبَنُو الْإِخْوَةِ أَشِقَّاءٌ أَوْ لِأَبٍ، وَكَذَا الْأُخْتُ لِأَبٍ يَسْقُطُ بِهَا مَعَ الْبِنْتِ بَنُو الْإِخْوَةِ كَذَلِكَ؛ إذْ الْعُصُوبَةُ جَعَلَتْهَا فِي مَعْنَى الْأَخِ. [بَابُ الْحَجْبِ] (بَابُ الْحَجْبِ) (الْحَجْبُ) : وَهُوَ لُغَةً: الْمَنْعُ. مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِجَابِ وَمِنْهُ الْحَاجِبُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ، وَحَاجِبُ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مَا يَنْحَدِرُ إلَيْهَا. وَاصْطِلَاحًا: مَنْعُ مَنْ قَامَ بِهِ سَبَبُ الْإِرْثِ مِنْ الْإِرْثِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ مِنْ أَوْفَرِ حَظَّيْهِ. (الْحَجْبُ) ضَرْبَانِ: حَجْبُ نُقْصَانٍ وَحَجْبُ حِرْمَانٍ، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا بِالْمَوَانِعِ، وَالثَّانِي حَجْبٌ بِالشَّخْصِ، وَيَأْتِي مُفَصَّلًا. أَمَّا الْحَجْبُ (بِالْوَصْفِ) وَهُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ حَجْبِ الْحِرْمَانِ؛ فَإِنَّهُ (يَدْخُلُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ) أُصُولًا وَفُرُوعًا وَحَوَاشٍ كَاتِّصَافِ الْوَارِثِ بِالرِّقِّ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ اخْتِلَافِ الدِّينِ. (وَ) أَمَّا الْحَجْبُ (بِالشَّخْصِ) وَهُوَ الْحَجْبُ (نُقْصَانًا) فَ (كَذَلِكَ) يَدْخُلُ عَلَى كُلِّ الْوَرَثَةِ، وَهُوَ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ. أَحَدُهَا: الِانْتِقَالُ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَهُ فَرْضَانِ كَالزَّوْجَيْنِ وَالْأُمِّ وَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ. وَثَانِيهَا: الِانْتِقَالُ مِنْ فَرْضٍ إلَى تَعْصِيبٍ فِي حَقِّ ذَوَاتِ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ. وَثَالِثُهَا: الِانْتِقَالُ مِنْ تَعْصِيبٍ إلَى فَرْضٍ فِي حَقِّ الْأَبِ وَالْجَدِّ. وَرَابِعُهَا: الِانْتِقَالُ مِنْ تَعْصِيبٍ إلَى تَعْصِيبٍ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْأُخْتِ لِغَيْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 أُمٍّ؛ فَإِنَّ لَهَا مَعَ أَخِيهَا أَقَلَّ مِمَّا لَهَا مَعَ الْبِنْتِ، فَإِذَا مَاتَ إنْسَانٌ عَنْ بِنْتٍ وَأُخْتٍ لِغَيْرِ أُمٍّ؛ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ الْبَاقِي. وَخَامِسُهَا: الْمُزَاحَمَةُ فِي الْفَرْضِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ وَالْجَدَّةِ، وَذَوَاتِ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَبِنْتِ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ، وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ مَعَ الشَّقِيقَةِ وَأَوْلَادِ الْأُمِّ. وَسَادِسُهَا: الْمُزَاحَمَةُ فِي التَّعْصِيبِ فِي حَقِّ كُلِّ عَاصِبٍ غَيْرِ الْأَبِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ. وَسَابِعُهَا الْمُزَاحَمَةُ فِي الْعَوْلِ، كَمَا صَارَ ثُمُنُ الْمَرْأَةِ فِي الْمِنْبَرِيَّةِ تُسْعًا، وَنِصْفُ الزَّوْجِ فِي الْغَرَّاءِ ثُلُثًا، وَسُدُسُ الْأُمِّ فِي أُمِّ الْفُرُوخِ عُشْرًا. (وَ) أَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْحَجْبِ بِالشَّخْصِ (حِرْمَانًا فَلَا يَدْخُلُ عَلَى سِتَّةٍ) مِنْ الْوَرَثَةِ (الزَّوْجَيْنِ وَالْأَبَوَيْنِ وَالْوَلَدَيْنِ) وَضَابِطُهُمْ: مَنْ أَدْلَى إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ غَيْرَ الْمَوْلَى. (وَلَا يَرِثُ أَبْعَدُ بِتَعْصِيبٍ مَعَ أَقْرَبَ) مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ أَشَدُّ وَأَقْوَى مِنْ الْأَبْعَدِ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْمِيرَاثِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بِتَعْصِيبٍ عَنْ إرْثِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ السُّدُسَ مَعَ الِابْنِ أَوْ ابْنِهِ. (وَأَقْرَبُ الْعَصَبَةِ ابْنٌ فَابْنُهُ، وَإِنْ نَزَلَ) فَلَا يَرِثُ أَبٌ وَلَا جَدٌّ مَعَ فَرْعٍ ذَكَرٍ وَارِثٍ بِالْعُصُوبَةِ، بَلْ السُّدُسُ فَرْضًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] الْآيَةَ. وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ، وَجُزْءُ الشَّيْءِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَصْلِهِ. (فَأَبٌ فَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا) بِمَحْضِ الذُّكُورِ؛ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبٌ وَلَهُ إيلَادٌ، وَلِذَلِكَ يَأْخُذُ السُّدُسَ مَعَ الِابْنِ، وَإِذَا بَقِيَ السُّدُسُ فَقَطْ أَخَذَهُ، وَسَقَطَتْ الْإِخْوَةُ، وَإِذَا بَقِيَ دُونَ السُّدُسِ أَوْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ أُعِيلَ لَهُ بِالسُّدُسِ، وَسَقَطَتْ الْإِخْوَةُ (فَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ) لِتَرَجُّحِهِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ (فَ) أَخٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 (لِأَبٍ) لِتَسَاوِيهِمَا فِي قَرَابَةِ الْأَبِ (فَابْنُ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ فَ) ابْنُ أَخٍ (لِأَبٍ وَإِنْ نَزَلَا) بِمَحْضِ الذُّكُورِ؛ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ وَأَبْنَاءَهُمْ مِنْ أَوْلَادِ الْأَبِ. وَيَسْقُطُ الْبَعِيدُ مِنْ بَنِي الْإِخْوَةِ بِالْقَرِيبِ مِنْهُمْ كَمَا سَبَقَ (فَأَعْمَامٌ) لِأَبَوَيْنِ فَأَعْمَامٌ لِأَبٍ (فَأَبْنَاؤُهُمْ كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: يُقَدَّمُ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِأَبٍ (فَأَعْمَامُ أَبٍ فَأَبْنَاؤُهُمْ كَذَلِكَ) يُقَدَّمُ مَنْ لِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ لِأَبٍ (فَ) أَعْمَامُ (جَدٍّ فَأَبْنَاؤُهُمْ كَذَلِكَ) يُقَدَّمُ مَنْ لِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ لِأَبٍ، ثُمَّ أَعْمَامُ أَبِي الْجَدِّ، ثُمَّ أَبْنَاؤُهُمْ كَذَلِكَ أَبَدًا (فَلَا يَرِثُ بَنُو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي) أَبٍ (أَقْرَبَ مِنْهُ، وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُمْ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَوْلَى هُنَا بِمَعْنَى أَقْرَبَ، لَا بِمَعْنَى أَحَقَّ، لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبْهَامِ وَالْجَهَالَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَنْ هُوَ الْأَحَقُّ، وَقَوْلُهُ ذَكَرٍ، بَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الْبَالِغِ، بَلْ الذَّكَرُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ (فَيَسْقُطُ كُلُّ جَدٍّ بِأَبٍ) حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ (وَ) يَسْقُطُ كُلُّ (جَدٍّ) أَبْعَدُ بِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ لِإِدْلَائِهِ بِهِ (وَ) كُلُّ (ابْنٍ أَبْعَدُ بِأَقْرَبَ) مِنْهُ، فَيَسْقُطُ أَبُو أَبِي أَبٍ بِأَبِي أَبٍ، وَابْنُ ابْنِ ابْنٍ بِابْنِ ابْنٍ، وَهَكَذَا (وَ) تَسْقُطُ (كُلُّ جَدَّةٍ) مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ (بِأُمٍّ) لِأَنَّ الْجَدَّاتِ يَرِثْنَ بِالْوِلَادَةِ، فَكَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى مِنْهُنَّ؛ لِمُبَاشَرَتِهَا الْوِلَادَةَ (وَ) تَسْقُطُ (كُلُّ جَدَّةٍ بُعْدَى بِ) جَدَّةٍ (قُرْبَى مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتَا مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمٍّ وَأُمِّهَا اتِّفَاقًا، لِأَنَّهَا مُدْلِيَةٌ بِهَا، أَوْ كَانَتَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، كَأُمِّ الْأَبِ وَأُمِّهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَدْلَتْ بِهَا، وَلِأَنَّهَا جَدَّةٌ قُرْبَى؛ فَتَحْجُبُ الْبُعْدَى كَاَلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَلِأَنَّ الْجَدَّاتِ أُمَّهَاتٌ يَرِثْنَ مِيرَاثًا وَاحِدًا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا اجْتَمَعْنَ فَالْمِيرَاثُ لِأَقْرَبِهِنَّ كَالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَةِ وَالْبَنَاتِ. (وَلَا يَحْجُبُ أَبٌ أُمَّهُ أَوْ أُمَّ أَبِيهِ) وَكَذَلِكَ الْجَدُّ لَا يَحْجُبُ أُمَّهُ، كَمَا لَوْ كَانَ عَمًّا. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي الطُّفَيْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 566 - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ: «أَوَّلُ جَدَّةٍ أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّدُسَ أُمُّ أَبٍ مَعَ ابْنِهَا وَابْنُهَا حَيٌّ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، إلَّا أَنَّ لَفْظَهُ: أَوَّلُ جَدَّةٍ أُطْعِمَتْ السُّدُسَ أُمُّ أَبٍ مَعَ ابْنِهَا، وَلِأَنَّ الْجَدَّاتِ أُمَّهَاتٌ يَرِثْنَ مِيرَاثَ الْأُمِّ لَا مِيرَاثَ الْأَبِ؛ فَلَا يُحْجَبْنَ بِهِ كَأُمَّهَاتِ الْأُمِّ. (وَيَسْقُطُ) الْإِخْوَةُ (الْأَشِقَّاءُ) ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا أَوْ خَنَاثَى (بِاثْنَيْنِ بِالِابْنِ، وَإِنْ نَزَلَ وَ) يَسْقُطُونَ أَيْضًا (بِالْأَبِ الْأَقْرَبِ) دُونَ الْجَدِّ؛ فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُمْ، وَيَأْتِي حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ إرْثَهُمْ فِي الْكَلَالَةِ، وَهِيَ مَنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الِابْنِ وَالْأَبِ، وَكَذَا ابْنُ الِابْنِ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ. (وَ) يَسْقُطُ (الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ) ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا بِالِابْنِ وَابْنِهِ وَالْأَبِ وَ (بِ) الْأَخِ (الشَّقِيقِ أَيْضًا) وَبِالشَّقِيقَةِ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ. (وَ) يَسْقُطُ (ابْنُهُمَا) ؛ أَيْ: ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ وَابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ (بِجَدٍّ وَإِنْ عَلَا) بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ. (وَ) يَسْقُطُ (الْأَعْمَامُ) مُطْلَقًا (بِابْنِ الْأَخِ وَإِنْ نَزَلَ) . (وَ) يَسْقُطُ (وَلَدُ الْأُمِّ بِفُرُوعِ الْمَيِّتِ مُطْلَقًا) ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا وَبِوَلَدِ الِابْنِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَ) يَسْقُطُ وَلَدُ الْأُمِّ (بِأُصُولِهِ) ؛ أَيْ: أُصُولِ الْمَيِّتِ (الذُّكُورِ) كَالْأَبِ وَالْجَدِّ، وَإِنْ عَلَا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ فِي إرْثِ إخْوَةِ الْأُمِّ الْكَلَالَةَ، وَهِيَ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ: مَنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا، وَالْوَلَدُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَوَلَدُ الِابْنِ كَذَلِكَ، وَالْوَالِدُ يَشْمَلُ الْأَبَ وَالْجَدَّ. (وَتَسْقُطُ بَنَاتُ الِابْنِ بِبِنْتَيْ الصُّلْبِ مَا لَمْ يُعَصِّبْهُنَّ) ؛ أَيْ: بَنَاتِ الِابْنِ (ذَكَرٌ بِإِزَائِهِنَّ) كَأَخِيهِنَّ؛ فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهُنَّ، وَيَمْنَعُهُنَّ مِنْ الْفَرْضِ، وَيُقْسَمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 567 مَا وَرِثُوهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ؛ سَقَطَ بَنَاتُ الِابْنِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ لِلْأَوْلَادِ إذَا كَانُوا نِسَاءً إلَّا الثُّلُثَيْنِ، قَلِيلَاتٍ كُنَّ أَوْ كَثِيرَاتٍ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَخْرُجْنَ عَنْ كَوْنِهِنَّ نِسَاءً مِنْ الْأَوْلَادِ، وَقَدْ ذَهَبَ الثُّلُثَانِ، وَالْمُشَارَكَةُ مُمْتَنِعَةٌ؛ لِأَنَّهُنَّ دُونَ دَرَجَتِهِنَّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ كَأَخِيهِنَّ (أَوْ أَنْزَلُ مِنْهُنَّ) كَابْنِ أَخِيهِنَّ أَوْ ابْنِ عَمِّهِنَّ أَوْ ابْنِ ابْنِ عَمِّهِنَّ؛ فَيُعَصِّبُهُنَّ فِيمَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَهُوَ) الْقَرِيبُ (الْمُبَارَكُ) إذْ لَوْلَاهُ لَسَقَطَتْ الْأُنْثَى الَّتِي يُعَصِّبُهَا، وَأَمَّا الْقَرِيبُ الْمَشْئُومُ فَهُوَ الَّذِي لَوْلَاهُ لَوَرِثَتْ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مُسَاوِيًا لِلْأُنْثَى مِنْ أَخٍ مُطْلَقًا وَابْنِ عَمٍّ لِبِنْتِ الِابْنِ، وَلَهُ صُوَرٌ: مِنْهَا زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَبٌ وَبِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ؛ فَلِلزَّوْجِ الرُّبْعُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْأَبِ السُّدُسُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ؛ فَتَقُولُ: الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ ابْنُ ابْنٍ سَقَطَ، وَسَقَطَتْ مَعَهُ بِنْتُ الِابْنِ؛ لِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ، وَتَكُونُ إذْ ذَاكَ عَائِلَةً لِثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَلَوْلَاهُ لَوَرِثَتْ كَمَا بَيَّنَّاهُ، فَهُوَ أَخٌ مَشْئُومٌ عَلَيْهَا. (وَلَا يُعَصِّبُ) ابْنُ الِابْنِ (ذَاتَ فَرْضٍ) كَنِصْفٍ أَوْ سُدُسٍ (أَعْلَى) مِنْهُ كَعَمَّتِهِ وَبِنْتِ عَمِّ أَبِيهِ، بَلْ يَكُونُ بَاقِي الْمَالِ لَهُ، وَلَا يُشَارِكُ أَهْلُ الْفَرْضِ فِي فَرْضِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِ الْفَرْضِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَمَّتُهُ أَوْ بِنْتُ عَمِّهِ لَيْسَ لَهَا فَرْضٌ؛ فَيُعَصِّبُهَا وَيَأْخُذُ مِثْلَيْهَا بَعْدَ ذَوِي الْفُرُوضِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِهِ. (وَلَا) يُعَصِّبُ ابْنُ الِابْنِ (مَنْ هِيَ أَنْزَلُ) مِنْهُ كَبِنْتِ ابْنِ ابْنِ ابْنٍ، بَلْ يَحْجُبُهَا، وَيَأْخُذُ جَمِيعَ الْبَاقِي بَعْدَ ذَوِي الْفُرُوضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَصَّبَهَا لَاقْتَضَى مُشَارَكَتَهَا، وَالْأَبْعَدُ لَا يُشَارِكُ الْأَقْرَبَ (وَهَكَذَا) يَسْقُطُ (كُلُّ بَنَاتِ ابْنٍ بِبَنَاتِ ابْنٍ أَعْلَى مِنْهُنَّ) فَإِذَا خَلَّفَ خَمْسَ بَنَاتٍ ابْنُ بَعْضِهِنَّ أَنْزَلُ مِنْ بَعْضٍ لَا ذَكَرَ مَعَهُنَّ؛ كَانَ لِلْعُلْيَا النِّصْفُ، وَلِلثَّانِيَةِ السُّدُسُ، وَسَقَطَ سَائِرُهُنَّ، وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ، فَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 كَانَ مَعَ الْعُلْيَا أَخُوهَا أَوْ ابْنُ عَمِّهَا؛ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ وَسَقَطَ سَائِرُهُنَّ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الثَّانِيَةِ عَصَبَتُهَا كَانَ الْبَاقِي - وَهُوَ النِّصْفُ - بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الثَّالِثَةِ؛ فَالْبَاقِي - وَهُوَ الثُّلُثُ - بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الرَّابِعَةِ؛ فَالْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْخَامِسَةِ؛ فَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ مِنْ الْخَامِسَةِ؛ فَكَذَلِكَ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا اخْتِلَافًا بِتَوْرِيثِ بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ بَنِي الِابْنِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِهِ الثُّلُثَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ مَنْ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ وَعَمَّتَهُ وَعَمَّةَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَبَنَاتِ أَعْمَامِهِ وَبَنَاتِ أَعْمَامِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ إلَّا الْمُتَسَفِّلَ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ. (وَكَذَا) يَسْقُطُ (أَخَوَاتٌ لِأَبٍ مَعَ) وُجُودِ (أَخَوَاتٍ لِأَبَوَيْنِ) لِقُرْبِهِنَّ إلَى الْمَيِّتِ بِإِدْلَائِهِنَّ إلَيْهِ بِسَبَبَيْنِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُعَصِّبُهُنَّ) ؛ أَيْ: الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ أَحَدٌ (إلَّا أَخُوهُنَّ) فَقَطْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، خِلَافًا لِابْنِ مَسْعُودٍ وَأَتْبَاعِهِ، فَلَوْ اسْتَكْمَلَ الْأَخَوَاتُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَثَمَّةَ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَابْنِ أَخٍ لَهُنَّ؛ لَمْ يَكُنْ لِلْأَخَوَاتِ اللَّاتِي لِلْأَبِ شَيْءٌ، وَكَانَ الْبَاقِي لِابْنِ الْأَخِ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِي ابْنِ الِابْنِ؛ فَإِنَّهُ ابْنٌ وَإِنْ نَزَلَ، وَابْنُ الْأَخِ لَيْسَ بِأَخٍ. (وَحَيْثُ عَصَّبَ الْبَنَاتِ الْأَخَوَاتِ حَجَبْنَ مَنْ بَعْدَهُنَّ) هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. (وَمَنْ لَا يَرِثُ) لِمَانِعٍ فِيهِ مِنْ رِقٍّ أَوْ قَتْلٍ أَوْ اخْتِلَافِ دِينٍ (لَا يَحْجُبُ) نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ فِي أَخٍ مَمْلُوكٍ وَابْنِ أَخٍ حُرٍّ. الْمَالُ لِابْنِ أَخِيهِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ (مُطْلَقًا) لَا حِرْمَانًا وَلَا نُقْصَانًا؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ (إلَّا الْإِخْوَةَ فَقَدْ لَا يَرِثُونَ) لِوُجُودِ الْأَبِ (وَيَحْجُبُونَ الْأُمَّ نُقْصَانًا) مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 569 [بَابُ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ] ِ (الْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ) ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مُنْفَرِدِينَ أَوْ مَعَ ذِي فَرْضٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْجَدَّ أَبَ الْأَبِ لَا يَحْجُبُهُ عَنْ الْمِيرَاثِ غَيْرُ الْأَبِ، وَأَنْزَلُوا الْجَدَّ فِي الْحَجْبِ أَوْ الْمِيرَاثِ مَنْزِلَةَ الْأَبِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، أَحَدُهَا زَوْجٌ وَأَبَوَانِ، وَالثَّانِيَةُ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ، لِلْأُمِّ فِيهِمَا ثُلُثُ الْبَاقِي مَعَ الْأَبِ، وَثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ لَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ، وَالثَّالِثَةُ اخْتَلَفُوا فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي إسْقَاطِ بَنِي الْإِخْوَةِ وَوَلَدِ الْأُمِّ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، وَذَهَبَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ جَمِيعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ كَمَا يُسْقِطُهُمْ الْأَبُ، وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الطُّفَيْلِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ. وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يُوَرِّثُونَهُمْ مَعَهُ وَلَا يَحْجُبُونَهُمْ بِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَتَسَاوَوْنَ فِيهِ، فَإِنَّ الْجَدَّ وَالْأَخَ يُدْلِيَانِ بِالْأَبِ، الْجَدُّ أَبُوهُ وَالْأَخُ ابْنُهُ، وَقَرَابَةُ الْبُنُوَّةِ لَا تَنْقُصُ عَنْ قَرَابَةِ الْأُبُوَّةِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَتْ أَقْوَى؛ فَإِنَّ الِابْنَ يُسْقِطُ تَعْصِيبَ الْأَبِ، وَلِذَلِكَ مِثْلُهُ عَلَى شَجَرَةٍ أَنْبَتَتْ غُصْنًا، فَانْفَرَدَ مِنْهَا غُصْنَانِ، كُلٌّ مِنْهُمَا أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى أَصْلِ الشَّجَرَةِ، وَمِثْلُهُ زَيْدٌ بِوَادٍ خَرَجَ مِنْهُ نَهْرٌ، تَفَرَّقَ مِنْهُ جَدْوَلَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْوَادِي. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَوْرِيثِهِمْ مَعَهُ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 570 مَذَاهِبَ، مِنْهَا مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (الْجَدُّ) لِأَبٍ، وَإِنْ عَلَا بِمَحْضِ الذُّكُورِ (مَعَهُمْ) ؛ أَيْ: مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانُوا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مُنْفَرِدِينَ أَوْ مَعَ ذِي فَرْضٍ يُقَاسِمُهُمْ (كَأَخٍ بَيْنَهُمْ) ؛ أَيْ: مَا لَمْ يَكُنْ الثُّلُثُ أَحَظَّ لَهُ مِنْ: الْمُقَاسَمَةِ، فَيَأْخُذُهُ، وَالْبَاقِي لِلْإِخْوَةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ فَلَهُ خَيْرُ أَمْرَيْنِ الْمُقَاسَمَةُ أَوْ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَضَابِطُ كَوْنِهَا) ؛ أَيْ: الْمُقَاسَمَةِ (خَيْرًا لَهُ، أَنْ يَكُونُوا) ؛ أَيْ: الْإِخْوَةُ (أَقَلَّ مِنْ مِثْلَيْهِ) وَذَلِكَ فِي خَمْسِ صُوَرٍ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (كَجَدٍّ وَأَخٍ، أَوْ) جَدٍّ وَ (أُخْتٍ، أَوْ) جَدٍّ وَ (أُخْتَيْنِ، أَوْ) جَدٍّ وَ (ثَلَاثِ) أَخَوَاتٍ (أَوْ) جَدٍّ وَ (أَخٍ وَأُخْتٍ) فَلَا يَعْدِلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ عَنْ الْمُقَاسَمَةِ؛ لِأَنَّهَا أَحَظُّ لَهُ (فَزَوْجَةٌ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، مَسْأَلَتُهُمْ (مِنْ أَرْبَعَةٍ) إجْمَاعًا غَيْرَ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْقِسْمَةِ مُخْتَلِفَةٌ (وَتُسَمَّى مُرَبَّعَةَ الْجَمَاعَةِ) فَمَذْهَبُ زَيْدٌ وَمَنْ وَافَقَهُ، لِلزَّوْجَةِ الرُّبْعُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ أَثْلَاثًا (فَإِنْ كَانُوا) أَيْ: الْإِخْوَةُ (مِثْلَيْهِ اسْتَوَى لَهُ الْأَمْرَانِ) وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: كَجَدٍّ وَ (أَخَوَيْنِ، أَوْ) جَدٍّ وَ (أَرْبَعِ أَخَوَاتٍ) أَوْ جَدٍّ وَأَخٍ وَأُخْتَيْنِ، وَحَيْثُ اسْتَوَى لَهُ الْأَمْرَانِ؛ فَسَمِّ لَهُ مَا شِئْت مِنْهُمَا (فَإِنْ زَادُوا) ؛ أَيْ: الْإِخْوَةُ عَلَى مِثْلَيْهِ (تَعَيَّنَ لَهُ الثُّلُثُ) كَجَدٍّ وَ (ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ، أَوْ) جَدٍّ وَ (خَمْسِ أَخَوَاتٍ) فَأَكْثَرَ، وَلَا حَصْرَ لِصُوَرِهِ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ) ؛ أَيْ: الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ (ذُو فَرْضٍ) مِنْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ بِنْتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْجَدِّ بَعْدَ أَخْذِ ذِي الْفَرْضِ فَرْضَهُ، وَاحِدًا كَانَ أَوْ مُتَعَدِّدًا (خَيْرُ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ) وَهِيَ (الْمُقَاسَمَةُ) لِلْإِخْوَةِ كَأَخٍ مِنْهُمْ (أَوْ ثُلُثُ الْبَاقِي) مِنْ الْمَالِ (أَوْ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ) وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ مَعَ الْوَلَدِ، فَمَعَ غَيْرِهِ أَوْلَى. (هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ بَقِيَ بَعْدَ ذِي الْفَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ السُّدُسِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ) بَعْدَ ذِي الْفَرْضِ (غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ السُّدُسِ (كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَجَدٍّ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 571 وَإِخْوَةٍ، لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، يَبْقَى سُدُسٌ يَأْخُذُهُ الْجَدُّ، وَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ (أَوْ بَقِيَ دُونَهُ) ؛ أَيْ: السُّدُسِ (كَزَوْجٍ وَبِنْتَيْنِ وَجَدٍّ) فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، لِلزَّوْجِ الرُّبْعُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ سَهْمَانِ (أَوْ لَمْ يَبْقَ) لِلْجَدِّ (شَيْءٌ، كَبِنْتَيْنِ وَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ) وَإِخْوَةٍ (فَلِلْجَدِّ السُّدُسُ إنْ كَانَ) كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (أَوْ يُعَالُ لَهُ) كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ أَيْضًا، وَتَعُولُ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، فَتُعْطِي الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ ثَمَانِيَةً، وَالزَّوْجَ الرُّبْعَ ثَلَاثَةً، وَالْأُمَّ السُّدُسَ اثْنَيْنِ، وَالْجَدَّ السُّدُسَ اثْنَيْنِ (وَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ مُطْلَقًا) ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا أَوْ إيَّاهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى، فَمَعَ غَيْرِهِ أَوْلَى (إلَّا فِي) الْمَسْأَلَةِ الْمُسَمَّاةِ (بِالْأَكْدَرِيَّةِ) ؛ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ أَوْ أُخْتٌ (لِأَبٍ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ قِيلَ: لِتَكْدِيرِهَا لِأُصُولِ زَيْدٍ فِي الْجَدِّ؛ فَإِنَّهُ أَعَالَهَا وَلَا عَوْلَ عِنْدَهُ فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ؛ وَفَرَضَ لِلْأُخْتِ مَعَ الْجَدِّ، وَلَمْ يَفْرِضْ لِأُخْتٍ مَعَ جَدٍّ ابْتِدَاءً فِي غَيْرِهَا، وَجَمَعَ سِهَامَهَا وَسِهَامَهُ، فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمَا، وَلَا نَظِيرَ لِذَلِكَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ زَيْدًا أَكْدَرَ عَلَى الْأُخْتِ مِيرَاثَهَا بِإِعْطَائِهَا النِّصْفَ وَاسْتِرْجَاعِ بَعْضِهِ مِنْهَا، وَقِيلَ، لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ سَأَلَ عَنْهَا رَجُلًا اسْمُهُ أَكْدَرُ، فَأَفْتَى فِيهَا عَلَى مَذْهَبِ زَيْدٍ، وَأَخْطَأَ فَنُسِبَتْ إلَيْهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ كَانَ اسْمُهَا كُدْرَةَ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ اسْمُ زَوْجِهَا أَكْدَرَ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ اسْمَ السَّائِلِ، وَقِيلَ، بَلْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِيهَا وَتَكَدُّرِهَا (لِلزَّوْجِ نِصْفٌ وَلِلْأُمِّ ثُلُثٌ، وَلِلْجَدِّ سُدُسٌ، وَلِلْأُخْتِ نِصْفٌ، فَتَعُولُ لِتِسْعَةٍ) وَلَمْ تُحْجَبْ الْأُمُّ عَنْ الثُّلُثِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا حَجَبَهَا عَنْهُ بِالْوَلَدِ وَالْإِخْوَةِ، وَلَيْسَ هُنَا وَلَدٌ وَلَا إخْوَةٌ (ثُمَّ يُقْسَمُ نَصِيبُ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: الْأُخْتِ وَالْجَدِّ، وَالنَّصِيبَانِ (أَرْبَعَةٌ) مِنْ تِسْعَةٍ (عَلَى ثَلَاثَةٍ) لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ مَعَهُ إلَّا بِحُكْمِ الْمُقَاسَمَةِ، وَإِنَّمَا أَعَالَهَا زَيْدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا لَسَقَطَتْ، وَلَيْسَ فِي الْفَرِيضَةِ مَنْ يُسْقِطُهَا، فَإِنْ قِيلَ: هِيَ عَصَبَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 572 بِالْجَدِّ فَتَسْقُطُ بِاسْتِكْمَالِ الْفُرُوضِ؛ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا يُعَصِّبُهَا إذَا كَانَ عَصَبَةً، وَلَيْسَ الْجَدُّ بِعَصَبَةٍ مَعَ هَؤُلَاءِ، بَلْ يُفْرَضُ لَهُ. وَالْأَرْبَعَةُ (لَا تَنْقَسِمُ) عَلَى ثَلَاثَةٍ (وَتُبَايَنُ، فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي) الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا (تِسْعَةٍ فَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ) وَهِيَ ثُلُثُ الْمَالِ (وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ) وَهِيَ ثُلُثُ الْبَاقِي (وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ) وَهِيَ الْبَاقِي بَعْدَ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ (وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ) وَهِيَ ثُلُثُ بَاقِي الْبَاقِي، وَيُعَايَا بِهَا فَيُقَالُ: أَرْبَعَةٌ وَرِثُوا مَالَ مَيِّتٍ، أَخَذَ أَحَدُهُمْ ثُلُثَهُ، وَالثَّانِي ثُلُثَ مَا بَقِيَ، وَالثَّالِثُ ثُلُثَ بَاقِي مَا بَقِيَ، وَالرَّابِعُ مَا بَقِيَ، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: مَا فَرْضُ أَرْبَعَةٍ يُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ ... مِيرَاثُ مَيِّتِهِمْ بِفَرْضٍ وَاقِعِ فَلِوَاحِدِ ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَثُلُثُ مَا ... يَبْقَى لِثَانِيهِمْ بِحُكْمٍ جَامِعِ وَلِثَالِثِ مَنْ بَعْدَهُمْ ثُلُثُ الَّذِي ... يَبْقَى وَمَا يَبْقَى نَصِيبُ الرَّابِعِ وَيُقَالُ: امْرَأَةٌ جَاءَتْ قَوْمًا، فَقَالَتْ: إنِّي حَامِلٌ، فَإِنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَلَهَا تُسْعُ الْمَالِ وَثُلُثُ تُسْعِهِ، وَإِنْ وَلَدْت وَلَدَيْنِ؛ فَلَهُمَا السُّدُسُ، وَيُقَالُ أَيْضًا: إنْ وَلَدْتُ ذَكَرًا فَلِي ثُلُثُ الْمَالِ، وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَلِي تُسْعَاهُ، وَإِنْ وَلَدْتُ وَلَدَيْنِ فَلِي سُدُسُهُ (وَلَا عَوْلَ فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ) وَالْإِخْوَةِ وَغَيْرِهَا (وَلَا فَرْضَ لِلْأُخْتِ مَعَهُ) ؛ أَيْ: الْجَدِّ ابْتِدَاءً (فِي غَيْرِهَا) ؛ أَيْ: الْأَكْدَرِيَّةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: ابْتِدَاءً مَسَائِلُ الْمُعَادَةِ (وَالشَّقِيقَةِ، وَإِنْ فَرَضَ لَهَا فِي الْمُعَادَةِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ) ؛ أَيْ: الْفَرْضُ لَهَا يَكُونُ (بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ) بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ مُحْتَرَزِ أَرْكَانِهَا، فَقَالَ: (فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْأُخْتِ أَخٌ سَقَطَ) لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ فِي نَفْسِهِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ، وَقَدْ اسْتَغْرَقَتْ الْفُرُوضُ التَّرِكَةَ، وَصَحَّتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، وَلَا عَوْلَ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ، وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ (وَ) إنْ كَانَ مَعَ الْأُخْتِ (أُخْتٌ أُخْرَى) انْحَجَبَتْ الْأُمُّ إلَى السُّدُسِ. وَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، لِلزَّوْجِ سِتَّةٌ، وَلِلْأُمِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 573 اثْنَانِ، وَلِلْجَدِّ كَذَلِكَ، وَلِكُلِّ أُخْتٍ وَاحِدٌ (أَوْ) كَانَ مَعَ الْأُخْتِ (أَخٌ) أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أُخْتٍ أَوْ أَخٍ (انْحَجَبَتْ الْأُمُّ إلَى السُّدُسِ) وَأَخَذَ الزَّوْجُ النِّصْفَ، وَالْأُمُّ السُّدُسَ، وَالْجَدُّ السُّدُسَ (وَيَبْقَى لَهُمَا) ؛ أَيْ: الْأَخِ وَالْأُخْتِ (السُّدُسُ) عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ (وَلَا عَوْلَ) فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْأُخْتِ إلَّا أَخٌ لِأُمٍّ أَوْ أُخْتٌ لِأُمٍّ؛ لَمْ يَرِثْ وَلَدُ الْأُمِّ لِحَجْبِهِ بِالْجَدِّ إجْمَاعًا، وَتَقَدَّمَ، وَانْحَجَبَتْ الْأُمُّ إلَى السُّدُسِ؛ لِوُجُودِ عَدَدٍ مِنْ الْإِخْوَةِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ زَوْجٌ) بَلْ كَانَ فِيهَا أُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ (فَلِلْأُمِّ ثُلُثٌ) وَمُخْرَجُهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ فَلَهَا وَاحِدٌ (وَمَا بَقِيَ) اثْنَانِ (فَبَيْنَ جَدٍّ وَأُخْتٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ) لَا تَنْقَسِمُ، وَتُبَايَنُ (وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ) حَاصِلَةٍ مِنْ ضَرْبِ الثَّلَاثَةِ عَدَدِ رُءُوسِ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةٍ (وَتُسَمَّى) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (الْخَرْقَاءَ؛ لِكَثْرَةِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِيهَا) فَكَأَنَّ الْأَقْوَالَ خَرَقَتْهَا (وَ) تُسَمَّى (الْمُسَبَّعَةَ) لِأَنَّ فِيهَا سَبْعَةَ أَقْوَالٍ: قَوْلُ زَيْدٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ. وَقَوْلُ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُوَافِقِيهِ: لِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ وَقَوْلُ عَلِيٍّ: لِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَقَوْلُ عُمَرَ: لِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَلِلْجَدِّ ثُلُثَاهُ: وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: لِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ سُمِّيَ لِلْأُمِّ فِي هَذَا السُّدُسُ، وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا: لِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُمِّ نِصْفَيْنِ، فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَهِيَ إحْدَى مُرَبَّعَاتِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَوْلُ عُثْمَانَ: لِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْأُخْتِ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ (وَ) تُسَمَّى (الْمُسَدَّسَةَ) لِأَنَّ الْأَقْوَالَ فِيهَا تَرْجِعُ إلَى سِتَّةٍ، وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَ) تُسَمَّى (الْمُخَمَّسَةَ) لِاخْتِلَافِ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهَا: عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدٌ (وَ) تُسَمَّى (الْمُرَبَّعَةَ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا إحْدَى مُرَبَّعَاتِ ابْنِ مَسْعُودٍ (وَ) تُسَمَّى (الْمُثَلَّثَةَ) لِقِسْمِ عُثْمَانَ لَهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 574 (وَ) لِذَلِكَ سُمِّيَتْ (الْعُثْمَانِيَّةَ) أَيْضًا (وَ) تُسَمَّى أَيْضًا (الشَّعْبِيَّةَ وَالْحَجَّاجِيَّةَ) لِأَنَّ الْحَجَّاجَ امْتَحَنَ بِهَا الشَّعْبِيُّ، فَأَصَابَ، فَعَفَا عَنْهُ. تَتِمَّةٌ: فَإِنْ عُدِمَ الْجَدُّ سُمِّيَتْ الْمُبَاهِلَةَ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ بَاهَلَنِي بَاهَلْته؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ فِي مَالٍ وَاحِدٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا. [فَصْلٌ حُكْم وَلَدٌ لِأَبٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ] (فَصْلٌ) : وَوَلَدٌ لِأَبٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ إذَا انْفَرَدُوا عَنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ؛ لِاسْتِوَاءِ دَرَجَتِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبِي الْمَيِّتِ. (فَإِنْ) اجْتَمَعَ مَعَ الْجَدِّ وَالشَّقِيقِ وَلَدُ الْأَبِ عَدَّهُ؛ أَيْ: عَدَّ (الشَّقِيقُ) وَلَدَ الْأَبِ (عَلَى الْجَدِّ) ؛ أَيْ: زَاحَمَهُ بِهِ، وَحَسِبَهُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَدِ الرُّءُوسِ (إنْ احْتَاجَ) الشَّقِيقُ (لِعَدِّهِ) كَكَوْنِ الشَّقِيقِ أَقَلَّ مِنْ مِثْلِيِّ الْجَدِّ، أَمَّا إذَا كَانَ الشَّقِيقُ مِثْلَيْهِ كَجَدٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ؛ فَلَا مُعَادَّةَ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ هُنَا لَا يُقَاسِمُ، وَيَأْخُذُ ثُلُثَ الْمَالِ؛ فَلَا فَائِدَةَ لِعَدِّهِ (ثُمَّ يَأْخُذُ الشَّقِيقُ مَا بِيَدِهِ) ؛ أَيْ: مَا بِيَدِ وَلَدِ الْأَبِ، وَإِنَّمَا عَدَّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْجَدَّ وَالِدٌ، فَإِذَا حَجَبَهُ أَخَوَانِ وَارِثَانِ؛ جَازَ أَنْ يَحْجُبَهُ أَخٌ وَارِثٌ وَأَخٌ غَيْرُ وَارِثٍ كَالْأُمِّ، وَلِأَنَّ وَلَدَ الْأَبِ يَرِثُونَ مَعَهُ إذَا انْفَرَدُوا فَيُعَدُّونَ عَلَيْهِ مَعَ غَيْرِهِمْ كَالْأُمِّ، بِخِلَافِ وَلَدِ الْأُمِّ، فَإِنَّ الْجَدَّ يَحْجُبُهُمْ، فَلَا يُعَدُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَعْدَ عَدِّهِمْ أَوْلَادَ الْأَبِ عَلَى الْجَدِّ وَأَخَذَ الْجَدُّ نَصِيبَهُ يَرْجِعُونَ إلَى الْمُقَاسَمَةِ عَلَى حُكْمِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ جَدٌّ، فَإِنْ كَانَ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرًا فَأَكْثَرَ أَوْ إنَاثًا؛ أَخَذُوا مِنْ أَوْلَادِ الْأَبِ مَا حَصَلَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْأَبَوَيْنِ أَقْوَى تَعْصِيبًا مِنْ أَوْلَادِ الْأَبِ، فَلَا يَرِثُونَ مَعَهُمْ شَيْئًا؛ كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا عَنْ الْجَدِّ (فَجَدٌّ وَأَخٌ شَقِيقٌ وَأَخٌ لِأَبٍ) الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ (لِلْجَدِّ ثُلُثٌ) وَاحِدٌ (وَلِلشَّقِيقِ ثُلُثَانِ) الثُّلُثُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ، وَالثُّلُثُ الَّذِي حَصَلَ لِأَخِيهِ (وَزَوْجَةٌ وَجَدٌّ) وَأَخٌ شَقِيقٌ (وَأَخٌ لِأَبٍ) مَسْأَلَتُهُمْ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ (لِلزَّوْجَةِ رُبْعُ) الْمَالِ ثَلَاثَةٌ (وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي) ثَلَاثَةٌ (وَلِلشَّقِيقِ النِّصْفُ) سِتَّةٌ، وَسَقَطَ وَلَدُ الْأَبِ. (وَجَدٌّ وَشَقِيقَةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ) الْمَسْأَلَةُ (مِنْ أَرْبَعَةٍ) عَدَدُ رُءُوسِهِمْ (لَهُ) ؛ أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 575 الْجَدِّ (سَهْمَانِ) لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ إذَنْ أَحَظُّ لَهُ (وَلِلشَّقِيقَةِ سَهْمَانِ) لِأَنَّ لِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمًا (وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْأَبِ) فَتَرْجِعُ الشَّقِيقَةُ عَلَى أُخْتِهَا، وَتَأْخُذُ مَا فِي يَدِهَا لِتَسْتَكْمِلَ فَرْضَهَا، وَهُوَ النِّصْفُ؛ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ الْأُخْتَيْنِ بِنْتٌ، فَأَخَذَتْ الْبِنْتُ النِّصْفَ، وَبَقِيَ النِّصْفُ، فَإِنَّ الْأُخْتَ لِأَبَوَيْنِ تَأْخُذُهُ جَمِيعَهُ، وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ لِأَبٍ، وَتَرْجِعُ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ بِالِاخْتِصَارِ لِاثْنَيْنِ، لِلْجَدِّ سَهْمٌ، وَلِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ سَهْمٌ (إلَّا إنْ كَانَ الشَّقِيقُ اخْتَارَ وَاحِدَةً) مَعَ جَدٍّ وَوَلَدِ أَبٍ فَأَكْثَرَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (وَفَضَلَ بَعْدَ حِصَّةِ الْجَدِّ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ فَتَأْخُذُ) تَمَامَ فَرْضِهَا (النِّصْفَ) كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ (وَمَا فَضَلَ) عَنْ الْأَحَظِّ لِلْجَدِّ، وَعَنْ النِّصْفِ الَّذِي فُرِضَ لَهَا فَهُوَ (لِوَلَدِ الْأَبِ) وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَلَا يَتَّفِقُ أَنْ يَبْقَى لِوَلَدِ الْأَبِ بَقِيَّةٌ بَعْدَ نَصِيبِ الْجَدِّ وَنِصْفُ الْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فِيهَا فَرْضٌ غَيْرُ السُّدُسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي مَسَائِلِ الْمُعَادَّةِ فَرْضٌ إلَّا السُّدُسَ أَوْ الرُّبْعَ أَوْ النِّصْفَ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ إنَّمَا هُوَ لِلْأُمِّ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ، وَالْعَدَدُ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَالثُّلُثَانِ لِلْبَنَاتِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ، وَالثُّمُنُ لِلزَّوْجَةِ مَعَ الْوَلَدِ، وَلَا مُعَادَّةَ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا انْتَفَى الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالثُّمُنُ بَقِيَ النِّصْفُ وَالرُّبْعُ وَالسُّدُسُ، وَمَعَ الرُّبْعِ مَتَى كَانَتْ الْمُقَاسَمَةُ أَحَظَّ لَهُ بَقِيَ لِلْإِخْوَةِ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ؛ فَهُوَ لِوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ، وَإِلَّا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرُّبْعُ لِلْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ، فَيَبْقَى لِلْإِخْوَةِ النِّصْفُ؛ فَهُوَ لِلشَّقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُهَا، وَلَا يَبْقَى لِوَلَدِ الْأَبِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ هُوَ النِّصْفُ فَالْبَاقِي بَعْدَهُ وَبَعْدَ مَا يَأْخُذُهُ الْجَدُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ دُونَ النِّصْفِ؛ فَتَأْخُذُهُ الْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ، وَلَا يَبْقَى لِوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ شَيْءٌ، فَوَجَبَ إنْ كَانَ فَرْضٌ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرَ السُّدُسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَسَائِلِ الْمُعَادَةِ فَرْضٌ، لَمْ يَفْضُلْ عَنْ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ مَعَ وَلَدِ أَبٍ وَجَدٍّ أَكْثَرُ مِنْ السُّدُسِ؛ لِأَنَّ أَدْنَى مَا لِلْجَدِّ الثُّلُثُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَعْدَهُمَا هُوَ السُّدُسُ، وَتَارَةً لَا يَبْقَى شَيْءٌ (فَجَدٌّ وَ) أُخْتٌ (شَقِيقَةٌ وَأَخٌ وَأُخْتٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 576 لِأَبٍ) فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، لِأَنَّ فِيهَا نِصْفًا وَثُلُثًا وَمَا بَقِيَ (لِلْجَدِّ ثُلُثُ) الْمَالِ اثْنَانِ (وَلِلْأُخْتِ نِصْفُ) الْمَالِ ثَلَاثَةٌ (وَ) يَبْقَى (لِوَلَدَيْ الْأَبِ سُدُسٌ) وَاحِدٌ (عَلَى ثَلَاثَةٍ) لَا يَنْقَسِمُ وَيُبَايَنُ (فَ) اضْرِبْ الثَّلَاثَةَ فِي السِّتَّةِ (تَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) لِلْجَدِّ سِتَّةٌ؛ وَلِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ تِسْعَةٌ، وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ سَهْمٌ، وَلِلْأَخِ لِأَبٍ سَهْمَانِ، وَكَذَا جَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ، تَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، لِلْجَدِّ سِتَّةٌ، وَلِلَّتِي لِأَبَوَيْنِ تِسْعَةٌ، وَلِلْبَاقِيَاتِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَهْمٌ. (وَمِنْ ذَلِكَ الزَّيْدِيَّاتُ الْأَرْبَعُ) . إحْدَاهُنَّ (الْعَشْرِيَّةُ، وَهِيَ جَدٌّ وَ) أُخْتٌ (شَقِيقَةٌ وَأَخٌ لِأَبٍ) أَصْلُهَا عَدَدُ رُءُوسِهِمْ خَمْسَةٌ، لِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ سَهْمَانِ وَنِصْفٌ؛ وَالْبَاقِي لِلْأَخِ، فَتَنْكَسِرُ عَلَى النِّصْفِ؛ فَاضْرِبْ مُخْرَجَهُ اثْنَيْنِ فِي خَمْسَةٍ، فَتَصِحُّ مِنْ عَشْرَةٍ، لِلْجَدِّ أَرْبَعَةٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ خَمْسَةٌ، وَلِلْأَخِ لِلْأَبِ وَاحِدٌ. (وَ) الثَّانِيَةُ (الْعِشْرِينِيَّةُ) وَهِيَ (جَدٌّ وَ) أُخْتٌ (شَقِيقَةٌ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ) أَصْلُهَا عَدَدُ رُءُوسِهِمْ خَمْسَةٌ، لِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلِلشَّقِيقَةِ سَهْمَانِ وَنِصْفٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ رُبْعُ سَهْمٍ، فَتَنْكَسِرُ عَلَى الرُّبْعِ، فَاضْرِبْ مُخْرَجَهُ أَرْبَعَةً فِي خَمْسَةٍ؛ فَتَصِحُّ مِنْ عِشْرِينَ، لِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ عَشَرَةٌ، وَلِكُلِّ أُخْتٍ لِأَبٍ وَاحِدٌ. (وَ) الثَّالِثَةُ (مُخْتَصَرَةُ زَيْدٍ) وَهِيَ (أُمٌّ وَجَدٌّ وَ) أُخْتٌ (شَقِيقَةٌ وَأَخٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ) لِلْأُمِّ السُّدُسُ؛ لِوُجُودِ الْعَدَدِ مِنْ الْإِخْوَةِ، وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي، لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهُ، وَلِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُهَا، وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الْأَبِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، لِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْجَدِّ خَمْسَةٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ تِسْعَةٌ، يَبْقَى لِوَلَدَيْ الْأَبِ وَاحِدٌ لَا يُقْسَمُ عَلَيْهِمَا، فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ، لِلْأُمِّ تِسْعَةٌ، وَلِلْجَدِّ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَلِلشَّقِيقَةِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْأَخِ لِلْأَبِ سَهْمَانِ، وَلِأُخْتِهِ سَهْمٌ، وَسُمِّيَتْ مُخْتَصَرَةَ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَهَا مِنْ مِائَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 577 وَثَمَانِيَةٍ، وَرَدَّهَا بِالِاخْتِصَارِ إلَى مَا ذُكِرَ، وَبَيَانُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مُخْرَجِ فَرْضِ الْأُمِّ سِتَّةٌ، لِلْأُمِّ وَاحِدٌ، يَبْقَى خَمْسَةٌ عَلَى سِتَّةٍ عَدَدِ رُءُوسِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ لَا تَنْقَسِمُ وَتُبَايَنُ، فَتَضْرِبُ عَدَدَهُمْ فِي سِتَّةٍ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ سِتَّةٍ يَحْصُلُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، لِلْأُمِّ سِتَّةٌ، وَلِلْجَدِّ عَشَرَةٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَبْقَى سَهْمَانِ لِوَلَدَيْ الْأَبِ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَا تَنْقَسِمُ وَتُبَايَنُ، فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ تَبْلُغُ مِائَةً وَثَمَانِيَةً، وَمِنْهَا تَصِحُّ، لِلْأُمِّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَلِلْجَدِّ ثَلَاثُونَ، وَلِلشَّقِيقَةِ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ، وَلِلْأَخِ لِأَبٍ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ سَهْمَانِ، وَالْأَنْصِبَاءُ تَتَّفِقُ بِالنِّصْفِ، فَتُرَدُّ الْمَسْأَلَةُ إلَى نِصْفِهَا، وَنَصِيبُ كُلِّ وَارِثٍ إلَى نِصْفِهِ، فَتُرْجَعُ إلَى مَا ذُكِرَ أَوَّلًا، وَلَوْ اعْتَبَرْت لِلْجَدِّ فِيهَا ثُلُثَ الْبَاقِي لَصَحَّتْ ابْتِدَاءً مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ أَوَّلًا. (وَ) الرَّابِعَةُ (تِسْعِينِيَّةُ زَيْدٍ) وَهِيَ (أُمٌّ وَجَدٌّ وَ) أُخْتٌ (شَقِيقَةٌ وَأَخَوَانِ وَأُخْتٌ لِأَبٍ) لِلْأُمِّ السُّدُسُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي خَمْسَةٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ تِسْعَةٌ، يَفْضُلُ وَاحِدٌ لِأَوْلَادِ الْأَبِ عَلَى خَمْسَةٍ، فَاضْرِبْ خَمْسَةً فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بِتِسْعِينَ، ثُمَّ اقْسِمْ، فَلِلْأُمِّ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَلِلْجَدِّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلشَّقِيقَةِ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَلِكُلِّ أَخٍ لِأَبٍ سَهْمَانِ، وَلِأُخْتِهِمَا سَهْمٌ. [تَتِمَّةٌ اجْتَمَعَ مَعَ الْجَدِّ أُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ لِأَبٍ] تَتِمَّةٌ: فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَ الْجَدِّ، أُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ لِأَبٍ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ خَمْسَةٍ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، لِلْجَدِّ سَهْمَانِ، لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ، وَلِلْأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ سَهْمَانِ، وَهُمَا نَاقِصَانِ عَنْ الثُّلُثَيْنِ، فَيَسْتَرِدَّانِ مَا فِي أَيْدِي الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَهُوَ سَهْمٌ، فَلَا تَكْمُلُ الثُّلُثَانِ لَهُمَا، فَيَقْتَصِرُ عَلَى اسْتِرْدَادِ ذَلِكَ، وَلَا عَوْلَ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يُعَصِّبُ الْأَخَوَاتِ، وَإِذَا قُسِمَتْ الثَّلَاثَةُ عَلَى الشَّقِيقَيْنِ، لَمْ تَنْقَسِمْ، فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي خَمْسَةٍ، يَحْصُلُ عَشَرَةٌ، لِلْجَدِّ أَرْبَعَةٌ، وَلِكُلِّ شَقِيقَةٍ ثَلَاثَةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 578 [بَابُ أُصُولِ الْمَسَائِلِ] (أُصُولُ الْمَسَائِلِ) ؛ أَيْ؛ الْمَخَارِجِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهَا فُرُوضُهَا. وَالْمَسَائِلُ جَمْعُ مَسْأَلَةٍ، مَصْدَرُ سَأَلَ بِمَعْنَى مَسْئُولَةٍ (مَتَى كَانَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ عَصَبَاتٍ، فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ) حَيْثُ تَسَاوَوْا وَتَعَدَّدُوا (مِنْ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ) ؛ أَيْ: الْعَصَبَاتِ (أُنْثَى) كَالشَّقِيقَةِ أَوْ لِأَبٍ مَعَ أَخِيهَا (فَ) يَكُونُ (الذَّكَرُ بِرَأْسَيْنِ وَالْأُنْثَى بِرَأْسٍ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ) ؛ أَيْ: مَعَ الْعَصَبَاتِ (صَاحِبَ فَرْضٍ فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ هُوَ مَخْرَجُ فَرْضِهَا، أَوْ) مَخْرَجُ (فُرُوضِهَا) إنْ تَعَدَّدَتْ الْفُرُوضُ فِيهَا. (وَأُصُولُ الْمَسَائِلِ سَبْعٌ) لِأَنَّ الْفُرُوضَ الْقُرْآنِيَّةَ سِتَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَخَارِجُهَا مُفْرَدَةٌ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ مَخْرَجُهُمَا وَاحِدٌ، فَالنِّصْفُ مِنْ اثْنَيْنِ، وَالثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ، وَالثُّمُنُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَالرُّبُعُ مَعَ الثُّلُثِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ أَوْ السُّدُسُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَالثُّمُنُ مَعَ السُّدُسِ أَوْ لِلثُّلُثَيْنِ أَوْ مَعَهُمَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَصَارَتْ سَبْعَةً، وَإِذَا نَظَرْتَ لِلثُّلُثِ الْبَاقِي الثَّابِتِ بِالِاجْتِهَادِ زِدْتَ عَلَى هَذِهِ السَّبْعَةِ أَصْلَيْنِ فِي بَابِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي كُتُبِ الْفَرَائِضِ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. فَمِنْ الْأُصُولِ السَّبْعَةِ (اثْنَانِ وَثَلَاثٌ وَأَرْبَعٌ وَثَمَانٌ، وَ) هَذِهِ الْأُصُولُ الْأَرْبَعَةُ (لَا تَعُولُ) لِأَنَّ الْعَوْلَ ازْدِحَامُ الْفُرُوضِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ هُنَا (وَسِتٌّ وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَ وَعِشْرُونَ، وَ) هَذِهِ الْأُصُولُ الثَّلَاثَةِ (تَعُولُ، فَغَيْرُ الْعَائِلِ هُوَ مَا) كَانَ (فِيهِ فَرْضٌ) وَاحِدٌ (أَوْ) كَانَ فِيهِ (فَرْضَانِ مِنْ نَوْعٍ) وَاحِدٍ (فَالنِّصْفُ وَالرُّبُعُ وَالثُّمُنُ نَوْعٌ) لِأَنَّ مَخْرَجَ أَقَلِّهَا مَخْرَجٌ لَهَا (وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ نَوْعٌ) كَذَلِكَ (فَنِصْفَانِ كَزَوْجٍ وَ) أُخْتٍ (شَقِيقَةٍ أَوْ) زَوْجٍ وَأُخْتٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 579 (لِأَبٍ) مِنْ اثْنَيْنِ مَخْرَجِ النِّصْفِ (وَتُسَمَّيَانِ الْيَتِيمَتَيْنِ) تَشْبِيهًا بِالدُّرَّةِ الْيَتِيمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ مُتَسَاوِيَانِ وَرِثَ بِهِمَا الْمَالَ كُلَّهُ، وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا، وَيُسَمَّيَانِ أَيْضًا النِّصْفِيَّتَيْنِ (أَوْ نِصْفٌ وَالْبَقِيَّةُ كَزَوْجٍ وَأَبٍ) أَوْ أَخٍ لِغَيْرِ أُمٍّ أَوْ عَمٍّ أَوْ ابْنِهِ كَذَلِكَ (مِنْ اثْنَيْنِ) مَخْرَجِ النِّصْفِ، لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ، وَالْبَاقِي لِلْعَاصِبِ (وَثُلُثَانِ) وَالْبَقِيَّةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ كَبِنْتَيْنِ وَأَخٍ لِغَيْرِ أُمٍّ (أَوْ ثُلُثٌ وَالْبَقِيَّةُ) مِنْ ثَلَاثَةٍ كَأَبَوَيْنِ، لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ (أَوْ هُمَا) ؛ أَيْ: الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ كَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِغَيْرِهَا كَذَلِكَ (مِنْ ثَلَاثَةٍ) مَخْرَجِ الثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثُ لِاتِّحَادِهِمَا (وَرُبُعٌ وَالْبَقِيَّةُ) مِنْ أَرْبَعَةٍ كَزَوْجَةٍ وَعَمٍّ أَوْ زَوْجٍ وَابْنِ عَمٍّ (أَوْ) رُبُعٌ (مَعَ نِصْفٍ) كَزَوْجَةٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَعَمٍّ أَوْ زَوْجٍ وَبِنْتٍ وَعَمٍّ (مِنْ أَرْبَعَةٍ) مَخْرَجِ الرُّبُعِ وَمَخْرَجُ النِّصْفِ دَاخِلٌ فِيهَا (وَثُمُنٌ وَالْبَقِيَّةُ) كَزَوْجَةٍ وَابْنٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ مَخْرَجِ الثُّمُنِ (أَوْ) ثُمُنٌ (مَعَ نِصْفٍ) كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَعَمٍّ (مِنْ ثَمَانِيَةٍ) لِدُخُولِ مَخْرَجِ النِّصْفِ فِي مَخْرَجِ الثُّمُنِ، فَهَذِهِ الْأُصُولُ الْأَرْبَعَةُ لَا عَوْلَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْعَوْلَ ازْدِحَامُ الْفُرُوضِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ فِي أَصْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ. (وَتُسَمَّى الْمَسْأَلَةُ الَّتِي لَا عَوْلَ فِيهَا وَلَا رَدَّ) وَلَا عَاصِبَ (الْعَادِلَةُ، لِاسْتِوَاءِ مَالِهَا وَفُرُوضِهَا) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِمُسَاوَاةِ فُرُوضِهَا لِلْمَالِ، فَهِيَ بِعِدْلِهِ - أَيْ: قَدْرِهِ - فَإِنْ كَانَ فِيهَا عَاصِبٌ؛ فَنَاقِصَةٌ، وَأَصْلُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثَةٍ تَارَةً يَكُونُ عَادِلًا، وَتَارَةً يَكُونُ نَاقِصًا، وَأَصْلُ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِيَةٍ لَا يَكُونُ إلَّا نَاقِصًا. (وَ) الْأُصُولُ (الَّتِي تَعُولُ) ؛ أَيْ: يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْعَوْلُ ثَلَاثَةٌ إذَا زَادَتْ فُرُوضُهَا، وَهِيَ أَصْلُ سِتَّةٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (مَا) اجْتَمَعَ فِي (فَرْضِهَا نَوْعَانِ فَأَكْثَرُ) مِنْ نَوْعَيْنِ، كَنِصْفٍ مَعَ ثُلُثٍ أَوْ ثُلُثَيْنِ، أَوْ كَرُبُعٍ وَسُدُسٍ، أَوْ ثُلُثٍ أَوْ ثُلُثَيْنِ، وَكَثُمُنٍ وَثُلُثَيْنِ وَسُدُسٍ، وَالِاجْتِمَاعُ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِلَّا فَالسُّدُسُ وَمَا بَقِيَ مِنْ سِتَّةٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهَا فَرْضَانِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 580 (وَالْعَوْلُ) يُقَالُ: عَالَ الشَّيْءُ إذَا زَادَ وَغَلَبَ، قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": وَالْفَرِيضَةُ عَالَتْ فِي الْحِسَابِ: زَادَتْ وَارْتَفَعَتْ، وَعُلْتُهَا وَأَعَلْتُهَا. وَهُوَ اصْطِلَاحًا (زِيَادَةٌ فِي السِّهَامِ وَنَقْصٌ فِي الْأَنْصِبَاءِ) ؛ أَيْ: أَنْصِبَاءِ الْوَرَثَةِ (فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ النِّصْفِ سُدُسٌ) فَمِنْ سِتَّةٍ، كَبِنْتٍ وَأُمٍّ وَعَمٍّ (أَوْ) اجْتَمَعَ مَعَ النِّصْفِ (ثُلُثٌ) كَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَأُمٍّ وَعَمٍّ، فَمِنْ سِتَّةٍ (أَوْ) اجْتَمَعَ مَعَ النِّصْفِ (ثُلُثَانِ) كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِغَيْرِ أُمٍّ (فَمِنْ سِتَّةٍ) لِأَنَّ مَخْرَجَ النِّصْفِ اثْنَانِ وَمَخْرَجَ الثُّلُثَيْنِ أَوْ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ، وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ، فَتَضْرِبُ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ يَبْلُغُ سِتَّةً، وَأَمَّا النِّصْفُ مَعَ السُّدُسِ؛ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِمَخْرَجِ السُّدُسِ، لِدُخُولِ مَخْرَجِ النِّصْفِ فِيهِ (وَتَصِحُّ) الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ (بِلَا عَوْلٍ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ) لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَاحِدٌ، وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ اثْنَانِ (وَتُسَمَّى مَسْأَلَةُ الْإِلْزَامِ) وَمَسْأَلَةُ الْمُنَاقَضَةِ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَحْجُبُ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ إلَّا بِثَلَاثَةٍ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَلَا يَرَى الْعَوْلَ، وَيَرُدُّ النَّقْصَ مَعَ ازْدِحَامِ الْفُرُوضِ عَلَى مَنْ يَصِيرُ عَصَبَةً فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِتَعْصِيبِ ذَكَرٍ لَهُنَّ، وَهُنَّ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ لِغَيْرِ أُمٍّ، فَأَلْزَمَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ أَعْطَى لِلْأُمِّ الثُّلُثَ لِكَوْنِ الْإِخْوَةِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَأَعْطَى وَلَدَيْهَا الثُّلُثَ، عَالَتْ الْمَسْأَلَةُ وَهُوَ لَا يَرَاهُ، وَإِنْ أَعْطَاهَا سُدُسًا فَقَدْ نَاقَضَ مَذْهَبَهُ فِي حَجْبِهَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ، وَإِنْ أَعْطَاهَا ثُلُثًا وَأَدْخَلَ النَّقْصَ عَلَى وَلَدَيْهَا فَقَدْ نَاقَضَ مَذْهَبَهُ فِي إدْخَالِ النَّقْصِ عَلَى مَنْ لَا يَصِيرُ عَصَبَةً بِحَالٍ. (وَتَعُولُ) السِّتَّةُ (تَوَالِيًا إلَى سَبْعَةٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِغَيْرِ أُمٍّ) أَوْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِلْأَبَوَيْنِ وَجَدَّةٍ، أَوْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَجَدَّةٍ أَوْ وَلَدِ أُمٍّ، لِلزَّوْجِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتَيْنِ لِغَيْرِ الْأُمِّ الثُّلُثَانِ (وَهَذِهِ أَوَّلُ فَرِيضَةٍ عَالَتْ فِي الْإِسْلَامِ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ النِّصْفُ، وَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ النِّصْفُ، وَلِلْجَدَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 581 أَوْ وَلَدِ الْأَبِ السُّدُسُ (وَ) تَعُولُ (إلَى ثَمَانِيَةٍ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِغَيْرِ أُمٍّ) لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ اثْنَانِ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ (وَتُسَمَّى الْمُبَاهَلَةَ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهَا: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ. إنَّ الْمَسَائِلَ لَا تَعُولُ إنَّ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ فِي مَالٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا، هَذَانِ نِصْفَانِ ذَهَبَا بِالْمَالِ، فَأَيْنَ مَوْضِعُ الثُّلُثِ؟ وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ قَدَّمُوا مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ، وَأَخَّرُوا مَنْ أَخَّرَ اللَّهُ مَا عَالَتْ مَسْأَلَةٌ قَطُّ، فَقِيلَ لَهُ لِمَ لَا أَظْهَرْتَ هَذَا فِي زَمَنِ عُمَرَ؟ قَالَ: كَانَ مَهِيبًا فَهِبَتُهُ. وَالْمُبَاهَلَةُ الْمُلَاعَنَةُ، وَالتَّبَاهُلُ التَّلَاعُنُ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": مَنْ أَهْبَطَهُ مِنْ فَرِيضَةٍ إلَى فَرِيضَةٍ فَذَاكَ الَّذِي قَدَّمَهُ اللَّهُ، كَالزَّوْجَيْنِ وَالْأُمِّ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرْضٌ، ثُمَّ يُحْجَبُ إلَى فَرْضٍ آخَرَ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ، وَأَمَّا مَنْ أَهْبَطَهُ مِنْ فَرْضٍ إلَى مَا بَقِيَ، كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ فَإِنَّهُنَّ يُفْرَضَ لَهُنَّ، فَإِذَا كَانَ مَعَهُنَّ إخْوَتُهُنَّ؛ وَرِثُوا بِالتَّعْصِيبِ، فَكَانَ لَهُمْ مَا بَقِيَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. انْتَهَى. وَأَوَّلُ فَرِيضَةٍ عَالَتْ حَدَثَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ، فَجَمَعَ الصَّحَابَةَ لِلْمَشُورَةِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَرَى أَنْ يُقْسَمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ، فَأَخَذَ بِهِ عُمَرُ، وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَالَفَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ (وَ) تَعُولُ (إلَى تِسْعَةٍ كَزَوْجٍ وَوَلَدَيْ أُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِغَيْرِهَا) لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِوَلَدَيْ الْأُمِّ الثُّلُثُ اثْنَانِ، وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ (وَتُسَمَّى الْغَرَّاءُ) لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْمُبَاهَلَةِ، وَاشْتَهَرَ بِهَا الْعَوْلُ (وَ) تُسَمَّى (الْمَرْوَانِيَّةُ) لِحُدُوثِهَا زَمَنَ مَرْوَانَ. وَكَذَا زَوْجٌ وَأُمٌّ وَثَلَاثٌ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ (وَ) تَعُولُ (إلَى عَشَرَةٍ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِغَيْرِهَا وَتُسَمَّى) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (أُمَّ الْفُرُوخِ) لِكَثْرَةِ مَا فَرَّخَتْ فِي الْعَوْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ أُمَّ الْفُرُوخِ لَقَبٌ لِكُلِّ عَائِلَةٍ إلَى عَشَرَةٍ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ. وَلَا تَعُولُ السِّتَّةُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهَا اجْتِمَاعُ أَكْثَرِ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوضِ، وَإِذَا عَالَتْ إلَى ثَمَانِيَةٍ أَوْ تِسْعَةٍ أَوْ عَشَرَةٍ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ فِيهَا إلَّا امْرَأَةً؛ إذْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ زَوْجٍ (وَرُبُعٍ مَعَ ثُلُثَيْنِ) كَزَوْجٍ وَبِنْتَيْنِ وَعَمٍّ، وَكَزَوْجَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 582 وَشَقِيقَتَيْنِ وَعَمٍّ، مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِتَبَايُنِ الْمَخْرَجَيْنِ (أَوْ) رُبُعٌ مَعَ (ثُلُثٍ) كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِغَيْرِهَا، مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) رُبُعٌ مَعَ (سُدُسٍ) كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَجَدَّةٍ وَعَمٍّ (مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ) لِتَوَافُقِ مَخْرَجِ الرُّبُعِ وَالسُّدُسِ بِالنِّصْفِ، وَحَاصِلُ ضَرْبِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ مَا ذُكِرَ (وَتَصِحُّ بِلَا عَوْلٍ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَعَمٍّ) لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ، وَلِوَلَدِ الْأُمِّ السُّدُسُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى ثَلَاثَةٌ يَأْخُذُهَا الْعَمُّ، وَكَذَا زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَخَمْسَةُ بَنِينَ، وَكَذَا زَوْجٌ وَابْنَتَانِ وَأُخْتٌ لِغَيْرِ أُمٍّ. (وَتَعُولُ) الِاثْنَا عَشَرَ (أَفْرَادًا) لَا أَشْفَاعًا (إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ) إذَا كَانَ مَعَ الرُّبُعِ ثُلُثَانِ وَسُدُسٌ أَوْ نِصْفٌ وَثُلُثٌ (كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَبِنْتَيْنِ) لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ اثْنَانِ، وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ، وَكَزَوْجَةٍ وَأُخْتٍ لِغَيْرِ، أُمٍّ وَوَلَدَيْ أُمٍّ، لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ سِتَّةٌ، وَلِوَلَدَيْ الْأُمِّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ (وَ) تَعُولُ (إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ) إذَا كَانَ مَعَ الرُّبُعِ ثُلُثَانِ وَسُدُسَانِ أَوْ ثُلُثٌ (كَزَوْجٍ وَبِنْتَيْنِ وَأَبَوَيْنِ) لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ اثْنَانِ، وَكَذَا زَوْجَةٌ وَأُخْتَانِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَوَلَدُ أُمٍّ (وَ) تَعُولُ (إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ) ، إذَا كَانَ مَعَ الرُّبُعِ ثُلُثَانِ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ (كَثَلَاثِ زَوْجَاتٍ وَجَدَّتَيْنِ وَأَرْبَعِ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَمَانِ أَخَوَاتٍ لِغَيْرِهَا) لِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدٌ وَلِلْجَدَّتَيْنِ السُّدُسُ اثْنَانِ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدٌ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدٌ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِغَيْرِهَا الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدٌ (وَتُسَمَّى أُمَّ الْأَرَامِلِ) وَأُمَّ الْفُرُوجِ بِالْجِيمِ؛ لِأُنُوثَةِ الْجَمِيعِ، وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِيهَا سَبْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ دِينَارٌ، وَتُسَمَّى السَّبْعَةَ عَشْرِيَّةٍ، وَالدِّينَارِيَّةَ الصُّغْرَى (وَلَا بُدَّ فِي هَذَا الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ) بِشَهَادَةِ الِاسْتِقْرَاءِ، وَيُعَايَا بِهَا، فَيُقَالُ: سَبْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً مِنْ جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ اقْتَسَمْنَ مَالَ الْمَيِّتِ، حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سَهْمٌ، وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: قُلْ لِمَنْ يَقْسِمُ الْفَرَائِضَ وَاسْأَلْ ... إنْ سَأَلَتْ الشُّيُوخَ وَالْأَحْدَاثَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 583 مَاتَ مَيِّتٌ عَنْ سَبْعَ عَشْرَةَ أُنْثَى ... مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى فَحُزْنَ التُّرَاثَا أَخَذَتْ هَذِهِ كَمَا أَخَذَتْ تِلْكَ ... عَقَارًا وَدِرْهَمًا وَأَثَاثًا وَكَذَا زَوْجَةٌ وَأُمٌّ وَأُخْتَانِ لَهَا وَأُخْتَانِ لِغَيْرِهَا، وَلَا تَعُولُ الِاثْنَا عَشَرَ إلَى أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَلَا يَكُونُ الْمَيِّتُ فِيهَا إلَّا ذَكَرًا (وَ) لَوْ اجْتَمَعَ (ثُمُنٌ مَعَ سُدُسٍ) فَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ؛ إذْ مَخْرَجُ الثُّمُنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَالسُّدُسِ مِنْ سِتَّةٍ، وَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالنِّصْفِ، فَإِذَا ضَرَبْتَ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ؛ حَصَلَ مَا ذُكِرَ، لِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ، وَلِلِابْنِ سَبْعَةَ عَشَرَ (أَوْ) اجْتَمَعَ ثُمُنٌ مَعَ (ثُلُثَيْنِ) ، كَزَوْجَةٍ، وَبِنْتَيْنِ، وَعَمٍّ، فَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِتَبَايُنِ مَخْرَجِ الثُّمُنِ وَالثُّلُثَيْنِ. (أَوْ) اجْتَمَعَ الثُّمُنُ (مَعَهُمَا) ؛ أَيْ: مَعَ الثُّلُثَيْنِ وَالسُّدُسِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْ ابْنٍ وَأُمٍّ وَعَمٍّ فَمِ (ن أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ) لِلتَّوَافُقِ بَيْنَ مَخْرَجِ السُّدُسِ وَالثُّمُنِ مَعَ دُخُولِ مَخْرَجِ الثُّلُثَيْنِ فِي مَخْرَجِ السُّدُسِ، وَلَا يَجْتَمِعُ الثُّمُنُ مَعَ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الثُّمُنَ لَا يَكُونُ إلَّا لِزَوْجَةٍ مَعَ فَرْعِ وَارِثٍ، وَلَا يَكُونُ الثُّلُثُ فِي مَسْأَلَةٍ فِيهَا فَرْعٌ وَارِثٌ. (وَتَصِحُّ) الْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ (بِلَا عَوْلٍ، كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَاثْنَيْ عَشَرَ أَخًا وَأُخْتًا) لِغَيْرِ أُمٍّ، لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ سِتَّةَ عَشَرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ، يَبْقَى لِلْإِخْوَةِ وَالْأُخْتِ وَاحِدٌ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ خَمْسَةٌ وَعِشْرِينَ لَا يَنْقَسِمُ؛ فَتَصِحُّ مِنْ سِتِّمِائَةٍ، لِلزَّوْجَةِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، وَلِلْبِنْتَيْنِ أَرْبَعُمِائَةِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِائَتَانِ، وَلِلْأُمِّ مِائَةٌ، يَبْقَى لِلْإِخْوَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، لِكُلِّ أَخٍ سَهْمَانِ، وَلِلْأُخْتِ سَهْمٌ (وَتُسَمَّى الدِّينَارِيَّةَ) الْكُبْرَى، لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَلِيٍّ: إنَّ أَخِي مِنْ أَبِي وَأُمِّي مَاتَ، وَتَرَكَ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ وَأَنَابَنِي مِنْهُ دِينَارٌ وَاحِدٌ، فَقَالَ: لَعَلَّ أَخَاكِ لَمْ يَخْلُفْ مِنْ الْوَرَثَةِ إلَّا كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: قَدْ اسْتَوْفَيْتِ حَقَّكِ (وَ) تُسَمَّى (الرِّكَابِيَّةَ) وَالشَّاكِيَةَ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: إنَّ الْمَرْأَةَ أَخَذَتْ بِرِكَابِ عَلِيٍّ، وَاشْتَكَتْ إلَيْهِ عِنْدَ إرَادَةِ الرُّكُوبِ. (وَتَعُولُ) الْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ (إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ لَا غَيْرُ) إذَا كَانَ فِيهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 584 ثُمُنٌ وَثُلُثَانِ وَسُدُسَانِ (كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ) أَوْ بِنْتَيْ ابْنٍ فَأَكْثَرَ (وَأَبَوَيْنِ) أَوْ جَدٍّ وَجَدَّةٍ، لِلزَّوْجَةِ الثَّمَنُ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ بِنْتَيْ الِابْنِ فَأَكْثَرَ الثُّلُثَانِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ، وَلَا تَعُولُ الْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ إلَى أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَلَا تَكُونُ الِاثْنَا عَشَرَ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ عَادِلَتَيْنِ أَبَدًا، بَلْ إمَّا نَاقِصَتَانِ أَوْ عَائِلَتَانِ (وَتُسَمَّى) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (الْبَخِيلَةُ لِقِلَّةِ عَوْلِهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تَعُلْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةَ (وَ) تُسَمَّى (الْمِنْبَرِيَّةَ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (سُئِلَ عَنْهَا) وَهُوَ (عَلَى الْمِنْبَرِ) يَخْطُبُ، وَقِيلَ: إنَّ صَدْرَ خُطْبَتِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْكُمُ بِالْحَقِّ قَطْعًا، وَيَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى، وَإِلَيْهِ الْمَآبُ وَالرُّجْعَى، فَسُئِلَ (فَقَالَ صَارَ ثُمُنُهَا تُسْعًا) وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ؛ أَيْ: كَانَ لِلْمَرْأَةِ قَبْلَ الْعَوْلِ ثُمُنٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَصَارَ بِالْعَوْلِ تُسْعًا، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ (وَلَا يَكُونُ الْمَيِّتُ فِيهَا) ؛ أَيْ: فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْبَعَةِ وَعِشْرِينَ (إلَّا زَوْجًا) بِدَلِيلِ الِاسْتِقْرَاءِ، وَلِأَنَّ الثُّمُنَ لَا يَكُونُ إلَّا لِزَوْجَةٍ فَأَكْثَرَ مَعَ فَرْعٍ وَارِثٍ. تَتِمَّةٌ: وَفُرُوضٌ مِنْ نَوْعٍ تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ فَقَطْ، وَهِيَ أُمٌّ وَإِخْوَةٌ لِأُمٍّ وَأُخْتَانِ فَأَكْثَرَ لِغَيْرِهَا. [بَابُ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ] (بَابُ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أُصُولِ الْمَسَائِلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَصْحِيحِهَا، وَمَعْنَى التَّصْحِيحِ أَنْ يَحْصُلَ أَقَلُّ عَدَدٍ إذَا قُسِّمَ عَلَى الْوَرَثَةِ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ خَرَجَ نَصِيبُ كُلِّ فَرْدٍ سَهْمٌ صَحِيحٌ بِلَا كَسْرٍ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ هَذَا الْفَرْضُ مِنْ عَدَدٍ دُونِهِ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْفَاضِلُ، وَالثَّانِي مَعْرِفَةُ جُزْءِ السَّهْمِ، وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَابَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مُقَابَلَةُ السِّهَامِ مِنْ مَسْأَلَةِ التَّأْصِيلِ وَرُءُوسِ أَصْحَابِهَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 585 وَالثَّانِي مُقَابَلَةُ رُءُوسِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْوَرَثَةِ بِنَوْعٍ آخَرَ بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ انْقِسَامُ سِهَامِ النَّوْعِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ بَقِيَ أَوْ رَجَعَ إلَى وَقْفٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا انْقَسَمَتْ سِهَامُ كُلِّ فَرِيقٍ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الضَّرْبِ. ثُمَّ الِانْكِسَارُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى فَرِيقٍ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَا يَتَجَاوَزُهَا فِي الْفَرَائِضِ، أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ اتِّفَاقًا. (إذَا) عَلِمْتَ ذَلِكَ فَمَتَى (انْكَسَرَ سِهَامُ فَرِيقٍ عَلَيْهِ) فَلَمْ يَنْقَسِمْ قِسْمَةً صَحِيحَةً، وَالْفَرِيقُ وَالْحِزْبُ وَالْحَيِّزُ: جَمَاعَةٌ اشْتَرَكُوا فِي فَرْضٍ أَوْ مَا أَبْقَتْ الْفُرُوضُ (نَظَرْتَ بَيْنَ) ذَلِكَ (الْفَرِيقِ) الَّذِي انْكَسَرَ عَلَيْهِ الْعَدَدُ. (وَ) بَيْنَ سِهَامِهِ (فَإِنْ تَبَايَنَا) ؛ أَيْ: الْمَقْسُومُ وَالْمَقْسُومُ عَلَيْهِ (كَثَلَاثَةٍ وَاثْنَيْنِ) مِثَالُهُ زَوْجٌ وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ، أَصْلُ مَسْأَلَتِهِمْ مِنْ اثْنَيْنِ، لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ، يَبْقَى لِلْإِخْوَةِ وَاحِدٌ، يُبَايِنُ الثَّلَاثَةَ عَدَدَهُمْ، فَاضْرِبْهَا فِي اثْنَيْنِ يَحْصُلُ سِتَّةٌ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْإِخْوَةِ ثَلَاثَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (ضَرَبْتُ عَدَدَ الْفَرِيقِ) الْمُبَايِنِ عَدَدِهِ لِسِهَامِهِ (وَيُسَمَّى) عَدَدُ الْفَرِيقِ (جُزْءَ السَّهْمِ) ؛ أَيْ: حَظَّ السَّهْمِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْمُصَحَّحِ، وَذَلِكَ لِأَنَّكَ إذَا قَسَمْتَ الْمُصَحَّحَ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ خَرَجَ لِكُلِّ سَهْمٍ مِنْهَا ذَلِكَ الْمَضْرُوبُ فِيهَا، وَكَذَا كُلُّ عَدَدَيْنِ ضَرَبْتَ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ إذَا قَسَمْتَ الْحَاصِلَ عَلَى أَحَدِهِمَا خَرَجَ الثَّانِي وَالْجُزْءُ وَالْحَظُّ وَالنَّصِيبُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِضَرَبْت، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ، فَإِذَا أَرَدْتَ الْقِسْمَةَ فَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي الْعَدَدِ الَّذِي ضُرِبَتْ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ، فَمَا بَلَغَ فَهُوَ لَهُ إنْ كَانَ وَاحِدًا، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً قَسَمْتُهُ عَلَيْهِمْ، مِثَالُهُ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ سَهْمٌ، يَبْقَى لِلْإِخْوَةِ سَهْمَانِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُوَافِقُهُمْ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُمْ - وَهُوَ ثَلَاثَةٌ - فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ سِتَّةٌ يَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ، وَلِلْأُمِّ سَهْمٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ، وَلِلْإِخْوَةِ سَهْمَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمَانِ، وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 586 مَا كَانَ لِجَمَاعَتِهِمْ (أَوْ) ضَرَبْتَ جُزْءَ السَّهْمِ فِي (مَبْلَغِهَا بِالْعَوْلِ إنْ عَالَتْ، فَمَا بَلَغَ) الضَّرْبُ (فَمِنْهُ تَصِحُّ) مِثَالُهُ زَوْجَةٌ وَأُمٌّ وَخَمْسُ شَقِيقَاتٍ، أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ اثْنَانِ، وَلِلشَّقِيقَاتِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ عَلَى خَمْسَةٍ، عَدَدُ رُءُوسِهِنَّ لَا يَنْقَسِمُ وَيُبَايِنُ، فَاضْرِبْ خَمْسَةً فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ بِخَمْسَةٍ وَسِتِّينَ، لِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ فِي خَمْسَةٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ فِي خَمْسَةٍ بِعَشْرَةٍ، وَلِلشَّقِيقَاتِ ثَمَانِيَةٌ فِي خَمْسَةٍ بِأَرْبَعِينَ. (وَإِنْ تَوَافَقَا) ؛ أَيْ: الْمَقْسُومُ وَالْمَقْسُومُ عَلَيْهِ (كَأَرْبَعٍ وَسِتٍّ) مِثَالُهُ زَوْجَةٌ وَسِتُّ أَعْمَامٍ، أَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجَةِ سَهْمٌ، يَبْقَى لِلْأَعْمَامِ ثَلَاثَةٌ لَا تَنْقَسِمُ وَتُوَافَقُ بِالثُّلُثِ، فَإِذَا (رَدَدْتَ الْفَرِيقَ) وَهُوَ الْأَعْمَامُ (إلَى وَفْقِهِ) وَهُوَ اثْنَانِ (وَضَرَبْتَ كَمَا مَرَّ) حَصَلَ ثَمَانِيَةٌ، وَمِنْهُ تَصِحُّ (ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ) مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي جُزْءِ سَهْمِهَا) ؛ أَيْ: الْمَسْأَلَةِ (فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقِ) مِنْ السِّهَامِ فِي التَّصْحِيحِ (عَدَدُ مَا كَانَ لَهُ) عِنْدَ التَّبَايُنِ كَمَا قَدَّمْنَا لَكَ (أَوْ) يَصِيرُ لَهُ (وَفْقُهُ) ؛ أَيْ: وَفْقُ مَا كَانَ لِجَمَاعَتِهِ عِنْدَ التَّوَافُقِ، فَفِي الْمِثَالِ، لِلزَّوْجَةِ وَاحِدٌ فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وَلِلْأَعْمَامِ ثَلَاثَةٌ فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ (وَيَتَأَتَّى الِانْكِسَارُ عَلَى فَرِيقٍ فِي كُلِّ الْأُصُولِ) التِّسْعَةِ، وَأَمَّا فِي أَصْلِ اثْنَيْنِ؛ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ السِّهَامِ وَالرُّءُوسِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ النِّصْفِ وَاحِدٌ، وَالْوَاحِدُ يُبَايِنُ كُلَّ عَدَدٍ، وَالنَّظَرُ بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالسِّهَامِ يَكُونُ بِالْمُبَايَنَةِ أَوْ الْمُوَافَقَةِ، لَا الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُدَاخَلَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالسِّهَامِ لَيْسَ فِيهَا انْكِسَارٌ، فَالْمُدَاخَلَةُ إنْ كَانَتْ الرُّءُوسُ دَاخِلَةً فِي السِّهَامِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَنَظَرُوا بِاعْتِبَارِ الْمُوَافَقَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُتَدَاخِلَيْنِ مُتَوَافِقَانِ مَعَ أَنَّ ضَرْبَ الْوَفْقِ أَخَصْرُ مِنْ ضَرْبِ الْكُلِّ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْفَارِضِيَّةِ " (وَإِنْ كَانَ) الِانْكِسَارُ (عَلَى أَكْثَرَ مِنْ فَرِيقٍ) كَعَلَى فَرِيقَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ فِرَقٍ أَوْ أَرْبَعِ فِرَقٍ، وَلَا يَتَجَاوَزُهَا فِي الْفَرَائِضِ (نَظَرْتَ بَيْنَ كُلِّ فَرِيقٍ وَسِهَامِهِ بِالْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ لَا غَيْرُ) لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُوَافِقَ كُلُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 587 فَرِيقٍ سِهَامَهُ، أَوْ يُبَايِنَهَا، أَوْ يُوَافِقَ أَحَدَهُمَا وَيُبَايِنَ الْآخَرَ (فَالْمُوَافِقُ تَرُدُّهُ لِوَفْقِهِ، وَالْمُبَايِنُ تُبْقِيهِ بِحَالِهِ، ثُمَّ تَنْظُرُ) ثَانِيًا (بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالرُّءُوسِ) الْمُثَبِّتَاتِ (بِالنِّسَبِ الْأَرْبَعِ) وَهِيَ (الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُدَاخَلَةُ وَالْمُبَايَنَةُ وَالْمُوَافَقَةُ) . (فَإِنْ تَمَاثَلَتْ) الرُّءُوسُ (كُلُّهَا) كَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثَةٍ (فَأَحَدُهَا) ؛ أَيْ: الْمُمَاثِلَاتِ (جُزْءُ السَّهْمِ) يُضْرَبُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِلَا عَوْلٍ أَوْ بِعَوْلِهَا إنْ عَالَتْ كَزَوْجٍ وَثَلَاثِ جَدَّاتٍ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَيُبَايَنُ، وَلِلْإِخْوَةِ مَا بَقِيَ اثْنَانِ لَا يَنْقَسِمُ وَيُبَايَنُ، وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثَةٌ مُتَمَاثِلَانِ، فَاكْتَفِ بِأَحَدِهِمَا، وَاضْرِبْهُ فِي سِتَّةٍ تَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ، وَلِلْجَدَّاتِ وَاحِدٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَهْمٌ، وَلِلْإِخْوَةِ اثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمَانِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْإِخْوَةُ لِأُمٍّ. (أَوْ تَدَاخَلَتْ) كَاثْنَيْنِ وَأَرْبَعَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ، وَاصْطِلَاحُ الْحُسَّابِ أَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ كَسْرُهُ الَّذِي إذَا سُلِّطَ عَلَيْهِ أَفْنَاهُ، فَهُوَ أَخُصُّ مِنْ الْكَسْرِ، فَمَتَى كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مُتَدَاخِلَةً (فَأَكْبَرُهَا) ؛ أَيْ: الْعَدَدِ الْأَكْبَرِ مِنْهَا اجْعَلْهُ جُزْءَ السَّهْمِ، وَاضْرِبْهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ عَوْلِهَا، فَفِي ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَتِسْعَةِ أَعْمَامٍ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مُبَايِنٌ لِعَدَدِهِ، وَعَدَدَاهُمَا مُتَنَاسِبَانِ؛ أَيْ: مُتَدَاخِلَانِ، فَاضْرِبْ التِّسْعَةَ فِي ثَلَاثَةٍ تَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِلْإِخْوَةِ لِأُمٍّ تِسْعَةٌ، لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَعْمَامِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، لِكُلِّ عَمٍّ اثْنَانِ، وَكَذَا إنْ كَانَ الِانْكِسَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ فِرَقٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَتَدَاخَلَتْ، فَتَكْتَفِي بِأَكْثَرِهَا، أَوْ كَانَ الْأَقَلُّ جُزْءًا لِلْأَكْثَرِ، كَثُلُثٍ، أَوْ رُبُعٍ أَوْ ثُمُنٍ، أَوْ نِصْفِ ثُمُنٍ، فَتَكْتَفِي بِالْأَكْثَرِ دَائِمًا. (أَوْ تَبَايَنَتْ) أَعْدَادُ الْفِرَقِ كَخَمْسَةٍ وَسِتَّةٍ وَسَبْعَةٍ ضَرَبْتَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ (فَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ) هُوَ جُزْءُ السَّهْمِ، اضْرِبْهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ عَوْلِهَا، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ، ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِيمَا ضُرِبَتْ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ، كَبِنْتٍ وَخَمْسِ بَنَاتِ ابْنٍ، وَثَلَاثِ جَدَّاتٍ وَسَبْعَةِ أَعْمَامٍ، الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 588 لِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ، وَلِبَنَاتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ وَاحِدٌ، لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَيُبَايَنُ، وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ، وَيُبَايَنُ، وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي كَذَلِكَ، فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ، وَالْحَاصِلُ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي سَبْعَةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةِ، وَهِيَ جُزْءُ السَّهْمِ، فَاضْرِبْهَا فِي سِتَّةٍ تَبْلُغُ سِتَّمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، فَاضْرِبْ لِلْبِنْتِ ثَلَاثَةً فِي مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، وَلِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَاحِدٌ فِي مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجَدَّاتِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَعْمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ. (أَوْ تَوَافَقَتْ) أَعْدَادُ الْفِرَقِ كَأَرْبَعَةٍ وَسِتَّةٍ وَعَشْرَةٍ، أَوْ كَاثْنَيْ عَشَرَ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَعِشْرِينَ، فَلَكَ طَرِيقَتَانِ: إحْدَاهُمَا: طَرِيقُ الْكُوفِيِّينَ، وَهِيَ أَنْ تُحَصِّلَ الْوَفْقَ بَيْنَ أَيِّ عَدَدَيْنِ شِئْتَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقِفَ شَيْئًا مِنْهَا، ثُمَّ إذَا عَرَفْتَ الْوَفْقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهَا، ضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ، فَمَا بَلَغَ فَاحْفَظْهُ، ثُمَّ اُنْظُرْ بَيْنَ الْمَحْفُوظِ وَبَيْنَ الثَّالِثِ، فَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ دَاخِلًا فِيهِ أَوْ مُمَاثِلًا لَهُ؛ لَمْ تَحْتَجْ إلَى ضَرْبِهِ، وَاجْتَزَأْتَ بِالْمَحْفُوظِ، فَهُوَ جُزْءُ السَّهْمِ، فَاضْرِبْهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ، وَإِنْ وَافَقَ الثَّالِثُ الْمَحْفُوظَ ضَرَبْتَ وَفْقَهُ فِيهِ، فَمَا حَصَلَ فَهُوَ جُزْءُ السَّهْمِ، أَوْ يُبَايِنُ الثَّالِثُ الْمَحْفُوظَ، ضَرَبْتَ كُلَّ الثَّالِثِ فِي الْمَحْفُوظِ (فَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ أَوْفَاقِهَا) هُوَ جُزْءُ السَّهْمِ، اضْرِبْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ، وَاقْسِمْ كَمَا سَبَقَ. فَفِي أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَتِسْعِ شَقِيقَاتٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ عَمًّا، الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَسِهَامُ كُلِّ فَرِيقٍ يُبَايِنُهُ، وَإِذَا نَظَرْتَ بَيْنَ تِسْعَةٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ؛ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالثُّلُثِ، فَاضْرِبْ ثُلُثَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، وَانْظُرْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَدِ الزَّوْجَاتِ تَجِدْ عَدَدَ الزَّوْجَاتِ دَاخِلًا فِيهِ، فَالسِّتَّةُ وَالثَّلَاثُونَ جُزْءُ السَّهْمِ، فَاضْرِبْهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ تَقْسِمُهَا لِلزَّوْجَاتِ ثَلَاثَةٌ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 589 بِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلشَّقِيقَاتِ ثَمَانِيَةٌ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِمِائَتَيْنِ وَثَمَانِيَةٍ وَثَمَانِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، وَلِلْأَعْمَامِ وَاحِدَةٌ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ، وَإِنْ تَمَاثَلَ عَدَدَانِ، وَبَايَنَهُمَا الثَّالِثُ، كَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ لِأَبَوَيْنِ وَثَلَاثِ جَدَّاتٍ وَأَرْبَعَةِ أَعْمَامٍ، أَوْ وَافَقَهُمَا الثَّالِثُ كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ أَخًا لِأُمٍّ وَسِتَّةِ أَعْمَامٍ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ أَوْلَادِ الْأُمِّ يُوَافِقُ عَدَدَهُمْ بِالرُّبُعِ، فَتَرُدَّهُمْ إلَى رُبُعِهِمْ أَرْبَعَةً، وَهِيَ مُمَاثَلَةٌ لِعَدَدِ الزَّوْجَاتِ، وَكِلَاهُمَا يُوَافِقُ عَدَدَ الْأَعْمَامِ بِالنِّصْفِ، ضَرَبْتَ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فِي جَمِيعِ الثَّالِثِ إنْ بَايَنَهُمَا كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ، أَوْ ضَرَبْتَ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فِي وَفْقِ الثَّالِثِ إنْ كَانَ مُوَافِقًا كَالْمِثَالِ الثَّانِي، فَمَا بَلَغَ فَهُوَ جُزْءُ السَّهْمِ، فَإِذَا أَرَدْتَ تَتْمِيمَ الْعَمَلِ ضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَمَا حَصَلَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ، وَقِسْمَتُهُ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ تَنَاسَبَ اثْنَانِ، وَبَايَنَهُمَا الثَّالِثُ، كَثَلَاثِ جَدَّاتٍ وَتِسْعِ بَنَاتِ ابْنٍ وَخَمْسَةِ أَعْمَامٍ، أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ سِتَّةٌ، لِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ وَاحِدٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَا يَنْقَسِمُ وَيُبَايَنُ، وَلِبَنَاتِ الِابْنِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ عَلَى ثَلَاثٍ لَا تَنْقَسِمُ وَتُبَايَنُ، وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي وَاحِدٌ عَلَى خَمْسَةٍ لَا يَنْقَسِمُ وَيُبَايَنُ، وَالثَّلَاثَةُ دَاخِلَةٌ فِي التِّسْعَةِ، وَالْخَمْسَةُ مُبَايِنَةٌ لَهُمَا ضَرَبْتَ أَكْثَرَهُمَا وَهُوَ التِّسْعَةُ فِي جَمِيعِ الثَّالِثِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ يَحْصُلُ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، فَهُوَ جُزْءُ السَّهْمِ، ثُمَّ اضْرِبْهَا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ سِتَّةٌ. وَتَصِحُّ مِنْ مِائَتَيْنِ وَسَبْعِينَ، لِلْجَدَّاتِ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَلِبَنَاتِ الِابْنِ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ عِشْرُونَ، وَلِلْأَعْمَامِ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ تِسْعَةٌ، وَإِنْ تَوَافَقَ اثْنَانِ مِنْ أَعْدَادِ الْفِرَقِ، وَبَايَنَهُمَا الثَّالِثُ كَأَرْبَعَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسِتَّةٍ؛ ضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ، ثُمَّ ضَرَبْتَ الْحَاصِلَ فِي الْعَدَدِ الثَّالِثِ الْمُبَايِنِ؛ فَالْحَاصِلُ جُزْءُ السَّهْمِ اضْرِبْهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ اقْسِمْهُ كَمَا مَرَّ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الِانْكِسَارِ عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ (وَيَأْتِي الِانْكِسَارُ عَلَى فَرِيقَيْنِ فِي) كُلِّ الْأُصُولِ (غَيْرَ أَصْلِ اثْنَيْنِ) فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ، وَتَقَدَّمَ. (وَعَلَى ثَلَاثِ) فِرَقٍ (إنَّمَا يَتَأَتَّى) الْكَسْرُ (فِيمَا يَعُولُ) مِنْ أُصُولِ الْمَسَائِلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 590 كَأَصْلِ سِتَّةٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَتَقَدَّمَ مِثَالُ الِانْكِسَارِ عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ (كَجَدَّتَيْنِ وَثَلَاثِ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَعَمَّيْنِ) أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، لِلْجَدَّتَيْنِ السُّدُسُ وَاحِدٌ يُبَايِنُهُمَا، وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ اثْنَانِ يُبَايِنُهُمْ، وَلِلْعَمَّيْنِ الْبَاقِي ثَلَاثَةٌ يُبَايِنُهُمَا، وَبَيْنَ الْجَدَّتَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ مُمَاثَلَةٌ فِي الْعَدَدِ، فَاجْتَزِئْ بِأَحَدِهِمَا، وَاضْرِبْهُ فِي ثَلَاثَةِ رُءُوسِ الْإِخْوَةِ يَبْلُغُ سِتَّةً، وَهِيَ جُزْءُ السَّهْمِ، اضْرِبْهَا فِي سِتَّةٍ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ تَجِدْهَا سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، لِلْجَدَّتَيْنِ وَاحِدٌ فِي سِتَّةٍ بِسِتَّةٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْإِخْوَةِ لِأُمٍّ اثْنَانِ فِي سِتَّةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْعَمَّيْنِ ثَلَاثَةٌ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ تِسْعَةٌ. (وَعَلَى أَرْبَعِ) فِرَقٍ (إنَّمَا يَتَأَتَّى) الْكَسْرُ (فِي) أَصْلِ (اثْنَيْ عَشَرَ وَ) فِي أَصْلِ (أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ) مِنْ الْمَسَائِلِ (كَزَوْجَتَيْنِ وَثَلَاثِ جَدَّاتٍ وَخَمْسَةِ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَعَمَّيْنِ) أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الرُّبُعِ وَالسُّدُسِ، حَاصِلٌ مِنْ ضَرْبِ وَفْقِ الرُّبُعِ فِي كَامِلِ السُّدُسِ، لِلزَّوْجَتَيْنِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ يُبَايِنُهُمَا، وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ اثْنَانِ يُبَايِنُهُنَّ، وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ يُبَايِنُهُمْ، وَلِلْعَمَّيْنِ الْبَاقِي ثَلَاثَةٌ يُبَايِنُهُمَا، وَبَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ مُمَاثَلَةٌ فِي عَدَدِ الرُّءُوسِ، فَاجْتَزِئْ بِأَحَدِ الْعَدَدَيْنِ، وَاضْرِبْهُ فِي ثَلَاثَةٍ عَدَدِ الْجَدَّاتِ يَبْلُغُ سِتَّةً، اضْرِبْهَا فِي خَمْسَةٍ عَدَدِ رُءُوسِ الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ تَبْلُغُ ثَلَاثِينَ، وَهُوَ جُزْءُ السَّهْمِ، اضْرِبْهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ اثْنَيْ عَشَرَ تَبْلُغُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، لِلزَّوْجَتَيْنِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثِينَ بِتِسْعِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَلِلْجَدَّاتِ اثْنَانِ فِي ثَلَاثِينَ بِسِتِّينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ عِشْرُونَ، وَلِلْإِخْوَةِ لِأُمٍّ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثِينَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْعَمَّيْنِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثِينَ بِتِسْعِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ. وَمِثَالُ الِانْكِسَارِ عَلَى أَرْبَعِ فِرَقٍ فِي أَصْلِ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، كَزَوْجَتَيْنِ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ وَثَلَاثِ جَدَّاتٍ وَعَمَّيْنِ، أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ حَاصِلٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي ثَمَانِيَةٍ، لِلزَّوْجَتَيْنِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةٌ يُبَايِنُهُمَا، وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ سِتَّةَ عَشْرَ تُبَايِنُهُنَّ، وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ تُبَايِنُهُنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 591 وَلِلْعَمَّيْنِ الْبَاقِي وَاحِدٌ يُبَايِنُهُمَا، وَبَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ مُمَاثَلَةٌ فِي عَدَدِ الرُّءُوسِ، فَاجْتَزِئْ بِأَحَدِهِمَا، وَبَيْنَ الْبَنَاتِ وَالْجَدَّاتِ مُمَاثَلَةٌ كَذَلِكَ، فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ، وَهِيَ جُزْءُ السَّهْمِ، اضْرِبْهُ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ تَجِدْهُ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، فَأَعْطِ الزَّوْجَتَيْنِ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ تِسْعَةٌ، وَأَعْطِ الْبَنَاتِ سِتَّةَ عَشَرَ فِي سِتَّةٍ بِسِتَّةٍ وَتِسْعِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، وَأَعْطِ الْجَدَّاتِ أَرْبَعَةً فِي سِتَّةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَمَانِيَةٌ، وَأَعْطِ الْعَمَّيْنِ وَاحِدًا فِي سِتَّةٍ بِسِتَّةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ. (وَلَا يَزِيدُ) الِانْكِسَارُ (عَلَى أَرْبَعَةٍ) مِنْ الْفِرَقِ (فِي غَيْرِ الْوَلَاءِ) وَالْوَصَايَا، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي ذُكِرَتْ طَرِيقَةُ الْكُوفِيِّينَ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي " الْإِنْصَافِ ": لَوْ انْكَسَرَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَعِشْرِينَ تَقِفُ الِاثْنَيْ عَشَرَ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهَا تُوَافِقُ الِاثْنَيْ عَشَرَ بِالْأَسْدَاسِ، وَالْعِشْرِينَ بِالْأَرْبَاعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفْتَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ؛ فَإِنَّهَا لَا تُوَافِقُ الْعِشْرِينَ إلَّا بِالْأَنْصَافِ، وَإِنْ وَقَفْتَ الْعِشْرِينَ لَمْ تُوَافِقْهَا الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ إلَّا بِالْأَنْصَافِ، فَيَرْتَفِعُ الْعَمَلُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَهُمْ. انْتَهَى. فَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الْبَصْرِيِّينَ، وَهِيَ أَنْ تَقِفَ وَاحِدًا، وَتُوَفِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِينَ، فَتُرَدَّ كُلًّا مِنْهُمَا إلَى وَفِقْهِ، فَإِذَا وَقَفْتَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَنَظَرْتَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، رَدَدْتَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ لِسُدُسِهَا ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ نَظَرْتَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشْرِينَ فَتَرُدُّهَا لِرُبُعِهَا خَمْسَةٍ، ثُمَّ تَنْظُرُ فِي الْوَفْقَيْنِ، فَإِنْ تَبَايَنَا كَمَا هُنَا ضَرَبْتَ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ، فَتَضْرِبُ الثَّلَاثَةَ فِي الْخَمْسَةِ تَبْلُغُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ فِي الْمَوْقُوفِ وَهُوَ الِاثْنَا عَشَرَ بِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْوَفْقَيْنِ مُوَافَقَةٌ أَيْضًا ضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي الْمَوْقُوفِ، وَإِنْ كَانَا مُتَنَاسِبَيْنِ ضَرَبْتَ أَكْبَرَهُمَا فِي الْمَوْقُوفِ، وَإِنْ كَانَا مُتَمَاثِلَيْنِ ضَرَبْتَ أَحَدَهُمَا فِي الْمَوْقُوفِ، وَكَذَا لَوْ وَقَفْتَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ فِي الْمِثَالِ، وَنَظَرْتَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَرَدَدْتَهَا إلَى سُدُسِهَا اثْنَيْنِ، ثُمَّ نَظَرْتَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشْرِينَ، ثُمَّ رَدَدْتَهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 592 إلَى نِصْفِهَا عَشَرَةٍ، ثُمَّ قُلْتَ: الِاثْنَانِ دَاخِلَانِ فِي الْعَشَرَةِ، فَاجْتَزَأْت بِهَا، وَضَرَبْتَهَا فِي الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ؛ لَحَصَلَ الْمَقْصُودُ، كَذَا لَوْ وَقَفْتَ الْعِشْرِينَ، وَوَفَّقْتَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، فَرَدَدْتَهَا إلَى نِصْفِهَا تِسْعَةً، ثُمَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، فَرَدَدْتَهَا إلَى رُبُعِهَا ثَلَاثَةً، ثُمَّ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالتِّسْعَةِ، فَاكْتَفَيْتَ بِالتِّسْعَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَكْبَرُ، وَضَرَبْتَهَا فِي الْعِشْرِينَ لَحَصَلَ ذَلِكَ؛ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِلْإِيقَافِ؛ لِحُصُولِ الْغَرَضِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَتَخْصِيصُهُ فِي " الْإِنْصَافِ " الْوَقْفَ بِالِاثْنَيْ عَشَرَ لَا يَتَأَتَّى أَيْضًا حَتَّى عَلَى طَرِيقَةِ الْبَصْرِيِّينَ، بَلْ الْمَنْقُولُ عَنْهُمْ إيقَافُ الْأَكْبَرِ، لَكِنْ نُوقِشَ فِيهِ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍّ، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ أَثَرٌ بِاخْتِصَارِ الْعَمَلِ أَوْ سُهُولَتِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُتَابِعْهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْمُنْتَهَى "، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ وَقْفٌ مُعَيَّنٌ مِنْهَا إذَا كَانَ يُوَافِقُ الْآخَرَيْنِ، وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ كَسِتَّةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَتِسْعَةٍ؛ فَتَقِفُ السِّتَّةُ فَقَطْ، وَيُسَمَّى الْمَوْقُوفُ الْمُقَيَّدُ، فَتَنْظُرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ، فَتَرُدُّهَا إلَى اثْنَيْنِ، ثُمَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّتَّةِ، فَتَرُدُّهَا إلَى ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ تَضْرِبُ الِاثْنَيْنِ فِي الثَّلَاثَةِ، وَالْحَاصِلُ فِي السِّتَّةِ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، وَإِنْ شِئْت اكْتَفَيْتَ بِضَرْبِ الْمُتَبَايِنَيْنِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي ذَلِكَ، وَطَرِيقُ الْكُوفِيِّينَ أَسْهَلُ مِنْ طَرِيقِ الْبَصْرِيِّينَ. (وَمَتَى تَبَايَنَتْ الرُّءُوسُ وَالسِّهَامُ) بِأَنْ بَايَنَ كُلُّ فَرِيقٍ سِهَامَهُ، وَتَبَايَنَتْ أَعْدَادُ الْفِرَقِ أَيْضًا (كَمَا ذُكِرَ) فِيمَا تَقَدَّمَ كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَثَلَاثِ جَدَّاتٍ وَخَمْسِ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَعَمٍّ (سُمِّيَتْ صَمَّاءَ) لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا عَدَدَانِ مُتَمَاثِلَانِ وَلَا مُتَنَاسِبَانِ وَلَا مُتَوَافِقَانِ ابْتِدَاءً، وَلَا بَعْدَ ضَرْبِ عَدَدٍ فِي آخَرَ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، لِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ عَلَى أَرْبَعَةٍ تُبَايِنُهَا، وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ اثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ تُبَايِنُهَا، وَلَلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ عَلَى خَمْسَةٍ تُبَايِنُهَا، فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَالْحَاصِلُ فِي خَمْسَةٍ بِسِتِّينَ، فَهِيَ جُزْءُ السَّهْمِ، فَاضْرِبْهَا فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَصِحُّ مِنْ سَبْعِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِلزَّوْجَاتِ ثَلَاثَةٌ فِي سِتِّينَ بِمِائَةِ وَثَمَانِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَلِلْجَدَّاتِ اثْنَانِ فِي سِتِّينَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 593 أَرْبَعُونَ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ أَرْبَعَةٌ فِي سِتِّينَ بِمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَلِلْعَمِّ الْبَاقِي ثَلَاثَةٌ فِي سِتِّينَ بِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ. (وَلَا تَتَمَشَّى عَلَى قَوَاعِدِ مَسْأَلَةِ الِامْتِحَانِ، وَهِيَ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَخَمْسُ جَدَّاتٍ وَسَبْعُ بَنَاتٍ وَتِسْعَةُ أَعْمَامٍ؛ لِأَنَّا لَا نُوَرِّثُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ جَدَّاتٍ) أَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِلزَّوْجَاتِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي وَاحِدٌ، وَسِهَامُ كُلِّ فَرِيقٍ تُبَايِنُهُ، فَاضْرِبْ أَرْبَعَةً فِي خَمْسَةٍ بِعِشْرِينَ، ثُمَّ اضْرِبْ الْعِشْرِينَ فِي سَبْعَةٍ بِمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ اضْرِبْهَا فِي تِسْعَةٍ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ، فَهِيَ جُزْءُ السَّهْمِ، اضْرِبْهَا فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَبْلُغُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا، لِلزَّوْجَاتِ ثَلَاثَةٌ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ وَسَبْعِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ، يَخُصُّ كُلَّ زَوْجَةٍ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَلِلْجَدَّاتِ أَرْبَعَةٌ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَأَرْبَعِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ أَلْفٌ وَثَمَانِيَةٌ، وَلِلْبَنَاتِ سِتَّةَ عَشَرَ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ بِعِشْرِينَ أَلْفًا وَمِائَةٍ وَسِتِّينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ أَلْفَانِ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَمَانُونَ، وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي وَهُوَ وَاحِدٌ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَسُمِّيَتْ مَسْأَلَةَ الِامْتِحَانِ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَةَ يَمْتَحِنُ بِهَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَيُقَالُ: خَلَفَ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ، وَلَيْسَ صِنْفٌ مِنْهُمْ يَبْلُغُ عَدَدَهُ عَشَرَةً، وَمَعَ ذَلِكَ صَحَّتْ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا؛ وَتُسَمَّى أَيْضًا صَمَّاءَ. [فَرْعٌ تَمَاثُلُ الْعَدَدَيْنِ فِي الْمِيرَاث] (فَرْعٌ) : تَمَاثُلُ الْعَدَدَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِثْلَ الْآخَرِ كَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ وَخَمْسَةٍ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَالطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُدَاخَلَةِ وَالْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ أَنْ تُلْقِي أَقَلَّ الْعَدَدَيْنِ مِنْ أَكْثَرِهِمَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَ (إنْ أَفْنَى أَكْثَرَ الْعَدَدَيْنِ بِالْأَقَلِّ) كَأَرْبَعَةٍ وَثَمَانِيَةٍ أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ (فَ) الْعَدَدَانِ (مُتَدَاخِلَانِ) وَيُقَالُ مُتَنَاسِبَانِ (فَإِنْ لَمْ يُفْنِهِمَا) ؛ أَيْ: الْعَدَدَيْنِ (إلَّا عَدَدٌ ثَالِثٌ غَيْرُ الْوَاحِدِ) كَتِسْعَةٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ، تَسْقُطُ التِّسْعَةُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ مَرَّةً يَبْقَى ثَلَاثَةٌ، تُسْقِطُهَا مِنْ التِّسْعَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (فَ) هُمَا (مُتَوَافِقَانِ) بِالثُّلُثِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ وَسِتَّةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 594 وَسَبْعُونَ، الْبَاقِي مِنْهُ بَعْدَ طَرْحِ الْأَوَّلِ تِسْعَةَ عَشَرَ، تَفْنِي الْأَوَّلَ فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِجُزْءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ (أَوْ إلَّا) بِأَنْ بَقِيَ بَعْدَ الطَّرْحِ الْمَذْكُورِ (وَاحِدٌ) كَأَرْبَعَةٍ وَتِسْعَةٍ (فَ) الْعَدَدَانِ (مُتَبَايِنَانِ. وَالْمُتَدَاخَلَانِ) كَالثَّلَاثَةِ وَالسِّتَّةِ (مُتَوَافِقَانِ وَلَا عَكْسُ) ؛ أَيْ: لَيْسَ كُلُّ مُتَوَافِقَيْنِ مُتَدَاخِلَيْنِ؛ إذْ الْأَرْبَعَةُ لَا تَدْخُلُ فِي السِّتَّةِ، وَمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ عِلْمِ الْحِسَابِ وَالْفَرَائِضِ فَعَلَيْهِ بِكُتُبِهِمَا الْمَخْصُوصَةِ؛ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ إنَّمَا يَذْكُرُونَ مِنْ ذَلِكَ نُبَذًا قَلِيلَةً، وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى التَّصْحِيحِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَيِّتٍ وَاحِدٍ، شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعَمَلِ فِيمَا إذَا مَاتَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ فَقَالَ: [بَابُ الْمُنَاسَخَاتِ] (الْمُنَاسَخَاتُ) جَمْعُ مُنَاسَخَةٍ مِنْ النَّسْخِ بِمَعْنَى الْإِزَالَةِ أَوْ التَّغْيِيرِ أَوْ النَّقْلِ، يُقَالُ: نَسَخَتْ الشَّمْسُ الظِّلَّ؛ أَيْ: أَزَالَتْهُ، وَنَسَخَتْ الرِّيَاحُ الدِّيَارَ غَيَّرَتْهَا، وَنَسَخْتُ الْكِتَابَ نَقَلْتُ مَا فِيهِ (وَهِيَ) عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْفَرْضِيِّينَ (أَنْ يَمُوتَ وَرَثَةُ مَيِّتٍ أَوْ بَعْضُهُمْ قَبْلَ قِسْمَةِ تَرِكَتِهِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِزَوَالِ حُكْمِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَرَفْعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ تَنَاسَخَتْهُ الْأَيْدِي، وَهَذَا الْبَابُ مِنْ عَوِيصِ الْفَرَائِضِ، وَمَا أَحْسَنَ الِاسْتِعَانَةَ عَلَيْهِ بِمَعْرِفَةِ الشِّبَاكِ لِابْنِ الْهَائِمِ؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ (وَلَهَا) ؛ أَيْ: الْمُنَاسَخَةِ (ثَلَاثُ صُوَرٍ) بِالِاسْتِقْرَاءِ: (إحْدَاهَا أَنْ تَكُونَ وَرَثَةُ) الْمَيِّتِ (الثَّانِي يَرِثُونَهُ كَ) الْمَيِّتِ (الْأَوَّلِ) كَكَوْنِهِمْ عَصَبَةً لَهُمَا كَالْأَوْلَادِ فِيهِمْ ذَكَرٌ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَعْمَامُ (فَيُقَسَّمُ) الْمَالُ (بَيْنَ مَنْ بَقِيَ) مِنْ الْوَرَثَةِ (وَلَا يُلْتَفَتُ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي النَّظَرِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ (وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ، كَمَيِّتٍ تَرَكَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، ثُمَّ مَاتَ بَعْضُهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 595 عَنْ بَعْضٍ) حَتَّى بَقِيَ ابْنَانِ وَبِنْتٌ، فَاقْسِمْ الْمَالَ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ خَمْسَةٍ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى عَمَلِ مَسَائِلَ، لِأَنَّهُ تَطْوِيلٌ بِلَا حَاجَةٍ، وَيُسَمَّى: الِاخْتِصَارُ قَبْلَ الْعَمَلِ. (وَكَأَبَوَيْنِ وَزَوْجَةٍ وَابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ مِنْهَا، مَاتَتْ بِنْتٌ ثُمَّ) مَاتَتْ (الزَّوْجَةُ، ثُمَّ) مَاتَ (الِابْنُ، ثُمَّ) مَاتَ (الْأَبُ، ثُمَّ) مَاتَتْ (الْأُمُّ؛ فَانْحَصَرَ مِيرَاثُ الْجَمِيعِ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ الْبَاقِينَ أَثْلَاثًا) وَلَا تَحْتَاجُ إلَى عَمَلِ مَسَائِلَ، وَقَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ فِي أَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ؛ كَرَجُلٍ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَثَلَاثَةِ بَنِينَ وَبِنْتٍ مِنْهَا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْبَنِينَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ الْأُولَى سَهْمًا مِثْلَ سَهْمِ الْبِنْتِ وَمِثْلَ نِصْفِ سَهْمِ الِابْنِ، وَكَذَلِكَ لَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ، فَاقْسِمْ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي، وَلَا تَنْظُرُ إلَى الْأُولَى. (ثَانِيهَا) ؛ أَيْ: الصُّوَرِ (أَنْ لَا يَرِثَ وَرَثَةُ كُلِّ مَيِّتٍ غَيْرَهُ كَإِخْوَةٍ) مَاتَ أَبُوهُمْ عَنْهُمْ، ثُمَّ مَاتُوا وَ (خَلَفَ كُلٌّ) مِنْهُمْ (بَنِيهِ) مُنْفَرِدِينَ أَوْ مَعَ إنَاثٍ (فَاجْعَلْ) لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَسْأَلَةً وَاجْعَلْ (مَسَائِلَهُمْ كَعَدَدٍ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُهُ، وَصَحِّحْ كَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ التَّصْحِيحِ) يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ (فَلَوْ خَلَفَ أَرْبَعَةَ بَنِينَ، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ ابْنَيْنِ وَ) مَاتَ (الثَّانِي عَنْ ثَلَاثَةِ) بَنِينَ (وَ) مَاتَ (الثَّالِثُ عَنْ أَرْبَعَةِ) بَنِينَ (وَ) مَاتَ (الرَّابِعُ عَنْ سِتَّةِ) بَنِينَ؛ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْتَى بَعْدَ الْأَوَّلِ لَا تَرِثُ مِنْهُ إخْوَتُهُ شَيْئًا بِإِخْوَتِهِمْ؛ لِأَنَّ لَهُ بَنِينَ، وَمَسْأَلَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ عَدَدُ بَنِيهِ، وَإِذَا أَرَدْتَ قِسْمَتَهَا (فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ أَرْبَعَةٍ) عَدَدِ بَنِيهِ (وَمَسْأَلَةُ الِابْنِ الْأَوَّلِ مِنْ اثْنَيْنِ وَ) مَسْأَلَةُ الِابْنِ (الثَّانِي مِنْ ثَلَاثَةٍ وَ) مَسْأَلَةُ الِابْنِ (الثَّالِثِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَ) مَسْأَلَةُ الِابْنِ (الرَّابِعِ مِنْ سِتَّةٍ) عَدَدُ الْبَنِينَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ، فَالْحَاصِلُ مِنْ مَسَائِلِ الْوَرَثَةِ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتَّةٌ (فَالِاثْنَانِ تَدْخُلُ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالثَّلَاثَةُ) تَدْخُلُ (فِي السِّتَّةِ) فَأَسْقِطْ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ وَسِتَّةٌ، وَهُمَا مُتَوَافِقَانِ (فَاضْرِبْ وَفْقَ الْأَرْبَعَةِ فِي السِّتَّةِ يَحْصُلُ اثْنَا عَشَرَ، ثُمَّ) تَضْرِبُهَا (فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) وَهِيَ أَرْبَعَةٌ (يَحْصُلُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ لِوَرَثَةِ كُلِّ ابْنٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 596 اثْنَا عَشَرَ) حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ وَاحِدٍ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَ (تَقْسِمُ) ذَلِكَ (عَلَيْهِمْ) فَتُعْطِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ابْنَيْ الِابْنِ الْأَوَّلِ سِتَّةً، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي الِابْنِ الثَّانِي أَرْبَعَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي الِابْنِ الثَّالِثِ ثَلَاثَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي الِابْنِ الرَّابِعِ سَهْمَانِ، وَهَذَا وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ يَخْتَصُّ بِتَرِكَةِ مُوَرِّثِهِ. (ثَالِثُهَا) ؛ أَيْ: الصُّوَرِ (مَا عَدَا ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ فِي الصُّورَتَيْنِ قَبْلُ؛ بِأَنْ تَكُونَ وَرَثَةُ الثَّانِي لَا يَرِثُونَهُ كَالْأَوَّلِ، وَيَكُونُ مَا بَعْدَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَوْتَى يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ) لِأَنَّكَ إذَا عَمِلْتَ مَسْأَلَةَ الْأَوَّلِ وَصَحَّحْتَهَا وَعَمِلْتَ مَسْأَلَةَ الثَّانِي كَذَلِكَ، وَأَخَذْتَ سِهَامَهُ مِنْ الْأُولَى، وَعَرَضْتَهَا عَلَى مَسْأَلَةٍ لَمْ تَخْلُ مِنْ حَالٍ مِنْ أَحْوَالٍ ثَلَاثَةٍ. (الْأَوَّلُ: أَنْ تَقْسِمَ سِهَامَ الْمَيِّتِ الثَّانِي عَلَى مَسْأَلَتِهِ؛ فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى، كَرَجُلٍ خَلَفَ زَوْجَةً وَبِنْتًا وَأَخًا) لِغَيْرِ أُمٍّ (ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ عَنْ زَوْجٍ وَبِنْتٍ وَعَمِّهَا) فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْأَوَّلِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، لِلزَّوْجَةِ وَاحِدٌ، وَلِلْبِنْتِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأَخِ الْبَاقِي، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ (فَلَهَا أَرْبَعَةٌ وَمَسْأَلَتُهَا) ؛ أَيْ: الْبِنْتِ (مِنْ أَرْبَعَةٍ) مَخْرَجُ الرُّبُعِ، لِلزَّوْجِ سَهْمٌ، وَلِبِنْتِهَا سَهْمَانِ، وَلِلْعَمِّ الْبَاقِي سَهْمٌ (فَصَحَّتَا) ؛ أَيْ: الْمَسْأَلَتَانِ (مِنْ ثَمَانِيَةٍ) لِزَوْجَةِ الْأَوَّلِ سَهْمٌ، وَلِزَوْجِ الثَّانِيَةِ سَهْمٌ، وَلِبِنْتِهَا سَهْمَانِ، وَلِلْأَخِ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَرْبَعَةٌ، ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأُولَى وَوَاحِدٌ مِنْ الثَّانِيَةِ. (الثَّانِي: أَنْ لَا تَنْقَسِمَ) سِهَامُ الثَّانِي (عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: عَلَى مَسْأَلَةٍ (بَلْ تُوَافِقُهَا ف) تَرُدُّ مَسْأَلَتَهُ إلَى وَفْقِهَا وَ (تَضْرِبُ وَفْقَ مَسْأَلَتِهِ فِي) كُلِّ (الْأُولَى) لِيَخْرُجَ بِلَا كَسْرٍ، فَمَا بَلَغَ فَهُوَ الْجَامِعَةُ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ (ثُمَّ) كُلُّ (مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي وَفْقِ سِهَامِ) الْمَيِّتِ (الثَّانِي) هَذَا طَرِيقُ الْعِلْمِ بِمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ (كَأَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ أُمًّا لِلْبِنْتِ) الْمَيِّتَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا (فَتَكُونَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 597 الْبِنْتُ (مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَبِنْتٍ وَأُمٍّ وَعَمٍّ؛ فَتَصِحَّ مَسْأَلَتُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ) لِأَنَّ فِيهَا نِصْفًا لِلْبِنْتِ، وَرُبُعًا لِلزَّوْجِ وَسُدُسًا لِلْأُمِّ (تُوَافِقُ سِهَامَهَا) مِنْ الْأُولَى وَهِيَ أَرْبَعَةٌ (بِالرُّبُعِ فَتَضْرِبُ رُبُعَهَا) ؛ أَيْ: الِاثْنَيْ عَشَرَ (ثَلَاثَةٌ فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى) وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ (تَكُنْ) الْجَامِعَةُ (أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ) لِلْمَرْأَةِ الَّتِي هِيَ زَوْجَةٌ فِي الْأُولَى أُمٌّ فِي الثَّانِيَةِ سَهْمٌ مِنْ الْأُولَى مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ بِثَلَاثَةٍ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ بِكَوْنِهَا أُمًّا سَهْمَانِ فِي وَفْقِ سِهَامِ الْمَيِّتَةِ بِاثْنَيْنِ؛ فَيَكُونُ لَهَا خَمْسَةٌ، وَلِلْأَخِ مِنْ الْأُولَى ثَلَاثَةٌ فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ بِتِسْعَةٍ، وَلَهُ بِكَوْنِهِ عَمًّا فِي الثَّانِيَةِ وَاحِدٌ فِي وَاحِدٍ فَيَجْتَمِعُ لَهُ عَشَرَةٌ، وَلِزَوْجِ الْبِنْتِ مِنْ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ فِي وَاحِدٍ بِثَلَاثَةٍ، وَلِبِنْتِهَا مِنْهَا سِتَّةٌ فِي وَاحِدٍ بِسِتَّةٍ، وَمَجْمُوعُ السِّهَامِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ. (الثَّالِثُ أَنْ لَا تَنْقَسِمَ) سِهَامُ الْمَيِّتِ الثَّانِي عَلَى مَسْأَلَةٍ (وَلَا تُوَافِقَ) هَا (فَتَضْرِبَ) الْمَسْأَلَةَ (الثَّانِيَةَ فِي) كُلِّ الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى) فَمَا حَصَلَ، فَهُوَ الْجَامِعَةُ (ثُمَّ) كُلُّ (مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأُولَى أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ) لِأَنَّهَا جُزْءُ سَهْمِهَا (وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي سِهَامِ) الْمَيِّتِ (الثَّانِي) لِأَنَّ وَرَثَتَهُ إنَّمَا يَرِثُونَ سِهَامَهُ مِنْ الْأُولَى (كَأَنْ تَخْلُفَ الْبِنْتُ) - الَّتِي مَاتَ أَبُوهَا عَنْهَا وَعَنْ زَوْجَةٍ وَأَخٍ، ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَهُ - (بِنْتَيْنِ، فَتَكُونَ) الْبِنْتُ (مَاتَتْ عَنْ بِنْتَيْنِ وَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَعَمٍّ فَ) إنَّ الْأُولَى مِنْ ثَمَانِيَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَسِهَامُ الْبِنْتِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ و (تَعُولُ مَسْأَلَتُهَا لَثَلَاثَةَ عَشَرَ) لِلْبِنْتَيْنِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ، وَالْأَرْبَعَةُ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهَا وَلَا تُوَافِقُهَا (فَاضْرِبْهَا) ؛ أَيْ: الثَّلَاثَةَ عَشَرَ (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى) وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ (تَكُنْ) الْجَامِعَةُ (مِائَةً وَأَرْبَعَةً) لِلْمَرْأَةِ الَّتِي هِيَ أُمٌّ فِي الثَّانِيَةِ، زَوْجَةٌ فِي الْأُولَى، سَهْمٌ مِنْ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَلَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ سَهْمَانِ فِي سِهَامِ الْمَيِّتَةِ مِنْ الْأُولَى أَرْبَعَةٌ بِثَمَانِيَةٍ يَجْتَمِعُ لَهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِأَخِي الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّانِيَةِ لِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ الْمَالَ، وَلِلزَّوْجِ مِنْ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 598 سِهَامِ الْمَيِّتَةِ الْأَرْبَعَةِ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَلِبِنْتَيْهَا مِنْ الثَّانِيَةِ ثَمَانِيَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَمَجْمُوعُ السِّهَامِ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ (وَإِنْ مَاتَ) أَيْضًا (ثَالِثٌ فَأَكْثَرُ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ (جَمَعْتَ سِهَامَهُ مِنْ) الْمَسْأَلَتَيْنِ (الْأُولَيَيْنِ فَأَكْثَرَ وَعَمِلَتْ كَ) عَمَلِكَ فِي (ثَانٍ مَعَ أَوَّلٍ) بِأَنْ تَنْظُرَ بَيْنَ سِهَامِهِ وَمَسْأَلَتِهِ فَإِنْ انْقَسَمَتْ عَلَيْهَا لَمْ تَحْتَجْ لِضَرْبٍ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ تُوَافِقَ أَوْ تُبَايِنَ، فَإِنْ وَافَقْتَ رَدَدْتَ الثَّالِثَةَ لِوَفْقِهَا، وَضَرَبْتَهُ فِي الْجَامِعَةِ، وَإِنْ بَايَنْتَ ضَرَبْتَ الثَّالِثَةَ فِي الْجَامِعَةِ، ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْجَامِعَةِ يَأْخُذُهُ مَضْرُوبًا فِي وَفْقِ الثَّالِثَةِ عِنْدَ التَّوَافُقِ، أَوْ فِي كُلِّهَا عِنْدَ التَّبَايُنِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّالِثَةِ يَأْخُذُهُ مَضْرُوبًا فِي وَفْقِ سِهَامِ مُوَرِّثِهِ مِنْ الْجَامِعَةِ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ، أَوْ فِي كُلِّهَا عِنْدَ الْمُبَايَنَةِ. مِثَالُهُ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَنْ زَوْجِهَا وَأُمِّهَا وَأُخْتِهَا لِأَبِيهَا وَأُخْتِهَا لِأُمِّهَا، أَصْلُ مَسْأَلَتِهَا مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ، وَسِهَامُهَا مِنْ الْأُولَى سِتَّةٌ يَتَّفِقَانِ بِالنِّصْفِ، فَاضْرِبْ نِصْفَ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةً فِي الْأُولَى تَبْلُغُ سِتِّينَ، وَاقْسِمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِلزَّوْجَةِ مِنْ الْأُولَى ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَلِلْأُمِّ مِنْ الْأُولَى اثْنَانِ فِي أَرْبَعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ وَاحِدٌ فِي ثَلَاثَةٍ، فَيَجْتَمِعُ لَهَا أَحَدَ عَشَرَ، وَلِأُخْتِ الْأَوَّلِ لِأَبِيهِ اثْنَانِ فِي أَرْبَعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ، وَلَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ يَجْتَمِعُ لَهَا سَبْعَةَ عَشَرَ، وَلِلْأُخْتِ لِأُمٍّ مِنْ الْأُولَى اثْنَانِ فِي أَرْبَعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ وَاحِدٌ فِي ثَلَاثَةٍ يَجْتَمِعُ لَهَا أَحَدَ عَشَرَ، وَلِزَوْجِ الثَّانِيَةِ مِنْ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ وَخَلَفَتْ زَوْجًا وَأُخْتًا وَبِنْتًا وَهِيَ الْأُخْتُ لِأُمٍّ فَمَسْأَلَتُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَلَهَا مِنْ الْجَامِعَةِ أَحَدَ عَشَرَ لَا تَنْقَسِمُ وَلَا تُوَافِقُ، فَتَضْرِبُ مَسْأَلَتَهَا أَرْبَعَةً فِي الْجَامِعَةِ، وَهِيَ سِتُّونَ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ الثَّلَاثُ، لِلزَّوْجَةِ مِنْ الْجَامِعَةِ اثْنَا عَشَرَ فِي أَرْبَعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ سَبْعَةَ عَشَرَ فِي أَرْبَعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ وَسِتِّينَ، وَلِلْأُخْتِ لِأُمٍّ مِنْ الْجَامِعَةِ أَحَدَ عَشَرَ فِي أَرْبَعَةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَمِنْ الثَّالِثَةِ اثْنَانِ فِي أَحَدَ عَشَرَ، وَهِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 599 سِهَامُ الثَّالِثَةِ بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، فَيَجْتَمِعُ لَهَا سِتَّةٌ وَسِتُّونَ، وَلِزَوْجِ الثَّانِيَةِ تِسْعَةٌ مِنْ الْجَامِعَةِ فِي أَرْبَعَةٍ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، وَلِزَوْجِ الثَّالِثَةِ مِنْهَا وَاحِدٌ فِي أَحَدَ عَشَرَ بِأَحَدَ عَشَرَ، وَكَذَا أُخْتُهَا (وَرُبَمَا اخْتَصَرْتُ الْمَسَائِلَ بَعْدَ التَّصْحِيحِ بِالْمُوَافَقَةِ بَيْنَ السِّهَامِ) ؛ أَيْ: سِهَامِ الْوَرَثَةِ (بِأَنْ يَكُونَ لِجَمِيعِهَا) ؛ أَيْ: السِّهَامِ (كَسْرٌ تَتَّفِقُ فِيهِ جَمِيعُ السِّهَامِ) بِجُزْءٍ كَنِصْفٍ وَخُمُسٍ، وَجُزْءٍ مِنْ عَدَدٍ أَصَمًّ كَأَحَدَ عَشَرَ (فَتَرُدُّ الْمَسْأَلَةَ إلَى ذَلِكَ الْكَسْرِ) ؛ أَيْ: الْجُزْءِ الَّذِي حَصَلَتْ فِيهِ الْمُوَافَقَةُ (وَتَرُدُّ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْجُزْءِ الَّذِي بِهِ الْمُوَافَقَةُ (لِيَكُونَ أَسْهَلَ فِي الْعَمَلِ كَ) رَجُلٍ مَاتَ عَنْ (زَوْجَةٍ وَابْنٍ وَبِنْتٍ) مِنْهَا ثُمَّ (مَاتَتْ الْبِنْتُ) عَنْ أُمِّهَا وَأَخِيهَا الْمَذْكُورِ، تَصِحُّ الْأُولَى مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلِابْنِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَلِلْبِنْتِ سَبْعَةٌ، وَمَسْأَلَةُ الْبِنْتِ مِنْ ثَلَاثَةٍ تُبَايِنُ السَّبْعَةَ (فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ) بَعْدَ ضَرْبِ الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَى (مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، لِلزَّوْجَةِ) مِنْ الْأُولَى ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ، وَلَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ وَاحِدٌ فِي سَبْعَةٍ بِسَبْعَةٍ، يَكُونُ لَهَا (سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلِابْنِ) مِنْ الْأُولَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي ثَلَاثَةٍ بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ اثْنَانِ فِي سَبْعَةٍ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ، يَجْتَمِعُ لَهُ (سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ وَتَتَّفِقُ سِهَامُهَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَةِ مَعَ سِهَامِ الِابْنِ (بِالْأَثْمَانِ، فَتَرُدُّ الْمَسْأَلَةَ) الَّتِي هِيَ الْجَامِعَةُ (إلَى ثُمُنِهَا تِسْعَةٍ وَ) تَرُدُّ (سِهَامَ الزَّوْجَةِ ل) ثُمُنِهَا (اثْنَيْنِ وَ) تَرُدُّ سِهَامَ (الِابْنِ ل) ثُمُنِهَا (سَبْعَةً) وَهَذَا هُوَ الِاخْتِصَارُ بَعْدَ الْعَمَلِ (وَإِذَا مَاتَتْ بِنْتٌ مِنْ بِنْتَيْنِ وَأَبَوَيْنِ) مَاتَ عَنْهُمْ شَخْصٌ (قَبْلَ الْقِسْمَةِ) لِتَرِكَتِهِ، وَسَأَلَ عَنْ حُكْمِ إرْثِهِمْ (سَأَلَ) السَّائِلُ (عَنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ) أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى؛ لِاخْتِلَافِ الْحَالِ بِذُكُورِيَّتِهِ وَأُنُوثِيَّتِهِ (فَإِنْ كَانَ) الْمَيِّتُ فِي الْأُولَى (رَجُلًا فَالْأَبُ) فِي الْأُولَى (جَدٌّ) أَبُو أَبٍ، فَيَرِثُ (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ، وَتَصِحَّانِ) ؛ أَيْ: الْمَسْأَلَتَانِ (مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ) حَيْثُ مَاتَتْ عَمَّنْ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ، لِكُلٍّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ سَهْمٌ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ سَهْمَانِ. وَالثَّانِيَةُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْجَدِّ عَشَرَةٌ، وَلِلْأُخْتِ خَمْسَةٌ، وَسِهَامُ الْمَيِّتَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 600 اثْنَانِ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، لَكِنْ تُوَافِقَهَا بِالنِّصْفِ، فَرُدَّهَا لِتِسْعَةٍ، وَاضْرِبْهَا فِي سِتَّةٍ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ، لِلْأُمِّ مِنْ الْأُولَى وَاحِدٌ فِي تِسْعَةٍ بِتِسْعَةٍ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ فِي وَاحِدٍ بِثَلَاثَةٍ، يَجْتَمِعُ لَهَا اثْنَا عَشَرَ، وَلِلْأَبِ مِنْ الْأُولَى وَاحِدٌ فِي تِسْعَةٍ بِتِسْعَةٍ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ عَشْرَةٌ فِي وَاحِدٍ بِعَشْرَةٍ، يَجْتَمِعُ لَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَلِلْبِنْتِ مِنْ الْأُولَى سَهْمَانِ فِي تِسْعَةٍ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ خَمْسَةٌ فِي وَاحِدٍ، وَمَجْمُوعُهَا ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ، وَمَجْمُوعُ سِهَامِ الْكُلِّ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْمَيِّتُ فِي الْأُولَى رَجُلًا بَلْ كَانَ أُنْثَى (فَ) هُوَ (أَبُو أُمٍّ) فِي الثَّانِيَةِ لَا يَرِثُ شَيْئًا، وَالْأُخْتُ الْبَاقِيَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ شَقِيقَةً أَوْ لِأُمٍّ (وَتَصِحَّانِ) ؛ أَيْ: الْمَسْأَلَتَانِ إنْ كَانَتْ الْأُخْتُ شَقِيقَةً (مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ) لِأَنَّ الْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ كَمَا عَلِمْتَ، وَالثَّانِيَةَ مِنْ أَرْبَعَةٍ بِالرَّدِّ، لِلْجَدَّةِ وَاحِدٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ ثَلَاثَةٌ، وَسِهَامُ الْمَيِّتَةِ اثْنَانِ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ، لَكِنْ تُوَافِقُهَا بِالنِّصْفِ، فَتَرُدُّ الْأَرْبَعَةَ لِاثْنَيْنِ، وَتَضْرِبُهَا فِي سِتَّةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ تَقْسِمُهَا، لِلْأَبِ مِنْ الْأُولَى وَاحِدٌ فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَلِلْبِنْتِ مِنْ الْأُولَى اثْنَانِ فِي اثْنَيْنِ بِأَرْبَعَةٍ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ فِي وَاحِدٍ بِثَلَاثَةٍ يَجْتَمِعُ لَهَا سَبْعَةٌ، وَلِلْأُمِّ مِنْ الْأُولَى وَاحِدٌ فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ وَاحِدٌ فِي وَاحِدٍ؛ فَلَهَا ثَلَاثَةٌ، وَمَجْمُوعُ السِّهَامِ اثْنَا عَشَرَ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْتُ لِأُمٍّ، فَمَسْأَلَةُ الرَّدِّ مِنْ اثْنَيْنِ، وَسِهَامُ الْمَيِّتَةِ مِنْ الْأُولَى اثْنَانِ؛ فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ السِّتَّةِ، لِلْأَبِ وَاحِدٌ، وَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْجَدَّةِ اثْنَانِ (وَتُسَمَّى) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (الْمَأْمُونِيَّةَ) لِأَنَّ الْمَأْمُونَ امْتَحَنَ بِهَا يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ - بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْقَضَاءَ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، فَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ فَطِنَ لَهَا، فَقَالَ لَهُ: إذَا عَرَفْتَ التَّفْصِيلَ فَقَدْ عَرَفْتَ الْجَوَابَ وَوَلَّاهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 601 [بَابُ قِسْمَةِ التَّرِكَاتِ] (بَابُ قِسْمَةِ التَّرِكَاتِ) الْقِسْمَةُ: مَعْرِفَةُ نَصِيبِ الْوَاحِدِ مِنْ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا إذَا ضَرَبْتَ الْخَارِجَ بِالْقِسْمَةِ فِي الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ سَاوَى حَاصِلُهُ الْمَقْسُومَ، فَمَعْنَى اقْسِمْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ عَلَى تِسْعَةٍ، أَيْ: كَمْ نَصِيبُ الْوَاحِدِ مِنْ التِّسْعَةِ، أَوْ كَمْ فِي السِّتَّةِ وَثَلَاثِينَ مِثْلُ التِّسْعَةِ، وَاذَا ضَرَبْتَ الْخَارِجَ بِالْقِسْمَةِ - وَهُوَ أَرْبَعَةٌ - فِي التِّسْعَةِ؛ سَاوَى الْمَقْسُومَ. وَقِسْمَةُ التَّرِكَاتِ هِيَ الثَّمَرَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ عِلْمِ الْفَرَائِضِ، وَتَنْبَنِي عَلَى الْأَعْدَادِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَنَاسِبَةِ الَّتِي نِسْبَةُ أَوَّلِهَا إلَى ثَانِيهَا كَنِسْبَةِ ثَالِثِهَا إلَى رَابِعِهَا كَالِاثْنَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ وَالثَّلَاثَةِ وَالسِّتَّةِ، فَإِنَّ نِسْبَةَ الِاثْنَيْنِ إلَى الْأَرْبَعَةِ كَنِسْبَةِ الثَّلَاثَةِ إلَى السِّتَّةِ، وَكَذَلِكَ نِسْبَةُ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ الْمَسْأَلَةِ إلَيْهَا كَنِسْبَةِ مَالِهِ مِنْ التَّرِكَةِ إلَيْهَا، وَهَذِهِ الْأَعْدَادُ الْأَرْبَعَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي اسْتِخْرَاجِ الْمَجْهُولَاتِ، وَإِذَا جُهِلَ أَحَدُهَا فَفِي اسْتِخْرَاجِهِ طُرُقٌ: أَحَدُهَا: طَرِيقُ النِّسْبَةِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مَعْلُومَةً) وَصَحَّحْتُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَأَمْكَنَ نِسْبَةُ سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ الْمَسْأَلَةِ بِجُزْءٍ) كَخَمْسٍ أَوْ عَشَرٍ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: ذَلِكَ الْوَارِثِ (مِنْ التَّرِكَةِ بِنِسْبَتِهِ) ؛ أَيْ: نِسْبَةِ سَهْمِهِ إلَى الْمَسْأَلَةِ، وَذَلِكَ (كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ، الْمَسْأَلَةُ مِنْ) اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إلَى (خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالتَّرِكَةُ أَرْبَعُونَ دِينَارًا؛ فَلِلزَّوْجِ) مِنْ الْمَسْأَلَةِ (ثَلَاثَةٌ وَهِيَ خُمُسُ الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ خُمُسُ التَّرِكَةِ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ) اثْنَانِ وَهُمَا (ثُلُثًا خُمُسُ الْمَسْأَلَةِ، فَلَهُ ثُلُثَا الثَّمَانِيَةِ) خَمْسَةٌ وَثُلُثٌ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ مِثْلُ مَا لِلْأَبَوَيْنِ) يَعْنِي لِكُلِّ وَاحِدَةٍ أَرْبَعَةٌ نِسْبَتُهَا إلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ خُمُسٌ وَثُلُثُ خُمُسٍ، فَخُذْ لَهَا مِنْ التَّرِكَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَثُلُثَانِ، وَهَذَا أَحْسَنُ الطُّرُقِ حَيْثُ سُهِّلَتْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 602 الثَّانِيَةُ: الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ شِئْتَ قَسَمْتَ التَّرِكَةَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ) وَضَرَبْتَ الْخَارِجَ بِالْقِسْمَةِ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ، فَمَا اجْتَمَعَ فَهُوَ نَصِيبُهُ فَفِي مَسْأَلَتِنَا إذَا قَسَمْتَهَا عَلَى الْمَسْأَلَةِ؛ كَانَ الْخَارِجُ دِينَارَيْنِ وَثُلُثَيْنِ، فَإِذَا ضَرَبْتَهَا فِي نَصِيبِ الزَّوْجِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ؛ كَانَتْ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ، وَإِذَا ضَرَبْتَهَا فِي نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ كَانَتْ خَمْسَةً وَثُلُثًا، وَإِذَا ضَرَبْتَهَا فِي نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ كَانَتْ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَثُلُثَيْ دِينَارٍ (أَوْ) قَسَمْتَ (وَفْقَهَا) ؛ أَيْ: وَفْقَ التَّرِكَةِ (عَلَى وَفْقِ الْمَسْأَلَةِ) فَإِنَّهَا تُوَافِقُ مَسْأَلَتَنَا بِالْأَخْمَاسِ، فَإِذَا قَسَمْتَ خُمُسَهَا - وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ - عَلَى خُمُسِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ حَتَّى عَلِمْتَ الْخَارِجَ بِالْقِسْمَةِ لِكُلِّ سَهْمٍ، وَهُوَ هُنَا دِينَارَانِ وَثُلُثَا دِينَارٍ (وَضَرَبْتَ الْخَارِجَ بِالْقِسْمِ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ، فَمَا اجْتَمَعَ؛ فَهُوَ نَصِيبُهُ) فَإِذَا ضَرَبْتَ الِاثْنَيْنِ وَثُلُثَيْنِ فِي سِهَامِ الزَّوْجِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ، بَلَغَتْ ثَمَانِيَةً وَهِيَ حَقُّهُ، وَإِذَا ضَرَبْتَهَا فِي سَهْمَيْ الْأَبِ بَلَغَتْ خَمْسَةً وَثُلُثًا وَهِيَ حَقُّهُ، وَكَذَلِكَ إذَا ضَرَبْتَهَا فِي سَهْمَيْ الْأُمِّ، وَإِذَا ضَرَبْتَهَا فِي أَرْبَعَةٍ وَهِيَ سِهَامُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ بَلَغَتْ عَشَرَةً وَثُلُثَيْنِ وَذَلِكَ حَقُّهَا (وَإِنْ شِئْتَ قَسَمْتَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى التَّرِكَةِ) وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ أَكْثَرَ كَمَا فِي الْمِثَالِ نَسَبْت الْمَسْأَلَةَ إلَيْهَا (فَمَا خَرَجَ) بِالْقِسْمَةِ (فَاقْسِمْ عَلَيْهِ نَصِيبَ كُلِّ وَارِثٍ بَعْدَ بَسْطِهِ مِنْ جِنْسِ الْخَارِجِ فَمَا خَرَجَ فَ) هُوَ (نَصِيبُهُ) فَفِي الْمِثَالِ نِسْبَةُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى الْأَرْبَعِينَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ، فَتَقْسِمُ عَلَيْهَا نَصِيبَ كُلِّ وَارِثٍ بَعْدَ بَسْطِهِ أَثْمَانًا بِأَنْ تَضْرِبَهُ فِي ثَمَانِيَةٍ مَخْرَجِ الثُّمُنِ، ثُمَّ تَقْسِمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ تَضْرِبُهَا فِي ثَمَانِيَةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ تَقْسِمُهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ يَخْرُجُ لَهُ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ اثْنَانِ فِي ثَمَانِيَةٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ، تَقْسِمُهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ يَخْرُجُ خَمْسَةٌ وَثُلُثٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَمَانِيَةٍ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ تَقْسِمُهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ يَخْرُجُ لَهَا عَشَرَةٌ وَثُلُثَانِ (وَإِنْ شِئْتَ قَسَمْتَ التَّرِكَةَ فِي) مَسَائِلِ (الْمُنَاسَخَاتِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ثُمَّ) أَخَذْتَ (نَصِيبَ) الْمَيِّتِ (الثَّانِي) مِنْ الْأَوَّلِ فَقَسَمْتَهُ (عَلَى مَسْأَلَتِهِ وَكَذَا) تَفْعَلُ فِي (الثَّالِثِ) فَتَقْسِمُ نَصِيبَهُ مِنْهُمَا عَلَى وَرَثَتِهِ ثُمَّ فِي الرَّابِعِ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهُوا، فَلَوْ مَاتَ إنْسَانٌ عَنْ أَرْبَعَةِ بَنِينَ وَأَرْبَعِينَ دِينَارًا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 603 عَنْ زَوْجَتِهِ وَإِخْوَتِهِ، فَإِذَا قَسَمْتَ التَّرِكَةَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى خَرَجَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةٌ، ثُمَّ تَقْسِمُ نَصِيبَ الْمُتَوَفَّى وَهُوَ عَشْرَةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٍ، فَتُعْطِي الزَّوْجَةَ دِينَارَيْنِ وَنِصْفًا، وَلِكُلِّ أَخٍ كَذَلِكَ، ثُمَّ إنْ مَاتَ آخَرُ عَنْ زَوْجَتِهِ وَأَخَوَيْهِ؛ فَلَهُ مِنْ التَّرِكَتَيْنِ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفُ دِينَارٍ، فَلِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَثُمُنُ دِينَارٍ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَخَوَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفُ دِينَارٍ وَثُمُنُ دِينَارٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ دِينَارٍ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ (وَإِنْ قُسِّمَتْ عَلَى قَرَارِيطِ الدِّينَارِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا، وَعِنْدَ الْمَغَارِبَةِ عِشْرُونَ (فَاجْعَلْ عَدَدَهَا) ؛ أَيْ: الْقَرَارِيطِ (كَتَرِكَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَاعْمَلْ عَلَى مَا ذُكِرَ) فِيمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ كَانَتْ السِّهَامُ كَثِيرَةً، وَأَرَدْتَ عِلْمَ سَهْمِ الْقِيرَاطِ) مِنْهَا (فَاقْسِمْ) مَا صَحَّتْ مِنْهُ (الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ سَهْمُ الْقِيرَاطِ؛ كَأَنْ كَانَتْ) التَّرِكَةُ (سِتَّمِائَةٍ فَ) حِلَّ الْأَرْبَعَةَ وَالْعِشْرِينَ إلَى مَا تَرَكَّبَتْ مِنْهُ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ، وَ (اقْسِمْهَا) ؛ أَيْ: السِّتَّمِائَةِ (عَلَى سِتَّةٍ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ ضِلْعَيْ الْقِيرَاطِ يَخْرُجُ) بِالْقِسْمَةِ (مِائَةٌ اقْسِمْهَا عَلَى الضِّلْعِ الْآخَرِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ؛ يَخْرُجُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ،) وَهِيَ سَهْمُ الْقِيرَاطِ، (وَإِنْ قَسَمْتَ وَفْقَ السِّهَامِ) ؛ أَيْ: سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي نَفْسَ الْمَسْأَلَةِ (عَلَى وَفْقِ الْقِيرَاطِ) لِيَحْصُلَ الْمَطْلُوبُ (أَخَذْتَ سُدُسَ السِّتِّمِائَةِ، وَهُوَ مِائَةٌ فَتَقْسِمُهُ عَلَى سُدُسِ الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، فَيَخْرُجُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ) وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَإِنْ) شِئْتَ (أَخَذْتَ ثُمُنَ السِّتِّمِائَةِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، وَقَسَمْته عَلَى ثُمُنِ الْأَرْبَعَةِ وَعِشْرِينَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، يَخْرُجُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَدَدٍ قَسَمْتَهُ عَلَى) عَدَدٍ (آخَرَ) إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ رَدَدْتَ كُلًّا مِنْهُمَا إلَى وَفْقِهِ، وَقَسَمْت وَفْقَ الْمَقْسُومِ عَلَى وَفْقِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ يَخْرُجُ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ شِئْتَ فَانْظُرْ عَدَدًا إذَا ضَرَبْتَهُ فِي الْأَرْبَعَةِ وَعِشْرِينَ؛ سَاوَى حَاصِلُهُ الْمَقْسُومَ أَوْ قَارَبَهُ، فَإِنْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ ضَرَبْتَهَا فِي عَدَدٍ آخَرَ حَتَّى يَبْقَى أَقَلُّ مِنْ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَجْمَعُ الْعَدَدَ الَّذِي ضَرَبْتَهُ إلَيْهِ، وَتُنْسَبُ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ مِنْ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ، فَتَضُمُّهَا إلَى الْعَدَدِ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 604 سَهْمَ الْقِيرَاطِ، مِثَالُهُ فِي السِّتِّمِائَةِ أَنْ تَضْرِبَ عِشْرِينَ هَوَائِيَّةً فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ هِيَ الْمَقْسُومُ عَلَيْهَا تَكُونُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ، يَبْقَى مِنْ الْمَقْسُومِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَعِشْرِينَ، فَتَضْرِبُ خَمْسَةً أُخْرَى هَوَائِيَّةً فِي الْأَرْبَعَةِ وَعِشْرِينَ تَكُونُ مِائَةً وَعِشْرِينَ، وَلَا يَبْقَى مِنْ الْمَقْسُومِ شَيْءٌ، وَتَضُمُّ الْخَمْسَةَ إلَى الْعِشْرِينَ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَهْمُ الْقِيرَاطِ، وَمَنْ عَرَفَ عِلْمَ الْحِسَابِ هَانَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الْفَرْضِيَّةِ. (فَإِذَا عَرَفْتَ سَهْمَ الْقِيرَاطِ فَكُلُّ مَنْ لَهُ سِهَامٌ فَأَعْطِهِ بِكُلِّ سَهْمٍ مِنْ سِهَامِ الْقِيرَاطِ قِيرَاطًا، فَإِنْ بَقِيَ لَهُ مِنْ السِّهَامِ مَا لَا يَبْلُغُ قِيرَاطًا، فَانْسِبْهُ إلَى سَهْمِ الْقِيرَاطِ وَأَعْطِهِ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي سِهَامِ الْقِيرَاطِ كَسْرٌ فَابْسُطْ الْقَرَارِيطَ الصِّحَاحَ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ، وَضُمَّ الْكَسْرَ إلَيْهَا، وَاحْفَظْ الْمُجْتَمِعَ ثُمَّ) كُلُّ (مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ اضْرِبْهُ فِي مَخْرَجِ الْكَسْرِ، وَاحْسِبْ لَهُ بِكُلِّ قَدْرِ عَدَدِ الْبَسْطِ قِيرَاطًا، وَإِنْ بَقِيَ) أَوْ خَرَجَ (مَا لَا يَبْلُغُ مَجْمُوعَ الْبَسْطِ فَانْسِبْهُ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْبَسْطَ (وَأَعْطِهِ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ) مِثَالُهُ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَسِتَّةُ أَعْمَامٍ، تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، إذَا قَسَمْتَهَا عَلَى مَخْرَجِ الْقِيرَاطِ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ خَرَجَ وَاحِدٌ وَنِصْفٌ، فَبَسْطُ ذَلِكَ ثَلَاثَةٌ احْفَظْهَا، ثُمَّ اضْرِبْ لِلزَّوْجِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فِي مَخْرَجِ الْكَسْرِ اثْنَيْنِ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، وَاجْعَلْ لَهُ بِكُلِّ ثَلَاثَةٍ قِيرَاطًا يَخْرُجُ لَهُ اثْنَا عَشَرَ قِيرَاطًا، وَاضْرِبْ لِلْأُمِّ اثْنَيْ عَشَرَ فِي اثْنَيْنِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَأَعْطِهَا بِكُلِّ ثَلَاثَةٍ قِيرَاطًا يَخْرُجُ لَهَا ثَمَانِيَةُ قَرَارِيطَ، وَاضْرِبْ لِكُلِّ عَمٍّ وَاحِدًا فِي اثْنَيْنِ وَسَهْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ يَكُنْ لَهُ ثُلُثَا قِيرَاطٍ. (وَإِنْ كَانَتْ سِهَامُ التَّرِكَةِ) ؛ أَيْ: الْمَسْأَلَةِ (دُونَ الْأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ، فَانْسِبْهَا إلَيْهَا) ؛ أَيْ: الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ (وَاحْفَظْ بَسْطَ الْكَسْرِ) الْخَارِجِ بِالنِّسْبَةِ (ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فَاضْرِبْهُ فِي مَخْرَجِ الْكَسْرِ، وَاحْسِبْ لَهُ بِكُلِّ عَدَدِ الْبَسْطِ قِيرَاطًا) بِأَنْ تَقْسِمَ الْحَاصِلَ عَلَى الْبَسْطِ يَخْرُجُ مَالُهُ (كَزَوْجٍ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 605 وَأُخْتَيْنِ) لِأَبَوَيْنِ. أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اثْنَيْنِ، لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ يَبْقَى وَاحِدٌ لِلْإِخْوَةِ عَلَى ثَمَانِيَةٍ لَا يَنْقَسِمُ، فَتَضْرِبُ ثَمَانِيَةً فِي اثْنَيْنِ (تَصِحُّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ) وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَ (نِسْبَتُهَا لِلْأَرْبَعَةِ وَعِشْرِينَ ثُلُثَانِ فَمَخْرَجُ) ذَلِكَ (الْكَسْرِ ثَلَاثَةٌ وَبَسْطُهُ اثْنَانِ فَلِلزَّوْجِ) مِنْ السِّتَّةَ عَشَرَ (ثَمَانِيَةٌ اضْرِبْهَا فِي ثَلَاثَةٍ) مَخْرَجِ الثُّلُثَيْنِ (بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ) وَ (احْسِبْ لَهُ كُلَّ اثْنَيْنِ بِقِيرَاطٍ) بِأَنْ تَقْسِمَ الْأَرْبَعَةَ وَالْعِشْرِينَ عَلَى اثْنَيْنِ، وَهِيَ بَسْطُ الثُّلُثَيْنِ (يَكُنْ) الْخَارِجُ (اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا) لِلزَّوْجِ (وَكَذَا الْإِخْوَةُ) فَلِكُلِّ أَخٍ سَهْمَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ، احْسِبْ لَهُ كُلَّ اثْنَيْنِ بِقِيرَاطِ يَكُنْ لَهُ ثَلَاثَةُ قَرَارِيطَ، وَلِكُلِّ أُخْتٍ وَاحِدٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ فَلَهَا قِيرَاطٌ وَنِصْفُ قِيرَاطٍ. (وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ سِهَامًا مِنْ عَقَارٍ كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ) وَنَحْوِهِ، كَسُدُسٍ، وَخُمُسٍ مِنْ دَارٍ أَوْ بُسْتَانٍ وَنَحْوِهِ، فَلَكَ طَرِيقَانِ: (فَ) إنْ شِئْتَ (اجْمَعْهَا) ؛ أَيْ: الْكُسُورَ (مِنْ قَرَارِيطِ الدِّينَارِ، وَاقْسِمْهَا كَمَا ذُكِرَ فَثُلُثُ دَارٍ وَرُبُعُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا، فَاجْعَلْهَا كَأَنَّهَا دَنَانِيرُ، وَاعْمَلْ كَمَا سَبَقَ) لَكَ (كَ) مَا لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ (زَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ: لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ هِيَ) ؛ أَيْ: الثَّلَاثَةُ (رُبُعُهَا وَثُمُنُهَا) ؛ أَيْ: الْمَسْأَلَةِ (فَإِنْ قَسَمْتَ السِّهَامَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَلِلزَّوْجِ رُبُعُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَثُمُنُهَا وَهُوَ خَمْسَةُ قَرَارِيطَ وَرُبُعُ) قِيرَاطٍ (مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ، وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ هُمَا رُبُعُ التَّرِكَةِ، فَتُعْطِيهَا) رُبُعَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ (ثَلَاثَةً وَنِصْفًا، وَلِلْأُخْتِ مِثْلُ الزَّوْجِ) . وَالطَّرِيقُ الثَّانِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ شِئْتَ وَافَقْتَ بَيْنَهَا) ؛ أَيْ: السِّهَامِ (وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ) بِأَنْ تَنْظُرَ هَلْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ أَوْ مُبَايَنَةٌ (وَضَرَبْتَ الْمَسْأَلَةَ إنْ بَايَنْتَ السِّهَامَ) فِي مَخْرَجِهَا (أَوْ) ضَرَبْتَ (وَفْقَهَا إنْ وَافَقَتْهَا) السِّهَامُ (فِي مَخْرَجِ سِهَامِ الْعَقَارِ ثُمَّ) كُلُّ (مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ اضْرِبْهُ فِي السِّهَامِ الْمَوْرُوثَةِ مِنْ الْعَقَارِ) عِنْدَ الْمُبَايَنَةِ (أَوْ) اضْرِبْهُ فِي (وَفْقِهَا) عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ (فَمَا بَلَغَ فَانْسِبْهُ مِنْ مَبْلَغِ سِهَامِ الْعَقَارِ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ سِهَامُ الْعَقَارِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ سِهَامُ نَصِيبِهِ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ) وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لِغَيْرِهَا، وَالتَّرِكَةُ ثُلُثُ دَارٍ وَرُبُعُهَا، الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 606 وَبَسْطُ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ مِنْ مَخْرَجِهِمَا سَبْعَةٌ وَ (لَيْسَ بَيْنَ الثَّمَانِيَةِ وَالسَّبْعَةِ مُوَافَقَةٌ، فَاضْرِبْ الثَّمَانِيَةَ فِي مَخْرَجِ السِّهَامِ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ؛ تَكُنْ سِتَّةً وَتِسْعِينَ لِلزَّوْجِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي سَبْعَةٍ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَانْسِبْهَا لِسِتَّةٍ وَتِسْعِينَ تَجِدْهَا ثُمُنَهَا وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ ثُمُنِهَا) وَالِاثْنَا عَشَرَ ثُمُنُهَا، وَالتِّسْعَةُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ (فَلَهُ مِنْ الدَّارِ مِثْلُ تِلْكَ النِّسْبَةِ، وَلِلْأُخْتِ مِثْلُهُ، وَلِلْأُمِّ) مِنْ الْمَسْأَلَةِ (سَهْمَانِ فِي سَبْعَةٍ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَهِيَ ثُمُنُ السِّتَّةِ وَتِسْعِينَ، وَسُدُسُ ثُمُنِهَا؛ فَلَهَا مِنْ الدَّارِ مِثْلُ تِلْكَ) . هَذَا مِثَالُ الْمُبَايَنَةِ (وَمِثَالُ الْمُوَافَقَةِ زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَبِنْتَانِ وَالتَّرِكَةُ رُبُعُ دَارٍ وَخُمُسُهَا؛ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ) اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إلَى (خَمْسَةَ عَشَرَ) لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ أَرْبَعَةٌ (وَمَخْرَجُ السِّهَامِ عِشْرُونَ) وَبَسْطُهَا تِسْعَةٌ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ (فَالْمَسْأَلَةُ تُوَافِقُ السِّهَامَ الْمَوْرُوثَةَ مِنْ الْعَقَارِ بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّهَا) ؛ أَيْ: السِّهَامَ الْمَوْرُوثَةَ (تِسْعَةٌ، فَتَرُدُّ الْمَسْأَلَةَ إلَى ثُلُثِهَا خَمْسَةً) لِلْمُوَافَقَةِ (ثُمَّ تَضْرِبُهَا فِي مَخْرَجِ سِهَامِ الْعَقَارِ، وَهِيَ عِشْرُونَ؛ تَكُنْ مِائَةً) وَتُتَمِّمُ الْعَمَلَ عَلَى مَا سَبَقَ (فَلِلزَّوْجِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ) الَّتِي هِيَ خَمْسَةَ عَشَر (ثَلَاثَةٌ فِي وَفْقِ سِهَامِ الْعَقَارِ ثَلَاثَةٌ تَبْلُغُ تِسْعَةً، انْسِبْهَا لِلْمِائَةِ تَكُنْ تِسْعَةَ أَعْشَارِ عُشْرِهَا؛ فَلَهُ مِنْ الدَّارِ تِسْعَةُ أَعْشَارِ عُشْرِهَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ سَهْمَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ، وَهِيَ سِتَّةُ أَعْشَارِ) الْمِائَةِ؛ فَلَهُ بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ سِتَّةُ أَعْشَارِ (عُشْرِ الدَّارِ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ) مِنْ الْمَسْأَلَةِ (أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ) وَفْقَ السِّهَامِ (بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَهِيَ عُشْرُ) الْمِائَةِ وَعُشْرَا عُشْرِهَا، فَلَهَا عُشْرُ (الدَّارِ وَعُشْرَا عُشْرِهَا) وَالْأُولَى أَنْ تَقُولَ: وَخُمُسُ عُشْرِهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَصْرُ. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تَنْقَسِمْ السِّهَامُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ (وَإِنْ انْقَسَمَتْ سِهَامُ الْعَقَارِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَاقْسِمْهُمَا مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ فِي شَيْءٍ، كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ) إحْدَاهُنَّ شَقِيقَةٌ وَالْأُخْرَى لِأَبٍ وَالثَّالِثَةُ لِأُمٍّ (وَالتَّرِكَةُ رُبُعُ دَارٍ وَخُمُسُهَا) أَصْلُ (الْمَسْأَلَةِ مِنْ) سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إلَى (تِسْعَةٍ) لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ مِثْلُهُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَاقِيَاتِ سَهْمٌ (وَمَخْرَجُ سِهَامِ الْعَقَارِ عِشْرُونَ، الْمَوْرُوثُ مِنْهَا تِسْعَةٌ) لِأَنَّ رُبُعَهَا خَمْسَةٌ، وَخُمُسَهَا أَرْبَعَةٌ، وَالْمَجْمُوعُ تِسْعَةٌ (مُنْقَسِمَةٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، لِلزَّوْجِ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ عُشْرُ) الْعِشْرِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 607 وَنِصْفُ عُشْرِهَا؛ فَلَهُ عُشْرُ (الدَّارِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا، وَلِلْأُخْتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَاقِيَاتِ) وَاحِدٌ وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ الْعِشْرِينَ، فَلَهَا (نِصْفُ عُشْرِهَا) ؛ أَيْ: الدَّارِ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ. (فَرْعٌ: لَوْ قِيلَ: كَمْ تَرِكَةُ مَنْ خَلَفَ أَرْبَعَةَ بَنِينَ، فَأَخَذَ الْأَكْبَرُ دِينَارًا وَخُمُسَ مَا بَقِيَ، وَأَخَذَ الثَّانِي دِينَارَيْنِ وَخُمُسَ مَا بَقِيَ، وَأَخَذَ الثَّالِثُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وَخُمُسَ مَا بَقِيَ، وَأَخَذَ الرَّابِعُ جَمِيعَ مَا بَقِيَ وَ) الْحَالُ أَنْ (كُلَّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ) كَمْ كَانَتْ التَّرِكَةُ؟ (فَالْجَوَابُ) كَانَتْ (سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارًا) وَقَدْ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَهِيَ نَصِيبُهُ. وَإِنْ خَلَفَ بَنِينَ وَدَنَانِيرَ، فَأَخَذَ الْأَكْبَرُ دِينَارًا وَعُشْرَ الْبَاقِي، وَأَخَذَ الثَّانِي دِينَارَيْنِ وَعُشْرَ الْبَاقِي، وَأَخَذَ الثَّالِثُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وَعُشْرَ الْبَاقِي، وَأَخَذَ الرَّابِعُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَعُشْرَ الْبَاقِي، وَاسْتَمَرُّوا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذَ الْأَصْغَرُ الْبَاقِيَ، وَاسْتَوَتْ سِهَامُهُمْ، فَكَمْ الْبَنِينَ وَالدَّنَانِيرَ؟ فَخُذْ مَخْرَجَ الْعُشْرِ، وَهُوَ عَشْرَةٌ وَانْقُصْهُ وَاحِدًا؛ فَالْبَاقِي تِسْعَةٌ، وَهِيَ عَدَدُ الْبَنِينَ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُمْ تِسْعَةً فِي مِثْلِهِ، وَالْمُرْتَفِعُ بِالضَّرْبِ هُوَ عَدَدُ الدَّنَانِيرِ، وَهُوَ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ. (وَلَوْ قَالَ) إنْسَانٌ (صَحِيحٌ لِمَرِيضٍ: أَوْصِ، فَقَالَ) الْمَرِيضُ لِلصَّحِيحِ: (إنَّمَا يَرِثُنِي امْرَأَتَاكَ وَجَدَّتَاك وَأُخْتَاك وَعَمَّتَاكَ وَخَالَتَاكَ؛ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَزَوَّجَ بِجَدَّتَيْ الْآخَرِ أُمِّ أُمِّهِ وَأُمِّ أَبِيهِ، فَأَوْلَدَ الْمَرِيضُ كُلًّا مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: مِنْ جَدَّتَيْ الصَّحِيحِ (بِبِنْتَيْنِ، فَهُمَا مِنْ أُمِّ أَبِي الصَّحِيحِ عَمَّتَا الصَّحِيحِ، وَمِنْ أُمِّ أُمِّهِ خَالَتَاهُ، وَقَدْ كَانَ أَبُو الْمَرِيضِ تَزَوَّجَ أُمَّ الصَّحِيحِ، فَأَوْلَدَهَا بِنْتَيْنِ) فَالْوَرَثَةُ زَوْجَتَانِ، وَهُمَا جَدَّتَا الصَّحِيحِ وَجَدَّتَانِ، وَهُمَا زَوْجَتَا الصَّحِيحِ وَأَرْبَعُ بَنَاتٍ، الْعَمَّتَانِ وَالْخَالَتَانِ، وَأُخْتَانِ لِأَبٍ هُمَا أُخْتَا الصَّحِيحِ لِأُمِّهِ، فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 608 أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ (وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ) لِأَنَّ ثُمُنَ الزَّوْجَتَيْنِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا، وَيُبَايِنُهُمَا، وَكَذَلِكَ نَصِيبُ الْأُخْتَيْنِ وَاثْنَانِ وَاثْنَانِ مُتَمَاثِلَانِ، فَتَكْتَفِي بِأَحَدِهِمَا وَتَضْرِبُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ يَبْلُغُ مَا ذُكِرَ؛ فَلِلزَّوْجَتَيْنِ الثُّمُنُ سِتَّةٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْجَدَّتَيْنِ ثَمَانِيَةٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبَنَاتِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْأُخْتَيْنِ مَا بَقِيَ، وَهُوَ اثْنَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ. [بَابُ الرَّدِّ] (بَابُ الرَّدِّ) وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْقَوْلُ بِهِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْجُمْلَةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ إمَامُنَا فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَسَوَاءٌ انْتَظَمَ بَيْتُ الْمَالِ أَمْ لَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إنْ لَمْ يَنْتَظِمْ بَيْتُ الْمَالِ، وَمَذْهَبُ زَيْدٍ وَمَالِكٍ لَا يَرُدُّ عَلَى أَحَدٍ بِدَلِيلِ تَقْدِيرِ الْفُرُوضِ، وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] وَهَؤُلَاءِ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ، وَقَدْ تَرَجَّحُوا بِالْقُرْبِ؛ فَهُمْ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَذُو الرَّحِمِ أَحَقُّ مِنْ الْأَجَانِبِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلَأً فَإِلَيَّ» . وَفِي لَفْظٍ: «وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَإِلَيَّ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِلْوَارِثِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ. (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الرَّدُّ (زِيَادَةٌ فِي الْأَنْصِبَاءِ وَنُقْصَانٌ مِنْ السِّهَامِ، عَكْسُ الْعَوْلِ) إذْ هُوَ نُقْصَانٌ فِي الْأَنْصِبَاءِ وَزِيَادَةٌ فِي السِّهَامِ (حَيْثُ لَمْ تَسْتَغْرِقْ الْفُرُوضُ التَّرِكَةَ) كَمَا لَوْ كَانَ الْوَارِثُ بِنْتًا وَبِنْتَ ابْنٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ (وَلَا عَاصِبَ) مَعَ ذَوِي الْفُرُوضِ (رُدَّ فَاضِلٌ) عَنْ الْفُرُوضِ (عَلَى كُلِّ ذِي فَرْضٍ) مِنْ الْوَرَثَةِ (بِقَدْرِهِ) ؛ أَيْ: الْفَرْضِ كَالْغُرَمَاءِ يَقْتَسِمُونَ مَالَ الْمُفْلِسِ بِقَدْرِ دُيُونِهِمْ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 609 أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا أَحْمَدُ (وَلَوْ انْتَظَمَ بَيْتُ الْمَالِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (مَا عَدَا الزَّوْجَيْنِ فَلَا رَدَّ عَلَيْهِمَا) نَصًّا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ ذَوِي الْقَرَابَةِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ رَدَّ عَلَى زَوْجٍ، فَلَعَلَّهُ كَانَ عَصَبَةً أَوْ ذَا رَحِمٍ، فَأَعْطَاهُ لِذَلِكَ، أَوْ أَعْطَاهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ. (فَإِنْ رَدَّ عَلَى وَاحِدٍ) بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمَيِّتُ إلَّا بِنْتًا أَوْ بِنْتَ ابْنٍ أَوْ أُمًّا أَوْ جَدَّةً وَنَحْوَهُنَّ (أَخَذَ) الْوَاحِدُ (الْكُلَّ) فَرْضًا، وَرَدًّا؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْفُرُوضِ شُرِعَ لِمَكَانِ الْمُزَاحَمَةِ، وَقَدْ زَالَ. (وَ) إنْ زَادَ الْمَالُ (عَلَى جَمَاعَةٍ) مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ (مِنْ جِنْسٍ) وَاحِدٍ (كَبَنَاتٍ) أَوْ بَنَاتِ ابْنٍ أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ جَدَّاتٍ أَوْ أَوْلَادِ أُمٍّ (فَ) هُمْ فِي الْمِيرَاثِ (سَوَاءٌ) كَالْعَصَبَةِ مِنْ الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ وَغَيْرِهِمْ، كَبَنِي الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ؛ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي مُوجِبِ الْمِيرَاثِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَ جِنْسُهُمْ) ؛ أَيْ: مَحَلُّهُمْ مِنْ الْمَيِّتِ كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ وَلَيْسَ فِيهِمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (فَخُذْ عَدَدَ سِهَامِهِمْ) ؛ أَيْ: الْمَرْدُودِ عَلَيْهِمْ (مِنْ أَصْلِ سِتَّةٍ دَائِمًا) لِأَنَّ الْفُرُوضَ كُلَّهَا تُوجَدُ فِي السِّتَّةِ إلَّا الرُّبُعُ وَالثُّمُنُ، وَهُمَا لِلزَّوْجَيْنِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا، وَالسِّهَامُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ أَصْلِ مَسْأَلَتِهِمْ هِيَ أَصْلُ مَسْأَلَتِهِمْ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْعَائِلَةِ. (فَجَدَّةٌ وَأَخٌ لِأُمٍّ) أَوْ أُخْتٌ لِأُمٍّ (تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ) لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا السُّدُسُ وَاحِدٌ مِنْ السِّتَّةِ، فَالسُّدُسَانِ اثْنَانِ مِنْهَا، فَيَقْسِمُ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَرْضًا وَرَدًّا، فَإِنْ كَانَ الْجَدَّاتُ فِيهَا ثَلَاثَةٌ؛ انْكَسَرَ عَلَيْهِنَّ سَهْمُهُنَّ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُنَّ فِي الِاثْنَيْنِ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، لِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ ثَلَاثَةٌ: وَلِلْجَدَّاتِ ثَلَاثَةٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدٌ. (وَأُمٌّ وَأَخٌ لِأُمٍّ) أَوْ أُخْتٍ لِأُمٍّ (مِنْ ثَلَاثَةٍ) لِلْأُمِّ الثُّلُثُ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ، وَلِوَلَدِهَا السُّدُسُ وَاحِدٌ؛ فَيَقْسِمُ الْمَالَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَكَذَا أُمُّ وَلَدِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 610 (وَأُمٌّ وَبِنْتٌ) أَوْ بِنْتُ ابْنٍ (مِنْ أَرْبَعَةٍ) لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَاحِدٌ، وَلِلْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، فَيَقْسِمُ الْمَالَ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا، لِلْأُمِّ رُبُعُهُ وَلِلْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ. (وَأُمٌّ وَبِنْتَانِ) أَوْ بِنْتَا ابْنٍ أَوْ أُخْتَانِ لِغَيْرِ أُمٍّ (مِنْ خَمْسَةِ) لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْأُخْرَيَيْنِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ بَيْنَهُنَّ عَلَى خَمْسَةٍ، لِلْأُمِّ خُمُسُهُ، وَلِلْأُخْرَيَيْنِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ (وَلَا تَزِيدُ) مَسَائِلُ الرَّدِّ (عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: الْخَمْسَةِ أَبَدًا (لِأَنَّهَا لَوْ زَادَتْ) عَلَى الْخَمْسَةِ (سُدُسًا آخَرَ لَاسْتَغْرَقَتْ الْفُرُوضُ) الْمَالَ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ يُرَدُّ (فَإِنْ انْكَسَرَ عَلَى فَرِيقٍ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: مِنْ الْوَرَثَةِ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِمْ سِهَامُهُ (ضَرَبْتَهُ) ؛ أَيْ: عَدَدَ الْفَرِيقِ إنْ بَايَنَتْهُ سِهَامُهُ، أَوْ وَفْقَهُ إنْ وَافَقَتْهُ (فِي عَدَدِ سِهَامِهِمْ لَا فِي السِّتَّةِ) كَمَا تَضْرِبُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا إذَا عَالَتْ دُونَ أَصْلِهَا، بَيَانُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ اثْنَيْنِ. ثَلَاثُ جَدَّاتٍ وَأَخٌ مِنْ أُمٍّ، لِلْجَدَّاتِ سَهْمٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، فَتَضْرِبُ عَدَدَهُنَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ اثْنَانِ تَكُنْ سِتَّةً، لِلْأَخِ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَهْمٌ أَصْلُ ثَلَاثَةٍ (كَأُمٍّ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ لِأُمٍّ) لِلْإِخْوَةِ سَهْمَانِ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِمْ (فَتَضْرِبُ) عَدَدَهُمْ (ثَلَاثَةً فِي) أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ (ثَلَاثَةٌ بِتِسْعَةِ) وَمِنْهَا تَصِحُّ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمَانِ. أَصْلُ أَرْبَعَةٍ. أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ لَهُنَّ سَهْمٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُنَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، لِلشَّقِيقَةِ اثْنَا عَشَرَ، وَلِلَّاتِي لِلْأَبِ أَرْبَعَةٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَهْمٌ. أَصْلُ خَمْسَةٍ أُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ، لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَاحِدٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلَّاتِي لِلْأَبِ السُّدُسُ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَيُبَايِنُهُنَّ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُنَّ فِي خَمْسَةٍ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ عِشْرِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، لِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ اثْنَا عَشَرَ، وَلِلَّاتِي لِلْأَبِ أَرْبَعَةٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَهْمٌ. (وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ) ؛ أَيْ: مَعَ الَّذِينَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ، (أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فَاعْمَلْ مَسْأَلَةَ رَدٍّ) أَوَّلًا (ثُمَّ) اعْمَلْ مَسْأَلَةَ (زَوْجِيَّةٍ وَ) أَعْطِ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فَرْضَهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ ثُمَّ (اقْسِمْ مَا فَضَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 611 عَنْ فَرْضِ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ) كَوَصِيَّةٍ مَعَ إرْثٍ، فَيَبْدَأُ بِإِعْطَاءِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَرْضَهُ، وَالْبَاقِي لِمَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ (فَإِنْ انْقَسَمَ) بِلَا كَسْرٍ (كَأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَزَوْجَةٍ) لَمْ تَحْتَجْ إلَى ضَرْبٍ، وَصَحَّتَا مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ الزَّوْجِيَّةِ؛ فَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالْبَاقِي ثَلَاثَةٌ تَنْقَسِمُ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ صَحَّتْ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ الزَّوْجِيَّةِ، لِلزَّوْجَةِ سَهْمٌ، وَلِلْأُمِّ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَخَوَيْنِ سَهْمٌ، وَكَذَا زَوْجَةٌ وَأُمٌّ وَأَخٌ لِأُمٍّ، لِلزَّوْجَةِ سَهْمٌ، وَالْبَاقِي لِلْأُمِّ وَوَلَدِهَا أَثْلَاثًا، لَهَا مَثَلًا مَالُهُ سَهْمَانِ، وَلَهُ سَهْمٌ (وَإِلَّا) يَنْقَسِمُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَلَمْ يُوَافِقْهَا (فَاضْرِبْ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِيَّةِ لِلتَّبَايُنِ) إذْ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِيَّةِ إمَّا وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ إنْ كَانَ الْفَرْضُ نِصْفًا، وَالْوَاحِدُ يُبَايِنُ كُلَّ عَدَدٍ، وَإِمَّا ثَلَاثَةٌ إنْ كَانَ رُبُعًا، وَهِيَ تُبَايِنُ الِاثْنَيْنِ وَالْأَرْبَعَةَ وَالْخَمْسَةَ، وَإِمَّا سَبْعَةٌ إنْ كَانَ ثُمُنًا، وَهِيَ مُبَايِنَةٌ لِأُصُولِ الرَّدِّ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنْ احْتَاجَتْ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ لِتَصْحِيحٍ وَصَحَّحْتُهَا، فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ مَا صَحَّتْ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ، فَمَا حَصَلَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ (ثُمَّ تَقْسِمُهُ فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الزَّوْجِيَّةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ) ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي ضَرَبْتَ فِيهَا، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي الْفَاضِلِ عَنْ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ مَسْأَلَةِ الزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ لَهُمْ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ (اضْرِبْ) مَا (لِذِي الزَّوْجِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ وَ) مَا (لِذِي الرَّدِّ فِي الْفَاضِلِ عَنْ مَسْأَلَةِ الزَّوْجِيَّةِ) وَيَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي خَمْسَةِ أُصُولٍ: أَحَدُهَا: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَزَوْجٌ وَجَدَّةٌ وَأَخٌ لِأُمٍّ) مَسْأَلَةُ الزَّوْجِ مِنْ اثْنَيْنِ لَهُ وَاحِدٌ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فَ (تَضْرِبُ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ اثْنَانِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ) وَهِيَ (اثْنَانِ؛ فَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ) لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْجَدَّةِ وَالْأَخِ لِأُمٍّ وَاحِدٌ فِي وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ (وَ) إنْ كَانَ (مَكَانَ زَوْجٍ زَوْجَةٌ) فَتَكُونُ الْوَرَثَةُ زَوْجَةً وَجَدَّةً وَأَخًا لِأُمٍّ مَسْأَلَةُ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، لَهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 612 وَاحِدٌ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ وَهِيَ اثْنَانِ وَتُبَايِنُهَا فَ (تَضْرِبُ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ) اثْنَيْنِ (فِي مَسْأَلَتِهَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ (تَكُونُ ثَمَانِيَةً) لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَاحِدٌ فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ؛ وَلِكُلٍّ مِنْ الْجَدَّةِ وَالْأَخِ لِأُمٍّ وَاحِدٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ وَ (زَوْجَةٌ وَشَقِيقَةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ) مَسْأَلَةُ الرَّدِّ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلشَّقِيقَةِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَاحِدٌ، يَفْضُلُ عَنْ فَرْضِ الزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ تُبَايِنُ الْأَرْبَعَةَ، فَإِذَا ضَرَبْتَ أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ انْتَقَلَتْ الْمَسْأَلَةُ وَصَارَتْ (مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ) الزَّوْجَةُ الرُّبُعُ أَرْبَعَةٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ تِسْعَةٌ، وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ ثَلَاثَةٌ (وَ) إنْ كَانَ مَكَانَ الْجَدَّةِ (زَوْجَةٌ وَبِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ) فَمَسْأَلَةُ الزَّوْجَةِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَمَسْأَلَةُ الرَّدِّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالْفَاضِلُ عَنْ الزَّوْجَةِ سَبْعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ، وَتُبَايِنُ، فَإِذَا ضَرَبْتَ أَرْبَعَةً فِي ثَمَانِيَةٍ؛ انْتَقَلَتْ الْمَسْأَلَةُ وَصَارَتْ (مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ) لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ سَبْعَةٌ (وَ) إنْ كَانَ (مَعَهُنَّ) ؛ أَيْ: الزَّوْجَةِ وَالْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ (جَدَّةٌ فَ) مَسْأَلَةُ الرَّدِّ (مِنْ) خَمْسَةٍ، وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَةِ سَبْعَةٌ، فَاضْرِبْ الْخَمْسَةَ فِي الثَّمَانِيَةِ تَبْلُغُ (أَرْبَعِينَ) لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ خَمْسَةٌ، وَلِلْبِنْتِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ سَبْعَةٌ، وَلِلْجَدَّةِ سَبْعَةٌ. (تَنْبِيهٌ) : وَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَاحِدٌ مُنْفَرِدٌ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ الْوَرَثَةِ؛ أَخَذَ الْفَاضِلَ عَنْ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ كَأَنَّهُ عَصَبَةً، وَلَا تَنْتَقِلُ الْمَسْأَلَةُ؛ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لِلنَّقْلِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ، لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ وَاحِدٌ، وَالْبَاقِي لِلْبِنْتِ فَرْضًا وَرَدًّا (وَإِنْ حَصَلَ انْكِسَارُ) سَهْمِ فَرِيقٍ أَوْ أَكْثَرَ عَلَيْهِ (بَعْدَ عَمَلِ الْمَسْأَلَتَيْنِ) ؛ أَيْ: مَسْأَلَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَمَسْأَلَةِ الرَّدِّ (فَالْمُوَافِقُ تَرُدُّهُ لِوَفْقِهِ) ؛ أَيْ: فَإِنْ وَافَقَ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِيَّةِ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ بِجُزْءٍ، كَنِصْفٍ وَرُبُعٍ وَثُمُنٍ، فَارْجِعْ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ إلَى وَفْقِهَا، وَاعْتَبِرْ الْأَدَقَّ إنْ تَعَدَّدَ، ثُمَّ اضْرِبْهُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِيَّةِ (وَالْمُبَايِنُ تُبْقِيهِ بِحَالِهِ) مِثَالُ الْمُبَايِنُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَزَوْجَةٌ وَبِنْتٌ وَثَلَاثُ جَدَّاتٍ) مُتَفَرِّقَاتٍ مَسْأَلَةُ الزَّوْجِيَّةِ (مِنْ) ثَمَانِيَةٍ، وَمَسْأَلَةُ الرَّدِّ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَاضْرِبْ إحْدَاهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 613 فِي الْأُخْرَى تَكُنْ (اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْجَدَّاتِ سَبْعَةٌ تُبَايِنُهُنَّ) ؛ أَيْ: تُبَايِنُ عَدَدَهُنَّ (فَالثَّلَاثُ) الَّتِي هِيَ عَدَدُ رُءُوسِ الْجَدَّاتِ (جُزْءُ سَهْمِهَا) ؛ أَيْ: الْمَسْأَلَةِ (اضْرِبْهَا فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ بِسِتٍّ وَتِسْعِينَ) وَمِنْهَا تَصِحُّ (لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَلِلْبِنْتِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فِي ثَلَاثٍ بِثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَلِلْجَدَّاتِ سَبْعٌ فِي ثَلَاثٍ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ) لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَبْعَةٌ، ثُمَّ تُصَحِّحُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي بَابِ التَّصْحِيحِ إذَا انْكَسَرَ سَهْمُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ ضَرَبْتَهُ فِيمَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ. مِثَالُهُ: لَوْ مَاتَ رَجُلٌ (وَ) وَرِثَهُ (أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَسِتُّ بَنَاتٍ وَجَدَّتَانِ) أَصْلُ مَسْأَلَةِ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، لِلزَّوْجَاتِ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَيُبَايِنُ، يَفْضُلُ سَبْعَةٌ، وَأَصْلُ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ (مِنْ) خَمْسَةٍ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ لَا تَزِيدُ عَلَى خَمْسَةٍ أَبَدًا، كَمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مِنْ سَبْعَةٍ أَبَدًا، فَاضْرِبْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَكُنْ (أَرْبَعِينَ لِلزَّوْجَاتِ خَمْسٌ تُبَايِنُهُنَّ) يَبْقَى خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ (وَلِلْجَدَّتَيْنِ) خَمْسٌ الْمَسْأَلَةُ (سَبْعٌ كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: تَبَايُنُهُمَا (وَلِلْبَنَاتِ ثَمَانٌ وَعِشْرُونَ) وَهِيَ (تُوَافِقُ) عَدَدَ رُءُوسهنَّ (بِالنِّصْفِ، فَاضْرِبْ وَفْقَ رُءُوسِ الْبَنَاتِ) وَهُوَ (ثَلَاثَةٌ فِي) أَرْبَعَةٍ عَدَدُ (رُءُوسِ الزَّوْجَاتِ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَهِيَ) ؛ أَيْ: الِاثْنَا عَشَرَ (جُزْءُ السَّهْمِ) الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ (فَتَضْرِبُهَا بِأَرْبَعِينَ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ) وَمِنْهَا تَصِحُّ، ثُمَّ تَقْسِمُ، فَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّتِي هِيَ جُزْءُ السَّهْمِ؛ فَلِلزَّوْجَاتِ خَمْسَةٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ بِسِتِّينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَلِلْجَدَّتَيْنِ سَبْعَةٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ بِأَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، وَلِلْبَنَاتِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 614 [بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَكَيْفِيَّةُ تَوْرِيثِهِمْ] ْ الْأَرْحَامُ: جَمْعُ رَحِمٍ. قَالَ صَاحِبُ " الْمَطَالِعِ ": هِيَ مَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي، وَهُوَ النَّسَبُ وَالِاتِّصَالُ الَّذِي يَجْمَعُهُ وَالِدٌ، فَسُمِّيَ الْمَعْنَى بِاسْمِ ذَلِكَ الْمَحِلِّ تَقْرِيبًا لِلْأَفْهَامِ، ثُمَّ يُطْلَقُ الرَّحِمُ عَلَى كُلِّ قَرَابَةٍ. (وَهُمْ) ؛ أَيْ: ذَوُو الْأَرْحَامِ اصْطِلَاحًا فِي الْفَرَائِضِ (كُلُّ قَرَابَةٍ لَيْسَ بِذِي فَرْضٍ وَلَا عَصَبَةٍ) وَاخْتُلِفَ فِي تَوْرِيثِهِمْ، فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَوْرِيثُهُمْ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ وَذَوِي الْفَرْضِ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ بَيْتُ الْمَالِ، وَكَانَ زَيْدٌ لَا يُوَرِّثُهُمْ، وَيَجْعَلُ الْبَاقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] وَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ، فَقَتَلَهُ، وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا خَالًا، فَكَتَبَ فِيهِ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعُمَرَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى الْمِقْدَادُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ. وَيَرِثُهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. (وَأَصْنَافُهُمْ) ؛ أَيْ: ذَوِي الْأَرْحَامِ (أَحَدَ عَشَرَ) صِنْفًا: أَحَدُهَا (وَلَدُ الْبَنَاتِ لِصُلْبٍ أَوْ لِابْنٍ وَ) الثَّانِي (وَلَدُ الْأَخَوَاتِ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (وَ) الثَّالِثُ (بَنَاتُ الْإِخْوَةِ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (وَ) الرَّابِعُ (بَنَاتُ الْأَعْمَامِ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 615 لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (وَ) الْخَامِسُ (وَلَدُ وَلَدِ الْأُمِّ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَ) السَّادِسُ (الْعَمُّ لِأُمٍّ) سَوَاءٌ كَانَ عَمَّ الْمَيِّتِ أَوْ عَمَّ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ، وَإِنْ عَلَا (وَ) السَّابِعُ (الْعَمَّاتُ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ عَمَّاتُ الْمَيِّتِ وَعَمَّاتُ أَبِيهِ وَعَمَّاتُ جَدِّهِ، وَإِنْ عَلَا (وَ) الثَّامِنُ (الْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ) لِلْمَيِّتِ وَلِأَبَوَيْهِ أَوْ أَجْدَادِهِ أَوْ جَدَّاتِهِ (وَ) التَّاسِعُ (أَبُو الْأُمِّ) وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا (وَ) الْعَاشِرُ (كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَبٍ بَيْنَ أُمَّيْنِ) كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ (أَوْ) أَدْلَتْ (بِأَبٍ أَعْلَى مِنْ جَدٍّ) كَأُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي الْمَيِّتِ (وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ (مَنْ أَدْلَى بِهِمْ) ؛ أَيْ: بِوَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ مِمَّنْ سَبَقَ كَعَمَّةٍ الْعَمَّةِ أَوْ الْعَمِّ، وَخَالَةِ الْعَمَّةِ أَوْ الْخَالِ، وَأَخِي أَبِي الْأُمِّ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَوْرِيثِهِمْ فِي كَيْفِيَّتِهِ عَلَى مَذَاهِبَ، هُجِرَ بَعْضُهَا وَالْبَاقِي لَمْ يُهْجَرْ، مَذْهَبَانِ: أَحَدُهُمَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يُوَرَّثُونَ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (وَ) الْمَذْهَبُ الثَّانِي، وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُمْ (يُوَرَّثُونَ بِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ) فَيُنْزَلُ كُلٌّ مِنْهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ أَدْلَى بِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ بِدَرَجَةٍ أَوْ دَرَجَاتٍ حَتَّى يَصِلَ إلَى مَنْ يَرِثُ، فَيَأْخُذُ مِيرَاثَهُ. (فَوَلَدُ بِنْتٍ لِصُلْبٍ أَوْ) بِنْتٍ (لِابْنٍ وَوَلَدُ أُخْتٍ كَأُمٍّ كُلٌّ) مِنْهُمْ (وَبِنْتُ أَخٍ وَ) بِنْتُ (عَمٍّ وَوَلَدُ وَلَدِ أُمٍّ كَآبَائِهِمْ، وَأَخْوَالٌ وَخَالَاتٌ وَأَبُو أُمٍّ كَأُمٍّ، وَعَمَّاتٌ وَعَمٌّ مِنْ أُمٍّ كَأَبٍ، وَأَبُو أُمٍّ أَبٍ، وَأَبُو أُمِّ أُمٍّ، وَأَخَوَاهُمَا، وَأُخْتَاهُمَا، وَأُمُّ أَبِي جَدٍّ بِمَنْزِلَتِهِمْ، ثُمَّ تَجْعَلُ نَصِيبَ كُلِّ وَارِثٍ) بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ (لِمَنْ أَدْلَى بِهِ) مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا نَزَّلَا بِنْتَ الْبِنْتِ بِمَنْزِلَةِ الْبِنْتِ، وَبِنْتَ الْأَخِ بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ، وَبِنْتَ الْأُخْتِ بِمَنْزِلَةِ الْأُخْتِ، وَالْعَمَّةَ مَنْزِلَةَ الْأَبِ، وَالْخَالَةَ مَنْزِلَةَ الْأُمِّ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ. وَرَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْعَمَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا أَبٌ، وَالْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا أُمٌّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَإِذَا انْفَرَدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 616 وَاحِدٌ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَخَذَ الْمَالَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ مَنْ أَدْلَى بِهِ، فَإِمَّا أَنْ يُدْلِيَ بِعَصَبَتِهِ، فَيَأْخُذَهُ تَعْصِيبًا أَوْ بِذِي فَرْضٍ، فَيَأْخُذَهُ فَرْضًا وَرَدًّا. (فَإِنْ أَدْلَى جَمَاعَةٌ) مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ (بِوَارِثٍ) بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ (وَاسْتَوَتْ مَنْزِلَتُهُمْ مِنْهُ) بِلَا سَبْقٍ كَأَوْلَادِهِ وَكَإِخْوَتِهِ الْمُتَفَرِّقِينَ الَّذِينَ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ (فَنَصِيبُهُ لَهُمْ) كَإِرْثِهِمْ مِنْهُ، لَكِنْ هُنَا (ذَكَرَ كَأُنْثَى) لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالرَّحِمِ، فَاسْتَوَى ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ كَوَلَدِ الْأُمِّ (فَبِنْتُ أُخْتٍ وَابْنٌ وَبِنْتٌ) (لِ) أُخْتٍ (أُخْرَى، لِ) بِنْتِ الْأُخْتِ (الْأُولَى النِّصْفُ) لِأَنَّهُ إرْثُ أُمِّهَا فَرْضًا وَرَدًّا (وَلِ) بِنْتِ الْأُخْتِ (الْأُخْرَى وَأَخِيهَا النِّصْفُ) لِأَنَّهُ إرْثُ أُمِّهَا حَيْثُ اسْتَوَتْ الْأُخْتَانِ فِي كَوْنِهِمَا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (بِالسَّوِيَّةِ) بَيْنَ الْأُخْتِ وَأَخِيهَا، فَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ. (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ) مَنْزِلَتُهُمْ مِمَّنْ أَدْلَوْا بِهِ (جَعَلْتَ الْمُدْلَى بِهِ كَالْمَيِّتِ) لِتَظْهَرَ جِهَةُ اخْتِلَافِ مَنَازِلِهِمْ (وَقَسَمْت نَصِيبَهُ بَيْنَهُمْ) ؛ أَيْ: مَنْ أَدْلَوْا بِهِ (عَلَى ذَلِكَ) ؛ أَيْ: حَسْبَ مَنَازِلِهِمْ مِنْهُ (كَثَلَاثِ خَالَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ) وَاحِدَةٍ شَقِيقَةٍ وَالْأُخْرَى لِأَبٍ وَالْأُخْرَى لِأُمٍّ (وَثَلَاثِ عَمَّاتٍ كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: مُفْتَرِقَاتٍ (فَالثُّلُثُ) الَّذِي كَانَ لِلْأُمِّ (بَيْنَ الْخَالَاتِ عَلَى خَمْسَةٍ) لِأَنَّهُنَّ يَرِثْنَهَا كَذَلِكَ فَرْضًا وَرَدًّا (أَوْ الثُّلُثَانِ) اللَّذَانِ كَانَا لِلْأَبِ تَعْصِيبًا (بَيْنَ الْعَمَّاتِ كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: عَلَى خَمْسَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، لِلْخَالَاتِ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْخَمْسَةِ، وَلِلْعَمَّاتِ اثْنَانِ كَذَلِكَ، وَالْخَمْسَةُ وَالْخَمْسَةُ مُتَمَاثِلَانِ (فَاكْتَفِ بِإِحْدَاهُمَا، وَاضْرِبْهَا) ؛ أَيْ: الْخَمْسَةَ (فِي ثَلَاثَةٍ) أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَخْرَجِ الثُّلُثِ (تَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ) لِلْخَالَاتِ مِنْهَا خَمْسَةٌ (لِلْخَالَةِ لِأَبَوَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَ) لِلْخَالَةِ (لِأَبٍ سَهْمٌ وَ) لِلْخَالَةِ (لِأُمٍّ سَهْمٌ) كَمَا يَرِثْنَ الْأُمَّ لَوْ مَاتَتْ عَنْهُنَّ (وَ) لِلْعَمَّاتِ عَشَرَةٌ (لِلْعَمَّةِ لِأَبَوَيْنِ سِتَّةٌ وَ) لِلَّتِي (لِأَبٍ سَهْمَانِ وَ) لِلَّتِي (لِأُمٍّ سَهْمَانِ) . (تَنْبِيهٌ) : وَلَوْ كَانَ مَعَ الْخَالَاتِ خَالٌ مِنْ أُمٍّ، وَمَعَ الْعَمَّاتِ عَمٌّ مِنْ أُمٍّ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 617 فَالثُّلُثُ بَيْنَ الْخَالِ وَالْخَالَاتِ عَلَى سِتَّةٍ، وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْعَمِّ وَالْعَمَّاتِ عَلَى سِتَّةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَاصِلَةٍ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي سِتَّةٍ، فَلِلْخَالَةِ لِأَبَوَيْنِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلَّتِي لِأَبٍ وَاحِدٌ، وَلِلَّتِي لِأُمٍّ وَأَخِيهَا سَهْمَانِ، وَلِلْعَمَّةِ لِأَبَوَيْنِ سِتَّةٌ، وَلِلَّتِي لِأَبٍ سَهْمَانِ، وَلِلَّتِي لِأُمٍّ وَأَخِيهَا سَهْمَانِ أَرْبَعَةٌ. (وَإِنْ خَلَفَ ثَلَاثَةَ أَخْوَالٍ مُفْتَرِقِينَ) ؛ أَيْ: أَحَدُهُمْ أَخٌ لِأُمٍّ لِأَبَوَيْهَا، وَالْآخَرُ لِأَبِيهَا، وَالْآخَرُ لِأُمِّهَا (فَلِذِي الْأُمِّ سُدُسٌ) كَمَا يَرِثُهُ مِنْ أُخْتِهِ لَوْ مَاتَتْ (وَالْبَاقِي لِذِي الْأَبَوَيْنِ) لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الْأَخَ لِلْأَبِ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ (وَيُسْقِطُهُمْ) ؛ أَيْ: الْأَخْوَالَ مُطْلَقًا (أَبُ الْأُمِّ) كَمَا يُسْقِطُ الْأَبُ الْإِخْوَةَ؛ لِإِدْلَائِهِمْ بِهِ وَإِنْ خَلَفَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ إخْوَةً مُفْتَرِقِينَ. فَكَأَنَّهُ خَلَفَ أَخًا مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَأَخًا لِأَبٍ وَأَخًا لِأُمٍّ، فَسُدُسُ الْأَخِ لِأُمِّ لِبِنْتِهِ، وَالْبَاقِي لِلْأَخِ لِأَبَوَيْنِ لَوْ كَانَ فَهُوَ لِبِنْتِهِ، وَتَسْقُطُ بِنْتُ الْأَخِ لِأَبٍ كَأَبِيهَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا مَعَ الشَّقِيقِ. (وَإِنْ خَلَفَ ثَلَاثَ بَنَاتِ عُمُومَةٍ مُفْتَرِقَاتٍ) ؛ أَيْ: بِنْتَ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ وَبِنْتَ عَمٍّ لِأَبٍ وَبِنْتَ عَمٍّ لِأُمٍّ (فَالْكُلُّ) ؛ أَيْ: كُلُّ التَّرِكَةِ (لِبِنْتِ) الْعَمِّ (ذِي الْأَبَوَيْنِ) وَحْدَهَا نَصًّا؛ لِقِيَامِ كُلٍّ مِنْهُنَّ مَقَامَ أَبِيهِنَّ، وَلَوْ خَلَفَ ثَلَاثَةَ أَعْمَامٍ مُفْتَرِقِينَ لَكَانَ جَمِيعُ الْمِيرَاثِ لِلْعَمِّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ؛ لِسُقُوطِ الْعَمِّ مِنْ الْأَبِ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ، فَالْعَمُّ مِنْ الْأُمِّ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْلَى بِالسُّقُوطِ، وَإِنْ خَلَفَ مَيِّتٌ بِنْتَ عَمٍّ لِأَبٍ وَبِنْتَ عَمٍّ لِأُمٍّ وَبِنْتَ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ بِنْتَ عَمٍّ لِأُمٍّ وَبِنْتَ بِنْتَ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ؛ فَالْمَالُ لِلْأُولَى؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ، وَبِنْتَ عَمٍّ وَبِنْتَ عَمَّةٍ؛ الْمَالُ لِبِنْتِ الْعَمِّ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. (وَإِنْ أَدْلَى جَمَاعَةٌ) مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (بِجَمَاعَةٍ) مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ أَوْ الْعَصَبَاتِ (جُعِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (كَأَنَّ الْمُدْلَى بِهِمْ أَحْيَاءٌ) وَقَسَمَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ (أَوْ عَلَى نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ) بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ (لِمَنْ أَدْلَى بِهِ) مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ؛ لِأَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ (فَا) بْنُ أُخْتٍ مَعَهُ أُخْتُهُ، وَبِنْتُ أُخْتٍ أُخْرَى مُسَاوِيَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 618 لِلْأُخْتِ الْأُولَى فِي كَوْنِهَا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ؛ فَلِبِنْتِ الْأُخْتِ وَأَخِيهَا حَقُّ أُمِّهِمَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِتَنْزِيلِهِمَا مَنْزِلَتَهَا، وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ الْأُخْرَى حَقُّ أُمِّهَا النِّصْفُ؛ لِقِيَامِهَا مَقَامَهَا، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ. وَإِنْ كَانَ بِنْتَ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتَ ابْنٍ؛ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ بِالرَّدِّ كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ لِبِنْتِ الْبِنْتِ، ثَلَاثَةٌ حَقُّ أُمِّهَا؛ لِقِيَامِهَا مَقَامَهَا، وَلِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ سَهْمٌ حَقُّ أُمِّهَا. وَلَوْ كَانَ (ثَلَاثُ بَنَاتِ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَمِثْلُهُنَّ) ؛ أَيْ: ثَلَاثُ بَنَاتِ أُخْتٍ (لِأَبٍ وَمِثْلُهُنَّ) ؛ أَيْ: ثَلَاثُ بَنَاتِ أُخْتٍ (لِأُمٍّ وَثَلَاثُ بَنَاتِ عَمٍّ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ؛ قُسِّمَ الْمَالُ بَيْنَ الْمُدْلَى بِهِمْ مِنْ سِتَّةٍ (فَلِلْأُوَلِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ؛ أَيْ: بَنَاتِ الْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ (النِّصْفُ) لِأَنَّهُ فَرْضُ مَنْ أَدْلَيْنَ بِهَا (وَلِكُلِّ) صِنْفٍ (مِنْ) بَنَاتِ الْأُخْتَيْنِ (الْأُخْرَيَيْنِ) ؛ أَيْ: الَّتِي لِأَبٍ وَاَلَّتِي لِأُمٍّ (السُّدُسُ يَفْضُلُ) مِنْ الْمَالِ (سُدُسٌ) أَعْطِهِ (لِبَنَاتِ الْعَمِّ) ثُمَّ تَنْظُرُ، فَنَصِيبُ بَنَاتِ الْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ عَلَيْهِنَّ صَحِيحٌ، وَنَصِيبُ الْبَاقِينَ عَلَى بَنَاتِهِمْ مُبَايِنٌ، وَالْأَعْدَادُ مُتَمَاثِلَةٌ؛ فَتَجْتَزِئُ بِأَحَدِهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ (ثُمَّ تَضْرِبُ) الـ (ثَّلَاثَةَ فِي) أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (سِتَّةٍ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ) وَمِنْهَا تَصِحُّ، ثُمَّ اقْسِمْ الْمَالَ بَيْنَ الْمُدْلَى بِهِمْ، فَأَعْطِ (لِبَنَاتِ) ا (لِأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ) النِّصْفَ (تِسْعَةً) لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةٌ (وَ) أَعْطِ (لِلْجَمِيعِ) ؛ أَيْ: جَمِيعِ الْوَرَثَةِ الْبَوَاقِيَ (تِسْعَةً وَهُنَّ) ثَلَاثُ بَنَاتِ أُخْتٍ لِأَبٍ، وَثَلَاثُ بَنَاتِ أُخْتٍ لِأُمٍّ، وَثَلَاثُ بَنَاتِ عَمٍّ فَمَجْمُوعُهُنَّ (تِسْعَةٌ) لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَهْمٌ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثُ بَنَاتِ ثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبِنْتُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ؛ فَاقْسِمْ بَيْنَ الْمُدْلَى بِهِمْ كَأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ؛ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، لِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ وَاحِدٌ، وَلِلْأُخْتِ لِأُمٍّ السُّدُسُ، وَلِلْعَمِّ السُّدُسُ الْبَاقِي وَاحِدٌ، وَتَصِحُّ مِنْ أَصْلِهَا سِتَّةٌ، فَأَعْطِ بِنْتَ الشَّقِيقَةِ ثَلَاثَةً أَسْهُمَ أُمِّهَا، وَأَعْطِ بِنْتَ الْأُخْتِ لِأَبٍ سَهْمًا وَهُوَ مَا كَانَ لِأُمِّهَا، وَأَعْطِ بِنْتَ الْأُخْتِ لِأُمٍّ سَهْمًا؛ لِقِيَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ مَقَامَ مَنْ أَدْلَتْ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 619 (وَإِنْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ) ؛ أَيْ: الْمُدْلَى بِهِمْ (بَعْضًا عُمِلَ بِهِ، فَعَمَّةٌ وَبِنْتُ أَخٍ؛ الْمَالُ لِلْعَمَّةِ) لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَبِنْتُ الْأَخِ بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ، وَالْأَبُ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ. (وَيَسْقُطُ بَعِيدٌ مِنْ وَارِثٍ بِأَقْرَبَ) مِنْهُ إلَيْهِ (كَبِنْتِ بِنْتٍ وَ) بِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ (أُخْرَى) الْمَالُ لِلْأُولَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ (أَنْزَلُ) مِنْهَا، وَكَخَالَةٍ وَأُمِّ أَبِي أُمٍّ، الْمَالُ لِلْخَالَةِ؛ لِأَنَّهَا تَلْقَى الْأُمَّ بِأَوَّلِ دَرَجَةٍ؛ بِخِلَافِ أُمِّ أَبِيهَا، وَكَذَا بِنْتُ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ؛ الْمَالُ لِلثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَلْقَى بِنْتَ الِابْنِ الْوَارِثَةَ بِالْفَرْضِ بِأَوَّلِ دَرَجَةٍ (إلَّا إنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ؛ فَيَنْزِلُ بَعِيدٌ حَتَّى يَلْحَقَ بِوَارِثٍ سَقَطَ بِهِ أَقْرَبُ أَوْ لَا كَبِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتِ أَخٍ لِأُمٍّ؛ الْكُلُّ لِلْأُولَى) لِأَنَّ جَدَّتَهَا وَهِيَ الْبِنْتُ تُسْقِطُ الْأَخَ لِأُمٍّ، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ فِي خَالَةٍ وَبِنْتِ خَالَةٍ وَبِنْتِ ابْنِ عَمٍّ، لِلْخَالَةِ الثُّلُثُ، وَلِبِنْتِ ابْنِ الْعَمِّ الثُّلُثَانِ، وَلَا تُعْطَى بِنْتُ الْخَالَةِ شَيْئًا. وَمَنْ خَلَفَ ثَلَاثَ خَالَاتِ أَبٍ مُفْتَرِقَاتٍ وَثَلَاثَ عَمَّاتِ أُمٍّ مُفْتَرِقَاتٍ؛ وَثَلَاثَ خَالَاتِ أُمٍّ مُفْتَرِقَاتٍ؛ فَخَالَاتُ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأُمِّ، وَخَالَاتُ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأَبِ، وَلَوْ خَلَفَ الْمَيِّتُ هَاتَيْنِ الْجَدَّتَيْنِ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ فَيَكُونُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَيْنَ أَخَوَاتِهَا عَلَى خَمْسَةٍ؛ أَيْ: لِأَنَّهُنَّ يَرِثْنَهَا كَذَلِكَ فَرْضًا وَرَدًّا، وَتَصِحُّ مِنْ عَشَرَةٍ، وَتَسْقُطُ عَمَّاتُ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُنَّ بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأُمِّ، وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُنَّ عَمَّاتُ أَبٍ كَانَ لِخَالَاتِ الْأَبِ وَالْأُمِّ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْجَدَّتَيْنِ، وَالْبَاقِي لِعَمَّاتِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُنَّ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ. (وَخَالَةُ أَبٍ وَأُمُّ أَبِي أُمٍّ الْكُلُّ لِلثَّانِيَةِ) لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ، وَالْأُولَى بِمَنْزِلَةِ الْجَدَّةِ. (وَالْجِهَاتُ) ؛ أَيْ: جِهَاتُ ذَوِي الْأَرْحَامِ (ثَلَاثٌ) : إحْدَاهَا (أُبُوَّةٌ) وَيَدْخُلُ فِيهَا فُرُوعُ الْأَبِ مِنْ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 620 السَّوَاقِطِ، وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ، وَأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ، وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ، وَبَنَاتِهِنَّ، وَعَمَّاتِ الْأَبِ، وَعَمَّاتِ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا. (وَ) الثَّانِيَةُ (أُمُومَةٌ) وَيَدْخُلُ فِيهَا فُرُوعُ الْأُمِّ مِنْ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَأَعْمَامِ الْأُمِّ وَأَعْمَامِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا، وَعَمَّاتِ الْأُمِّ وَعَمَّاتِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا، وَأَخْوَالِ الْأُمِّ وَأَخْوَالِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا، وَخَالَاتِ الْأُمِّ وَخَالَاتِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا. (وَ) الثَّالِثَةُ (بُنُوَّةٌ) وَيَدْخُلُ فِيهَا أَوْلَادُ الْبَنَاتِ، وَأَوْلَادُ بَنَاتِ الِابْنِ. وَوَجْهُ الِانْحِصَارُ فِي الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْوَاسِطَةَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَسَائِرِ أَقَارِبِهِ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَوَلَدُهُ، لِأَنَّ طَرَفَهُ الْأَعْلَى أَبَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ بَيْنَهُمَا، وَطَرَفُهُ الْأَسْفَلُ أَوْلَادُهُ؛ لِأَنَّهُ مَبْدَؤُهُمْ، وَمِنْهُ نَشَئُوا، فَكُلُّ قَرِيبٍ إنَّمَا يُدْلِي بِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ. (فَتَسْقُطُ بِنْتُ بِنْتِ أَخٍ بِبِنْتِ عَمَّةٍ) لِأَنَّ بِنْتَ الْعَمَّةِ تُدْلِي بِالْأَبِ، وَبِنْتَ بِنْتِ الْأَخِ تُدْلِي بِالْأَخِ، وَالْأَبُ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ (وَيَرِثُ مُدْلٍ بِقَرَابَتَيْنِ) مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (بِهِمَا) ؛ أَيْ: بِقَرَابَتَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَخْصٌ لَهُ قَرَابَتَانِ لَا يُرَجَّحُ بِهِمَا، فَوَرِثَ بِهِمَا كَالزَّوْجِ إذَا كَانَ ابْنَ عَمٍّ (كَابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ هُوَ ابْنُ ابْنِ بِنْتٍ أُخْرَى، وَمَعَهُ بِنْتُ بِنْتِ بِنْتٍ أُخْرَى؛ فَلِلِابْنِ الثُّلُثَانِ) جَعْلًا لَهُ بِمَنْزِلَةِ اثْنَيْنِ (وَلِلْبِنْتِ الثُّلُثُ) وَتَصِحُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ (فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهَا وَاحِدَةً؛ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ) لِأَنَّ لَهُ نِصْفَ مَا كَانَ لِجَدَّتِهِ لِأُمِّهِ، وَهُوَ الرُّبْعُ، وَلَهُ جَمِيعُ مَا كَانَ لِجَدَّتِهِ لِأَبِيهِ، وَهُوَ النِّصْفُ؛ وَلِأُخْتِهِ لِأُمِّهِ نِصْفُ مَا كَانَ لِأُمِّهَا، وَهُوَ الرُّبُعُ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ بِنْتَا أُخْتٍ لِأُمٍّ إحْدَاهُمَا بِنْتُ أَخٍ لِأَبٍ وَبِنْتُ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ، الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، لِبِنْتِ الْأُخْتِ مِنْ أَبَوَيْنِ سِتَّةٌ، وَلِذَاتِ الْقَرَابَتَيْنِ أَرْبَعَةٌ مِنْ جِهَةِ أَبِيهَا وَوَاحِدٌ مِنْ جِهَةِ أُمِّهَا، وَلِلْأُخْرَى وَاحِدٌ. (وَلِزَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ مَعَ ذِي رَحِمٍ فَرْضُهُ) بِالزَّوْجِيَّةِ (بِلَا حَجْبٍ) لِلزَّوْجِ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ، وَبِلَا حَجْبٍ لِلزَّوْجَةِ مِنْ الرُّبُعِ إلَى الثُّمُنِ؛ فَلَا يَحْجُبَانِ بِأَحَدٍ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَلَا عَوْلَ) لِأَنَّ فَرْضَ الزَّوْجَيْنِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 621 وَإِرْثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، فَلَا يُعَارِضُهُ، وَلِذَلِكَ لَا يَرِثُ ذُو الرَّحِمِ مَعَ ذِي فَرْضٍ، وَإِنَّمَا وَرِثَ مَعَ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، فَيَأْخُذُ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ فَرْضَهُ تَامًّا (وَالْبَاقِي لَهُمْ) ؛ أَيْ: ذَوِي الْأَرْحَامِ (كَانْفِرَادِهِمْ) ؛ عَنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (فَلِبِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتِ أُخْتٍ) لَا لِأُمٍّ (أَوْ) بِنْتِ (أَخٍ لَا لِأُمٍّ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِيَّةِ الْبَاقِي بِالسَّوِيَّةِ) بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ انْفَرَدَتَا، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا زَوْجٌ أَخَذَ النِّصْفَ، وَلِكُلِّ مِنْهُمَا رُبُعٌ (وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ) لِلزَّوْجِ اثْنَانِ، وَلِكُلِّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا زَوْجَةٌ فَلَهَا الرُّبُعُ، وَالْبَاقِي لَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ؛ فَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ. وَفِي زَوْجٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ وَخَالَةٍ وَبِنْتِ عَمٍّ؛ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى سِتَّةٍ؛ فَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِلزَّوْجِ سِتَّةٌ، وَلِبِنْتِ الْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْخَالَةِ سَهْمٌ، وَلِبِنْتِ الْعَمِّ سَهْمَانِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ زَوْجَةٌ فَلَهَا الرُّبُعُ، وَيَبْقَى ثَلَاثَةٌ عَلَى سِتَّةٍ تُوَافِقُهَا بِالثُّلُثِ، فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ تَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ. (وَ) إنْ كَانَ (مَعَهُ) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ (خَالَةٌ وَعَمَّةٌ أَوْ) كَانَ مَعَ الزَّوْجِ (خَالَةٌ وَبِنْتُ عَمٍّ أَوْ) كَانَ مَعَ الزَّوْجِ خَالٌ وَ (بِنْتُ ابْنِ عَمٍّ؛ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِلْخَالَةِ ثُلُثُهُ، وَلِلْعَمَّةِ أَوْ بِنْتِ الْعَمِّ) أَوْ بِنْتِ ابْنِ الْعَمِّ (ثُلُثَاهُ) فَمَخْرَجُ النِّصْفِ مِنْ اثْنَيْنِ، لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ يَبْقَى وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَيُبَايِنُ؛ فَاضْرِبْ الثَّلَاثَةَ فِي الِاثْنَيْنِ (وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةِ) لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْخَالَةِ وَاحِدٌ، وَلِلْعَمَّةِ أَوْ بِنْتِ الْعَمِّ أَوْ بِنْتِ ابْنِ الْعَمِّ اثْنَانِ. (وَإِنْ خَلَفَتْ زَوْجًا وَابْنَ خَالِ أَبِيهَا وَبِنْتَيْ أَخِيهَا) لِغَيْرِ أُمٍّ (فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي كَأَنَّ التَّرِكَةَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَابْنُ خَالِ أَبِيهَا يُدْلِي بِعَمَّتِهِ - وَهِيَ جَدَّةُ الْمَيِّتَةِ - فَيَرِثُ السُّدُسَ) لَوْ كَانَتْ فَيَأْخُذُهُ هُوَ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهَا، فَيَكُونُ لَهُ السُّدُسُ (مِنْ الْبَاقِي) بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ (وَلِبِنْتَيْ أَخِيهَا بَاقِيهِ) لِقِيَامِهِمَا مَقَامَ الْأَخِ (وَهُوَ) أَيْ الْبَاقِي (خَمْسَةٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) فَلَا تَنْقَسِمُ (فَ) اضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ وَ (تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِلزَّوْجِ) نِصْفُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 622 (اثْنَا عَشَرَ، وَلِابْنِ خَالِ أَبِيهَا) سُدُسُ الْبَاقِي (سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ) مِنْ بِنْتَيْ الْأَخِ (خَمْسَةٌ وَلَا يَعُولُ هُنَا) ؛ أَيْ: بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ أُصُولِ الْمَسَائِلِ (إلَّا أَصْلُ سِتَّةٍ) فَتَعُولُ (إلَى سَبْعَةٍ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْعَوْلَ الزَّائِدَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (كَخَالَةٍ وَسِتِّ بَنَاتٍ وَسِتِّ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ) ؛ أَيْ: بِنْتَيْ أُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ. وَبِنْتَيْ أُخْتَيْنِ لِأَبٍ؛ وَبِنْتَيْ أُخْتَيْنِ لِأُمٍّ؛ لِلْخَالَةِ السُّدُسُ، وَلِبِنْتَيْ الْأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ، وَلِبِنْتَيْ الْأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ اثْنَانِ، وَلَا شَيْءَ لَبِنْتَيْ الْأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ (وَكَأَبِي أُمٍّ وَبِنْتِ أَخٍ لِأُمٍّ وَثَلَاثِ بَنَاتِ ثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ) ؛ أَيْ: إحْدَاهُنَّ لِأَبَوَيْنِ وَالْأُخْرَى لِأَبٍ وَالْأُخْرَى لِأُمٍّ (لِذَاتِ الْأَبَوَيْنِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِذَاتِ الْأَبِ سُدُسٌ) تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ (وَ) لِذَاتِ (الْأُمِّ سُدُسٌ وَلِبِنْتِ الْأَخِ لِأُمٍّ سُدُسٌ وَلِأَبِي الْأُمِّ سُدُسٌ عَائِلٌ) وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ سَبْعَةٌ. [فَرْعٌ مَالُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ مَعْلُومٌ] (فَرْعٌ: مَالُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ) مَعْلُومٌ (لِبَيْتِ الْمَالِ) يَحْفَظُهُ كَالْمَالِ الضَّائِعِ، لِأَنَّ كُلَّ مَيِّتٍ لَا يَخْلُو مِنْ بَنِي عَمٍّ أَعْلَى؛ إذْ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، فَمَنْ كَانَ أَسْبَقَ إلَى الِاجْتِمَاعِ مَعَ الْمَيِّتِ فِي أَبٍ مِنْ آبَائِهِ فَهُوَ عَصَبَةٌ، لَكِنَّهُ مَجْهُولٌ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمٌ، وَجَازَ صَرْفُ مَالِهِ فِي الْمَصَالِحِ، وَلِذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ مَوْلًى مُعْتَقٌ لَوَرِثَهُ فِي هَذَا الْحَالِ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى هَذَا الْمَجْهُولِ (وَلَيْسَ) بَيْتُ الْمَالِ (وَارِثًا وَإِنَّمَا يَحْفَظُ الْمَالَ الضَّائِعَ وَغَيْرَهُ) كَأَمْوَالِ الْفَيْءِ (فَهُوَ جِهَةٌ وَمَصْلَحَةٌ) لِأَنَّ اشْتِبَاهَ الْوَارِثِ بِغَيْرِهِ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْإِرْثِ لِلْكُلِّ (وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ لَا حَاجَةَ لِي بِالْمِيرَاثِ اقْتَسَمَهُ) ؛ أَيْ: الْمِيرَاثَ (بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ، وَيُوقَفُ سَهْمُهُ) نَصًّا، لِأَنَّ الْإِرْثَ قَهْرِيٌّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 623 [بَابُ مِيرَاثِ الْحَمْلِ] (مِيرَاثُ الْحَمْلِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ كُلِّ حُبْلَى، وَبِكَسْرِهَا مَا يُحْمَلُ عَلَى ظَهْرٍ أَوْ رَأْسٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا فِي بَطْنِ الْآدَمِيَّةِ مِنْ وَلَدٍ، يُقَالُ امْرَأَةٌ حَامِلٌ وَحَامِلَةٌ إذَا كَانَتْ حُبْلَى، فَإِذَا حَمَلَتْ شَيْئًا عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ رَأْسِهَا فَهِيَ حَامِلَةٌ لَا غَيْرُ، وَحَمَلَ الشَّجَرُ: ثَمَرَهُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ. (يَرِثُ الْحَمْلُ) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ (وَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ مُورِثِهِ بِشَرْطِ خُرُوجِهِ حَيًّا) قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ " الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ أَحْمَدَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى أُمِّهِ مِنْ نَصِيبِهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِالْإِرْثِ مِنْ حِينِ مَوْتِ أَبِيهِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْوَضْعِ. قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: وَهَذَا تَحْقِيقٌ قَوْلِ مَنْ قَالَ: هَلْ الْحَمْلُ لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ وَحَيْثُ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي إرْثِ الْحَمْلِ فِي الْجُمْلَةِ (فَمَنْ مَاتَ عَنْ حَمْلٍ يَرِثُهُ) وَمَعَ الْحَمْلِ مَنْ يَرِثُ أَيْضًا، وَرَضِيَ بِأَنْ يُوقَفَ الْأَمْرُ إلَى الْوَضْعِ، وُقِفَ الْأَمْرُ إلَيْهِ، وَهُوَ الْأُولَى؛ لِتَكُونَ الْقِسْمَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً (فَ) إنْ (طَلَبَ بَقِيَّةُ وَرَثَتِهِ) أَوْ بَعْضُهُمْ (الْقِسْمَةَ) لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الصَّبْرِ وَلَمْ يُعْطَوْا كُلَّ الْمَالِ وَ (وُقِفَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْحَمْلِ (الْأَكْثَرُ مِنْ إرْثِ ذَكَرَيْنِ كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَابْنٍ) فَيُدْفَعُ لِلزَّوْجَةِ ثُمُنُهَا وَيُوقَفُ لِلْحَمْلِ نَصِيبُ ذَكَرَيْنِ، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ نَصِيبِ أُنْثَيَيْنِ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةٌ وَلِلِابْنِ سَبْعَةٌ، وَيُوقَفُ لِلْحَمْلِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَبَعْدَ الْوَضْعِ لَا يَخْفَى الْحَالُ (أَوْ اثْنَيْنِ) لِأَنَّ وِلَادَةَ التَّوْأَمَيْنِ كَثِيرَةٌ مُعْتَادَةٌ، فَلَا يَجُوزُ قَسْمُ نَصِيبِهِمَا كَالْوَاحِدِ، وَحُكِيَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 624 أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَرَدَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ بِالْيَمَنِ شَيْئًا كَالْكَرِشِ، فَظُنَّ أَنْ لَا وَلَدَ فِيهِ، فَأُلْقِيَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَحَمِيَ بِهَا تَحَرَّكَ، فَأُخِذَ وَشُقَّ، فَخَرَجَ مِنْهُ سَبْعَةُ أَوْلَادٍ ذُكُورٌ، وَعَاشُوا جَمِيعًا، وَكَانُوا خَلْقًا سَوِيًّا، إلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي أَعْضَائِهِمْ قِصَرٌ؛ قَالَ: وَصَارَعَنِي أَحَدُهُمْ فَصَرَعَنِي، فَكُنْتُ أُعَيَّرُ بِهِ، فَيُقَالُ: صَرَعَكَ سُبْعُ رَجُلٍ. قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّمِائَةٍ، أَوْ سَنَةَ تِسْعٍ عَنْ ضَرِيرٍ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ قَالَ: وَلَدَتْ امْرَأَتِي فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ سَبْعَةً فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَكَانَ بِدِمَشْقَ أُمُّ وَلَدٍ لِبَعْضِ كُبَرَائِهَا، وَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ مَنْ كَانَ يَقْرَأُ عَلَيَّ، وَكَانَتْ تَلِدُ ثَلَاثَةً فِي كُلِّ بَطْنٍ، لَكِنَّهُ نَادِرٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ مَنْعُ الْمِيرَاثِ مِنْ أَجْلِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَظْهَرْ بِالْمَرْأَةِ حَمْلٌ، مِثَالُهُ فِي الْأُنْثَيَيْنِ (كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَأَبَوَيْنِ) فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ إنْ كَانَ الْحَمْلُ أُنْثَيَيْنِ فَيُوقَفُ مِنْهَا لِلْحَمْلِ سِتَّةَ عَشَرَ وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَالزَّوْجَةُ ثَلَاثَةٌ. (تَنْبِيهٌ) : وَمَتَى زَادَتْ الْفُرُوضُ عَلَى الثُّلُثِ فَمِيرَاثُ الْإِنَاثِ أَكْثَرُ لِأَنَّهُ يُفْرَضُ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ، وَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى الْكُلِّ بِالْمُحَاصَّةِ، وَإِنْ نَقَصَتْ كَانَ مِيرَاثُ الذَّكَرَيْنِ أَكْثَرَ، وَإِنْ اسْتَوَتْ كَأَبَوَيْنِ وَحَمْلٍ اسْتَوَى مِيرَاثُ الذَّكَرَيْنِ وَالْأُنْثَيَيْنِ (وَدُفِعَ لِمَنْ لَا يَحْجُبُهُ) الْحَمْلُ (إرْثُهُ كَامِلًا) كَزَوْجَةٍ أَوْ زَوْجَةٍ مَعَ أُمٍّ حَامِلٍ (وَ) دُفِعَ (لِمَنْ يَحْجُبُهُ) الْحَمْلُ (حَجْبَ نُقْصَانٍ أَقَلُّ مِيرَاثِهِ) كَالْأُمِّ فِي الْمِثَالِ تُعْطَى السُّدُسُ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَمْلُهَا عَدَدًا فَيَحْجُبُهَا عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ، وَكَذَا مَنْ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ تُعْطَى الثُّمُنُ، لِأَنَّهُ الْيَقِينُ (وَلَا يُدْفَعُ لِمَنْ يُسْقِطُهُ) الْحَمْلُ (شَيْءٌ) مِنْ التَّرِكَةِ (كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَإِخْوَةٍ أَوْ أَخَوَاتٍ) فَلَا يُعْطَوْنَ شَيْئًا، لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْحَمْلِ ذَكَرًا وَيُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ (فَإِذَا وُلِدَ) الْحَمْلُ (كَمَا فَرَضْنَا أَخَذَ الْمَوْقُوفَ) كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ مِيرَاثُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ زَادَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 625 مَا وُقِفَ لَهُ عَنْ مِيرَاثِهِ (رُدَّ) الْبَاقِي لِمُسْتَحِقِّهِ (أَوْ) أَعْوَزَ شَيْئًا، بِأَنْ وُقِفَ لَهُ نَصِيبُ ذَكَرَيْنِ، فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً (رَجَعَ) عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ بِبَاقِي مِيرَاثِهِ (وَرُبَمَا يُفْرَضُ) الْحَمْلُ (أُنْثَى لَا غَيْرُ كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةِ أَبٍ حَامِلٍ) فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَرِثُ الْحَمْلُ إلَّا إذَا فَرَضْنَاهُ أُنْثَى، فَيُوقَفُ لِلْحَمْلِ سَهْمٌ مِنْ سَبْعَةٍ، فَإِذَا وَلَدَتْهُ أُنْثَى فَأَكْثَرُ مِنْ الْإِنَاثِ أَخَذَتْهُ (أَوْ) رُبَمَا يُفْرَضُ الْحَمْلُ (ذَكَرًا) إذْ لَا يَرِثُ إلَّا بِفَرْضِهِ كَذَلِكَ (كَبِنْتٍ وَعَمٍّ وَامْرَأَةِ أَخٍ) لِغَيْرِ أُمٍّ (حَامِلٍ) فَإِنَّهُ يُوقَفُ لَهُ مَا فَضُلَ عَنْ إرْثِ الْبِنْتِ، وَهُوَ نِصْفٌ، فَإِنْ ظَهَرَ ذَكَرًا أَخَذَهُ وَأُنْثَى أَخَذَهُ الْعَمُّ. (وَيَرِثُ) الْحَمْلُ (وَيُورَثُ) عَنْهُ مَا مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ (إنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا بَعْدَ وَضْعِهِ كُلِّهِ) ، نَصًّا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صَارِخًا وَرِثَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَاسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ: رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ كَأَهَلَّ، وَكَذَا كُلُّ مُتَكَلِّمٍ رَفَعَ صَوْتَهُ أَوْ خَفَضَ. انْتَهَى. فَصَارِخًا حَالٌّ مُؤَكِّدَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} [النمل: 19] (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْمَوْلُودَ يَرِثُ وَيُورَثُ (وَلَوْ) كَانَ اسْتِهْلَالُهُ صَارِخًا لِ (دُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ أُمُّهُ فِرَاشًا أَوْ لَا، إذْ هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ فَحَيَاتُهُ دَلِيلٌ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ، كَذَا قَالَ. وَفِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: فَيُؤْخَذُ مِنْهُ؛ أَيْ: مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَوْلُودَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَرِثُ بِحَالِ لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ حَيَاتِهِ، فَهُوَ كَالْمَيِّتِ انْتَهَى. يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وُجُوبُ الْغُرَّةِ فَقَطْ عَلَى مَنْ جَنَى عَلَى حَامِلٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا لِعَدَمِ الِاعْتِبَارِ بِتِلْكَ الْحَيَاةِ (أَوْ عَطَسَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 626 (أَوْ تَنَفَّسَ وَطَالَ زَمَنُ التَّنَفُّسِ، أَوْ ارْتَضَعَ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ كَحَرَكَةٍ طَوِيلَةٍ وَ) نَحْوِ ذَلِكَ كَ (سُعَالٍ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ دَالَّةٌ عَلَى الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ، فَيَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْحَيِّ كَالْمُسْتَهِلِّ (لَا) بِحَرَكَةٍ (يَسِيرَةٍ أَوْ اخْتِلَاجٍ أَوْ تَنَفُّسٍ يَسِيرٍ) لِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ وَلَوْ عُلِمَتْ الْحَيَاةُ إذَنْ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ اسْتِقْرَارُهَا؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَتَحَرَّكَ بَعْدَ ذَبْحِهِ شَدِيدًا وَهُوَ كَمَيِّتٍ. (وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُهُ) ؛ أَيْ: الْجَنِينِ (فَاسْتَهَلَّ) ؛ أَيْ: صَوَّتَ (ثُمَّ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَكَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَهِلَّ) ؛ أَيْ: كَمَا لَوْ خَرَجَ مَيِّتًا فَلَا يَرِثُ. (وَإِنْ اخْتَلَفَ مِيرَاثُ تَوْأَمَيْنِ) بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَكَانَا مِنْ غَيْرِ وَلَدِ الْأُمِّ (وَاسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا) دُونَ الْآخَرِ (وَأَشْكَلَ) الْمُسْتَهِلُّ مِنْهُمَا، فَجُهِلَتْ عَيْنُهُ (أَخْرَجَ) أَيَّ عَيْنٍ (بِقُرْعَةِ) كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ. (وَلَوْ مَاتَ كَافِرٌ بِدَارِنَا عَنْ حَمْلٍ مِنْهُ لَمْ يَرِثْهُ لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ وَضْعِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَصُّهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ " (وَكَذَا) لَوْ كَانَ الْحَمْلُ (مِنْ كَافِرٍ غَيْرِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (كَأَنْ يَخْلُفَ) كَافِرٌ (أُمَّهُ) الْكَافِرَةَ (حَامِلًا مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ فَتُسْلِمَ) الْأُمُّ أَوْ أَبُو الْحَمْلِ (قَبْلَ وَضْعِهِ) أَيْ الْحَمْلِ، فَيَتْبَعُهَا حَمْلُهَا، وَلَا يَرِثُ لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْوَضْعِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 627 (وَيَتَّجِهُ أَوْ يَمُوتُ أَبُوهُ) ؛ أَيْ: الْحَمْلِ قَبْلَ وَضْعِهِ، فَتُسْلِمُ أُمُّهُ فَلَا يَرِثُ الْحَمْلُ أَخَاهُ لِأُمِّهِ الْكَافِرِ، لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَرِثُ صَغِيرٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) بِدَارِنَا (مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ الْمَيِّتِ الَّذِي حُكِمَ بِإِسْلَامِ الصَّغِيرِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْإِرْثِ الْمُرَتَّبِ عَلَى اخْتِلَافِ الدِّينِ مَسْبُوقٌ بِحُصُولِ الْإِرْثِ مَعَ الْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ عَقِبَ الْمَوْتِ. (وَمَنْ خَلَفَ أُمًّا مُزَوَّجَةً) بِغَيْرِ أَبِيهِ (وَ) خَلَفَ (وَرَثَةً لَا تَحْجُبُ وَلَدَهَا) ؛ أَيْ: الْأُمُّ؛ بِأَنْ لَمْ يَخْلُفْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ وَلَا أَبًا وَلَا جَدًّا (لَمْ تُوطَأُ) الْأُمُّ (قِيلَ) ؛ أَيْ: قَالَ فِي " الْمُغْنِي " (لَا يَنْبَغِي) أَنْ تُوطَأَ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ (وَقِيلَ يَحْرُمُ) وَطْؤُهَا (حَتَّى تُسْتَبْرَأَ لِيُعْلَمَ أَحَامِلٌ) هِيَ حِينَ مَوْتِ وَلَدِهَا فَيَرِثُ مِنْهُ حَمْلُهَا (أَوْ لَا) قَالَ أَحْمَدُ: يَكُفُّ عَنْ امْرَأَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُفَّ، فَجَاءَتْ بِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَلَا أَدْرَى أَهْوَ أَخُوهُ أَوْ لَا. انْتَهَى. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ وُطِئَتْ) الْمُزَوَّجَةُ (وَلَمْ تُسْتَبْرَأْ فَأَتَتْ بِهِ) ؛ أَيْ: الْوَلَدِ (بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ وَطْءِ) زَوْجِهَا (لَمْ يَرِثْهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَطَأْهَا وَأَتَتْ بِهِ) ؛ أَيْ: الْوَلَدِ (لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ) إنَاطَةٌ لِلْحُكْمِ بِسَبَبِهِ الظَّاهِرِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ فَيَمُوتُ، أَنَّهَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ مَاتَ ابْنُهَا، وَرَّثْنَاهُ؛ وَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لَمْ نُوَرِّثْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَكُفُّ عَنْ امْرَأَتِهِ إذَا مَاتَ وَلَدُهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُفَّ، فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ فَلَا أَدْرِي أَهُوَ أَخُوهُ أَمْ لَا. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إنْ كَفَّ عَنْ الْوَطْءِ وَرِثَ الْوَلَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُفَّ، فَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ الْوَطْءِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَرِثَ أَيْضًا، وَكَانَ كَمَنْ لَمْ يَطَأْ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 628 فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ " إلَّا أَنْ تُقِرَّ الْوَرَثَةُ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا يَوْمَ مَوْتِ وَلَدِهَا انْتَهَى. وَكَذَا حُرَّةٌ تَحْتَ عَبْدٍ وَطِئَهَا، وَلَهُ أَخٌ، فَمَاتَ أَخُوهُ الْحُرُّ؛ فَيُمْنَعُ أَخُوهُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَهِيَ حَامِلٌ أَمْ لَا؛ لِيَرِثَ الْحَمْلُ مِنْ عَمِّهِ. (وَ) الْمَرْأَةُ (الْقَائِلَةُ إنْ أَلِدُ ذَكَرًا لَمْ يَرِثْ، وَلَمْ أَرِثْ وَإِلَّا) أَلِدُ ذَكَرًا، بَلْ وَلَدْت أُنْثَى (وَرِثَنِي، هِيَ أَمَةٌ حَامِلٌ مِنْ زَوْجٍ حُرٍّ، قَالَ) لَهَا (سَيِّدُهَا: إنْ كَانَ حَمْلُكَ أُنْثَى فَأَنْتِ وَهُوَ حُرَّانِ) فَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا لَمْ تُعْتَقْ وَلَمْ يُعْتَقْ، وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى تَبَيَّنَّا أَنَّهُمَا عَتَقَا مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ الْوَاقِعِ قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ وَالِدُ الْحَمْلِ؛ فَيَرِثَانِ مِنْهُ. (وَمَنْ خَلَفَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَإِخْوَةً لِأُمٍّ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (وَامْرَأَةَ أَبٍ حَامِلٍ فَهِيَ) ؛ أَيْ: امْرَأَةُ الْأَبِ (الْقَائِلَةُ إنْ أَلِدُ أُنْثَى وَرِثْتُ لَا) إنْ كَانَ الْحَمْلُ (ذَكَرًا) لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ أُنْثَى وَاحِدَةً أُعِيلَ لَهَا بِالنِّصْفِ، فَتَعُولُ الْمَسْأَلَةُ إلَى تِسْعَةٍ، وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَيَيْنِ أُعِيلَ لَهُمَا بِالثُّلُثَيْنِ، وَتَعُولُ إلَى عَشْرَةٍ، وَتَقَدَّمَتْ. وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا فَأَكْثَرَ أَوْ مَعَ أُنْثَى فَأَكْثَرَ لَمْ يَرِثُوا؛ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ، وَقَدْ اسْتَغْرَقَتْ الْفُرُوضُ التَّرِكَةَ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَتْ أُمُّهَا هِيَ الْقَائِلَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ عَصَبَةَ الْأَشِقَّاءِ لَا تَرِثُ فِي الْمُشْرِكَةِ (وَعَكْسِهِ) بِعَكْسِهِ؛ أَيْ: إنْ كَانَ الْحَمْلُ أُنْثَى فَلَا تَرِثُ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَإِنَّهُ يَرِثُ. مِثَالُهُ مَاتَ مَيِّتٌ عَنْ بِنْتَيْنِ وَ (امْرَأَةِ أَخٍ) حَامِلٍ (أَوْ) امْرَأَةِ (ابْنٍ) حَامِلٍ مِنْ ابْنِ عَمِّهَا (مَعَ بِنْتَيْنِ) لِلْمَيِّتِ، فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ الْقَائِلَةُ إنْ أَلِدُ ذَكَرًا وَرِثَنَا لَا أُنْثَى؛ إذْ بِنْتُ الِابْنِ مَحْجُوبَةٌ بِالْبِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَحُوزَانِ التَّرِكَةَ فَرْضًا وَرَدًّا، وَبِنْتُ الْأَخِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةُ الْأَخِ ذَكَرًا؛ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا أَبْقَتْ الْفُرُوضُ، وَإِنْ وَلَدَتْ امْرَأَةُ الِابْنِ ذَكَرًا فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهَا، وَيَأْخُذَانِ مَا أَبْقَتْ الْفُرُوضُ كَذَلِكَ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا يُقَدَّمُ ابْنُ الِابْنِ عَلَى ابْنِ الْأَخِ. [بَابُ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 629 (مِيرَاثُ الْمَفْقُودِ) مِنْ فَقَدْت الشَّيْءَ أَفْقِدُهُ فَقْدًا وَفِقْدَانًا - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا - وَالْفَقْدُ أَنْ تَطْلُبَ الشَّيْءَ فَلَا تَجِدُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْ لَا تُعْلَمُ لَهُ حَيَاةٌ وَلَا مَوْتٌ؛ لِانْقِطَاعِ خَبَرِهِ؛ وَهُوَ قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ: (مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ) وَلَوْ كَانَ عَبْدًا (لَغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ) ؛ أَيْ: بَقَاءُ حَيَاتِهِ (كَأَسْرٍ) فَإِنَّ الْأَسِيرَ مَعْلُومٌ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الْمَجِيءِ إلَى أَهْلِهِ (وَتِجَارَةٍ) فَإِنَّ التَّاجِرَ قَدْ يَشْتَغِلُ بِتِجَارَتِهِ عَنْ الْعَوْدِ إلَى أَهْلِهِ (وَسِيَاحَةٍ) فَإِنَّ السَّائِحَ قَدْ يَخْتَارُ الْمُقَامَ بِبَعْضِ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ عَنْ بَلَدِهِ (وَ) الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَنَحْوِهَا كَ (طَلَبِ عِلْمٍ) السَّلَامَةُ (اُنْتُظِرَ بِهِ تَتِمَّةُ تِسْعِينَ سَنَةً مُنْذُ وُلِدَ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذَهَّبِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْخُلَاصَةِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَ " الْفَائِقِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ (فَإِنْ فُقِدَ ابْنُ تِسْعِينَ اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ) فِي تَقْدِيرِ مُدَّةِ انْتِظَارِهِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ، وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ فَقْدِهِ الْهَلَاكُ كَمَنْ يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ أَوْ) يُفْقَدُ (فِي) مَفَازَةٍ (مَهْلَكَةٍ) قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " مَهْلَكَةٌ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَيَجُوزُ كَسْرُهُمَا حَكَاهُمَا أَبُو السَّعَادَاتِ وَيَجُوزُ ضَمُّ الْمِيمِ مَعَ كَسْرِ اللَّامِ - اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَهْلَكَتْ فَهِيَ مُهْلِكَةٌ، وَهِيَ أَرْضٌ يَكْثُرُ فِيهَا الْهَلَاكُ. انْتَهَى. وَتَسْمِيَتُهَا مَفَازَةٌ تَفَاؤُلًا (كَدَرْبِ الْحِجَازِ أَوْ) كَاَلَّذِي فُقِدَ (بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَالَ الْحَرْبِ أَوْ) كَاَلَّذِي (غَرِقَتْ سَفِينَةٌ، وَنَجَا قَوْمٌ، وَغَرِقَ قَوْمٌ) أَوْ يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ كَمَنْ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ، أَوْ يَخْرُجُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 630 إلَى حَاجَةٍ قَرِيبَةٍ فَلَا يَعُودُ (اُنْتُظِرَ بِهِ تَتِمَّةُ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ فُقِدَ) ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ يَتَكَرَّرُ فِيهَا تَرَدُّدُ الْمُسَافِرِينَ وَالتُّجَّارِ، فَانْقِطَاعُ خَبَرِهِ عَنْ أَهْلِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَغْلِبُ ظَنُّ الْهَلَاكِ؛ إذْ لَوْ كَانَ بَاقِيًا لَمْ يَنْقَطِعْ خَبَرُهُ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ، فَلِذَلِكَ حُكِمَ بِمَوْتِهِ فِي الظَّاهِرِ (ثُمَّ يُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ) وَرَثَتِهِ (الْأَحْيَاءِ حِينَئِذٍ) ؛ أَيْ: بَعْدَ التِّسْعِينَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ الْأَرْبَعِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَتَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ؛ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَيَأْتِي فِي الْعَدَدِ. (وَيُزَكَّى) مَالُ الْمَفْقُودِ (قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: قَبْلَ قَسْمِهِ (لِمَا مَضَى) نَصًّا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْمَالِ، فَيَلْزَمُ أَدَاؤُهُ، وَلَا يَرِثُهُ إلَّا الْأَحْيَاءُ مِنْ وَرَثَتِهِ وَقْتَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِرْثِ تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَهَذَا الْوَقْتُ بِمَنْزِلَةِ وَقْتِ مَوْتِهِ. (وَإِنْ قَدِمَ) الْمَفْقُودُ (بَعْدَ قَسْمِ) مَالِهِ (أَخَذَ مَا وَجَدَهُ) مِنْ الْمَالِ (بِعَيْنِهِ) بِيَدِ الْوَارِثِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ عَدَمُ انْتِقَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ (وَرَجَعَ عَلَى مَنْ أَخَذَ الْبَاقِي) بَعْدَ الْمَوْجُودِ بِمِثْلِ مِثْلِيٍّ وَقِيمَةِ مُتَقَوِّمٍ؛ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ حَصَلَ لِأَسِيرٍ مِنْ وَقْفِ شَيْءٍ تَسَلَّمَهُ وَحَفِظَهُ وَكِيلُهُ وَمَنْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَعْدَهُ جَمِيعًا. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (فَإِنْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ) ؛ أَيْ: مَنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ (زَمَنَ التَّرَبُّصِ) وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي قُلْنَا يَنْتَظِرُ بِهِ فِيهَا (أَخَذَ) مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ (كُلُّ وَارِثٍ) غَيْرِ الْمَفْقُودِ (الْيَقِينَ) وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ مَعَ حَيَاةِ الْمَفْقُودِ أَوْ مَوْتِهِ (وَوُقِفَ الْبَاقِي) حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُ الْمَفْقُودِ أَوْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الِانْتِظَارِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يُعْلَمُ الْآنَ مُسْتَحِقُّهُ؛ أَشْبَهَ الَّذِي يَنْقُصُ نَصِيبُهُ بِالْحَمْلِ (فَاعْمَلْ مَسْأَلَةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ) اعْمَلْ مَسْأَلَةَ (مَوْتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَفْقُودِ، وَانْظُرْ بَيْنَهُمَا بِالنِّسَبِ الْأَرْبَعِ (ثُمَّ اضْرِبْ إحْدَاهُمَا) فِي الْأُخْرَى إنْ تَبَايَنَتَا (أَوْ) اضْرِبْ (وَفْقَهَا) ؛ أَيْ: وَفْقَ إحْدَاهُمَا (فِي الْأُخْرَى) إنْ تَوَافَقَتَا (وَاجْتَزِئْ بِإِحْدَاهُمَا) بِلَا ضَرْبٍ (إنْ تَمَاثَلَتَا، وَ) اجْتَزِئْ (بِأَكْبَرِهِمَا) ؛ أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 631 الْمَسْأَلَتَيْنِ عَدَدًا (إنْ تَنَاسَبَتَا) لِيَحْصُلَ أَقَلُّ عَدَدٍ يَنْقَسِمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَيَأْخُذُ وَارِثٌ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: الْمَسْأَلَتَيْنِ (لَا سَاقِطٌ فِي إحْدَاهُمَا الْيَقِينُ) ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ لَوْ مَاتَ أَبُو الْمَفْقُودِ، وَخَلَّفَ ابْنَهُ الْمَفْقُودَ وَزَوْجَةً وَأُمًّا وَأَخًا، فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَيَاةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ، وَلِلِابْنِ الْمَفْقُودِ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ. وَعَلَى تَقْدِيرِ مَوْتِهِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، لِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأَخِ خَمْسَةٌ، وَالْمَسْأَلَتَانِ مُتَنَاسِبَتَانِ، فَتَجْتَزِئُ بِأَكْثَرِهِمَا، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، لِلزَّوْجَةِ مِنْهَا عَلَى تَقْدِيرِ الْحَيَاةِ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ الثُّمُنُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْمَوْتِ لَهَا ثَلَاثَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَهِيَ الرُّبْعُ مَضْرُوبَةً فِي مُخْرَجِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهِيَ اثْنَانِ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ نِصْفٌ، وَمُخْرَجُ النِّصْفِ اثْنَانِ، وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّةٍ؛ فَتُعْطِيهَا الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ، وَلِلْأُمِّ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَيَاةِ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَهِيَ السُّدُسُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْمَوْتِ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ فِي اثْنَيْنِ بِثَمَانِيَةٍ، فَتُعْطِيهَا الْأَرْبَعَةَ، وَلِلْأَخِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ وَحْدَهَا خَمْسَةٌ فِي اثْنَيْنِ بِعَشَرَةٍ، وَلَا شَيْءَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَيَاةِ، فَلَا تُعْطِهِ شَيْئًا، وَتَقِفُ السَّبْعَةَ عَشَرَ. (فَإِنْ قَدِمَ) الْمَفْقُودُ (أَخَذَ نَصِيبَهُ) وَهُوَ السَّبْعَةَ عَشَرَ الْمَوْقُوفَةُ فِي الْمِثَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَّ أَنَّهَا لَهُ (وَإِلَّا) يَقْدَمْ، وَلَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ حِينَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ وَلَا مَوْتِهِ إذْ ذَاكَ (فَحُكْمُهُ) ؛ أَيْ: نَصِيبُهُ الَّذِي وُقِفَ لَهُ (كَبَقِيَّةِ مَالِهِ) ؛ أَيْ: الَّذِي لَمْ يُخْلِفْهُ مُوَرِّثُهُ (فَيُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ فِي مُدَّةِ تَرَبُّصِهِ) وَيُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ عِنْدَ انْقِضَاء زَمَنِ انْتِظَارِهِ. صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَالنَّظْمِ " وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَالْوَجِيزِ " وَ " شَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى " " وَالْمُنْتَهَى " وَفِي " الْإِقْنَاعِ " يُرَدُّ الْمَوْقُوفُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ (وَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ) ؛ أَيْ: وَرَثَةِ مَنْ يَرِثُ مِنْهُ الْمَفْقُودُ (الصُّلْحُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى نَصِيبِهِ) ؛ أَيْ: الْمَفْقُودِ (فَيَقْتَسِمُونَهُ) حَسَبَ اتِّفَاقِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَا يَعْدُوهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 632 (كَأَخٍ مَفْقُودٍ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ، فَتَكُونُ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَأُخْتٍ وَأَخِيهَا الْمَفْقُودِ؛ فَمَسْأَلَةُ الْحَيَاةِ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ، وَلِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْجَدِّ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُخْتِ وَاحِدٌ، وَلِلْمَفْقُودِ اثْنَانِ (وَ) مَسْأَلَةُ (الْمَوْتِ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ) لِلزَّوْجَةِ تِسْعَةٌ، وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ (وَالْجَامِعَةُ) الْحَاصِلَةُ مِنْ ضَرْبِ تِسْعٍ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى (أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ) وَمِنْهَا تَصِحُّ (لِلْمُوَافَقَةِ بِالِاتِّسَاعِ فَلِلزَّوْجِ) مِنْهَا (ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ (وَلِلْأُمِّ) سُدُسُ الْمَالِ، وَهُوَ (تِسْعَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا تَرِثُهُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَلِلْجَدِّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَيَاةِ تِسْعَةٌ) وَهِيَ سُدُسُ الْأَرْبَعَةِ وَالْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَرِثُهُ فِي الْحَالَيْنِ (وَلِلْأُخْتِ مِنْهَا) ؛ أَيْ: مَسْأَلَةِ الْحَيَاةِ (ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّ لَهَا مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَاحِدٌ فِي ثَلَاثَةٍ وَفْقَ السَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ (وَلِلْمَفْقُودِ سِتَّةٌ) مَثَلَا أُخْتِهِ (يَبْقَى) مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَخَمْسِينَ (تِسْعَةٌ) زَائِدَةٌ عَنْ نَصِيبِ الْمَفْقُودِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا؛ فَلَهُمْ أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْهُمْ (وَلَهُمْ) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةِ غَيْرِ الْمَفْقُودِ (الصُّلْحُ عَلَى كُلِّ الْمَوْقُوفِ إنْ حَجَبَ) الْمَفْقُودُ (أَحَدًا) مِنْهُمْ (وَلَمْ يَرِثْ كَ) مَا لَوْ مَاتَ الْمَيِّتُ عَنْ (أُمٍّ وَجَدٍّ وَ) أُخْتٍ (شَقِيقَةٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ فُقِدَتْ فَ) عَلَى تَقْدِيرِ (الْحَيَاةِ) لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتَيْنِ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَتَصِحُّ (مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ) لِلْأُمِّ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْجَدِّ عَشَرَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُخْتَيْنِ خَمْسَةٌ، ثُمَّ تَأْخُذُ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ مَا سُمِّيَ لِأُخْتِهَا، فَيَصِيرُ مَعَهَا عَشْرَةٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَسَائِلِ الْمُعَادَّةِ (وَ) عَلَى تَقْدِيرِ (الْمَوْتِ) لِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَيَبْقَى الثُّلُثَانِ بَيْنَ الْجَدّ وَالْأُخْتِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَتَصِحُّ (مِنْ تِسْعَةٍ) لِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْجَدِّ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُخْتِ سَهْمَانِ (وَالْجَامِعَةُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ لِلْمُوَافَقَةِ بِالْأَثْلَاثِ) فَإِذَا ضُرِبَ ثُلُثٌ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَجَدْته كَذَلِكَ (لِلْأُمِّ اثْنَا عَشَرَ) سَهْمًا (وَلِلشَّقِيقَةِ سِتَّةُ عَشَرَ) سَهْمًا (وَلِلْجَدِّ ثَلَاثُونَ) سَهْمًا (يَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْقُوفَةٌ بَيْنَهُمْ) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةِ (لَا حَقَّ لِلْمَفْقُودِ فِيهِمَا) فَلَهُمْ الصُّلْحُ عَلَيْهَا (وَكَذَا لَوْ كَانَ) الْمَفْقُودُ (أَخًا لِأَبٍ عَصَبَ أُخْتَهُ) الَّتِي لِأَبٍ فَقَطْ (مَعَ زَوْجٍ وَ) أُخْتٍ (شَقِيقَةٍ فَ) مَسْأَلَةُ (الْحَيَاةِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 633 اثْنَيْنِ) لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ وَاحِدٌ (وَ) مَسْأَلَةُ (الْمَوْتِ مِنْ سَبْعَةٍ بِالْعَوْلِ) لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَاحِدٌ (وَالْجَامِعَةُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ لِلتَّبَايُنِ) ؛ أَيْ: فَإِذَا ضَرَبْتَ اثْنَيْنِ فِي سَبْعَةٍ وَجَدْته كَذَلِكَ (لِلزَّوْجِ سِتَّةٌ وَلِلشَّقِيقَةِ) مِثْلُهُ (سِتَّةٌ، وَيُوقَفُ اثْنَانِ) لَا حَقَّ لِلْمَفْقُودَةِ فِيهَا (وَإِنْ بَانَ الْمَفْقُودُ مَيِّتًا، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ) ؛ أَيْ: مَوْتَهُ (قَبْلَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ؛ فَالْمَوْقُوفُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ) لِلشَّكِّ فِي حَيَاةِ الْمَفْقُودِ حِينَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ، فَلَا يَرِثُ مِنْهُ، فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا حِينَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ؛ أَخَذَ حَقَّهُ، وَدَفَعَ الْبَاقِي لِمُسْتَحِقِّهِ. (وَمَفْقُودَانِ فَأَكْثَرُ كَخَنَاثَى فِي تَنْزِيلٍ فَزَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَبِنْتَانِ فُقِدَتَا؛ فَمَسْأَلَةُ حَيَاتِهِمَا مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ) ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، لِلزَّوْجِ الرُّبْعُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَبَوَيْنِ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ (وَ) مَسْأَلَةُ (مَوْتِهِمَا مِنْ سِتَّةٍ) لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَبِ اثْنَانِ، وَلِلْأُمِّ وَاحِدٌ (وَ) مَسْأَلَةُ (مَوْتِ إحْدَاهُمَا مِنْ) اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إلَى (ثَلَاثَةَ عَشَرَ) لِلزَّوْجِ الرُّبْعُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَبَوَيْنِ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ سِتَّةٌ (فَتَضْرِبُ ثُلُثَ السِّتَّةِ) اثْنَيْنِ (فِي خَمْسَةَ عَشَرَ) تَكُنْ ثَلَاثِينَ (ثُمَّ) تَضْرِبُ الثَّلَاثِينَ (فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ تَكُنْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ) وَمِنْهَا تَصِحُّ (ثُمَّ تُعْطِي الزَّوْجَ وَالْأَبَوَيْنِ حُقُوقَهُمْ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَيَاةِ مَضْرُوبَةً فِي اثْنَيْنِ ثُمَّ) مَضْرُوبَةً (فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ) وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّةٍ، ثُمَّ هِيَ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَسَبْعِينَ، وَلِلْأَبَوَيْنِ أَرْبَعَةٌ فِي اثْنَيْنِ بِثَمَانِيَةٍ، ثُمَّ هِيَ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ تَبْلُغُ مِائَةً وَأَرْبَعَةً (وَتَقِفُ الْبَاقِيَ) وَهُوَ مِائَتَانِ وَثَمَانِيَةٌ لِلْمَفْقُودَتَيْنِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " (فَإِنْ كَانَ الْمَفْقُودُ ثَلَاثَةٌ؛ عَمِلْت لَهُمْ أَرْبَعَ مَسَائِلَ، أَوْ) كَانَ الْمَفْقُودُ (أَرْبَعَةً فَ) اعْمَلْ لَهُمْ (خَمْسَ مَسَائِلَ، وَهَلُمَّ جَرًّا) . انْتَهَى. (وَمَنْ أُشْكِلَ نَسَبُهُ) مِنْ عَدَدٍ مَحْصُورٍ وَرُجِيَ انْكِشَافُهُ (فَكَمَفْقُودٍ) إذَا مَاتَ أَحَدُ الْوَاطِئَيْنِ لِأَمَةٍ بِشُبْهَةٍ فِي طُهْرِ وَاحِدٍ؛ وُقِفَ لِلْحَمْلِ نَصِيبُهُ مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ إلْحَاقِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 634 بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ انْكِشَافُهُ بِأَنْ لَمْ يَنْحَصِرْ الْوَاطِئُونَ، أَوْ عُرِضَ عَلَى الْقَافَةِ، فَأُشْكِلَ عَلَيْهِمْ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يُوقَفْ لَهُ شَيْءٌ. (وَمَنْ قَالَ: عَنْ ابْنَيْ أَمَتَيْهِ) اللَّتَيْنِ لَا زَوْجَ لَهُمَا، وَلَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهِمَا، وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ أَمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَيْسَا تَوْأَمَيْنِ (أَحَدُهُمَا ابْنِي) وَأَمْكَنَ كَوْنُهُمَا مِنْهُ (ثَبَتَ نَسَبُ أَحَدِهِمَا) مِنْهُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (فَيُعَيِّنُهُ) ؛ أَيْ: فَيُؤْمَرُ بِتَعْيِينِهِ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ تَضْيِيعًا لِنَسَبِهِ، وَإِنْ كَانَا تَوْأَمَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا (فَإِنْ مَاتَ) قَبْلَ تَعْيِينِهِ (فَوَارِثُهُ) يُعَيِّنُهُ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْوَارِثُ أَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُهُ (أَرَى الْقَافَةَ) كُلًّا مِنْهُمَا فَمَنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ تَعَيَّنَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَنْ يُرِيَ الْقَافَةَ بِأَنْ مَاتَ أَيْضًا، أَوْ لَمْ تُوجَدْ، أَوْ أُشْكِلَ عَلَيْهَا (عَتَقَ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَا رَقِيقَيْهِ بِقُرْعَةٍ) كَمَا لَوْ قَالَ: أَحَدُهُمَا حُرٌّ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعَيِّنَهُ (وَلَا يُقْرَعُ فِي نَسَبٍ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي ثَلَاثَةٍ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ قَالَ: لَا أَعْرِفُهُ صَحِيحًا، وَأَوْهَنَهُ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ فِي الْقَافَّةِ: أَعْجَبُ إلَيَّ، يَعْنِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. (وَلَا يَرِثُ) مَنْ عَتَقَ بِقُرْعَةٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ الْمَيِّتُ: أَحَدُهُمَا ابْنِي، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ وَلَا وَارِثُهُ، وَلَمْ تُلْحِقْهُ الْقَافَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ الْإِرْثِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِ الْقُرْعَةِ فِي الْعِتْقِ دُخُولُهَا فِي النَّسَبِ (وَلَا يُوقَفَ لَهُ) شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرْجَى انْكِشَافُ حَالِهِ؛ لِتَعَذُّرِ الْأَسْبَابِ الْمُزِيلَةِ لِإِشْكَالِهِ (وَيُصْرَفُ نَصِيبُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ) ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ " عَنْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ الْمَعْلُومِينَ فِيهِ؛ لِإِقْرَارِ مُوَرِّثِهِمْ بِأَنَّ لَهُمْ مُشَارِكًا بِنَصِيبِ ابْنٍ، وَلَمَّا تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى عَيْنِهِ أُخِذَ نَصِيبُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛؛ لِأَنَّهُ مَالُ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ مَالِكُهُ؛ أَشْبَهَ الْمُخَلَّفَ عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ وَارِثٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 635 [بَابُ مِيرَاثِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ] (بَابُ مِيرَاثِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ) الْخَنَثُ: مِنْ خَنِثَ الطَّعَامُ إذَا اشْتَبَهَ، فَلَمْ يَخْلُصْ طَعْمُهُ (وَهُوَ مَنْ لَهُ شَكْلُ ذَكَرِ رَجُلٍ وَ) شَكْلُ (فَرْجِ امْرَأَةٍ، أَوْ) لَهُ (ثُقْبٌ مَكَانَ الْفَرْجِ يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ) وَكَذَا مَنْ لَا آلَةَ لَهُ عَلَى مَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ، وَلَا يَكُونُ أَبًا وَلَا أُمًّا وَلَا جَدًّا وَلَا زَوْجًا وَلَا زَوْجَةً (وَيُعْتَبَرُ أَمْرُهُ) فِي تَوْرِيثِهِ مَعَ إشْكَالِ كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (بِبَوْلِهِ) مِنْ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا (فَبِسَبْقِهِ) ؛ أَيْ: الْبَوْلِ (مِنْ أَحَدِهِمَا) قَالَ ابْنُ اللَّبَّانِ: رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ مَوْلُودٍ، لَهُ قُبُلٌ وَذَكَرٌ، مِنْ أَيْنَ يُوَرَّثُ؟ قَالَ: «مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» . وَرُوِيَ: " أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِخُنْثَى مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: «وَرِّثُوهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَبُولُ مِنْهُ» . ؛ وَلِأَنَّ خُرُوجَ الْبَوْلِ مِنْ أَعَمِّ الْعَلَامَاتِ؛ لِخُرُوجِهِ مِنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَسَائِرُ الْعَلَامَاتِ إنَّمَا تُوجَدُ بَعْدَ الْكِبَرِ (وَإِنْ خَرَجَ) الْبَوْلُ (مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: مِنْ شَكْلِ الذَّكَرِ وَشَكْلِ الْفَرْجِ (مَعًا) فَلَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا) خُرُوجًا. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: قَدْرًا وَعَدَدًا؛؛ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا. انْتَهَى؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ مَزِيَّةٌ لِإِحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ، فَيُعْتَبَرُ بِهَا كَالسَّبْقِ (فَإِنْ اسْتَوَيَا) فِي قَدْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْبَوْلِ (فَ) هُوَ (مُشْكِلٌ) مِنْ شَكَلَ الْأَمْرُ: الْتَبَسَ؛ لِعَدَمِ تَمَيُّزِهِ بِشَيْءٍ مَا تَقَدَّمَ. حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ أَنَّ أَضْلَاعَهُ تُعَدُّ، فَإِنْ كَانَتْ سِتَّةَ عَشَرَ فَهُوَ ذَكَرٌ، وَإِنْ كَانَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ فَهُوَ أُنْثَى. قَالَ ابْنُ اللَّبَّانِ: وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا أَشْكَلَ حَالُهُ، وَلَمَّا اُحْتِيجَ إلَى مُرَاعَاةِ الْمَبَالِ (فَإِنْ رُجِيَ كَشْفُهُ) ؛ أَيْ: إشْكَالِهِ (لِصِغَرِهِ) ؛ أَيْ: الْخُنْثَى (أُعْطِيَ) هُوَ (وَمَنْ مَعَهُ) مِنْ الْوَرَثَةِ (الْيَقِينَ) مِنْ التَّرِكَةِ، وَهُوَ مَا يَرِثُهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَمَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 636 سَقَطَ بِالْخُنْثَى فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا، كَوَلَدٍ خُنْثَى مَعَ أَخٍ لِغَيْرِ أُمٍّ، يُعْطَى الْخُنْثَى النِّصْفُ؛ لِاحْتِمَالِ أُنُوثِيَّتِهِ، وَلَا يُعْطَى الْأَخُ شَيْئًا؛ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَةِ الْوَلَدِ (وَوُقِفَ الْبَاقِي) مِنْ التَّرِكَةِ (لِتَظْهَرَ ذُكُورَتُهُ بِنَبَاتِ لِحْيَتِهِ، أَوْ إمْنَاءٍ مِنْ ذَكَرٍ، أَوْ) لِتَظْهَرَ (أُنُوثَتُهُ بِحَيْضٍ أَوْ تَفَلُّكِ ثَدْيٍ) ؛ أَيْ: اسْتِدَارَتِهِ (أَوْ سُقُوطِهِ) ؛ أَيْ: الثَّدْيِ. نَصَّ عَلَيْهِمَا (أَوْ إمْنَاءٍ مِنْ فَرْجٍ) فَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ؛ فَهُوَ رَجُلٌ. وَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَامَاتُ النِّسَاءِ؛ فَهُوَ امْرَأَةٌ؛ عَمَلًا بِالْعَلَامَةِ، وَلَيْسَ بِمُشْكِلٍ فِيهِمَا، إنَّمَا هُوَ رَجُلٌ فِيهِ خِلْقَةٌ زَائِدَةٌ فِي الْأُولَى، أَوْ امْرَأَةٌ فِيهَا خِلْقَةٌ زَائِدَةٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَحُكْمُ الْمُتَّضِحِ فِي الْإِرْثِ وَالنِّكَاحِ وَنَقْضِ الْوُضُوءِ وَإِيجَابِ الْغُسْلِ وَالْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا حُكْمُ مَنْ ظَهَرَتْ عَلَامَاتُهُ فِيهِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَاَلَّذِي لَا عَلَامَةَ فِيهِ عَلَى ذُكُورِيَّةٍ أَوْ أُنُوثِيَّةٍ مُشْكِلٌ؛ لِالْتِبَاسِ أَمْرِهِ. (فَإِنْ مَاتَ) الْخُنْثَى قَبْلَ بُلُوغٍ (أَوْ بَلَغَ بِلَا أَمَارَةٍ) ؛ أَيْ: عَلَامَةٍ تَظْهَرُ بِهَا ذُكُورِيَّتُهُ أَوْ أُنُوثِيَّتُهُ (أَخَذَ نِصْفَ إرْثِهِ) الَّذِي يَرِثُهُ (بِكَوْنِهِ ذَكَرًا فَقَطْ كَوَلَدِ أَخِي الْمَيِّتِ أَوْ عَمِّهِ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتِ (كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ وَوَلَدِ أَخٍ خُنْثَى) صِفَةٌ لِوَلَدٍ (تَصِحُّ) الْمَسْأَلَةُ (مِنْ ثَمَانِيَةٍ) ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الذُّكُورِيَّةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَمَسْأَلَةُ الْأُنُوثِيَّةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ أَيْضًا، لِلزَّوْجِ الرُّبْعُ وَاحِدٌ، وَالْبَاقِي لِلْبِنْتِ فَرْضًا وَرَدًّا، وَالْأَرْبَعَةُ مُتَمَاثِلَانِ، فَتَكْتَفِي بِإِحْدَاهُمَا، وَتَضْرِبُهَا فِي اثْنَيْنِ عَدَدَ حَالَتَيْ الْخُنْثَى يَحْصُلُ مَا ذُكِرَ (لِلزَّوْجِ سَهْمَانِ، وَلِلْبِنْتِ خَمْسَةٌ، وَلِلْخُنْثَى سَهْمٌ، أَوْ) وَرِثَ الْخُنْثَى بِكَوْنِهِ (أُنْثَى فَقَطْ) فَلَهُ مِيرَاثُ نِصْفِ أُنْثَى فَقَطْ (كَزَوْجٍ وَ) وَأُخْتٍ (شَقِيقَةٍ وَوَلَدِ أَبٍ خُنْثَى) مَسْأَلَةُ الذُّكُورِيَّةِ مِنْ اثْنَيْنِ، وَمَسْأَلَةُ الْأُنُوثِيَّةِ مِنْ سَبْعَةٍ بِالْعَوْلِ، وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ، وَحَاصِلُ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي سَبْعَةٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، تَضْرِبُهَا فِي الْحَالَيْنِ (وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ لِلْخُنْثَى سَهْمَانِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ مِنْ السَّبْعَةِ وَاحِدًا فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الِاثْنَيْنِ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِينَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدًا مِنْ اثْنَيْنِ فِي سَبْعَةٍ بِسَبْعَةٍ، وَثَلَاثَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 637 مِنْ سَبْعَةٍ فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّةٍ، وَمَجْمُوعُهُمَا مَا ذُكِرَ (وَإِنْ وَرِثَ بِهِمَا) ؛ أَيْ: بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ (مُتَسَاوِيًا كَوَلَدِ أُمٍّ، فَلَهُ السُّدُسُ مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: بِكُلِّ حَالٍ (أَوْ) وَرِثَ بِهِمَا الْخُنْثَى وَهُوَ (مُعْتَقٌ فَعَصَبَتُهُ مُطْلَقًا) ؛ لِأَنَّهُ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَالْمُعْتَقُ لَا يَخْتَلِفُ إرْثُهُ مِنْ عَتِيقِهِ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ (وَإِنْ وَرِثَ) الْخُنْثَى (بِهِمَا) ؛ أَيْ: بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ (مُتَفَاضِلًا عَمِلْت الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْخُنْثَى (ذَكَرٌ ثُمَّ) عَمِلْتَهَا (عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى) وَيُسَمَّى هَذَا الْمَذْهَبُ مَذْهَبَ الْمَنْزِلَيْنِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ (ثُمَّ تَضْرِبُ إحْدَاهُمَا) : أَيْ: الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْأُخْرَى إنْ تَبَايَنَتَا (أَوْ) تَضْرِبُ (وَفْقَهَا) ؛ أَيْ: وَفْقَ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ (فِي الْأُخْرَى) إنْ تَوَافَقَتَا (وَتَجْتَزِئُ بِإِحْدَاهُمَا) ؛ أَيْ: الْمَسْأَلَتَيْنِ (إنْ تَمَاثَلَتَا أَوْ) تَجْتَزِئُ (بِأَكْثَرِهِمَا إنْ تَنَاسَبَتَا وَتَضْرِبُهَا) ؛ أَيْ: الْجَامِعَةَ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ حَاصِلُ ضَرْبِ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْأُخْرَى فِي التَّبَايُنِ، أَوْ فِي وَفْقِهَا عِنْدَ التَّوَافُقِ وَأَحَدُ الْمُتَمَاثِلِينَ وَأَكْثَرُ الْمُتَنَاسِبَيْنِ (فِي اثْنَيْنِ) عَدَدَ حَالَيْ الْخُنْثَى (ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ اضْرِبْهُ فِي الْأُخْرَى فِي التَّبَايُنِ وَ) صُورَةٌ (فِي التَّوَافُقِ وَتَجْمَعُ مَا لَهُ) ؛ أَيْ: مَنْ لَهُ شَيْءٌ (مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: الْمَسْأَلَتَيْنِ (إنْ تَمَاثَلَتَا أَوْ) ؛ أَيْ: وَإِنْ تَنَاسَبَتْ الْمَسْأَلَتَانِ (فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَقَلِّ الْعَدَدَيْنِ) فَهُوَ (مَضْرُوبٌ فِي) مُخْرَجِ (نِسْبَةِ أَقَلِّ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى) فَتَنْظُرُ نِسْبَةَ الصُّغْرَى لِلْكُبْرَى إنْ كَانَتْ ثُلُثَ الْكُبْرَى أَوْ نِصْفَهَا وَنَحْوَهَا، وَتَضْرِبُ مَا لَهُ مِنْ الصُّغْرَى فِي مُخْرَجِ هَذَا الْكَسْرِ إنْ كَانَ ثُلُثًا تَضْرِبُهُ فِي ثَلَاثَةٍ أَوْ رُبْعَا فِي أَرْبَعَةٍ، وَهَكَذَا، ثُمَّ تَجْمَعُ حَاصِلَ الضَّرْبِ مَعَ مَا لَهُ مِنْ الْكُبْرَى بِلَا ضَرْبٍ، وَتُضَعِّفُهُ، هَكَذَا تَفْعَلُ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ (ثُمَّ يُضَافُ) حَاصِلُ الضَّرْبِ (إلَى مَا لَهُ مِنْ أَكْثَرِهِمَا إنْ تَنَاسَبَتَا) فَمَا اجْتَمَعَ فَلَهُ (فَإِذَا كَانَ ابْنٌ وَبِنْتٌ وَوَلَدٌ خُنْثَى) مُشْكِلٌ، وَعَمِلْت بِهَذَا الطَّرِيقِ (مَسْأَلَةُ ذُكُورَتِهِ مِنْ خَمْسَةٍ) عَدَدُ رُءُوسِ الِابْنَيْنِ وَالْبِنْتِ (وَ) مَسْأَلَةُ (أُنُوثَتِهِ مِنْ أَرْبَعَةٍ) عَدَدُ رُءُوسِ الِابْنِ وَالْبِنْتَيْنِ، وَالْخَمْسَةُ وَالْأَرْبَعَةُ مُتَبَايِنَتَانِ (فَاضْرِبْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 638 إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى لِلتَّبَايُنِ، تَكُنْ عِشْرِينَ ثُمَّ) اضْرِبْ الْعِشْرِينَ (فِي الْحَالَيْنِ) ؛ أَيْ: فِي اثْنَيْنِ عَدَدَ حَالَ الذُّكُورَةِ وَحَالَةِ الْأُنُوثَةِ (تَكُنْ أَرْبَعِينَ) وَمِنْهَا تَصِحُّ (لِلْبِنْتِ سَهْمٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ فِي خَمْسَةٍ) بِخَمْسَةٍ (وَلَهَا سَهْمٌ مِنْ خَمْسَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ) بِأَرْبَعَةٍ فَأَعْطِهَا (تِسْعَةً وَلِلذَّكَرِ سَهْمَانِ) مِنْ أَرْبَعَةٍ (فِي خَمْسَةٍ) بِعَشَرَةٍ (وَ) لَهُ (سَهْمَانِ) مِنْ خَمْسَةٍ (فِي أَرْبَعَةٍ) بِثَمَانِيَةٍ يَجْتَمِعُ لَهُ (ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) أَعْطِهِ إيَّاهَا (وَلِلْخُنْثَى) مِنْ مَسْأَلَةِ الْأُنُوثَةِ (سَهْمٌ فِي خَمْسَةٍ) وَهِيَ مَسْأَلَةُ الذُّكُورِيَّةِ (وَ) لَهُ (سَهْمَانِ) مِنْ خَمْسَةٍ (فِي أَرْبَعَةٍ) بِثَمَانِيَةٍ يَجْتَمِعُ لَهُ (ثَلَاثَةَ عَشَرَ) وَاجْمَعْ السِّهَامَ تَجِدْهَا أَرْبَعِينَ، هَذَا مِثَالُ التَّبَايُنِ (وَ) مِثَالُ التَّوَافُقِ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَوَلَدُ أَبٍ (خُنْثَى) مُشْكِلٌ (مَسْأَلَةُ ذُكُورَتِهِ مِنْ سِتَّةٍ) لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ؛ وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ، وَلِوَلَدِ الْأَبِ الْبَاقِي (وَمَسْأَلَةُ أُنُوثَتِهِ مِنْ) سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى (ثَمَانِيَةٍ) لِلزَّوْجِ ثَلَاثُهُ وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ، وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُوَافَقَةٌ بِالْأَنْصَافِ (فَاضْرِبْ سِتَّةً فِي أَرْبَعَةٍ لِلتَّوَافُقِ؛ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ) اضْرِبْهَا (فِي حَالَيْنِ) ؛ أَيْ: اثْنَيْنِ (تَكُنْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ) ثُمَّ اقْسِمْهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، لِلزَّوْجِ مِنْ السِّتَّةِ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ، وَلَهُ مِنْ الثَّمَانِيَةِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ؛ فَلَهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ فِي أَرْبَعَةٍ وَاثْنَانِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ (وَ) مِثَالُ التَّمَاثُلِ (زَوْجَةٌ وَوَلَدٌ خُنْثَى وَعَمٌّ، مَسْأَلَةُ ذُكُورَتِهِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ) لِلزَّوْجَةِ وَاحِدٌ، وَلِلْخُنْثَى الْبَاقِي سَبْعَةٌ وَلَا شَيْءَ لِلْعَمِّ (وَكَذَا مَسْأَلَةُ أُنُوثَتِهِ) مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِلزَّوْجَةِ وَاحِدٌ، وَلِلْخُنْثَى أَرْبَعَةٌ، وَلِلْعَمِّ الْبَاقِي ثَلَاثَةٌ (فَاجْتَزِئْ بِأَحَدِهِمَا لِلتَّمَاثُلِ، وَاضْرِبْهَا فِي حَالَيْنِ تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ) لِلزَّوْجَةِ اثْنَانِ، وَلِلْخُنْثَى أَحَدَ عَشْرَ، وَلِلْعَمِّ ثَلَاثَةٌ (وَ) مِثَالُ التَّنَاسُبِ (أُمٌّ وَبِنْتٌ وَوَلَدٌ خُنْثَى وَعَمٌّ، مَسْأَلَةُ ذُكُورَتِهِ مِنْ سِتَّةٍ) مُخْرَجُ السُّدُسِ، لِلْأُمِّ وَاحِدٌ، وَلِلْبِنْتِ وَالْخُنْثَى مَا بَقِيَ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يُوَافِقُ، فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ (وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) لِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ وَلِلْبِنْتِ خَمْسَةٌ، وَلِلْخُنْثَى عَشَرَةٌ (وَمَسْأَلَةُ أُنُوثَتِهِ مِنْ سِتَّةٍ وَتَصِحُّ مِنْهَا) لِلْأُمِّ وَاحِدٌ، وَلِلْبِنْتِ اثْنَانِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 639 وَلِلْخُنْثَى اثْنَانِ، وَيَبْقَى لِلْعَمِّ وَاحِدٌ، وَالسِّتَّةُ دَاخِلَةٌ فِي الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ (فَاجْتَزِئْ بِالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ لِلتَّنَاسُبِ، وَاضْرِبْهَا فِي حَالَيْنِ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ) ثُمَّ اقْسِمْهَا لِلْأُمِّ مِنْ مَسْأَلَةِ الذُّكُورِيَّةِ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الْأُنُوثِيَّةِ وَاحِدٌ مَضْرُوبٌ، فِي ثَلَاثَةٍ، وَهِيَ مُخْرَجُ الثُّلُثِ؛؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ السِّتَّةِ إلَى الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ ثُلُثٌ، فَلَهَا سِتَّةٌ وَلِلْبِنْتِ مِنْ مَسْأَلَةِ الذُّكُورِيَّةِ خَمْسَةٌ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الْأُنُوثِيَّةِ اثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ فَلَهَا أَحَدَ عَشَرَ، وَلِلْخُنْثَى مِنْ مَسْأَلَةِ الذُّكُورِيَّةِ عَشَرَةٌ مِنْ الْأُنُوثِيَّةِ اثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ، فَلَهُ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلْعَمِّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأُنُوثِيَّةِ وَاحِدٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ. (وَإِنْ كَانَا خُنْثَيَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ نَزَّلْتهمْ بِعَدَدِ أَحْوَالِهِمْ، فَتَجْعَلُ لِلِاثْنَيْنِ أَرْبَعَةَ أَحْوَالٍ، وَلِلثَّلَاثَةِ ثَمَانِيَةَ) أَحْوَالٍ (وَلِلْأَرْبَعَةِ سِتَّةَ عَشَرَ) حَالًا (وَلِلْخَمْسَةِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ) حَالًا (وَكُلَّمَا زَادُوا وَاحِدًا تَضَاعَفَ عَدَدُ أَحْوَالِهِمْ) وَاجْعَلْ لِكُلِّ حَالٍ مَسْأَلَةً، وَانْظُرْ بَيْنَهَا، وَحَصِّلْ أَقَلَّ عَدَدٍ يَنْقَسِمُ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الِانْكِسَارِ عَلَى فِرَقٍ (فَمَا بَلَغَ مِنْ ضَرْبِ الْمَسَائِلِ) بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ مَعَ اعْتِبَارِ الْمُوَافَقَةِ وَالتَّنَاسُبِ وَالتَّمَاثُلِ إنْ كَانَ (اضْرِبْهُ فِي عَدَدِ أَحْوَالِهِمْ، وَاجْمَعْ مَا حُصِّلَ لَهُمْ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا مِمَّا صَحَّتْ مِنْ قَبْلِ الضَّرْبِ فِي عَدَدِ الْأَحْوَالِ، هَذَا إنْ كَانُوا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، كَابْنٍ وَ) وَلَدَيْنِ (خُنْثَيَيْنِ) فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ حَالُ ذُكُورِيَّةٍ، وَهِيَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَحَالُ أُنُوثِيَّةٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَحَالُ ذَكَرَيْنِ وَأُنْثَى، وَحَالُ ذَكَرَيْنِ وَأُنْثَى أَيْضًا مِنْ خَمْسَةِ خَمْسَةٍ، فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ، وَالْحَاصِلُ فِي خَمْسَةٍ تَبْلُغُ سِتِّينَ، وَتَسْقُطُ الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ؛ لِلتَّمَاثُلِ، ثُمَّ اضْرِبْ السِّتِّينَ فِي عَدَدِ الْأَحْوَالِ أَرْبَعَةٍ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، لِلِابْنِ فِي الذُّكُورِيَّةِ ثُلُثُ السِّتِّينَ عِشْرُونَ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْأُنُوثِيَّةِ نِصْفُهَا ثَلَاثُونَ، وَفِي مَسْأَلَتَيْ ذَكَرَيْنِ وَأُنْثَى خُمُسَانِ، أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ [وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ] يَجْتَمِعُ لَهُ ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ وَلِلْخُنْثَيَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الذُّكُورِيَّةِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعُونَ، وَفِي الْأُنُوثَةِ نِصْفُهُمَا ثَلَاثُونَ، فِي مَسْأَلَةِ ذَكَرَيْنِ وَأُنْثَى ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ، وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، فَمَجْمُوعُ مَا لَهُمَا مِائَةٌ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، لِكُلِّ خُنْثَى أَحَدٌ وَسَبْعُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 640 (وَإِنْ كَانُوا) ؛ أَيْ: الْخَنَاثَى (مِنْ جِهَاتٍ) ؛ أَيْ: مِنْ جِهَتَيْنِ فَأَكْثَرَ (كَوَلَدٍ خُنْثَى وَوَلَدِ أَخٍ خُنْثَى وَعَمٍّ خُنْثَى، جَمَعْت مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْوَرَثَةِ (فِي الْأَحْوَالِ وَقَسَمْته عَلَى عَدَدِهَا) ؛ أَيْ: الْأَحْوَالِ كُلِّهَا (فَمَا خَرَجَ) بِالْقَسْمِ (فَ) هُوَ (نَصِيبُهُ) فَفِي الْمِثَالِ إنْ كَانَ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْأَخِ ذَكَرَيْنِ؛ فَالْمَالُ لِلْوَلَدِ وَإِنْ كَانَا أُنْثَيَيْنِ؛ فَلِلْوَلَدِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ. وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا وَوَلَدُ الْأَخِ أُنْثَى؛ فَالْمَالُ لِلْوَلَدِ وَإِنْ كَانَ وَلَدُ الْأَخِ ذَكَرًا وَالْوَلَدُ أُنْثَى، كَانَ لِلْوَلَدِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الْأَخِ؛ فَالْمَسْأَلَةُ فِي حَالَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ، وَفِي حَالَيْنِ مِنْ اثْنَيْنِ، فَتَكْتَفِي بِاثْنَيْنِ، وَتَضْرِبُهُمَا فِي عَدَدِ الْأَحْوَالِ أَرْبَعَةٌ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً، وَمِنْهَا تَصِحُّ، لِلْوَلَدِ الْمَالُ كُلُّهُ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ فِي حَالَيْنِ، وَالنِّصْفُ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فِي حَالَيْنِ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، اقْسِمْهَا عَلَى أَرْبَعَةٍ عَدَدِ الْأَحْوَالِ يَخْرُجُ لَهُ سِتَّةٌ، وَلِوَلَدِ الْأَخِ أَرْبَعَةٌ فِي حَالٍ فَقَطْ، فَاقْسِمْهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ يَخْرُجُ لَهُ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ الْعَمُّ (وَلَك فِي عَمَلِ مَسَائِلِ الْخُنْثَى طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ تَنْسِبَ نِصْفَ مِيرَاثَيْهِ) يَعْنِي مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورِيَّةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثِيَّةِ (إلَى جُمْلَةِ التَّرِكَةِ) فَمَا كَانَ فَهُوَ لَهُ (ثُمَّ تَبْسُطُ الْكُسُورَ الَّتِي تَجْتَمِعُ مَعَك مِنْ مَخْرَجٍ يَجْمَعُهَا لِتَصِحَّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ، كَابْنٍ وَوَلَدٍ خُنْثَى) فَعَلَى الْأَوَّلِ تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ بِطَرِيقِ الضَّرْبِ، لِلِابْنِ سَبْعَةٌ، وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ، وَإِذَا عَمِلْت بِطَرِيقِ النِّسْبَةِ (فَ) كَذَلِكَ (لِلْخُنْثَى فِي حَالَةِ النِّصْفِ وَفِي حَالَةِ الثُّلُثِ؛ فَلَهُ نِصْفُهُمَا) وَهُوَ (رُبْعٌ وَسُدُسٌ، وَلِلِابْنِ فِي حَالٍ نِصْفٌ، وَفِي حَالٍ ثُلُثَانِ؛ فَلَهُ نِصْفُهُمَا رُبْعٌ وَثُلُثٌ، فَابْسُطْهَا لِتَصِحَّ بِلَا كَسْرٍ تَكُنْ اثْنَيْ عَشَرَ) كَمَا سَبَقَ، وَعَلَى الثَّانِي الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ (لِلِابْنِ رُبْعُهَا) ؛ أَيْ: التَّرِكَةِ (وَثُلُثُهَا سَبْعَةٌ) ؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَوْ انْفَرَدَ حَازَ جَمِيعَ الْمَالِ (وَلِلْخُنْثَى رُبْعُهَا وَسُدُسُهَا خَمْسَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ حَازَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ، فَيُقْسَمُ عَلَيْهِمَا يَكُنْ مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا زَوْجَةٌ وَأُمٌّ قَسَمْت الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَعَلَى سَبْعَةٍ عَلَى الثَّانِي (وَإِنْ صَالَحَ) خُنْثَى (مُشْكِلٌ مَنْ مَعَهُ) مِنْ الْوَرَثَةِ (عَلَى مَا وُقِفَ لَهُ) مِنْ الْمَالِ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ (صَحَّ) صُلْحُهُ مَعَهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 641 (إنْ صَحَّ تَبَرُّعُهُ) بِأَنْ كَانَ الصُّلْحُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ؛ لِأَنَّهُ جَائِزُ التَّصَرُّفِ حِينَئِذٍ (وَكَ) خُنْثَى (مُشْكِلٍ مَنْ لَا ذَكَرَ لَهُ وَلَا فَرْجَ) لَهُ (وَلَا فِيهِ عَلَامَةُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، قَالَ الْمُوَفَّقُ) فِي الْمُغْنِي " (وَجَدْنَا فِي عَصْرِنَا) شَيْئًا شَبِيهًا بِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْفَرَضِيُّونَ، وَلَمْ يَسْمَعُوا بِهِ، فَإِنَّا وَجَدْنَا (شَخْصَيْنِ) لَيْسَ لَهُمَا فِي قَبْلِهِمَا مَخْرَجٌ لَا ذَكَرٌ وَلَا فَرْجٌ أَمَّا (أَحَدُهُمَا) فَذَكَرُوا أَنَّهُ (لَيْسَ) لَهُ (فِي قُبُلِهِ إلَّا لَحْمَةٌ كَالرَّبْوَةِ يَرْشَحُ الْبَوْلُ مِنْهَا) رَشْحًا (عَلَى الدَّوَامِ، وَأَرْسَلَ يَسْأَلُنَا عَنْ التَّحَرُّزِ مِنْ النَّجَاسَةِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّمِائَةٍ، وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ إلَّا مَخْرَجٌ وَاحِدٌ فِيمَا بَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ، مِنْهُ يَتَغَوَّطُ وَ) مِنْهُ (يَبُولُ) وَسَأَلْت مَنْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ عَنْ زِيِّهِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ إنَّمَا يَلْبَسُ لِبَاسَ النِّسَاءِ، وَيُخَالِطُهُنَّ، وَيَغْزِلُ مَعَهُنَّ، وَيَعُدُّ نَفْسَهُ امْرَأَةً وَ (قَالَ: وَحُدِّثْت أَنَّ بِ) بِلَادِ (الْعَجَمِ شَخْصًا لَيْسَ لَهُ مَخْرَجٌ) أَصْلًا لَا (قُبُلٌ أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا (دُبُرٌ، وَإِنَّمَا يَتَقَيَّأُ مَا يَأْكُلُهُ وَيَشْرَبُهُ) فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ فِي مَعْنَى الْخُنْثَى، لَكِنَّهُ لَمَّا يَكُونُ اعْتِبَارُهُ بِمَبَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَامَةٌ أُخْرَى؛ فَهُوَ مُشْكِلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حُكْمُهُ فِي مِيرَاثِهِ وَأَحْكَامِهِ كُلِّهَا. [بَابُ مِيرَاثِ الْغَرْقَى] (مِيرَاثُ الْغَرْقَى) جَمْعُ غَرِيقٍ (وَمَنْ عَمِيَ) ؛ أَيْ: خَفِيَ (مَوْتُهُمْ) بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا، كَالْهَدْمِي وَمَنْ وَقَعَ بِهِمْ الطَّاعُونُ، وَأَشْكَلَ أَمْرُهُمْ (إذَا عُلِمَ مَوْتُ مُتَوَارِثَيْنِ مَعًا) ؛ أَيْ: فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ (فَلَا إرْثَ) لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَيًّا حِينَ مَوْتِ الْآخَرِ، وَشَرْطُ الْإِرْثِ حَيَاةُ الْوَارِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ (وَإِنْ جُهِلَ أَسْبَقُ) الْمُتَوَارِثَيْنِ مَوْتًا يَعْنِي لَمْ يُعْلَمْ هَلْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ أَوْ لَا؟ (أَوْ عَلِمَ) أَسْبَقَهُمَا (ثُمَّ نَسِيَ أَوْ) عَلِمَ مَوْتَ أَحَدِهِمَا أَوْ لَا وَ (جَهِلُوا عَيْنَهُ، فَإِنْ يَدَّعِ وَرَثَةُ كُلٍّ) مِنْهُمَا (سَبْقَ) مَوْتِ (الْآخَرِ وَرِثَ كُلُّ مَيِّتٍ صَاحِبَهُ) هَذَا قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَقَعَ الطَّاعُونُ بِالشَّامِ عَامَ عَمَوَاسَ، فَجَعَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 642 أَهْلُ الْبَيْتِ يَمُوتُونَ عَنْ آخِرِهِمْ، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ، فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ وَرِّثُوا بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ. قَالَ أَحْمَدُ: أَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ، وَرُوِيَ عَنْ إيَاسٍ الْمُزَنِيّ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ قَوْمٍ وَقَعَ عَلَيْهِمْ بَيْتٌ فَقَالَ: «يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» . (مِنْ تِلَادِ مَالِهِ) وَالتِّلَادُ - بِكَسْرِ التَّاءِ - الْقَدِيمُ، ضِدُّ الطَّارِفِ، وَهُوَ الْحَادِثُ؛ أَيْ: الَّذِي مَاتَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ (دُونَ مَا وَرِثَهُ مِنْ الْمَيِّتِ مَعَهُ) لِئَلَّا يَدْخُلَهُ الدَّوْرُ (فَيُقَدَّرُ أَحَدُهُمَا مَاتَ أَوَّلًا، وَيُوَرَّثُ الْآخَرُ مِنْهُ، ثُمَّ يُقَسَّمُ مَا وَرِثَهُ) مِنْهُ (عَلَى الْأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ، ثُمَّ يُصْنَعُ بِالثَّانِي كَذَلِكَ) ثُمَّ بِالثَّالِثِ كَذَلِكَ، وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهُوا (فَفِي أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا مَوْلَى زَيْدٍ، وَالْآخَرُ مَوْلَى عَمْرٍو) مَاتَا، وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا، أَوْ عُلِمَ، ثُمَّ نَسِيَ، أَوْ جَهِلُوا عَيْنَهُ، وَلَمْ يَدَّعِ وَرَثَةُ وَاحِدٍ سَبْقَ مَوْتِ الْآخَرِ (يَصِيرُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ لِمَوْلَى الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ يُفْرَضُ مَوْتُ مَوْلَى زَيْدٍ ابْتِدَاءً، فَيَرِثُهُ أَخُوهُ، ثُمَّ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ، ثُمَّ يُعْكَسُ (وَفِي زَوْجٌ وَزَوْجَةٍ وَابْنِهِمَا) غَرِقُوا، أَوْ انْهَدَمَ عَلَيْهِمْ بَيْتٌ وَنَحْوُهُ، فَمَاتُوا، وَجُهِلَ الْحَالُ، وَلَا تَدَاعِي وَ (خَلَفَ) الزَّوْجُ (امْرَأَةً أُخْرَى) غَيْرَ الَّتِي غَرِقَتْ وَنَحْوَهُ مَعَهُ (وَ) خَلَّفَ أَيْضًا (أُمًّا وَخَلَّفَتْ) الزَّوْجَةُ الَّتِي غَرِقَتْ وَنَحْوَهُ مَعَهُ (أَبْنَاءً مِنْ غَيْرِهِ وَأَبًا فَ) تَصِحُّ (مَسْأَلَةُ الزَّوْجِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ) وَأَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، لِلزَّوْجَتَيْنِ الثَّمَنُ ثَلَاثَةٌ تَبَايُنُهُمَا، فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ يَحْصُلُ مَا ذُكِرَ (لِزَوْجَتِهِ الْمَيِّتَةِ) ثَلَاثَةٌ وَهِيَ نِصْفُ الثُّمْنِ (لِأَبِيهَا) ؛ أَيْ: أَبِي الزَّوْجَةِ مِنْ سِهَامِهَا الثَّلَاثَةِ (سُدُسٌ، وَلِابْنِهَا الْحَيِّ مَا بَقِيَ) فَمَسْأَلَتُهَا مِنْ سِتَّةٍ، (وَسِهَامُهَا ثَلَاثَةٌ فَ) تُرَدُّ مَسْأَلَتُهَا السِّتَّةُ (إلَى وَفْقِ سِهَامِهَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَةِ (بِالثُّلُثِ) مُتَعَلِّقٌ بِوَفْقِ (اثْنَيْنِ) بَدَلٌ مِنْ " وَفْقِ ". أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ؛ أَيْ: تُرَدُّ السِّتَّةُ لِاثْنَيْنِ (وَلِابْنِهِ الْمَيِّتِ مَعَهُ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ) مِنْ مَسْأَلَةِ أَبِيهِ تُقْسَمُ عَلَى وَرَثَةِ الِابْنِ الْأَحْيَاءِ (لِأُمِّ أَبِيهِ) مِنْ ذَلِكَ (سُدُسٌ وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ سُدُسٌ، وَمَا بَقِيَ) وَهُوَ ثُلُثَانِ (لِعَصَبَتِهِ) ؛ أَيْ؛ الِابْنِ فَهِيَ؛ أَيْ: مَسْأَلَةُ الِابْنِ (مِنْ سِتَّةٍ تُوَافِقُ سِهَامَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 643 الْأَرْبَعَةَ وَثَلَاثِينَ بِالنِّصْفِ فَ) رُدَّ السِّتَّةَ لِنِصْفِهَا ثَلَاثَةٍ وَ (اضْرِبْ ثَلَاثَةً) وَهِيَ وَفْقُ مَسْأَلَةِ الِابْنِ (فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْأُمِّ اثْنَيْنِ بِسِتَّةٍ، فَاضْرِبْهَا) ؛ أَيْ: السِّتَّةَ (فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) ؛ أَيْ: مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ (وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ تَكُنْ) الْأَعْدَادُ الَّتِي تَبْلُغُهَا بِالضَّرْبِ (مِائَتَيْنِ وَثَمَانِيَةٍ وَثَمَانِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ) لِوَرَثَةِ الزَّوْجَةِ الْأَحْيَاءِ وَهُمْ أَبُوهَا وَابْنُهَا مِنْ ذَلِكَ نِصْفُ ثُمْنِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، لِأَبِيهَا ثَلَاثَةٌ، وَلِابْنِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَلِزَوْجَتِهِ الْحَيَّةِ نِصْفُ ثُمْنِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعُونَ، وَلِوَرَثَةِ ابْنِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا بَقِيَ وَهُوَ مِائَتَانِ، وَأَرْبَعَةٌ لِجَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ، مِنْ ذَلِكَ سُدُسُهُ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ كَذَلِكَ، وَلِعَصَبَتِهِ مَا بَقِيَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ (وَمَسْأَلَةُ الزَّوْجَةِ مِنْ) اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجِ الرُّبْعُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَبِ السُّدُسُ اثْنَانِ، وَلِلِابْنَيْنِ مَا بَقِيَ سَبْعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا، فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَصِحُّ مِنْ (أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ؛؛ لِأَنَّ فِيهَا زَوْجًا وَأَبًا وَابْنَيْنِ) لِلزَّوْجِ مِنْهَا الرُّبْعُ سِتَّةٌ، وَلِلْأَبِ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ مِنْهُمَا سَبْعَةٌ (فَمَسْأَلَةُ الزَّوْجِ مِنْهَا) ؛ أَيْ: مِنْ تَرِكَةِ زَوْجَتِهِ (تُقْسَمُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ) لِزَوْجَتِهِ الْحَيَّةِ الرُّبْعُ ثَلَاثَةٌ، وَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ، وَمَا بَقِيَ لِعَصَبَتِهِ (وَمَسْأَلَةُ الِابْنِ) الْمَيِّتِ (مِنْهَا) ؛ أَيْ: تَرِكَةِ أُمِّهِ (تُقْسَمُ عَلَى سِتَّةٍ) لِجَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ السُّدُسُ، وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ كَذَلِكَ، وَالْبَاقِي لِعَصَبَتِهِ، وَمَسْأَلَةُ الزَّوْجِ تُوَافِقُ سِهَامَهُ بِالسُّدُسِ، فَتُرَدُّ لِاثْنَيْنِ، وَمَسْأَلَةُ الِابْنِ تُبَايِنُ سِهَامَهُ فَتَبْقَى بِحَالِهَا فَ (دَخَلَ وَفْقُ مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ) وَهُوَ (اثْنَانِ فِي مَسْأَلَةِ الِابْنِ) وَهِيَ (سِتَّةٌ، فَاضْرِبْ سِتَّةً فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ) الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ الزَّوْجَةِ (تَكُنْ مِائَةً وَأَرْبَعَةً ' وَأَرْبَعِينَ) لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ الْأَحْيَاءِ مِنْ ذَلِكَ الرُّبْعُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، لِزَوْجَتِهِ رُبْعُهَا تِسْعَةٌ، وَلِأُمِّهِ سُدُسُهَا سِتَّةٌ، وَالْبَاقِي لِعَصَبَتِهِ، وَلِأَبِي الزَّوْجَةِ سُدُسُ الْمِائَةِ وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَلِابْنِهَا الْحَيِّ نِصْفُ الْبَاقِي وَهُوَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، وَلِوَرَثَةِ ابْنِهَا الْمَيِّتِ كَذَلِكَ، يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ، لِجَدَّتِهِ لِأَبِيهِ سُدُسُهُ سَبْعَةٌ، وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ كَذَلِكَ، وَالْبَاقِي لِعَصَبَتِهِ (وَمَسْأَلَةُ الِابْنِ) الْمَيِّتِ (مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 644 ثَلَاثَةٍ) لِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَاحِدٌ، وَلِأَبِيهِ الْبَاقِي اثْنَانِ (فَمَسْأَلَةُ أُمِّهِ مِنْ سِتَّةٍ) لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهَا الْوَاحِدُ (وَلَا مُوَافَقَةَ، وَمَسْأَلَةُ أَبِيهِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ) تُوَافِقُ سَهْمَيْهِ بِالنِّصْفِ فَرُدَّ مَسْأَلَتَهُ لِنِصْفِهَا سِتَّةٍ، وَهِيَ مُمَاثِلَةٌ مَسْأَلَةَ الْأُمِّ (فَاجْتَزِئْ بِضَرْبِ وَفْقِ) عَدَدِ (سِهَامِهِ) وَهِيَ (سِتَّةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) لِلْأُمِّ ثُلُثُهَا سِتَّةٌ تُقْسَمُ عَلَى مَسْأَلَتِهَا، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ اثْنَا عَشَرَ، تُقْسَمُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ (وَإِنْ) جُهِلَ حَالُ نَحْوِ هَدْمَى وَغَرْقَى وَ (ادَّعَوْا) ؛ أَيْ: ادَّعَى وَرَثَةُ كُلِّ مَيِّتٍ (السَّبْقَ) ؛ أَيْ: سَبْقَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ عَلَى مَوْتِ صَاحِبِهِ (وَلَا بَيِّنَةَ) لِأَحَدِهِمَا بِدَعْوَاهُ (أَوْ) كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَيِّنَةٌ وَ (تَعَارَضَتَا، تَحَالَفَا) ؛ أَيْ: حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا أَنْكَرَهُ مِنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» . (وَلَمْ يَتَوَارَثَا) نَصًّا، وَهُوَ قَوْلُ الصِّدِّيقِ وَزَيْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مُنْكِرٌ لِدَعْوَى الْآخَرِ، فَإِذَا تَحَالَفَا؛ سَقَطَتْ الدَّعْوَتَانِ، فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ السَّبْقُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومًا وَلَا مَجْهُولًا أَشْبَهَ مَا لَوْ عُلِمَ مَوْتُهُمَا مَعًا؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَدَّعُوا ذَلِكَ (فَفِي امْرَأَةٍ وَابْنِهَا مَاتَا فَقَالَ زَوْجُهَا: مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا) ؛ أَيْ: أَنَا وَابْنِي (ثُمَّ) مَاتَ (ابْنِي فَوَرِثْتُهُ) وَحْدِي (وَقَالَ أَخُوهَا) : بَلْ (مَاتَ ابْنُهَا) أَوَّلًا (فَوَرِثَتْهُ) ؛ أَيْ: وَرِثَتْ مِنْهُ (ثُمَّ مَاتَتْ) بَعْدَهُ (فَوَرِثْنَاهَا) ؛ أَيْ وَرِثَهَا أَخُوهَا الْمُدَّعِي وَزَوْجُهَا (حَلَفَ كُلٌّ) مِنْ زَوْجِهَا وَأَخِيهَا (عَلَى إبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فِي دَعْوَاهُ (وَكَانَ مُخَلَّفُ الِابْنِ لِأَبِيهِ) وَحْدَهُ (وَمُخَلَّفُ الْمَرْأَةِ لِأَخِيهَا وَزَوْجِهَا نِصْفَيْنِ) لِلزَّوْجِ نِصْفٌ فَرْضًا، وَالْبَاقِي لِأَخِيهَا تَعْصِيبًا، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَدَاعٍ. (وَلَوْ عَيَّنَ وَرَثَةُ كُلٍّ) مِنْ وَرَثَةِ مَيِّتٍ (مَوْتَ أَحَدِهِمَا) بِأَنْ قَالُوا: مَاتَ فُلَانٌ يَوْمَ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا عِنْدَ الزَّوَالِ (وَشَكُّوا هَلْ مَاتَ الْآخَرُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَرِثَ مَنْ شُكَّ فِي) وَقْتِ (مَوْتِهِ مِنْ الْآخَرِ) الَّذِي عَيَّنُوا، مَوْتَهُ إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ حَيَاتِهِ. (وَلَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ) مَعًا يَقِينًا كَأَخَوَيْنِ (عِنْدَ الزَّوَالِ أَوْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 645 مَاتَا عِنْدَ (الطُّلُوعِ) ؛ أَيْ: طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ (أَوْ الْغُرُوبِ) فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَكَانَ (أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ) كَالسِّنْدِ (وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ) كَفَاسَ (وَرِثَ مَنْ بِهِ) ؛ أَيْ: الْمَغْرِبِ (مَنْ) ؛ أَيْ: الَّذِي مَاتَ (بِالْمَشْرِقِ) حَيْثُ لَا مَانِعَ وَلَا حَاجِبَ (لِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: الَّذِي بِالْمَشْرِقِ (قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتِ بِالْمَغْرِبِ (لِأَنَّ الشَّمْسَ وَغَيْرَهَا) مِنْ الْكَوَاكِبِ، تَزُولُ عَنْ غَايَةِ الِارْتِفَاعِ وَ (تَطْلُعُ وَتَغْرُبُ فِي الْمَشْرِقِ قَبْلَ) زَوَالِهَا وَطُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا فِي (الْمَغْرِبِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الزَّوَالِ) ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَاتِ الْمَطَالِعِ بِحَسَبِ الْآفَاقِ فِي الْمَسَاكِنِ كَثِيرَةٌ، فَلِكُلِّ عَرْضٍ مَطَالِعُ تُخَالِفُ مَطَالِعَ عَرْضِ آخَرَ، وَكَذَلِكَ اخْتِلَافَاتُ الْمَغَارِبِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ. انْتَهَى. فَإِنْ قِيلَ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الْمُنَجِّمِينَ، وَالشَّرْعُ لَا يَقُولُ بِتَحْكِيمِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَنَاظِرَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعُرُوضِ وَالْمَطَالِعِ، وَتَحْكِيمُ الْمُنَجِّمِينَ إنَّمَا يَضُرُّ فِي الْأُصُولِ دُونَ التَّوَابِعِ، وَالْقَوْلُ بِاخْتِلَافِهَا هُنَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ (وَإِلَّا) نَعْتَبِرْ اخْتِلَافَ الزَّوَالِ (فَ) لَا نُوَرِّثُ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (الزَّوَالُ فِي جَمِيعِ الدُّنْيَا وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ) بِمَعْنَى أَنَّهَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ الزَّوَالُ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ وَاحِدًا (وَأَنْكَرَ) ؛ أَيْ: الْإِمَامُ (عَلَى الْمُنَجِّمِينَ) قَوْلَهُمْ (أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الزَّوَالَ (يَتَغَيَّرُ فِي الْبُلْدَانِ) بِحَسَبِ عُرُوضِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 646 [بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ] (بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ) الْمِلَلُ جَمْعُ مِلَّةٍ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - إفْرَادًا وَجَمْعًا، وَهِيَ الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19] . وَقَالَ: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] . وَاخْتِلَافُ الدِّينِ مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ فَ (لَا يَرِثُ مُبَايِنٌ فِي دِينٍ) لِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا: «لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ أَيْضًا بِغَيْرِ الْوَلَاءِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (إلَّا بِالْوَلَاءِ) فَيَرِثُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْكَافِرِ، وَالْكَافِرُ مِنْ الْمُسْلِمِ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرٍ. وَلَا وَلَاؤُهُ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ شُعْبَةٌ مِنْ الرِّقِّ، فَوَرِثَهُ بِهِ كَمَا يَرِثُهُ كَمَا قُبِلَ الْعِتْقُ (وَ) إلَّا (إذَا أَسْلَمَ كَافِرٌ قَبْلَ قَسْمِ مِيرَاثِ مُوَرِّثِهِ الْمُسْلِمِ) فَيَرِثُ مِنْهُ نَصًّا (وَلَوْ) كَانَ الْوَارِثُ (مُرْتَدًّا) حِينَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ التَّرِكَةِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ (أَوْ) كَانَتْ (زَوْجَةً) وَأَسْلَمَتْ (فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ) قَبْلَ الْقَسْمِ نَصًّا. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ " مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 647 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ، وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ فَإِنَّهُ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ» وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " التَّمْهِيدِ " عَنْ زَيْدِ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ إنْسَانًا مِنْ أَهْلِهِ مَاتَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَوَرِثَتْهُ أُخْتِي دُونِي، وَكَانَتْ عَلَى دِينِهِ، ثُمَّ إنَّ جَدِّي أَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُنَيْنًا، فَتُوُفِّيَ فَلَبِثْت سَنَةً، وَكَانَ تَرَكَ مِيرَاثًا، ثُمَّ إنَّ أُخْتِي أَسْلَمَتْ، فَخَاصَمَتْنِي فِي الْمِيرَاثِ إلَى عُثْمَانَ، فَحَدَّثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّ عُمَرَ قَضَى أَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ؛ فَلَهُ نَصِيبُهُ، فَقَضَى بِهِ عُثْمَانُ، فَذَهَبْت بِذَلِكَ الْأَوَّلِ، وَشَارَكَتْنِي فِي هَذَا. وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ انْتَشَرَتْ، وَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ التَّرْغِيبُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْحَثُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُسِمَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ، وَرِثَ مِمَّا بَقِيَ دُونَ مَا قُسِمَ وَ (لَا) يَرِثُ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ إنْ كَانَ (زَوْجًا) لِانْقِطَاعِ عَلَقِ الزَّوْجِيَّةِ عَنْهُ بِمَوْتِهَا، بِخِلَافِهَا، وَكَذَا لَا تَرِثُ هِيَ مِنْهُ إنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ عِدَّتِهَا. (وَلَا) يَرِثُ (مَنْ عَتَقَ بَعْدَ) مَوْتِ قَرِيبِهِ مِنْ أَبٍ أَوْ ابْنٍ أَوْ أُمٍّ وَنَحْوِهِمْ (أَوْ) أُعْتِقَ (مَعَ مَوْتِ نَحْوِ أَبِيهِ قَبْلَ الْقَسْمِ) لِمِيرَاثِ أَبِيهِ وَنَحْوِهِ نَصًّا؛؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْظَمُ الطَّاعَاتِ وَالْقُرَبِ، وَوَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّأْلِيفِ عَلَيْهِ، فَوُرِّثَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْعِتْقُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا وُرُودُ الْأَثَرِ فِي تَوْرِيثِ مَنْ أَسْلَمَ لَكَانَ النَّظَرُ أَنْ لَا يَرِثَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ حِينَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَرَثَةِ؛ فَيَسْتَحِقُّونَهُ، فَلَا يَبْقَى لِمَنْ حَدَثَ شَيْءٌ، لَكِنْ خَالَفْنَاهُ فِي الْإِسْلَامِ لِلْأَثَرِ، وَلَيْسَ فِي الْعِتْقِ أَثَرٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. (وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا فَمَتَى تَصَرَّفَ فِي التَّرِكَةِ وَحَازَهَا فَهُوَ كَقِسْمَتِهَا) بِحَيْثُ لَوْ أَسْلَمَ قَرِيبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لَمْ يُشَارِكْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَاقْتَسَمُوا. (وَ) إنْ قَالَ لِقَرِيبِهِ: (أَنْتَ حُرٌّ آخِرَ حَيَاتِي، عَتَقَ وَوَرِثَ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْمَوْتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 648 كَانَ حُرًّا، لَا إنْ عَلَّقَ سَيِّدٌ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى مَوْتِ مُوَرِّثِهِ؛ بِأَنْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: إذَا مَاتَ أَبُوك أَوْ نَحْوُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِذَا مَاتَ أَبُوهُ؛ عَتَقَ، وَلَمْ يَرِثْ؛ لِحُصُولِ عِتْقِهِ مَعَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَ قَرِيبَهُ، ثُمَّ مَاتَ، وَخَرَجَ الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ عَتَقَ، وَلَمْ يَرِثْ. (وَيَرِثُ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا ذِمِّيٌّ وَالْآخَرُ حَرْبِيٌّ، أَوْ) أَنَّ أَحَدَهُمَا (مُسْتَأْمَنٌ وَالْآخَرَ ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ إنْ اتَّفَقَتْ أَدْيَانُهُمْ) ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَاتِ مِنْ النُّصُوصِ تَقْتَضِي تَوْرِيثَهُمْ، وَلَمْ يَرِدْ بِتَخْصِيصِهِمْ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِمَا قِيَاسٌ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِعُمُومِهَا، وَمَفْهُومُ حَدِيثِ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» . أَنَّ أَهْلَ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ يَتَوَارَثُونَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الدَّارُ، فَيُبْعَثُ مَالُ ذِمِّيٍّ لِوَارِثِهِ الْحَرْبِيِّ حَيْثُ عُلِمَ (وَهُمْ) ؛ أَيْ: الْكُفَّارُ (مِلَلٌ شَتَّى وَلَا يَتَوَارَثُونَ مَعَ اخْتِلَافِهَا) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِحَدِيثِ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» . وَهُوَ مُخَصَّصٌ لِلْعُمُومَاتِ، فَالْيَهُودِيَّةُ مِلَّةٌ، وَالنَّصْرَانِيَّة مِلَّةٌ، وَالْمَجُوسِيَّةُ مِلَّةٌ، وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِلَّةٌ، وَعَبَدَةُ الشَّمْسِ مِلَّةٌ، وَهَكَذَا فَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقَالَ الْقَاضِي: الْيَهُودِيَّةُ مِلَّةٌ، وَالنَّصْرَانِيَّة مِلَّةٌ، وَمَنْ عَدَاهُمَا مِلَّةٌ، وَرُدَّ بِافْتِرَاقِ حُكْمِهِمْ؛ فَإِنَّ الْمَجُوسَ يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، وَغَيْرُهُمْ لَا يُقِرُّ بِهَا، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي مَعْبُودَاتِهِمْ وَمُعْتَقِدَاتهمْ وَآرَائِهِمْ، يَسْتَحِلُّ بَعْضُهُمْ دِمَاءَ بَعْضٍ، وَيُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. (وَلَا) يَرِثُ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (بِنِكَاحٍ) ؛ أَيْ: عَقْدِ تَزْوِيجٍ (لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمُوا) وَلَوْ اعْتَقَدُوهُ كَالنَّاكِحِ لِمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَكَالْمَجُوسِيِّ يَتَزَوَّجُ ذَوَاتَ مَحَارِمِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ هَذَا التَّزْوِيجِ كَعَدَمِهِ، فَإِنْ كَانُوا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ، وَاعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ؛ تَوَارَثُوا بِهِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ أَنْكِحَتِنَا، كَالتَّزْوِيجِ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ فِي عِدَّةٍ انْقَضَتْ وَنَحْوِهِ. (وَمُخَلَّفٌ) اسْمُ مَفْعُولٍ مُبْتَدَأٌ؛ أَيْ: مَتْرُوكٌ (مُكَفَّرٌ) - بِفَتْحِ الْفَاءِ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 649 أَيْ: مَنْ اعْتَقَدَ أَهْلُ الشَّرْعِ أَنَّهُ كَافِرٌ (بِبِدْعَةٍ، كَجَهْمِيٍّ) وَاحِدِ الْجَهْمِيَّةِ أَتْبَاعُ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ الْقَائِلِ بِالتَّعْطِيلِ، نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِي الْجَهْمَيْ إذَا مَاتَ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا نَصَارَى، مَنْ يَشْهَدُهُ؟ قَالَ: أَنَا لَا أَشْهَدُهُ، يَشْهَدُهُ مَنْ شَاءَ. (وَ) مُخَلَّفٌ (مُشَبِّهٌ) ؛ أَيْ: مَنْ شَبَّهَ ذَاتَ اللَّهِ أَوْ صِفَاتِهِ بِذَاتِ أَوْ صِفَاتِ مَخْلُوقَاتِهِ (إذَا لَمْ يَتُبْ) مِمَّا حُكِمَ عَلَيْهِ بِكُفْرِهِ بِسَبَبِ اعْتِقَادِهِ لَهُ (وَ) مُخَلَّفٌ (زِنْدِيقٌ) قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ": الزِّنْدِيقُ بِالْكَسْرِ: مِنْ الثَّنَوِيَّةِ؛ أَوْ الْقَائِلُ بِالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ، أَوْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ وَبِالرُّبُوبِيَّةِ، أَوْ مَنْ يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَفْظُ الزَّنْدَقَةِ لَمْ يُوجَدْ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا لَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ لَفْظٌ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ مِنْ كَلَامِ الْفُرْسِ بَعْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بِهِ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ فِي تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ: وَالزِّنْدِيقُ: الَّذِي تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ فِي الظَّاهِرِ الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَهُمْ الْمُنَافِقُ الَّذِي يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُبْطِنُ الْكُفْرَ، وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَحُجُّ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي بَاطِنِهِ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مُشْرِكًا أَوْ وَثَنِيًّا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُعَطِّلًا لِلصَّانِعِ وَلِلنُّبُوَّةِ أَوْ لِلنُّبُوَّةِ فَقَطْ أَوْ لِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، فَهَذَا زِنْدِيقٌ (وَ) هُوَ (مُنَافِقٌ) وَمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ يَتَنَاوَلُ مِثْلَ هَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ كُفَّارٌ فِي الْبَاطِنِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا مُظْهِرِينَ لِلشَّهَادَتَيْنِ وَالْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَمُؤَدِّينَ لِلْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ فِي الْآخِرَةِ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ بِقُلُوبِهِمْ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَعَامَّةُ مَا يُوجَدُ النِّفَاقُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ؛ فَإِنَّ الَّذِي ابْتَدَعَ الرَّفْضَ كَانَ مُنَافِقًا زِنْدِيقًا، وَكَذَلِكَ يُقَالُ عَنْ الَّذِي ابْتَدَعَ التَّجَهُّمَ، وَكَذَلِكَ رُءُوسُ الْقَرَامِطَةِ وَأَمْثَالُهُمْ، لَا رَيْب أَنَّهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنَافِقِينَ، وَهَؤُلَاءِ لَا يَتَنَازَعُ الْمُسْلِمُونَ فِي كُفْرِهِمْ. انْتَهَى. وَيَأْتِي بَيَانُ عَقَائِدِ الْقَرَامِطَةِ فِي فَصْلِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ (فَيْءٌ) خَبَرُ مُخَلَّفٍ، يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 650 لِمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَلَيْسَ وَارِثًا كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ جِهَةٌ وَمَصْلَحَةٌ، وَمِثْلُ مَا ذُكِرَ الْمُرْتَدُّ إذَا لَمْ يَتُبْ فَمَالُهُ فَيْءٌ يُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ؛؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ وَلَا أَقَارِبَهُ الْكُفَّارَ مِنْ يَهُودَ أَوْ نَصَارَى أَوْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُهُمْ فِي حُكْمِهِمْ، لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ لَوْ كَانَ امْرَأَةً (وَلَا يَرِثُونَ) ؛ أَيْ: الْمَحْكُومُ بِكُفْرِهِمْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ (أَحَدًا) مُسْلِمًا وَلَا كَافِرًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقَرُّونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ دِينٍ مِنْ الْأَدْيَانِ. (وَيَرِثُ مَجُوسِيٌّ وَنَحْوُهُ) مِمَّنْ يَرَى حِلَّ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ إذَا (أَسْلَمَ أَوْ حَاكَمَ إلَيْنَا بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهِ) إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ أُخْتًا وَجَبَ إعْطَاؤُهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا فِي الْآيَتَيْنِ كَالشَّخْصَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُمَا قَرَابَتَانِ تَرِثُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً لَا تَحْجُبُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، وَلَا تُرَجَّحُ بِهَا؛ فَتَرِثُ بِهِمَا مُجْتَمِعَتَيْنِ كَزَوْجٍ هُوَ ابْنُ عَمٍّ أَوْ ابْنُ عَمٍّ هُوَ أَخٌ مِنْ أُمٍّ، وَكَذَوِي الْأَرْحَامِ الْمُدْلِينَ بِقَرَابَتَيْنِ (وَكَذَا وَطْءُ) مُسْلِمٍ ذَاتَ مَحْرَمٍ أَوْ غَيْرَهَا بِ (شُبْهَةٍ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِلشُّبْهَةِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى ذَاتَ مَحْرَمِهِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا فَوَطِئَهَا، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ النَّسَبُ، وَوَرِثَ بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهِ (فَلَوْ خَلَّفَ) مَجُوسِيٌّ أَوْ نَحْوُهُ (أُمَّهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ أَبِيهِ) لِكَوْنِ ابْنِهِ تَزَوَّجَ بِنْتَه، فَوَلَدَتْ لَهُ هَذَا الِابْنَ (وَ) خَلَّفَ مَعَهَا (عَمًّا وَرِثَتْ الثُّلُثَ بِكَوْنِهَا أُمًّا وَ) وَرِثَتْ (النِّصْفَ بِكَوْنِهَا أُخْتًا، وَالْبَاقِي) بَعْدَ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ (لِلْعَمِّ) لِحَدِيثِ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا» . (فَإِنْ كَانَ مَعَهَا) ؛ أَيْ: مَعَ الْأُمِّ الَّتِي هِيَ أُخْتٌ (أُخْتٌ أُخْرَى لَمْ تَرِثْ) الْأُخْتُ الَّتِي هِيَ أُمٌّ (بِكَوْنِهَا أُمًّا إلَّا السُّدُسَ؛ لِأَنَّهَا انْحَجَبَتْ بِنَفْسِهَا) مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا أُخْتًا (وَبِ) الْأُخْتِ (الْأُخْرَى) ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ تُرَدُّ عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالْأُخْتَيْنِ. (وَلَوْ أَوْلَدَ) مَجُوسِيٌّ أَوْ نَحْوُهُ (بِنْتَه بِنْتًا بِتَزْوِيجٍ، فَخَلَّفَهُمَا وَ) خَلَّفَ مَعَهُمَا (عَمًّا فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ) ؛ لِأَنَّهُمَا بِنْتَاهُ (وَالْبَقِيَّةُ لِعَمِّهِ) تَعْصِيبًا، وَلَا إرْثَ لِلْكُبْرَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 651 بِالزَّوْجِيَّةِ؛؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهَا لَوْ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا (فَإِنْ مَاتَتْ الْكُبْرَى بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: الْأَبِ (فَالْمَالُ) الَّذِي تُخَلِّفُهُ الْكُبْرَى كُلُّهُ (لِلصُّغْرَى؛ لِأَنَّهَا بِنْتٌ وَأُخْتٌ) لِأَبٍ، فَتَصِيرُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أُخْتٌ عَصَبَةً مَعَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا بِنْتٌ (فَإِنْ مَاتَتْ) الصُّغْرَى (قَبْلَ الْكُبْرَى) فَقَدْ تَرَكَتْ أُمًّا هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ (فَلَهَا) ؛ أَيْ: الْكُبْرَى مِنْ مَالِ الصُّغْرَى (ثُلُثٌ وَنِصْفٌ) بِكَوْنِهَا أُمًّا وَأُخْتًا (وَالْبَقِيَّةُ لِلْعَمِّ) تَعْصِيبًا (فَلَوْ تَزَوَّجَ) الْأَبُ (الصُّغْرَى) وَهِيَ بِنْتُهُ (فَوَلَدَتْ بِنْتًا) وَخَلَفَهُنَّ (وَخَلَّفَ مَعَهُنَّ عَمًّا، فَلِبَنَاتِهِ) الثَّلَاثِ (الثُّلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْعَمِّ تَعْصِيبًا (وَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: الْأَبِ (بِنْتُهُ الْكُبْرَى) عَنْ بِنْتِهَا وَبِنْتِ بِنْتِهَا وَهُمَا أُخْتَاهَا (فَلِلْوُسْطَى) الَّتِي هِيَ بِنْتُهَا (النِّصْفُ) بِكَوْنِهَا بِنْتًا (وَمَا بَقِيَ) بَعْدَ النِّصْفِ فَهُوَ (لَهَا وَلِلصُّغْرَى) يَشْتَرِكَانِ فِيهِ (بِالْأُخُوَّةِ) ؛ أَيْ: بِكَوْنِهِمَا أُخْتَيْنِ مَعَ بِنْتٍ (فَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، لِلصُّغْرَى وَاحِدٌ، وَالْبَاقِي) ثَلَاثَةٌ (لِلْأُخْرَى) ، وَهِيَ الْوُسْطَى فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَكُونُ وَرِثَتْ بِنْتُ الْبِنْتِ مَعَ الْبِنْتِ فَوْقَ السُّدُسِ (وَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: الْأَبِ (الْوُسْطَى) مِنْ الْبَنَاتِ (فَالْكُبْرَى) بِالنِّسْبَةِ لِلْوُسْطَى (أُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ، وَالصُّغْرَى) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا (بِنْتٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ؛ فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَمَا بَقِيَ لَهُمَا بِالتَّعْصِيبِ) ؛ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ مَعَ بِنْتٍ؛ فَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، لِلْكُبْرَى اثْنَانِ، وَلِلصُّغْرَى أَرْبَعَةٌ (فَلَوْ مَاتَتْ الصُّغْرَى بَعْدَهَا) ؛ أَيْ: الْوُسْطَى (فَأُمُّ أُمِّهَا أُخْتٌ لِأَبٍ؛ فَلَهَا الثُّلُثَانِ) النِّصْفُ؛ لِأَنَّهَا أُخْتٌ لِأَبٍ، وَالسُّدُسُ؛ لِأَنَّهَا جَدَّةٌ (وَمَا بَقِيَ) فَهُوَ (لِلْعَمِّ) تَعْصِيبًا (وَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُ بِنْتُهُ الصُّغْرَى) مَعَ بَقَاءِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى (فَلِلْوُسْطَى) مِنْ الصُّغْرَى (بِأَنَّهَا أُمٌّ سُدُسٌ) لِانْحِجَابِهَا عَنْ الثُّلُثِ إلَيْهِ بِنَفْسِهَا وَبِأُمِّهَا؛ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ (وَلَهُمَا) ؛ أَيْ: الْوُسْطَى وَالْكُبْرَى (ثُلُثَانِ) بَيْنَهُمَا (بِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ لِأَبٍ، وَمَا بَقِيَ لِلْعَمِّ) تَعْصِيبًا، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، لِلْوُسْطَى ثَلَاثَةٌ، وَلِلْكُبْرَى اثْنَانِ، وَلِلْعَمِّ وَاحِدٌ (وَلَا تَرِثُ الْكُبْرَى) شَيْئًا بِالْجُدُودَةِ (لِأَنَّهَا جَدَّةٌ مَعَ أُمٍّ) فَانْحَجَبَتْ بِهَا عَنْ فَرْضِ الْجَدَّاتِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 652 (تَتِمَّةٌ) : وَلَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ أُمَّهُ فَأَوْلَدَهَا بِنْتًا، ثُمَّ مَاتَ؛ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ، وَلِبِنْتِهِ النِّصْفُ، فَإِنْ مَاتَتْ الْكُبْرَى بَعْدَهُ، فَقَدْ خَلَّفَتْ بِنْتًا هِيَ بِنْتُ ابْنٍ؛ فَلَهَا الثُّلُثَانِ بِالْقَرَابَتَيْنِ (وَإِذَا مَاتَ ذِمِّيٌّ) أَوْ مُسْتَأْمَنٌ (لَا وَارِثَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ) وَلَا الْعَهْدِ وَلَا الْأَمَانِ (كَانَ مَالُهُ فَيْئًا) . كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْفَيْءِ (وَكَذَا مَا فَضَلَ مِنْ مَالِهِ) ؛ أَيْ: الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ (عَنْ إرْثِهِ كَمَنْ) ؛ أَيْ: كَذِمِّيٍّ (لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ) فَبَاقِي مَالِهِ فَيْءٌ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِهِ، فَإِنْ وَرِثَهُ حَرْبِيٌّ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ لَيْسَ بِمَانِعٍ؛ كَانَ أَيْضًا لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ قَدَرْنَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. [بَابُ مِيرَاثِ الْمُطَلَّقَةِ] ِ أَيْ: بَيَانِ مَنْ يَرِثُ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ كَالْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا يُتَّهَمُ فِيهِ بِقَصْدِ الْحِرْمَانِ، وَمَنْ لَا يَرِثُ مِنْهُنَّ كَالْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا بِلَا تُهْمَةٍ. (وَيَثْبُتُ) الْإِرْثُ (لَهُمَا) ؛ أَيْ: لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ (فِي عِدَّةٍ رَجْعِيَّةٍ) سَوَاءٌ طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ وَظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ، وَيَمْلِكُ إمْسَاكَهَا بِالرَّجْعَةِ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَلَا وَلِيٍّ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا تَوَارُثَ، لَكِنْ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِمَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا؛ وَرِثَتْهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يَعْنِي أَوْ تَرْتَدُّ وَيَأْتِي (وَ) يَثْبُتُ الْمِيرَاثُ (لَهَا) ؛ أَيْ: الْمُطَلَّقَةِ مِنْ مُطَلِّقِهَا (فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَهُ لَوْ مَاتَتْ هِيَ (مَعَ تُهْمَتِهِ) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ (بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا) الْمِيرَاثَ (بِأَنْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ) وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي عَطَايَا الْمَرِيضِ (ابْتِدَاءً) بِلَا سُؤَالِهَا (أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 653 سَأَلَتْهُ) طَلَاقَ (أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثٍ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ عَلَّقَهُ) ؛ أَيْ: الْبَائِنَ (فِيهِ) ؛ أَيْ: مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ (عَلَى مَا لَا بُدّ لَهَا مِنْهُ شَرْعًا كَصَلَاةٍ) مَفْرُوضَةٍ (وَصَوْمٍ) مَفْرُوضٍ (أَوْ) عَلَّقَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى فِعْلٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ (عَقْلًا كَأَكْلٍ وَنَوْمٍ، أَوْ) عَلَّقَهُ فِي صِحَّتِهِ (عَلَى مَرَضِهِ أَوْ) عَلَى (فِعْلٍ لَهُ) كَإِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَفَعَلَهُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْمَرَضِ الْمَخُوفِ (أَوْ) عَلَّقَهُ (عَلَى تَرْكِهِ) ؛ أَيْ: تَرْكِ فِعْلٍ لَهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ وَنَحْوَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (فَمَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ) وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ (أَوْ عَلَّقَ إبَانَةَ) زَوْجَةٍ (ذِمِّيَّةٍ أَوْ أَمَةٍ عَلَى إسْلَامٍ أَوْ عِتْقٍ) فَأَسْلَمَتْ أَوْ عَتَقَتْ (أَوْ عَلِمَ) الزَّوْجُ (أَنَّ سَيِّدَهَا) ؛ أَيْ: زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ (عَلَّقَ عِتْقَهَا بِغَدٍ، فَأَبَانَهَا الْيَوْمَ، أَوْ أَقَرَّ) فِي مَرَضِهِ (أَنَّهُ أَبَانَهَا فِي صِحَّتِهِ وَلَمْ يُثْبِتْهُ) ؛ أَيْ: لَمْ يُثْبِتْ صُدُورَ الْإِقْرَارِ مِنْهُ فِي صِحَّتِهِ (أَوْ وَكَّلَ فِيهَا) ؛ أَيْ: إبَانَتِهَا وَلَوْ فِي صِحَّتِهِ (مَنْ يُبَيِّنُهَا مَتَى شَاءَ، فَأَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ (أَوْ قَذَفَهَا فِي صِحَّتِهِ وَلَاعَنَهَا فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ (أَوْ وَطِئَ) زَوْجٌ (عَاقِلٌ) وَلَوْ صَبِيًّا لَا مَجْنُونًا (نَحْوَ أُمِّ زَوْجَتِهِ بِهِ) ؛ أَيْ: بِمَرَضِهِ الْمَخُوفِ (وَلَوْ لَمْ يَمُتْ) الزَّوْجُ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ (أَوْ) لَمْ (يَصِحَّ مِنْهُ بَلْ لَسْعٌ أَوْ أَكْلٌ) وَنَحْوُهُ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) ؛ أَيْ: الْمُطَلَّقَةِ (قَبْلَ مَوْتِهِ) فَتَرِثُهُ (مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ) غَيْرَهُ؛ لِمَا رَوَى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَاهُ طَلَّقَ أُمَّهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَمَاتَ فَوَرِثَتْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ، لَمْ تَرِثْ مِنْ الْأَوَّلِ، أَبَانَهَا الثَّانِي أَوْ لَا (أَوْ تَرْتَدَّ) فَإِنْ ارْتَدَّتْ فَلَا تَرِثُهُ (وَلَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ بَانَتْ بَعْدُ) ؛ أَيْ: بَعْدَ ارْتِدَادِهَا، أَوْ طَلُقَتْ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ - وَلَوْ قَبْلَ مَوْتِهِ - فَإِنَّ مُجَرَّدَ تَزَوُّجِهَا وَارْتِدَادِهَا يَسْقُطُ بِهِ إرْثُهَا؛؛ لِأَنَّهَا فَعَلَتْ بِاخْتِيَارِهَا مَا يُنَافِي نِكَاحَ الْأَوَّلِ، وَالْأَصْلُ فِي إرْثِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ مُبِينِهَا الْمُتَّهَمِ بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا أَنَّ عُثْمَانَ وَرَّثَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ؛ فَبَتَّهَا، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. وَرَوَى عُرْوَةُ أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 654 عُثْمَانَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَئِنْ مِتّ لَأَوْرَثْتهَا مِنْك، قَالَ: قَدْ عَلِمْت ذَلِكَ. وَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةٌ؛ فَمَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ قَصْدًا فَاسِدًا فِي الْمِيرَاثِ، فَعُورِضَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ؛ كَالْقَاتِلِ الْقَاصِدِ اسْتِعْجَالَ الْمِيرَاثِ يُعَاقَبُ بِحِرْمَانِهِ، وَكَمَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ مَا أُلْحِقَ بِهِ كَمَنْ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ أَوْ حُبِسَ لَهُ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. (وَ) يَثْبُتُ الْإِرْثُ (لَهُ) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ مِنْ زَوْجَتِهِ (فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَهَا (إنْ فَعَلَتْ بِمَرَضِ مَوْتِهَا الْمَخُوفِ مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا) بِأَنْ تُرْضِعَ امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا الصَّغِيرَةَ، أَوْ تُرْضِعَ زَوْجَهَا الصَّغِيرَ فِي الْحَوْلَيْنِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، أَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ ابْنِ زَوْجِهَا أَوْ ذَكَرَ أَبِيهِ وَهُوَ نَائِمٌ (وَلَوْ) كَانَ فِعْلُهَا مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا (بِرِدَّةٍ) حَصَلَتْ مِنْهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا الْمَخُوفِ، فَيَثْبُتُ مِيرَاثُ زَوْجِهَا مِنْهَا (مَا دَامَتْ مُعْتَدَّةً) عَلَى الْأَشْهَرِ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ " الْمُنْتَهَى "، لَكِنَّهُ أَسْقَطَ: أَوْ ارْتَدَّتْ، فَلَوْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى خِلَافِهِ فِيمَا يُوهِمُ لَكَانَ مُصِيبًا، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْمِيرَاثُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فَلَمْ يُسْقِطْ فِعْلُهَا مِيرَاثَ الْآخَرِ كَالزَّوْجِ (أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) فَلَا يَسْقُطُ مِيرَاثُهُ مِنْهَا (عَلَى مَا) مَشَى عَلَيْهِ (فِي " الْإِقْنَاعِ ") كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمُطَلَّقُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ " وَ " الْمُقْنِعِ " وَ " الشَّرْحِ " لِفِرَارِهَا مِنْ مِيرَاثِ زَوْجِهَا، فَعُوقِبَتْ بِضِدِّ قَصْدِهَا، وَمَحِلُّ عَدَمِ سُقُوطِ مِيرَاثِ زَوْجِهَا بِفَسْخِهَا النِّكَاحَ (إنْ اتَّهَمَتْ) فِي فِعْلِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا مَا يَفْسَخُ النِّكَاحَ بِقَصْدِ حِرْمَانِهِ الْمِيرَاثَ (وَإِلَّا) تَكُنْ مُتَّهَمَةً بِقَصْدِ حِرْمَانِهِ الْإِرْثَ، بِأَنْ دَبَّ زَوْجُهَا الصَّغِيرُ أَوْ ضَرَّتُهَا الصَّغِيرَةُ، فَارْتَضَعَ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ (سَقَطَ) مِيرَاثُهُ مِنْهَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ (كَفَسْخِ مُعْتَقَةٍ تَحْتَ عَبْدٍ فَعَتَقَ، ثُمَّ مَاتَتْ) ؛ لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ لَا لِلْفِرَارِ. قَالَهُ الْقَاضِي. أَوْ فَعَلَتْ مَجْنُونَةٌ مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا فَلَا إرْثَ؛ لِأَنَّهَا لَا قَصْدَ لَهَا (وَيَقْطَعُهُ) ؛ أَيْ: التَّوَارُثَ (بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (إبَانَتُهَا فِي غَيْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 655 مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ) بِأَنْ أَبَانَهَا فِي الصِّحَّةِ، أَوْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ غَيْرِ الْمَخُوفِ (أَوْ فِيهِ) ؛ أَيْ: مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (بِلَا تُهْمَةٍ بِأَنْ سَأَلَتْهُ) الْخُلْعَ، فَأَجَابَهَا إلَيْهِ، وَمِثْلُهُ الطَّلَاقُ عَلَى عِوَضٍ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَيْهِ، فَيَنْقَطِعُ التَّوَارُثُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ (لَا) إنْ سَأَلَ الزَّوْجَ (أَجْنَبِيٌّ الْخُلْعَ) فَفَعَلَ؛ فَلَا يَنْقَطِعُ مِيرَاثُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا صُنْعَ لَهَا فِيهِ؛ فَهُوَ كَطَلَاقِهَا مِنْ غَيْرِ سُؤَالِهَا (أَوْ) سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ (الثَّلَاثَ) فَأَجَابَهَا إلَيْهِ؛ فَلَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فِرَارَ مِنْهُ (أَوْ) سَأَلَتْهُ (الطَّلَاقَ) مُطْلَقًا (فَثَلَّثَهُ) . (وَ) كَذَا يَنْقَطِعُ التَّوَارُثُ (بِقَتْلِ أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (الْآخَرَ أَوْ عَلَّقَهَا) ؛ أَيْ: الثَّلَاثَ (عَلَى فِعْلٍ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ، كَكَلَامِ أَبَوَيْهَا) ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ وَكَخُرُوجِهَا مِنْ دَارِهِ (فَفَعَلَتْهُ عَالِمَةً بِهِ) ؛ أَيْ: التَّعْلِيقِ؛ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ مِنْهُ، فَإِنْ جَهِلَتْ التَّعْلِيقَ وَرِثَتْ؛؛ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ (أَوْ) عَلَّقَ بَيْنُونَتَهَا (فِي صِحَّتِهِ عَلَى) وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ (غَيْرِ فِعْلِهِ) كَكُسُوفِ الشَّمْسِ أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَوُجِدَ) الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ (فِي مَرَضِهِ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَنْقَطِعُ التَّوَارُثُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَيْثُ لَا حِيلَةَ (وَلَا مُوَاطَأَةَ) بَيْنَ الْمُعَلَّقِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَاطَأَةٌ عَلَى إيقَاعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بِأَنْ تَوَاطَأَ الزَّوْجُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ أَنِّي أُعَلِّقُ طَلَاقَ زَوْجَتِي عَلَى فِعْلِك الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ، فَإِذَا أَنَا مَرِضْت مَرَضًا مَخُوفَا، فَافْعَلْهُ لِتَبِينَ، فَلَا تَرِثَ مِنِّي، فَفَعَلَ؛ فَلَا يَنْقَطِعُ التَّوَارُثُ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ كَانَتْ) الْمُبَانَةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (لَا تَرِثُ) حِينَ طَلَاقِهِ لِمَانِعٍ مِنْ رَقِّ أَوْ اخْتِلَافِ دِينٍ (كَأَمَةٍ وَذِمِّيَّةٍ) طَلَّقَهَا مُسْلِمٌ (وَلَوْ عَتَقَتْ) الْأَمَةُ (وَأَسْلَمَتْ) الذِّمِّيَّةُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ فَارًّا (أَوْ فَسَخَتْ مَرِيضَةٌ لِعُنَّتِهِ) ؛ أَيْ: زَوْجَهَا، بِأَنْ أَجَلَّ سَنَةً، وَلَمْ يُصِبْهَا، فَاخْتَارَتْ فُرْقَتَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 656 لَدَى حَاكِمٍ فِي مَرَضِهَا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ فَلَا تَوَارُثَ؛ لِانْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَا فِرَارَ فِيهِ. (وَمَنْ أَكْرَهَ وَهُوَ عَاقِلٌ) وَلَوْ صَبِيًّا (وَارِثٌ) مِنْ زَوْجِ الْمُكْرَهَة (وَلَوْ نَقَصَ إرْثُهُ) بِوُجُودِ مُزَاحِمٍ بِأَنْ وُجِدَ لِلْمَرِيضِ ابْنٌ آخَرَ (أَوْ انْقَطَعَ) إرْثُهُ بِفِعْلِهِ مَا يَقْطَعُهُ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ (امْرَأَةَ) مَفْعُولُ أَكْرَهَ (أَبِيهِ أَوْ) أَكْرَهَ امْرَأَةَ (جَدِّهِ فِي مَرَضِهِ) ؛ أَيْ: مَرَضِ الْجَدِّ أَوْ الْأَبِ، وَكَذَا امْرَأَةُ ابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ (عَلَى مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا) كَوَطْئِهَا (لَمْ يَقْطَعْ) ذَلِكَ (إرْثَهَا) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حَصَلَ فِي مَرَضِ الزَّوْجِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ، فَلَمْ يَقْطَعْ إرْثَهَا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَبَانَهَا الزَّوْجُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ (امْرَأَةٌ تَرِثُهُ سِوَاهَا) فَيَنْقَطِعُ إرْثُ مَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا؛ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ إذَنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَفَّرْ عَلَى الْمُكْرِهِ لَهَا بِفَسْخِ النِّكَاحِ شَيْءٌ مِنْ الْإِرْثِ (أَوْ) كَانَ (لَمْ يُتَّهَمْ فِيهِ) ؛ أَيْ: فِي قَصْدِ حِرْمَانِهَا (حَالَ الْإِكْرَاهِ) لَهَا عَلَى الْوَطْءِ (كَمَحْجُوبٍ) غَيْرِ وَارِثٍ إذْ ذَاكَ كَلِكَوْنِهِ ابْنَ ابْنٍ مَعَ وُجُودِ ابْنٍ، أَوْ رَقِيقًا مُبَايِنًا لِدِينِ زَوْجِهَا، وَإِنْ طَاوَعَتْ امْرَأَةٌ الْأَبَ أَوْ الْجَدَّ عَلَى وَطْءٍ يَفْسَخُ نِكَاحَهَا لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّهَا شَارَكَتْهُ فِيمَا يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ، كَمَا لَوْ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الْبَيْنُونَةَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُكْرِهُ لَهَا زَائِلَ الْعَقْلِ حِينَ الْإِكْرَاهِ انْقَطَعَ إرْثُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ صَحِيحٌ، وَكَذَا حُكْمُ وَطْءِ مَرِيضٍ أُمَّ زَوْجَتِهِ أَوْ جَدَّتَهَا، لَكِنْ لَا أَثَرَ هُنَا لِمُطَاوَعَةِ الْمَوْطُوءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلزَّوْجَةِ فِيهِ يَسْقُطُ بِهِ مِيرَاثُهَا، وَيَشْمَلُ الْعَاقِلَ الْبَالِغَ وَغَيْرَهُ. (وَتَرِثُ مَنْ تَزَوَّجَهَا مَرِيضٌ مُضَارَّةً) لِوَرَثَتِهِ أَوْ بَعْضِهِمْ (لِنَقْصِ إرْثِ غَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ؛ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ مَرِيضَةٌ مُضَارَّةَ لِوَرَثَتِهَا؛ فَيَرِثُ مِنْهَا زَوْجُهَا (وَمَنْ جَحَدَ إبَانَةَ امْرَأَةٍ ادَّعَتْهَا) عَلَيْهِ إبَانَةً تَقْطَعُ التَّوَارُثَ، ثُمَّ مَاتَ (لَمْ تَرِثْهُ) الْمُدَّعِيَةُ لِلْإِبَانَةِ (إنْ دَامَتْ عَلَى قَوْلِهَا) أَنْ أَبَانَهَا (لَا مَوْتُهُ) لِإِقْرَارِهَا أَنَّهَا مُقِيمَةٌ تَحْتَهُ بِغَيْرِ نِكَاحٍ، فَإِنْ أَكْذَبَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ؛ وَرِثَتْهُ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 657 لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَلَا أَثَرَ لِتَكْذِيبِ نَفْسِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِيهِ إذَنْ، وَفِيهِ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ. (وَمَنْ) (خَلَّفَ زَوْجَاتٍ، نِكَاحُ بَعْضِهِنَّ فَاسِدٌ، أَوْ) نِكَاحُ (إحْدَاهُنَّ بَائِنٌ) أَيْ: مُنْقَطِعٌ قَطْعًا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَجُهِلَ الْحَالُ) بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ مَنْ نِكَاحُهَا صَحِيحٌ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ بِمَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ (أُخْرِجَ) مَنْ لَا يَرِثُ مِنْهُنَّ (بِقُرْعَةٍ) وَالْمِيرَاثُ لِلْبَاقِي نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكِهِ عَنْ آدَمِيٍّ، فَتُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْقُرْعَةُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَالْعِتْقِ، وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ زَوْجَتَيْنِ مَدْخُولٍ بِهِمَا غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ: أَرَدْت فُلَانَةَ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ فَفِي " الْمُغْنِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ كَالطَّلَاقِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَرِيضِ امْرَأَةٌ أُخْرَى سِوَى هَاتَيْنِ؛ فَلَهَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ، وَلِلِاثْنَتَيْنِ نِصْفُهُ (وَإِنْ طَلَّقَ مُتَّهَمٌ) بِقَصْدِ حِرْمَانِ إرْثِهِ (أَرْبَعًا) كُنَّ مَعَهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، وَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ، وَرِثَ الثَّمَانُ الْأَرْبَعُ الْمُطَلَّقَاتُ وَالْأَرْبَعُ الْمَنْكُوحَاتُ (بِشَرْطِهِ) وَهُوَ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ الْمُطَلَّقَاتُ، أَوْ يَرْتَدِدْنَ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهُنَّ لَمْ يُسْقِطْ مِيرَاثَهُنَّ كَمَا تَقَدَّمَ؛ فَيُشَارِكْنَ الزَّوْجَاتِ (فَلَوْ كُنَّ) ؛ أَيْ: الْمُطَلَّقَاتُ (وَاحِدَةً) فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا (وَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا) ثُمَّ (وَرِثَ الْخَمْسُ) مِنْهُ (عَلَى السَّوَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لِلْفِرَارِ وَارِثَةٌ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَكَانَتْ أُسْوَةَ مَنْ سِوَاهَا. [تَتِمَّةٌ قَتَلَ الزَّوْجُ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ مَاتَ] (تَتِمَّةٌ) لَوْ قَتَلَ الزَّوْجُ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ مَاتَ، لَمْ تَرِثْهُ؛ لِخُرُوجِهَا مِنْ حَيِّزِ التَّمَلُّكِ وَالتَّمْلِيكِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهَا مِنْ أَجْلِ أَنْ لَا تَرِثَهُ، خِلَافًا لِاتِّجَاهِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 658 بَابُ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ [بَابُ الْإِقْرَارُ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ] (الْإِقْرَارُ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ) ؛ أَيْ: بَيَانِ طَرِيقِ الْعَمَلِ فِي تَصْحِيحِ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْ جَمِيعِهِمْ؛ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ سِوَى مَا تَقَدَّمَ وَبَيَانِ نَفْسِ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ وَشُرُوطِهِ؛ فَهُوَ وَإِنْ عُلِمَ مِمَّا هُنَا إجْمَالًا، لَكِنَّهُ يَأْتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ بِأَوْسَعَ مِمَّا هُنَا (إذَا أَقَرَّ كُلُّ الْوَرَثَةِ، وَهُمْ مُكَلَّفُونَ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ غَيْرِ مُكَلَّفٍ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ شَرْعًا (وَلَوْ أَنَّهُمْ) ؛ أَيْ: الْمُنْحَصِرَ فِيهِمْ الْإِرْثُ لَوْ لَمْ يُقِرُّوا بِمَا أَقَرُّوا بِهِ لَيْسُوا بِعَدَدٍ، بَلْ كَانُوا وَاحِدًا، وَالْوَاحِدُ (بِنْتٌ) لِإِرْثِهَا بِفَرْضٍ وَرَدٍّ (أَوْ) كَانُوا (لَيْسُوا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ بِ) وَارِثٍ (مُشَارِكٍ) لِمَنْ أُقِرَّ فِي الْمِيرَاثِ كَابْنٍ لِلْمَيِّتِ يُقِرُّ بِابْنٍ آخَرَ (أَوْ) يُقِرُّ بِوَارِثٍ (مُسْقِطٍ) لَهُ (كَأَخٍ) لِلْمَيِّتِ (أَقَرَّ بِابْنٍ مُمْكِنٍ لِلْمَيِّتِ) ؛ أَيْ: مُمْكِنٍ كَوْنُهُ مِنْهُ، كَكَوْنِ الْمَيِّتِ ابْنَ عَشْرٍ فَأَكْثَرَ، وَلَمْ يُنَازِعْ فِي نَسَبِ الْمُقَرِّ بِهِ مُنَازِعٌ؛ ثَبَتَ نَسَبُهُ؛؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِهِ ثَابِتُ النَّسَبِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ، وَلَيْسَ بِهِ مَانِعٌ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْوَارِثِ فِي حَالَةِ الْإِقْرَارِ (وَلَوْ) كَانَ الِابْنُ الْمُقَرُّ بِهِ (مِنْ أَمَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتِ نَصًّا (فَصَدَّقَ) مُقَرٌّ بِهِ مُكَلَّفٌ مُقِرًّا (أَوْ كَانَ) الْمُقَرُّ بِهِ (صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ (ثَبَتَ نَسَبُهُ) ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي مِيرَاثِهِ، وَالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ وَعَلَيْهِ وَبَيِّنَاتِهِ وَدَعَاوِيهِ وَالْأَيْمَانِ الَّتِي لَهُ وَعَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ عَدَدُ الْمُقِرِّينَ كَالدَّيْنِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَالَةُ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي الْعَدَدِ كَإِقْرَارِ الْمُوَرِّثِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 659 (وَلَوْ أَنْكَرَ) الْمُقَرُّ بِهِ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ النَّسَبَ (بَعْدَ تَكْلِيفِهِ) لَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِقْرَارِ؛؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ حَقًّا عَلَيْهِ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُقَرُّ بِهِ بَعْدَ تَكْلِيفِهِ إحْلَافَ الْمُقِرِّ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ النَّسَبِ لَمْ يُسْتَحْلَفْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إنَّمَا يُقْضَى بِهِ فِي الْمَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ، وَمَحِلُّ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِالْإِقْرَارِ (إنْ كَانَ) نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ (مَجْهُولًا) بِخِلَافِ ثَابِتِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ نَسَبِهِ الْمَعْرُوفِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ (وَلَوْ مَعَ) وُجُودِ (مُنْكِرٍ) مِنْ أَقَارِبِهِ (لَا يَرِثُ) ذَلِكَ الْمُنْكِرُ مِنْ الْمَيِّتِ (الْمَانِعُ) قَامَ بِهِ مِنْ رِقٍّ أَوْ كَقَتْلٍ وَاخْتِلَافِ دِينٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ قَامَ بِهِ الْمَانِعُ كَعَدَمِهِ فِي الْإِرْثِ وَالْحَجْبِ فَكَذَا هُنَا. (تَنْبِيهٌ) لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ: إقْرَارُ الْجَمِيعِ، وَتَصْدِيقُ الْمُقَرِّ بِهِ إنْ كَانَ مُكَلَّفًا، وَإِمْكَانُ كَوْنِهِ مِنْ الْمَيِّتِ، وَعَدَمُ الْمُنَازِعِ، فَإِنْ تَوَفَّرَتْ ثَبَتَ النَّسَبُ، وَإِنْ فُقِدَ شَيْءٌ مِنْهَا فَلَا ثُبُوت لِلنَّسَبِ (وَ) حَيْثُ ثَبَتَ نَسَبُهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ (إرْثُهُ) مِنْ الْمَيِّتِ، فَيُقَاسِمُهُمْ (إنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ) مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ نَحْوُ رِقٍّ، فَإِنْ كَانَ بِهِ مَانِعٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَمْ يَرِثْ لِلْمَانِعِ (وَيُعْتَبَرُ إقْرَارُ زَوْجٍ وَمَوْلًى) إنْ (وَرِثَا) كَمَا لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ بِنْتٍ وَزَوْجٍ أَوْ بِنْتٍ وَمَوْلًى، فَأَقَرَّتْ الْبِنْتُ بِأَخٍ لَهَا، فَيُعْتَبَرُ إقْرَارُ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى بِهِ لِيَثْبُتَ نَسَبُهُ؛؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) ؛ أَيْ: يُوجَدْ مِنْ وَرَثَةِ مَيِّتٍ (إلَّا زَوْجَةٌ أَوْ زَوْجٌ، فَأَقَرَّ بِوَلَدٍ لِلْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِهِ فَصَدَّقَهُ) إمَامٌ أَوْ (نَائِبُ إمَامٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ) ؛ لِأَنَّ مَا فَضَلَ عَنْ حِصَّةِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَالْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِأَمْرِهِ، فَقَامَ مَقَامَ الْوَارِثِ مَعَهُ لَوْ كَانَ. (وَيَتَّجِهُ وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُصَدِّقْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ الْمُقِرَّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ (أَخَذَ) الْمُقَرُّ بِهِ (نِصْفَ مَا مَعَ مُقِرٍّ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ مِنْ الْمَيِّتِ؛ لِعَدَمِ تَصْدِيقِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ؛ إذْ تَصْدِيقُهُ مُعْتَبَرٌ فِي ثُبُوتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 660 النَّسَبِ، وَهُوَ أَهْلٌ لِاسْتِيفَاءِ قَوَدٍ مِنْ وَارِثٍ لَهُ، ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ وَهُوَ مُتَّجِهٌ [تَتِمَّةٌ أَقَرَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِابْنٍ لِلْآخَرِ مِنْ نَفْسِهِ] (تَتِمَّةٌ) فَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِابْنٍ لِلْآخَرِ مِنْ نَفْسِهِ، ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُقِرِّ مُطْلَقًا بِشَرْطِهِ، وَمِنْ الْمَيِّتِ إنْ كَانَ زَوْجَةً وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا، وَوَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ زَوْجًا وَصَدَّقَهُ بَاقِي الْوَرَثَةِ أَوْ نَائِبُ الْإِمَامِ ثَبَتَ أَيْضًا، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ) ؛ أَيْ: الْوَارِثُ الْمُشَارِكُ أَوْ الْمُسْقِطُ لِلْمُقِرِّ (بَعْضُ الْوَرَثَةِ) وَأَنْكَرَهُ الْبَاقُونَ (فَشَهِدَ عَدْلَانِ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةِ (أَوْ) شَهِدَ عَدْلَانِ (مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْمُقَرَّ بِهِ (وَلَدُ الْمَيِّتِ) أَوْ أَخُوهُ وَنَحْوُهُ (أَوْ) شَهِدَ أَنْ الْمَيِّتَ كَانَ (أَقَرَّ بِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ) شَهِدَ أَنَّهُ (وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتِ (ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِرْثُهُ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ شَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ لَا تُهْمَةَ فِيهِمَا، فَثَبَتَ بِشَهَادَتِهِمَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَإِلَّا) يَشْهَدْ بِهِ عَدْلَانِ مَعَ إقْرَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِهِ (ثَبَتَ نَسَبُهُ) ؛ أَيْ: الْمُقَرِّ بِهِ (مِنْ مُقِرٍّ وَارِثٍ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ خَاصَّةً فَلَزِمَهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ الْمُطْلَقُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ؛ فَلَمْ يُعْمَلْ بِهِ (فَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ أَخًا لِلْمُقِرِّ، وَمَاتَ الْمُقِرُّ) أَيْضًا (عَنْهُ) وَرِثَهُ (أَوْ) مَاتَ الْمُقِرُّ (عَنْهُ) ؛ أَيْ: عَنْ الْمُقَرِّ بِهِ (وَعَنْ بَنِي عَمٍّ، وَرِثَهُ الْمُقَرُّ بِهِ) وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ بَنِي الْعَمِّ مَحْجُوبُونَ بِالْأَخِ (وَ) إنْ مَاتَ الْمُقِرُّ (عَنْهُ) ؛ أَيْ: عَنْ الْمُقَرِّ بِهِ (وَعَنْ أَخٍ) لَهُ أَيْضًا (مُنْكِرٍ) لِإِخْوَةِ الْمُقَرِّ بِهِ (فَإِرْثُهُ) ؛ أَيْ: الْمُقِرِّ (بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: بَيْنَ الْمُنْكِرِ وَالْمُقَرِّ بِهِ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَالْمُرَادُ حَيْثُ تَسَاوَيَا فِي كَوْنِهِمَا شَقِيقَيْنِ أَوْ لِأَبٍ بِحَسَبِ إقْرَارِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ (وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ) ؛ أَيْ: الْمُقَرِّ بِهِ (تَبَعًا مِنْ وَلَدٍ مُقِرٍّ أَنْكَرَهُ) لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ أَبِيهِ، فَيُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ (فَتَثْبُتُ الْعُمُومَةُ) تَبَعًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 661 لِإِخْوَةِ الْمُقِرِّ؛؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ بِثُبُوتِ أُخُوَّةِ أَبِيهِ (وَإِنْ صَدَّقَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ) وَكَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا حَالَ إقْرَارِ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ (إذَا بَلَغَ وَعَقَلَ) عَلَى إقْرَارِ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ ذَلِكَ (ثَبَتَ نَسَبُهُ) لِاتِّفَاقِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ عَلَيْهِ إذَنْ، وَإِنْ مَاتَ مُكَلَّفٌ قَبْلَ تَكْلِيفِهِ، وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ مُقِرٍّ مُكَلَّفٍ ثَبَتَ نَسَبُ مُقَرٍّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ صَارَ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَارِثُ ابْنَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِوَارِثٍ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُنْكِرُ، فَوَرِثَهُ الْمُقِرُّ؛ ثَبَتَ نَسَبُ الْمُقِرِّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ صَارَ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ ابْتِدَاءً بَعْدَ مَوْتِ أَخِيهِ. (فَلَوْ مَاتَ مُقَرٌّ بِهِ قَبْلَ تَصْدِيقِهِ لِمُقِرٍّ، وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمُقِرِّ؛ اُعْتُبِرَ تَصْدِيقُهُ) لِلْمُقِرِّ حَتَّى يَرِثَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ إنَّمَا يَسْرِي إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ (وَإِلَّا) يُصَدَّقْ وَارِثٌ (فَلَا) يَرِثُ مِنْهُ (وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) ؛ أَيْ: الْمُقَرِّ بِهِ مِنْ مَيِّتٍ بِأَنْ أَقَرَّ بِهِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ، وَلَمْ يَشْهَدْ بِهِ عَدْلَانِ (أَخَذَ) الْمُقَرُّ بِهِ (الْفَاضِلَ بِيَدِ الْمُقِرِّ) عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى مُقْتَضَى إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ (إنْ فَضَلَ) بِيَدِهِ (شَيْءٌ) عَنْ نَصِيبِهِ (أَوْ) أَخَذَ مَا فِي يَدِهِ (كُلَّهُ إنْ أَسْقَطَهُ) ؛ أَيْ: إنْ أَسْقَطَ الْمُقَرُّ بِهِ الْمُقِرَّ؛ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَهُ؛ فَلَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ (فَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُ ابْنَيْنِ بِأَخٍ) لَهُمَا (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُقَرُّ بِهِ (ثُلُثُ مَالٍ بِيَدِهِ) ؛ أَيْ: الْمُقِرِّ (وَهُوَ سُدُسُ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ، وَفِي يَدِهِ نِصْفُهَا، فَيَفْضُلُ بِيَدِهِ سُدُسٌ لِلْمُقِرِّ بِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ مَا بِيَدِهِ فَيَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ. (وَ) إنْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ (بِأُخْتٍ فَ) لَهَا (خَمْسَةٌ) ؛ أَيْ: مَا بِيَدِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ خُمْسِ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ النِّصْفُ الَّذِي بِيَدِهِ يَفْضُلُ بِيَدِهِ خُمْسٌ، فَلَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَيْهَا؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَضْلٌ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ بِهِ؛ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُهُ. (وَ) إنْ أَقَرَّ (ابْنُ ابْنِ) الْمَيِّتِ (بِابْنٍ) لَهُ (فَ) لَهُ (كُلُّ مَا بِيَدِهِ) ؛ أَيْ: الْمُقِرِّ؛؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِانْحِجَابِهِ عَنْ الْإِرْثِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 662 (وَمَنْ خَلَّفَ أَخًا مِنْ أَبٍ وَأَخًا مِنْ أُمٍّ، فَأَقَرَّا بِأَخٍ لِأَبَوَيْنِ؛ ثَبَتَ نَسَبُهُ) لِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ بِهِ (وَأَخَذَ) الْمُقَرُّ بِهِ (مَا بِيَدِ ذِي الْأَبِ) كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ لِحَجْبِهِ بِذِي الْأَبَوَيْنِ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِمَّا فِي يَدِ الْأَخِ لِأُمٍّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ لَهُ بِيَدِهِ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ) ؛ أَيْ: بِالْأَخِ لِأَبَوَيْنِ (الْأَخُ لِلْأَبِ وَحْدَهُ) ؛ أَيْ: دُونَ الْأَخِ لِأُمٍّ (أَخَذَ) الْأَخُ لِأَبَوَيْنِ (مَا بِيَدِهِ) ؛ أَيْ يَدِ الْأَخِ لِأَبٍ مُؤَاخَذَةً لِلْمُقِرِّ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ (وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) الْمُطْلَقُ (مِنْ الْمَيِّتِ) لِإِنْكَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، وَهُوَ الْأَخُ لِأُمٍّ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ) ؛ أَيْ: بِالْأَخِ لِأَبَوَيْنِ (الْأَخُ لِأُمٍّ وَحْدَهُ) فَلَا شَيْءَ لَهُ (أَوْ) أَقَرَّ الْأَخُ لِلْأُمِّ (بِأَخٍ سِوَاهُ) ؛ أَيْ: سِوَى الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الْأَخُ الْمُقَرُّ بِهِ مِنْهُ أَخًا مِنْ الْأُمِّ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) ؛ أَيْ: لِلْمُقَرِّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ بِيَدِ الْمُقِرِّ، وَإِنْ أَقَرَّ الْأَخُ لِأُمٍّ بِأَخَوَيْنِ مِنْ أُمٍّ؛ دَفَعَ إلَيْهِمَا ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ؛ لِأَنَّ فِي يَدِهِ السُّدُسَ، وَفِي إقْرَارِهِ بِهِمَا قَدْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا التُّسْعَ، فَيَبْقَى بِيَدِهِ نِصْفُ التُّسْعِ، وَهُوَ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ، فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِمَا. (وَ) طَرِيقُ (الْعَمَلِ) فِي مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ (بِضَرْبِ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ) إنْ تَبَايَنَتَا (وَتُرَاعِي الْمُوَافَقَةَ) فَتَضْرِبُ إحْدَاهُمَا فِي وَفْقِ الْآخَرِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ، وَتَكْتَفِي بِإِحْدَاهُمَا إنْ تَمَاثَلَتَا، وَبِأَكْبَرِهِمَا إنْ تَدَاخَلَتَا، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي وَاحِدٍ إنْ تَمَاثَلَتَا، وَفِي التَّدَاخُلِ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْكُبْرَى أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي وَاحِدٍ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الصُّغْرَى أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي مُخْرَجِ نِسْبَتِهَا إلَى الْكُبْرَى (وَيَدْفَعُ لِمُقِرٍّ سَهْمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ) مَضْرُوبًا (فِي) مَسْأَلَةِ (الْإِنْكَارِ) عِنْدَ الْمُبَايَنَةِ أَوْ فِي وَفْقِهَا عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ (وَ) يَدْفَعُ لِمُنْكِرٍ (سَهْمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ) مَضْرُوبًا (فِي) مَسْأَلَةِ (الْإِقْرَارِ) أَوْ وَفْقِهَا، وَيَجْمَعُ مَا حَصَلَ لِلْمُقِرِّ وَالْمُنْكِرِ مِنْ الْجَامِعَةِ (وَ) يَدْفَعُ (لِمُقَرٍّ بِهِ مَا فَضَلَ) مِنْ الْجَامِعَةِ (فَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ ابْنَيْنِ بِأَخَوَيْنِ) غَيْرِ تَوْأَمَيْنِ (فَصَدَّقَهُ أَخُوهُ فِي أَحَدِهِمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ) ؛ أَيْ: الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ؛ لِإِقْرَارِ جَمِيعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 663 الْوَرَثَةِ بِهِ (فَصَارُوا ثَلَاثَةَ) بَنِينَ وَمَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالْإِنْكَارُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ فَ (تَضْرِبُ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ فِي) مَسْأَلَةِ (الْإِنْكَارِ تَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ، لِلْمُنْكِرِ سَهْمٌ مِنْ) مَسْأَلَةِ (الْإِنْكَارِ فِي) مَسْأَلَةِ (الْإِقْرَارِ) وَذَلِكَ (أَرْبَعَةٌ وَلِلْمُقِرِّ سَهْمٌ مِنْ) مَسْأَلَةِ (الْإِقْرَارِ) يُضْرَبُ (فِي) مَسْأَلَةِ (الْإِنْكَارِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إنْ صَدَّقَ الْمُقِرَّ مِثْلُ سَهْمِهِ) ثَلَاثَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ (وَإِنْ أَنْكَرَ) هـ فَلَهُ (مِثْلُ سَهْمِ الْمُنْكِرِ) أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ (وَلِمُخْتَلَفٍ فِيهِ مَا فَضَلَ مِنْ) الِاثْنَيْ عَشَرَ (وَهُوَ سَهْمَانِ حَالَ التَّصْدِيقِ) مِنْ الثَّالِثِ (وَسَهْمٌ حَالَ الْإِنْكَارِ) مِنْهُ (وَمَنْ خَلَّفَ ابْنًا، فَأَقَرَّ) الِابْنُ (بِأَخَوَيْنِ لَهُ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ) بِأَنْ قَالَ: هَذَانِ أَخَوَايَ، وَهَذَا أَخِي، وَهَذَا أَخِي، وَلَمْ يَسْكُتْ بَيْنَهُمَا أَوْ نَحْوُهُ، وَلَا وَارِثَ غَيْرُهُ (ثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَلَوْ أَكْذَبَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: أَحَدُ الْمُقَرِّ بِهِمَا بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ (الْآخَرَ) ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُمَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ مَنْ هُوَ كُلُّ الْوَرَثَةِ قَبْلَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَكُونَا تَوْأَمَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) إنْ أَقَرَّ الِابْنُ (بِأَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الْأَخَوَيْنِ (بَعْدَ الْآخَرِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا إنْ كَانَا تَوْأَمَيْنِ) وَلَا يُلْتَفَتُ لِإِنْكَارِ الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا، سَوَاءٌ تَجَاحَدَا مَعًا، أَوْ جَحَدَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ (وَإِلَّا) يَكُونَا تَوْأَمَيْنِ (لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الثَّانِي) ؛ أَيْ: الْمُقَرِّ بِهِ ثَانِيًا (حَتَّى يُصَدِّقَ) عَلَى ذَلِكَ (الْأَوَّلُ) ؛ أَيْ: الْمُقَرُّ بِهِ أَوَّلًا؛ لِصَيْرُورَتِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْأَوَّلِ مَعَ إنْكَارِهِ الثَّانِي (نِصْفُ مَا بِيَدِ الْمُقِرِّ) مِنْ تِرْكَةِ ابْنَيْهِ (وَلِلثَّانِي) ؛ أَيْ: الْمُقَرِّ بِهِ ثَانِيًا (ثُلُثُ مَا بَقِيَ) بِيَدِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: نَحْنُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ، وَثَبَتَ نَسَبُ الْأَوَّلِ؛ لِانْحِصَارِ الْإِرْثِ حَالَ الْإِقْرَارِ فِيمَنْ أَقَرَّ بِهِ، وَوَقَفَ ثُبُوتُ نَسَبِ الثَّانِي عَلَى تَصْدِيقِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ وَارِثٌ حَالَ إقْرَارِ أَخِيهِ بِهِ، وَلَوْ كَذَّبَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ، وَصَدَّقَ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي ثَبَتَ نَسَبُ الثَّلَاثَةِ، وَلَا إرْثَ؛ لِتَكْذِيبِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا حِينَ إقْرَارِ الْأَوَّلِ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 664 (وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُ وَرَثَةِ) مَيِّتٍ (بِزَوْجَةٍ لِلْمَيِّتِ فَلَهَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَةِ مِنْ التَّرِكَةِ (مَا زَادَ بِيَدِهِ) ؛ أَيْ: الْمُقِرِّ (عَنْ حِصَّتِهِ) كَمَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَنْ ابْنَيْنِ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِزَوْجَةٍ لِلْمَيِّتِ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ؛ فَلَهَا نِصْفُ ثُمْنِ التَّرِكَةِ مِمَّا بِيَدِ الْمُقِرِّ (فَلَوْ مَاتَ) الِابْنُ (الْمُنْكِرُ) لِلزَّوْجَةِ (فَأَقَرَّ ابْنُهُ) ؛ أَيْ: الْمُنْكِرُ (بِهَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَةِ (كَمُلَ إرْثُهَا) فَيَدْفَعُ لَهَا نِصْفَ الثُّمْنِ، فَيَكْمُلُ لَهَا الثُّمْنُ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِظُلْمِ أَبِيهِ لَهَا بِإِنْكَارِهَا (وَإِنْ) أَقَرَّ بِهَا أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَ (مَاتَ) الِابْنُ الْآخَرُ قَبْلَ إقْرَارِهِ وَ (قَبْلَ إنْكَارِهِ؛ ثَبَتَ إرْثُهَا) وَلَوْ أَنْكَرَهَا وَرَثَةُ هَذَا الِابْنِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنْكِرَ لَهَا مِنْ وَرَثَةِ زَوْجِهَا. (وَإِنْ قَالَ مُكَلَّفٌ) لِمُكَلَّفٍ آخَرَ (مَاتَ أَبِي وَأَنْتَ أَخِي أَوْ) كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، فَقَالُوا لِمُكَلَّفٍ: (مَاتَ أَبُونَا وَنَحْنُ أَبْنَاؤُهُ فَقَالَ) : مَقُولٌ لَهُ (هُوَ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتُ (أَبِي، وَلَسْتَ أَخِي) أَوْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ: هُوَ أَبِي، وَلَسْتُمْ إخْوَانِي (لَمْ يُقْبَلْ إنْكَارُهُ) ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ نَسَبَ الْمَيِّتَ إلَيْهِ أَوَّلًا بِأَنَّهُ أَبُوهُ، وَأَقَرَّ بِمُشَارَكَةِ الْمُقِرِّ لَهُ فِي مِيرَاثِهِ بِطَرِيقِ الْأُخُوَّةِ، فَلَمَّا أَنْكَرَ أُخُوَّتَهُ لَمْ يَثْبُتْ إقْرَارُهُ بِهِ، وَبَقِيَتْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ أَبُوهُ دُونَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، كَمَا لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ. (وَ) إنْ قَالَ مُكَلَّفٌ لِآخَرَ: (مَاتَ أَبُوك وَأَنَا أَخُوك، فَقَالَ) مَقُولٌ لَهُ (لَسْت أَخِي؛ فَالْكُلُّ لِمُقَرٍّ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِأَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ أَبُوهُ، فَثَبَتَ ذَلِكَ لَهُ، ثُمَّ ادَّعَى مُشَارَكَتَهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ لِلْأَوَّلِ، فَإِذَا أَنْكَرَ الْأَوَّلُ أُخُوَّتَهُ؛ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى هَذَا الْمُقِرِّ. (وَ) إنْ قَالَ مُكَلَّفٌ لِمُكَلَّفٍ آخَرَ: (مَاتَتْ زَوْجَتِي وَأَنْتَ أَخُوهَا) فَ (قَالَ) : مُقَرٌّ لَهُ هِيَ أُخْتِي وَ (لَسْت) أَنْتِ (بِزَوْجِهَا؛ قُبِلَ إنْكَارُهُ) ؛ أَيْ: الْأَخِ زَوْجِيَّةَ الْمُقِرِّ بِهَا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْإِشْهَادُ، فَلَا تَكَادُ تَخْفَى، وَيُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 665 [فَصْلٌ أَقَرَّ وَارِثٌ فِي مَسْأَلَةِ عَوْلٍ بِوَارِثٍ يُزِيلُهُ] فَصْلٌ (إذَا أَقَرَّ وَارِثٌ فِي مَسْأَلَةِ عَوْلٍ بِمَنْ) ؛ أَيْ: بِوَارِثٍ (يُزِيلُهُ) ؛ أَيْ: الْعَوْلَ (كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ) لِغَيْرِ أُمٍّ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأُخْتَيْنِ سَهْمَانِ (أَقَرَّتْ إحْدَاهُمَا) ؛ أَيْ: الْأُخْتَيْنِ (بِأَخٍ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، فَيُعَصِّبُهَا وَيَزُولُ الْعَوْلُ، وَتَصِحُّ مَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأَخِ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمٌ وَالْمَسْأَلَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ (فَاضْرِبْ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ ثَمَانِيَةً فِي) مَسْأَلَةِ (الْإِنْكَارِ سَبْعَةٍ بِسِتَّةٍ وَخَمْسِينَ، وَاعْمَلْ) فِي الْقِسْمَةِ (عَلَى مَا ذُكِرَ) بِأَنْ تَضْرِبَ مَا لِلْمُنْكِرِ مِنْ الْإِنْكَارِ فِي الْإِقْرَارِ، وَمَا لِلْمُقِرِّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فِي الْإِقْرَارِ فَ (لِلزَّوْجِ) مِنْ الْإِنْكَارِ ثَلَاثَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ ثَمَانِيَةٌ (أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِلْمُنْكِرَةِ) سَهْمَانِ مِنْ سَبْعَةٍ فِي ثَمَانِيَةٍ بِ (سِتَّةَ عَشَرَ وَلِلْمُقِرَّةِ) سَهْمٌ مِنْ الْإِقْرَارِ يُضْرَبُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ (سَبْعَةٌ وَلِلْأَخِ) الْمُقَرِّ بِهِ الْبَاقِي، وَهُوَ (تِسْعَةٌ فَإِنْ صَدَّقَهَا) ؛ أَيْ: الْمُقِرَّةَ (الزَّوْجُ) عَلَى أَنَّهُ أَخُوهَا (فَهُوَ) ؛ أَيْ: الزَّوْجُ (يَدَّعِي أَرْبَعَةً) تَمَامَ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي هِيَ نِصْفُ السَّتَهِ وَالْخَمْسِينَ؛ لِزَوَالِ الْعَوْلِ بِالْأَخِ (وَالْأَخُ) الْمُقَرُّ بِهِ (يَدَّعِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ) مِثْلَا الْأُخْتِ الْمُقِرَّةِ (فَاقْسِمْ التِّسْعَةَ) الْفَاضِلَةَ بِيَدِ الْمُقَرِّ بِهِ (عَلَى مُدَّعَاهُمَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ وَالْأَخِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَالتِّسْعَةُ نِصْفُهَا؛ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ مُدَّعَاهُ فَ (لِلزَّوْجِ سَهْمَانِ) مِنْ التِّسْعَةِ؛؛ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ أَرْبَعَةٌ (وَلِلْأَخِ) مِنْهَا (سَبْعَةٌ) ؛ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَإِنْ أَقَرَّتْ الْأُخْتَانِ بِالْأَخِ، وَكَذَّبَهُمَا الزَّوْجُ، دَفَعَ إلَى كُلِّ أُخْتٍ سَبْعَةً، وَدَفَعَ إلَى الْأَخِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ نِصْفُ التَّرِكَةِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَبْقَى مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي أَرْبَعَةٌ يُقِرُّونَ بِهَا لِلزَّوْجِ، وَهُوَ يُنْكِرُهَا، وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: أَنْ تُقِرَّ بِيَدِ الْمُقِرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهَا أَحَدٌ لِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بِإِنْكَارِ الْمُقِرِّ لَهُ الثَّانِي: يُعْطَى الزَّوْجُ نِصْفَهَا وَالْأُخْتَانِ نِصْفَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْهُمْ، وَلَا شَيْءَ مِنْهَا لِلْأَخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ بِحَالٍ. وَالثَّالِثُ يُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مَالِكٌ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 666 وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ: هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ صُحِّحَ فِي " التَّصْحِيحِ " وَغَيْرِهِ، وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ) ؛ أَيْ: الْأُخْتَيْنِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَالزَّوْجِ (أُخْتَانِ لِأُمٍّ) وَأَقَرَّتْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ لِغَيْرِ أُمٍّ بِأَخٍ مُسَاوٍ لَهُمَا فَمَسْأَلَةُ الْإِنْكَارِ مِنْ تِسْعَةٍ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ سَهْمَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدٌ، وَلِلْأُخْتَيْنِ لِغَيْرِ أُمٍّ أَرْبَعَةٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَهْمَانِ، وَمَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ أَصْلُهَا سِتَّةٌ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ سَهْمَانِ، يَبْقَى وَاحِدٌ لِلْأَخِ وَالْأُخْتَيْنِ لِغَيْرِ أُمٍّ عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَتَضْرِبُهَا فِي سِتَّةٍ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ التِّسْعَةِ مُوَافَقَةٌ بِالْأَثْلَاثِ، فَإِذَا (ضَرَبْت وَفْقَ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ) وَهُوَ (ثَمَانِيَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ) تِسْعَةٌ تَبْلُغُ (اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ) وَكَذَا لَوْ ضَرَبْت ثُلُثَ التِّسْعَةِ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَ (لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ مِنْ) مَسْأَلَةِ (الْإِنْكَارِ) تَضْرِبُهَا (فِي وَفْقِ) مَسْأَلَةِ (الْإِقْرَارِ) وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ يَحْصُلُ (أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِوَلَدَيْ الْأُمِّ) سَهْمَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ فِي ثَمَانِيَةٍ وَفْقَ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ (سِتَّةَ عَشَرَ وَلِلْ) أُخْتِ (الْمُنْكِرَةِ مِثْلُهُ) ؛ أَيْ: سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي ثَمَانِيَةٍ (وَلِلْمُقِرَّةِ) بِالْأَخِ مِنْهُمَا سَهْمٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ (ثَلَاثَةٌ يَبْقَى مَعَهَا) ؛ أَيْ: الْمُقِرَّةِ (ثَلَاثَةَ عَشَرَ لِلْأَخِ مِنْهَا) ؛ أَيْ: الثَّلَاثَةَ عَشَرَ (سِتَّةٌ) مِثْلَا أُخْتِهِ الْمُقِرَّةِ بِهِ (يَبْقَى سَبْعَةٌ لَا يَدَّعِيهَا أَحَدٌ فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَشِبْهِهَا) مَا يَبْقَى بَقِيَّةٌ بِيَدِ الْمُقِرِّ مَا لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ (تُقِرُّ بِيَدِ مَنْ أَقَرَّ) وَهُوَ هُنَا الْأُخْتُ، فَتُقِرُّ السَّبْعَةَ بِيَدِهَا إلَى أَنْ تُصَدِّقَ الْوَرَثَةُ أَوْ يَصْطَلِحُوا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَبْطُلُ بِإِنْكَارِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ، هَذَا إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ (فَإِنْ صَدَّقَ الزَّوْجُ) الْمُقِرَّةَ عَلَى إقْرَارِهَا بِالْأَخِ (فَهُوَ يَدَّعِي اثْنَيْ عَشَرَ) لِيَكْمُلَ لَهُ بِهَا مَعَ الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ نِصْفُ الْمَالِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ (وَالْأَخُ) الْمُقَرُّ بِهِ (يَدَّعِي سِتَّةً) مِثْلَيْ أُخْتِهِ (يَكُونَانِ) ؛ أَيْ: مُدَّعَى الزَّوْجِ وَمُدَّعَى الْأَخِ (ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) وَلَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهَا الثَّلَاثَةَ عَشَرَ الْبَاقِيَةُ بِيَدِ الْأُخْتِ الْمُقِرَّةِ وَلَا تُوَافِقُهَا (فَاضْرِبْهَا) ؛ أَيْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ) الْبَاقِيَةَ بِيَدِ الْمُقِرَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 667 (لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ (وَلَا تُوَافِقُهَا) فَإِذَا ضَرَبْت ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فِي اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ (تَبْلُغُ) الْمَسْأَلَةُ (أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَسِتَّةً وَتِسْعِينَ، ثُمَّ) كُلُّ (مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ) فَهُوَ (مَضْرُوبٌ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) فَهُوَ (مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ) فَلِلزَّوْجِ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، وَمِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ اثْنَا عَشَر فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ، وَلِلْأُخْتَيْنِ مِنْ الْأُمِّ مِائَتَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُونَ، وَلِلْمُنْكِرَةِ كَذَلِكَ، وَلِلْمُقِرَّةِ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ، وَلِلْأَخِ سِتَّةٌ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ، وَالسِّهَامُ مُتَّفِقَةٌ بِالسُّدُسِ فَتُرَدُّ الْمَسْأَلَةُ إلَى سُدُسِهَا مِائَتَيْنِ وَسِتَّةَ عَشَرَ، وَكُلُّ نَصِيبٍ إلَى سُدُسِهِ (وَعَلَى هَذَا) الْمِنْوَالِ (يُعْمَلُ كُلُّ مَا وَرَدَ) مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ. [بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ] (بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ) (مِيرَاثُ الْقَاتِلِ) ؛ أَيْ: بَيَانِ الْحَالِ الَّتِي يَرِثُ الْقَاتِلُ فِيهَا، وَالْحَالُ الَّتِي لَا يَرِثُ فِيهَا (لَا يَرِثُ مَنْ) ؛ أَيْ: مُكَلَّفٌ أَوْ غَيْرُهُ كَصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ (انْفَرَدَ) بِقَتْلِ مُوَرِّثِهِ (أَوْ شَارَكَ فِي قَتْلِ مُوَرِّثِهِ) ؛ لِأَنَّ تَوْرِيثَ الْقَاتِلِ يُفْضِي إلَى تَكْثِيرِ الْقَتْلِ؛؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَعْجَلَ الْوَارِثُ مَوْتَ مُوَرِّثِهِ، فَقَتَلَهُ لِيَأْخُذَ مَالَهُ كَمَا فَعَلَ الْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي قَتَلَ عَمَّهُ الَّذِي حَكَى اللَّهُ فِيهِ قِصَّةَ الْبَقَرَةِ، فَمُنِعَ مِنْ الْمِيرَاثِ لِذَلِكَ؛ دَفْعًا لِهَذَا الْمَحْذُورِ، وَحِفْظًا لِلنُّفُوسِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُهُ الْمِيرَاثَ كَفَّ عَنْهُ. قَالَ الْبَغَوِيّ: مَا وَرِثَ قَاتِلٌ بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ؛ وَلِأَنَّهُ وَإِنْ تَخَلَّفَ قَصْدُ الِاسْتِعْجَالِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ قَصْدُهُ سَدًّا لِلْبَابِ (وَلَوْ) كَانَ الْقَتْلُ الْمُنْفَرِدُ بِهِ أَوْ الْمُشَارِكُ فِيهِ (بِسَبَبٍ) كَحَفْرٍ نَحْوِ بِئْرٍ أَوْ نَصْبٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 668 نَحْوِ سِكِّينٍ أَوْ وَضْعِ حَجَرٍ أَوْ رَشِّ مَاءٍ أَوْ إخْرَاجِ نَحْوِ جَنَاحٍ بِطَرِيقٍ أَوْ جِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ مِنْ بَهِيمَةٍ (إنْ لَزِمَ) الْقَاتِلَ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ (قَوَدٌ أَوْ دِيَةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ) لِحَدِيثِ عُمَرَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» . رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، وَأَحْمَدُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ وَالِدَهُ أَوْ وَلَدَهُ فَلَيْسَ لِقَاتِلٍ مِيرَاثٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ (فَلَا تَرِثُ مَنْ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَسْقَطَتْ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا) لِجِنَايَتِهَا الْمَضْمُونَةِ (وَلَا) يَرِثُ (مَنْ سَقَى وَلَدَهُ وَنَحْوَهُ) مِمَّنْ فِي حِجْرِهِ (دَوَاءً) وَلَوْ يَسِيرًا (أَوْ أَدَّبَهُ أَوْ فَصَدَهُ أَوْ بَطَّ سِلْعَتَهُ لِحَاجَتِهِ، فَمَاتَ) ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ قَصَدَ مَصْلَحَةَ مُوَلِّيهِ مِمَّا لَهُ فِعْلُهُ مِنْ سَقْيِ دَوَاءٍ أَوْ بَطِّ جِرَاحَةٍ فَمَاتَ وَرِثَهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ تَرَتَّبَ عَلَى فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (وَمَا) ؛ أَيْ: كُلُّ قَتْلٍ (يُضْمَنُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا) الْمَذْكُورِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ (كَالْقَتْلِ) لِمُوَرِّثِهِ (قِصَاصًا أَوْ حَدًّا) لِتَرْكِ زَكَاةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ لِزِنًا وَنَحْوِهِ (أَوْ) الْقَتْلِ حِرَابًا بِأَنْ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ الْحَرْبِيَّ، أَوْ كَانَ الْقَتْلُ (دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ) إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ (أَوْ) قَتَلَ مُوَرِّثَهُ (بِشَهَادَةِ) حَقٍّ مِنْ وَارِثِهِ، أَوْ زَكَّى الشَّاهِدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ، أَوْ أَفْتَى، أَوْ حَكَمَ بِقَتْلِهِ بِحَقٍّ (وَكَقَتْلِ عَادِلٍ لِبَاغٍ) فِي الْحَرْبِ (وَعَكْسِهِ) بِأَنْ قَتَلَ الْبَاغِي الْعَادِلَ (فَلَا يُمْنَعُ الْإِرْثَ) ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَأْذُونٌ فِيهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ الْإِرْثَ كَمَا لَوْ أَطْعَمَهُ أَوْ سَقَاهُ مَاءً بِاخْتِيَارِهِ، فَأَفْضَى إلَى مَوْتِهِ. [تَتِمَّةٌ فَعَلَ فِعْلًا مَأْذُونًا فِيهِ مِنْ الْمَرْث فَمَاتَ الْمُورِث] (تَتِمَّةٌ) : وَمَنْ أَمَرَهُ مُوَرِّثُهُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِبَطِّ جِرَاحَةٍ أَوْ قَطْعِ سَلْعَةٍ مِنْهُ، فَفَعَلَ، فَمَاتَ بِذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا مَأْذُونًا فِيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 669 [بَابُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] (بَابُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) (لَا يَرِثُ رَقِيقٌ وَلَوْ) كَانَ (مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا يُورَثُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ نَقْصًا مَنَعَ كَوْنَهُمْ وَارِثِينَ، فَمَنَعَ كَوْنَهُمْ مَوْرُوثِينَ كَالْمُرْتَدِّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يُورَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ فَيُورَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، فَمِلْكُهُ نَاقِصٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ يَزُولُ إلَى سَيِّدِهِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ رَقَبَتِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» ؛ وَلِأَنَّ السَّيِّدَ أَحَقُّ بِمَنَافِعِهِ وَأَكْسَابِهِ فِي حَيَاتِهِ؛ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَالْمُكَاتَبُ كَالْقِنِّ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَأَمَّا الْأَسِيرُ الَّذِي عِنْدَ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ يَرِثُ إذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ إلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَرِثُ؛؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ، وَلَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ؛؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَمْلِكُونَ الْأَحْرَارَ بِالْقَهْرِ. (وَيَرِثُ مُبَعَّضٌ وَيُورَثُ وَيَحْجُبُ) وَيَعْصِبُ (بِقَدْرِ جُزْئِهِ الْحُرِّ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْعَبْدِ: «يَعْتِقُ بَعْضُهُ يَرِثُ وَيُورَثُ عَلَى قَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» . وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ لِكُلِّ بَعْضٍ حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْآخَرُ مَعَهُ (وَكَسْبُهُ) بِجُزْئِهِ الْحُرِّ لِوَرَثَتِهِ (وَإِرْثُهُ بِهِ) ؛ أَيْ: بِجُزْئِهِ الْحُرِّ (لِوَرَثَتِهِ) دُونَ مَالِكِ بَاقِيهِ (فَابْنٌ نِصْفُهُ حُرٌّ وَ) مَعَهُ (أُمٌّ وَعَمٌّ حُرَّانِ) لَوْ كَانَ الِابْنُ كَامِلَ الْحُرِّيَّةِ كَانَ لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلَهُ الْبَاقِي، وَهُوَ نِصْفٌ وَثُلُثٌ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَمِّ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الِابْنِ مَعَ نِصْفِ حُرِّيَّتِهِ (نِصْفُ مَالِهِ لَوْ كَانَ حُرًّا) كُلُّهُ (وَهُوَ رُبْعٌ وَسُدُسٌ) بِنِصْفِهِ الْحُرِّ (وَلِلْأُمِّ رُبْعٌ) ؛ لِأَنَّ الِابْنَ الْحُرَّ يَحْجُبُهَا عَنْ سُدُسٍ، وَذَلِكَ رُبْعٌ (وَالْبَاقِي) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 670 وَهُوَ ثُلُثٌ (لِلْعَمِّ) تَعْصِيبًا، وَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، لِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْمُبَعَّضِ خَمْسَةٌ، وَلِلْعَمِّ أَرْبَعَةٌ (وَكَذَا) كُلُّ عَصَبَةٍ نِصْفُهُ حُرٌّ مَعَ ذِي فَرْضٍ يَنْقُصُ بِهِ نَصِيبُهُ فَ (إنْ لَمْ يَنْقُصْ ذُو فَرْضٍ بِعَصَبَةٍ كَجَدَّةٍ وَعَمٍّ) حُرَّيْنِ (مَعَ ابْنٍ نِصْفُهُ حُرٌّ فَلَهُ) ؛ أَيْ: الِابْنِ (نِصْفُ الْبَاقِي بَعْدَ إرْثِ الْجَدَّةِ) وَهُوَ رُبْعٌ وَسُدُسٌ، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ، وَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، لِلْجَدَّةِ اثْنَانِ، وَلِلِابْنِ خَمْسَةٌ، وَلِلْعَمِّ خَمْسَةٌ (وَلَوْ كَانَ مَعَهُ) ؛ أَيْ: الْمُبَعَّضِ (مَنْ يُسْقِطُهُ) الْمُبَعَّضُ (بِحُرِّيَّتِهِ التَّامَّةِ كَأُخْتٍ) لِلْمَيِّتِ (وَعَمٍّ حُرَّيْنِ) مَعَ ابْنٍ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الِابْنِ (نِصْفُ) التَّرِكَةِ (وَلِلْأُخْتِ نِصْفُ مَا بَقِيَ) بَعْدَمَا أَخَذَهُ الِابْنُ (فَرْضًا، وَلِلْعَمِّ مَا بَقِيَ) بَعْدَهُمَا تَعْصِيبًا، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، لِلِابْنِ الْمُبَعَّضِ اثْنَانِ، وَلِلْأُخْتِ وَاحِدٌ، وَلِلْعَمِّ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُخْتُ لِأُمٍّ؛ فَلَهَا نِصْفُ السُّدُسِ، وَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، لِلِابْنِ الْمُبَعَّضِ سِتَّةٌ، وَلِلْأُخْتِ لِأُمٍّ وَاحِدٌ، وَلِلْعَمِّ خَمْسَةٌ (وَبِنْتٌ وَأُمٌّ نِصْفُهُمَا حُرٌّ وَ) مَعَهُمَا (أَبٌ حُرٌّ) كُلُّهُ (لِلْبِنْتِ نِصْفُ مَا لَهَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً؛ وَهُوَ رُبْعٌ) ؛ لِأَنَّهَا تَرِثُ النِّصْفَ لَوْ كَانَتْ حُرَّةً (وَلِلْأُمِّ مَعَ حُرِّيَّتِهَا وَرِقِّ الْبِنْتِ ثُلُثٌ وَ) لَهَا (سُدُسٌ مَعَ حُرِّيَّةِ الْبِنْتِ؛ فَقَدْ حَجَبَتْهَا) ؛ أَيْ: الْأُمَّ (حُرِّيَّتُهَا) ؛ أَيْ: الْبِنْتِ (عَنْ السُّدُسِ فَبِنِصْفِهَا) ؛ أَيْ: حُرِّيَّةِ الْبِنْتِ (تَحْجُبُهَا) ؛ أَيْ: الْأُمَّ (عَنْ نِصْفِهِ) ؛ أَيْ: السُّدُسِ (يَبْقَى لَهَا) ؛ أَيْ: الْأُمِّ (الرُّبْعُ لَوْ كَانَتْ حُرَّةً؛ فَلَهَا بِنِصْفِ حُرِّيَّتِهَا نِصْفُ) الرُّبْعِ (وَهُوَ ثُمُنٌ وَالْبَاقِي) وَهُوَ نِصْفٌ وَثُمُنٌ (لِلْأَبِ) فَرْضًا وَتَعْصِيبًا، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، لِلْأُمِّ وَاحِدٌ، وَلِلْبِنْتِ اثْنَانِ، وَلِلْأَبِ خَمْسَةٌ (وَإِنْ شِئْت نَزَّلْتهمْ) ؛ أَيْ: الْمُبَعَّضِينَ مِنْ الْوَرَثَةِ (أَحْوَالًا كَتَنْزِيلِ الْخَنَاثَى) الْوَارِثِينَ وَمَنْ مَعَهُمْ، فَفِي مَسْأَلَةِ حُرِّيَّةِ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ مِنْ سِتَّةٍ، لِلْأُمِّ وَاحِدٌ، وَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ فَرْضًا وَتَعْصِيبًا. وَمَسْأَلَةُ رَقِّهِمَا مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِلْأَبِ فَرْضًا وَتَعْصِيبًا، وَمَسْأَلَةُ حُرِّيَّةِ الْأُمِّ وَحْدَهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ، لِلْأُمِّ وَاحِدٌ، وَلِلْأَبِ اثْنَانِ، وَكُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي السِّتَّةِ، فَتَكْتَفِي بِهَا، وَتَضْرِبُهَا فِي أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 671 لِلْبِنْتِ النِّصْفُ فِي حَالَيْنِ، وَهُمَا حَالُ حُرِّيَّتِهَا وَحُرِّيَّةِ الْأُمِّ، وَحَالُ حُرِّيَّتِهَا وَحْدَهَا، وَإِذَا جَمَعْت اثْنَيْ عَشَرَ وَاثْنَيْ عَشَرَ، وَقَسَمْت أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ عَلَى أَرْبَعَةٍ عَدَدِ الْأَحْوَالِ يَخْرُجُ لَهَا سِتَّةٌ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ فِي حَالٍ وَالثُّلُثُ فِي حَالٍ، اثْنَا عَشَرَ عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَلَهَا ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَبِ الْبَاقِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى ثَمَانِيَةٍ. (وَإِذَا كَانَ) فِي الْوَرَثَةِ (عَصَبَتَانِ نِصْفُ كُلٍّ) مِنْهُمَا (حُرٌّ) سَوَاءٌ (حَجَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ) مَعَهُ (أَوْ لَا) يَحْجُبُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (كَأَخَوَيْنِ وَابْنَيْنِ لَمْ تَكْمُلْ الْحُرِّيَّةُ فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكْمُلُ بِمَا يُسْقِطُهُ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُنَافِيه، وَلَوْ كَمُلَتْ لَمْ يَظْهَرْ لِلرِّقِّ فَائِدَةٌ، فَفِي ابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ نِصْفُ كُلٍّ حُرٌّ؛ لِلِابْنِ نِصْفٌ، وَلِابْنِ الِابْنِ رُبْعٌ، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ وَنَحْوِهِ (وَلَهُمَا) ؛ أَيْ: أَخَوَيْ الْمَيِّتِ أَوْ ابْنَيْهِ إذَا كَانَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُرًّا (مَعَ عَمٍّ) حُرٍّ (أَوْ نَحْوِهِ) كَابْنِ عَمٍّ (ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ) بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا (بِالْخِطَابِ) بِأَنْ تَقُولَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لَك الْمَالُ لَوْ كُنْت حُرًّا وَأَخُوك رَقِيقًا، وَنِصْفُهُ لَوْ كُنْتُمَا حُرَّيْنِ؛ فَيَكُونُ لَك رُبْعٌ وَثُمُنٌ (وَالْأَحْوَالِ) بِأَنْ تَقُولَ: مَسْأَلَةُ حُرِّيَّتِهِمَا مِنْ اثْنَيْنِ، وَرِقُّهُمَا أَوْ رِقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ حُرِّيَّةِ الْآخَرِ مِنْ وَاحِدٍ، وَتَكْتَفِي بِاثْنَيْنِ، وَتَضْرِبُهُمَا فِي أَرْبَعَةٍ تَكُنْ ثَمَانِيَةً، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ الْمَالُ فِي حَالٍ، وَنِصْفُهُ فِي حَالٍ، فَإِذَا قَسَمْتَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةٍ يَخْرُجُ لَهُ ثَلَاثَةٌ، وَبَقِيَ لِلْعَمِّ اثْنَانِ. (وَلِابْنٍ وَبِنْتٍ نِصْفُهُمَا حُرٌّ مَعَ عَمٍّ) حُرٍّ (خَمْسَةُ أَثْمَانِ الْمَالِ عَلَى ثَلَاثَةٍ) ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ حُرِّيَّتِهِمَا مِنْ ثَلَاثَةٍ وَحُرِّيَّةُ الِابْنِ وَحْدَهُ مِنْ وَاحِدٍ وَكَذَا رِقُّهُمَا، وَمَسْأَلَةُ حُرِّيَّتِهِمَا وَحْدَهَا مِنْ اثْنَيْنِ، فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ، وَاضْرِبْهَا فِي عَدَدِ الْأَحْوَالِ أَرْبَعَةٌ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِلِابْنِ الْمَالُ فِي حَالٍ، وَثُلُثَاهُ فِي حَالٍ، فَاقْسِمْ أَرْبَعِينَ عَلَى أَرْبَعَةٍ يَخْرُجُ لَهُ عَشَرَةٌ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ فِي حَالٍ وَالثُّلُثُ فِي حَالٍ، فَاقْسِمْ عِشْرِينَ عَلَى أَرْبَعَةٍ يَخْرُجُ لَهَا خَمْسَةٌ، وَمَجْمُوعُ عَشَرَةِ الِابْنِ وَخَمْسَةِ الْبِنْتِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَثْمَانِ الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ تِسْعَةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 672 (وَ) ابْنٌ وَبِنْتٌ نِصْفُهُمَا حُرٌّ (مَعَ أُمٍّ) وَعَمٍّ حُرَّيْنِ (فَلَهَا) ؛ أَيْ: الْأُمِّ (السُّدُسُ، وَلِلِابْنِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ أَصْلِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَلِلْبِنْتِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ) وَلِلْعَمِّ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ حُرِّيَّتِهِمَا تَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ لِلْأُمِّ السُّدُسُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلِابْنِ عَشْرَةٌ، وَلِلْبِنْتِ خَمْسَةٌ. وَمَسْأَلَةُ رِقِّهِمَا مِنْ ثَلَاثَةٍ، لِلْأُمِّ وَاحِدٌ، وَلِلْعَمِّ اثْنَانِ. وَمَسْأَلَةُ حُرِّيَّةِ الِابْنِ مِنْ سِتَّةٍ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ حُرِّيَّةِ الْبِنْتِ، وَكُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، فَاضْرِبْهَا فِي أَرْبَعَةٍ عَدَدِ الْأَحْوَالِ تَبْلُغْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ؛ لِلْأُمِّ السُّدُسُ اثْنَا عَشَرَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ نِصْفِ حُرِّيَّةِ الِابْنَيْنِ يَحْجُبُهَا عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ. قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَغَيْرِهِ (وَلِلْأُمِّ مَعَ الِابْنَيْنِ) اللَّذَيْنِ نِصْفُهُمَا حُرٌّ (سُدُسٌ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا رَقِيقَيْنِ كَانَ لَهَا ثُلُثٌ، فَحَجَبَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا بِنِصْفِ حُرِّيَّتِهِ عَنْ نِصْفِ السُّدُسِ (وَلِزَوْجَةٍ) مَعَ ابْنَيْنِ نِصْفُهُمَا حُرٌّ (ثُمُنٌ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا رَقِيقَيْنِ كَانَ لَهَا رُبْعٌ. فَحَجَبَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا بِنِصْفِ حُرِّيَّتِهِ عَنْ نِصْفِ الثُّمُنِ، وَخَالَفَ فِي " الْإِقْنَاعِ " فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، فَجَعَلَ لِلْأُمِّ فِي الْأُولَى سُدُسًا وَرُبْعَ سُدُسٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ لِلزَّوْجَةِ ثُمُنًا وَرُبْعَ ثُمُنٍ تَبَعًا لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ "، وَاخْتَارَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (وَابْنَانِ نِصْفُ أَحَدِهِمَا قِنٌّ، الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا تَنْزِيلًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ حُرِّيَّةِ الْمُبَعَّضِ مِنْ اثْنَيْنِ وَمَسْأَلَةَ رِقِّهِ مِنْ وَاحِدٍ، فَتَضْرِبُ الِاثْنَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ بِأَرْبَعَةٍ، لِلْحُرِّ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَاحِدٌ فِي وَاحِدٍ، وَمِنْ الرِّقِّيَّةِ وَاحِدٌ فِي اثْنَيْنِ، وَمَجْمُوعُهُمَا ثَلَاثَةٌ، وَلِلْمُبَعَّضِ وَاحِدٌ مِنْ الْحُرِّيَّةِ فِي وَاحِدٍ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مَعَ الرِّقِّ (وَ) كَذَلِكَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا (خِطَابًا بِأَحْوَالِهِمَا) بِأَنْ تَقُولَ لَوْ كَانَ الْمُبَعَّضُ حُرًّا لَحَجَبَ أَخَاهُ عَنْ نِصْفِ الْمَالِ، فَنِصْفُهُ يَحْجُبُهُ عَنْ نِصْفِ النِّصْفِ، وَهُوَ رُبْعٌ؛ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، وَتَقُولُ لِلْمُبَعَّضِ لَوْ كُنْت كَامِلَ الْحُرِّيَّةِ لَكَانَ لَك نِصْفُ الْمَالِ؛ فَلَكَ بِنِصْفِ الْحُرِّيَّةِ نِصْفُ النِّصْفِ، وَهُوَ الرُّبْعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 673 (وَإِنْ هَايَأَ مُبَعَّضٌ سَيِّدَهُ، أَوْ قَاسَمَهُ) ؛ أَيْ: سَيِّدَهُ (فِي حَيَاتِهِ فَكُلُّ تَرِكَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُبَعَّضِ (لِوَرَثَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِسَيِّدِهِ مَعَهُ حَقٌّ، وَإِذَا اشْتَرَى الْمُبَعَّضُ مِنْ مَالِهِ الْخَاصِّ بِهِ رَقِيقًا، وَأَعْتَقَهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَيَرِثُهُ وَحْدَهُ حَيْثُ يَرِثُ ذُو الْوَلَاءِ كَذَلِكَ. أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. [فَصْلٌ يُرَدُّ عَلَى كُلِّ ذِي فَرْضٍ بَعْضُهُ حُرٌّ] (فَصْلٌ: وَيُرَدُّ عَلَى) كُلِّ (ذِي فَرْضٍ) بَعْضُهُ حُرٌّ (وَ) يُرَدُّ أَيْضًا عَلَى كُلِّ (عَصَبَةٍ) بَعْضُهُ حُرٌّ (إنْ لَمْ يُصِبْهُ) مِنْ التَّرِكَةِ (بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ مِنْ نَفْسِهِ، لَكِنْ أَيُّهُمَا) ؛ أَيْ: الْعَصَبَةُ أَوْ ذَوُو الْفَرْضِ (اسْتَكْمَلَ بِرَدِّ أَزْيَدَ مِنْ قَدْرِ حُرِّيَّتِهِ مِنْ نَفْسِهِ مُنِعَ) مِنْ (الزِّيَادَةِ) عَلَى قَدْرِ حُرِّيَّتِهِ مِنْ نَفْسِهِ (وَرُدَّ عَلَى غَيْرِهِ إنْ أَمْكَنَ) بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ لَمْ يُصِبْهُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ مِنْ الْمَالِ (وَإِلَّا) يُمْكِنْ ذَلِكَ (فَلِبَيْتِ الْمَالِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مُبَعَّضٌ. (فَلِبِنْتٍ نِصْفُهَا حُرٌّ) وَلَا وَارِثَ مَعَهَا غَيْرُهَا (نِصْفٌ بِفَرْضٍ وَرُدَّ) الرُّبْعُ فَرْضًا، وَالْبَاقِي رَدًّا، وَمَا بَقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ (وَلِابْنٍ مَكَانَهَا) ؛ أَيْ: الْبِنْتِ (النِّصْفُ بِعُصُوبَةٍ وَالْبَاقِي فِيهِمَا) ؛ أَيْ: الْمَسْأَلَتَيْنِ لِذِي الرَّحِمِ إنْ كَانَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا فَهُوَ (لِبَيْتِ الْمَالِ) فِي الصُّورَتَيْنِ. (وَلِابْنَيْنِ نِصْفُهُمَا حُرَّانِ لَمْ نُوَرِّثْهُمَا الْمَالَ كُلَّهُ) بَلْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (الْبَقِيَّةُ) وَهِيَ رُبْعٌ رَدًّا (مَعَ عَدَمِ عَصَبَةٍ) غَيْرِهِمَا، فَيَأْخُذُ كُلٌّ مِنْهُمَا النِّصْفَ تَعْصِيبًا وَرَدًّا (وَلِبِنْتٍ وَجَدَّةٍ نِصْفُهُمَا حُرٌّ الْمَالُ نِصْفَانِ بِفَرْضٍ وَرَدٍّ، وَلَا يُرَدُّ هُنَا) ؛ أَيْ: فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَشِبْهِهَا (عَلَى قَدْرِ فَرْضَيْهِمَا؛ لِئَلَّا يَأْخُذَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ فَوْقَ نِصْفِ التَّرِكَةِ) وَهُوَ مَمْنُوعٌ (وَمَعَ حُرِّيَّةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِمَا؛ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا) فَيُرَدُّ عَلَيْهِمَا (بِقَدْرِ فَرْضَيْهِمَا؛ لِفَقْدِ الزِّيَادَةِ الْمُمْتَنِعَةِ) ؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ لَمْ تَزِدْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ، وَهِيَ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهَا (وَ) يَكُونُ لِبِنْتٍ وَجَدَّةٍ (مَعَ حُرِّيَّةِ ثُلُثِهِمَا الثُّلُثَانِ) بَيْنَهُمَا (بِالسَّوِيَّةِ، وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ) لِئَلَّا يَأْخُذَ مَنْ ثُلُثُهُ حُرٌّ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 674 [بَابُ الْوَلَاءِ] ِ (الْوَلَاءُ) : أَيْ: بَابٌ لِمِيرَاثٍ بِالْوَلَاءِ وُجُوهٌ وَرُدُودٌ. الْوَلَاءُ لَا يُوَرَّثُ، وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِيرَاثِ هُنَا الْوَلَاءُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يُتَوَارَثُ بِهَا وَالْوَلَاءُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ مَمْدُودٌ - وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْمِلْكُ، وَفِي الشَّرْعِ (ثُبُوتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ) ؛ أَيْ: عُصُوبَةٍ ثَابِتَةٍ (بِعِتْقٍ أَوْ تَعَاطِي سَبَبِهِ) وَمَعْنَاهُ إذَا أَعْتَقَ رَقِيقًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا صَارَ لَهُ عَصَبَةٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ التَّعْصِيبِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ مِنْ النَّسَبِ كَالْمِيرَاثِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْعَقْلِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] يَعْنِي الْأَدْعِيَاءَ مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ الْوَلَاءُ عَنْ النَّسَبِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَفِيهِ: «لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» . شَبَّهَهُ بِالنَّسَبِ وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَحْرَمِيَّةُ، وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا، بِخِلَافِ الْوَلَاءِ. (فَمَنْ أَعْتَقَ قِنًّا أَوْ) أَعْتَقَ (بَعْضَهُ فَسَرَى) الْعِتْقُ (لِبَاقِيهِ) فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ (أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ) قِنٌّ (بِرَحِمٍ) كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ إذَا مَلَكَهُ (أَوْ) عَتَقَ عَلَيْهِ بِ (عِوَضٍ) بِأَنْ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ، فَعَتَقَ عَلَيْهِ؛ فَلَهُ وَلَاؤُهُ نَصًّا، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً وَنَحْوَهُ (أَوْ) عَتَقَ عَلَيْهِ؛ بِ (كِتَابَةٍ) بِأَنْ كَاتَبَهُ فَأَدَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 675 مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ؛ عَتَقَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى سَيِّدِهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِكِتَابَتِهِ، وَهِيَ مِنْ سَيِّدِهِ (أَوْ) عَتَقَ عَلَيْهِ بِ (تَدْبِيرٍ) بِأَنْ قَالَ: إذَا مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَمَاتَ، وَخَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ (أَوْ) عَتَقَ عَلَيْهِ بِ (إيلَادٍ) كَأُمِّ وَلَدِهِ (أَوْ) عَتَقَ عَلَيْهِ بِ (وَصِيَّةٍ) بِأَنْ وَصَّى بِعِتْقِهِ، فَنُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ، وَكَذَا إنْ وَصَّى بِعِتْقِهِ، وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي، وَبِتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ، فَوُجِدَتْ، أَوْ حَلَفَ السَّيِّدُ بِعِتْقِهِ، فَحَنِثَ، أَوْ بِتَمْثِيلٍ بِهِ (فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ) لِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ التَّعْصِيبِ) الْمَذْكُورَةِ (وَ) لَهُ أَيْضًا الْوَلَاءُ (عَلَى أَوْلَادِهِ) ؛ أَيْ: الْعَتِيقِ (مِنْ زَوْجَةٍ عَتِيقَةٍ) لِمُعْتَقِهِ أَوْ غَيْرِهِ (وَ) عَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ (سُرِّيَّةٍ وَ) لَهُ الْوَلَاءُ (عَلَى مَنْ لَهُ) ؛ أَيْ: الْعَتِيقِ وَلَاؤُهُ (أَوْ لَهُمْ) ؛ أَيْ: لِأَوْلَادِ الْعَتِيقِ مِمَّنْ سَبَقَهُ (وَإِنْ سَفَلُوا وَلَاؤُهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ نِعْمَتِهِمْ، وَبِسَبَبِهِ عَتَقُوا، وَلِأَنَّهُمْ فَرْعُهُ، وَالْفَرْعُ يَتْبَعُ أَصْلَهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَ عِتْقَهُمْ، وَسَوَاءٌ الْحَرْبِيُّ وَغَيْرُهُ، فَلَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيًّا؛ فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَإِذَا جَاءَ الْمُعْتَقُ مُسْلِمًا فَالْوَلَاءُ بِحَالِهِ، وَأَنَّهُ وَإِنْ سُبِيَ الْمُعْتَقُ لَمْ يَرِثْ مَا دَامَ عَبْدًا، فَإِذَا أُعْتِقَ؛ فَعَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ، وَلَهُ الْوَلَاءُ عَلَى عِتْقِهِ، وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ (حَتَّى لَوْ) كَانَ (أَعْتَقَهُ سَائِبَةً كَ) قَوْلِهِ: (أَعْتَقْتُك سَائِبَةً أَوْ) قَالَ: أَعْتَقْتُك وَ (لَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك) لِعُمُومِ حَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَزُولُ نَسَبُ إنْسَانٍ وَلَا وَلَدٍ عَنْ فِرَاشٍ بِشَرْطٍ لَا يَزُولُ وَلَاءٌ عَنْ عَتِيقٍ بِهِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا أَرَادَ أَهْلُ بَرِيرَةَ اشْتِرَاطَ وَلَائِهَا عَلَى عَائِشَةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اشْتَرِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . يُرِيدُ أَنَّ اشْتِرَاطَ تَحْوِيلِ الْوَلَاءِ عَنْ الْمُعْتَقِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا. وَرَوَى مُسْلِمٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إنِّي أَعْتَقْت عَبْدًا لِي، وَجَعَلْته سَائِبَةً، فَمَاتَ، وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ لَا يُسَيِّبُونَ، وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُسَيِّبُونَ، وَأَنْتَ وَلِيُّ نِعْمَتِهِ، فَإِنْ تَأَثَّمْت وَتَحَرَّجْتَ مِنْ شَيْءٍ فَنَحْنُ نَقْبَلُهُ، وَنَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (أَوْ) أَعْتَقَهُ (فِي زَكَاتِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 676 أَوْ) فِي (نَذْرِهِ أَوْ) فِي (كَفَّارَتِهِ) فَلَهُ وَلَاؤُهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ مُعْتَقٌ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَنْ أَعْتَقَهُ سَاعٍ مِنْ زَكَاةٍ، فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ (إلَّا إذَا أَعْتَقَ مُكَاتَبٌ) بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (رَقِيقًا) فَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ دُونَ الْمُعْتِقِ (أَوْ كَاتَبَهُ) ؛ أَيْ: كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ رَقِيقًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (فَأَدَّى) الثَّانِي مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَوَّلِ (فَ) الْوَلَاءُ (لِلسَّيِّدِ) فِيهِمَا؛؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَالْآلَةِ لِلْعِتْقِ؛؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ وَلِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الرِّقِّ؛ فَلَيْسَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ (وَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُ) ؛ أَيْ: أَنْ يُعْتِقَ الْمَكَاتِبُ أَوْ يُكَاتِبَ (بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ. (وَلَا يَنْتَقِلُ وَلَاءٌ بِبَيْعٍ) لِ (مُكَاتَبٍ) مَأْذُونٍ لَهُ فِي الْعِتْقِ (وَ) لَا بِ (عِتْقِهِ) ؛ أَيْ: عِتْقِ الْمُكَاتَبِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَلَوْ كَانَ عِتْقُهُ إيَّاهُ (عِنْدَ مُشْتَرِيهِ) ؛ أَيْ: لِمُكَاتَبٍ، بَلْ يَبْقَى وَلَاؤُهُ لِمَنْ أَذِنَ فِي عِتْقِهِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: مَنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي عِتْقِ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ؛ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَاهُ الْأَوَّلُ (وَيَرِثُ ذُو وَلَاءٍ بِهِ) ؛ أَيْ: بِالْوَلَاءِ (عِنْدَ عَدَمِ نَسِيبٍ وَارِثٍ) مُسْتَغْرِقٍ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . وَتَقَدَّمَ (ثُمَّ) يَرِثُ بِوَلَاءٍ (عَصَبَتُهُ) أَيْ: الْمُعْتَقِ (بَعْدَهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) نَسَبًا كَابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ وَأَخٍ وَعَمٍّ لِغَيْرِ أُمٍّ ذَكَرًا كَانَ الْمُعْتَقُ أَوْ أُنْثَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ؛ فَالْمِيرَاثُ لِمَوْلَى الْمُعْتَقِ أَوْ لِعَصَبَتِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبِ كَذَلِكَ ثُمَّ لِمَوْلَى الْمَوْلَى، ثُمَّ عَصَبَتِهِ كَذَلِكَ أَبَدًا اتِّفَاقًا؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ: " أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقْتَ عَبْدًا لَهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، وَتَرَكَتْ ابْنًا لَهَا وَأَخَاهَا ثُمَّ تُوُفِّيَ مَوْلَاهَا مِنْ بَعْدِهَا، فَأَتَى أَخُو الْمَرْأَةِ وَابْنُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِيرَاثِهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ أَخُوهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ جَرَّ جَرِيرَةً كَانَتْ عَلَيَّ، وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ لِهَذَا؟ ، قَالَ: نَعَمْ» . [فَائِدَة أَعْتَقَ كَافِر مُسْلِمًا فخلف الْمُسْلِم الْعَتِيق ابنا لِسَيِّدِهِ كَافِرًا وعما مُسْلِمًا] (فَائِدَةٌ) : لَوْ أَعْتَقَ كَافِرٌ مُسْلِمًا، فَخَلَّفَ الْمُسْلِمُ الْعَتِيقُ ابْنًا لِسَيِّدِهِ كَافِرًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 677 وَعَمًّا لِسَيِّدِهِ مُسْلِمًا، فَمَالُ الْعَتِيقِ لِابْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ عَمِّهِ، وَمُخَالَفَتُهُ لَهُ فِي الدِّينِ غَيْرُ مَانِعَةٍ لِإِرْثِهِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرُّ الْأَصْلِ أَمَةً، فَعَتَقَ وَلَدُهَا عَلَى سَيِّدِهَا بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ، بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ؛ فَلِسَيِّدِهَا وَلَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ. (وَمَنْ لَمْ يَمَسُّهُ عِتْقٌ، وَأَحَدُ أَبَوَيْهِ عَتِيقٌ، وَالْآخَرُ حُرُّ الْأَصْلِ) كَأَنْ تَزَوَّجَ حُرُّ الْأَصْلِ بِعَتِيقَةٍ، أَوْ عَتِيقٌ بِحُرَّةِ الْأَصْلِ (أَوْ) كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ عَتِيقًا وَالْآخَرُ (مَجْهُولَ النَّسَبِ؛ فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَوْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ تَبِعَهَا وَلَدُهَا لَوْ كَانَ أَبُوهُ رَقِيقًا فِي انْتِقَاءِ الرِّقِّ؛ فَفِي انْتِقَاءِ الْوَلَاءِ وَحْدَهُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْوَالِدُ حُرَّ الْأَصْلِ؛ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهُ أَنْ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، بِحَيْثُ يَصِيرُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمَوْلَى أَبِيهِ؛ فَلَأَنْ يَتْبَعُهُ فِي سُقُوطِ الْوَلَاءِ عَنْهُ أَوْلَى، وَمَجْهُولُ النَّسَبِ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ أَشْبَهَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ، وَالْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّينَ الْحُرِّيَّةُ وَعَدَمُ الْوَلَاءِ؛ فَلَا يُتْرَكُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ بِالْوَهْمِ كَمَا لَمْ يُتْرَكْ فِي حَقِّ الْأَبِ. (وَمَنْ أَعْتَقَ قِنَّهُ عَنْ) مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ (حَيٍّ بِأَمْرِهِ) لَهُ بِإِعْتَاقِهِ (فَوَلَاؤُهُ لِمُعْتَقٍ عَنْهُ) كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ (وَ) إنْ أَعْتَقَهُ عَنْ حَيٍّ (بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: أَمْرِهِ لَهُ فَلِمُعْتِقٍ (أَوْ) أَعْتَقَ رَقِيقَهُ (عَنْ مَيِّتٍ فَ) وَلَاؤُهُ (لِمُعْتِقٍ) لِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَلِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ مُعْتَقٍ عَنْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ غَيْرَهُ، وَالثَّوَابُ لِمُعْتَقٍ عَنْهُ (إلَّا مَنْ أَعْتَقَهُ وَارِثٌ) أَوْ وَصِيٌّ (عَنْ مَيِّتٍ لَهُ تَرِكَةٌ فِي وَاجِبٍ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتِ، كَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ أَوْ وَطْءٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةِ قَتْلٍ (فَ) يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْوَلَاءُ (لِلْمَيِّتِ) لِمَكَانِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَهُوَ احْتِيَاجُ الْمَيِّتِ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ؛ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ كَالنَّائِبِ عَنْ الْمَيِّتِ فِي أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ، فَكَأَنَّ الْعِتْقَ مِنْهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَنَحْوَهَا لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الدُّخُولُ فِي مِلْكِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ. (وَيَصِحُّ عِتْقُهُ) ؛ أَيْ: الْوَارِثِ عَنْ الْمَيِّتِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، كَمَا لَوْ كَفَّرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 678 عَنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ الْمَيِّتُ بِالْعِتْقِ (وَلَوْ) كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَنْ يَمِينٍ (لَمْ يَتَعَيَّنْ) الْعِتْقُ، وَلَهُ الْإِطْعَامُ وَالْكِسْوَةُ. (وَإِنْ تَبَرَّعَ) وَارِثٌ (بِعِتْقِهِ) عَنْ الْمَيِّتِ فِي وَاجِبٍ عَلَيْهِ (وَلَا تَرِكَةَ) لِلْمَيِّتِ (أَجْزَأَ) الْعِتْقُ عَنْهُ (كَ) مَا لَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِإِطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِمَا (أَجْنَبِيٌّ) بِعِتْقٍ أَجْزَأَ كَقَضَائِهِ عَنْهُ دَيْنًا. (وَلِمُتَبَرِّعٍ) وَارِثٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِعِتْقٍ (الْوَلَاءُ) عَلَى الْعَتِيقِ (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ: إنْ أَوْصَى بِهِ فَالْوَلَاءُ لَهُ، وَإِلَّا فَلِلْمُعْتِقِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَأَبِي طَالِبٍ (فِي الرَّجُلِ يَعْتِقُ عَنْ الرَّجُلِ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ، وَالْأَجْرُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ وَ) إذَا قَالَ إنْسَانٌ لِآخَرَ: (اعْتِقْ عَبْدَك) أَوْ أَمَتَك (عَنِّي) فَقَطْ (أَوْ) قَالَ لَهُ: اعْتِقْ عَبْدَك أَوْ أَمَتَك (عَنِّي مَجَّانًا، أَوْ) قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي (وَثَمَنُهُ عَلَيَّ؛ فَلَا) يَجِبُ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: مَالِكِ الرَّقِيقِ (أَنْ يُجِيبَهُ) ؛ أَيْ: السَّائِلَ إلَى عِتْقِ رَقِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ أَعْتَقَ الْمَقُولُ لَهُ الرَّقِيقَ الَّذِي قَالَ لَهُ: أَعْتِقْهُ (وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِهِ) ؛ أَيْ: مُفَارِقَتِهِ الْمَجْلِسَ (عَتَقَ، وَالْوَلَاءُ) عَلَيْهِ (لِمُعْتَقٍ عَنْهُ) كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَطْعِمْ عَنِّي أَوْ اُكْسُ عَنِّي (وَ) لَا (يَلْزَمُ) ؛ أَيْ: الْقَائِلَ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي (ثَمَنُهُ) ؛ أَيْ: الْعَتِيقِ إلَّا (بِالْتِزَامِهِ) بِأَنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، وَصَحَّ: كُلَّمَا أَعْتَقْتَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِك؛ فَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْعَدَدَ وَالثَّمَنَ. ذَكَرَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " فِي الْإِجَارَةِ. (وَيُجْزِئُهُ) ؛ أَيْ: الْقَائِلَ هَذَا الْمُعْتَقُ (عَنْ وَاجِبٍ) عَلَيْهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، وَالْمُرَادُ إذَا نَوَاهُ (مَا لَمْ يَكُنْ) الْعَتِيقُ (قَرِيبَهُ) ؛ أَيْ: مِنْ ذِي رَحِمِ الْقَائِلِ الْمَحْرَمِ لَهُ؛ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاجِبٍ، وَيَأْتِي فِي الْكَفَّارَاتِ. (وَ) إنْ قَالَ لِمَالِكِ رَقِيقٍ: (أَعْتِقْهُ وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ) وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي (أَوْ زَادَ عَنْك) بِأَنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنْك، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ (فَفَعَلَ) ؛ أَيْ: أَعْتَقَهُ (عَتَقَ، وَلَزِمَ قَائِلًا ثَمَنُهُ) ؛ أَيْ: قِيمَتُهُ لَا ثَمَنُهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا مَعْلُومًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 679 بَيْنَهُمَا؛ فَيَصِحُّ لِعِلْمِهِ مَا جُعِلَ عَلَيْهِ. أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (وَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعْتَاقِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَقْصِدْهُ بِهِ الْمُعْتِقُ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي صَرْفَهُ إلَيْهِ، فَبَقِيَ لِلْمُعْتِقِ؛ لِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . (وَيُجْزِئُهُ) ؛ أَيْ: الْمُعْتِقَ هَذَا الْعِتْقُ (عَنْ وَاجِبٍ) عَلَيْهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ. (وَلَوْ قَالَ) لِمَالِكِ قِنٍّ: (اُقْتُلْهُ عَلَى كَذَا فَلَغْوٌ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مُحَرَّمٍ. (وَإِنْ قَالَ كَافِرٌ) لِشَخْصٍ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ: (اعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَفَعَلَ) ؛ أَيْ: أَعْتَقَهُ عَنْ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ زَمَنًا يَسِيرًا، وَلَا يَتَسَلَّمُهُ، فَاغْتُفِرَ هَذَا الضَّرَرُ الْيَسِيرُ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِلْأَبَدِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا نَفْعٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بِهَا يَصِيرُ مُتَهَيِّئًا لِلطَّاعَاتِ وَكَمَالِ الْقُرُبَاتِ (وَوَلَاؤُهُ لِلْكَافِرِ) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ كَالنَّائِبِ عَنْهُ (وَيَرِثُ) الْكَافِرُ (بِهِ) ؛ أَيْ: بِالْوَلَاءِ مِنْ الْمُعْتَقِ الْمُسْلِمِ (وَكَذَا كُلُّ مَنْ بَايَنَ دِينَ مُعْتِقِهِ) لِعُمُومِ حَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَرُوِيَ إرْثُ الْكَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِ بِالْوَلَاءِ عَنْ عَلِيٍّ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ: الْوَلَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الرِّقِّ، فَلَمْ يَضُرَّ تَخَالُفُ الدِّينِ، بِخِلَافِ الْإِرْثِ بِالنَّسَبِ. [فَصْلٌ لَا يَرِثُ نِسَاءٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مَنْ أَعْتَقْنَ] (فَصْلٌ) : (وَلَا يَرِثُ نِسَاءٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مَنْ أَعْتَقْنَ) ؛ أَيْ: مَنْ بَاشَرْنَ عِتْقَهُ (أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ) ؛ أَيْ: عَتِيقُ مَنْ بَاشَرْنَ عِتْقَهُ (أَوْ) مَنْ (كَاتَبْنَ) فَأَدَّى، وَعَتَقَ (أَوْ) مَنْ (كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ) ؛ أَيْ: مُكَاتَبُ مَنْ كَاتَبَهُ النِّسَاءُ إذَا أَدَّى وَعَتَقَ (وَأَوْلَادُهُمْ) ؛ أَيْ: أَوْلَادُ مَنْ تَقَدَّمَ أَنَّ لَهُنَّ وَلَاءَهُ مِنْ أَمَةٍ أَوْ عَتِيقَةٍ (وَمَنْ جَرَوْا) ؛ أَيْ: مَعَاتِيقُهُنَّ وَأَوْلَادَهُنَّ (وَلَاءَهُ) بِعِتْقِهِمْ إيَّاهُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «مِيرَاثُ الْوَلَاءِ لِلْكُبْرِ مِنْ الذُّكُورِ وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا وَلَاءَ مَنْ أَعْتَقْنَ» . وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ شُبِّهَ بِالنَّسَبِ، وَالْمَوْلَى الْعَتِيقُ مِنْ الْمَوْلَى الْمُنْعِمِ بِمَنْزِلَةِ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ، فَوَلَدُهُ مِنْ الْعَتِيقِ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ أَخِيهِ أَوْ وَلَدِ عَمِّهِ، وَلَا يَرِثُ مِنْهُمْ إلَّا الذُّكُورُ خَاصَّةً، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 680 وَأَمَّا إرْثُ الْمَرْأَةِ مِنْ عَتِيقِهَا وَعَتِيقِهِ، وَمُكَاتَبِهَا وَمُكَاتَبِهِ، فَبِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا مُنْعِمَةٌ بِالْإِعْتَاقِ كَالرَّجُلِ، فَوَجَبَ أَنْ تُسَاوِيَهُ فِي الْإِرْثِ. (وَمَنْ نَكَحَتْ عَتِيقَهَا) وَحَمَلَتْ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ (فَهِيَ الْقَائِلَةُ: إنْ أَلِدُ أُنْثَى؛ فَلِيَ النِّصْفُ) لِأَنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ، وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنَ، وَالْبَاقِي لَهَا تَعْصِيبًا (و) إنْ أَلِدُ (ذَكَرًا فَ) لِي (الثُّمُنُ) لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ مَعَ ابْنٍ، وَلَا تَرِثُ بِالْوَلَاءِ مَعَ الْعَصَبَةِ مِنْ النَّسَبِ (وَإِنْ لَمْ أَلِدْ فَ) لِي (الْجَمِيعُ) لِأَنَّهَا تَرِثُ الرُّبُعَ فَرْضًا، وَالْبَاقِيَ تَعْصِيبًا (وَلَا يَرِثُ بِهِ) ؛ أَيْ: الْوَلَاءِ (ذُو فَرْضٍ غَيْرَ أَبٍ) لَمُعْتِقٍ مَعَ ابْنِهِ (وَجَدٍّ) لَمُعْتِقٍ (مَعَ ابْنٍ) لَهُ، أَوْ ابْنِ ابْنٍ وَإِنْ نَزَلَ؛ فَيَرِثُ كُلٌّ مِنْهُمَا (سُدُسًا وَ) غَيْرَ (جَدٍّ) لَمُعْتِقٍ وَإِنْ عَلَا (مَعَ إخْوَةٍ) ذُكُورًا إذَا اجْتَمَعُوا، فَيَرِثُ الْجَدُّ مَعَهُمْ (ثُلُثًا) كَامِلًا (إنْ كَانَ) الثُّلُثُ (أَحَظَّ لَهُ) ؛ أَيْ: الْجَدِّ بِأَنْ زَادَ الْإِخْوَةُ عَلَى مِثْلَيْهِ، وَإِلَّا قَاسَمَهُمْ كَأَخٍ نَصًّا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ؛ فَالْأَحَظُّ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي أَوْ سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ نَقَصَ الْإِخْوَةُ عَنْ اثْنَيْنِ؛ قَاسَمَهُمْ، وَكَذَا بَقِيَّةُ مَسَائِلِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ. (وَتَرِثُ عَصَبَةُ مُلَاعَنَةٍ عَتِيقَ ابْنِهَا) لِأَنَّ عَصَبَةَ أُمِّهِ هِيَ عَصَبَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى إنْ) مَاتَ الْعَتِيقُ، وَلَمْ يَتْرُكْ عَصَبَةً مِنْ النَّسَبِ وَلَا ذَا فَرْضٍ وَ (لَمْ يَكُنْ لَلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ) مِنْ النَّسَبِ وَلَا مِنْ الْوَلَاءِ (وَرِثَهُ الرِّجَالُ ذَوُو أَرْحَامِ مُعْتِقِهِ) دُونَ نِسَائِهِمْ (فَإِنْ فُقِدُوا) ؛ أَيْ: الرِّجَالُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِ مُعْتِقِهِ (فَ) يَكُونُ مِيرَاثُهُ (لِبَيْتِ الْمَالِ) يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ (كَمَا لَوْ خَلَّفَ) الْعَتِيقُ (بِنْتَ مُعْتِقِهِ وَ) خَلَّفَ (مُعْتِقَ أَبِيهِ فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَهُ، يَعْنِي لَمْ تَكُنْ حُرِّيَّتُهُ بِإِعْتَاقِ مُعْتِقٍ، بَلْ كَانَتْ بِتَبَعِيَّةِ أَبِيهِ؛ فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ مِنْ جِهَةِ مُبَاشَرَتِهِ بِالْعِتْقِ؛ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِ أَبِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِمَوْلَاهُ إلَّا بِنْتٌ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَصَبَةً، وَإِنَّمَا يَرِثُ عَصَبَاتُ الْمَوْلَى؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصْبَةٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَى مُعْتَقِ أَبِيهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْعَتِيقِ حَصَلَتْ بِإِعْتَاقِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 681 مُعْتِقِ أَبِيهِ، أَوْ بِإِعْتَاقِ أَبِي الْمُعْتِقِ؛ فَمِيرَاثُهُ لِمُعْتِقِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُعْتِقُهُ أَوْ ابْنُ مُعْتِقِ أَبِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِعَصْبَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةً؛ فَلِمُعْتِقِ مُعْتِقِ أَبِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَرْجِعُ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِ جَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعْتِقًا وَلَا مُعْتِقَ مُعْتِقٍ، وَلَا عَصْبَةَ مُعْتِقٍ أَفَادَهُ فِي " الْمُغْنِي ". [تَتِمَّةٌ تَزَوَّجَ عَبْدٌ حُرَّةَ الْأَصْلِ فَأَوْلَدَهَا وَلَدًا ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ وَمَاتَ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ] (تَتِمَّةٌ) : إذَا تَزَوَّجَ عَبْدٌ حُرَّةَ الْأَصْلِ، فَأَوْلَدَهَا وَلَدًا، ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ وَمَاتَ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ، فَلَا مِيرَاثَ لِمُعْتِقِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ ابْنَتَانِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ اشْتَرَتْ إحْدَاهُمَا أَبَاهَا، فَعَتَقَ عَلَيْهَا؛ فَلَهَا وَلَاؤُهُ، وَلَيْسَ لَهَا وَلَاءٌ عَلَى أُخْتِهَا، فَإِذَا مَاتَ أَبُوهُمَا؛ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بِالنَّسَبِ، وَلَهَا الْبَاقِي بِالْوَلَاءِ، فَإِذَا مَاتَتْ أُخْتُهَا فَلَهَا نِصْفُ مِيرَاثِهَا بِالنَّسَبِ، وَبَاقِيهِ لِعَصَبَتِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَصَبَةٌ؛ فَالْبَاقِي لِأُخْتِهَا بِالرَّدِّ، وَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهَا بِالْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا وَلَاءَ عَلَيْهَا. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي ". (وَلَا يُبَاعُ وَلَاءٌ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُوقَفُ وَلَا يُوصَى بِهِ) لِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ مَعْنًى يُورَثُ بِهِ؛ فَلَا يَنْتَقِلُ كَالْقَرَابَةِ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَ مَوَالِيهِ، وَلَوْ بِإِذْنِهِمْ (وَلَا يُورَثُ) الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْمُعْتِقِ بِمَوْتِهِ (وَإِنَّمَا يَرِثُ بِهِ) ؛ أَيْ: الْوَلَاءِ (أَقْرَبُ عَصَبَةِ السَّيِّدِ) ؛ أَيْ: الْمُعْتِقِ (إلَيْهِ يَوْمَ مَوْتِ عَتِيقِهِ وَهُوَ) ؛ أَيْ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (الْمُرَادُ بِالْكُبْرِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَذْكُورِ (فِي حَدِيثِ) عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ السَّابِقِ وَهُوَ «مِيرَاثُ الْوَلَاءِ لِلْكُبْرِ مِنْ الذُّكُورِ» ، فَلَوْ مَاتَ سَيِّدٌ) ؛ أَيْ: مُعْتِقٌ (عَنْ ابْنَيْنِ، ثُمَّ) مَاتَ (أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الِابْنَيْنِ (عَنْ ابْنٍ، ثُمَّ مَاتَ عَتِيقُهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ (فَإِرْثُهُ لِابْنِ سَيِّدِهِ) دُونَ ابْنِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْكُبْرِ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ إلَيْهِ. (وَلَوْ مَاتَا) ؛ أَيْ: ابْنَا السَّيِّدِ (قَبْلَ الْعَتِيقِ، وَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الِابْنَيْنِ (ابْنًا) وَاحِدًا (وَ) خَلَّفَ الِابْنُ (الْآخَرُ أَكْثَرَ) مِنْ ابْنٍ كَتِسْعَةٍ (ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ؛ فَإِرْثُهُ) بَيْنَهُمْ (عَلَى عَدَدِهِمْ) كَإِرْثِهِمْ جَدَّهُمْ بِالنَّسَبِ، فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 682 فِي الْمِثَالِ عُشْرُ التَّرِكَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ إذْ الْوَلَاءُ لَا يُورَثُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا يَرِثُونَ بِهِ كَمَا يَرِثُونَ بِالنَّسَبِ؛ لِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَعَصَبَةُ السَّيِّدِ إنَّمَا يَرِثُونَ الْعَتِيقَ بِوَلَاءِ مُعْتِقِهِ لَا نَفْسَ الْوَلَاءِ (وَلَوْ اشْتَرَى أَخٌ وَأُخْتُهُ أَبَاهُمَا) أَوْ اشْتَرَيَا أَخَاهُمَا وَنَحْوَهُ، وَعَتَقَ عَلَيْهِمَا بِالْمِلْكِ (فَمَلَكَ) الْأَبُ أَوْ الْأَخُ وَنَحْوُهُ (قِنًّا، فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ مَاتَ) الْأَبُ أَوْ الْأَخُ وَنَحْوُهُ (ثُمَّ) مَاتَ (الْعَتِيقُ، وِرْثُهُ الِابْنُ) أَوْ الْأَخُ وَنَحْوُهُ (بِالنَّسَبِ دُونَ أُخْتِهِ) لِكَوْنِهِ عَصَبَةَ الْمُعْتِقِ، فَقُدِّمَ عَلَى مَوْلَاهُ، بِخِلَافِ أُخْتِهِ فَلَا تَرِثُ مِنْهُ (بِالْوَلَاءِ وَغَلِطَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": (وَيُرْوَى عَنْ مَالِكٍ) أَنَّهُ قَالَ: (سَأَلْت عَنْهَا سَبْعِينَ قَاضِيًا) مِنْ قُضَاةِ الْعِرَاقِ (فَأَخْطَئُوا) فِيهَا (وَلَوْ مَاتَ الِابْنُ) الْمَذْكُورُ (وَيَتَّجِهُ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا عَصَبَةَ لَهُ) ؛ أَيْ: الِابْنِ؛ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ عَصَبَةٌ؛ لَحَازَ التَّرِكَةَ، كَمَا لَا يَخْفَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (ثُمَّ) مَاتَ (الْعَتِيقُ وَرِثَتْ) بِنْتُ مُعْتِقِ الْعَتِيقِ وَمَوْلَاتُهُ وَنَحْوُهَا (مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْعَتِيقِ بِالْوَلَاءِ (بِقَدْرِ عِتْقِهَا مِنْ الْأَبِ) أَوْ الْأَخِ وَنَحْوِهِ الَّذِي هُوَ مُعْتَقُ الْعَتِيقِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ (وَالْبَاقِي) مِنْ تَرِكَةِ عَتِيقِ عَتِيقِهَا يَكُونُ (بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُعْتِقِ أُمِّهَا إنْ كَانَتْ) أُمُّهَا (عَتِيقَةً) وَلَوْ قَالَ: وَبَيْنَ مُعْتِقِ أُمِّهِمَا أَوْ أُمِّهِ؛ أَيْ: الِابْنِ لَكَانَ أَوْلَى، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ أُمُّ الِابْنِ وَالْبِنْتِ عَتِيقَةً وَأَبُوهُمَا عِنْدَ وِلَادَتِهِمَا رَقِيقًا، فَلَمَّا اشْتَرَيَا أَبَاهُمَا سَوِيَّةً، وَعَتَقَ عَلَيْهَا انْجَرَّ لِلِابْنِ بِعِتْقِهِ نِصْفَ أَبِيهِ نِصْفُ وَلَاءِ أُخْتِهِ فَقَطْ، دُونَ نِصْفِ نَفْسِهِ، كَمَا لَا يَرِثُ نَفْسَهُ، وَانْجَرَّ لِلْبِنْتِ نِصْفُ وَلَاءِ أَخِيهَا كَذَلِكَ، فَيَنْجَرُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَلَاءِ الْآخَرِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبِ، وَبَاقِي وَلَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَاقٍ لِمَوْلَى الْأُمِّ بِحَالِهِ، فَلَمَّا مَاتَ الْأَبُ وَالِابْنُ، ثُمَّ عَتِيقُ الْأَبِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 683 وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْبِنْتُ وَمُعْتِقُ الْأُمِّ، كَانَ نِصْفُ وَلَاءِ عَتِيقِ الْأَبِ لِلْبِنْتِ؛ لِعِتْقِهَا لِنِصْفِ الْأَبِ الْمُعْتَقِ لَهَا لَهُ، وَنِصْفُ وَلَائِهِ الْبَاقِي لِلِابْنِ؛ لِعِتْقِهِ أَيْضًا لِنِصْفِ الْأَبِ الْمُعْتَقِ لَهُ، فَحَيْثُ كَانَ الِابْنُ مَيِّتًا كَانَ هَذَا النِّصْفُ لِمَنْ لَهُ وَلَاءُ الِابْنِ، أَعْنِي الْبِنْتَ وَمَوْلَى الْأُمِّ، فَإِنَّ وَلَاءَ الِابْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِمَا عَلِمْت مِنْ انْجِرَارِ نِصْفِ وَلَائِهِ لِلْبِنْتِ، وَبَقَاءِ نِصْفِهِ الْآخَرِ لِمَوْلَى الْأُمِّ، هَذَا مُقْتَضَى مَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ. وَلَوْ اشْتَرَيَا أَخَاهُمَا، فَعَتَقَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، وَمَاتَ الْأَخُ الْمُعْتَقُ قَبْلَ مَوْتِ الْعَبْدِ، وَخَلَّفَ ابْنَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ، فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْأَخِ دُونَ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ أَخِي الْمُعْتِقِ، فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ الْأَخُ إلَّا بِنْتَهُ؛ فَنِصْفُ مَالِ الْعَبْدِ لِلْأُخْتِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةٌ نِصْفَ مُعْتَقِهِ، وَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الْأَخِ، وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ. (وَمَنْ خَلَّفَتْ ابْنًا وَعَصَبَةً) مِنْ إخْوَةٍ وَأَعْمَامٍ (وَلَهَا عَتِيقٌ فَوَلَاؤُهُ) ؛ أَيْ: الْعَتِيقِ (وَإِرْثُهُ لِابْنِهَا) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عَصَبَتِهَا (إنْ لَمْ يَحْجُبْهُ) ؛ أَيْ: ابْنَهَا (نَسِيبٌ) لِلْعَتِيقِ (وَعَقْلُهُ) ؛ أَيْ: الْعَتِيقِ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الِابْنِ (وَعَلَى عَصَبَتِهَا، فَإِذَا بَادَ) ؛ أَيْ: انْقَرَضَ (بَنُوهَا، وَإِنْ سَفَلُوا فَ) وَلَاءُ عَتِيقِهَا (لِعَصِبَتِهَا) الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ (دُونَ عَصَبَةِ بَنِيهَا) لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ؛ لِمَا رَوَى إبْرَاهِيمُ قَالَ: اخْتَصَمَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ فِي مَوْلَى صَفِيَّةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَوْلَى عَمَّتِي، وَأَنَا أَعْقِلُ عَنْهُ، وَقَالَ الزُّبَيْرُ: مَوْلَى أُمِّي وَأَنَا أَرِثُهُ، فَقَضَى عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ بِالْعَقْلِ، وَقَضَى لِلزُّبَيْرِ بِالْمِيرَاثِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَضَى بِوَلَاءِ صَفِيَّةَ لِلزُّبَيْرِ دُونَ الْعَبَّاسِ، وَقَضَى بِوَلَاءِ أُمِّ هَانِئٍ لِجَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ دُونَ عَلِيٍّ، وَلَا يَمْتَنِعُ كَوْنُ الْعَقْلِ عَلَى الْعَصَبَةِ، وَالْمِيرَاثُ لِغَيْرِهِمْ؛ كَمَا «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِيرَاثِ الْمَرْأَةِ الَّتِي قُتِلَتْ هِيَ وَجَنِينُهَا لِبِنْتِهَا، وَعَقْلُهَا عَلَى الْعَصَبَةِ» . (فَائِدَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى حَيًّا، وَهُوَ رَجُلٌ عَاقِلٌ مُوسِرٌ؛ فَعَلَيْهِ مِنْ الْعَقْلِ، وَلَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ مُعْتِقِهِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ مَعْتُوهًا؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 684 فَالْعَقْلُ عَلَى عَصَبَاتِهِ، وَالْمِيرَاثُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَقْلِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ جَنُوا جِنَايَةً خَطَأً؛ كَانَ الْعَقْلُ عَلَى عَصَبَاتِهِمْ، وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِمْ كَانَ الْأَرْشُ لَهُمْ. [فَصْلٌ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ وَدَوْرِهِ] (فَصْلٌ: فِي جَرِّ الْوَلَاءِ وَدَوْرِهِ) ؛ أَيْ: الْوَلَاءِ (مَنْ بَاشَرَ عِتْقًا) بِأَنْ قَالَ لِلْقِنِّ: أَنْتَ حُرٌّ (أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ) قِنٌّ بِسَبَبٍ كَرَحِمٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إيلَادٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ وَصِيَّةٍ بِعِتْقٍ وَنَحْوِهِ (لَمْ يَزُلْ وَلَاؤُهُ) عَنْهُ (بِحَالٍ) ؛ لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ زَوَالِ وَلَاءِ مَوْلَاهُ عَنْهُ مُعْتَبَرٌ (مَا لَمْ) يَكُنْ الْعَتِيقُ كَافِرًا، أَوْ يَعْتِقُهُ سَيِّدُهُ الذِّمِّيُّ، فَيَهْرَبُ لِدَارِ الْحَرْبِ (يَرِقُّ ثَانِيًا، وَيَعْتِقُ) فَإِنْ رَقَّ ثَانِيًا وَأُعْتِقَ؛ فَوَلَاؤُهُ لِمُعْتَقِهِ الثَّانِي؛ لِبُطْلَانِ وَلَاءِ الْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ عَوْدِ الْعَتِيقِ إلَى الرِّقِّ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيَأْتِي (فَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ) وَمِثْلُهُ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، امْرَأَةً (مُعْتَقَةً) لِغَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَوْلَدَهَا (فَوَلَاءُ مَنْ تَلِدُ لِمَوْلَى أُمِّهِ) الَّتِي هِيَ زَوْجَةُ الْعَبْدِ، فَيَعْقِلُ عَنْهُ، وَيَرِثُهُ إذَا مَاتَ؛ لِكَوْنِهِ سَبَبُ الْإِنْعَامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ حُرًّا بِسَبَبِ عِتْقِ أُمِّهِ (فَإِنْ أَعْتَقَ الْأَبُ) أَيْ: الْعَبْدُ الَّذِي هُوَ أَبُو الْمُعْتَقَةِ (سَيِّدَهُ) فَلَهُ وَلَاؤُهُ وَ (جَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ) عَنْ مَوْلَى أُمِّهِ الْعَتِيقَةِ إلَى مُعْتِقِهِ، فَيَصِيرُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى الْعَتِيقِ وَأَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا كَانَ مَمْلُوكًا لَمْ يَكُنْ يَصْلُحُ وَارِثًا وَلَا وَلِيًّا فِي نِكَاحٍ، فَكَانَ ابْنُهُ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يَنْقَطِعُ نَسَبُهُ عَنْ أَبِيهِ، فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِمَوْلَى أُمِّهِ، وَيَنْتَسِبُ إلَيْهَا، فَإِذَا عَتَقَ الْأَبُ صَلُحَ الِانْتِسَابُ إلَيْهِ، وَعَادَ وَارِثًا وَلِيًّا، فَعَادَتْ النِّسْبَةُ إلَيْهِ وَإِلَى مَوَالِيهِ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَلْحَقَ الْمُلَاعِنُ وَلَدَهُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ خَيْبَرَ رَأَى فِتْيَةً لَعْسَاءَ، فَأَعْجَبَهُ ظَرْفُهُمْ وَجَمَالُهُمْ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 685 فَسَأَلَ عَنْهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُمْ مَوَالِي رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَبُوهُمْ مَمْلُوكٌ لِأَهْلِ الْحُرْقَةِ، فَاشْتَرَى الزُّبَيْرُ أَبَاهُمْ، فَأَعْتَقَهُ وَقَالَ لِأَوْلَادِهِ: انْتَسَبُوا إلَيَّ؛ فَإِنَّ وَلَاءَكُمْ لِي، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: الْوَلَاءُ لِي؛ لِأَنَّهُمْ عَتَقُوا بِعِتْقِي أُمَّهُمْ، فَاحْتَكَمُوا إلَى عُثْمَانَ، فَقَضَى بِالْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ، فَاجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ. وَاللَّعْسُ سَوَادٌ فِي الشَّفَتَيْنِ تَسْتَحْسِنُهُ الْعَرَبُ. (وَلَا يَعُودُ) الْوَلَاءُ الَّذِي جَرَّهُ مَوْلَى الْأَبِ (لِمَوْلَى الْأُمِّ بِحَالٍ) ؛ أَيْ: لَوْ انْقَرَضَ مَوَالِي الْأَبُ فَالْوَلَاءُ لِبَيْتِ الْمَالِ دُونَ مَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَجْرِي مَجْرَى النَّسَبِ. وَلَوْ انْقَرَضَ الْأَبُ وَآبَاؤُهُ لَمْ يَعُدْ النَّسَبُ إلَى الْأُمِّ، فَكَذَا الْوَلَاءُ، فَلَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِ الْأَبِ كَانَ وَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوَالِي أَبِيهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَعُودُ لِمَوْلَى الْأُمِّ بِحَالٍ (مَا لَمْ يَنْفِهِ) أَبُوهُ (بِلِعَانٍ) فَإِنْ نَفَاهُ أَبُوهُ بِلِعَانٍ عَادَ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يَنْتَسِبُ إلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الْأَبُ، فَاسْتَلْحَقَهُ؛ لَحِقَهُ، وَعَادَ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ لِجَرِّ الْوَلَاءِ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ الْأَبُ رَقِيقًا حِينَ وِلَادَةِ أَوْلَادِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ عَتِيقَةٌ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ، وَأَنْ تَكُونَ الْأُمُّ مَوْلَاةً، فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ؛ فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا بِحَالٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدُهَا رَقِيقٌ لِسَيِّدِهَا، إنْ أَعْتَقَهُمْ؛ فَوَلَاؤُهُمْ لَهُ مُطْلَقًا، لَا يَنْجَرُّ عَنْهُ بِحَالٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْ الْعَبْدَ سَيِّدُهُ فَإِنْ مَاتَ عَلَى الرِّقِّ؛ لَمْ يَنْجَرَّ الْوَلَاءُ بِحَالٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَ سَيِّدُ الْعَبْدِ وَمَوْلَى الْأُمِّ فِي الْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ سَيِّدُهُ: مَاتَ حُرًّا بَعْدَ جَرِّ الْوَلَاءِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَوْلَى الْأُمِّ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 686 (وَ) كَذَا (لَا يُقْبَلُ قَوْلُ سَيِّدِ مُكَاتَبٍ مَيِّتٍ) لَهُ أَوْلَادٌ مِنْ زَوْجَةِ عَتِيقِهِ (أَنَّهُ أَدَّى، وَعَتَقَ لِيَجُرَّ الْوَلَاءَ) ؛ أَيْ: وَلَاءَ أَوْلَادِهِ مِنْ مَوْلَى أُمِّهِمْ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْأَدَاءِ. (وَإِنْ عَتَقَ جَدٌّ) أَوْلَادَ الْعَتِيقَةِ (وَلَوْ) كَانَ عِتْقُهُ (قَبْلَ) عِتْقِ (أَبٍ) لِأَوْلَادِ الْعَتِيقَةِ، أَوْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ (لَمْ يُجَرَّ) ؛ أَيْ: وَلَاءُ أَوْلَادِ وَلَدِهِ عَنْ مَوْلَى أُمِّهِمْ. قَالَ أَحْمَدُ: الْجَدُّ لَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ لَيْسَ هُوَ كَالْأَبِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَلَاءِ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَإِنَّمَا خُولِفَ هَذَا الْأَصْلَ؛ لِمَا وَرَدَ فِي الْأَبِ، وَالْجَدُّ لَا يُسَاوِيه، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ الْجَدُّ لَا يَتْبَعُهُ وَلَدُ وَلَدِهِ، وَلِأَنَّ الْجَدَّ يُدْلِي بِغَيْرِهِ؛ فَهُوَ كَالْأَخِ. (وَلَوْ مَلَكَ الْوَلَدُ) ؛ أَيْ: وَلَدُ الْعَتِيقَةِ (أَبَاهُ) الْعَبْدَ (عَتَقَ) عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ (وَجَرَّ) الْوَلَدُ (وَلَاءَهُ) ؛ أَيْ وَلَاءَ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِمِلْكِهِ إيَّاهُ، فَكَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ (وَ) جَرَّ أَيْضًا (وَلَاءَ إخْوَتِهِ) مِنْ الْمُعْتِقَةِ (لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لِأَبِيهِمْ (وَيَبْقَى وَلَاءُ نَفْسِهِ) ؛ أَيْ: نَفْسِ الَّذِي مَلَكَ أَبَاهُ (لِمَوْلَى أُمِّهِ؛ فَلَا يَجُرُّهُ) ؛ أَيْ: وَلَاءَ نَفْسِهِ (كَمَا لَا يَرِثُ نَفْسَهُ، فَلَوْ أَعْتَقَ هَذَا الْوَلَدُ) الَّذِي هُوَ وَلَدُ عَبْدِ مَنْ عَتَقَهُ (عَبْدًا) مَعَ بَقَاءِ رِقِّ أَبِيهِ (ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَتِيقُ أَبَا مُعْتِقِهِ) بَعْدَ أَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهُ إلَيْهِ (ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ) ؛ أَيْ: وَلَاءُ أَبِي مُعْتِقِهِ؛ لِمُبَاشَرَتِهِ عِتْقَهُ (وَجَرَّ وَلَاءَ مُعْتِقِهِ) وَإِخْوَتِهِ بِوَلَائِهِ عَلَى أَبِيهِمْ (فَصَارَ كُلٌّ) مِنْ الْوَلَدِ الْمُعْتِقِ لِلْعَتِيقِ وَمُعْتَقُ أَبِي مُعْتِقِهِ (مَوْلَى الْآخَرِ) لِأَنَّ الْوَلَدَ مَوْلَى مُعْتِقِ أَبِيهِ، وَمُعْتِقِ مَوْلَى بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُ بِعِتْقِهِ أَبَاهُ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتِقِهِ. (وَمِثْلُهُ) فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْ اثْنَيْنِ مَوْلَى الْآخَرِ (لَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ عَبْدًا كَافِرًا فَ) أَسْلَمَ الْعَتِيقُ وَ (سَبَى سَيِّدَهُ فَأَعْتَقَهُ) فَكُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ وَلَاءُ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ، وَيَرِثُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِالْوَلَاءِ. (وَإِنْ سُبِيَ عَتِيقٌ) ؛ أَيْ: سَبَى الْمُسْلِمُونَ الْعَتِيقَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ الْحَرْبِيُّ قَبْلَ إسْلَامِهِ (فَرَقَّ، ثُمَّ أُعْتِقَ؛ فَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ ثَانِيًا) وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ السَّبْيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 687 يُبْطِلُ مِلْكَ الْأَوَّلِ الْحَرْبِيِّ، فَالْوَلَاءُ التَّابِعُ لَهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ بَطَلَ بِاسْتِرْقَاقِهِ؛ فَلَمْ يَعُدْ بِإِعْتَاقِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ ثَانِيًا حَيْثُ كَانَ الْعَتِيقُ كَافِرًا (وَلَوْ) كَانَ الْمُعْتِقُ (الْأَوَّلُ مُسْلِمًا) لِأَنَّ الْعَتِيقَ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ، فَجَازَ اسْتِرْقَاقُهُ بِاسْتِيلَائِنَا عَلَيْهِ كَعَتِيقِ الْكَافِرِ وَكَغَيْرِ الْعَتِيقِ (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ أَعْتَقَ مُسْلِمٌ كَافِرًا، فَهَرَبَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ سَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ؛ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ، فَإِنْ أُعْتِقَ عَادَ الْوَلَاءُ إلَى الْأَوَّلِ. انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَ " الْفَائِقِ "، قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَلَا يَنْجَرُّ لَهُ) ؛ أَيْ: لِلْمُعْتِقِ الْأَخِيرِ (مَا لِ) لْمُعْتِقِ (الْأَوَّلِ قَبْلَ رِقِّهِ) ؛ أَيْ: رَقِّ الْعَتِيقِ (ثَانِيًا مِنْ وَلَاءِ وَلَدٍ وَ) مِنْ وَلَاءِ (عَتِيقٍ) ثَبَتَ وَلَاؤُهُمَا لِلْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِقَّ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ، فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ. [تَتِمَّةٌ تَزَوَّجَ ابْنُ مُعْتَقَةٍ امْرَأَةَ مُعْتِقِهِ وَأَوْلَدَهَا وَلَدًا فَاشْتَرَى الْوَلَدُ جَدَّهُ] (تَتِمَّةٌ) : لَوْ تَزَوَّجَ ابْنُ مُعْتَقَةٍ امْرَأَةَ مُعْتِقِهِ، وَأَوْلَدَهَا وَلَدًا، فَاشْتَرَى الْوَلَدُ جَدَّهُ؛ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَانْجَرَّ إلَيْهِ وَلَاءُ الْأَبِ وَسَائِرُ أَوْلَادِ جَدِّهِ، وَهُمْ أَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُهُ، وَوَلَاءُ جَمِيعِ مُعْتِقِيهِمْ، وَيَبْقَى وَلَاءُ الْمُشْتَرِي لِمَوَالِي أُمِّ أَبِيهِ. (وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ) حُرٍّ مُرْتَدٍّ عَتِيقٍ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (وَلَا) يَصِحُّ (اسْتِرْقَاقُ حُرٍّ مُرْتَدٍّ) لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ، فَلَمْ يَصِحَّ اسْتِرْقَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى الرِّدَّةِ، وَلَا شِرَاؤُهُ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ اسْتِرْقَاقِهِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا التَّوْبَةُ إنْ قُبِلَتْ أَوْ الْقَتْلُ كَمَا يَأْتِي فِي كُلِّ مُرْتَدٍّ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى جَرِّ الْوَلَاءِ شَرَعَ يَذْكُرُ دَوْرَهُ. وَمَعْنَاهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَالِ مَيِّتٍ قِسْطٌ إلَى مَالِ مَيِّتٍ آخَرَ بِحُكْمِ الْوَلَاءِ، ثُمَّ يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ الْقِسْطِ جُزْءٌ إلَى الْمَيِّتِ الْآخَرِ بِحُكْمِ الْوَلَاءِ أَيْضًا، فَيَكُونُ هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 688 الْجُزْءُ الرَّاجِعُ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا إلَى مَالِ الْآخَرِ بِحُكْمِ الْوَلَاءِ قَدْ دَارَ بَيْنَهُمَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الدَّوْرُ فِي مَسْأَلَةٍ حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهَا ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا. وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْهُمَا يَحُوزُ إرْثَ الْمَيِّتِ قَبْلَهُ، مِثَالُ ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَأَمَّا دَوْرُهُ) ؛ أَيْ: الْوَلَاءِ (فَكَمَا لَوْ اشْتَرَى بِنْتَا مُعْتَقِهِ) عَلَيْهِمَا وَلَاءٌ لِمَوَالِي أُمِّهِمَا (أَبَاهُمَا نِصْفَيْنِ) سَوِيَّةً (فَيَعْتِقُ) عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ ذُو مَحْرَمٍ (وَوَلَاؤُهُ لَهُمَا) ؛ أَيْ: لِوَلَدَيْهِ نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَلَدٍ مِنْهُمَا نِصْفٌ بِحَسَبِ مِلْكِهِ (وَجَرَّ كُلٌّ) مِنْهُمَا (نِصْفَ وَلَاءِ صَاحِبِهِ) لِأَنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ تَابِعٌ لِوَلَاءِ الْوَلَدِ (وَيَبْقَى نِصْفُهُ) ؛ أَيْ: نِصْفُ وَلَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا (لِمَوْلَى الْأُمِّ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجُرُّ وَلَاءَ نَفْسِهِ كَمَا لَا يَرِثُ نَفْسَهُ (فَلَوْ مَاتَتْ الْكُبْرَى) مِنْ الْبِنْتَيْنِ فِي الْمِثَالِ (ثُمَّ) مَاتَ (الْأَبُ) بَعْدَهَا (فَلِلصُّغْرَى) الْبَاقِيَةِ (سَبْعَةُ أَثْمَانِ تَرِكَتِهِ) ؛ أَيْ: الْأَبِ (نِصْفٌ بِالنَّسَبِ) لِأَنَّهَا بِنْتٌ (وَرُبُعٌ بِكَوْنِهَا مَوْلَاةَ نِصْفِهِ، وَالرُّبُعُ الْبَاقِي لِمَوَالِي الْمَيِّتَةِ وَهُمْ أُخْتُهَا) الْبَاقِيَةُ (وَمَوَالِي أُمِّهَا) فَيَكُونُ ذَلِكَ الرُّبُعُ بَيْنَهُمَا (لِلْأُخْتِ) الْبَاقِيَةِ (نِصْفُهُ وَهُوَ ثُمُنُ) الْمَالِ (وَالثُّمُنُ الْبَاقِي لِمَوَالِي الْأُمِّ) فَيَصِيرُ لِلْأُخْتِ الْبَاقِيَةِ سَبْعَةُ أَثْمَانِ الْمَالِ، وَلِمَوَالِي أُمِّهَا ثُمُنُهُ (فَإِذَا مَاتَتْ الصُّغْرَى بَعْدَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: بَعْدَ مَوْتِ الْكُبْرَى وَالْأَبِ (كَانَ مَالُهَا لِمَوَالِيهَا، وَهُمْ أُخْتُهَا الْكُبْرَى وَمَوَالِي أُمِّهَا) بَيْنَهُمَا (نِصْفَيْنِ) بِحَسَبِ مَالِهَا مِنْ الْوَلَاءِ (فَاجْعَلْ) الـ (نِصْفَ) الَّذِي أَصَابَ (الْكُبْرَى) مِنْ الصُّغْرَى بِالْوَلَاءِ (لِمَوَالِيهَا) وَهُمْ (أُخْتُهَا الصُّغْرَى وَمَوَالِي أُمِّهَا) مَقْسُومًا (بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ لِكُلٍّ) ؛ أَيْ: لِمَوَالِي الْأُمِّ (نِصْفُهُ وَهُوَ الرُّبُعُ) وَلِلصُّغْرَى نِصْفُهُ وَهُوَ الرُّبُعُ (فَهَذَا الرُّبُعُ) قَدْ (خَرَجَ مِنْ مَالِ الصُّغْرَى لِمَوَالِي أُخْتِهَا الْكُبْرَى، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَوْلَاةٌ لِنِصْفِ أُخْتِهَا، وَهَذَا هُوَ الْجُزْءُ الدَّائِرُ، فَيَكُونُ لِمَوَالِي الْأُمِّ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ اشْتَرَتْ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ أَبَاهَا وَجَدَّهَا؛ عَتَقَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 689 عَلَيْهَا وَجَرَّ إلَيْهَا وَلَاءَ أُخْتِهَا، فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ؛ فَلِبِنْتَيْهِ الثُّلُثَانِ بِالنَّسَبِ، وَالْبَاقِي لِمُعْتِقَتِهِ بِالْوَلَاءِ، فَإِنْ مَاتَتْ الَّتِي لَمْ تَشْتَرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَمَالُهَا لِأُخْتِهَا نِصْفُهُ بِالنَّسَبِ وَنِصْفُهُ بِالْوَلَاءِ؛ لِكَوْنِهَا مَوْلَاةَ أَبِيهَا، وَلَوْ مَاتَتْ الَّتِي اشْتَرَتْهُ؛ فَلِأُخْتِهَا النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِمَوْلَى أُمِّهَا. (وَلَوْ اشْتَرَى ابْنُ) مُعْتَقَةٍ (وَبِنْتُ مُعْتَقَةٍ أَبَاهُمَا نِصْفَيْنِ) سَوِيَّةً (عَتَقَ) عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ رَحِمٌ مَحْرَمٌ (وَوَلَاؤُهُ لَهُمَا) نِصْفَيْنِ، لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِحَسَبِ مَا عَتَقَ عَلَيْهِ (وَجَرَّ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (نِصْفَ وَلَاءِ صَاحِبِهِ) لِأَنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ تَابِعٌ لِوَلَاءِ الْوَالِدِ (وَيَبْقَى نِصْفُهُ) ؛ أَيْ: نِصْفُ وَلَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (لِمَوَالِي أُمِّهِ) ، أَيْ: أُمِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِابْنِ وَالْبِنْتِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَجُرُّ وَلَاءَ نَفْسِهِ (فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَرِثَاهُ) ؛ أَيْ: ابْنُهُ وَبِنْتُهُ (أَثْلَاثًا بِالنَّسَبِ) لِأَنَّ عَصَبَةَ النَّسَبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى عَصَبَةِ الْوَلَاءِ، وَمِيرَاثُ النَّسَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَإِنْ مَاتَتْ الْبِنْتُ بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: بَعْدَ الْأَبِ (وَرِثَهَا أَخُوهَا بِهِ) ؛ أَيْ: بِالنَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلَاءِ (فَإِذَا مَاتَ) أَخُوهَا بَعْدَهَا، وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا مِنْ النَّسَبِ (فَلِمَوْلَى أُمِّهِ نِصْفُ) تَرِكَتِهِ (وَلِمَوْلَى أُخْتِهِ نِصْفٌ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (وَهُمْ) ؛ أَيْ: مَوَالِي الْأُخْتِ (الْأَخُ مَوْلَى الْأُمِّ، فَيَأْخُذُ مَوْلَى أُمِّهِ نِصْفَهُ) ؛ أَيْ: نِصْفَ النِّصْفِ (وَهُوَ الرُّبُعُ) ؛ أَيْ: رُبُعُ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْأُخْتِ بَيْنَ الْأَخِ وَمَوْلَى الْأُمِّ نِصْفَيْنِ (ثُمَّ يَأْخُذُ) مَوْلَى الْأُمِّ (الرُّبُعَ الْبَاقِي) مِنْ التَّرِكَةِ (وَهُوَ الْجُزْءُ الدَّائِرُ) مِنْ الْوَلَاءِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ (لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ) تَرِكَةِ (الْأَخِ وَعَادَ إلَيْهِ) فَيَكُونُ لِمَوْلَى أُمِّهِ، وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ دَائِرًا أَنَّهُ يَدُورُ أَبَدًا فِي كُلِّ دَوْرَةٍ يَصِيرُ لِمَوْلَى الْأُمِّ نِصْفُهُ، وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْفُذَ كُلُّهُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ. [فَائِدَةٌ قَالَ رَجُل عَاقَدْتُكَ عَلَى أَنْ تَرِثَنِي وَأَرِثَك وَتَعْقِلَ عَنِّي وَأَعْقِلَ عَنْك] (فَائِدَةٌ) : لَوْ عَاقَدَ رَجُلٌ رَجُلًا، فَقَالَ عَاقَدْتُكَ عَلَى أَنْ تَرِثَنِي وَأَرِثَك، وَتَعْقِلَ عَنِّي وَأَعْقِلَ عَنْك؛ فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الْعَقْدِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إرْثٌ وَلَا عَقْلٌ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ مَحْصُورَةٌ فِي رَحِمٍ وَنِكَاحٍ وَوَلَاءٍ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 690 [تَتِمَّةٌ اشْتَرَى بِنْتَا مُعْتَقَةٍ أَبَاهُمَا ثُمَّ اشْتَرَى أَبُوهُمَا هُوَ وَالْكُبْرَى جَدَّهُمَا ثُمَّ مَاتَ] (تَتِمَّةٌ) : وَإِنْ اشْتَرَى بِنْتَا مُعْتَقَةٍ أَبَاهُمَا؛ ثُمَّ اشْتَرَى أَبُوهُمَا هُوَ وَالْكُبْرَى جَدَّهُمَا، ثُمَّ مَاتَ؛ فَمَالُهُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، ثُمَّ إذَا مَاتَ الْجَدُّ، وَخَلَّفَ بِنْتَيْ ابْنِهِ؛ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ؛ فَلِلْكُبْرَى نِصْفُ الْبَاقِي؛ لِكَوْنِهَا مَوْلَاةَ نِصْفِهِ، يَبْقَى السُّدُسُ لِمَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ مَوْلَى نِصْفِ الْجَارِ، وَهُمَا بِنْتَاهُ، فَحَصَلَ لِلْكُبْرَى ثُلُثُ الْمَالِ وَرُبُعُهُ، وَلِلصُّغْرَى رُبُعُهُ وَسُدُسُهُ. [كِتَابُ الْعِتْقِ] ِ (الْعِتْقُ) لُغَةً: الْخُلُوصُ، وَمِنْهُ عَتَاقُ الْخَيْلِ، وَعِتَاقُ الطَّيْرِ؛ أَيْ: خَالِصُهَا، وَسُمِّيَ الْبَيْتُ الْحَرَامُ عَتِيقًا؛ لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ. وَ (هُوَ) شَرْعًا (تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ) ؛ أَيْ: الذَّاتِ (وَتَخْلِيصُهَا مِنْ الرِّقِّ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ، خُصَّتْ بِهِ الرَّقَبَةُ، وَإِنْ تَنَاوَلَ الْعِتْقُ جَمِيعَ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ لَهُ كَالْغَلِّ فِي رَقَبَةِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ، فَإِذَا عَتَقَ صَارَ كَأَنَّ رَقَبَتَهُ أُطْلِقَتْ مِنْ ذَلِكَ. يُقَالُ: عَتَقَ الْعَبْدُ وَأَعْتَقَهُ؛ فَهُوَ عَتِيقٌ وَمُعْتَقٌ، وَهُمْ عُتَقَاءُ، وَأَمَةٌ عَتِيقٌ وَعَتِيقَةٌ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهِ، وَحُصُولِ الْقُرْبَةِ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَقَوْلُهُ: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] ، وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ، حَتَّى أَنَّهُ لَيَعْتِقُ الْيَدَ بِالْيَدِ، وَالرِّجْلَ بِالرِّجْلِ، وَالْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ: «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فَكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، يُجْزِي كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ، وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فَكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 691 يُجْزِي كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مَعْنَاهُ، وَزَادَ فِيهِ: «وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فَكَاكَهَا مِنْ النَّارِ، يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا» . (وَ) الْعِتْقُ (مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ) لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ كَفَّارَةً لِلْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ وَالْأَيْمَانِ، وَجَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَاكًا لِمُعْتِقِهِ مِنْ النَّارِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصَ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ مِنْ ضَرَرِ الرِّقِّ، وَمِلْكَهُ نَفْسَهُ وَمَنَافِعَهُ عَلَى حَسَبِ إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ. (وَأَفْضَلُ الرِّقَابِ) لِمَنْ أَرَادَ الْعِتْقَ (أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا) ؛ أَيْ: أَعْظَمُهَا وَأَعَزُّهَا فِي أَنْفُسِ أَهْلِهَا (وَأَغْلَاهَا ثَمَنًا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ (وَفِي الْفُرُوعِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَافِرَةً) وِفَاقًا لِمَالِكٍ، وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَحْمَدَ، لَكِنْ يُثَابُ عَلَى عِتْقِهِ. قَالَ فِي " الْفُنُونِ " لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ وَبِرِقِّ الذُّرِّيَّةِ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ. بَلْ مِحْنَةٌ وَبَلْوَى. انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ «حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ: الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ قَالَ: قُلْت: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا» . (وَ) عِتْقُ (ذَكَرٍ) أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ أُنْثَى. سَوَاءٌ كَانَ مُعْتِقُهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَكَاكِ مِنْ النَّارِ (وَتَعَدُّدٌ) وَلَوْ مِنْ إنَاثٍ (أَفْضَلُ) مِنْ وَاحِدٍ، وَلَوْ ذَكَرًا. (وَسُنَّ عِتْقُ) مَنْ لَهُ كَسْبٌ وَدِينٌ، لِانْتِفَاعِهِ بِمِلْكِ كَسْبِهِ بِالْعِتْقِ (وَ) سُنَّ (كِتَابَةُ مَنْ لَهُ كَسْبٌ) وَدِينٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَلِانْتِفَاعِهِ بِمِلْكِ كَسْبِهِ فِي الْعِتْقِ. (وَكُرِهَا) ؛ أَيْ: الْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ (إنْ كَانَ) الْعَتِيقُ (لَا قُوَّةَ لَهُ وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 692 كَسْبَ) لِسُقُوطِ نَفَقَتِهِ بِإِعْتَاقِهِ، فَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى النَّاسِ، وَيَحْتَاجُ إلَى الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ مِمَّنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَتَرْكُ إسْلَامِهِ، (أَوْ يَخَافُ مِنْهُ) إنْ أُعْتِقَ (زِنًا أَوْ) يَخَافُ مِنْ (فَسَادٍ) مِنْ قَطْعِ طَرِيقٍ وَسَرِقَةٍ، فَيُكْرَهُ عَتْقُهُ؛ لِئَلَّا يَكُونَ وَسِيلَةً إلَى مَحْرَمٍ (وَإِنْ عَلِمَ) ذَلِكَ مِنْهُ (أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ حَرُمَ) عَتْقُهُ؛ لِأَنَّ التَّوَسُّلَ إلَى الْمَحْرَمِ حَرَامٌ (وَ) إنْ أَعْتَقَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ ذَلِكَ مِنْهُ (صَحَّ) الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقُ صَدْرٍ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، فَنَفَذَ كَعِتْقِ غَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) لَوْ أَعْتَقَ رَقِيقًا يَظُنُّ أَوْ يَعْلَمُ مِنْهُ وُقُوعَ الْفَسَادِ أَوْ الزِّنَا؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ (وَيُجْزِئُ) عِتْقُهُ (فِي كَفَّارَةٍ) أَوْ نَذْرٍ؛ لِأَنَّهُ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ سَلِيمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ، لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ [فَائِدَةٌ أَعْتَقَ رَقِيقَهُ وَاسْتَثْنَى نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً] (فَائِدَةٌ) : لَوْ أَعْتَقَ رَقِيقَهُ، وَاسْتَثْنَى نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ وَنَحْوِهَا صَحَّ كَبَيْعِهِ كَذَلِكَ، أَوْ أَعْتَقَ وَاسْتَثْنَى خِدْمَتَهُ لِلْمُعْتِقِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " مُدَّةَ حَيَاتِهِ؛ صَحَّ مَا ذَكَرَ مِنْ الْعِتْقِ وِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَعْتَقَتْ سَفِينَةَ، وَاشْتَرَطَتْ خِدْمَتَهُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَاشَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَشُرِطَ لِصِحَّةِ عِتْقٍ كَوْنُهُ) ؛ أَيْ: الْعِتْقِ (مِنْ مَالِكٍ) أَوْ مَأْذُونٍ لَهُ (جَائِزِ التَّصَرُّفِ) وَهُوَ الْبَالِغُ الرَّشِيدُ. (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ صِحَّتِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَصِحُّ) الْعِتْقُ (عَلَى الْأَصَحِّ) ؛ أَيْ: عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ (مِمَّنْ) ؛ أَيْ: شَخْصٍ (لَمْ يَبْلُغْ) وَلَوْ مُمَيِّزًا، قَالَ النَّاظِمُ: وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ، وَقَدَّمَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 693 فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَقَطَعَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا عِتْقَ لِمُمَيِّزٍ، وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ: لَا يَصِحُّ عِتْقُ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ: (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِي قَوْلِهِ: وَيَصِحُّ الْعِتْقُ مِمَّنْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ. وَمَا قَالَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " تَبِعَ فِيهِ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْفَائِقِ "، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ. وَلَا يَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ سَفِيهٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مِنْهُ، وَلَا مِنْ مَجْنُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ، وَلَا مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَبَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَصَدَقَةٍ بِهِ، وَلَا أَنْ يَعْتِقَ أَبٌ عَبْدَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، كَمَا لَا يَصِحُّ عِتْقُ عَبْدِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ، وَلَا عَبْدِ وَلَدِهِ الْمَجْنُونِ، وَلَا عَبْدِ يَتِيمِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ الْمَوْقُوفِ وَلَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَوْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِيهِ لَهُ - لِتَعَلُّقِ حَقِّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ بَعْدَهُ. (وَصَرِيحُهُ لَفْظُ عِتْقٍ وَ) لَفْظُ (حُرِّيَّةٍ) لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِمَا، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا (كَيْفَ صُرِفَا) نَحْوُ قَوْلِهِ لِقِنِّهِ: أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَنْتَ مُحَرَّرٌ، أَوْ حَرَّرْتُك، أَوْ أَنْتِ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ - بِفَتْحِ التَّاءِ - فَيَعْتِقُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ تَجَرَّدَ عَنْ النِّيَّةِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ لَقِيَ امْرَأَةً فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ: تَنَحِّي يَا حُرَّةُ، فَإِذَا هِيَ جَارِيَتُهُ، قَالَ: قَدْ عَتَقَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِخَدَمٍ قِيَامٍ فِي وَلِيمَةٍ: مُرُّوا أَنْتُمْ أَحْرَارٌ، وَكَانَ فِيهِمْ أُمُّ وَلَدِهِ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا، قَالَ هَذَا بِهِ عِنْدِي تُعْتَقُ أُمُّ وَلَدِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَصْرِيفِ لَفْظِ الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (غَيْرُ أَمْرٍ وَمُضَارِعٍ وَاسْمِ فَاعِلٍ) مِمَّنْ قَالَ لِرَقِيقِهِ حَرِّرْهُ، أَوْ أَعْتِقْهُ، أَوْ أُحَرِّرُهُ، أَوْ أُعْتِقُهُ أَوْ هَذَا مُحَرِّرٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ - أَوْ هَذَا مُعْتِقٌ بِكَسْرِ التَّاءِ، لَمْ يَعْتِقْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَلَبٌ وَوَعْدٌ، وَخَبَرٌ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا صَالِحًا لِلْإِنْشَاءِ وَلَا إخْبَارًا عَنْ نَفْسِهِ؛ فَيُؤَاخَذُ بِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَاتِقٌ فَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ يَعْتِقُ بِذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 694 (وَيَقَعُ) الْعِتْقُ (مِنْ هَازِلٍ) كَالطَّلَاقِ وَ (لَا) يَقَعُ مِنْ (نَائِمٍ وَنَحْوِهِ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمَجْنُونٍ وَمُبَرْسَمٍ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ مَا يَقُولُونَ قَالَ فِي " الْفَائِقِ ": نِيَّةُ قَصْدِ اللَّفْظِ مُعْتَبَرَةٌ؛ تَحَرُّزًا مِنْ النَّائِمِ وَنَحْوِهِ، وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ النَّفَاذِ، وَلَا نِيَّةُ الْقُرْبَةِ؛ فَيَقَعُ عِتْقُ الْهَازِلِ انْتَهَى. وَمَعْنَى قَوْلِهِ نِيَّةُ قَصْدِ اللَّفْظِ؛ أَيْ: إرَادَةُ لَفْظِهِ لِمَعْنَاهُ، فَلَا عَتَاقَ لِحَاكٍ وَفَقِيهٍ يُكَرِّرُهُ وَنَائِمٍ وَنَحْوِهِ كَمَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ. (وَلَا) يَقَعُ عِتْقٌ (إنْ) قَالَ لِرَقِيقِهِ: أَنْتَ حُرٌّ وَ (نَوَى بِالْحُرِّيَّةِ نَحْوَ عِفَّتِهِ) كَصِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ (وَكَرَمِ خُلُقِهِ) قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَأَمَّا إنْ قَصَدَ غَيْرَ الْعِتْقِ كَالرَّجُلِ يَقُولُ: عَبْدِي هَذَا حُرٌّ يُرِيدُ عِفَّتَهُ وَكَرَمَ أَخْلَاقِهِ، أَوْ يَقُولُ: لِعَبْدِهِ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ؛ أَيْ: إنَّك لَا تُطِيعُنِي، وَلَا تَرَى لِي عَلَيْك حَقًّا وَلَا طَاعَةً، وَلَا يَعْتِقُ. قَالَ حَنْبَلٌ: سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِغُلَامِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ كَلَامًا شِبْهُ هَذَا: رَجَوْت أَنْ لَا يَعْتِقَ، وَأَنَا أَهَابُ الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِكَلَامِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، فَانْصَرَفَ إلَيْهِ. قَالَ (وَ) إنْ طَلَبَ الْعَبْدُ اسْتِحْلَافَ سَيِّدِهِ أَنَّهُ نَوَى بِحُرِّيَّتِهِ مَا ذَكَرَ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَ (يَحْلِفُ) السَّيِّدُ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْعَبْدِ، فَعَلَى هَذَا إنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ. يُقَالُ: امْرَأَةٌ حُرَّةٌ يَعْنُونَ عَفِيفَةً، وَتَمْدَحُ الْمَمْلُوكَ أَيْضًا بِذَلِكَ، وَيُقَالُ لِكَرِيمِ الْأَخْلَاقِ: حُرٌّ قَالَتْ سُبَيْعَةُ تَرْثِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ: وَلَا تَسْأَمَا أَنْ تَبْكِيَا كُلَّ لَيْلَةٍ ... وَيَوْمٍ عَلَى حُرٍّ كَرِيمِ الشَّمَائِلِ (وَ) إنْ قَالَ سَيِّدٌ لِرَقِيقِهِ (أَنْتَ حُرٌّ فِي هَذَا الزَّمَنِ أَوْ) أَنْتَ حُرٌّ فِي هَذَا الْبَلَدِ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ فِي هَذَا الْمَكَانِ، فَإِنَّهُ (يَعْتِقُ مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ نَوَى الْعِتْقَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا عَتَقَ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان أَوْ بَلَدٍ لَا يَعُودُ رَقِيقًا فِي غَيْرِهَا. (وَكِنَايَتُهُ) ؛ أَيْ: الْعِتْقِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا (مَعَ نِيَّتِهِ) ؛ أَيْ: الْعِتْقِ أَوْ قَرِينَةٍ كَسُؤَالِ عِتْقٍ كَالطَّلَاقِ (خَلَّيْتُك، وَأَطْلَقْتُك، وَالْحَقْ بِأَهْلِك) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَفَتْحِ الْحَاءِ (وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْت، وَلَا سَبِيلَ) لِي عَلَيْك (أَوْ) لَا (سُلْطَانَ) لِي عَلَيْك (أَوْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 695 لَا (مِلْكَ) لِي عَلَيْك (أَوْ) لَا (رِقَّ) لِي عَلَيْك (أَوْ) لَا (خِدْمَةَ لِي عَلَيْك وَفَكَكْتُ رَقَبَتَك، وَوَهَبْتُك لِلَّهِ، وَرَفَعْتُ يَدِي عَنْك إلَى اللَّهِ، وَأَنْتَ لِلَّهِ أَوْ) أَنْتَ (مَوْلَايَ أَوْ) أَنْتَ (سَائِبَةٌ وَمَلَّكْتُك نَفْسَك. وَ) مِنْ الْكِنَايَةِ قَوْلُ السَّيِّدِ لِلْأَمَةِ (أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ) أَنْتِ (حَرَامٌ) وَفِي " الِانْتِصَارِ " وَكَذَا: اعْتَدِّي، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي لَفْظِ الظِّهَارِ (وَ) مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ (صَرِيحُ قَوْلِهِ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ (لِمَنْ يُمْكِنُ كَوْنُهُ أَبَاهُ) مِنْ رَقِيقِهِ بِأَنْ كَانَ السَّيِّدُ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً مَثَلًا وَالرَّقِيقُ ابْنَ ثَلَاثِينَ فَأَكْثَرَ (أَنْتَ أَبِي أَوْ) قَالَ لِرَقِيقِهِ الَّذِي يُمْكِنُ كَوْنُهُ (ابْنَهُ: أَنْتَ ابْنِي) فَيَعْتِقُ بِذَلِكَ فِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ (وَلَوْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ) لِجَوَازِ كَوْنِهِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَ (لَا) عِتْقَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يُمْكِنْ) كَوْنُهُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ (لِكِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَنْوِ بِهِ) ؛ أَيْ: هَذَا الْقَوْلِ (عِتْقَهُ) لِتَحَقُّقِ كَذِبِ هَذَا الْقَوْلِ، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُرِّيَّةٌ كَقَوْلِهِ: هَذَا الطِّفْلُ أَبِي، أَوْ لِطِفْلَةٍ: هَذِهِ أُمِّي، وَكَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ أَسَنُّ مِنْهُ: هَذِهِ ابْنَتِي، أَوْ قَالَ لَهَا: وَهُوَ أَسَنُّ مِنْهَا: هَذِهِ أُمِّي؛ لَمْ تَطْلُقْ، كَذَلِكَ هُنَا وَ (كَ) قَوْلِهِ لِرَقِيقِهِ (أَعْتَقْتُك) مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ (أَوْ) قَوْلِهِ لَهُ (أَنْتَ حُرٌّ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ وَكَ) قَوْلِهِ (أَنْتِ بِنْتِي لِعَبْدِهِ وَ) كَقَوْلِهِ (أَنْتَ ابْنِي لِأَمَتِهِ) وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ الْكَذِبِ؛ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ وَكَذِبٌ يَقِينًا. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: وَإِنْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ؛ عَتَقَ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ: أَنْتَ ابْنِي. (وَ) يَحْصُلُ الْعِتْقُ (بِمِلْكٍ) مِنْ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ وَغَيْرِهِ (لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ بِنَسَبٍ) كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ، وَإِنْ عَلَا، وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَأَخِيهِ وَأُخْتِهِ وَوَلَدِهِمَا وَإِنْ نَزَلَ، وَعَمِّهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالِهِ وَخَالَتِهِ. وَضَابِطُهُ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى حَرُمَ نِكَاحُهُ عَلَيْهِ لِلنَّسَبِ، سَوَاءٌ كَانَ الرَّحِمُ الْمَحْرَمُ مُخَالِفًا لَهُ فِي الدِّينِ أَوْ مُوَافِقًا، وَسَوَاءٌ مَلَكَهُ بِمِيرَاثِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ جَعَالَةٍ وَنَحْوِهَا (وَلَوْ) كَانَ الْمَمْلُوكُ (حَمْلًا) كَمَنْ اشْتَرَى زَوْجَةَ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 696 الْحَامِلَ مِنْهُ؛ لِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمِ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. ، وَأَمَّا حَدِيثُ: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ، مَمْلُوكًا، فَيَشْتَرِيَهُ، فَيَعْتِقَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ بِشِرَائِهِ، كَمَا يُقَالُ: ضَرَبَهُ، فَقَتَلَهُ، وَالضَّرْبُ هُوَ الْقَتْلُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَمَّا كَانَ يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ تَارَةً دُونَ أُخْرَى؛ جَازَ عَطْفُ صِفَتِهِ عَلَيْهِ، كَمَا يُقَالُ: ضَرَبَهُ، فَأَطَارَ رَأْسَهُ، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ أَنَّ الْعِتْقَ بِالْمِلْكِ آكَدُّ مِنْ التَّعْلِيقِ. فَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ ذِي رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ عَلَى مِلْكِهِ، فَمَلَكَهُ عَتَقَ بِمِلْكِهِ لَا بِتَعْلِيقِهِ، وَلَا يَعْتِقُ بِالْمِلْكِ ذُو رَحِمٍ غَيْرُ مَحْرَمٍ كَوَلَدِ عَمِّهِ وَعَمَّتِهِ، وَوَلَدِ خَالِهِ وَخَالَتِهِ، وَلَا يَعْتِقُ أَيْضًا مَحْرَمٌ بِرَضَاعٍ كَأُمِّهِ مِنْهُ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ مِنْهُ وَخَالَتِهِ مِنْهُ، أَوْ مَحْرَمٌ بِمُصَاهَرَةٍ كَأُمِّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهَا وَحَلَائِلِ عَمُودَيْ النَّسَبِ؛ فَلَا يَعْتِقُونَ بِالْمِلْكِ؛ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي عِتْقِهِمْ، وَلَا هُمْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمْ، فَيَبْقَوْنَ عَلَى الْأَصْلِ. (وَأَبٌ وَابْنٌ مِنْ زِنًا أَوْ رَضَاعٍ كَأَجْنَبِيَّيْنِ) فَلَا عِتْقَ بِمِلْكِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ نَصًّا؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِ أَحْكَامِ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْحَجْبِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ وَثُبُوتِ الْوِلَايَةِ وَوُجُوبِ الْإِنْفَاقِ، وَكَذَا أَخٌ وَنَحْوُهُ مِنْ زِنًا. (وَيَعْتِقُ حَمْلٌ لَمْ يُسْتَثْنَ) ؛ أَيْ: لَمْ يَسْتَثْنِهِ مُعْتِقٌ (بِعِتْقِ أُمِّهِ) لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، فَفِي الْعِتْقِ أَوْلَى (مِنْ حِينِ عِتْقِ) أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُنَجَّزٌ، فَعَتَقَ مِنْ حِينِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ فِي الْعِتْقِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعِتْقِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ كَالْمُنْفَصِلِ، وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِلْمُ بِصِفَاتِ الْمُعَوَّضِ لِيُعْلَمَ هَلْ قَامَ مَقَامَ الْعِوَضِ أَوْ لَا، وَالْعِتْقُ تَبَرُّعٌ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ صِفَاتِ الْمُعْتَقِ، وَلَا تُنَافِيهِ الْجَهَالَةُ بِهِ، وَيَكْفِي الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ وَقَدْ وُجِدَ. (وَإِنْ) عَتَقَ أُمَّهُ (سِرَايَةً) كَعِتْقِ شَرِيكٍ مُوسِرٍ حِصَّتَهُ مِنْ الْأُمِّ، فَيَسْرِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 697 الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهَا، وَيَدْخُلُ حَمْلُهَا تَبَعًا (وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ) ؛ أَيْ: الْحَمْلَ رَبُّ الْأَمَةِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى أُمَّهُ مِنْ وَرَثَةِ مَيِّتٍ مُوصِي بِحَمْلِهَا لِغَيْرِهِ، فَأَعْتَقَهَا؛ فَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى الْحَمْلِ (إنْ كَانَ) مُعْتِقُهَا (مُوسِرًا بِقِيمَةِ الْحَمْلِ) يَوْمَ عِتْقِهِ كَفِطْرَةٍ (وَيَضْمَنُ) مُعْتِقُهَا (بِقِيمَتِهِ) ؛ أَيْ: الْحَمْلِ (لِمَالِكِهِ) الْمُوصَى لَهُ بِهِ يَوْمَ وِلَادَتِهِ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ (وَيَصِحُّ عِتْقُهُ) ؛ أَيْ: الْحَمْلِ دُونَهَا؛ أَيْ: دُونَ أُمِّهِ نَصًّا؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْإِنْسَانِ الْمُنْفَرِدِ، وَلِهَذَا تُورَثُ عَنْهُ الْغُرَّةُ إنْ ضَرَبَ بَطْنَ أُمِّهِ فَأَسْقَطَتْهُ، كَأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا، وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَهُ وَيَرِثُ. (وَمَنْ مَلَكَ بِغَيْرِ إرْثٍ) كَشِرَاءٍ وَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَغَنِيمَةٍ (جُزْءًا) وَإِنْ قَلَّ (مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) كَأَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْمَالِكُ لِذَلِكَ الْجُزْءِ (مُوسِرٌ بِقِيمَةٍ بَاقِيَةٍ فَاضِلَةٍ) عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ (كَفِطْرَةٍ) ؛ أَيْ: عَنْ نَفَقَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ (يَوْمَ مِلْكِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُوسِرٍ (عَتَقَ) عَلَيْهِ (كُلُّهُ) ؛ أَيْ: كُلُّ الَّذِي مَلَكَ جُزْأَهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ سَبَبَ الْعِتْقِ اخْتِيَارًا مِنْهُ وَقَصْدًا إلَيْهِ، فَسَرَى عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ مُشْتَرِكٍ (وَعَلَيْهِ مَا يُقَابِلُ جُزْءَ شَرِيكِهِ مِنْ قِيمَةِ كُلِّهِ) فَيُقَدَّرُ كَامِلًا لَا عِتْقَ فِيهِ، وَتُؤْخَذُ حِصَّةُ الشَّرِيكِ مِنْهَا، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَعْتَقَ شُرُكًا فِي عَبْدٍ، وَهُوَ مُوسِرٌ (وَإِلَّا) يَكُنْ مُوسِرًا بِقِيمَةِ كُلِّ بَاقِيهِ (عَتَقَ) مِنْهُ (مَا يُقَابِلُ مَا هُوَ مُوسِرٌ بِهِ) مِمَّنْ مَلَكَ جُزْأَهُ بِغَيْرِ الْإِرْثِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوسِرًا بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ عَتَقَ مَا مَلَكَهُ فَقَطْ (وَ) إنْ مَلَكَ جُزْأَهُ (بِإِرْثٍ لَمْ يَعْتِقْ) عَلَيْهِ (إلَّا مَا مَلَكَ) مِنْهُ (وَلَوْ) كَانَ الْوَارِثُ (مُوسِرًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ إلَى إعْتَاقِهِ؛ لِحُصُولِ مِلْكِهِ بِدُونِ قَصْدِهِ وَفِعْلِهِ (وَ) يَعْتِقُ عَلَيْهِ (بِفِعْلٍ) مُحَرَّمٍ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (فَمَنْ مَثَّلَ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ، قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: مَثَّلْت بِالْحَيَوَانِ أُمَثِّل تَمْثِيلًا: إذَا قَطَعْت أَطْرَافَهُ، وَبِالْعَبْدِ إذَا جَدَعَتْ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ وَنَحْوَهُ (وَلَوْ) كَانَ التَّمْثِيلُ (بِلَا قَصْدٍ) كَمَا لَوْ حَصَلَ التَّمْثِيلُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (وَيَتَّجِهُ أَوْ) كَانَ الْمُمَثَّلُ (غَيْرَ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 698 كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ؛ إذْ لَا فَرْقَ فِي ضَمَانِ الْجِنَايَاتِ بَيْنَ جَائِزِ التَّصَرُّفِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِرَقِيقِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَثَّلَ. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ رَقِيقُهُ (مُكَاتَبًا) إذْ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّقِيقِ الْمَحْضِ، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَجَدَعَ) ؛ أَيْ: قَطَعَ (أَنْفَهُ أَوْ) قَطَعَ (أُذُنَهُ أَوْ) قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ كَيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ، أَوْ جَبَّهُ بِأَنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ أَوْ (خَصَاهُ) بِأَنْ قَطَعَ خُصْيَتَيْهِ (أَوْ خَرَقَ) عُضْوًا مِنْهُ كَكَفِّهِ بِنَحْوِ مِسَلَّةٍ (أَوْ حَرَقَ عُضْوًا مِنْهُ) بِالنَّارِ كَأُصْبُعِهِ (عَتَقَ) نَصًّا (بِلَا حُكْمِ) حَاكِمٍ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ زِنْبَاعًا أَبَا رَوْحٍ وَجَدَ غُلَامًا لَهُ مَعَ جَارِيَتِهِ، فَقَطَعَ ذَكَرَهُ، وَجَدَعَ أَنْفَهُ، فَأَتَى الْعَبْدُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا حَمَلَك عَلَى مَا فَعَلْت؟ قَالَ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ (وَلَهُ) ؛ أَيْ: سَيِّدِ الْعَتِيقِ بِالتَّمْثِيلِ (وَلَاؤُهُ) نَصًّا لِعُمُومِ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) . (وَكَذَا لَوْ اسْتَكْرَهَهُ) ؛ أَيْ: الْقِنَّ سَيِّدُهُ (عَلَى الْفَاحِشَةِ) بِأَنْ لَاطَ بِهِ مُكْرَهًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُثْلَةِ (أَوْ وَطِئَ) سَيِّدٌ (مِنْ) ؛ أَيْ: أَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي (لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا لِصِغَرٍ، فَأَفْضَاهَا) ؛ أَيْ: خَرَقَ مَا بَيْنَ سَبِيلَيْهَا، فَتُعْتَقُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَلَوْ مَثَّلَ بِعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ؛ عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَسَرَى الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمُمَثِّلِ مُوسِرًا بِقِيمَةٍ بَاقِيَةٍ فَاضِلَةٍ كَفِطْرَةٍ، وَضَمِنَ لِلشَّرِيكِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ يَوْمَ عِتْقِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ بِالْقَوْلِ. (وَلَا عِتْقَ بِخَدْشٍ وَضَرْبٍ وَلَعْنٍ) لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الْعِتْقِ بِذَلِكَ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَعْتِقْ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ هَدَّدَهُ (وَمَالُ مُعْتَقٍ بِغَيْرِ أَدَاءٍ) مِنْ قِنٍّ وَمُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ (عِنْدَ عِتْقٍ لِسَيِّدٍ) مُعْتِقٍ لَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 699 (وَيَتَّجِهُ) لَوْ فَعَلَ سَيِّدٌ بِرَقِيقِهِ مَا يَقْتَضِي عِتْقَهُ بِغَيْرِ أَدَاءً كَتَمْثِيلِهِ بِهِ وَنَحْوِهِ؛ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ؛ وَيَأْخُذُ السَّيِّدُ مَا وَجَدَهُ بِيَدِ الرَّقِيقِ مِنْ الْمَالِ (وَلَوْ) كَانَ فِعْلَهُ ذَلِكَ (حِيلَةً) عَلَى أَخْذِ مَا بِيَدِهِ، كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ فِي نُجُومٍ مَعْلُومَةٍ، أَدَّاهُ بَعْضَهَا، وَبَقِيَ مَعَهُ مَالٌ أَضْعَافُ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ النُّجُومِ، فَمَثَّلَ بِهِ وَنَحْوُهُ سَيِّدُهُ؛ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِمُبَاشَرَتِهِ سَبَبَ الْعِتْقِ، لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ ذَلِكَ بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ؛ فَبَاقِي مَا بِيَدِهِ لَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ مَالَ مَنْ عَتَقَ بِغَيْرِ أَدَاءً لِسَيِّدِهِ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَنَسٍ لِحَدِيثِ الْأَثْرَمِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّهُ قَالَ لِغُلَامِهِ عُمَيْرٍ: يَا عُمَيْرُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَك عِتْقًا هَيِّنًا؛ فَأَخْبِرْنِي بِمَالِكَ؛ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ غُلَامَهُ، فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِمَالِهِ؛ فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ» . وَلِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ كَانَا لِلسَّيِّدِ، فَأَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَبَقِيَ مِلْكُهُ فِي الْآخَرِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ؛ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» . فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ؛ فَالْمَالُ لِلْعَبْدِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، فَقَالَ أَحْمَدُ يَرْوِيه عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ أَهْل مِصْرَ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، كَانَ صَاحِبَ فِقْهٍ، فَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَلَيْسَ فِيهِ بِالْقَوِيِّ. [فَصْلٌ إعْتَاق جُزْء مُشَاع مِنْ قِنٍّ] (فَصْلٌ) (وَمَنْ أَعْتَقَ مِنْ قِنٍّ) يَمْلِكُهُ (جُزْءًا مُشَاعًا، كَنِصْفٍ، وَنَحْوِهِ) كَعُشْرٍ، أَوْ جُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ (أَوْ) أَعْتَقَ جُزْءًا (مُعَيَّنًا كَأَنْفٍ وَيَدٍ) وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ وَنَحْوِهَا (لَا نَحْوِ شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَسِنٍّ) كَدَمْعٍ وَعَرَقٍ وَلَبَنٍ وَمَنِيٍّ وَبَيَاضٍ وَسَوَادٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرٍ وَشَمٍّ وَلَمْسٍ وَذَوْقٍ (عَتَقَ كُلُّهُ) بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 700 أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ؛ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ» . قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ بَعْضِ مَمْلُوكِ الْآدَمِيِّ، فَزَالَ عَنْ جَمِيعِهِ كَالطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى السِّعَايَةِ، وَلَا يَنْبَنِي عَلَى التَّغَلُّبِ وَالسِّرَايَةِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ: شَعْرُك أَوْ نَحْوُهُ حُرٌّ؛ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَزُولُ، وَيَخْرُجُ غَيْرُهَا؛ فَهِيَ فِي قُوَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ. (وَمَنْ أَعْتَقَ كُلَّ) رَقِيقٍ (مُشْتَرَكٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ (وَلَوْ) كَانَ الرَّقِيقُ الْمُشْتَرَكُ (أُمَّ وَلَدٍ) بِأَنْ وَطْء اثْنَانِ أَمَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ، فَأَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِمَا كَمَا يَأْتِي (أَوْ) كَانَ الرَّقِيقُ الْمُشْتَرَكُ (مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُسْلِمًا وَالْمُعْتِقُ) لَهُ (كَافِرًا وَ) لَمْ يُعْتِقْ كُلَّهُ، بَلْ أَعْتَقَ (نَصِيبَهُ) مِنْهُ فَقَطْ، أَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ نَصِيبِهِ؛ بِأَنْ كَانَ لَهُ فِيهِ نِصْفٌ، فَأَعْتَقَ رُبُعَهُ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْمُعْتَقُ (يَوْمَ عَتَقَ) كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ (مُوسِرٌ) (كَمَا مَرَّ) فِي فِطْرَةٍ (بِقِيمَةٍ بَاقِيَةٍ) ؛ أَيْ: حَقُّ شَرِيكِهِ فِيهِ (عَتَقَ كُلُّهُ) عَلَى مُعْتِقِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (وَلَوْ مَعَ رَهْنِ شِقْصِ الشَّرِيكِ) وَكَوْنُهُ بِيَدِ مُرْتَهِنِهِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: الْمُعْتِقِ (قِيمَتُهُ) ؛ أَيْ: الشَّخْصِ الْمَرْهُونِ كَغَيْرِهِ تُجْعَلُ رَهْنًا (مَكَانَهُ) بِيَدِ مُرْتَهِنٍ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ؛ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ يَشْمَلُ جَمِيعَ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ. (وَيُضْمَنُ شِقْصٌ) عَتَقَ عَلَى شَرِيكٍ بِالسِّرَايَةِ (مِنْ مُكَاتَبٍ) بِالْحِصَّةِ (بِقِيمَتِهِ مُكَاتَبًا) يَوْمَ عِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّفْوِيتِ عَلَى رَبِّهِ، وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُ شَرِيكٍ لِنَصِيبِهِ بَعْدَ سِرَايَةِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا بِعِتْقِ الْأَوَّلِ لَهُ، وَتَسْتَقِرُّ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ (وَإِلَّا) يَكُنْ مُوسِرًا بِقِيمَةِ بَاقِيهِ كُلِّهِ (فَ) إنَّهُ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى مَا يَمْلِكُهُ إلَّا (مَا قَابَلَ مَا هُوَ) ؛ أَيْ: الْمُعْتِقُ (مُوسِرٌ بِهِ) مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 701 قِيمَتِهِ (وَالْمُعْسِرُ يَعْتِقُ حَقَّهُ) ؛ أَيْ: حِصَّتَهُ مِنْ الرَّقِيقِ الْمُشْتَرَكِ (فَقَطْ) يَعْنِي وَلَا يَسْرِي عِتْقُهُ، إذَا كَانَ مُعْسِرًا إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ (وَيَبْقَى حَقُّ شَرِيكِهِ) فِي مِلْكِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» ) فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الرَّقِيقِ الْمُشْتَرَكِ حِينَ اللَّفْظِ بِالْعِتْقِ؛ رُجِعَ إلَى قَوْلِ الْمُقَوِّمِينَ؛ لِأَنَّ لَهُمْ خِبْرَةً بِالْقِيمَةِ، وَهُمْ أَدْرَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ قَاسِمَيْنِ. (وَمَنْ لَهُ نِصْفُ قِنٍّ، وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ، وَلِثَالِثٍ سُدُسُهُ، فَأَعْتَقَ مُوسِرَانِ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (حَقَّهُمَا) مِنْهُ (مَعًا) بِأَنْ تَلَفَّظَا بِذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، أَوْ وَكَّلَا مَنْ أَعْتَقَ عَنْهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ (تَسَاوَيَا فِي ضَمَانِ) حَقِّ شَرِيكٍ (بَاقٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لِأَنَّ عِتْقَ نَصِيبِ شَرِيكِهِمَا الثَّالِثِ عَلَيْهِمَا إتْلَافٌ لِرِقٍّ، وَقَدْ اشْتَرَكَا) فَتَسَاوَيَا فِي ضَمَانِهِ، وَيُفَارِقُ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ نَصِيبِ الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ؛ فَكَانَ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ، (وَ) تُسَاوَيَا فِي (وَلَائِهِ) ؛ أَيْ: وَلَاءِ عِتْقِ مَا تَسَاوَيَا فِي ضَمَانِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقَانِ مَعًا صَاحِبَ النِّصْفِ وَصَاحِبَ السُّدُسِ؛ كَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّا إذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ ثُلُثَ الشَّرِيكِ يَعْتِقُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهُ سُدُسٌ إذَا ضَمَمْنَاهُ إلَى النِّصْفِ الَّذِي لِأَحَدِهِمَا صَارَ ثُلُثَيْنِ، وَإِذَا ضَمَمْنَا السُّدُسَ الْآخَرَ إلَى سُدُسِ الْمُعْتِقِ صَارَ ثُلُثًا. وَلَوْ كَانَ اللَّذَانِ أَعْتَقَا مَعًا صَاحِبَ النِّصْفِ وَصَاحِبَ الثُّلُثِ؛ صَارَ لِمَنْ كَانَ لَهُ النِّصْفُ ثُلُثُ الْوَلَاءِ وَرُبُعُهُ، وَلِمَنْ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ رُبُعُ الْوَلَاءِ وَسُدُسُهُ. وَلَوْ كَانَا صَاحِبَ الثُّلُثِ وَصَاحِبَ السُّدُسِ؛ صَارَ لِمَنْ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ ثُلُثُ الْوَلَاءِ، وَرُبُعُهُ، وَلِمَنْ كَانَ لَهُ السُّدُسُ رُبُعُ الْوَلَاءِ وَسُدُسُهُ. وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا دُونَ الْآخَرِ؛ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ الثَّالِثِ دُونَ شَرِيكِهِ الْمُعْسِرِ؛ لِأَنَّ الْمُعْسِرَ لَا يَسْرِي عِتْقُهُ، فَيَكُونُ ضَمَانُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ الثَّالِثِ عَلَى الْمُوسِرِ خَاصَّةً، وَوَلَاؤُهُ لَهُ. (وَ) قَوْلُ شَرِيكٍ فِي رَقِيقٍ (أَعْتَقْت نَصِيبَ شَرِيكِي لَغْوٌ) وَلَوْ مُوسِرًا، وَلَوْ رَضِيَ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصَرُّفَ لَهُ فِيهِ، وَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ (كَقَوْلِهِ لَقِنِّ غَيْرِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 702 أَنْتَ حُرٌّ مِنْ مَالِي أَوْ) أَنْتَ حُرٌّ (فِيهِ) أَيْ: مَالِي (فَلَا يَعْتِقُ) عَلَى قَائِلٍ (وَلَوْ رَضِيَ سَيِّدُهُ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى قِنِّ غَيْرِهِ (وَ) إنْ قَالَ شَرِيكٌ فِي قِنٍّ (أَعْتَقْت النَّصِيبَ) فَإِنَّهُ (يَنْصَرِفُ إلَى مِلْكِهِ) مِنْ رَقِيقٍ (ثُمَّ يَسْرِي) إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ إنْ كَانَ الْقَائِلُ مُوسِرًا بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ نَصِيبَهُ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي دَارٍ بَيْنَهُمَا، قَالَ أَحَدُهُمَا: بِعْتُك نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ لَا يَجُوزُ، إنَّمَا لَهُ الرُّبُعُ مِنْ النِّصْفِ حَتَّى يَقُولَ نَصِيبِي (وَلَوْ وَكَّلَ شَرِيكٌ شَرِيكَهُ فِي عِتْقِ نَصِيبِهِ مِنْ رَقِيقٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَأَعْتَقَ الْوَكِيلُ نِصْفَهُ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ (وَلَا نِيَّةَ) لَهُ بِأَنْ لَمْ يَنْوِ نِصْفَ نَفْسِهِ وَلَا نِصْفَ مُوَكِّلِهِ (انْصَرَفَ) الْعِتْقُ (لِنَصِيبِهِ) ؛ أَيْ: الْمُعْتِقِ دُونَ مُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ فِي مَالِهِ مَا لَمْ يَنْوِهِ عَنْ مُوَكِّلِهِ (وَأَيُّهُمَا) ؛ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (سَرَى عَلَيْهِ) الْعِتْقُ بِعِتْقِهِ النِّصْفَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ شَرِيكِهِ (لَمْ يَضْمَنْهُ) ؛ أَيْ: نَصِيبَ شَرِيكِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَاهُ مَعًا (وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْ) شَرِيكَيْنِ (مُوسِرَيْنِ أَنْ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ) مِنْ رَقِيقٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا (عَتَقَ الْمُشْتَرَكُ لِاعْتِرَافِ كُلٍّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (بِحُرِّيَّتِهِ وَصَارَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (مُدَعِّيًا عَلَى شَرِيكِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ قِيمَتِهِ) فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حُكِمَ لَهُ بِهَا (وَ) إنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ (يَحْلِفُ كُلٌّ) مِنْهُمَا لِلْآخَرِ (لِلسِّرَايَةِ) فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ عَلَيْهِ لِلْآخَرِ، وَإِنْ نَكَلَا جَمِيعًا تَسَاقَطَا حَقَّاهُمَا، لِتَمَاثُلِهِمَا (وَوَلَاؤُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ) دُونَهُمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَدَّعِيه أَشْبَهَ الْمَالَ الضَّائِعَ (مَا لَمْ يَعْتَرِفْ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ) كُلِّهِ أَوْ جُزْئِهِ (فَيَثْبُتُ لَهُ) وَلَاؤُهُ (وَيَضْمَنُ حَقَّ شَرِيكِهِ) ؛ أَيْ: قِيمَةَ حِصَّتِهِ؛ لِاعْتِرَافِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْحَالِ بَيْنَ كَوْنِهِمَا عَدْلَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ، مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ؛ لِتَسَاوِيهِمْ فِي الِاعْتِرَافِ وَالدَّعْوَى (وَيَعْتِقُ حَقُّ) شَرِيكٍ (مُعْسِرٍ فَقَطْ مَعَ يُسْرِ) الشَّرِيكِ (الْآخَرِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ، لِاعْتِرَافِ الْمُعْسِرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 703 بِأَنَّ نَصِيبَهُ صَارَ حُرًّا بِإِعْتَاقِ شَرِيكِهِ الْمُوسِرِ بِسِرَايَةِ عِتْقِهِ إلَى حِصَّةِ الْمُعْسِرِ، وَأَمَّا الْمُوسِرُ؛ فَلَا يَعْتِقُ نَصِيبَهُ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ الْمُعْسِرَ الَّذِي لَا يَسْرِي عِتْقُهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ؛ فَعَتَقَ وَحْدَهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُعْسِرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا بِإِيجَابِ قِيمَةِ حِصَّتِهِ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ بَيِّنَةٌ سِوَاهُ حَلَفَ الْمُوسِرُ وَبَرِئَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَلَا وَلَاءَ لِلْمُعْسِرِ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيه، وَلَا لِلْمُوسِرِ أَيْضًا، فَإِذَا عَادَ الْمُعْسِرُ، فَاعْتَرَفَ بِالْعِتْقِ ثَبَتَ لَهُ وَلَاءُ حِصَّتِهِ، وَإِنْ عَادَ الْمُوسِرُ، فَاعْتَرَفَ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ، وَصَدَّقَهُ الْمُعْسِرُ مَعَ إنْكَارِ الْمُعْسِرِ لِعِتْقِ نَصِيبِهِ؛ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُعْسِرِ أَيْضًا، وَعَلَى الْمُوسِرِ غَرَامَةُ نَصِيبِ الْمُعْسِرِ وَلَهُ الْوَلَاءُ عَلَى جَمِيعِهِ (وَمَعَ عُسْرِيَّتِهِمَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ الْمُدَّعِي كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ الْآخَرَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ (لَا يَعْتِقُ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الرَّقِيقِ الْمُشْتَرَكِ (شَيْءٌ) لِأَنَّ عِتْقَ الْمُعْسِرِ لَا يَسْرِي عَلَى شَرِيكِهِ، فَلَا اعْتِرَافَ لِأَحَدِهِمَا بِعِتْقِ نَصِيبِهِ، وَلَيْسَ فِي دَعْوَاهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى شَرِيكِهِ، فَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ؛ فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمَا. (وَإِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ فَشَهِدَا) ؛ أَيْ: فَشَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ (فَمَنْ حَلَفَ مَعَهُ) الرَّقِيقُ (الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَهُمَا (عَتَقَ نَصِيبُ صَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ بِشَهَادَتِهِ نَفْعًا إلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمَا ضَرَرًا، فَلَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الرَّقِيقُ مَعَ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا؛ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْصُلُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَدْلًا دُونَ الْآخِرِ حَلَفَ مَعَ شَهَادَةِ الْعَدْلِ، وَصَارَ نِصْفُهُ حُرًّا، وَيَبْقَى النِّصْفُ الْآخَرُ رَقِيقًا (وَأَيُّ الْمُعْسِرَيْنِ) الْمُتَدَاعِيَيْنِ (مَلَكَ مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ الْمُعْسِرِ شَيْئًا عَتَقَ) عَلَيْهِ مَا مَلَكَهُ مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَلَمْ يَسْرِ) الْعِتْقُ (إلَى نَصِيبِهِ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ لِمَا مَلَكَهُ حَصَلَ بِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِ بِإِعْتَاقِ شَرِيكِهِ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيه، بَلْ يَعْتَرِفُ أَنَّ الْمُعْتِقَ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَلِّصٌ لَهُ مِمَّنْ يَسْتَرِقُّهُ ظُلْمًا؛ فَهُوَ كَمُخَلِّصِ الْأَسِيرِ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ. وَفِي " الْإِقْنَاعِ " إنْ اشْتَرَى الْمُدَّعِي حَقَّ شَرِيكِهِ؛ عَتَقَ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 704 كُلُّهُ مَعَ أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ، وَلَوْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ؛ صَارَ الرَّقِيقُ الْمُشْتَرَكُ كُلُّهُ حُرًّا، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشِرَاءٍ مِنْ الْآخَرِ، ثُمَّ أَقَرَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ قَبْلَ بَيْعِهِ، وَصَدَقَ الْآخَرُ فِي شَهَادَتِهِ؛ بَطَلَ الْبَيْعَانِ، وَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى نِصْفِهِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُنَازِعُهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُصَدِّقُ الْآخَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ. (وَمَنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا أَعْتَقَا نَصِيبَهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً) بِأَنْ تَلَفَّظَا بِالْعِتْقِ مَعًا، أَوْ وَكَّلَا وَاحِدًا أَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا، فَدَخَلَهَا (فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا) بِحَسَبِ مَا كَانَ لَهُمَا فِيهِ، وَلَا غُرْمَ؛ لِعَدَمِ السِّرَايَةِ. (وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ) مِنْهُمَا (أَنَّهُ الْمُعْتِقُ وَحْدَهُ أَوْ) ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا (أَنَّهُ السَّابِقُ) بِالْعِتْقِ لِيَخْتَصَّ بِالْوَلَاءِ، فَأَنْكَرَ الْآخَرُ (وَتَحَالَفَا) ؛ أَيْ: حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إنْكَارِ مَا ادَّعَاهُ شَرِيكُهُ (فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) حَيْثُ كَانَ مِلْكُ الْعَبْدِ لَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا كَانَ لَهُ. (وَمَنْ قَالَ لِشَرِيكِهِ الْمُوسِرِ: إنْ أَعْتَقْت نَصِيبَك فَنَصِيبِي حُرٌّ فَأَعْتَقَهُ) ؛ أَيْ: نَصِيبَهُ الشَّرِيكُ الْمُوسِرُ (عَتَقَ الْبَاقِي) مِنْ الرَّقِيقِ الْمُشْتَرَكِ (بِالسِّرَايَةِ) عَلَيْهِ (مَضْمُونًا) عَلَى الْمُوسِرِ بِقِيمَتِهِ؛ لِسَبْقِ السِّرَايَةِ، فَمَنَعْت عِتْقَ الشَّرِيكِ الْمُعَلَّقِ، وَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لِلْمُوسِرِ (وَإِنْ كَانَ) الْمَقُولُ لَهُ إنْ أَعْتَقْت نَصِيبَك فَنَصِيبِي حُرٌّ (مُعْسِرًا) وَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ (عَتَقَ عَلَى كُلٍّ) مِنْهُمَا (نَصِيبُهُ) الْمُبَاشَرُ بِالتَّنْجِيزِ وَالْآخَرُ بِالتَّعْلِيقِ. (وَ) إنْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ (إنْ أَعْتَقْت نَصِيبَك فَنَصِيبِي حُرٌّ مَعَ نَصِيبِك، فَفَعَلَ) ؛ أَيْ: أَعْتَقَ نَصِيبَهُ (عَتَقَ) الْمُشْتَرَكُ (عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ، أَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَمْ يَلْزَمْ الْمُعْتِقُ شَيْءٌ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 705 لِوُجُودِ الْعِتْقِ مِنْهُمَا مَعًا، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَكَّلَ الشَّرِيكَانِ غَيْرَهُمَا فِي إعْتَاقِهِ، فَأَعْتَقَهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ قَالَ: إذَا أَعْتَقْت نَصِيبَك فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَ إعْتَاقِك، فَأَعْتَقَ الْمَقُولُ لَهُ نَصِيبَهُ؛ وَقَعَ عِتْقُهُ عَنْهُمَا مَعًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا ضَمَانَ. (وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ صَلَّيْت مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهُ، فَصَلَّتْ كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ (عَتَقَتْ وَصَحَّتْ) صَلَاتُهَا؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ صَلَاتُهَا الصَّحِيحَةُ، وَلَغَا قَوْلُهُ قَبْلَهُ. (وَإِنْ) قَالَ لِرَقِيقِهِ (إنْ أَقْرَرْت بِك لِزَيْدٍ فَأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَهُ، فَأَقَرَّ بِهِ لَهُ) ؛ أَيْ: لِزَيْدٍ (صَحَّ إقْرَارُهُ) لَهُ (فَقَطْ) دُونَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ (وَ) إنْ قَالَ لِقِنِّهِ (إنْ أَقْرَرْت بِك لِزَيْدٍ فَأَنْتَ حُرٌّ مَعَ) إقْرَارِي، (أَوْ سَاعَةَ إقْرَارِي، فَفَعَلَ) ؛ أَيْ: فَأَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ (لَمْ يَصِحَّا) ؛ أَيْ: الْإِقْرَارُ وَلَا الْعِتْقُ لِتَنَافِيهِمَا. (وَيَصِحُّ) (شِرَاءُ شَاهِدَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا (لِمَنْ) ؛ أَيْ: رَقِيقٍ شَهِدَا عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ، وَ (رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا بِعِتْقِهِ) (وَيَعْتِقُ) عَلَيْهِمَا (كَانْتِقَالِهِ) ؛ أَيْ: مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لَهُ بِعِتْقِهِ (لَهُمَا بِغَيْرِ شِرَاءٍ) كَهِبَةٍ (وَلَا وَلَاءَ لَهُمَا) عَلَيْهِ؛ يَعْتَرِفَانِ أَنَّ الْمُعْتِقَ غَيْرُهُمَا، وَإِنَّمَا هُمَا مُخَلِّصَانِ لَهُ مِمَّنْ يَسْتَرِقُهُ ظُلْمًا (وَمَتَى رَجَعَ بَائِعٌ) فَاعْتَرَفَ بِعِتْقِهِ الْمَشْهُودِ بِهِ عَلَيْهِ مَعَ رَدِّ الشَّهَادَةِ (رَدَّ) الْبَائِعُ (مَا أَخَذَ) مِنْهُمَا عَلَى أَنَّهُ ثَمَنٌ وُجُوبًا؛ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ قَبْضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَاخْتَصَّ بِإِرْثِهِ) بِالْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ حَيْثُ بَقِيَ الشَّاهِدَانِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا (وَيُوقَفُ) إرْثُهُ (إنْ رَجَعَ الْكُلُّ) ؛ أَيْ: الشَّاهِدَانِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِعِتْقِهِ، وَرَجَعَ الْبَائِعُ عَنْ إنْكَارِهِ الْعِتْقَ بَعْدَ بَيْعِهِ (حَتَّى يَصْطَلِحُوا) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمْ. (وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدٌ) مِنْهُمْ؛ بِأَنْ لَمْ يَرْجِعْ الْبَائِعُ عَنْ إنْكَارِ عِتْقِهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ الشَّاهِدَانِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ (فَ) إرْثُهُ (لِبَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ كُلًّا مُقِرٌّ بِأَنَّهُ لَا حَقٌّ لَهُ فِيهِ، فَيَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا مَالِكٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 706 [فَصْلٌ فِي تَعْلِيق عِتْقٍ بِصِفَةٍ] (فَصْلٌ: وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ كَ) قَوْلِهِ (إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ) لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، فَصَحَّ كَالتَّدْبِيرِ (وَلَا يَمْلِكُ) السَّيِّدُ (إبْطَالَهُ) ؛ أَيْ: التَّعْلِيقِ (مَا دَامَ مِلْكَهُ) عَلَى الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لَازِمَةٌ أَلْزَمَهَا نَفْسَهُ، فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهَا بِالْقَوْلِ كَالنَّذْرِ، وَلَوْ اتَّفَقَ السَّيِّدُ وَالرَّقِيقُ عَلَى إبْطَالِهِ؛ لَمْ يَبْطُلْ لِذَلِكَ (وَلَا يَعْتِقُ) مَقُولٌ لَهُ: إنْ أَعْطَيْتنِي أَوْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا (بِإِبْرَاءِ) سَيِّدِهِ لَهُ مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ يُبْرِئُهُ مِنْهُ (وَيَسْتَمِرُّ التَّعْلِيقُ) إلَى الْأَدَاءِ (فَإِذَا أَدَّى) الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ (الْأَلْفَ كُلَّهُ عَتَقَ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (وَمَا فَضَلَ عَنْهُ) ؛ أَيْ: الْأَلْفِ بِيَدِ رَقِيقٍ (فَلِسَيِّدٍ) كَالْمُنْجَزِ عِتْقُهُ، وَمَا يَكْسِبُهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُهُ إلَّا أَنَّ السَّيِّدَ يَحْسِبُ لَهُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْأَلْفِ، فَإِذَا كَمُلَ أَدَاؤُهُ؛ عَتَقَ، وَلَا يَكْفِيه إعْطَاؤُهُ مِنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ (وَ) إذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى مَجِيءِ وَقْتٍ كَقَوْلِهِ (أَنْتَ حُرٌّ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ) لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَجِيءَ رَأْسُ الْحَوْلِ (أَوْ) قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ (إلَى أَنْ يَجِيءَ فُلَانٌ فَحَتَّى يُوجَدَ) الْمَجِيءُ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَالَ لِغُلَامِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إلَى أَنْ يَقْدُمَ فُلَانٌ وَيَجِيءَ فُلَانٌ، وَإِلَى رَأْسِ السَّنَةِ، وَإِلَى رَأْسِ الشَّهْرِ، إنَّمَا يُرِيدُ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ جَاءَ رَأْسُ الْهِلَالِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِصِفَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا؛ كَمَا لَوْ قَالَ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا، فَأَنْتَ حُرٌّ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ (أَنْ يَطَأَ) أَمَةً عَلَّقَ عِتْقَهَا بِصِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا الْعِتْقَ بِوُجُودِ الصِّفَةِ لَا يَمْنَعُ إبَاحَةَ الْوَطْءِ كَالِاسْتِيلَادِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ؛ فَإِنَّهَا اشْتَرَتْ نَفْسَهَا مِنْ سَيِّدِهَا، وَمَلَكَتْ أَكْسَابَهَا وَمَنَافِعَهَا (وَ) لِلسَّيِّدِ أَنْ (يَقِفَ) رَقِيقًا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ قَبْلهَا (وَ) لَهُ أَنْ (يَنْقُلَ مِلْكَ مِنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ) بِصِفَةٍ (قَبْلَهَا) ثُمَّ إنْ وُجِدَتْ وَهُوَ فِي مِلْكِ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِحَدِيثِ: «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ وَلَا بَيْعَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» . وَلِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَقَعْ عِتْقُهُ كَمَا لَوْ نَجَّزَهُ (وَإِنْ عَادِ مِلْكُهُ) ؛ أَيْ: الْمُعَلِّقِ بِشِرَائِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 707 أَوْ إرْثِهِ وَنَحْوِهِ (وَلَوْ بَعْدَ وُجُودِهَا) ؛ أَيْ: الصِّفَةِ (حَالَ زَوَالِهِ) ؛ أَيْ: مِلْكِ الْمُعَلِّقِ عَنْهُ (عَادَتْ) الصِّفَةُ فَمَتَى وُجِدَتْ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ وَالشَّرْطَ وُجِدَا فِي مِلْكِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا زَوَالُ مِلْكٍ وَلَا وُجُودُ صِفَةٍ حَالَ زَوَالِهِ، وَلَا يَعْتِقُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ بِكَمَالِهَا كَالْجُعَلِ فِي الْجَعَالَةِ. (وَيَبْطُلُ تَعْلِيقٌ بِمَوْتِ) الْمُعَلِّقِ؛ لِزَوَالِ مِلْكِهِ زَوَالًا غَيْرَ قَابِلٍ لِلْعَوْدِ (فَقَوْلُهُ) : أَيْ: السَّيِّدِ لِرَقِيقِهِ (إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ، لَغْوٌ) كَقَوْلِهِ لِعَبْدِ غَيْرِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى صِفَةٍ تُوجَدُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَزَوَالِ مِلْكِهِ؛ فَلَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ بَيْعِي لَك فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلِأَنَّهُ إعْتَاقٌ لَهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ مِلْكِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَعْتِقْ بِهِ كَالْمُنَجَّزِ. (وَيَصِحُّ) مِنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ لِقِنِّهِ: (أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ أَبِي مُوسَى، كَمَا لَوْ وَصَّى بِإِعْتَاقِهِ، وَكَمَا لَوْ وَصَّى أَنْ تُبَاعَ سِلْعَتُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا (فَلَا يَمْلِكُ وَارِثٌ بَيْعَهُ) ؛ أَيْ: الرَّقِيقِ الَّذِي قِيلَ لَهُ ذَلِكَ (قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ (كَ) مَا لَا يَمْلِكُ وَارِثٌ بَيْعَ (مُوصًى بِعِتْقِهِ قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: قَبْلَ عِتْقِهِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَكَمَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَ مُوصًى بِهِ (لِمُعَيَّنٍ قَبْلَ قَبُولِهِ) ؛ أَيْ: قَبُولِ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ (وَكَسْبُهُ) ؛ أَيْ: الْمَقُولِ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ (بَعْدِ مَوْتِ) سَيِّدِهِ (وَقَبْلَ انْقِضَاءِ شَهْرٍ لِوَرَثَةِ) سَيِّدِهِ، كَكَسْبِ أُمِّ الْوَلَدِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهَا (وَكَذَا) قَوْلُ سَيِّدٍ لِرَقِيقِهِ: (اخْدِمْ زَيْدًا سَنَةً بَعْدَ مَوْتِي، ثُمَّ أَنْتَ حُرٌّ) فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَخَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا عَتَقَ (فَلَوْ أَبْرَأَهُ زَيْدٌ مِنْ الْخِدْمَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ) ؛ أَيْ: بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ. (عَتَقَ فِي الْحَالِ) ؛ أَيْ: حَالَ إبْرَاءِ زَيْدٍ لَهُ مِنْ الْخِدْمَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا وُهِبَتْ لَهُ، فَبَرِئَ مِنْهَا (وَإِنْ جَعَلَهَا) ؛ أَيْ: الْخِدْمَةَ (لِكَنِيسَةٍ) بِأَنْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: اخْدِمْ الْكَنِيسَةَ سَنَةً، ثُمَّ أَنْتَ حُرٌّ (وَهُمَا) ؛ أَيْ: السَّيِّدُ وَالْقِنُّ (كَافِرَانِ، فَأَسْلَمَ) الـ (قِنُّ قَبْلَ خِدْمَتِهِ) وَبَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ (عَتَقَ مَجَّانًا) ؛ أَيْ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ الْمَشْرُوطَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 708 عَلَيْهِ صَارَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُهُ مِنْهَا، فَيَبْطُلُ اشْتِرَاطُهَا، كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ شَرْطًا بَاطِلًا. (وَ) مَنْ قَالَ لِرَقِيقِهِ (إنْ خَدَمَتْ ابْنِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَخَدَمَهُ حَتَّى كَبُرَ وَاسْتَغْنَى عَنْ رَضَاعٍ؛ عَتَقَ) فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنٍ عَنْ الرَّضَاعِ؛ فَلَا يَعْتِقُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ إلْقَامِ الطَّعَامِ، وَعَنْ التَّنَجِّي مِنْ الْغَائِطِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ زَمَنِ الْخِدْمَةِ. فَمَنْ قَالَ لِقِنِّهِ: أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَ زَيْدًا مُدَّةَ حَيَاتِي؛ صَحَّ؛ لِحَدِيثِ سَفِينَةَ قَالَ: " كُنْت مَمْلُوكًا لِأُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: أَعْتِقُك، وَأَشْتَرِطُ عَلَيْك أَنْ تَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عِشْت، فَقُلْت: إنْ لَمْ تَشْتَرِطِي عَلَيَّ مَا فَارَقْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عِشْت، فَاعْتِقِينِي وَاشْتَرِطِي عَلَيَّ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِأَنَّ الْقِنَّ وَمَنَافِعَهُ لِسَيِّدِهِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ، وَاسْتَثْنَى مَنَافِعَهُ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ الرَّقَبَةَ، وَأَبْقَى الْمَنْفَعَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ عِلْمُ زَمَنِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَالزَّمَنُ يَخْتَلِفُ بِطُولِ الْمُدَّةِ وَقِصَرِهَا. (وَ) لَوْ قَالَ مَالِكُهُ لِرَقِيقِهِ: (إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَفَعَلَهُ) كَأَنْ قَالَ لَهُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَدَخَلَهَا (فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ صَارَ مُدَبَّرًا) لِوُجُودِ شَرْطِ التَّدْبِيرِ، وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ سَيِّدُهُ؛ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ظَرْفًا لِوُقُوعِ الْحُرِّيَّةِ؛ وَذَلِكَ يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِ الشَّرْطِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَ الْجَزَاءَ. (وَيَصِحُّ) مِنْ حُرٍّ (لَا مِنْ رَقِيقٍ عِتْقُ قِنَّ غَيْرِهِ بِمِلْكِهِ) بِخِلَافِ الرَّقِيقِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّعْلِيقُ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعِتْقِ مِنْهُ حِينَ التَّعْلِيقِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ إذَا كَانَ مُكَاتَبًا، فَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ كَمَالِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِخِلَافِ الْحُرِّ. (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَرَقِيقٍ) فِي الْحُكْمِ شَخْصٌ (غَيْرُ رَشِيدٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 709 لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ عَلَّقَ عِتْقَ رَقِيقِهِ بِصِفَةٍ؛ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ (وَلَوْ مَلَكَهُ) ؛ أَيْ: الرَّقِيقَ (بَعْدَ رُشْدِهِ) لِأَنَّهُ حِينَ عَقَدَ الصِّفَةَ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ مَمْنُوعًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَالتَّعْلِيقُ (نَحْوُ) قَوْلِهِ: (إنْ مَلَكْت فُلَانًا) فَهُوَ حُرٌّ (أَوْ) قَوْلِهِ: (كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ) فَإِذَا مَلَكَهُ جَائِزُ التَّصَرُّفِ حِينَ التَّعْلِيقِ؛ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى حَالٍ يَمْلِكُ عِتْقَهُ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ. وَرَوَى أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْغُلَامَ فَهُوَ حُرٌّ، فَاشْتَرَاهُ؛ عَتَقَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مَقْصُودٌ مِنْ الْمِلْكِ، وَالنِّكَاحُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا فِيهِ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْقَائِلَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ لَا يَثْبُتُ لَهُ مِلْكٌ عَلَى رَقِيقٍ أَصْلًا؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ (إذَنْ تَعَذُّرُ عِتْقِهِ) ؛ أَيْ: الْقَائِلِ ذَلِكَ (قِنًّا عَنْ كَفَّارَةٍ) لَزِمَتْهُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ مِلْكِهِ رَقِيقًا يَعْتِقُ عَلَيْهِ (وَيُحْتَمَلُ) أَنَّ الْقَائِلَ ذَلِكَ إذَا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا فِي عِتْقٍ (إلَّا فِي) صُورَةٍ هِيَ أَنْ يَقُولَ لِمَالِكِ عَبْدٍ: (أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي) فَيَفْعَلُ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ، وَيَقَعُ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَائِلِ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي ذَلِكَ، وَيَلْزَمُ الْقَائِلَ لِلْمَقُولِ لَهُ ثَمَنُ الْعَبْدِ بِالْتِزَامِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 710 بِأَنْ قَالَ لَهُ: أَعْتِقْهُ وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، وَالْوَلَاءُ لِمُعْتَقٍ عَنْهُ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَلَاءِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَ (لَا) يَصِحُّ تَعْلِيقُ عِتْقِ قِنٍّ (بِغَيْرِ مِلْكِهِ) لَهُ (نَحْوُ) قَوْلِهِ (إنْ كَلَّمْت عَبْدَ زَيْدٍ فَ) هُوَ (حُرٌّ، فَلَا يَعْتِقُ إنْ مَلَكَهُ، ثُمَّ كَلَّمَهُ) رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِتَنْجِيزِهِ، فَلَمْ يَعْتِقْ بِتَعْلِيقِهِ، وَإِنَّمَا خُولِفَ الْقِيَاسُ فِي تَعْلِيقِهِ بِمِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مَقْصُودٌ مِنْ الْمِلْكِ (وَ) إنْ قَالَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ: (أَوَّلُ) قِنٍّ أَمْلِكُهُ حُرٌّ (أَوْ) قَالَ: (آخِرُ قِنٍّ أَمْلِكُهُ) حُرٌّ (أَوْ) قَالَ: أَوَّلُ أَوْ آخِرُ مَنْ (يَطْلُعُ مِنْ رَقِيقِي حُرٌّ، فَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا وَاحِدًا؛ عَتَقَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْأَوَّلِ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ ثَانٍ، وَلَا مِنْ شَرْطِ الْآخِرِ أَنْ يَأْتِيَ قَبْلَهُ أَوَّلٌ، وَلِذَلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ (وَلَوْ مَلَكَ اثْنَيْنِ مَعًا أَوَّلًا وَآخِرًا) عَتَقَ وَاحِدٌ بِقُرْعَةٍ، وَكَذَا لَوْ طَلَعَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ مَعًا، نَصًّا (أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ) فَهُوَ (حُرٌّ، فَوَلَدَتْ) وَلَدَيْنِ (حَيَّيْنِ) خَرَجَا (مَعًا عَتَقَ وَاحِدٌ بِقُرْعَةٍ) لِشُمُولِ صِفَةِ الْأَوَّلِيَّةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ، وَالْمُعَلِّقُ إنَّمَا أَرَادَ عِتْقَ وَاحِدٍ فَقَطْ، فَمُيِّزَ بِالْقُرْعَةِ. (وَ) إنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: (آخِرُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ حَيًّا، ثُمَّ مَيِّتًا؛ لَمْ يَعْتِقْ حَيٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَخِرٍ، فَلَمْ تُوجَدْ فِيهِ الصِّفَةُ (وَعَكْسُهُ) بِأَنْ وَلَدَتْ مَيِّتًا، ثُمَّ وَلَدَتْ حَيًّا؛ فَإِنَّهُ (يَعْتِقُ) الْحَيُّ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ فِيهِ (وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا) ؛ أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 711 الْوَلَدَيْنِ تَوْأَمَيْنِ (وَأَشْكَلَ) آخِرُهُمَا خُرُوجًا (أُخْرِجَ بِقُرْعَةٍ) لِأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ، وَلَمْ يُعْلَمْ بِعَيْنِهِ، فَوَجَبَ إخْرَاجُهُ بِالْقُرْعَةِ. وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ، أَوْ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا حَيًّا؛ لَمْ يَعْتِقْ الْحَيُّ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا وُجِدَتْ فِي الْمَيِّتِ، وَلَيْسَ مَحَلُّ الْعِتْقِ، فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِهِ. (وَ) إنْ قَالَ لِإِمَائِهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ (أَوَّلُ أَمَةٍ) لِي تَطْلُعُ (أَوْ) أَوَّلُ (امْرَأَةٍ لِي تَطْلُعُ) فَالْأَمَةُ (حُرَّةٌ أَوْ) الْمَرْأَةُ (طَالِقٌ، فَطَلَعَ الْكُلُّ) مِنْ إمَائِهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ مَعًا (أَوْ) طَلَعَ (اثْنَتَانِ) مِنْهُنَّ (مَعًا عَتَقَ) مِنْ الْإِمَاءِ وَاحِدَةَ بِقُرْعَةٍ (وَطَلَّقَ) مِنْ الزَّوْجَاتِ (وَاحِدَةً بِقُرْعَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْأَوَّلِيَّةِ شَامِلَةٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِانْفِرَادِهَا، وَالْمُعْتِقُ وَنَحْوُهُ إنَّمَا أَرَادَ عِتْقَ أَوْ طَلَاقَ إحْدَاهُنَّ، فَتُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا إلَّا بِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ (لَا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ (فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ) وَأَوَّلُ مَنْ تَقُومُ مِنْكُنَّ فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ أَوَّلُ مَنْ قَامَ مِنْ عَبِيدِي فَهُوَ حُرٌّ، فَقَامَ الْكُلُّ دَفْعَةً وَاحِدَةً؛ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ تَبِعَ فِيهِ " الشَّرْحَ " وَ " الْمُبْدِعَ " وَهُوَ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ (وَإِنْ) قَالَ لِإِمَائِهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ: أَوَّلُ مَنْ قَامَتْ مِنْكُنَّ فَهِيَ حُرَّةٌ فَ (قَامَ) مِنْهُنَّ (اثْنَتَانِ فَأَكْثَرُ مَعًا، ثُمَّ قَامَتْ) مِنْهُنَّ (أُخْرَى؛ وَقَعَ) الْعِتْقُ أَوْ الطَّلَاقُ (بِمَنْ قَامَ) مِنْهُنَّ (أَوَّلًا) وَتَخْرُجُ بِقُرْعَةٍ (وَ) إنْ قَالَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ: (آخِرُ قِنٍّ أَمْلِكُهُ) فَهُوَ (حُرٌّ، فَمَلَكَ عَبِيدًا) أَوْ إمَاءً أَوْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ (ثُمَّ مَاتَ) السَّيِّدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 712 (فَ) يَعْتِقُ (آخِرُهُمْ) مِلْكًا (مِنْ حِينِ مَلَكَهُ) سَوَاءٌ كَانَ الْمِلْكُ بِشِرَاءٍ أَوْ اتِّهَابٍ أَوْ إصْدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ مَا دَامَ حَيًّا يُحْتَمَلُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَنَحْوُهُ آخِرٌ بَعْدَ الَّذِي فِي مِلْكِهِ، فَيَكُونُ هُوَ الْآخِرُ، فَلَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْ رَقِيقِهِ، فَإِذَا مَاتَ عَلِمْنَا أَنَّ آخِرَ مَا مَلَكَهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ يَقِينًا (وَكَسْبُهُ) ؛ أَيْ: الَّذِي تَبَيَّنَ عِتْقُهُ (لَهُ) دُونَ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مِنْ حِينِ انْتِقَالِهِ إلَيْهِ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى مَنْ قَالَ: آخِرُ قِنٍّ أَمْلِكُهُ حُرٌّ (وَطِئَ أَمَةً) اشْتَرَاهَا وَنَحْوُهُ بَعْدَ ذَلِكَ (حَتَّى يَمْلِكَ غَيْرَهَا) لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَمْلِكَ بَعْدَهَا قِنًّا، فَتَكُونُ حُرَّةً مِنْ حِينِ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ، وَيَكُونُ وَطْؤُهُ فِي حُرَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ؛ وَلَا يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ إلَّا بِمِلْكِهِ غَيْرَهَا، وَكَذَا الثَّانِيَةُ وَهَلُمَّ جَرًّا، كُلَّمَا مَلَكَ أَمَةً حُرِّمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا حَتَّى يَمْلِكَ غَيْرَهَا. (تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ مَلَكَ قَائِلُ ذَلِكَ أَمَةً، وَأَتَتْ مِنْهُ بِأَوْلَادٍ، وَمَاتَ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا آخِرُ مَا مَلَكَ مِنْ الْأَرِقَّاءِ، كَانَ أَوْلَادُهَا أَحْرَارًا مِنْ حِينِ عَلِقَتْ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ حُرَّةٍ فَتَبِعُوهَا، وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا آخِرٌ؛ فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَطِئَ حُرَّةً بِشُبْهَةٍ. (وَ) إنْ قَالَ (آخِرُ مَنْ تَدْخُلُ الْحَمَّامَ) مِنْ زَوْجَاتِهِ (طَالِقٌ، فَدَخَلَ بَعْضُهُنَّ) ؛ أَيْ: زَوْجَاتِهِ (لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ دُخُولِ غَيْرِهَا بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ (أَوْ) يَيْأَسَ بِ (مَوْتِهِنَّ) ؛ أَيْ: الزَّوْجَاتِ (فَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِآخِرِهِنَّ دُخُولًا مِنْ حِينِ مَوْتِهِ، وَكَذَا) حُكْمُ (عِتْقٍ) إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَمِثْلُهَا فِي الْحُكْمِ لَوْ قَالَ سَيِّدٌ لِعَبْدِهِ: إنْ لَمْ أَضْرِبْك عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ مَثَلًا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَمْ يَنْوِ وَقْتًا؛ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا، فَيَعْتِقُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ؛ لِلْيَأْسِ مِنْ ضَرْبِهِ، وَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ صَحَّ، وَلَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ (وَيَتْبَعُ مُعْتِقَهُ بِصِفَةٍ) عَلَّقَ عَلَيْهَا عِتْقَهَا (وَلَدٌ) ؛ أَيْ: وَلَدُهَا فِي عِتْقِهِ إنْ (كَانَتْ حَامِلًا بِهِ حَالَ عِتْقِهَا) بِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا عَلَيْهَا؛ لِوُجُودِ الْعِتْقِ فِيهَا، وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 713 فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا فِي الْعِتْقِ كَالْمُنَجَّزِ عِتْقُهَا (أَوْ) كَانَتْ حَامِلًا بِهِ (حَالَ تَعْلِيقِهِ) ؛ أَيْ: الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حِينَ التَّعْلِيقِ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، فَسَرَى التَّعْلِيقُ إلَيْهِ، فَلَوْ وَضَعَتْهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ؛ عَتَقَتْ هِيَ وَوَلَدُهَا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ فِي الصِّفَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَتَقَتْ وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ. وَ (لَا) يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ (مَا) ؛ أَيْ: وَلَدٌ (حَمَلَتْهُ، وَوَضَعَتْهُ بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَوُجُودِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ حَالَ التَّعْلِيقِ وَلَا حَالَ وُجُودِ الصِّفَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مَوْجُودًا قَبْلَ التَّعْلِيقِ. (وَ) مَنْ قَالَ لِقِنِّهِ: (أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ) فَإِنَّهُ (يَعْتِقُ بِلَا شَيْءٍ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ عِوَضًا لَمْ يَقْبَلْهُ، فَعَتَقَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ (وَ) إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ (عَلَى أَلْفٍ أَوْ) أَنْتَ حُرٌّ (بِأَلْفٍ، أَوْ) أَنْتَ حُرٌّ (عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا، أَوْ) قَالَ لَهُ: (بِعْتُك نَفْسَك بِأَلْفٍ، لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَقْبَلَ) لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَلَى عِوَضٍ، فَلَمْ يَعْتِقْ بِدُونِ قَبُولِهِ، وَلِأَنَّ عَلَى تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ وَالْعِوَضِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66] وَقَالَ تَعَالَى: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف: 94] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] (وَ) مَنْ قَالَ لِقِنِّهِ: أَنْتَ حُرٌّ (عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً) وَنَحْوَهَا كَشَهْرٍ فَإِنَّهُ (يَعْتِقُ) فِي الْحَالِ (بِلَا قَبُولٍ) مِنْهُ (وَتَلْزَمُهُ الْخِدْمَةُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِتْقِ وَاسْتِثْنَاءِ الْخِدْمَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ (وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى خِدْمَتَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ) اسْتَثْنَى (نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً) فَيَصِحُّ لِخَبَرِ سَفِينَةَ (وَلِلسَّيِّدِ بَيْعُهُمَا) ؛ أَيْ: بَيْعُ الْخِدْمَةِ وَمُدَّةِ النَّفْعِ الْمَعْلُومَةِ (لِلْعَبْدِ أَوْ غَيْرِهِ) نَقَلَ حَرْبٌ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِمَا مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِمَّنْ شَاءَ، قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَبِيعِ الْإِجَارَةُ؛ أَيْ: لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ السَّابِقَةِ لَا تَتَأَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 714 فِي الْخِدْمَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ (وَإِنْ مَاتَ سَيِّدٌ بِأَثْنَائِهَا) ؛ أَيْ: الْمُدَّةِ الْمَعْلُومَةِ (رَجَعَ وَرَثَةٌ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ (بِقِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْخِدْمَةِ) لِأَنَّ الْعِتْقَ عَقْدٌ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ فِيهِ اسْتِيفَاءُ الْعِوَضِ؛ رَجَعَ إلَى قِيمَتِهِ كَالنِّكَاحِ وَالْمُصَالِحِ فِيهِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي أَثْنَائِهَا؛ رَجَعَ مُسْتَأْجِرُهُ عَلَى السَّيِّدِ أَوْ وَرَثَتُهُ بِمَا يُقَابِلُ مَا بَقِيَ، قَالَهُ شَيْخُنَا (وَلَوْ بَاعَهُ) ؛ أَيْ: بَاعَ السَّيِّدُ قِنَّهُ (نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي يَدِهِ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ (صَحَّ) ذَلِكَ وَعَتَقَ لِأَنَّهُ كَالتَّعْلِيقِ (وَلَهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ (وَلَاؤُهُ) لِعُمُومِ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . (وَ) إنْ قَالَ لِقِنِّهِ: (جَعَلْت عِتْقَك إلَيْك أَوْ) قَالَ لَهُ: (خَيَّرْتُك) فِي عِتْقِك (وَنَوَى) بِذَلِكَ (تَفْوِيضَهُ) ؛ أَيْ: الْعِتْقِ (إلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ (فَأَعْتَقَ) الْقِنُّ (نَفْسَهُ فِي الْمَجْلِسِ؛ عَتَقَ وَإِلَّا) يَعْتِقْ نَفْسَهُ فِي الْمَجْلِسِ (فَلَا) يَعْتِقُ لِتَرَاخِيهِ بِذَلِكَ (وَ) إنْ قَالَ قِنٌّ لِآخَرَ: (اشْتَرِنِي مِنْ سَيِّدِي بِهَذَا الْمَالِ وَأَعْتِقْنِي، فَاشْتَرَاهُ بِعَيْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ لَهُ الْقِنُّ، وَأَعْتَقَهُ (لَمْ يَصِحَّا) ؛ أَيْ: الشِّرَاءُ وَالْعِتْقُ لِشِرَائِهِ بِعَيْنِ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ، وَلَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَمْلُوكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَمَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ فَمَالُهُ (وَإِلَّا) يَشْتَرِهِ بِعَيْنِ الْمَالِ بِأَنْ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ وَأَعْتَقَهُ، صَحَّ الشِّرَاءُ وَ (عَتَقَ وَلَزِمَ مُشْتَرِيه) الثَّمَنُ (الْمُسَمَّى) فِي الْبَيْعِ، وَمَا أَخَذَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَدَفَعَهُ لِسَيِّدِهِ، فَمَلَكَ السَّيِّدُ لَا يُحْسَبُ مِنْ الثَّمَنِ، وَوَلَاؤُهُ لِمُشْتَرٍ. (تَتِمَّةٌ) : لَوْ قَالَ لِقِنِّهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ عَتَقَ فِي الْحَالِ. [فَصْلٌ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ] (فَصْلٌ: وَ) إذَا قَالَ: (كُلُّ مَمْلُوكٍ) لِي حُرٌّ (أَوْ) قَالَ: كُلُّ (عَبْدٍ لِي) حُرٌّ (أَوْ) كُلُّ مَمَالِيكِي حُرٌّ (أَوْ) كُلُّ (رَقِيقِي حُرٌّ يَعْتِقُ مُدَبَّرُوهُ وَمُكَاتَبُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَشِقْصٌ يَمْلِكُهُ وَعَبِيدُ عَبْدِهِ التَّاجِرِ) نَصًّا، وَلَوْ اسْتَغْرَقَهُمْ دَيْنُ عَبْدِهِ التَّاجِرِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ عَامٌّ فِيهِمْ؛ فَيَعْتِقُونَ كَمَا لَوْ عَيَّنَهُمْ. (وَ) إنْ قَالَ (عَبْدِي حُرٌّ أَوْ) قَالَ (أَمَتِي حُرَّةٌ أَوْ) قَالَ (زَوْجَتُهُ طَالِقٌ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 715 وَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنًا) مِنْ عَبِيدِهِ وَلَا إمَائِهِ وَلَا زَوْجَاتِهِ (عَتَقَ) الْكُلُّ مِنْ عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ (وَطُلِّقَ الْكُلَّ) مِنْ زَوْجَاتِهِ نَصًّا (لِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: لَفْظَ عَبْدِي أَوْ أَمَتِي أَوْ زَوْجَتِي (مُفْرَدٌ مُضَافٌ، فَيَعُمُّ) الْعَبِيدَ أَوْ الْإِمَاءَ أَوْ الزَّوْجَاتِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: لَوْ كَانَ لَهُ نِسْوَةٌ، فَقَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ، أَذْهَبُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَقَعُ عَلَيْهِنَّ الطَّلَاقُ، وَلَيْسَ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: إحْدَى الزَّوْجَاتِ طَالِقٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] ، وَقَالَ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَهَذَا شَامِلٌ لِكُلِّ نِعْمَةٍ وَكُلِّ لَيْلَةٍ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» . وَهِيَ تَعُمُّ كُلَّ صَلَاةٍ جَمَاعَةً (وَ) إنْ قَالَ (أَحَدُ عَبْدِي) حُرٌّ (أَوْ) قَالَ أَحَدُ (عَبِيدِي) حُرٌّ (أَوْ) قَالَ: (بَعْضُهُمْ) ؛ أَيْ: عَبِيدِي (حُرٌّ، وَلَمْ يَنْوِهِ) ؛ أَيْ: وَلَمْ يُعَيِّنْهُ بِالنِّيَّةِ (أَوْ عَيَّنَهُ) بِلَفْظِهِ (وَنَسِيَهُ) أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ عَتَقَ (أَوْ أَدَّى أَحَدُ مُكَاتَبَيْهِ) مَا عَلَيْهِ (وَجَهِلَ) الْمُؤَدِّيَ (وَمَاتَ بَعْضُهُمْ) ؛ أَيْ: الْعَبِيدِ وَالْمُكَاتَبِينَ (أَوْ) مَاتَ (السَّيِّدُ) أَوْ لَمْ يَمُتْ لَا بَعْضُهُمْ وَلَا السَّيِّدُ (أَقْرَعَ) السَّيِّدُ بَيْنَهُمْ (أَوْ) أَقْرَعَ (وَارِثُهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ بَيْنَهُمْ (فَمَنْ خَرَجَ) مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ (فَ) هُوَ (حُرٌّ مِنْ حِينِ الْعِتْقِ) وَكَسْبُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّ الْعِتْقِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ جَمِيعَهُمْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ. وَإِنْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ، وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا، عَتَقَتْ إحْدَاهُمَا بِقُرْعَةٍ؛ لِمَا سَبَقَ، وَحَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهُمَا بِدُونِ قُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا عَتَقَتْ، وَهِيَ مَجْهُولَةٌ، فَوَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمَا إلَى الْقُرْعَةِ، فَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، لَمْ تُعْتَقْ الْأُخْرَى بِذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقُرْعَةِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا مُعَيَّنَةً، ثُمَّ نَسِيَهَا. وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ سَيِّدُهُمَا: أَحَدُكُمَا حُرٌّ؛ أَقْرَعَ بَيْنَ الْمَيِّتِ وَبَيْنَ الْحَيِّ كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ (وَمَتَى) (بَانَ لِنَاسٍ) ؛ أَيْ: مَنْ أَعْتَقَ مُعَيَّنًا مِنْ عَبِيدِهِ أَوْ إمَائِهِ وَنَسِيَهُ (أَوْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 716 بَانَ لِ (جَاهِلٍ) فِيمَا إذَا أَدَّى أَحَدُ مُكَاتَبَيْهِ مَا عَلَيْهِ، وَجَهِلَهُ (أَنَّ عَتِيقَهُ أَخْطَأَتْهُ الْقُرْعَةُ؛) (عَتَقَ) الَّذِي أَخْطَأَتْهُ الْقُرْعَةُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْمُعْتَقُ (وَبَطَلَ عِتْقُ الْمُخْرَجِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَتِيقَ غَيْرُهُ (إذَا لَمْ يَحْكُمُ بِالْقُرْعَةِ) فَإِنْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ عَتَقَا؛ لِأَنَّ فِي إبْطَالِ عِتْقِ الْمُخْرَجِ نَقْضًا لِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْقُرْعَةِ، وَيَأْتِي فِي الْقَضَاءِ أَنَّ قُرْعَةَ الْحَاكِمِ نَفْسَهَا حُكْمٌ، فَلَا يَحْتَاجُ الْحَاكِمُ مَعَ الْقُرْعَةِ إلَى الْحُكْمِ بِهَا كَتَزْوِيجِ الْيَتِيمَةِ، وَإِذَا أَعْتَقَ مُعَيَّنًا، ثُمَّ نَسِيَهُ، ثُمَّ تَذَكَّرَهُ قَبْلَ الْقُرْعَةِ؛ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ تَعْيِينُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ، فَيَعْتِقُ مَنْ عَيَّنَهُ لِلْعِتْقِ (وَ) قَالَ مَالِكٌ رَقِيقَيْنِ (أَعْتَقْتَ هَذَا، لَا بَلْ هَذَا عَتَقَا) جَمِيعًا؛ لِأَنَّ إضْرَابَهُ عَنْ الْأَوَّلِ لَا يُبْطِلُهُ (وَكَذَا) الْحُكْمُ فِي (إقْرَارِ وَارِثٍ) إذَا قَالَ: مُوَرِّثِي أَعْتَقَ هَذَا، لَا بَلْ هَذَا؛ عَتَقَ الِاثْنَانِ؛ لِمَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ) مَالِكٌ رَقِيقِينَ (أَحَدَهُمَا بِشَرْطٍ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا) قَبْلَ وُجُودِهِ (أَوْ بَاعَهُ) ؛ أَيْ: بَاعَ السَّيِّدُ أَحَدَهُمَا (أَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ) وُجُودِ (الشَّرْطِ) ، ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ (عَتَقَ الْبَاقِي) مِنْهُمَا؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعِتْقِ دُونَ الْمَيِّتِ أَوْ الْمَبِيعِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ مَثَلًا فَأَحَدُكُمَا حُرٌّ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ بَاعَهُ السَّيِّدُ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ، ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ فِي الشَّهْرِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَلَى قُدُومِهِ فِيهِ، عَتَقَ الْبَاقِي فِي مِلْكِهِ؛ لِمُصَادَفَتِهِ وُجُودَ الشَّرْطِ لِمَنْ هُوَ مَحَلٌّ لِوُقُوعِ الْعِتْقِ (كَقَوْلِهِ) ؛ أَيْ: الْمَالِكِ (لَهُ وَلِأَجْنَبِيٍّ) : أَحَدُكُمَا حُرٌّ (أَوْ) قَوْلِهِ لِقِنِّهِ وَ (بَهِيمَةٍ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ؛ فَيَعْتِقُ) قِنُّهُ (وَحْدَهُ) دُونَ الْأَجْنَبِيِّ (وَكَذَا الطَّلَاقُ) فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ، وَعَلَّقَ طَلَاقَ إحْدَاهُمَا مُبْهَمَةً بِشَرْطٍ، ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ بَانَتْ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، ثُمَّ وُجِدَ وَالْأُخْرَى فِي عِصْمَتِهِ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا وَلِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ. [فَصْلٌ مَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ جُزْءًا مِنْ رَقِيق] (فَصْلٌ) (وَمَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ) ؛ أَيْ: مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ، وَمِثْلُهُ مَا أُلْحِقَ بِهِ كَمَنْ قَدِمَ لِقَتْلٍ أَوْ حَبْسٍ لَهُ، أَوْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدِهِ وَنَحْوُهُ (جُزْءًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 717 مِنْ) رَقِيقٍ (مُخْتَصٍّ بِهِ أَوْ) مِنْ رَقِيقٍ (مُشْتَرَكٍ أَوْ دَبَّرَهُ) ؛ أَيْ: دَبَّرَ جُزْءًا مِنْ مُخْتَصٍّ بِهِ أَوْ مُشْتَرَكٍ؛ كَأَنْ يَقُولَ: إذَا مِتّ فَنِصْفُ رَقِيقِي حُرٌّ، وَمِثْلُهُ لَوْ وَصَّى بِعِتْقِ جُزْءٍ مِنْ رَقِيقِهِ (وَمَاتَ، وَمِثْلُهُ) حِينَ الْمَوْتِ (يَحْتَمِلُهُ) ؛ أَيْ: يَحْتَمِلُ قِيمَتَهُ (كُلَّهُ) (عَتَقَ) الرَّقِيقُ كُلُّهُ بِالسِّرَايَةِ إلَى بَاقِيهِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُعْتِقِ لِثُلُثِ مَالِهِ مِلْكٌ تَامٌّ يُمْلَكُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالتَّبَرُّعِ وَغَيْرِهِ، أَشْبَهَ عِتْقَ الصَّحِيحِ الْمُوسِرِ. (وَلِشَرِيكٍ) فِي رَقِيقٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَرِيضٍ (مَا يُقَابِلُ حِصَّتَهُ) ؛ أَيْ: الشَّرِيكِ (مِنْ قِيمَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرَكِ يَوْمَ عِتْقِهِ يُعْطَى لَهُ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ» . (فَلَوْ مَاتَ) الرَّقِيقُ الَّذِي أَعْتَقَ سَيِّدُهُ جُزْءًا مِنْهُ فِي مَرَضِهِ (قَبْلَ) مَوْتِ (سَيِّدِهِ) ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ (عَتَقَ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ) ؛ أَيْ: ثُلُثِ مَالِ السَّيِّدِ عِنْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ؛ فَإِنَّهُ يَمُوتُ قِنًّا. (وَمَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ (سِتَّةَ) أَعْبُدْ أَوْ إمَاءٍ أَوْ سِتَّةً مِنْهُمَا (قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُهُمْ) ظَاهِرًا (ثُمَّ ظَهَرَ) عَلَى مُعْتِقِهِمْ (دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُمْ) ؛ أَيْ: السِّتَّةَ (بِيعُوا) كُلُّهُمْ (فِيهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ؛ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ عِتْقِهِمْ بِظُهُورِ الدَّيْنِ، وَيَكُونُ عِتْقُهُمْ فِيهِ وَصِيَّةً، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» . (وَإِنْ اسْتَغْرَقَ) الدَّيْنُ (بَعْضَهُمْ) ؛ أَيْ: السِّتَّةِ (بِيعَ) مِنْهُمْ (بِقَدْرِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ (مَا لَمْ يَلْتَزِمْ وَارِثُهُ) ؛ أَيْ: الْمُعْتَقِ (بِقَضَاءٍ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ (فِيهِمَا) ؛ أَيْ: فِيمَا إذَا اسْتَغْرَقْهُمْ الدَّيْنُ جَمِيعَهُمْ، وَأَمَّا إذَا اسْتَغْرَقَ بَعْضَهُمْ، فَإِنْ الْتَزَمَ بِقَضَائِهِ عَتَقُوا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ نَفَاذِ الْعِتْقِ الدَّيْنُ، فَإِذَا سَقَطَ بِقَضَاءِ الْوَارِثِ؛ وَجَبَ نُفُوذُ الْعِتْقِ. (وَإِنْ) لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَ (لَمْ يُعْلَمْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ) ؛ أَيْ: السِّتَّةِ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ عِتْقَ جَمِيعِهِمْ (عَتَقَ ثُلُثُهُمْ) فَقَطْ (فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ) ؛ أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 718 الْمَيِّتِ (مَالٌ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَخْرُجُونَ) ؛ أَيْ: السِّتَّةُ (مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ مَنْ أُرِقَّ مِنْهُمْ مِنْ حِينِ الْعِتْقِ) ؛ أَيْ: مِنْ حِينِ أَعْتَقَهُمْ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِهِ نَافِذٌ، وَقَدْ بَانَ أَنَّهُمْ ثُلُثُ مَالِهِ، وَخَفَاءُ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْمَالِ عَلَيْنَا لَا يَمْنَعُ كَوْنَ الْعِتْقِ مَوْجُودًا مِنْ حِينِهِ (وَتَصَرُّفُهُمْ) نَافِذٌ (كَ) تَصَرُّفِ (حُرٍّ) وَمَا كَسَبُوهُ بَعْدَ عِتْقِهِمْ لَهُمْ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِمْ وَارِثٌ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَتَصَرُّفُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي حُرٍّ مِنْ غَيْرِ وِلَايَةٍ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) جُزْءًا، يَظْهَرُ لَهُ مَالٌ غَيْرِهِمْ وَلَا دَيْنَ (جَزَّأْنَاهُمْ ثَلَاثَةَ) أَجْزَاءٍ، (كُلُّ اثْنَيْنِ جُزْءًا وَأَقْرَعنَا بَيْنَهُمْ بِسَهْمٍ بِحُرِّيَّةٍ وَسَهْمَيْ رِقٍّ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ) مِنْهُمْ (سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ؛ عَتَقَ، وَرَقَّ الْبَاقُونَ) لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ فِي مَرَضِهِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَجَزَّأَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَسَائِرُ أَصْحَابِ السُّنَنِ، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا. وَلِأَنَّ الْعِتْقَ فِي تَفْرِيقِهِ ضَرَرٌ، فَوَجَبَ جَمْعُهُ بِالْقُرْعَةِ، كَقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ إذَا طَلَبَهَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ، وَالْوَصِيَّةُ لَا ضَرَرَ فِي تَفْرِيقِهَا، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَإِنْ سَلَّمْنَا مُخَالَفَتِهِ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ؛ فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ، سَوَاءٌ وَافَقَ نَصُّهُ الْقِيَاسَ أَوْ لَا. هَذَا إنْ تَسَاوَوْا فِي الْقِيمَةِ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَسِتَّةٍ، قِيمَةُ اثْنَيْنِ ثَلَاثُمِائَةٍ ثَلَاثُمِائَةٍ، وَاثْنَيْنِ مِائَتَانِ مِائَتَانِ وَاثْنَيْنِ مِائَةٌ مِائَةٌ؛ جَعَلْت الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيمَتُهُمَا أَرْبَعُمِائَةٍ جُزْءًا وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ جُزْءًا، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ، هَذَا إنْ أَعْتَقَهُمْ دَفْعَةً، فَإِنْ أَعْتَقَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ؛ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، خِلَافًا " لِلْمُبْدِعِ " هُنَا. (وَإِنْ كَانُوا) ؛ أَيْ: الْعُتَقَاءُ دَفْعَةً فِي الْمَرَضِ (ثَمَانِيَةً) وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، وَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْ ثُلُثِهِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ عِتْقَهُمْ (فَإِنْ شَاءَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمَيْ حُرِّيَّةٍ وَخَمْسَةِ) أَسْهُمٍ (رِقٍّ وَسَهْمٍ لِمَنْ ثُلُثَاهُ حُرٌّ) لِأَنَّ الْغَرَضَ خُرُوجُ الثُّلُثِ بِالْقُرْعَةِ، فَكَيْف اتَّفَقَ حَصَلَ ذَلِكَ الْغَرَضُ (وَإِنْ شَاءَ جَزَّأَهُمْ أَرْبَعَةَ) أَجْزَاءٍ (وَأَقْرَعَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 719 بَيْنَهُمْ (بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَثَلَاثَةِ رِقٍّ، ثُمَّ أَعَادَهَا) ؛ أَيْ: الْقُرْعَةَ بَيْنَ السِّتَّةِ (لِإِخْرَاجِ مَنْ ثُلُثَاهُ حُرٌّ) لِيَظْهَرَ الْعَتِيقُ مِنْهُمْ (وَكَيْف أَقْرَعَ جَازَ) بِأَنْ يَجْعَلَ ثَلَاثَةً جُزْءًا، وَثَلَاثَةً جُزْءًا، وَاثْنَيْنِ جُزْءًا، فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الِاثْنَيْنِ؛ عَتَقَا، وَيُكْمِلُ الثُّلُثَ بِالْقُرْعَةِ مِنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِثَلَاثَةٍ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمَيْ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمِ رِقٍّ لِمَنْ ثُلُثَاهُ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ عَبْدَيْنِ، وَأَعْتَقَهُمَا؛ أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمِ رِقٍّ عَلَى كُلِّ حَالٍّ. (وَإِنْ أَعْتَقَ) فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ (عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَتَانِ وَ) قِيمَةُ (الْآخَرِ ثَلَاثُمِائَةٍ؛ جَمَعْت الْخَمْسَمِائَةِ فَجَعَلْتهَا الثُّلُثَ) إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ عِتْقَهُمَا؛ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ كَسْرٌ، فَتَعْسُرُ النِّسْبَةُ إلَيْهِ (ثُمَّ أَقْرَعْت) بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ، لِيَتَمَيَّزَ الْعَتِيقُ مِنْ غَيْرِهِ (فَإِنْ وَقَعَتْ) الْقُرْعَةُ (عَلَى مَنْ قِيمَتُهُ مِائَتَانِ ضَرَبْتهَا فِي ثَلَاثَةٍ) يَخْرُجُ الثُّلُثُ، كَمَا تَعْمَلُ فِي مَجْمُوعِ الْقِيمَةِ (تَكُنْ سِتَّمِائَةِ ثُمَّ تَنْسُبُ مِنْهَا) ؛ أَيْ: مِنْ حَاصِلِ الضَّرْبِ وَهُوَ السِّتُّمِائَةِ (الْخَمْسَمِائَةِ) لِأَنَّهَا الثُّلُثُ تَقْدِيرًا (فَيَعْتِقُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ) لِأَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ السِّتِّمِائَةِ (وَإِنْ وَقَعَتْ) الْقُرْعَةُ (عَلَى) الْعَبْدِ (الْآخَرِ) الَّذِي قِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ (عَتَقَ) مِنْهُ (خَمْسَةُ أَتْسَاعِهِ) لِأَنَّك تَضْرِبُ قِيمَتَهُ وَهِيَ الثَّلَاثُمِائَةِ فِي الثَّلَاثَةِ؛ تَكُنْ تِسْعَمِائَةِ، فَتَنْسُبُ مِنْهَا الْخَمْسَمِائَةِ تَكُنْ خَمْسَةَ أَتْسَاعِهَا (وَكُلُّ مَا يَأْتِي مِنْ هَذَا) الْبَابِ (فَسَبِيلُهُ) ؛ أَيْ: طَرِيقُهُ (أَنْ تَضْرِبَ فِي ثَلَاثَةٍ) مَخْرَجَ الثُّلُثِ (لِيَخْرُجَ) صَحِيحًا بِلَا (كَسْرٍ) . (وَمَنْ أَعْتَقَ) عَبْدًا (مُبْهَمًا مِنْ) أَعْبُدٍ (ثَلَاثَةِ) لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ (فَمَاتَ أَحَدُهُمْ) ؛ أَيْ: أَحَدِ الْعَبِيدِ الثَّلَاثَةِ (فِي حَيَاتِهِ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ الْمَرِيضِ (أَقْرَعَ بَيْنَهُ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتِ (وَبَيْنَ الْحَيَّيْنِ) لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ إنَّمَا تَنْفُذُ فِي الثُّلُثِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدًا مِنْهُمْ مُعَيَّنًا (فَإِنْ وَقَعَتْ) الْقُرْعَةُ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتِ (رِقًّا) كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا (وَ) إنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ (عَلَى أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الْحَيَّيْنِ (عَتَقَ) مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) عِنْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 720 مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِيمَا إذَا وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الْمَيِّتِ خُرُوجَهُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمَيِّتِ إنْ كَانَتْ وَفْقَ الثُّلُثِ؛ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ فَالزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ هَلَكَ عَلَى مَالِكِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَلَا يَعْتِقُ مِنْ الْآخَرِينَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا وَاحِدًا. قَالَ شَارِحُ " الْإِقْنَاعِ ": إنَّ كَسَبَ شَيْئًا بَعْد الْعِتْقِ، ثُمَّ مَاتَ؛ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَجْلِ أَنْ تَرِثَ وَرَثَتُهُ مَا كَسَبَهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ أَوْ بِكُلِّهِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ) مَرِيضٌ (الثَّلَاثَةَ فِي مَرَضِهِ) وَهُوَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ (فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِمْ) ؛ أَيْ: الثَّلَاثَةِ (فَمَاتَ أَحَدُهُمْ بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصِي (وَقَبْلَ عِتْقِهِمْ، أَوْ دَبَّرَهُمْ) ؛ أَيْ: الثَّلَاثَةَ (أَوْ) دَبَّرَ (بَعْضَهُمْ وَوَصَّى بِعِتْقِ الْبَاقِينَ) مِنْهُمْ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ (فَمَاتَ أَحَدُهُمْ؛ أَقْرَعَ بَيْنَهُ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتِ (وَبَيْنَ الْحَيَّيْنِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَنْفُذُ فِي الثُّلُثِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمْ مُبْهَمًا، إلَّا أَنَّ الْمَيِّتَ هُنَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ، وَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ؛ عَتَقَ مِنْ أَحَدِ الْحَيَّيْنِ تَتِمَّةُ الثُّلُثِ بِالْقُرْعَةِ. [بَابُ التَّدْبِيرِ] (بَابُ التَّدْبِيرِ) يُقَالُ: دَابَرَ الرَّجُلُ يُدَابِرُ مُدَابَرَةً: إذَا مَاتَ، فَسُمِّيَ الْعِتْقُ بَعْدَ الْمَوْتِ تَدْبِيرًا؛ لِأَنَّ الْوَفَاةَ دُبُرُ الْحَيَاةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ إدْبَارِهِ مِنْ الدُّنْيَا، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي شَيْءٍ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ وَغَيْرِهِمَا، فَهُوَ لَفْظٌ يَخْتَصُّ بِهِ الْعِتْقُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَهُوَ (تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ) ؛ أَيْ: مَوْتِ الْمُعَلِّقِ (فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِهِ) ؛ أَيْ: التَّدْبِيرِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَصِيَّةِ: لَا يَصِحُّ بِمُدَبَّرٍ. وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 721 «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غُلَامٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «وَقَالَ: أَنْتَ أَحْوَجُ مِنْهُ» . (وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ) ؛ أَيْ: التَّدْبِيرِ (مِمَّنْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ) فَيَصِحُّ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ وَمُمَيِّزٍ يَعْقِلُهُ، وَيُعْتَبَرُ لِعِتْقِ مُدَبَّرٍ خُرُوجُهُ (مِنْ ثُلُثِهِ) ؛ أَيْ: مَالِ السَّيِّدِ لِمُدَبَّرٍ يَوْمَ مَوْتِهِ، لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ أَشْبَهَ الْوَصِيَّةَ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ فِي الصِّحَّةِ، وَالِاسْتِيلَادُ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ لِصِحَّتِهِ مِنْ الْمَجْنُونِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ التَّدْبِيرُ وَالْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ تُسَاوَيَا؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا عِتْقٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ وَالتَّدْبِيرِ؛ قُدِّمَ الْعِتْقُ لِسَبْقِهِ، إنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْمُدَبَّرَةِ وَوَلَدِهَا التَّابِعِ لَهَا فِي التَّدْبِيرِ؛ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ عَتَقَ كُلُّهُ إنْ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ عِتْقِهِ شَيْءٌ كَمُلَ الثُّلُثُ بِالْعِتْقِ مِنْ الْآخَرِ، فَيَعْتِقُ مِنْهُ تَمَامُ الثُّلُثِ. (وَإِنْ قَالَا) ؛ أَيْ: شَرِيكَانِ فِي عَبْدٍ (لِعَبْدِهِمَا) مَثَلًا (إنْ مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا؛ عَتَقَ نَصِيبُهُ وَبَاقِيه) يَعْتِقُ (بِمَوْتِ الْآخَرِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ، فَيَنْصَرِفُ إلَى مُقَابَلَةِ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ كَقَوْلِهِ: رَكِبُوا دَوَابَّهُمْ وَلَبِسُوا أَثْوَابَهُمْ؛ أَيْ: كُلُّ إنْسَانٍ رَكِبَ دَابَّتَهُ، وَلَبِسَ ثَوْبَهُ، وَإِنْ احْتَمَلَهُ ثُلُثُ الْأَوَّلِ عَتَقَ كُلُّهُ بِالسِّرَايَةِ. (وَصَرِيحُهُ) ؛ أَيْ: التَّدْبِيرِ (لَفْظُ عِتْقٍ وَ) لَفْظُ (حُرِّيَّةٍ مُعَلَّقَيْنِ بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ، كَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ أَنْتَ عَتِيقٌ بَعْدَ مَوْتِي وَنَحْوِهِ (وَلَفْظُ تَدْبِيرٍ) كَأَنْتَ مُدَبَّرٌ (وَمَا يَتَصَرَّفُ مِنْهَا) ؛ أَيْ: الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِمَوْتِهِ، وَالتَّدْبِيرُ (غَيْرُ أَمْرٍ) كَدَبِّرْ (وَ) غَيْرُ (مُضَارِعٍ) كَتَدَبَّرَ (وَ) غَيْرُ (اسْمِ فَاعِلٍ) كَمُدَبِّرٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ (وَكِنَايَاتُ عِتْقٍ مُنَجَّزٍ تَكُونُ تَدْبِيرًا) ؛ أَيْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 722 كِنَايَاتٍ لِلتَّدْبِيرِ (إذَا عُلِّقَتْ بِالْمَوْتِ) كَقَوْلِهِ: إنْ مِتُّ فَأَنْتَ لِلَّهِ، أَوْ فَأَنْتَ مَوْلَايَ، أَوْ فَأَنْتَ سَائِبَةٌ. (وَيَصِحُّ) التَّدْبِيرُ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: غَيْرَ مُقَيَّدٍ وَلَا مُعَلَّقٍ (كَ) قَوْلِهِ (أَنْتَ مُدَبَّرٌ) أَوْ قَدْ دَبَّرْتُك؛ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِنَفْسِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى نِيَّةٍ (وَلَا يَمْلِكُ) السَّيِّدُ (تَقْيِيدَهُ) ؛ أَيْ: التَّدْبِيرَ كَقَوْلِهِ: إنْ مِتُّ فِي مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ بَلَدِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ (بَعْدَ) قَوْلِهِ لَهُ أَنْتَ مُدَبَّرٌ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ مِنْهُ عَنْ الْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ؛ فَهُوَ كَالرُّجُوعِ عَنْ التَّدْبِيرِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِمُدَبِّرِهِ بَعْدَ تَدْبِيرِهِ: إنْ أَدَّيْت إلَى وَرَثَتِي كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ؛ فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ التَّدْبِيرِ فَلَا يَصِحُّ (بِخِلَافِ عَكْسِهِ) كَقَوْلِهِ لِقِنِّهِ أَوَّلًا؛ أَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتَّ فِي مَرَضِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ. (وَ) يَصِحُّ التَّدْبِيرُ (مُقَيَّدًا كَ) قَوْلِهِ (إنْ مِتَّ فِي عَامِي) هَذَا (أَوْ) إنْ مِتَّ فِي (مَرَضِي هَذَا، فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ) فَإِنْ مَاتَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قَالَهَا؛ عَتَقَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَلَا. (وَ) يَصِحُّ التَّدْبِيرُ (مُعَلَّقًا كَ) قَوْلِهِ (إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ) وَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَنَحْوُهُ، فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ صَارَ مُدَبَّرًا، وَإِلَّا فَلَا. (وَ) يَصِحُّ التَّدْبِيرُ (مُؤَقَّتًا كَ) قَوْلِهِ: (أَنْتَ مُدَبَّرٌ الْيَوْمَ) قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَمَّنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ الْيَوْمَ، قَالَ: يَكُونُ مُدَبَّرًا ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَإِنْ مَاتَ مَوْلَاهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ؛ صَارَ حُرًّا (أَوْ) أَنْتَ مُدَبَّرٌ (سَنَةً) فَيَكُونُ مُدَبَّرًا تِلْكَ الْمُدَّةَ، فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ فِيهَا عَتَقَ، وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ) قَالَ لِقِنِّهِ: إنْ شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ (أَوْ مَتَى) شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ (أَوْ إذَا شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ فَشَاءَ) الْقِنُّ (فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ) وَلَوْ مُتَرَاخِيًا (صَارَ مُدَبَّرًا) لِوُجُودِ شَرْطِهِ (وَإِلَّا) يَشَأْ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ (فَلَا) يَصِيرُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِالْمَوْتِ، فَلَوْ لَمْ يَشَأْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 723 إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حُدُوثُ التَّدْبِيرِ بَعْدَ الْمَوْتِ (كَ) قَوْلِ السَّيِّدِ (إذَا مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَا) فَلَا يَعْتِقُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَسْت بِحُرٍّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ لَا إعْتَاقٌ (أَوْ) قَالَ لِقِنِّهِ (إنْ شِئْت بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ) أَوْ أَيُّ وَقْتٍ شِئْت بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ؛ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ، وَلَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ، فَلَا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ. (وَ) إنْ قَالَ لِقِنِّهِ (إذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ فَ) لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا (حَتَّى يَقْرَأَ) الْقُرْآنَ (جَمِيعَهُ) فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ بِأَلْ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَعَادَ إلَى جَمِيعِهِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] الْآيَةُ؛ فَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى بَعْضِهِ بِدَلِيلٍ، وَلِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ هُنَا تَقْضِي قِرَاءَةَ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ تَرْغِيبَهُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَتَتَعَلَّقُ الْحُرِّيَّةُ بِهِ (بِخِلَافِ) مَا لَوْ قَالَ لَهُ (إذَا قَرَأْت قُرْآنًا) فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ؛ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِقِرَاءَةِ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ؛ فَيَعُمُّ أَيَّ بَعْضٍ كَانَ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَقْتَضِي اسْتِيعَابَهُ. (وَلَيْسَ) التَّدْبِيرُ (بِوَصِيَّةٍ) بَلْ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ (فَلَا يَبْطُلُ) التَّدْبِيرُ (بِإِبْطَالٍ وَ) لَا (رُجُوعٍ) كَقَوْلِ السَّيِّدِ رَجَعْتُ فِيهِ (وَ) لَا يَبْطُلُ (بِجُحُودٍ) ؛ أَيْ: إنْكَارٍ، وَتَصِحُّ الدَّعْوَى مِنْ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ بِأَنَّهُ دَبَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقَ، فَإِنْ أَنْكَرَ السَّيِّدُ، وَلَمْ: يَكُنْ لِلْمُدَبَّرِ بَيِّنَةٌ؛ قَبْلَ قَوْلِ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَجَحْدُهُ التَّدْبِيرَ لَيْسَ رُجُوعًا (وَ) لَا يَبْطُلُ بِ (أَسْرٍ) لِلْقِنِّ الْمُدَبَّرِ (وَ) لَا يَبْطُلُ (بِرَهْنٍ) بِأَنْ رَهْنَهُ سَيِّدُهُ (فَإِنْ مَاتَ سَيِّدٌ) وَهُوَ رَهْنٌ (عَتَقَ) إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، (وَأَخَذَ) الْمُرْتَهِنُ (مِنْ تَرِكَتِهِ) ؛ أَيْ: تَرِكَةِ السَّيِّدِ (قِيمَتَهُ) ؛ أَيْ: قِيمَةَ الرَّهْنِ الْمُدَبَّرِ تُجْعَلُ (رَهْنًا) مَكَانَهُ إلَى حُلُولِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَفَّى دَيْنَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 724 (تَتِمَّةٌ) : وَإِنْ ارْتَدَّ الْمُدَبَّرُ، وَلَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ؛ لَمْ يَبْطُلْ تَدْبِيرُهُ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهُ لَا تُنَافِيه. وَإِنْ سَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَعْلَمُوا سَيِّدَهُ؛ لَمْ يَمْلِكُوهُ، وَيُرَدُّ إلَى سَيِّدِهِ إنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ قَسْمِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الْمَأْخُوذَةِ مِنْهُمْ، وَيُسْتَتَابُ الْمُدَبَّرُ الْمُرْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْكُفَّارِ حَتَّى قُسِّمَ الْمُدَبَّرُ مَلَكَهُ مَنْ وَقَعَ فِي قَسْمِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ سَيِّدَهُ أَخْذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي حُسِبَ بِهِ عَلَى آخِذِهِ بِهِ، وَكَذَا لَوْ أُخِذَ مِنْهُمْ بِشِرَاءٍ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ سَيِّدَهُ أَخَذَهُ بِثَمَنِهِ؛ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ؛ كَمَا لَوْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِيهِ عَنْ سَيِّدِهِ بِمِلْكٍ أَوْ هِبَةٍ. وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ سَبْيِ الْمُدَبَّرِ الْمُرْتَدِّ؛ عَتَقَ حَيْثُ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لِمَوْتِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ بَاقٍ فِي مِلْكِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ فَإِنْ سُبِيَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يُرَدَّ إلَى وَرَثَةِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُورَثُ، لَكِنْ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ تَابَ وَأَسْلَمَ صَارَ رَقِيقًا يُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ؛ قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى كُفْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَبَّرُ ذِمِّيًّا، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ أَوْ أَعْتَقَهُ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَسَبَوْهُ مَلَكُوهُ وَقَسَّمُوهُ، وَإِنْ ارْتَدَّ السَّيِّدُ وَدَبَّرَ قِنًّا فِي رِدَّتِهِ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ؛ فَالتَّدْبِيرُ بَاقٍ بِحَالِهِ، فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ، عَتَقَ الْمُدَبَّرُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ قُتِلَ السَّيِّدُ لِرِدَّتِهِ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ؛ لَمْ يَعْتِقْ الْمُدَبَّرُ. (وَيَصِحُّ وَقْفُ مُدَبَّرٍ وَهِبَتُهُ وَبَيْعُهُ وَلَوْ) كَانَ الْمُدَبَّرُ (أَمَةً أَوْ) كَانَ بَيْعُهُ (فِي غَيْرِ دَيْنٍ) نَصًّا، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ: صَحَّتْ أَحَادِيثُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ بِاسْتِقَامَةِ الطُّرُقِ، وَإِذَا صَحَّ الْخَبَرُ اُسْتُغْنِيَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ رَأْيِ النَّاسِ، وَلِأَنَّهُ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ، وَثَبَتَ بِقَوْلِ الْمُعْتِقِ؛ فَلَمْ يُمْنَعْ الْبَيْعُ كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالٍ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ فَلَمْ يُمْنَعْ الْبَيْعُ فِي الْحَيَاةِ كَالْوَصِيَّةِ، وَمَا ذُكِرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ، وَلَا يُشْتَرَى» . فَلَمْ يَصِحَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 725 عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا ثَبَتَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ سَيِّدِهَا، وَلَيْسَ تَبَرُّعًا، وَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَبَاعَتْ عَائِشَةُ مُدَبَّرَةً لَهَا سَحَرَتْهَا. (وَمَتَى عَادَ) الْمُدَبَّرُ بَعْدَ بَيْعِهِ إلَى مِلْكِ مَنْ دَبَّرَهُ (بِغَيْرِ وَقْفٍ) كَعَوْدِهِ إلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ عَقْدٍ (عَادَ التَّدْبِيرُ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ، فَإِذَا بَاعَهُ وَنَحْوُهُ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ؛ عَادَتْ الصِّفَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَبَاعَهُ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ. (وَإِنْ جَنَى) مُدَبَّرٌ (بِيعَ) ؛ أَيْ: جَازَ بَيْعُهُ فِي الْجِنَايَةِ وَتَسْلِيمُهُ لِوَلِيِّهَا؛ لِأَنَّهُ قِنٌّ (وَإِنْ) اخْتَارَ سَيِّدُهُ فِدَاءَهُ؛ فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ (فُدِيَ) بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَقِيمَتِهِ (بَقِيَ تَدْبِيرُهُ) بِحَالِهِ، وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ (وَإِنْ بِيعَ بَعْضُهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَبَّرِ فِي الْجِنَايَةِ أَوْ غَيْرِهَا (فَبَاقِيه) الَّذِي لَمْ يُبَعْ (مُدَبَّرٌ) بِحَالِهِ (وَإِنْ مَاتَ) سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ (قَبْلَ بَيْعِهِ) وَقَبْلَ فِدَائِهِ (عَتَقَ إنْ وَفَّى ثُلُثَهُ) ؛ أَيْ: ثُلُثَ مُخْلِفِ سَيِّدِهِ (بِهَا) ؛ أَيْ: الْجِنَايَةِ. (وَمَا وَلَدَتْ مُدَبَّرَةٌ بَعْدَ) ؛ أَيْ: بَعْدَ تَدْبِيرِهَا، فَوَلَدُهَا (بِمَنْزِلَتِهَا) سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ حِينَ التَّدْبِيرِ، أَوْ حَمَلَتْ بَعْدَهُ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِهِ وَجَابِرٍ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّ الْأُمَّ اسْتَحَقَّتْ الْحُرِّيَّةَ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا كَأُمِّ الْوَلَدِ، بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِصِفَةٍ فِي الْحَيَاةِ وَالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ آكَدُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (وَيَكُونُ) وَلَدُهَا (مُدَبَّرًا بِنَفْسِهِ، فَلَا يَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ) ؛ أَيْ: الْوَلَدِ (بِنَحْوِ بَيْعٍ وَمَوْتِ أُمِّهِ) بَلْ يَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ كَمَا لَوْ كَانَتْ أُمُّهُ بَاقِيَةً؛ لِعَدَمِ مُوجِبِ الْبُطْلَانِ، وَمَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ لَا يَتْبَعُهَا فِيهِ كَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ، وَإِنْ عَتَقَتْ الْأُمُّ الْمُدَبَّرَةُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا كَغَيْرِ الْمُدَبَّرَةِ؛ لِانْفِصَالِهِ حَتَّى يَمُوتَ السَّيِّدُ، فَيَعْتِقُ بِالتَّدْبِيرِ (فَلَوْ قَالَتْ) الْمُدَبَّرَةُ (وَلَدْتُ بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: التَّدْبِيرِ، فَيَتْبَعُنِي وَلَدِي (وَأَنْكَرَ سَيِّدُهَا) وَقَالَ: وَلَدْتِ قَبْلَهُ (فَقَوْلُهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 726 وَاخْتَلَفَتْ مَعَ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رِقِّ الْوَلَدِ، وَانْتِفَاءِ الْحُرِّيَّةِ عَنْهُ (وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِمُدَبَّرَةٍ وَوَلَدِهَا) بِأَنْ لَمْ يَخْرُجَا جَمِيعًا مِنْ ثُلُثِ مَالِ السَّيِّدِ (أَقُرِعَ) بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا كَمُدَّبَّرَيْنِ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: سَيِّدُ الْمُدَبَّرَةِ (وَطْؤُهَا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ) حَالَ تَدْبِيرِهَا، سَوَاءٌ كَانَ يَطَأَهَا قَبْلَ تَدْبِيرِهَا أَوْ لَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ دَبَّرَ أَمَتَيْنِ لَهُ، وَكَانَ يَطَؤُهُمَا. قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَ ذَلِكَ غَيْرَ الزُّهْرِيِّ، وَوَجْهُ، جَوَازِ وَطْئِهَا أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ، وَلَمْ تَشْتَرِ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج: 30] وَقِيَاسًا عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ. (وَ) لِلسَّيِّدِ (وَطْءُ بِنْتِهَا) ؛ أَيْ: بِنْتِ مُدَبَّرَتِهِ التَّابِعَةِ لِأُمِّهَا (إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ أُمَّهَا) لِتَمَامِ مِلْكِهِ فِيهَا وَاسْتِحْقَاقُهَا الْحُرِّيَّةَ لَا يَزِيدُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ أُمِّهَا، وَأَمَّا بِنْتُ الْمُكَاتَبَةِ فَأُلْحِقَتْ بِأُمِّهَا، وَأُمُّهَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا؛ فَكَذَلِكَ بِنْتُهَا. (وَيَبْطُلُ تَدْبِيرُهَا بِإِيلَادِهَا) ؛ أَيْ: وِلَادَتِهَا مِنْ سَيِّدِهَا مَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى التَّدْبِيرِ الْعِتْقُ مِنْ الثُّلُثِ، وَمُقْتَضَى الِاسْتِيلَادِ الْعِتْقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا، وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ عِتْقَهَا، وَحَيْثُ كَانَ الِاسْتِيلَادُ أَقْوَى وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ الْأَضْعَفُ الَّذِي هُوَ التَّدْبِيرُ؛ كَمِلْكِ الرَّقَبَةِ إذَا طَرَأَ عَلَى النِّكَاحِ؛ فَإِنَّهُ يُبْطِلُهُ. (وَوَلَدُ مُدَبَّرٍ مِنْ أَمَةِ نَفْسِهِ) الَّتِي اشْتَرَاهَا (إنْ صَحَّ تَسَرِّيه) بِهَا (كَهُوَ) ؛ أَيْ: فِي أَنَّهُ يَتْبَعُهُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى إبَاحَةِ تَسَرِّي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ التَّسَرِّي تَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَوَلَدُ الْحُرِّ مِنْ أَمَتِهِ يَتْبَعُهُ فِي الْحُرِّيَّةِ، دُونَ أُمِّهِ الْمَمْلُوكَةِ، كَذَلِكَ وَلَدُ الْمُدَبَّرِ مِنْ أَمَتِهِ يَتْبَعُهُ دُونَ أُمِّهِ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. قَالَ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ ": وَلَا يَكُونُ وَلَدُ الْمُدَبَّرِ مِنْ أَمَتِهِ مِثْلُهُ فِي الْأَصَحِّ، بَلْ يَتْبَعُ أُمَّهُ. وَقَالَ فِي " الْفَائِقِ ": وَوَلَدُ الْمُدَبَّرِ تَابِعٌ أُمَّهُ لَا أَبَاهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي " الْحَاوِي الصَّغِيرِ ": وَلَا يَكُونُ وَلَدُ الْمُدَبَّرِ مِثْلُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 727 وَالْخِرَقِيُّ: إنَّمَا حَكَمَ عَلَى وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ، أَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرِ فَلَا يَتْبَعُ أَبَاهُ مُطْلَقًا؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ بِالتَّسَرِّي أَوْ لَا عَلَى الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ مُوَضَّحًا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " (وَ) وَلَدُهُ (مِنْ غَيْرِهَا) ؛ أَيْ: مِنْ غَيْرِ أَمَتِهِ (كَأُمِّهِ) قَرَابَةً وَرِقًا؛ انْتَهَى. فَجَزَمَ بِأَنَّهُ كَالْأُمِّ. (وَمَنْ كَاتَبَ مُدَبَّرَهُ) ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إنْ كَانَ عِتْقًا بِصِفَةٍ لِمَا يَمْنَعُ الْكِتَابَةَ، وَكَذَا إنْ كَانَ وَصِيَّةً كَمَا لَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ، ثُمَّ كَاتَبَهُ (أَوْ) كَاتَبَ (أُمَّ وَلَدِهِ) صَحَّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ وَالْكِتَابَةَ سَبَبَانِ لِلْعِتْقِ، فَلَمْ يَمْنَعْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَتَدْبِيرِ الْمُكَاتَبِ (أَوْ دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ) (صَحَّ) قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِعِتْقِهِ بِصِفَةٍ، وَهُوَ يَمْلِكُ إعْتَاقَهُ، فَيَمْلِكُ التَّعْلِيقَ. (وَعَتَقَ) مُكَاتَبٌ دَبَّرَهُ سَيِّدُهُ أَوْ مُدَبَّرٌ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ (بِأَدَاءِ) مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ، وَمَا بَقِيَ بِيَدِهِ لَهُ، وَبَطَل تَدْبِيرُهُ (فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: قَبْلَ أَدَائِهِ (وَثُلُثُهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ (يُحْتَمَلُ، مَا عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ مِنْ الْكِتَابَةِ (عَتَقَ كُلُّهُ) بِالتَّدْبِيرِ، وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ، وَمَا بِيَدِهِ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ (وَإِلَّا) يُحْتَمَلْ ثُلُثُهُ مَا عَلَيْهِ كُلُّهُ (فَ) يَعْتِقُ مِنْهُ (بِقَدْرِ مَا يَحْتَمِلُهُ) ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يُعْتَبَرُ فِي عِتْقِهِ بِالتَّدْبِيرِ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ (وَسَقَطَ عَنْهُ) مِنْ الْكِتَابَةِ (بِقَدْرِ مَا عَتَقَ) مِنْهُ بِالتَّدْبِيرِ؛ لِانْتِفَاءِ مَحَلِّهَا بِالْعِتْقِ، وَلِوَرَثَةِ السَّيِّدِ مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ (وَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ فِيمَا بَقِيَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ، فَإِنْ خَرَجَ نِصْفُهُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ نِصْفُهُ، وَسَقَطَ نِصْفُ كِتَابَتِهِ، وَبَقِيَ نِصْفُهُ، وَاَلَّذِي يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ إنَّمَا هُوَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ وَقْتَ مَوْتِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا لَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ. [فَائِدَةٌ دَبَّرَ إنْسَانٌ أُمَّ وَلَدِهِ] (فَائِدَةٌ) : لَوْ دَبَّرَ إنْسَانٌ أُمَّ وَلَدِهِ، لَمْ يَصِحَّ التَّدْبِيرُ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تُعْتَقُ بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ؛ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ. (وَكَسْبُهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَبَّرِ الَّذِي كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ (إنْ عَتَقَ) كُلُّهُ بِمَوْتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 728 سَيِّدِهِ لِسَيِّدِهِ كَالْمُدَبَّرِ الْمَحْضِ (أَوْ) بَعْضُ كَسْبِهِ الَّذِي (بِقَدْرِ عِتْقِهِ) إنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ (لِسَيِّدِهِ لَا لُبْسُهُ) فَهُوَ تَرِكَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَا بَعْدَهُ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ لُبْسَهُ (الْمُعْتَادُ) يَكُونُ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ مَا لَا بُدَّ مِنْ لُبْسِهِ لَهُ؛ أَيْ: الْعَتِيقِ، بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ مِنْ لِبَاسِ زِينَةٍ وَتَجَمُّلٍ وَحُلِيٍّ؛ فَإِنَّهُ لِلسَّيِّدِ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ دَبَّرَ شِقْصًا) مِنْ رَقِيقٍ مُشْتَرَكٍ (لَمْ يَسْرِ) التَّدْبِيرُ (إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ) وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا (بِمُجَرَّدِهِ) ؛ أَيْ؛ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ بِصِفَةٍ، فَلَمْ يَسْرِ كَتَعْلِيقِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ، وَيُفَارِقُ الِاسْتِيلَادَ، فَإِنَّهُ آكَدُ كَمَا تَقَدَّمَ (بَلْ) يَسْرِي تَدْبِيرُهُ (بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: مَوْتِ مُدَبِّرِهِ، فَإِنْ مَاتَ عَتَقَ نَصِيبُهُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ بِالتَّدْبِيرِ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ سِرَايَتِهِ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرَكَ الْمُدَبَّرَ بَعْضُهُ (شَرِيكُهُ) الَّذِي لَمْ يُدَبِّرْ (سَرَى) إنْ كَانَ مُوسِرًا (إلَى) الشِّقْصِ (الْمُدَبَّرِ مَضْمُونًا) عَلَى الْمُعْتِقِ بِقِيمَتِهِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ فِي سِرَايَةِ الْعِتْقِ. (وَلَوْ أَسْلَمَ مُدَبَّرٌ) لِكَافِرٍ (أَوْ) أَسْلَمَ (قِنٌّ) لِكَافِرٍ (أَوْ) أَسْلَمَ (مُكَاتَبٌ لِكَافِرٍ؛ أَلْزَمَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ) عَنْهُ، لِئَلَّا يَبْقَى الْكَافِرُ مَالِكًا لِمُسْلِمٍ مَعَ إمْكَانِ بَيْعِهِ، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ (فَإِنْ أَبَى) الْكَافِرُ إزَالَةَ مِلْكِهِ عَمَّنْ أَسْلَمَ (بِيعَ) ؛ أَيْ: بَاعَهُ الْحَاكِمُ (عَلَيْهِ) إزَالَةً لِمِلْكِهِ عَنْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] . (وَمَنْ أَنْكَرَ التَّدْبِيرَ، فَشَهِدَ بِهِ) رَجُلَانِ (عَدْلَانِ أَوْ) شَهِدَ رَجُلٌ (عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ) رَجُلٌ (عَدْلٌ، وَحَلَفَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 729 مُدَبَّرٌ مَعَهُ) يَمِينًا (ثَبَتَ التَّدْبِيرُ) وَحُكِمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إتْلَافَ مَالٍ؛ وَالْمَالُ يُقْبَلُ فِيهِ مَا ذُكِرَ (وَكَذَا الْكِتَابَةُ) يُقْبَلُ بِهَا رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينٌ؛ لِمَا ذُكِرَ (وَحَيْثُ لَا بَيِّنَةَ) لِلْمُدَّعِي (حَلَفَ سَيِّدٌ عَلَى الْبَتِّ) أَنَّهُ لَمْ يُدَبِّرْهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ (وَ) إنْ كَانَ الْمُنْكِرُ لِلتَّدْبِيرِ (وَرَثَةُ) السَّيِّدِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (عَلَى نَفْيِ عِلْمٍ) ؛ أَيْ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ دَبَّرَهُ، لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ (فَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَ (عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَلَمْ يَسْرِ) الْعِتْقُ إلَى بَاقِيه، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ؛ عِتْقَ نَصِيبِهِ، وَلَمْ يَسْرِ إلَى بَاقِيه (لِأَنَّ إعْتَاقَهُ بِفِعْلِ مُدَّعٍ) وَهُوَ الْمُدَبَّرُ؛ لِأَنَّهُ مَوْرُوثٌ لَا بِفِعْلِ الْمُقِرِّ وَلَا بِفِعْلِ النَّاكِلِ عَنْ الْيَمِينِ. (وَيَبْطُلُ تَدْبِيرٌ بِقَتْلِ مُدَبَّرٍ سَيِّدَهُ) لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَجَلَّ لَهُ، فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ؛ كَمَا حَرُمَ الْقَاتِلُ الْمِيرَاثَ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُتَّخَذُ وَسِيلَةً إلَى الْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ لِأَجَلِ الْعِتْقِ، فَمُنِعَ الْعِتْقُ سَدًّا لِذَلِكَ، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ إبْطَالَ الِاسْتِيلَادِ فِيهَا يُفْضِي إلَى نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ يَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ إنْ قَتَلَ سَيِّدَهُ (قَتْلًا يَمْنَعُ الْإِرْثَ) بِحَيْثُ يَكُونُ مَضْمُونًا بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ عَلَى مَا سَبَقَ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ جَرَحَ قِنٌّ سَيِّدَهُ فَدَبَّرَهُ، ثُمَّ سَرَى الْجُرْحُ، وَمَاتَ السَّيِّدُ؛ لَمْ يَبْطُلْ التَّدْبِيرُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 730 [بَابُ الْكِتَابَةِ] ِ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْمُكَاتَبَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَكْتُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَقِيقِهِ كِتَابًا بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ مِنْ الْكَتْبُ وَهُوَ الضَّمُّ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَضُمُّ بَعْضَ النُّجُومِ إلَى بَعْضٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْخَرَزُ كَتْبًا وَالْكَتِيبَةُ؛ لِانْضِمَامِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ. وَشَرْعًا (بَيْعُ سَيِّدٍ رَقِيقَهُ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى (نَفْسَهُ) أَوْ بَيْعُهُ بَعْضَهُ كَنِصْفِهِ وَنَحْوِهِ (بِمَالٍ) فَلَا تَصِحُّ عَلَى خِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِ (فِي ذِمَّتِهِ) ؛ أَيْ: الرَّقِيقِ لَا مُعَيَّنٌ (مُبَاحٌ) فَلَا تَصِحُّ عَلَى آنِيَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهِمَا (مَعْلُومٌ) فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَلَا يَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الثَّمَنِ (يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ) فَلَا تَصِحُّ فِي جَوْهَرٍ؛ لِئَلَّا يُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ (مُنَجَّمٌ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا) ؛ أَيْ: أَكْثَرَ مِنْ نَجْمَيْنِ (يُعْلَمُ قَدْرُ) ؛ أَيْ: مَبْلَغُ (كُلِّ نَجْمٍ) بِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ غَيْرِهِمَا (وَمُدَّتُهُ) ؛ أَيْ: مُدَّةُ النَّجْمِ مِنْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكَتْبِ؛ وَهُوَ الضَّمُّ؛ فَوَجَبَ افْتِقَارُهَا إلَى نَجْمَيْنِ؛ لِيُضَمَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ، وَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِمَا لِكُلِّ نَجْمٍ مِنْ الْقِسْطِ وَالْمُدَّةِ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ جَهْلُهُ إلَى التَّنَازُعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْأَنْجُمِ، فَلَوْ جُعِلَ نَجْمٌ شَهْرًا وَآخَرُ سَنَةً، أَوْ جُعِلَ قِسْطُ أَحَدِهِمَا مِائَةً وَالْآخَرُ خَمْسِينَ وَنَحْوَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْعِلْمُ بِقَدْرِ الْأَجَلِ وَقِسْطِهِ، وَقَدْ حَصَلَ بِذَلِكَ، وَالنَّجْمُ هُنَا الْوَقْتُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لَا تَعْرِفُ الْحِسَابَ، وَإِنَّمَا تَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ بِطُلُوعِ النُّجُومِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا سُهَيْلٌ أَوَّلَ اللَّيْلِ طَلَعَ ... فَابْنُ اللَّبُونِ الْحِقُّ وَالْحِقُّ الْجَذَعْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 731 (أَوْ) بَيْعُ السَّيِّدِ رَقِيقَهُ نَفْسِهِ بِ (مَنْفَعَةٍ) مُنَجِّمَةٍ (عَلَى أَجَلَيْنِ) فَأَكْثَرَ كَأَنْ يُكَاتِبَهُ فِي الْمُحَرَّمِ عَلَى خِدْمَتِهِ فِيهِ وَفِي رَجَبٍ، أَوْ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ، أَوْ عَلَى بِنَاءِ حَائِطٍ عَيَّنَهُمَا، فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ أَوْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ نَجْمٌ وَاحِدٌ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْكِتَابَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] ، وَقِصَّةُ بَرِيرَةَ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِلْكِتَابَةِ (أَجَلٌ لَهُ وَقَعَ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ فِيهِ) فَيَصِحُّ تَوْقِيتُ النَّجْمَيْنِ بِسَاعَتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى "، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَوْقِيتَ النَّجْمَيْنِ بِسَاعَتَيْنِ وَنَحْوِهِ، بَلْ يُعْتَبَرُ مَالَهُ وَقْعٌ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ، انْتَهَى. (وَتَصِحُّ) الْكِتَابَةُ (عَلَى خِدْمَةٍ مُفْرَدَةٍ) كَأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ (أَوْ) عَلَى خِدْمَةٍ (مَعَهَا مَالٌ إنْ كَانَ) الْمَالُ (مُؤَجَّلًا وَلَوْ إلَى أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْخِدْمَةِ) كَأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ، وَيُؤَدِّيهِ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ آخِرِهِ، وَإِذَا لَمْ يُسَمَّ الشَّهْرُ كَأَنْ عَقَّبَ الْعَقْدَ كَالْإِجَارَةِ. وَإِنْ عَيَّنَ الشَّهْرَ صَحَّ، وَلَوْ اتَّصَلَ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْحُلُولِ فِي غَيْرِ الْخِدْمَةِ لِلْعَجْزِ عَنْهُ فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَأْجِيلُهَا، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَجَلُ الدِّينَارِ قَبْلَ الْخِدْمَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَهُ فِي الْمُحَرَّمِ عَلَى دِينَارٍ سَلْخَ صَفَرٍ وَخِدْمَتِهِ شَهْرَ رَجَبٍ، وَإِنْ جَعَلَ مَحِلَّهُ نِصْفَ رَجَبٍ أَوْ انْقِضَاءَهُ؛ صَحَّ كَمَا تَقَدَّمَ؛ الْخِدْمَةُ بِمَنْزِلَةِ الْعِوَضِ الْحَاصِلِ فِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهَا، فَيَكُونُ مَحِلُّهَا غَيْرَ مَحِلِّ الدِّينَارِ. (وَتُسَنُّ) الْكِتَابَةُ (لِمَنْ) ؛ أَيْ: رَقِيقٍ (عُلِمَ فِيهِ خَيْرٌ) لِلْآيَةِ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْخَيْرُ (هُنَا الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 732 قَالَ أَحْمَدُ: الْخَيْرُ صِدْقٌ وَصَلَاحٌ وَوَفَاءٌ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» . وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى إزَالَةِ مِلْكٍ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ. (وَتُكْرَهُ) الْكِتَابَةُ (لِمَنْ لَا كَسْبَ لَهُ) لِئَلَّا يَصِيرَ كَلًّا عَلَى النَّاسِ، وَيَحْتَاجَ إلَى الْمَسْأَلَةِ (وَتَصِحُّ) الْكِتَابَةُ (لِمُبَعِّضٍ) بِأَنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ بَعْضَ عَبْدِهِ الرَّقِيقِ مَعَ حُرِّيَّةِ بَعْضِهِ (وَ) تَصِحُّ كِتَابَةُ رَقِيقٍ (مُمَيِّزٍ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَبَيْعُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، فَصَحَّتْ كِتَابَتُهُ كَالْمُكَلَّفِ وَإِيجَابُ سَيِّدِهِ الْكِتَابَةَ لَهُ إذْنٌ لَهُ فِي قَبُولِهَا، بِخِلَافِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ، لَكِنْ يُعْتِقَانِ بِالتَّعْلِيقِ إنْ عَلَّقَ عِتْقَهُمَا عَلَى الْأَدَاءِ صَرِيحًا، وَإِلَّا يَكُنْ التَّعْلِيقُ صَرِيحًا؛ فَلَا عِتْقَ؛ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِيهِ. وَ (لَا) تَصِحُّ الْكِتَابَةُ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْمُمَيِّزِ بِأَنْ يُكَاتِبَ مُمَيِّزٌ رَقِيقَهُ (إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالٍ كَالْبَيْعِ. (وَلَا) تَصِحُّ كِتَابَةٌ (مِنْ) سَيِّدٍ (غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) كَسَفِيهٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ كِتَابَةٌ (بِغَيْرِ قَوْلٍ) بِأَنْ يَقُولَ سَيِّدٌ لِرَقِيقِهِ: كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا؛ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْمُعَاطَاةِ هُنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ فِيهَا صَرِيحًا (وَلَا) تَصِحُّ (كِتَابَةُ مَرْهُونٍ) بَعْدَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْكِتَابَةُ (فِي) الصِّحَّةِ وَ (الْمَرَضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ؛ " لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، فَهِيَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ (لَا مِنْ الثُّلُثِ خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ " الْمُبْدِعِ " فِي اخْتِيَارِهِمْ أَنَّهَا مِنْ الثُّلُثِ. (وَتَنْعَقِدُ) الْكِتَابَةُ (بِ) قَوْلِ سَيِّدٍ لِرَقِيقِهِ: (كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا) لِأَنَّهَا إمَّا بَيْعٌ أَوْ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى الْأَدَاءِ، وَكِلَاهُمَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْقَوْلُ (مَعَ قَبُولِهِ) ؛ أَيْ: الرَّقِيقِ الْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّهُ لَفْظُهَا الْمَوْضُوعُ لَهَا، فَانْعَقَدَتْ بِمُجَرَّدِهِ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 733 السَّيِّدُ لِرَقِيقِهِ: (فَإِذَا أَدَّيْتَ) إلَيَّ مَا كَاتَبْتُك عَلَيْهِ (فَأَنْتَ حُرٌّ) لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُوجِبُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، فَيَثْبُتُ عِنْدَ تَمَامِهِ كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ وُضِعَ لِلْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى لَفْظِ الْعِتْقِ وَلَا نِيَّتِهِ كَالتَّدْبِيرِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْكِتَابَةِ فِي الْمُخَارَجَةِ، وَهِيَ ضَرْبُ خَرَاجٍ مَعْلُومٍ يَحْتَمِلُهُ كَسْبُ الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّيهِ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ؛ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، فَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْحُرِّيَّةِ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ، عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمُحْتَمِلَ يَنْصَرِفُ بِالْقَرَائِنِ إلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ كَلَفْظِ التَّدْبِيرِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْحُرِّيَّةِ كَذَلِكَ. (وَمَتَى أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (مَا عَلَيْهِ) مِنْ كِتَابَةٍ (وَقَبَضَهُ) مِنْهُ (سَيِّدُهُ أَوْ) قَبَضَهُ مِنْهُ (وَلِيُّهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يَعْتِقُ قَبْلَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ؛ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَدَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَدَّى جَمِيعَ كِتَابَتِهِ لَا يَبْقَى عَبْدًا (أَوْ أَبْرَأهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبَ (سَيِّدُهُ) مِنْ كِتَابَتِهِ بَرِئَ، وَعَتَقَ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ خَلَتْ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدَّاهُ، فَإِنْ أَبْرَأهُ مِنْ بَعْضِهِ بَرِئَ مِنْهُ، وَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ كَالْأَدَاءِ، فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى دَنَانِيرَ فَأَبْرَأهُ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ بِالْعَكْسِ؛ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأهُ مِمَّا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ فِي الْبَرَاءَةِ لَفْظَ مِمَّا لِي عَلَيْك؛ فَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ اكْتِفَاءً بِالْمَعْنَى. (فَائِدَةٌ) : فَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْمُكَاتَبُ: إنَّمَا أَرَدْت الْبَرَاءَةَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَقَالَ السَّيِّدُ: بَلْ ظَنَنْت أَنْ لِي عَلَيْك النَّقْدَ الَّذِي أَبْرَأْتُكَ مِنْهُ؛ فَلَمْ تَقَعْ الْبَرَاءَةُ مَوْضِعَهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ، وَاخْتَلَفَ الْمُكَاتَبُ وَالْوَرَثَةُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ، وَيَحْلِفُونَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ، وَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُ وَسَيِّدُهُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 734 (أَوْ) ، أَبْرَأهُ (وَارِثٌ) لِسَيِّدِهِ (مُوسِرٌ) بِقِيمَةٍ بَاقِيَةٍ (مِنْ حَقِّهِ) مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (عَتَقَ) عَلَيْهِ (كُلُّهُ) بِالسِّرَايَةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي رَقِيقٍ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْوَارِثُ مُوسِرًا، بَلْ كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ إبْرَائِهِ لِمُكَاتَبٍ مِنْ حَقِّهِ (فَ) إنَّهُ يُعْتِقُ نَصِيبُهُ فَقَطْ بِلَا سِرَايَةٍ، وَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا؛ لِأَنَّهُ (رَقِيقٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (وَإِنْ شَرَطَ) سَيِّدٌ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: رَقِيقِهِ (خِدْمَةً مَعْلُومَةً بَعْدَ الْعِتْقِ؛ جَازَ) وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَابْنُ شُبْرُمَةَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ يُصَلِّي مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنَّكُمْ تَخْدُمُونَ الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ. وَلِأَنَّهُ اشْتَرَطَ خِدْمَةً فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ شَرَطَ نَفْعًا مَعْلُومًا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ عِوَضًا مَعْلُومًا، وَمَا قِيلَ إنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ. (وَصَحَّ) لِمُكَاتَبٍ (اشْتِرَاطُ عِتْقٍ) عَلَى سَيِّدِهِ (عِنْدَ أَدَاءِ أَوَّلِ نَجْمٍ) ؛ أَيْ: إذَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ عَلَى أَلْفَيْنِ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ أَلْفٌ، وَشَرَطَ أَنْ يَعْتِقَ عِنْدَ أَدَاءِ الْأَوَّلِ؛ صَحَّ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَيَعْتِقُ عِنْدَ أَدَائِهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ أَدَاءِ شَيْءٍ؛ صَحَّ، فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهُ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَعْضِ (وَمَا بَقِيَ) عَلَيْهِ بَعْدَ أَدَائِهِ النَّجْمَ الْأَوَّلَ (فَ) هُوَ (دَيْنٌ) عَلَيْهِ، يُتْبَعُ فِيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِهِ. (وَمَا فَضَلَ بِيَدِ مُكَاتَبٍ) بَعْدَ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ جَمِيعِهِ (فَ) هُوَ (لَهُ) ؛ أَيْ: لِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ قَبْلَ عِتْقِهِ، فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ. (وَتَنْفَسِخُ) الْكِتَابَةُ (بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (قَبْلَ أَدَائِهِ) جَمِيعَ كِتَابَتِهِ، سَوَاءٌ خَلَّفَ وَفَاءً أَوْ لَا (وَمَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ) نَصًّا، لِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ عَبْدٌ، كَمَا لَوْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ - وَقَدْ تَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَبَطَلَ، وَقَتْلُهُ كَمَوْتِهِ، سَوَاءٌ قَتَلَهُ سَيِّدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِهِ الْحُرِّ، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ سَيِّدُهُ، وَلَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً؛ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ، وَعَادَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 735 مَا فِي يَدِهِ إلَى السَّيِّدِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ: لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لَهُ، فَإِنْ قِيلَ: الْقَاتِلُ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْقَتْلِ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ الْمَقْتُولِ؛ قُلْنَا: هَاهُنَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُ الْمُكَاتَبِ مِيرَاثًا، بَلْ بِحُكْمِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ؛ لِزَوَالِ الْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ الْقَاتِلُ الْمِيرَاثَ خَاصَّةً، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ إذَا قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ حَلَّ الدَّيْنُ. (وَلَا بَأْسَ بِتَعْجِيلِ مَالِ كِتَابَةٍ) قَبْلَ حُلُولِهَا لِسَيِّدِهِ (وَلَوْ) كَانَ طَلَبُ تَعْجِيلِ ذَلِكَ (بِوَضْعِ بَعْضِهِ) ؛ أَيْ: مَالِ الْكِتَابَةِ عَنْ الْمُكَاتَبِ؛ كَأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى أَلْفٍ فِي نَجْمَيْنِ إلَى سَنَةٍ، ثُمَّ يَقُولَ لَهُ: عَجِّلْ لِي خَمْسَمِائَةٍ حَتَّى أَضَعَ عَنْك الْبَاقِيَ، أَوْ أُبْرِئَك مِنْهُ، أَوْ قَالَ: صَالِحْنِي مِنْهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ؛ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَلَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَمَا يُؤَدِّيهِ إلَى سَيِّدِهِ كَسْبُ عَبْدِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ هَذَا الْعَقْدَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ، وَأَوْجَبَ فِيهِ التَّأْجِيلَ مُبَالَغَةً فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ، وَتَخْفِيفًا عَلَى الْمُكَاتَبِ، فَإِذَا عُجِّلَ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ بِهِ بَعْضُ مَا عَلَيْهِ كَانَ أَبْلَغَ فِي حُصُولِ الْعِتْقِ، وَأَخَفَّ عَلَى الْعَبْدِ، وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ الدُّيُونِ، وَيُفَارِقُ الْأَجَانِبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَبْدُهُ؛ فَهُوَ أَشْبَهُ بِعَبْدِهِ الْقِنِّ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْأَجَلِ وَالدَّيْنِ كَأَنْ حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ، فَقَالَ: أَخِّرْهُ إلَى كَذَا وَأَزِيدُك كَذَا؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمُحَرَّمِ. (وَيَلْزَمُ سَيِّدًا) عَجَّلَ مُكَاتَبُهُ كِتَابَتَهُ (أَخْذُ) مَالٍ (مُعَجَّلٍ بِلَا ضَرَرٍ) عَلَى السَّيِّدِ فِي قَبْضِهِ، وَيَعْتِقُ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَإِذَا قَدَّمَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، فَسَقَطَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، لَا يُقَالُ إذَا عَلَّقَ عِتْقَ رَقِيقِهِ عَلَى فِعْلٍ فِي وَقْتٍ، فَفَعَلَهُ فِي غَيْرِهِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ هَذَا صِفَةٌ مُجَرَّدَةٌ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِوُجُودِهَا، وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةٌ يَعْتِقُ فِيهِمَا بِأَدَاءِ الْعِوَضِ، فَافْتَرَقَا، فَإِنْ كَانَ فِي قَبْضِهَا قَبْلَ مَحِلِّهَا ضَرَرٌ؛ بِأَنْ دَفَعَهَا بِطَرِيقٍ مَخُوفٍ، أَوْ كَانَتْ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى مَخْزَنٍ كَالطَّعَامِ وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 736 أَخْذُهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْتِزَامُ ضَرَرٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَلَا يَعْتِقُ بِبَذْلِهِ مَعَ وُجُودِ الضَّرَرِ. (فَإِنْ أَبَى) السَّيِّدُ أَخْذَ الْمُعَجَّلِ مَعَ الضَّرَرِ (جَعَلَهُ إمَامٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ) ثُمَّ أَدَّاهُ إلَى السَّيِّدِ وَقْتَ حُلُولِهِ (وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ فِي حَالِ أَخْذِ الْمُعَجَّلِ مِنْهُ؛ لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنِّي كُوتِبْت عَلَى كَذَا وَكَذَا، وَإِنِّي أَيْسَرْت بِالْمَالِ وَأَتَيْته بِهِ، فَزَعَمَ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا إلَّا نُجُومًا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا سُرَّقُ خُذْ هَذَا الْمَالَ، فَاجْعَلْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَأَدِّ إلَيْهِ نُجُومًا فِي كُلِّ عَامٍ، وَقَدْ عَتَقَ هَذَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ سَيِّدُهُ أَخَذَ الْمَالَ. وَعَنْ عُثْمَانَ نَحْوُهُ. (وَمَتَى بَانَ بِعِوَضٍ دَفَعَهُ) مُكَاتَبٌ لِسَيِّدِهِ عَنْ الْكِتَابَةِ (عَيْبٌ فَلَهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ (أَرْشُهُ) إنْ أَمْسَكَ (أَوْ عِوَضُهُ) ؛ أَيْ: الْمَعِيبِ (بِرَدِّهِ) عَنْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْكِتَابَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ عِوَضِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْمُكَاتَبِ رَقِيقًا، فَوَجَبَ أَرْشُ الْعَيْبِ أَوْ عِوَضُ الْمَعِيبِ؛ جَبْرًا لِمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْعَقْدِ (وَلَمْ يَرْتَفِعْ عِتْقُهُ) لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ بِعِوَضٍ؛ فَلَا يُبْطِلُهُ رَدُّ الْمُعَوَّضِ بِالْعَيْبِ كَالْخُلْعِ (وَلَوْ أَخَذَ سَيِّدُهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ مِنْهُ (حَقَّهُ ظَاهِرًا، ثُمَّ قَالَ) السَّيِّدُ (هُوَ حُرٌّ، فَبَانَ) مَا دَفَعَهُ (مُسْتَحَقًّا) ؛ أَيْ: مَغْصُوبًا وَنَحْوَهُ (لَمْ يَعْتِقْ) لِفَسَادِ الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا قَالَ: هُوَ حُرٌّ اعْتِمَادًا عَلَى صِحَّةِ الْقَبْضِ. (وَإِنْ ادَّعَى سَيِّدٌ تَحْرِيمَهُ) ؛ أَيْ: تَحْرِيمَ مَا أَحْضَرَهُ لَهُ مُكَاتَبُهُ لِيَقْبِضَهُ لَهُ؛ بِأَنْ قَالَ سَيِّدُهُ: هَذَا حَرَامٌ أَوْ غَصْبٌ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ أَقْبِضَهُ مِنْك، وَأَنْكَرَ الْمُكَاتَبُ وَكَانَتْ لِلسَّيِّدِ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ (قُبِلَ) قَوْلُ السَّيِّدِ (بِبَيِّنَةٍ) وَسُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي أَنْ لَا يَقْتَضِيَ دَيْنَهُ مِنْ حَرَامٍ، وَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَرْجِعَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ بِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لِلسَّيِّدِ بَيِّنَةٌ (حَلَفَ مُكَاتَبٌ) أَنَّهُ مِلْكُهُ (ثُمَّ يَجِبُ) عَلَى السَّيِّدِ (أَخْذُهُ، وَيَعْتِقُ) الْمُكَاتَبُ (بِهِ) ؛ أَيْ: بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 737 مِلْكُهُ (ثُمَّ) إنْ كَانَ السَّيِّدُ أَضَافَ مِلْكَ مَا بِيَدِ الْمُكَاتَبِ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذَا الْمَالُ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَهُ مِنْ زَيْدٍ؛ فَإِنَّهُ (يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدَ إذَا قَبَضَهُ (رَدُّهُ) ؛ أَيْ: رَدُّ مَا أَضَافَ مِلْكَهُ إلَى مُعَيَّنٍ (إلَى مَنْ أَضَافَهُ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ، فَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ: هُوَ حُرٌّ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَنْ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا انْتَقَلَ إلَى الْقَائِلِ أَنَّهُ حُرٌّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، لَزِمَتْهُ حُرِّيَّتُهُ (وَإِنْ نَكَلَ) الْمُكَاتَبُ عَنْ الْحَلِفِ أَنَّ مَا بِيَدِهِ مِلْكُهُ (حَلَفَ سَيِّدُهُ) أَنَّهُ حَرَامٌ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَإِنْ حَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، قِيلَ لِلسَّيِّدِ إمَّا أَنْ تَقْبِضَ، وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَهُ لِيَعْتِقَ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِلْكُهُ. (وَكَذَا) حُكْمُ (كُلِّ ذِي دَيْنٍ وَمَدِينٍ) وَنَفَقَةِ زَوْجَةٍ وَصَدَاقِهَا، وَكُلِّ حَقٍّ مِنْ قَرْضٍ أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَأُجْرَةٍ إذَا حَضَرَ بِهَا مَنْ هِيَ عَلَيْهِ، وَادَّعَى مَنْ هِيَ لَهُ أَنَّهَا حَرَامٌ أَوْ غَصْبٌ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهَا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ الْمَدِينِ أَوْ بَيِّنَةٍ. (وَلِسَيِّدٍ) مُكَاتِبٍ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنَانِ، دَيْنُ الْكِتَابَةِ وَدَيْنٌ عَنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَنَحْوِهِ (قَبَضَ مَالًا يَفِي بِدَيْنِهِ وَدَيْنِ كِتَابَةٍ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ) بِأَنْ يَنْوِيَ السَّيِّدُ بِمَا يَقْبِضُهُ أَنَّهُ غَيْرُ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (وَ) لَهُ (تَعْجِيزُهُ) إذَا قَبَضَ مَا بِيَدِهِ عَنْ غَيْرِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ مَا يُوفِي كِتَابَتَهُ مِنْهُ وَ (لَا) يَمْلِكُ السَّيِّدُ تَعْجِيزَهُ (قَبْلَ) أَخْذِ (ذَلِكَ) الَّذِي بِيَدِهِ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ (عَنْ جِهَةِ الدَّيْنِ) لِأَنَّ مَا بِيَدِهِ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَالِاعْتِبَارُ بِقَصْدِ سَيِّدٍ) دُونَ مُكَاتَبِهِ الدَّافِعِ (وَفَائِدَتُهُ) ؛ أَيْ: اعْتِبَارِ قَصْدِ السَّيِّدِ (يَمِينُهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ (عِنْدَ النِّزَاعِ) ؛ أَيْ: الِاخْتِلَافِ فِي نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِهَا، وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَتَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ بَابِ الرَّهْنِ أَنَّ مَنْ قَضَى أَوْ أَسْقَطَ بَعْضَ دَيْنٍ، وَبِبَعْضِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ وَقَعَ عَمَّا نَوَاهُ، فَإِنْ أَطْلَقَ صَرَفَهُ لِمَا شَاءَ، فَجَعَلَ هُنَاكَ الِاعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 738 الدَّافِعِ وَالْمُسْقِطِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي النِّيَّةِ، وَهُنَا الِاعْتِبَارُ بِنِيَّةِ الْقَابِضِ. قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ": فَقِيَاسُ هَذَا أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ، لَا إلَى سَيِّدِهِ، وَمِيلُ " الْإِنْصَافِ " إلَى هَذَا، لَكِنَّ صَرِيحَ كَلَامِهِمْ هُنَاكَ كَمَا دَرَيْتَ، وَهُنَا كَمَا رَأَيْتَ. [فَصْلٌ يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ كَسْبَهُ وَنَفْعَهُ وَكُلَّ تَصَرُّفٍ يُصْلِحُ مَالَهُ] (فَصْلٌ: وَيَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ كَسْبَهُ وَنَفْعَهُ، وَكُلَّ تَصَرُّفٍ يُصْلِحُ مَالَهُ، كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَاسْتِئْجَارٍ وَأَخْذٍ بِشُفْعَةٍ وَاسْتِدَانَةٍ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ وُضِعَتْ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ، وَلَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ إلَّا بِأَدَاءِ عِوَضِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْأَدَاءُ إلَّا بِالتَّكَسُّبِ، وَهَذِهِ أَقْوَى أَسْبَابِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ أَنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الرِّزْقِ فِي التِّجَارَةِ. (وَتَتَعَلَّقُ) دُيُونٌ اسْتَدَانَهَا الْمُكَاتَبُ، وَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا (بِذِمَّتِهِ) دُونَ رَقَبَتِهِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُكَاتَبِ فِي حَالِ مُكَاتَبَتِهِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ، وَالْحُرُّ إذَا اسْتَدَانَ دُيُونًا تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ، فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَابِلَةٌ لِلِاشْتِغَالِ، وَلِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، فَلَيْسَ مِنْ سَيِّدِهِ غُرُورٌ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَفَائِدَةُ تَعَلُّقِهَا بِالذِّمَّةِ أَنَّهُ (يُتْبَعُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَالَ يَسَارِهِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ عَنْ دُيُونِ الْمُعَامَلَةِ (تَعَلَّقَتْ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ) ، وَهْمٌ سَرَى إلَيْهِ مِنْ عِبَارَةِ " الْإِقْنَاعِ " وَهِيَ: وَلَا يَمْلِكُ غَرِيمُهُ تَعْجِيزَهُ، وَإِنْ عَجَزَ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ مَعَ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ فِي خَبَرِ النَّفْيِ، مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَا يُقَالُ إنْ عَجَزَ عُلِّقْت بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ؛ لِئَلَّا يُنَاقِضَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، وَيُتْبَعُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلِئَلَّا يُخَالِفَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ الْإِمَامِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ ": فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ الْمَدِينُ وَيُسْتَوْفَى مِنْهُ دَيْنُهُ مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ بِهَا سَقَطَ. قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ قَضَاءُ دَيْنِهِ، هَذَا كَانَ يَسْعَى لِنَفْسِهِ انْتَهَى. (وَسَفَرُهُ) أَيْ: الْمُكَاتَبُ (كَ) سَفَرِ (غَرِيمٍ) فَلِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَلَا يَتَأَتَّى أَنْ يُوثَقَ بِرَهْنٍ يُحْرَزُ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ لِأَنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 739 (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (أَخْذُ صَدَقَةٍ) وَاجِبَةٍ وَمُسْتَحَبَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] وَإِذَا جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْوَاجِبَةِ فَالْمُسْتَحَبَّةُ أَوْلَى (وَيَلْزَمُ) مُكَاتَبًا شَرْطُ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ (تَرْكُهُمَا) أَيْ: السَّفَرِ وَأَخْذِ الصَّدَقَةِ (كَ) مَا يَلْزَمُ (الْعَقْدَ) ؛ أَيْ: عَقْدَ الْكِتَابَةِ (فَيَمْلِكُ) سَيِّدُهُ (تَعْجِيزَهُ) بِسَفَرِهِ أَوْ أَخْذِهِ الصَّدَقَةَ عَنْهُ شَرْطَ تَرْكِهِمَا؛ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» ) . وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: هُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ إنْ رَأَيْته يَسْأَلُ تَنْهَاهُ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَعُودُ لَمْ يَرُدَّهُ عَنْ كِتَابَتِهِ فِي مَرَّةٍ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ لَازِمٌ، وَأَنَّهُ إنْ خَالَفَ مَرَّةً لَمْ يُعَجِّزْهُ و (إنْ خَالَفَ) مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَهُ تَعْجِيزُهُ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْكِتَابَةَ جَمْعٌ بَيْنَ شَرْطَيْنِ فَأَكْثَرَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَ (لَا) يَصِحُّ (شَرْطُ) سَيِّدِهِ عَلَيْهِ (نَوْعِ تِجَارَةٍ) كَأَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا فِي نَوْعِ كَذَا؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمَوْضُوعِ لِلْعِتْقِ، كَشَرْطِهِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَّجِرَ أَصْلًا (وَيُنْفِقُ مُكَاتَبٌ عَلَى نَفْسِهِ) وَزَوْجَتِهِ (وَرَقِيقِهِ وَوَلَدِهِ التَّابِعِ لَهُ) فِي كِتَابَتِهِ مِنْ كَسْبِهِ (كَ) وَلَدِهِ (مِنْ أَمَتِهِ) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَابِعَةٌ لِلْكَسْبِ، وَكَسْبُ مَنْ ذُكِرَ كُلُّهُ لِلْمُكَاتَبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدُهُ تَابِعًا لَهُ؛ بِأَنْ كَانَ مِنْ زَوْجَةٍ؛ فَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. (فَإِنْ) عَجَزَ مُكَاتَبٌ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَةٍ وَ (لَمْ يَفْسَخْ سَيِّدُهُ كِتَابَتَهُ لِعَجْزِهِ؛ لَزِمَتْهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدَ (النَّفَقَةُ) عَلَى مَنْ ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَقَارِبِهِ (وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ النَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ أَمَةٍ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ) وَلَوْ وُلِدَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ، وَلَيْسَ الْمُكَاتَبُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ (وَيَتْبَعُهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبَ وَلَدُهُ فِي كِتَابَتِهِ (مِنْ أَمَةِ سَيِّدِهِ إنْ شَرَطَ) ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ فِي الْعَقْدِ، لِحَدِيثِ «الْمُسْلِمُونَ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 740 شُرُوطِهِمْ» ) فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فَوَلَدُهُ قِنٌّ لِسَيِّدِهِ تَبَعًا، لِأُمِّهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ (وَنَفَقَةُ وَلَدِ مُكَاتَبٍ مِنْ مُكَاتَبَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ (لِسَيِّدِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (عَلَى أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا) وَكَسْبُهُ لَهَا. (وَلَهُ) أَيْ: الْمَكَاتِبِ أَنْ يَقْتَصَّ لِنَفْسِهِ وَلَوْ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ (مِنْ جَانٍ عَلَى طَرَفِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ لَكَانَ لَهُ، فَكَذَا بَدَلُهُ وَ (لَا) يَمْلِكُ أَنْ يَقْتَصَّ (مِنْ بَعْضِ رَقِيقِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضٍ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ السَّيِّدِ بِإِتْلَافِ جُزْءٍ مِنْ رَقِيقِهِ الْجَانِي مِنْ غَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجِزُ، فَيَعُودُ الرَّقِيقُ لِسَيِّدِهِ نَاقِصًا، وَلِأَنَّ تَصَرُّفَهُ قَاصِرٌ عَلَى مَا يَبْتَغِي بِفِعْلِهِ الْمَصْلَحَةَ دُونَ غَيْرِهِ. (وَلَا) يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ (أَنْ يُكَفِّرَ بِمَالٍ) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُعْسِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاةٌ وَلَا نَفَقَةُ قَرِيبٍ حُرٍّ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا أَنْ (يُسَافِرَ) مُكَاتَبٌ (لِجِهَادٍ) ؛ لِتَفْوِيتِ حَقِّ سَيِّدِهِ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (أَوْ يَتَزَوَّجَ) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَهْدٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ حَدِيثِ: «أَيُّمَا عَبْدٍ نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» ) ؛ وَلِأَنَّ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ ضَرَرًا؛ لِاحْتِيَاجِهِ لِأَدَاءِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ مِنْ كَسْبِهِ، وَرُبَّمَا عَجَزَ وَرُقَّ، فَيَرْجِعُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ (أَوْ يَتَسَرَّى) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى السَّيِّدِ، وَرُبَّمَا أَحَبَلَهَا، فَتَتْلَفُ أَوْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا فِي أَدَاءِ كِتَابَتِهِ (أَوْ يَتَبَرَّعَ) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ سَيِّدِهِ بِمَالِهِ، (أَوْ يُعِيرَ) دَابَّتَهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ (أَوْ يُقْرِضَ) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، فَرُبَّمَا أَفْلَسَ الْمُقْتَرِضُ أَوْ مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا، أَوْ هَرَبَ (أَوْ يُحَابِي) ؛ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ (أَوْ يَرْهَنَ) مَالَهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ قَدْ يَتْلَفُ، فَيُفَوِّتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ (أَوْ يُضَارِبَ) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِالْمَالِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ قِرَاضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاع الْكَسْبِ (أَوْ يَبِيعَ نَسَاءً وَلَوْ بِرَهْنٍ) أَوْ ضَمِينٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَوْ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَفِيهِ غَرَرٌ بِتَسْلِيمِ مَالِهِ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْغَرِيمَ وَالضَّمِينَ قَدْ يُفْلِسَانِ، وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 741 بَاعَ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ حَالًّا، وَجَعَلَ الزِّيَادَةَ مُؤَجَّلَةً جَازَ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مَنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ (أَوْ يَهَبَ وَلَوْ بِعِوَضٍ) مَجْهُولٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ، وَقَدْ يَعْجِزُ، فَيَعُودُ إلَيْهِ، فَإِنْ وَهَبَ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ؛ صَحَّ حَيْثُ لَا مُحَابَاةَ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ (أَوْ يَتَوَسَّعَ فِي النَّفَقَةِ) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (أَوْ يُزَوِّجَ رَقِيقَهُ) لِأَنَّهُ نَوْعُ تَبَرُّعٍ (أَوْ يَحُدَّهُ) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ وِلَايَةٍ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا (أَوْ يَعْتِقَهُ وَلَوْ بِمَالٍ) فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ إعْتَاقٍ أَشْبَهَ الْعِتْقَ بِغَيْرِ مَالٍ (أَوْ يُكَاتِبَهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَوْعُ إعْتَاقٍ، فَلَمْ تَجُزْ مِنْهُ كَالْمُنَجَّزِ. (تَتِمَّةٌ) لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ لَكِنْ تَقَدَّمَ: تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ إنْ مَاتَ حُرًّا، وَلَا يَحُطَّ الْمُكَاتَبُ عَنْ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَلَا يَضْمَنَ مَالًا وَلَا يَتَكَفَّلَ بِبَدَنِ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ سَيِّدِهِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ؛ إذْ رُبَّمَا عَجَزَ؛ فَعَادَ إلَيْهِ كُلُّ مَا فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ السَّيِّدِ، فَإِذَا أَذِنَ زَالَ الْمَانِعُ. (وَالْوَلَاءُ) عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُ الْمُكَاتَبُ، أَوْ كَاتَبَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَأَدَّى مَا عَلَيْهِ (لِسَيِّدِهِ) وَلَوْ مَعَ عَدَمِ رُجُوعِهِ إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْوَلَاءِ، وَالْوَلَاءُ لَا يُوقَفُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُورَثُ بِهِ، فَهُوَ كَالنَّسَبِ، إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ مُكَاتَبُهُ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ وَلَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِسَيِّدِهِ (وَ) لَهُ (خَتْنُهُ) لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ مِلْكِهِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ، وَالْأَخْذُ بِهَا، وَلَوْ مِنْ سَيِّدِهِ، وَكَذَا السَّيِّدُ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعَ سَيِّدِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَهُ الشِّرَاءُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْلِفَ فِي ذِمَّتِهِ وَأَنْ يَقْتَرِضَ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالْمَالِ. (وَ) لِلْمُكَاتَبِ (تَمَلُّكُ رَحِمِهِ الْمُحَرَّمِ) كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ (بِهِبَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 742 وَوَصِيَّةٍ، وَ) لَهُ (شِرَاؤُهُمْ وَفِدَاؤُهُمْ) إذَا جُنُّوا، وَهُمْ فِي يَدِهِ (وَلَوْ أَضَرَّ ذَلِكَ فِي مَالِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِحُرِّيَّتِهِمْ بِتَقْدِيرِ عِتْقِهِ، وَالْعِتْقُ مَطْلُوبٌ شَرْعًا (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (كَسْبُهُمْ) ؛ أَيْ: مَنْ صَارَ إلَيْهِ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُمْ عَبِيدُهُ أَشْبَهُوا الْأَجَانِبَ (وَلَا يَبِيعُهُمْ) ؛ أَيْ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَبِيعَ الْمُكَاتَبُ ذَوِي رَحِمِهِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ لَوْ كَانَ حُرًّا، فَلَا يَمْلِكُهُ مُكَاتَبًا (فَإِنْ عَجَزَ رُقُّوا مَعَهُ) ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ مَالِهِ، فَيَصِيرُونَ لِلسَّيِّدِ كَعَبِيدِهِ الْأَجَانِبِ (وَإِنْ أَدَّى، عَتَقُوا مَعَهُ) ، لِأَنَّهُ إذَا عَتَقَ كَمُلَ مِلْكُهُ فِيهِمْ، وَزَالَ تَعَلُّقُ حَقِّ سَيِّدِهِ عَنْهُمْ، فَعَتَقُوا حِينَئِذٍ؛ لِزَوَالِ الْمُعَارِضِ (وَكَذَا) ؛ أَيْ: وَكَحُكْمِ رَحِمِهِ الْمُحَرَّمِ إذَا صَارَ إلَيْهِ يَكُونُ (وَلَدُهُ مِنْ أَمَتِهِ) ؛ أَيْ: أَمَةِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَمَلَّكَهُ، وَإِذَا عَتَقَ بِأَدَاءِ أَبِيهِ صَارَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ يَمْتَنِعُ بَيْعُهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ (وَإِنْ أُعْتِقَ) الْمُكَاتَبُ بِأَنْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بِدُونِ مَالِ الْكِتَابَةِ (صَارُوا) ؛ أَيْ: ذَوُو رَحِمِهِ وَرَقِيقُهُ كُلُّهُمْ وَأَوْلَادُهُ مِنْ أَمَتِهِ (أَرِقَّاءَ لِلسَّيِّدِ) كَرَقِيقِهِ الْأَجْنَبِيِّ؛ إذْ مَا بِيَدِهِ مُعْتَقٌ بِغَيْرِ أَدَاءً لِسَيِّدِهِ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ) كَأَبِي سَيِّدِهِ وَعَمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ، (فَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ أَوْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بِلَا أَدَاءً (عَتَقَ) مَنْ بِيَدِهِ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِزَوَالِ تَعَلُّقِ الْمُكَاتَبِ عَنْهُ وَخُلُوصِ مِلْكِهِ لِلسَّيِّدِ (وَإِنْ أَدَّى) الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ (فَ) مُكَاتَبُهُ (رَقِيقٌ) لَهُ (وَوَلَدُ) أَمَةِ (مُكَاتَبَةٍ وَضَعَتْهُ بَعْدَهَا) ؛ أَيْ: بَعْدِ كِتَابَتِهَا (يَتْبَعُهَا) ؛ أَيْ: الْأَمَةَ الْمُكَاتَبَةَ (فِي عِتْقٍ بِأَدَاءٍ) مَالُ الْكِتَابَةِ لِسَيِّدِهَا (أَوْ) عِتْقُهَا بِ (إبْرَاءٍ) مِنْ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ مِنْ السَّيِّدِ بِالِاخْتِيَارِ، أَشْبَهَ الِاسْتِيلَادَ، وَلَا يَتْبَعُهَا مَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَّبَّرَةِ وَ (لَا) يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ (بِإِعْتَاقِهَا) بِدُونِ أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُكَاتَبَةٌ وَيَكُونُ لِسَيِّدِهَا (وَلَا) يَعْتِقُ وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ (إنْ مَاتَتْ) قَبْلَ الْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ كَغَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ، وَإِنْ قُتِلَ فَقِيمَتُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 743 لَهَا، وَكَذَا لَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ جُزْئِهَا، وَبَدَلُ جُزْئِهَا لَهَا. قَالَهُ فِي " الْكَافِي ": (وَوَلَدُ بِنْتِهَا) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبَةِ التَّابِعَةِ لِأُمِّهَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (كَوَلَدِهَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ، وَالْأُمُّ تَابِعَةٌ لِأُمِّهَا، فَيَعْتِقُ إنْ عَتَقَتْ الْكُبْرَى بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ، لَا بِإِعْتَاقٍ وَمَوْتٍ وَ (لَا) يَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ (وَلَدُ ابْنِهَا) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ دُونَ أَبِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَمَتِهِ، فَيَتْبَعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَتْبَعُهَا مَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَهَا بِالْعِتْقِ لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، فَلَأَنْ لَا يَتْبَعَهَا فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ أَوْلَى. وَلَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْوَلَدَ دُونَهَا؛ صَحَّ عِتْقُهُ لَهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ كَأُمِّهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ مَعَهَا. (وَإِنْ اشْتَرَى مُكَاتَبٌ زَوْجَتَهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا) أَوْ اشْتَرَتْ الْمُكَاتَبَةُ زَوْجَهَا؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ مَتَى مَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ أَوْ بَعْضَهُ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَمِلْكُ الْمُكَاتَبِ صَحِيحٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مِلْكِهِ لِكَسْبِهِ وَمَنَافِعِهِ. (وَإِنْ اسْتَوْلَدَ) مُكَاتَبٌ (أَمَتَهُ) ثُمَّ عَتَقَ بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ (صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ) لَهُ؛ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا لَهُ حُرْمَةُ الْحُرِّيَّةِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيَعْتِقُ بِعِتْقِ أَبِيهِ، أَشْبَهَ وَلَدَ الْحُرِّ مِنْ أَمَتِهِ (وَعَلَى سَيِّدِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (أَرْشُهَا) ؛ أَيْ: الْجِنَايَةِ (وَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ لِمُكَاتَبِهِ (بِحَبْسِهِ مُدَّةً) لِمِثْلِهَا أُجْرَةُ (أَرْفَقِ الْأَمْرَيْنِ) بِالْمُكَاتَبِ (مِنْ إنْظَارِهِ مِثْلَهَا) ؛ أَيْ: مُدَّةِ حَبْسِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِتَابَةِ (أَوْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ) زَمَنَ حَبْسِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ مَلْحُوظٌ، فِيهِ حَظُّ الْمُكَاتَبِ، وَقَدْ تَنَازَعَ فِيهِ أَمْرَانِ؛ فَاعْتُبِرَ أَحَظُّهُمَا لَهُ لِذَلِكَ. [فَصْلٌ يَصِحُّ فِي عَقْدِ كِتَابَةٍ شَرْطُ وَطْءِ مُكَاتَبَتِهِ] (فَصْلٌ: وَيَصِحُّ) فِي عَقْدِ كِتَابَةٍ، (شَرْطُ وَطْءِ مُكَاتَبَتِهِ) نَصًّا؛ لِبَقَاءِ أَصْلِ الْمِلْكِ كَرَاهِنٍ يَطَأُ بِشَرْطٍ، ذَكَرَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ "، وَلِأَنَّ بُضْعَهَا مِنْ جُمْلَةِ مَنَافِعِهِ، فَإِذَا اسْتَثْنَى نَفْعَهُ؛ صَحَّ، كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى مَنْفَعَةً أُخْرَى؛ وَجَازَ وَطْؤُهُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا أَمَتُهُ، وَهِيَ فِي جَوَازِ وَطِئَهُ لَهَا كَغَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ لِاسْتِثْنَائِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 744 (وَلَا) يَصِحُّ شَرْطُ وَطْءِ (بِنْتٍ لَهَا) أَيْ: لِمُكَاتَبَتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ فِيهَا بِالتَّبَعِيَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ وَطْؤُهَا مُبَاحًا حَالَةَ الْعَقْدِ فَيَشْتَرِطُهُ (فَإِنْ وَطِئَهَا) أَيْ: مُكَاتَبَتَهُ (بِلَا شَرْطٍ) فَلَهَا الْمَهْرُ (أَوْ) وَطِئَ (بِنْتَهَا) ؛ أَيْ: بِنْتَ مُكَاتَبَتِهِ (الَّتِي) هِيَ وَأُمُّهَا (فِي مِلْكِهِ أَوْ) وَطِئَ (أَمَتَهَا) ؛ أَيْ: أَمَةَ مُكَاتَبَتِهِ أَوْ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ (أُدِّبَ عَالِمٌ تَحْرِيمَ) ذَلِكَ الْوَطْءِ (مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ؛ لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُنَّ مَمْلُوكَاتٌ لَهُ، وَرُبَّمَا عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ، فَعُدْنَ لِمِلْكِهِ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ (وَلَهَا) ؛ أَيْ: الْمَوْطُوءَةِ عَلَيْهِ (الْمَهْرُ وَلَوْ) كَانَتْ (مُطَاوِعَةً) لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ، وَلِأَنَّهُ عِوَضُ شَيْءٍ مُسْتَحَقٍّ لِلْمُكَاتَبَةِ، فَكَانَ لَهَا كَبَقِيَّةِ مَنَافِعِهَا، وَعَدَمُ مَنْعِهَا مِنْ وَطِئَهُ لَيْسَ بِإِذْنٍ مِنْهَا لَهُ فِي الْفِعْلِ، وَلِهَذَا لَوْ رَأَى مَالِكُ مَالٍ إنْسَانًا يُتْلِفُهُ، فَلَمْ يُمْنَعْهُ؛ لَمْ يُسْقَطْ عَنْهُ الضَّمَانُ، وَتَحْصُلُ الْمُقَاصَّةُ إنْ حَلَّ النَّجْمُ، وَهُوَ بِذِمَّتِهِ بِشَرْطِهِ (وَمَتَى تَكَرَّرَ) وَطْؤُهُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ (وَكَانَ قَدْ أَدَّى) الْمَهْرَ (لِمَا قَبْلَهُ) مِنْ الْوَطْءِ (لَزِمَهُ) مَهْرٌ (آخَرُ) لِوَطْئِهِ بَعْدَ أَدَاءِ مَهْرِ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى الْمَهْرَ الْأَوَّلَ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْوَطْءُ الثَّانِي وَطْءٌ (وَإِلَّا) يَكُنْ أَدَّى مَهْرًا لِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْوَطْءِ (فَلَا) يَلْزَمُهُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ؛ لِاتِّحَادِ الشُّبْهَةِ، وَهُوَ كَوْنُ الْمَوْطُوءَةِ مَمْلُوكَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَةَ مَمْلُوكَتِهِ (وَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: سَيِّدِ الْمُكَاتَبَةِ (قِيمَةُ أَمَتِهَا إنْ أَوْلَدَهَا) لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَ (لَا) يَلْزَمُهُ قِيمَةُ (نَحْوِ بِنْتِهَا) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبَةِ كَأُمِّهَا الْمَمْلُوكَةِ لَهَا إنْ أَوْلَدَهَا (لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهَا) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبَةِ (بَيْعُهَا) قَبْلَ اسْتِيلَادِهَا، فَلَمْ يَفُتْ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِاسْتِيلَادِهَا، بِخِلَافِ أَمَتِهَا (وَلَا) يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَيْضًا (قِيمَةُ وَلَدِهِ مِنْ أَمَةِ مُكَاتَبَةٍ أَوْ) أَمَةِ (مُكَاتَبَتِهِ) إنْ اسْتَوْلَدَهُمَا؛ لِأَنَّ وَلَدَ السَّيِّدِ جُزْءٌ مِنْهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ قِيمَتِهِ لِرَقِيقِهِ؛ وَلِأَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا (وَتَصِيرُ) مُكَاتَبَتُهُ أَوْ بِنْتُهَا أَوْ أَمَتُهَا أَوْ أَمَةُ مُكَاتَبِهِ (إنْ وَلَدَتْ) مِنْ سَيِّدِهَا سَوَاءٌ شَرَطَ وَطْءَ مُكَاتَبَتِهِ أَوْ لَا (أُمَّ وَلَدٍ) لِأَنَّهَا أَمَتُهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهَا دِرْهَمٌ (ثُمَّ إنْ أَدَّتْ) مُكَاتَبَتُهُ الَّتِي أَوْلَدَهَا (عَتَقَتْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 745 وَكَسْبُهَا لَهَا، وَلَا تَنْفَسِخُ كِتَابَتُهَا بِاسْتِيلَادِهَا (وَإِنْ مَاتَ) سَيِّدُهَا (وَعَلَيْهَا شَيْءٌ) مِنْ كِتَابَتِهَا (سَقَطَ، وَعَتَقَتْ) لِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ (وَمَا بِيَدِهَا لِوَرَثَتِهِ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ (وَلَوْ لَمْ تَعْجِزْ) لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِغَيْرِ أَدَاءً (وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ سَيِّدٌ مُكَاتَبَهُ) فَلَهُ كُلُّ مَا بِيَدِهِ (وَعِتْقُهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ لِمُكَاتَبِهِ فَسْخٌ لِلْكِتَابَةِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا بِصَيْرُورَتِهِ حُرًّا، وَلَوْ كَانَ عِتْقُهُ (فِي غَيْرِ كَفَّارَةٍ) وَيَصِحُّ عِتْقُهُ فِي الْكَفَّارَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ، وَيَأْتِي. (وَمَنْ كَاتَبَهَا شَرِيكَانِ) فِيهَا (ثُمَّ) وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا، أُدِّبَ فَوْقَ أَدَبِ وَاطِئِ الْمُكَاتَبَةِ الْخَالِصَةِ لَهُ؛ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا مُكَاتَبَةً وَمِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا مُشْتَرَكَةً، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ الْخَالِصَةِ، وَعَلَيْهِ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ لَهَا، فَإِذَا تَلِفَتْ بِالْوَطْءِ؛ لَزِمَ مُتْلِفَهَا بَدَلُهَا، وَهُوَ الْمَهْرُ وَإِنْ (وَطِئَاهَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَانِ (فَلَهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (الْمَهْرُ) فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَعَلَى الْوَاطِئِ الْأَوَّلِ مَهْرُ بِكْرٍ، وَعَلَى الْوَاطِئِ الْآخَرِ مَهْرُ ثَيِّبٍ اعْتِبَارًا بِالْحَالِ الَّتِي وَطِئَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَيْهَا (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا) فَوَلَدُهُ حُرٌّ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ؛ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَ (صَارَتْ) الْمُكَاتَبَةُ (أُمَّ وَلَدِهِ) لِأَنَّهَا عُلِّقَتْ بِحُرٍّ فِي شَيْءٍ يَمْلِكُ بَعْضَهُ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلسِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنْ الْعِتْقِ، بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْمَجْنُونِ (وَلَوْ لَمْ تَعْجِزْ) فَتَبْقَى عَلَى كِتَابَتِهَا فِي نَصِيبِهِ، وَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ عَلَى كِتَابَتِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى نِصْفَهَا مِنْ شَرِيكِهِ (وَيَغْرَمُ) مَنْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ (لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ) مِنْهَا مُكَاتَبَةً؛ لِسَرَيَانِ الِاسْتِيلَادِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَوْلِدُ مُوسِرًا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا أَدَّاهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يُوسِرَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (وَ) يَغْرَمُ الْمُسْتَوْلِدُ لِشَرِيكِهِ (نَظِيرَهَا) ؛ أَيْ: حِصَّتِهِ (مِنْ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي سَبِيلِ هَذَا النِّصْفِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِشَرِيكِهِ فَقَدْ أَتْلَفَ رِقَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهَا فِي " التَّصْحِيحِ " وَالنَّظْمِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " " وَالْمُنْتَهَى " وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 746 وَمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا وَضَعَتْهُ فِي مِلْكِهِ وَالْوَلَدُ حُرٌّ، قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَاسْتَظْهَرَهُ صَاحِبُ " الْمُبْدِعِ "، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ، وَيَغْرَمُ الْمُسْتَوْلِدُ لِمُكَاتَبَةٍ الْمَهْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ لَهَا، فَيَضْمَنُهَا لَهَا كَالْأَجْنَبِيِّ (وَإِنْ أَلْحَقَ) وَلَدَ مُكَاتَبَةٍ وَطِئَهَا سَيِّدُهَا (بِهِمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِمَا) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ سِرَايَتُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى وَكِتَابَتُهُمَا بِحَالِهَا، فَإِنْ أَدَّتْ إلَيْهِمَا عَتَقَتْ فِي حَيَاتِهِمَا، وَمَا بِيَدِهَا لَهَا، وَإِلَّا فَإِنَّهُ (يَعْتِقُ نِصْفُهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ نِصْفَهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ (وَ) يَعْتِقُ (بَاقِيهَا بِمَوْتِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ عِتْقَ نِصْفَهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَبَاقِيهَا بِمَوْتِ الْآخَرِ مُعْتَبَرٌ (حَيْثُ لَا سِرَايَةَ) عَلَى الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَكَوْنِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ مُعْسِرًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْرِي إحْبَالُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاق بِالْقَوْلِ، أَمَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا ثُلُثُهُ بِقِيمَةِ الْبَاقِي، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبُهُ بِمَوْتِهِ، وَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى الْبَاقِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُدَبَّرِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِحُصُولِ الْوَلَدِ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ مُوسِرٌ فَأَوْجَبَ السِّرَايَةَ فِي جَمِيعِهَا، وَيُفَارِقُ الْإِعْتَاقَ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ عَلَى مَا مَرَّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَيْسَ لِسَيِّدٍ إجْبَارُ مُكَاتَبَتِهِ) وَلَا بِنْتِهَا وَلَا أَمَتَهَا (عَلَى تَزْوِيجٍ) لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ عَنْ نَفْعِهَا وَنَفْعِ بُضْعِهَا وَعَنْ عِوَضِهِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَزْوِيجٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهَا يَثْبُتُ حَقًّا لِلزَّوْجِ فِيهَا، فَرُبَّمَا عَجَزَتْ، وَعَادَتْ إلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ وَطْأَهَا، فَإِنْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا، وَهُوَ وَلِيُّهَا وَوَلِيُّ بِنْتِهَا وَجَارِيَتِهَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، فَأَشْبَهَ الْجَارِيَةَ الْقِنَّ. [فَصْلٌ يَصِحُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي الْمُكَاتَبِ] (فَصْلٌ: وَيَصِحُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي الْمُكَاتَبِ) بِبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ: «أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 747 قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إلَى أَهْلِك، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْك كِتَابَتَكِ، وَيَكُونُ وَلَاؤُك لِي فَعَلْتُ ذَلِكَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا، فَأَبَوْا، وَقَالُوا إنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْك، فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونُ لَنَا وَلَاؤُك، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ابْتَاعِي وَاعْتِقِي؛ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: بِيعَتْ بَرِيرَةُ بِعِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ، وَلَا وَجْهَ لِمَنْ أَنْكَرَهُ، وَلَا أَعْلَمُ خَبَرًا يُعَارِضُهُ، وَلَا أَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا دَلَّ عَلَى عَجْزِهَا، وَتَأَوَّلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ عَجَزَتْ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، بَلْ قَوْلُهَا أَعِينِينِي دَلَّ عَلَى بَقَائِهَا عَلَى الْكِتَابَةِ مَعَ صِحَّةِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا (حَتَّى بِوَقْفٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِصَاحِبِ " الْمُبْدِعِ " (فَإِذَا أَدَّى) الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ (بَطَلَ) الْوَقْفُ، وَوَلَدُهُ التَّابِعُ لَهُ فِي كِتَابَتِهِ كَهُوَ، فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَوَقْفُهُ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ مَعَ الْمُكَاتَبِ، لَا مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ كَأَصْلِهِ، وَلِذَا صَحَّ عِتْقُهُ لَهُ، بِخِلَافِ ذَوِي رَحِمِ الْمُكَاتَبِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَبِيدًا لِسَيِّدِهِ. (وَلِمُشْتَرٍ) مُكَاتَبًا (جَهِلَ الْكِتَابَةَ رَدٌّ أَوْ أَرْشٌ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَقْصٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَنَافِعِهِ وَكَسْبِهِ، وَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ؛ أَشْبَهَ الْأُمَّةَ الْمُزَوَّجَةَ (وَهُوَ) : أَيْ: الْمُشْتَرِي إنْ أَمْسَكَ وَالْمُتَّهَبُ وَالْمُوصَى لَهُ (كَبَائِعٍ فِي عِتْقِ) مُكَاتَبٍ (بِأَدَاءِ) هـ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَا تَنْفَسِخُ بِنَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْمُكَاتَبِ، بَلْ مَتَى أَدَّى مَا عَلَيْهِ عَتَقَ (وَلَهُ) ؛ أَيْ: مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمُكَاتَبُ (الْوَلَاءُ) عَلَيْهِ؛ لِعِتْقِهِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ إلَّا الْمَوْقُوفَ إذَا أَدَّى مَالَ كِتَابَتِهِ لِمَنْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، فَيَبْطُلُ وَقْفُهُ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ (وَ) مُشْتَرٍ كَبَائِعٍ فِي (عَوْدِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ؛ أَيْ: إعَادَتِهِ مِنْ إطْلَاقِ الْعَوْدِ وَإِرَادَةِ الْإِعَادَةِ؛ إذْ الْعَوْدُ صِفَةُ الْمُكَاتَبِ الَّتِي هِيَ أَثَرُ الْإِعَادَةِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ السَّيِّدِ (قِنًّا بِعَجْزِهِ) عَنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْبَائِعِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 748 (وَإِنْ أَدَّى) مُكَاتَبٌ مَا عَلَيْهِ (لِوَارِثٍ) بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ (فَالْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ) الَّذِي كَاتَبَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَفَادَهُ السَّبَبُ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ. (وَلَوْ اشْتَرَى كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ مُكَاتَبَيْ شَخْصٍ) الْمُكَاتَبَ الْآخَرَ؛ صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ سَيِّدَهُ لِإِفْضَائِهِ إلَى تَنَاقُضِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: أَنَا مَوْلَاك، وَلِي وَلَاؤُك، وَإِنْ عَجَزْت صِرْت لِي رَقِيقًا (أَوْ) اشْتَرَى كُلٌّ مِنْ مُكَاتَبَيْ شَخْصَيْنِ (اثْنَيْنِ الْآخَرَ؛ صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ) لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ شِرَاءُ الْعَبِيدِ، فَصَحَّ شِرَاؤُهُ لِلْمُكَاتَبِ كَشِرَائِهِ لِلْقِنِّ، وَبَطَلَ شِرَاءُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُ الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ سَيِّدَهُ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هُنَا، فَإِنْ أَدَّى الْمَبِيعَ مِنْهُمَا؛ عَتَقَ، وَوَلَاؤُهُ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ، فَيَثْبُتُ لِسَيِّدِهِ، هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ (فَإِنْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا) ؛ أَيْ: الْبَيْعَيْنِ (بَطَلَا) وَيُرَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى كِتَابَتِهِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ، وَجَهِلَ السَّابِقَةَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى فَسْخٍ وَلَا قُرْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ يَقِينُ الْبَيْعِ فِي وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى فَسْخٍ. (وَإِنْ أُسِرَ) الْمُكَاتَبُ؛ أَيْ: أَسَرَهُ الْكُفَّارُ (فَاشْتُرِيَ) مِنْهُمْ، أَوْ وَقَعَ فِي قِسْمِ أَحَدِ الْغَانِمِينَ (فَأَحَبَّ سَيِّدُهُ؛ أَخْذَهُ) مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْكُفَّارِ (بِمَا اُشْتُرِيَ بِهِ) فَلَهُ ذَلِكَ، وَكِتَابَتُهُ بِحَالِهَا؛ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ سَيِّدُهُ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَأَحَبَّ أَخْذَهُ، فَيَأْخُذُهُ بِثَمَنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُدَبَّرِ (وَإِلَّا) يُحِبَّ السَّيِّدُ أَخْذَهُ بِذَلِكَ مِنْهُ؛ بَقِيَ بِيَدِ مُشْتَرِيهِ أَوْ بِيَدِ مَنْ وَقَعَ فِي قِسْمِهِ (فَ) إذَا (أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (لِمُشْتَرِيهِ) أَوْ لِمَنْ وَقَعَ فِي قِسْمَتِهِ (مَا بَقِيَ) عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ؛ عَتَقَ لِلُزُومِ الْكِتَابَةِ، فَلَا تَنْفَسِخُ بِالْأَسْرِ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى، وَوَلَاؤُهُ (لَهُ) ؛ أَيْ: لِمُشْتَرِيهِ، لِعِتْقِهِ فِي مِلْكِهِ (وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (بِمُدَّةِ أَسْرٍ) الَّتِي هُوَ فِيهَا عِنْدَ الْكُفَّارِ (فَلَا يَعْجِزُ) الْمُكَاتَبُ (حَتَّى يَمْضِيَ) عَلَيْهِ (بَعْدَ الْأَجَلِ مِثْلُهَا) ؛ أَيْ: مُدَّةِ الْأَسْرِ، فَتُلْغَى مُدَّةُ الْأَسْرِ؛ وَيَبْقَى عَلَى مَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 749 يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْكَسْبِ، وَأَمَّا الْمَرَضُ، فَاسْتَظْهَرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا التَّغْلِبِيُّ أَنَّ مُدَّتَهُ تُحْتَسَبُ عَلَيْهِ كَالْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا نَادِرَةٌ (وَعَلَى مُكَاتَبٍ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ) فِدَاءُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ سَيِّدِهِ كَالْحُرِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ، فَكَذَا فِي الْجِنَايَاتِ (أَوْ) ؛ أَيْ: أَوْ عَلَى مُكَاتَبٍ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ (فِدَاءُ نَفْسِهِ) مِمَّا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ الْجَانِي، وَقَدْ مَلَكَ نَفْعَهُ وَكَسْبَهُ، أَشْبَهَ الْحُرَّ، ثُمَّ إنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ فَإِنَّهُ يَفْدِي نَفْسَهُ (بِقِيمَتِهِ فَقَطْ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ، وَالْقِيمَةُ بَدَلٌ عَنْ رَقَبَتِهِ (مُقَدِّمًا) فِدَاءَ نَفْسِهِ (عَلَى) دَيْنِ (كِتَابَةٍ) وَلَوْ حَلَّ نَجْمٌ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ، وَدَيْنَ الْكِتَابَةِ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ الْقِنِّ، وَعَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَغَيْرِهِمَا؛ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي الْمُكَاتَبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ مِنْ سَيِّدٍ وَغَيْرِهِ التَّأْخِيرَ إلَى بَعْدِ وَفَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَقَدْ رَضِيَ بِتَأْخِيرِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ؛ فَلِمُسْتَحِقِّهِ اسْتِيفَاؤُهُ؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَتَبْطُلُ حُقُوقُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمْ الْأَخِيرَيْنِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِرَقَبَتِهِ؛ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ إنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الطَّرَفِ، وَإِنْ عَفَا مَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى مَالٍ؛ جَازَ وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ، فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَيَسْتَوِي وَلِيُّهَا مَعَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ خَطَأً (فَإِذَا أَدَّاهَا) أَيْ: أَدَّى مُكَاتَبٌ جَانٍّ كِتَابَتَهُ (مُبَادِرًا) قَبْلَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (وَلَيْسَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: وَلَمْ يَكُنْ سَأَلَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَأَجَابَهُ؛ صَحَّ وَ (عَتَقَ) لِصِحَّةِ أَدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَصَحَّ قَضَاؤُهُ، كَمَا لَوْ قَضَى الْمُفْلِسُ بَعْضَ غُرَمَائِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ (وَاسْتَقَرَّ الْفِدَاءُ) ؛ أَيْ: أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ سَأَلَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ، وَأَجَابَهُ قَبْلَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ دَفْعُهُ إلَى سَيِّدِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 750 فَلَا يَعْتِقُ، وَارْتَجَعَهُ حَاكِمٌ، فَدَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ؛ لِتَقَدُّمِهِ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ مُسْتَقِرٌّ، وَدَيْنَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. (وَإِنْ قَتَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبَ الْجَانِيَ (سَيِّدُهُ لَزِمَهُ) مَا كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالْجِنَايَةِ (الْأَقَلُّ) ؛ أَيْ: أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِهَا أَوْ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مَحَلَّ تَعْلِيقِهَا، وَهُوَ رَقَبَةٌ (وَكَذَا إنْ أَعْتَقَهُ) سَيِّدُهُ، فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِإِتْلَافِهِ مَالِيَّتَهُ بِعِتْقِهِ. (وَتَسْقُطُ) جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ؛ أَيْ: يَسْقُطُ أَرْشُهَا (فِيهِمَا) ؛ أَيْ: بِقَتْلِ سَيِّدِهِ أَوْ عِتْقِهِ إيَّاهُ (إنْ كَانَتْ) جِنَايَتُهُ (عَلَى سَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَالِيَّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ لِنَفْسِهِ (وَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ الْجَانِي عَنْ فِدَاءِ نَفْسِهِ (عَنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ) جَنَاهَا (عَلَى سَيِّدِهِ فَلَهُ) ؛ أَيْ: سَيِّدِهِ (تَعْجِيزُهُ) بِعُودِهِ إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ حَقٌّ ثَبَتَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ رَجَعَ إلَى بَدَلِهِ، وَهُوَ رَقَبَتُهُ (وَإِنْ كَانَتْ) جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ (عَلَى غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: غَيْرِ سَيِّدِهِ وَعَجَزَ عَنْ فِدَاءِ نَفْسِهِ (فَ) إنْ (فِدَاهُ سَيِّدٌ؛ لَمْ يُبَعْ) بَلْ يَبْقَى عَلَى كِتَابَتِهِ (وَإِلَّا) يَفْدِهِ (بِيعَ فِيهَا) ؛ أَيْ: الْجِنَايَةِ (قِنًّا لَا مُكَاتَبًا) لِبُطْلَانِ كِتَابَتِهِ بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَقَبَتِهِ (وَيَجِبُ فِدَاءُ جِنَايَتِهِ مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى سَيِّدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (أَوْ أَرْشُهَا) ؛ أَيْ: الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ كَانَ الْأَرْشُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَا مَوْضِعَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِهَا. (وَإِنْ اسْتَدَانَ) الْمُكَاتَبُ (تَعَلَّقَ) مَا اسْتَدَانَهُ (بِذِمَّتِهِ فَقَطْ) دُونَ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْأَحْرَارِ، وَالْحُرُّ إذَا اسْتَدَانَ دُيُونًا تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ، فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ، وَفَائِدَةُ تَعَلُّقِهَا بِذِمَّتِهِ أَنَّهُ يُتْبَعُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ يَسَارِهِ، وَخَرَجَ بِالِاسْتِدَانَةِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ؛ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وَيَكُونُ مَا اسْتَدَانَهُ (مُقَدَّمًا مَعَ حَجْرٍ) عَلَيْهِ بِسُؤَالِ غُرَمَائِهِ الْحَاكِمَ ذَلِكَ (عَلَى دَيْنِ كِتَابَةٍ) لِعَدَمِ تَعَلُّقِ ذَلِكَ بِرَقَبَتِهِ (فَ) لِهَذَا إنْ عَجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ (فَلَيْسَ لِغَرِيمِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 751 تَعْجِيزُهُ) عَنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ لِيَعُودَ إلَى الرِّقِّ (بِخِلَافِ أَرْشِ) جِنَايَةٍ لِتَعَلُّقِهِ بِرَقَبَتِهِ (وَ) بِخِلَافِ (دَيْنِ كِتَابَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ رَقَبَتِهِ (فَ) لِلسَّيِّدِ أَنْ (يُعْجِزَ) الْمُكَاتَبَ، وَإِذَا أَعْجَزَهُ فَعَادَ قِنًّا؛ خُيِّرَ سَيِّدُهُ بَيْنَ فِدَائِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَتِهِ، وَبَيْنَ تَسْلِيمِهِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ فِيهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى السَّيِّدِ أَوْ عَلَى مَالِهِ، أَوْ وَرِثَ أَرْشَهَا عَنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَعَجَّزَهُ السَّيِّدُ؛ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مَالُ الْكِتَابَةِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى قِنِّهِ مَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ عَلَيْهِ. (وَ) إنْ مَاتَ مُكَاتَبٌ جَانٍّ وَمَدِينٌ؛ فَإِنَّهُ (يَشْتَرِكُ رَبُّ دَيْنِ) مُعَامَلَةٍ (وَ) رَبُّ (أَرْشِ) جِنَايَةٍ (بَعْدَ مَوْتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (فِي تَرِكَتِهِ بِالْحِصَصِ) ؛ أَيْ: فَيَتَحَاصَّانِ بِقَدْرِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِفَوَاتِ الرَّقَبَةُ (وَلِ) مُكَاتَبٍ (غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ؛ أَيِّ: دَيْنٍ شَاءَ) مِنْ دَيْنِ كِتَابَةٍ وَمُعَامَلَةٍ، وَأَرْشِ جِنَايَةٍ كَالْحُرِّ. (تَتِمَّةٌ) : لَا يُجْبَرُ الْمُكَاتَبُ عَلَى الْكَسْبِ لِوَفَاءِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي السَّعْيِ كُلْفَةً وَمَشَقَّةً، وَدَيْنُ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ؛ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْكَسْبِ لِوَفَائِهَا؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ. [فَصْلٌ الْكِتَابَةُ الصَّحِيحَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ] (فَصْلٌ: وَالْكِتَابَةُ) الصَّحِيحَةُ (عَقْدٌ لَازِمٌ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ وَهُوَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ (لَا يَدْخُلُهَا خِيَارٌ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا تَحْصِيلُ الْعِتْقِ، فَكَأَنَّ السَّيِّدَ عَلَّقَ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ عَلَى أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَلِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ لِدَفْعِ الْغَبْنِ عَنْ الْمَالِ، وَالسَّيِّدُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةِ أَنَّ الْحَظَّ لِعَبْدِهِ؛ فَلَا مَعْنَى لِثُبُوتِ الْخِيَارِ. (وَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا فَسْخَهَا) أَيْ: الْكِتَابَةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ. (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا) أَيْ: الْكِتَابَةِ (عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ) كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ كَاتَبْتُك: (كَبَقِيَّةِ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ) وَخَرَجَ بِمُسْتَقْبَلٍ الْمَاضِي وَالْحَاضِرُ كَإِنْ كُنْت عَبْدِي وَنَحْوِهِ فَقَدْ كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا؛ فَيَصِحُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 752 (وَلَا تَنْفَسِخُ) الْكِتَابَةُ (بِمَوْتِ سَيِّدٍ وَ) لَا (جُنُونِهِ وَ) لَا (بِحَجْرٍ عَلَيْهِ) لِسَفَهٍ أَوْ فَلْسٍ كَبَقِيَّةِ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ. (وَيَعْتِقُ) الْمُكَاتَبُ (بِأَدَاءٍ) إلَى سَيِّدِهِ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقَبْضِ أَوْ بِأَدَاءٍ (إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ مِنْ وَلِيِّهِ وَوَكِيلِهِ أَوْ الْحَاكِمِ مَعَ غَيْبَةِ سَيِّدِهِ (أَوْ) بِأَدَاءٍ إلَى (وَارِثِهِ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ إنْ مَاتَ، وَالْوَلَاءُ لَلسَّيِّدِ لَا لِلْوَارِثِ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِمَا عَلَيْهِ لِشَخْصٍ، فَأَدَّى إلَيْهِ. (وَإِنْ حَلَّ) عَلَى مُكَاتَبٍ (نَجْمٌ) مِنْ كِتَابَتِهِ (فَلَمْ يُؤَدِّهِ؛ فَلِسَيِّدِهِ الْفَسْخُ) كَمَا لَوْ أَعْسَر الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ (بِلَا حُكْمِ) حَاكِمٍ كَرَدِّ الْمَعِيبِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُكَاتَبُ (غَائِبًا بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) فَيَمْلِكُ الْفَسْخَ؛ دَفْعًا لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِانْتِظَارِهِ (وَ) إنْ غَابَ الْمُكَاتَبُ (بِإِذْنِهِ) ؛ أَيْ: إذْنِ سَيِّدِهِ (فَلَا) يَمْلِكُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِذْنِهِ لَهُ، وَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا (حَتَّى يُرَاسَلَهُ الْحَاكِمُ) بِأَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُكَاتَبُ يَأْمُرُهُ بِالْأَدَاءِ، أَوْ يَثْبُتُ عَجْزُهُ عِنْدَهُ؛ فَيَفْسَخُ السَّيِّدُ أَوْ وَكِيلُهُ حِينَئِذٍ؛ دَفْعًا لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِالْخُرُوجِ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ السَّيِّدُ لِيُؤَدِّيَ مَا حَلَّ عَلَيْهِ، أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يُؤَدِّي عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ (وَ) عَلَيْهِ أَنْ يُمْهِلَهُ حَتَّى (يَمْضِيَ زَمَنٌ يُمْكِنُهُ) الْمَسِيرُ عَادَةً، فَإِنْ خَرَجَ أَوْ وَكَّلَ فِي أَوَّلِ حَالِّ الْإِمْكَانِ عِنْدَ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ عَادَةً إلَّا مَعَهَا؛ لَمْ يَجُزْ لِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْ الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ أَخَّرَ الْخُرُوجَ أَوْ التَّوْكِيلَ مَعَ الْإِمْكَانِ؛ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ؛ إزَالَةً لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَعَلَ السَّيِّدُ لِلْوَكِيلِ الْفَسْخَ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ، جَازَ، وَلَهُ الْفَسْخُ إذَا ثَبَتَتْ وَكَالَتُهُ بِبَيِّنَةٍ بِحَيْثُ يَأْمَنُ الْمُكَاتَبُ إنْكَارَ السَّيِّدِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ؛ لَمْ يَلْزَمْ الْمُكَاتَبُ الدَّفْعَ إلَيْهِ وَلَوْ صَدَّقَهُ أَنَّهُ وَكِيلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ إنْكَارَ سَيِّدِهِ الْوَكَالَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ عُذْرًا يَمْنَعُ جَوَازَ الْفَسْخِ. وَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ وَمَالُ الْمُكَاتَبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 753 حَاضِرٌ عِنْدَهُ طُولِبَ بِهِ، وَلَمْ يَجُزْ الْفَسْخُ قَبْلَ الطَّلَبِ، فَإِنْ طَلَبَ السَّيِّدُ مِنْهُ مَا حَلَّ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ أَنْ مَالَهُ غَائِبٌ عَنْ الْمَجْلِسِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْبَلَدِ؛ لَمْ يَجُزْ الْفَسْخُ، وَأُمْهِلَ الْمُكَاتَبُ لِذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْوَفَاءِ؛ لِقِصَرِ مُدَّتِهِ. (وَيَلْزَمُ) السَّيِّدَ (إنْظَارُهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (ثَلَاثًا) ؛ أَيْ: ثَلَاثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا (لِبَيْعِ عَرَضٍ) يُوَفِّيهِ مِنْ ثَمَنِهِ (وَلِمَالٍ غَائِبٍ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ يَرْجُو قُدُومَهُ، وَلِدَيْنٍ حَالٍّ عَلَى مَلِيءٍ وَ) قَبْضِ مَالٍ (مُودَعٍ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ مَلْحُوظٌ فِيهِ حَظُّ الْمُكَاتَبِ وَالرِّفْقُ بِهِ مَعَ عَدَمِ الْإِضْرَارِ بِالسَّيِّدِ. (وَلِمُكَاتَبٍ قَادِرٍ عَلَى كَسْبٍ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ) بِتَرْكِ التَّكَسُّبِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ عَلَيْهِ، وَمُعْظَمُ الْقَصْدِ مِنْ الْكِتَابَةِ تَخْلِيصُهُ مِنْ الرِّقِّ، فَإِذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ (إنْ لَمْ يَمْلِكْ وَفَاءً) . وَ (لَا) يَمْلِكُ مُكَاتِبٌ (فَسْخَهَا) ؛ أَيْ: الْكِتَابَةِ بِحَالٍ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لِأَنَّهَا سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ، وَفِيهَا حَقٌّ مُعَلَّقٌ، وَفِي فَسْخِهَا إبْطَالٌ لِذَلِكَ الْحَقِّ (فَإِنْ مَلَكَهُ) ؛ أَيْ: الْوَفَاءَ مُكَاتَبٌ لَمْ يَمْلِكْ تَعْجِيزَ نَفْسِهِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَدَاءِ وَ (أُجْبِرَ عَلَى أَدَائِهِ) لِسَيِّدٍ (ثُمَّ عَتَقَ) بِأَدَائِهِ، وَلَا يَعْتِقُ بِنَفْسِ الْمِلْكِ؛ لِلْخَبَرِ، وَلِجَوَازِ أَنْ يَتْلَفَ قَبْلَ أَدَائِهِ، فَيَفُوتَ عَلَى السَّيِّدِ (فَإِنْ مَاتَ) مُكَاتَبٌ (قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: الْوَفَاءِ (انْفَسَخَتْ) وَلَوْ مَلَكَ وَفَاءً؛ لِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا؛ فَمَالُهُ جَمِيعًا لِسَيِّدِهِ. وَيَصِحُّ فَسْخُهَا؛ أَيْ: الْكِتَابَةِ (بِاتِّفَاقِهِمَا) أَيْ: السَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبِ بِأَنْ يَتَقَايَلَا أَحْكَامَهَا قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ. (وَلَوْ زَوَّجَ السَّيِّدُ امْرَأَةً تَرِثُهُ) ؛ أَيْ: تَرِثُ السَّيِّدَ إنْ مَاتَ كَبِنْتِهِ وَنَحْوِهَا (مِنْ مُكَاتَبِهِ؛ ثُمَّ مَاتَ) السَّيِّدُ (انْفَسَخَ النِّكَاحُ) عَلَى الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّى: هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ زَوْجَتَهُ تَمْلِكُهُ أَوْ تَمْلِكُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 754 سَهْمًا مِنْهُ، فَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَتْهُ، كَمَا لَوْ وَرِثَ زَوْجٌ حُرٌّ زَوْجَتَهُ الْمُكَاتَبَةَ، أَوْ وَرِثَ زَوْجَةً لَهُ غَيْرُهَا، فَمَتَى مَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ أَوْ بَعْضَهُ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ أَبْطَلَهُ. (وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ) السَّيِّدُ (إلَى مَنْ أَدَّى كِتَابَتَهُ) كُلَّهَا (وَلَوْ) كَانَ الْمُكَاتَبُ (ذِمِّيًّا رُبْعُهَا) أَمَّا وُجُوبُ الْإِيتَاءِ بِلَا تَقْدِيرٍ؛ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَأَمَّا كَوْنُهُ رُبْعُ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ فَلِمَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قَالَ: رُبْعُ الْكِتَابَةِ» وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَنْهُ. (وَلَا يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبَ (قَبُولُ بَدَلِهِ) ؛ أَيْ: بَدَلِ رُبْعِ الْكِتَابَةِ، إنْ دَفَعَهُ سَيِّدُهُ لَهُ (مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ) الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْكِتَابَةُ؛ بِأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ، فَأَدَّاهَا إلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ دَنَانِيرَ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ أَعْطَاهُ عَنْهَا عُرُوضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتِهِ مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ وَلَا مِنْ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ الْإِيتَاءِ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ، فَتُسَاوَيَا فِي الْإِجْزَاءِ كَالزَّكَاةِ، وَغَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ أُلْحِقَ بِهِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى مِنْ عَيْنِهِ؛ لِظَاهِرِ النَّصِّ. (فَلَوْ وَضَعَ السَّيِّدُ) عَنْ مُكَاتَبِهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ مِنْ أَوَّلِ أَنْجُمِهَا أَوْ أَوْسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، وَكَانَ الْوَضْعُ (بِقَدْرِهِ) أَيْ: الرُّبْعِ؛ جَازَ لِتَفْسِيرِ الصَّحَابَةِ الْآيَةَ بِذَلِكَ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْوَضْعُ عَنْهُ (أَفْضَلُ) مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّفْعِ، وَأَعْوَنُ عَلَى حُصُولِ الْعِتْقِ (أَوْ عَجَّلَهُ) ؛ أَيْ: إيتَاءَ الرُّبْعِ لِلْمُكَاتَبِ سَيِّدُهُ (جَازَ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ وَكَالزَّكَاةِ، وَوَقْتُ وُجُوبِ أَدَاءِ السَّيِّدِ رُبْعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 755 مَالِ الْكِتَابَةِ لِلْمُكَاتَبِ عِنْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِإِيتَائِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي آتَاهُ، وَإِذَا أَدَّى مَالَ الْكِتَابَةِ؛ عَتَقَ فَيَجِبُ إيتَاؤُهُ حِينَئِذٍ. قَالَ عَلِيٌّ: الْكِتَابَةُ عَلَى نَجْمَيْنِ وَالْإِيتَاءُ مِنْ الثَّانِي. (تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ، وَقَدْ اسْتَوْفَى مَالَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ إيتَائِهِ مُكَاتَبَهُ رُبْعَهُ؛ فَهُوَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ يُحَاصِصُ بِهِ غُرَمَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِآدَمِيٍّ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَسَائِرِ دُيُونِهِ. (وَلِسَيِّدِ) مُكَاتَبٍ (الْفَسْخُ) لِلْكِتَابَةِ (بِعَجْزِ) مُكَاتَبٍ (عَنْ رُبْعِهَا) أَيْ: الْكِتَابَةِ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: «كُنَّ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْتَجِبْنَ مِنْ مُكَاتَبٍ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِينَارٌ» . (وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُصَالِحَ سَيِّدَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ) مِنْ كِتَابَتِهِ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (بِشَرْطِ حُلُولٍ وَتَقَابُضٍ) فِي الْمَجْلِسِ لَا مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَا أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضٍ إنْ جَرَى بَيْنَ الْجِنْسِ رِبَا نَسِيئَةٍ. (وَمَنْ أُبْرِئَ) مِنْ الْمُكَاتَبِينَ (مِنْ كِتَابَتِهِ) كُلِّهَا (عَتَقَ) لِمَفْهُومِ حَدِيثِ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . لِأَنَّهُ مَعَ الْبَرَاءَةِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلِأَنَّ الْبَرَاءَةَ فِي مَعْنَى الْأَدَاءِ بِجَامِعِ سُقُوطِ الْحَقِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (وَإِنْ أُبْرِئَ) مُكَاتَبٌ (مِنْ بَعْضِهَا) كَأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَأَبْرَأَهُ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ (فَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الْأَلْفِ، فَإِذَا أَدَّاهَا؛ عَتَقَ [تَتِمَّةٌ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ] (تَتِمَّةٌ) : وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَبْرَأَهُ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ؛ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَالِهَا وَبَرَاءَتُهُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ دُونَ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ؛ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ، وَلَا مَأْذُونًا لَهُ فِي عِتْقِهِ، وَحَقُّهُ فِيمَا عَلَيْهِ لَا فِي رَقَبَتِهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ لِلْمُوصَى لَهُ بِهِ، وَرُدَّ فِي الرِّقِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 756 صَارَ عَبْدًا لِلْوَرَثَةِ دُونَ الْمُوصَى لَهُ بِمَا عَلَيْهِ، وَالْأَمْرُ فِي تَعْجِيزِهِ لِلْوَرَثَةِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَمَا قَبَضَهُ الْمُوصَى لَهُ فَهُوَ لَهُ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْهُ، لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ. [فَصْلٌ كِتَابَةُ عَدَدٍ مِنْ رَقِيقِهِ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ] (فَصْلٌ: وَتَصِحُّ كِتَابَةُ عَدَدٍ) مِنْ رَقِيقِهِ (بِعِوَضٍ) وَاحِدٍ كَأَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَيْنِ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى سَنَتَيْنِ كُلُّ سَنَةٍ مِائَةٌ، كَمَا لَوْ بَاعَهُمْ كَذَلِكَ لِوَاحِدٍ (وَيُقَسَّطُ) الْعِوَضُ بَيْنَهُمْ (عَلَى الْقِيَمِ) ؛ أَيْ: قِيمَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ (يَوْمَ الْعَقْدِ) لِأَنَّهُ زَمَنُ الْمُعَاوَضَةِ، لَا عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا وَسَيْفًا، وَاشْتَرَى عَبِيدًا وَرَدَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ بِعَيْبٍ (وَيَكُونُ كُلٌّ) مِنْهُمْ (مُكَاتَبًا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) مِنْ الْعِوَضِ؛ فَمَنْ أَدَّى مِنْهُمْ مِنْ كِتَابَتِهِ؛ فَإِنَّهُ (يَعْتِقُ) وَحْدَهُ (بِأَدَائِهَا، وَيُعَجَّزُ بِعَجْزٍ عَنْهَا) ؛ أَيْ: قَدْرِ حِصَّتِهِ (وَحْدَهُ) لِأَنَّ الْحِصَّةَ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ الْمَنْقُودِ، وَمَنْ جَنَى مِنْهُمْ فَجِنَايَتُهُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ تَضَامَنُوا) أَيْ الْعَبِيدُ الَّذِينَ كَاتَبَهُمْ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ (لَمْ يَصِحَّ) الضَّمَانُ. (وَلَوْ شَرَطَ) أَيْ: شَرَطَ السَّيِّدُ عَلَيْهِمْ الضَّمَانَ (فِي عَقْدِ) الْكِتَابَةِ (فَسَدَ) الـ (شَّرْطُ) لِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ لَيْسَ لَازِمًا، وَلَا يَئُولَ إلَى اللُّزُومِ؛ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَ (لَا) يَفْسُدُ الـ (عَقْدُ) بِفَسَادِ الشَّرْطِ؛ لِقِصَّةِ بَرِيرَةَ. (وَإِنْ أَدَّوْا) مَا كُوتِبُوا عَلَيْهِ جَمِيعَهُ (وَاخْتَلَفُوا) بَعْدَ أَدَائِهِ (فِي قَدْرِ مَا أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ بِأَنْ قَالَ أَكْثَرُهُمْ قِيمَةً: أَدَّيْنَا عَلَى قَدْرِ قِيَمِنَا، وَقَالَ الْأَقَلُّ قِيمَةً: أَدَّيْنَا عَلَى السَّوَاءِ، فَبَقِيَتْ لَنَا عَلَى الْأَكْثَرِ قِيمَةُ بَقِيَّةٍ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُ مُدَّعٍ أَدَاءَ الْوَاجِبِ) ؛ أَيْ: قَدْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَدَاءُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ فِيهِ؛ لِاعْتِضَادِهِ بِالظَّاهِرِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا يُدَّعَى بِهِ عَلَيْهِ، وَ (لَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَدَاءِ (مَا زَادَ) عَلَى الْوَاجِبِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. (وَيَصِحُّ أَنْ يُكَاتِبَ) السَّيِّدُ (بَعْضَ عَبْدِهِ كَنِصْفِهِ) كَالْبَيْعِ، وَيَجِبُ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 757 يُؤَدِّيَ إلَى سَيِّدِهِ مِنْ كَسْبِهِ بِحَسَبِ مَا لَهُ فِيهِ مِنْ الرِّقِّ، وَيُؤَدِّي فِي الْكِتَابَةِ بِحَسَبِ مَا كُوتِبَ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يَرْضَى سَيِّدُهُ بِتَأْدِيَةِ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابَةِ (فَإِذَا أَدَّى مِثْلَيْ كِتَابَتِهِ؛ عَتَقَ) مِنْهُ قَدْرُ مَا كُوتِبَ بِالْكِتَابَةِ وَبَاقِيهِ بِالسِّرَايَةِ، فَيَصِيرُ (كُلُّهُ) حُرًّا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إذَا سَرَى إلَى مِلْكِ غَيْرِ السَّيِّدِ، فَلَأَنْ يَسْرِيَ إلَى مِلْكِهِ أَوْلَى، وَإِذَا كَاتَبَ رَقِيقَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ أَلْفٌ، وَشَرَطَ السَّيِّدُ أَنْ يُعْتَقَ الْمُكَاتَبُ عِنْدَ أَدَاءِ الْأَلْفِ الْأَوَّلِ؛ صَحَّ الْعَقْدُ، وَكَانَ عَلَى مَا شَرَطَ، وَيَعْتِقُ عِنْدَ أَدَائِهِ الْأَلْفَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ أَدَاءِ شَيْءٍ؛ صَحَّ، فَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ عِتْقَهُ عِنْدَ أَدَاءِ بَعْضِ الْكِتَابَةِ، وَيَبْقَى الْأَلْفُ الْآخَرُ دَيْنًا عَلَيْهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِهِ. (وَ) يَصِحُّ أَنْ يُكَاتِبَ (شِقْصًا مِنْ) رَقِيقٍ (مُشْتَرَكٍ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ) مُوسِرًا كَانَ الشَّرِيكُ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى نَصِيبِهِ، فَصَحَّ كَبَيْعِهِ؛ وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ؛ فَصَحَّتْ كِتَابَتُهُ كَالْكَامِلِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيهِ حُرًّا، وَلَا يُمْنَعُ الْكَسْبَ وَأَخْذَ الصَّدَقَةِ بِجُزْئِهِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الشَّرِيكُ شَيْئًا مِمَّا أَخَذَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِذَلِكَ الْجُزْءِ كَمَا لَوْ وَرِثَ الْمُبَعَّضُ شَيْئًا بِجُزْئِهِ الْحُرِّ، فَإِنْ هَايَأَ مَالِكَ الْبَقِيَّةِ؛ فَكَسَبَ فِي نَوْبَتِهِ شَيْئًا اخْتَصَّ بِهِ الْمُكَاتَبُ، وَإِنْ لَمْ يُهَايِئْهُ؛ فَمَا كَسَبَهُ بِجُمْلَتِهِ فَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ الْجُزْءِ الْمُكَاتَبِ مِنْهُ، وَلِسَيِّدِهِ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْهُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ كَسَبَهُ بِجُزْئِهِ الْمَمْلُوكِ. (وَيَمْلِكُ مُكَاتَبٌ) بَعْضَهُ (مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِهِ) ؛ أَيْ: الْجُزْءِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْمُكَاتَبَةِ (فَإِذَا أَدَّى) الْمُكَاتَبُ بَعْضَ (مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ) لِمَنْ كَاتَبَهُ (وَدَفَعَ لِ) لِلشَّرِيكِ (الْآخَرِ) الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْهُ (مَا يُقَابِلُ حِصَّتَهُ عَتَقَ كُلُّهُ إنْ كَانَ مَنْ كَاتَبَهُ) ؛ أَيْ: كَاتَبَ نَصِيبَهُ مِنْهُ (مُوسِرًا) بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ الْجُزْءُ الْمُكَاتَبُ بِالْأَدَاءِ وَالْآخَرُ بِالسِّرَايَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى مَنْ كَاتَبَهُ شَيْئًا حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْهُ مَا يُقَابِلُ حِصَّتَهُ مِنْهُ سَوَاءٌ أَذِنَ الشَّرِيكُ فِي كِتَابَتِهِ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 758 لَمْ يَأْذَنْ، فَلَوْ أَدَّى الْكِتَابَةَ مِنْ جَمِيعِ كَسْبِهِ؛ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ مَا لَيْسَ لَهُ (وَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الشَّرِيكِ الَّذِي كَاتَبَ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَأَدَّى إلَيْهِ (قِيمَةَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ) رَقِيقًا لَا مُكَاتَبًا، إذْ حِصَّةُ الشَّرِيكِ الَّتِي فَوَّتَهَا كَانَتْ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَهُ بِالْعِتْقِ، أَوْ عَلَّقَ عِتْقَ نَصِيبِهِ بِشَرْطٍ، فَوُجِدَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي كَاتَبَهُ مُعْسِرًا لَمْ يَعْتِقْ سِوَى نَصِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِبَعْضِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ؛ عَتَقَ بِقَدْرِ مَا هُوَ مُوسِرٌ بِهِ. (وَإِنْ أَعْتَقَهُ الشَّرِيكُ) الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ؛ أَيْ: أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ (قَبْلَ أَدَائِهِ) كِتَابَتَهُ (عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ) بِالسِّرَايَةِ (بِشَرْطِهِ) وَهُوَ كَوْنُهُ مُوسِرًا بِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُهُ مُكَاتَبًا (وَغَرِمَ) الشَّرِيكُ الْمُعْتِقُ (قِيمَةَ مَا لِشَرِيكِهِ) الَّذِي كَاتَبَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ (مُكَاتَبًا) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، لَمْ يَعْتِقْ سِوَى نَصِيبِهِ، وَيَبْقَى نَصِيبُ شَرِيكِهِ عَلَى كِتَابَتِهِ، فَإِذَا أَدَّاهَا؛ كَمُلَتْ حُرِّيَّتُهُ عَلَيْهِمَا، وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مَا عَتَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ. (وَلَهُمَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ فِي قِنٍّ (كِتَابَةُ عَبْدِهِمَا) أَوْ أَمَتِهِمَا، سَوَاءٌ تُسَاوَى مِلْكُهُمَا فِيهِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (عَلَى تَسَاوٍ) فِي مَالِ الْكِتَابَةِ كَأَنْ يُكَاتِبَاهُ عَلَى أَلْفَيْنِ لِكُلٍّ أَلْفٌ (وَ) عَلَى (تَفَاضُلٍ) كَأَنْ يُكَاتِبَاهُ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ، لِوَاحِدٍ أَلْفَانِ، وَالْآخَرِ أَلْفٌ، سَوَاءٌ كَاتَبَاهُ فِي عَقْدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْقِدُ عَلَى نَصِيبِهِ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ، فَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَدِّي إلَيْهِمَا عَلَى التَّسَاوِي، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّنْجِيمِ، أَوْ جَعَلَ لِأَحَدِهِمَا فِي النُّجُومِ قَبْلَ النَّجْمِ الْأَخِيرِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعَجِّلَ لِمَنْ تَأَخَّرَ نَجْمُهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَيُعْطِي مَنْ قَلَّ نَجْمُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي الدَّفْعِ إلَى الْآخَرِ قَبْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُنْظِرَهُ مَنْ حَلَّ نَجْمُهُ، أَوْ يَرْضَى مَنْ لَهُ الْكَثِيرُ بِأَخْذِ دُونَ حَقِّهِ، وَإِذَا أَمْكَنَ إفْضَاءُ الْعَقْدِ إلَى مَقْصُودِهِ؛ فَلَا يُبْطِلُهُ بِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْإِفْضَاءِ إلَيْهِ، وَإِذَا عَجَزَ قَسَمَ مَا كَسَبَهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكَيْنِ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا يَنْتَفِعُ إلَّا بِمَا يُقَابِلُ مِلْكَهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 759 وَعَادَ الْأَمْرُ بَعْدَ زَوَالِ الْكِتَابَةِ إلَى حُكْمِ الرِّقِّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَزُلْ. (وَلَا) يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ (يُؤَدِّيَ إلَيْهِمَا) ؛ أَيْ إلَى سَيِّدَيْهِ (إلَّا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا) مِنْهُ، فَلَا يَزِيدُ أَحَدَهُمَا، وَلَا يُقَدِّمُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ، فَيَتَسَاوَيَانِ فِي كَسْبِهِ، وَحَقُّهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِمَا فِي يَدِهِ تَعَلُّقًا وَاحِدًا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا مِنْهُ بِشَيْءٍ دُونَ الْآخَرِ، فَإِنْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ شَيْئًا؛ لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ، وَلِلْمَفْضُولِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حِصَّتَهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ عَجَزَ مُكَاتَبُهُمَا؛ فَلَهُمَا الْفَسْخُ وَالْإِمْضَاءُ، فَإِنْ فَسَخَا جَمِيعًا، أَوْ أَمْضَيَا الْكِتَابَةَ؛ جَازَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا، وَأَمْضَى الْآخَرُ؛ جَازَ، وَعَادَ نِصْفُهُ رَقِيقًا وَنِصْفُهُ مُكَاتَبًا (فَإِنْ كَاتَبَاهُ مُنْفَرِدَيْنِ) فِي صَفْقَتَيْنِ (فَوَفَّى) الْمُكَاتَبُ (أَحَدَهُمَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَاهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً (أَوْ أَبْرَأَهُ) أَحَدُهُمَا مِنْ حِصَّتِهِ (عَتَقَ نَصِيبُهُ خَاصَّةً إنْ كَانَ) الْمُسْتَوْفِي لِنَصِيبِهِ أَوْ الْمُبَرِّئُ (مُعْسِرًا) بِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ؛ لِعَدَمِ السِّرَايَةِ إذَنْ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ؛ عَتَقَ عَلَيْهِ (كُلُّهُ) بِالسِّرَايَةِ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مُكَاتَبًا، وَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لَهُ. (وَإِنْ كَاتَبَاهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً) فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ (فَوَفَّى أَحَدَهُمَا) ؛ أَيْ: أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَهُ عَلَيْهِ (بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ؛ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ) لَتَعَلُّقِ حَقِّ كُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِمَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ تَعَلُّقًا وَاحِدًا (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْمُكَاتَبُ شَيْئًا أَوْ دَفَعَ لَهُ دُونَ حِصَّتِهِ (أَخْذُ حِصَّتِهِ) أَوْ مَا زَادَ فِي يَدِ شَرِيكِهِ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ شَرِيكِهِ لِفَسَادِ الْقَبْضِ (وَإِنْ كَانَ) أَدَاؤُهُ لِأَحَدِهِمَا (بِإِذْنِهِ) أَيْ: الْآخَرِ (عَتَقَ نَصِيبُهُ) لِصِحَّةِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الشَّرِيكِ الْآخَرِ، وَقَدْ زَالَ بِالْإِذْنِ (وَسَرَى) الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِ (بِشَرْطِهِ) وَهُوَ كَوْنُ الْمُسْتَوْفِي مُوسِرًا بِقِيمَةِ بَاقِيهِ (وَضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِقِيمَتِهِ مُكَاتَبًا) حَالَ الْعِتْقِ؛ لِعِتْقِهِ عَلَيْهِ بَاقِيًا عَلَى كِتَابَتِهِ، وَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لَهُ. وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ لِلَّذِي لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا مَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 760 كَوْنِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِقَدْرِ مَا قَبَضَ صَاحِبُهُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ وَنِصْفَهُ بِالسِّرَايَةِ، فَحِصَّةُ مَا عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ لِلْعَبْدِ، وَحِصَّةُ مَا عَتَقَ بِالسِّرَايَةِ لِلسَّيِّدِ. (وَإِذَا كَاتَبَ ثَلَاثَةٌ عَبْدًا) لَهُمْ (فَادَّعَى الْأَدَاءَ إلَيْهِمْ) كُلِّهِمْ (فَأَنْكَرَهُ) ؛ أَيْ: أَنْكَرَ وَفَاءَ مَالِ كِتَابَتِهِ (أَحَدُهُمْ) أَيْ: أَحَدُ الثَّلَاثَةِ وَأَقَرَّ الْآخَرَانِ (شَارَكَهُمَا) الْمُنْكِرُ (فِيمَا أَقَرَّا بِقَبْضِهِ) مِنْ الْعَبْدِ، فَلَوْ كَانُوا كَاتَبُوهُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَاعْتَرَفَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِقَبْضِ مِائَتَيْنِ، وَأَنْكَرَ الثَّالِثُ قَبْضَ الْمِائَةِ؛ شَارَكَهُمَا فِي الْمِائَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اعْتَرَفَا بِقَبْضِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا اعْتَرَفَا بِأَخْذِهِمَا مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ، فَثَمَنُهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ، وَلِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لَهُمْ، وَاَلَّذِي أَخَذَاهُ كَانَ فِي يَدِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَشْتَرِكَ فِيهِ الْجَمِيعُ (وَنَصُّهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى الْمُنْكِرِ بِمَا قَبَضَهُ مِنْ الْعَبْدِ قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا لِلْعَبْدِ بِأَدَاءِ مَا يَعْتِقُ بِهِ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ رُجُوعَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَلَيْهِمَا بِحِصَّتِهِ مِمَّا قَبَضَاهُ، وَإِلَّا لَمَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا، يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِهَا مَغْرَمًا، فَإِنْ كَانَ الشَّرِيكَانِ غَيْرَ عَدْلَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا، لَكِنْ يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا، فَيَعْتِقُ نُصِيبُهُمَا، وَيَبْقَى نَصِيبُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَوْقُوفًا عَلَى الْقَبْضِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُكَاتَبِ بِنَصِيبِهِ أَوْ مُشَارَكَةُ صَاحِبَيْهِ فِيمَا أَخَذَا. وَإِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ وَلَمْ يَشْهَدَا؛ أَخَذَ الْمُنْكِرُ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ مِائَةٍ، وَمِنْ الْعَبْدِ تَمَامَهَا، وَلَا يَرْجِعُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى الْبَاقِينَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْ الْعَبْدِ؛ فَهُوَ يَقُولُ ظَلَمَنِي، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ؛ فَهُمَا يَقُولَانِ ظَلَمَنَا، وَأَخَذَ مِنَّا مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْنَا، وَالْمَظْلُومُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِظُلَامَتِهِ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ. وَإِنْ أَنْكَرَ الثَّالِثُ الْكِتَابَةَ فَنَصِيبُهُ بَاقٍ عَلَى الرِّقِّ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا كَاتَبَهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ مَعَ عَدَالَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَا إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا (وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا) تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " (وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ) مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَصَاحِبُ " الرَّوْضَةِ " " وَالْمُحَرَّرِ " وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ "؛ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَغْرَمًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 761 وَمَنْ شَهِدَ بِشَهَادَةٍ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا؛ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْكُلِّ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُ ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِيهِ، وَالتُّهْمَةُ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهِ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ. (وَمَنْ قَبِلَ كِتَابَةً) مِنْ سَيِّدِهِ (عَنْ نَفْسِهِ وَ) عَنْ رَقِيقٍ لِسَيِّدِهِ (غَائِبٍ) بِأَنْ قَالَ سَيِّدٌ: لِبَعْضِ أَرِقَّائِهِ: كَاتَبْتُك وَفُلَانًا الْغَائِبَ عَلَى مِائَتَيْنِ تُؤَدِّيَانِهِمَا عَلَى قِسْطَيْنِ سَلْخَ كُلِّ شَهْرٍ النِّصْفَ، فَقَالَ الْعَبْدُ: قَبِلْت ذَلِكَ لِنَفْسِي وَلِفُلَانٍ الْغَائِبِ (صَحَّ) ذَلِكَ (كَتَدْبِيرٍ) ؛ أَيْ: كَمَا يَصِحُّ التَّدْبِيرُ مَعَ غِيبَةِ الْمُدَبَّرِ بِجَامِعِ كَوْنِ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ سَبَبَيْنِ لِلْعِتْقِ وَإِنْ انْفَرَدَتْ الْكِتَابَةُ بِشُرُوطٍ لَيْسَتْ لِلتَّدْبِيرِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَإِنْ أَجَازَ الْغَائِبُ) مَا قَبِلَهُ لَهُ الْحَاضِرُ مِنْ الْكِتَابَةِ؛ انْعَقَدَتْ لَهُ، وَصَارَ الْمَالُ عَلَيْهِمَا عَلَى حُكْمِ مَا قَبِلَ الْحَاضِرُ (وَإِلَّا) يَجْزِ الْغَائِبُ مَا فَعَلَهُ الْحَاضِرُ (لَزِمَهُ الْكُلُّ) ؛ أَيْ: لَزِمَ الْحَاضِرَ الْمِائَتَانِ اللَّتَانِ كَاتَبَهُمَا السَّيِّدُ عَلَيْهِمَا (وَعَتَقَ) الْحَاضِرُ بِأَدَائِهِمَا (وَحْدَهُ) لِحُصُولِ الْقَبُولِ مِنْهُ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. [فَصْلٌ اخْتَلَفَا السَّيِّدُ وَرَقِيقُهُ فِي كِتَابَةٍ] (فَصْلٌ: وَإِنْ اخْتَلَفَا) ؛ أَيْ: السَّيِّدُ وَرَقِيقُهُ (فِي كِتَابَةٍ) كَمَا لَوْ ادَّعَى الْقِنُّ عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى كَذَا، فَأَنْكَرَ، أَوْ ادَّعَى ذَلِكَ السَّيِّدُ عَلَى قِنِّهِ، فَأَنْكَرَ (فَقَوْلُ مُنْكِرٍ) مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ. (وَيَتَّجِهُ) عَلَى مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ السَّيِّدَ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ بِكِتَابَةِ رَقِيقِهِ (وَ) أَنَّ رَقِيقَهُ (يَعْتِقُ إذَا ادَّعَاهَا) ؛ أَيْ: إذَا ادَّعَى (السَّيِّدُ) الْكِتَابَةَ (كَمَا يَأْتِي فِي) كِتَابِ (الْإِقْرَارِ) مِنْ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ السَّيِّدُ أَنَّهُ بَاعَ رَقِيقَهُ نَفْسِهِ بِأَلْفٍ عَتَقَ عَلَيْهِ الرَّقِيقُ؛ لِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ بِالْكِتَابَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِتْقِ، ثُمَّ إنْ صَدَّقَ الرَّقِيقُ سَيِّدَهُ؛ لَزِمَهُ الْأَلْفُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِتَصْدِيقِهِ، وَإِلَّا يُصَدِّقْهُ الرَّقِيقُ، حَلَفَ، وَبَرِئَ مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، فَإِنْ نَكِلَ قَضَى عَلَيْهِ الْأَلْفَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْكِتَابَةِ، وَاخْتَلَفَا (فِي قَدْرِ عِوَضِهَا) بِأَنْ قَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفَيْنِ، وَقَالَ الْعَبْدُ: بَلْ عَلَى أَلْفٍ؛ فَقَوْلُ سَيِّدٍ بِيَمِينِهِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 762 أَصْلِ الْكِتَابَةِ. وَتُفَارِقُ الْبَيْعَ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ عَدَمُ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا صَارَ إلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ هُوَ وَكَسْبُهُ لِلسَّيِّدِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ. الثَّانِي: أَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ يُفِيدُ وَلَا فَائِدَةَ هُنَا؛ إذْ فَائِدَتُهُ فَسْخُ الْكِتَابَةِ، وَرَدُّ الْعَبْدِ لِلرِّقِّ إذَا لَمْ يَرْضَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ، وَهَذَا حَاصِلٌ بِحَلِفِ السَّيِّدِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، وَالْأَصْلُ هَاهُنَا مَعَ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مِلْكُهُ الْعَبْدَ وَكَسْبَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ، مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ لِسَيِّدِهِ أَلْفَيْنِ، فَيَعْتِقَ، ثُمَّ يَدَّعِيَ الْمُكَاتَبُ أَنَّ أَحَدَهُمَا عَنْ الْكِتَابَةِ وَالْآخَرَ وَدِيعَةٌ، وَيَقُولُ السَّيِّدُ: بَلْ هُمَا جَمِيعًا مَالُ الْكِتَابَةِ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (جِنْسِهِ) ؛ أَيْ: عِوَضِ مَالِ الْكِتَابَةِ بِأَنْ قَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُك عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْمُكَاتَبُ: بَلْ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ؛ فَقَوْلُ سَيِّدٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ (أَجَلِهَا) ؛ أَيْ: الْكِتَابَةِ بِأَنْ قَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى شَهْرَيْنِ كُلُّ شَهْرٍ أَلْفٌ، وَقَالَ الْعَبْدُ: بَلْ إلَى سَنَتَيْنِ كُلُّ سَنَةٍ أَلْفٌ؛ فَقَوْلُ سَيِّدٍ بِيَمِينِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (وَفَاءِ مَالِهَا) بِأَنْ قَالَ الْعَبْدُ: وَفَّيْتُك مَالَ الْكِتَابَةِ، فَعَتَقْت، وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ (فَقَوْلُ سَيِّدٍ) بِيَمِينِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْمُكَاتَبُ أَنْ سَيِّدَهُ أَبْرَأَهُ مِنْهَا، فَأَنْكَرَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ (وَإِنْ) أَقَرَّ السَّيِّدُ، وَلَوْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ بِقَبْضِ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ عَتَقَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي إقْرَارِهِ بِذَلِكَ، وَلَوْ (قَالَ) السَّيِّدُ (قَبَضْتهَا) أَيْ: دَرَاهِمَ الْكِتَابَةِ (إنْ شَاءَ اللَّهُ) تَعَالَى (أَوْ) قَالَ قَبَضْتهَا إنْ شَاءَ (زَيْدٌ؛ عَتَقَ) الْمُكَاتَبُ (وَلَمْ يُؤَثِّرْ) الِاسْتِثْنَاءُ (وَلَوْ) كَانَ (فِي مَرَضِهِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ، وَاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ إنَّمَا هُوَ الْمُسْتَقْبَلُ، وَقَوْلُهُ: قَبَضْتهَا مَاضٍ، فَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيقُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ عَلَى صِفَةٍ، فَلَا يَتَغَيَّرُ عَنْهَا بِالشَّرْطِ، وَإِنْ قَالَ: اسْتَوْفَيْت آخِرَ كِتَابَتِي، وَقَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 763 إنَّمَا أَرَدْت أَنِّي اسْتَوْفَيْت النَّجْمَ الْآخِرَ دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَادَّعَى الْعَبْدُ إقْرَارَهُ بِاسْتِيفَاءِ الْكُلِّ؛ فَقَوْلُ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ. (وَيَثْبُتُ الْأَدَاءُ) لِكِتَابَةٍ (وَيَعْتِقُ) بِهِ الْمُكَاتَبُ (بِشَاهِدٍ) ؛ أَيْ: بِرَجُلٍ وَاحِدٍ (مَعَ امْرَأَتَيْنِ أَوْ) بِرَجُلٍ وَاحِدٍ مَعَ (يَمِينِ) الْعَبْدِ لِأَنَّ النِّزَاعَ بَيْنَهُمَا فِي أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَالْمَالُ، يُقْبَلُ فِيهِ الشَّاهِدُ مَعَ الْيَمِينِ، وَالرَّجُلُ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ. (تَتِمَّةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ شَاهِدٌ، وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَإِنْ قَالَ: لِي شَاهِدٌ غَائِبٌ أَنْظِرْ ثَلَاثًا، فَإِنْ جَاءَ؛ وَإِلَّا حَلَفَ السَّيِّدُ، ثُمَّ مَتَى جَاءَ شَاهِدُهُ، وَأَدَّى الشَّهَادَةَ، ثَبَتَتْ حُرِّيَّتُهُ، وَإِنْ جُرِّحَ شَاهِدُهُ، فَقَالَ: لِي شَاهِدٌ آخَرُ؛ أَنْظِرْ ثَلَاثًا. [فَصْلٌ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ] (فَصْلٌ: وَ) الْكِتَابَةُ (الْفَاسِدَةُ كَ) مَا لَوْ كَاتَبَهُ (عَلَى خَمْرٍ أَوْ) كَاتَبَهُ عَلَى (خِنْزِيرٍ أَوْ) كَاتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ (مَجْهُولٍ) كَثَوْبٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ فِي أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ (إذَا أَدَّى) مَا سُمِّيَ فِيهَا (عَتَقَ) سَوَاءٌ كَانَ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ صِفَةُ تَعْلِيقٍ؛ كَقَوْلِهِ: إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْكِتَابَةِ؛ فَهُوَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ وَكَالْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ، وَإِذَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا أَعْطَاهُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِالصِّفَةِ، وَمَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ مِنْهُ؛ فَهُوَ مَنْ كَسْبِ عَبْدِهِ. وَ (لَا) يَعْتِقُ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ (إنْ أُبْرِئَ) الْمُكَاتَبُ مِمَّا عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ (وَيَتْبَعُ وَلَدٌ) فِي كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ؛ أَشْبَهَ الصَّحِيحَةَ وَ (لَا) يَتْبَعُ (كَسْبٌ فِيهَا) ؛ أَيْ: الْفَاسِدَةِ فَمَا بِيَدِهِ حِينَ عَتَقَ لِسَيِّدِهِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ، فَوُجِدَتْ وَبِيَدِهِ مَالٌ (وَلَا يَجِبُ) عَلَى السَّيِّدِ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ (الْإِيتَاءُ) أَيْ: أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْمُكَاتَبِ رُبْعَ مَالِ الْكِتَابَةِ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَا بِالصِّفَةِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 764 (وَلِكُلٍّ) مِنْ سَيِّدٍ وَرَقِيقٍ (فَسْخُهَا) ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ ثَمَّةَ صِفَةً كَقَوْلِهِ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ لَمْ تَكُنْ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَتَابِعَةٌ لَهَا، وَالْمُعَاوَضَةُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ، فَإِذَا بَطَلَتْ الْمُعَاوَضَةُ؛ بَطَلَتْ الصِّفَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ، وَيَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ فِي الْفَاسِدَةِ التَّصَرُّفَ فِي كَسْبِهِ، وَأَخْذِ الزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ كَالصَّحِيحَةِ، وَإِذَا كَاتَبَ عَدَدًا كِتَابَةً فَاسِدَةً، فَأَدَّى إلَيْهِ أَحَدُهُمْ؛ عَتَقَ كَالصَّحِيحَةِ. (وَتَنْفَسِخُ) الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ (بِمَوْتِ سَيِّدٍ وَجُنُونِهِ وَحَجْرٍ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ) لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَلَا يَئُولَ إلَى اللُّزُومِ، وَأَيْضًا فَالْمُغَلَّبُ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ، وَهِيَ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ. (وَإِنْ) كَاتَبَ السَّيِّدُ رَقِيقَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً وَ (وَقَعَتْ) الْكِتَابَةُ (غَيْرَ مُنَجَّمَةٍ بِ) عِوَضٍ (مُبَاحٍ مَعْلُومٍ) كَوُقُوعِهَا عَلَى عِوَضٍ مُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، أَوْ حَالَّةً، أَوْ عَلَى عِوَضٍ مَجْهُولٍ (فَقَالَ الْأَكْثَرُ) مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّهَا (بَاطِلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا) لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً، فَأَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ؛ عَتَقَ مَا لَمْ تَكُنْ الْكِتَابَةُ مُحَرَّمَةً، فَحَكَمَ فِي الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ إلَّا فِي الْمُحَرَّمَةِ، فَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ بِأَدَاءِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْعَقِدُ بِعِوَضٍ مُحَرَّمٍ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُ بَاطِلٌ، وَأَمَّا فِي الْحَالَّةِ؛ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ عَقَدُوا الْكِتَابَةَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَقْدُهَا حَالَّةً، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى تَرْكِهِ، وَلِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ عِوَضِهَا فِي الْحَالِ، فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا التَّأْجِيلُ كَالسَّلَمِ، وَأَمَّا فِي الْعِوَضِ الْمَجْهُولِ؛ فَلِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَتْ الْبَيْعَ، وَفِي التَّنْجِيمِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نَجْمٍ حِكْمَتَانِ: إحْدَاهُمَا تَرْجِعُ إلَى الْمُكَاتَبِ، وَهُوَ التَّخْفِيفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ إذَا كَانَ مُفَرَّقًا أَسْهَلُ، وَلِهَذَا تُقَسَّطْ الدُّيُونُ عَلَى الْمُعْسِرِينَ عَادَةً تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ. وَالْأُخْرَى لِلسَّيِّدِ، وَهِيَ أَنَّ مُدَّةَ الْكِتَابَةِ تَطُولُ غَالِبًا، فَلَوْ كَانَتْ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ لَمْ يَظْهَرْ عَجْزُهُ إلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 765 فِي آخِرِ الْمُدَّةِ، فَإِذَا عَجَزَ عَادَ إلَى الرِّقِّ، وَفَاتَتْ مَنَافِعُهُ فِي مُدَّةِ الْكِتَابَةِ كُلِّهَا عَلَى السَّيِّدِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ حَصَلَ لَهُ، وَإِذَا كَانَتْ مُنَجَّمَةً نُجُومًا، فَعَجَزَ عَنْ النَّجْمِ الْأَوَّلِ فَمُدَّتُهُ يَسِيرَةٌ، وَإِنَّ عَجَزَ عَمَّا بَعْدَهُ فَقَدْ حَصَلَ لِلسَّيِّدِ نَفْعٌ بِمَا أَخَذَ مِنْ النُّجُومِ قَبْلَ عَجْزِهِ (وَكَانَ الْأَوْلَى) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (تَغْلِيبُ حُكْمِ الصِّفَةِ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ) ، وَلِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالُوا: إنَّ الْكِتَابَةَ الْفَاسِدَةَ تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ، فَلَا يُؤَثِّرُ فَسَادُهَا وَلَا تَحْرِيمُهَا، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ أَعْطَيْتنِي خَمْرًا، فَأَنْتَ حُرٌّ، فَأَعْطَاهُ؛ عَتَقَ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ (قَالَهُ) زَيْنُ الدِّينِ (بْنُ رَجَبٍ) فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَإِنْ كَاتَبَ ذِمِّيٌّ قِنَّهُ) وَأَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ لَمْ يُسْلِمَا (وَتَرَافَعَا إلَيْنَا، فَإِنْ كَانَتْ) الْكِتَابَةُ (صَحِيحَةً؛ أُقِرَّ الْعَقْدُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 48] (أَوْ) كَانَتْ الْكِتَابَةُ (فَاسِدَةً) مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ خَمْرًا وَنَحْوَهُ، وَقَدْ تُقَابِضَاهُ؛ أُقِرَّ الْعَقْدُ أَيْضًا، وَحَصَلَ الْعِتْقُ، سَوَاءٌ تَرَافَعَا إلَيْنَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِلُزُومِهِ بِالتَّقَابُضِ، وَإِنْ تَقَابَضَاهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ فَهِيَ كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُهَا، وَإِنْ تَرَافَعَا (قَبْلَ تَقَابُضٍ) لِلْخَمْرِ وَنَحْوِهِ (أَبْطَلْنَاهُ) ؛ أَيْ: الْعَقْدَ كَسَائِرِ عُقُودِهِمْ الْفَاسِدَةِ، إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا قَبْلَ التَّقَابُضِ. (تَتِمَّةٌ) : وَتَصِحُّ كِتَابَةُ الْحَرْبِيِّ لِرَقِيقِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ، كَكِتَابَةِ الذِّمِّيِّ وَسَائِرِ عُقُودِهِ، فَإِنْ دَخَلَا مُسْتَأْمَنَيْنِ إلَيْنَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْحَاكِمُ لَهُمَا؛ إلَّا أَنْ يَتَرَافَعَا إلَيْهِ، إنْ تَرَافَعَا إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ صَحِيحَةً أَلْزَمَهُمَا حُكْمَهَا، وَإِنْ دَخَلَا دَارَ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَهَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ؛ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ قَهْرٍ وَإِبَاحَةٍ، فَمَنْ قَهَرَ صَاحِبَهُ - وَلَوْ حُرًّا - قَهْرَ حُرًّا مَلَكَهُ. وَإِنْ دَخَلَا دَارَ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ، ثُمَّ قَهَرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْقَهْرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 766 [بَابُ أَحْكَامِ أُمِّ الْوَلَدِ] (بَابُ أَحْكَامِ أُمِّ الْوَلَدِ) أَصْلُ أُمٍّ أَمْهَةٌ، وَلِذَلِكَ جُمِعَتْ عَلَى أُمَّهَاتٍ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَقِيلَ الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ، وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ، وَالْهَاءُ فِي أَمْهَةٍ زَائِدَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيَجُوزُ التَّسَرِّي إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] وَاشْتُهِرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَدَ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ» ، وَعَمِلَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ. وَأُمُّ الْوَلَدِ شَرْعًا هِيَ (مَنْ وَلَدَتْ وَلَوْ) كَانَتْ وِلَادَتُهَا (بِتَحَمُّلٍ) بِأَنْ تَحَمَّلَتْ مَاءَ سَيِّدِهَا، فَعَلِقَتْ مِنْهُ، وَوَلَدَتْ (مَا فِيهِ صُورَةٌ، وَلَوْ) كَانَتْ الصُّورَةُ (خَفِيَّةً مِنْ مَالِكٍ) مُتَعَلِّقٌ بِوَلَدَتْ (وَلَوْ) كَانَ مَالِكًا (بَعْضَهَا) وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا (أَوْ) كَانَ مَالِكُهَا أَوْ بَعْضِهَا (مُكَاتَبًا) لِصِحَّةِ مِلْكِهِ، لَكِنْ لَا يَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ حَتَّى يَعْتِقَ، وَمَتَى عَجَزَ، وَعَادَ إلَى الرِّقِّ؛ فَهِيَ أَمَةُ قِنٍّ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ بَيْعَهَا (أَوْ) كَانَ أَوْلَدَهَا (سَيِّدُهُ) ؛ أَيْ: سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ، فَإِذَا وَطِئَ فَقَدْ وَطِئَهَا فِي مِلْكِهِ (أَوْ) كَانَتْ الْمُسْتَوْلَدَةُ (مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى سَيِّدِهَا الَّذِي أَوْلَدَهَا كَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ، وَكَمَجُوسِيَّةٍ وَوَثَنِيَّةٍ، وَكَوَطْئِهَا فِي نَحْوِ حَيْضٍ (أَوْ) وَلَدَتْ مِنْ (أَبِ مَالِكِهَا) لِأَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ لِأَجَلِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ، فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ الِابْنُ وَطِئَهَا) نَصًّا. قَالَ الْقَاضِي: فَظَاهِرُهُ إنْ كَانَ الِابْنُ قَدْ وَطِئَهَا؛ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ بِاسْتِيلَادِهَا؛ لِأَنَّهَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِوَطْءِ ابْنِهِ لَهَا، وَلَا تَحِلُّ لَهُ بِحَالٍ، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَا يَمْلِكُهَا، وَلَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَيَعْتِقُ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 767 أَخِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذُو رَحِمِهِ، وَنَسَبُهُ لَاحِقٌ بِالْأَبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ يُدْرَأُ فِيهِ الْحَدُّ؛ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ. (وَتُعْتَقُ) أُمُّ الْوَلَدِ (بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: مَوْتِ سَيِّدِهَا مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً، عَفِيفَةً كَانَتْ أَوْ فَاجِرَةً، وَكَذَا حُكْمُ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا بِسَبَبِ اخْتِلَاطِ دَمِهَا بِدَمِهِ وَلَحْمِهَا بِلَحْمِهِ، فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي النَّسَبِ اسْتَوَيَا فِي حُكْمِهِ (وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ، فَوَلَدَتْ؛ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: «ذُكِرْت أُمُّ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ إتْلَافٌ حَصَلَ بِسَبَبِ حَاجَةٍ أَصْلِيَّةٍ، وَهِيَ الْوَطْءُ، فَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَرِيضٍ (وَ) إذَا عَتَقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا فَ (مَا فِي يَدِهَا لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّهُ كَانَ لِلسَّيِّدِ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ (غَيْرَ ثِيَابِ لُبْسٍ مُعْتَادٍ) فَإِنَّهَا لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ، وَكَذَا لَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ بِتَدْبِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَوُجُودِ صِفَةٍ عُلِّقَ الْعِتْقُ عَلَيْهَا؛ فَمَا بِيَدِهَا لِسَيِّدِهَا، وَثِيَابُ اللُّبْسِ الْمُعْتَادِ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ، فَكَذَا فِي الْعِتْقِ. (وَلَوْ وَطِئَهَا) أَيْ: أُمَّ الْوَلَدِ (وَارِثٌ) بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا، وَكَانَ وَطْؤُهُ لَهَا (عَمْدًا؛ فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ (لِأَنَّهُ لَمْ يُرْجِعْ عِتْقَهَا) بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهَا. قَالَ فِي " الْفُنُونِ ": يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ لَا يَرْفَعُهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي " الْفَائِقِ ": وَهُوَ الْأَظْهَرُ قَالَ: فَتُعْتَقُ بِوَفَاةِ سَيِّدِهَا مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا إنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ أَوْ بَعْضُهَا مَعَ عَدَمِ سَعَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ، فَكَسَائِرِ رَقِيقِهِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنَّا فَتَرَكَ أُمَّ وَلَدٍ، فَأَرَادَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ أَنْ يَبِيعَهَا فِي دَيْنِهِ، فَأَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إنْ كَانَ لَا بُدَّ، فَاجْعَلُوهَا مِنْ نَصِيبِ أَوْلَادِهَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 768 وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ لَهَا مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ عَنْهَا؛ فَإِنَّهَا تُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا (وَيَأْتِي قَرِيبًا) مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ (وَإِنْ وَضَعَتْ) أَمَةٌ مِنْ مَالِكِهَا أَوْ أَبِيهِ (جِسْمًا لَا تَخْطِيطَ فِيهِ كَمُضْغَةٍ) هِيَ لَحْمَةٌ صَغِيرَةٌ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا بِقَدْرِ مَا يُمْضَغُ (لَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدٍ، وَعِتْقُهَا مَشْرُوطٌ بِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ، فَإِنْ شَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ النِّسَاءِ بِأَنَّ فِي هَذَا الْجِسْمَ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ؛ تَعَلَّقَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ، جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُنَّ اطَّلَعْنَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي خَفِيَتْ عَلَى غَيْرِهِنَّ (وَإِنْ أَصَابَهَا) ؛ أَيْ: أَصَابَ أَمَةً (فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِزِنًا أَوْ لَا) كَمَا لَوْ أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ بِزَوْجَتِهِ الرَّقِيقَةِ الَّتِي لَمْ يُشْتَرَطْ حُرِّيَّةُ وَلَدِهَا (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ أَيْ: " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَا بِزِنًا (ثُمَّ مَلَكَهَا) بِشِرَاءٍ أَوْ اتِّهَابٍ وَنَحْوِهِ حَالَ كَوْنِهَا حَامِلًا مِنْهُ (عَتَقَ الْحَمْلُ إنْ مَلَكَهُ) فِي صُورَتَيْ النِّكَاحِ وَالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِمَا وَلَدُهُ، وَنَسَبُهُ لَاحِقٌ بِهِ؛ فَعَتَقَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: بِزِنًا، فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَوْ مَلَكَهَا حَامِلًا مِنْ زِنَاهُ بِهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ؛ فَإِنَّ وَلَدَهَا لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ غَيْرُ لَاحِقٍ بِهِ، وَلَيْسَ رَحِمُهُ، بَلْ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ أَرِقَّائِهِ، يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْف شَاءَ إلَّا فِي الْوَطْءِ؛ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى (وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْإِصَابَةِ بِالنِّكَاحِ وَالشُّبْهَةِ، وَفِي الزِّنَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا (وَمَنْ مَلَكَ) أَمَةً (حَامِلًا) مِنْ غَيْرِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (فَ) إنْ (وَطِئَهَا) قَبْلَ وَضْعِهَا (حَرُمَ) عَلَيْهِ (بَيْعُ الْوَلَدِ) وَلَمْ يَصِحَّ (وَ) لَا يُلْحَقُ بِهِ بَلْ (يُعْتِقُهُ) . قَالَ أَحْمَدُ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ، فَوَطِئَهَا قَبْلَ وَضْعِهَا؛ فَإِنَّ الْوَلَدَ، لَا يَلْحَقُ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَبِيعُهُ، وَلَكِنْ يُعْتِقُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَرِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 769 يُزِيدُ فِي الْوَلَدِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد كَيْفَ يُورَثُهُ، وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ ، أَمْ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ، وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ ، يَعْنِي إنَّهُ اسْتَلْحَقَهُ، وَشَرِكَهُ فِي مِيرَاثِهِ؛ لَمْ يَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدِهِ، وَإِنْ اتَّخَذَهُ مَمْلُوكًا يَسْتَخْدِمُهُ؛ لَمْ يَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَرِكَ فِيهِ؛ لِكَوْنِ الْمَاءِ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ (وَيَصِحُّ قَوْلُهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (لِأَمَتِهِ: يَدُك أُمُّ وَلَدِي) وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ مِثْلَ قَوْلِهِ لَهَا: أَنْتَ أُمُّ وَلَدِي؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّ جُزْءًا مِنْهَا مُسْتَوْلِدٌ؛ سَرَى إقْرَارُهُ بِالِاسْتِيلَادِ إلَى جَمِيعِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: يَدُك حُرَّةٌ؛ فَإِنَّ الْعِتْقَ يَسْرِي إلَى جَمِيعِهِ. وَ (لَا) يَصِحُّ قَوْلُ السَّيِّدِ (لِابْنِهَا) ؛ أَيْ: ابْنِ أَمَتِهِ (يَدُك ابْنِي أَوْ) يَقُولُ عَنْهُ (هُوَ ابْنِي أَنْ لَمْ يَقُلْ) السَّيِّدُ (وَلَدْته فِي مِلْكِي، خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى " هُنَا) أَيْ: فِي هَذَا الْبَابِ فِي قَوْلِهِ: وَيَصِحُّ قَوْلُهُ لِأَمَتِهِ: يَدُك أُمُّ وَلَدِي أَوْ لِابْنِهَا يَدُك ابْنِي، فَجَعَلَ قَوْلَهُ لِابْنِهَا يَدُك ابْنِي إقْرَارًا بِأَنَّهُ ابْنُهُ فِي أَنَّهُ يَسْرِي ذَلِكَ إلَى جَمِيعِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ ابْنِي مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَمَا يُخَالِفُهُ، فَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ قَالَ لِوَلَدِهَا: أَنْتَ ابْنِي، أَوْ هُوَ ابْنِي، وَلَمْ يَقُلْ وَلَدْته فِي مِلْكِي؛ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إلَّا أَنْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى وِلَادَتِهَا لَهُ فِي مِلْكِهِ. (وَأَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ ك) أَحْكَامِ (أَمَةٍ) غَيْرِ مُسْتَوْلَدَةٍ (فِي إجَارَةٍ وَاسْتِخْدَامٍ وَوَطْءٍ وَسَائِرِ أُمُورِهَا) كَالْإِعَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْعِتْقِ وَالْإِيدَاعِ وَمِلْكِ كَسْبِهَا وَحَدِّهَا وَعَوْرَتِهَا وَغَيْرِهِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِمَاءِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ؛ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ؛ أَوْ قَالَ: مِنْ بَعْدِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الرِّقِّ مُدَّةَ حَيَاتِهِ؛ فَكَسْبُهَا لَهُ (إلَّا فِي تَدْبِيرٍ) فَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ إذْ الِاسْتِيلَادُ أَقْوَى مِنْهُ، حَتَّى لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ أَبْطَلَهُ (أَوْ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ كَبَيْعٍ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ (غَيْرَ كِتَابَةٍ) فَتَصِحُّ كِتَابَتُهَا، وَتَقَدَّمَ (وَكَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَالَ: لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ؛ يَسْتَمْتِعُ بِهِنَّ السَّيِّدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 770 مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» . وَرَوَى سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ، فَقَالَ شَاوَرَنِي عُمَرُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، فَرَأَيْت أَنَا وَعُمَرُ عِتْقَهُنَّ، فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ، وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ، فَلَمَّا وُلِّيت رَأَيْت فِيهِنَّ رَأْيًا قَالَ عُبَيْدَةُ: فَرَأْي عُمَرَ وَعَلِيٍّ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ. وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ: مَا مِنْ رَجُلٍ كَانَ يُقِرُّ أَنَّهُ يَطَأُ جَارِيَتَهُ، ثُمَّ يَمُوتُ إلَّا أَعْتَقْتهَا إذَا وَلَدَتْ، وَإِنْ كَانَ سَقْطًا. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَعَ مُخَالَفَةِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ؟ قُلْنَا: قَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ الرُّجُوعُ عَنْ الْمُخَالَفَةِ. فَرَوَى عَبِيدَةُ قَالَ: بُعِثَ إلَى عَلِيٍّ وَإِلَى شُرَيْحٍ أَنْ اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَبْغَضُ الِاخْتِلَافَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَتِهَا، وَهُوَ الرَّاوِي لِحَدِيثِ عِتْقِهِنَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عُمَرَ، فَيَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لَهُمْ، ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ بِاتِّفَاقِهِمْ قَبْلَ الْمُخَالَفَةِ، وَاتِّفَاقُهُمْ مَعْصُومٌ عَنْ الْخَطَأِ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ زَمَنٌ عَنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّتِهِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْعَصْرِ، لَجَازَ فِي جَمِيعِهِ، وَرَأْيُ الْمُوَافِقِ فِي زَمَنِ الِاتِّفَاقِ خَيْرٌ مِنْ رَأْيِهِ فِي الْخِلَافِ بَعْدَهُ، فَيَكُونُ الِاتِّفَاقُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ كَانَ الِاتِّفَاقُ فِي بَعْضِ الْعَصْرِ إجْمَاعًا حَرُمَتْ مُخَالِفَتُهُ، فَكَيْفَ خَالَفَهُ الْأَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُمْ إلَى ارْتِكَابِ الْحَرَامِ؟ قُلْنَا: الْإِجْمَاعُ يَنْقَسِمُ إلَى مَقْطُوعٍ بِهِ وَمَظْنُونٍ، وَهَذَا مِنْ الْمَظْنُونِ، فَيُمْكِنُ وُقُوعُ الْمُخَالَفَةِ مِنْهُمْ لَهُ مَعَ كَوْنِهِ حَجَّةً، كَمَا وَقَعَ مِنْهُمْ مُخَالَفَةُ النُّصُوصِ الظَّنِّيَّةِ، وَلَمْ تَخْرُجْ بِمُخَالِفَتِهِمْ عَنْ كَوْنِهَا حُجَّةً كَذَا هَاهُنَا، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " (أَوْ يُرَادُ لَهُ) ؛ أَيْ: لِنَقْلِ الْمِلْكِ (كَرَهْنٍ) فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْبَيْعُ فِي الدَّيْنِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ (وَوَلَدُهَا) أَيْ: أُمِّ الْوَلَدِ الْحَادِثُ (مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا) إنْ أَتَتْ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 771 (بَعْدَ إيلَادِهَا) مِنْ سَيِّدِهَا (كَهِيَ) سَوَاءٌ أَتَتْ بِهِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، وَسَوَاءٌ عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ سَيِّدِهَا، وَيَجُوزُ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ كُلُّ مَا يَجُوزُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ؛ وَيَمْتَنِعُ فِيهِ كُلُّ مَا يَمْتَنِعُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَكَذَلِكَ فِي سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا: وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا. (إلَّا أَنَّهُ) ؛ أَيْ: وَلَدَهَا (لَا يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِهَا) ؛ أَيْ: بِإِعْتَاقِ السَّيِّدِ لِأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِغَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي تَبِعَهَا فِيهِ، وَيَبْقَى عِتْقُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ سَيِّدِهِ، وَكَذَا لَوْ عَتَقَ وَلَدُهَا لَمْ تُعْتَقْ بِذَلِكَ (بَلْ) تُعْتَقُ (بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: سَيِّدِهَا (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَعْتِقُ وَلَدُهَا بِ (مَوْتِهَا قَبْلَ سَيِّدِهَا) وَيَبْقَى عِتْقُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ سَيِّدِهَا، لِبَقَاءِ التَّبَعِيَّةِ (وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ) مِنْهُ (فَنَفَقَتُهَا لِمُدَّةِ حَمْلِهَا مِنْ مَالِ حَمْلِهَا) أَيْ: نَصِيبِهِ الَّذِي وُقِفَ لَهُ لِمِلْكِهِ لَهُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْحَمْلِ مَالٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُخْلِفْ السَّيِّدُ شَيْئًا يَرِثُ مِنْهُ الْحَمْلُ (فَ) نَفَقَةُ الْحَمْلِ (عَلَى وَارِثِهِ) الْمُوسِرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] : (وَكُلَّمَا جَنَتْ أُمُّ وَلَدٍ) عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهَا تَعَلَّقَ أَرْشُ جِنَايَتِهَا بِرَقَبَتِهَا وَ (فَدَاهَا سَيِّدُهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ) الْجِنَايَةِ (أَوْ) مِنْ (قِيمَتِهَا يَوْمَ فِدَاءٍ) ، فَإِنْ كَانَتْ حِينَئِذٍ مَرِيضَةً أَوْ مُزَوَّجَةً وَنَحْوَهُ؛ أُخِذَتْ قِيمَتُهَا بِذَلِكَ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ جَمِيعُهَا لَسَقَطَ الْفِدَاءُ، فَيَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ بَعْضُهُ بِتَلَفِ بَعْضِهَا، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا زَادَ فِدَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ زَادَ، فَزَادَ الْفِدَاءُ بِزِيَادَتِهِ كَالْقِنِّ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ قِيمَتُهَا (مَعِيبَةً بِعَيْبِ الِاسْتِيلَادِ) لِأَنَّهُ يُنْقِصُهَا، فَاعْتُبِرَ كَالْمَرَضِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ، وَإِنْ كَسَبَتْ شَيْئًا فَهُوَ لِسَيِّدِهَا دُونَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا، وَإِنْ فَدَاهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حَامِلًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مُتَّصِلٌ بِهَا أَشْبَهَ سِمَنَهَا (وَلَوْ اجْتَمَعَتْ أُرُوشٌ) بِجِنَايَتِهَا (قَبْلَ إعْطَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ الْأُرُوشِ (تَعَلَّقَ الْجَمِيعُ) مِنْ الْأُرُوشِ (بِرَقَبَتِهَا، وَلَزِمَ سَيِّدًا الْأَقَلُّ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 772 أَرْشِ) جَمِيعِ الْجِنَايَاتِ (أَوْ) مِنْ (قِيمَةِ) هَا يَشْتَرِكُ فِيهَا أَرْبَابُ الْجِنَايَاتِ (فَإِنْ لَمْ تَفِ) الْقِيمَةُ بِأُرُوشِ أَرْبَابِ الْجِنَايَاتِ (تَحَاصَّوْا) فِيهَا (بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ) لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ الْقِيمَةِ كَالْجِنَايَاتِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ (فَإِنْ مَاتَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ الْجَانِيَةُ (قَبْلَ فِدَاءٍ لَا بِفِعْلِ سَيِّدِ) هَا (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ: سَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا الْأَرْشُ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا وَقَدْ فَاتَتْ، وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ بِفِعْلِ سَيِّدِهَا كَقَتْلِهِ إيَّاهَا؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ يُسَلِّمُهَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيِّهِ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهَا، وَإِنْ نَقَصَهَا فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهَا. (وَإِنْ قَتَلَتْ) أُمُّ وَلَدٍ (سَيِّدَهَا - وَلَوْ عَمْدًا - عَتَقَتْ) لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَمِلْكِهَا زَوَالُ مِلْكِ سَيِّدِهَا عَنْهَا، وَقَدْ زَالَ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُعْتَقْ كَمَا لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ وَكَالْمُدَبَّرِ؛ أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُعْتَقْ بِذَلِكَ؛ لَزِمَ جَوَازُ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لِلَّهِ، وَالِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ. (وَلِوَلِيِّهِ) أَيْ: وَلِيِّ السَّيِّدِ (إنْ لَمْ يَرِثْ وَلَدُهَا شَيْئًا مِنْ دَمِهِ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ بِأَنْ قَامَ بِالْوَلَدِ مَانِعٌ مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ (الْقِصَاصُ) كَغَيْرِ أُمِّ وَلَدِهِ، فَإِنْ وَرِثَ وَلَدُهَا شَيْئًا مِنْ دَمِ سَيِّدِهَا؛ فَلَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْوَلَدِ عَلَى أَحَدِ أَبَوَيْهِ (فَإِنْ عَفَا) عَنْهَا وَلِيُّ السَّيِّدِ (عَلَى مَالٍ لَزِمَهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ دِيَتِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ (كَخَطَأٍ) أَيْ: كَمَا لَوْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ مِنْ وَلَدٍ، فَلَمْ يَجِبْ بِهَا أَكْثَرُ مِمَّا ذُكِرَ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَكَمَا لَوْ جَنَى عَبْدٌ، فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ، وَهِيَ حَالَ الْجِنَايَةِ أَمَةٌ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ رِقَّهَا بِقَتْلِهَا لِسَيِّدِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَوَّتَ الْمُكَاتَبُ الْجَانِي رِقَّهُ بِأَدَائِهِ (وَلَا حَدَّ بِقَذْفِ أُمِّ وَلَدٍ) كَالْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ حُكْمُهَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْإِمَاءِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، فَفِي الْحَدِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَيُحْتَاطُ لِإِسْقَاطِهِ وَيُعَزَّرُ قَاذِفُهَا؛ لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ. (وَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدٍ لِكَافِرٍ مُنِعَ مِنْ غَشَيَانِهَا) ؛ أَيْ: وَطْئِهَا وَالتَّلَذُّذِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 773 وَمِنْ الْخَلْوَةِ؛ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] . الْآيَةَ (وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) لِئَلَّا يَغْشَاهَا، وَتُجْعَلُ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ لِتَحْفَظَهَا وَلَا تُعْتَقُ بِإِسْلَامِهَا بَلْ يَبْقَى مِلْكُهُ عَلَيْهَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهَا (وَأُجْبِرَ) سَيِّدُهَا (عَلَى نَفَقَتِهَا إنْ عُدِمَ كَسْبُهَا) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهَا، وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى سَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا كَسْبٌ؛ فَنَفَقَتُهَا فِيهِ؛ لِئَلَّا يَبْقَى لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهَا بِأَخْذِ كَسْبِهَا، وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا مِمَّا شَاءَ، وَإِنْ فَضَلَ عَنْ كَسْبِهَا شَيْءٌ عَنْ نَفَقَتِهَا فَلِسَيِّدِهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ، وَإِنْ كَانَ كَسْبُهَا لَا يَفِي بِنَفَقَتِهَا؛ لَزِمَهُ تَمَامُ النَّفَقَةِ إلَى أَنْ يَمُوتَ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ) سَيِّدُهَا (حَلَّتْ لَهُ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَهُوَ الْكُفْرُ (وَإِنْ مَاتَ) سَيِّدُهَا (كَافِرًا عَتَقَتْ) بِمَوْتِهِ كَسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَلِعُمُومِ الْأَخْبَارِ. (وَإِنْ وَطِئَ أَحَدُ اثْنَيْنِ) مُشْتَرِكَيْنِ فِي أَمَةٍ (أَمَتِهِمَا، أُدِّبَ) لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا، وَلَا حَدَّ فِيهِ؛ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكًا كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْحَائِضِ (وَلَزِمَهُ) أَيْ: وَاطِئَ الْمُشْتَرَكَةِ (لِشَرِيكِهِ مِنْ مَهْرِ) هَا (بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) مِنْهَا سَوَاءٌ طَاوَعَتْهُ أَوْ أَكْرَههَا؛ لِأَنَّهُ سَيِّدُهَا، فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي إتْلَافِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا (فَلَوْ) أَحْبَلَهَا أَوْ (وَلَدَتْ) مِنْ وَطِئَهُ (صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ) إذَا وَضَعَتْ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ بَعْضُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ خَالِصَةً لَهُ، وَتَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ مِلْكِ الشَّرِيكِ، مُوسِرًا كَانَ الْوَاطِئُ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ الْإِيلَادَ أَقْوَى مِنْ الْإِعْتَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَوَلَدُهُ) أَيْ: الشَّرِيكِ الْوَاطِئِ (حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ مَحَلٍّ لِلْوَاطِئِ فِيهِ مِلْكٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ (وَيَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ) ؛ أَيْ: الْوَاطِئِ (وَلَوْ) كَانَ (مُعْسِرًا) نَصًّا (قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) مِنْ الْمَوْطُوءَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِتْلَافِ، وَإِنَّمَا سَرَى الْإِيلَادُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ مَعَ عُسْرَتِهِ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى؛ لِكَوْنِ الْإِيلَادِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 774 لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الشَّرِيكِ، وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ مِنْ فِعْلِهِ؛ لِوُجُودِ الْوَطْءِ بِلَا إيلَادٍ؛ فَهُوَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ دَفْعُ مُسَبَّبَاتِهَا كَالزَّوَالِ؛ لِوُجُودِ الظُّهْرِ، وَ (لَا) يَلْزَمُ الشَّرِيكَ الْوَاطِئَ لِشَرِيكِهِ شَيْءٌ (مِنْ مَهْرٍ وَ) قِيمَةِ (وَلَدٍ) لِأَنَّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِ شَرِيكِهِ الْوَاطِئِ بِمُجَرَّدِ الْعُلُوقِ، فَصَارَتْ كُلُّهَا لَهُ، وَانْعَقَدَ وَلَدُهُ حُرًّا (كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا) فَمَاتَتْ مِنْ الْوَطْءِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، كَمَا لَوْ قَتَلَهَا (فَإِنْ أَوْلَدَهَا) الشَّرِيكُ (الثَّانِي بَعْدَ) إيلَادِ الْأَوَّلِ (فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا) كَامِلًا؛ لِمُصَادِفَةِ وَطْئِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ أَمَةً أَجْنَبِيَّةً (وَوَلَدُهُ) مِنْهَا (رَقِيقٌ) تَبَعًا لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا (إنْ عَلِمَ إيلَادَ شَرِيكِهِ) لِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ (وَإِنْ جَهِلَهُ) ؛ أَيْ: جَهِلَ الْوَاطِئُ الثَّانِي إيلَادَ شَرِيكِهِ الْأَوَّلِ، أَوْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَ حِصَّتَهُ؛ انْتَقَلَ مِلْكُهَا لِلْوَاطِئِ الْأَوَّلِ بِإِيلَادِهَا، وَأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ بِذَلِكَ (فَ) وَلَدُهُ (حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (وَ) عَلَى الْوَاطِئِ الثَّانِي أَنْ (يَفْدِيَهُ) أَيْ: يَفْدِيَ وَلَدَهُ الَّذِي أَتَتْ بِهِ مِنْ وَطْئِهِ؛ لِكَوْنِهِ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ، فَيَفْدِيَهُ بِقِيمَتِهِ (يَوْمَ الْوِلَادَةِ) لِأَنَّهُ أَوَّلُ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا تَقَدَّمَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَمَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا جُزْءٌ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 775 [كِتَابُ النِّكَاحِ] ِ هُوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْوَطْءُ الْمُبَاحُ. قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَسُمِّيَ التَّزْوِيجُ نِكَاحًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْوَطْءِ؛ وَقَالَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ: الَّذِي حَصَّلْنَاهُ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ الْكُوفِيِّينَ، وَعَنْ الْمُبَرِّدِ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ: أَنَّهُ الْجَمْعُ. قَالَ الشَّاعِرُ: أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا ... عَمْرُك اللَّهَ كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ الْوَطْءُ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدَ، وَعَنْ الزَّجَّاجِ أَنَّهُمَا بِمَعْنَاهُمَا جَمِيعًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: الْجَمْعُ وَالضَّمُّ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ فَإِنْ كَانَ اجْتِمَاعًا بِالْأَبْدَانِ فَهُوَ الْإِيلَاجُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ غَايَةٌ مِنْ اجْتِمَاعِ الْبَدَنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ اجْتِمَاعًا بِالْعُقُودِ، فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا عَلَى الدَّوَامِ وَاللُّزُومِ، وَلِهَذَا يُقَالُ: اسْتَنْكَحَهُ الْمَذْيُ إذَا لَازَمَهُ وَدَاوَمَهُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ عَنْ شَيْخِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: فَرَّقَتْ الْعَرَبُ فَرْقًا لَطِيفًا، فَإِذَا قَالُوا: نَكَحَ فُلَانَةَ أَرَادُوا تَزْوِيجَهَا، وَإِذَا قَالُوا: نَكَحَ امْرَأَتَهُ أَرَادُوا مُجَامَعَتَهَا. وَفِي الشَّرْعِ: هُوَ عَقْدُ التَّزْوِيجِ، فَعِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِهِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ مَا لَمْ يَصْرِفْهُ دَلِيلٌ، وَهُوَ (حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ) جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ الْأَشْهَرُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: وَلِهَذَا قِيلَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لَفْظُ النِّكَاحِ بِمَعْنَى الْوَطْءِ، إلَّا قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَلِصِحَّةِ نَفْيِهِ عَنْ الْوَطْءِ فَيُقَالُ: هَذَا سِفَاحٌ وَلَيْسَ بِنِكَاحٍ، وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» . وَيُقَالُ عَنْ السُّرِّيَّةِ: لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا مَنْكُوحَةٍ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ اللَّذَيْنِ يَنْعَقِدُ بِهِمَا عَقْدُ النِّكَاحِ، فَكَانَ حَقِيقَةً فِيهِ كَاللَّفْظِ الْآخَرِ (مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَقِيلَ: عَكْسُهُ) : أَيْ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " أَحْكَامِ الْقُرْآنِ " " وَشَرْحِ الْخِرَقِيِّ " وَ " الْعُمْدَةِ " وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " الِانْتِصَارِ " وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَغُلَامِ ثَعْلَبٍ، وَلِقَوْلِ الْعَرَبِ: أَنْكَحْنَا الْفَرَا فَسَيُرَى: أَيْ أَضْرَبْنَا فَحْلَ حُمُرِ الْوَحْشِ أُتُنَهُ، فَسَيُرَى مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا. فَضُرِبَ مَثَلًا لِلْأَمْرِ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: وَمِنْ أَيِّمٍ قَدْ أَنْكَحَتْنَا رِمَاحُنَا ... وَأُخْرَى عَلَى خَالٍ وَعَمٍّ تَلَهَّفُ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْأَشْهَرَ اسْتِعْمَالُ لَفْظَةِ النِّكَاحِ بِإِزَاءِ الْعَقْدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِسَانِ أَهْلِ الْعُرْفِ، ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ كَوْنُهُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ لَكَانَ اسْمًا عُرْفِيًّا يَجِبُ صَرْفُ اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَيْهِ لِشُهْرَتِهِ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ (وَالْأَشْهَرُ) أَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ (مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ، فَيُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ حَقِيقَةً. قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِقَوْلِنَا بِتَحْرِيمِ مَوْطُوءَةِ الْأَبِ مِنْ غَيْرِ تَزْوِيجٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] (وَالْمَعْقُودُ) الَّذِي يُرَدُّ (عَلَيْهِ) عَقْدُ النِّكَاحِ (مَنْفَعَةُ الِاسْتِمْتَاعِ) لَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ؛ إذْ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا يُسْتَبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهَا. قَالَ الْقَاضِي فِي " أَحْكَامِ الْقُرْآنِ " فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْحِلُّ، لَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَلِهَذَا يَقَعُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهَا. وَقِيلَ: بَلْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الِازْدِوَاجُ كَالْمُشَارَكَةِ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وَقَوْلُهُ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْوِجَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الْجِيمِ - رَضُّ الْخَصِيَتَيْنِ أَصَالَةً، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَاسِرٌ لِشَهْوَتِهِ بِإِدَامَتِهِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنِّي أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَالتَّبَتُّلُ: تَرْكُ النِّكَاحِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ. (وَسُنَّ) النِّكَاحُ (لِذِي شَهْوَةٍ لَا يَخَافُ الزِّنَا) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، عَلَّلَ أَمْرَهُ بِأَنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَخَاطَبَ الشَّبَابَ؛ لِأَنَّهُمْ أَغْلَبُ شَهْوَةً، وَذَكَرَهُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَوْلَى لِلْأَمْنِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورَاتِ النَّظَرِ وَالزِّنَا مِنْ تَرْكِهِ (وَاشْتِغَالَهُ) أَيْ: ذِي الشَّهْوَةِ (بِهِ) أَيْ النِّكَاحِ (أَفْضَلُ مِنْ) نَوَافِلِ الْعِبَادَةِ، قَالَهُ فِي " الْمُخْتَصَرِ " وَمِنْ (التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ) قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إلَّا عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَأَعْلَمُ أَنِّي أَمُوتُ فِي آخِرِهَا يَوْمًا، لِي فِيهِ طَوْلُ النِّكَاحِ، لَتَزَوَّجْت مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: تَزَوَّجْ، فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً (قَالَ أَحْمَدُ) فِي رِوَايَةِ المروذي (لَيْسَتْ الْعُزُوبَةُ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ) وَمَنْ دَعَاك إلَى غَيْرِ التَّزْوِيجِ فَقَدْ دَعَاك إلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْآمِدِيُّ: يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْعَاجِزِ وَالْوَاجِدِ، وَالرَّاغِبِ وَالزَّاهِدِ، نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصْبِحُ وَمَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، وَيُمْسِي وَمَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ» ، وَلِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَوَّجَ رَجُلًا لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 يَقْدِرْ عَلَى خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَلَا وَجَدَ إلَّا إزَارَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رِدَاءٌ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ قَلِيلِ الْكَسْبِ يَضْعُفُ قَلْبُهُ عَنْ التَّزْوِيجِ: فَأَمَّا مَنْ لَا يُمْكِنُهُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33] انْتَهَى. وَنَقَلَ صَالِحٌ: يَقْتَرِضُ وَيَتَزَوَّجُ، فَإِنَّ أَحْمَدَ تَزَوَّجَ وَهُوَ لَا يَجِدُ الْقُوتَ، وَلِأَنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْ مَصَالِحِ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَحْصِينِ فَرْجِ نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَحِفْظِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا وَإِيجَادِ النَّسْلِ، وَتَكْثِيرِ الْأُمَّةِ وَتَحْقِيقِ مُبَاهَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الرَّاجِحِ أَحَدُهَا عَلَى نَفْلِ الْعِبَادَةِ. فَائِدَةٌ: قَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَتَزَوَّجْ حَتَّى صَارَ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً اشْتِغَالًا بِطَلَبِ الْعِلْمِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ شَغَلَهُ النِّكَاحُ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ فَطَلَبُ الْعِلْمِ أَوْلَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَمْ يَشْتَغِلْ أَحْمَدُ بِكَسْبٍ وَلَا نِكَاحٍ حَتَّى بَلَغَ مِنْ الْعِلْمِ مَا أَرَادَ، وَنَقَلَ الْخَلَّالُ عَنْ المروذي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ: مَا تَزَوَّجْت إلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ. (وَيُبَاحُ) النِّكَاحُ (لِمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ) أَصْلًا، كَالْعِنِّينِ وَالْمَرِيضِ وَالْكَبِيرِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي يَجِبُ النِّكَاحُ لَهَا أَوْ يُسْتَحَبُّ - وَهُوَ خَوْفُ الزِّنَا أَوْ وُجُودِ الشَّهْوَةِ - مَفْقُودَةٌ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدُ، وَهُوَ فِيمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الْخِطَابُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ، لِعَدَمِ مَنْعِ الشَّرْعِ مِنْهُ، وَتَخَلِّيهِ إذَنْ لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ (وَقِيلَ: يُكْرَهُ) النِّكَاحُ لِمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ لِمَنْعِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا مِنْ التَّحْصِينِ بِغَيْرِهِ، وَيَضُرُّهَا بِحَبْسِهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِوَاجِبَاتٍ وَحُقُوقٍ لَعَلَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 لَا يَقُومُ بِهَا، وَيَشْتَغِلُ عَنْ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ. (وَيَجِبُ) النِّكَاحُ بِنَذْرٍ وَ (عَلَى مَنْ يَخَافُ) بِتَرْكِهِ (زِنًا) وَقَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ وَلَوْ كَانَ خَوْفُهُ ذَلِكَ (ظَنًّا، مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ،) لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ وَصَرْفِهَا عَنْ الْحَرَامِ، وَطَرِيقُهُ النِّكَاحِ (وَيُقَدَّمُ) النِّكَاحُ (إذَنْ) أَيْ حِينَ وُجُوبِهِ (عَلَى حَجٍّ وَاجِبٍ) زَادَ أَحْمَدُ: نَصًّا، خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي مَحْذُورٍ بِتَأْخِيرِهِ، بِخِلَافِ الْحَجِّ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَادَاتُ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَالْعِلْمِ وَالْجِهَادِ قُدِّمَتْ عَلَى النِّكَاحِ إذَا لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ (وَلَا يُكْتَفَى) فِي الْخُرُوجِ مِنْ وُجُوبِ النِّكَاحِ حَيْثُ وَجَبَ الْعَقْدُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ يَكُونُ التَّزْوِيجُ (فِي مَجْمُوعِ الْعُمْرِ) لِيَحْصُلَ الْإِعْفَافُ وَصَرْفُ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ (وَيُجْزِئُ تَسَرٍّ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] لَكِنَّ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّسَرِّي وِفَاقًا إنْ مَلَكَ نَفْسَهُ. (وَيَجُوزُ) نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ (بِدَارِ حَرْبٍ لِضَرُورَةٍ لِغَيْرِ أَسِيرٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْبُهُوتِيُّ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِدَارِ الْحَرْبِ مِنْ الْكُفَّارِ، بَلْ حَيْثُ احْتَاجَ يَتَزَوَّجُ الْمُسْلِمَةَ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ لِسَلَامَةِ الْوَلَدِ مِنْ أَنْ يَسْتَعْبِدَ انْتَهَى. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَلَوْ مُسْلِمَةً، نَصًّا وَأَمَّا الْأَسِيرُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: لَا يَحِلُّ لَهُ التَّزْوِيجُ مَا دَامَ أَسِيرًا، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ إذَا أُسِرَتْ مَعَهُ مَعَ صِحَّةِ نِكَاحِهِمَا، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " (وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِدَارِ الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ) ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ (وَيَعْزِلُ نَدْبًا) إنْ أُبِيحَ لَهُ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ بِأَنْ دَخَلَ دِيَارَ كُفْرٍ بِأَمَانٍ، أَوْ لِتِجَارَةٍ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشَّهْوَةُ. قَالَهُ فِي " الْفُصُولِ " (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ "؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَجِبُ عَزْلُهُ، فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 حَرُمَ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ أَوْ جَازَ (وَإِنْ) تَزَوَّجَ (بِلَا ضَرُورَةٍ) فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْزِلَ (وُجُوبًا) لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالتَّسَرِّي بِلَا ضَرُورَةٍ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَحَيْثُ حَرُمَ نِكَاحُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ وَفِعْلٍ؛ وَجَبَ عَزْلُهُ، وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ (وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ (جَوَازُ نِكَاحِ نَحْوِ آيِسَةٍ) كَصَغِيرَةٍ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: مِنْ أَجْلِ الْوَلَدِ، لِئَلَّا يُسْتَعْبَدَ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَهُ أَنْ: يَتَزَوَّجَ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أَبَا بَكْرٍ وَهُمْ تَحْتَ الرَّايَاتِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ ، وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَدَ لَهُمْ عَلَيْهِ؛ أَشْبَهَ مَنْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. (وَسُنَّ) لِمَنْ أَرَادَ نِكَاحًا (تَخَيُّرُ ذَاتِ دِينٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، (وَ) ذَاتِ (عَقْلٍ) لَا حَمْقَاءَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِلْعِشْرَةِ الْحَسَنَةِ وَلَا تَصْلُحُ الْعِشْرَةُ مَعَ الْحَمْقَاءِ، وَلَا يَطِيبُ مَعَهَا عَيْشٌ، وَرُبَّمَا تَعَدَّى ذَلِكَ إلَى وَلَدِهَا وَقَدْ قِيلَ: اجْتَنِبُوا الْحَمْقَاءَ؛ فَإِنَّ وَلَدَهَا ضَيَاعٌ وَصُحْبَتَهَا بَلَاءٌ، (وَ) أَنْ تَكُونَ مِنْ بَيْتٍ مَعْرُوفٍ بِالْ (قَنَاعَةِ) لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ دِينِهَا وَقَنَاعَتِهَا، (وَ) أَنْ تَكُونَ ذَاتَ (جَمَالٍ) لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِنَفْسِهِ، وَأَغَضُّ لِبَصَرِهِ، وَأَكْمَلُ لِمَوَدَّتِهِ، وَلِذَلِكَ جَازَ النَّظَرُ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: الَّتِي تَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا، وَتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَهَا، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَلَا فِي مَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَيْرُ فَائِدَةٍ أَفَادَهَا الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ إسْلَامِهِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ تَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا، وَتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَهَا، وَتَحْفَظُهُ فِي غَيْبَتِهِ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهَا» رَوَاهُ سَعِيدٌ (الْوَلُودُ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْبِكْرِ وَلُودًا بِكَوْنِهَا مِنْ نِسَاءٍ يُعْرَفْنَ بِكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ (الْحَسِيبَةُ) وَهِيَ طَيِّبَةُ الْأَصْلِ لِيَكُونَ وَلَدُهَا نَجِيبًا، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَشْبَهَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 أَهْلَهَا وَنَزَعَ إلَيْهِمْ (الْأَجْنَبِيَّةُ) لِأَنَّ وَلَدَهَا يَكُونُ أَنْجَبَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْفِرَاقَ، فَيُفْضِي مَعَ الْقَرَابَةِ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْمَأْمُورِ بِصِلَتِهَا. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْغَرَائِبَ أَنْجَبُ وَبَنَاتِ الْعَمِّ أَصْبَرُ (الْبِكْرُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِجَابِرٍ: «فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (إلَّا أَنْ تَكُونَ مَصْلَحَتُهُ فِي نِكَاحِ ثَيِّبٍ أَرْجَحُ) فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْبِكْرِ مُرَاعَاةً لِلْمَصْلَحَةِ. وَ (لَا) يَنْبَغِي تَزَوُّجُ (بِنْتِ زِنًا وَلَقِيطَةٍ وَحَمْقَاءَ وَدَنِيئَةِ نَسَبٍ) وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهَا (وَلَا يَصْلُحُ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ قَدْ طَالَ لُبْثُهَا مَعَ رَجُلٍ، وَمِنْ التَّفْضِيلِ تَزَوُّجُ شَيْخٍ بِصَبِيَّةٍ) ، أَيْ شَابَّةٍ (وَيَمْنَعُ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ مِنْ مُخَالَطَةِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهُنَّ يُفْسِدْنَهَا عَلَيْهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْكُنَ الرَّجُلُ بِهَا) أَيْ بِزَوْجَتِهِ (عِنْدَ أَهْلِهَا) لِسُقُوطِ حُرْمَتِهِ عِنْدَهَا بِذَلِكَ (وَأَنْ لَا يُدْخِلَ بَيْتَهُ مُرَاهِقًا وَلَا يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ) مِنْ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهَا إذَا اعْتَادَتْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مَنْعِهَا بَعْدَ ذَلِكَ (وَلَا يَسْأَلُ عَنْ دِينِهَا حَتَّى يُحْمَدَ لَهُ جَمَالُهَا) قَالَ أَحْمَدُ: إذَا خَطَبَ الرَّجُلُ امْرَأَةً سَأَلَ عَنْ جَمَالِهَا أَوَّلًا، فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عَنْ دِينِهَا، فَإِنْ حُمِدَ تَزَوَّجَ، وَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ يَكُونُ رَدًّا لِأَجْلِ الدِّينِ، وَلَا يَسْأَلُ أَوَّلًا عَنْ الدِّينِ، فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عَنْ الْجَمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ رَدَّهَا لِلْجَمَالِ لَا لِلدِّينِ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْهَوَى فَأَرَادَ التَّزْوِيجَ، فَلْيَجْتَهِدْ فِي نِكَاحِ الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهَا إنْ صَحَّ ذَلِكَ وَجَازَ، وَإِلَّا فَلْيَتَخَيَّرْ مَا يَظُنُّهُ مِثْلَهَا انْتَهَى. وَمَنْ أَمَرَهُ بِهِ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَأَبِي دَاوُد: أَمَرْتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ كَانَ شَابًّا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ، أَمَرْتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، فَجَعَلَ أَمْرَ الْأَبَوَيْنِ لَهُ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ، وَلِوُجُوبِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَاَلَّذِي يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ لَا يَتَزَوَّجُ أَبَدًا، إنْ أَمَرَهُ بِهِ أَبُوهُ تَزَوَّجَ (وَلَيْسَ لِوَالِدَيْهِ إلْزَامُهُ بِنِكَاحِ مَنْ لَا يُرِيدُ) نِكَاحَهَا؛ لِعَدَمِ حُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا (فَلَا يَكُونُ عَاقًّا) بِمُخَالَفَتِهِمَا ذَلِكَ (كَأَكْلِ مَا لَا يُرِيدُ) أَكْلَهُ (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَلَا يَزِيدُ عَلَى وَاحِدَةٍ نَدْبًا إنْ عَفَّتْهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْمُحَرَّمِ. قَالَ تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129] . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَأَرَادَ أَحْمَدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى، فَقَالَ: يَكُونُ لَهُمَا لَحْمٌ، يُرِيدُ كَوْنَهُمَا سَمِينَتَيْنِ، وَكَانَ يُقَالُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَلْيَسْتَجِدْ شَعْرَهَا، فَإِنَّ الشَّعْرَ وَجْهٌ، فَتَخَيَّرُوا أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ. وَأَحْسَنُ النِّسَاءِ التُّرْكِيَّاتُ، وَأَصْلُحُهُنَّ الْجَلْبُ الَّتِي لَمْ تَعْرِفْ أَحَدًا. وَلْيَعْزِلْ عَنْ الْمَمْلُوكَةِ إلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ جَوْدَةَ دِينِهَا وَقُوَّةَ مَيْلِهَا، وَلْيَحْذَرْ الْعَاقِلُ إطْلَاقَ الْبَصَرِ؛ فَإِنَّ الْعَيْنَ تَرَى غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الْعِشْقُ فَيُهْلِكُ الْبَدَنَ وَالدِّينَ، فَمَنْ اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُفَكِّرْ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ. [تَنْبِيهٌ مِنْ يَكْرَه نِكَاحهَا] تَنْبِيهٌ: نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: يُكْرَهُ نِكَاحُ الْحَنَّانَةِ وَالْمَنَّانَةِ وَالْأَنَّانَةِ وَالْحَدَّاقَةِ وَالْبَرَّاقَةِ وَالشَّدَّاقَةِ وَالْمِمْرَاضَةِ. فَالْحَنَّانَةُ الَّتِي لَهَا وَلَدٌ تَحِنُّ إلَيْهِ، وَالْمَنَّانَةُ الَّتِي تَمُنُّ عَلَى الزَّوْجِ بِمَا تَفْعَلُهُ وَالْأَنَّانَةُ كَثِيرَةُ الْأَنِينِ، وَالْحَدَّاقَةُ الَّتِي تَسْرِقُ كُلَّ شَيْءٍ بِحَدَقَتِهَا وَتُكَلِّفُ الزَّوْجَ، وَالْبَرَّاقَةُ الَّتِي تَشْتَغِلُ غَالِبَ أَوْقَاتِهَا بِبَرِيقِ وَجْهِهَا وَتَحْسِينِهِ. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يُصِيبُهَا الْغَضَبُ عِنْدَ الطَّعَامِ فَلَا تَأْكُلُ إلَّا وَحْدَهَا، وَالشَّدَّاقَةُ كَثِيرَةُ الْكَلَامِ، وَالْمِمْرَاضَةُ الَّتِي تَتَمَارَضُ غَالِبَ أَوْقَاتِهَا مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ، «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: لَا تَتَزَوَّجْ خَمْسًا: شَهْبَرَةٌ، وَهِيَ الزَّرْقَاءُ الْبَدِينَةُ، وَلَا لَهْبَرَةٌ وَهِيَ الطَّوِيلَةُ الْمَهْزُولَةُ، وَلَا نَهْبَرَةٌ وَهِيَ الْعَجُوزُ الْمُدْبِرَةُ، وَلَا هَنْدَرَةٌ وَهِيَ الْقَصِيرَةُ الذَّمِيمَةُ، وَلَا لَفُوتٌ وَهِيَ ذَاتُ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِك» . وَلَوْ تَعَارَضَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ فَالْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ ذَاتِ الدِّينِ مُطْلَقًا، ثُمَّ الْعَقْلِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ انْتَهَى. (قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ) فِي كِتَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 النِّسَاءِ (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ أَنْ يَنْظُرَ لَهَا شَابًّا حَسَنَ الصُّورَةِ) وَ (لَا) يُزَوِّجُهَا (دَمِيمًا) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْقَبِيحُ (وَعَلَى مَنْ اُسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ أَوْ مَخْطُوبَةٍ أَنْ يَذْكُرَ مَا فِيهِ مِنْ مَسَاوِئَ) أَيْ: عُيُوبٍ (وَغَيْرِهَا) وَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الْمَسَاوِئِ (غِيبَةً) مُحَرَّمَةً (مَعَ قَصْدِ) هـ بِذِكْرِ ذَلِكَ (النَّصِيحَةَ) لِحَدِيثِ «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» . وَحَدِيثِ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . وَإِنْ اُسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ بَيَّنَهُ وُجُوبًا، كَقَوْلِهِ: عِنْدِي شُحٌّ، وَخُلُقِي شَدِيدٌ، وَنَحْوُهُمَا؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ [فَصْلٌ النَّظَر لِمَنْ أَرَادَ الْخِطْبَةَ] فَصْلٌ (وَيُبَاحُ) لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ، نَظَرَ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا جَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمَذْهَبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَ " الْكَافِي " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَ " الْفَائِقِ " وَغَيْرِهِمْ (وَلَا يُسَنُّ) النَّظَرُ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ جَعَلَهُ مَنْسُوبًا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَيَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ النَّظَرُ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَذَلِكَ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِالنَّظَرِ بَعْدَ الْحَظْرِ. رَوَى «الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُنْظُرْ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد. قَالَ فِي " النِّهَايَةِ " يُقَالُ: آدَمَ اللَّهُ بَيْنَكُمَا يَأْدَمُ أُدْمًا بِالسُّكُونِ. أَيْ: أَلَّفَ وَوَفَّقَ (لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ (وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ نَظَرَ مَا يَظْهَرُ) مِنْهَا (غَالِبًا كَوَجْهٍ وَرَقَبَةٍ وَيَدٍ وَقَدَمٍ) لِحَدِيثِ: «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَقَدَرَ أَنْ يَرَى مِنْهَا بَعْضَ مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَقَوْلُهُ: «إذَا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 (وَيُكَرِّرُهُ) أَيْ النَّظَرَ (وَيَتَأَمَّلُ الْمَحَاسِنَ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمَرْأَةِ، وَلَعَلَّ عَدَمَ الْإِذْنِ أَوْلَى؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ قَالَ: فَخَطَبْت جَارِيَةً مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَكُنْت أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْت مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (إنْ أَمِنَ) مُرِيدُ خِطْبَةِ الْمَرْأَةِ (الشَّهْوَةَ) أَيْ: ثَوَرَانَهَا (مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ) فَإِنْ كَانَ مَعَ خَلْوَةٍ أَوْ مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِ (الشَّهْوَةِ) ؛ لَمْ يَجُزْ (فَإِنْ شَقَّ) عَلَيْهِ النَّظَرُ (أَوْ كَرِهَتْ بَعَثَ) إلَيْهَا (امْرَأَةً) ثِقَةً تَتَأَمَّلُهَا ثُمَّ (تَصِفُهَا لَهُ) لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ (وَلِرَجُلٍ نَظَرُ ذَلِكَ) أَيْ: الْوَجْهِ وَالرَّقَبَةِ وَالْيَدِ وَالْقَدَمِ (وَ) نَظَرُ (رَأْسٍ وَسَاقٍ مِنْ أَمَةٍ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَامَةٍ) إذْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُسْتَامَةِ كَالْمَخْطُوبَةِ وَأَوْلَى، لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَغَيْرِهِ مِنْ التِّجَارَةِ وَحُسْنُهَا يَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا، وَالْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِرُؤْيَةِ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فَاكْتُفِيَ بِهِ، وَكَذَا غَيْرُ الْمُسْتَامَةِ يَنْظُرُ مِنْهَا إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ السِّتَّةِ. قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " وَاخْتَارَهُ فِي " الْمُغْنِي " لِأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى أَمَةً مُتَلَمْلِمَةً فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ يَا لُكَاعُ؟ وَرَوَى أَنَسٌ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ قَالَ النَّاسُ: لَا نَدْرِي أَجَعَلَهَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ أُمَّ وَلَدٍ؟ فَقَالُوا: إنْ حَجَبَهَا فَهِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، فَلَمَّا رَكِبَ وَطِئَ لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ حَجْبِ الْإِمَاءِ كَانَ مُسْتَفِيضًا عِنْدَهُمْ (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) لِتَقْيِيدِهِ جَوَازَ النَّظَرِ لِلْأَمَةِ الْمُسْتَامَةِ تَبَعًا لِ " التَّنْقِيحِ " حَيْثُ قَالَ: وَمِنْ أَمَةٍ غَيْرِ مُسْتَامَةٍ إلَى غَيْرِ عَوْرَةِ صَلَاةٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَصْوَبُ مِمَّا فِي " التَّنْقِيحِ "، (وَ) لِرَجُلٍ أَيْضًا نَظَرُ وَجْهٍ وَرَقَبَةٍ وَيَدٍ وَقَدَمٍ وَرَأْسٍ وَسَاقٍ مِنْ (ذَاتِ مَحْرَمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 قَالَ الْقَاضِي: يُبَاحُ عَلَى رِوَايَةٍ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا كَالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ (وَهِيَ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا بِنَسَبٍ) كَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ (أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ) كَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَأُمِّ زَوْجَتِهِ، بِخِلَافِ أُخْتِهَا وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا إلَى أَمَدٍ، وَيُبَاحُ النَّظَرُ إلَى رَبِيبَةٍ دَخَلَ بِأُمِّهَا (لِحُرْمَتِهَا) إخْرَاجٌ لِلْمُلَاعَنَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْمَلَاعِنِ أَبَدًا عُقُوبَةً عَلَيْهِ، لَا لِحُرْمَتِهَا (إلَّا نِسَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَلَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] (وَلَا) يُبَاحُ لَهُ أَنْ (يَنْظُرَ) إلَى (نَحْوِ أُمٍّ مَزْنِيٍّ بِهَا) كَبِنْتِهَا وَأُمٍّ مَلُوطٍ بِهِ وَبِنْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُنَّ مَحْرَمًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) أَنَّ أُمَّ الْمَزْنِيِّ بِهَا لَا يُبَاحُ لِلزَّانِي النَّظَرُ إلَيْهَا (وَلَوْ نَكَحَهَا) أَيْ: الْمَزْنِيَّ بِهَا (بَعْدَ) ذَلِكَ، (لِأَنَّ التَّحْرِيمَ) أَيْ: تَحْرِيمَ نَظَرِهِ لِأُمِّهَا (قَدْ سَبَقَ) مِنْهُ (بِسَبَبِ مَحْرَمٍ) وَهُوَ الزِّنَا، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ النَّظَرُ؛ عُقُوبَةً لَهُ، وَتَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ تَمِيلُ إلَيْهِ النَّفْسُ؛ لِتَضَمُّنِهِ (الْوَرَعَ) (وَكَذَا مُحَرَّمَةٌ بِلِعَانٍ) يَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ النَّظَرُ إلَيْهَا، (وَ) كَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرٌ (نَحْوَ بِنْتِ مَوْطُوءَةٍ، بِشُبْهَةٍ) كَأُمِّهَا، لِأَنَّ السَّبَبَ لَيْسَ مُبَاحًا. [تَنْبِيهٌ لَا تُسَافِرُ مُسْلِمَةٌ مَعَ أَبِيهَا الْكَافِرِ] تَنْبِيهٌ: وَلَا تُسَافِرُ مُسْلِمَةٌ مَعَ أَبُوهَا الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا لَهَا فِي السَّفَرِ، نَصًّا، وَإِنْ كَانَ مَحْرَمًا فِي النَّظَرِ. وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ جَمِيلَةً وَخِيفَتْ الْفِتْنَةُ بِهَا؛ حَرُمَ النَّظَرُ إلَيْهَا، كَالْغُلَامِ الْأَمْرَدِ الَّذِي تُخْشَى الْفِتْنَةُ بِنَظَرِهِ (لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي تَحْرِيمِ) النَّظَرِ، وَهُوَ الْخَوْفُ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَالْفِتْنَةُ تَسْتَوِي فِيهَا الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ الْأَمَةَ الْجَمِيلَةَ تَتَنَقَّبُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْمَمْلُوكَةِ، فَكَمْ نَظْرَةٍ أَلْقَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا الْبَلَابِلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 (وَلِعَبْدٍ لَا مُبَعَّضٍ وَمُشْتَرَكٍ خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) فِي جَعْلِهِ الْمُشْتَرَكَ كَالْعَبْدِ (نَظَرُ ذَلِكَ) أَيْ: الْوَجْهِ وَالرَّقَبَةِ وَالْيَدِ وَالْقَدَمِ وَالسَّاقِ وَالرَّأْسِ (مِنْ مَوْلَاتِهِ) أَيْ: مَالِكَةِ كُلِّهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] ؛ وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى رَبَّةِ الْعَبْدِ التَّحَرُّزُ مِنْهُ (وَكَذَا) أَيْ كَالْعَبْدِ وَالْمَحْرَمِ، (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) مِنْ الرِّجَالِ - أَيْ: غَيْرِ أُولِي الْحَاجَةِ مِنْ النِّسَاءِ - قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ الْمُخَنَّثُ الَّذِي لَا يَقُومُ عَلَيْهِ زُبُّهُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: الَّذِي لَا إرْبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ، وَهُوَ مَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ (كَعِنِّينٍ وَكَبِيرٍ) وَمُخَنَّثٍ شَدِيدِ التَّأْنِيثِ فِي الْخِلْقَةِ حَتَّى يُشْبِهَ الْمَرْأَةَ فِي اللِّينِ وَالْكَلَامِ وَالنَّغْمَةِ وَالنَّظَرِ وَالْعَقْلِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي النِّسَاءِ إرْبٌ (وَمَرِيضٍ) وَهُوَ مَنْ ذَهَبَتْ شَهْوَتُهُ لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31] (وَيُنْظَرُ مِمَّنْ لَا تُشْتَهَى كَعَجُوزٍ وَبَرْزَةٍ) قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: الْبَرْزَةُ هِيَ تَخْرُجُ وَتَدْخُلُ آمِنَةً عَلَى نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً (وَقَبِيحَةٍ) وَهِيَ الشَّوْهَاءُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَمَرِيضَةٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا (لِلْوَجْهِ خَاصَّةً) . جَزَمَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": نَظَرُ كُلِّ عَجُوزَةٍ بَرْزَةٍ هِمَّةٍ، وَمَنْ لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا غَالِبًا، وَمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْهَا، وَلَمْسُهُ، وَمُصَافَحَتُهَا وَالسَّلَامُ عَلَيْهَا، إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ. (وَلِشَاهِدٍ) نَظَرُ وَجْهٍ مَشْهُودٍ عَلَيْهَا تَحَمُّلًا، وَأَدَاءً عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ؛ لِتَكُونَ الشَّهَادَةُ وَاقِعَةً عَلَى عَيْنِهَا. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا (وَ) كَذَا (مُعَامِلٌ) فِي بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَنَحْوِهِ يُبَاحُ (نَظَرُهُ) وَجْهَ مَنْ يُعَامِلُهَا (مَعَ كَفَّيْهَا) فَيَنْظُرُ لِوَجْهِهَا لِيَعْرِفَهَا بِعَيْنِهَا، فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالدَّرْكِ، وَإِلَى كَفَّيْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 (لِحَاجَةٍ) نَصًّا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا إذَا كَانَتْ تُعَامِلُهُ. انْتَهَى. وَأَمَّا الشَّاهِدُ فَلَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْوَجْهِ؛ إذْ الشَّهَادَةُ لَا دَخْلَ لَهَا فِي الْكَفَّيْنِ. أَفَادَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلِطَبِيبٍ وَمَنْ يَلِي خِدْمَةَ مَرِيضٍ) أَوْ أَقْطَعَ يَدَيْنِ (وَلَوْ أُنْثَى فِي وُضُوءٍ وَاسْتِنْجَاءٍ نَظَرٌ وَمَسُّ مَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ) حَتَّى الْفَرْجَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالْمُبْدِعِ " (وَكَذَا لَوْ حَلَقَ عَانَةَ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ) أَيْ: حَلَقَ عَانَةَ نَفْسِهِ، نَصًّا، فَيُبَاحُ لِلْحَلَّاقِ النَّظَرُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَحْلِقُهُ (وَيَسْتُرُ غَيْرَ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهَا عَلَى الْأَصْلِ فِي التَّحْرِيمِ، وَكَذَا لِمَعْرِفَةِ بَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ وَبُلُوغٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا حَكَّمَ سَعْدًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ كَانَ يَكْشِفُ عَنْ مُؤْتَزِرِهِمْ» . وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلَامٍ قَدْ سَرَقَ، فَقَالَ: اُنْظُرُوا إلَى مُؤْتَزَرِهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ أَنْبَتَ الشَّعْرِ، فَلَمْ يَقْطَعْهُ (وَلْيَكُنْ) نَظَرُ مَنْ يُطَبِّبُ أُنْثَى (مَعَ حُضُورِ مَحْرَمٍ) لَهَا أَوْ زَوْجٍ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْخَلْوَةِ مُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَا امْرَأَةٌ مَعَ امْرَأَةٍ وَلَوْ كَافِرَةٌ مَعَ مُسْلِمَةٍ) نَظَرُ غَيْرِ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ، لِأَنَّ النِّسَاءَ الْكَوَافِرَ كُنَّ يَدْخُلْنَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَكُنَّ يَحْجُبْنَ، وَلَا أَمَرَ بِحِجَابٍ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْكَافِرَةُ قَابِلَةً لِلْمُسْلِمَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِلَّا فَلَا. نَصَّ عَلَيْهِ (وَلِرَجُلٍ مَعَ رَجُلٍ وَلَوْ أَمْرَدَ وَسَيِّدٌ مَعَ أَمَتِهِ الْمَحْرَمَةِ كَمُزَوَّجَةٍ، وَمَجُوسِيَّةٍ نَظَرُ غَيْرِ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك» (وَلِامْرَأَةٍ نَظَرُ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ (مِنْ رَجُلٍ) «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك فَلَا يَرَاك» . وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ رَسُولُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتُرنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمَّا «فَرَغَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خُطْبَةِ الْعِيدِ مَضَى إلَى النِّسَاءِ فَذَكَّرَهُنَّ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ» . وَلِأَنَّهُنَّ لَوْ مُنِعْنَ النَّظَرَ لَوَجَبَ الْحِجَابُ عَلَى الرِّجَالِ كَمَا وَجَبَ عَلَى النِّسَاءِ؛ لِئَلَّا يَنْظُرْنَ إلَيْهِمْ. فَأَمَّا حَدِيثُ نَبْهَانَ عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كُنْت قَاعِدَةً عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَحَفْصَةُ، فَاسْتَأْذَنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ ضَرِيرٌ لَا يُبْصِرُ، فَقَالَ: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا، أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ» ؟ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَقَالَ أَحْمَدُ: نَبْهَانُ رَوَى حَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ، هَذَا الْحَدِيثُ، وَالْآخَرُ: «إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبًا فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» . كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى ضَعْفِ حَدِيثِهِ، إذْ لَمْ يَرْوِ إلَّا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْمُخَالِفَيْنِ لِلْأُصُولِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: نَبْهَانُ مَجْهُولٌ، لَا يُعْرَفُ إلَّا بِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ. وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ صَحِيحٌ، فَالْحُجَّةُ بِهِ لَازِمَةٌ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ حَدِيثَ نَبْهَانَ خَاصٌّ بِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، قَالَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، لَكِنَّهُ يُعَارِضُ حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ (وَمُمَيِّزٌ لَا شَهْوَةَ لَهُ مَعَ امْرَأَةٍ كَامْرَأَةٍ) لِأَنَّهُ لَا شَهْوَةَ لَهُ؛ أَشْبَهَ الطِّفْلَ، وَلِأَنَّ الْمُحَرِّمَ لِلرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا، وَمُمَيِّزٌ (ذُو شَهْوَةٍ مَعَهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ كَمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ النَّظَرُ لَمَّا كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 (وَبِنْتُ تِسْعٍ مَعَ رَجُلٍ كَمُحَرَّمٍ) لِأَنَّ عَوْرَتَهَا مُخَالِفَةٌ لِعَوْرَةِ الْبَالِغَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ لَمْ تَحِضْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، وَكَقَوْلِنَا فِي الْغُلَامِ الْمُرَاهِقِ مَعَ النِّسَاءِ. (وَخُنْثَى مُشْكِلٌ فِي نَظَرِ) رَجُلٍ (إلَيْهِ كَامْرَأَةٍ) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ. قَالَ الْمُنَقِّحُ: (وَنَظَرُهُ) أَيْ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (لِرَجُلٍ كَنَظَرِ امْرَأَةٍ إلَيْهِ، وَ) نَظَرُهُ لِامْرَأَةٍ (كَنَظَرِ رَجُلٍ إلَيْهَا) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْ الزَّوْجَيْنِ نَظَرُ جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ حَتَّى فَرْجِهَا) لِمَا رَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ، قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْجَ مَحَلُّ الِاسْتِمْتَاعِ فَجَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ كَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى فَرْجِ الْآخَرِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: «مَا رَأَيْت فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي لَفْظٍ «قَالَتْ: مَا رَأَيْتُهُ مِنْ النَّبِيِّ وَلَا رَآهُ مِنِّي» (كَ) مَا لَا يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ (وَلَدٍ دُونَ سَبْعِ) سِنِينَ نَصًّا وَلَا يَجِبُ سَتْرُهَا مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّ «إبْرَاهِيمَ ابْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَسَلَهُ النِّسَاءُ» (وَكُرِهَ نَظَرُ فَرْجٍ حَالَ طَمْثٍ) أَيْ: حَيْضٍ، يُقَالُ: طَمِثَتْ الْمَرْأَةُ تَطْمِثُ، كَبَصِرَ وَسَمِعَ، إذَا حَاضَتْ، فَهِيَ طَامِثٌ، فَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْجِمَاعِ، وَزَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَحَالَ الْوَطْءِ (وَ) كُرِهَ (تَقْبِيلُهُ) أَيْ: الْفَرْجِ (بَعْدَ جِمَاعٍ لَا قَبْلَهُ) قَالَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " وَذَكَرَهُ عَنْ عَطَاءٍ (وَكَذَا سَيِّدٌ مَعَ أَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ لَهُ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرُ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ حَتَّى فَرْجِهَا؛ لِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ الْمُبَاحَةُ عَنْ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُزَوَّجَةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 تَحِلُّ لَهُ (وَمَنْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بَعْضًا) وَلَوْ أَكْثَرَهَا (كَمَنْ لَا حَقَّ لَهُ) فِيهَا فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالنَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ مَا حَرَّمَ الْوَطْءَ حَرَّمَ دَوَاعِيَهُ (وَحَرُمَ فِي غَيْرِ مَا مَرَّ قَصْدُ نَظَرِ حُرَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا النَّظَرُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْأُولَى لَك» أَيْ: مَا كَانَ فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ (حَتَّى) قَصْدِ نَظَرِ (شَعْرٍ مُتَّصِلٍ) بِهَا كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا وَ (لَا) يَحْرُمُ قَصْدُ نَظَرِ شَعْرٍ (بَائِنٍ) أَيْ: مُنْفَصِلٍ مِنْهَا؛ لِزَوَالِ حُرْمَتِهِ بِالِانْفِصَالِ (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: ظُفْرُهَا) الْمُتَّصِلُ بِهَا (عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ فَلَا يَبِنْ) أَيْ: يَظْهَرُ مِنْهَا (شَيْءٌ وَلَا خُفَّهَا) غَيْرَ الصَّفِيقِ (فَإِنَّهُ يَصِفُ الْقَدَمَ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَجْعَلَ لِكُمِّهَا زِرًّا عِنْدَ يَدَيْهَا) انْتَهَى. (وَعِنْدَ الْقَاضِي يَجُوزُ النَّظَرُ لِوَجْهِ وَكَفِّ أَجْنَبِيَّةٍ لِغَيْرِ) حَاجَةٍ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ (مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ) انْتَهَى. (وَ) قَالَ (فِي " الْإِنْصَافِ ") قُلْت: وَ (هَذَا الَّذِي لَا يَسَعُ النَّاسُ غَيْرَهُ خُصُوصًا الْجِيرَانُ) وَالْأَقَارِبُ غَيْرُ الْمَحَارِمِ الَّذِي نَشَأَ بَيْنَهُمْ (وَنَظَرُ خَصِيٍّ وَمَجْبُوبٍ وَمَمْسُوحٍ كَفَحْلٍ) فَيَحْرُمُ، وَلِذَلِكَ لَا تُبَاحُ خَلْوَةُ الْفَحْلِ بِالرَّتْقَاءِ مِنْ النِّسَاءِ (وَاسْتَعْظَمَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ إدْخَالُ الْخُصْيَانِ عَلَى النِّسَاءِ) لِأَنَّ الْعُضْوَ وَإِنْ تَعَطَّلَ أَوْ عُدِمَ، فَشَهْوَةُ الرَّجُلِ لَا تَزُولُ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَلَا يُؤْمَنُ التَّمَتُّعُ بِالْقُبْلَةِ وَغَيْرِهَا (وَحَرُمَ نَظَرٌ لِشَهْوَةٍ أَوْ مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِهَا) أَيْ: الشَّهْوَةِ نَصًّا (لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا) أَيْ: مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى غَيْرِ زَوْجَةٍ وَسُرِّيَّةٍ؛ لِمَا فِي النَّظَرِ مِنْ الدُّعَاءِ إلَى الْفِتْنَةِ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَمَنْ اسْتَحَلَّهُ) أَيْ: النَّظَرَ (لِشَهْوَةٍ كَفَرَ إجْمَاعًا. وَحَرُمَ نَظَرُهُ لِدَابَّةٍ بِشَهْوَةٍ) وَلَا يُعْفَ عَنْهَا (وَخَلْوَةٌ لَهُ بِهَا) لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ (كَ) مَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ (بِقِرْدٍ تَشْتَهِيهِ الْمَرْأَةُ) أَوْ يَشْتَهِيهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ؛ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَمَعْنَى الشَّهْوَةِ التَّلَذُّذُ بِالنَّظَرِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 إلَى الشَّيْءِ (قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ") وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْغُلَامِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، لِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَشْبَهَ الْمُلْتَحِي، مَا لَمْ يَخَفْ ثَوَرَانَ الشَّهْوَةِ، فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ (وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ) فِي كِتَابِ " الْقَضَاءِ " (تَكْرَارُ النَّظَرِ لِلْأَمْرَدِ مُحَرَّمٌ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (مَنْ كَرَّرَ النَّظَرَ إلَى الْأَمْرَدِ أَوْ دَاوَمَهُ، وَقَالَ: إنِّي لَا أَنْظُرُ لِشَهْوَةٍ فَقَدْ كَذَبَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: الْخَلْوَةُ بِأَمْرَدَ حَسَنٌ وَمُضَاجَعَتُهُ كَامْرَأَةٍ) أَيْ: فَتَحْرُمُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ تَعْلِيمٍ وَتَأْدِيبٍ وَالْمُقِرُّ مُوَلِّيهِ عِنْدَ مَنْ يُعَاشِرُهُ كَذَلِكَ) أَيْ: مَعَ الْخَلْوَةِ أَوْ الْمُضَاجَعَةِ (مَلْعُونٌ وَدَيُّوثٌ، وَمَنْ عُرِفَ بِمَحَبَّتِهِمْ أَوْ مُعَاشَرَةٍ بَيْنَهُمْ مُنِعَ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ انْتَهَى. قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ لِرَجُلٍ) صَدِيقٍ لَهُ قَدِمَ مِنْ خُرَاسَانَ وَ (مَعَهُ غُلَامٌ جَمِيلٌ هُوَ ابْنُ أُخْتِهِ: الَّذِي أَرَى لَك أَنْ لَا يَمْشِيَ مَعَك فِي طَرِيقٍ) وَقَالَ لَهُ: إذَا جِئْتنِي لَا يَكُونُ مَعَك، فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ ابْنُ أُخْتِي. قَالَ: وَإِنْ كَانَ، لَا يَأْثَمُ النَّاسُ فِيك (وَكَرِهَ أَحْمَدُ مُجَالَسَةَ الْغُلَامِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ) خَشْيَةَ الِافْتِتَانِ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: كَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ فِي الْأَمْرَدِ: هُوَ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ الْعَذَارَى، فَإِطْلَاقُ الْبَصَرِ مِنْ أَعْظَمِ الْفِتْنَةِ. وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ " قَالَ: مَنْ أُعْطِيَ أَسْبَابَ الْفِتْنَةِ مِنْ نَفْسِهِ أَوَّلًا؛ لَمْ يَنْجُ مِنْهَا آخِرًا، وَإِنْ كَانَ جَاهِدًا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَالْأَمْرَدُ يُنْفِقُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَهُوَ شَبَكَةُ الشَّيْطَانِ فِي حَقِّ النَّوْعَيْنِ. تَكْمِلَةٌ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيُّ: قَالَ لِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ الْمُؤَدِّبُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ مِنْ أَيْنَ أَخَذَ صُوفِيَّةُ عَصْرِنَا هَذَا الْأُنْسَ بِالْأَحْدَاثِ؟ فَقُلْت لَهُ: يَا سَيِّدِي أَنْتَ بِهِمْ أَعْرَفُ، وَقَدْ تَصْحَبُهُمْ السَّلَامَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ فَقَالَ: هَيْهَاتَ قَدْ رَأَيْنَا مَنْ كَانَ أَقْوَى إيمَانًا مِنْهُمْ إذَا رَأَى الْحَدَثَ قَدْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 أَقْبَلَ يَفِرُّ كَفِرَارِهِ مِنْ الزَّحْفِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تَغْلِبُ الْأَحْوَالُ عَلَى أَهْلِهَا، فَتَأْخُذُهَا عَنْ تَصَرُّفِ الطِّبَاعِ، مَا أَكْثَرَ الْخَطَرَ، مَا أَكْثَرَ الْغَلَطَ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَسَمِعْته حِينَئِذٍ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ غُلَامٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، فَقَالَ لَهُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: ابْنِي، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: لَا تَجِئْ بِهِ مَعَك مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا قَامَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَافِظُ: أَيَّدَ اللَّهُ الشَّيْخَ، إنَّهُ رَجُلٌ مَسْتُورٌ، وَابْنُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، فَقَالَ أَحْمَدُ: الَّذِي قَصَدْنَا لَهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَيْسَ يَمْنَعُ مِنْهُ سِتْرُهُمَا، عَلَى هَذَا رَأَيْنَا أَشْيَاخَنَا، وَبِهِ أَخْبَرُونَا عَنْ أَشْيَاخِهِمْ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَمِعْت إبْرَاهِيمَ بْنَ هَانِئٍ يَقُولُ: سَمِعْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: مَا طَمِعَ أَمْرَدُ بِصُحْبَتِي وَلَا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي طَرِيقٍ، وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ: لَا تُجَالِسُوا أَوْلَادَ الْأَغْنِيَاءِ، فَإِنَّ لَهُمْ صُوَرًا كَصُوَرِ النِّسَاءِ، وَهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ الْعَذَارَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: النَّظَرُ إلَى الْمُرْدَانِ جَائِزٌ عَلَى طَرِيقِ الْجُمْلَةِ إذَا لَمْ تَعْرِضْ شَهْوَةٌ، وَلَمْ يُوقَظْ نَظَرُهُمْ مِنْ النَّفْسِ الْتِذَاذًا أَوْ مَيْلًا؛ لِكَوْنِ الشَّرْعِ لَمْ يَأْمُرْ؛ بِتَغْطِيَتِهِمْ، وَجَوَّزَ دُخُولَهُمْ وَخُرُوجَهُمْ، وَالِاجْتِمَاعَ بِالرِّجَالِ فِي الْحَمَّامَاتِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ الشَّرْعُ مَبْنِيًّا عَلَى شَهَوَاتِ الْفُسَّاقِ، فَصَارَتْ الشَّهْوَةُ لَهُمْ كَمَنْ يَشْتَهِي الْبَهَائِمَ وَالرِّجَالَ. انْتَهَى، أَفَادَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ ". (وَلَمْسٌ كَنَظَرٍ) فَيَحْرُمُ حَيْثُ يَحْرُمُ النَّظَرُ، (بَلْ) اللَّمْسُ (أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ النَّظَرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِلِّ النَّظَرِ حِلُّ اللَّمْسِ كَالشَّاهِدِ وَنَحْوِهِ (وَكَرِهَ أَحْمَدُ مُصَافَحَةَ النِّسَاءِ، وَشَدَّدَ أَيْضًا حَتَّى لِمَحْرَمٍ، وَجَوَّزَهُ لِوَالِدٍ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ: وَمَحْرَمٌ (وَ) جُوِّزَ (أُخِذَ يَدِ عَجُوزٍ) وَفِي " الرِّعَايَةِ " (وَشَوْهَاءَ) ، (وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 لِقَادِمٍ مِنْ سَفَرٍ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَذَكَرَ حَدِيثَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدِمَ مِنْ غَزْوٍ فَقَبَّلَ فَاطِمَةَ» (لَكِنْ لَا يَفْعَلُهُ عَلَى الْفَمِ أَبَدًا، بَلْ الْجَبْهَةِ وَالرَّأْسِ) وَنَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ تَضَعُ يَدَهَا عَلَى بَطْنِ رَجُلٍ لَا تَحِلُّ لَهُ، قَالَ: لَا يَنْبَغِي إلَّا لِضَرُورَةٍ؛ وَنَقَلَ المروذي: تَضَعُ يَدَهَا عَلَى صَدْرِهِ، قَالَ: ضَرُورَةً. (وَكُرِهَ نَوْمُ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ مُرَاهِقَيْنِ مُتَجَرِّدَيْنِ تَحْتَ ثَوْبٍ أَوْ لِحَافٍ وَاحِدٍ) ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الرِّعَايَةِ ". وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ» . قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ، فَلَا يُكْرَهُ نَوْمُهَا تَحْتَ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ لِحَافٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: مُتَجَرِّدَيْنِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ كَرَاهَةَ (هَذَا) النَّوْمِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ (مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ) عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا (وَ) أَمْنِ (نَظَرِ عَوْرَةٍ) (وَ) أَمْنِ (لَمْسِ) بَشَرَةٍ (وَإِلَّا) يُؤْمَنُ ذَلِكَ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ، وَالْآخَرُ أُنْثَى، أَوْ كَانَ رَجُلٌ مَعَ أَمْرَدَ (حَرُمَ) نَوْمُهُمَا تَحْتَ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ لِحَافٍ وَاحِدٍ؛ لِمَا يَأْتِي فِي الْإِخْوَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِذَا بَلَغَ الْإِخْوَةُ عَشْرَ سِنِينَ) ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا، أَوْ إنَاثًا وَذُكُورًا (فَرَّقَ) أَيْ: فَرَّقَ وَلِيُّهُمْ (بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» أَيْ: حَيْثُ كَانُوا يَنَامُونَ مُتَجَرِّدِينَ كَمَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الرِّعَايَةِ ". قَالَ فِي الْآدَابِ: هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَالْمَنْصُوصُ: وَاخْتَارَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وُجُوبَ التَّفْرِيقِ فِي ابْن سَبْعٍ فَأَكْثَرَ، وَأَنَّ لَهُ عَوْرَةً يَجِبُ حِفْظُهَا، أَيْ: عَنْ الْمُبَاشَرَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 (وَصَوْتُ الْأَجْنَبِيَّةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَيَحْرُمُ تَلَذُّذٌ بِسَمَاعِهِ) أَيْ: صَوْتِ الْمَرْأَةِ غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَسُرِّيَّتِهِ، (وَلَوْ) كَانَ صَوْتُهَا (بِقِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الْفِتْنَةِ بِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهَا تُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ إنْ سَمِعَهَا أَجْنَبِيٌّ. (وَحَرُمَ خَلْوَةُ غَيْرِ مَحْرَمٍ) بِذَاتِ مَحْرَمِهِ (عَلَى الْجَمِيعِ مُطْلَقًا) أَيْ: بِشَهْوَةٍ وَدُونِهَا وَ (كَرَجُلٍ) وَاحِدٍ يَخْلُو (مَعَ عَدَدٍ مِنْ نِسَاءٍ وَعَكْسُهُ) بِأَنْ يَخْلُوَ عَدَدٌ مِنْ رِجَالٍ بِامْرَأَةٍ (وَلَوْ) كَانَتْ خَلْوَتُهُمْ (بِرَتْقَاءَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَ) حَرُمَ (تَزَيُّنُ امْرَأَةٍ لِمَحْرَمٍ، كَأَبٍ وَأَخٍ، غَيْرِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ) لِدُعَائِهِ إلَى الِافْتِتَانِ بِهَا [فَصْلٌ التَّصْرِيحُ بِالنِّكَاحِ لِمُعْتَدَّةٍ] فَصْلٌ (يَحْرُمُ تَصْرِيحٌ وَهُوَ) أَيْ التَّصْرِيحُ: (مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ النِّكَاحِ بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ) بَائِنٍ إجْمَاعًا، وَمِثْلُهَا مُسْتَبْرَأَةٌ، عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدٍ وَنَحْوِهِ، كَقَوْلِهِ: أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَك، أَوْ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك تَزَوَّجْتُك، أَوْ زَوِّجِينِي نَفْسَك، لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] إذْ تَخْصِيصُ التَّعْرِيضِ بِنَفْيِ الْحَرَجِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّصْرِيحِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنَّهُ يَحْمِلُهَا الْحِرْصُ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ، انْقِضَائِهَا (إلَّا لِزَوْجٍ تَحِلُّ لَهُ) كَالْمُخْتَلِعَةِ وَالْمُطَلَّقَةِ دُونَ ثَلَاثٍ عَلَى عِوَضٍ، لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُهَا فِي عِدَّتِهَا، أَشْبَهَتْ غَيْرَ الْمُعْتَدَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَالْمَزْنِيِّ، بِهَا وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَإِنَّهَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا. (وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا (تَعْرِيضٌ) وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ النِّكَاحُ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ (بِخِطْبَةِ) مُطَلَّقَةٍ (رَجْعِيَّةٍ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ أَشْبَهَتْ الَّتِي فِي صُلْبِ النِّكَاحِ (وَيَجُوزُ تَعْرِيضٌ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ) لِلْآيَةِ، «وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ مُتَأَيِّمٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْت أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَمَوْضِعِي مِنْ قَوْمِي» وَكَانَتْ تِلْكَ خِطْبَتَهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالنِّكَاحِ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ، (وَ) يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ (بَائِنٍ وَلَوْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ) (ثَلَاثٍ، وَفَسْخٌ لِعُنَّةٍ وَعَيْبٍ) لِأَنَّهَا بَائِنٌ أَشْبَهَتْ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا وَالْمُنْفَسِخَ نِكَاحُهَا لِنَحْوِ رَضَاعٍ وَلِعَانٍ مِمَّا تَحْرُمُ بِهِ أَبَدًا (وَهِيَ) أَيْ: (الْمَرْأَةُ فِي جَوَابٍ) لِلْمُخَاطَبِ (كَهُوَ) أَيْ: الْخَاطِبِ (فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ) مِنْ تَصْرِيحٍ وَتَعْرِيضٍ فَيَجُوزُ لِلْبَائِنِ التَّعْرِيضُ فِي عِدَّتِهَا دُونَ التَّصْرِيحِ لِغَيْرِ مَنْ تَحِلُّ لَهُ إذَنْ، وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ (وَالتَّعْرِيضُ) مِنْ الْخَاطِبِ (نَحْوَ) أَنْ يَقُولَ: (إنِّي فِي مِثْلِك لَرَاغِبٌ، وَلَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِك، وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك فَأَعْلِمِينِي) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّهَا عَلَى رَغْبَتِهِ فِيهَا، نَحْوَ: مَا أَحْوَجَنِي إلَى مِثْلِك (وَتُجِيبُهُ) تَعْرِيضًا (بِنَحْوِ: مَا يُرْغَبُ عَنْك، وَإِنْ قُضِيَ شَيْءٌ كَانَ) وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَإِنْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَمْضِهِ وَ (تَحْرُمُ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَلِأَنَّ فِي خِطْبَةِ الثَّانِي إفْسَادًا عَلَى الْأَوَّلِ وَإِيقَاعًا لِلْعَدَاوَةِ. وَ (لَا) تَحْرُمُ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ (كَافِرٍ) لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ (كَمَا لَا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 يَجِبُ أَنْ (يَنْصَحَهُ نَصًّا) لِحَدِيثِ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِالْمُسْلِمِ، وَإِلْحَاقَ غَيْرِهِ بِهِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِثْلَهُ، وَلَيْسَ الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ وَلَا حُرْمَتُهُ كَحُرْمَتِهِ (إنْ أُجِيبَ) (الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ تَعْرِيضًا إنْ عَلِمَ) الثَّانِي بِخِطْبَةِ الْأَوَّلِ وَإِجَابَتِهِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَانَ مَعْذُورًا بِالْجَهْلِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِجَابَةِ، فَلَوْ أَجَابَتْهُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ جَنَتْ أَوْ أَجَابَهُ الْوَلِيُّ ثُمَّ زَالَتْ وِلَايَتُهُ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ. سَقَطَتْ الْإِجَابَةُ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الثَّانِي إجَابَةَ الْأَوَّلِ جَازَ (أَوْ تَرَكَ) الْأَوَّلَ الْخِطْبَةَ، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ الْعَقْدَ، وَطَالَتْ الْمُدَّةُ، وَتَضَرَّرَتْ الْمَخْطُوبَةُ (أَوْ اُسْتُؤْذِنَ) الْأَوَّلُ (فَأَذِنَ) لِلثَّانِي فِي الْخِطْبَةِ، جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَطَبَ الْأَوَّلُ، وَرَدَّ، جَازَ، وَلَوْ كَانَ رَدُّهُ بَعْدَ الْإِجَابَةِ فَلِلثَّانِي الْخِطْبَةُ، لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْأَوَّلِ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ، لِمَا رَوَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ «أَنَّهَا أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَاهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ سَكَتَ) الْأَوَّلُ عَنْهُ بِأَنْ اسْتَأْذَنَ الثَّانِي الْأَوَّلَ، فَسَكَتَ عَنْهُ (جَازَ) لِأَنَّ سُكُوتَهُ عِنْدَ اسْتِئْذَانِهِ فِي مَعْنَى التَّرْكِ (وَالتَّعْوِيلِ فِي رَدٍّ وَإِجَابَةٍ عَلَى وَلِيٍّ مُجْبِرٍ) وَهُوَ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ فِي النِّكَاحِ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً بِكْرًا، وَكَذَا سَيِّدٌ، أَمَتُهُ بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ فَلَا أَثَرَ لِإِجَابَةِ الْمُجْبَرَةِ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا، فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ بِهِ لَا بِهَا، (وَإِلَّا) تَكُنْ مُجْبَرَةً كَحُرَّةٍ ثَيِّبٍ عَاقِلَةٍ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ فَ (التَّعْوِيلُ) فِي رَدٍّ وَإِجَابَةٍ (عَلَيْهَا) أَيْ: الْمَخْطُوبَةِ، دُونَ وَلِيِّهَا؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، فَكَانَ الْأَمْرُ أَمْرَهَا، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُرْوَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ عَائِشَةَ إلَى أَبِي بَكْرٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا مُرْسَلًا. (وَلَا يُكْرَهُ لِوَلِيٍّ) مُجْبِرٍ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِجَابَةِ لِغَرَضٍ، (وَلَا) يُكْرَهُ (لِامْرَأَةٍ) غَيْرِ مُجْبَرَةٍ، (رُجُوعٌ عَنْ إجَابَةٍ لِغَرَضٍ) صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَمَّنْ يَدُومُ الضَّرَرُ فِيهِ، فَكَانَ لَهَا الِاحْتِيَاطُ لِنَفْسِهَا وَالنَّظَرُ فِي حَظِّهَا وَالْوَلِيُّ قَائِمٌ مَقَامَهَا فِي ذَلِكَ (وَإِلَّا) يَكُنْ الرُّجُوعُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ (كُرِهَ) مِنْهُ وَمِنْهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إخْلَافِ الْوَعْدِ، وَالرُّجُوعِ عَنْ الْقَوْلِ، وَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ بَعْدُ لَمْ يَلْزَمْ، كَمَنْ سَاوَمَ سِلْعَتَهُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَهَا. وَإِنْ كَرِهَتْ الْمُجْبَرَةُ الْمُجَابَ، وَاخْتَارَتْ كُفُؤًا غَيْرَهُ (وَ) عَيَّنَتْهُ سَقَطَ حُكْمُ إجَابَةِ وَلِيِّهَا إذْ (اخْتِيَارُهَا) إذَا تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ (مُقَدَّمٌ عَلَى اخْتِيَارِ خِطْبَةِ وَلِيٍّ) وَإِنْ كَرِهَتْهُ، وَلَمْ تَخْتَرْ سِوَاهُ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ حُكْمُ الْإِجَابَةِ (وَمَنْ خَطَبَ امْرَأَةً فَخَطَبَتْهُ) امْرَأَةٌ (أُخْرَى) أَوْ خَطَبَهُ وَلِيُّهَا يَنْبَغِي التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ إيذَاءٌ لِلْمَخْطُوبِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، أَوْ خَطَبَتْهُ امْرَأَةٌ (أَوْ) خَطَبَهُ (وَلِيُّهَا ابْتِدَاءً، فَأَجَابَ، فَخَطَبَهَا) رَجُلٌ (آخَرُ، يَنْبَغِي التَّحْرِيمُ. قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ إيذَاءٌ لِلْخَاطِبِ، كَمَا أَنَّ ذَلِكَ إيذَاءٌ لِلْمَخْطُوبِ، إلَّا أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَاطِبُ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ فِي الْإِيذَاءِ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، انْتَهَى. تَتِمَّةٌ: قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي جَوَازَ خِطْبَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى خِطْبَةِ أُخْتِهَا وَصَرَّحَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " بِالْمَنْعِ، وَلَعَلَّ الْعِلَّةَ تُسَاعِدُهُ، وَأَمَّا السَّعْيُ مِنْ الْأَبِ لِلْأَيِّمِ فِي التَّزْوِيجِ وَاخْتِيَارُ الْأَكْفَاءِ فَمُسْتَحَبٌّ؛ لِفِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ عَرَضَ حَفْصَةَ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: (وَفِي تَحْرِيمِ خِطْبَةِ مَنْ أَذِنَتْ) هِيَ (لِوَلِيِّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 بِتَزْوِيجِهَا مِنْ) شَخْصٍ (مُعَيَّنٍ) مُسْلِمٍ (احْتِمَالَانِ) : أَحَدُهُمَا - يَحْرُمُ كَمَا لَوْ خَطِبَتْ، فَأَجَابَتْ. قَالَ التَّقِيُّ الْفَتُوحِيُّ: الْأَظْهَرُ التَّحْرِيمُ. وَالثَّانِي - لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْطُبْهَا أَحَدٌ، وَهُمَا لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا دَلِيلٌ مِنْ الْقَاضِي أَنَّ سُكُوتَ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْخِطْبَةِ لَيْسَ خِطْبَةً بِحَالٍ. (وَيَصِحُّ عَقْدٌ مَعَ خِطْبَةٍ حَرُمَتْ) عَلَى خَاطِبٍ، بِأَنْ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ خَطَبَهَا غَيْرُهُ قَبْلَهُ، فَأَجَابَتْهُ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْحَظْرِ عَلَى الْعَقْدِ، وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَدَّمَ عَلَى الْعَقْدِ تَصْرِيحًا أَوْ تَعْرِيضًا مُحَرَّمًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ مُسْلِمٍ. (وَيُسَنُّ عَقْدُ) النِّكَاحِ (مَسَاءَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «أَمْسُوا بِالْأَمْلَاكِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ» . رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِمَقْصُودِهِ، وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ شَرِيفٌ وَيَوْمُ عِيدٍ، وَالْبَرَكَةُ فِي النِّكَاحِ مَطْلُوبَةٌ، فَاسْتُحِبَّ لَهُ أَشْرَفُ الْأَيَّامِ طَلَبًا لِلْبَرَكَةِ وَالْإِمْسَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّ فِي آخِرِ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ. (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَخْطُبَ) الْعَاقِدُ (قَبْلَهُ) أَيْ: النِّكَاحِ (بِخُطْبَةِ) عَبْدِ اللَّهِ (ابْنُ مَسْعُودٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَكَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ إذَا حَضَرَ الْعَقْدَ، وَلَمْ يَخْطَبْ فِيهِ بِهَا قَامَ وَتَرَكَهُمْ) وَهَذَا مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ فِي اسْتِحْبَابِهَا، وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً؛ لِأَنَّ «رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: زَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خُطْبَةً. وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ «رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ: خَطَبْت إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 أُمَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَشَهَّدَ» . وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ؛ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ خُطْبَةٌ كَالْبَيْعِ. (وَهِيَ) أَيْ: خُطْبَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّشَهُّدَ فِي الْحَاجَةِ إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يَضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ» فَفَسَّرَهَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] (الْآيَةَ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. وَاقْتَصَرَ فِي " الْمُقْنِعِ " " وَالْمُنْتَهَى " عَلَى خُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. زَادَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " (وَبَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالنِّكَاحِ، وَنَهَى عَنْ السِّفَاحِ، فَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا وَآمِرًا: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] الْآيَةَ) . قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ هَذِهِ الْآيَةَ أَيْضًا (وَيُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ) إنَّ فُلَانًا يَخْطُبُ إلَيْكُمْ فُلَانَةَ، فَإِنْ أَنْكَحْتُمُوهُ فَالْحَمْدُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 لِلَّهِ؛ وَإِنْ رَدَدْتُمُوهُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ. وَالْمُسْتَحَبُّ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَنْ السَّلَفِ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَوْلَى مَا اُتُّبِعَ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمُتَقَدِّمِ (وَيُقَالُ لِمُتَزَوِّجٍ نَدْبًا: بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا وَعَلَيْكُمَا، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَفَأَ إنْسَانًا، إذَا تَزَوَّجَ، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَك وَبَارَكَ عَلَيْك وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: بَارَكَ اللَّهُ لَك، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» . (فَإِذَا زُفَّتْ) الزَّوْجَةُ (إلَيْهِ قَالَ نَدْبًا: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتهَا عَلَيْهِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا أَخَذَهُ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ، وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيدٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَحَضَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَحُذَيْفَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا لَهُ: إذَا دَخَلْت عَلَى أَهْلِك فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خُذْ بِرَأْسِ أَهْلِك، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي أَهْلِي وَبَارِكْ لِأَهْلِي فِي، وَارْزُقْنِي مِنْهُمْ، ثُمَّ شَأْنَك وَشَأْنَ أَهْلِك. رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ فِي مَسَائِلِهِ " عَنْ أَبِيهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 [فَصْلٌ فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام] فَصْلٌ فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا: ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا، وَاحْتِيجَ إلَى بَيَانِهَا لِئَلَّا يَرَى جَاهِلٌ بَعْضَ الْخَصَائِصِ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ، فَيَعْمَلَ بِهَا أَخْذًا بِأَصْلِ التَّأَسِّي، فَوَجَبَ بَيَانُهَا لِتُعْرَفَ، وَأَيُّ فَائِدَةٍ أَهَمُّ مِنْ هَذِهِ. وَمَا يَقَعُ فِي ضِمْنِ الْخَصَائِصِ مِمَّا لَا فَائِدَةَ، فِيهِ الْيَوْمَ، فَقَلِيلٌ لَا تَخْلُو أَبْوَابُ الْفِقْهِ عَنْ مِثْلِهِ؛ لِلتَّدَرُّبِ وَمَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ. (خُصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَاجِبَاتٍ وَمَحْظُورَاتٍ وَمُبَاحَاتٍ وَكَرَامَاتٍ قَالَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) وَقَدْ بَدَأَ بِالْوَاجِبَاتِ، فَقَالَ: (وَجَبَ عَلَيْهِ وِتْرٌ) لِخَبَرِ: «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ، وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ: النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَضَعَّفَهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَقَلُّ الضُّحَى لَا أَكْثَرُهُ، وَقِيَاسُهُ فِي الْوِتْرِ كَذَلِكَ، قِيلَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَةٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " وَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ الضُّحَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا غَلَطٌ، وَلَمْ يَكُنْ يُوَاظِبُ عَلَى الضُّحَى بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ بِسُنَّتِهِ. (وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ (قِيَامُ لَيْلٍ) وَلَمْ يُنْسَخْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْوِتْرُ غَيْرُ قِيَامِ اللَّيْلِ؛ لِحَدِيثٍ سَاقَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: «الْوِتْرُ وَالتَّهَجُّدُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 فَرَّقَ أَصْحَابُنَا هُنَا بَيْنَ الْوِتْرِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ. انْتَهَى. وَأَكْثَرُ الْوَاصِفِينَ لِتَهَجُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَصَرُوا عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَذَلِكَ هُوَ الْوِتْرُ، وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ التَّهَجُّدَ بَعْدَ نَوْمٍ، وَعَلَيْهِ فَإِنْ نَامَ ثُمَّ أَوْتَرَ، فَتَهَجَّدَ وَوَتَرَ، وَإِنْ أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فَوَتَرَ لَا تَهَجُّدَ. (وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ (سِوَاكٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ) ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ. (وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ (أُضْحِيَّةٌ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِالتَّضْحِيَةِ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ اسْمٌ لِلشَّاةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُضَحَّى بِهِ. (وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا (رَكْعَتَا فَجْرٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ وَالنَّحْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. (وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا (تَخْيِيرُ نِسَائِهِ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - (بَيْنَ فِرَاقِهِ) طَلَبًا لِلدُّنْيَا (وَالْإِقَامَةِ مَعَهُ) طَلَبًا لِلْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} [الأحزاب: 28] الْآيَتَيْنِ. وَلِئَلَّا يَكُونَ مُكْرِهًا لَهُنَّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَا آثَرَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْفَقْرِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ تَعَوَّذَ مِنْ الْفَقْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ تَعَوُّذٌ مِنْ فِتْنَةِ فِتْنَتِهِ كَمَا تَعَوَّذَ مِنْ الْغِنَى وَتَعَوَّذَ مِنْ فَقْرِ الْقَلْبِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «لَيْسَ الْغِنَى بِكَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَإِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» . «وَخَيَّرَهُنَّ، وَبَدَأَ مِنْهُنَّ بِعَائِشَةَ، فَاخْتَرْنَ الْمُقَامَ» . (وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا (إنْكَارُ مُنْكَرٍ رَآهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ) فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْخَوْفِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَهُ بِالْعِصْمَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلَا إذَا كَانَ الْمُرْتَكِبُ يَزِيدُهُ الْإِنْكَارُ إغْرَاءً؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ إبَاحَتُهُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأُمَّةِ. ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ فِي الْقَوَاطِعِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 (وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا (مُشَاوَرَةٌ فِي الْأَمْرِ مَعَ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ) ذَوِي الْأَحْلَامِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» وَالْحِكْمَةُ أَنْ يَسْتَنَّ بِهَا الْحُكَّامُ بَعْدَهُ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنِيًّا عَنْهَا بِالْوَحْيِ. (وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا (مُصَابَرَةُ عَدُوٍّ كَثِيرٍ) إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى الضِّعْفِ (لِلْوَعْدِ بِالنَّصْرِ) أَيْ: لِأَنَّهُ مَوْعُودٌ بِالْعِصْمَةِ وَالنَّصْرِ، بَلْ رَوَى الدَّمِيرِيِّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ نَبِيٌّ أُمِرَ بِالْقِتَالِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَحْظُورِ بِقَوْلِهِ: (وَمُنِعَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ رَمْزٍ بِعَيْنٍ وَإِشَارَةٍ بِهَا) لِحَدِيثِ: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهِيَ الْإِيمَاءُ إلَى مُبَاحٍ مِنْ نَحْوِ ضَرْبٍ وَقَتْلٍ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَسُمِّيَ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ، لِشَبَهِهِ بِالْخِيَانَةِ وَبِإِخْفَائِهِ، وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي مَحْظُورٍ. (وَ) مِنْ (نَزْعِ لَأْمَةِ حَرْبٍ) أَيْ: سِلَاحِهِ كَدِرْعِهِ إذَا (لَبِسَهَا قَبْلَ لِقَاءِ عَدُوٍّ) وَيُقَاتِلُهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ أُحُدٍ لَمَّا أُشِيرَ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْحَرْبِ بَعْدَ أَنْ لَبِسَ لَأْمَتَهُ: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَلْبَسَ لَأْمَةَ الْحَرْبِ ثُمَّ يَنْزِعَهَا حَتَّى يُنْجِزَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ» . وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ اخْتِصَاصِ الْأَنْبِيَاءِ (وَ) مِنْ (إمْسَاكِ مَنْ كَرِهْت نِكَاحَهُ) كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ تَخْيِيرِ نِسَائِهِ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِخَبَرِ الْعَائِذَةِ بِقَوْلِهَا: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ اسْتَعَذْتِ بِمَعَاذٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَ) مِنْ (شِعْرٍ وَخَطٍّ وَتَعَلُّمِهِمَا) قَالَ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] وَقَالَ: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 الْآيَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» . وَنَحْوُهُ فَلَيْسَ بِشِعْرٍ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَوْزُونٌ بِلَا قَصْدِ زِنَتِهِ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعَرُوضِ وَالْأَدَبِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ شِعْرًا إلَّا بِالْقَصْدِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجَزِ، أَشِعْرٌ هُوَ أَمْ لَا؟ وَكَانَ يُمَيِّزُ بَيْنَ جَيِّدِ الشِّعْرِ وَرَدِيئِهِ. (وَ) مِنْ (نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ) لِأَنَّهَا تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ، وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَضَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ كَافِرَةٍ. وَفِي الْخَبَرِ: «سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا أُزَوَّجَ إلَّا مَنْ كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ فَأَعْطَانِي» ) . رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ. (وَ) مِنْ نِكَاحِ (أَمَةٍ) وَلَوْ مُسْلِمَةً، لِأَنَّ نِكَاحَهَا مُعْتَبَرٌ بِخَوْفِ الْعَنَتِ، وَهُوَ مَعْصُومٌ، وَبِفِقْدَانِ مَهْرِ الْحُرَّةِ وَنِكَاحُهُ غِنًى عَنْ الْمَهْرِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، وَخَرَجَ بِالنِّكَاحِ التَّسَرِّي. وَمِنْ أَخْذِ (صَدَقَةٍ) لِنَفْسِهِ وَلَوْ تَطَوُّعًا، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ، وَكَذَا لِكَفَّارَةٍ؛ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» ) . وَصِيَانَةً لِمَنْصِبِهِ الشَّرِيفِ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ ذُلِّ الْآخِذِ وَعِزِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَأُبْدِلَ بِهَا الْفَيْءَ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ الْمُنْبِئِ عَنْ عِزِّ الْآخِذِ وَذُلِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ. (وَ) مِنْ (زَكَاةٍ عَلَى أَقَارِبِهِ) وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ عَلَى قَوْلٍ فِي بَنِي الْمُطَّلِبِ، وَكَذَا مَوَالِيهِمْ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَيَكُونُ تَحْرِيمُهَا عَلَى هَؤُلَاءِ بِسَبَبِ انْتِسَابِهِمْ إلَيْهِ، عُدَّ مِنْ خَصَائِصِهِ، أَمَّا صَدَقَةُ النَّفْلِ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ. (وَ) مِنْ (أَنْ يُهْدِيَ لِيُعْطَى أَكْثَرَ) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ» . لَا تُهْدِ لِتُعْطَى أَكْثَرَ، هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 الْأَدَبُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، وَأَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ. وقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50] إلَى قَوْلِهِ: {اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الأحزاب: 50] الْآيَةَ، تَدُلُّ عَلَى (أَنَّ مَنْ لَمْ تُهَاجِرْ) مَعَهُ (لَمْ تَحِلَّ لَهُ: قَالَهُ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي قَرَابَاتِهِ فِي الْآيَةِ، لَا الْأَجْنَبِيَّاتِ، فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ نَسْخَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ. (وَكَانَ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (لَا يُصَلِّي) فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ (عَلَى مَدِينٍ) مَاتَ وَ (لَا وَفَاءَ لَهُ) كَأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إذَا كَانَ (بِلَا ضَامِنٍ) وَيَأْذَنُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَصْحَابِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (ثُمَّ نُسِخَ) الْمَنْعُ (فَكَانَ) آخِرًا (يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيُوفِي دَيْنَهُ مِنْ عِنْدِهِ) لِخَبَرِ " الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ» (وَلَا يُوَرَّثُ بَلْ تَرِكَتُهُ صَدَقَةٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِنَبِيِّنَا، بَلْ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلُهُ، فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ. (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ أَنَّهُ (لَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِرْثِ. وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " لَا يَرِثُ؛ وَلَا يَعْقِلُ بِالْإِجْمَاعِ) وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ فِي " الْإِنْصَافِ ". ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمُبَاحَاتِ بِقَوْلِهِ: (وَأُبِيحَ لَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (التَّزَوُّجُ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ،) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] الْآيَةَ، وَلِأَنَّهُ مَأْمُونُ الْجَوْرِ. وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " كَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ ثُمَّ مُنِعَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52] انْتَهَى (ثُمَّ نُسِخَ تَحْرِيمُ الْمَنْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50] الْآيَةَ. (لِتَكُونَ الْمِنَّةُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِتَرْكِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهِنَّ، وَقِيلَ: نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] الْآيَةَ. (وَ) لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (التَّزَوُّجُ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الشُّهُودِ لَأَمِنَ الْجُحُودِ، وَهُوَ مَأْمُونٌ مِنْهُ، وَالْمَرْأَةُ لَوْ جَحَدَتْ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا، وَاعْتِبَارُ الْوَلِيِّ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْكَفَاءَةِ، وَهُوَ فَوْقَ الْأَكْفَاءِ. وَلَهُ التَّزَوُّجُ أَيْضًا بِلَا (مَهْرٍ) وَهُوَ بِمَعْنَى الْهِبَةِ، فَلَا يَجِبُ مَهْرٌ ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] ، الْآيَةَ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» لَكِنَّ أَكْثَرَ الرَّوِيَّاتِ أَنَّهُ كَانَ حَلَالًا، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا. وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ» . وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ: «تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَكُنْت السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَقَدْ رَدَّ بِهَذَا رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأُولَى. وَلَهُ التَّزَوُّجُ (بِلَفْظِ هِبَةٍ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ (وَيَحِلُّ لَهُ) نِكَاحُ الْمَرْأَةِ (بِتَزْوِيجِ اللَّهِ) تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِعَقْدٍ (كَزَيْنَبِ) قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وَإِذَا تَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ الْهِبَةِ لَا يَجِبُ مَهْرٌ بِالْعَقْدِ وَلَا بِالدُّخُولِ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَلَهُ أَنْ (يُرْدِفَ الْأَجْنَبِيَّةَ خَلْفَهُ) لِقِصَّةِ أَسْمَاءَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ «امْرَأَةٍ مِنْ غِفَارٍ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْدَفَهَا عَلَى حَقِيبَتِهِ» . وَلَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا لِقِصَّةِ أُمِّ حَرَامٍ. (وَ) لَهُ أَنْ (يُزَوِّجَهَا) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ (لِمَنْ شَاءَ بِلَا إذْنِهَا وَإِذْنِ وَلِيِّهَا، وَأَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] . (وَإِنْ كَانَتْ) الْمَرْأَةُ (خَلِيَّةً) مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ (وَرَغِبَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِيهَا، وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْإِجَابَةُ، وَحَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتُهَا) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ. وَأُبِيحَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وِصَالُ صَوْمٍ) لِخَبَرِ " الصَّحِيحَيْنِ ": «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْوِصَالِ. فَقِيلَ: إنَّك تُوَاصِلُ، فَقَالَ: إنِّي لَسْت مِثْلَكُمْ، إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» ؛ أَيْ: أُعْطِيَ قُوَّةَ الطَّاعِمِ وَالشَّارِبِ. (وَ) أُبِيحَ لَهُ (خُمُسُ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ) وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْوَقْعَةَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] . وَأُبِيحَ لَهُ (الصَّفِيُّ مِنْ الْمَغْنَمِ) وَهُوَ شَيْءٌ يَخْتَارُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، كَجَارِيَةٍ وَسَيْفٍ وَدِرْعٍ، وَمِنْهُ صَفِيَّةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَأُبِيحَ لَهُ (دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَأُبِيحَ لَهُ (الْقِتَالُ فِيهَا) أَيْ: فِي مَكَّةَ (سَاعَةً) مِنْ النَّهَارِ، وَكَانَتْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْعَصْرِ (وَ) لَهُ (أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ الْعَطْشَانِ) وَالطَّعَامِ مِنْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَأُبِيحَ لَهُ (أَنْ يَقْتُلَ بِغَيْرِ إحْدَى الثَّلَاثِ) نَصًّا، يَعْنِي بِالثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ، الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 عَنْ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " وَابْنِ عَقِيلٍ: وَيُبَاحُ لَهُ مِلْكُ الْيَمِينِ مُسْلِمَةً كَانَتْ الْأَمَةُ أَوْ مُشْرِكَةً كِتَابِيَّةً، وَلَا يَسْتَشْكِلُ جَوَازُ التَّسَرِّي بِالْكِتَابِيَّةِ بِمَا عَلَّلُوا بِهِ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ مِنْ كَوْنِهَا تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ، لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لَا يَسْتَلْزِمُ الصُّحْبَةَ، فَلَا يَسْتَلْزِمُ كَرَاهَتَهَا، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ بِالنِّكَاحِ أَصَالَةُ التَّوَالُدِ فَاحْتِيطَ لَهُ، وَيَلْزَمُ فِي النِّكَاحِ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ الْمُشْرِكَةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، بِخِلَافِ الْمِلْكِ ثُمَّ ذَكَرَ الْكَرَامَاتِ بِقَوْلِهِ (وَأُكْرِمَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " بِأَنْ جُعِلَ خَاتَمَ (الْأَنْبِيَاءِ) قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] (وَ) جُعِلَ (خَيْرَ الْخَلْقِ وَسَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ) لِحَدِيثِ «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» ؛ أَيْ وَلَا فَخْرَ أَكْمَلُ مِنْ هَذَا الْفَخْرِ الَّذِي أُعْطِيتُهُ، أَوْ لَا أَقُولُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِافْتِخَارِ، بَلْ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ أَوْ لِلتَّبْلِيغِ، وَحَدِيثِ «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ» . وَنَحْوِهِ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ تَفْضِيلٌ يُؤَدِّي إلَى التَّنْقِيصِ، وَنَوْعُ الْآدَمِيِّ أَفْضَلُ الْخَلْقِ. (وَ) هُوَ (أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» . (وَأَوَّلُ شَافِعٍ) وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَأَوَّلُ (قَارِعٍ) يَقْرَعُ (بَابَ الْجَنَّةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ. (وَ) هُوَ (أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَابِعًا» ) . وَحَدِيثِ الْبَزَّارِ: «يَأْتِي مَعِي مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ السَّيْلِ وَاللَّيْلِ» . وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «مَا صُدِّقَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْت؛ إذْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ» ) ". (" وَأُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ") رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَيْ أَلْفَاظًا قَلِيلَةً تُفِيدُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً. (وَصُفُوفُ أُمَّتِهِ فِي الصَّلَاةِ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «أَلَّا تُصَفُّونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 كَمَا تُصَفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا، يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» . (وَأُمَّتُهُ أَفْضَلُ الْأُمَمِ) قَالَ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] (وَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) أَيْ: عَلَى الْأُمَمِ (بِتَبْلِيغِ رُسُلِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] . (وَأَصْحَابُهُ خَيْرُ الْقُرُونِ) لِحَدِيثِ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَأُمَّتُهُ مَعْصُومَةٌ مِنْ اجْتِمَاعٍ عَلَى الضَّلَالَةِ) لِحَدِيثِ: «لَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ضَلَالَةٍ أَبَدًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي سَنَدِهِ ضَعِيفٌ. لَكِنْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ لَهُ شَوَاهِدَ، (وَ) لِذَلِكَ كَانَ (إجْمَاعُهُمْ) أَيْ: إجْمَاعُ مُجْتَهِدِيهِمْ (حُجَّةً) وَاخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةً. (وَنَسَخَ شَرْعُهُ الشَّرَائِعَ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ أَمَرَ بِتَرْكِ شَرَائِعِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، (وَلَا يُنْسَخُ) شَرْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ (وَكِتَابُهُ مُعْجِزٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: 88] الْآيَةَ. (وَمَحْفُوظٌ عَنْ التَّبْدِيلِ) وَالتَّحْرِيفِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ، وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى جَمِيعِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ وَزِيَادَةً، وَجَمَعَ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُسِّرَ لِلْحِفْظِ، وَنَزَلَ مُنَجَّمًا، وَعَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ - أَيْ أَوْجُهٍ - مِنْ الْمَعَانِي الْمُتَّفِقَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ، وَبِكُلِّ لُغَةٍ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ، لَكِنَّ أَكْثَرَهُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَفِيهِ خَمْسُونَ لُغَةً ذَكَرَهَا الْوَاسِطِيُّ فِي الْإِرْشَادِ ". (وَإِذَا ادَّعَى) عَلَى غَيْرِهِ (أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ) بِشَيْءٍ؛ (فَالْقَوْلُ) (قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) (بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ، وَالصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ. (وَكَانَ لَهُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ) لِأَنَّ اللَّهَ عَصَمَهُ، فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ خَطَأٌ يُقَرُّ عَلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 وَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْضِيَ وَيُفْتِيَ (وَهُوَ غَضْبَانُ) ، (وَ) لَهُ أَنْ (يَحْكُمَ) لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ (وَيَشْهَدُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ) أَوْ لِوَلَدِهِ، لِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَشْهَدُ وَيَقْبَلُ وَيَحْكُمُ عَلَى عَدُوِّهِ وَبِإِبَاحَةِ الْحِمَى لِنَفْسِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي (إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) ؛ (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " (وُجُوبُ قَسْمٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ) وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ (كَغَيْرِهِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَذَكَرَهُ فِي " الْمُجَرَّدِ " وَ " الْفُنُونِ " وَ " الْفُصُولِ " انْتَهَى؛ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَهُوَ أَصَحُّ (وَابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ: الْقَسْمُ غَيْرُ وَاجِبٍ) عَلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ: وَأُبِيحَ لَهُ تَرْكُ الْقَسْمِ، قَسْمِ الِابْتِدَاءِ وَقَسْمِ الِانْتِهَاءِ. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " (وَجُعِلَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] . (وَيَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ) وَلَهُ طَلَبُ ذَلِكَ حَتَّى مِنْ الْمُحْتَاجِ، وَيَفْدِي بِمُهْجَتِهِ مُهْجَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَمِثْلُهُ لَوْ قَصَدَهُ ظَالِمٌ فَعَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يَبْذُلَ نَفْسَهُ دُونَهُ. (وَ) يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ (أَنْ يُحِبَّهُ أَكْثَرَ مِنْ نَفْسِهِ) - لِحَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لَنْ يُؤْمِنَ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَحَبَّةُ الْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ، لَا مَحَبَّةُ الشَّوْقِ النَّاشِئَةِ فِي الْغَالِبِ عَنْ الْعِشْقِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَشَوَّقُ لِمَحْبُوبِهِ وَوَلَدِهِ وَيَوْلَعُ بِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الْإِجْلَالُ وَالتَّعْظِيمُ فَكُلُّ مُسْلِمٍ يُجِلُّهُ وَيُعَظِّمُهُ وُجُوبًا؛ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ. أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ - (وَ) أَكْثَرُ مِنْ (مَالِهِ وَوَلَدِهِ) وَوَالِدِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. زَادَ النَّسَائِيُّ: «وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» . (وَحَرُمَ) عَلَى غَيْرِهِ (نِكَاحُ زَوْجَاتِهِ بَعْدَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53] حَتَّى مَنْ فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ، دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ "؛ وَأَمَّا تَحْرِيمُ سَرَارِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَيْرِهِ، فَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا. وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ؛ وَجَزَمَ الطَّاوُسِيُّ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْهُمْ بِالتَّحْرِيمِ قِيَاسًا عَلَى زَوْجَاتِهِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ ": وَظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا أُمٍّ لِلْمُؤْمِنِينَ، لَكِنَّ الْمَنْعَ أَقْوَى مَنْعًا انْتَهَى. (وَهُنَّ أَزْوَاجُهُ دُنْيَا وَأُخْرَى) لِلْخَبَرِ (وَ) جُعِلْنَ (أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ مَنْ مَاتَتْ عَنْهُ، أَوْ مَاتَ عَنْهَا. قَالَ تَعَالَى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ، وَ (فِي وُجُوبِ احْتِرَامِهِنَّ وَطَاعَتِهِنَّ وَتَحْرِيمِ عُقُوقِهِنَّ) دُونَ الْخَلْوَةِ وَالنَّظَرِ وَالْمُسَافَرَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يَتَعَدَّى تَحْرِيمُ نِكَاحِهِنَّ إلَى قَرَابَتِهِنَّ؛ فَلَا تَحْرُمُ بَنَاتُهُنَّ، وَلَا أُمَّهَاتُهُنَّ، وَلَا أَخَوَاتُهُنَّ وَنَحْوُهُنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إجْمَاعًا: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (وَجُعِلَ ثَوَابُهُنَّ وَعِقَابُهُنَّ ضِعْفَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الأحزاب: 30] الْآيَتَيْنِ. (وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُسْأَلْنَ شَيْئًا إلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] (وَيَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ غَيْرُهُنَّ) مِنْ النِّسَاءِ مُشَافَهَةً. وَأَفْضَلُهُنَّ خَدِيجَةُ وَعَائِشَةُ، وَمَا ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَائِشَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 حِينَ قَالَتْ لَهُ: قَدْ رَزَقَك اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا: لَا وَاَللَّهِ مَا رَزَقَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا، آمَنَتْ بِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَأَعْطَتْنِي مَالَهَا حِينَ حَرَمَنِي النَّاسُ» . وَمَا رُوِيَ «أَنَّ عَائِشَةَ أَقْرَأَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جِبْرِيلَ، وَخَدِيجَةُ أَقْرَأَهَا جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهَا السَّلَامَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ» ، يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ خَدِيجَةَ، وَخَبَرِ: «فَاطِمَةُ بُضْعَةٌ مِنِّي» وَقَوْلُهُ لَهَا: «أَمَّا تَرْضِينَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ. وَاحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ عَائِشَةَ بِمَا احْتَجَّتْ بِهِ مِنْ أَنَّهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدَّرَجَةِ، وَفَاطِمَةُ مَعَ عَلِيٍّ فِيهَا، (وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يُنْسَبُونَ إلَيْهِ) لِحَدِيثِ «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ مُشِيرًا إلَى الْحَسَنِ» . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى (دُونَ أَوْلَادِ بَنَاتِ غَيْرِهِ؛ لِحَدِيثِ) : «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا قَطُّ إلَّا جَعَلَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ صُلْبِهِ، غَيْرِي، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ ذُرِّيَّتِي مِنْ صُلْبِ عَلِيٍّ» ذَكَرَهُ فِي " الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى " (وَالنَّجَسُ مِنَّا طَاهِرٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ) ، وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَشْفَى بِبَوْلِهِ وَدَمِهِ، رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ: «أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ شَرِبَتْ بَوْلَهُ، فَقَالَ: إذَنْ لَا تَلِجُ النَّارُ بَطْنَك» . لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ: «أَنَّ غُلَامًا حَجَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حِجَامَتِهِ شَرِبَ دَمَهُ، فَقَالَ: وَيْحَك مَا صَنَعْت بِالدَّمِ؟ قَالَ: غَيَّبْتُهُ فِي بَطْنِي. قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ أَحْرَزْت نَفْسَك مِنْ النَّارِ» . قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَانَ السِّرُّ فِي ذَلِكَ مَا صَنَعَهُ الْمَلَكَانِ مِنْ غَسْلِهِمَا جَوْفَهُ (وَهُوَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (طَاهِرٌ بَعْدَ مَوْتِهِ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ) وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ غَيْرَهُ أَيْضًا طَاهِرٌ (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَيْءٌ) أَيْ: ظِلٌّ فِي شَمْسٍ وَلَا قَمَرٍ (لِأَنَّهُ نُورَانِيٌّ، وَالظِّلُّ نَوْعُ ظُلْمَةٍ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي جَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَجِهَاتِهِ نُورًا، وَخَتَمَ بِقَوْلِهِ: «وَاجْعَلْنِي نُورًا» (وَكَانَتْ الْأَرْضُ تَجْذِبُ أَتْفَالَهُ) لِلْأَخْبَارِ (وَسَاوَى الْأَنْبِيَاءَ فِي مُعْجِزَاتِهِمْ، وَانْفَرَدَ بِالْقُرْآنِ) فَآدَمُ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَمُحَمَّدٌ شَقَّ صَدْرَهُ وَمَلَأَهُ ذَلِكَ الْخُلُقَ النَّبَوِيَّ، وَأَعْطَى إدْرِيسَ عُلُوَّ الْمَكَانِ، وَمُحَمَّدًا الْمِعْرَاجَ وَلَمَّا نَجَّى إبْرَاهِيمَ مِنْ النَّارِ نَجَّى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 مُحَمَّدًا مِنْ نَارِ الْحَرْبِ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ مَقَامَ الْخُلَّةِ أَعْطَى مُحَمَّدًا مَقَامَ الْمَحَبَّةِ؛ بَلْ جَمَعَهُ لَهُ مَعَ الْخُلَّةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي يَعْلَى فِي الْمِعْرَاجِ. فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: أَتَّخِذُهُ خَلِيلًا وَحَبِيبًا، وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: مُحَمَّدٌ حَبِيبُ الرَّحْمَنِ، وَلَمَّا أَعْطَى مُوسَى قَلْبَ الْعَصَا حَيَّةً أَعْطَى مُحَمَّدًا حُنَيْنَ الْجِذْعِ الَّذِي هُوَ أَغْرَبُ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ انْفِلَاقَ الْبَحْرِ أَعْطَى مُحَمَّدًا انْشِقَاقَ الْقَمَرِ الَّذِي هُوَ أَبْهَرُ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ تَفْجِيرَ الْمَاءِ مِنْ الْحَجَرِ، أَعْطَى مُحَمَّدًا نَبْعَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ الْكَلَامَ أَعْطَى مُحَمَّدًا الدُّنُوَّ وَالرُّؤْيَةَ، وَأَعْطَى يُوسُفَ شَطْرَ الْحُسْنِ، وَأَعْطَى مُحَمَّدًا الْحُسْنَ كُلَّهُ، وَلَمَّا أَعْطَى دَاوُد تَلْيِينَ الْحَدِيدِ، أَعْطَى مُحَمَّدًا اخْضِرَارَ الْعُودِ الْيَابِسِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمَّا أَعْطَى سُلَيْمَانَ كَلَامَ الطَّيْرِ أَعْطَى مُحَمَّدًا أَنْ كَلَّمَ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ وَالزَّرْعَ وَالضَّبَّ، وَلَمَّا أَعْطَى عِيسَى إبْرَاءَ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَإِحْيَاءَ الْمَوْتَى، أَعْطَى مُحَمَّدًا رَدَّ الْعَيْنِ بَعْدَ سُقُوطِهَا، وَهَكَذَا. (وَ) أُحِلَّتْ لَهُ (الْمَغَانِمُ) وَلَمْ تَحُلَّ لِنَبِيٍّ قَبْلَهُ؛ لِحَدِيثِ: «أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ مِنْ قَبْلِي» وَالْأَنْبِيَاءُ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْجِهَادِ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ غَنَائِمُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ مَمْنُوعٌ مِنْهَا، فَتَأْتِي نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ فَتُحْرِقُهَا إلَّا الذُّرِّيَّةَ. (وَجُعِلَتْ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الْأَرْضُ مَسْجِدًا) أَيْ: مَحَلَّ سُجُودٍ، فَأَيَّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي مَكَان صَلَّى، وَلَمْ تَكُنْ الْأُمَمُ الْمُتَقَدِّمَةُ تُصَلِّي إلَّا فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ (وَ) جُعِلَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ «تُرَابُهَا طَهُورًا» ) أَيْ: مُطَهِّرًا وَهُوَ التَّيَمُّمُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمَاءِ شَرْعًا رَوَى ذَلِكَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا. «وَنُصِرَ بِالرُّعْبِ» ) أَيْ: بِسَبَبِ خَوْفِ الْعَدُوِّ مِنْهُ (مَسِيرَةَ شَهْرٍ) أَمَامَهُ وَشَهْرٍ خَلْفَهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ الْمَدِينَةِ. رَوَى ذَلِكَ الشَّيْخَانِ، وَجُعِلَتْ الْغَايَةُ شَهْرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 (وَبُعِثَ لِلنَّاسِ كَافَّةً) قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] وَأَمَّا عُمُومُ رِسَالَةِ نُوحٍ بَعْدَ الطُّوفَانِ؛ فَلِانْحِصَارِ الْبَاقِينَ فِيمَا كَانُوا مَعَهُ، وَأُرْسِلَ إلَى الْجِنِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَى الْمَلَائِكَةِ عَلَى قَوْلٍ. (وَأُعْطِيَ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ) وَهُوَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى؛ لِأَنَّ فِيهِ يَحْمَدُهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ، وَعَلَى مَا فِي " الْمَوَاهِبِ " وَ " الْخَصَائِصِ " وَغَيْرِهِمَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ: جُلُوسُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعَرْشِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: عَلَى الْكُرْسِيِّ. (وَمُعْجِزَاتُهُ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) كَالْقُرْآنِ، وَانْقَطَعَتْ مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ بِمَوْتِهِمْ؛ إذْ أَكْثَرُ مُعْجِزَاتِ بَنْيِ إسْرَائِيلَ كَانَتْ حِسِّيَّةً تُشَاهَدُ بِالْأَبْصَارِ؛ كَنَاقَةِ صَالِحٍ، وَعَصَا مُوسَى، فَانْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارِهِمْ، وَلَمْ يُشَاهِدْهَا إلَّا مَنْ حَضَرَهَا، وَمُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ تُشَاهَدُ بِالْبَصِيرَةِ، فَتَسْتَمِرُّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَمُرُّ عَصْرٌ إلَّا وَيَظْهَرُ فِيهِ شَيْءٌ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ؛ إذْ مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ يَعْلَمُهُ مَنْ جَاءَ بَعْدَ الْأَوَّلِ (وَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ بِبَرَكَةٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى حَلَّتْ فِيهِ) أَيْ: الْمَاءِ (بِوَضْعِ أَصَابِعِهِ، فَجَعَلَ يَفُورُ؛ وَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ) حِينَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وُقُوعُهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَنَفَذَ الْمَاءُ، فَجَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، فَفَارَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أُصْبُعَيْهِ، فَشَرِبُوا، وَتَوَضَّئُوا وَهُمْ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ (لَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ، قَالَهُ فِي " الْهَدْيِ ") قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَفِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ، وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ "، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ جَابِرٍ: فَرَأَيْت الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ. قَالَ فِي " الْمَوَاهِبِ ": وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَكِلَاهُمَا مُعْجِزَةٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ غَيْرِ مُلَابَسَةِ مَاءٍ وَلَا وَضْعِ إنَاءٍ، تَأَدُّبًا مَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 اللَّهِ تَعَالَى؛ إذَا هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِابْتِدَاعِ الْمَعْدُومَاتِ وَإِيجَادِهَا مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ. (وَيَجِبُ عَلَى مَنْ دَعَاهُ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَطْعُ صَلَاتِهِ وَإِجَابَتُهُ) : لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] . (وَتَطَوُّعُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَاعِدًا) بِلَا عُذْرٍ (كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا فِي الْأَجْرِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد عَنْ «ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي جَالِسًا، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: مَالَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قُلْت: حُدِّثْت أَنَّك قُلْت: صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ» . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَحَمْلُهُ عَلَى الْعُذْرِ لَا يَصِحُّ؛ لِعَدَمِ الْفَرْقِ (وَقَالَ الْقَفَّالُ) تَطَوُّعُهُ بِالصَّلَاةِ قَاعِدًا (عَلَى النِّصْفِ) مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ (كَغَيْرِهِ) وَيَرُدُّهُ مَا سَبَقَ. (وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ رَفْعُ صَوْتِهِ فَوْقَ صَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2] (وَلَا أَنْ يُنَادِيَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4] أَوْ أَيْ: وَلَا أَنْ يُنَادِيَهُ (بِاسْمِهِ كَيَا مُحَمَّدُ، بَلْ) يَقُولُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْكُنْيَةُ مِنْ الِاسْمِ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنْ نِدَائِهِ بِكُنْيَتِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ قَائِلُهُ، أَوْ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ. (وَيُخَاطَبُ فِي الصَّلَاةِ) بِقَوْلِهِ: (السَّلَامُ عَلَيْك أَيَّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) وَتَبْطُلُ بِخِطَابِ مَخْلُوقٍ غَيْرِهِ، «وَخَاطَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إبْلِيسَ بِقَوْلِهِ: أَلْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ» وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَفِي " الْفُرُوعِ " قَبْلَ التَّحْرِيمِ أَوْ مُؤَوَّلٌ انْتَهَى فَظَاهِرُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَكَانَتْ الْهَدِيَّةُ حَلَالًا لَهُ (فَكَانَ إذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ، أَهَدِيَّةٌ أَوْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ) ، قَالَهُ لِأَصْحَابِهِ: " كُلُوا " وَلَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ وَأَكَلَ مَعَهُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ فَلَا تَحِلُّ لَهُمْ هَدِيَّةُ رَعَايَاهُمْ) لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ (وَمَنْ رَآهُ فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآهُ حَقًّا؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ) لِأَنَّ اللَّهَ عَصَمَهُ مِنْهُ، لَكِنْ لَا يَعْمَلُ الرَّائِي بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الضَّبْطِ، لَا لِلشَّكِّ فِي رُؤْيَتِهِ. (وَكَانَ لَا يَتَثَاءَبُ) لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَاَللَّهُ عَصَمَهُ مِنْهُ (وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مِنْ آدَمَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ) كَمَا عَلَّمَ آدَمَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ؛ (لِحَدِيثِ الدَّيْلَمِيِّ: «مُثِّلَتْ لِي الدُّنْيَا بِالْمَاءِ وَالطِّينِ، وَعُلِّمْت الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا؛ كَمَا عُلِّمَ آدَم الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا» ) وَعَرَضَ عَلَيْهِ أُمَّتَهُ بِأَسْرِهِمْ حَتَّى رَآهُمْ؛ لِحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أُمَّتِي الْبَارِحَةَ لَدَى هَذِهِ الْحُجْرَةِ أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا، صُوِّرُوا لِي بِالْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى إنِّي لَأَعْرَفُ بِالْإِنْسَانِ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِصَاحِبِهِ» . وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا هُوَ كَائِنٌ فِي أُمَّتِهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ: «أَرَأَيْت مَا تَلْقَى أُمَّتِي بَعْدِي وَسَفْكَ بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ» . (وَيَبْلُغُهُ سَلَامُ النَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» . (وَالْكَذِبُ عَلَيْهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ كَبِيرَةٌ؛ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَعْنَاهُ، وَالْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ صَغِيرَةٌ، إلَّا فِيمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ «وَمَنْ تَعَمَّدَهُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ فِي النَّارِ» ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 (وَتَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ) لِخَبَرِ " الصَّحِيحَيْنِ ": «إنَّ عَيْنَايَ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» . وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي خَبَرِ الْإِسْرَاءِ: «وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ، وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ» . وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ نَوْمُهُ فِي الْوَادِي عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ؛ لِأَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ إنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ، وَهِيَ نَائِمَةٌ، أَوْ يُقَالُ: كَانَ لَهُ نُوَمَانِ أَحَدُهُمَا تَنَامُ عَيْنُهُ وَقَلْبُهُ، وَالثَّانِي عَيْنُهُ دُونَ قَلْبِهِ، وَكَانَ نَوْمُ الْوَادِي مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ: «وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» ، وَالْفِعْلُ كَالنَّكِرَةِ؛ فَيَعُمُّ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَلَا نَقْضَ بِنَوْمِهِ وَلَوْ كَانَ مَضْجَعًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اضْطَجَعَ، وَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» (وَ) كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يَرَى مِنْ خَلْفِهِ كَ) مَا يَرَى مِنْ (أَمَامِهِ رُؤْيَةً بِالْعَيْنِ حَقِيقَةً نَصًّا) كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِيهِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالِ الصَّلَاةِ، فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ؛ لِقَوْلِهِ: «لَا أَعْلَمُ مَا وَرَاءَ جِدَارِي هَذَا» . قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ (وَالدَّفْنُ فِي الْبُنْيَانِ مُخْتَصٌّ بِهِ لِئَلَّا يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا) وَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا: «لَمْ يُقْبَرْ نَبِيٌّ إلَّا حَيْثُ قُبِضَ» . (وَاسْتُحِبَّتْ زِيَارَتُهُ لِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ) لِعُمُومِ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» . وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» . وَكَقَبْرِهِ الشَّرِيفِ وَفِي عُمُومِ الزِّيَارَةِ تَبَعًا لَهُ قَبْرُ صَاحِبَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَتُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةُ مَنْ عَدَاهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَتَقَدَّمَ. (وَخُصَّ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ) اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: كَانَ خَاصًّا بِهِ، وَكَذَا أَجَابَ الْقَاضِي؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَيَنْهَى عَنْهُمَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَوَى الْحُمَيْدِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْهَا: «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ» . وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِمْ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ أَنَّهُ مِنْ قَضَاءِ الرَّاتِبَةِ إذَا فَاتَتْ، وَلَيْسَ بِخُصُوصِيَّةٍ حَيْثُ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ قَضَاءِ الرَّاتِبَةِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ (وَقَدْ ذُكِرَ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي مَوَاضِعِهِ) . وَخَصَائِصُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذُكِرَ، وَفِيهَا كُتُبٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى بَعْضِهَا. تَتِمَّةٌ: قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إنْ كَانَ لِنَبِيٍّ مَالٌ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ. قِيلَ لِلْقَاضِي: الزَّكَاةُ طُهْرَةٌ وَالنَّبِيُّ مُطَهَّرٌ، فَقَالَ: بَاطِلٌ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، ثُمَّ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُمْ مُطَهَّرُونَ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ لَزِمَتْهُمْ الزَّكَاةُ [بَابُ أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَشُرُوطِهِ] أَرْكَانُ الشَّيْءِ أَجْزَاءُ مَاهِيَّتِهِ، وَالْمَاهِيَّةُ لَا تُوجَدُ بِدُونِ جُزْئِهَا، فَكَذَا الشَّيْءُ لَا يَتِمُّ بِدُونِ رُكْنِهِ، وَالشَّرْطُ مَا يَنْتَفِي الْمَشْرُوطُ بِانْتِفَائِهِ، وَلَيْسَ جُزْءًا لِلْمَاهِيَّةِ. (أَرْكَانُهُ) أَيْ: النِّكَاحِ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: (الزَّوْجَانِ) الْخَالِيَانِ مِنْ الْمَوَانِعِ الْآتِيَةِ فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ، وَأَسْقَطَهُ فِي " الْمُقْنِعِ " " وَالْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِمَا؛ لِوُضُوحِهِ (فَإِيجَابٌ) وَهُوَ الثَّانِي (فَقَبُولٌ) وَهُوَ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّ مَاهِيَّةَ النِّكَاحِ مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا، وَمُتَوَقِّفَةٌ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِهِمَا إلَّا (مُرَتَّبَيْنِ) الْإِيجَابُ أَوَّلًا، وَهُوَ اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنْ قِبَلِ الْوَلِيِّ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ؛ وَالْقَبُولُ وَهُوَ اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْإِيجَابِ؛ فَإِذَا وُجِدَ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ قَبُولًا؛ لِعَدَمِ مَعْنَاهُ. (وَيَتَّجِهُ: أَنَّ تَرْتِيبَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ يَجِبُ إنْ تَعَدَّدَ الْعَاقِدُ) لَا مُطْلَقًا، أَيْ: سَوَاءٌ تَعَدَّدَ الْعَاقِدُ أَوْ لَا (لِإِجْزَاءِ أَحَدِهِمَا) أَيْ: اللَّفْظَيْنِ (فِي) صُورَةِ (تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ) كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مُسْتَوْفًى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَشُرِطَ فِي إيجَابٍ) وَهُوَ اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنْ الْوَلِيِّ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (لَفْظُ إنْكَاحٍ) أَوْ لَفْظُ (تَزْوِيجٍ) بِأَنْ يَقُولَ: أَنْكَحْتُك فُلَانَةَ، أَوْ زَوَّجْتُكهَا؛ إذْ الْإِيجَابُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ لَا غَيْرُ، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا وَرَدَ بِهِمَا فِي قَوْله تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَقَوْلُهُ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص: 27] وَلَمْ يَرِدْ بِغَيْرِهِمَا، وَغَيْرُهُمَا لَيْسَ بِمَعْنَاهُمَا، فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فِيهِمَا، وَإِذَا لَمْ يَرِدْ صَرِيحًا كَانَ كِنَايَةً، وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْكِنَايَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الشَّهَادَةَ، وَالْكِنَايَةُ إنَّمَا تَعْمَلُ بِالنِّيَّةِ، وَالنِّيَّةُ لَا اطِّلَاعَ لِلشَّاهِدِ عَلَيْهَا، فَلَا يُمْكِنُهُ الشَّهَادَةُ بِهِ، فَلَا يَصِحُّ لِذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالُ أَنَّ) الْإِيجَابَ يَنْعَقِدُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، وَيَنْعَقِدُ أَيْضًا (بِمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا) كَقَوْلِ وَلِيٍّ: جَعَلْت مُولِيَتِي مُزَوَّجَةً مِنْ فُلَانٍ، أَوْ زَوْجَةً لَهُ، أَوْ جَعَلْتهَا مَنْكُوحَةً؛ إذْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ اللَّفْظَيْنِ الَّذِينَ يَحْصُلُ بِهِمَا الْإِيجَابُ إجْمَاعًا؛ فَصَحَّ بِهَا كَمَا صَحَّ بِأَصْلِهَا، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ عَلَى " الْمُحَرَّرِ " قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمِنْ خَطِّهِ نُقِلَتْ: الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. قَالَ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَقِيَاسُ مَذْهَبِهِ، وَعَلَيْهِ قُدُمًا أَصْحَابُهُ، فَإِنَّ أَحْمَدَ نَصَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ: جَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك، وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ إنْكَاحٌ وَلَا تَزْوِيجٌ، وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْ أَحْمَدَ أَحَدٌ أَنَّهُ خَصَّهُ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، وَأَوَّلُ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ فِيمَا عَلِمْت: أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ ابْنُ حَامِدٍ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ، لِسَبَبِ انْتِشَارِ كُتُبِهِ، وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ. انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا إذَا صَحَّ الْإِيجَابُ بِغَيْرِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ فَلَأَنْ يَصِحَّ بِمَا اُشْتُقَّ مِنْهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ، أَوْ أَيْ: وَيَصِحُّ قَوْلُ سَيِّدٍ (لِمَنْ يَمْلِكُهَا) أَوْ (يَمْلِكُ بَعْضَهَا) وَبَعْضَهَا الْآخَرَ حُرٌّ إذَا أَذِنْت لَهُ هِيَ وَمُعْتِقُ الْبَقِيَّةِ (أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَقَتَك وَنَحْوَهُ) مَا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى، وَيَأْتِي لِقِصَّةِ صَفِيَّةَ؛ إذْ الْعَادِلُ عَنْ هَذِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 الصِّيَغِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ لَهَا عَادِلٌ عَنْ اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَعَ الْقُدْرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً فَقَالَ: مُلِّكْتَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ: " زَوَّجْتُكَهَا " " وَزَوَّجْنَاكَهَا "، وَ " أَنْكَحْتُكَهَا " مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ وَرَّى بِالْمَعْنَى ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَوْ يَكُونَ خَاصًّا بِهِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَبْقَى حُجَّةٌ. (وَإِنْ فَتَحَ وَلِيٌّ تَاءَ زَوَّجْتُك صَحَّ) النِّكَاحُ (لِجَاهِلٍ) بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ؛ أَيْ: صَحَّ مِنْهُ، وَصَحَّ أَيْضًا (مِنْ عَاجِزَةٍ) عَنْ النُّطْقِ بِضَمِّ التَّاءِ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": يَصِحُّ جَهْلًا أَوْ عَجْزًا، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ ". قِيلَ: وَمِنْ عَالِمٍ بِالْعَرَبِيَّةِ قَادِرٍ عَلَى النُّطْقِ بِضَمِّ التَّاءِ أَوْ لَا. أَفْتَى بِهِ الْمُوَفَّقُ، وَتَوَقَّفَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَاصِحُ الْإِسْلَامِ ابْنُ أَبِي الْفَهْمِ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت بِفَتْحِ التَّاءِ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِمَا عَدَّهُ النَّاسُ نِكَاحًا بِأَيِّ لُغَةٍ وَلَفْظٍ كَانَ) وَأَنَّ مِثْلَهُ كُلُّ عَقْدٍ، فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ؛ بِمَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا بِأَيِّ لُغَةٍ وَلَفْظٍ كَانَ، وَالْإِجَارَةُ بِمَا عَدَّهُ النَّاسُ إجَارَةً بِأَيِّ لُغَةٍ وَلَفْظٍ كَانَ؛ وَهَكَذَا. وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ الشَّرْطَ بَيْنَ النَّاسِ مَا عَدُوُّهُ شَرْطًا. (وَيَصِحُّ) إيجَابٌ بِلَفْظِ زُوِّجَتْ بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ التَّاءِ لِحُصُولِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِهِ، لَا جَوَّزْتُك بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ، وَشَرْطٌ فِي قَبُولِ لَفْظِ قَبِلْت، أَوْ لَفْظِ رَضِيت، أَوْ لَفْظِ تَزَوَّجْت. وَسُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُولَ إلَّا قَبِلْت تَجْوِيزَهَا بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ، فَأَجَابَ بِالصِّحَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: جَوْزَتِي طَالِقٌ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْت: يُكْتَفَى مِنْهُ بِقَوْلِهِ: قَبِلْت عَلَى مَا يَأْتِي، وَيَكُونُ هَذَا قَوْلُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَإِنْ قِيلَ) أَيْ: قَالَ الْخَاطِبُ (لِمُزَوِّجٍ: أَزَوَّجْت) مُوَلِّيَتَك (فَقَالَ) الْمُزَوِّجُ (نَعَمْ، وَ) قَالَ الْخَاطِبُ (لِمُتَزَوِّجٍ: أَقَبِلْت) النِّكَاحَ (فَقَالَ) الْمُتَزَوِّجُ (نَعَمْ؛ صَحَّ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: نَعَمْ زَوَّجْتُ، نَعَمْ قَبِلْتُ هَذَا النِّكَاحَ، لِأَنَّ السُّؤَالَ يَكُونُ مُضْمَرًا فِي الْجَوَابِ مَعَادًا فِيهِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44] أَيْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، وَلَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ: أَلِفُلَانٍ عِنْدَك أَلْفُ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ؛ كَانَ إقْرَارًا صَرِيحًا لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَلَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى تَفْسِيرِهِ، وَبِمِثْلِهِ تُقْطَعُ الْيَدُ فِي السَّرِقَةِ، مَعَ أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ التَّزْوِيجُ. (وَيَصِحَّانِ) أَيْ إيجَابُ النِّكَاحِ وَقَبُولُهُ (هَزْلًا وَتَلْجِئَةً) لِحَدِيثِ «ثَلَاثٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ، وَجِدُّهُنَّ جِدٌّ: الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَكَحَ لَاعِبًا، أَوْ طَلَّقَ لَاعِبًا، أَوْ أَعْتَقَ لَاعِبًا جَازَ» . وَقَالَ عُمَرُ: أَرْبَعٌ جَائِزَاتٌ إذَا تُكُلِّمَ بِهِنَّ: الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّذْرُ. وَقَالَ عَلِيٌّ: أَرْبَعٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ: الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّذْرُ. وَيَصِحَّانِ (بِمَا) أَيْ: لَفْظٍ (يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا) الْخَاصَّ (بِكُلِّ لِسَانٍ) أَيْ لُغَةٍ عَرَفَهَا (مِنْ عَاجِزٍ عَنْ) التَّلَفُّظِ بِلِسَانٍ (عَرَبِيٍّ) لِأَنَّ ذَلِكَ فِي لُغَتِهِ نَظِيرُ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنْ لَا يَصِحَّ بِلَفْظٍ لَا يُؤَدِّي مَعْنَى النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ مَنْ عَدَلَ عَنْ اللَّفْظِ الْخَاصِّ بِذَلِكَ اللِّسَانِ إلَى غَيْرِهِ مُشْبِهٌ لِمَنْ هُوَ عَرَبِيٌّ وَعَدَلَ عَنْ لَفْظِهِمَا الْخَاصِّ. (وَلَا) يَصِحُّ النِّكَاحُ مِنْ (قَادِرٍ) عَلَى النُّطْقِ بِإِشَارَةٍ وَلَا كِتَابَةٍ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا. (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ " الْفَائِقِ " " وَالتَّبْصِرَةِ "؛ فَإِنَّهُمْ اخْتَارُوا أَنْ يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا، وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ دُونَ الْآخَرِ، أَتَى الَّذِي يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 بِمَا هُوَ مِنْ قِبَلِهِ مِنْ إيجَابٍ أَوْ قَبُولٍ بِهَا؛ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَالْعَاقِدُ الْآخَرُ يَأْتِي بِمَا هُوَ مِنْ قِبَلِهِ بِلِسَانِهِ (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ كُلٌّ) مِنْ الْعَاقِدَيْنِ (لِسَانَ الْآخَرِ تَرْجَمَ بَيْنَهُمَا ثِقَةٌ يَعْرِفُ اللِّسَانَيْنِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ الْقَاضِي: وَلَمْ يُشْتَرَطْ تَعَدُّدُهُ أَيْ الثِّقَةِ الَّذِي يُتَرْجِمُ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ - وَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ التَّرْجَمَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ كَالشَّهَادَةِ - فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُمَا فَلَا بُدَّ فِي التَّرْجَمَةِ عِنْدَهُ مِنْ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ (وَشَرْطُ مَعْرِفَةٍ لِلِّسَانَيْنِ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ) ، الْمَعْقُودِ بِهِمَا لِيَتَمَكَّنَا مِنْ حَمْلِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى اللَّفْظِ الصَّادِرِ مِنْهُمَا، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفَاهُ لَمْ يَتَأَتَّ لَهُمَا الشَّهَادَةُ بِهِ كَمَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ (إشَارَةِ أَخْرَسَ) مَفْهُومَةٍ يَفْهَمُهَا الْعَاقِدُ مَعَهُ وَالشَّاهِدَانِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ مَعْنَى لَا يُسْتَفَادُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ؛ فَصَحَّ بِإِشَارَتِهِ كَبَيْعِهِ وَطَلَاقِهِ: (وَلَا يَلْزَمُ عَاجِزًا) عَنْهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ " تَعَلُّمُ " أَرْكَانِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ، بِخِلَافِ تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ هُنَا الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ الْمُعْجِزِ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ. وَلَا (يَصِحُّ) إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ " بِكِتَابَةٍ وَلَا إشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ إلَّا مِنْ أَخْرَسَ " فَيَصِحَّانِ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ نَصًّا كَبَيْعِهِ وَطَلَاقِهِ؛ وَإِذَا صَحَّا مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ فَبِالْكِتَابَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ. (وَصَحَّ تَرَاخِي قَبُولٍ) عَنْ إيجَابٍ (وَإِنْ طَالَ) الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) مِنْ الْمَجْلِسِ (أَوْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا) لِأَنَّ الْمَجْلِسَ حُكْمُ حَالَةِ الْعَقْدِ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْقَبْضِ فِيمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَبِدَلِيلِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ. وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْإِيجَابِ؛ بَطَلَ الْإِيجَابُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا لَوْ تَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا، لِأَنَّ ذَلِكَ إعْرَاضٌ عَنْهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ رَدَّهُ. تَنْبِيهٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ لَفْظُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَقَالَ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُك بِنْتِي مَثَلًا، فَقَالَ الْمُتَزَوِّجُ: قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ، أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: أَنْكَحْتُك بِنْتِي: فَقَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتهَا وَنَحْوَهُ؛ صَحَّ الْعَقْدُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ اخْتَلَفَ؛ فَالْمَعْنَى مُتَّحِدٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 (وَمَنْ أَوْجَبَ) أَيْ: صَدَرَ مِنْهُ إيجَابُ عَقْدٍ، (وَلَوْ) كَانَ الْإِيجَابُ (فِي غَيْرِ نِكَاحٍ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبُولٍ) لِمَا أَوْجَبَهُ (بَطَلَ) إيجَابُهُ بِذَلِكَ كَبُطْلَانِهِ، بِمَوْتِهِ أَيْ: مَوْتِ مَنْ أَوْجَبَ لَهُ، لِعَدَمِ لُزُومِ الْإِيجَابِ إذَنْ، أَشْبَهَ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ (بِفِسْقِهِ) أَيْ: الْوَلِيِّ الْمُوجِبِ لِلنِّكَاحِ، وَبِحُضُورِ وَلِيٍّ أَقْرَبَ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْوَلِيِّ إلَى أَنْ يَتِمَّ الْعَقْدُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يَبْطُلُ الْإِيجَابُ (إنْ نَامَ) مَنْ أَوْجَبَ عَقْدًا قَبْلَ قَبُولِهِ إنْ قُبِلَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يُبْطِلُ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ، (وَ) كَانَ (لِنَبِيِّنَا) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (التَّزَوُّجُ بِلَفْظِ هِبَةٍ) دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] الْآيَةَ. [فَصْلٌ شُرُوطُ النِّكَاحِ] (فَصْلٌ: وَشُرُوطُهُ) أَيْ: النِّكَاحِ (خَمْسَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ: (أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الزَّوْجَيْنِ) فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ؛ أَشْبَهَ تَعْيِينَ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ (فَلَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ إنْ قَالَ الْوَلِيُّ (زَوَّجْتُك بِنْتِي وَلَهُ) بِنْتٌ (غَيْرُهَا حَتَّى يُمَيِّزَهَا) عَنْ غَيْرِهَا (بِاسْمٍ) يَخُصُّهَا كَفَاطِمَةَ مَثَلًا (أَوْ صِفَةٍ) لَا يُشَارِكُهَا فِيهَا غَيْرُهَا مِنْ أَخَوَاتِهَا؛ كَالْكُبْرَى أَوْ الطَّوِيلَةِ أَوْ الصُّغْرَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْبَيْضَاءِ أَوْ السَّمْرَاءِ (أَوْ) يُمَيِّزُهَا (بِإِشَارَةٍ) كَ زَوَّجْتُك بِنْتِي هَذِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ إلَّا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ (وَلَوْ سَمَّاهَا) الْوَلِيُّ (بِغَيْرِ اسْمِهَا) لِأَنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ إنَّمَا جَاءَ مِنْ التَّعَدُّدِ، وَلَا تَعَدُّدَ هُنَا (وَكَذَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهَا وَسَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا) بِأَنْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي فَاطِمَةَ هَذِهِ وَأَشَارَ إلَى خَدِيجَةَ؛ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى خَدِيجَةَ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَقْوَى (وَإِنَّ سَمَّاهَا) الْوَلِيُّ (بِاسْمِهَا) بِأَنْ قَالَ: زَوَّجْتُك فَاطِمَةَ (وَلَمْ يَقُلْ: بِنْتِي) لَمْ يَصِحَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 الْعَقْدُ؛ لِاشْتِرَاكِ هَذَا الِاسْمِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْفَوَاطِمِ. (أَوْ قَالَ مَنْ لَهُ) بِنْتَانِ (عَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ: زَوَّجْتُك بِنْتِي عَائِشَةَ فَقَبِلَ) الزَّوْجُ النِّكَاحَ (وَنَوَيَا) أَيْ: الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ (أَوْ) نَوَى (أَحَدُهُمَا) فِي الْبَاطِنِ (فَاطِمَةَ لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ (فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تُذْكَرْ بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ؛ فَإِنَّ اسْمَ أُخْتِهَا لَا يُمَيِّزُهَا، بَلْ يَصْرِفُ الْعَقْدَ عَنْهَا، وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَلَفَّظَا بِمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك عَائِشَةَ فَقَطْ، أَوْ مَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي، وَلَمْ يُسَمِّهَا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِيمَا لَمْ يُسَمِّهَا فَفِيمَا إذَا سَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا أَوْلَى، وَكَذَا إنْ قَصَدَ الْوَلِيُّ وَاحِدَةً، وَالزَّوْجُ أُخْرَى (كَمَنْ سُمِّيَ لَهُ فِي الْعَقْدِ غَيْرُ مَخْطُوبَتِهِ فَقَبِلَ يَظُنُّهَا) أَيْ: غَيْرَ الْمَخْطُوبَةِ (إيَّاهَا) أَيْ: الْمَخْطُوبَةَ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ انْصَرَفَ إلَى غَيْرِ مَنْ وُجِدَ الْإِيجَابُ فِيهَا (وَلَوْ رَضِيَ) الزَّوْجُ (بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ فَلَا يَنْقَلِبُ النِّكَاحُ صَحِيحًا، فَإِنْ قَبِلَ غَيْرَ ظَانٍّ أَنَّهَا الْمَخْطُوبَةُ؛ صَحَّ النِّكَاحُ (فَإِنْ كَانَ) الَّذِي سُمِّيَ لَهُ فِي الْعَقْدِ غَيْرُ مَخْطُوبَتِهِ، وَقَبِلَ يَظُنُّهَا إيَّاهَا (قَدْ أَصَابَهَا) أَيْ: وَطِئَهَا، وَهِيَ جَاهِلَةٌ بِالْحَالِ، أَيْ: بِأَنَّهَا سُمِّيَتْ لَهُ فِي الْعَقْدِ بَعْدَ أَنْ خَطَبَ غَيْرَهَا، أَوْ جَاهِلَةٌ (بِالتَّحْرِيمِ؛ فَلَهَا الصَّدَاقُ) أَيْ: مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ (يَرْجِعُ بِهِ) الْوَاطِئُ (عَلَى وَلِيِّهَا. قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَيَعْقِدُ عَلَى مَخْطُوبَتِهِ) الَّتِي خَطَبَهَا عَقْدًا جَدِيدًا، لِتَوَقُّفِ الْحِلِّ عَلَيْهِ، وَتُجَهَّزُ إلَيْهِ اسْتِحْبَابًا (إنْ شَاءَ) وَيَكُونُ الْعَقْدُ (بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ مَنْ أَصَابَهَا إنْ حَرُمَ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا بِأَنْ كَانَتْ أُخْتَ الْمُصَابَةِ أَوْ عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا وَنَحْوِهِ، لِمَا يَأْتِي فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُصَابَةُ وَلَدَتْ مِنْهُ؛ لَحِقَهُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (وَمَعَ عِلْمِهَا) أَيْ: الْمُصَابَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَتُهُ، وَأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَهِيَ زَانِيَةٌ لَا صَدَاقَ لَهَا وَعَلَيْهَا الْحَدُّ؛ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، وَجَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِي تَعْيِينِ الزَّوْجَةِ يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الزَّوْجِ، وَلَمْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهِ؛ لِوُضُوحِهِ. وَلَا يَصِحُّ: زَوَّجْتُك حَمْلَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مَجْهُولٌ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ أُنْثَى، وَلَمْ يَثْبُتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 لَهُ حُكْمُ الْوُجُودِ، وَكَذَا: إنْ وَضَعَتْ زَوْجَتِي بِنْتًا، فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ. الشَّرْطُ (الثَّانِي: رِضَى زَوْجٍ مُكَلَّفٍ) أَيْ: بَالِغٍ عَاقِلٍ (رَشِيدٍ) (وَلَوْ) كَانَ الْمُكَلَّفُ (رَقِيقًا) نَصَّ عَلَيْهِ، فَلَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ إجْبَارَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ خَالِصُ حَقِّهِ، وَنَفْعُهُ لَهُ؛ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ، وَالْأَمْرُ بِإِنْكَاحِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] مُخْتَصٌّ بِحَالِ طَلَبِهِ، بِدَلِيلِ عَطْفِهِ عَلَى الْأَيَامَى، وَإِنَّمَا يُزَوَّجْنَ عِنْدَ الطَّلَبِ، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ تَزْوِيجُهُ إذَا طَلَبَ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَالسَّيِّدُ يَمْلِكُ مَنَافِعَ بُضْعِهَا وَالِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ، وَيُفَارِقُ النِّكَاحُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ بَدَنِهِ، وَسَيِّدُهُ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهَا، بِخِلَافِ النِّكَاحِ (وَرِضَى زَوْجَةٍ حُرَّةٍ عَاقِلَةٍ ثَيِّبٍ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ) وَلَهَا إذْنٌ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ، فَيُشْتَرَطُ مَعَ ثُيُوبَتِهَا، وَيُسَنُّ مَعَ بَكَارَتِهَا نَصًّا؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِبِنْتِ تِسْعٍ، مَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: وَمَعْنَاهُ، فِي حُكْمِ الْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّهَا تَصْلُحُ بِذَلِكَ لِلنِّكَاحِ، وَتَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ أَشْبَهَتْ الْبَالِغَةَ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيُجْبِرُ أَبٌ لَا جَدٌّ ثَيِّبًا دُونَ ذَلِكَ) أَيْ: دُونَ تِسْعِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهَا مُعْتَبَرٌ، (وَ) يُجْبِرُ أَبٌ (بِكْرًا أَوْ لَوْ) كَانَتْ (مُكَلَّفَةً) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَقَسَّمَ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ، وَأَثْبَتَ الْحَقَّ لِأَحَدِهِمَا، فَدَلَّ عَلَى نَفْيِهِ عَنْ الْآخَرِ، وَهِيَ الْبِكْرُ، فَيَكُونُ وَلِيُّهَا أَحَقَّ مِنْهَا بِهَا، وَدَلَّ الْحَدِيثُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 عَلَى أَنَّ الِاسْتِئْمَارَ هُنَا وَالِاسْتِئْذَانَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ. (وَيُسَنُّ اسْتِئْذَانُهَا) أَيْ: الْبِكْرِ إذَا تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ؛ لِمَا سَبَقَ (مَعَ) اسْتِئْذَانِ (أُمِّهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «آمِرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَيُؤْخَذُ بِتَعْيِينِ بِنْتِ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ، وَلَوْ) كَانَتْ (مُجْبَرَةً كُفْئًا، لَا بِتَعْيِينِ أَبٍ) أَوْ وَصِيِّهِ نَصًّا، فَإِنْ عَيَّنَتْ غَيْرَ كُفْءٍ، قُدِّمَ تَعْيِينُ الْأَبِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمُجْبِرُ مِنْ تَزْوِيجِهَا مَنْ عَيَّنَتْهُ بِنْتُ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ؛ فَهُوَ عَاضِلٌ (سَقَطَتْ وِلَايَتُهُ) وَيَفْسُقُ بِهِ إنْ تَكَرَّرَ عَلَى مَا يَأْتِي، وَلَا يَجُوزُ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرِ الْأَبِ تَزْوِيجُ حُرَّةٍ بَالِغَةٍ ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ بِكْرًا، إلَّا بِإِذْنِهَا، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ. (وَ) يُجْبِرُ أَبٌ (مَجْنُونَةً وَلَوْ) كَانَتْ (بِلَا شَهْوَةٍ أَوْ) كَانَتْ (ثَيِّبًا أَوْ بَالِغَةً) لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِجْبَارِ انْتَفَتْ عَنْ الْعَاقِلَةِ بِخِبْرَةِ نَظَرِهَا لِنَفْسِهَا، بِخِلَافِ الْمَجْنُونَةِ. (وَيُزَوَّجُهَا) أَيْ: الْمَجْنُونَةَ (وَلِيُّهَا مَعَ شَهْوَتِهَا) مُجْبِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُجْبِرٍ؛ لِأَنَّ لَهَا حَاجَةً إلَى النِّكَاحِ؛ لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ عَنْهَا، وَصِيَانَتِهَا عَنْ الْفُجُورِ، وَتَحْصِيلِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعَفَافِ، وَصِيَانَةِ الْعِرْضِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إذْنِهَا، فَأُبِيحَ تَزْوِيجُهَا كَالْبِنْتِ مَعَ أَبِيهَا. (وَتُعْرَفُ) شَهْوَتُهَا (بِكَلَامِهَا وَ) قَرَائِنِ أَحْوَالِهَا (بِتَتَبُّعِهَا الرِّجَالَ وَمِيلِهَا إلَيْهِمْ) وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى (وَكَذَا لَوْ قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ) - وَلَعَلَّ الْمُرَادَ ثِقَةٌ مِنْهُمْ إنْ تَعَذَّرَ غَيْرُهُ، وَإِلَّا فَاثْنَانِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ - (إنَّ: عِلَّتَهَا تَزُولُ بِتَزْوِيجِهَا) فَلِكُلِّ وَلِيٍّ تَزْوِيجُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهَا (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا) أَيْ: الْمَجْنُونَةِ ذَاتِ الشَّهْوَةِ، وَنَحْوِهَا (وَلِيٌّ إلَّا الْحَاكِمَ؛ زَوَّجَهَا) لِمَا سَبَقَ. (وَيُجْبِرُ) أَبٌ (ابْنًا صَغِيرًا) أَيْ: غَيْرَ بَالِغٍ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ زَوَّجَ ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَاخْتَصَمُوا إلَى زَيْدٍ فَأَجَازَهُ جَمِيعًا. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَلَهُ تَزْوِيجُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ تَزْوِيجٌ لِحَاجَةٍ، وَالْكِفَايَةُ تَحْصُلُ بِذَلِكَ، لَا أَنْ تَكُونَ غَائِبَةً أَوْ صَغِيرَةً طِفْلَةً وَبِهِ حَاجَةٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُ ثَانِيَةً. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. (وَ) يُجْبِرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 أَبٌ (بَالِغًا مَجْنُونًا) مُطْبَقًا وَمَعْتُوهًا (وَلَوْ كَانَ بِلَا شَهْوَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ؛ أَشْبَهَ الصَّغِيرَ، فَإِذَا جَازَ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ فِي الْحَالِ، وَتَوَقُّعِ نَظَرِهِ فَعِنْدَ حَاجَتِهِ أَوْلَى، وَرُبَّمَا كَانَ النِّكَاحُ دَوَاءً لَهُ يُرْجَى بِهِ شِفَاؤُهُ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْإِيوَاءِ وَالْحِفْظِ، أَوْ أَيْ: وَلِلْأَبِ تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (بِفَوْقِ مَهْرِ الْمِثْلِ) كَتَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِمَصْلَحَةٍ (وَيُزَوِّجُهُمَا) أَيْ: الصَّغِيرَ وَالْبَالِغَ الْمَجْنُونَ (مَعَ عَدَمِ أَبٍ وَصِيُّهُ) أَيْ: الْأَبِ فِي النِّكَاحِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَبِ (فَإِنْ عُدِمَ) وَصِيُّ الْأَبِ (وَثَمَّ حَاجَةٌ) إلَى نِكَاحِهِمَا (فَحَاكِمٌ) يُزَوِّجُهُمَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِهِمَا بَعْدَ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ. تَتِمَّةٌ : وَمَنْ يُخْنَقُ أَحْيَانًا لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ إنْ كَانَ بَالِغًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَزَوَّجَ لِنَفْسِهِ فَلَمْ تَثْبُتْ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهِ لِغَيْرِهِ كَالْعَاقِلِ، وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِبِرْسَامٍ أَوْ مَرَضٍ مَرْجُوٍّ لِلزَّوَالِ، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَاقِلِ، فَإِنْ دَامَ بِهِ صَارَ كَالْمَجْنُونِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَزْوِيجُ ابْنِهِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا أَوْ يَكُونَ النِّكَاحُ أَصْلَحَ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ زَمِنًا أَوْ ضَعِيفًا يَحْتَاجُ إلَى امْرَأَةٍ تَخْدُمُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ؛ فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ تَزْوِيجُهُ. وَلِلْأَبِ قَبُولُ النِّكَاحِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَوْ مُمَيِّزًا وَلِابْنِهِ الْمَجْنُونِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا الْمَعْتُوهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ مَعَ ظُهُورِ أَمَارَاتِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِهَا. (وَيَصِحُّ قَبُولُ) صَبِيٍّ (مُمَيِّزٍ لِنِكَاحِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فِي مَالِهِ لِمَصْلَحَةٍ) نَصًّا، كَمَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. ، وَلَا يَصِحُّ قَبُولُ طِفْلٍ دُونَ التَّمْيِيزِ لِنِكَاحِهِ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا، لِأَنَّ قَوْلَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. (وَلِكُلِّ وَلِيٍّ) مِنْ أَبٍ وَوَصِيِّهِ وَبَقِيَّةِ الْعَصَبَاتِ (وَحَاكِمٍ تَزْوِيجُ بِنْتِ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ بِإِذْنِهَا) نَصًّا، (وَهُوَ) أَيْ: اسْتِئْذَانُهَا (مُعْتَبَرٌ) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا، وَإِنْ أَبَتْ لَمْ تُكْرَهْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَتِيمَةَ تُزَوَّجُ بِإِذْنِهَا، وَأَنَّ لَهَا إذْنًا صَحِيحًا، وَقَدْ انْتَفَى ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا بِالِاتِّفَاقِ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ بَلَغَتْ تِسْعًا. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 أَنَّهَا قَالَتْ: إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمَعْنَاهُ: فِي حُكْمِ الْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّهَا تَصْلُحُ بِذَلِكَ لِلنِّكَاحِ، وَتَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ أَشْبَهَتْ الْبَالِغَةَ. وَ (لَا) يُزَوِّجُ غَيْرُ أَبٍ وَوَصِيِّهِ (مَنْ) أَيْ: صَغِيرَةً (دُونَ تِسْعِ) سِنِينَ (بِحَالٍ) مِنْ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهَا، وَغَيْرُ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ لَا إجْبَارَ لَهُ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ زَوَّجَ ابْنَةَ أَخِيهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّهَا يَتِيمَةٌ، وَلَا تُنْكَحُ إلَّا بِإِذْنِهَا» وَالصَّغِيرَةُ لَا إذْنَ لَهَا بِحَالٍ (وَلَا لِلْحَاكِمِ: تَزْوِيجُهَا) أَيْ: بِنْتٍ دُونَ تِسْعِ سِنِينَ كَغَيْرِهِ، خِلَافًا لِمَا فِي " الْفُرُوعِ " فَإِنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ لِلْحَاكِمِ تَزْوِيجَ الصَّغِيرَةِ، وَإِنْ مَنَعْنَا غَيْرَهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَلَا أَعْلَمُ لَهُ مُوَافِقًا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ صَرَّحَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " " وَالرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهِمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ (غَيْرَ وَصِيِّ أَبٍ) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ فِي إجْبَارِهَا. (وَإِذْنُ ثَيِّبٍ بِوَطْءِ آدَمِيٍّ) لَا غَيْرُ (فِي قُبُلٍ وَلَوْ) كَانَ وَطْؤُهَا (بِزِنًا) لِأَنَّهُ لَوْ وَصَّى لِلثَّيِّبِ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ وَصَّى لِلْأَبْكَارِ لَمْ تَدْخُلْ فِيهِنَّ (أَوْ مَعَ عَوْدِ بَكَارَةٍ) بَعْدَ وَطْئِهَا بِآلَةِ الرِّجَالِ (الْكَلَامَ) لِحَدِيثِ: «الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا، وَالْبِكْرُ رِضَاهَا صَمْتُهَا» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَابْنُ مَاجَهْ؛ وَلِأَنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي اقْتَضَتْ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبِكْرِ مُبَاضَعَةُ الرِّجَالِ وَمُخَالَطَتُهُمْ، وَهَذَا مَوْجُودٌ مَعَ عَوْدِ الْبَكَارَةِ. (وَ) إذْنُ (بِكْرٍ وَلَوْ وُطِئَتْ فِي دُبُرٍ أَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُ أَبٍ، الصُّمَاتُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا، وَإِنْ أَبَتْ لَمْ تُكْرَهْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ عَائِشَةَ: «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْبِنْتَ تَسْتَحِي، قَالَ: رِضَاهَا صُمَاتُهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَوْ ضَحِكَتْ أَوْ بَكَتْ) كَانَ إذْنًا؛ لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ، فَإِذَا بَكَتْ أَوْ سَكَتَتْ؛ فَهُوَ رِضَاهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا» ؛ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ نَاطِقَةٍ بِالِامْتِنَاعِ مَعَ سَمَاعِ الِاسْتِئْذَانِ، فَكَانَ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهَا كَالصُّمَاتِ، وَالْبُكَاءُ يَدُلُّ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 فَرْطِ الْحَيَاءِ، لَا الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ كَرِهَتْ لَامْتَنَعَتْ، فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِي مِنْ الِامْتِنَاعِ (وَنُطْقُهَا) أَيْ: الْبِكْرِ بِالْإِذْنِ (أَبْلَغُ) مِنْ سُكُوتِهَا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِذْنِ، وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِالصُّمَاتِ مِنْ الْبِكْرِ؛ لِلِاسْتِحْيَاءِ. (وَشُرِطَ فِي اسْتِئْذَانٍ - وَيَتَّجِهُ) إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ (مِمَّنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهَا) كَكَوْنِهَا ثَيِّبًا جَاوَزَ سِنُّهَا تِسْعًا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَبِ وَوَصِيِّهِ، أَوْ كَوْنُهَا بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا جَاوَزَتْ التِّسْعَ بِالنِّسْبَةِ لِبَاقِي الْأَوْلِيَاءِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ - (تَسْمِيَةُ زَوْجٍ) نَائِبُ فَاعِلِ شُرِطَ (عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ بِهِ) أَيْ: بِالزَّوْجِ (الْمَعْرِفَةُ) مِنْ الْمَرْأَةِ، بِأَنْ يَذْكُرَ لَهَا نَسَبَهُ وَمَنْصِبَهُ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَتَّصِفُ بِهِ لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي إذْنِهَا فِي تَزْوِيجِهِ بِهَا. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِئْذَانٍ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ رُكْنًا فِي النِّكَاحِ، وَلَا مَقْصُودًا مِنْهُ. (وَمَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ) كَأُصْبُعٍ، أَوْ وَثْبَةٍ أَوْ شِدَّةِ حَيْضَةٍ أَوْ سُقُوطٍ مِنْ شَاهِقٍ (فَكَبِكْرٍ) فِي الْإِذْنِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَرْ الْمَقْصُودَ، وَلَا وُجِدَ وَطْؤُهَا فِي الْقُبُلِ، فَأَشْبَهَتْ مَنْ لَمْ تَزُلْ عُذْرَتُهَا. (وَيُجْبِرُ سَيِّدٌ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) وَلَوْ بَالِغًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا مَلَكَ تَزْوِيجَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، فَعَبْدُهُ الَّذِي كَذَلِكَ مَعَ مِلْكِهِ وَتَمَامِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ أَوْلَى، بِخِلَافِ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ الْعَاقِلِ، وَتَقَدَّمَ، (وَ) يُجْبِرُ سَيِّدٌ (أَمَةً مُطْلَقًا) كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً، بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، قِنًّا أَوْ مُدَبَّرَةً، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ، وَالنِّكَاحُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَتِهَا؛ أَشْبَهَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ، وَلِذَلِكَ مَلَكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْعَبْدَ، وَلِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ مَهْرِهَا وَوَلَدِهَا، وَتَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا؛ بِخِلَافِ الْعَبْدِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مُبَاحَةً أَوْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ كَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا لَهُ، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِعَارِضٍ. وَلَا يُجْبِرُ سَيِّدٌ (مُكَاتَبًا أَوْ مُكَاتَبَةً) وَلَوْ صَغِيرَيْنِ، لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْخَارِجَيْنِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمَا، وَلَا يَمْلِكُ إجَارَتَهُمَا وَلَا أَخْذَ مَهْرِ الْمُكَاتَبَةِ (وَيُعْتَبَرُ فِي) إنْكَاحِ (مُعْتِقِ بَعْضُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 إذْنُهَا) لِمَا فِيهَا مِنْ الْحُرِّيَّةِ، (وَ) يُعْتَبَرُ (إذْنُ مُعْتِقِهَا الذَّكَرِ وَإِذْنِ مَالِكِ الْبَقِيَّةِ) الَّتِي لَمْ تُعْتَقْ (كَالشَّرِيكَيْنِ) فِي أَمَةٍ فَيُعْتَبَرُ فِي نِكَاحِهَا إذْنُهُمَا (وَيَقُولُ كُلٌّ) مِنْ مَعْتُوقٍ وَمَالِكِ الْبَقِيَّةِ، أَوْ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمُشْتَرَكَةِ (حَيْثُ لَا تَوْكِيلَ) مِنْ وَاحِدٍ لِلْآخَرِ (زَوَّجْتُكهَا؛ فَلَا يَصِحُّ) أَنْ يَقُولَ: (زَوَّجْتُك بَعْضَهَا) لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ التَّشْقِيصَ وَالتَّجَزُّؤَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ زَمَنِ الْإِيجَابِ مِنْهُمَا، أَوْ يَجُوزُ تَرَتُّبُهُمَا، فِيهِ نَظَرٌ، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَرَتُّبُهُمَا فِيهِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا، وَفِي اعْتِبَارِ اتِّحَادِهِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ) مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ (الْوَلِيُّ) نَصًّا (إلَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] وَالْأَصْلُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ. قَالَهُ المروذي؛ وَقَالَ: سَأَلْت أَحْمَدَ وَيَحْيَى عَنْ حَدِيثِ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ، فَقَالَا: صَحِيحٌ، وَهُوَ لِنَفْيِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ، لَا اللُّغَوِيَّةِ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا؛ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنَاكِحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. لَا يُقَالُ: يُمْكِنُ حَمْلُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ؛ أَيْ: لَا نِكَاحَ شَرْعِيٌ أَوْ مَوْجُودٌ فِي الشَّرْعِ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَالنَّهْيُ عَنْ الْعَضْلِ عَمَّ الْأَوْلِيَاءَ، وَنَهْيُهُمْ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِهِمْ؛ إذْ الْعَضَلُ لُغَةً: الْمَنْعُ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْعَضْلِ الْحِسِّيِّ وَالشَّرْعِيِّ، «ثُمَّ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ حِينَ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِ أُخْتِهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 فَدَعَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَوَّجَهَا» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَعْقِلٍ وِلَايَةٌ، وَأَنَّ الْحُكْمَ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ لَمَّا عُوتِبَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَيْهِنَّ، فَلِأَنَّهُنَّ مَحَلٌّ لَهُ (فَلَا يَصِحُّ) مِنْ امْرَأَةٍ (إنْكَاحُهَا لِنَفْسِهَا) لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ غَيْرِهَا) كَأَمَتِهَا وَبِنْتِهَا وَأُخْتِهَا وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ إنْكَاحُهَا لِنَفْسِهَا فَغَيْرُهَا أَوْلَى. تَتِمَّةٌ لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ غَيْرَهَا، أَوْ وَكَّلَتْ غَيْرَ وَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ، وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْمُونَةٍ عَلَى الْبُضْعِ؛ لِنَقْصِ عَقْلِهَا وَسُرْعَةِ انْخِدَاعِهَا؛ فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيضُهُ إلَيْهَا كَالْمُبَذِّرِ فِي الْمَالِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ تُوَكِّلَ فِيهِ، وَلَا أَنْ تَتَوَكَّلَ فِيهِ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، فَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ، أَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي لِعَقْدِهِ حَاكِمًا يَرَاهُ، لَمْ يُنْقَضْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا حَكَمَ بِهَا مَنْ يَرَاهَا لَمْ يُنْقَضْ؛ لِأَنَّهُ يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ؛ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُ الْحُكْمِ بِهَا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيُزَوِّجُ أَمَةً) لِأُنْثَى (مَحْجُورٍ عَلَيْهَا) لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ (وَلِيُّهَا فِي مَالِهَا) لِمَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ مَالٌ، وَالتَّزْوِيجَ تَصَرُّفٌ فِيهِ؛ وَكَذَا أَمَةُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، (وَ) يُزَوِّجُ (أَمَةَ) امْرَأَةٍ (رَشِيدَةٍ مَنْ يُزَوِّجُ سَيِّدَتَهَا) ، أَيْ: وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا فِي النِّكَاحِ؛ لِامْتِنَاعِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ فِي حَقِّهَا لِأُنُوثَتِهَا، فَتَثْبُتُ لِأَوْلِيَائِهَا كَوِلَايَةِ نَفْسِهَا، وَلِأَنَّهُمْ يَلُونَهَا لَوْ عَتَقَتْ، فَفِي حَالِ رَقِّهَا أَوْلَى (بِشَرْطِ إذْنِ السَّيِّدِ نُطْقًا، وَلَوْ) كَانَتْ سَيِّدَتُهَا (بِكْرًا) فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ صُمَاتَهَا إنَّمَا اُكْتُفِيَ بِهِ فِي تَزْوِيجِ نَفْسِهَا لِحَيَائِهَا، وَلَا تَسْتَحِي فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا. (وَلَا إذْنَ لِمَوْلَاةِ مُعْتَقَةٍ) فِي تَزْوِيجِهَا لِمِلْكِهَا نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ، وَلَيْسَتْ الْمُعْتِقَةُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ (وَيُزَوِّجُهَا) أَيْ: الْعَتِيقَةَ (بِإِذْنِهَا أَقْرَبُ عَصَبَتُهَا) أَيْ: الْعَتِيقَةِ نَسَبًا؛ كَأَبِيهَا، وَابْنِهَا وَأَخِيهَا وَنَحْوِهِمْ؛ لِأَنَّ عَصَبَةَ النَّسَبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى عَصَبَةِ الْوَلَاءِ، فَإِنْ عُدِمَ عَصَبَتُهَا مِنْ النَّسَبِ، فَيُزَوِّجُهَا بِإِذْنِهَا أَقْرَبُ وَلِيٍّ لِسَيِّدَتِهَا الْمُعْتِقَةِ لَهَا؛ لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ سَيِّدَتِهَا عَصَبَاتٌ يَرِثُونَ وَيَعْقِلُونَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 فَكَذَلِكَ يُزَوِّجُونَ؛ وَإِذَا اجْتَمَعَ ابْنُ مُعْتِقَةِ وَأَبُوهَا (فَابْنٌ أَحَقُّ) بِتَزْوِيجِ عَتِيقَةِ أُمِّهِ (مِنْ أَبِ الْمُعْتِقَةِ) ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمَوْلَاةِ أَقْرَبُ مِنْ أَبِيهَا؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بِمُقْتَضَى وَلَاءِ الْعِتْقِ، وَالْوَلَاءُ يُقَدَّمُ فِيهِ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ. تَنْبِيهٌ وَيُعْتَبَرُ فِي أَحَقِّيَّةِ ابْنِ الْمُعْتِقَةِ الْوِلَايَةَ مِنْ أَبِيهَا شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: عَدَمُ الْعَصَبَةِ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ أَقْرَبُ مِنْ الْمُعْتِقِ وَأَوْلَى مِنْهُ. الثَّانِي: إذْنُ الْمُزَوَّجَةِ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إجْبَارٍ. فَإِنَّهُ أَبْعَدُ الْعَصَبَاتِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ مَوْلَاتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا وَلَا مِلْكَ؛ فَأَشْبَهَتْ الْقَرِيبَ الطِّفْلَ إذَا زَوَّجَ الْبَعِيدَ، (وَ) قِيلَ: إنَّهُ (يُجْبِرُ الْعَتِيقَةَ) أَيْ: عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ (مَنْ يُجْبِرُ مَوْلَاتَهَا) عَلَى النِّكَاحِ، فَلَوْ كَانَتْ الْعَتِيقَةُ بِكْرًا وَلِمَوْلَاتِهَا أَبٌ أَجْبَرَهَا كَمَوْلَاتِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَقَالَ عَنْ عَدَمِ الْإِجْبَارِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ صَاحِبِ " الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الْكَبِيرَةِ، يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْعَتِيقَةُ كَبِيرَةً فَلَا إجْبَارَ، بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ يَتِمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى التَّمْثِيلِ بِهَا فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ". (وَالْأَحَقُّ بِإِنْكَاحِ حُرَّةٍ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (أَبُوهَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ مَوْهُوبٌ لِأَبِيهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} [الأنبياء: 90] وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْهِبَةِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، وَلِأَنَّ الْأَبَ أَكْمَلُ شَفَقَةً وَأَتَمَّ نَظَرًا، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا مِنْ مَالِهِ وَلَهُ مِنْ مَالِهَا (فَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا) لِأَنَّ الْجَدَّ لَهُ إيلَادٌ وَتَعْصِيبٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الِابْنِ وَابْنِهِ كَالْأَبِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ أَجْدَادٌ فَأَوْلَاهُمْ أَقْرَبُهُمْ كَالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ (فَابْنُهَا) أَيْ: الْحُرَّةِ (فَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ) وَإِنْ اجْتَمَعَ أَبْنَاءُ الْأَبْنَاءِ؛ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ؛ لِحَدِيثِ «أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدًا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِك شَاهِدٌ وَلَا غَائِبٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: قُمْ يَا عُمَرُ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَوَّجَهُ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، حِينَ زَوَّجَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّهُ أُمَّ سَلَمَةَ، أَلَيْسَ كَانَ صَغِيرًا؟ قَالَ: وَمَنْ يَقُولُ كَانَ صَغِيرًا؟ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ، وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ مِنْ عَصَبَتِهَا، فَثَبَتَتْ لَهُ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا كَأَخِيهَا (فَالْأَخُ لِأَبَوَيْنِ) كَالْمِيرَاثِ، (فَ) الْأَخُ (لِأَبٍ) لِأَنَّ وِلَايَةَ النِّكَاحِ حَقٌّ يُسْتَفَادُ بِالتَّعْصِيبِ، فَقُدِّمَ فِيهِ الْأَخُ كَالْمِيرَاثِ، وَكَاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ (فَابْنُ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ) (فَ) ابْنُ أَخٍ (لِأَبٍ، وَإِنْ سَفَلَا) أَيْ: ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ (فَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ فَعَمٌّ لِأَبٍ، ثُمَّ بَنُوهُمَا) أَيْ: الْعَمَّيْنِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (كَذَلِكَ) أَيْ: وَإِنْ سَفَلُوا يُقَدَّمُ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِأَبٍ (ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَةِ نَسَبٍ) كَعَمِّ الْأَبِ، ثُمَّ بَنِيهِ، ثُمَّ عَمِّ الْجَدِّ، ثُمَّ بَنِيهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ عَلَوْا (كَإِرْثٍ) أَيْ: تَرْتِيبِ الْوِلَايَةِ بَعْدَ الْإِخْوَةِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ بِالتَّعْصِيبِ، فَأَحَقُّهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَحَقُّهُمْ بِالْوِلَايَةِ، فَلَا يَلِي بَنُو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ، وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُمْ، وَأَوْلَى وَلَدُ كُلِّ أَبٍ أَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْوِلَايَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ وَالنَّظَرِ، وَمَظِنَّتُهَا الْقَرَابَةُ، فَأَقْرَبُهُمْ أَشْفَقُهُمْ، وَلَا وِلَايَةَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ كَالْأَخِ لِأُمٍّ وَعَمٍّ لِأُمٍّ وَبَنِيهِ، وَالْخَالِ وَأَبِي الْأُمِّ وَنَحْوِهِمْ نَصًّا، لِقَوْلِ عَلِيٍّ: إذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحَقَائِقِ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى، يَعْنِي إذَا أَدْرَكْنَ. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْغَرِيبِ " وَلِأَنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ عَصَبَتِهَا شَبِيهٌ بِالْأَجْنَبِيِّ مِنْهَا. (وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ) وَلِيٍّ (أَقْرَبَ بِإِسْقَاطِهِ لَهُ) كَمَا لَوْ أَسْقَطَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا عَلَيْهِ، وَكَذَا الْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ؛ فَإِنَّهَا حَقٌّ اسْتَفَادَهُ بِسَبَبِ التَّعْصِيبِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِسْقَاطِهِ (ثُمَّ) يَلِي نِكَاحَ حُرَّةٍ عِنْدَ عَدَمِ عَصَبَتِهَا مِنْ النَّسَبِ (الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ) بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُهَا وَيَعْقِلُ عَنْهَا، فَكَانَ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَقَدَّمُوا عَلَيْهِ عَصَبَةَ النَّسَبِ كَمَا قُدِّمُوا عَلَيْهِ فِي الْإِرْثِ (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْلَى، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 الْمُعْتِقِ بَعْدَهُ (فَالْأَقْرَبُ) كَالْمِيرَاثِ، ثُمَّ مَوْلَى الْمَوْلَى، ثُمَّ عَصَبَاتُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ مَوْلَى الْمَوْلَى ثُمَّ عَصَبَاتُهُ كَذَلِكَ أَبَدًا (وَهُوَ هُنَا الِابْنُ وَإِنْ نَزَلَ) فَيُقَدَّمُ عَلَى أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ وَأَقْوَى فِي التَّعْصِيبِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَبُ النَّسِيبُ؛ لِزِيَادَةِ شَفَقَتِهِ وَفَضِيلَةِ وِلَادَتِهِ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي أَبِي الْمُعْتِقِ، فَرَجَعَ فِيهِ إلَى الْأَصْلِ، وَإِذَا كَانَ (ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَكَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ) وَأَخٍ لِأَبٍ، أَيْ: فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ مِنْ أُمٍّ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي وَطَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ (ثُمَّ) عِنْدَ عَدَمِ عَصَبَةِ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ يَلِي نِكَاحَ حُرَّةٍ (السُّلْطَانُ) لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا (وَهُوَ الْإِمَامُ) الْأَعْظَمُ (أَوْ نَائِبُهُ) الْحَاكِمُ أَوْ مَنْ فَوَّضْنَا إلَيْهِ الْأَنْكِحَةَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَمِيرَ لَا يُزَوِّجُ، وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: الْقَاضِي يَقْضِي فِي الْفُرُوجِ وَالْحُدُودِ وَالرَّجْمِ، وَصَاحِبِ الشُّرَطِ إنَّمَا هُوَ مُسَلَّطٌ فِي الْأَدَبِ وَالْجِنَايَةِ، لَيْسَ إلَيْهِ الْمَوَارِيثُ وَالْوَصَايَا وَالْفُرُوجُ وَالرَّجْمُ وَالْحُدُودُ، وَهُوَ إلَى الْقَاضِي أَوْ إلَى الْخَلِيفَةِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ المروذي - فِي الرُّسْتَاقِ يَكُونُ فِيهِ الْوَالِي، وَلَيْسَ فِيهِ قَاضٍ يُزَوِّجُ إذَا احْتَاطَ لَهَا فِي الْمَهْرِ وَالْكُفْءِ -: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَظْهَرُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ (وَلَوْ) كَانَ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ (مِنْ بُغَاةٍ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى بَلَدٍ) لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ حُكْمُ سُلْطَانِهِمْ وَقَاضِيهِمْ مَجْرَى حُكْمِ الْإِمَامِ وَقَاضِيهِ. وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ خُلُوَّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ وَأَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا، زُوِّجَتْ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ ". فَائِدَةٌ وَمَنْ حَكَّمَهُ الزَّوْجَانِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ صَالِحٌ لِلْحُكْمِ؛ فَهُوَ كَحَاكِمٍ مُوَلًّى مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لِمَنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى يَدَيْهِ، وَلَا لِمُلْتَقِطٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ وَلَا وَلَاءَ؛ لِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . (فَإِنْ عُدِمَ الْكُلُّ) أَيْ: كُلُّ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، أَوْ عَضَلَ وَلِيُّهَا، وَلَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 يُوجَدْ غَيْرُهُ، وَعُدِمَ السُّلْطَانُ وَنَائِبُهُ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي بِهِ الْحُرَّةُ (زَوَّجَهَا ذُو سُلْطَانٍ فِي مَكَانِهَا كَعَضْلِ) أَوْلِيَائِهَا مَعَ عَدَمِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ فِي مَكَانِهَا، فَيُزَوِّجُهَا وَالِي الْبَلَدِ أَوْ كَبِيرُهُ أَوْ أَمِيرُ الْقَافِلَةِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ سَلْطَنَةً؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْأَيَامَى فَرْضُ كِفَايَةٍ إجْمَاعًا، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) ذُو سُلْطَانٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ (زَوَّجَهَا عَدْلٌ بِإِذْنِهَا قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِي دِهْقَانِ قَرْيَةٍ) بِكَسْرِ - الدَّالِ وَتُضَمُّ وَدَهَقَ الرَّجُلُ وَتَدَهْقَنَ: كَثُرَ مَالُهُ - (أَيْ: رَئِيسِهَا -: يُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا إذَا احْتَاطَ لَهَا فِي الْكُفْءِ وَالْمَهْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَاضٍ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَالِي فِي هَذَا الْحَالِ يَمْنَعُ النِّكَاحَ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَجُزْ كَاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْوَلِيِّ عَصَبَةً فِي حَقِّ مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهَا. (وَإِنْ كَانَ) فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ (وَأَبَى التَّزْوِيجَ إلَّا بِظُلْمٍ كَطَلَبِهِ جُعْلًا لَا يَسْتَحِقُّهُ) إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ، أَوْ طَلَبَ زِيَادَةً عَلَى جُعْلِ مِثْلِهِ (فَوُجُودُهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (كَعَدَمِهِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ " وَغَيْرُ عَاصِبٍ كَأَخٍ لِأُمٍّ وَخَالٍ وَعَمِّ لِأُمٍّ وَأَبِيهَا " حُكْمُهُ (كَأَجْنَبِيٍّ) إذْ لَا وِلَايَةَ بِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ النَّسَبِيَّةِ وَالسَّبَبِيَّةِ. (وَوَلِيُّ أَمَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ (آبِقَةَ سَيِّدُهَا) الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهَا، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي رَقَبَتِهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ؛ فَفِي التَّزْوِيجِ أَوْلَى (وَلَوْ) كَانَ السَّيِّدُ (فَاسِقًا) لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ أَوْ كَانَ (مُكَاتَبًا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ) فِي تَزْوِيجِ إمَائِهِ. (وَمَنْ تَعَدَّدَ سَيِّدُهُ فَ) الْوِلَايَةُ (لِلْكُلِّ) وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ الِاسْتِقْلَالُ بِهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ كَمَا لَا يَبِيعُهَا وَلَا يُؤَجِّرُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا يَتَأَتَّى تَزْوِيجُ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَشَقَّصُ، فَإِنْ اشْتَجَرَ مَالِكُوهَا لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ وِلَايَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِمُكَلَّفٍ رَشِيدٍ حَاضِرٍ، وَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ. (وَيَتَّجِهُ مَعَ عَضْلِ) أَيْ: امْتِنَاعِ (بَعْضِهِمْ) أَيْ: الشُّرَكَاءِ مِنْ تَزْوِيجِهَا أَوْ غَيْبَةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ (قِيَامُ حَاكِمٍ مَقَامَهُ) أَيْ: مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ أَوْ الْغَائِبِ مِنْهُمْ؛ فَيُزَوِّجُهَا مَعَ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ: بِطَلَبِهَا دَفْعًا لِضَرَرِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ فَإِنْ أَعْتَقُوهَا مَعًا أَوْ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ، وَالْأَوَّلُ مُعْسِرٌ، وَلَيْسَ لَهَا عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ؛ فَهُمْ أَوْلِيَاؤُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 يُزَوِّجُونَهَا بِإِذْنِهَا، وَلَوْ تَفَاوَتُوا فِي الْعِتْقِ، فَإِنْ اشْتَجَرُوا قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ حُرَّةً، وَصَارَ نِكَاحُهَا حَقًّا لَهَا، وَلَا يَسْتَقِلُّ الْآخِرُ بِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ سَبَبُهَا الْعِتْقُ، وَهُوَ إنَّمَا أَعْتَقَ بَعْضَهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ أَوْ الْمُعْتِقَةُ وَاحِدًا وَلَهُ عَصَبَتَانِ كَالِابْنَيْنِ وَالْأَخَوَيْنِ، فَلِأَحَدِهِمَا الِاسْتِقْلَالُ بِتَزْوِيجِهَا بِإِذْنِهَا، كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ، وَإِنَّمَا زَوَّجَ بِكَوْنِهِ عَصَبَةً لِلْمُعْتِقِ، وَلَا تَبَعُّضَ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمُعْتَقَيْنِ وَعَصَبَتَيْهِمَا؛ وَلَا تَزُولُ الْوِلَايَةُ بِالْإِغْمَاءِ لِقِصَرِ مُدَّتِهِ عَادَةً كَالنَّوْمِ، وَلَا بِالْعَمَى لِأَنَّ الْأَعْمَى أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ، فَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ كَالْبَصِيرِ، وَلَا بِالسَّفَهِ؛ لِأَنَّ رُشْدَ الْمَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي النِّكَاحِ، وَأَمَّا الْخَرَسُ فَإِنْ مَنَعَ فَهْمَ الْإِشَارَةِ أَزَالَ الْوِلَايَةَ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهَا لَمْ تَزُلْ الْوِلَايَةُ؛ لِأَنَّ الْأَخْرَسَ يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ؛ فَصَحَّ تَزْوِيجُهُ، كَالنَّاطِقِ. (وَشُرِطَ فِي وَلِيٍّ) سَبْعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا - (ذُكُورِيَّةٌ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَثْبُتُ لَهَا وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهَا فَعَلَى غَيْرِهَا أَوْلَى. (وَ) الثَّانِي - (بُلُوغٌ) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ يُعْتَبَرُ لَهَا كَمَالُ الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا تَنْفِيذُ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ مَوْلًى عَلَيْهِ لِقُصُورِ نَظَرِهِ؛ فَلَا تَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةٌ كَالْمَرْأَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُزَوَّجُ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ، لَيْسَ لَهُ أَمْرٌ. (وَ) الثَّالِثُ - (عَقْلٌ) فَلَا وِلَايَةَ لِمَجْنُونٍ مُطْبِقٍ (فَإِنْ جُنَّ) الْوَلِيُّ (أَحْيَانًا) أَوْ نَقَصَ عَقْلُهُ بِنَحْوِ مَنْ يُرْجَى زَوَالُهُ، أَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (اُنْتُظِرَ) زَوَالُهُ ذَلِكَ (كَإِغْمَاءٍ) لِأَنَّ مُدَّتَهُ لَا تَطُولُ عَادَةً (وَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ) بِطَرَيَانِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْوِلَايَةَ. (وَ) الرَّابِعُ - (حُرِّيَّةٌ) أَيْ: كَمَالُهَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُبَعَّضَ لَا يَسْتَقِلَّانِ بِالْوِلَايَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَعَلَى غَيْرِهِمَا أَوْلَى (إلَّا مُكَاتَبًا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ) بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَيَصِحُّ، وَتَقَدَّمَ. وَالْخَامِسُ - (اتِّفَاقُ دِينِ) الْوَلِيِّ وَالْمُوَلَّى عَلَيْهَا، فَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ، وَكَذَا عَكْسُهُ، وَلَا لِنَصْرَانِيٍّ عَلَى مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوُهُ وَلَوْ بِنْتِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا بِالنَّسَبِ (إلَّا السُّلْطَانَ) فَيُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا مِنْ الْكَوَافِرِ، لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ عَلَى أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهَذِهِ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ، فَتَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا كَالْمُسْلِمَةِ (وَإِلَّا أَمَةَ كَافِرٍ لِمُسْلِمٍ) فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِكَافِرٍ، وَكَذَا أَمَةٌ كَافِرَةٌ لِمُسْلِمَةٍ، فَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا عَلَى مَا سَبَقَ (وَإِلَّا أُمَّ وَلَدٍ لِكَافِرٍ أَسْلَمَتْ) فَيُزَوِّجُهَا لِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ. وَلِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهَا فَيَلِيَهُ كَإِجَارَتِهَا (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ (مُدَبَّرَتِهِ وَلَا مُكَاتَبَتِهِ) إذَا أَسْلَمَتَا، قَالَهُ فِي " الْهِدَايَةِ "، " وَالْمَذْهَبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَبْقَيَانِ فِي مِلْكِهِ؛ لِصِحَّةِ بَيْعِهِمَا، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ فِي الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ، فَإِنْ قَالَ: وَلَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ وَلَوْ بِنْتِهِ إلَّا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبَتُهُ وَمُدَبَّرَتُهُ؛ فَيَلِيَهُ، وَيُبَاشِرُهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَ) السَّادِسُ - (عَدَالَةٌ) نَصًّا؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا نِكَاحَ إلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَوَلِيٍّ مُرْشِدٍ. قَالَ أَحْمَدُ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا. «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَهَا وَلِيٌّ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَرَوَى الْبَرْقَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَلِأَنَّهَا وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ؛ فَلَا يَسْتَبِدُّ بِهَا الْفَاسِقُ كَوِلَايَةِ الْمَالِ (وَلَوْ) كَانَتْ الْعَدَالَةُ (ظَاهِرَةً) فَيَكْفِي مَسْتُورُ الْحَالِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ، وَيُفْضِي إلَى بُطْلَانِ غَالِبِ الْأَنْكِحَةِ (إلَّا فِي سُلْطَانٍ) يُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا؛ فَلَا تُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ لِلْحَاجَةِ؛ (وَ) إلَّا فِي (سَيِّدِ أَمَةٍ) فَلَا تُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ؛ كَمَا لَوْ أَجَرَهَا. (وَ) السَّابِعُ - (رُشْدٌ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، (وَهُوَ) أَيْ: الرُّشْدُ هُنَا (مَعْرِفَةُ الْكُفْءِ وَمَصَالِحِ النِّكَاحِ) وَلَيْسَ هُوَ حِفْظَ الْمَالِ، فَإِنَّ رُشْدَ كُلِّ مَقَامٍ بِحَسَبِهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا اشْتَرَطَهُ فِي " الْوَاضِحِ " مِنْ كَوْنِهِ عَالِمًا بِالْمَصَالِحِ، لَا شَيْخًا كَبِيرًا جَاهِلًا بِالْمَصْلَحَةِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا، وَيُقَدِّمُ الْوَلِيُّ أَصْلَحَ الْخَاطِبَيْنِ لِمُوَلِّيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهَا. وَفِي " النَّوَادِرِ ": يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَارَ لِمُوَلِّيَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 حَسَنَ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يُعْجِبُهَا مِنْ الرَّجُلِ مَا يُعْجِبُهُ مِنْهَا. (فَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ مِنْ) أَوْلِيَاءِ الْحُرَّةِ (نَحْوِ طِفْلٍ) يَعْنِي غَيْرَ بَالِغٍ (وَكَافِرٍ وَفَاسِقٍ) ظَاهِرِ الْفِسْقِ (وَقِنٍّ وَمَجْنُونٍ مُطْبِقٍ وَشَيْخٍ إذَا أَفْنَدَ) أَيْ: ضَعُفَ فِي الْعَقْلِ وَالتَّصَرُّفِ. قَالَ فِي " الْقَامُوسِ " الْفَنَدُ بِالتَّحْرِيكِ: إنْكَارُ الْعَقْلِ لِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ، وَالْخَطَأُ فِي الْقَوْلِ وَالرَّأْيِ وَالْكَذِبُ كَالْإِفْنَادِ، وَلَا تَقُلْ: عَجُوزٌ مُفْنِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ رَأْيٍ أَبَدًا (أَوْ) اتَّصَفَ الْأَقْرَبُ بِصِفَاتِ الْوِلَايَةِ، لَكِنْ (عَضَلَ بِأَنْ مَنَعَهَا كُفْئًا رَضِيَتْهُ وَرَغِبَ) فِيهَا (بِمَا صَحَّ مَهْرًا) وَلَوْ كَانَ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا (وَيَفْسُقُ) الْوَلِيُّ (بِهِ) أَيْ: الْعَضْلِ (إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ يَفْسُقُ إذَا تَكَرَّرَ الْعَضْلُ مِنْهُ (ثَلَاثًا) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ بِالْعَضْلِ صَارَ فَاسِقًا؛ لِأَنَّ الْعَضْلَ قَدْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِأَنْ خَطَبَهَا كُفْءٌ، فَمَنَعَ، وَآخَرُ فَمَنَعَ؛ وَآخَرُ فَمَنَعَ، صَارَ ذَلِكَ كَبِيرَةً تَمْنَعُ الْوِلَايَةَ؛ لِأَجْلِ الْإِضْرَارِ، وَلِأَجْلِ الْفِسْقِ: نَقَلَهُ الشَّيْخُ التَّقِيُّ فِي " الْمُسَوَّدَةِ " (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) أَيْ الْعَاضِلَ مُوَلِّيَتَهُ عَنْ التَّزْوِيجِ بِكُفْءٍ رَضِيَتْهُ (لَا يُزَوِّجُ) مُوَلِّيَةً أُخْرَى (غَيْرَ مَعْضُولَةٍ) مِنْ جِهَتِهِ (بِفِسْقِهِ) بِعَضْلِهِ الْأُولَى وَفِقْدَانِهِ الْعَدَالَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ أَهَمِّ شُرُوطِ الْوِلَايَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمِنْ) صُوَرِ (الْعَضْلِ) الْمُسْقِطِ لِوِلَايَتِهِ (لَوْ امْتَنَعَ الْخُطَّابُ لِشِدَّةِ الْوَلِيِّ. قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ عَلَى الْوَلِيِّ هُنَا، لَأَنْ لَيْسَ لَهُ فِعْلٌ فِي ذَلِكَ (أَوْ غَابَ) الْأَقْرَبُ (غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً) وَلَمْ يُوَكِّلْ مَنْ يُزَوِّجَ؛ زَوَّجَ الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ (وَهِيَ) أَيْ: الْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ (مَا لَا تُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ غَيْبَتُهُ (فَوْقَ مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ دُونِهَا) قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، فَإِنَّ التَّحْدِيدَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ، وَلَا تَوْقِيفَ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " لِتَحْدِيدِهِ الْمَسَافَةَ بِقَوْلِهِ: وَتَكُونُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " هُوَ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ (أَوْ جُهِلَ مَكَانُهُ) أَيْ الْأَقْرَبُ، بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ مَحَلُّهُ أَقَرِيبٌ هُوَ أَمْ بَعِيدٌ، أَوْ عُلِمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 أَنَّهُ قَرِيبٌ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ (أَوْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ) أَيْ: الْأَقْرَبِ (بِأَمْرٍ أَوْ) تَعَسَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ (بِحَبْسٍ) وَلَوْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ (زَوَّجَ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا (حُرَّةً) وَلِيٌّ (أَبْعَدُ) وَهُوَ الَّذِي يَلِي الْأَقْرَبَ الْمَذْكُورَ فِي الْوِلَايَةِ أَمَّا إذَا كَانَ طِفْلًا أَوْ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ، أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا، فَلِعَدَمِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْأَقْرَبِ مَعَ اتِّصَافِهِ بِمَا ذُكِرَ؛ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَأَمَّا مَعَ عَضْلِ الْأَقْرَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ، أَوْ تَعَذُّرِ مُرَاجَعَتِهِ فَلِتَعَذُّرِ التَّزْوِيجِ مِنْ جِهَتِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ جُنَّ، فَإِنْ عَضَلُوا كُلُّهُمْ زَوَّجَهَا حَاكِمٌ. (وَ) زَوَّجَ (أَمَةً حَاكِمٌ) ؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي مَالِ الْغَائِبِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ أَمَةَ مَنْ عُذِرَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (إنْ كَانَ لَا وَلِيَّ لَهَا) أَيْ: الْأَمَةِ (غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ سَيِّدِهَا الْمَعْذُورِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً، وَاضْطُرَّتْ لِلْفِرَاشِ؛ فَلِلْحَاضِرِ تَزْوِيجُهَا كَالْحُرَّةِ يُزَوِّجُهَا الْأَبْعَدُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَقْرَبِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ زَوَّجَ) امْرَأَةً (حَاكِمٌ) مَعَ وُجُودِ وَلِيِّهَا؛ لَمْ يَصِحَّ (أَوْ) زَوَّجَهَا وَلِيٌّ (أَبْعَدُ بِلَا عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ) إلَيْهَا مِنْهُ (لَمْ يَصِحَّ) وَلَوْ أَجَازَهُ الْأَقْرَبُ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَالْأَبْعَدَ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا مَعَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُمَا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ زَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ (فَلَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ) عِنْدَ تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ، أَوْ الْأَبْعَدِ (لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَصَبَةٌ) ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُعِدْ (أَوْ) كَانَ الْمَعْهُودُ عَدَمَ أَهْلِيَّةِ الْأَقْرَبِ لِصِغَرٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ (صَارَ) أَهْلًا (أَوْ عَادَ أَهْلًا) فَزَوَّجَ (بَعْدَ مُنَافٍ) كَالْجُنُونِ (ثُمَّ عَلِمَ) أَنَّهُ صَارَ أَهْلًا أَوْ عَادَ أَهْلًا قَبْلَ تَزْوِيجِهَا؛ لَمْ يُعِدْ الْعَقْدَ (أَوْ اسْتَلْحَقَ بِنْتَ مُلَاعَنَةٍ أَبٌ بَعْدَ عَقْدِ) وَلِيِّهَا عَلَيْهَا (لَمْ يُعِدْ) الْعَقْدَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ. (وَيَلِي كِتَابِيٌّ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ) كَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ (الْكِتَابِيَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] (حَتَّى) فِي تَزْوِيجِهَا (مِنْ مُسْلِمٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهَا، فَيَصِحُّ أَنْ يُزَوِّجَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 مِنْهُ؛ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ كَافِرٍ (وَيُبَاشِرُهُ) أَيْ: النِّكَاحَ، لِأَنَّهُ وَلِيٌّ مُنَاسِبٌ لَهَا، فَجَازَ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَمُبَاشَرَتُهُ. (وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ: كَافِرٍ يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ الْكَافِرَةَ (شُرُوطُ) الْوَلِيِّ (الْمُسْلِمِ) مِنْ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالذُّكُورَةِ وَالْعَدَالَةِ فِي دِينِهِ وَالرُّشْدِ وَالْحُرِّيَّةِ وَاتِّفَاقِ الدِّينِ. تَتِمَّةٌ لَوْ تَزَوَّجَ الْأَجْنَبِيُّ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ مُوَلِّيَتَهُ الَّتِي: يُعْتَبَرُ إذْنُهَا كَأُخْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ أَجَازُوا بَعْدَ الْعَقْدِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» - وَفِي لَفْظٍ " فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ "؛ وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَمْ تَثْبُتْ أَحْكَامُهُ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ وَالتَّوَارُثِ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ كَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ، وَهُوَ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ، فَإِنْ وَطِئَ فِيهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. [فَصْلٌ الْوَكِيلُ يَقُومُ مَقَامَ الولى فِي الزَّوَاج غَائِبًا وَحَاضِرًا] فَصْلٌ (وَوَكِيلُ كُلِّ وَلِيٍّ) مِمَّنْ تَقَدَّمَ (يَقُومُ مَقَامَهُ غَائِبًا وَحَاضِرًا) مُجْبِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَجَازَ التَّوْكِيلُ، فِيهِ كَالْبَيْعِ، وَقِيَاسًا عَلَى تَوْكِيلِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكَّلَ أَبَا رَافِعٍ فِي تَزْوِيجِهِ مَيْمُونَةَ؛ وَوَكَّلَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فِي تَزْوِيجِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ» . (وَالْوَلِيُّ لَيْسَ بِوَكِيلٍ لِلْمَرْأَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ وِلَايَتُهُ مِنْ جِهَتِهَا (وَإِلَّا مَلَكَتْ عَزْلَهُ) كَسَائِرِ الْوُكَلَاءِ وَإِنَّمَا إذْنُهَا حَيْثُ اُعْتُبِرَ، شَرْطٌ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، فَأَشْبَهَ وِلَايَةَ الْحَاكِمِ عَلَيْهَا، وَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْهَا (فَلَهُ تَوْكِيلُ) مَنْ يُوجِبُ نِكَاحَهَا (بِلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 إذْنِهَا) وَقَبْلَ إذْنِهَا لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً، لِأَنَّهُ إذْنٌ مِنْ الْوَلِيِّ فِي التَّزْوِيجِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْمَرْأَةِ وَلَا الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ كَإِذْنِ الْحَاكِمِ، وَ (لَا) يَمْلِكُ الْوَلِيُّ تَوْكِيلًا فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ (إنْ وَكَّلَتْ) هِيَ (غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ وَلِيِّهَا، كَمَا لَوْ وَكَّلَتْ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ (وَلَوْ) كَانَ تَوْكِيلُهَا لِلْبَعِيدِ (بِإِذْنِهِ) أَيْ: وَلِيِّهَا، فَلَوْ وَكَّلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ لَمْ يَصِحَّ تَوْكِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ بِدُونِ إذْنِهَا، لَكِنَّ صِحَّةَ تَصَرُّفِ وَكِيلِ الْوَلِيِّ مَوْقُوفَةٌ عَلَى اسْتِئْذَانِهَا، وَقَدْ سَبَقَ صُدُورُ الْإِذْنِ مِنْهَا لِغَيْرِهِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ تَوْكِيلُهُ لِذَلِكَ. (وَيَثْبُتُ لِوَكِيلِ) وَلِيٍّ (مَا) يَثْبُتُ (لِوَلِيٍّ مِنْ إجْبَارٍ وَغَيْرِهِ) ، فَإِنْ كَانَ لِلْوَلِيِّ الْإِجْبَارُ ثَبَتَ ذَلِكَ لِوَكِيلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ وِلَايَةَ مُرَاجَعَةٍ احْتَاجَ الْوَكِيلُ إلَى مُرَاجَعَةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فَيَثْبُتُ لَهُ مِثْلُ مَا يَثْبُتُ لِلْمَنُوبِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي السُّلْطَانِ وَالْحَاكِمِ يَأْذَنُ لِغَيْرِهِ فِي التَّزْوِيجِ، فَيَكُونُ الْمَأْذُونُ لَهُ قَائِمًا مَقَامَهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَثْبُتُ لِوَكِيلِ الْوَلِيِّ مَا يَثْبُتُ لِمُوَكِّلِهِ (كَعَدَالَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَرَطَةٌ فِي الْوَلِيِّ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوجِبَ الْوَكِيلُ نِكَاحًا عَمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ إيجَابُهُ لِمُوَلِّيَتِهِ، لِنَحْوِ جُنُونٍ (وَفِسْقٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ؛ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ) امْرَأَةٍ (غَيْرِ مُجْبَرَةٍ لِوَكِيلِ) وَلِيِّهَا؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ غَيْرِ مُجْبِرٍ، فَيَثْبُتُ لَهُ مَا يَثْبُتُ لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ (فَلَا يَكْفِي إذْنُهَا لِوَلِيِّهَا بِتَزْوِيجٍ) مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ وَكِيلٍ لَهَا وَإِذْنُهَا لَهُ بَعْدَ تَوْكِيلِهِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَكْفِي إذْنُهَا لِوَلِيِّهَا (بِتَوْكِيلٍ فِيهِ) أَيْ: التَّزْوِيجِ (بِلَا مُرَاجَعَةِ وَكِيلٍ لَهَا) أَيْ: لِغَيْرِ الْمُجْبَرَةِ فِي التَّزْوِيجِ (وَإِذْنُهَا) لِلْوَكِيلِ فِي التَّزْوِيجِ (بَعْدَ تَوْكِيلِهِ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُعْتَبَرُ إذْنُهَا فِيهِ لِلْوَكِيلِ هُوَ غَيْرُ مَا يُوَكِّلُ فِيهِ الْمُوَكِّلُ؛ فَهُوَ كَالْمُوَكَّلِ فِي ذَلِكَ، وَلَا أَثَرَ لِإِذْنِهَا لَهُ قَبْلَ أَنْ يُوَكِّلَ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ وَبَعْدَ تَوَكُّلِهِ كَوَلِيٍّ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": فَيُؤْخَذُ مِنْهُ لَوْ أَذِنَتْ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مَعَ أَهْلِيَّةِ الْأَقْرَبِ، ثُمَّ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 لِلْأَبْعَدِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَتِهِ لَهَا بَعْدَ انْتِقَالِ الْوِلَايَةِ. (فَلَوْ وَكَّلَ وَلِيُّ) غَيْرِ مُجْبَرَةٍ فِي تَزْوِيجِهَا (بِلَا إذْنِهَا ثُمَّ أَذِنَتْ لِوَكِيلِهِ) أَيْ: وَكِيلِ وَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا، فَزَوَّجَهَا (صَحَّ) النِّكَاحُ وَلَوْ لَمْ تَأْذَنْ لِلْوَلِيِّ فِي التَّزْوِيجِ أَوْ التَّوْكِيلِ، لِقِيَامِ وَكِيلِهِ مَقَامَهُ (وَيُشْتَرَطُ فِي وَكِيلِ وَلِيٍّ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ: الْوَلِيِّ، مِنْ ذُكُورَةٍ وَبُلُوغٍ وَعَقْلٍ وَعَدَالَةٍ وَرُشْدٍ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُبَاشِرَهَا غَيْرُ أَهْلِهَا، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ تَزْوِيجَ مُوَلِّيَتِهِ أَصَالَةً فَلِئَلَّا يَمْلِكَ تَزْوِيجَ مُوَلِّيَةِ غَيْرِهِ بِالتَّوْكِيلِ أَوْلَى. (وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ فَاسِقٍ) فِي قَبُولِ نِكَاحٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُهُ لِنَفْسِهِ، فَصَحَّ لِغَيْرِهِ (وَكَذَا كِتَابِيٌّ) وَكَّلَهُ مُسْلِمٌ (فِي قَبُولِ) نِكَاحِ (كِتَابِيَّةٍ) لِصِحَّةِ قَبُولِ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ. (وَيَصِحُّ تَوْكِيلٌ) مِنْ وَلِيٍّ فِي إيجَابِ النِّكَاحِ تَوْكِيلًا (مُطْلَقًا) وَيَصِحُّ إذْنُهَا لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ إذْنًا مُطْلَقًا؛ كَقَوْلِهَا لِوَلِيِّهَا: زَوِّجْ مَنْ شِئْت أَوْ مَنْ تَرْضَاهُ، وَقَوْلُ وَلِيٍّ لِوَكِيلِهِ (زَوِّجْ مَنْ شِئْت) أَوْ مَنْ تَرْضَاهُ، رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ تَرَكَ ابْنَتَهُ عِنْدَ عُمَرَ، وَقَالَ: إذَا وَجَدْت كُفْئًا فَزَوِّجْهُ وَلَوْ بِشِرَاكِ نَعْلِهِ، فَزَوَّجَهَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ؛ فَهِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ، فَلَمْ يُنْكَرْ، وَكَالتَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (وَيَتَقَيَّدُ) الْوَلِيُّ إذَا أَذِنَتْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَأَطْلَقَتْ بِالْكُفْءِ؛ وَكَذَلِكَ وَكِيلُهُ الْمُطْلَقُ يَتَقَيَّدُ (بِالْكُفْءِ) وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ فِيهِ. (وَلَا يَمْلِكُ) وَكِيلٌ بِالتَّوْكِيلِ الْمُطْلَقِ (أَنْ يُزَوِّجَهَا لِنَفْسِهِ) كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ لَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا الْوَلِيُّ، إذَا أَذِنَتْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَأَطْلَقَتْ، فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، لِأَنَّ إطْلَاقَ الْإِذْنِ يَقْتَضِي تَزْوِيجَهَا غَيْرَهُ. قَطَعَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " " وَالْمُبْدِعِ " فِي آخِرِ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَيَجُوزُ) لِلْوَكِيلِ الْمُطْلَقِ وَلِلْوَلِيِّ إذَا أَذِنَتْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَأَطْلَقَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا (لِوَلَدِهِ) وَوَالِدِهِ وَأَخِيهِ وَنَحْوِهِمْ إذَا كَانَ كُفْئًا؛ لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُمْ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُ لِمَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ، لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ رُكْنٌ فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 (وَ) يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ (مُقَيَّدًا كَزَوِّجْ زَيْدًا) أَوْ زَوِّجْ هَذَا، فَلَا يُزَوِّجُ غَيْرَهُ؛ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ (وَ) إنْ قَالَ وَلِيٌّ لِوَكِيلِهِ (زَوِّجْ) مِنْ وَكِيلِ خَاطِبِ بِنْتِي زَيْدًا، أَوْ مِنْ أَحَدِ وَكِيلِيهِ. (أَوْ) قَالَ خَاطِبٌ لِوَكِيلِهِ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ (اقْبَلْ) النِّكَاحَ (مِنْ وَكِيلِهِ) أَيْ: وَكِيلِ وَلِيِّ الْمَخْطُوبَةِ (زَيْدًا وَ) قَالَ خَاطِبٌ لِوَكِيلٍ: اقْبَلْ مِنْ (أَحَدِ وَكِيلَيْهِ) وَأَبْهَمَ، وَلَهُ وَكِيلَانِ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، فَزَوَّجَ وَكِيلُ وَلِيٍّ مِنْ وَكِيلِ زَوْجٍ عَمْرٍو فِي الْأُولَيَيْنِ؛ لَمْ يَصِحَّ (أَوْ قَبِلَ) وَكِيلُ الزَّوْجِ النِّكَاحَ (مِنْ وَكِيلِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ (عَمْرو) فِي الْأُخْرَيَيْنِ (لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ؛ لِلْمُخَالَفَةِ فِيمَا إذَا قَالَ: مِنْ وَكِيلِهِ زَيْدٍ، وَلِلْإِبْهَامِ فِيمَا إذَا قَالَ: مِنْ أَحَدِ وَكِيلِيهِ. (وَيُشْتَرَطُ) لِنِكَاحٍ فِيهِ تَوْكِيلٌ وَقَبُولٌ (قَوْلُ وَلِيٍّ) لِوَكِيلٍ: زَوِّجْ (أَوْ قَوْلُ وَكِيلِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ (لِوَكِيلِ زَوْجٍ: زَوَّجْت فُلَانَةَ) بِنْتَ فُلَانٍ (فُلَانًا) ابْنَ فُلَانٍ، وَيَنْسُبُهُ وَلَمْ يُنَبِّهْ، عَلَى ذَلِكَ هُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا سَبَقَ اشْتِرَاطُ تَعْيِينِ الزَّوْجَيْنِ، (أَوْ) زَوَّجْت فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ (لِفُلَانٍ) ابْنِ فُلَانٍ، أَوْ يَقُولُ وَلِيٌّ (أَوْ) وَكِيلُهُ (زَوَّجْت مُوَكِّلَك فُلَانًا فُلَانَةَ) بِنْتَ فُلَانٍ، وَلَا يَقُولُ زَوَّجْتُكَهَا وَنَحْوَهُ كَزَوَّجْتهَا مِنْك أَوْ أَنْكَحْتهَا. (وَ) يُشْتَرَطُ (قَوْلُ وَكِيلِ زَوْجٍ: قَبِلْته) أَيْ النِّكَاحَ (لِمُوَكَّلِي فُلَانٍ أَوْ) قَبِلْته (لِفُلَانٍ) ابْنِ فُلَانٍ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ؛ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ. (وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ مَا مَرَّ) تَمْثِيلُهُ مُقَيَّدًا (فِيمَا لَوْ) قَالَ مُوجِبُ النِّكَاحِ غَيْرُ الْأَبِ، زَوَّجْت فُلَانَةَ فُلَانًا أَوْ لِفُلَانٍ وَ (سَمَّاهَا بِاسْمِهَا) الَّذِي تَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ: مُوَكِّلِي اكْتِفَاءً بِالتَّعْيِينِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْمُوجِبُ الْأَبَ، فَقَالَ: زَوَّجْتُك فُلَانَةَ (وَلَمْ يَقُلْ بِنْتِي) لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُشَارِكُهَا غَيْرُهَا بِمَا سَمَّاهَا؛ فَلَمْ يَصِحَّ لِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَوَصِيُّ وَلِيٌّ أَبٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَأَخٍ وَعَمٍّ لِغَيْرِ أُمٍّ (فِي) إيجَابِ (نِكَاحٍ) وَقَبُولِهِ (بِمَنْزِلَتِهِ) أَيْ: الْمُوصِي، لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، فَتُسْتَفَادُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 (إذَا نَصَّ) الْمُوصِي (لَهُ) أَيْ: الْوَصِيِّ (عَلَيْهِ) أَيْ: التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ ثَابِتَةٌ لِلْوَلِيِّ فَجَازَتْ وَصِيَّتُهُ بِهَا كَوِلَايَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا فِي حَيَاتِهِ، وَيَكُونُ نَائِبُهُ قَائِمًا مَقَامَهُ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَقَوْلِ وَصِيٍّ لِمُوصٍ إلَيْهِ: (جَعَلْتُك وَصِيًّا فِي نِكَاحِ بَنَاتِي أَوْ وَصَّيْت إلَيْك بِنِكَاحِهِنَّ) كَمَا يَقُولُ فِي الْمَالِ: وَصَّيْت إلَيْك بِالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِ أَوْلَادِي، فَيَقُومُ الْوَصِيُّ مَقَامَهُ، وَيَتَقَدَّمُ عَلَى مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مَنْ أَوْصَاهُ (فَيُجْبِرُ وَصِيٌّ مَنْ يُجْبِرُهُ مُوصٍ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ سَوَاءٌ عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ التَّزْوِيجَ إذَا عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجُ مِلْكَهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ لَيْسَ مُجْبِرًا كَأَبِي ثَيِّبٍ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ وَأَخِيهَا وَعَمِّهَا وَنَحْوِهِ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا؛ فَوَصِيُّهُ كَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا كَوَكِيلِهِ (وَلَا خِيَارَ) لِمَنْ زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ صَغِيرًا مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى (بِبُلُوغٍ) لِقِيَامِ الْوَصِيِّ مَقَامَ الْمُوصِي، فَلَمْ: يَثْبُتْ فِي تَزْوِيجِهِ خِيَارٌ كَالْوَكِيلِ (وَوَصِيٌّ فِي مَالٍ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْإِمَاءِ نَصًّا) ؛ لِأَنَّهُنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ الَّذِي يَنْظُرُ فِيهِ، وَكَذَا إذَا وَصَّى إلَيْهِ بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِ أَوْلَادِهِ لَمْ يَمْلِكْ تَزْوِيجَ أَحَدِهِمْ. (وَعَبْدٌ وَفَاسِقٌ وَمُمَيِّزٌ) لَا تَثْبُتُ لَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ فَ (لَا يُوَكَّلُونَ) مِنْ قِبَلِ وَلِيٍّ فِي إيجَابِ نِكَاحِ مُوَلِّيَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُمْ نِكَاحُ، مُوَلِّيَتِهِمْ فَمُوَلِّيَةُ غَيْرِهِمْ أَوْلَى (وَيَصِحُّ) أَنْ يَتَوَكَّلُوا عَنْ الزَّوْجِ فِي (قَبُولِهِ) أَيْ: النِّكَاحِ؛ لِصِحَّةِ قَبُولِهِ لِأَنْفُسِهِمْ، فَصَحَّ لِغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ. [فَصْلٌ اسْتَوَى وَلِيَّانِ فَأَكْثَرَ لِامْرَأَةٍ فِي دَرَجَةٍ] فَصْلٌ (وَإِنْ اسْتَوَى وَلِيَّانِ فَأَكْثَرَ) لِامْرَأَةٍ فِي دَرَجَةٍ كَإِخْوَةٍ كُلُّهُمْ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ بَنِي إخْوَةٍ كَذَلِكَ، أَوْ أَعْمَامٍ أَوْ بَنِيهِمْ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، تَعَيَّنَ، وَلَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَذِنَتْ لَهُمْ كُلِّهِمْ (صَحَّ التَّزْوِيجُ مِنْ كُلِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 وَاحِدٍ مِنْهُمْ) ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ أَفْضَلِ) الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ عِلْمًا وَدَيْنًا لِيُزَوِّجَ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفَضْلِ (فَأَسَنُّ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ إلَيْهِ مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَبِّرْ كَبِّرْ أَيْ: قَدِّمْ الْأَكْبَرَ، فَتَقَدَّمَ حُوَيِّصَةُ» ، وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْعَقْدِ فِي اجْتِمَاعِ شُرُوطِهِ وَالنَّظَرِ فِي الْأَحَظِّ (وَإِنْ تَشَاحُّوا) أَيْ: الْأَوْلِيَاءُ الْمُسْتَوُونَ فِي الدَّرَجَةِ، فَطَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يُزَوِّجَ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي الْحَقِّ، وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ (فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُ مَنْ قُرِعَ) أَيْ: مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (فَزَوَّجَ وَقَدْ أَذِنَتْ لَهُمْ) أَيْ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (صَحَّ) التَّزْوِيجُ، لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ وَلِيٍّ كَامِلِ الْوِلَايَةِ بِإِذْنِ مُوَلِّيَتِهِ، فَصَحَّ مِنْهُ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِالْوِلَايَةِ، وَلِأَنَّ الْقُرْعَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِإِزَالَةِ الْمُشَاحَّةِ، وَإِلَّا تَأْذَنْ لَهُمْ، بَلْ لِبَعْضِهِمْ (تَعَيَّنَ مَنْ أَذِنَتْ لَهُ) فَيُزَوِّجُهَا دُونَ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَكُونُوا مُجْبِرِينَ، كَأَوْصِيَاءِ بِكْرٍ جَعَلَ أَبُوهَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ، فَأَيُّهُمْ عَقَدَ صَحَّ. وَمَنْ أُلْحِقَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ أَبٍ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهَا إلَّا مِنْهُمْ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ. (وَإِنْ عَقَدَ وَلِيَّانِ) مُسْتَوِيَانِ فِي الدَّرَجَةِ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِمَا (لِاثْنَيْنِ) كَأَنْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا لِزَيْدٍ، وَالْآخَرُ لِعَمْرٍو (وَجُهِلَ السَّبْقُ) مُطْلَقًا بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ وَقَعَا مَعًا أَوْ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ؟ فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ (أَوْ عُلِمَ سَابِقٌ) مِنْهُمَا (ثُمَّ نُسِيَ) السَّابِقُ، فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ (أَوْ عُلِمَ السَّبْقُ) لِأَحَدِ الْعَقْدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (وَجُهِلَ السَّابِقُ) مِنْهُمَا (فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ) نَصًّا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا صَحِيحٌ، وَلَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. وَإِنْ طَلَّقَا لَمْ يُحْتَجْ إلَى الْفَسْخِ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهَا أَحَدُهُمَا بَعْدُ؛ لَمْ يَنْقُصْ بِهَذَا الطَّلَاقِ عَدَدٌ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِسَبْقٍ لِأَحَدِهِمَا؛ لَمْ يُقْبَلْ نَصًّا (وَإِنْ عُلِمَ وُقُوعُهُمَا) أَيْ: الْعَقْدَيْنِ (مَعًا) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (بَطَلَا) أَيْ فَهُمَا بَاطِلَانِ مِنْ أَصْلِهِمَا لَا يَحْتَاجَانِ إلَى فَسْخٍ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَصْحِيحَهُمَا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَا تَوَارُثَ فِيهِمَا (وَلَهَا) أَيْ: الَّتِي زَوَّجَهَا وَلِيَّاهَا لِاثْنَيْنِ، وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ بِعَيْنِهِ (فِي غَيْرِ هَذِهِ) الصُّورَةِ، وَهِيَ مَا إذَا عُلِمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا (نِصْفُ الْمَهْرِ) عَلَى أَحَدِهِمَا (بِقُرْعَةٍ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَمَنْ خَرَجْت عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ؛ أَخَذَتْ مِنْهُ نِصْفَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ عَقْدَ أَحَدِهِمَا صَحِيحٌ، وَقَدْ انْفَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا، فَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِمَا (وَإِنْ مَاتَتْ) فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ قَبْلَ فَسْخِ الْحَاكِمِ نِكَاحَهُمَا (فَلِأَحَدِهِمَا نِصْفُ مِيرَاثِهَا) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ (بِقُرْعَةٍ) فَيَأْخُذُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّهُ: يَقُولُ: لَا أَعْرِفُ الْحَالَ. (وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجَانِ) أَيْ: الْعَاقِدَانِ عَلَى امْرَأَةٍ، وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا (فَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِسَبَقٍ لِأَحَدِهِمَا فَلَا إرْثَ لَهَا مِنْ الْآخَرِ) لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ بِبُطْلَانِ نِكَاحِهِ لِتَأَخُّرِهِ (وَهِيَ تَدَّعِي مِيرَاثَهَا مِمَّنْ أَقَرَّتْ لَهُ) بِالسَّبْقِ؛ لِتَضَمُّنِهِ صِحَّةَ نِكَاحِهِ (فَإِنْ كَانَ ادَّعَى ذَلِكَ) أَيْ: السَّبْقَ (أَيْضًا) قَبْلَ مَوْتِهِ (دَفَعَ إلَيْهَا) إرْثَهَا مِنْهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ ادَّعَى ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ؛ (فَلَا) يُدْفَعُ إلَيْهَا شَيْءٌ (إنْ أَنْكَرَ وَرَثَتُهُ) سَبْقَهُ (وَحَلَفُوا) أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ السَّابِقُ، فَإِنْ نَكَلُوا قُضِيَ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ أَقَرَّتْ بِسَبْقٍ لِأَحَدِهِمَا وَرِثَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ) بِأَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ فَلَهَا إرْثُهَا مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ فَهِيَ الَّتِي تَرِثُهُ. تَنْبِيهٌ وَإِنْ عُلِمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَالنِّكَاحُ لَهُ، وَعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ وَعُقْبَةَ مَرْفُوعًا: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا ذَاتُ زَوْجٍ، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِبُطْلَانِ نِكَاحِهِ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ؛ فَهُوَ وَطْءُ شُبْهَةٍ يَجِبُ لَهَا بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَتُرَدُّ لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ وَطْءِ الثَّانِي، لِتُعْلَمَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا مِنْهُ، وَلَا يَرُدُّ الصَّدَاقَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الدَّاخِلِ بِهَا عَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي دُفِعَتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي بُضْعِهَا، فَلَا يَمْلِكُ عِوَضَهُ بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ؛ فَإِنَّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا، فَعِوَضُهَا لَهُ، وَلَا يَحْتَاجُ النِّكَاحُ الثَّانِي إلَى فَسْخٍ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ، فَلَا يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ إلَّا بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ دُونَ الْخَلْوَةِ وَالْمُفَاخَذَةِ، لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بَاطِلٌ، فَلَا حُكْمَ لَهُ. (وَلَوْ ادَّعَى كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (السَّبْقَ، فَأَقَرَّتْ بِهِ لِأَحَدِهِمَا) فَلَا أَثَرَ لَهُ كَمَا سَبَقَ (ثُمَّ إذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) بِأَنْ فَسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَهُمَا، أَوْ طَلَّقَاهَا (فَالْمَهْرُ) بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَبْلِهِ نِصْفُهُ (عَلَى الْمَقَرِّ لَهُ) لِاعْتِرَافِهِ بِهِ لَهَا، وَتَصْدِيقِهَا لَهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ) أَيْ: الْمَقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى إقْرَارِهِمَا (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي بُطْلَانَ نِكَاحِهِ لِتَأَخُّرِهِ (وَإِنْ مَاتَتْ) مَنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا بِالسَّبْقِ، وَصَدَّقَهَا (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْفَسْخِ وَالطَّلَاقِ (فَفِي إرْثِهِ إيَّاهَا احْتِمَالَانِ) أَحَدُهُمَا: لِأَحَدِهِمَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ يَقِفُ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ حَلَفَ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ، وَوَرِثَ، وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " فَقَالَا: وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُمَا احْتَمَلَ أَنْ يَرِثَهَا الْمَقَرُّ لَهُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا لَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ ": قُلْت: كِلَا الْوَجْهَيْنِ لَا يُخَرَّجُ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا لَا نَقِفُ بِالْخُصُومَاتِ قَطُّ. وَأَمَّا الثَّانِي فَكَيْفَ يَحْلِفُ مَنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ الْحَالَ؟ ، وَإِنَّمَا الْمَذْهَبُ عَلَى رِوَايَةِ الْقُرْعَةِ أَنَّهُ أَيُّهُمَا قُرِعَ فَلَهُ الْمِيرَاثُ بِلَا يَمِينٍ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِي رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، زَوَّجَ إحْدَاهُنَّ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَيَّتَهُنَّ زَوَّجَ، يُقْرَعُ، فَأَيَّتَهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ؛ فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَقَدْ كَتَبْنَاهَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا: لَا يُقْرَعُ، فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا تَأْخُذُ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصْفَ الْمَهْرِ بِالْقُرْعَةِ؛ فَكَذَلِكَ يَرِثُهَا أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا: لَا مَهْرَ فَهُنَا قَدْ يُقَالُ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا. انْتَهَى. (وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ لِأَحَدِهِمَا) بِالسَّبْقِ (إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَكَ) مَا لَوْ أَقَرَّتْ لَهُ فِي (حَيَاتِهِ) أَيْ: فَلَا أَثَرَ لِإِقْرَارِهَا، وَلَا إرْثَ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِنْكَارُ لِاسْتِحْقَاقِهَا، لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لَهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 (وَمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ بِأَمَتِهِ) صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا بِحُكْمِ الْإِذْنِ، (أَوْ) زَوَّجَ (ابْنَهُ) الصَّغِيرَ (بِبِنْتِ أَخِيهِ) صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ (أَوْ) زَوَّجَ (وَصِيٌّ فِي نِكَاحٍ صَغِيرًا) تَحْتَ حِجْرِهِ (بِصَغِيرَةٍ تَحْتَ حِجْرِهِ، صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، وَكَذَا وَلِيُّ امْرَأَةٍ عَاقِلَةٍ) لَهَا تَمَّ تِسْعُ سِنِينَ (تَحِلُّ لَهُ كَابْنِ عَمٍّ وَمَوْلًى وَحَاكِمٍ إذَا أَذِنَتْ لَهُ) بِنْتُ عَمِّهِ أَوْ عَتِيقَتُهُ أَوْ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا فِي تَزْوِيجِهَا، فَيَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قَارِظٍ أَتَجْعَلِينَ أَمْرَك إلَيَّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُك. وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ؛ فَجَازَ أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا، كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ وُجِدَ فِيهِ الْإِيجَابُ مِنْ وَلِيٍّ ثَابِتِ الْوِلَايَةِ، وَالْقَبُولُ مِنْ زَوْجٍ هُوَ أَهْلٌ لِلْقَبُولِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ وُجِدَ مِنْ رَجُلَيْنِ. (أَوْ وَكَّلَ زَوْجٌ وَلِيًّا) فِي قَبُولِ نِكَاحِ مَخْطُوبَتِهِ، صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْوَلِيِّ الْعَقْدَ (أَوْ عَكْسَهُ) بِأَنْ وَكَّلَ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ فِي إيجَابِ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ، فَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ (أَوْ وَكَّلَا) أَيْ: الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ رَجُلًا (وَاحِدًا) بِأَنْ وَكَّلَهُ الْوَلِيُّ فِي الْإِيجَابِ، وَالزَّوْجُ فِي الْقَبُولِ؛ فَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ لَهُمَا (وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ الْكَبِيرِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ؛ صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، وَكَذَا الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَنَحْوُهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، بَلْ يَكْفِي (زَوَّجْت فُلَانًا) وَيَنْسُبُهُ (فُلَانَةَ) وَيَنْسُبُهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ: وَقَبِلْت لَهُ نِكَاحَهَا (أَوْ) يَقُولُ (تَزَوَّجْتهَا إنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجُ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت نِكَاحَهَا لِنَفْسِي؛ لِأَنَّ إيجَابَهُ يَتَضَمَّنُ الْقَبُولَ (أَوْ كَانَ وَكِيلُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ؛ فَيَصِحُّ قَوْلُهُ تَزَوَّجْتهَا (لَكِنْ) لَا بُدَّ أَنْ (يَقُولَ: لِمُوَكَّلِي) فُلَانٍ أَوْ لِفُلَانٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: وَقَبِلْت نِكَاحَهَا (إلَّا بِنْتَ عَمِّهِ وَعَتِيقَتَيْهِ الْمَجْنُونَتَيْنِ) فَلَا يَكْفِيهِ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (فَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ إنْكَاحِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 (لَهُ وَلِيٌّ غَيْرُهُ) إنْ كَانَ، وَلَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ (أَوْ حَاكِمٌ) إنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إنَّمَا جُعِلَ لِلنَّظَرِ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ وَالِاحْتِيَاطِ لَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ فِيمَا هُوَ مَوْلًى عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ التُّهْمَةِ؛ كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ لَا يَبِيعُهُ لِنَفْسِهِ. [فَصْلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً إذَنْ أَيْ وَقْتَ الْقَوْلِ] فَصْلٌ (وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً إذَنْ) أَيْ: وَقْتَ الْقَوْلِ (لِخُلُوِّهَا عَنْ نَحْوِ اسْتِبْرَاءٍ) كَإِحْرَامٍ. (وَ) خُلُوِّهَا عَنْ (عِدَّةٍ) مِنْ الْغَيْرِ (وَعَنْ رَضَاعٍ) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضَعَتْهُ هِيَ أَوْ أُمُّهَا وَإِنْ عَلَتْ، أَوْ بِنْتُهَا وَإِنْ سَفَلَتْ أَوْ أُخْتُهَا وَلَا أَرْضَعَتْ أَبَاهُ وَلَا زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ؛ فَتَدْخُلُ الْكِتَابِيَّةُ الَّتِي أَبَوَاهَا كِتَابِيَّانِ، وَتَخْرُجُ الْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الَّتِي لَمْ تُسْتَبْرَأْ، وَالْمُحْرِمَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ، وَالْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِ بِرَضَاعٍ. وَقَوْلُهُ: لَوْ كَانَتْ حُرَّةً؛ لِدَفْعِ اعْتِبَارِ عَدَمِ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ الْمُعْتَبَرِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ (مِنْ) بَيَانٌ لِأَمَتِهِ (قِنٍّ وَمُدَبَّرَةٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ: أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك، أَوْ قَالَ: جَعَلْت عِتْقَ أَمَتِي صَدَاقَهَا، أَوْ قَالَ: جَعَلْت صَدَاقَ أَمَتِي عِتْقَهَا) صَحَّ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ أَتَى السَّيِّدُ بِإِحْدَى هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ (مَعَ تَعَدُّدِ) إمَائِهِ إذَا لَمْ يُفِضْ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ (وَثَمَّ) أَيْ: هُنَاكَ (نِيَّةٌ) مِنْ إرَادَةِ تَعَدُّدٍ أَوْ لَا (عَمِلَ بِهَا) أَيْ: بِالنِّيَّةِ، وَصَحَّ الْعَقْدُ وَالنِّكَاحُ (وَإِلَّا) تَكُنْ نِيَّةٌ (احْتَمَلَ صِحَّتَهُ فِيهِنَّ) أَيْ: إمَائِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ: قَوْلُهُ: أَمَتِي (مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ) جَمِيعَ إمَائِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ مَعَهُ عَدَدٌ مِنْ الزَّوْجَاتِ: زَوْجَتِي طَالِقٌ، وَأَطْلَقَ، وَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنَةً؛ طَلَّقَ كُلَّ زَوْجَاتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَتَقَدَّمَ فِي الْعِتْقِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 (أَوْ قَالَ: قَدْ أَعْتَقْتُهَا، وَجَعَلْت عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، أَوْ قَالَ: أَعْتَقْتهَا عَلَى أَنَّ عِتْقَهَا صَدَاقُهَا، أَوْ قَالَ: أَعْتِقُك عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَك وَعِتْقِي) صَدَاقُك (أَوْ عِتْقُك صَدَاقُك؛ صَحَّ) الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَتَزَوَّجْتُك أَوْ) لَمْ يَقُلْ: وَ (تَزَوَّجْتهَا) لِتَضَمُّنِ قَوْلِهِ: وَجَعَلْت عِتْقَهَا وَنَحْوَهُ صَدَاقَهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَنَسٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ «صَفِيَّةَ قَالَتْ: أَعْتَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلَ عِتْقِي صَدَاقِي» . وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا؛ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَفَعَلَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى النِّكَاحِ لِيَصِحَّ، وَقَدْ شَرَطَهُ صَدَاقًا، فَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِتْقِ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ لِيَكُونَ الْعِتْقُ صَدَاقًا فِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ الْعِتْقُ؛ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ (إنْ كَانَ) الْكَلَامُ (مُتَّصِلًا حَقِيقَةً) بِأَنْ لَمْ يَسْكُتْ بَعْدَ قَوْلِهِ أَعْتَقْتُك سُكُوتًا يُمْكِنُهُ التَّكَلُّمُ فِيهِ، أَوْ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ يَقُولُ: وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك، فَإِنْ فَعَلَ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالْعِتْقِ حُرَّةً، فَيَحْتَاجُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا بِصَدَاقٍ جَدِيدٍ، (أَوْ) كَانَ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا (حُكْمًا) فَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُك، ثُمَّ ذَرَعَهُ قَيْءٌ أَوْ سُعَالٌ أَوْ عُطَاسٌ، ثُمَّ قَالَ: وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك؛ صَحَّ، وَلَا يُعَدُّ مَا نَابَهُ مِنْ ذَلِكَ فَاصِلًا، وَلَوْ طَالَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَمَحَلُّ الصِّحَّةِ إنْ كَانَ (بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ) نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ» . ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، (وَ) كَانَ حِينَهُ (قَصَدَ بِالْعِتْقِ جَعْلَهُ) أَيْ: الْعِتْقِ (صَدَاقًا) لِمَا فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ إذَا قَالَ: أَجْعَلُ عِتْقَك صَدَاقَك، أَوْ صَدَاقَك عِتْقَك، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ. (وَيَصِحُّ جَعْلُ صَدَاقِ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ، عِتْقُ الْبَعْضِ الْآخَرِ) إنْ أَذِنَتْ هِيَ، وَمُعْتِقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 الْبَقِيَّةِ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (وَيَتَّجِهُ) فِيمَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ جَعْلُ ذَلِكَ (بِإِذْنِهَا) لِمَا فِيهَا مِنْ الْحُرِّيَّةِ (وَإِذْنُ مُعْتَقِهَا) لِمَا لَهُ مِنْ الْوَلَاءِ عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي أَعْتَقَهُ، فَيَثْبُتُ الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ جَمِيعًا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ، سَوَاءٌ قُدِّمَ لَفْظُ الْعِتْقِ عَلَى الْعَقْدِ أَوْ لَفْظُ الْعَقْدِ عَلَى الْعِتْقِ إذَا كَانَ كَلَامًا مَوْصُولًا، وَلَا خِيَارَ لِلْأَمَةِ، وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ التَّزْوِيجِ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ بَانَتْ قَبْلَ دُخُولٍ) وَقَدْ جَعَلَ عِتْقَهَا أَوْ عِتْقَ بَعْضِهَا صَدَاقَهَا (رَجَعَ مُعْتَقُهَا) عَلَيْهَا (بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أَعْتَقَ) مِنْهَا نَصًّا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِي نِصْفِ مَا فَرَضَ لَهَا، وَقَدْ فَرَضَ لَهَا نَفْسَهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى الرُّجُوعِ فِي الرِّقِّ بَعْدَ زَوَالِهِ، فَرَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أَعْتَقَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ صَدَاقُهَا (فَإِنْ فَسَخَتْ) هِيَ النِّكَاحُ كَأَنْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ، أَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ، (فَ) يَرْجِعُ عَلَيْهَا (بِكُلِّهِ) أَيْ: كُلِّ ثَمَنِهَا، وَيُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِعْتَاقِ، وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِعْطَاءِ إنْ كَانَتْ مَلِيئَةً (وَيُجْبِرُ عَلَى الِاسْتِسْعَاءِ) أَيْ: التَّكَسُّبِ (غَيْرَ مَلِيئَةٍ) لِتُعْطِيهِ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ مُسْتَقَرٌّ. (وَمَنْ أَعْتَقَهَا بِسُؤَالِهَا) عِتْقِهَا (عَلَى أَنْ تَنْكِحَهُ، أَوْ قَالَ) لَهَا مِنْ غَيْرِ سُؤَالِهَا (أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَنْكِحِينِي) وَيَكُونُ عِتْقُك صَدَاقَك، أَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَنْكِحِينِي (فَقَطْ) دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَيَكُونُ عِتْقُك صَدَاقَك (وَرَضِيَتْ، صَحَّ) الْعِتْقُ وَلَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَهُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ سَلَفًا فِي النِّكَاحِ فَلَمْ يَلْزَمْهَا، كَمَا لَوْ أَسْلَفَ حُرَّةً أَلْفًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (ثُمَّ إنْ نَكَحَتْهُ) لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا بِشَرْطِ عِوَضٍ، وَقَدْ سُلِّمَ لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ (وَإِلَّا) تَنْكِحَهُ، (فَعَلَيْهَا قِيمَةُ مَا أَعْتَقَ) مِنْهَا، كُلًّا كَانَ أَوْ بَعْضًا، لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا بِشَرْطِ عِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَاسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِبَدَلِهِ، كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، وَسَوَاءٌ امْتَنَعَتْ مِنْ تَزَوُّجِهِ أَوْ بَذَلَتْهُ، فَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا هُوَ كَمَا فِي " الشَّرْحِ " " وَالِاخْتِيَارَاتِ "، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 (وَ) لَوْ قَالَ: (أَعْتَقْتُك وَزَوِّجِينِي نَفْسَك؛ عَتَقَتْ) لِتَنْجِيزِ عِتْقِهَا (وَلَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) مِنْ قِيمَةِ نَفْسِهَا إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهَا بِمَا لَا يَلْزَمْهَا، وَلَمْ تَلْتَزِمْهُ. وَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ (زَوَّجْتُك لِزَيْدٍ، وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك) وَنَحْوَهُ كَزَوَّجْتُ أَمَتِي لِزَيْدٍ، وَعِتْقُهَا صَدَاقُهَا؛ صَحَّ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ (أَعْتِقُك، وَزَوَّجْتُك لَهُ) أَيْ: لِزَيْدٍ (عَلَى أَلْفٍ وَقَبِلَ) زَيْدٌ النِّكَاحَ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي الصُّورَتَيْنِ (صَحَّ) الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ، كَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ (أَعْتِقُك وَأَكْرَيْتُك مِنْهُ) أَيْ: مِنْ زَيْدٍ مَثَلًا (سَنَةً بِأَلْفٍ) فَيَصِحُّ الْعِتْقُ وَالْإِجَارَةُ إنْ قَبِلَهَا زَيْدٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْخِدْمَةِ، وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَزَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ وَهَبْتُكهَا وَأَكْرَيْتُهَا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ بِعْتُكهَا وَزَوَّجْتُهَا أَوْ أَكْرَيْتُهَا مِنْ فُلَانٍ؛ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ لِلْمَنْفَعَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّا نُجَوِّزُ الْعِتْقَ وَالْوَقْفَ وَالْهِبَةَ وَالْبَيْعَ مَعَ اسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَةِ الْخِدْمَةِ وَقَدْ جَوَّزْنَا أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ وَالْإِنْكَاحُ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْكَاحِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ، لِأَنَّهَا حِينَ الْإِعْتَاقِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ. ذَكَرَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " (وَلَا بَأْسَ بِعِتْقِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ (أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا) سَوَاءٌ أَعْتَقَهَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ؛ أَوْ أَعْتَقَهَا لِيَتَزَوَّجَهَا إذْ لَا مَحْظُورَ فِيهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ جَارِيَةٌ فَعَلَّمَهَا. وَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا أَوْ أَحْسَنَ إلَيْهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا؛ فَلَهُ أَجْرَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) إذَا قَالَ مُكَلَّفٌ لِآخَرَ (اعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي، فَأَعْتَقَهُ) لَمْ يَلْزَمْ الْقَائِلَ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ (فَإِنْ زَوَّجَهُ) ابْنَتَهُ فَلَا كَلَامَ (وَإِلَّا) يُزَوِّجْهُ إيَّاهَا (لَزِمَهُ) أَيْ: قَائِلَ ذَلِكَ لِلْمُعْتِقِ (قِيمَتُهُ) أَيْ: الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، وَتَقَدَّمَ. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: الشَّهَادَةُ) عَلَى النِّكَاحِ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ خَوْفَ الْإِنْكَارِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ حُضُورِ أَرْبَعَةٍ: الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ وَالشَّاهِدَانِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَغَايَا اللَّوَاتِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْوَلَدُ، فَاشْتُرِطَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ لِئَلَّا يَجْحَدَهُ أَبُوهُ، فَيَضِيعُ نَسَبُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَتَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ» فَمِنْ خَصَائِصِهِ كَمَا سَبَقَ، وَلِذَلِكَ قَالَ: (إلَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) إذَا نَكَحَ أَوْ أَنْكَحَ لِأَمْنِ الْإِنْكَارِ. مَسْأَلَةٌ قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ ": إذَا كَانَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي سَفَرِ لَيْسَ مَعَهُمَا وَلِيٌّ وَلَا شُهُودٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَإِنْ خَافَ الزِّنَا بِهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الزَّرْكَشِيّ: هَذَا الْقَوْلُ بِهَذَا الْقَيْدِ فِيهِ بَشَاعَةٌ؛ فَإِنَّ مُوَافَقَةَ الزِّنَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، فَإِذَا أَمْكَنَ الْعُدُولُ عَنْ صَرَاحَتِهِ إلَى مَا فِيهِ شُبْهَةٌ مَا؛ فَهُوَ أَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ بِلَا وَلِيٍّ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ؛ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْوُقُوعِ فِي زِنًا مُجْمَعٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ. (فَلَا يَنْعَقِدُ) النِّكَاحُ (إلَّا بِشَهَادَةِ ذَكَرَيْنِ) لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَلَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا الطَّلَاقِ (بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ) لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ (مُتَكَلِّمَيْنِ) لِأَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ (سَمِيعَيْنِ) لِأَنَّ الْأَصَمَّ لَا يَسْمَعُ الْعَقْدَ فَيَشْهَدُ بِهِ (مُسْلِمَيْنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ (وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَةَ ذِمِّيَّةٌ عَدْلَيْنِ وَلَوْ ظَاهِرًا) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الشَّهَادَةِ إعْلَانُ النِّكَاحِ وَإِظْهَارُهُ، وَلِذَلِكَ يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، فَإِذَا حَضَرَ مَنْ يُشْتَهَرُ بِحُضُورِهِ، صَحَّ (فَلَا يُنْقَضُ لَوْ بَانَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ (فَاسِقَيْنِ) لِوُقُوعِ النِّكَاحِ فِي الْقُرَى وَالْبَوَادِي بَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْعَدَالَةِ، فَاعْتِبَارُ ذَلِكَ يَشُقُّ، فَاكْتُفِيَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فِيهِ، وَكَذَا لَا يُنْقَضُ إنْ بَانَ الْوَلِيُّ فَاسِقًا (مِنْ غَيْرِ أَصْلِ وَفَرْعِ الزَّوْجَيْنِ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ عَمُودَيْ نَسَبِ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلِيِّ، فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ أَبِي الزَّوْجَةِ أَوْ جَدِّهَا فِيهِ، وَلَا ابْنِهَا وَابْنِهِ فِيهِ، وَكَذَا أَبُو الزَّوْجِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 وَجَدُّهُ وَابْنُهُ وَابْنُ ابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ، لِلتُّهْمَةِ. وَكَذَا أَبُو الْوَلِيِّ وَابْنُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الشَّاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ أَوْ بَصِيرَيْنِ، فَتَصِحُّ (وَلَوْ أَنَّهُمَا قِنَّانِ أَوْ ضَرِيرَانِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى قَوْلٍ أَشْبَهَتْ الِاسْتِفَاضَةَ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَتَيَقَّنَ الصَّوْتَ، فَلَا يَشُكُّ فِي الْعَاقِدَيْنِ كَمَا يَعْلَمْهُ مَنْ رَآهُمَا، (أَوْ) أَيْ: وَلَوْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ (عَدُّوا الزَّوْجَيْنِ) أَوْ عَدُّوا أَحَدِهِمَا أَوْ عَدُّوا الْوَلِيِّ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَلِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا غَيْرُ هَذَا النِّكَاحِ؛ فَالْعَقْدُ هُوَ أَيْضًا بِهِمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ شَهَادَةُ عَدُوِّي الزَّوْجَيْنِ مَقْبُولَةٌ فِي النِّكَاحِ (مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةِ) أَيْ: صِحَّةِ الْعَقْدِ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِبَاحَةِ مَا يَقْتَضِيهِ (وَأَمَّا لَوْ تَنَاكَرَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ النِّكَاحَ، أَوْ أَنْكَرَهُ أَحَدُهُمَا، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ تَوَاصٍ بِكِتْمَانِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مَكْتُومًا (فَلَوْ كَتَمَهُ) أَيْ النِّكَاحَ (وَلِيٌّ وَشُهُودٌ وَزَوْجَانِ؛ صَحَّ) الْعَقْدُ (وَكُرِهَ) كِتْمَانُهُمْ لَهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إعْلَانُ النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ : وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ مُسْلِمٍ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ، وَلَا بِشَهَادَةِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] : وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً كِتَابِيَّةً أَبَوَاهَا كِتَابِيَّانِ. (وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ بِزَوْجِيَّةِ الْآخَرِ؛ ثَبَتَ النِّكَاحُ بِإِقْرَارِهِمَا) لِعَدَمِ الْمُخَاصِمِ فِيهِ (وَلَوْ لَمْ يَقُولَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَ لَهُمَا فِيهِ، وَوَرِثَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِقِيَامِهَا بِهَا بِالْإِقْرَارِ، (وَلَوْ) أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالزَّوْجِيَّةِ فَ (جَحَدَتْهُ) الْمَرْأَةُ (ثُمَّ أَقَرَّتْ لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ صَحَّ الْإِقْرَارُ مِنْهَا وَ (لَمْ تَحِلَّ) لَهُ (إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِهَا فِي جُحُودِهَا، وَتَرِثُهُ إنْ مَاتَ بَعْدَ إقْرَارِهَا لَهُ، لَا إنْ بَقِيَتْ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 جُحُودِهَا حَتَّى مَاتَ؛ لِلتُّهْمَةِ فِي تَصْدِيقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. (فَإِنْ أَقَرَّ وَلِيُّ مُجْبِرٌ) أَنَّهُ زَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ مِنْ زَيْدٍ (صَحَّ إقْرَارُهُ) عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا لَا قَوْلَ لَهَا إذَنْ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْعَقْدِ، فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ كَالْوَكِيلِ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْوَلِيُّ مُجْبِرًا (فَلَا) يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ، لِأَنَّ لَهَا إذْنًا مُعْتَبَرًا (وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ) بِأَتَمِّ مِنْ هَذَا. (وَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ بِخُلُوِّهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ لَهَا سَابِقَةُ تَزَوُّجٍ، وَإِلَّا اُشْتُرِطَ ذِكْرُ خُلُوِّهَا (مِنْ الْمَوَانِعِ لِلنِّكَاحِ) كَالْعِدَّةِ وَالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا (أَوْ) أَيْ: وَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ عَلَى (إذْنِهَا) لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا؛ اكْتِفَاءً بِالظَّاهِرِ (وَالِاحْتِيَاطُ الْإِشْهَادُ) بِخُلُوِّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ وَبِإِذْنِهَا؛ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ. (وَإِنَّ ادَّعَى زَوْجٌ إذْنَهَا) لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ (وَأَنْكَرَتْ) الزَّوْجَةُ إذْنَهَا لِوَلِيِّهَا (صُدِّقَتْ قَبْلَ دُخُولِ) زَوْجٍ بِهَا مُطَاوَعَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَ (لَا) تُصَدَّقُ فِي إنْكَارِهَا الْإِذْنَ (بَعْدَهُ) أَيْ: الدُّخُولِ بِهَا مُطَاوَعَةً؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ بِهَا كَذَلِكَ دَلِيلُ كَذِبِهَا. (وَإِنْ ادَّعَتْ) زَوْجَةٌ (الْإِذْنَ) لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ (فَأَنْكَرَ وَرَثَتُهُ) ذَلِكَ (صُدِّقَتْ) لِأَنَّ الْوَلِيَّ غَيْرَ الْمُجْبِرِ لَا يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ بِدُونِ إذْنِهَا. الشَّرْطُ (الْخَامِسُ: خُلُوُّ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْمَوَانِعِ) الْآتِيَةِ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ (بِأَنْ لَا يَكُونَ بِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (أَوْ بِأَحَدِهِمَا مَا يَمْنَعُ التَّزْوِيجَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ أَوْ اخْتِلَافِ دِينٍ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وَهِيَ مَجُوسِيَّةً وَنَحْوُهُ مِمَّا يَأْتِي، وَكَوْنُهَا فِي (نَحْوِ عِدَّةٍ) كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا مُحْرِمًا. (وَالْكَفَاءَةُ) فِي الزَّوْجِ (لَيْسَتْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ) أَيْ: لِصِحَّةِ الْعَقْدِ (خِلَافًا لِأَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ) مِنْهُمْ الْخِرَقِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمَذْهَبِ " " وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ (بَلْ) هِيَ شَرْطٌ (لِلُّزُومِ) أَيْ: لُزُومِ النِّكَاحِ، هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ فِي " الْمُقْنِعِ " " وَالشَّرْحِ " وَهِيَ أَصَحُّ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَرَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَنْ تَنْكِحَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَوْلَاهُ، فَنَكَحَهَا بِأَمْرِهِ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: وَرَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ تَبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ أَبِي حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: رَأَيْت أُخْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تَحْتَ بِلَالٍ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، فَعَلَى هَذَا (يَصِحُّ) النِّكَاحُ (مَعَ فَقْدِهَا) أَيْ: فَقْدِ الْكَفَاءَةِ، فَهِيَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ كُلِّهِمْ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، لِتَسَاوِيهِمْ فِي لُحُوقِ الْعَارِ بِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ. (وَ) إذَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ (لِمَنْ لَمْ يَرْضَ) بِالنِّكَاحِ بَعْدَ عَقْدٍ (مِنْ امْرَأَةٍ وَعَصَبَةٍ حَتَّى مَنْ يَحْدُثُ) مِنْ عَصَبَتِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَارَ فِي تَزْوِيجِ مَنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ (وَهُوَ) أَيْ: خِيَارُ الْفَسْخِ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ، (عَلَى التَّرَاخِي) لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِنَقْصٍ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ أَشْبَهَ خِيَارَ الْعَيْبِ (فَلَا يَسْقُطُ) الْخِيَارُ (إلَّا بِإِسْقَاطِ عَصَبَةٍ بِقَوْلٍ) بِأَنْ يَقُولُوا: أَسْقَطْنَا الْكَفَاءَةَ، أَوْ رَضِينَا بِهِ غَيْرَ كُفْءٍ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا سُكُوتُهُمْ فَلَيْسَ رِضًى (أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا) أَيْ: الْمُزَوَّجَةِ (مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) كَأَنْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا عَالِمَةً أَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى وَلِيِّ الْمَرْأَةِ (تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ بِلَا رِضَاهَا) لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهَا، وَإِدْخَالٌ لِلْعَارِ عَلَيْهَا (وَيَفْسُقُ بِهِ) أَيْ: بِتَزْوِيجِهَا (وَلِيٌّ) بِغَيْرٍ كُفْءٍ بِلَا رِضَاهَا إنْ تَعَمَّدَ. (وَلَوْ زَالَتْ الْكَفَاءَةُ بَعْدَ عَقْدٍ فَلَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (فَقَطْ الْفَسْخُ) دُونَ أَوْلِيَائِهَا كَعِتْقِهَا تَحْتَ عَبْدٍ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْأَوْلِيَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، لَا فِي اسْتِدَامَتِهِ. (وَالْكَفَاءَةُ) لُغَةً: الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُسَاوَاةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» ، أَيْ: تَتَسَاوَى، فَيَكُونُ دَمُ الْوَضِيعِ مِنْهُمْ كَدَمِ الرَّفِيعِ، وَهِيَ هُنَا (مُعْتَبَرَةٌ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ) : أَوَّلُهَا: (دِينٌ، فَلَا تُزَوَّجُ عَفِيفَةٌ) عَنْ الزِّنَا (بِفَاجِرٍ) أَيْ: بِفَاسِقٍ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ اعْتِقَادٍ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: لَا يُزَوِّجُ بِنْتَهُ مِنْ حَرُورِيٍّ قَدْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 مَرَقَ مِنْ الدِّينِ، وَلَا مِنْ الرَّافِضِيِّ، وَلَا مِنْ الْقَدَرِيِّ، فَإِنْ كَانَ لَا يَدْعُو فَلَا بَأْسَ. قَالَ الْقَاضِي: الْمُبْتَدِعُ إنْ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ؛ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ كَالْمُرْتَدِّ، وَإِنْ حَكَمْنَا بِفِسْقِهِ؛ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ؛ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَإِنْ لَمْ نَحْكُمْ بِكُفْرِهِ وَلَا فِسْقِهِ وَهُوَ إذَا كَانَ مُقَلِّدًا لَا يَدْعُو إلَى ذَلِكَ؛ صَحَّ النِّكَاحُ. انْتَهَى. (وَ) لَا تُزَوَّجُ امْرَأَةٌ (عَدْلٌ بِفَاسِقٍ) كَشَارِبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ، سَكِرَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَسْكَرْ، وَكَذَلِكَ مَنْ سَكِرَ مِنْ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمُسْكِرِ لَمْ يَكُنْ كُفْئًا. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: قُلْت لِإِسْحَاقَ فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ وَأُخْتَهُ مِمَّنْ يُشْرِبُ الْخَمْرَ. قَالَ: لَا، هَذَا فَاسِقٌ، فَإِذَا زَوَّجَ كَرِيمَتَهُ مِنْ فَاسِقٍ فَقَدْ قَطَعَ رَحِمَهُ، وَلِأَنَّ مَنْ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ، وَذَلِكَ نَقْصٌ فِي إنْسَانِيَّتِهِ؛ فَلَيْسَ كُفْءٌ لِعَدْلٍ. (وَ) الثَّانِي (مَنْصِبٌ، وَهُوَ النَّسَبُ فَلَا تُزَوَّجُ عَرَبِيَّةٌ) مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ (بِعَجَمِيٍّ) وَهُوَ مَنْ لَيْسَ مِنْ الْعَرَبِ، وَلَا: بِوَلَدِ زِنًا؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: لَأَمْنَعَنَّ تَزَوُّجَ ذَوَاتِ الْأَحْسَابِ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ. رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَلِأَنَّ الْعَرَبَ يَعْتَقِدُونَ الْكَفَاءَةَ فِي النَّسَبِ، وَيَأْنَفُونَ مِنْ نِكَاحِ الْمَوَالِي، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ نَقْصًا وَعَارًا. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» وَلِأَنَّ الْعَرَبَ فَضَلَتْ الْأُمَمَ بِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَ) الثَّالِثُ (حُرِّيَّةٌ، فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ وَلَوْ عَتِيقَةٌ بِعَبْدٍ أَوْ مُبَعَّضٍ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ، مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ، غَيْرَ مَالِكٍ لَهُ، وَلِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ لِرَقَبَتِهِ يُشْبِهُ مِلْكَ الْبَهِيمَةِ، فَلَا يُسَاوِي الْحُرَّةَ لِذَلِكَ (وَيَصِحُّ) النِّكَاحُ (إنْ عَتَقَ) الْعَبْدُ (مَعَ قَبُولِهِ) النِّكَاحَ (كَ) قَوْلِ سَيِّدِهِ لَهُ (أَعْتَقْتُك مَعَ قَبُولِك النِّكَاحَ) أَوْ يَكُونُ السَّيِّدُ وَكِيلًا عَنْ عَبْدِهِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ، فَيَقُولُ بَعْدَ إيجَابِ النِّكَاحِ لِعَبْدِهِ: قَبِلْت لَهُ هَذَا النِّكَاحَ، وَأَعْتَقْته؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ بَعْدَ الْعَقْدِ يُمْكِنُ الْفَسْخُ فِيهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَتِيقَ كُلَّهُ كُفْءٌ لِحُرَّةِ الْأَصْلِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 (وَ) الرَّابِعُ (صِنَاعَةٌ غَيْرُ رَزِيَّةٍ) أَيْ: دَنِيئَةٍ (فَلَا تُزَوَّجُ بِنْتُ بَزَّازٍ) أَيْ: تَاجِرٍ فِي الْبَزِّ وَهُوَ الْقُمَاشُ (بِحَجَّامٍ، وَلَا) تُزَوَّجُ (بِنْتُ تَانِئٍ صَاحِبَ عَقَارٍ بِحَائِكٍ) وَنَحْوِهِ كَكَسَّاحٍ وَزَبَّالٍ وَنَفَّاطٍ وَدَبَّاغٍ وَحَارِسٍ وَمُكَارٍ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ؛ أَشْبَهَ نَقْصَ النَّسَبِ، وَرُوِيَ فِي حَدِيثٍ «الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءُ إلَّا حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا» قِيلَ لِأَحْمَدَ: كَيْف تَأْخُذُ بِهِ وَأَنْتَ تُضَعِّفُهُ؟ قَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَهْلِ الْعُرْفِ. (وَ) الْخَامِسُ (يَسَارٌ بِحَسَبِ مَا يَجِبُ لَهَا مِنْ مَهْرٍ وَنَفَقَةٍ) فَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا، وَإِنْ كَانَ مَالُ الْمَرْأَةِ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَالِ هُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ) : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَتَقَدَّرَ الْمَالُ بِمِقْدَارِ مِلْكِ النِّصَابِ أَوْ غَيْرِهِ، بَلْ إنْ كَانَ حَالُ أَبِيهَا مِمَّنْ لَا يُزْرِي عَلَيْهَا بِتَزْوِيجِهَا بِالزَّوْجِ، بِأَنْ يَكُونَ مُوَازِيًا أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْمَالِ الَّذِي يَقْدِرُ بِهِ عَلَى نَفَقَةِ الْمُوسِرِينَ (بِحَيْثُ لَا تَتَغَيَّرُ عَلَيْهَا عَادَتُهَا عِنْدَ أَبِيهَا فِي بَيْتِهِ) فَذَلِكَ الْمُعْتَبَرُ. انْتَهَى. (فَلَا تُزَوَّجُ مُوسِرَةٌ بِمُعْسِرٍ) لِأَنَّ عَلَيْهَا ضَرَرًا فِي إعْسَارِ زَوْجِهَا؛ لِإِخْلَالِهِ بِنَفَقَتِهَا وَمُؤْنَةِ أَوْلَادِهِ، وَلِهَذَا مَلَكَتْ الْفَسْخَ بِإِعْسَارِهِ بِالنَّفَقَةِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصًا فِي عُرْفِ النَّاسِ يَتَفَاضَلُونَ بِهِ كَتَفَاضُلِهِمْ فِي النَّسَبِ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (وَ) مِمَّا يَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ فِي الْكَفَاءَةِ (فَقْدُ الْعُيُوبِ) الْمُثْبَتَةِ لِخِيَارِ الْفَسْخِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَصْحَابُنَا، لَكِنْ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ شَرْطٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ بِمَعِيبٍ، وَإِنْ أَرَادَتْ، فَعَلَى هَذَا السَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ مِنْ جُمْلَةِ خِصَالِ الْكَفَاءَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا الْكَفَاءَةُ هُنَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا، لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا الْكَفَاءَةَ الْمُخْتَلَفِ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ الَّتِي هِيَ حَقٌّ لِلَّهِ، أَوْ لِمَنْ يَحْدُثُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، وَالسَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِفَقْدِهَا مَعَ رِضَى الْمَرْأَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ قَوْلًا وَاحِدًا. انْتَهَى. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَلَا تُزَوَّجُ صَحِيحَةٌ بِنَحْوِ مَجْذُومٍ) كَمَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 بِهِ بَرَصٌ وَجُنُونٌ (كَمَا يَأْتِي) فِي بَابِ الْعُيُوبِ فِي النِّكَاحِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ الصِّفَاتُ) وَهِيَ الدِّينُ وَالْمَنْصِبُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالصِّنَاعَةُ غَيْرُ الرَّزِيَّةِ وَالْيَسَارُ (فِي الْمَرْأَةِ) لِأَنَّ الْوَلَدَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ أَبِيهِ لَا بِشَرَفِ أُمِّهِ، فَلَيْسَتْ الْكَفَاءَةُ شَرْطًا فِي حَقِّهَا لِلرَّجُلِ (فَيَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ بِمَنْ شَاءَ) «وَقَدْ تَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ، وَتَسَرَّى بِالْإِمَاءِ» (وَلَيْسَ مَوْلَى الْقَوْمِ كُفْئًا لَهُمْ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ (وَالْعَرَبُ مِنْ قُرَشِيٍّ وَغَيْرِهِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ قَالَ: إنَّ الْهَاشِمِيَّةَ لَا تُزَوَّجُ بِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ فَهَذَا مَارِقٌ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ؛ إذْ قِصَّةُ تَزْوِيجِ الْهَاشِمِيَّاتِ مِنْ بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِنَّ بِغَيْرِ الْهَاشِمَيْنِ ثَابِتٌ فِي السُّنَّةِ ثُبُوتًا لَا يَخْفَى، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَى هَذَا خِلَافًا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَا أُصُولُهُ تَقْتَضِيهِ. انْتَهَى. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمِقْدَادِ بْنَ الْأَسْوَدَ الْكِنْدِيَّ تَزَوَّجَ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَزَوَّجَ أَبُو بَكْرٍ أُخْتَهُ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ الْكِنْدِيَّ، وَزَوَّجَ عَلِيٌّ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَسَائِرُ النَّاسِ) أَيْ: بَاقِيهِمْ بَعْدَ الْعَرَبِ (بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ. [بَابُ مَوَانِعِ النِّكَاحِ] ِ (الْمُحَرَّمَاتُ فِي النِّكَاحِ ضَرْبَانِ) أَيْ: صِنْفَانِ (ضَرْبٌ) يَحْرُمُ (عَلَى الْأَبَدِ وَهُنَّ) أَيْ: الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى الْأَبَدِ (أَقْسَامٌ) سِتَّةٌ. (قِسْمٌ) يَحْرُمُ (بِالنَّسَبِ وَهُنَّ سَبْعٌ: الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَتْ لِأَبٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 أَوْ لِأُمٍّ (وَإِنْ عَلَتْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] وَأُمَّهَاتُك كُلُّ مَنْ انْتَسَبْت إلَيْهَا بِوِلَادَةٍ، سَوَاءٌ وَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ الْأُمِّ حَقِيقَةً وَهِيَ الَّتِي وَلَدَتْك أَوْ مَجَازًا وَهِيَ الَّتِي وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَك وَإِنْ عَلَتْ، وَارِثَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ وَارِثَةٍ. ذَكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، هَاجَرَ أُمَّ إسْمَاعِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ» . وَبَنُو مَاءِ السَّمَاءِ طَائِفَةٌ مِنْ الْعَرَبِ، وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى أَبِينَا آدَمَ وَأُمِّنَا حَوَّاءَ " (وَالْبَنَاتُ) لِصُلْبٍ (وَبَنَاتُ الْوَلَدِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَإِنْ سَفَلَ) وَارِثَاتٍ كُنَّ أَوْ غَيْرَ وَارِثَاتٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] (وَلَوْ مَنْفِيَّاتٍ بِلِعَانٍ، أَوْ) كُنَّ (مِنْ زِنًا) أَوْ شُبْهَةٍ؛ لِدُخُولِهِنَّ فِي عُمُومِ، اللَّفْظِ، وَلِأَنَّ بِنْتَهُ مِنْ الزِّنَا خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ، فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ كَتَحْرِيمِ الزَّانِيَةِ عَلَى وَلَدِهَا مِنْ الزِّنَا، وَكَبِنْتِهِ مِنْ النِّكَاحِ، وَتَخَلُّفُ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَا يَنْفِي كَوْنَهَا بِنْتًا، كَمَا لَوْ تَخَلَّفَ لِرِقٍّ أَوْ اخْتِلَافِ دِينٍ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْمِهِ بِكَوْنِهَا مِنْهُ، مِثْلَ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً، فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَحْفَظُهَا حَتَّى تَضَعَ، أَوْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ، فَتَأْتِي بِوَلَدٍ لَا يَعْلَمُ هَلْ هُوَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى جَمِيعِهِمْ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِ الثَّانِي: أَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّهَا بِنْتُ بَعْضِهِمْ فَتَحْرُمُ عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ، وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا، وَحُرِّمَتْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ بَعْضِهِمْ غَيْرَ مَعْلُومٍ، فَإِنْ أَلْحَقْتهَا الْقَافَةُ بِأَحَدِهِمْ؛ حَلَّتْ لِأَوْلَادِ الْبَاقِينَ، وَالْمَنْفِيَّةُ بِلِعَانٍ لَا يَسْقُطُ احْتِمَالُ كَوْنِهَا خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ (وَيَكْفِي فِي التَّحْرِيمِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا بِنْتُهُ ظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ لِغَيْرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الشَّبَهَ يَكْفِي فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: «أَلَيْسَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْ، ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ وَقَالَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَقَالَ: إنَّمَا حَجَبَهَا لِلشَّبَهِ الَّذِي رَآهُ بِعَيْنِهِ (وَالْأُخْتُ مِنْ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ) أَيْ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 سَوَاءٌ كَانَتْ شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: 23] (وَبِنْتٌ لَهَا) أَيْ " الْأُخْتِ مُطْلَقًا (أَوْ) بِنْتٌ (لِابْنِهَا) أَيْ: ابْنِ الْأُخْتِ (أَوْ) بِنْتُ (بِنْتِهَا) أَيْ بِنْتُ الْأُخْتِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] (وَبِنْتُ كُلِّ أَخٍ) شَقِيقٍ، أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (وَبِنْتُهَا) أَيْ: بِنْتُ الْأَخِ وَ (وَبِنْتُ) ابْنِهَا (وَإِنْ نَزَلْنَ كُلُّهُنَّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبَنَاتُ الأَخِ} [النساء: 23] (وَالْعَمَّةِ) مِنْ كُلِّ جِهَةٍ (وَالْخَالَةُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَإِنْ عَلَتَا) أَيْ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ (كَعَمَّةِ أَبِيهِ وَ) عَمَّةِ (أُمِّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ} [النساء: 23] (وَعَمَّةُ الْعَمِّ لِأَبٍ، لِأَنَّهَا عَمَّةُ أَبِيهِ) وَ (لَا) تَحْرُمُ (عَمَّةُ) الْعَمِّ (لِأُمٍّ) بِأَنْ يَكُونَ لِلْعَمِّ أَخِي أَبِيهِ لِأُمِّهِ عَمَّةٌ، فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ (لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ، وَكَعَمَّةِ الْخَالَةِ لِأَبٍ) هِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا جُرَّ بِالْكَافِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْخَالَةَ لِأَبٍ هِيَ أُخْتُ الْأُمِّ لِأَبِيهَا إذَا كَانَ لَهَا عَمَّةٌ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ؛ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ (لِأَنَّهَا عَمَّةٌ لِأُمٍّ) وَ (لَا) تَحْرُمُ (عَمَّةُ خَالَةٍ لِأُمٍّ) يَعْنِي أَنَّ الْخَالَةَ أُخْتُ الْأُمِّ لِأُمِّهَا إذَا كَانَ لَهَا عَمَّةٌ لَا تَحْرُمُ عَلَى ابْنِ أُخْتِهَا لِأُمِّهَا، وَصُورَتُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ بِغَيْرِ الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ، فَإِذَا أَتَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ فَهِيَ خَالَةٌ لِأُمٍّ، فَإِذَا كَانَ لَهَا عَمَّةٌ لَا تَحْرُمُ عَلَى ابْنِ أُخْتِهَا لِأُمِّهَا؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَتَحْرُمُ كُلُّ نَسِيبَةٍ سِوَى بِنْتِ عَمٍّ وَ) بِنْتُ (عَمَّةٍ، بِنْتُ خَالٍ وَ) بِنْتُ (خَالَةٍ) وَإِنْ نَزَلْنَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبَنَاتِ عَمِّكَ} [الأحزاب: 50] الْآيَةَ. الْقِسْمُ (الثَّانِي) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَبَدِ الْمُحَرَّمَاتُ (بِالرَّضَاعِ وَلَوْ حَصَلَ) الْإِرْضَاعُ (بِإِكْرَاهٍ) كَمَنْ أَكْرَهَ امْرَأَةً عَلَى إرْضَاعِ طِفْلٍ فَأَرْضَعَتْهُ؛ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي سَبَبِ التَّحْرِيمِ كَوْنُهُ مُبَاحًا بِدَلِيلِ ثُبُوتِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ لَبَنَ امْرَأَةٍ وَسَقَاهُ طِفْلًا سَقْيًا مُحَرَّمًا (وَتَحْرِيمُهُ) أَيْ: الرَّضَاعِ (كَ) تَحْرِيمِ (نَسَبٍ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ، مِنْ النَّسَبِ حَرُمَ مِثْلُهَا مِنْ الرَّضَاعِ حَتَّى مَنْ ارْتَضَعَتْ مِنْ لَبَنٍ ثَابَ مِنْهُ مِنْ زِنًا كَبِنْتِهِ مِنْ زِنًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ فَقَالَ: إنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي إنَّهَا ابْنَتُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ» وَفِي لَفْظٍ: مِنْ النَّسَبِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَبِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلِأَنَّ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِنَّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَالْبَاقِيَاتُ يَدْخُلْنَ فِي عُمُومِ سَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَنَاتُ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ، وَأَخَوَاتُ الْمُرْضِعَةِ وَأُمَّهَاتُهَا وَأُمَّهَاتُ صَاحِبِ اللَّبَنِ وَأَخَوَاتُهُ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ أَنْسَابِهِ أَوْ أَنْسَابِ الْمُرْضِعَةِ؛ كَعَمَّتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهِ وَخَالَتِهَا (حَتَّى فِي مُصَاهَرَةٍ، فَتَحْرُمُ زَوْجَةُ أَبِيهِ وَ) وَزَوْجَةُ (ابْنِهِ مِنْ رَضَاعٍ) كَمَا تَحْرُمُ زَوْجَةُ أَبِيهِ (وَ) ابْنِهِ (مِنْ نَسَبٍ) وقَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] احْتِرَازٌ عَمَّنْ تَبَنَّاهُ وَ (لَا) يَحْرُمُ عَلَى رَجُلٍ (أُمُّ أَخِيهِ) مِنْ رَضَاعٍ (وَلَا أُخْتُ ابْنِهِ مِنْ رَضَاعٍ) أَيْ: فَتَحِلُّ مُرْضِعَةٌ وَبِنْتُهَا لِأَبِي مُرْتَضِعٍ وَأَخِيهِ مِنْ نَسَبٍ، وَتَحِلُّ أُمُّ مُرْتَضِعِ وَأُخْتِهِ مِنْ نَسَبٍ لِأَبِيهِ مِنْ رَضَاعٍ؛ لِأَنَّهُنَّ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ، لَا فِي مُقَابَلَةِ مَنْ يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ وَالشَّارِعُ إنَّمَا حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يُحَرَّمُ مِنْ النَّسَبِ لَا مَا يُحَرَّمُ بِالْمُصَاهَرَةِ. الْقِسْمُ (الثَّالِثُ) الْمُحَرَّمَاتُ (بِالْمُصَاهَرَةِ، وَهُنَّ أَرْبَعٌ) عَلَى التَّأْبِيدِ : إحْدَاهُنَّ (أُمَّهَاتُ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ عَلَوْنَ) مِنْ نَسَبٍ، وَمِثْلُهُنَّ مِنْ رَضَاعٍ؛ فَيُحَرَّمْنَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهَا مِنْ نِسَائِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ الْقُرْآنُ؛ أَيْ: عَمِّمُوا حُكْمَهَا فِي كُلِّ حَالٍ، وَلَا تُفَصِّلُوا بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَبِيبَتَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا» . رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ. (وَ) الثَّانِيَةُ (حَلَائِلُ عَمُودَيْ نَسَبِهِ) أَيْ: زَوْجَاتُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ، سُمِّيَتْ امْرَأَةُ، الرَّجُلِ حَلِيلَةً، لِأَنَّهَا تَحِلُّ إزَارَ زَوْجِهَا، وَهِيَ مُحَلَّلَةٌ لَهُ (وَمِثْلُهُنَّ) أَيْ: مِثْلُ حَلَائِلِ عَمُودَيْ نَسَبِهِ زَوْجَاتُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ (مِنْ رَضَاعٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: لَمْ يَقُلْ الشَّارِعُ: مَا يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ، فَأُمُّ امْرَأَتِهِ بِرَضَاعٍ وَامْرَأَةُ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ الَّتِي لَمْ تُرْضِعْهُ، وَبِنْتُ امْرَأَتِهِ بِلَبَنِ غَيْرِهِ حُرِّمْنَ مِنْ الْمُصَاهَرَةِ، لَا بِالنَّسَبِ، وَلَا مُصَاهَرَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ، فَلَا تَحْرِيمَ. انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ زَوْجَةُ ابْنِهِ مِنْ صُلْبِهِ أَوْ مِنْ الرَّضَاعِ، لَا زَوْجَةُ ابْنِهِ الَّذِي تَبَنَّاهُ، وَلَا زَوْجَةَ ابْنِهِ (مِنْ زِنًا) ، لِأَنَّهُ يُنْسَبُ لِأُمِّهِ؛ فَزَوْجَتُهُ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ الزَّانِي، وَكَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ عَلَى وَلَدِ الزِّنَا زَوْجَةُ أَبِيهِ الزَّانِي؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ، كَذَا قَالَ. وَفِي حَاشِيَةِ الْإِقْنَاعِ حَلِيلَةُ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ مِنْ الزِّنَا حَرَامٌ، أَخَذَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ تَحْرِيمِ بِنْتِهِ مِنْ الزِّنَا عَلَى ابْنِهِ وَأَخِيهِ وَأَبِيهِ. انْتَهَى. (فَيُحَرَّمْنَ) أَيْ: الْمَذْكُورَاتُ مِنْ زَوْجَاتِ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ) قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَيَدْخُلُ فِيهِ زَوْجَةُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرِهِ، وَزَوْجَةُ الِابْنِ وَزَوْجَةُ ابْنِهِ وَابْنُ ابْنَتِهِ وَإِنْ نَزَلَ، وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 (وَ) يَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، أَمَّا ثُبُوتُ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ؛ فَإِجْمَاعٌ، وَتَصِيرُ مُحَرَّمًا لِمَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ؛ أَشْبَهَ النَّسَبَ، وَأَمَّا ثُبُوتُ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ (بِ) الْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ (فَاسِدٍ) أَوْ شِرَاءٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، أَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَفِيهِ (خِلَافٌ) قِيلَ: لَا يَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْقَاضِي، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَهُ غَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " " وَالرِّعَايَتَيْنِ " " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": فَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ كَتَعَلُّقِهِ بِالْوَطْءِ الْمُبَاحِ إجْمَاعًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَطِئَ امْرَأَةً بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ شِرَاءٍ فَاسِدٍ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَجْدَادِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ، فَأَثْبَتَ التَّحْرِيمَ كَالْوَطْءِ الْمُبَاحِ، وَلَا يَصِيرُ بِهِ الرَّجُلُ مَحْرَمًا لِمَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَلَا يُبَاحُ لَهُ بِهِ النَّظَرُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ بِمُبَاحٍ، وَلِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِكَمَالِ حُرْمَةِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهَا إبَاحَةٌ، وَلِأَنَّ الْمَوْطُوءَةَ لَمْ نَسْتَبِحْ النَّظَرَ إلَيْهَا، فَلَأَنْ لَا نَسْتَبِيحَ النَّظَرَ إلَى غَيْرِهَا بِهِ أَوْلَى انْتَهَى (وَلَا) تُحَرَّمُ (بَنَاتُهُنَّ) أَيْ: بَنَاتُ حَلَائِلِ عَمُودَيْ نَسَبِهِ (وَأُمَّهَاتُهُنَّ) فَتَحِلُّ لَهُ رَبِيبَةُ وَالِدِهِ، وَوَلَدِهِ، وَأُمُّ زَوْجَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (وَ) الرَّابِعَةُ (الرَّبَائِبُ) وَلَوْ كُنَّ فِي غَيْرِ حِجْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّرْبِيَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي التَّحْرِيمِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِذَلِكَ تَعْرِيفًا لَهَا بِغَالِبِ أَحْوَالِهَا، وَمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِمَفْهُومِهِ (وَهُنَّ) أَيْ: الرَّبَائِبُ الْمُحَرَّمَاتُ (بَنَاتُ زَوْجَةٍ دَخَلَ بِهَا وَإِنْ سَفَلْنَ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] (أَوْ كُنَّ) بَنَاتٍ (لِرَبِيبٍ أَوْ) كُنَّ بَنَاتٍ (لِابْنٍ) قَرِيبَاتٍ كُنَّ أَوْ بَعِيدَاتٍ، وَارِثَاتٍ أَوْ غَيْرِ وَارِثَاتٍ (فَإِنْ مَاتَتْ) الزَّوْجَةُ (قَبْلَ دُخُولٍ) لَمْ تَحْرُمْ بَنَاتُهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] (أَوْ أَبَانَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةَ (بَعْدَ خَلْوَةٍ وَقَبْلَ وَطْءٍ لَمْ يُحَرَّمْنَ) أَيْ بَنَاتُهَا لِلْآيَةِ، وَالْخَلْوَةُ لَا تُسَمَّى دُخُولًا (وَتَحِلُّ زَوْجَةُ رَبِيبٍ) بَانَتْ مِنْهُ لِزَوْجِ أُمِّهِ (وَ) تَحِلُّ (بِنْتُ زَوْجِ أُمٍّ) لِابْنِ امْرَأَةٍ (وَ) تَحِلُّ (زَوْجَةُ زَوْجِ أُمٍّ) لِابْنِ امْرَأَتِهِ (وَ) تَحِلُّ (لِأُنْثَى ابْنِ زَوْجَةٍ) لِابْنِهَا كَشَخْصٍ، لَهُ أُمٌّ مُتَزَوِّجَةٌ بِشَخْصٍ، وَهَذَا الشَّخْصُ لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى، فَأَبَانَهَا؛ فَلِابْنِ زَوْجَتِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمُبَانَتِهِ (وَ) يَحِلُّ (لِأُنْثَى ابْنِ زَوْجَةٍ ابْنُهَا) كَامْرَأَةٍ لَهَا ابْنٌ مُتَزَوِّجٌ بِامْرَأَةٍ وَلِزَوْجَةِ ابْنِهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ؛ فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ (وَ) يَحِلُّ لِأُنْثَى (زَوْجُ زَوْجَةِ أَبِيهَا وَ) كَذَلِكَ يَحِلُّ لَهَا (زَوْجُ زَوْجَةِ ابْنِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفُرُوجِ الْحِلُّ؛ إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ (وَلَا يُحَرِّمُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَطْءٌ (فِي مُصَاهَرَةٍ، إلَّا تَغْيِيبَ حَشَفَةٌ أَصْلِيَّةٌ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ وَلَوْ دُبُرًا) قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ فَرْجٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ إذَا وُجِدَ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، وَكَذَا فِي الزِّنَا، وَفِيهِ مَعَ مَا يَأْتِي نَوْعُ تَنَاقُضٍ، فَإِنَّ هَذَا يُعْطِي أَنَّ اسْتِدْخَالَ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ لَا يَكْفِي فِي التَّحْرِيمِ، مَعَ أَنَّهُ يَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ فِي فَصْلٍ وَيُسْقِطُ الصَّدَاقَ كُلَّهُ إلَى آخِرِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 لَا إنْ تَحَمَّلَتْ بِمَائِهِ، وَيَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ إلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَا مُصَاهَرَةٌ. وَمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ مَشَى بِهِ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ "، وَمَا هُنَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ فَتَنَبَّهْ لَهُ، (أَوْ) كَانَ الْوَطْءُ (بِشُبْهَةٍ أَوْ بِزِنًا) فَلَوْ زِنَا بِامْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا كَوَطْءِ الْحَلَالِ وَالشُّبْهَةِ؛ وَلَوْ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتَ امْرَأَتِهِ؛ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يُثْبِتُ هَذَا الْوَطْءُ مَحْرَمِيَّةً وَلَا إبَاحَةَ نَظَرٍ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّ الْوَطْءَ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ مُوجِبٌ لِلتَّحْرِيمِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُبَاحًا (أَوْ) مُحَرَّمًا (بِحَائِلٍ) غَيْرِ صَفِيقٍ إنْ أَحَسَّ بِالْحَرَارَةِ (أَوْ) بِدُونِهِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ، وَهُوَ يُسَمَّى نِكَاحًا؛ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] الْآيَةَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (بِشَرْطِ حَيَاتِهِمَا) أَيْ: الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ، فَلَوْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِ مَيِّتَةٍ (أَوْ) أَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ حَشَفَةَ مَيِّتٍ فِي فَرْجِهَا؛ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَيَأْتِي (وَ) بِشَرْطِ (كَوْنُ مِثْلِهِمَا يَطَأُ وَيُوطَأُ) فَلَا يَتَعَلَّقُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْءِ صَغِيرٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: اشْتِرَاطُ كَوْنِ مِثْلِهَا يَطَأُ وَيُوطَأُ (فَلَوْ عَقَدَ ابْنُ تِسْعٍ عَلَى امْرَأَةٍ وَأَصَابَهَا وَفَارَقَهَا؛ حَلَّتْ لَهُ بِنْتُهَا) إذْ لَا تَأْثِيرَ لِهَذِهِ الْإِصَابَةِ؛ فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا (وَكَذَا عَكْسُهُ) كَمَا لَوْ أَصَابَ ابْنُ عَشْرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ دُونِ تِسْعِ سِنِينَ، وَفَارَقَهَا، فَبَلَغَتْ، وَاتَّصَلَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَأَتَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ، حَلَّتْ تِلْكَ الْبِنْتُ لِمُصِيبِ أُمِّهَا حَالَ صِغَرِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ، وَلَا يَثْبُتُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 التَّحْرِيمُ بِذَلِكَ، هَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَلَا تَحْرِيمَ بِوَطْءِ مَيِّتَةٍ وَمُبَاشَرَةٍ وَنَظَرٍ) إلَى (فَرْجٍ لِشَهْوَةٍ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ، (وَ) لَا تَحْرِيمَ أَيْضًا (بِمُسَاحَقَةِ نِسَاءٍ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ مَحَلُّ وِفَاقٍ. (وَيَحْرُمُ بِوَطْءِ ذَكَرٍ) لَا بِدَوَاعِيهِ مِنْ قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا (مَا يَحْرُمُ بِوَطْءِ أُنْثَى، فَلَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْ لَائِطٍ وَمُلُوطٍ بِهِ) بَالِغًا كَانَ الْمَلُوطُ بِهِ أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ (أُمَّ الْآخَرِ وَلَا ابْنَتَهُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ فَنَشَرَ الْحُرْمَةَ كَوَطْءِ الْمَرْأَةِ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ لَائِطٍ وَمُلُوطٍ بِهِ أُمَّ الْآخَرِ (وَإِنْ عَلَتْ) كَأُمِّ أُمِّ أُمِّهِ وَأُمِّ أُمِّ أَبِيهِ (أَوْ نَزَلَتْ) كَبِنْتِهِ وَبِنْتِ بِنْتِ بِنْتِهِ وَبِنْتِ ابْنِهِ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) يَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أُمُّ الْآخَرِ وَبِنْتُهُ (بِشَرْطِ) كَوْنِ مَلُوطٍ بِهِ يَتَأَتَّى إمْكَانُ (وَطْءِ مِثْلِهِ) بِأَنْ كَانَ يُطِيقُ الْجِمَاعَ (وَإِلَّا) يُوطَأُ مِثْلُهُ؛ كَكَوْنِهِ صَغِيرًا لَا يُطِيقُ الْجِمَاعَ (فَلَيْسَ) وَطْؤُهُ (أَوْلَى) بِعَدَمِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ (بِ) اعْتِبَارِ أَنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى وَطْءِ الصَّغِيرَةِ (الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ) عِنْدَ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ أَلْبَتَّةَ، فَهُوَ بِالنَّظَرِ أَشْبَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [تَتِمَّةٌ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهُ مِنْ الزِّنَا] ، وَبِنْتَ ابْنِهِ وَبِنْتَ بِنْتِهِ وَإِنْ نَزَلَتْ، وَبِنْتَ أَخِيهِ وَبِنْتَ أُخْتِهِ مِنْ الزِّنَا، وَعَمَّتَهُ وَخَالَتَهُ، وَكَذَا الْأَبُ وَالِابْنُ مِنْ الزِّنَا، لِدُخُولِهِنَّ فِي الْعُمُومَاتِ السَّابِقَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 الْقِسْمُ (الرَّابِعُ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَبَدِ الْمُحَرَّمَةُ (بِاللِّعَانِ) نَصًّا (فَمَنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ، وَلَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ) لِنَفْيِ وَلَدٍ (أَوْ) لَاعَنَ زَوْجَةً (بَعْدَ إبَانَةٍ لِنَفْيِ وَلَدٍ) ؛ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لَا يَرْتَفِعُ قَبْلَ الْجَلْدِ وَالتَّكْذِيبِ فَلَمْ يَرْتَفِعْ بِهِمَا. الْقِسْمُ (الْخَامِسُ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَبَدِ (زَوْجَاتُ نَبِيِّنَا) مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُحَرَّمْنَ (عَلَى غَيْرِهِ) أَبَدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53] : (وَلَوْ مَنْ فَارَقَهَا) فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ زَوْجَاتِهِ (وَهُنَّ أَزْوَاجُهُ دُنْيَا وَأُخْرَى) كَرَامَةً لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) إمَاؤُهُ الْمَوْطُوآتُ فَيُحَرَّمْنَ عَلَى غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَدًا وَيَتَّجِهُ (أَنَّهُ يُزَادُ) فِي إكْرَامِهِ إذَا خَطَبَ امْرَأَةً خَلِيَّةً مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ، وَرَغِبَ، فِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَ عَلَيْهَا إجَابَتُهُ، وَحَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتُهَا احْتِرَامًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الْقِسْمُ (السَّادِسُ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَبَدِ (مُرْتَدَّةٌ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهَا كَ) مَا لَوْ كَانَ ارْتِدَادُهَا (بِسَبِّ نَحْوِ نَبِيٍّ) مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ مَلَكٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي فِي بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ. (وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: وَكَذَا قَاتِلُ رَجُلٍ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ) لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا؛ عُقُوبَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ الْمُحَرَّمِ؛ كَحِرْمَانِ الْقَاتِلِ الْمِيرَاثَ. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ " إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى بُطْلَانِ التَّحْلِيلِ " (وَقَالَ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (فِي) جَوَابِ سُؤَالٍ صُورَتُهُ (مَنْ خَبَّبَ) أَيْ: خَدَعَ (امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا) حَتَّى طَلُقَتْ؛ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يُعَاقَبُ عُقُوبَةً؛ لِارْتِكَابِهِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةَ وَ (نِكَاحُهُ بَاطِلٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ) الْعُلَمَاءِ فِي مَذْهَبِ (مَالِكٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا) وَيَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا (انْتَهَى. وَكَذَا) الْحُكْمُ فِي التَّحْرِيمِ عَلَى الْأَبَدِ (فِي قَوْلٍ) الْمَذْهَبُ خِلَافُهُ (لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا، وَدَخَلَ بِهَا، وَهُوَ) أَيْ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ (مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ) وَيَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ. [فَصْلٌ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُؤَقَّتَة فِي النِّكَاحُ] [النَّوْع الْأَوَّل يُحَرَّمُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ] فَصْلٌ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ النِّكَاحُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ (إلَى أَمَدٍ، وَهُنَّ نَوْعَانِ نَوْعٌ) مِنْهُمَا يُحَرَّمُ (لِأَجْلِ الْجَمْعِ؛ فَيُحَرَّمُ) الْجَمْعُ (بَيْنَ أُخْتَيْنِ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ أَوْ حُرَّةً وَأَمَةً قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] (وَ) يَحْرُمُ الْجَمْعُ أَيْضًا (بَيْنَ امْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ) بَيْنَ امْرَأَةٍ (وَخَالَتِهَا) وَلَوْ رَضِيَتَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا كَعَمَّاتِ آبَائِهَا وَخَالَاتِهِمْ، وَعَمَّاتِ أُمَّهَاتِهَا وَخَالَاتِهِنَّ (وَإِنْ عَلَتَا) أَيْ: الْخَالَةُ وَالْعَمَّةُ (مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ - بِحَمْدِ اللَّهِ - اخْتِلَافٌ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْبِدَعِ مِمَّنْ لَا تُعَدُّ مُخَالَفَتُهُ حَكَى خِلَافَهُ، وَهُوَ الرَّافِضَةُ وَالْخَوَارِجُ، لَمْ يُحَرِّمُوا ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُولُوا بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَهِيَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 عَمَّتِهَا، وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا، وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى» وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إيقَاعُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ، وَإِفْضَاءُ ذَلِكَ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ، فَإِنْ احْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] خَصَّصْنَاهُ بِمَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. (وَ) يَحْرُمُ الْجَمْعُ أَيْضًا (بَيْنَ خَالَتَيْنِ بِأَنْ يَنْكِحَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (ابْنَةَ الْآخَرِ، فَيُولَدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (بِنْتٌ) فَكُلٌّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ خَالَةُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ أُمِّهَا لِأَبِيهَا (وَ) يَحْرُمُ الْجَمْعُ أَيْضًا (بَيْنَ عَمَّتَيْنِ، بِأَنْ يَنْكِحَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (أُمَّ الْآخَرِ، فَيُولَدُ لِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (بِنْتٌ) فَكُلٌّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ عَمَّةُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ أَبِيهَا لِأُمِّهِ (أَوْ) أَيْ: وَيَحْرُمُ الْجَمْعُ أَيْضًا بَيْنَ عَمَّةٍ (وَخَالَةٍ، بِأَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ) امْرَأَةً وَيَنْكِحَ ابْنُهُ أُمَّهَا، فَيُولَدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (بِنْتٌ) فَبِنْتُ الِابْنِ خَالَةُ بِنْتِ الْأَبِ، وَبِنْتُ الْأَبِ عَمَّةُ بِنْتِ الِابْنِ. (وَ) يَحْرُمُ الْجَمْعُ (بَيْنَ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى حَرُمَ نِكَاحُهُ) أَيْ: الذَّكَرُ (لَهَا) أَيْ: الْأُنْثَى (لِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ) لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي حَرُمَ الْجَمْعُ مِنْ أَجْلِهِ، إفْضَاؤُهُ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْقَرِيبَةِ؛ لِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنْ التَّنَافُرِ وَالْغَيْرَةِ بَيْنِ الضَّرَائِرِ، وَأُلْحِقَ بِالْقَرَابَةِ الرَّضَاعُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . وَ (لَا) يَحْرُمُ الْجَمْعُ (بَيْنَ مُبَانَةِ شَخْصٍ وَبِنْتِهِ مِنْ غَيْرِهَا) وَلَوْ فِي عَقْدٍ، لِأَنَّهُ وَإِنْ حُرِّمَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا، لَمْ يَكُنْ تَحْرِيمُهَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَضَاعَ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ (بَيْنَ أَمَةٍ وَسَيِّدَتُهَا) فِي نِكَاحٍ، لِأَنَّهُمَا أَجْنَبِيَّتَيْنِ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا (وَلَا بَيْنَ أُخْتِ شَخْصٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 مِنْ أَبِيهِ وَأُخْتِهِ مِنْ أُمِّهِ) وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا حَلَّتْ لَهُ الْأُخْرَى، فَإِنْ وُلِدَ لَهَا وَلَدٌ فَالرَّجُلُ عَمُّهُ وَخَالُهُ (وَكُرِهَ جَمْعٌ بَيْنَ بِنْتَيْ عَمَّيْهِ أَوْ) بِنْتَيْ (عَمَّتَيْهِ وَ) بَيْنَ بِنْتَيْ (خَالَيْهِ وَ) بِنْتَيْ (خَالَتَيْهِ أَوْ) بَيْنَ (بِنْتِ عَمِّهِ وَ) بِنْتِ (عَمَّتِهِ أَوْ) بَيْنَ (بِنْتِ خَالِهِ وَ) بِنْتِ (خَالَتِهِ) لِمَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُزَوَّجَ الْمَرْأَةُ عَلَى ذِي قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ» ؛ أَيْ: لِإِفْضَائِهِ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ لَمْ يَحْرُمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَلِبُعْدِ الْقَرَابَةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَحْرُمْ نِكَاحُهَا وَكَانَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ بِنْتٌ وَوَطِئَا) أَمَةً لَهُمَا أَوْ (امْرَأَةً) بِشُبْهَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ ذَكَرٍ، وَ (أُلْحِقَ وَلَدُهَا بِهِمَا فَتَزَوَّجَ رَجُلٌ بِالْمَرْأَةِ) الْمَوْطُوءَةِ (وَبِالْبِنْتَيْنِ) أَوْ بِهِمَا وَبِالْأَمَةِ (فَقَدْ تَزَوَّجَ أُمَّ شَخْصٍ وَأُخْتَيْهِ) وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ مُبَانَةَ شَخْصٍ وَبِنْتِهِ، وَقَدْ نَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَبْرُ الَّذِي يَجْلُو ذَكَاهُ كُلَّ غُمَّهْ ... أَفْتِنَا فِي رَجُلٍ زَوَّجَ أُخْتَيْهِ وَأُمَّهْ رَجُلًا حُرًّا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَالْعَقْدُ ثَمَّهُ ... جَائِزَ لَا خُلْفَ فِيهِ بَيْنَ أَعْيَانِ الْأَئِمَّهْ (فَمَنْ تَزَوَّجَ نَحْوَ أُخْتَيْنِ) كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا (فِي عَقْدٍ) وَاحِدٍ؛ بَطَلَا (أَوْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ مَعًا) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (بَطَلَا) أَيْ الْعَقْدَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا، (وَلَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى؛ فَيَبْطُلُ فِيهِمَا؛ كَ) مَا لَوْ تَزَوَّجَ (خَمْسَ) زَوْجَاتٍ (بِعَقْدٍ) وَاحِدٍ؛ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِي الْكُلِّ، وَلَا مَزِيَّةَ لِوَاحِدَةِ عَلَى غَيْرِهَا، (فَيَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ، (وَإِنْ تَزَوَّجَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 الْأُخْتَيْنِ) أَوْ نَحْوَهُمَا (فِي عَقْدَيْنِ فِي زَمَنَيْنِ) وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى؛ فَإِنَّهُ (يَبْطُلُ) عَقْدُ (مُتَأَخِّرٍ) لِأَنَّ الْجَمْعَ حَصَلَ بِهِ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا جَمْعَ فِيهِ؛ (كَ) عَقْدٍ (وَاقِعٍ) عَلَى نَحْوِ أُخْتٍ (فِي عِدَّةِ) الْأُخْتِ (الْأُخْرَى وَلَوْ) كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ (بَائِنًا) كَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ خُلْعٍ أَوْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ أَوْ عَلَى عِوَضٍ، وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً فِي عِدَّةِ رَابِعَةٍ، وَلَوْ مُبَانَةً؛ لِأَنَّ الْبَائِنَةَ مَحْبُوسَةٌ عَنْ النِّكَاحِ لِحَقِّهِ، فَأَشْبَهَتْ الرَّجْعِيَّةَ (فَإِنْ جَهِلَ) أَسْبَقَ الْعَقْدَيْنِ (فُسِخَا) أَيْ: فَسَخَهُمَا الْحَاكِمُ إنْ لَمْ يُطَلِّقْهُمَا لِبُطْلَانِ النِّكَاحِ فِي إحْدَاهُمَا وَتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَلَا تُعْرَفُ الْمُحَلَّلَةُ لَهُ: فَقَدْ أَشْتَبَهَتَا عَلَيْهِ وَنِكَاحُ إحْدَاهُمَا صَحِيحٌ، وَلَا يُتَيَقَّنُ بَيْنُونَتُهَا مِنْهُ إلَّا بِطَلَاقِهَا أَوْ فَسْخِ نِكَاحِهِمَا، فَوَجَبَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ، وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُفَارِقَ إحْدَاهُمَا، ثُمَّ يُجَدَّدُ عَقْدَ الْأُخْرَى، وَيُمْسِكُهَا؛ فَلَا بَأْسَ، وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ بِقُرْعَةٍ أَوْ لَا (وَلِإِحْدَاهُمَا) أَيْ: إحْدَى مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إذَا عَقَدَ عَلَيْهِمَا فِي زَمَنَيْنِ، وَجَهِلَ أَسْبِقَهُمَا، وَطَلَّقَهَا أَوْ فَسَخَ نِكَاحَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (نِصْفُ) مَهْرِهَا (الْمُسَمَّى بِقُرْعَةٍ) بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ، فَتَأْخُذُ مَنْ تَخْرُجُ لَهَا الْقُرْعَةُ، وَلَهُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى إحْدَاهُمَا فِي الْحَالِ بَعْدَ فِرَاقِ الْأُخْرَى قَبْلَ الدُّخُولِ، لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ، (فَإِنْ) كَانَ (أَصَابَ إحْدَاهُمَا) دُونَ الْأُخْرَى: ثُمَّ طَلَّقَهَا، أَوْ فَسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَهُمَا، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا (فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهَا) أَيْ: الْمُصَابَةِ (فَ) لَهَا الْمَهْرُ (الْمُسَمَّى) جَمِيعُهُ؛ لِتَقَرُّرِهِ بِالدُّخُولِ، وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْرَى، (وَإِلَّا) تَخْرُجَ الْقُرْعَةُ لِلْمُصَابَةِ بِأَنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِهَا (فَ) لِلْمُصَابَةِ (مَهْرُ مِثْلِهَا) بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا (وَنِصْفُ) مَهْرٍ (مُسَمًّى لِلْأُخْرَى) ، لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ فَارَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَهُ نِكَاحُ الْمُصَابَةِ فِي الْحَالِ، لَا الْأُخْرَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُصَابَةِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا وَأَصَابَهُمَا، فَلِإِحْدَاهُمَا الْمُسَمَّى، وَلِلْأُخْرَى مَهْرُ الْمِثْلِ، يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا: لِتَمْيِيزِ مَنْ تَأْخُذُ مِمَّنْ تَأْخُذُ مَهْرَ الْمِثْلِ إنْ تَفَادَتَا وَلَا يَنْكِحُ إحْدَاهُمَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْأُخْرَى (وَإِنْ وَلَدَتَا مِنْهُ) كِلْتَاهُمَا أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ إحْدَاهُمَا (لَحِقَهُ النَّسَبُ) لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةِ نِكَاحٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 (وَمَنْ مَلَكَ أُخْت زَوْجَتِهِ أَوْ) مَلَكَ (عَمَّتَهَا أَوْ) مَلَكَ (خَالَتَهَا) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (صَحَّ) مِلْكُهُ لَهَا، لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ صَحَّ شِرَاؤُهُ أُخْتَهُ مِنْ رَضَاعٍ (وَحَرُمَ أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ: الَّتِي مَلَكَهَا (أَوْ يُبَاشِرَهَا وَنَحْوَهُ) كَأَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ؛ إذْ دَوَاعِي الْوَطْءِ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ (حَتَّى يُفَارِقَ زَوْجَتَهُ، وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) لِئَلَّا يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ؛ وَنَحْوِهِمَا، وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ، لِحَدِيثِ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعُ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» . وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْخَلْوَةِ. [تَتِمَّةٌ اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَطِئَهَا حَلَّ لَهُ شِرَاءُ أُمِّهَا وَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا] تَتِمَّةٌ وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَطِئَهَا حَلَّ لَهُ شِرَاءُ أُمِّهَا وَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا؛ كَمَا يَحِلُّ لَهُ شِرَاءُ الْمُعْتَدَّةِ وَالْمُزَوَّجَةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُحَرَّمَةِ لِنَحْوِ رَضَاعٍ. [فَصْلٌ مَنْ مَلَكَ نَحْوَ أُخْتَيْنِ كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ وَخَالَتِهَا فِي عَقْدِ وَاحِد] فَصْلٌ (وَمَنْ مَلَكَ نَحْوَ أُخْتَيْنِ) كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ وَخَالَتِهَا (مَعًا) وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ (صَحَّ) الْعَقْدُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا انْتَهَى (وَلَهُ وَطْءُ أَيِّهِمَا شَاءَ) لِأَنَّ الْأُخْرَى لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا؛ كَمَا لَوْ مَلَكَ إحْدَاهُمَا وَحْدَهَا (وَتَحْرُمُ بِهِ) أَيْ: بِوَطْءِ إحْدَاهُمَا (الْأُخْرَى) نَصًّا. قَالَ الْقَاضِي: وَدَوَاعِي الْوَطْءِ تَحْرُمُ كَالْوَطْءِ، وَقَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ بَحْثًا فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَقَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ الْجَمْعُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ مَكْرُوهٌ لَا مُحَرَّمٌ؛ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ وَطْءِ إحْدَاهُمَا؛ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الْقَاضِي، فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا؛ فَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ وَالْوَطْءَ جَمِيعًا كَسَائِرِ الْمَذْكُورَاتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 فِي الْآيَةِ، يَحْرُمُ وَطْؤُهُنَّ وَالْعَقْدُ عَلَيْهِنَّ، وَلِأَنَّهَا امْرَأَةٌ صَارَتْ فِرَاشًا؛ فَحُرِّمَتْ أُخْتُهَا كَالزَّوْجَةِ، وَيَسْتَمِرُّ التَّحْرِيمُ (حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ) مِنْهُمَا عَلَى نَفْسِهِ (بِإِخْرَاجِهَا أَوْ بَعْضِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِعِتْقٍ أَوْ وَقْفٍ) ، أَوْ إزَالَةِ مِلْكِهِ (وَلَوْ بِبَيْعٍ لِلْحَاجَةِ) إلَى التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ فِي النِّكَاحِ، وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ أَحَدِهِمَا، وَكَلَامُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ بِعُمُومِهِ يَقْتَضِي هَذَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْمَوْطُوءِ، لِلْحَاجَةِ، وَمَحِلُّ جَوَازِ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَتَحَيَّلْ عَلَى بَيْعِ) هَا لِأَجْلِ (التَّفْرِقَةِ) بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَحِمِهَا، فَإِنَّ قَصَدَ بِبَيْعِهَا التَّفْرِقَةَ بِأَنْ بَاعَهَا مِنْ شَخْصٍ ظَاهِرًا لِتَبْقَى الْأُخْرَى مُنْفَرِدَةً، فَيَطَأُ أُخْتَهَا، ثُمَّ يَسْتَرِدُّهَا؛ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ (بِهِبَةٍ) مَقْبُوضَةٍ لِغَيْرِ وَلَدِهِ لِئَلَّا يَمْلِكَ اسْتِرْجَاعَهَا (أَوْ تَزْوِيجٍ بَعْدَ اسْتِبْرَاءٍ) ، لِيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَامِلًا مِنْهُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا يَكْفِي فِي إبَاحَتِهَا مُجَرَّدُ إزَالَةِ الْمِلْكِ حَتَّى تَنْقَضِيَ حَيْضَةُ الِاسْتِبْرَاءِ؛ فَتَكُونُ الْحَيْضَةُ كَالْعِدَّةِ (وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ تَحْرِيمِ) مَوْطُوءَةٍ بِأَنْ يَقُولَ: هِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، وَلَوْ كَانَ نَصًّا يُحَرِّمُهَا، إلَّا أَنَّهُ لِعَارِضٍ مَتَى شَاءَ أَزَالَهُ بِالْكَفَّارَةِ. (وَيَتَّجِهُ) وَلَا يَكْفِي تَحْرِيمُهَا (بِنَحْوِ إحْرَامٍ) مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، وَكَالْحَيْضِ وَالصِّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ؛ فَإِنَّهَا وَإِنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِتَلَبُّسِهَا بِمَا ذُكِرَ إلَّا أَنَّ مُدَّتَهُ تَنْقَضِي؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 فَلَا يُؤْمَنُ الْعَوْدُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ تُمَجَّسُ) فَلَا يَكْفِي تَحْرِيمُهَا بِتَمَجُّسِهَا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ بِالْعِدَّةِ وَالرِّدَّةِ كَالتَّحْرِيمِ بِالْإِحْرَامِ، قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ ". (أَوْ كِتَابَةٍ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يُكَاتِبَهَا؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ اسْتِبَاحَتِهَا بِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غَيْرِهِمَا (أَوْ رَهْنٍ) لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ وَطِئَهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، لَا لِتَحْرِيمِهَا، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ مَتَى شَاءَ (أَوْ بَيْعٍ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَهُ) لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِرْجَاعِهَا مَتَى شَاءَ بِفَسْخِ الْبَيْعِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِمُشْتَرٍ وَحْدَهُ (أَوْ هِبَةِ) الْمَوْطُوءَةِ لِمَنْ يُمْكِنُ اسْتِرْجَاعُهَا مِنْهُ كَهِبَتِهَا (لِوَلَدِهِ) قَالَ فِي " الْوَجِيزِ " فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ بِمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْفَعَهُ وَحْدَهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ "، فَإِنْ أَخْرَجَ الْمِلْكَ لَازِمًا ثُمَّ عَرَضَ لَهُ فِي الْمُبِيحِ لِلْفَسْخِ مِثْلَ أَنْ يَبِيعَهَا بِسِلْعَةٍ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ مَعِيبَةً، أَوْ يُفْلِسُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، أَوْ يَظْهَرُ فِي الْعِوَضِ تَدْلِيسٌ، أَوْ يَكُونُ مَغْبُونًا، فَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ: يُقَالَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ: إنَّهُ يُبَاحُ وَطْءُ الْأُخْتِ بِكُلِّ حَالٍ عَلَى عُمُومِ كَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ، أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، قَالَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " (فَلَوْ خَالَفَ) مُشْتَرِي الْأُخْتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا (وَوَطِئَ الْأُخْرَى) قَبْلَ إخْرَاجِ الْمَوْطُوءَةِ أَوَّلًا، أَوْ بِبَعْضِهَا عَنْ مِلْكِهِ (لَزِمَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهَا) أَيْ: الْمَوْطُوءَةِ أَوَّلًا، وَالْمَوْطُوءَةِ ثَانِيًا (حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا) بِإِخْرَاجٍ لَهَا أَوْ لِبَعْضِهَا عَنْ مِلْكِهِ وَحَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا (كَمَا تَقَدَّمَ) لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا، فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهَا أَوْ نَحْوُهَا؛ كَمَا لَوْ وَطِئَهَا ابْتِدَاءً؛ وَاسْتِدْلَالُ مَنْ قَالَ: الْأُولَى بَاقِيَةٌ عَلَى الْحِلِّ بِحَدِيثِ: «إنَّ الْحَرَامَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ» لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ إذَا وَطِئَ الْأُولَى وَطْئًا مُحَرَّمًا، كَفِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ صَوْمِ فَرْضٍ؛ فَإِنَّ أُخْتَهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (فَإِنْ عَادَتْ) الَّتِي أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 (لِمِلْكِهِ وَلَوْ) كَانَ عَوْدُهَا (قَبْلَ وَطْءِ الْبَاقِيَةِ) فِي مِلْكِهِ (لَمْ يُصِبْ وَاحِدَةً) مِنْهُمَا (حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى) عَلَى نَفْسِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا عَنْ مِلْكِهِ (قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ) : هَذَا (إنْ لَمْ يَجِبْ اسْتِبْرَاءٌ كَبِنْتٍ دُونَ تِسْعٍ) وَكَمَا لَوْ زَوَّجَهَا فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَيَكُفُّ عَنْهَا وَعَنْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا (فَإِنْ وَجَبَ) الِاسْتِبْرَاءُ بِأَنْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا، ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ (لَمْ يَلْزَمْ تَرْكُ الْبَاقِيَةِ فِيهِ) أَيْ: زَمَنَ الِاسْتِبْرَاءِ (فَقَطْ) لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ زَمَنَهُ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى رَفْعِهِ (قَالَ الْمُنَقِّحُ وَهُوَ) أَيْ: قَوْلُ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ (حَسَنٌ) وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ مُعْتَدَّةً؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الْبَاقِيَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْعَائِدَةِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا إنْ عَادَتْ إلَيْهِ مَوْطُوءَتُهُ الَّتِي أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ لِحِلِّ وَطْءِ نَحْوِ أُخْتِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ إحْدَاهُمَا؛ سَوَاءٌ وُجِدَ اسْتِبْرَاءٌ أَوْ لَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى (وَإِلَّا) ؛ نُوجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابَهُمَا (لَحَلَّتْ) لَهُ مَنْ أَصَابَ نَحْوَ أُخْتِهَا (بِوَطْءِ نَحْوِ شُبْهَةٍ) كَزِنًا (بِلَا نَقْلِ مِلْكٍ) فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِنَصِّ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّهَا إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ لَا تَحِلُّ لَهُ إحْدَاهُمَا مَعَ تَعَيُّنِ الِاسْتِبْرَاءِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي " الْمُسَوَّدَةِ "؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ تَزَوَّجَ أُخْت سُرِّيَّتِهِ، وَلَوْ بَعْدَ إعْتَاقِهَا زَمَنَ اسْتِبْرَائِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ تَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ فِرَاشًا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرِدَ عَلَى فِرَاشِ الْأُخْتِ كَالْوَطْءِ، وَيُفَارِقُ النِّكَاحَ شِرَاءُ أُخْتِهَا وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا صَحَّ شِرَاءُ الْأُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَشِرَاءُ مَنْ تُحَرَّمُ بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَلَهُ) أَيْ: الْمُتَسَرِّي (نِكَاحُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا) أَيْ: سِوَى أُخْتِ سُرِّيَّتِهِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ نَحْوِ أُخْتِهَا لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا) أَيْ؛ نَحْوَ أُخْتِ سُرِّيَّتِهِ (بَعْدَ تَحْرِيمِ السُّرِّيَّةِ) بِنَحْوِ بَيْعٍ (وَ) بَعْدَ (اسْتِبْرَائِهَا؛ صَحَّ، ثُمَّ إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ السُّرِّيَّةُ) بِنَحْوِ بَيْعٍ (فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ) لَا يَنْفَسِخُ بِذَلِكَ؛ لِصِحَّتِهِ وَقُوَّتِهِ. قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: وَحِلُّهَا مِنْ حَيْثُ الزَّوْجِيَّةِ بَاقٍ لِقُوَّةِ الزَّوْجِيَّةِ. (وَحَرُمَ) عَلَيْهِ (وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَيْهِ الْأُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ لَا يُنَافِي بَقَاءَ الزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْعَارِضَ لَا يَرْفَعُ الزَّوْجِيَّةَ، فَلَا يَرْفَعُ أَثَرَهَا كَالزَّوْجَةِ الْحَائِضِ. (وَيَتَّجِهُ) عَلَى مُقْتَضَى (بَحْثِهِمَا) أَيْ: بَحْثِ الْمَجْدِ وَابْنِ نَصْرِ اللَّهِ وَالْمُنَقِّحِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفُّ عَنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا (إنْ لَمْ يَلْزَمْ) الرَّاجِعَةَ إلَيْهِ (اسْتِبْرَاءٌ) كَكَوْنِهَا دُونَ تِسْعٍ، أَوْ زَوَّجَهَا كَبِيرَةً، وَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَمَّا إذَا لَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاءُ فَلَهُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَطْءُ الزَّوْجَةِ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ الْأَمَةُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَرْتَضِ مَا قَالَاهُ، وَرَدَّهُ بِالِاتِّجَاهِ السَّابِقِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَائِدَةٌ) وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ أُخْتَيْنِ مُسْلِمَةً وَمَجُوسِيَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً أَوْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ لِنَحْوِ رَضَاعٍ، فَلَهُ وَطْءُ الْمُسْلِمَةِ الَّتِي لَا مَانِعَ بِهَا، بِخِلَافِ الْأُخْرَى. (وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا حَرُمَ) عَلَيْهِ (فِي عِدَّتِهَا) فِي مَوْطُوءَةِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (نِكَاحُ أُخْتِهَا) وَنَحْوِهَا (وَ) حَرُمَ عَلَيْهِ (وَطْؤُهَا) أَيْ: أُخْتِ مَوْطُوءَتِهِ (إنْ كَانَتْ) أُخْتُهَا (زَوْجَةً أَوْ أَمَةً) لَهُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» (وَحَرُمَ) عَلَى وَاطِئِ امْرَأَةٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ غَيْرِهَا) أَيْ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (بِعَقْدٍ) فَإِنْ كَانَ مَعَهُ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ رَابِعَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ مَوْطُوءَتِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (أَوْ وَطِئَ) أَيْ: (إنْ كَانَ مَعَهُ أَرْبَعُ) زَوْجَاتٍ وَوَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ مِنْهُنَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ مَوْطُوءَتِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا؛ لِئَلَّا يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ (وَيَتَّجِهُ لَا) إنْ وَطِئَ (مَنْ لَا عِدَّةَ لَهَا لِصِغَرٍ) بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، أَيْ؛ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَلَاثٍ غَيْرِهَا: لِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا؛ وَهَذِهِ الْبَرَاءَةُ مُتَيَقَّنَةٌ فِي الصَّغِيرَةِ، فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ عَلَى غَيْرِهَا، وَلَا وَطْءُ أَرْبَعٍ كُنَّ مَعَهُ حِينَ وَطِئَهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ مَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ فِي عِدَّتِهَا) كَمُعْتَدَّةٍ مِنْ نِكَاحٍ (إلَّا مِنْ وَاطِئٍ) لَهَا بِشُبْهَةٍ، فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، لِأَنَّ مَنْعَهَا مِنْ النِّكَاحِ لِإِفْضَائِهِ إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَهُوَ مَأْمُونٌ هُنَا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ كَمَا يَلْحَقُ فِي النِّكَاحِ يَلْحَقُ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ طَلَاقٍ، وَمَحِلُّ جَوَازِ نِكَاحِهَا لِوَاطِئِهَا بِالشُّبْهَةِ، (إنْ لَمْ تَلْزَمْهَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: الْوَاطِئِ، فَإِنْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ؛ فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّتَانِ كَمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ. (وَلَيْسَ لِحُرٍّ جَمْعُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ) ؛ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ حِينَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» . وَقَالَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: «أَسْلَمْت وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَارِقْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ» رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ "، وَإِذَا مُنِعَ مِنْ اسْتِدَامَةِ زِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعٍ، فَالِابْتِدَاءُ أَوْلَى وقَوْله تَعَالَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] : أُرِيدَ بِهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1] وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ لِكُلٍّ تِسْعَةَ أَجْنِحَةٍ، وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ: تِسْعَةً، وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّطْوِيلِ مَعْنًى، وَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ جَهِلَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ (إلَّا نَبِيُّنَا) مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَتَقَدَّمَ) أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ؛ تَكْرِمَةً لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ. (وَلَا لِعَبْدٍ جَمَعَ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ) أَيْ: زَوْجَتَيْنِ، لِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وَقَدْ رَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْكِحُ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّاسَ: كَمْ يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: اثْنَتَيْنِ، وَطَلَاقُ اثْنَتَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمْ يُنْكَرْ، وَهَذَا يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ مَعَ أَنَّ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْأَحْرَارِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّفْضِيلِ، وَلِهَذَا فَارَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ أُمَّتَهُ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ التَّسَرِّي، وَلَوْ أَذِنَهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ. (وَلِمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ فَأَكْثَرُ جَمْعٍ ثَلَاثُ) زَوْجَاتٍ نَصًّا اثْنَتَيْنِ بِنِصْفِهِ الْحُرِّ، وَوَاحِدَةٍ بِنِصْفِهِ الرَّقِيقِ، فَإِنْ كَانَ دُونَ نِصْفِهِ حُرٌّ؛ فَلَهُ نِكَاحُ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ، فَإِنْ مَلَكَ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ جَارِيَةً فَمِلْكُهُ تَامٌّ، وَلَهُ الْوَطْءُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي ". وَفِي " الْفُنُونِ " قَالَ فَقِيهٌ: شَهْوَةُ الْمَرْأَةِ فَوْقَ شَهْوَةٍ الرَّجُلِ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ، فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ: لَوْ كَانَ هَذَا مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعٍ، وَيَنْكِحَ مِنْ الْإِمَاءِ مَا يَشَاءُ، وَلَا تَزِيدُ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ، وَلَهَا مِنْ الْقَسْمِ الرُّبُعُ، وَحَاشَا حِكْمَتِهِ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَى الْأَحْوَجِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَعْضُهُمْ يَرْفَعُهُ: «فُضِّلَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ جُزْءًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 مِنْ اللَّذَّةِ. أَوْ قَالَ: مِنْ الشَّهْوَةِ. وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلْقَى عَلَيْهِنَّ الْحَيَاءَ» . (وَمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِهَايَةِ جَمْعِهِ) كَحُرٍّ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ أَرْبَعٍ، أَوْ عَبْدٍ وَاحِدَةً مِنْ اثْنَتَيْنِ (حَرُمَ عَلَيْهِ تَزَوُّجُهُ بَدَلَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ أَثَرُ النِّكَاحِ، فَكَأَنَّهُ بَاقٍ، فَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا لَكَانَ جَامِعًا بَيْنَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ (بِخِلَافِ مَوْتِهَا) فَإِنْ مَاتَتْ، فَلَهُ نِكَاحُ غَيْرِهَا فِي الْحَالِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِنِكَاحِهَا أَثَرٌ (فَإِنْ قَالَ) مُطَلِّقُ وَاحِدَةٍ مِنْ نِهَايَةِ جَمْعِهِ عَنْهَا (أَخْبَرَتْنِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ انْقِضَاؤُهَا فِيهَا (فَكَذَّبَتْهُ) لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا عَلَيْهِ فِي عَدَمِ جَوَازِ نِكَاحِ غَيْرِهَا، لِأَنَّهَا لَا حَقَّ لَهَا فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي ذَلِكَ بِإِرَادَةِ مَنْعِهِ نِكَاحَ غَيْرِهَا. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ (فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَ) لَهُ نِكَاحُ (بَدَلِهَا) وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نِهَايَةِ جَمْعِهِ فِي الظَّاهِرِ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ كَاذِبًا، أَوْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا. (وَتَسْقُطُ الرَّجْعَةُ) فَلَيْسَ لَهُ رَجْعَتُهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَ (لَا) تَسْقُطُ عَنْهُ (السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ لَهَا) إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً مَعَ تَكْذِيبِهَا لَهُ فِي أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ لَهَا عَلَيْهِ يَدَّعِي سُقُوطَهُ، وَهِيَ مُنْكِرَةٌ لَهُ، وَالْأَصْلُ مَعَهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيهِ دُونَهُ. (وَلَا) يَسْقُطُ (نَسَبُ الْوَلَدِ) إذَا أَتَتْ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مَا لَمْ يَثْبُتْ إقْرَارُهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرْءِ، ثُمَّ تَأْتِي بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا، لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُطَلِّقِ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 [فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إلَى أَمَدٍ الْمُحَرَّمَاتُ لِعَارِضٍ يَزُولُ] فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (النَّوْعُ الثَّانِي) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إلَى أَمَدٍ: الْمُحَرَّمَاتُ (لِعَارِضٍ يَزُولُ، فَتَحْرُمُ) عَلَيْهِ (زَوْجَةُ غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] (وَ) تَحْرُمُ (مُعْتَدَّتُهُ) أَيْ: غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] (وَ) تَحْرُمُ (مُسْتَبْرَأَةٌ) مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُعْتَدَّةِ؛ لِأَنَّ تَزَوُّجَهَا زَمَنَ اسْتِبْرَائِهَا يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ، وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُعْتَدَّةُ وَالْمُسْتَبْرَأَة مِنْ وَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ كَشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا أَوْ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لِعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ (وَ) كَذَا تَحْرُمُ (مُرْتَابَةٌ بَعْدَ عِدَّةٍ بِحَمْلٍ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْحَمْلِ، فَلَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا وَشَكَّتْ فِي وُجُودِ ثَانٍ، لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ وَيُتَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهَا حَمْلٌ (وَ) تَحْرُمُ (زَانِيَةٌ عَلَى زَانٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى تَتُوبَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] وَهُوَ خَبَرٌ مَعْنَاهُ النَّهْيُ، وَالْمَفْهُومُ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} [المائدة: 5] وَهُنَّ الْعَفَائِفُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: يَوْمَ حُنَيْنٌ: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. فَإِنْ كَانَتْ الزَّانِيَةُ حَامِلًا مِنْ الزِّنَا، لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ؛ لِمَا سَبَقَ وَتَوْبَتِهَا (بِأَنْ تُرَاوَدَ) عَلَى الزِّنَا (فَتَمْنَعَ) مِنْهُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ: كَيْف تَعْرِفُ تَوْبَتَهَا؟ قَالَ: يُرَاوِدُهَا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ طَاوَعَتْهُ، فَلَمْ تَتُبْ، وَإِنْ أَبَتْ فَقَدْ تَابَتْ، فَصَارَ أَحْمَدُ إلَى قَوْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 عُمَرَ اتِّبَاعًا لَهُ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ "، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ أَرَادَ مُخَالَطَةَ إنْسَانٍ امْتَحَنَهُ حَتَّى يَعْرِفَ بِرَّهُ أَوْ فُجُورَهُ أَوْ تَوْبَتَهُ، وَيَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُهُ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ: لَا يَنْبَغِي امْتِحَانُهَا بِطَلَبِ الزِّنَا مِنْهَا بِحَالٍ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ تَوْبَتُهَا كَتَوْبَةِ غَيْرِهَا، فَإِذَا نَدِمَتْ، وَأَقْلَعَتْ وَعَزَمَتْ عَلَى أَنْ لَا تَعُودَ؛ فَإِنَّهَا تَصِحُّ تَوْبَتُهَا (وَلَوْ لَمْ تُرَاوَدْ) لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ فِي حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأَحْكَامِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، فَكَذَلِكَ هُنَا، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِنَصِّ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ وَقَدْ سُئِلَ: مَا عِلْمُهُ بِأَنَّهَا قَدْ تَابَتْ؟ قَالَ: يُرِيدُهَا عَلَى مَا كَانَ أَرَادَهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَتْ فَهِيَ تَائِبَةٌ يَتَزَوَّجُهَا، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَلَا يَتَزَوَّجُهَا، وَكَذَلِكَ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنْ تَابَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، حَلَّتْ لِزَانٍ كَغَيْرِهِ، لَا يُقَالُ: الْمُرَاوَدَةُ مِنْ التَّجَسُّسِ عَلَى الْعَيْبِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] لِأَنَّا نَقُولُ: الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا، وَالْقَصْدُ بِمُرَاوَدَتِهَا الْعِلْمُ بِأَنَّهَا فِرَاشًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَيَقْدُمُ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ بِعَدَمِهِ فَلَا يَقْدُمُ هُوَ عَلَيْهِ، وَيَنْصَحُ مَنْ كَانَ غَافِلًا، أَوْ مَنْ اسْتَنْصَحَهُ فِي ذَلِكَ؛ إذَا النَّصِيحَةُ وَاجِبَةٌ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ الْغَرَضُ الْعِلْمَ بِعَيْبِهَا فَقَطْ، كَمَا تَوَهَّمَهُ الْمُوَفَّقُ، فَقَالَ بِحُرْمَةِ الْمُرَاوَدَةِ، قَالَهُ الْخَلْوَتِيُّ. (وَ) تَحْرُمُ عَلَيْهِ (مُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا) بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهُمَا) أَيْ: الزَّانِيَةِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مِنْ زَوْجٍ نَكَحَتْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ هُنَا الْوَطْءُ، «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِامْرَأَةِ رِفَاعَةَ لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ: لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 (وَ) تَحْرُمُ (مُحْرِمَةٌ حَتَّى تَحِلَّ) مِنْ إحْرَامِهَا؛ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَلَمْ يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ الْخِطْبَةَ، وَلِأَنَّهُ عَارَضَ مَنْعَ الطِّيبِ فَمَنَعَ النِّكَاحَ كَالْعِدَّةِ. (وَ) تَحْرُمُ (مُسْلِمَةٌ عَلَى كَافِرٍ حَتَّى يُسْلَمَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] . وَقَوْلُهُ {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] . (وَ) يَحْرُمُ (عَلَى مُسْلِمٍ وَلَوْ) كَانَ (عَبْدًا) نِكَاحُ (كَافِرَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَلِقَوْلِهِ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] (غَيْرِ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ أَبَوَاهَا كِتَابِيَّانِ وَلَوْ) كَانَتْ (حَرْبِيَّةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ مَنْ دَانَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ خَاصَّةً، (أَوْ) كَانَ أَبَوَاهَا (مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ) مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودِهِمْ؛ فَهَؤُلَاءِ تَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ، لِأَنَّهُنَّ كِتَابِيَّاتٌ، فَيَدْخُلْنَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ هُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ كَالْيَهُودِ وَالسَّامِرَةِ وَالنَّصَارَى وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْإِفْرِنْجِ وَالْأَرْمَنِ وَغَيْرِهِمْ (حَتَّى تُسْلِمَ) فَتَحِلُّ بَعْدَ إسْلَامِهَا لِلْمُسْلِمِ؛ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ غَيْرَ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةً أَوْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيٍّ مِمَّنْ سَيَأْتِي بَيَانُهُمْ لَا تَحِلُّ لِمُسْلِمٍ (وَلَوْ اخْتَارَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَتَمَحَّضْ كِتَابِيَّةً، أَوْ لِأَنَّهَا مُتَوَلَّدَةٌ بَيْنَ مَنْ يَحِلُّ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَحِلُّ، فَلَمْ تَحِلَّ كَالسِّمْعِ وَالْبَغْلِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " " وَالْمُبْدِعِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ حَيْثُ قَالُوا: إذَا كَانَ أَبَوَاهَا غَيْرَ كِتَابِيَّيْنِ، وَاخْتَارَتْ هِيَ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا تَحْرُمُ (وَالْأَوْلَى أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 لَا يَتَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً، وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (يُكْرَهُ) نِكَاحُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ سَأَلَهُ: تَرَى لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً أَوْ يَهُودِيَّةً؟ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ "، وَمَحِلُّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْحَرَائِرِ الْمُسْلِمَاتِ (وَ) كَمَا يُكْرَهُ أَكْلُ (ذَبَائِحِهِمْ بِلَا حَاجَةٍ) تَدْعُو إلَيْهِ (وَكَوَثَنِيٍّ) فِي الْحُكْمِ (مَنْ تَمَسَّكَ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد) مِنْ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ، وَلَا ذَبَائِحُهُمْ كَالْمَجُوسِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ، وَلِأَنَّ تِلْكَ الْكُتُبَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ لَيْسَتْ بِشَرَائِعَ، وَإِنَّمَا هِيَ مَوَاعِظُ وَأَمْثَالٌ (أَوْ كَمُرْتَدٍّ) فِي الْحُكْمِ (نَحْوِ دُرْزِيٍّ) وَإِسْمَاعِيلِيٍّ (وَنُصَيْرِيٍّ؛ فَلَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا مُنَاكَحَتُهُمْ) وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى دِينٍ، وَإِنْ تَدَيَّنُوا بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ نِسَائِهِمْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ؛ كَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، وَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ (وَمُنِعَ نَبِيُّنَا) مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ) إكْرَامًا لَهُ؛ (كَ) مَا مُنِعَ مِنْ (نِكَاحِ أَمَةٍ، وَلَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ) وَتَقَدَّمَ فِي الْخَصَائِصِ. (وَ) يَحِلُّ (لِكِتَابِيٍّ نِكَاحُ مَجُوسِيَّةٍ وَ) يَحِلُّ لَهُ أَيْضًا (وَطْؤُهَا بِمِلْكِ) يَمِينٍ قِيَاسًا عَلَى الْمُسْلِمِ يَنْكِحُ الْكِتَابِيَّةَ وَيَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَ (لَا) يَحِلُّ نِكَاحُ (مَجُوسِيٍّ لِلْكِتَابِيَّةِ) نَصًّا، لِأَنَّهَا أَشْرَفُ مِنْهُ، فَإِنْ مَلَكَهَا؛ فَلَهُ وَطْؤُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَيَتَّجِهُ جَوَازُ نِكَاحِ يَهُودِيٍّ لِنَصْرَانِيَّةٍ وَ) يَجُوزُ (عَكْسُهُ) أَيْ: نِكَاحُ نَصْرَانِيٍّ لِيَهُودِيَّةٍ؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ كِلَا الطَّائِفَتَيْنِ أَهْلُ كِتَابٍ يَتَدَيَّنُونَ بِهِ، وَيُقِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ بِالْجِزْيَةِ، وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ بِأَشْرَفَ مِنْ بَعْضٍ، فَجَازَ لِذَلِكَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 [تَنْبِيهٌ تَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ كَافِرَةً مُرْتَدَّةً ثُمَّ أَسْلَمَا] تَنْبِيهٌ إذَا تَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ كَافِرَةً مُرْتَدَّةً أَوْ غَيْرَهَا أَوْ تَزَوَّجَتْ الْمُرْتَدَّةُ كَافِرًا، ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُنَا أَنَّا نُقِرُّهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا كَالْحَرْبِيِّ إذَا نَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا، ثُمَّ أَسْلَمَا، فَإِنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَقَدْ «عَادَ الْمُرْتَدُّونَ إلَى الْإِسْلَامِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ: فَلَمْ يُؤْمَرُوا بِاسْتِئْنَافِ أَنْكِحَتِهِمْ» ، وَهَذَا جَيِّدٌ فِي الْقِيَاسِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلَا يَحِلُّ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ) وَلَوْ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا (نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ، وَلَوْ مُبَعَّضَةً إلَّا إنْ خَافَ عَنَتَ الْعُزُوبَةِ؛ لِحَاجَةِ مُتْعَةٍ أَوْ) حَاجَةِ (خِدْمَةٍ) لِكِبَرٍ أَوْ سَقَمٍ أَوْ نَحْوِهِمَا نَصًّا (وَلَوْ) كَانَ خَوْفَ عَنَتِ الْعُزُوبَةِ (مَعَ صِغَرِ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ غَيْبَتِهَا أَوْ مَرَضِهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ نَصًّا (وَلَا يَجِدُ طَوْلًا) أَيْ (مَالًا حَاضِرًا يَكْفِي لِنِكَاحِ حُرَّةٍ) (وَلَوْ) كَانَتْ الْحُرَّةُ (كِتَابِيَّةً، فَتَحِلُّ) لَهُ الْأَمَةُ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ خَوْفَ الْعَنَتِ وَعَدَمُ الطَّوْلِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25]- إلَى قَوْلِهِ {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] (وَصَبْرُهُ) عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ (أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النساء: 25] وَلَهُ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ بِالشَّرْطَيْنِ مَعَ سَفَرِ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ غَيْبَتِهَا أَوْ مَرَضِهَا بِحَيْثُ تَعْجِزُ بِهِ عَنْ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ الَّتِي لَا تُعِفُّهُ كَالْعَدَمِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَادَّعَى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ؛ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ؛ فَإِنْ عُدِمَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ، أَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ كَافِرَةً، وَلَوْ كِتَابِيَّةً لَمْ تَحِلَّ لِلْمُسْلِمِ، لِلْآيَةِ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": أَوْ وَجَدَ مَالًا، وَلَكِنْ لَمْ يُزَوَّجْ حُرَّةً لِقُصُورِ نَسَبِهِ؛ فَلَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعِ الطَّوْلِ إلَى حُرَّةٍ تُعِفُّهُ؛ فَأَشْبَهَ مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا انْتَهَى. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَكِنَّهُ غَائِبٌ (وَلَوْ قَدَرَ) عَادِمُ الطَّوْلِ خَائِفُ الْعَنَتِ (عَلَى ثَمَنِ أَمَةٍ) ؛ فَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، قَدَّمَهُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 التَّنْقِيحِ " وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " وَمَنْ تَبِعَهُمْ، هُوَ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ثَمَنِ أَمَةٍ، وَلَوْ كِتَابِيَّةً فَتَحِلُّ. انْتَهَى وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَبْطُلُ نِكَاحُهَا) أَيْ: الْأَمَةِ إذَا تَزَوَّجَهَا بِالشَّرْطَيْنِ (إنْ أَيْسَرَ) فَمَلَكَ مَا يَكْفِيهِ لِنِكَاحِ حُرَّةٍ (وَلَوْ نَكَحَ حُرَّةً عَلَيْهَا أَوْ زَالَ خَوْفُ الْعَنَتِ وَنَحْوِهِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَا لِغَيْبَةِ زَوْجَتِهِ فَحَضَرَتْ، أَوْ لِصِغَرِهَا فَكَبُرَتْ، أَوْ لِمَرَضِهَا فَعُوفِيَتْ، لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، لَا لِاسْتِدَامَتِهِ، وَهِيَ تُخَالِفُ ابْتِدَاءَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْعِدَّةَ وَالرِّدَّةَ يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَهُ، دُونَ اسْتِدَامَتِهِ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ قَسَّمَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةً (وَلَهُ) أَيْ: لِمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِشَرْطَيْهِ إنْ لَمْ تُعِفَّهُ الْأَمَةُ (نِكَاحُ) أَمَةٍ أُخْرَى عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ تُعِفَّاهُ؛ فَلَهُ نِكَاحُ ثَالِثَةٍ، وَهَكَذَا (إلَى أَنْ يَصِرْنَ أَرْبَعًا) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ} [النساء: 25] إلَى آخِرِهِ (وَكَذَا) لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً (عَلَى حُرَّةٍ لَمْ تُعِفَّهُ) الْحُرَّةُ (بِشَرْطِهِ) بِأَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا لَمْ يَصِرْنَ كَيْف يَصْنَعُ؟ ، وَإِنْ نَكَحَ أَمَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَسْتَعِفُّ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ؛ لِبُطْلَانِهِ فِي إحْدَاهُمَا، وَلَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى؛ فَبَطَلَ فِيهِمَا، كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ (وَكِتَابِيٌّ حُرٌّ فِي ذَلِكَ) أَيْ: فِي تَزَوُّجِ الْأَمَةِ (كَمُسْلِمٍ) فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِالشَّرْطَيْنِ، وَكَوْنُهَا كِتَابِيَّةً. (وَمَنْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ) مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً؛ لَمْ يَلْزَمْهُ، لِأَنَّ الْمُقْرِضَ يُطَالِبُهُ بِهِ فِي الْحَالِ (أَوْ رَضِيَتْ الْحُرَّةُ بِتَأَخُّرِ صَدَاقٍ) لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهَا تُطَالِبُهُ (أَوْ) رَضِيَتْ الْحُرَّةُ (بِدُونِ مَهْرِ مِثْلٍ) أَوْ رَضِيَتْ بِتَفْوِيضِ بَعْضِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ لَهَا طَلَبَ فَرْضِهِ (أَوْ وَهَبَ لَهُ) الصَّدَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ (أَوْ لَمْ يَجِدْ) مَنْ يُزَوِّجُهُ (إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِمَا يُجْحِفُ مَالَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَنْ يَتَزَوَّجَ الْحُرَّةَ، وَجَازَ لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 نِكَاحُ الْأَمَةِ حَيْثُ خَافَ الْعَنَتَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي خَشْيَةِ الْعَنَتِ وَعَدَمِ الطَّوْلِ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِحَالِ نَفْسِهِ. فَائِدَةٌ وَنِكَاحُ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ مَعَ وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ أَوْلَى مِنْ نِكَاحِ أَمَةٍ، لِأَنَّ اسْتِرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ أَخَفُّ مِنْ اسْتِرْقَاقِ كُلِّهِ. (وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مُوسِرًا حَالَ النِّكَاحِ) أَوْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ فَارَقَهَا وُجُوبًا، لِاعْتِرَافِهِ بِفَسَادِ نِكَاحِهِ (وَلَا مَهْرَ) لَهَا (إنْ) كَانَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَ (صَدَّقَهُ سَيِّدٌ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ، (وَإِلَّا) يُصَدِّقَهُ سَيِّدٌ فِي ذِكْرِهِ أَنَّهُ كَانَ مُوسِرًا، وَلَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ (لَزِمَهُ) لِلسَّيِّدِ (النِّصْفُ) أَيْ: نِصْفُ الْمَهْرِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى السَّيِّدِ (أَوْ) عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ (الْكُلُّ) أَيْ: كُلُّ الْمَهْرِ (إنْ) كَانَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ (دَخَلَ) بِهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى؛ لَزِمَهُ، لِإِقْرَارِهِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ، وَجَبَ لِلسَّيِّدِ إلَّا أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ فِيمَا قَالَ؛ فَيَكُونُ لَهُ مِنْ الْمَهْرِ مَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. (وَيَصِحُّ نِكَاحُ أَمَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) مَعَ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً تُسْقِطُ الْحَدَّ وَلَا تَصِيرُ أَمَةً مَنْكُوحَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (إنْ وَلَدَتْ أُمُّ وَلَدٍ) ذَكَرَهُ فِي " الْفُنُونِ "، لِأَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا لَمَا صَحَّ النِّكَاحُ. (وَلَا يَكُونُ وَلَدُ الْأَمَةِ) مِنْ زَوْجِهَا (حُرًّا) إنْ لَمْ يَكُنْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِسَيِّدِهَا (إلَّا بِاشْتِرَاطِ) الزَّوْجِ (حُرِّيَّتَهُ) فَإِنْ اشْتَرَطَهَا فَحُرٌّ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» . وَلِقَوْلِ عُمَرَ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ. وَلِأَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ، فَكَانَ لَازِمًا كَشَرْطِ سَيِّدِهَا زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ لِلزَّوْجِ اشْتِرَاطُ حُرِّيَّةِ وَلَدٍ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ أَمَةٍ مَوْقُوفَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ عَلَى نَاظِرٍ وَوَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ، وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ لِلْغَيْرِ بِمَا فِيهِ حَظٌّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَلَا أَثَرَ لِاشْتِرَاطِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 (وَ) يُبَاحُ (لِقِنٍّ وَمُدَبَّرٍ) (وَمُكَاتَبٍ وَمُبَعَّضٍ نِكَاحُ أَمَةٍ، وَلَوْ) كَانَتْ الْأَمَةُ (لِابْنِهِ) الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ قَطَعَ وِلَايَةَ وَالِدِهِ عَنْهُ وَعَنْ مَالِهِ، وَلِهَذَا لَا يَلِي مَالَهُ وَلَا نِكَاحَهُ وَلَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ؛ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ (حَتَّى) وَلَوْ تَزَوَّجَهَا (عَلَى حُرَّةٍ) وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَ) لِلْعَبْدِ (جَمْعٌ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ (فِي عَقْدٍ) وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَالْأَمَتَيْنِ. وَ (لَا) يُبَاحُ لِلْعَبْدِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ (نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ) وَلَوْ مَلَكَتْ بَعْضَهُ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ تَتَنَاقَضُ؛ إذْ مِلْكُهَا إيَّاهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ نَفَقَتِهِ عَلَيْهَا، وَأَنْ يَكُونَ بِحُكْمِهَا، وَنِكَاحُهُ إيَّاهَا يَقْتَضِي عَكْسَ ذَلِكَ، وَلِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَنَحْنُ بِالْجَابِيَةِ وَقَدْ نَكَحَتْ عَبْدَهَا، فَانْتَهَرَهَا عُمَرُ، وَهَمَّ أَنْ يَرْجُمَهَا، وَقَالَ: لَا يَحِلُّ لَك. (وَ) يُبَاحُ (لِأَمَةٍ نِكَاحُ عَبْدٍ وَلَوْ) كَانَ الْعَبْدُ (لِابْنِهَا) لِقَطْعِ رِقِّهَا التَّوَارُثَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا؛ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْهَا. وَ (لَا) يَصِحُّ (أَنْ تَتَزَوَّجَ) أَمَةٌ (سَيِّدَهَا) لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يُفِيدُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَإِبَاحَةَ الْبُضْعِ؛ فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ عَقْدٌ أَضْعَفُ مِنْهُ (وَلَا) يُبَاحُ (لِحُرٍّ أَوْ حُرَّةٍ نِكَاحُ أَمَةٍ أَوْ عَبْدِ وَلَدِهِمَا) مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا شُبْهَةَ مِلْكٍ؛ لِحَدِيثِ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَلَا لِلْحُرَّةِ نِكَاحُ عَبْدِ وَلَدِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ، أَنَّ الِابْنَ لَوْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْ أَمَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَا دَامَ لِلِابْنِ فِيهَا مِلْكٌ وَلَوْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْ عَبْدٍ لَمْ يَجُزْ لِوَالِدَتِهِ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ مَا دَامَ لِابْنِهَا فِيهِ مِلْكٌ؛ فَمَعَ كَوْنِهَا أَوْ كَوْنِهِ كُلِّهِ أَوْ كُلِّهَا لِلْوَلَدِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) أَنَّهَا لَا تُحَرَّمُ أَمَةُ وَلَدِ الْوَلَدِ عَلَى جَدِّ الْوَلَدِ، وَإِنْ عَلَا، وَلَا جَدَّةُ الْوَلَدِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهَا. (وَإِنْ نَزَلَ) لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ لَيْسَ كَالْوَلَدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 (وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ) الزَّوْجَ الْآخَرَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَحْوِهَا، انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِتَنَافِي أَحْكَامِ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) مَلَكَ (وَلَدُهُ الْحُرُّ) أَيْ: وَلَدُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الزَّوْجَ الْآخَرَ؛ أَوْ بَعْضَهُ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ وَلَدِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَمِلْكِ أَصْلِهِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ، فَكَانَ كَمِلْكِهِ فِي إسْقَاطِ الزَّوْجِ (أَوْ) مَلَكَ (مُكَاتَبُهُ) أَيْ: مُكَاتَبُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ مَلَكَ (مُكَاتَبُ وَلَدِهِ) أَيْ: وَلَدِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (الزَّوْجَ الْآخَرَ أَوْ) مَلَكَ (بَعْضَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ الْآخَرِ (انْفَسَخَ النِّكَاحُ) لِمَا سَبَقَ، فَلَوْ بَعَثَتْ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ: حُرِّمْتَ عَلَيْك، وَنَكَحْت غَيْرَك وَعَلَيْك نَفَقَتِي وَنَفَقَةُ زَوْجِي؛ فَقَدْ مَلَكَتْ زَوْجَهَا، وَتَزَوَّجَتْ ابْنَ عَمِّهَا، وَهَذَا الْفَسْخُ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، فَلَوْ أَعْتَقَتْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا؛ لَمْ يُحْتَسَبْ بِتَطْلِيقِهِ. (وَمَنْ جَمَعَ فِي عَقْدٍ بَيْنَ مُبَاحَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ كَأَيِّمٍ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ، أَيْ: مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا (وَمُزَوَّجَةٍ صَحَّ فِي الْأَيِّمِ) لِأَنَّهَا مَحِلٌّ قَابِلٌ لِلنِّكَاحِ أُضِيفَ إلَيْهَا عَقْدٌ مِنْ أَهْلِهِ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا فِيهِ مِثْلُهَا، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ أُفْرِدَتْ بِهِ، وَفَارَقَ الْعَقْدَ عَلَى الْأُخْتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَهُنَا قَدْ تَعَيَّنَتْ الَّتِي بَطَلَ فِيهَا النِّكَاحُ، وَلَهَا مِنْ الْمُسَمَّى بِقِسْطِ مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْهُ. (وَ) مَنْ جَمَعَ فِي عَقْدٍ (بَيْنَ أُمٍّ وَبِنْتٍ؛ صَحَّ) الْعَقْدُ (فِي الْبِنْتِ) دُونَ الْأُمِّ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ تَضَمَّنَ عَقْدَيْنِ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَصَحَّ فِيمَا يَصِحُّ، وَبَطَلَ فِيمَا يَبْطُلُ؛ إذْ لَوْ فَرَضْنَا سَبْقَ عَقْدِ الْأُمِّ ثُمَّ بُطْلَانَهُ، ثُمَّ عَقَدَ عَلَى الْبِنْتِ، صَحَّ نِكَاحُ الْبِنْتِ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ، فَإِذَا وَقَعَا مَعًا، فَنِكَاحُ الْبِنْتِ أَبْطَلَ نِكَاحَ الْأُمِّ، لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ زَوْجَتِهِ، وَنِكَاحُ الْأُمِّ لَا يُبْطِلُ نِكَاحَ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ رَبِيبَةً مِنْ زَوْجَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا (وَكَذَا لَوْ) جَمَعَ كَافِرٌ فِي عَقْدٍ بَيْنَ أُمٍّ وَبِنْتٍ وَ (أَسْلَمَ الْكَافِرُ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهِمَا) أَيْ: الْأُمِّ وَبِنْتِهَا، صَحَّ فِي الْبِنْتِ دُونَ أُمِّهَا، لِمَا سَبَقَ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ دُخُولِهِ بِالْبِنْتِ وَحْدَهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا. وَبَعْدَ دُخُولِهِ بِهِمَا حَرُمَتَا عَلَيْهِ مَعًا بِلَا نِزَاعٍ. (وَمَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا) كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالدُّرْزِيَّةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة وَشَبَهِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 وَمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا (حَرُمَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ) لِأَنَّ النِّكَاحَ إذَا حَرُمَ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إلَى الْوَطْءِ فَلَأَنْ يَحْرُمَ الْوَطْءُ نَفْسُهُ أَوْلَى (إلَّا الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ) فَيَحْرُمُ نِكَاحُهَا لَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَلِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ إنَّمَا حَرُمَ لِأَجْلِ إرْقَاقِ الْوَلَدِ وَبَقَائِهِ مَعَ كَافِرٍ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ. (وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ) نَصًّا؛ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ مَا يُبِيحُهُ، فَغَلَبَ الْحَظْرُ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ. تَتِمَّةٌ: قَالَ الْخِرَقِيِّ: إذَا قَالَ الْخُنْثَى: أَنَا رَجُلٌ؛ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ؛ لَمْ يَنْكِحْ إلَّا رَجُلًا، فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ لِإِقْرَارِهِ بِبُطْلَانِهِ، وَلَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ جَمِيعُهُ إنْ كَانَ بَعْدَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْكِحَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَوْلِهِ: أَنَا رَجُلٌ بِتَحْرِيمِ الرِّجَالِ، وَأَقَرَّ بِقَوْلِهِ: أَنَا امْرَأَةٌ بِتَحْرِيمِ النِّسَاءِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ رَجُلًا ثُمَّ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، فَإِذَا زَالَ نِكَاحُهُ؛ فَلَا مَهْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ، سَوَاءٌ دُخِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُدْخَلْ، وَيَحْرُمُ النِّكَاحُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا، أَفَادَهُ الشَّارِحُ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَا يَحْرُمُ فِي الْجَنَّةِ زِيَادَةُ الْعَدَدِ وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ تَكْلِيفٍ. (وَيَتَّجِهُ) وَكَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ فِيهَا تَنَاوُلُ مَا نُهِيَ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا، كَشُرْبِ خَمْرٍ وَعَدَمِ فِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ (وَلُبْسِ حَرِيرٍ) وَاسْتِعْمَالُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (وَتَرْكُ صَلَاةٍ) وَصَوْمٌ وَعَدَمُ اغْتِسَالٍ مِنْ جَنَابَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَجِبُ اجْتِنَابُهَا فِي الدُّنْيَا أَوْ فِعْلُهَا فِيهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 [بَابُ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ] ِ أَيْ مَا يَشْتَرِطُهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا لَهُ فِيهِ غَرَضٌ وَ (مَحِلُّ الْمُعْتَبَرِ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الشُّرُوطِ (صُلْبُ الْعَقْدِ) أَيْ: عَقْدِ النِّكَاحِ (وَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (عَلَيْهِ) أَيْ: الشَّرْطِ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الْعَقْدِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَعَلَى هَذَا جَوَابُ أَحْمَدَ فِي مَسَائِلِ الْحِيَلِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْوَفَاءِ بِالشُّرُوطِ وَالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ تَنَاوُلًا وَاحِدًا، وَقِيلَ فِي فَتَاوِيه: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمَنْصُوصُ أَحْمَدَ، وَظَاهِرُ قَوْلِ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ وَمُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ: فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَظَاهِرُ هَذَا وَصَرِيحُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخُصُّ النِّكَاحَ، بَلْ الْعُقُودُ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَ (لَا) يَلْزَمُ الشَّرْطُ (بَعْدَ) لُزُومِ (عَقْدٍ) لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ. (وَهِيَ) أَيْ: الشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ (قِسْمَانِ) (أَحَدُهُمَا: صَحِيحٌ لَازِمٌ لِلزَّوْجِ، فَلَيْسَ لَهُ فَكُّهُ) وَهُوَ مَا لَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ (بِدُونِ إبَانَتِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ، فَإِنْ بَانَتْ مِنْهُ انْفَكَّتْ الشُّرُوطُ، لِأَنَّهُ بِزَوَالِ الْعَقْدِ يَزُولُ مَا هُوَ مُرْتَبِطٌ بِهِ (وَيُشْرَعُ وَفَاؤُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (بِهِ) أَيْ: الشَّرْطِ نَدْبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْوَفَاءُ لَأُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَيْهِ، وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ (كَ) اشْتِرَاطِ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيِّهَا عَلَى زَوْجِهَا (زِيَادَةَ مَهْرٍ) قَدْرًا مُعَيَّنًا (أَوْ) اشْتِرَاطِ كَوْنِ مَهْرِهَا مِنْ (نَقْدٍ مُعَيَّنٍ) فَيَتَعَيَّنُ كَثَمَنِ مَبِيعٍ (أَوْ) اشْتِرَاطِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 (أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا، أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ) عَلَيْهَا (أَوْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، أَوْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَبَوَيْهَا، أَوْ) لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ (أَوْلَادِهَا، أَوْ أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ، أَوْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى وَلَدِهَا (مُدَّةً مَعْلُومَةً) وَتَكُونُ النَّفَقَةُ مِنْ الْمَهْرِ، وَظَاهِرُهُ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمُدَّةَ؛ لَمْ يَصِحَّ، لِلْجَهَالَةِ. (وَيُرْجَعُ) بِالْإِنْفَاقِ (لِعُرْفٍ أَوْ) اشْتِرَاطِ (أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا أَوْ أَنْ يَبِيعَ أَمَتَهُ) لِأَنَّ لَهَا فِيهِ قَصْدًا صَحِيحًا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَلَا يَكْفِي) مَنْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ طَلَاقَ ضَرَّتِهَا طَلَاقٌ (رَجْعِيٍّ إنْ رَاجَعَهَا) بَعْدَ طَلَاقِهِ لَهَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا؛ فَيَكْفِيهِ ذَلِكَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَكْفِيهِ بَيْعُ أَمَتِهِ (بِشَرْطِ خِيَارٍ إنْ رَدَّهَا) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيُرْوَى صِحَّةُ الشَّرْطِ فِي النِّكَاحِ، وَكَوْنُ الزَّوْجِ لَا يَمْلِكُ فَكَّهُ، عَنْ عُمَرَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: «إنَّ أَحَقَّ مَا وَفَّيْتُمْ بِهِ مِنْ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّى مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا، ثُمَّ أَرَادَ نَقْلَهَا، فَتَخَاصَمُوا إلَى عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَهَا شَرْطُهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إذَنْ يُطَلِّقُنَا، فَقَالَ عُمَرُ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ، وَلِأَنَّهُ شَرَطَ لَهَا مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً لَا تَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ فَكَانَ لَازِمًا؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَتْ كَوْنَ الْمَهْرِ مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» أَيْ: لَيْسَ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ، وَهَذَا مَشْرُوعٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَعَلَى مَنْ نَفَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 ذَلِكَ الدَّلِيلَ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ هَذَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ، لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ إذَا لَمْ يَفِ بِهِ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَرْأَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَاقِدِ؛ كَانَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، كَاشْتِرَاطِ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ لَمْ يَفِ) زَوْجٌ لَهَا بِمَا شَرَطَتْهُ (فَلَهَا الْفَسْخُ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَازِمٌ فِي عَقْدٍ، فَثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ بِتَرْكِ الْوَفَاءِ بِهِ كَالرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِي الْبَيْعِ (عَلَى التَّرَاخِي) لِأَنَّهُ خِيَارٌ يَثْبُتُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ؛ أَشْبَهَ خِيَارَ الْقِصَاصِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: لَهَا الْفَسْخُ، فَإِنَّهَا تَفْسَخُ (بِفِعْلِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ مَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ كَالتَّزَوُّجِ وَالتَّسَرِّي وَالسَّفَرِ بِهَا، وَ (لَا) تَمْلِكُ الْفَسْخَ (بِعَزْمِهِ) عَلَى الْفِعْلِ قَبْلَهُ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُخَالَفَةِ. (وَلَا يَسْقُطُ) خِيَارُهَا (إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضًى مِنْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ تَمْكِينٍ) مِنْ نَفْسِهَا (مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ وَفَائِهِ بِمَا شَرَطَ) أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، فَإِنْ مَكَّنَتْهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ، لَمْ يَسْقُطْ لِفَسْخِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا بِتَرْكِ الْوَفَاءِ فَلَا أَثَرَ لَهُ كَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَإِذَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ أَوْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَبْلَ أَنْ تَفْسَخَ طَلَّقَ أَوْ بَاعَ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ: " قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ. فَائِدَةٌ: وَلَا تَلْزَمُ هَذِهِ الشُّرُوطُ إلَّا فِي النِّكَاحِ الَّذِي شُرِطَتْ فِيهِ، فَإِنْ بَانَتْ مِنْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا؛ لَمْ تَعُدْ الشُّرُوطُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْدِ زَوَالٌ لِمَا هُوَ مُرْتَبِطٌ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ بِيَمِينِهَا (فِي عَدَمِ عِلْمِهَا) بِفِعْلِهِ مَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا (وَ) يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَيْضًا فِي (نَفْيِ تَمْكِينٍ) مِنْ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 (وَيَتَّجِهُ: أَنَّ هَذِهِ) (الشُّرُوطَ) الْمُتَقَدِّمَةَ (تَلْزَمُ) الزَّوْجَ (حَيْثُ الْتَزَمَهَا) مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ لَهُ قَبْلَ الْتِزَامِهَا، فَلَمَّا الْتَزَمَهَا صَارَتْ لَازِمَةً لَهُ (وَإِنْ لَمْ تَسْأَلْهُ) أَيْ: تَلْتَمِسْ مِنْهُ الزَّوْجَةُ (فِيهَا) أَيْ: فِي الشُّرُوطِ الِالْتِزَامَ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَقْدِ، فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَهُوَ مُتَّجِهٌ (لَكِنْ لَوْ شَرَطَ) لَهَا (أَنْ لَا يُسَافِرَ بِهَا فَخَدَعَهَا، وَسَافَرَ بِهَا؛ ثُمَّ كَرِهَتْهُ، وَلَمْ تُسْقِطْ حَقَّهَا مِنْ الشَّرْطِ لَمْ) يَكُنْ لَهُ أَنْ (يُكْرِهَهَا بَعْدَ) ذَلِكَ عَلَى السَّفَرِ؛ لِبَقَاءِ حُكْمِ الشَّرْطِ، فَإِنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الشَّرْطِ؛ يَسْقُطُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " إنَّهُ الصَّوَابُ. (وَمَنْ شَرَطَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ مَنْزِلِ أَبَوَيْهَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: أَحَدُ أَبَوَيْهَا (بَطَلَ الشَّرْطُ) لِأَنَّ الْمَنْزِلَ صَارَ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ أَنْ كَانَ لَهُمَا، فَاسْتَحَالَ إخْرَاجُهَا مِنْ مَنْزِلِ أَبَوَيْهَا فَبَطَلَ الشَّرْطُ. (وَمَنْ شَرَطَ سُكْنَاهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (مَعَ أَبِيهِ) فَسَكَنَتْ (ثُمَّ أَرَادَتْهَا) أَيْ: السُّكْنَى (مُنْفَرِدَةً؛ فَلَهَا ذَلِكَ) أَيْ طَلَبُهُ بِإِسْكَانِهَا مُنْفَرِدَةً، لِأَنَّهُ لِحَقِّهَا لِمَصْلَحَتِهَا، لَا لِحَقِّهِ لِمَصْلَحَتِهِ، فَلَا يَلْزَمُ فِي حَقِّهَا، وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا مَنْ شَرَطَتْ دَارَهَا فِيهَا أَوْ فِي دَارِهِ لَزِمَهُ تَسَلُّمُهَا (لَا إنْ عَجَزَ) عَنْ إفْرَادِهَا بِمَنْزِلٍ وَحْدَهَا؛ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَتَبِعْهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " (وَلَوْ تَعَذَّرَ سُكْنَى مَنْزِلٍ شُرِطَ) عَلَى الزَّوْجِ (بِنَحْوِ خَرَابِ) مَسَاكِنِهِ أَوْ تَعْطِيلِ مَحَلَّتِهِ (سَكَنَ بِهَا) الزَّوْجُ (حَيْثُ أَرَادَ) سَوَاءٌ رَضِيَتْ أَوْ لَا (وَسَقَطَ حَقُّهَا) مِنْ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَارِضٌ، وَقَدْ زَالَ، فَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ مَحْضُ حَقِّهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 (ثَانِيهِمَا) أَيْ: ثَانِي قِسْمَيْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ (فَاسِدٌ، وَهُوَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ) مِنْهُمَا (يُبْطِلُ النِّكَاحَ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ) أَيْ: الْمُبْطِلُ لِلنِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ (أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) أَحَدُهَا - (نِكَاحُ الشِّغَارِ) بِكَسْرِ الشِّينِ، قِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لِقُبْحِهِ تَشْبِيهًا بِرَفْعِ الْكَلْبِ رِجْلَهُ لِيَبُولَ، وَقِيلَ: هُوَ الرَّفْعُ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ رَفَعَ رِجْلَهُ لِلْآخَرِ عَمَّا يُرِيدُ، وَقِيلَ: هُوَ الْبُعْدُ كَأَنَّهُ بَعُدَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ الْخُلُوِّ، يُقَالُ: شَغَرَ الْمَكَانُ إذَا خَلَا، وَمَكَانٌ شَاغِرٌ أَيْ خَالٍ - وَشَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْلَى ذَلِكَ الْمَكَانَ مِنْ رِجْلِهِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ فَرْجٌ بِفَرْجٍ، فَالْفُرُوجُ كَمَا لَا تُورَثُ وَلَا تُوهَبُ فَلِئَلَّا تُعَاوَضَ بِبُضْعٍ أَوْلَى (وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ) أَيْ: يُزَوِّجُ رَجُلٌ رَجُلًا (وَلِيَّتَهُ) أَيْ: بِنْتَهُ أَوْ أُخْتَهُ وَنَحْوَهُمَا (عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ، وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا) أَيْ: سَكَتَا عَنْهُ، أَوْ شَرَطَا نَفْيَهُ وَلَوْ لَمْ يَقُولَا: وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرٌ لِلْأُخْرَى (أَيْ: يُجْعَلُ بُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعَ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ مَهْرًا لِلْأُخْرَى) وَلَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ فَاسِدٌ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا فَرَّقَا فِيهِ بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَهَى عَنْ الشِّغَارِ. وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ بِنْتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنْبَ وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ سَلَفًا فِي الْآخَرِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْنِي ثَوْبَك عَلَى أَنْ أَبِيعُك ثَوْبِي، وَلَيْسَ فَسَادُهُ مِنْ قِبَلِ التَّسْمِيَةِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، وَلِأَنَّهُ شَرْطُ تَمْلِيكِ الْبُضْعِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ؛ فَإِنَّهُ جَعَلَ تَزْوِيجَهُ إيَّاهَا مَهْرًا لِلْأُخْرَى فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهَا بِشَرْطِ انْتِزَاعِهَا مِنْهُ. (فَإِنْ سَمَّوْا) لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (مَهْرًا) كَأَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتك، وَمَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِائَةٌ، أَوْ قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 أَحَدُهُمَا: وَمَهْرُ ابْنَتِي مِائَةٌ، وَمَهْرُ ابْنَتِك خَمْسُونَ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ؛ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا بِالْمُسَمَّى نَصًّا. قَالَ فِي " الْمُجَرَّدِ " " وَالْفُصُولِ " فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي هَذَا الْعَقْدِ تَشْرِيكٌ، وَإِنَّمَا حَصَلَ فِيهِ شَرْطٌ؛ فَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَصَحَّ الْعَقْدُ، وَمَحِلُّ الصِّحَّةِ: إنْ كَانَ الْمُسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (مُسْتَقِلًّا) عَنْ بُضْعِ الْأُخْرَى، فَإِنْ جُعِلَ الْمُسَمَّى دَرَاهِمَ وَبُضْعَ الْأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ قَلَّ) صَحَّ النِّكَاحُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) بِقَوْلِهِ: فَإِنْ سَمَّوْا مَهْرًا مُسْتَقِلًّا غَيْرَ قَلِيلٍ، وَلَا حِيلَةَ؛ صَحَّ. فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْقَلِيلِ سَوَاءٌ كَانَ حِيلَةً أَوْ لَا؛ لِجَعْلِهِ إيَّاهُ قَسِيمًا لِلْحِيلَةِ، كَمَا فِي " التَّنْقِيحِ " وَغَيْرِهِ، وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَهْرُ قَلِيلًا وَلَمْ يَكُنْ حِيلَةً؛ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا حِيلَةَ) (فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ قَلِيلًا حِيلَةً؛ لَمْ يَصِحَّ؛) لِمَا تَقَدَّمَ فِي بُطْلَانِ الْحِيَلِ عَلَى مُحَرَّمٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " وَالْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِمَا (إنْ كَانَ كَثِيرًا صَحَّ) وَلَوْ حِيلَةً، وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى " تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ " التَّنْقِيحِ " وَاعْتَرَضَ الْحَجَّاوِيُّ " التَّنْقِيحَ " فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ سَمَّى) الْمَهْرَ (لِإِحْدَاهُمَا) دُونَ الْأُخْرَى (صَحَّ نِكَاحُهَا) أَيْ: مَنْ سَمَّى الْمَهْرَ لَهَا (فَقَطْ) لِأَنَّ فِي نِكَاحِ الْمُسَمَّى لَهَا تَسْمِيَةً وَشَرْطًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سُمِّيَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرٌ. وَإِنْ قَالَ: زَوَّجْتُك جَارِيَتِي هَذِهِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتك، وَتَكُونُ رَقَبَتُهَا صَدَاقًا لِابْنَتِك؛ لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا صَدَاقًا سِوَى تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ. وَإِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ رَقَبَةَ الْجَارِيَةِ صَدَاقًا لَهَا؛ صَحَّ، لِأَنَّ الْجَارِيَةَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ صَدَاقًا. وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً وَجَعَلَ رَقَبَتَهُ صَدَاقًا لَهَا، لَمْ يَصِحَّ الصَّدَاقُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ، فَيَفْسُدُ الصَّدَاقُ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ". (وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ) وَهُوَ الثَّانِي مِنْ الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْمُبْطِلَةِ لِلنِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ، سُمِّيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 مُحَلِّلًا لِقَصْدِهِ الْحِلَّ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحْصُلُ فِيهِ الْحِلُّ (وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) أَيْ: الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا (عَلَى أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا) لِمُطَلَّقِهَا أَيْ وَطِئَهَا (طَلَّقَهَا أَوْ) يَتَزَوَّجُهَا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا لِلْأَوَّلِ (فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا) وَهُوَ حَرَامٌ بَاطِلٌ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ مِنْهُمْ عُمَرُ، وَابْنُهُ، وَعُثْمَانُ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ مَلْعُونَانِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» . (أَوْ يَنْوِيَهُ) أَيْ: التَّحْلِيلَ (الزَّوْجُ) وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّرْطَ فِي الْعَقْدِ، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ أَيْضًا. قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعْدٍ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَفِي نَفْسِهِ أَنْ يُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَلَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ. قَالَ: هُوَ مُحَلِّلٌ، إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِحْلَالَ؛ فَهُوَ مَلْعُونٌ، وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ الصَّحَابَةِ. وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: تَزَوَّجْتهَا أَحِلُّهَا لِزَوْجِهَا لَمْ يَأْمُرنِي، وَلَمْ يَعْلَمْ، قَالَ: لَا، الْإِنْكَاحُ رَغْبَةٌ إنْ أَعْجَبَتْك أَمْسَكْتهَا، وَإِنْ كَرِهْتهَا فَارَقْتهَا، وَإِنْ كُنَّا نَعُدُّهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِفَاحًا. وَقَالَ: لَا يَزَالَا زَانِيَيْنِ وَلَوْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً، إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُحِلَّهَا، وَهَذَا قَوْلُ عُثْمَانَ. وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَيَحِلُّهَا لَهُ رَجُلٌ؟ قَالَ: مَنْ يُخَادِعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ. (أَوْ يَتَّفِقَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَنَّهُ نِكَاحُ مُحَلِّلٍ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الْعَقْدِ، وَلَمْ يُذْكَرْ حَالَ الْعَقْدِ؛ فَلَا يَصِحُّ إنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ، وَيَنْوِي حَالَ الْعَقْدِ أَنَّهُ نِكَاحُ رَغْبَةٍ، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ حَالَ الْعَقْدِ، صَحَّ؛ لِخُلُوِّهِ عَنْ نِيَّةِ التَّحْلِيلِ وَشَرْطِهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ ذِي الرُّقْعَتَيْنِ الْآتِي (أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 يُزَوِّجُ عَبْدَهُ بِمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا بِنِيَّةِ تَمْلِيكِهِ) أَيْ الْعَبْدِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (لَهَا) أَيْ: لِلزَّوْجَةِ أَوْ بِنِيَّتِهِ بَيْعَهُ أَوْ بَعْضِهِ مِنْهَا (لِيَفْسَخَ نِكَاحُهَا) بِمِلْكِهَا زَوْجَهَا أَوْ بَعْضَهُ (فَيَحْرُمُ الْكُلُّ وَلَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ. قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا نَهَى عَنْهُ عُمَرُ، يُؤَدَّبَانِ جَمِيعًا، وَعَلَّلَ فَسَادَهُ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُحَلِّلَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَهَا إيَّاهُ لِيُحَلِّلَهَا لَهُ، وَالثَّانِي كَوْنُهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهَا. انْتَهَى. وَلَا يَحْصُلُ بِنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ الْإِحْصَانُ (وَلَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ) الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا لِفَسَادِهِ، وَيَلْحَقُ فِيهِ النَّسَبُ لِلشُّبْهَةِ بِالِاخْتِلَافِ فِيهِ. (وَلَوْ نَوَى الزَّوْجُ عِنْدَ الْعَقْدِ غَيْرَ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ نِكَاحُ رَغْبَةٍ، صَحَّ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) . وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ ذِي الرُّقْعَتَيْنِ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ قَدَمَ مَكَّةَ رَجُلٌ وَمَعَهُ إخْوَةٌ لَهُ صِغَارًا، وَعَلَيْهِ إزَارٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ رُقْعَةٌ، وَمِنْ خَلْفِهِ رُقْعَةٌ، فَسَأَلَ عُمَرَ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ نَزَعَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَتْ: هَلْ لَك أَنْ تُعْطِيَ ذَا الرُّقْعَتَيْنِ شَيْئًا وَيُحِلَّك لِي؟ قُلْت: نَعَمْ إنْ شِئْت فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، قَالَ: نَعَمْ، فَتَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَدْخَلَتْ إخْوَتَهُ الدَّارَ، فَجَاءَ الْقُرَشِيُّ يَحُومُ حَوْلَ الدَّارِ، وَقَالَ: يَا وَيْلَاهُ غَلَبَ عَلَى امْرَأَتِي، فَأَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ غُلِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي قَالَ: مَنْ غَلَبَك؟ قَالَ ذُو الرُّقْعَتَيْنِ، قَالَ: أَرْسِلُوا إلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: كَيْف مَوْضِعُك مِنْ قَوْمِك؟ قَالَ: لَيْسَ بِمَوْضِعِي بَأْسٌ، قَالَتْ: إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لَك: طَلِّقْ امْرَأَتَك، فَقُلْ: لَا وَاَللَّهِ لَا أُطَلِّقُهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يُكْرِهُك، فَأَلْبَسَتْهُ حُلَّةً فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ مِنْ بَعِيدٍ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَ ذَا الرُّقْعَتَيْنِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَتُطَلِّقُ امْرَأَتَك؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا أُطَلِّقُهَا؛ قَالَ عُمَرُ: لَوْ طَلَّقْتهَا لَأَوْجَعْت رَأْسَك بِالسَّوْطِ. وَرَوَاهُ سَعِيدٌ أَيْضًا بِسَنَدِهِ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 [تَنْبِيهٌ ادَّعَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ شَرْطِ التَّحْلِيلِ وَقَصَدَ أَنَّهُ نِكَاحُ رَغْبَةٍ] تَنْبِيهٌ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ شَرْطِ التَّحْلِيلِ، وَقَصَدَ أَنَّهُ نِكَاحُ رَغْبَةٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا نَوَاهُ، قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " وَإِنْ ادَّعَاهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ؛ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ، وَلَوْ صَدَّقَتْ الزَّوْجَةُ أَنْ النِّكَاحَ الثَّانِيَ كَانَ فَاسِدًا؛ فَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؛ لِاعْتِرَافِهَا بِالتَّحْرِيمِ عَلَيْهِ. (وَمَنْ لَا فُرْقَةَ بِيَدِهِ لَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ، فَلَوْ وَهَبَتْ) مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا (مَالًا لِمَنْ تَثِقُ بِهِ) لِيَشْتَرِيَ مَمْلُوكًا، فَاشْتَرَاهُ، وَزَوَّجَهُ بِهَا، ثُمَّ وَهَبَهُ، (أَوْ) وَهَبَ بَعْضَهُ لَهَا؛ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَحْلِيلٌ مَشْرُوطٌ وَلَا مَنْوِيٌّ مِمَّنْ تُؤَثِّرُ نِيَّتَهُ، أَوْ (شَرْطُهُ وَهُوَ الزَّوْجُ، فَيَحْصُلُ الْإِحْلَالُ بِذَلِكَ) وَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا فُرْقَةَ بِيَدِهِمَا. قَالَ فِي " إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ» يَقُولُ أَحْمَدُ: إنَّهَا كَانَتْ قَدْ هَمَّتْ بِالتَّحْلِيلِ، وَنِيَّةُ الْمَرْأَةِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» . وَلَيْسَ فِيهِ الْمَرْأَةُ بِشَيْءٍ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ (لَا) يَحْصُلُ الْإِحْلَالُ بِذَلِكَ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) قَالَ الْمُنَقِّحُ: الْأَظْهَرُ عَدَمُ الْإِحْلَالِ؛ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى " وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الْمُنَقِّحِ انْتَهَى، وَهُوَ قِيَاسُ الَّتِي قَبْلَهَا. قَالَ فِي " الْوَاضِحِ " نِيَّتُهَا كَنِيَّتِهِ، وَقَالَ فِي " الرَّوْضَةِ " نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ بَاطِلٌ إذَا اتَّفَقَا، فَإِنْ اعْتَقَدَتْ ذَلِكَ بَاطِنًا، وَلَمْ تُظْهِرْهُ؛ صَحَّ فِي الْحُكْمِ، وَبَطَلَ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. تَتِمَّةٌ : قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ " فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ ثَلَاثًا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لِتَأَسُّفِهِ عَلَى طَلَاقِهَا: حِلُّهَا بَعِيدٌ فِي مَذْهَبِنَا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ يَقِفُ عَلَى زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ، وَمَتَى زَوَّجَهَا مَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ تَأَسُّفِهِ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ بِالنِّكَاحِ إلَّا التَّحْلِيلَ، وَالْقَصْدُ عِنْدَنَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا: إذَا تَزَوَّجَ الْغَرِيبُ بِنِيَّةِ طَلَاقِهَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ؛ لَمْ يَصِحَّ، وَمَنْ عَزَمَ عَلَى تَزْوِيجِهِ بِالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَوَعَدَهَا سِرًّا كَانَ أَشَدَّ تَحْرِيمًا مِنْ التَّصْرِيحِ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ إجْمَاعًا، لَا سِيَّمَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَيُعْطِيهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 مَا تُحَلَّلُ بِهِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ) وَهُوَ ثَالِثٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُبْطِلَةِ لِلنِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا لِيَتَمَتَّعَ بِهَا إلَى أَمَدٍ؛ (وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) أَيْ: الْمَرْأَةَ (إلَى مُدَّةٍ) مَعْلُومَةٍ أَوْ مَجْهُولَةٍ (أَوْ يَشْتَرِطَ طَلَاقَهَا فِيهِ) أَيْ النِّكَاحِ (بِوَقْتٍ) كَقَوْلِ وَلِيٍّ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي شَهْرًا أَوْ سَنَةً أَوْ إلَى انْقِضَاءِ الْمَوْسِمِ أَوْ إلَى قُدُومِ الْحَجِّ وَشِبْهِهِ، فَيَبْطُلُ نَصًّا؛ لِحَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.» وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَرَّمَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي كُنْت أَذِنْت فِي الِاسْتِمْتَاعِ، أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَرَوَى سَبْرَةُ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ حِينَ دَخَلْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ لَمْ نَخْرُجْ حَتَّى نَهَانَا عَنْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: إنَّ الْمُتْعَةَ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا أَحَلَّهُ اللَّهُ ثُمَّ حَرَّمَهُ، ثُمَّ أَحَلَّهُ ثُمَّ حَرَّمَهُ إلَّا الْمُتْعَةَ (أَوْ يَنْوِيهِ) أَيْ: يَنْوِي الزَّوْجُ طَلَاقَهَا بِوَقْتٍ (بِقَلْبِهِ) نَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيهَا: هُوَ شَبِيهٌ بِالْمُتْعَةِ لَا حَتَّى يَتَزَوَّجُهَا عَلَى أَنَّهَا امْرَأَةٌ مَا حَيِيَتْ (أَوْ تَزَوَّجَ الْغَرِيبُ بِنِيَّةِ طَلَاقِهَا إذَا خَرَجَ) لِيَعُودَ إلَى وَطَنِهِ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْمُتْعَةِ (أَوْ يَقُولُ: أَمْتِعِينِي نَفْسَك، فَتَقُولُ: أَمْتَعْتُك) نَفْسِي (بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ) فَلَا يَصِحُّ وَيَسْتَحِقَّانِ الْعُقُوبَةَ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْعَقْدِ؛ لِتَعَاطِيهِمَا عَقْدًا فَاسِدًا (فَمَنْ تَعَاطَى مَا مَرَّ عَالِمًا) تَحْرِيمَهُ (عُزِّرَ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ (وَلَحِقَهُ النَّسَبُ) ، إذَا وَطِئَ يَعْتَقِدُهُ نِكَاحًا أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ نِكَاحًا؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةُ الْعَقْدِ. (وَيَتَّجِهُ: وَيَثْبُتُ) لِزَوْجَةٍ دَخَلَ بِهَا (فِي نِكَاحٍ لِمُتْعَةٍ) جَمِيعُ الْمَهْرِ (الْمُسَمَّى) بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَ (لَا) يَثْبُتُ فِيهِ (مَهْرُ الْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ يَجِبُ فِيهِ بِالدُّخُولِ الْمُسَمَّى عَلَى الْمَذْهَبِ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ (هُنَا) وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُسَمًّى انْتَهَى. وَلَا يَثْبُتُ بِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ إحْصَانٌ وَلَا إبَاحَةٌ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ، وَلَا يَتَوَارَثَانِ، وَلَا تُسَمَّى زَوْجَتَهُ لِمَا سَبَقَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ النِّكَاحُ إلَى الْمَمَاتِ) بِأَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُك إلَى الْمَمَاتِ، فَيَقْبَلُ الزَّوْجُ، فَيَصِحُّ، وَلَا أَثَرَ لِهَذَا التَّوْقِيتِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. تَنْبِيهٌ : وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي عَقْدِ الْمُتْعَةِ وَفِيمَا حَكَمْنَا بِهِ أَنَّهُ كَمُتْعَةٍ كَالتَّزْوِيجِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ؛ وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ، فَسَخَ الْحَاكِمُ النِّكَاحَ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ مَهْرٍ وَلَا مُتْعَةٍ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ؛ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَالنِّكَاحُ الْمُعَلَّقُ رَابِعُ الْأَشْيَاءِ الْمُبْطِلَةِ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ تَعْلِيقُ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، غَيْرَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى (كَ) قَوْلِ الْوَلِيِّ (زَوَّجْتُك) ابْنَتِي (إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ) زَوَّجْتُكهَا (إنْ رَضِيَتْ أُمُّهَا) أَوْ إنْ رَضِيَ فُلَانٌ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَكْرَهَ فُلَانٌ (أَوْ إنْ وَضَعَتْ زَوْجَتِي بِنْتًا فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا) فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ فِي هَذَا كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى شُرُوطٍ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ وَقْفٌ لِلنِّكَاحِ عَلَى شَرْطٍ، وَلَا يَجُوزُ وَقْفُهُ عَلَى شَرْطٍ. (وَيَصِحُّ) تَعْلِيقُ النِّكَاحِ عَلَى شَرْطٍ مَاضٍ وَحَاضِرٍ، فَالْمَاضِي كَقَوْلِ الْوَلِيِّ (زَوَّجْتُكهَا إنْ كَانَتْ بِنْتِي، أَوْ) زَوَّجْتُكهَا إنْ (كُنْت وَلِيَّهَا أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ) أَيْ: أَنَّهَا بِنْتُهُ، أَوْ أَنَّهُ وَلِيُّهَا، أَوْ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ. وَالشَّرْطُ الْحَاضِرُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: أَوْ زَوَّجْتُكهَا إنْ شِئْت، فَقَالَ: شِئْت وَقَبِلْت، فَيَصِحُّ النِّكَاحُ (كَ) مَا لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ (زَوَّجْت) إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَ) قَالَ الزَّوْجُ (قَبِلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ حَقِيقَةً، بَلْ تَوْكِيدٌ وَتَقْوِيَةٌ. (النَّوْعُ الثَّانِي) مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ مَا يَصِحُّ مَعَهُ النِّكَاحُ نَحْوُ (أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 يَشْرِطَ أَنْ لَا مَهْرَ) لَهَا (أَوْ أَنْ لَا نَفَقَةَ) لَهَا (أَوْ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ ضَرَّتِهَا أَوْ) أَنْ يَقْسِمَ لَهَا (أَقَلَّ) مِنْ ضَرَّتِهَا (أَوْ أَنْ يَشْرِطَا) عَدَمَ وَطْءٍ، أَوْ أَنْ يَشْتَرِطَ (أَحَدُهُمَا عَدَمَ وَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ أَوْ) يَشْتَرِطَ عَلَى الْمَرْأَةِ (أَنْ تُعْطِيَهُ شَيْئًا) أَوْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهَا (أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ) أَوْ تَشْتَرِطَ عَلَيْهِ (إنْ فَارَقَ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ أَوْ) يَشْتَرِطَا (خِيَارًا فِي عَقْدٍ) فَيَصِحُّ النِّكَاحُ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي الضَّمَانِ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ فِيهِ أَوْ فِي الْكَفَالَةِ؛ فَسَدَ الشَّرْطُ وَالْعَقْدُ، وَهُنَا صَحَّ الْعَقْدُ دُونَ الشَّرْطِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ الِالْتِزَامُ الْمَخْصُوصُ، وَشَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ حَالًّا، فَلَمْ يُوجَدَا مِنْ أَصْلِهِمَا، فَلَمْ يَصِحَّا، بِخِلَافِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ فِيهِ أَنَّهُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ لِمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهُمَا الْفَسْخَ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ؛ لِتَمَامِهِ، وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ، لِمَا فَاتَهُ، أَوْ يَشْتَرِطَا (أَوْ) أَحَدُهُمَا خِيَارًا فِي (مَهْرٍ،) يَشْرِطُ عَلَيْهِ (إنْ جَاءَهَا بِهِ) أَيْ: الْمَهْرِ (فِي وَقْتِ كَذَا أَوْ إلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا أَوْ) تَشْرِطُ عَلَيْهِ (أَنْ يُسَافِرَ بِهَا) وَلَوْ لِحَجٍّ (أَوْ أَنْ تَسْتَدْعِيَهُ لِوَطْءٍ عِنْدَ إرَادَتِهَا أَوْ) تَشْرِطُ (أَنْ لَا تُسَلِّمَ نَفْسَهَا) إلَيْهِ (مُدَّةً إلَى كَذَا، أَوْ) تَشْرِطُ أَنْ (لَا يَكُونَ عِنْدَهَا فِي الْجُمُعَةِ إلَّا لَيْلَةً، أَوْ) تَشْرِطُ عَلَيْهِ (أَنْ لَا يَعْزِلَ عَنْهَا، أَوْ) تَشْرِطُ أَنْ (يَسْكُنَ بِهَا حَيْثُ شَاءَتْ أَوْ) حَيْثُ (شَاءَ أَبُوهَا) أَوْ حَيْثُ شَاءَ غَيْرُهُ (وَنَحْوُهُ) كَشَرْطِهَا عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا (فَيَصِحُّ النِّكَاحُ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا (دُونَ الشَّرْطِ) لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَيَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حُقُوقٍ تَجِبُ بِالْعَقْدِ قَبْلَ انْعِقَادِهِ كَإِسْقَاطِ الشَّفِيعِ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَأَمَّا الْعَقْدُ بِنَفْسِهِ فَصَحِيحٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ تَعُودُ إلَى مَعْنًى زَائِدٍ فِي الْعَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِيهِ، وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِهِ؛ فَلَمْ يُبْطِلْهُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ صَدَاقًا مُحَرَّمًا فِيهِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْعِوَضِ فَجَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ مَعَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَالْعِتْقِ. (وَمَنْ طَلَّقَ بِشَرْطِ خِيَارٍ وَقَعَ) طَلَاقُهُ؛ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ وَلَغَا الشَّرْطُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 [فَصْلٌ شَرَطَ الزَّوْجَةَ مُسْلِمَةً فَبَانَتْ كَافِرَةً] فَصْلٌ (وَإِنْ شَرَطَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةَ (مُسْلِمَةً أَوْ قِيلَ) أَيْ: قَالَ لَهُ الْوَلِيُّ (زَوَّجْتُك هَذِهِ الْمُسْلِمَةَ فَبَانَتْ كَافِرَةً، أَوْ ظَنَّهَا) أَيْ ظَنَّ الزَّوْجُ الزَّوْجَةَ (مُسْلِمَةً، وَلَمْ تُعْرَفْ) الزَّوْجَةُ (بِتَقَدُّمِ كُفْرٍ فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً) فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، لِأَنَّهُ شَرَطَ صِفَةً مَقْصُودَةً، فَبَانَتْ بِخِلَافِهَا، وَبِالْعَكْسِ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةُ خَيْرٍ فِيهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ عُرِفَتْ قَبْلُ بِكُفْرٍ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِتَفْرِيطِهِ (أَوْ شَرَطَ) الزَّوْجُ كَوْنَهَا (بِكْرًا أَوْ جَمِيلَةً أَوْ نَسِيبَةً) فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ، فَلَهُ الْخِيَارُ (أَوْ شَرَطَ) الزَّوْجُ فِي الْعَقْدِ (نَفْيَ عَيْبٍ) عَنْ الزَّوْجَةِ (لَا يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ) كَشَرْطِهَا سَمِيعَةً أَوْ بَصِيرَةً (فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ؛ فَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (الْخِيَارُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ صِفَةً مَقْصُودَةً، فَفَاتَتْ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَهَا حُرَّةً فَبَانَتْ أَمَةً، فَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ لِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا (وَيَرْجِعُ) زَوْجٌ فَسَخَ (بَعْدَ دُخُولٍ بِهِ) بِالْمَهْرِ (عَلَى الْغَارِّ) مِنْهَا أَوْ وَلِيِّهَا أَوْ وَكِيلِهِ، لِلْغُرُورِ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ: بِشَرْطِ أَنَّهَا عَذْرَاءُ، فَادَّعَى بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا أَنَّهُ وَجَدَهَا ثَيِّبًا، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ (لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ وَطْئِهِ فِي عَدَمِ بَكَارَتِهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ شَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَدْلٌ أَنَّهَا كَانَتْ ثَيِّبًا قَبْلَ الدُّخُولِ، قُبِلَ قَوْلُهَا، وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ: (وَإِنْ شَرَطَ) فِي الزَّوْجَةِ (صِفَةً أَدْنَى فَبَانَتْ) صِفَتُهَا (أَعْلَى) مِنْ الصِّفَةِ الَّتِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 شَرَطَهَا، كَأَنْ شَرَطَهَا (كِتَابِيَّةً، أَوْ) شَرَطَهَا (أَمَةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ حُرَّةً؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ فِيهَا. (وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً) وَهُوَ حُرٌّ (وَظَنَّ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ) فَبَانَتْ أَمَةً (أَوْ شَرَطَهَا حُرَّةً فَبَانَتْ أَمَةً) وَكَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ؛ فَالنِّكَاحُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَا مَهْرَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ؛ لِكَوْنِهِ عَادِمَ الطَّوْلِ خَائِفَ الْعَنَتِ، وَاخْتَارَ الْفَسْخَ؛ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ غُرَّ فِيهِ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِحُرِّيَّةِ الْآخَرِ، فَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ كَالْآخَرِ، ثُمَّ إنْ فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَلَهَا الْمُسَمَّى، لِتَقَرُّرِهِ بِالدُّخُولِ. فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ (فَوَلَدُهُ حُرٌّ) لِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّتَهَا، فَكَانَ وَلَدُهُ حُرًّا، لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ مَا يَقْتَضِي حُرِّيَّتَهُ (وَيَفْدِيهِ) الزَّوْجُ إنْ وَلَدَتْهُ (حَيًّا) لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ؛ كَأَنْ تَأْتِيَ بِهِ (لِنِصْفِ سَنَةٍ) مُنْذُ وَطِئَهَا سَوَاءٌ عَاشَ أَوْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْهُ؛ لِقَضَاءِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ نَمَاءُ الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ فَسَبِيلُهُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهَا، وَقَدْ فَوَّتَ رِقَّهُ بِاعْتِقَادِهِ الْحُرِّيَّةَ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ فَاتَ رِقُّهُ بِفِعْلِهِ، فَفِدْيَتُهُ (بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ، وَكُلُّ الْحَيَوَانَاتِ مُتَقَوِّمَةٌ (يَوْمَ وِلَادَتِهِ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ عِنْدَ وَضْعِهِ، وَهُوَ أَوَّلُ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ، وَقِيمَتُهُ الَّتِي تَزِيدُ بَعْدَ وَضْعِهِ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لِمَالِكِ الْأَمَةِ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا كَمَا بَعْدَ الْخُصُومَةِ. وَإِذَا وَضَعَتْهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا قِيمَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ (وَ) إنْ وَلَدَتْهُ (مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فَعَلَى جَانٍ غُرَّةٌ) ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى جَنِينٍ حُرٍّ، تَرِثُ الْغُرَّةَ وَرَثَةُ الْجَنِينِ، كَأَنَّهُ وُلِدَ حَيًّا، وَمَاتَ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ الْجَانِي أَبَاهُ فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ، وَلَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ (وَلَا) يَجِبُ (فِدَاءُ) هَذَا الْوَلَدِ (لِسَيِّدٍ) لِأَنَّهُ وَلَدٌ مَيِّتٌ وَلَا قِيمَةَ لَهُ (ثُمَّ إنْ كَانَ) الزَّوْجُ (مِمَّنْ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ) بِأَنْ كَانَ حُرًّا وَاجِدَ الطَّوْلِ، أَوْ غَيْرَ خَائِفِ الْعَنَتِ (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 مَحِلَّ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ كَذَلِكَ (حَالَ عَقْدٍ) لَا بَعْدَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ: (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) لِظُهُورِ بُطْلَانِ النِّكَاحِ؛ لِفَقْدِ شَرْطِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ (فَلَهُ الْخِيَارُ) بَيْنَ فَسْخِ النِّكَاحِ وَالْمُقَامِ عَلَيْهِ، كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ قَدْ غُرَّ فِيهِ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِحُرِّيَّةِ الْآخَرِ؛ أَشْبَهَ عَكْسَهُ (فَإِنْ رَضِيَ بِالْمُقَامِ) مَعَهَا (فَمَا) حَمَلَتْ بِهِ (وَلَدَتْهُ، بَعْدَ) ثُبُوتِ رِقِّهَا، (فَ) هُوَ (رَقِيقٌ) لِمَالِكِ الْأَمَةِ تَبَعًا لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ مِنْ نَمَائِهَا، وَنَمَاؤُهَا لِوَلَدِهَا، وَقَدْ انْتَفَى الْغَرَرُ الْمُقْتَضِي لِلْحُرِّيَّةِ. (وَيَتَّجِهُ: بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (أَنَّ الْوَلَدَ لَا) يَصِيرُ رَقِيقًا (مَعَ شَرْطِ حُرِّيَّةٍ) أَيْ: بِأَنْ يَشْرِطَ الزَّوْجُ عَلَى وَلِيِّ مَنْ تَزَوَّجَهَا حُرِّيَّتَهَا، فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ إنْ ظَهَرَ رِقُّهَا فَوَلَدِي مِنْهَا حُرٌّ، فَلَهُ شَرْطُهُ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ كَانَ) حِينَ تَزَوَّجَ بِالْمَرْأَةِ، (ظَنَّهَا عَتِيقَةً) فَبَانَتْ أَمَةً؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ (أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مُطَلَّقَةً) مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ رِقٍّ وَلَا حُرِّيَّةٍ (فَبَانَتْ أَمَةً؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِتْقِ، فَكَأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ (وَإِنْ كَانَ الْمَغْرُورُ) بِالْأَمَةِ بِأَنْ ظَنَّهَا أَوْ شَرَطَهَا حُرَّةً (عَبْدًا؛ فَوَلَدُهُ) مِنْهَا (حُرٌّ) لِأَنَّهُ وَطِئَهَا مُعْتَقِدًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 حُرِّيَّتَهَا، فَأَشْبَهَ الْحُرَّ، وَعِلَّةُ رِقِّ الْوَلَدِ رِقُّ أُمِّهِ خَاصَّةً، وَلَا عِبْرَةَ لِلْأَبِ بِدَلِيلِ وَلَدِ الْحُرِّ مِنْ الْأَمَةِ وَوَلَدِ الْعَبْدِ مِنْ الْحُرَّةِ، وَهُنَا يُقَالُ: حُرٌّ (بَيْنَ رَقِيقَيْنِ وَيَفْدِيهِ) أَيْ: يَفْدِي الْعَبْدُ وَلَدَهُ مِنْ أَمَةٍ غُرَّ بِهَا بِقِيمَتِهِ يَوْمَ وِلَادَتِهِ حَيًّا (لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ: الْفِدَاءِ (بِذِمَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ؛ فَوَّتَ رِقَّهُ بِاعْتِقَادِهِ الْحُرِّيَّةَ وَفِعْلِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ فِي الْحَالِ فَتَعَلَّقَ الْفِدَاءُ بِذِمَّتِهِ. (وَيَرْجِعُ زَوْجٌ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا (بِفِدَاءٍ) غَرِمَهُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ إنْ كَانَ الْغَارُّ لَهُ أَجْنَبِيًّا، قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ حَتَّى يَغْرَمَ، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَمَرَ إنْسَانٌ عَبْدًا بِإِتْلَافِ مَالِهِ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ مَغْرًا لَهُ بِأَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَأَغْرَمَهُ مَالِكُهُ قِيمَتَهُ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْغَارِّ (بِ) الْمَهْرِ (الْمُسَمَّى) أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحُرِّ (عَلَى مَنْ غَرَّهُ إنْ كَانَ) الْغَارُّ لَهُ (أَجْنَبِيًّا) ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الْوَطْءِ، كَمَا ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الْوَلَدِ فَكَمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ كَذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ، وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ انْتِفَاعِهِ بِهَا إنْ غَرِمَهَا (وَإِنْ كَانَ) الْغَارُّ لِلزَّوْجِ (سَيِّدُهَا، وَلَمْ تُعْتَقْ بِذَلِكَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ التَّغْرِيرُ بِلَفْظٍ تَحْصُلُ بِهِ الْحُرِّيَّةُ (أَوْ) كَانَ لِلزَّوْجِ (إيَّاهَا) أَيْ: الزَّوْجَةُ نَفْسُهَا (وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ، فَلَا مَهْرَ لَهُ) أَيْ: لِسَيِّدِهَا إذَا كَانَ هُوَ الْغَارُّ؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي أَنْ يَجِبَ لَهُ مَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ (وَلَا) مَهْرَ (لَهَا) أَيْ: الْمُكَاتَبَةِ إنْ كَانَتْ هِيَ الْغَارَّةَ (وَوَلَدُهَا) أَيْ: الْمُكَاتَبَةِ مِنْ زَوْجٍ غُرَّ بِحُرِّيَّتِهَا (مُكَاتَبٌ) لَوْلَا التَّغْرِيرُ تَبَعًا لَهَا (فَيَغْرَمُ أَبُوهُ قِيمَتَهُ لَهَا إنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ الْغَارَّةَ) لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهَا، وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ (وَإِنْ كَانَتْ) الزَّوْجَةُ (قِنًّا) أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ؛ لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا، وَيَغْرَمُهُ الزَّوْجُ، وَفِدَاءُ وَلَدِهَا لِسَيِّدِهَا، وَيُقَوَّمُ وَلَدُ أُمِّ وَلَدِ كَأَنَّهُ قِنٌّ؛ (وَتَعَلَّقَ) مَا غَرِمَهُ لِسَيِّدِهَا (بِرَقَبَتِهَا، فَيُخَيَّرُ سَيِّدُ) هَا بَيْنَ فِدَائِهَا بِقِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِمَّا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا، أَوْ يُسَلِّمُهَا إنْ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ، فَإِنْ اخْتَارَ فِدَاءَهَا بِقِيمَتِهَا؛ سَقَطَ قَدْرُهَا عَنْ الزَّوْجِ مِمَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إيجَابِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَارَ تَسْلِيمَهَا سَلَّمَهَا وَأَخَذَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 مَالَهُ، وَإِنْ كَانَ الْغُرُورُ مِنْ الْأَمَةِ وَمِنْ وَكِيلِهَا؛ فَالضَّمَانُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَالشَّرِيكَيْنِ فِي الْجِنَايَةِ، وَتَعَلَّقَ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا بِرَقَبَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا) إذَا غَرَّتْ زَوْجَهَا بِحُرِّيَّتِهَا (يَجِبُ لَهَا الْبَعْضُ) مِنْ مَهْرِهَا بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهَا (وَيَسْقُطُ مَا وَجَبَ لَهَا) ، لِمَا تَقَدَّمَ، وَيَجِبُ بَاقِيهِ لِمَالِك الْبَقِيَّةِ، وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا، فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهَا كَكَامِلَةِ الرِّقِّ (وَوَلَدُهَا) أَيْ: الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا (يَغْرَمُ أَبُوهُ قَدْرَ رِقِّهِ) مِنْ قِيمَتِهِ (لِأَنَّهُ مُبَعَّضٌ كَهِيَ) أَيْ: كَامِلَةٍ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ؛ لِأَنَّ بَاقِيَهُ حُرٌّ بِحُرِّيَّةِ أُمِّهِ، لَا بِاعْتِقَادِ الزَّوْجِ حُرِّيَّتَهُ (وَيَثْبُتُ كَوْنُهَا أَمَةً بِبَيِّنَةٍ) فَقَطْ لَا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَ (لَا) يَثْبُتُ كَوْنُهَا أَمَةً (بِإِقْرَارِهَا) لِإِنْسَانٍ بِالرِّقِّ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَى زَوْجِهَا نَصًّا، لِأَنَّ إقْرَارَهَا يُزِيلُ النِّكَاحَ عَنْهَا، وَيُثْبِتُ حَقًّا عَلَى غَيْرِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّتْ بِمَالٍ عَلَى غَيْرِهَا. (وَلِمُسْتَحِقٍّ غَرِمَ) مِنْ سَيِّدٍ وَزَوْجَةٍ مُكَاتَبَةٍ وَمُبَعَّضَةٍ (مُطَالَبَةُ) كُلٍّ مِنْ (زَوْجٍ وَغَارٍّ ابْتِدَاءً) أَمَّا الزَّوْجُ فَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ فَإِذَا طُولِبَ فَغَرِمَ؛ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَارِّ، وَأَمَّا الْغَارُّ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَسَبَّبَ بِمَا يُوجِبُ غُرْمًا سَاغَ، لِمُسْتَحِقِّ الْفِدَاءِ وَالْمَهْرِ مُطَالَبَتُهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَالِبَهُ الزَّوْجُ؛ لِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِتَغْرِيرِهِ الزَّوْجَ (وَالْغَارُّ مَنْ عَلِمَ رِقَّهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ أَوْ رِقَّ بَعْضِهَا (فَأَبْهَمَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ) بَلْ أَتَى بِقَرَائِنَ مُوَهِّمَةً لِلزَّوْجِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ حُرِّيَّتَهَا فَيَنْكِحُهَا عَلَى ذَلِكَ وَيَرْغَبُ فِيهَا وَيُصْدِقُهَا صَدَاقَ الْحَرَائِرِ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ الْإِبْهَامَ وَعَدَمَ الْبَيَانِ يَتَأَتَّى غَالِبًا (مِمَّنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي النِّكَاحِ) كَوَلِيِّ الزَّوْجَةِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ الزَّوْجَةِ نَفْسِهَا، وَقَدْ يَتَأَتَّى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَعَلَى كُلٍّ فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْغَارِّ؛ لِأَنَّهُ كَتَمَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بَيَانُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 (وَمَنْ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ، أَوْ تَظُنُّهُ حُرًّا؛ فَبَانَ قِنًّا؛ فَلَهَا الْخِيَارُ) بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ نَصًّا، أَمَّا الْحُرَّةُ فَلِأَنَّهَا إذَا مَلَكَتْ الْفَسْخَ لِلْحُرِّيَّةِ الطَّارِئَةِ فَلِلسَّابِقَةِ أَوْلَى، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَلِأَنَّهَا مَغْرُورَةٌ بِحُرِّيَّةِ مَنْ لَيْسَ بِحُرٍّ، أَشْبَهَتْ الْحُرَّةَ وَالْعَبْدَ الْمَغْرُورَ، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ النِّكَاحِ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَاتِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ؛ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَهَذَا إذَا كَمُلَتْ شُرُوطُ النِّكَاحِ، وَكَانَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْحُرَّةُ الْإِمْضَاءَ فَلِأَوْلِيَائِهَا الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا، لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَإِنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ فَلَهَا ذَلِكَ (بِلَا حُكْمِ) حَاكِمٍ، كَمَا لَوْ كَانَتْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ، وَإِنْ غَرَّهَا بِنَسَبٍ فَبَانَ دُونَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مُخِلًّا بِالْكَفَاءَةِ بِأَنْ غَرَّهَا بِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ، فَبَانَ عَجَمِيًّا؛ فَلَهَا الْخِيَارُ، وَإِنْ لَمْ يُخِلَّ ذَلِكَ بِالْكَفَاءَةِ؛ فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَتْهُ فَقِيهًا، فَبَانَ بِخِلَافِهِ. (وَإِنْ شَرَطَتْ) زَوْجَةٌ فِي زَوْجٍ (صِفَةً) غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ مِمَّا لَا تُعْتَبَرُ (فِي الْكَفَاءَةِ) كَكَوْنِهِ جَمِيلًا أَوْ نَسِيبًا أَوْ عَفِيفًا وَنَحْوَهُ (فَبَانَ أَقَلَّ) مِنْهَا (فَلَا فَسْخَ لَهَا) ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ أَشْبَهَ شَرْطَهَا طُولَهُ أَوْ قِصَرَهُ (إلَّا بِشَرْطِ حُرِّيَّةٍ) أَيْ: إذَا اشْتَرَطَتْهُ حُرًّا، فَبَانَ عَبْدًا، فَلَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَعَتَقَتْ تَحْتَهُ فَهَاهُنَا أَوْلَى (وَنَحْوُهَا) كَشَرْطِهَا فِيهِ صِفَةً يُخِلُّ فَقْدُهَا بِالْكَفَاءَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. تَتِمَّةٌ : وَكُلُّ مَوْضِعٍ حُكِمَ فِيهِ بِفَسَادِ الْعَقْدِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا مَهْرَ، وَبَعْدَهُ، فَلَهَا الْمُسَمَّى قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَكُلُّ مَوْضِعٍ فُسِخَ فِيهِ النِّكَاحُ مَعَ صِحَّتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا، لِحُصُولِ الْفَسْخِ مِنْهَا أَوْ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا، وَبَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ الْخَلْوَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُقَرِّرُهُ، يَجِبُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ لِتَقَرُّرِهِ، وَلِأَنَّهُ فَسْخٌ طَرَأَ عَلَى نِكَاحٍ، فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 فَصْلٌ (وَلِمَنْ) أَيْ: وَلِأَمَةٍ وَمُبَعَّضَةٍ (عَتَقَتْ كُلُّهَا تَحْتَ رَقِيقٍ كُلِّهِ، الْفَسْخُ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا (إجْمَاعًا، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُعْتَقْ كُلُّهَا تَحْتَ رَقِيقٍ كُلِّهِ بِأَنْ عَتَقَ بَعْضُهُمَا؛ أَوْ عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ مُبَعَّضٍ؛ فَلَا فَسْخَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهَا كَافَأَتْ زَوْجَهَا فِي الْكَمَالِ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا خَبَرُ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ بَرِيرَةَ، وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ. فَقَدْ رَوَى عَنْهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ " أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ، يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُمَا أَخَصُّ بِهَا مِنْ الْأَسْوَدِ، لِأَنَّهُمَا ابْنُ أَخِيهَا وَابْنُ أُخْتِهَا قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ قَالَا فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ: إنَّهُ عَبْدٌ: رِوَايَةُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَعَمَلُهُمْ، وَإِذَا رَوَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَدِيثًا وَعَمِلُوا بِهِ، فَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنَّهُ حُرٌّ عَنْ الْأَسْوَدِ وَحْدَهُ، وَقَالَ: الْعَقْدُ صَحِيحٌ فَلَا يُفْسَخُ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَالْحُرُّ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالْعَبْدُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَيُخَالِفُ الْحُرُّ الْعَبْدَ، لِأَنَّ الْعَبْدَ نَاقِصٌ، فَإِذَا كَمُلَتْ تَحْتَهُ تَضَرَّرَتْ بِبَقَائِهَا عِنْدَهُ، بِخِلَافِ الْحُرِّ (أَوْ عَتَقَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (مَعًا) بِأَنْ كَانَا لِوَاحِدٍ، فَأَعْتَقَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ كَانَا لِاثْنَيْنِ، فَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، أَوْ وَكَّلَا وَاحِدًا، فَأَعْتَقَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ (فَلَا) فَسْخَ، لِأَنَّهَا لَمْ تُعْتَقْ كُلُّهَا تَحْتَ رَقِيقٍ كُلِّهِ (فَتَقُولُ الْعَتِيقَةُ إنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ فَسَخْت نِكَاحِي، أَوْ) تَقُولُ: (اخْتَرْت نَفْسِي) أَوْ اخْتَرْت فِرَاقَهُ (وَ) قَوْلُهَا (طَلَّقْتهَا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 أَيْ: طَلَّقْت نَفْسِي (كِنَايَةٌ عَنْ الْفَسْخِ) فَيُفْسَخُ بِهِ نِكَاحُهَا إنْ نَوَتْ بِهِ الْفُرْقَةَ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَى الْفَسْخِ، فَصَلُحَ كَوْنُهُ كِنَايَةً عَنْهُ (كَعَكْسِهِ) أَيْ: كَمَا أَنَّ الْفَسْخَ كِنَايَةٌ عَنْ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ فَسْخُهَا لِنِكَاحِهَا طَلَاقًا، لِحَدِيثِ: «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» وَكَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يُفْسَخُ بِهِ نِكَاحُهَا، وَلَهَا الْفَسْخُ (وَلَوْ مُتَرَاخِيًا) كَخِيَارِ الْعَيْبِ (مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى رِضًا) بِالْمُقَامِ مَعَهُ. رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأُخْتِهِ حَفْصَةَ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد: «أَنَّ بَرِيرَةَ عَتَقَتْ وَهِيَ عِنْدَ مُغِيثٍ عَبْدٌ لِآلِ أَبِي مُحَمَّدٍ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهَا: إنْ قَرِبَك فَلَا خِيَارَ لَك» . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ لِابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ (وَلَا يَحْتَاجُ) نُفُوذُ (فَسْخِهَا لِحُكْمِ حَاكِمٍ) لِلْإِجْمَاعِ، وَعَدَمِ احْتِيَاجِهِ لِلِاجْتِهَادِ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ (بِخِلَافِ غَيْرِهَا) كَمَنْ تُرِيدُ الْفَسْخَ لِخِيَارِ الْعَيْبِ فِي النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَافْتَقَرَ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، كَالْفَسْخِ لِلْإِعْسَارِ. (فَإِنْ عَتَقَ) زَوْجُ عَتِيقَةٍ (قَبْلَ فَسْخِهَا) بَطَلَ خِيَارُهَا، لِأَنَّ الْخِيَارَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِالرِّقِّ وَقَدْ زَالَ بِالْمُعْتَقِ فَسَقَطَ الْخِيَارُ كَالْمَبِيعِ إذَا زَالَ عَيْبُهُ سَرِيعًا (أَوْ أَمْكَنَهُ) مِنْ وَطْئِهَا أَوْ مِنْ (مُبَاشَرَتِهَا أَوْ) أَمْكَنَتْهُ مِنْ (قُبْلَةٍ) طَائِعَةً، أَوْ قَبَّلَتْهُ هِيَ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى (وَلَوْ جَاهِلَةً عِتْقَهَا أَوْ) جَاهِلَةً (مِلْكَ الْفَسْخِ، بَطَلَ خِيَارُهَا) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ يُقَالُ لَهَا: زَبْرَاءُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَعَتَقَتْ، قَالَتْ: فَأَرْسَلْت إلَى حَفْصَةَ، فَدَعَتْنِي فَقَالَتْ: إنَّ أَمْرَك بِيَدِك مَا لَمْ يَمَسّكِ زَوْجُك، وَإِنْ مَسَّكِ فَلَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ، فَقُلْت: هُوَ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ؛ فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا لَمْ يَمَسَّهَا (وَيَجُوزُ لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (الْإِقْدَامُ عَلَى وَطْئِهَا قَبْلَ عِلْمِهَا بِالْعِتْقِ) ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ حَقُّهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ (وَمَالَ ابْنُ رَجَبٍ لِلتَّحْرِيمِ) أَيْ: تَحْرِيمِ إقْدَامِهِ عَلَى وَطْئِهَا قَبْلَ عِلْمِهَا، وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: قِيَاسُ مَذْهَبِنَا جَوَازُهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 (وَلِبِنْتِ تِسْعٍ أَوْ) بِنْتٍ (دُونَهَا إذَا بَلَغَتْهَا) أَيْ: تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ الْخِيَارُ (وَلِمَجْنُونَةٍ إذَا عَقَلَتْ وَلَمْ يَطَأْ) هَا الزَّوْجُ (قَبْلَ) اخْتِيَارِهَا الْفَسْخَ (الْخِيَارُ) فَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ أَنْ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ أَوْ بَعْدَ أَنْ عَقَلَتْ وَلَمْ تَخْتَرْ، سَقَطَ خِيَارُهَا كَالْكَبِيرَةِ الْعَاقِلَةِ، لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بِزَوْجَيْهِمَا عَيْبٌ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَإِنْ وَطِئَهُمَا زَوْجَاهُمَا فَعَلَى مَا سَبَقَ لَا خِيَارَ لَهُمَا، لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَلَا خِيَارَ لِبِنْتٍ دُونَ تِسْعٍ وَلَا الْمَجْنُونَةِ، لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُمَا (دُونَ وَلِيِّ) مَجْنُونَةٍ وَبِنْتِ تِسْعٍ فَأَقَلَّ فَلَا خِيَارَ لَهُ، لِأَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهْوَةُ، فَلَا تَدْخُلُهُ الْوِلَايَةُ كَالْقِصَاصِ. (فَإِنْ بَانَتْ) مَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ (قَبْلَهُ) أَيْ: الْفَسْخِ (بَطَلَ خِيَارُهَا) لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ زَوْجٍ عَاقِلٍ يَمْلِكُ الْعِصْمَةَ، فَنَفَذَ كَمَا لَوْ لَمْ تَعْتِقْ الزَّوْجَةُ (وَإِنْ طَلُقَتْ) طَلَاقًا (رَجْعِيًّا) فَلَهَا الْخِيَارُ (أَوْ عَتَقَتْ الرَّجْعِيَّةُ فَلَهَا الْخِيَارُ) مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا بَاقٍ وَيُمْكِنُ فَسْخُهُ، وَلَهَا فِي الْفَسْخِ فَائِدَةٌ؛ فَإِنَّهَا لَا تَأْمَنُ رَجْعَتَهُ إذَا لَمْ تَفْسَخْ بِخِلَافِ الْبَائِنِ (فَإِنْ رَضِيَتْ) الرَّجْعِيَّةُ (بِالْمُقَامِ) تَحْتَ الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهَا (بَطَلَ) خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَصِحُّ فِيهَا اخْتِيَارُ الْفَسْخِ، فَصَحَّ اخْتِيَارُ الْمُقَامِ كَصُلْبِ النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا؛ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا، لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَسُكُوتُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا (وَمَتَى فَسَخَتْ) عَتِيقَةٌ نِكَاحَهَا (بَعْدَ دُخُولٍ فَمَهْرُهَا لِسَيِّدٍ) لِوُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ وَهِيَ مَلَكَتْهُ حَالَتَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَفْسَخْ، وَالْوَاجِبُ الْمُسَمَّى؛ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، (وَ) مَتَى فَسَخَتْ (قَبْلَهُ) أَيْ: الدُّخُولِ (فَلَا مَهْرَ) نَصًّا لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا، كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ، أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يُفْسَخُ بِهِ نِكَاحُهَا (وَإِنْ شَرَطَ مُعْتِقُهَا) فِي عِتْقِهَا (أَنْ لَا تَفْسَخَ نِكَاحَهَا وَرَضِيَتْ) صَحَّ وَلَزِمَهَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِشَرْطٍ صَحِيحٍ (أَوْ بُذِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (لَهَا) أَيْ: لِمَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ (عِوَضٌ) مِنْ السَّيِّدِ أَوْ غَيْرِهِ (لِتُسْقِطَ حَقَّهَا مِنْ فَسْخٍ مَلَكَتْهُ) بِالْعِتْقِ؛ صَحَّ وَلَزِمَهَا (أَوْ أَسْقَطَتْهُ) أَيْ: حَقَّهَا (بِلَا عِوَضٍ؛ صَحَّ) ذَلِكَ (وَلَزِمَهَا) نَصًّا وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى صِحَّةِ إسْقَاطِ الْخِيَارِ بِعِوَضٍ وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِجَوَازِهِ فِي خِيَارِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 الْعَيْبِ بِالْبَيْعِ. (وَمَنْ زَوَّجَ مُدَبَّرَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ بِعَبْدٍ عَلَى مِائَتَيْنِ مَهْرًا ثُمَّ مَاتَ) السَّيِّدُ (عَتَقَتْ، وَلَا فَسْخَ) أَيْ: لَا خِيَارَ لَهَا إنْ مَاتَ سَيِّدُهَا (قَبْلَ الدُّخُولِ) بِهَا (لِئَلَّا يَسْقُطَ الْمَهْرُ) لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا (فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَيُرَقُّ) بَعْضُهَا فَيُفْضِي إثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهَا إلَى إسْقَاطِهِ (فَيَمْتَنِعُ الْفَسْخُ) لِأَنَّ مَا أَدَّى وُجُودُهُ إلَى رَفْعِهِ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ (فَهَذِهِ) الصُّورَةُ (مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ الْأَصْحَابِ) أَنَّ مَنْ عَتَقَتْ كُلُّهَا تَحْتَ رَقِيقٍ كُلِّهِ، لَهَا الْفَسْخُ، وَيُعَايَا بِهَا. فَيُقَالُ: أَمَةٌ عَتَقَتْ كُلُّهَا تَحْتَ رَقِيقٍ كُلِّهِ وَلَمْ تَمْلِكْ الْفَسْخَ. (وَيَتَّجِهُ بَلْ لَا يَمْتَنِعُ) الْفَسْخُ عَلَى مُدَبَّرَةٍ غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدٍ (بِأَنْ) كَانَ (خَلَا بِهَا) زَوْجُهَا (بِلَا مُبَاشَرَةٍ) وَنَحْوُهُ مِمَّا يُقَرِّرُ الْمَهْرَ (فَيَتَقَرَّرُ) لَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا، وَيَسُوغُ لَهَا الْفَسْخُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ أَنَّهُ صَدَقَ وَعَلَيْهَا أَنَّهَا غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا (وَلَا يُرَدُّ مَا قَالُوهُ) أَيْ: الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلِمَالِكِ زَوْجَيْنِ بَيْعُهُمَا) مَعًا (أَوْ) بَيْعُ (أَحَدِهِمَا وَلَا فُرْقَةَ بِذَلِكَ) أَيْ: بِبَيْعِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي النِّكَاحِ. (وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ) بِأَنْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ؛ فَلَهَا الْخِيَارُ (لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ تُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ: الرَّجُلِ (لَا فِيهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ. (وَسُنَّ لِمَالِكِ زَوْجَيْنِ أَرَادَ عِتْقَهُمَا بُدَاءَةً) عِتْقُ (الرَّجُلِ) ثُمَّ الْمَرْأَةِ (لِئَلَّا يَثْبُتَ لَهَا عَلَيْهِ خِيَارٌ) . فَتَفْسَخَ نِكَاحَهَا لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِمَا «عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُ كَانَ لَهَا غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ وَتَزَوَّجَا، فَقَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَهُمَا؛ فَقَالَ لَهَا: ابْدَئِي بِالرَّجُلِ قَبْلَ الْمَرْأَةِ» . وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ، وَقَالَتْ لِلرَّجُلِ: إنِّي بَدَأْت بِعِتْقِك؛ لِئَلَّا يَكُونَ لَهَا عَلَيْك خِيَارٌ. [تَتِمَّةٌ مَنْ عَتَقَتْ وَزَادَهَا زَوْجُهَا فِي مَهْرِهَا] تَتِمَّةٌ وَمَنْ عَتَقَتْ وَزَادَهَا زَوْجُهَا فِي مَهْرِهَا؛ فَالزِّيَادَةُ لَهَا، دُونَ سَيِّدِهَا، وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ لَوْ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا، ثُمَّ بَاعَهَا، فَزَادَهَا زَوْجُهَا فِي مَهْرِهَا؛ فَالزِّيَادَةُ لِلثَّانِي. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 [بَابُ الْعُيُوبِ فِي النِّكَاحِ] ِ أَيْ: بَيَانُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ وَمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ (وَأَقْسَامُهَا) أَيْ: الْعُيُوبِ (الْمُثَبِّتَةُ لِلْخِيَارِ ثَلَاثَةٌ) . مِنْهَا (قِسْمٌ يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ) وَثُبُوتِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذَا وَجَدَ الْآخَرُ عَيْبًا فِي الْجُمْلَةِ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْوَطْءَ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي النِّكَاحِ، فَجَازَ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ كَالصَّدَاقِ، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِالْعَيْبِ فِي الْآخَرِ كَالْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الْعَمَى وَالزَّمَانَةُ وَنَحْوُهُمَا فَلَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ الْوَطْءُ بِخِلَافِ الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْجُنُونِ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ نَفْرَةً تَمْنَعُ مِنْ قُرْبَانِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيُخَافُ مِنْهُ التَّعَدِّي إلَى نَفْسِهِ وَنَسْلِهِ، وَالْمَجْنُونُ يُخَافُ مِنْهُ الْجِنَايَةُ، فَهُوَ كَالْمَانِعِ الْحِسِّيِّ. (وَهُوَ) أَيْ: الْقِسْمُ الْمُخْتَصُّ بِالرَّجُلِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: (كَوْنُهُ) أَيْ: الرَّجُلِ (قَدْ قُطِعَ ذَكَرُهُ) كُلُّهُ (أَوْ) قُطِعَ (بَعْضُهُ، وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (بِفِعْلِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (وَلَمْ يَبْقَ) مِنْهُ (مَا يُمْكِنُ جِمَاعٌ بِهِ، وَ) مَتَى ادَّعَى الزَّوْجُ إمْكَانَ الْجِمَاعِ بِمَا بَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ، وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ؛ فَإِنَّهُ (يُقْبَلُ قَوْلُهَا) مَعَ يَمِينِهَا (فِي عَدَمِ إمْكَانِهِ) أَيْ: الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَضْعُفُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوَطْءِ. الشَّيْءُ الثَّانِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ قَطَعَ خُصْيَتَاهُ أَوْ رَضَّ بَيْضَتَاهُ) أَيْ: عَرَّقَهُمَا حَتَّى يَنْفَسِخَ فَيَصِيرُ شَبِيهًا بِالْخَصِيِّ (أَوْ سُلَّتَا) أَيْ: بَيْضَاتُهُ (فَتَفْسَخُ فِي الْكُلِّ فِي الْحَالِ) لِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا يَمْنَعُ الْوَطْءَ أَوْ يُضْعِفُهُ، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارِ بْنِ سَنَدٍ: تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ خَصِيٌّ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَعْلَمْتَهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَعْلِمْهَا، ثُمَّ خَيِّرْهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 الشَّيْءُ الثَّالِثُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ كَانَ عِنِّينًا) لَا يُمْكِنُهُ وَطْءٌ وَلَوْ لِكِبَرٍ (أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ) أُجِّلَ سَنَةً لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى (مَنْ) خُلِقَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِجَبٍّ أَوْ شَلَلٍ؛ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَأْيُوسٌ مِنْهُ، فَلَا مَعْنَى لِانْتِظَارِهِ، قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ. وَالْعِنِّينُ هُوَ الْعَاجِزُ عَنْ إيلَاجِ ذَكَرِهِ فِي الْفَرْجِ، مَأْخُوذٌ مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ إذَا اعْتَرَضَ؛ لِأَنَّ ذَكَرَهُ يَعِنُّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُولِجَهُ أَيْ: يَعْتَرِضُ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لِامْرَأَةِ الْعِنِّينِ بَعْدَ تَأْجِيلِهِ سَنَةً هِلَالِيَّةً. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَعَلَيْهِ فَتْوَى فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ، وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ كَالْجَبِّ، وَأَمَّا قِصَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ فَلَمْ تَثْبُتْ عُنَّتُهُ، وَلَا طُلِبَ مِنْ الْمَرْأَةِ ضَرْبُ الْمُدَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ طَلَاقٍ، فَلَا مَعْنَى لِضَرْبِ الْمُدَّةِ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَمَتَى ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَجْزَ زَوْجِهَا عَنْ الْوَطْءِ لِعُنَّةٍ (بِأَنْ أَقَرَّ بِهَا) أَيْ: الْعُنَّةَ (أَوْ ثَبَتَتْ) عُنَّتُهُ (بِبَيِّنَةِ إقْرَارِهِ أَنَّهُ عِنِّينٌ) ، كَأَنْ يَقُولَ: أَنَا عِنِّينٌ أَوْ عَاجِزٌ عَجْزَ خِلْقَةٍ، أَوْ عَاجِزٌ عَنْ الْوَطْءِ مُذْ كَيْت، أَوْ لَمْ يَنْتَشِرْ عَلَيَّ ذَكَرِي قَطُّ، أَوْ أَنَا عَاجِزٌ عَنْ الْوَطْءِ لَا أَدْرِي هَلْ هُوَ عَجْزُ عُنَّةٍ أَوْ غَيْرِ عُنَّةٍ، أَوْ أَنَا عَاجِزٌ عَنْ الْوَطْءِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْ عَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، أَوْ لَسْت أَدْرِي مَا سَبَبُهُ وَلَمْ أَكُنْ عَاجِزًا قَبْلَ هَذَا، أَوْ أَنَا عَاجِزٌ عَنْ الْوَطْءِ لِدَاءٍ عَرَضَ لِي أَوْ لِأَنِّي مَطْبُوبٌ وَنَحْوُهُ، قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ "، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالثِّقَةِ عُمِلَ بِهَا (أَوْ عُدِمَا) أَيْ: الْإِقْرَارُ وَالْبَيِّنَةُ (فَطَلَبَتْ) الزَّوْجَةُ (يَمِينَهُ فَنَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (وَلَمْ يَدَّعِ وَطْئًا) قَبْلَ دَعْوَاهَا (أُجِّلَ) وَلَوْ عَبْدًا (سَنَةً هِلَالِيَّةً) أَيْ: اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا هِلَالِيًّا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيٌّ: هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُمْ حَيْثُ أَطُلَقُو السَّنَةَ، أَرَادُوا بِهَا الْهِلَالِيَّةَ، وَلَكِنْ تَعْلِيلُهُمْ الْفُصُولَ يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْت: الْخَطْبُ فِي ذَلِكَ يَسِيرٌ، وَالْمُدَّةُ مُتَقَارِبَةٌ، فَإِنَّ زِيَادَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ عَلَى السَّنَةِ الْهِلَالِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ أَوْ خُمْسُ يَوْمٍ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَابْتِدَاءُ السَّنَةِ (مُنْذُ تَرَافُعِهِ) إلَى الْحَاكِمِ، فَيَضْرِبُ لَهُ الْمُدَّةَ، وَلَا يَضْرِبُهَا غَيْرُهُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً. وَلِأَنَّ الْعَجْزَ قَدْ يَكُونُ لِعُنَّةٍ وَقَدْ يَكُونُ لِمَرَضٍ فَتُضْرَبُ لَهُ سَنَةٌ لِتَمُرَّ بِهِ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ يُبْسٍ زَالَ فِي فَصْلِ الرُّطُوبَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الرُّطُوبَةِ زَالَ فِي فَصْلِ الْيُبْسِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بُرُودَةٍ زَالَ فِي فَصْلِ الْحَرَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ احْتِرَاقِ مِزَاجٍ، زَالَ فِي فَصْلِ الِاعْتِدَالِ، فَإِذَا مَضَتْ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ، وَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْأَهْوِيَةُ، وَلَمْ يَزُلْ، عُلِمَ أَنَّهُ خِلْقَةٌ. قَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الطِّبِّ قَالُوا: الدَّاءُ لَا يَسْجُنُ فِي الْبَدَنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةِ، ثُمَّ يَظْهَرُ. انْتَهَى. وَلَا يُعْتَبَرُ عَنْهُ إلَّا (بَعْدَ بُلُوغِهِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَجْزُهُ لِصِغَرٍ لَا خِلْقَةٍ (وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مِنْهَا) أَيْ: السَّنَةِ (مَا اعْتَزَلَهُ) أَيْ: مُدَّةَ اعْتِزَالِ الزَّوْجَةِ لَهُ بِنُشُوزٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَقَطْ) لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قِبَلِهَا، وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ عَنْهَا أَوْ سَافَرَ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِبَلِهِ وَكَالْوَلِيِّ (فَإِنْ مَضَتْ) السَّنَةُ (وَلَمْ يَطَأْهَا) فِيهَا (فَلَهَا الْفَسْخُ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ جُبَّ ذَكَرُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَوْ بِفِعْلِهَا؛ فَلَهَا الْخِيَارُ مِنْ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ إذَنْ لِلتَّأْجِيلِ، وَالْفَسْخُ حِينَئِذٍ لِلْجَبِّ لَا لِلْعُنَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَإِنْ قَالَ ثَابِتُ عُنَّةٍ وَطِئَهَا وَأَنْكَرَتْ) وَطْأَهُ إيَّاهَا (وَهِيَ ثَيِّبٌ؛ فَقَوْلُهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ وُجُودُ مَا يَقْتَضِي الْفَسْخَ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْعُنَّةِ (كَ) مَا لَوْ ادَّعَى زَوْجٌ ثَابِتُ الْعُنَّةِ وَطْءَ (بِكْرٍ) بَعْدَ أَنْ أُجِّلَ، فَأَنْكَرَتْ، وَشَهِدَ بِعُذْرَتِهَا امْرَأَةٌ ثِقَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، لِأَنَّ وُجُودَ الْعُذْرَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُهَا، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ عُنَّتُهُ قَبْلَ دَعْوَاهُ وَطْأَهَا، أَوْ لَمْ يَشْهَدْ بِالْبَكَارَةِ أَحَدٌ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ (وَعَلَيْهَا الْيَمِينُ وَإِنْ قَالَ) الزَّوْجُ (أَزَلْت بَكَارَتَهَا وَعَادَتْ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا بِيَمِينِهَا (فَإِنْ شُهِدَ لَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ؛ أَيْ: شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ (بِزَوَالِهَا) أَيْ: الْبَكَارَةِ (فَلَيْسَ بِعِنِّينٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْعِنِّينِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 لِتَبَيُّنِ كَذِبِهَا، لِثُبُوتِ زَوَالِ بَكَارَتِهَا (وَحَلَفَ) لُزُومًا (إنْ قَالَتْ زَالَتْ) بَكَارَتُهَا (بِغَيْرِ وَطْءٍ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِهَا. (وَمَنْ لَمْ تَثْبُتْ عُنَّتُهُ وَادَّعَى الْوَطْءَ فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ) بِيَمِينِهِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، وَفِي " الْإِقْنَاعِ " وَشَرْحِهِ وَإِنْ ادَّعَى زَوْجٌ وَطْءَ بِكْرٍ فَشَهِدَ بِعُذْرَتِهَا بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: بَكَارَتِهَا امْرَأَةٌ ثِقَةٌ، أُجِّلَ سَنَةً كَمَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَالْأَحْوَطُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ ثِقَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا أَيْ الْبَكَارَةِ أَحَدٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، وَلَمْ يَقُلْ فِي الْمُنْتَهَى " مُطْلَقًا، ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ: مَنْ لَمْ تَثْبُتْ عُنَّتُهُ، وَادَّعَى الْوَطْءَ، قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ دَعْوَاهَا الْبَكَارَةَ، وَلَمْ تَقُمْ بِبَكَارَتِهَا الْبَيِّنَةُ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ مُخَالِفَةٌ لِتَصْرِيحِ " الْإِقْنَاعِ " " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى "، وَكَانَ عَلَيْهِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ. [تَنْبِيهٌ أَنْكَرَ الزَّوْج الْعُنَّةَ وَلَمْ يَدَّعِ وَطْئًا] تَنْبِيهٌ فَإِنْ أَنْكَرَ الْعُنَّةَ، وَلَمْ يَدَّعِ وَطْئًا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أُجِّلَ السَّنَةَ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ، وَقَالَ: لَسْت أَدْرِي أَعِنِّينٌ أَنَا أَمْ لَا؟ فَيُؤَجَّلُ سَنَةً، كَمَا لَوْ أَنْكَرَ الْعُنَّةَ، وَنَكَلَ الْيَمِينَ فَإِنَّ النُّكُولَ عَنْ الْجَوَابِ كَالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ. (وَمَنْ اعْتَرَفَتْ بِوَطْئِهِ) أَيْ: زَوْجِهَا (فِي قُبُلٍ) لَهَا (بِنِكَاحٍ تَرَافَعَا فِيهِ وَلَوْ) قَالَتْ: وَطِئَنِي (مَرَّةً) وَاحِدَةً (أَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ رِدَّةٍ وَنَحْوِهِ) كَفِي مَرَضٍ يَضُرُّهَا فِيهِ الْوَطْءُ أَوْ وَهِيَ صَائِمَةٌ، وَكَانَ اعْتِرَافُهَا بِالْوَطْءِ (بَعْدَ ثُبُوتِ عُنَّتِهِ، فَقَدْ زَالَتْ) عُنَّتُهُ؛ لِإِقْرَارِهَا بِمَا يَتَضَمَّنُ زَوَالَهَا، وَهُوَ الْوَطْءُ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ إقْرَارُهَا بِالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ قَبْلَ ثُبُوتِ عُنَّتِهِ (فَلَيْسَ بِعِنِّينٍ) لِاعْتِرَافِهَا بِمَا يُنَافِي دَعْوَاهَا، وَلِأَنَّ حُقُوقَ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ ثَبَتَتْ بِالْوَطْءِ مَرَّةً، وَقَدْ وُجِدَ (وَلَا تَزُولُ عُنَّةٌ بِوَطْءِ غَيْرِ مُدَّعِيَةٍ) لِأَنَّ حُكْمَ كُلِّ امْرَأَةٍ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهَا، وَلِأَنَّ الْفَسْخَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِعَجْزِهِ عَنْ وَطْئِهَا وَهُوَ لَا يَزُولُ بِوَطْءِ غَيْرِهَا، قَالَ فِي " الْمُجَرَّدِ " فَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَوَطِئَ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ، ثُمَّ عَنْ عَنْ الرَّابِعَةِ؛ كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ، وَيَثْبُتُ لَهَا الْفَسْخُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 عِنْدَ انْقِضَائِهَا. انْتَهَى. فَإِنْ قِيلَ: كَيْف يَصِحُّ الْعَجْزُ عَنْ وَاحِدَةٍ دُونَ غَيْرِهَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ تَنْهَضُ شَهْوَتُهُ فِي حَقِّ إحْدَاهُمَا لِفَرْطِ حُبِّهِ إيَّاهَا وَمَيْلِهِ إلَيْهَا وَاخْتِصَاصِهَا بِجَمَالٍ وَنَحْوِهِ دُونَ الْأُخْرَى (أَوْ) أَيْ: وَلَا تَزُولُ عُنَّتُهُ بِوَطْءِ مُدَّعِيَتِهِ (فِي دُبُرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْوَطْءِ فَأَشْبَهَ الْوَطْءَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلِذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إحْصَانٌ وَلَا إحْلَالٌ لِمُطَلَّقِهَا ثَلَاثًا، وَلَا تَزُولُ عُنَّةٌ بِالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ سَابِقٍ؛ لِأَنَّ الْعُنَّةَ قَدْ تَطْرَأُ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا فَبَانَتْ مِنْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا فَعُنَّ عَنْهَا، ضُرِبَ لَهُ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَعُنَّ عَنْ امْرَأَةٍ دُونَ أُخْرَى فَفِي نِكَاحٍ دُونَ نِكَاحٍ أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ فَوَطِئَهَا فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْخِيَارُ؛ لِقَوْلِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَابْنِ مَنْصُورٍ: إذَا وَصَلَ إلَيْهَا مَرَّةً؛ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ عِنِّينًا، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْأَثْرَمِ: إذَا وَصَلَ إلَى امْرَأَتِهِ مَرَّةً لَيْسَ بِعِنِّينٍ؛ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ، وَإِنْ طَالَبَتْ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. (وَإِنْ ادَّعَتْ زَوْجَةُ مَجْنُونٍ عُنَّتَهُ؛ أُجِّلَ) قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ " لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ مِلْكِ الْفَسْخِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِالْعَجْزِ عَنْ الْوَطْءِ، وَذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ الْمَجْنُونُ وَالْعَاقِلُ، (وَ) يَكُونُ الْقَوْلُ (قَوْلَهَا فِي عَدَمِ الْوَطْءِ وَلَوْ) كَانَتْ (ثَيِّبًا) لِأَنَّ قَوْلَ الْمَجْنُونِ لَا حُكْمَ لَهُ. قَالَ فِي الْمُنْتَهَى " وَمَجْنُونٌ ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ كَعَاقِلٍ فِي ضَرْبِ الْمُدَّةِ؛ فَمَفْهُومُهُ إذَا لَمْ تَثْبُتْ عُنَّتُهُ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ أَنْ يُجَنَّ لَمْ تُضْرَبْ لَهُ الْمُدَّةُ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ (وَمَنْ حَدَثَ بِهَا جُنُونٌ) فِي الْمُدَّةِ الَّتِي ضُرِبَتْ لِزَوْجِهَا الْعِنِّينِ وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ (حَتَّى انْتَهَتْ) الْمُدَّةُ (وَلَمْ يَطَأْهَا فَلِوَلِيِّهَا) أَيْ: الْمَجْنُونَةِ (الْفَسْخُ) لِتَعَذُّرِهِ مِنْ جِهَتِهَا، وَتَحَقُّقِ احْتِيَاجِهَا لِلْوَطْءِ بِدَلِيلِ طَلَبِهَا قَبْلَ جُنُونِهَا. (وَيَسْقُطُ حَقُّ زَوْجَةِ عِنِّينٍ وَ) زَوْجَةِ (مَقْطُوعِ بَعْضِ ذَكَرِهِ بِتَغْيِيبِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ) فِي الْفَرْجِ، وَغَيْرُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ " بَعْضِ "، وَإِنَّمَا قَالُوا بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ مِنْ سَلِيمِهَا؛ أَيْ: لَا زِيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَائِرُ أَحْكَامِ الْوَطْءِ مِنْ الْغُسْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 وَالْحَدِّ وَالْعِدَّةِ وَلُحُوقِ النَّسَبِ وَاسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ وَالْإِحْصَانِ وَالْإِبَاحَةِ لِلْمُطَلَّقِ ثَلَاثًا (أَوْ) تَغْيِيبِ (قَدْرِهَا) أَيْ: الْحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِهَا (مَعَ انْتِشَارٍ) لِيَكُونَ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْمَقْطُوعِ مِثْلَ مَا يُجْزِئُ مِنْ الصَّحِيحِ. (وَلَوْ بَانَ عَقِيمًا) لَا تَحْمِلُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ؛ فَلَا يَثْبُتُ لَهَا الْفَسْخُ، وَلَوْ ثَبَتَ لِذَلِكَ لَثَبَتَ فِي الْآيِسَةِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ؛ فَإِنَّ رِجَالًا لَا يُولَدُ لِأَحَدِهِمْ وَهُوَ شَابٌّ؛ ثُمَّ يُولَدُ لَهُ وَهُوَ شَيْخٌ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْهُمَا (أَوْ كَانَ يَطَأُ وَلَا يُنْزِلُ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَأُ وَلَا يُنْزِلُ، وَقَدْ يُنْزِلُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ، فَإِنَّ ضَعْفَ الذَّكَرِ لَا يَمْنَعُ سَلَامَةَ الظَّهْرِ وَنُزُولِ الْمَاءِ، وَقَدْ يَعْجِزُ السَّلِيمُ الْقَادِرُ عَنْ الْوَطْءِ، فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْوَطْءِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ أَوْ وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يَكُونُ عِنِّينًا إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَلَا خِيَارَ لَهَا، لِأَنَّ حَقَّهَا فِي الْوَطْءِ لَا فِي الْإِنْزَالِ) فَاعْتِبَارِ خُرُوجِ الْمَاءِ ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ أَثْبَتَ عِلْمَهَا بِعُنَّتِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَهُ لَمْ يُؤَجَّلْ) لِدُخُولِهَا عَلَى بَصِيرَةٍ (وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ) بِأَنَّهُ عِنِّينٌ (إلَّا بَعْدَ دُخُولٍ، فَسَكَتَتْ عَنْ الطَّلَبِ) ثُمَّ طَالَبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ وَ (لَمْ يَضُرَّ) سُكُوتُهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَلَا يَسْقُطُ طَلَبُهَا إلَّا بِالْقَوْلِ، فَلَوْ قَالَتْ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ: رَضِيت بِهِ عِنِّينًا؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْفَسْخِ؛ لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا. تَتِمَّةٌ وَكُلُّ مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِوَطْئِهِ فِيهِ بَطَلَ حُكْمُ عُنَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِوَطْئِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ عِنْدَ التَّرَافُعِ لَمْ تُضْرَبْ لَهُ مُدَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عُنَّةَ مَعَ الْوَطْءِ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِوَطْئِهِ بَعْدَ ضَرْبِهَا انْقَطَعَتْ عُنَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ زَوَالُهَا، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِوَطْئِهِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا؛ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِزَوَالِ مُوجِبِهِ، كَمَا لَوْ زَالَ عَيْبُ الْمَبِيعِ سَرِيعًا، وَكُلُّ مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِعَدَمِ الْوَطْءِ فِيهِ حَكَمْنَا بِعُنَّتِهِ، كَمَا لَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 أَقَرَّ بِهَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْوَطْءِ عَلَامَتُهَا. (وَقِسْمٌ) مِنْ الْعُيُوبِ (يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثَبِّتَةِ لِلْخِيَارِ (وَهُوَ كَوْنُ فَرْجِهَا مَسْدُودًا لَا يَسْلُكُهُ ذَكَرٌ، فَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ (بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَهِيَ رَتْقَاءُ) بِالْمَدِّ، فَالرَّتْقُ تَلَاحُمُ الشَّفْرَيْنِ خِلْقَةً (وَإِلَّا) يَكُنْ ذَلِكَ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ (فَهِيَ قَرْنَاءُ وَعَفْلَاءُ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْخِرَقِيِّ أَنَّ الْقَرْنَ وَالْعَفَلَ فِي الْعُيُوبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: الْقَرْنَاءُ مَنْ يَبِتْ فِي فَرْجِهَا لَحْمٌ زَائِدٌ فَسَدَّهُ، وَالْعَفَلُ: وَرَمٌ يَكُونُ فِي اللَّحْمَةِ الَّتِي بَيْنَ مَسْلَكَيْ الْمَرْأَةِ، فَيَضِيقُ مِنْهُ فَرْجُهَا، فَلَا يَنْفُذُ فِيهِ الذَّكَرُ، حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ، فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ، وَقِيلَ: الْقَرْنُ عَظْمٌ أَوْ غُدَّةٌ تَمْنَعُ وُلُوجَ الذَّكَرِ، وَالْعَفَلُ رَغْوَةٌ فِيهِ تَمْنَعُ لَذَّةَ الْوَطْءِ، وَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ (أَوْ بِهِ) أَيْ: الْفَرْجِ (بَخَرٌ) أَيْ: نَتْنٌ يَثُورُ عِنْدَ الْوَطْءِ (أَوْ) بِالْفَرْجِ (قُرُوحٌ سَائِلَةٌ، أَوْ كَوْنُهَا فَتْقَاءُ بِانْخِرَاقٍ بَيْنَ مَا سَبِيلَيْهَا أَوْ) بِانْخِرَاقٍ (مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ، أَوْ) كَوْنُهَا (مُسْتَحَاضَةٌ) فَيَثْبُتُ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَقِسْمٌ مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثَبِّتَةِ لِلْخِيَارِ: (وَهُوَ الْجُنُونُ وَلَوْ) كَانَ يُخْنَقُ (أَحْيَانًا) لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَسْكُنُ إلَى مَنْ هَذِهِ حَالُهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَمِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْجُنُونِ الَّذِي يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ (الصَّرْعُ) قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": وَالصَّرْعُ عِلَّةٌ تَمْنَعُ الْأَعْضَاءَ النَّفْسِيَّةِ عَنْ أَفْعَالِهَا مَنْعًا غَيْرَ تَامٍّ، وَسَبَبُهُ سُدَّةٌ تَعْرِضُ فِي بَعْضِ بُطُونِ الدِّمَاغِ وَفِي مَجَارِي الْأَعْصَابِ الْمُحَرِّكَةِ لِلْأَعْضَاءِ، مِنْ خَلْطٍ غَلِيظٍ أَوْ لِزَوْجٍ كَثِيرٍ، فَتَمْنَعُ الرُّوحَ عَنْ السُّلُوكِ فِيهَا سُلُوكًا طَبِيعِيًّا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 فَتَتَشَنَّجُ الْأَعْضَاءُ أَيْ: تَنْقَبِضُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ زَالَ عَقْلٌ بِمَرَضٍ فَهُوَ إغْمَاءٌ، فَلَا) يَثْبُتُ بِهِ (خِيَارٌ) لِأَنَّهُ لَا تَطُولُ مُدَّتُهُ، وَلَا تَثْبُتُ بِهِ الْوِلَايَةُ (فَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ، وَدَامَ الْإِغْمَاءُ، فَهُوَ كَجُنُونٍ) يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَعِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ " وَالْمُبْدِعِ ": فَهُوَ جُنُونٌ (وَجُذَامٌ وَبَرَصٌ وَبَخَرُ فَمٍ) قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُسْتَعْمَلُ لِلْبَخَرِ السِّوَاكُ، وَيُؤْخَذُ كُلَّ يَوْمٍ وَرَقَةُ آسٍ مَعَ زَبِيبٍ مَنْزُوعِ الْعَجْمِ بِقَدْرِ الْجَوْزَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْكَرَفْسِ، وَمَضْغُ النَّعْنَاعِ جَيِّدٌ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالدَّوَاءُ الْقَوِيُّ لِعِلَاجِهِ أَنْ يَتَغَرْغَرَ بِالصَّبْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى الرِّيقِ وَوَسَطِ النَّهَارِ وَعِنْدَ النَّوْمِ، وَيَتَمَضْمَضَ بِالْخَرْدَلِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً أُخْرَى، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يَتَغَيَّرُ فَمُهُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ، وَإِمْسَاكُ الذَّهَبِ فِي الْفَمِ يُزِيلُ الْبَخَرَ. (وَاسْتِطْلَاقُ بَوْلٍ وَ) اسْتِطْلَاقُ (نَجْوٍ) أَيْ غَائِطٍ (وَبَاسُورٍ وَنَاصُورٍ) وَهُمَا دَاءَانِ فِي الْمَقْعَدَةِ، فَالْبَاسُورُ مِنْهُ مَا هُوَ نَاتِئٌ كَالْعَدَسِ أَوْ الْحِمَّصِ، أَوْ الْعِنَبِ أَوْ التُّوتِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ غَائِرٌ دَاخِلٌ فِي الْمَقْعَدَةِ، وَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ إمَّا سَائِلٌ أَوْ غَيْرُ سَائِلٍ، وَالنَّاصُورُ: قُرُوحٌ غَائِرَةٌ تَحْدُثُ فِي الْمُقْعَدَةِ يَسِيلُ مِنْهَا صَدِيدٌ، وَتَنْقَسِمُ إلَى نَافِذَةٍ وَغَيْرِ نَافِذَةٍ، وَعَلَامَةُ النَّافِذَةِ أَنْ يَخْرُجَ الرِّيحُ وَالنَّجْوُ بِلَا إرَادَةٍ، وَإِذَا أَدْخَلَ فِي النَّاصُورِ مِيلًا وَأَدْخَلَ الْأُصْبُعَ فِي الْمَقْعَدَةِ، فَإِنْ الْتَقَى فَالنَّاصُورُ نَافِذٌ. (وَقَرْعُ رَأْسٍ وَلَهُ رِيحٌ مُنْكَرَةٌ) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ رِيحٌ كَذَلِكَ فَلَا فَسْخَ بِهِ. (وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا خُنْثَى غَيْرَ مُشْكِلٍ) وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (فَيُفْسَخُ) النِّكَاحُ (بِكُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَالِ) لِأَنَّ مِنْهَا مَا يُخْشَى تَعَدِّي أَذَاهُ، وَمِنْهَا مَا فِيهِ نُفْرَةٌ وَنَقْصٌ، وَمِنْهَا مَا تَتَعَدَّى نَجَاسَتُهُ (وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُ صَغِيرٍ) مِنْهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 بَلْ يُفْسَخُ فِي الْحَالِ (وَلَوْ حَدَثَ) ذَلِكَ (بَعْدَ دُخُولٍ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي النِّكَاحِ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ مُقَارِنًا، فَأَثْبَتَهُ طَارِئًا كَالْإِعْسَارِ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ، فَحُدُوثُ الْعَيْبِ بِهَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَالْإِجَارَةِ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) تَظْهَرُ (فَائِدَتُهُ) أَيْ: الْفَسْخِ (مِنْ جِهَتِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (إذَا كَانَ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا) أَوْ مَجْنُونَةٍ أَوْ عَفْلَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ أَيْ: فَلَهُ الْفَسْخُ فِي الْحَالِ (وَعَكْسُهُ) كَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ صَغِيرًا، وَلَوْ دُونَ عَشَرٍ، وَبِهِ عَيْبٌ مُسَوِّغٌ لِلْفَسْخِ كَجُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ؛ فَلَهَا الْفَسْخُ فِي الْحَالِ؛ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَلَا يُنْتَظَرُ وَقْتُ إمْكَانِ الْوَطْءِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ بِحَالِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. مُصَرَّحٌ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ ". (أَوْ) أَيْ: وَلَوْ (كَانَ بِالْفَاسِخِ عَيْبٌ مِثْلُهُ) أَيْ: الْعَيْبِ الَّذِي فَسَخَ بِهِ؛ لِوُجُودِ سَبَبِهِ كَمَا لَوْ غُرَّ عَبْدٌ بِأَمَةٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يَأْنَفُ مِنْ عَيْبِ غَيْرِهِ، وَلَا يَأْنَفُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، (أَوْ) كَانَ بِالْفَاسِخِ عَيْبٌ (مُغَايِرٌ لَهُ) أَيْ لِلْعَيْبِ الَّذِي فَسَخَ بِهِ كَالْأَجْذَمِ يَجِدُ الْمَرْأَةَ بَرْصَاءَ وَنَحْوَهُ؛ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ (إلَّا مَعَ جَبِّهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (وَرَتْقِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (فَلَا يَنْبَغِي) لِأَحَدِهِمَا (ثُبُوتُ خِيَارٍ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ) وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ " الْمُبْدِعِ "؛ لِأَنَّ عَيْبَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَانِعَ لِصَاحِبِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِعَيْبِ نَفْسِهِ. وَ (لَا) يَثْبُتُ خِيَارٌ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ) مِنْ الْعُيُوبِ (بِلَا شَرْطٍ) فَإِنْ كَانَ شَرْطٌ مِنْ الزَّوْجِ عُمِلَ بِهِ (كَعَوَرٍ وَعَرَجٍ وَقَطْعِ يَدٍ وَ) قَطْعِ (رِجْلٍ وَعَمًى وَخَرَسٍ وَطَرَشٍ) وَقَرْعٍ لَا رِيحَ لَهُ (وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا عَقِيمًا أَوْ نِضْوًا) أَيْ: نَحِيفًا جِدًّا أَوْ سَمِينًا جِدًّا وَكَشَيْخٍ، وَرَائِحَةِ إبْطٍ وَلَوْ مُنْكَرَةً، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ، وَلَا يُخْشَى تَعَدِّيهِ (خِلَافًا لِابْنِ الْقَيِّمِ) فَإِنَّهُ قَالَ فِي " الْهَدْيِ " فِيمَنْ بِهِ عَيْبٌ كَقَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ عَمًى أَوْ خَرَسٍ أَوْ طَرَشٍ وَكُلُّ عَيْبٍ يُنَفِّرُ الزَّوْجَ الْآخَرَ مِنْهُ، وَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ النِّكَاحِ مِنْ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ: يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَإِنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 أَوْلَى مِنْ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا: يَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إلَى السَّلَامَةِ، فَهُوَ كَالْمَشْرُوطِ عُرْفًا. انْتَهَى. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْوَطْءُ، وَهَذِهِ لَا تَمْنَعُهُ وَالْحُرَّةُ لَا تُقْلَبُ كَمَا تُقْلَبُ الْأَمَةُ، وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ لَمْ يَشْتَرِطْ صِفَةً، فَبَانَتْ دُونَهَا، وَالْبَيْعُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ شَرَطَ نَفْيَ ذَلِكَ أَوْ شَرَطَهَا بِكْرًا أَوْ جَمِيلَةً أَوْ نَسِيبَةً، فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ، فَلَهُ الْخِيَارُ لِشَرْطِهِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَتْهُ أَوْ ظَنَّتْهُ حُرًّا فَبَانَ عَبْدًا، وَتَقَدَّمَ. [فَصْلٌ لَا يَثْبُتُ خِيَارٌ فِي عَيْبٍ زَالَ بَعْدَ عَقْدٍ] فَصْلٌ (وَلَا يَثْبُتُ خِيَارٌ فِي عَيْبٍ زَالَ) بَعْدَ عَقْدٍ لِزَوَالِ سَبَبِهِ (وَلَا) خِيَارَ (لِعَالِمٍ بِهِ) أَيْ: الْعَيْبِ (وَقْتَهُ) أَيْ الْعَقْدِ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ (وَهُوَ) أَيْ: خِيَارُ الْعَيْبِ (عَلَى التَّرَاخِي) لِأَنَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَحَقِّقٍ، أَشْبَهَ خِيَارَ الْقِصَاصِ. (وَلَا يَسْقُطُ) الْفَسْخُ (فِي عُنَّةٍ إلَّا بِقَوْلِ) امْرَأَةِ الْعِنِّينِ: أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْ الْخِيَارِ لِعُنَّتِهِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَطْءِ لَا يَكُونُ بِدُونِ التَّمْكِينِ فَلَمْ تَكُنْ التَّمْكِينُ دَلِيلَ الرِّضَى، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلُ (وَيَسْقُطُ) خِيَارُهَا (بِهِ) أَيْ الْقَوْلِ (وَلَوْ أَبَانَهَا) ثُمَّ أَعَادَهَا؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ عَالِمَةً لَعُنَّةٍ، فَقَدْ رَضِيَتْهَا بِهِ، لِيَسْقُطَ حَقُّهَا مِنْ الْخِيَارِ. (وَيَسْقُطُ) خِيَارٌ (فِي غَيْرِ عُنَّةٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضًى مَنْ وَطْءِ) الزَّوْجِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى رَغْبَتِهِ فِيهَا أَوْ تَمْكِينٍ مِنْ وَطْءٍ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ رَغْبَتِهَا فِيهِ (مَعَ عِلْمٍ بِهِ) أَيْ: الْعَيْبِ كَمَا يَسْقُطُ بِقَوْلِ نَحْوِ: أَسْقَطْت خِيَارِي كَمُشْتَرِي الْمَعِيبِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِالْقَوْلِ وَبِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِالْعَيْبِ (وَلَوْ جَهِلَ الْحُكْمَ) أَيْ: مِلْكَ الْفَسْخِ (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ الْقَائِلِ؛ فَإِنْ ادَّعَى الْجَهْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 بِالْخِيَارِ وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ، كَعَامِّيٍّ لَا يُخَالِطُ الْفُقَهَاءَ كَثِيرًا، فَالْأَظْهَرُ ثُبُوتُ الْفَسْخِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ. انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (أَوْ زَادَ الْعَيْبُ) كَأَنْ كَانَ بِهِ بَرَصٌ قَلِيلٌ فَانْبَسَطَ فِي جِلْدِهِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِهِ رِضًى بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ (أَوْ ظَنَّهُ) أَيْ: الْعَيْبَ (يَسِيرًا) فَبَانَ كَثِيرًا كَظَنِّهِ الْبَرَصَ فِي قَلِيلٍ مِنْ جَسَدِهَا، فَبَانَ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ، فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا رَضِيَ بِهِ. (وَمَنْ رَضِيَ بِعَيْبٍ ثُمَّ حَدَثَ عَيْبٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَلَهُ الْخِيَارُ) وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ عَيْبٌ أَثْبَتَ الْخِيَارَ مُقَارِنًا، فَأَثْبَتَهُ طَارِئًا كَالْإِعْسَارِ وَالرِّقِّ، يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَلَوْ حَدَثَ الْعَيْبُ بَعْدَ دُخُولٍ. وَلَا يَرْجِعُ زَوْجٌ فَسَخَ بَعْدَ دُخُولٍ لِعَيْبٍ طَرَأَ بِالْمَهْرِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ غُرُورٌ. (وَمَنْ فَسَخَ) مِنْهُمَا النِّكَاحَ (لِعَيْبٍ) كَأَنْ رَأَى أَحَدُهُمَا بِبَدَنِ الْآخَرِ بَيَاضًا فَظَنَّهُ بَرَصًا (فَبَانَ عَدَمُهُ) أَيْ: الْعَيْبِ (فَالنِّكَاحُ بَاقٍ بِحَالِهِ) وَالْفَسْخُ بَاطِلٌ، إذْ الْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا. (وَلَا يَصِحُّ فَسْخٌ فِي خِيَارِ عَيْبٍ وَ) خِيَارِ (شَرْطٍ بِلَا) حُكْمِ (حَاكِمٍ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَافْتَقَرَ إلَيْهِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ قَالَ عَنْ الْحَاكِمِ: لَيْسَ هُوَ الْفَاسِخُ، وَإِنَّمَا يَأْذَنُ وَيَحْكُمُ بِهِ، فَمَتَى أَذِنَ أَوْ حَكَمَ لِأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ؛ لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حُكْمٍ بِصِحَّتِهِ بِلَا نِزَاعٍ. انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَلَّاهُ الْحَاكِمُ (فَيَفْسَخَهُ) - أَيْ: النِّكَاحَ - الْحَاكِمُ بِطَلَبٍ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ (أَوْ يَرُدَّهُ) أَيْ: الْفَسْخَ (إلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ) فَيَفْسَخَهُ وَيَكُونُ كَحُكْمِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 (وَيَصِحُّ) الْفَسْخُ مِنْ الْمَرْأَةِ حَيْثُ مَلَكَتْهُ (مَعَ غَيْبَةِ زَوْجٍ) كَفَسْخِ مُشْتَرٍ بَيْعًا لِعَيْبٍ مَعَ غَيْبَةِ بَائِعٍ، وَالْأُولَى أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ مَعَ حُضُورِ الزَّوْجِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَهُ فِي غَيْبَتِهِ، وَالْفَسْخُ لَا يُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَلِلزَّوْجِ إعَادَتُهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَتَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى طَلَاقٍ ثَلَاثٍ حَيْثُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ طَلَاقٌ، وَكَذَا سَائِرُ الْفُسُوخِ كَالْفَسْخِ لِإِعْسَارِهِ بِالصَّدَاقِ أَوْ بِالنَّفَقَةِ، وَفَسْخِ الْحَاكِمِ عَلَى الْمَوْلَى بِشَرْطِهِ، إلَّا فُرْقَةَ اللِّعَانِ، فَإِنَّ الْمُلَاعَنَةَ تَحْرُمُ أَبَدًا كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ فَسَخَ) النِّكَاحَ (قَبْلَ دُخُولٍ، فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَا مُتْعَةَ) ، سَوَاءٌ كَانَ الْفَسْخُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ الْفَسْخَ إنْ كَانَ مِنْهَا فَالْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَإِنَّمَا فَسْخٌ لِعَيْبٍ بِهَا دَلَّسَتْهُ عَلَيْهِ بِالْإِخْفَاءِ، فَصَارَ الْفَسْخُ كَأَنَّهُ مِنْهَا. (وَلَهَا) أَيْ: لِزَوْجَةٍ فَسَخَتْ لِعَيْبِ زَوْجِهَا، أَوْ فَسَخَ لِعَيْبِهَا (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ خَلْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُقَرِّرُ الْمَهْرَ كَلَمْسٍ لِشَهْوَةٍ وَتَقْبِيلِهَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ (الْمُسَمَّى) لِأَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ وُجِدَ بِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الصِّحَّةِ (وَكَمَا لَوْ طَرَأَ الْعَيْبُ بَعْدَ دُخُولٍ) لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَيَسْتَقِرُّ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ بِحَادِثٍ بَعْدَهُ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِرِدَّتِهَا، وَلَا يُفْسَخُ مِنْ جِهَتِهَا. (وَيَرْجِعُ) زَوْجٌ (بِهِ) أَيْ: بِنَظِيرِ مُسَمًّى غَرِمَهُ لَا إنْ أُبْرِئَ مِنْهُ (عَلَى مُغْرٍ لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ عَاقِلَةٍ) وَشَرَطَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَرَّانِيِّ مَعَ ذَلِكَ كَوْنَ الزَّوْجَةِ بَالِغَةً وَقْتَ عَقْدٍ (لِيُوجَدَ) مِنْهَا (تَغْرِيرٌ مُحَرَّمٌ) إذْ الصَّغِيرَةُ لَا تُنْسَبُ أَفْعَالُهَا إلَى التَّحْرِيمِ (وَوَلِيٍّ وَوَكِيلٍ) رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ، وَكَمَا لَوْ غُرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ: كُنْت أَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فَهِبْته، فَمِلْت إلَى قَوْلِ عُمَرَ إذَا تَزَوَّجَهَا فَرَأَى جُذَامًا أَوْ بَرَصًا، فَإِنَّ لَهَا صَدَاقَهَا بِمَسِيسِهِ إيَّاهَا، وَوَلِيُّهَا ضَامِنٌ لِلصَّدَاقِ؛ أَيْ: لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِمَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ فِي النِّكَاحِ، فَكَانَ الْمَهْرُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ غَرَّهُ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَلِمَ؛ غَرِمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ، فَالتَّغْرِيرُ مِنْ الْمَرْأَةِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ، قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " (فَأَيُّهُمْ انْفَرَدَ) مِنْ زَوْجَةٍ وَوَلِيٍّ وَوَكِيلٍ (بِالْغَرَرِ؛ ضَمِنَ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 وَحْدَهُ؛ لِانْفِرَادِهِ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَكِيلٍ وَوَلِيٍّ وَلَوْ مَحْرَمًا) كَأَبِيهَا وَأَخِيهَا وَعَمِّهَا (فِي عَدَمِ عِلْمِهِ بِعَيْبٍ) حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّغْرِيرَ مِنْ غَيْرِهِ (وَكَذَا هِيَ) يُقْبَلُ قَوْلُهَا (فِي عَدَمِ عِلْمِهَا بِهِ) أَيْ: عَيْبِهَا إنْ اُحْتُمِلَ (قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهَا، فَإِنْ لَمْ يُحْتَمَلْ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ، فَلَوْ وَجَدَ التَّغْرِيرَ (مِنْهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (وَ) مِنْ (وَلِيٍّ؛ فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ) لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ، وَلَوْ وَجَدَ التَّغْرِيرَ (مِنْهَا وَمِنْ وَكِيلٍ) فَالضَّمَانُ (عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ) قَالَهُ الْمُوَفَّقُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ، فَقَدْ صَدَرَ الْغُرُورُ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ الْغُرُورُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، بِخِلَافِ الْوَلِيِّ، فَلَيْسَ فِعْلُهُ فِعْلَ مَوْلَاهُ. (وَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى لِغَارَّةٍ) فُسِخَ نِكَاحُهَا إذَا كَانَتْ (غَيْرَ حَامِلٍ) فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا؛ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ كَالْبَائِنِ. (وَمِثْلُهَا) أَيْ: مَسْأَلَةِ مَا إذَا غُرَّ الزَّوْجُ بِمَعِيبَتِهِ (فِي رُجُوعٍ عَلَى غَارٍّ لَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً، فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِ غَيْرَهَا) أَيْ: غَيْرَ زَوْجَتِهِ، فَوَطِئَهَا؛ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِلشُّبْهَةِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ بِإِدْخَالِهَا عَلَيْهِ (وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ) إنْ حَمَلَتْ نَصًّا؛ لِلشُّبْهَةِ، وَتُجَهَّزُ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ بِالْمَهْرِ الْأَوَّلِ نَصًّا (وَتَقَدَّمَ) نَحْوُهُ فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ. (وَإِنْ طَلُقَتْ) الْمَعِيبَةُ (قَبْلَ دُخُولٍ) بِهَا وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ؛ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْتِزَامِهِ بِطَلَاقِهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدٍ (أَوْ) طَلُقَتْ (بَعْدَهُ) أَيْ: الدُّخُولِ (أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (مَعَ عَيْبِهِمَا أَوْ عَيْبِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ عِلْمٍ بِهِ) أَيْ الْعَيْبِ وَقَبْلَ فَسْخٍ؛ فَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا؛ لِتَقَرُّرِهِ بِالْمَوْتِ (وَلَا رُجُوعَ) بِالصَّدَاقِ الْمُسْتَقِرِّ عَلَى أَحَدٍ (لِأَنَّ سَبَبَهُ) أَيْ، الرُّجُوعِ (الْفَسْخُ، وَلَمْ يُوجَدْ) وَهَا هُنَا اسْتَقَرَّ الصَّدَاقُ بِالْمَوْتِ، فَلَا رُجُوعَ بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 [فَصْلٌ وَلِي الصَّغِيرَة أَوْ الْأَمَة زَوْجهَا بمعيب يرد بِهِ عالما بالعيب] فَصْلٌ (وَلَيْسَ لِوَلِيِّ صَغِيرٍ أَوْ صَغِيرَةٍ) أَوْ وَلِيِّ (مَجْنُونٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ أَوْ) سَيِّدِ (أَمَةٍ تَزْوِيجُهُمْ بِمَعِيبٍ) مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ عَيْبًا (يُرَدُّ بِهِ) فِي النِّكَاحِ؛ لِوُجُوبِ نَظَرِهِ لَهُمْ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ، وَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي هَذَا الْعَقْدِ (فَإِنْ فَعَلَ) وَلِيُّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَالْمُكَلَّفَةِ أَوْ سَيِّدُ الْأَمَةِ؛ بِأَنْ زَوَّجَ بِمَعِيبٍ يُرَدُّ بِهِ (عَالِمًا) بِالْعَيْبِ (لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ عَقَارَ مَحْجُورِهِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ (وَإِلَّا) يَعْلَمُ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَعِيبٌ (صَحَّ) الْعَقْدُ (وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْفَسْخُ إذَا عُلِمَ) قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " " وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى " وَالزَّرْكَشِيِّ فِي " شَرْحِ الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهُنَّ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى فِيمَا يُوهِمُ) إبَاحَةَ الْفَسْخِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَهُ الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ. انْتَهَى. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ يَقُولُ: لَا يُفْسَخُ وَيُنْتَظَرُ الْبُلُوغُ أَوْ الْإِفَاقَةُ، فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَنَظِيرُهُ فِي كَلَامِهِمْ، وَمِنْهُ مَا فِي " الْفُرُوعِ " فِي الْوَقْفِ فِي بَيْعِ النَّاظِرِ لَهُ: (وَلَا لِوَلِيِّ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ تَزْوِيجُهَا بِهِ) أَيْ: بِمَعِيبٍ يُرَدُّ بِهِ (بِلَا رِضَاهَا) قَالَ فِي " الشَّرْحِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (فَلَوْ فَعَلَ) وَلِيُّهَا بِأَنْ زَوَّجَهَا بِمَعِيبٍ (عَالِمًا) أَنَّهُ مَعِيبٌ (لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ (وَإِلَّا) يُعْلَمُ بِالْعَيْبِ (صَحَّ) الْعَقْدُ (وَلَهُ الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ (وَإِنْ اخْتَارَتْ مُكَلَّفَةٌ تَزْوِيجَ مَجْبُوبٍ) أَيْ مَقْطُوعِ الذَّكَرِ (أَوْ) اخْتَارَتْ نِكَاحَ (عِنِّينَ؛ لَمْ تُمْنَعْ) أَيْ: لَمْ يَمْنَعْهَا وَلِيُّهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْوَطْءِ لَهَا دُونَهُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نِكَاحَ (مَجْنُونٍ أَوْ مَجْذُومٍ أَوْ أَبْرَصَ؛ فَلِوَلِيِّهَا الْعَاقِلِ مَنْعُهَا) مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ عَارًا عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِيهَا، وَضَرَرًا يُخْشَى تَعَدِّيهِ إلَى الْوَلَدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 كَمَنْعِهَا مِنْ تَزَوُّجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ (وَإِنْ عَلِمَتْ الْعَيْبَ) الَّذِي تَمْلِكُ الْفَسْخَ بِهِ (بَعْدَ عَقْدٍ أَوْ حَدَثَ) الْعَيْبُ (بِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ بَعْدَ عَقْدٍ (لَمْ يُجْبِرْهَا) وَلِيُّهَا وَلَا غَيْرُهُ (لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ لَا فِي دَوَامِهِ) وَلِهَذَا لَوْ دَعَتْ وَلِيَّهَا إلَى تَزْوِيجِهَا بِعَبْدٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهَا. وَلَوْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ لَمْ يَمْلِكْ إجْبَارَهَا. [بَابُ نِكَاحِ الْكُفَّارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] ِ (وَهُوَ) صَحِيحٌ وَحُكْمُهُ (كَنِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ النِّسَاءَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] وَقَالَ: {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} [التحريم: 11] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» (فِيمَا يَجِبُ بِهِ) أَيْ: يَثْبُتُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ (مِنْ) وُجُوبٍ (نَحْوِ نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَمَهْرٍ) وَصِحَّةِ (إيلَاءٍ) فَإِذَا آلَى الْكَافِرُ مِنْ زَوْجَتِهِ؛ فَحُكْمُهُ كَالْمُسْلِمِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ لِتَنَاوُلِ عُمُومِ آيَةِ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ لَهُمْ (وَ) وُقُوعِ (طَلَاقٍ) وَخُلْعٍ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ بَالِغٍ عَاقِلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَوَقَعَ كَطَلَاقِ الْمُسْلِمِ (وَإِبَاحَةٍ لِزَوْجٍ أَوَّلٍ) إذَا كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَكَانَ الثَّانِي وَطِئَهَا؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (وَإِحْصَانٍ) إذَا وَطِئَهَا، وَهُمَا حُرَّانِ مُكَلَّفَانِ كَمَا يَأْتِي فِي الْحُدُودِ (وَفِي تَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ) السَّابِقِ تَفْصِيلُهُنَّ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوَاضِعَ (كَمَحَارِمَ) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَمُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا) فَلَوْ طَلَّقَ كَافِرٌ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ؛ لَمْ يُقَرَّا عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا، سَوَاءٌ أَعَادَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْمُسْلِمِ، وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهَا، ثُمَّ أَسْلَمَا، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ بِالْوَطْءِ فِيهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (لَكِنْ يُقِرُّونَ عَلَى أَنْكِحَةٍ مُحَرَّمَةٍ مَا اعْتَقَدُوا حِلَّهَا) أَيْ: إبَاحَتَهَا؛ لِأَنَّ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ لَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ، فَلَا يَقَرُّونَ عَلَيْهِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ (وَلَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ يُخَلُّونَ وَأَحْكَامَهُمْ إذَا لَمْ يَجِيئُوا إلَيْنَا، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِمْ فِي أَنْكِحَتِهِمْ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَسْتَبِيحُونَ نِكَاحَ مَحَارِمِهِمْ، وَمَا لَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ لَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ. (فَإِنْ أَتَوْنَا) أَيْ: الْكُفَّارُ (قَبْلَ عَقْدِهِ) أَيْ: النِّكَاحِ بَيْنَهُمْ (عَقَدْنَاهُ عَلَى حُكْمِنَا) بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ مِنَّا، كَأَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى عَقْدٍ يُخَالِفُ ذَلِكَ (وَإِنْ أَتَوْنَا) مُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرَ مُسْلِمِينَ (بَعْدَهُ) أَيْ الْعَقْدِ فِيمَا بَيْنَهُمْ (أَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ) عَلَى نِكَاحٍ، لَمْ نَتَعَرَّضْ لِكَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ: مِنْ وُجُودِ صِيغَةٍ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَا مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ أَنَّ لَهُمَا الْمَقَامَ عَلَى نِكَاحِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ أَوْ رَضَاعٌ، وَقَدْ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَسْلَمَ نِسَاؤُهُمْ، فَأُقِرُّوا عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ، وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ وَلَا كَيْفِيَّتِهِ (فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُبَاحُ) لِلزَّوْجِ (إذَنْ) أَيْ: حَالَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ (كَعَقْدِهِ) عَلَيْهَا (فِي عِدَّةٍ) وَلَمْ يَتَرَافَعَا أَوْ يُسْلِمَا حَتَّى (فَرَغَتْ) الْعِدَّةُ (أَوْ) عَقْدِهِ (عَلَى أُخْت زَوْجَةٍ مَاتَتْ) بَعْدَ عَقْدِهِ وَقَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالتَّرَافُعِ؛ أُقِرَّا (أَوْ) عَقَدَهُ (بِلَا شُهُودٍ أَوْ) وَلِيٍّ أَوْ (صِيغَةٍ أُقِرَّا) عَلَى نِكَاحِهِمَا، لِمَا تَقَدَّمَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ إذَنْ لَا مَانِعَ مِنْهُ، فَلَا مَانِعَ مِنْ اسْتِدَامَتِهِ بِالْأَوْلَى (وَإِنْ حَرُمَ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (حَالَ إسْلَامٍ أَوْ) حَالَ (تَرَافُعٍ كَذَاتِ مَحْرَمٍ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (أَوْ) مُزَوَّجَةٍ (فِي عِدَّةٍ) مِنْ غَيْرِهِ (لَمْ تَفْرُغْ) إلَى التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ (أَوْ) كَانَتْ (حُبْلَى) وَلَوْ مِنْ زِنًا حِينَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِهِ (أَوْ) كَانَ النِّكَاحُ (شُرِطَ الْخِيَارُ فِيهِ مُطْلَقًا) أَيْ: لَمْ يَتَقَيَّدْ بِمُدَّةٍ (أَوْ) شُرِطَ الْخِيَارُ فِيهِ (مُدَّةً لَمْ تَمْضِ) عِنْدَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ إنْ قُلْنَا: إنَّ النِّكَاحَ مَعَ الشَّرْطِ مِنْ الْمُسْلِمِ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي " التَّنْقِيحِ " حَيْثُ قَالَ: أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ مَتَى شَاءَ إذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْ مُسْلِمٍ انْتَهَى. فَتَبَيَّنَ أَنَّ بِنَاءَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَرْجُوحٍ وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ النِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ وَفَسَادُ الشَّرْطِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا الْآنَ جَائِزًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمَا عَقْدٌ شَرْعِيٌّ، وَلَا مَا يَعْتَقِدَانِهِ نِكَاحًا، لِأَنَّهُمَا إذَا شَرَطَا فِيهِ الْخِيَارَ، وَلَمْ يَعْتَقِدَا لُزُومَهُ؛ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَعْتَقِدَاهُ نِكَاحًا، بِخِلَافِ مَا إذَا عُقِدَ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقْدٌ شَرْعِيٌّ، لَكِنَّهُ وُجِدَ مِنْهُمَا مَا يَعْتَقِدَانِهِ نِكَاحًا لِأَنَّا نُقِرُّهُمَا عَلَى النِّكَاحِ حَيْثُ عُقِدَ عَلَى حُكْمِنَا، أَوْ اعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا إنْ كَانَتْ تَحِلُّ لَهُ حِينَ التَّرَافُعِ (أَوْ اسْتَدَامَ نِكَاحُ مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا وَلَوْ مُعْتَقِدًا حِلَّهَا) مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ (فَرَّقَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ حَالٌ يَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، فَمَنَعَ اسْتِدَامَتَهُ كَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النِّكَاحِ اللُّزُومَ، وَالْمَشْرُوطُ فِيهِ الْخِيَارُ لَا يَعْتَقِدَانِ لُزُومَهُ؛ لِجَوَازِ فَسْخِهِ؛ فَلَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ جَوَازِ ابْتِدَائِهِ كَذَلِكَ، (فَ) إنْ كَانَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمْ (قَبْلَ دُخُولٍ فَلَا مَهْرَ) لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْعَقْدِ إذَنْ، (وَ) إنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الدُّخُولِ، (فَ) لَهَا (مَهْرُ مِثْلِهَا) لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ وَالِاعْتِقَادِ (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ الْوَاجِبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي نِكَاحٍ (بَاطِلٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 وَ) لَهَا الْمَهْرُ (الْمُسَمَّى فِي) نِكَاحٍ (فَاسِدٍ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ وَطِئَ كَافِرٌ) حَرْبِيٌّ أَوْ ذِمِّيٌّ (كَافِرَةً) حَرْبِيَّةً قَهْرًا أَوْ طَوَاعِيَةً (وَاعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا؛ أُقِرَّا) عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَا، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لِكَيْفِيَّةِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمْ (وَإِلَّا) يَكُونَا حَرْبِيَّيْنِ أَوْ كَانَا، أَوْ الْوَاطِئُ ذِمِّيًّا وَالْمَوْطُوءَةُ حَرْبِيَّةً، وَلَمْ يَعْتَقِدَاهُ نِكَاحًا (فَلَا) يُقَرَّانِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا قَهْرُ الذِّمِّيَّةِ فَلَا يَتَأَتَّى لِعِصْمَتِهَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ قَهَرَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً لَمْ يُقَرَّ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ؛ وَصَرَّحَ بِهِ فِي " التَّرْغِيبِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْبُلْغَةِ "، (وَمَتَى صَحَّ) الْمَهْرُ (الْمُسَمَّى) فِي نِكَاحٍ يُقَرَّانِ عَلَيْهِ (أَخَذَتْهُ) دُونَ غَيْرِهِ؛ لِوُجُوبِهِ وَصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَالتَّسْمِيَةِ كَتَسْمِيَةِ الْمُسْلِمِ. (وَإِنْ قَبَضَتْ) الْمُسَمَّى (الْفَاسِدَ كُلَّهُ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَاسْتَقَرَّا عَلَيْهِ) لِتَقَابُضِهِمَا بِحُكْمِ الشِّرْكِ، وَبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ تَبَايَعَا بَيْعًا فَاسِدًا، وَتَقَابَضَاهُ، وَالتَّعَرُّضُ يَشُقُّ لِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ وَكَثْرَةِ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي الْحَرَامِ وَفِيهِ تَنْفِيرٌ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا عُفِيَ عَمَّا تَرَكُوهُ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَخْذِ نِصْفِهِ؛ سَقَطَ قِيَاسًا عَلَى فَرْضِ الْخَمْرِ ثُمَّ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا (وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ) مِنْ الْفَاسِدِ بِلَا قَبْضٍ (وَجَبَ قِسْطُهُ) أَيْ: الْبَاقِي (مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ) فَلَوْ سَمَّى لَهَا عَشَرَةَ خَنَازِيرَ، فَقَبَضَتْ خَمْسَةً، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا، وَجَبَ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَيُعْتَبَرُ الْقِسْطُ فِيمَا يَدْخُلُهُ كَيْلٌ كَعَشَرَةِ آصُعٍ مِنْ خَمْرٍ بِالْكَيْلِ (أَوْ) مَا يَدْخُلُهُ (وَزْنٌ) كَعَشَرَةِ أَرْطَالِ شَحْمِ خِنْزِيرٍ بِالْوَزْنِ، (أَوْ) مَا يَدْخُلُهُ (عُدَّ بِهِ) أَيْ: الْعَدِّ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ يُقَسَّطُ عَلَيْهَا، فَاسْتَوَى كَبِيرُهُ وَصَغِيرُهُ. (وَلَوْ أَسْلَمَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (فَانْقَلَبَ خَمْرٌ) أَصْدَقَهَا إيَّاهَا (خَلًّا، ثُمَّ طَلَّقَ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا) أَيْ بِالزَّوْجَةِ (رَجَعَ بِنِصْفِهِ) أَيْ الْخَلِّ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا أَصْدَقَهَا انْقَلَبَتْ صِفَتُهُ (وَلَوْ تَلِفَ الْخَلُّ) الْمُنْقَلِبُ عَنْ خَمْرٍ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ (قَبْلَ طَلَاقِهِ، رَجَعَ) إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ (بِنِصْفِ مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ (وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا) مِمَّا سُمِّيَ لَهَا مِنْ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ؛ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، إذَا أَسْلَمَتْ أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يَجُوزُ إيجَابُهُ فِي الْحُكْمِ، وَلَا يَكُونُ صَدَاقًا لِمُسْلِمَةٍ وَلَا فِي نِكَاحٍ لِمُسْلِمٍ، فَيَبْطُلُ وَيَرْجِعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (أَوْ لَمْ يُسَمِّ) لَهَا (مَهْرًا) فِي نِكَاحِهَا (فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) لِأَنَّهُ نِكَاحٌ خَلَا عَنْ تَسْمِيَةٍ، فَوَجَبَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَالْمُسْلِمَةِ؛ لِئَلَّا تَصِيرَ كَالْمَوْهُوبَةِ. [فَصْلٌ إنْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا] فَصْلٌ (وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا) بِأَنْ تَلَفَّظَا بِالْإِسْلَامِ دَفْعَةً وَاحِدَةً. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَدْخُلُ فِي الْمَعِيَّةِ لَوْ شَرَعَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ الْأَوَّلُ؛ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا اخْتِلَافُ دِينٍ؛ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ مُسْلِمًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً بَعْدَهُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا كَانَتْ أَسْلَمَتْ مَعِي، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ» (أَوْ) أَسْلَمَ (زَوْجُ كِتَابِيَّةٍ) أَبَوَاهَا كِتَابِيَّانِ، سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كِتَابِيًّا أَوْ لَا، (فَ) هُمَا (عَلَى نِكَاحِهِمَا) وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ؛ فَاسْتِمْرَارُهُ أَوْلَى. (وَإِنْ أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ كَافِرٍ) كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ دُخُولٍ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِكَافِرٍ ابْتِدَاءَ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ (أَوْ) أَسْلَمَ (أَحَدُ) زَوْجَيْنِ (غَيْرِ كِتَابِيَّيْنِ) كَمَجُوسَيْنِ وَوَثَنِيَّيْنِ (قَبْلَ دُخُولٍ؛ انْفَسَخَ) النِّكَاحُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] إلَى قَوْلِهِ، {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] إذْ لَا يَجُوزُ لِكَافِرٍ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلِأَنَّ دِينَهُمَا اخْتَلَفَ؛ فَلَمْ يَجُزْ اسْتِمْرَارُهُ كَابْتِدَائِهِ، وَتُعُجِّلَتْ الْفُرْقَةُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 (وَلَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ أَسْلَمَ) الزَّوْجُ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَهَا، لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهِ بِإِسْلَامِهِ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمَهْرُ خَمْرًا أَوْ نَحْوَهُ وَقَبَضَتْهُ؛ فَلَا رُجُوعَ بِنِصْفِهِ وَلَا بِبَدَلِهِ إذَنْ كَقَرْضِ خَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا (أَوْ) أَيْ: وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ (أَسْلَمَا وَادَّعَتْ سَبْقَهُ) لَهَا بِالْإِسْلَامِ، وَقَالَ الزَّوْجُ: بَلْ هِيَ السَّابِقَةُ، فَتَحْلِفُ أَنَّهُ السَّابِقُ بِالْإِسْلَامِ، وَتَأْخُذُ نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لِثُبُوتِ الْمَهْرِ فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ الْفُرْقَةِ، وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ سُقُوطَهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ خِلَافُهُ (أَوْ) أَيْ: وَلَهَا الْمَهْرُ إنْ (قَالَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا (سَبَقَ أَحَدُنَا) بِالْإِسْلَامِ (وَلَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ) فَلَهَا أَيْضًا نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْمُسْقِطُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. (وَإِنْ قَالَ) الزَّوْجُ (أَسْلَمْنَا مَعًا فَنَحْنُ عَلَى النِّكَاحِ، فَأَنْكَرَتْ) الزَّوْجَةُ، فَقَالَتْ: سَبَقَ أَحَدُنَا بِالْإِسْلَامِ، فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهَا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا؛ إذْ يَبْعُدُ اتِّفَاقُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً. (وَإِنْ قَالَ) مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ زَوْجَتِهِ (أَسْلَمْتُ فِي عِدَّتِك) وَكَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ (لِمَدْخُولٍ بِهَا؛ فَالنِّكَاحُ بَاقٍ، فَقَالَتْ بَلْ) أَسْلَمْت (بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ) (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّيْنِ، أَوْ أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ كَافِرٍ (بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَفَ الْأَمْرُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) أَيْ: عِدَّةِ الْمُتَخَلِّفِ. رَوَى ابْنُ شُبْرُمَةَ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْلِمُ الرَّجُلُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ قَبْلَهُ، فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا» وَرُوِيَ «أَنَّ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ كَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ صَفْوَانُ، فَلَمْ يُفَرِّقْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ بَيْنَهُمَا نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ. رَوَاهُ مَالِكٌ؛ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: شُهْرَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ إسْنَادِهِ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ «أَسْلَمَتْ أُمُّ حَكِيمٍ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ إلَى الْيَمَنِ، فَارْتَحَلَتْ إلَيْهِ، وَدَعَتْهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، وَقَدِمَ، فَبَايَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا» . قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ وَزَوْجُهَا مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ إلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، إلَّا أَنْ يَقْدُمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. رَوَى ذَلِكَ مَالِكٌ. (فَإِنْ أَسْلَمَ الثَّانِي) أَيْ: الْمُتَأَخِّرُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (فَ) هُمَا (عَلَى نِكَاحِهِمَا) لِمَا سَبَقَ (وَإِلَّا) يُسْلِمُ الثَّانِي قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (تَبَيَّنَّا فَسْخَهُ) أَيْ: النِّكَاحِ (مُنْذُ أَسْلَمَ الْأَوَّلُ) مِنْهُمَا، لِأَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ اخْتِلَافُ الدِّينِ، فَوَجَبَ أَنْ تُحْسَبَ الْفُرْقَةُ مِنْهُ كَالطَّلَاقِ، وَلَا تَحْتَاجُ لِعِدَّةٍ ثَانِيَةٍ. (فَلَوْ وَطِئَ الزَّوْجُ) زَوْجَتَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَقَدْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا (وَلَمْ يُسْلِمْ الثَّانِي فِيهَا) أَيْ: الْعِدَّةِ؛ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِيهَا (فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَانْفِسَاخِ النِّكَاحِ، فَيَكُونُ وَاطِئًا فِي غَيْرِ مِلْكٍ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " " وَالْمُبْدِعِ " وَيُؤَدَّبُ (أَوْ كَانَ طَلَّقَ) قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (لَمْ يَقَعْ) طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَضَتْ الْعِدَّةُ وَلَمْ يُسْلِمْ تَبَيَّنَّا فَسْخَ النِّكَاحِ مُنْذُ أَسْلَمَ الْأَوَّلُ، وَالْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ، فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ. (وَإِنْ أَسْلَمَ فِيهَا) أَيْ الْعِدَّةِ (مُتَخَلِّفٌ) عَنْ الْإِسْلَامِ مَعَ وَقْفِ النِّكَاحِ عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهِ وَكَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ الْوَطْءِ (فَبِالْعَكْسِ) أَيْ: فَلَا مَهْرَ لِذَلِكَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي نِكَاحِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ ": وَقَدْ ذَكَرُوا، أَيْ: الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَقَعَ طَلَاقُهُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ قَدْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى، أَوْ قَذَفَهَا؛ صَحَّ ظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ وَقَذْفُهُ، وَتَكُونُ كُلُّهَا مَوْقُوفَةً انْتَهَى. (وَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ؛ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَإِبْقَاءِ نِكَاحِهَا بِإِسْلَامِهِ فِي عِدَّتِهَا، أَشْبَهَتْ الرَّجْعِيَّةَ لِإِمْكَانِ تَلَافِي نِكَاحِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 بِإِسْلَامِهِ (وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا) فَلَا نَفَقَةَ لِلْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ لِتَلَافِي نِكَاحِهَا، فَأَشْبَهَتْ الْبَائِنَ، وَسَوَاءٌ أَسْلَمَتْ بَعْدُ أَوْ لَمْ تُسْلِمْ، لَكِنْ إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ كَالْبَائِنِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (فِي السَّابِقِ) مِنْهُمَا بِالْإِسْلَامِ، بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ: أَسْلَمْتُ قَبْلَكِ فَلَا نَفَقَةَ لَكِ، وَقَالَتْ هِيَ: بَلْ أَسْلَمْتُ قَبْلَهُ فَلِي النَّفَقَةُ؛ فَقَوْلُهَا، وَلَهَا النَّفَقَةُ (أَوْ جُهِلَ الْأَمْرُ) بِأَنْ جُهِلَ السَّبْقُ، أَوْ عُلِمَ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا (فَقَوْلُهَا وَلَهَا النَّفَقَةُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُهَا، فَلَا تَسْقُطُ بِالشَّكِّ. (وَإِنْ قَالَ) الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ (أَسْلَمْت بَعْدَ شَهْرَيْنِ مِنْ إسْلَامِي فَلَا نَفَقَةَ لَكِ فِيهِمَا، فَقَالَتْ) بَلْ أَسْلَمْتُ (بَعْدَ شَهْرٍ) فَلِي نَفَقَةُ الشَّهْرِ الْآخَرِ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا تَدَّعِيهِ عَلَيْهِ وَاسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ (كَ) اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهَا أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْوَقْتِ، فَلَوْ قَالَ لَهَا (أَسْلَمْت بَعْدَ الْعِدَّةِ، فَقَالَتْ) بَلْ أَسْلَمْت (فِيهَا) أَيْ: الْعِدَّةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إسْلَامِهَا فِي الْعِدَّةِ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَيَجِبُ الصَّدَاقُ بِكُلِّ حَالٍ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ، وَسَوَاءٌ كَانَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَالْآخَرُ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ «أُمَّ حَكِيمٍ أَسْلَمَتْ بِمَكَّةَ وَزَوْجُهَا عِكْرِمَةُ قَدْ هَرَبَ إلَى الْيَمَنِ، وَأُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَالدَّارِ» ، فَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ بِكِتَابِيَّةٍ بِدَارِ الْحَرْبِ صَحَّ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] . (وَمَنْ هَاجَرَ إلَيْنَا) مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَالْآخَرُ بِدَارِ الْحَرْبِ (بِعَقْدِ ذِمَّةٍ مُؤَبَّدَةٍ) عَقَدْنَاهُ لَهُ؛ لَمْ يَنْفَسِخْ (أَوْ) هَاجَرَ إلَيْنَا الزَّوْجُ (مُسْلِمًا، أَوْ) هَاجَرَتْ إلَيْنَا الزَّوْجَةُ (مُسْلِمَةً، وَالْآخَرُ) مِنْهُمَا (بِدَارِ حَرْبٍ؛ لَمْ يَنْفَسِخْ) نِكَاحُهُمَا بِالْهِجْرَةِ مِنْ جِهَةِ اخْتِلَافِ الدَّارِ، وَأَمَّا اخْتِلَافُ الدِّينِ. فَقَدْ تَقَدَّمَ لَك أَنَّهُ إنْ سَبَقَ زَوْجُ كِتَابِيَّةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ، أَوْ زَوْجُ غَيْرِهَا؛ وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ سَبَقَتْهُ وَقَفَ عَلَى الِانْقِضَاءِ، سَوَاءٌ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، كُلُّ ذَلِكَ إنْ دَخَلَ بِهَا. [فَصْلٌ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِعَقْدٍ] فَصْلٌ (وَإِنْ أَسْلَمَ) كَافِرٌ (وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ) نِسْوَةٍ (بِعَقْدٍ أَوْ لَا، فَأَسْلَمْنَ كُلُّهُنَّ) فِي عِدَّتِهِنَّ (أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ) أَوْ كَانَ بَعْضُهُنَّ كِتَابِيَّاتٍ، وَبَعْضُهُنَّ غَيْرُهُنَّ، فَأَسْلَمْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ إمْسَاكُهُنَّ كُلُّهُنَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ (اخْتَارَ وَلَوْ) كَانَ (مُحَرِّمًا أَرْبَعًا مِنْهُنَّ وَلَوْ مِنْ مَيِّتَاتٍ) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ وَتَعْيِينٌ لِلْمَنْكُوحَةِ؛ فَصَحَّ مِنْ الْمُحْرِمِ، بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ؛ وَالِاعْتِبَارُ فِي الِاخْتِيَارِ بِوَقْتِ ثُبُوتِهِ، فَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْمَيِّتَاتِ: لِأَنَّهُنَّ كُنَّ أَحْيَاءً وَقْتَهُ (إنْ كَانَ) الزَّوْجُ (مُكَلَّفًا، وَإِلَّا) يَكُنْ مُكَلَّفًا (وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يُكَلَّفَ) فَيَخْتَارَ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ. (وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ الِاخْتِيَارُ) لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الشَّهْوَةِ، فَلَا تَدْخُلُهُ الْوِلَايَةُ، وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ بِعَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ، وَسَوَاءٌ اخْتَارَ الْأَوَائِلَ أَوْ الْأَوَاخِرَ نَصًّا؛ لِمَا رَوَى قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: «أَسْلَمْت وَتَحْتِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْد الثَّقَفِيِّ: «أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ " عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 (نَفَقَتُهُنَّ إلَى أَنْ يَخْتَارَ) مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ لِأَجْلِهِ، وَهُنَّ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ. (وَيَتَّجِهُ: بِاحْتِمَالٍ) مَرْجُوحٍ (فِي غَيْرِ مُكَلَّفٍ) كَصَغِيرٍ (فَقِيرٍ) أَوْ مَجْنُونٍ إذَا أَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِفَاقَةِ؛ فَإِنَّهُ (يَذْهَبُ مَالُهُ فِي نَفَقَتِهِنَّ لِكَثْرَتِهِنَّ) وَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى النَّاسِ، مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ شَرْعًا فِعْلُ مَا فِيهِ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ لَهُ، وَالْمَصْلَحَةُ هَا هُنَا (اخْتِيَارُ وَلِيِّهِ) لَهُ أَرْبَعًا وَتَرْكُ مَا عَدَاهُنَّ (سِيَّمَا الْمَجْنُونُ) فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِأَنْ يَخْتَارَ لَهُ مِنْ الصَّغِيرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ: الْمَجْنُونَ (لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ) فَيَنْتَظِرُ، بِخِلَافِ الصَّغِيرِ؛ فَإِنَّ بُلُوغَهُ يَحْصُلُ أَلْبَتَّةَ، وَلِهَذَا اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ وَلِيَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي التَّعْيِينِ، وَضَعُفَ الْوَقْفُ، وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ صِحَّةَ اخْتِيَارِ الْأَبِ مِنْ الزَّوْجَاتِ أَرْبَعًا وَفَسْخَهُ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ طَلَاقِ الْأَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ": فَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ طَلَاقُ وَالِدِهِ عَلَيْهِ، صَحَّ اخْتِيَارُهُ لَهُ، وَإِنْ لَا فَلَا. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا يَخْتَارُ لَهُ الْوَلِيُّ، وَيَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الشَّهْوَةِ وَالْإِرَادَةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " (وَيَعْتَزِلُ الْمُخْتَارَاتِ) وُجُوبًا (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ) إنْ كَانَتْ الْمُفَارَقَاتُ أَرْبَعًا فَأَكْثَرَ وَإِلَّا اعْتَزَلَ مِنْ الْمُخْتَارَاتِ بِعَدَدِهِنَّ لِئَلَّا يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ (وَأَوَّلُهَا) أَيْ: الْعِدَّةِ (هُنَا مِنْ حِينِ اخْتِيَارِهِ) لِلْمُخْتَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ وَقَّتَ فُرْقَةَ الْمُفَارَقَاتِ (أَوْ يَمُتْنَ) عَطْفٌ عَلَى تَنْقَضِي أَيْ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَزِلَ الْمُخْتَارَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ أَوْ يَمُتْنَ (فَلَوْ كُنَّ) أَيْ الزَّوْجَاتُ (ثَمَانِيًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 فَاخْتَارَ أَرْبَعًا؛ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً) مِنْهُنَّ (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ، فَلَوْ كُنَّ خَمْسًا فَفَارَقَ إحْدَاهُنَّ؛ فَلَهُ وَطْءُ ثَلَاثٍ فَقَطْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَةِ، أَوْ كُنَّ سِتًّا، فَلَهُ وَطْءُ ثِنْتَيْنِ، أَوْ كُنَّ سَبْعًا) ؛ فَلَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ، كُلَّمَا انْقَضَتْ عِدَّةُ مُفَارَقَةٍ حَلَّتْ لَهُ وَاحِدَةٌ مُخْتَارَةٌ، (وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُنَّ) أَيْ الزَّوْجَاتِ الزَّائِدَاتِ عَلَى أَرْبَعٍ (وَلَيْسَ الْبَاقِي) أَيْ؛ الْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْهُنَّ (كِتَابِيَّاتٍ مَلَكَ إمْسَاكًا وَفَسْخًا فِي مُسْلِمَةٍ) مِنْ الزَّوْجَاتِ إنْ زِدْنَ عَلَى أَرْبَعٍ (خَاصَّةً) فَلَا يَخْتَارُ مِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْنَ، (وَلَهُ) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ، فَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ خَمْسٌ فَأَكْثَرُ (تَعْجِيلُ إمْسَاكٍ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْبَوَاقِي بَعْدَ مَنْ أَسْلَمَ كِتَابِيَّاتٍ أَمْ لَا، فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا مِمَّنْ أَسْلَمْنَ. (وَلَهُ تَأْخِيرُهُ) أَيْ الِاخْتِيَارِ (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْبَقِيَّةِ، أَوْ يُسْلِمْنَ) فَإِنْ مَاتَ اللَّائِي أَسْلَمْنَ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَاقِيَاتُ؛ فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ وَمِنْ الْمَيِّتَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَصْحِيحٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ فِيهِنَّ (فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْنَ) أَيْ: الْبَاقِيَاتُ (أَوْ أَسْلَمْنَ، وَقَدْ اخْتَارَ أَرْبَعًا) مِمَّنْ أَسْلَمْنَ أَوَّلًا (فَعِدَّتُهُنَّ مُنْذُ أَسْلَمَ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبٌ مَنَعَ اسْتِدَامَةَ نِكَاحِهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُبْهَمَةً قَبْلَ الِاخْتِيَارِ؛ إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُنَّ أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ غَيْرِهَا، فَبِالِاخْتِيَارِ تَعَيَّنَتْ، وَالْعِدَّةُ مِنْ حِينِ السَّبَبِ (وَمَنْ لَمْ يَخْتَرْ أُجْبِرَ) عَلَى الِاخْتِيَارِ (بِحَبْسٍ ثُمَّ تَعْزِيرٍ) إنْ أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ لِيَخْتَارَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، فَأُجْبِرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ إذَا امْتَنَعَ، كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَيَكْفِي فِي الِاخْتِيَارِ) أَنْ يَقُولَ (أَمْسَكْت هَؤُلَاءِ أَوْ تَرَكْت هَؤُلَاءِ أَوْ اخْتَرْت هَذِهِ لِفَسْخٍ أَوْ) اخْتَرْت هَذِهِ (لِإِمْسَاكٍ، أَوْ أَبْقَيْت هَؤُلَاءِ وَنَحْوَهُ) كَبَاعَدْت هَؤُلَاءِ، وَلَا يَكُونُ الِاخْتِيَارُ إلَّا (مُنْجَزًا) فَلَا يَصِحُّ مُعَلَّقًا، وَيَأْتِي. (وَيَحْصُلُ اخْتِيَارٌ بِوَطْءٍ أَوْ طَلَاقٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا فِي زَوْجَةٍ (فَمَنْ طَلَّقَهَا فَهِيَ مُخْتَارَةٌ) وَ (لَا) يَحْصُلُ اخْتِيَارٌ (بِظِهَارٍ أَوْ إيلَاءٍ) لِأَنَّهُمَا كَمَا يَدُلَّانِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَنْكُوحَةِ يَدُلَّانِ عَلَى اخْتِيَارِ تَرْكِهَا، فَيَتَعَارَضُ الِاخْتِيَارُ وَعَدَمُهُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 فَلَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، (وَ) إنْ قَالَ: (سَرَّحْت هَؤُلَاءِ، أَوْ فَارَقْتَهُنَّ؛ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لَهُنَّ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ (وَلَا اخْتِيَارَ لِغَيْرِهِنَّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِيهِ (لَا أَنْ يَنْوِيَهُ) فَيَعْمَلُ بِمَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، وَالنِّيَّةُ مُعَيِّنَةٌ لِلْمَقْصُودِ (كَذَا فِي " الْإِقْنَاعِ ") وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " " وَالْفُرُوعِ " قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَإِنْ وَطِئَ الْكُلَّ) قَبْلَ الِاخْتِيَارِ بِالْقَوْلِ (تَعَيَّنَ الْأُوَلُ) أَيْ: الْأَرْبَعُ الْمَوْطُوآتُ مِنْهُنَّ أَوَّلًا، لِلْإِمْسَاكِ، وَمَا بَعْدَهُنَّ لِلتَّرْكِ اسْتِدْلَالًا بِتَقْدِيمِهِنَّ فِي الْوَطْءِ عَلَى تَقْدِيمِهِنَّ فِي الرَّغْبَةِ عِنْدَهُ. (وَيَتَّجِهُ:) مَحَلُّ تَعْيِينِ الْأَوَّلِ لِلْإِمْسَاكِ حَيْثُ عَلِمْنَ (فَإِنْ جَهِلْنَ) أَيْ الْمَوْطُوآتُ الْأُوَلُ (فَ) الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، إمَّا (الْكَفُّ) عَنْ الْجَمِيعِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْحَالُ (أَوْ الْقُرْعَةُ) بَيْنَهُنَّ، فَمَنْ خَرَجْنَ بِالْقُرْعَةِ؛ فَهُنَّ الْمُخْتَارَاتُ، فَيُمْسِكُهُنَّ وَيَتْرُكُ مَا عَدَاهُنَّ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ طَلَّقَ الْكُلَّ ثَلَاثًا، أُخْرِجَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ بِقُرْعَةٍ) فَكُنَّ الْمُخْتَارَاتِ، فَيَقَعُ بِهِنَّ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَإِذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى الْجَمِيعِ أَخْرَجَ الْأَرْبَعَ الْمُطَلَّقَاتِ بِالْقُرْعَةِ. كَمَا لَوْ طَلَّقَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لَا بِعَيْنِهِنَّ (وَلَهُ نِكَاحُ الْبَوَاقِي) بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَرْبَعِ الْمُخْرَجَاتِ بِقُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ بِهِنَّ، فَلَوْ كُنَّ ثَمَانِيًا، فَكُلَّمَا انْقَضَتْ عِدَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ؛ فَلَهُ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُفَارَقَاتِ. تَنْبِيهٌ: إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَ الْجَمِيعَ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ؛ اخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَإِذَا اخْتَارَ؛ تَبَيَّنَّا أَنَّ طَلَاقَهُ وَقَعَ بِهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ زَوْجَاتٌ، وَيَعْتَدِدْنَ مِنْ حِينِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 طَلَاقِهِ، وَبَانَ الْبَوَاقِي بِاخْتِيَارِهِ لِغَيْرِهِنَّ، وَلَا يَقَعُ بِهِنَّ طَلَاقُهُ، وَلَهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ إذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَاتِ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ طَلَاقَهُنَّ قَبْلَ إسْلَامِهِنَّ فِي زَمَنٍ لَيْسَ لَهُ الِاخْتِيَارُ فِيهِ، فَإِذَا أَسْلَمْنَ تَجَدَّدَ لَهُ الِاخْتِيَارُ حِينَئِذٍ. (وَالْمَهْرُ) وَاجِبٌ (لِمَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِالِاخْتِيَارِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ كَالدِّينِ (وَإِلَّا) يَكُنْ دَخَلَ بِهَا (فَلَا) مَهْرَ لَهَا؛ لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِإِسْلَامِهِمْ جَمِيعًا، كَفَسْخِ النِّكَاحِ لِعَيْبِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، كَالْمَجُوسِيِّ يَتَزَوَّجُ أُخْتَهُ، ثُمَّ يُسْلِمَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ. (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ بِشَرْطٍ) كَقَوْلِهِ (مَنْ أَسْلَمَتْ فَقَدْ اخْتَرْتهَا) أَوْ مَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَقَدْ فَارَقْتهَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ يُوجَدُ فِيمَنْ يُحِبُّهَا فَيُفْضِي إلَى تَنْفِيرِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَدْخُلْ الْقُرْعَةُ فِيهِ. (وَلَا) يَصِحُّ (فَسْخُ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا) أَيْ: حَالَةَ الْفَسْخِ (إسْلَامُ أَرْبَعٍ) سِوَاهَا، وَلَيْسَ فِيهِنَّ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ فَيَقَعُ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَإِنْ اخْتَارَ إحْدَاهُنَّ قَبْلَ إسْلَامِهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ اخْتِيَارٍ، وَإِنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا لَمْ يَنْفَسِخْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ الِاخْتِيَارُ لَمْ يَجُزْ الْفَسْخُ. (وَإِنْ مَاتَ) مَنْ أَسْلَمَ (قَبْلَ اخْتِيَارٍ) وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ (فَعَلَى الْجَمِيعِ) مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ نِسَائِهِ (أَطْوَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ أَوْ) عِدَّةِ (حَيَاةٍ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُخْتَارَةً أَوْ مُفَارَقَةً وَعِدَّةُ الْمُخْتَارَةِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَعِدَّةُ الْمُفَارَقَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، فَأَوْجَبْنَا أَطْوَلَهُمَا احْتِيَاطًا، وَتَعْتَدُّ حَامِلٌ بِوَضْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ عِدَّتُهَا، وَصَغِيرَةٌ وَآيِسَةٌ بِعِدَّةِ وَفَاةٍ؛ لِأَنَّهُ أَطْوَلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ (وَيَرِثُ مِنْهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ (أَرْبَعٌ) مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ وَأَسْلَمْنَ (بِقُرْعَةٍ) كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ نِسْوَةٍ؛ نِكَاحُ بَعْضِهِنَّ فَاسِدٌ وَجُهِلَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 (وَإِنْ أَسْلَمَ) كَافِرٌ (وَتَحْتَهُ نَحْوُ أُخْتَيْنِ) كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا، أَوْ امْرَأَةٍ وَخَالَتِهَا، فَأَسْلَمَتَا مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ إنْ دَخَلَ بِهِمَا، أَوْ لَمْ تُسْلِمَا وَهُمَا كِتَابِيَّتَانِ (اخْتَارَ مِنْهُمَا وَاحِدَةً) لِمَا رَوَى الضَّحَّاكُ بْنُ فَيْرُوزَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أَسْلَمْت وَعِنْدِي امْرَأَتَانِ أُخْتَانِ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُطَلِّقَ إحْدَاهُمَا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ " اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْت ". وَلِأَنَّ الْمُبْقَاةَ امْرَأَةٌ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا ابْتِدَاءً، فَجَازَ اسْتِدَامَتُهُ كَغَيْرِهَا، وَلِأَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ، وَإِنَّمَا حَرُمَ الْجَمْعُ، وَقَدْ أَزَالَهُ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ إحْدَاهُمَا، وَلَا مَهْرَ لِغَيْرِ الْمُخْتَارَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ، أَشْبَهَ تَزَوُّجَ الْمَجُوسِيِّ أُخْتَهُ، وَحَيْثُ اخْتَارَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، لَمْ يَطَأْ الْمُخْتَارَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ أُخْتِهَا وَنَحْوِهَا، لِئَلَّا يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ نَحْوِ أُخْتَيْنِ، (وَإِنْ كَانَتَا) أَيْ: مَنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ عَلَيْهِمَا (أُمًّا وَبِنْتًا) وَأَسْلَمَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا، وَكَانَ أَوْ كَانَتَا كِتَابِيَّتَيْنِ (وَ) قَدْ (دَخَلَ بِأُمِّهَا) وَحْدَهَا (فَسَدَ نِكَاحُهُمَا) أَيْ: الْأُمِّ وَالْبِنْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَهَذِهِ أُمُّ زَوْجَتِهِ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ الْبِنْتَ وَحْدَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا إذَا أَسْلَمَ، فَإِذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا وَتَمَسَّكَ بِنِكَاحِهَا فَمِنْ بَابِ أَوْلَى، وَأَمَّا الْبِنْتُ فَلِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ دَخَلَ بِهَا. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. (وَإِلَّا) يَكُنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ (فَ) يَفْسُدُ (نِكَاحُ الْأُمِّ وَحْدَهَا) لِتَحْرِيمِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى بِنْتِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ، فَلَمْ يَكُنْ اخْتِيَارُهَا، وَالْبِنْتُ لَا تَحْرُمُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِأُمِّهَا، فَتَعَيَّنَ النِّكَاحُ فِيهَا، بِخِلَافِ الْأُخْتَيْنِ. (وَلَوْ أَسْلَمَتْ مَنْ) أَيْ: امْرَأَةٌ (تَزَوَّجَتْ بِاثْنَيْنِ) فَأَكْثَرَ (فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ أَحَدَهُمَا) أَوْ أَحَدَهُمْ (وَلَوْ أَسْلَمُوا) أَيْ: هِيَ وَالزَّوْجَانِ أَوْ الْأَزْوَاجُ (مَعًا) فِي آنٍ وَاحِدٍ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَذَكَرَهُ الْقَاضِي مَحَلُّ وِفَاقٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 (وَ) إنْ كَانَ تَزَوُّجُهَا وَقَعَ (بِعَقْدَيْنِ) أَوْ عُقُودٍ، (فَ) هِيَ لِزَوْجِهَا (الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ صَحِيحٌ، وَمَا بَعْدَهُ بَاطِلٌ. [فَصْلٌ أَسْلَمَ حُرٌّ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أَقَلُّ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ] فَصْلٌ (وَإِنْ أَسْلَمَ حُرٌّ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ) أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أَقَلُّ (فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ) قَبْلَ الدُّخُولِ بِهِنَّ (أَوْ) بَعْدَهُ، أَوْ أَسْلَمْنَ (فِي الْعِدَّةِ) إنْ كَانَ دَخَلَ أَوْ خَلَا بِهِنَّ، سَوَاءٌ أَسْلَمْنَ (قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ لَمْ تُشْتَرَطْ الْمَعِيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ (اخْتَارَ) مِنْهُنَّ (إنْ جَازَ لَهُ نِكَاحُهُنَّ) أَيْ: الْإِمَاءِ، بِأَنْ كَانَ عَادِمَ الطُّولِ خَائِفَ الْعَنَتِ (وَقْتَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِهِنَّ) تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، فَيَخْتَارُ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ، فَإِنْ كَانَتْ لَا تُعِفُّهُ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ مَنْ يُعِفُّهُ إلَى أَرْبَعٍ، (وَإِلَّا) يَجُزْ لَهُ نِكَاحُهُنَّ وَقْتَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِهِنَّ (فَسَدَ) نِكَاحُهُنَّ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا جَمِيعًا مُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ؛ فَكَذَلِكَ اسْتِدَامَتُهُ (فَإِنْ كَانَ) زَوْجُ الْإِمَاءِ (مُوسِرًا) قَبْلَ إسْلَامِهِنَّ (فَلَمْ يُسْلِمْنَ) أَيْ: الْإِمَاءُ (حَتَّى أَعْسَرَ) فَلَهُ الِاخْتِيَارُ حَيْثُ خَافَ الْعَنَتَ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ النِّكَاحِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ حَالُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ، فَلَوْ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَلَمْ يُسْلِمْنَ حَتَّى أَيْسَرَ؛ فَلَيْسَ لَهُ الِاخْتِيَارُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ أَسْلَمَتْ إحْدَاهُنَّ بَعْدَهُ، ثُمَّ عَتَقَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي؛ فَلَهُ الِاخْتِيَارُ) مِنْهُنَّ بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ الِاخْتِيَارِ، وَهِيَ حَالَةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الِاخْتِيَارِ، وَحَالَةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ كَانَتْ أَمَةً (وَإِنْ) أَسْلَمَ ثُمَّ (عَتَقَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمْنَ) أَيْ: الْبَوَاقِي مِنْ الْإِمَاءِ تَعَيَّنَتْ الْأُولَى إنْ كَانَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 تُعِفُّهُ؛ لِأَنَّ تَحْتَهُ حُرَّةً عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْإِسْلَامِ (أَوْ) أَسْلَمَ ثُمَّ (عَتَقَتْ ثُمَّ أَسْلَمْنَ) أَيْ الْبَوَاقِي: (ثُمَّ أَسْلَمَتْ) الْعَتِيقَةُ؛ تَعَيَّنَتْ إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ عَتَقَتْ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهَا) كَأَنْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ عَتَقَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ هُوَ ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي (تَعَيَّنَتْ الْأُولَى) وَهِيَ الْعَتِيقَةُ (إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ) وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْبَوَاقِي فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُنَّ إلَّا مَعَ الْحَاجَةِ، وَهِيَ عَدَمُ الطَّوْلِ وَخَوْفُ الْعَنَتِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا؛ لِأَنَّ الْعِفَّةَ حَصَلَتْ لَهُ بِالْحُرَّةِ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ، وَمَتَى وَرَدَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ تُعِفُّهُ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ أَمَةِ، فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَتْ، وَعُلِمَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ عَتَقَتْ إحْدَاهُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهَا؛ لَمْ يُؤَثِّرْ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ثُبُوتِ الِاخْتِيَارِ بِحَالَةِ اخْتِلَافِ الدِّينِ، لَا بِحَالَةِ الِاتِّفَاقِ فِيهِ، وَثُبُوتُ النِّكَاحِ وَالْحُرِّيَّةُ إنَّمَا طَرَأَتْ هُنَا بَعْدَ ثُبُوتِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ حِينَئِذٍ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا، وَكَذَلِكَ اسْتِدَامَتُهُ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَيَخْتَارُ مِنْهُنَّ، لِأَنَّهُنَّ فِي بَابِ النِّكَاحِ سَوَاءٌ، فَيَخْتَارُ مِنْ جَمِيعِهِنَّ. (وَإِنْ أَسْلَمَ) حُرٌّ (وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ فَأَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ فِي عِدَّتِهَا قَبْلَهُنَّ) أَيْ: الْإِمَاءِ (أَوْ بَعْدَهُنَّ؛ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ، وَتَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْحُرَّةِ الَّتِي تُعِفُّهُ، فَلَا يَخْتَارُ عَلَيْهَا أَمَةً (مَا لَمْ يُعْتَقْنَ ثُمَّ يُسْلِمْنَ فِي الْعِدَّةِ) إنْ كَانَ دَخَلَ بِهِنَّ، فَإِنْ أُعْتِقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ، فَحُكْمُهُنَّ (كَالْحَرَائِرِ فَ) لَهُ أَنْ (يَخْتَارَ) مِنْهُنَّ (أَرْبَعًا) وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ مَعَهُ دُونَ الْإِمَاءِ ثَبَتَ نِكَاحُهَا، وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ؛ وَابْتِدَاءُ عِدَّتِهِنَّ مُنْذُ أَسْلَمَ (وَإِنْ) أَسْلَمَ الْإِمَاءُ، وَ (لَمْ تُسْلِمْ الْحُرَّةُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) بَانَتْ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَ (اخْتَارَ إذَنْ مِنْ الْإِمَاءِ بِشَرْطِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحُرَّةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْإِمَاءِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ عَدَمَ إسْلَامِهَا فِي عِدَّتِهَا. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا فِي عِدَّتِهَا، ثُمَّ لَمْ تُسْلِمْ فِي عِدَّتِهَا؛ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي عِدَّتِهَا تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 [فَصْلٌ أَسْلَمَ عَبْدٌ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ مُطْلَقًا] فَصْلٌ (وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدٌ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ،) مُطْلَقًا (أَوْ) أَسْلَمْنَ (فِي الْعِدَّةِ) وَكَانَ دَخَلَ أَوْ خَلَا بِهِنَّ (ثُمَّ عَتَقَ أَوَّلًا) أَيْ: أَوْ لَمْ يُعْتِقْ (اخْتَارَ) مِنْهُنَّ (ثِنْتَيْنِ) فَقَطْ، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثِنْتَيْنِ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِفَسْخِ النِّكَاحِ الزَّائِدِ عَلَى الثِّنْتَيْنِ قَائِمٌ، وَهُوَ كَوْنُهُمْ مُسْلِمِينَ فِي حَالِ رِقِّهِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ لَا يَزُولُ بِعَتِيقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ (وَإِنْ أَسْلَمَ) الْعَبْدُ (وَعَتَقَ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ) فِي الْعِدَّةِ، فَيَخْتَارُ مَا يُعِفُّهُ إلَى أَنْ يَصِرْنَ أَرْبَعًا (أَوْ أَسْلَمْنَ، ثُمَّ عَتَقَ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَ) حُكْمُهُ (كَحُرٍّ، وَيَخْتَارُ) مَا يُعِفُّهُ إلَى أَنْ يَصِرْنَ (أَرْبَعًا بِشَرْطِهِ) وَهُوَ عَدَمُ الطَّوْلِ وَخَوْفُ الْعَنَتِ، لِأَنَّهُ وَقْتَ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ حُرًّا فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْحُرِّ (وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ) أَيْ: الْعَبْدِ (حَرَائِرُ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ) أَوْ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهِنَّ، اخْتَارَ مِنْهُنَّ ثِنْتَيْنِ وَ (لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ خِيَارُ الْفَسْخِ) ، لِأَنَّهُنَّ رَضِينَ بِهِ عَبْدًا كَافِرًا فَعَبْدًا مُسْلِمًا أَوْلَى. [فَصْلٌ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ هُمَا أَيْ الزَّوْجَانِ مَعًا] فَصْلٌ (وَإِنْ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ هُمَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (مَعًا) فَلَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (قَبْلَ دُخُولٍ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّ الِارْتِدَادَ اخْتِلَافُ دِينٍ وَقَعَ قَبْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 الْإِصَابَةِ، فَوَجَبَ انْفِسَاخُ النِّكَاحِ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ تَحْتَ كَافِرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] وَقَوْلُهُ: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِرِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ قِبَلِهَا، وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ أَيْضًا بِرِدَّتِهَا مَعًا، لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا. (وَيَتَنَصَّفُ الْمَهْرُ إنْ سَبَقَهَا) بِالرِّدَّةِ (أَوْ ارْتَدَّ) الزَّوْجُ (وَحْدَهُ) دُونَهَا لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهِ، أَشْبَهَ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَتَقِفُ فُرْقَةٌ) بِرِدَّةٍ (بَعْدَ دُخُولٍ عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّةٍ) فَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ لِلْإِسْلَامِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ، وَإِلَّا تَبَيَّنَّا فَسْخَهُ مِنْ الرِّدَّةِ، كَإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، بِخِلَافِ الرَّضَاعِ؛ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِ الْفَسْخِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، وَيُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا إذَا ارْتَدَّا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَبَهَتْ حَالَةُ الْحَظْرِ بِحَالَةِ الْإِبَاحَةِ؛ فَغَلَبَ الْحَظْرُ احْتِيَاطًا (وَتَسْقُطُ نَفَقَةُ عِدَّةٍ بِرِدَّتِهَا وَحْدَهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى تَلَافِي نِكَاحِهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ كَمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِرِدَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَلَافِي نِكَاحِهَا بِإِسْلَامِهِ فَهُوَ كَزَوْجِ الرَّجْعِيَّةِ، وَلَا تَسْقُطُ أَيْضًا بِرِدَّتِهِمَا مَعًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَمْ يَتَمَحَّضْ مِنْ جِهَتِهَا (وَإِنْ لَمْ يَعُدْ) مَنْ ارْتَدَّ مِنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ إلَى الْإِسْلَامِ (فَوَطِئَهَا فِيهَا، أَوْ طَلَّقَ؛ وَجَبَ الْمَهْرُ) بِوَطْئِهَا فِي الْعِدَّةِ (وَأُدِّبَ) لِفِعْلِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ (وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ) لِتَبَيُّنِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ اخْتِلَافِ الدِّينِ، فَالْوَطْءُ وَالطَّلَاقُ فِي غَيْرِ زَوْجَةٍ (وَإِنْ انْتَقَلَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (أَوْ) انْتَقَلَ (أَحَدُهُمَا إلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ) كَالْيَهُودِيِّ يَتَنَصَّرُ، أَوْ النَّصْرَانِيُّ يَتَهَوَّدُ: فَكَالرِّدَّةِ (أَوْ تَمَجَّسَ كِتَابِيٌّ تَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ) فَكَرِدَّةٍ، فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ؛ فَعَلَى نِكَاحِهِمَا (أَوْ تَمَجَّسَتْ) الْكِتَابِيَّةُ (دُونَهُ) أَيْ: دُونَ زَوْجِهَا الْكِتَابِيِّ، أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 تَمَجَّسَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ (فَكَرِدَّةٍ) فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيَتَوَقَّفُ بَعْدَهُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ إلَى دِينٍ بَاطِلٍ قَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِهِ، فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ، كَالْمُرْتَدِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الصَّدَاقِ] ِ (الصَّدَاقُ) : بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ: صَدُقَةٌ بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّ الدَّالِ، وَصُدْقَةٌ، وَصَدْقَةٌ بِسُكُونِ الدَّالِ فِيهِمَا مَعَ ضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِهَا وَلَهُ أَسْمَاءٌ: الصَّدَاقُ وَالصَّدَقَةُ وَالْمَهْرُ وَالنِّحْلَةُ وَالْفَرِيضَةُ وَالْأَجْرُ وَالْعَلَائِقُ وَالْعُقْرُ وَالْحِبَاءُ، وَقَدْ نَظَّمَ مِنْهَا ثَمَانِيَةً فِي بَيْتٍ وَهُوَ: صَدَاقٌ وَمَهْرٌ نِحْلَةٌ وَفَرِيضَةٌ ... حِبَاءٌ وَأَجْرٌ ثُمَّ عَقْرٌ عَلَائِقُ يُقَالُ: أَصَدَقْتُ الْمَرْأَةَ وَمَهَرْتهَا، وَلَا يُقَالُ: أَمْهَرْتهَا. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالنِّهَايَةِ " وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَ (هُوَ الْعِوَضُ الْمُسَمَّى فِي عَقْدِ نِكَاحٍ وَ) الْمُسَمَّى (بَعْدَهُ) أَيْ: النِّكَاحِ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا فِيهِ، (أَوْ) الْعِوَضُ الْمُسَمَّى (فِي وَطْءِ شُبْهَةٍ وَزِنًا) بِأَمَةٍ أَوْ مُكْرَهَةٍ (وَهُوَ) أَيْ: الصَّدَاقُ: (مَشْرُوعٌ فِي نِكَاحٍ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَعْنِي عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِهِ كَمَا تَطِيبُ النَّفْسُ بِالْهِبَةِ، وَقِيلَ: نِحْلَةً مِنْ اللَّهِ لِلنِّسَاءِ، «وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ وَزَوَّجَ بَنَاتِهِ عَلَى صَدَاقَاتٍ» ، وَلَمْ يَتْرُكْهُ فِي النِّكَاحِ مَعَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ، «وَقَالَ لِلَّذِي زَوَّجَهُ الْمَوْهُوبَةَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 (وَيُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهُ) أَيْ: الصَّدَاقِ (فِيهِ) أَيْ: النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24] وَلِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] (فَيُكْرَهُ تَرْكُهَا) أَيْ: التَّسْمِيَةِ فِي النِّكَاحِ قَالَ فِي " التَّبْصِرَةِ " لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى التَّنَازُعِ فِي فَرْضِهِ. (وَ) يُسْتَحَبُّ (تَخْفِيفُهُ) أَيْ: الصَّدَاقِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مُؤْنَةً» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ. وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَضِيت مِنْ نَفْسِك وَمَالِك بِنَعْلَيْنِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجَازَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَعَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ : قَالَ تَزَوَّجْت امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَك أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبُو دَاوُد " بَارَكَ اللَّهُ لَك " وَوَزْنُ النَّوَاةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ مَثَاقِيلَ وَنِصْفٌ مِنْ الذَّهَبِ قَالَهُ: فِي " الشَّرْحِ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ (وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ) دِرْهَمٍ فِضَّةً (وَهِيَ) أَيْ: الْأَرْبَعُمِائَةُ (صَدَاقُ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى خَمْسِمِائَةِ) دِرْهَمٍ فِضَّةً (وَهِيَ) أَيْ: الْخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ (صَدَاقُ أَزْوَاجِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا صَفِيَّةَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ فَإِنَّ صَفِيَّةَ أَصْدَقَهَا عِتْقَهَا وَأُمَّ حَبِيبَةَ أَصْدَقَهَا النَّجَاشِيُّ عَنْهُ. وَمِنْ سَمَاحَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْذُ الْأَقَلِّ لِبَنَاتِهِ وَإِعْطَاءُ الْأَكْثَرِ لِزَوْجَاتِهِ. وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: «سَأَلْت عَائِشَةَ: كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ، اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قُلْت: لَا، قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ. وَالْأُوقِيَّةُ كَانَتْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. وَعَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ: لَا تَغْلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى فِي الْآخِرَةِ كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَقَالَ: إنِّي تَزَوَّجْت امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ نَظَرْت إلَيْهَا، فَإِنَّ فِي عُيُونِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا؛ قَالَ قَدْ نَظَرْت إلَيْهَا قَالَ: عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتهَا،؟ فَقَالَ: عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ؟ ، كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عَرْضِ هَذَا الْجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيك وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَك فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ قَالَ فَبَعَثَ بَعْثًا إلَى بَنِي عَبْسٍ، بَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِيهِمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَإِنْ زَادَ) أَيْ: الصَّدَاقُ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ (فَلَا بَأْسَ) لِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، زَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ وَأَمْهَرَهَا أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَجَهَّزَهَا مِنْ عِنْدَهُ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ وَلَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ» ، وَلَوْ كُرِهَ لَأَنْكَرَهُ (وَكَانَ لَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تَزَوُّجٌ بِلَا مَهْرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] الْآيَةَ: وَلِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. (وَلَا يَتَقَدَّرُ الصَّدَاقُ فَكَمَا صَحَّ ثَمَنًا) فِي بَيْعٍ (صَحَّ مَهْرًا وَإِنْ قَلَّ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْطَى امْرَأَةً مِلْءَ يَدِهِ طَعَامًا، كَانَتْ لَهُ حَلَالًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ، فَيَصِحُّ النِّكَاحُ عَلَى عَيْنٍ وَدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ (وَلَوْ عَلَى مَنْفَعَةِ زَوْجٍ أَوْ) مَنْفَعَةِ (حُرٍّ غَيْرِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (وَمَعْلُومَةٌ) أَيْ: الْمَنْفَعَةُ (مُدَّةً مَعْلُومَةً كَرِعَايَةِ غَنَمِهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً، أَوْ) عَلَى (عَمَلٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (أَوْ) مِنْ (غَيْرِهِ كَخِيَاطَةِ ثَوْبِهَا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 (وَيَتَّجِهُ:) صِحَّةُ ذَلِكَ (وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ جِنْسَ الْخِيَاطَةِ) إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا تَأَلُّفُ قِطَعِ الثَّوْبِ بِضَمِّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ عَلَى الْعَادَةِ، بِحَيْثُ تُجْعَلُ كُلُّ قِطْعَةٍ فِي مَحَلِّهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ: (وَرَدُّ قِنِّهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ) وَمَنَافِعُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ شُعَيْبٍ مَعَ مُوسَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحُرِّ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا فِي الْإِجَارَةِ، فَجَازَتْ صَدَاقًا كَمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ. وَمَنْ قَالَ: لَيْسَتْ مَالًا، مَمْنُوعٌ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِهَا وَعَنْهَا، ثُمَّ إنْ لَمْ تَكُنْ مَالًا فَقَدْ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْمَالِ (وَ) كَأَنْ يَصْدُقَهَا (تَعْلِيمَهَا) أَيْ: الْمَنْكُوحَةِ (مُعَيَّنًا مِنْ فِقْهٍ أَوْ حَدِيثٍ) إنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً فَيُعَيِّنُ الَّذِي يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهِ، هَلْ هُوَ كُلُّهُ أَوْ بَابٌ مِنْهُ، وَمَسَائِلُ مِنْ بَابٍ، وَفِقْهٍ أَيْ مَذْهَبٍ، وَأَيُّ كِتَابٍ مِنْهُ وَأَنَّ التَّعْلِيمَ تَفْهِيمُهُ إيَّاهَا أَوْ تَحْفِيظُهُ (أَوْ شِعْرٍ مُبَاحٍ أَوْ أَدَبٍ) مِنْ نَحْوٍ وَصَرْفٍ وَمَعَانٍ وَبَيَانٍ وَبَدِيعٍ وَلُغَةٍ (أَوْ) يُصْدِقُهَا تَعْلِيمَهَا (صَنْعَةً) كَخِيَاطَةٍ (أَوْ كِتَابَةٍ وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ) أَيْ: الْعَمَلَ الَّذِي أَصْدَقَهُ إيَّاهَا (وَيَتَعَلَّمُهُ ثُمَّ يُعَلِّمُهَا) إيَّاهُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا مَالًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَالَ الْإِصْدَاقِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ لَهَا مَنْ يُعَلِّمُهَا (وَإِنْ تَعَلَّمَتْهُ) أَيْ: مَا أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَهُ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (لَزِمَتْهُ أُجْرَةُ تَعْلِيمِهَا) وَكَذَا إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهَا أَوْ أَصْدَقَهَا خِيَاطَةَ ثَوْبٍ فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ، وَإِنْ مَرِضَ أُقِيمَ مُقَامَهُ مَنْ يَخِيطُهُ وَإِنْ جَاءَتْهُ بِغَيْرِهَا لِتَعَلُّمِهَا مَا أَصْدَقَهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي عَيْنٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إيقَاعُهُ فِي غَيْرِهَا، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَتْهُ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ فَأَتَتْ بِغَيْرِهِ لِيَخِيطَهُ لَهَا، وَلِأَنَّ الْمُتَعَلِّمِينَ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّعْلِيمِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَعْلِيمِهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْلِيمُ غَيْرِهَا. وَإِنْ أَتَاهَا بِغَيْرِهِ لِيُعَلِّمَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهُ لِاخْتِلَافِ الْمُعَلِّمِينَ فِي التَّعْلِيمِ. وَقَدْ يَكُونُ لَهَا غَرَضٌ فِي التَّعْلِيمِ مِنْهُ لِكَوْنِهِ زَوْجَهَا (وَعَلَيْهِ) أَيْ: مَنْ أَصْدَقَ الْمَرْأَةَ تَعْلِيمَ شَيْءٍ (بِطَلَاقِهَا قَبْلَ تَعْلِيمٍ وَدُخُولٍ بِهَا نِصْفَ الْأُجْرَةِ) لِلتَّعْلِيمِ، لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ فَلَا يُؤْمَنُ فِي تَعْلِيمِهَا الْفِتْنَةُ (وَ) إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ تَعْلِيمٍ وَ (بَعْدَ دُخُولٍ) فَعَلَيْهِ (كُلُّهَا) أَيْ الْأُجْرَةُ لِاسْتِقْرَارِ مَا أَصْدَقَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 بِالدُّخُولِ (وَإِنْ عَلَّمَهَا) مَا أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَهُ (ثُمَّ سَقَطَ) الصَّدَاقُ لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا (رَجَعَ الزَّوْجُ) عَلَى الزَّوْجَةِ (بِالْأُجْرَةِ) لِتَعْلِيمِهَا لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ بِالتَّعْلِيمِ (وَ) يَرْجِعُ (مَعَ تَنَصُّفِهِ) أَيْ: الصَّدَاقِ لِنَحْوِ طَلَاقِهِ إيَّاهَا بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهَا (بِنِصْفِهَا) أَيْ: أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ (وَلَوْ) طَلَّقَهَا فَ (وُجِدَتْ حَافِظَةً لِمَا أَصْدَقَهَا) تَعْلِيمَهُ (وَادَّعَى تَعْلِيمَهَا) إيَّاهُ (وَأَنْكَرَتْهُ حَلَفَتْ) لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (وَإِنْ عَلَّمَهَا) مَا أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَهُ (فَنَسِيَتْهُ فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ: مَحَلِّ التَّعْلِيمِ (أَعَادَ تَعْلِيمَهُ وَإِلَّا) بِأَنْ نَسِيَتْهُ بَعْدَ فَوَاتِ مَحَلِّهِ (فَلَا) يَلْزَمُهُ إعَادَةُ تَعْلِيمِهَا؛ لِأَنَّهُ وَفَّى لَهَا بِهِ وَإِنَّمَا تَلِفَ الصَّدَاقُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ لَقَّنَهَا الْجَمِيعَ وَكُلَّمَا لَقَّنَهَا بِشَيْءٍ أُنْسِيَتْهُ، لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَعُدُّهُ تَعْلِيمًا (وَيَتَّجِهُ: لَوْ) أَصْدَقَهَا بِنَاءَ حَائِطٍ (فَبَنَى) لَهَا ذَلِكَ الْحَائِطَ (فَسَقَطَ قَرِيبًا عُرْفًا لِرَدَاءَتِهِ، وَلَوْ) كَانَ سُقُوطُهُ (بَعْدَ تَفَرُّقٍ أَعَادَهُ) أَيْ بِنَاءَ الْحَائِطِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهَا مَا شَرَطَتْهُ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا اسْتِئْجَارٌ عَلَى تَعْلِيمِ خَطٍّ وَحِسَابٍ وَشِعْرٍ مُبَاحٍ) كَعَرُوضٍ وَمِيقَاتٍ (وَنَحْوِهِ) إذَا عَزَبَ عَنْ التَّعْلِيمِ عُرْفًا، لِعَدَمِ اعْتِنَاءِ الْمُعَلِّمِ؛ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ عَمَلًا بِالشَّرْطِ. (وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَوْ) كَانَ مَا أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَهُ مِنْ الْقُرْآنِ (مُعَيَّنًا؛ لَمْ يَصِحَّ) الْإِصْدَاقُ؛ لِأَنَّ الْفُرُوجَ لَا تُسْتَبَاحُ إلَّا بِالْأَمْوَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] وَالطَّوْلُ الْمَالُ، وَلِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ قُرْبَةٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، كَالصَّوْمِ، وَحَدِيثُ الْمَوْهُوبَةِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» قِيلَ: مَعْنَاهُ زَوَّجْتُكهَا؛ لِأَنَّك مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، كَمَا زَوَّجَ أَبَا طَلْحَةَ عَلَى إسْلَامِهِ فَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 بِإِسْنَادِهِ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ أَتَى أُمَّ سُلَيْمٍ يَخْطُبُهَا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، فَقَالَتْ: أَتَزَوَّجُك وَأَنْتَ تَعْبُدُ خَشَبَةً نَحَتَهَا عَبْدُ بَنِي فُلَانٍ؛ إنْ أَسْلَمْت تَزَوَّجْت بِك، قَالَ: فَأَسْلَمَ أَبُو طَلْحَةَ، فَتَزَوَّجَهَا عَلَى إسْلَامِهِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ذِكْرُ التَّعْلِيمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِذَلِكَ الرَّجُلِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «زَوَّجَ غُلَامًا عَلَى سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تَكُونُ بَعْدَك مَهْرًا» . رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالنِّجَادُ. (وَكَذَا) فِي الْحُكْمِ (لَوْ أَصْدَقَ كِتَابِيَّةً تَعْلِيمَ تَوْرَاةٍ أَوْ إنْجِيلٍ) لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ كَانَ الْمُصْدِقُ كِتَابِيًّا (لِأَنَّهُ) أَيْ: الْمَذْكُورَ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَنْسُوخٌ (مُبَدَّلٌ مُحَرَّمٌ) فَهُوَ كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا مُحَرَّمًا، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. (وَمَنْ تَزَوَّجَ أَوْ خَالَعَ نِسَاءً) وَكَانَ تَزَوُّجُهُ لَهُنَّ (بِمَهْرٍ) وَاحِدٍ (أَوْ) كَانَ خُلْعُهُ لَهُنَّ عَلَى (عِوَضٍ وَاحِدٍ) وَلَمْ يَقُلْ: بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ (صَحَّ) لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي الْجُمْلَةِ مَعْلُومٌ، فَلَمْ تُؤَثِّرْ جَهَالَةُ تَفْصِيلِهِ، كَشِرَاءِ أَرْبَعَةِ أَعْبُدٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ (وَقَسَّمَ) الْمَهْرَ فِي التَّزْوِيجِ وَالْعِوَضَ فِي الْخُلْعِ (بَيْنَهُنَّ) أَيْ الزَّوْجَاتِ أَوْ الْمُخْتَلِعَاتِ (عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهِنَّ) ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ؛ وَجَبَ تَقْسِيطُ الْعِوَضِ بَيْنَهُمَا بِالْقِيمَةِ، كَمَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا. (وَلَوْ قَالَ) مُتَزَوِّجٌ: تَزَوَّجْتهنَّ عَلَى أَلْفٍ (بَيْنَهُنَّ) أَوْ قَالَ مُخَالِعٌ: خَالِعَتهنَّ عَلَى أَلْفٍ بَيْنَهُنَّ، فَقَبِلْنَ (فَ) الْأَلْفُ يَنْقَسِمُ (عَلَى عَدَدِهِنَّ) أَيْ: الزَّوْجَاتِ أَوْ الْمُخْتَلِعَاتِ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَيْهِنَّ إضَافَةً وَاحِدَةً (وَ) إنْ قَالَ: (زَوَّجْتُك بِنْتِي، وَبِعْتُك دَارِي بِأَلْفٍ صَحَّ وَقُسِّطَ عَلَى قَدْرِ مَهْرِ) الْمِثْلِ (وَقِيمَةُ) الدَّارِ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا؛ فَيُقَسِّطُ الْعِوَضَ عَلَى حَسَبِهِمَا (وَ) إنْ قَالَ: (زَوَّجْتُكهَا) أَيْ: بِنْتِي (وَاشْتَرَيْت) مِنْك (عَبْدَك) هَذَا (بِأَلْفٍ فَقَبِلَ) النِّكَاحَ، وَقَالَ: بِعْتُك (صَحَّ، وَقَسَّطَ الْأَلْفَ) عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا. وَقِيمَةُ الْعَبْدِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 [فَصْلٌ شُرِطَ عِلْمُ الصَّدَاقِ] فَصْلٌ (وَشُرِطَ عِلْمُ الصَّدَاقِ) كَالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمَعْلُومِ مَجْهُولٌ لَا يَصِحُّ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ كَالْمُحَرَّمِ (فَلَوْ أَصْدَقَهَا دَارًا) غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ (أَوْ) أَصْدَقَهَا (دَابَّةً) مُبْهَمَةً (أَوْ) أَصْدَقَهَا (ثَوْبًا) مُطْلَقًا (أَوْ) أَصْدَقَهَا (عَبْدًا مُطْلَقًا أَوْ) أَصْدَقَهَا (رَدَّ عَبْدِهَا أَيْنَ كَانَ، أَوْ) أَصْدَقَهَا (خِدْمَتَهَا) أَيْ: أَنْ يَخْدُمَهَا (مُدَّةً فِيمَا شَاءَتْ أَوْ) أَصْدَقَهَا مَعْدُومًا نَحْوَ (مَا تُثْمِرُ شَجَرَتُهُ) فِي هَذَا الْعَامِ أَوْ مُطْلَقًا (أَوْ) أَصْدَقَهَا (مَا تَحْمِلُ أَمَتُهُ أَوْ) أَصْدَقَهَا (مَتَاعَ بَيْتِهِ أَوْ) مَا فِي بَيْتِهِ مِنْ مَتَاعٍ، وَلَمْ تَعْلَمْهُ (أَوْ) تَزَوَّجَهَا (عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهَا لَمْ يَصِحَّ) الْإِصْدَاقُ، أَيْ: التَّسْمِيَةُ لِجَهَالَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَدْرًا وَصِفَةً، وَالْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ فِيهَا كَثِيرٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُحْتَمَلُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ، إذْ لَا أَصْلَ يُرْجَعُ إلَيْهِ لَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ (وَكَذَا) كُلُّ مَا هُوَ مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَالْحُصُولِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا لَوْ أَصْدَقَهَا (عَلَى مَا يَرْضَاهُ فُلَانٌ أَوْ) أَصْدَقَهَا (مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَطَيْرٍ بِهَوَاءٍ وَسَمَكٍ بِمَاءٍ أَوْ) أَصْدَقَهَا (مَا لَا يُتَمَوَّلُ عَادَةً كَقِشْرِ جَوْزَةٍ وَحَبَّةِ بُرٍّ) لَمْ يَصِحَّ الْإِصْدَاقُ لِلْجَهَالَةِ أَوْ الْغَرَرِ أَوْ عَدَمِ التَّمَوُّلِ. (وَشَرَطَ جَمْعٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْخِرَقِيِّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ (أَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ: الصَّدَاقِ (نِصْفٌ يَتَمَوَّلُ عَادَةً، وَيَبْذُلُ الْعِوَضَ فِي مِثْلِهِ عُرْفًا) لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَعْرِضُ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا يَبْقَى لِلْمَرْأَةِ إلَّا نِصْفَهُ، فَيَجِبُ أَنْ يَبْقَى لَهَا مَالٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ هَذَا الشَّرْطُ، وَكَذَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ حَتَّى بَالَغَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي ضِمْنِ كَلَامٍ لَهُ، فَجَوَّزَ الصَّدَاقَ بِالْحَبَّةِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي يُنْبَذُ مِثْلُهَا، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ هُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ قَلَّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 (وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا تَصِحُّ) فِيهِ (التَّسْمِيَةُ أَوْ خَلَا الْعَقْدُ بِهِ) أَيْ: عَقْدُ النِّكَاحِ (عَنْ ذِكْرِهِ) أَيْ: الصَّدَاقِ، وَهُوَ تَفْوِيضُ الْبُضْعِ (يَجِبُ) لِلْمَرْأَةِ (مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُسَلَّمُ إلَّا بِبَدَلٍ، وَلَمْ يُسَلَّمْ الْبَدَلُ، وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْعِوَضِ، فَوَجَبَ بَدَلُهُ كَبَيْعِهِ سِلْعَةً بِخَمْرٍ، فَتَلِفَ عِنْدَ مُشْتَرٍ. (وَلَا يَضُرُّ جَهْلٌ يَسِيرٌ) فِي صَدَاقٍ (فَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ) صَحَّ (أَوْ) أَصْدَقَهَا (دَابَّةً مِنْ دَوَابِّهِ بِشَرْطِ بَيَانِ النَّوْعِ كَفَرَسٍ مِنْ خَيْلِهِ) أَوْ جَمَلٍ مِنْ جِمَالِهِ أَوْ حِمَارٍ مِنْ حَمِيرِهِ أَوْ بَقَرَةٍ مِنْ بَقَرِهِ؛ صَحَّ (أَوْ) أَصْدَقَهَا (قَمِيصًا مِنْ قُمْصَانِهِ وَنَحْوِهِ) كَخَاتَمٍ مِنْ خَوَاتِمِهِ (صَحَّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ يَسِيرَةٌ (وَلَهَا أَحَدُهُمْ بِقُرْعَةٍ) نَصًّا نَقَلَهُ مُهَنَّا، لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ صَدَاقُهَا اسْتَحَقَّتْ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَوَجَبَتْ الْقُرْعَةُ؛ لِنُمَيِّزَهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ. (وَ) لَوْ أَصْدَقَهَا (قِنْطَارًا مِنْ زَيْتٍ وَقَفِيزًا مِنْ حِنْطَةٍ وَنَحْوَهُ) كَقِنْطَارٍ مِنْ سَمْنٍ أَوْ قَفِيزٍ مِنْ شَعِيرٍ (صَحَّ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَهَا الْوَسَطُ) ؛ لِأَنَّهُ الْعَدْلُ (وَلَا يَضُرُّ غَرَرٌ يُرْجَى فِيهِ زَوَالُهُ) فِي صَدَاقٍ (فَيَصِحُّ) أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (عَلَى) رَقِيقٍ (مُعَيَّنٍ آبِقٍ) يُحَصِّلُهُ لَهَا (أَوْ) عَلَى شَيْءٍ يَصِحُّ كَوْنُهُ صَدَاقًا (مُغْتَصَبٍ يُحَصِّلُهُ) لَهَا (فَلَوْ فَاتَ) وَلَمْ يُحَصِّلْ فَعَلَيْهِ (قِيمَتُهُ وَ) عَلَى (مَبِيعٍ اشْتَرَاهُ) وَلَوْ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ ذَرْعٍ (وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَ) عَلَى (عَبْدٍ) وَنَحْوِهِ (مَوْصُوفٍ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ يَزُولُ بِتَحْصِيلِ الْآبِقِ وَالْمُغْتَصَبِ وَاسْتِيفَاءِ مُسْلِمٍ فِيهِ وَتَسْلِيمِ مَبِيعٍ وَتَحْصِيلِ مَوْصُوفٍ، وَاحْتِمَالُ الْغَرَرِ فِيمَا ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ احْتِمَالِ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِيهِمَا أَحَدُ رُكْنَيْ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ (فَلَوْ جَاءَهَا) الزَّوْجُ (بِقِيمَتِهِ) لَمْ يَلْزَمْ قَبُولُهَا (أَوْ خَالَعَتْهُ) الزَّوْجَةُ (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: نَحْوَ عَبْدٍ مَوْصُوفٍ (فَجَاءَتْهُ بِهِ) أَيْ: بِقِيمَةِ الْمَوْصُوفِ الَّذِي خَالَعَتْهُ عَلَيْهِ (لَمْ يَلْزَمْ قَبُولُهَا) أَيْ: الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ عَمَّا لَمْ يَتَعَذَّرْ تَسْلِيمُهُ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 (وَ) يَصِحُّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (عَلَى شِرَائِهِ لَهَا عَبْدَ زَيْدٍ) ، لِأَنَّهُ غَرَرٌ يَسِيرٌ، (فَ) إنْ (تَعَذَّرَ شِرَاؤُهُ بِقِيمَتِهِ؛ فَلَهَا قِيمَتُهُ) لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ فَاسْتَحَقَّ (وَ) إنْ تَزَوَّجَهَا (عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ، أَوْ) تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ (أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا، وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ، أَوْ أَخْرَجَهَا) مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا (وَنَحْوِهِ) كَأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ سُرِّيَّةٌ، وَأَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ (صَحَّ) ، ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خُلُوَّ الْمَرْأَةِ مِنْ ضَرَّةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ تُغَايِرُهَا أَوْ تُضَيِّقُ عَلَيْهَا مِنْ أَكْبَرِ أَغْرَاضِهَا الْمَقْصُودَةِ، وَكَذَا بَقَاؤُهَا بِدَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا بَيْنَ أَهْلِهَا أَوْ فِي وَطَنِهَا، وَلِذَلِكَ تُخَفِّفُ صَدَاقَهَا؛ لِتَحْصِيلِ غَرَضِهَا وَتُغَلِّيهِ عِنْدَ فَوَاتِهِ. وَ (لَا) يَصِحُّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَ أَبُوهَا حَيًّا وَأَلْفَيْنِ إنْ كَانَ) أَبُوهَا (مَيِّتًا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي مَوْتِ أَبِيهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَرُبَّمَا كَانَ حَالُ الْأَبِ غَيْرَ مَعْلُومٍ؛ فَيَكُونُ الصَّدَاقُ مَجْهُولًا. (وَإِنْ أَصْدَقَهَا عِتْقَ قِنِّهِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ. وَ (لَا) يَصِحُّ أَنْ يُصْدِقَهَا (طَلَاقَ زَوْجَتِهِ أَوْ) أَنْ يُصْدِقَهَا (جُعْلَهُ) أَيْ: طَلَاقَ ضَرَّتِهَا (لَهَا إلَى مُدَّةٍ) وَلَوْ مَعْلُومَةً؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى» وَلِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ الزَّوْجِ لَيْسَ بِتَمَوُّلٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا نَحْوَ خَمْرٍ (وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ. (وَمَنْ قَالَ لِسَيِّدَتِهِ: أَعْتِقِينِي عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَك، فَأَعْتَقَتْهُ) عَلَى ذَلِكَ؛ عَتَقَ مَجَّانًا (أَوْ قَالَتْ) لَهُ سَيِّدَتُهُ (ابْتِدَاءً: أُعْتِقُك عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَنِي؛ عَتَقَ مَجَّانًا) فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ شَرْطًا هُوَ حَقٌّ لَهُ؛ فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَمَا لَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ تَهَبَهُ دَنَانِيرَ، فَيَقْبَلَهَا، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الرَّجُلِ لَا عِوَضَ لَهُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ. (وَ) مَنْ قَالَ لِآخَرَ (أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك بِنْتِي) فَأَعْتَقَ سَيِّدُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ (لَزِمَتْهُ) أَيْ: الْقَائِلَ (قِيمَتُهُ) لِمُعْتَقِهِ (بِعِتْقِهِ) وَلَمْ يَلْزَمْ الْقَائِلَ تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ لِمُعْتِقِ عَبْدِهِ؛ كَقَوْلِهِ لِآخَرَ (أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَنْ أَبِيعَك عَبْدِي) فَفَعَلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 فَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ بِعِتْقِهِ، لَا أَنْ يَبِيعَهُ عَبْدَهُ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهَا؛ صَحَّ نَصًّا فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ؛ فَلَهَا قِيمَتُهُ، وَإِنْ جَاءَهَا بِالْقِيمَةِ مَعَ إمْكَانِ شِرَائِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَيْهَا الْغَرَضَ فِي عِتْقِ أَبِيهَا. (وَمَا سُمِّيَ فِي الْعَقْدِ) مِنْ صَدَاقٍ مُؤَجَّلًا (أَوْ فُرِضَ) بَعْدَ الْعَقْدِ لِمَنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا صَدَاقٌ (مُؤَجَّلًا وَلَمْ يَذْكُرْ مَحَلَّهُ) بِأَنْ قَبِلَ عَلَى كَذَا مُؤَجَّلًا (صَحَّ وَمَحَلُّهُ الْفُرْقَةُ الْبَائِنَةُ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ فِي الصَّدَاقِ الْمُؤَجَّلِ تَرْكُ الْمُطَالَبَةِ بِهِ إلَى الْمَوْتِ أَوْ الْبَيْنُونَةِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مَعْلُومًا بِذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ جَعْلُ بَعْضِهِ حَالًّا، وَبَعْضِهِ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ أَوْ الْفِرَاقِ كَمَا هُوَ مُعْتَادٌ الْآنَ، بِخِلَافِ الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ كَقُدُومِ زَيْدٍ، فَلَا يَصِحُّ؛ لِجَهَالَتِهِ، وَأَمَّا الْمُطْلَقُ فَإِنَّ أَجَلَهُ الْفُرْقَةُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَقَدْ صَرَفَهُ هُنَا عَنْ الْعَادَةِ ذِكْرُ الْأَجَلِ: وَلَمْ يُبَيِّنْهُ؛ فَبَقِيَ مَجْهُولًا (فَلَا يَحِلُّ مَهْرُ رَجْعِيَّةٍ إلَّا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) قَالَ أَحْمَدُ: إذَا تَزَوَّجَ عَلَى الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةٍ (وَإِنْ أَجَّلَ) الصَّدَاقَ (إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ أَوْ) أَجَّلَ (إلَى أَوْقَاتِ، كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ إلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ صَحَّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فِي مُعَاوَضَةٍ، فَجَازَ فِيهِ ذَلِكَ كَالثَّمَنِ. (وَهُوَ إلَى أَجَلِهِ) سَوَاءٌ فَارَقَهَا أَوْ أَبْقَاهَا، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمُؤَجَّلَةِ. [فَصْلٌ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَالٍ مَغْصُوبٍ تَعْلَمُهُ هِيَ أَيْ الزَّوْجَةُ] فَصْلٌ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَالٍ مَغْصُوبٍ تَعْلَمُهُ هِيَ، أَيْ: الزَّوْجَةُ؛ صَحَّ) النِّكَاحُ نَصًّا وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَفْسُدُ بِجَهَالَةِ الْعِوَضِ، فَلَا يَفْسُدُ بِتَحْرِيمِهِ كَالْخُلْعِ، وَلِأَنَّ فَسَادَ الْعِوَضِ لَا يَزِيدُ عَلَى عَدَمِهِ، وَلَوْ عُدِمَ كَانَ النِّكَاحُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 صَحِيحًا، فَكَذَا إذَا فَسَدَ (وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْعِوَضِ يَقْتَضِي رَدَّ عِوَضِهِ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلِأَنَّ مَا يُضْمَنُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَالْبَيْعِ، كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ فَاسِدٍ فَقَبَضَ الْمَبِيعَ، وَتَلِفَ فِي يَدِهِ؛ (وَ) إنْ تَزَوَّجَهَا (عَلَى عَبْدٍ لَا تَعْلَمُهُ) حُرًّا بِأَنْ ظَنَّتْهُ مَمْلُوكًا لَهُ (فَخَرَجَ) الْعَبْدُ (حُرًّا) فَلَهَا قِيمَتُهُ أَوْ خَرَجَ (مَغْصُوبًا، فَلَهَا قِيمَتُهُ) وَيُقَدِّرُ حُرٌّ عَبْدًا (يَوْمَ عَقْدٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى التَّسْمِيَةِ، فَكَانَ لَهَا قِيمَتُهُ، وَلِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِقِيمَتِهِ بِمَا سُمِّيَ لَهَا، وَتَسْلِيمُهُ مُمْتَنِعٌ، لِكَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِجَعْلِهِ صَدَاقًا، فَوَجَبَ الِانْتِقَالُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ، وَلَا تَسْتَحِقُّ مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِعَدَمِ رِضَاهَا بِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَصَدَقْتُك هَذَا الْحُرَّ أَوْ الْمَغْصُوبَ؛ فَإِنَّهُ كَرِضَاهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ إذَا رَضِيَتْ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ، أَوْ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِهِ لَهَا، فَوُجُودُ التَّسْمِيَةِ كَعَدَمِهَا، فَكَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَسَوَاءٌ سَلَّمَهُ لَهَا أَوْ لَمْ يُسَلِّمْهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا لَيْسَ لَهُ تَسْلِيمُهُ؛ فَهُوَ كَعَدَمِهِ. (وَ) إنْ تَزَوَّجَهَا (عَلَى عَصِيرٍ فَبَانَ خَمْرًا) أَوْ خَرَجَ الْعَصِيرُ مَغْصُوبًا فَلَهَا (مِثْلُ الْعَصِيرِ) ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِهِ عَصِيرًا وَقَدْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ فَوَجَبَ مِثْلُهُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْخَمْرِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى عَصِيرٍ أَوْ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ هَذَا وَأَشَارَ إلَى عَبْدِهِ؛ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ، وَلَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ أَقْوَى مِنْ التَّسْمِيَةِ، فَقُدِّمَ عَلَيْهَا (وَلَهَا فِي اثْنَيْنِ) أَصْدَقَهَا إيَّاهُمَا إمَّا مِنْ عَبْدَيْنِ أَوْ أَمَتَيْنِ أَوْ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بَانَ (أَحَدُهُمَا حُرًّا) : الرَّقِيقُ (الْآخَرُ وَقِيمَةُ الْحُرِّ) أَيْ: الَّذِي خَرَجَ حُرًّا نَصًّا، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا مَغْصُوبًا، لِأَنَّهُ الَّذِي تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ، وَالْأَوَّلُ لَا مَانِعَ مِنْهُ (وَتُخَيَّرُ) زَوْجَةٌ (فِي عَيْنٍ) جُعِلَتْ لَهَا صَدَاقًا كَدَارٍ وَعَبْدٍ (بَانَ جُزْءٌ مِنْهَا) أَيْ: الْعَيْنِ (مُسْتَحَقًّا) : بَيْنَ أَخْذِ قِيمَةِ الْعَيْنِ كُلِّهَا أَوْ أَخْذِ الْجُزْءِ غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ، وَقِيمَةِ الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ، فَكَانَ لَهَا الْفَسْخُ بِهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْعُيُوبِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 (أَوْ) أَيْ: وَلِلزَّوْجَةِ الْخِيَارُ فِي عَيْنٍ (ذَرَعَهَا، فَبَانَتْ أَقَلَّ) مِمَّا عَيَّنَ، كَأَنْ عَيَّنَهَا عَشَرَةً، فَبَانَتْ تِسْعَةً (بَيْنَ أَخْذِهِ) أَيْ: الْمَذْرُوعِ (وَ) أَخْذِ (قِيمَةِ مَا نَقَصَ) مِنْهُ مِنْ ذَرْعِهِ، (أَوْ) بَيْنَ الرَّدِّ وَأَخْذِ (قِيمَةِ الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الْمَذْرُوعِ لِعَيْبِهِ بِالنَّقْصِ. (وَ) إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مُعَيَّنٍ، وَشَرَطَ فِيهِ صِفَاتٍ، فَبَانَ (نَاقِصًا صِفَةً شَرَطَتْهَا، أَوْ) بَانَ الْعَبْدُ (مَعِيبًا) فَإِنَّهَا (تُخَيَّرُ بَيْنَ إمْسَاكِ) الْعَبْدِ (وَأَرْشِ) فَقْدِ الصِّفَةِ (أَوْ رَدَّهُ وَأَخَذَ بَدَلَهُ وَمَا) كَانَ مَوْصُوفًا (فِي الذِّمَّةِ) إنْ نَقَصَ بَعْضَ الصِّفَاتِ (يَجِبُ) لَهَا (بَدَلُهُ) فَقَطْ، وَ (لَا) يَلْزَمُهُ لَهَا (أَرْشُهُ) مَعَ إمْسَاكِهِ. (وَيَصِحُّ) أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ (عَلَى أَلْفٍ لَهَا وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا، أَوْ) عَلَى أَنْ (الْكُلَّ) أَيْ: كُلَّ الصَّدَاقِ (لَهُ) أَيْ: لِأَبِيهَا (إنْ صَحَّ تَمَلُّكُهُ) مِنْ مَالِهَا (وَلَمْ يَضُرَّهَا) تَمَلُّكُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الْهِبَةِ، فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْأَبِ الصَّدَاقَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] فَجَعَلَ الصَّدَاقَ الْإِجَارَةَ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمِهِ، وَهُوَ شَرْطٌ لِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّ لِلْوَالِدِ أَخْذُ مَا شَاءَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ بِدَلِيلِهِ فِي الْهِبَةِ، فَإِذَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ الصَّدَاقَ أَوْ بَعْضَهُ، كَانَ أَخْذًا مِنْ مَالِ ابْنَتِهِ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ لَمَّا زَوَّجَ ابْنَتَهُ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ عَشَرَةَ آلَافٍ، فَجَعَلَهَا فِي الْحَجِّ وَالْمَسَاكِينِ، ثُمَّ قَالَ لِلزَّوْجِ جَهِّزْ امْرَأَتَك. وَرُوِيَ وَنَحْوُهُ عَنْ الْحُسَيْنِ. (وَإِلَّا) يَكُنْ الْأَبُ مِمَّنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ كَكَوْنِهِ بِمَرَضِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا الْمَخُوفِ، أَوْ لِيُعْطِيَهُ لِوَلَدٍ آخَرَ (فَالْكُلُّ) أَيْ الصَّدَاقُ (لَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (كَشَرْطِ ذَلِكَ) أَيْ: الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضِهِ (لِغَيْرِ الْأَبِ) كَجَدِّهَا أَوْ أَخِيهَا فَيَبْطُلُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 الشَّرْطُ نَصًّا، وَلَهَا الْمُسَمَّى جَمِيعُهُ؛ لِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا اشْتَرَطَ عِوَضٌ فِي تَزْوِيجِهَا، فَكَانَ صَدَاقًا لَهَا كَمَا لَوْ جَعَلَهُ لَهَا، فَتَنْتَفِي الْجَهَالَةُ. (وَيَمْلِكُ أَبٌ مَا شُرِطَ لَهُ) إنْ كَانَ (مُعَيَّنًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَهِيَ) كَمَا تَمْلِكُ هِيَ حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَرِثَ عَنْهُ، لَكِنْ يُقَدَّرُ فِيهِ الِانْتِقَالُ إلَى الزَّوْجَةِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَيْهِ، كَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنْ كَفَّارَتِي، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي " عُمُدِ الْأَدِلَّةِ " (وَيَرْجِعُ) زَوْجٌ (إنْ فَارَقَ) أَيْ: طَلَّقَ وَنَحْوَهُ (قَبْلَ دُخُولٍ فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى) وَهِيَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا (بِأَلْفٍ) عَلَيْهَا دُونَ أَبِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ مَالِ ابْنَتِهِ أَلْفًا، فَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَيْهِ، (وَ) يَرْجِعُ إنْ فَارَقَ قَبْلَ دُخُولٍ (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهِيَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ كُلَّهُ لِأَبِيهَا (بِنِصْفِهِ) عَلَيْهَا (وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ إنْ قَبَضَهُ بِنِيَّةِ التَّمَلُّكِ) لِأَنَّنَا قَدَّرْنَا أَنَّ الْجَمِيعَ صَارَ لَهَا، ثُمَّ أَخَذَهُ الْأَبُ مِنْهَا، فَصَارَ كَأَنَّهَا قَبَضَتْهُ ثُمَّ أَخَذَهُ الْأَبُ مِنْهَا؛ هَذَا فِيمَا إذَا فَارَقَ بَعْدَ قَبْضِ الصَّدَاقِ، وَأَمَّا إذَا فَارَقَ الزَّوْجُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ، فَالْأَبُ يَأْخُذُ مِمَّا تَقْبِضُهُ مِنْ الْبَاقِي مَا شَاءَ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ كَسَائِرِ مَالِهَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ بِالشَّرْطِ، بَلْ بِالْقَبْضِ مَعَ النِّيَّةِ؛ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَشْرُوطُ مُعَيَّنًا؛ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 [فَصْلٌ وَلِأَبٍ تَزْوِيجُ بِكْرٍ وَثَيِّبٍ بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا] ) وَلَوْ كَبِيرَةً (وَإِنْ كَرِهَتْ) نَصًّا، لِأَنَّ عُمَرَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: أَلَا لَا تُغَالُوا فِي صَدَاقِ النِّسَاءِ، فَمَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أَحَدًا مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ اتِّفَاقًا مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ دُونَ صَدَاقِ الْمِثْلِ. وَزَوَّجَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ابْنَتَهُ بِدِرْهَمَيْنِ، وَهُوَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ نَسَبًا وَعِلْمًا وَدِينًا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمَا لَيْسَا مَهْرَ مِثْلِهَا، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْعِوَضَ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ السَّكَنُ وَالِازْدِوَاجُ، وَوَضْعُ الْمَرْأَةِ فِي مَنْصِبٍ عِنْدَ مَنْ يَكْفُلُهَا وَيَصُونُهَا، وَالظَّاهِرُ مِنْ الْأَبِ مَعَ تَمَامِ شَفَقَتِهِ وَحُسْنِ نَظَرِهِ أَنَّهُ لَا يُنْقِصُهَا مِنْ الصَّدَاقِ إلَّا لِتَحْصِيلِ الْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ؛ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ بِخِلَافِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْعِوَضُ. لَا يُقَالُ: كَيْف يَمْلِكُ الْأَبُ تَزْوِيجَ الْكَبِيرَةِ بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّهُ يَتَصَوَّرُ أَنْ تَأْذَنَ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ دُونَ قَدْرِ الْمَهْرِ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ بِنْتِهِ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا (مَا لَمْ يَضُرَّهَا) بِتَقْلِيلِ الْمَهْرِ، خُصُوصًا إذَا كَانَتْ مِنْ بَيْتٍ مَعْرُوفٍ بِالتَّبَسُّطِ وَالتَّوَسُّعِ بِالْجِهَازِ الْفَاخِرِ، فَإِذَا زَوَّجَهَا بِمَهْرٍ يَسِيرٍ لَا يَسَعُ جِهَازَ مِثْلِهَا يَحْصُلُ لَهَا وَضْعُ مِقْدَارٍ عِنْدَ صَوَاحِبَاتِهَا فَيَنْصَدِعُ خَاطِرُهَا، وَرُبَّمَا اشْتَدَّ بِهَا الْحَنَقُ، فَوَقَعَتْ فِي هَفَوَاتٍ تَكُونُ سَبَبًا لِهَلَاكِهَا، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ تَعَمَّدَ الْأَبُ ضَرَرَهَا، كَانَ عَلَيْهِ تَتْمِيمُ الصَّدَاقِ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى قَوْلٍ، كَبَيْعِهِ بَعْضَ مَالِهَا بِدُونِ ثَمَنِهِ لِسُلْطَانٍ يَظُنُّ بِهِ حِفْظَ الْبَاقِي، ذَكَرَهُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 الِانْتِصَارِ " وَالْمَذْهَبُ لَيْسَ لِلزَّوْجَةِ إلَّا مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ (فَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا تَتِمَّتُهُ) أَيْ: مَهْرِ الْمِثْلِ إنْ زَوَّجَهَا الْأَبُ بِدُونِهِ، لَا الزَّوْجُ وَلَا الْأَبُ لِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ بِأَنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا (بِإِذْنِهَا) وَكَانَتْ حِينَ الْإِذْنِ (رَشِيدَةً، صَحَّ) وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، فَإِذَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِهِ سَقَطَ، كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي بَيْعِ سِلْعَتِهَا بِدُونِ قِيمَتِهَا (وَ) إنْ زَوَّجَهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ غَيْرِ الْأَبِ (بِدُونِهِ) أَيْ: إذْنِهَا؛ فَإِنَّهُ، (يَلْزَمُ زَوْجًا تَتِمَّتُهُ) أَيْ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَيَضْمَنُ) التَّتِمَّةَ (الْوَلِيُّ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ كَمَا لَوْ بَاعَ مَا لَهَا بِدُونِ قِيمَةِ قُدْرَتِهَا لَهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ إلَّا الْمُسَمَّى وَالْبَاقِي عَلَى الْوَلِيِّ كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْقَوَاعِدِ " وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ (وَيَضْمَنُ وَلِيٌّ) أَذِنَتْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِمَهْرٍ مُقَدَّرٍ (فَزَوَّجَهَا بِدُونِ مَا قَدَّرَتْهُ) مِنْ صَدَاقِ تَتِمَّةِ ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّعَهُ بِتَزْوِيجِهَا بِدُونِهِ، وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ. (وَيَتَّجِهُ:) ضَمَانُ الْوَلِيِّ نَقَصَ مَا قَدَّرَتْهُ لَهُ (زَائِدًا عَلَى مَهْرِهَا) كَمَا لَوْ كَانَ مَهْرُهَا مِائَةً، وَأَذِنَتْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِمِائَتَيْنِ، فَزَوَّجَهَا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، فَيَضْمَنُ الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُحَابٍ أَوْ مُفَرِّطٌ بِمَا وُكِّلَ فِيهِ، وَعَلَى كُلٍّ يَكُونُ ضَامِنًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا قَدَّرَتْهُ لَهُ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 (وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ) الْمَهْرِ (الْمُسَمَّى مِنْ) أَيْ: رَقِيقًا (يُعْتَقُ عَلَى زَوْجَةٍ لَهُ) كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ هُوَ أَبُوهَا وَنَحْوُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ الصَّدَاقِ عَلَيْهَا، إذْ لَوْ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ، لَمَلَكَتْ الْمُسَمَّى، وَلَوْ مَلَكَتْهُ لَعَتَقَ عَلَيْهَا (إلَّا) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (بِإِذْنِ) زَوْجَةٍ (رَشِيدَةٍ) فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا فَإِذَا رَضِيَتْ بِهِ، صَحَّ. (وَإِنْ زَوَّجَ) الْأَبُ (ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ صَحَّ) وَلَزِمَ الْمُسَمَّى الِابْنَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهُ، فَكَانَ بَدَلُهُ عَلَيْهِ كَالْمَبِيعِ، وَلِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ مَلْحُوظٌ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، فَكَمَا يَصِحُّ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِلْمَصْلَحَةِ فَكَذَا يَصِحُّ هُنَا تَحْصِيلًا لَهَا (وَلَا يَضْمَنُهُ) أَيْ الْمَهْرَ أَبٌ (مَعَ عُسْرَةِ ابْنٍ لِنِيَابَةِ الْأَبِ عَنْهُ فِي التَّزْوِيجِ) ، أَشْبَهَ الْوَكِيلَ فِي شِرَاءِ سِلْعَتِهِ (وَلَوْ قِيلَ لَهُ) أَيْ: الْأَبِ (ابْنُك فَقِيرٌ مِنْ أَيْنَ يُؤْخَذُ الصَّدَاقُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، لَزِمَهُ) الْمَهْرُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا. (وَإِنْ تَزَوَّجَ) امْرَأَةً (فَضَمِنَ أَبُوهُ أَوْ غَيْرُهُ نَفَقَتَهَا عَشْرَ سِنِينَ؛ صَحَّ) الضَّمَانُ (مُوسِرًا كَانَ الِابْنُ أَوْ مُعْسِرًا) لِأَنَّ ضَمَانَ مَا يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ صَحِيحٌ، وَهَذَا مِنْهُ (وَلَوْ قَضَاهُ) أَيْ: قَضَى الْأَبُ الصَّدَاقَ (عَنْ ابْنِهِ، ثُمَّ طَلَّقَ) الِابْنُ الزَّوْجَةَ (وَلَمْ يَدْخُلْ) بِهَا (وَلَوْ) كَانَ طَلَاقُهُ، (قَبْلَ بُلُوغِ) الزَّوْجِ (فَنِصْفُهُ) أَيْ الصَّدَاقِ الرَّاجِعِ بِالطَّلَاقِ، (لِلِابْنِ) دُونَ الْأَبِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ الِابْنِ وَهُوَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ، فَكَانَ لِمُتَعَاطِي سَبَبِهِ دُونَ غَيْرِهِ (وَلَوْ ارْتَدَّتْ) الزَّوْجَةُ (قَبْلَ دُخُولٍ) بِهَا (رَجَعَ) الصَّدَاقُ جَمِيعُهُ (لِلِابْنِ وَلَيْسَ لِلْأَبِ رُجُوعٌ فِيهِ) أَيْ: فِيمَا عَادَ إلَى الِابْنِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الرِّدَّةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الصَّدَاقِ (كَهِبَةٍ) أَيْ: بِمَعْنَى الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ (لِأَنَّ الِابْنَ مَلَكَهُ مِنْ) الزَّوْجَةِ، فَكَانَ مِلْكُهُ لَهُ مِنْ (غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ أَبِيهِ، وَلَهُ تَمَلُّكُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَمَلَّكُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ بِشَرْطِهِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الرَّاجِعَ لِلِابْنِ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ زَوَّجَهُ؛ لِوُجُوبِ الْإِعْفَافِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْأَبِ. (وَلِأَبٍ وَوَلِيٍّ قَبْضُ صَدَاقِ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا) لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ؛ لِأَنَّهُ يَلِي مَالَهَا، فَكَانَ لَهُ قَبْضُهُ، كَثَمَنِ مَبِيعٍ، وَ (لَا) يَقْبِضُ أَبٌ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى مِنْ صَدَاقِ مُكَلَّفَةٍ (رَشِيدَةٍ، وَلَوْ بِكْرًا إلَّا بِإِذْنِهَا) ؛ لِأَنَّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 الْمُتَصَرِّفَةُ فِي مَالِهَا، فَاعْتُبِرَ إذْنُهَا فِي قَبْضِهِ كَثَمَنِ مَبِيعِهَا (فَإِنْ سَلَّمَهُ أَيْ: الصَّدَاقَ) (زَوْجُ) رَشِيدَةٍ لَهُ أَيْ: (لِلْأَبِ) بِغَيْرِ إذْنِهَا (لَمْ يَبْرَأْ) الزَّوْجُ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ (فَتَرْجِعُ) هِيَ (عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ وَ) يَرْجِعُ (هُوَ عَلَى الْأَبِ) بِمَا غَرِمَهُ. [فَصْلٌ تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ] فَصْلٌ (وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) صَحَّ نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ، فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ سَقَطَ بِغَيْرِ خِلَافٍ. (وَلَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ وَلَوْ أَمْكَنَهُ) نِكَاحُ (حُرَّةٍ) لِأَنَّهَا تُسَاوِيهِ (وَمَتَى أَذِنَ لَهُ) سَيِّدُهُ فِي نِكَاحٍ (وَأَطْلَقَ نِكَاحَ وَاحِدَةٍ فَقَطْ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْإِطْلَاقِ. (وَيَتَّجِهُ فَلَوْ نَكَحَ) الْعَبْدُ مَعَ الْإِذْنِ الْمُطْلَقِ مِنْ سَيِّدِهِ الْقَائِلِ لَهُ: تَزَوَّجْ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَاحِدَةٍ وَلَا أَكْثَرَ (ثِنْتَيْنِ مَعًا) أَيْ: بِإِيجَابٍ وَاحِدٍ مِنْ وَلِيَّيْنِ أَوْ وَلِيٍّ وَاحِدٍ عَلَى نَحْوِ بِنْتِهِ وَبِنْتِ أَخِيهِ، وَقَبِلَ نِكَاحَهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ (بَطَلَ) النِّكَاحُ (فِيهِمَا) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ نَحْوَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَبَطَلَ فِيهِمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَتَعَلَّقُ صَدَاقٌ وَنَفَقَةٌ وَكِسْوَةٌ وَمَسْكَنٌ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ) نَصًّا، سَوَاءٌ ضَمِنَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ بِرِضَى سَيِّدِهِ، فَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ كَالدَّيْنِ، فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى السَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْفَسْخُ؛ لِعَدَمِ كَسْبِ الْعَبْدِ، وَلِلسَّيِّدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 اسْتِخْدَامُهُ، وَمَنْعُهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ، فَإِنْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ أَوْ أَعْتَقَهُ؛ لَمْ يَسْقُطْ الصَّدَاقُ عَنْهُ كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ. (وَ) يَتَعَلَّقُ (زَائِدٌ عَلَى مَهْرِ مِثْلٍ لَمْ يُؤْذَنْ) لِلْعَبْدِ (فِيهِ) مِنْ قِبَلِ سَيِّدِهِ بِرَقَبَتِهِ (أَوْ) أَيْ وَيَتَعَلَّقُ زَائِدًا (عَلَى مَا سُمِّيَ لَهُ بِرَقَبَتِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ. (وَ) إنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ (بِلَا إذْنِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ (فَلَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ نَصًّا، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَالْعَهْرُ دَلِيلُ بُطْلَانِ النِّكَاحِ؛ إذْ لَا يَكُونُ عَاهِرًا مَعَ صِحَّتِهِ. تَنْبِيهٌ: إذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا؛ فَلَهُ ارْتِجَاعُهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ، لَا ابْتِدَاءٌ لَهُ، وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا، فَلَا يَمْلِكُ إعَادَتُهَا، إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ الْبَائِنِ لَا تَكُونُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ (وَلَوْ) كَانَ (مُبَعَّضًا) ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ لَمْ تَتَمَحَّضْ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَكَذَا لَوْ عَيَّنَ لَهُ) سَيِّدُهُ (امْرَأَةً) أَذِنَ لَهُ فِي نِكَاحِهَا (أَوْ) عَيَّنَ لَهُ (بَلَدًا) أَذِنَ لَهُ فِي التَّزَوُّجِ مِنْهَا، أَوْ مِنْ جِنْسٍ مُعَيَّنٍ (فَخَالَفَ) الْعَبْدُ، وَنَكَحَ غَيْرَ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ؛ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ؛ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ (وَيَجِبُ فِي رَقَبَتِهِ بِوَطْئِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ فِي نِكَاحٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ سَيِّدُهُ (مَهْرُ الْمِثْلِ) كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ الْبُضْعِ الَّذِي أَتْلَفَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، وَحَيْثُ تَعَلَّقَ الْمَهْرُ بِرَقَبَتِهِ (فَيَفْدِيهِ سَيِّدُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمَهْرٍ) وَاجِبٍ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ أُجْرِيَ مَجْرَى الْجِنَايَةِ (وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 الْعَبْدُ (بِإِذْنِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ بِأَنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَأَطْلَقَ، بِأَنْ لَمْ يَقُلْ: صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا (فَنَكَحَ) نِكَاحًا (فَاسِدًا) فَكَنِكَاحٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَحَصَلَتْ إصَابَةٌ، فَالْمَهْرُ عَلَى السَّيِّدِ كَإِذْنِهِ لَهُ فِي الْجِنَايَةِ. (وَمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ، لَزِمَهُ) أَيْ: الْعَبْدَ (مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَوْ مَعَ تَسْمِيَتِهِ) فَتَلْغُو التَّسْمِيَةُ، وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، خِلَافًا لِشَارِحِ " الْوَجِيزِ "، وَحَيْثُ لَزِمَهُ، ذَلِكَ فَإِنَّهُ (يُتْبَعُ) أَيْ: يَتْبَعُهُ سَيِّدُهُ (بِهِ) أَيْ: الْمَهْرِ (بَعْدَ عِتْقٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إتْلَافُ بُضْعٍ يَخْتَصُّ بِهِ الْعَبْدُ، فَلَزِمَهُ عِوَضُهُ فِي ذِمَّتِهِ. (وَإِنْ زَوَّجَهُ سَيِّدُهُ حُرَّةً) (ثُمَّ بَاعَهُ لَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ (بِثَمَنٍ فِي ذِمَّةٍ) أَيْ: ذِمَّةِ زَوْجَةِ الْعَبْدِ (مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ) الَّذِي أَصْدَقَهُ إيَّاهَا (تَقَاصَّا بِشَرْطِهِ) بِأَنْ يَتَّحِدَ الدَّيْنَانِ جِنْسًا وَحُلُولًا أَوْ تَأْجِيلًا أَجَلًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهَا الثَّمَنُ، وَثَبَتَ لَهَا عَلَى السَّيِّدِ الْمَهْرُ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ، فَإِنْ اتَّحَدَ قَدْرُهُمَا سَقَطَ، وَإِلَّا سَقَطَ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَلِرَبِّ الزَّائِدِ الطَّلَبُ بِالزِّيَادَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَبَاعَهَا الْعَبْدُ بِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ لِمِلْكِهَا زَوْجَهَا (وَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ: الْعَبْدَ (لَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ الْعَبْدِ الْحُرَّةِ (بِمَهْرِهَا؛ صَحَّ) الْبَيْعُ (قَبْلَ دُخُولٍ وَبَعْدَهُ) لِأَنَّ الْمَهْرَ مَالٌ يَصِحُّ جَعْلُهُ ثَمَنًا لِغَيْرِ هَذَا الْعَبْدِ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ (وَيَرْجِعُ سَيِّدٌ) بَاعَ الْعَبْدَ لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ (فِي فُرْقَةٍ قَبْلَ دُخُولٍ بِنِصْفِهِ) أَيْ: الْمَهْرِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا تَمَّ بِالسَّيِّدِ الْقَائِمِ مَقَامَ الزَّوْجِ، فَلَمْ يَتَمَحَّضْ بِسَبَبِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا الْعَبْدُ وَنَحْوُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَانَتْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ؛ رَجَعَ عَلَيْهَا سَيِّدُهُ بِنِصْفِهِ (وَلَوْ جَعَلَ) السَّيِّدُ (الْعَبْدَ مَهْرَهَا بَطَلَ الْعَقْدُ بِهِ) لِمِلْكِهَا زَوْجَهَا وَالنِّكَاحُ لَا يُجَامِعُ الْمِلْكَ كَمَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ، وَأَصْدَقَ عَنْهُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى الِابْنِ لَوْ مَلَكَهُ كَأَخِيهِ لِأُمِّهِ (لِأَنَّا نُقَدِّرُهُ) أَيْ: الْمِلْكَ فِي الْمَهْرِ (لِلِابْنِ) قَبْلَ الزَّوْجَةِ (ثُمَّ) يَصِيرُ (لِلزَّوْجَةِ) وَإِذَا دَخَلَ فِي مِلْكِ الِابْنِ عَتَقَ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ، بِخِلَافِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 إصْدَاقِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مِلْكُ الْخَمْرِ لَهُ؛ لَمْ يَنْفَسِخْ مِلْكُهُ فِيهِ، بِخِلَافِ مِلْكِهِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ ثُبُوتِهِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، فَيَنْفَسِخُ مِلْكُهُ فِيهِ، وَالْخَمْرُ لَا يَثْبُتُ مِلْكُهُ فِيهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا تَقْدِيرًا، وَلَوْ فَرَضَ ثُبُوتَهُ؛ لَمْ يَنْفَسِخْ مِلْكُهُ فِيهِ؛ بِخِلَافِ مَنْ مَلَكَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ: هُنَا) أَيْ: فِي مَسْأَلَةِ إصْدَاقِ الِابْنِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ (صِحَّةُ عَقْدٍ وَعِتْقٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الِابْنِ لَهُ وَعِتْقِهِ عَلَيْهِ بُطْلَانُ الْعَقْدِ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ بُطْلَانُ الصَّدَاقِ، وَالْعَقْدُ بَاقٍ عَلَى صِحَّتِهِ (وَتَرْجِعُ) الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا (بِقِيمَتِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهَا؛ لِكَوْنِهِ عَتَقَ عَلَى الِابْنِ قَبْلَ انْتِقَالِهِ إلَيْهَا، فَإِنْ قِيلَ: مَلَكَهُ إنَّمَا نُقَدِّرُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِهَا، فَمَلَكَهَا لِكَوْنِهِ عَتْقً عَلَى الِابْنِ حَقِيقِيٌّ، وَمِلْكُهُ تَقْدِيرِيٌّ؛ قِيلَ: التَّقْدِيرِيُّ كَالْحَقِيقِيِّ فِي الْحُكْمِ، وَقَدْ يُقَالُ: مِلْكُهَا سَابِقٌ فِي الْخَارِجِ وَلِأَجْلِهِ قَدَّرْنَا مِلْكَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْعَقْدِ. أَفَادَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ. [فَصْلٌ تَمْلِكُ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ وَسَيِّدٌ أَمَةً بِعَقْدٍ جَمِيعَ مَهْرِهَا الْمُسَمَّى] فَصْلٌ (وَتَمْلِكُ زَوْجَةٌ) حُرَّةٌ وَسَيِّدٌ أَمَةً (بِعَقْدٍ جَمِيعَ) مَهْرِهَا (الْمُسَمَّى) حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنْ أَعْطَيْتهَا إزَارَك جَلَسْت وَلَا إزَارَ لَك» ) فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ كُلَّهُ لِلْمَرْأَةِ، وَلَا يَبْقَى لِلرَّجُلِ فِيهِ شَيْءٌ، وَلِأَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 عَقْدٌ يَمْلِكُ بِهِ الْعِوَضَ، فَتَمْلِكُ بِهِ الْعِوَضَ كَامِلًا كَالْبَيْعِ، وَسُقُوطُ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ جَمِيعِهِ بِالْعَقْدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ ارْتَدَّتْ سَقَطَ جَمِيعُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَلَكَتْ نِصْفَهُ (وَلَوْ) كَانَ الْمُسَمَّى (مُبْهَمًا) وَيُسْتَخْرَجُ بِالْقُرْعَةِ. (وَلَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (نَمَاءُ) مَهْرٍ (مُعَيَّنٍ) مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ مُنْفَصِلًا (وَيَتَّجِهُ: بَلْ وَ) لَهَا نَمَاءُ الْمَهْرِ (الْمُبْهَمِ) فَتَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ عَلَى قَوْلٍ الْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، مِثَالُ الْمُعَيَّنِ (كَعَبْدٍ وَدَارٍ) مُعَيَّنَيْنِ (وَ) تَمْلِكُ (التَّصَرُّفَ فِيهِ) مِنْ حِينِ عَقَدَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَكَانَ لَهَا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهَا. (وَزَكَاتُهُ) أَيْ: الْمُعَيَّنِ (وَضَمَانُهُ وَنَقْصُهُ عَلَيْهَا) سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْمِلْكِ، فَإِنْ زَكَّتْهُ ثُمَّ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ كَانَ ضَمَانُ الزَّكَاةِ كُلِّهَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ مَلَكَتْهُ بِالْبَيْعِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَمْنَعْهَا قَبْضُهُ) فَإِنْ مَنَعَهَا قَبْضَهُ، فَإِنَّهُ (يَضْمَنُ) مَا تَلِفَ مِنْهُ بِغَيْرِ فِعْلِهَا، وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ إنْ تَعَيَّبَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ بِالْمَنْعِ؛ وَإِنْ زَادَ فَالزِّيَادَةُ لَهَا، وَإِنْ نَقَصَ فَالنَّقْصُ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ نِصْفِهِ نَاقِصًا، وَبَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَةِ أَكْثَرِ مَا كَانَتْ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَادَ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَالزِّيَادَةُ لَهَا، وَإِنْ نَقَصَ فَالنَّقْصُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ، وَإِلَّا أَنْ يَتْلَفَ الصَّدَاقُ الْمُعَيَّنُ بِفِعْلِهَا، فَيَكُونُ إتْلَافُهُ قَبْضًا مِنْهَا، وَيَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُهُ كَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ يُتْلِفُهُ الْمُشْتَرِي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 (وَ) الصَّدَاقُ (غَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ) وَرِطْلٍ مِنْ زُبْرَةِ حَدِيدٍ أَوْ دَنِّ زَيْتٍ أَوْ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَنَحْوِهِ (لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهَا) إلَّا بِقَبْضِهِ (وَلَا تَمْلِكُ تَصَرُّفًا فِيهِ) بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ. (وَيَتَّجِهُ: بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَلَوْ) كَانَ تَصَرُّفُهَا (بِعِتْقٍ) لِعَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ سُمِّيَ لَهَا فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ مَلَكَتْهُ بِالْعَقْدِ فَلَيْسَ لَهَا عِتْقُهُ قَبْلَ التَّعْيِينِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ: خِلَافًا لِلْقَاضِي؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: إنَّ مَا لَا يُنْتَقَضُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ كَالْمَهْرِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَظَاهِرُهُ لَهَا التَّصَرُّفُ فِي مَهْرِهَا غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَاَلَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ (إلَّا بِقَبْضِهِ) إذَا كَانَ قَفِيزًا وَنَحْوَهُ مِمَّا يُحْتَاجُ لِحَقِّ تَوْفِيَةٍ (أَوْ تَعْيِينِهِ) إذَا كَانَ عَبْدًا وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (كَمَبِيعٍ) فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ احْتَاجَ لِحَقِّ تَوْفِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَحَوْلُهُ مِنْ التَّعْيِينِ، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ فَحَوْلُهُ مِنْ الْعَقْدِ، وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ. (وَمَنْ أَقَبَضَهُ) أَيْ: الصَّدَاقَ الَّذِي تَزَوَّجَ عَلَيْهِ (ثُمَّ طَلَّقَ) الزَّوْجَةَ (وَنَحْوَهُ) كَخُلْعِهِ إيَّاهَا أَوْ رِدَّتِهِ (قَبْلَ دُخُولٍ) بِهَا (مَلَكَ نِصْفَهُ) أَيْ: الصَّدَاقِ (قَهْرًا) وَلَوْ لَمْ يَخْتَرْ تَمَلُّكَهُ كَمِيرَاثٍ؛ فَمَا يَحْدُثُ مِنْ نَمَائِهِ بَعْدَ طَلَاقِهِ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أَيْ: لَكُمْ أَوْ لَهُنَّ، فَاقْتَضَى أَنَّ النِّصْفَ لَهَا، وَالنِّصْفَ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْفُرْقَةِ (إنْ بَقِيَ) فِي مِلْكِهَا (بِصِفَتِهِ) حِينَ عَقْدٍ، بِأَنْ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ (وَلَوْ) كَانَ الْبَاقِي (النِّصْفَ) مِنْ الصَّدَاقِ (فَقَطْ مَشَاعًا) بِأَنْ أَصْدَقَهَا بِنَحْوِ عَبْدٍ، فَبَاعَتْ نِصْفَهُ وَبَقِيَ نِصْفُهُ بِصِفَتِهِ، فَطَلَّقَهَا فَيَمْلِكُهُ مَشَاعًا (أَوْ) كَانَ النِّصْفُ الْبَاقِي (مُعَيَّنًا مِنْ مُنْتَصَفٍ بَاقٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 فِي مِلْكِهَا) كَأَنْ أَصْدَقَهَا صُبْرَةً فَأَكَلَتْ أَوْ بَاعَتْ وَنَحْوَهُ نِصْفَهَا، وَبَقِيَ بِمِلْكِهَا نِصْفُهَا، فَيَمْلِكُهُ الزَّوْجُ بِطَلَاقِهَا، وَيَأْخُذُهُ، كَمَا لَوْ قَاسَمَتْهُ عَلَيْهِ. (أَوْ) كَانَ الصَّدَاقُ (صَيْدًا) ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَهُوَ مُحْرِمٌ) دَخَلَ نِصْفُهُ فِي مِلْكِهِ ضَرُورَةً كَإِرْثٍ (فَلَهُ إمْسَاكُهُ) بِيَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ؛ لَا الْمُشَاهَدَةِ (وَهُوَ) أَيْ: دُخُولُ نِصْفِهِ فِي مِلْكِهِ (خِلَافَ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا (فِي) بَابِ (مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ) عَنْ الصَّيْدِ: لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُحْرِمِ بِغَيْرِ الْإِرْثِ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِتَمَلُّكِهِ، وَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ لِئَلَّا تُثْبِتَ يَدُهُ الْمُشَاهَدَةَ عَلَيْهِ (وَيَمْنَعُ ذَلِكَ) أَيْ: الرُّجُوعُ فِي عَيْنِ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَإِنْ طَلَّقَ وَنَحْوُهُ قَبْلَ دُخُولٍ، وَكَذَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ فِي جَمِيعِهِ إذَا سَقَطَ (بَيْعٌ) بِأَنْ بَاعَتْ الزَّوْجَةُ الصَّدَاقَ (وَلَوْ مَعَ خِيَارِهَا) فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ الْمِلْكَ، (وَ) يَمْنَعُهُ (هِبَةً أُقْبِضَتْ) فَإِنْ وَهَبَتْهُ، وَلَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى طَلَّقَ وَنَحْوَهُ؛ رَجَعَ بِنِصْفِهِ، (وَ) وَيَمْنَعُهُ (عِتْقٌ) بِأَنْ كَانَ رَقِيقًا فَأَعْتَقَتْهُ؛ لِزَوَالِ مِلْكِهَا عَنْهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ (وَ) يَمْنَعُهُ (رَهْنٌ) أُقْبِضَ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْبَيْعِ الْمُزِيلِ لِلْمِلْكِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ رَهْنُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ (وَ) يَمْنَعُهُ (كِتَابَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلْعِتْقِ الْمُزِيلِ لِلْمِلْكِ، وَهِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ فَجَرَتْ مَجْرَى الرَّهْنِ وَ (لَا) يَمْنَعُهُ (عَقْدٌ جَائِزٌ) كَشَرِكَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَإِيدَاعٍ وَإِعَارَةٍ. (وَلَا) يَمْنَعُهُ (إجَارَةٌ وَتَدْبِيرٌ وَتَزْوِيجُ) رَقِيقٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ، وَلَا تَمْنَعُ الْمَالِكَ مِنْ التَّصَرُّفِ؛ فَلَا يَمْنَعُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ، لَكِنْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الرُّجُوعِ فِي نِصْفِهِ نَاقِصًا، وَبَيْنَ الرُّجُوعِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ فِي الصَّدَاقِ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَجَعَ الزَّوْجُ فِي نِصْفِ الْمُسْتَأْجَرِ صَبَرَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْإِجَارَةُ، وَلَا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إبْطَالُهَا (وَلَا) يُمْنَعُ الرُّجُوعُ (إنْ عَادَ) الصَّدَاقُ (لِمِلْكِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ (حَالَ طَلَاقٍ) بَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ إنْ اخْتَارَ ذَلِكَ لَكِنْ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْعَوْدُ فِي مِلْكِهَا حَالَ طَلَاقِهِ إيَّاهَا (مِلْكُ زَوْجٍ قَهْرًا) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَاقِيًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهَا عَنْهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 (وَمَنْ طَلَّقَ) زَوْجَتَهُ (وَكَانَ الصَّدَاقُ قَدْ زَادَ) بِيَدِهَا (زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً) كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ، ثُمَّ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ (رَجَعَ فِي نِصْفِ الْأَصْلِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَ الرُّجُوعُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى أَحَدٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُهُ (وَالزِّيَادَةُ) الْمُنْفَصِلَةُ (لَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهَا (وَلَوْ كَانَتْ) الزِّيَادَةُ (وَلَدَ أَمَةٍ) ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ، وَلَا تَفْرِيقَ هُنَا لِبَقَاءِ مِلْكِ الزَّوْجَةِ فِي النِّصْفِ (وَإِنْ كَانَتْ) الزِّيَادَةُ فِي الصَّدَاقِ (مُتَّصِلَةً) كَسَمْنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ (وَهِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةُ (غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا، خُيِّرَتْ بَيْنَ دَفْعِ نِصْفِهِ زَائِدًا) وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهَا دَفَعَتْ إلَيْهِ حَقَّهُ وَزِيَادَةً لَا تَتَمَيَّزُ وَلَا تَضُرُّهُ (وَبَيْنَ دَفْعِ نِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ إنْ كَانَ) الصَّدَاقُ (مُتَمَيِّزًا) كَعَبْدٍ وَبَعِيرٍ مُعَيَّنَيْنِ؛ لِدُخُولِ التَّمَيُّزِ فِي ضَمَانِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَتُعْتَبَرُ صِفَتُهُ وَقْتَهُ، وَإِنَّمَا صُيِّرَ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهَا، وَلَا يَلْزَمُهَا بَذْلُهَا، وَلَا يُمْكِنُهَا دَفْعُ الْأَصْلِ بِدُونِ زِيَادَةٍ (وَغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ بِأَنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ أَوْ فَرَسًا مِنْ خَيْلِهِ إذَا زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً وَتَنَصَّفَ الصَّدَاقُ (لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (قِيمَةُ نِصْفِهِ يَوْمَ فُرْقَةٍ عَلَى أَدْنَى صِفَةٍ مِنْ) وَقْتِ (عَقْدٍ إلَى) وَقْتِ (قَبْضٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهَا إلَّا بِقَبْضِهِ فَمَا نَقَصَ قَبْلَ ذَلِكَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهَا (وَالزَّوْجَةُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا) إذَا زَادَ الصَّدَاقُ ثُمَّ تَنَصَّفَ (لَا تُعْطِيهِ) يَعْنِي لَا يُعْطِيهِ وَلِيُّهَا (إلَّا نِصْفَ الْقِيمَةِ حَالَ عَقْدٍ فِي) صَدَاقٍ (مُتَمَيِّزٍ، وَ) يُعْطِيهِ وَلِيُّهَا نِصْفَ الْقِيمَةِ (عَلَى أَدْنَى صِفَةٍ) مِنْ قَبْضٍ إلَى عَقْدٍ فِي صَدَاقٍ غَيْرِهِ أَيْ: غَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ. (وَإِنْ نَقَصَ) الصَّدَاقُ (بِغَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ) كَعَبْدٍ عَمِيَ أَوْ عَرَجَ أَوْ نَسِيَ صَنْعَتَهُ أَوْ جَنَى أَوْ نَبَتَتْ لِحْيَتَهُ، وَكَانَ أَمْرَدَ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ (خُيِّرَ زَوْجٌ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بَيْنَ أَخْذِهِ) أَيْ: النِّصْفِ (نَاقِصًا) وَتُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ (وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ) أَيْ: النِّصْفِ فِي نَظِيرِ نَقْصِهِ نَصًّا لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِأَخْذِهِ نَاقِصًا مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهَا لَهُ أَرْشٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْنُ مَالِهِ الْمَفْرُوضِ، وَلَوْ أَوْجَبْنَا لَهُ أَرْشًا مَعَ النِّصْفِ، لَكُنَّا قَدْ أَوْجَبْنَا لِلزَّوْجَةِ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ الْمَفْرُوضِ، فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ (وَبَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 يَوْمَ عُقِدَ إنْ كَانَ) الصَّدَاقُ (مُتَمَيِّزًا) ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (يَوْمَ الْفُرْقَةِ عَلَى أَدْنَى صِفَةٍ مِنْ عَقْدٍ إلَى قَبْضٍ) . مِثَالُ ذَلِكَ لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَ بِقُرْعَةٍ وَأَقْبَضَهُ لَهَا أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ، ثُمَّ تَنَصَّفَ بِطَلَاقٍ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ حِينَ الْعَقْدِ مِائَةً، وَفِي نِصْفِ رَمَضَانَ سِتِّينَ لِنَقْصِهِ بِهُزَالٍ وَنَحْوِهِ، وَحِينَ الْقَبْضِ مِائَةً وَعِشْرِينَ؛ فَالْوَاجِبُ لَهُ ثَلَاثُونَ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ عَلَى أَدْنَى صِفَاتِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَلِأَنَّهُ فِي ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَى قَبْضِ الزَّوْجَةِ إيَّاهُ، وَلَهُ أَخْذُ نِصْفِهِ نَاقِصًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَقَدْ رَضِيَ بِتَرْكِهِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَأْخُذُ وَلِيُّهُ إلَّا نِصْفَ الْقِيمَةِ، لِأَنَّ الْحَظَّ لَهُ (وَإِنْ اخْتَارَهُ) أَيْ: اخْتَارَ الزَّوْجُ أَخْذَ نِصْفِ الْمَهْرِ (نَاقِصًا بِجِنَايَةٍ) عَلَيْهِ كَأَنْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ وَنَحْوُهُ بِجِنَايَةٍ (فَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (مَعَ) أَيْ: أَخْذِ نِصْفِهِ نَاقِصًا بِالْجِنَايَةِ (نِصْفُ أَرْشِهَا) أَيْ: الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي نَظِيرِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ. (وَإِنْ زَادَ) الصَّدَاقُ (مِنْ وَجْهٍ وَنَقَصَ مِنْ) وَجْهٍ (آخَرَ كَتَعَلُّمِ) عَبْدٍ (صَنْعَةً) أُخْرَى وَمَصُوغٍ كَسَرَتْهُ وَأَعَادَتْهُ صِيَاغَةً أُخْرَى (فَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا (الْخِيَارُ) فَإِنْ شَاءَ الزَّوْجُ أَخَذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقِيمَةَ، وَإِنْ شَاءَتْ الزَّوْجَةُ دَفَعَتْ نِصْفَهُ زَائِدًا أَوْ نِصْفَ قِيمَتِهِ. (وَيُقَدَّمُ خِيَارُ مَنْ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ) مِنْهُمَا كَشَفَقَةِ الرَّقِيقِ عَلَى أَطْفَالِ مَالِكِهِ، وَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ (وَحَمْلٌ) حَدَثَ (فِي أَمَةٍ نَقْصٌ، وَ) حَمْلٌ (فِي بَهِيمَةٍ زِيَادَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي قِيمَةِ الْبَهَائِمِ وَيُنْقِصُ قِيمَةَ الْإِمَاءِ (مَا لَمْ يَفْسُدْ اللَّحْمُ) فَيَكُونُ نَقْصًا أَيْضًا فِي الْبَهِيمَةِ (وَزَرْعٌ) نَقْصٌ لِأَرْضٍ (وَغَرْسٌ نَقْصٌ لِأَرْضٍ) وَحَرْثُهَا زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ (وَلَا أَثَرَ لِكَسْرِ مَصُوغٍ وَإِعَادَتِهِ كَمَا كَانَ) فَإِنْ عَادَ عَلَى غَيْرِ هَيْئَتِهِ، فَزَادَ أَوْ نَقَصَ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَا) أَثَرَ (لِسَمْنٍ زَالَ ثُمَّ عَادَ وَلَا) أَثَرَ (لِارْتِفَاعِ سُوقٍ وَنُزُولِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَهُ بِصِفَتِهِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَا أَثَرَ لِنَقْلِهَا الْمِلْكَ فِيهِ إذَا كَانَ طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ عَادَ لِمِلْكِهَا. (وَإِنْ تَلِفَ) الصَّدَاقُ بَعْدَ قَبْضِهِ كَمَوْتِهِ وَإِحْرَاقِهِ (أَوْ اُسْتُحِقَّ بِدَيْنٍ فِي حَجْرٍ عَلَيْهَا لِفَلَسٍ) أَيْ: كَمَا إذَا أَفْلَسَتْ الْمَرْأَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 وَحَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا، ثُمَّ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ دُخُولٍ إنْ لَمْ يَبْقَ الصَّدَاقُ بِعَيْنِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ رُجُوعُ الزَّوْجِ بِنِصْفِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَجْرِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالْكَافِي (رَجَعَ) زَوْجٌ (فِي) صَدَاقٍ (مِثْلِيٍّ بِنِصْفِ مِثْلِهِ، وَ) رَجَعَ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْمِثْلِيِّ وَهُوَ الْمُتَقَوِّمُ بِنِصْفِ قِيمَةٍ مُتَمَيِّزٌ يَوْمَ عُقِدَ، رَجَعَ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ: الْمُتَمَيِّزِ إذَا كَانَ مُتَقَوِّمًا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ (يَوْمَ فُرْقَةٍ عَلَى أَدْنَى صِفَةٍ مِنْ عَقْدٍ إلَى قَبْضٍ) وَيُشَارِكُ بِمَا يَرْجِعُ بِهِ الْغُرَمَاءُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. (وَلَوْ) كَانَ الصَّدَاقُ (ثَوْبًا فَصَبَغَتْهُ) الزَّوْجَةُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ ثُمَّ تَنَصَّفَ الصَّدَاقُ (أَوْ) كَانَ (أَرْضًا فَبَنَتْهَا) ثُمَّ تَنَصَّفَ الصَّدَاقُ (فَبَذَلَ الزَّوْجُ) لَهَا (قِيمَةٌ زَائِدَةٌ) أَيْ: قِيمَةَ زِيَادَةِ نِصْفِ الثَّوْبِ بِالصَّبْغِ أَوَقِيمَة زِيَادَةِ نِصْفِ الْأَرْضِ بِالْبِنَاءِ (لِيَمْلِكَهُ) أَيْ: النِّصْفَ مِنْ الثَّوْبِ مَصْبُوغًا أَوْ مِنْ الْأَرْضِ مَبْنِيًّا (فَلَهُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ بِذَلِكَ ضَرَرَ الشَّرِكَةِ عَنْهُ، كَالشَّفِيعِ وَالْمُؤَجِّرِ وَالْمُعِيرِ إذَا بَذَلَ قِيمَةَ مَا بِالْأَرْضِ مِنْ الْبِنَاءِ وَتَمَلَّكَهُ، وَكَذَا لَوْ غُرِسَتْ الْأَرْضُ، وَإِنْ بَذَلَتْ لَهُ النِّصْفَ بِزِيَادَتِهِ لَزِمَ الزَّوْجَ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهَا زَادَتْهُ خَيْرًا. (وَإِنْ نَقَصَ) الْمَهْرُ (فِي يَدِهَا بَعْدَ تَنَصُّفِهِ؛ ضَمِنَتْ نَقْصَهُ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ فَرَّطَتْ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ طَلَبَهُ وَمَنَعَتْهُ قَبْضَهُ (أَوْ لَا) ، مُتَمَيِّزًا كَانَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ؛ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهَا، فَتَضْمَنُ نَقْصَهُ وَتَلَفَهُ. (وَمَا قُبِضَ مِنْ) مَهْرٍ (مُسَمًّى بِذِمَّتِهِ) كَعَبْدٍ مَوْصُوفٍ فِي ذِمَّتِهِ (كَ) صَدَاقٍ (مُعَيَّنٍ) بِعَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِالْقَبْضِ عَيْنًا، فَصَارَ كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ بِالْعَقْدِ (إلَّا أَنَّهُ) لَا تَرْجِعُ هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا عَلَى زَوْجٍ بِنَمَائِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ إلَّا بِقَبْضِهِ (وَيُعْتَبَرُ فِي تَقْوِيمِهِ) أَيْ: مَا قَبَضَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ (صِفَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَقَّتَ مِلْكَهَا لَهُ، وَمَتَى بَقِيَ مَا قَبَضَتْهُ إلَى حِينِ تَنَصُّفِهِ وَجَبَ رَدُّ نِصْفِهِ بِعَيْنِهِ (وَاَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 (الزَّوْجُ) لَا وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَلِيُّ الْعُقْدَةِ الزَّوْجُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَرَوَاهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَلِيٍّ وَرَوَاهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلِأَنَّ الزَّوْجَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَطْعِهِ وَفَسْخِهِ وَإِمْسَاكِهِ، وَلَيْسَ إلَى الْوَلِيِّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] وَالْعَفْوُ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى عَفْوُ الزَّوْجِ عَنْ حَقِّهِ، وَأَمَّا عَفْوُ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ عَنْ مَالِهَا فَلَيْسَ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وَلِأَنَّ الْمَهْرَ مَالٌ لِلزَّوْجَةِ فَلَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ إسْقَاطَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِهَا وَحُقُوقِهَا، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْعُدُولَ عَنْ خِطَابِ الْحَاضِرِ إلَى خِطَابِ الْغَائِبِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: 22] . (فَإِنْ) (طَلَّقَ) زَوْجٌ (قَبْلَ دُخُولٍ) بِهَا (فَأَيُّهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (عَفَا لِصَاحِبِهِ عَمَّا وَجَبَ) أَيْ: اسْتَقَرَّ (لَهُ) بِالطَّلَاقِ (مِنْ) نِصْفِ (مَهْرٍ) عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا (وَهُوَ) أَيْ: الْعَافِي (جَائِزُ التَّصَرُّفِ) بِأَنْ كَانَ مُكَلَّفًا رَشِيدًا (بَرِئَ مِنْهُ صَاحِبُهُ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] (فَتَصِحُّ هِبَةٌ بِلَفْظِ عَفْوٍ) إذَا كَانَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ دَيْنًا (وَكَذَا) تَصِحُّ (بِلَفْظِ إسْقَاطٍ وَ) لَفْظِ (صَدَقَةٍ وَ) لَفْظِ تَرْكٍ وَلَفْظِ (إبْرَاءٍ) وَلَا يُفْتَقَرُ فِي إسْقَاطِهِ إلَى قَبُولٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ عَيْنًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَ (لِمَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ) أَنْ يَعْفُوَ بِلَفْظِ الْعَفْوِ وَالْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ، وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ ذَلِكَ أَصَالَةً، وَإِنْ عَفَا غَيْرُ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ، زَوْجًا كَانَ الْعَافِي أَوْ زَوْجَةً، صَحَّ الْعَفْوُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 تَنْبِيهٌ: يَفْتَقِرُ لُزُومُ الْعَفْوِ عَنْ الْعَيْنِ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ إلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَلَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَالْقَبْضُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ. (وَلَا عَفْوَ لِأَبٍ وَلَا غَيْرِهِ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (عَنْ مَهْرِ مَحْجُورَةٍ) إذَا طَلُقَتْ، وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ كَثَمَنِ مَبِيعِهَا. (وَلَوْ أَسْقَطَتْهُ) أَيْ: الْمَهْرَ (عَنْهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (ثُمَّ طَلُقَتْ) قَبْلَ دُخُولٍ؛ (أَوْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ دُخُولٍ رَجَعَ) الزَّوْجُ عَلَيْهَا (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى) وَهِيَ مَا إذَا طَلُقَتْ بَعْدَ أَنْ أَسْقَطَتْهُ عَنْهُ (بِبَدَلِ نِصْفِهِ) أَيْ الصَّدَاقِ. (وَ) رَجَعَ عَلَيْهَا (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهِيَ مَا إذَا ارْتَدَّتْ بَعْدَ أَنْ أَسْقَطَتْ عَنْهُ صَدَاقَهَا (بِبَدَلِ جَمِيعِهِ) ؛ لِأَنَّ عَوْدَ نِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ كُلِّهِ إلَى الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الرِّدَّةِ، وَهُمَا غَيْرُ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقِّ بِهَا الصَّدَاقُ أَوَّلًا؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَبْرَأَ إنْسَانٌ آخَرَ مِنْ دَيْنٍ، ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ (كَعَوْدِهِ) أَيْ: الصَّدَاقِ (إلَيْهِ) أَيْ: الزَّوْجِ مِنْ زَوْجَتِهِ (بِبَيْعٍ) ثُمَّ يُطَلِّقُهَا أَوْ تَرْتَدُّ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِبَدَلِ النِّصْفِ فِي صُورَةِ تَنَصُّفِهِ، أَوْ بِكُلِّهِ فِي صُورَةِ إسْقَاطِهِ (أَوْ هِبَتِهَا الْعَيْنَ) أَيْ: وَكَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَيْنًا، فَوَهَبَتْهَا (لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ وَهَبَهَا) الْأَجْنَبِيُّ (لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ ارْتَدَّتْ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِبَدَلِ نِصْفِهَا أَوْ كُلِّهَا. (وَلَوْ وَهَبَتْهُ) أَيْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ (نِصْفَهُ) أَيْ الصَّدَاقِ (ثُمَّ تَنَصَّفَ) بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ (رَجَعَ) الزَّوْجُ (فِي النِّصْفِ الْبَاقِي) كُلِّهِ؛ لِوُجُوبِهِ لَهُ بِالطَّلَاقِ كَمَا لَوْ وَهَبَتْهُ غَيْرَهُ. (وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ) أَيْ: أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا (مُفَوَّضَةٌ) وَهِيَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا شَاءَتْ أَوْ شَاءَ زَيْدٌ (مِنْ مَهْرٍ) صَحَّ (أَوْ) أَبْرَأَتْهُ مُفَوَّضَةٌ (مِنْ بُضْعٍ) وَهُوَ مَنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ صَدَاقٍ مِنْ الْمَهْرِ؛ صَحَّ؛ (أَوْ) أَبْرَأَتْ (مَنْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ فَاسِدٌ) كَالْخَمْرِ وَالْمَجْهُولِ مِنْ الْمَهْرِ (صَحَّ) الْإِبْرَاءُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ؛ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 وُجُوبِهِ، وَهُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ؛ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَقَبْلَ الزَّهُوقِ (فَإِنْ طَلُقَتْ) الْمُفَوَّضَةُ أَوْ مَنْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ فَاسِدٌ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ وَ (قَبْلَ الدُّخُولِ؛ رَجَعَ) الْمُطَلِّقُ عَلَيْهَا (بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ) لِأَنَّهُ الَّذِي وَجَبَ بِالْعَقْدِ؛ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ الْمُسَمَّى، ثُمَّ طَلَّقَهَا، (فَإِنْ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ مِنْ نِصْفِهِ) ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ الْبَاقِي) بَعْدَ النِّصْفِ السَّاقِطِ بِالْبَرَاءَةِ، وَلِلْمُفَوَّضَةِ عَلَيْهِ الْمُتْعَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] فَأَوْجَبَ لَهَا الْمُتْعَةَ بِالطَّلَاقِ، وَهِيَ إنَّمَا وَهَبَتْهُ مَهْرَ الْمِثْلِ؛ فَلَا تَدْخُلُ الْمُتْعَةُ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ مَا لَمْ يَجِبْ؛ كَمَنْ أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ، خِلَافًا " لِلْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَ: وَلَا مُتْعَةَ لَهَا. (أَوْ) أَيْ: وَإِنْ ارْتَدَّتْ مَنْ وَهَبَتْ زَوْجَهَا الصَّدَاقَ، أَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ رَجَعَ عَلَيْهَا بِالصَّدَاقِ (كُلِّهِ عِنْدَ ارْتِدَادٍ) لِعَوْدِهِ إلَيْهِ بِذَلِكَ، وَكَمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ لَوْ تَنَصَّفَ. وَلَوْ كَاتَبَ إنْسَانٌ عَبْدًا، ثُمَّ أَسْقَطَ عَنْهُ مَالَ الْكِتَابَةِ بَرِئَ الْمُكَاتَبُ وَعَتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ، قَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ. (وَلَا يَرْجِعُ مُكَاتَبٌ أُبْرِئَ) أَيْ: أَبْرَأَهُ سَيِّدُهُ عَلَى سَيِّدِهِ (بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُ إيتَاؤُهُ) وَهُوَ رُبُعُ مَالِ الْكِتَابَةِ (لَهُ) أَيْ: الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَهُ عَنْهُ قَامَ مَقَامَ الْإِيتَاءِ، وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَ السَّيِّدُ عَنْ الْمُكَاتَبِ الرُّبُعَ، وَاسْتَوْفَى الْبَاقِيَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ تَبَرَّعَ) قَرِيبٌ أَوْ (أَجْنَبِيٌّ بِأَدَاءِ مَهْرٍ) عَنْ زَوْجٍ، ثُمَّ تَنَصَّفَ بِنَحْوِ طَلَاقٍ، أَوْ سَقَطَ بِنَحْوِ رِدَّةٍ قَبْلَ دُخُولٍ (فَالرَّاجِعُ) مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ كُلِّهِ (لِلزَّوْجِ) لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ وَهَبَ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ بِقَضَائِهِ عَنْهُ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقُ بِغَيْرِ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ كَانَ لِلزَّوْجِ، كَمَا لَوْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِهِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ: الصَّدَاقِ فِيمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 ذُكِرَ (أَدَاءُ ثَمَنٍ) عَنْ مُشْتَرٍ تَبَرُّعًا (ثُمَّ يُفْسَخُ) الْبَيْعُ (لِعَيْبٍ) أَوْ تَقَايُلٍ وَنَحْوِهِ؛ فَالرَّاجِعُ مِنْ ثَمَنٍ لِمُشْتَرٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَوْ أَدَّاهُ) أَيْ: الْمَهْرَ قَرِيبٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ عَنْ زَوْجٍ وَكَانَ (؛ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ بِهِ) بِذَلِكَ (أَوْ) أَدَّى عَنْ (مَنْ يَلْزَمُهُ) إعْفَافُهُ لِفَقْرِهِ وَوُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَنَصَّفَ الصَّدَاقُ بِنَحْوِ طَلَاقٍ، أَوْ سَقَطَ كُلُّهُ بِنَحْوِ رِدَّةٍ قَبْلَ دُخُولٍ (فَالرَّاجِعُ) مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ كُلِّهِ (لِمُؤَدٍّ. قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ) وَهُوَ كَمَا قَالَ. (وَلَوْ خَالَعَهَا) الزَّوْجُ (بِنِصْفِ صَدَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ صَحَّ) ذَلِكَ (وَصَارَ لَهُ الصَّدَاقُ كُلُّهُ، نِصْفُهُ لَهُ بِالْخُلْعِ وَنِصْفُهُ بِالْفُرْقَةِ) عِوَضًا لَهُ، (وَ) إنْ خَالَعَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (عَلَى مِثْلِ نِصْفِ الصَّدَاقِ فِي ذِمَّتِهَا) وَكَانَتْ لَمْ تَقْبِضْ الصَّدَاقَ مِنْهُ؛ صَحَّ ذَلِكَ، وَ (يَسْقُطُ الْكُلُّ) أَيْ: كُلُّ الصَّدَاقِ (نِصْفُهُ بِالْفُرْقَةِ، وَنِصْفُهُ بِالْمُقَاصَّةِ) حَيْثُ وُجِدَتْ بِشُرُوطِهَا، وَإِنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ قَبْضِ الصَّدَاقِ: اخْلَعْنِي بِمَا يُسَلَّمُ لِي مِنْ صَدَاقِي، أَوْ اخْلَعْنِي عَلَى أَنْ لَا تَبِعَةَ عَلَيْك فِي الْمَهْرِ، فَفَعَلَ، صَحَّ الْخُلْعُ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى سُؤَالِهَا الْخُلْعَ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ، وَبَرِئَ الزَّوْجُ مِنْ جَمِيعِهِ، نِصْفُهُ بِالْخُلْعِ، وَنِصْفُهُ لِجَعْلِهِ عِوَضًا لَهُ فِيهِ، (وَ) إنْ خَالَعَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِمِثْلِ جَمِيعِ الصَّدَاقِ فِي ذِمَّتِهَا، أَوْ خَالَعَهَا (بِصَدَاقِهَا كُلِّهِ) صَحَّ الْخُلْعُ؛ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ، وَ (يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ) وَيَسْقُطُ عَنْهُ الصَّدَاقُ لِمَا تَقَدَّمَ. [فَصْلٌ يَسْقُطُ الصَّدَاقُ كُلُّهُ بِفُرْقَةِ لِعَانٍ] فَصْلٌ (يَسْقُطُ الصَّدَاقُ كُلُّهُ) وَلَا تَجِبُ مُتْعَةٌ بَدَلًا عَنْهُ (بِفُرْقَةِ لِعَانٍ) قَبْلَ دُخُولٍ، لِكَوْنِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَقَعُ إذَا تَمَّ لِعَانُهَا (وَ) يَسْقُطُ (بِفَسْخِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ النِّكَاحَ (لِعَيْبِهَا) كَكَوْنِهَا رَتْقَاءَ أَوْ بَرْصَاءَ وَنَحْوَهُ (وَعَكْسُهُ) كَكَوْنِهِ عِنِّينًا أَوْ أَشَلَّ وَنَحْوَهُ قَبْلَ دُخُولٍ؛ لِتَلَفِ الْمُعَوَّضِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، فَسَقَطَ الْعِوَضُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 كُلُّهُ كَتَلَفِ مَبِيعٍ بِنَحْوِ كَيْلٍ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ (وَ) يَسْقُطُ أَيْضًا كُلُّهُ (بِكُلِّ فُرْقَةٍ مِنْ قِبَلِهَا) (كَإِسْلَامِهَا تَحْتَ كَافِرٍ) قَبْلَ دُخُولٍ (وَكَرِدَّتِهَا وَرَضَاعِهَا لِفَاسِخِ نِكَاحِهَا) كَأَنْ تُرْضِعَ زَوْجَهَا الصَّغِيرَ (أَوْ) تَرْضَعَ وَهِيَ (صَغِيرَةٌ) مِنْ زَوْجَتِهِ الْكَبِيرَةِ (وَبِفَسْخِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (لِإِعْسَارِ) الزَّوْجِ أَوْ عَيْبِهِ (أَوْ عَدَمِ وَفَائِهِ بِشَرْطٍ) شُرِطَ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ قَبْلَ دُخُولٍ (وَكَاخْتِيَارِهَا بِنَفْسِهَا يَجْعَلُهُ) أَيْ: الزَّوْجُ (لَهَا) ذَلِكَ (بِسُؤَالِهَا) إيَّاهَا أَنْ يَجْعَلَهُ لَهَا (قَبْلَ دُخُولٍ) أَوْ خَلْوَةٍ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ بِفِعْلِهَا، وَهِيَ الْمُسْتَحِقَّةُ لِلصَّدَاقِ، فَسَقَطَ بِهِ، وَلَا يَسْقُطُ الصَّدَاقُ بِجَعْلِ الْخِيَارِ إلَيْهَا (بِلَا سُؤَالِهَا لَهُ) فَإِنْ جَعَلَهُ إلَيْهَا كَذَلِكَ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ دُخُولٍ فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْهُ؛ فَفِعْلُهَا كَفِعْلِهِ (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (لَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ: طَلَاقَهَا (عَلَى مَا) أَيْ فِعْلٍ (لَهَا) مِنْهُ (بُدٌّ) كَدُخُولِهَا دَارَ أَجْنَبِيٍّ (وَفَعَلَتْهُ) قَبْلَ الدُّخُولِ (فَلَا مَهْرَ) لَهَا (وَقَوَّاهُ ابْنُ رَجَبٍ) بِمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ تَخْيِيرِهَا فِي نَفْسِهَا إذَا اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَإِنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ، لَكِنْ إنَّمَا تَتِمُّ الْمُشَابَهَةُ إذَا كَانَ بِسُؤْلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَتَنَصَّفُ) صَدَاقُهَا (بِشِرَائِهَا زَوْجَهَا) قَبْلَ دُخُولٍ؛ لِتَمَامِ الْبَيْعِ بِالسَّيِّدِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الزَّوْجِ، فَلَمْ يَتَمَحَّضْ السَّبَبُ مِنْهَا، فَلِذَلِكَ وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ هَا هُنَا كَالْخُلْعِ؛ (وَ) يَتَنَصَّفُ بِكُلِّ (فُرْقَةٍ مِنْ قِبَلِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ وَ (لَا) يَتَنَصَّفُ صَدَاقُ (مُفَارِقَاتِ مَنْ أَسْلَمَ) عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ الْكِتَابِيَّاتِ قَبْلَ وُجُودِ مَا يُقَرِّرُ الْمَهْرَ، وَاخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، فَإِنَّ مَا عَدَا هَذِهِ الْأَرْبَعَ يَسْقُطُ مَهْرُهُنَّ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ اضْطَرَّهُ إلَى الْفُرْقَةِ بِالْحَبْسِ وَالتَّغْرِيرِ، وَ (كَطَلَاقِهِ) الزَّوْجَةَ قَبْلَ دُخُولٍ وَلَوْ بِسُؤَالِهَا (وَكَخُلْعِهِ إيَّاهَا، وَلَوْ بِسُؤَالِهَا) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ بِجَوَابِ الزَّوْجِ (وَكَإِسْلَامِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ إنْ لَمْ تَكُنْ كِتَابِيَّةً (وَكَرِدَّتِهِ وَشِرَائِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (إيَّاهَا) أَيْ الزَّوْجَةَ قَبْلَ دُخُولٍ (وَلَوْ) كَانَ شِرَاؤُهُ إيَّاهَا (مِنْ مُسْتَحِقِّ مَهْرِهَا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 وَهُوَ سَيِّدُهَا الَّذِي زَوَّجَهُ إيَّاهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا فِعْلَ فِيهِ لِلزَّوْجَةِ وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ إنَّمَا حَصَلَتْ بِقَبُولِ زَوْجِهَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ (أَوْ) أَيْ: يَتَنَصَّفُ بِكُلِّ فُرْقَةٍ مِنْ (قِبَلِ أَجْنَبِيٍّ) (كَرَضَاعِ) أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ زَوْجَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَزَوْجَةٍ لَهُ صُغْرَى رَضَاعًا مُحَرِّمًا (وَوَطْءُ) أَبِي الزَّوْجِ أَوْ ابْنِهِ الزَّوْجَةَ، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ وَنَحْوَهُ حَاكِمٌ وَنَحْوَهُ عَلَى مُوَلٍّ. (وَيَتَّجِهُ لَا إنْ) احْتَالَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى تَقْرِيرِ الصَّدَاقِ بِأَنْ (اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ) زَوْجِهَا الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَهُوَ (نَائِمٌ) فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ دُخُولًا، وَلَا يَتَقَرَّرُ صَدَاقُهَا بِهَذَا الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلزَّوْجِ فِيهِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (قَبْلَ دُخُولٍ) لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلزَّوْجَةِ بِذَلِكَ، فَيَسْقُطُ بِهِ صَدَاقُهَا، وَيَأْتِي فِي الرَّضَاعِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى مُفْسِدٍ بِمَا لَزِمَهُ. (وَلَوْ أَقَرَّ) الزَّوْجُ (بِنَحْوِ رَضَاعٍ) كَنَسَبٍ وَمُصَاهَرَةٍ بِأَنْ يَقُولَ: هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ أَوَالنَّسَب، أَوْ يَقُولَ: هِيَ حَمَاتِي (قُبِلَ) إقْرَارُهُ (عَلَيْهِ) فِي انْفِسَاخِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَيْهِ فَأُخِذَ بِهِ، وَ (لَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (عَلَيْهَا) فِي إسْقَاطِ نِصْفِ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْر. تَنْبِيهٌ: فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْمُفْسِدِ لِلنِّكَاحِ، أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ؛ سَقَطَ الصَّدَاقُ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. (وَيُقَرِّرُهُ) أَيْ: الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى (كَامِلًا) حُرَّةً كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ أَمَةً (مَوْتُ) أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (وَلَوْ بِقَتْلِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ أَوْ) قَتْلِ أَحَدِهِمَا (نَفْسَهُ) لِبُلُوغِ النِّكَاحِ نِهَايَتَهُ، فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الِاسْتِيفَاءِ فِي تَقْرِيرِ الْمَهْرِ، وَلِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا، فَأَوْجَبَ كَمَالَ الْمَهْرِ لَهَا كَالدُّخُولِ (أَوْ) كَانَ (مَوْتُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (بَعْدَ طَلَاقِ) امْرَأَتِهِ (فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) الْمَخُوفِ (قَبْلَ دُخُولٍ) لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاءِ إذَنْ، وَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِضِدِّ قَصْدِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 كَالْفَارِّ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْإِرْثِ وَالْقَاتِلِ؛ وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ وَرِثَتْ) بِأَنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ تَرْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا لَوْ ارْتَدَّتْ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ لَسَقَطَ مَهْرُهَا. (وَ) يُقَرِّرُ الْمَهْرَ كَامِلًا أَيْضًا (وَطْؤُهَا) أَيْ: وَطْءُ زَوْجٍ زَوْجَتَهُ (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالُ) أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وُقُوعُ الْوَطْءِ (مِنْ ابْنِ عَشْرٍ) فَأَكْثَرَ؛ إذْ مَنْ كَانَ سِنُّهُ دُونَهَا وُجُودُ الْوَطْءِ مِنْهُ كَعَدَمِهِ (وَاحْتُمِلَ أَنَّهُ) وَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهِ (فِي بِنْتِ تِسْعٍ) فَأَكْثَرَ، لِأَنَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَتَأَهَّلْ لِوَطْءِ الرَّجُلِ عَادَةً، وَلَا هِيَ مَحَلٌّ لِلشَّهْوَةِ غَالِبًا، يُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ ابْنُ تِسْعٍ عَلَى امْرَأَةٍ، وَأَصَابَهَا وَفَارَقَهَا؛ حَلَّتْ لَهُ بِنْتُهَا؛ إذْ لَا تَأْثِيرَ لِهَذِهِ الْإِصَابَةِ، وَكَذَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِي " الْمُبْدِعِ " يَجِبُ الْمُسَمَّى بِوَطْءِ أَوْ خَلْوَةِ مَنْ يَطَأُ مِثْلُهُ بِمَنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا بِدُونِ مَانِعٍ عُرْفًا انْتَهَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فِي فَرْجٍ وَلَوْ دُبُرًا) أَوْ فِي غَيْرِ خَلْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ اسْتِيفَاءَ الْمَقْصُودِ، فَكَانَ عَلَيْهِ عِوَضُهُ، فَإِنْ وَطِئَهَا مَيِّتَةً فَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْمَوْتِ. (وَ) يُقَرِّرُ الْمَهْرَ كَامِلًا (خَلْوَةُ) الزَّوْجِ (بِهَا) وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَزَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ. رَوَى أَحْمَدُ وَالْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ أَنَّ مَنْ أَغْلَقَ بَابًا أَوْ أَرْخَى سِتْرًا؛ فَقَدْ أَوْجَبَ الْمَهْرَ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ الْأَحْنَفِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَهَذِهِ قَضَايَا اُشْتُهِرَتْ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ أَحَدٌ فِي عَصْرِهِمْ؛ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُسْتَحَقَّ وُجِدَ مِنْ جِهَتِهَا؛ فَيَسْتَقِرُّ بِهِ الْبَدَلُ، كَمَا لَوْ وَطِئَهَا. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] فَيُحْتَمَلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 أَنَّهُ كَنَّى بِالْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْوَطْءُ عَنْ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْخَلْوَةُ بِدَلِيلِ مَا سَبَقَ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] فَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ قَالَ: الْإِفْضَاءُ الْخَلْوَةُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ الْإِفْضَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَضَاءِ وَهُوَ الْخَالِي فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَقَدْ خَلَا بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَتَزُولُ) الْخَلْوَةُ (بِمُمَيِّزٍ، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ أَعْمَى) نَصًّا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى عَاقِلًا (أَوْ مَجْنُونًا) وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجَانِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ، أَوْ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَالزَّوْجَةُ كِتَابِيَّةً (مَعَ عِلْمِهِ) بِأَنَّهَا عِنْدَهُ (وَلَمْ تَمْنَعْهُ) الزَّوْجَةُ مِنْ وَطْئِهَا، فَإِنْ مَنَعَتْهُ مِنْهُ، لَمْ يَتَقَرَّرْ الصَّدَاقُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ التَّمْكِينُ التَّامُّ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْخَلْوَةُ مُقَرَّرَةً، (إنْ كَانَ الزَّوْجُ يَطَأُ مِثْلُهُ) وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ، وَقَدْ خَلَا (وَ) كَانَتْ الزَّوْجَةُ (يُوطَأُ مِثْلُهَا) فَإِنْ كَانَ دُونَ عَشْرٍ وَكَانَتْ دُونَ تِسْعٍ، لَمْ يَتَقَرَّرْ؛ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ. (وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ) أَيْ: الزَّوْجِ بَعْدَ أَنْ خَلَا بِزَوْجَتِهِ (عَدَمَ عِلْمِهِ بِهَا) لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقُدِّمَتْ الْعَادَةُ هُنَا عَلَى الْأَصْلِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (فَكَذَا دَعْوَى إنْفَاقِهِ) عَلَى زَوْجَةٍ مُقِيمٍ مَعَهَا (فَإِنَّ الْعَادَةَ هُنَاكَ) أَيْ: فِي الْإِنْفَاقِ (أَقْوَى وَهُوَ) أَيْ: مَا ذَكَرَ مِنْ دَعْوَى إنْفَاقِهِ (مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ) لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا فِي عَدَمِ الْإِنْفَاقِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَيَأْتِي فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ. (وَلَوْ) كَانَ (نَائِمًا أَوْ بِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (عَمًى) نَصًّا إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ بِذَلِكَ (أَوْ) كَانَ (بِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ مَانِعٌ حِسِّيٌّ (أَوْ) كَانَ (بِأَحَدِهِمَا مَانِعٌ حِسِّيٌّ كَجَبٍّ) بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ (وَرَتْقٍ) بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ رَتْقَاءَ أَيْ: مَسْدُودَةَ الْفَرْجِ، أَوْ كَانَتْ هَزِيلَةً. أَوْ مَانِعٌ (شَرْعِيٌّ كَحَيْضٍ وَإِحْرَامٍ وَصَوْمٍ) وَاجِبٍ، فَإِذَا خَلَا بِهَا وَلَوْ فِي حَالٍ مِنْ هَذِهِ تَقَرَّرَ الصَّدَاقُ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ نَفْسَهَا مُقَرِّرَةٌ لِلْمَهْرِ؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، وَلِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 التَّمْكِينُ التَّامُّ، وَالْمَنْعُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لَيْسَ مِنْ فِعْلِهَا، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي التَّمْكِينِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ النَّفَقَةِ وَيُقَرَّرُ الْمَهْرُ كَامِلًا (لِمَسِّ) الزَّوْجِ الزَّوْجَةَ لِشَهْوَةٍ (وَنَظَرٍ لِفَرْجِهَا لِشَهْوَةٍ) لَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ بَدَنِهَا وَلَوْ بِلَا خَلْوَةٍ فِيهِمَا، نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] . الْآيَةَ، وَحَقِيقَةُ الْمَسِّ الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ (وَ) يُقَرِّرُهُ كَامِلًا (تَقْبِيلُهَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ) لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ، فَأَوْجَبَ الْمَهْرَ كَالْوَطْءِ وَلِأَنَّهُ نَالَ مِنْهَا شَيْئًا لَا يُبَاحُ لِغَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ الْمَهْرُ كَامِلًا (وَلَوْ) كَانَ فِعْلُهُ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ (فِي) نِكَاحٍ (فَاسِدٍ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ، الْفَاسِدَ يَنْعَقِدُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الصَّحِيحِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَلُزُومِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالِاعْتِدَادِ مِنْهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ فِيهِ بِالْعَقْدِ، وَتَقَرُّرِهِ بِالْمُفَارِقَةِ وَبِالْخَلْوَةِ، فَلِذَلِكَ لُزُومُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِيهِ كَالصَّحِيحِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ ضَمَانَ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ضَمَانُ عَقْدٍ لِضَمَانِهِ فِي الصَّحِيحِ، وَضَمَانُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ضَمَانُ تَلَفٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ؛ فَإِنَّ ضَمَانَهُ ضَمَانُ عَقْدٍ، قَالَهُ فِي: " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ مُتَّجَهٌ. (فَالْخَلْوَةُ) حُكْمُهَا (كَالْوَطْءِ فِي تَكْمِيلِ مَهْرٍ وَلُزُومِ عِدَّةٍ وَثُبُوتِ نَسَبٍ) إذَا خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَلَوْ فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَلَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرْءِ؛ وَلِأَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ؛ فَهِيَ فِي حُكْمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 الزَّوْجَاتِ (وَفِيهِ) أَيْ: فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ (نَظَرٌ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُهُ إلَّا بِالْوَطْءِ وَهُوَ رِوَايَةٌ. قَالَ فِي: " الْإِنْصَافِ " وَأَمَّا لُحُوقُ النَّسَبِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: فِي صَائِمٍ خَلَا بِزَوْجَتِهِ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِمُمْكِنٍ، رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: تَلْزَمُهُ، لِثُبُوتِ الْفِرَاشِ، وَهِيَ أَصَحُّ، وَالْأُخْرَى: قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ إلَّا بِالْوَطْءِ انْتَهَى. وَكَذَا فِي ثُبُوتِ (رَجْعَةٍ) عَلَيْهَا فِي عِدَّتِهَا (وَ) فِي (تَحْرِيمِ أُخْتِهَا) إذَا طَلَّقَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا (وَ) فِي تَحْرِيمِ (أَرْبَعٍ سِوَاهَا) إذَا طَلَّقَهَا (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) . وَلَا يَتَقَرَّرُ الْمَهْرُ كَامِلًا (إنْ تَحَمَّلَتْ بِمَائِهِ) أَيْ مَنِيِّ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِمْتَاعَ مِنْهُ بِهَا (وَيَثْبُتُ بِهِ) أَيْ: بِتَحَمُّلِ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ (عِدَّةٌ) فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ بِقَوْلِهِ: (فِي) كِتَابِ (الْعِدَدِ) وَلَا بِتَحَمُّلِهَا مَاءَ الرَّجُلِ، أَيْ: وَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِتَحَمُّلِهَا مَاءَ الرَّجُلِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ مَشَى صَاحِبُ " الْإِقْنَاعِ " عَلَى أَحَدِهِمَا هُنَا كَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ، وَمَشَى فِي الْعِدَدِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَالْمُعْتَمَدُ مَا مَشَى عَلَيْهِ هُنَا كَمَا فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ (وَ) يَثْبُتُ بِتَحَمُّلِهَا مَاءَ الرَّجُلِ (تَحْرِيمُ أُخْتِهَا وَ) تَحْرِيمُ (أَرْبَعٍ سِوَاهَا، وَكَذَا) يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ (مُصَاهَرَةٍ) ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ فَعَلَى هَذَا تَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ كَمَوْطُوءَتِهِمَا (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " (فِي) قَوْلِهِ فِي بَابِ (الْمُحَرَّمَاتِ) فِي النِّكَاحِ أَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ، قَالَ: شَارِحُهُ: أَيْ: مَنِيَّهُ بِقُطْنَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا تَحْرُمُ بِنْتُهَا عَلَيْهِ، لِعَدَمِ الدُّخُولِ بِهَا انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ مَا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ " الْإِقْنَاعِ "، وَعِبَارَتُهُ: وَلَا يَحْرُمُ فِي مُصَاهَرَةٍ إلَّا تَغْيِيبُ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ، وَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ انْفَرَدَ بِهِ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَتَبِعَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 عَلَيْهِ صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " هُنَا مَعَ أَنَّهُ مَشَى فِي الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى خِلَافِهِ (وَكَذَا) يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ (نَسَبِ) وَلَدٍ حَمَلَتْ بِهِ مِنْهُ وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ (وَلَوْ) كَانَ الْمَنِيُّ الَّذِي تَحَمَّلَتْهُ (مِنْ أَجْنَبِيٍّ) غَيْرِ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ ذَلِكَ الْحَمْلِ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّهُ (لَا) يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدٍ انْعَقَدَ مِنْ (مَاءِ زِنًا) كَمَا لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَاسْتَخْرَجَتْ الْمَزْنِيُّ بِهَا مَاءَهُ، فَأَخَذَتْهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى وَ (تَحَمَّلَتْهُ) فَحَمَلَتْ مِنْهُ، أَوْ عَزَلَ الزَّانِي فَأَخَذَتْ الْمَزْنِيُّ بِهَا مَاءَهُ، وَتَحَمَّلَتْهُ؛ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ نَسَبُ ذَلِكَ الْوَلَدِ؛ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ زِنًا مَحْضٍ لَا يُنْسَبُ لِأَبِيهِ؛ وَهُوَ مُتَّجَهٌ. وَ (لَا تَحْصُلُ بِهِ رَجْعَةٌ) فَلَوْ تَحَمَّلَتْ رَجْعِيَّةٌ بِمَنِيِّ مُطَلِّقِهَا لَمْ يَكُنْ تَحَمُّلُهَا رَجْعَةً، وَإِذَا تَحَمَّلَتْ بِمَاءِ أَجْنَبِيٍّ فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ. (وَلَوْ اتَّفَقَا) أَيْ: الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ الَّتِي خَلَا بِهَا (عَلَى أَنْ لَمْ يَطَأْ) هَا (فِي الْخَلْوَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَا لَمْ يَسْقُطْ مَهْرٌ وَلَا) وُجُوبُ (عِدَّةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا؟ مِمَّا يَلْزَمُهُ (وَلَا تَثْبُتُ) بِخَلْوَةٍ (أَحْكَامُ وَطْءٍ مِنْ إحْصَانٍ) فَلَا يَصِيرَانِ مُحْصَنَيْنِ؛ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الزِّنَا (وَحِلُّهَا لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا) فَلَا تَحِلُّ بِالْخَلْوَةِ، بَلْ بِالْوَطْءِ؛ لِحَدِيثِ: «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» (وَلُزُومُ غُسْلٍ) إذْ لَا الْتِقَاءَ لِلْخِتَانَيْنِ فِيهَا، (وَ) لَا يَجِبُ بِهَا (كَفَّارَةٌ) إذَا خَلَا بِهَا فِي الْحَيْضِ أَوْ الْإِحْرَامِ (وَلَا) يَثْبُتُ بِهَا (خُرُوجٌ مِنْ عُنَّةٍ وَ) لَا (حُصُولُ فَيْئَةٍ) مِنْ مُولٍ، وَلَا تَفْسُدُ بِهَا الْعِبَادَاتُ (وَ) لَا يَثْبُتُ بِهَا (تَحْرِيمُ رَبِيبَةٍ، وَلَا حُصُولُ رَجْعَةٍ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مَنُوطَةٌ بِالْوَطْءِ وَلَمْ يُوجَدْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 [فَصْلٌ اخْتَلَفَا الزَّوْجَانِ أَوْ اخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا فِي قَدْرِ صَدَاقٍ] فَصْلٌ (وَإِذَا) (اخْتَلَفَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (أَوْ) اخْتَلَفَ (وَرَثَتُهُمَا) أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَرَثَةُ الْآخَرِ (أَوْ) اخْتَلَفَ (وَلِيَّاهُمَا، أَوْ) اخْتَلَفَ (زَوْجٌ وَوَلِيُّ زَوْجَةِ) نَحْوِ صَغِيرٍ، (وَعَكْسِهِ) كَأَنْ اخْتَلَفَ وَلِيُّ زَوْجٍ نَحْوِ صَغِيرٍ مَعَ زَوْجَةٍ رَشِيدَةٍ أَوْ مَعَ وَلِيِّ غَيْرِهَا أَوْ مَعَ وَرَثَتِهَا (فِي قَدْرِ صَدَاقٍ) بِأَنْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك عَلَى عِشْرِينَ، فَتَقُولُ: بَلْ عَلَى ثَلَاثِينَ (أَوْ) فِي (عَيْنِهِ) بِأَنْ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ، فَتَقُولُ: بَلْ هَذِهِ الْأَمَةُ، أَوْ فِي صِفَتِهِ بِأَنْ قَالَ: عَلَى عَبْدٍ زِنْجِيٍّ، فَقَالَتْ: بَلْ أَبْيَض (أَوْ فِي جِنْسِهِ) بِأَنْ قَالَ: عَلَى فِضَّةٍ، فَتَقُولُ: عَلَى ذَهَبٍ (أَوْ مَا يَسْتَقِرُّ بِهِ) الصَّدَاقُ؛ بِأَنْ ادَّعَتْ وَطْئًا أَوْ خَلْوَةً، وَأَنْكَرَ (فَقَوْلُ زَوْجٍ) بِيَمِينِهِ (أَوْ وَلِيِّهِ) بِيَمِينِهِ (أَوْ وَارِثِهِ بِيَمِينِهِ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ أَوْ وَلِيُّهُ أَوْ وَارِثُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلِيِّ (فَحَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَ) يَحْلِفُ (عَلَى الْبَتِّ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْيَمِينِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ، فَيَحْلِفُ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَيَتَّجِهُ:) مَحَلُّ حَلِفِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ (إنْ لَمْ يَحْضُرْ الْعَقْدَ) فَإِنْ حَضَرَ الْعَقْدَ، فَلَهُ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ وَعَيْنِهِ وَجِنْسِهِ وَصَنْعَتِهِ، لَا فِي دَعْوَى الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَسْتَقِرُّ بِهِ الصَّدَاقُ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 وَإِذَا اخْتَلَفَا أَوْ وَرَثَتُهُمَا أَوْ وَلِيَّاهُمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَلِيُّ الْآخَرِ أَوْ وَارِثُهُ (فِي قَبْضِ) صَدَاقٍ؛ فَقَوْلُهَا أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ (أَوْ) فِي (تَسْمِيَةِ مَهْرِ) الْمِثْلِ بِأَنْ قَالَ: لَمْ أُسَمِّ لَك مَهْرًا، وَقَالَتْ: بَلْ سَمَّيْت لِي قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهَا) فِي رِوَايَةٍ إنْ وُجِدَتْ بِيَمِينِهَا، (أَوْ) قَوْلُ وَلِيِّهَا إنْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا، أَوْ قَوْلُ (وَرَثَتِهَا) إنْ كَانَتْ مَيِّتَةً (بِيَمِينٍ خِلَافًا لَهُ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ " " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي " التَّنْقِيحِ " وَكَأَنَّ مُوَافَقَةَ الْمُصَنِّفِ " لِلْمُنْتَهَى " ذُهُولٌ عَنْ الْمُعْتَمَدِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِعَدَمِ إشَارَتِهِ لِلْخِلَافِ، وَقَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَفِي تَسْمِيَةٍ، فَقَوْلُهُ - أَيْ: الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ، وَمَا قَالَهُ فِي: " الْإِقْنَاعِ " مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ. قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَلَهَا الْمُتْعَةُ بِنَاءً عَلَى مَا فِي " الْإِقْنَاعِ " وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَبِهِ يُفْتَى. (وَ) إنْ قَالَ الزَّوْجُ: (لَيْسَ لَهَا عَلَيَّ صَدَاقٌ فَ) الْقَوْلُ: (قَوْلُهَا قَبْلَ دُخُولٍ، وَبَعْدَهُ فِيمَا يُوَافِقُ مَهْرَ مِثْلٍ: سَوَاءٌ ادَّعَى أَنَّهُ وَفَّاهَا) الصَّدَاقَ (أَوْ) ادَّعَى أَنَّهَا (أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ) أَوْ قَالَ: لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ مُوجِبُهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ بَرَاءَتِهِ مِنْهُ (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (أَنَّ مَا دَفَعَهُ) الزَّوْجُ إلَيْهَا مُدَّعِيًا أَنَّهُ صَدَاقٌ فَقَالَتْ: بَلْ دَفَعَهُ إلَيَّ (هِبَةً) فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، وَمِثْلُهُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ (لَكِنْ إنْ لَمْ يَكُنْ) مَا دَفَعَهُ الزَّوْجُ إلَيْهَا (جِنْسَ مَهْرٍ) وَاجِبٍ عَلَيْهِ (فَلَهَا رَدُّهُ وَمُطَالَبَتُهُ بِصَدَاقِهَا) الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمُعَاوَضَةِ بِلَا بَيِّنَةٍ. (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِعَقْدٍ مُكَرَّرٍ عَلَى صَدَاقَيْنِ، سِرًّا وَعَلَانِيَةً بِ) أَنْ عَقَدَ سِرًّا عَلَى صَدَاقٍ، وَعَلَانِيَةً عَلَى صَدَاقٍ آخَرَ (أَخَذَ) الزَّوْجُ بِالصَّدَاقِ (الزَّائِدِ مُطْلَقًا) نَصًّا؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الزَّائِدُ صَدَاقَ السِّرِّ أَوْ الْعَلَانِيَةِ، وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 الْعَلَانِيَةِ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ السِّرُّ أَكْثَرَ فَقَدْ وَجَبَ بِالْعَقْدِ، وَلَمْ يُسْقِطْهُ الْعَلَانِيَةُ، وَإِنْ كَانَ الْعَلَانِيَةُ أَكْثَرَ فَقَدْ بَذَلَ لَهَا الزَّائِدَ، فَلَزِمَهُ كَمَا لَوْ زَادَهَا فِي صَدَاقِهَا. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعٍ عَقَدَ عَلَى صَدَاقَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَزْيَدُ مِنْ الْآخَرِ أَنْ الزَّائِدَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ تَجَمُّلًا (وَيَدِينُ فِي) دَعْوَاهُ إرَادَةَ (الْأَقَلِّ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَتَّجِهُ: (أَنَّهُ يُقْبَلُ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا إنْ اعْتَرَفَتْ) الزَّوْجَةُ (أَنَّهُ) صَدَرَ (عَقْدٌ) بِاتِّفَاقٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأَقَلِّ أَوْ لَا، ثُمَّ (تَكَرَّرَ) الْعَقْدُ ثَانِيًا بِالزَّائِدِ بِلَا فُرْقَةٍ تَخَلَّتْ بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ عَقْدًا فِي السِّرِّ انْعَقَدَ عَلَى مَهْرٍ قَلِيلٍ، فَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَلَيْسَ لَهَا سِوَاهُ؛ وَإِنْ أَكَذَبَتْهُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ. انْتَهَى وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ. (وَتَلْحَقُ بِهِ) أَيْ: الْمَهْرِ (زِيَادَةٌ بَعْدَ عَقْدٍ) مَا دَامَتْ فِي حِبَالِهِ، وَمَعْنَى لُحُوقِ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَصْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (فِيمَا يُقَرِّرُهُ) أَيْ: الْمَهْرُ كَامِلًا كَمَوْتٍ وَدُخُولٍ وَخَلْوَةٍ (وَ) فِيمَا (يُنَصِّفُهُ) كَطَلَاقٍ وَخُلْعٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] . وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْعَقْدِ زَمَنٌ لِفَرْضِ الْمَهْرِ، فَكَانَ حَالَةُ الزِّيَادَةِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى ثَمَنٍ، أَوْ أُجْرَةٍ وَعَقَدَا بِأَكْثَرَ تَجَمُّلًا؛ فَالثَّمَنُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، دُونَ مَا عَقَدَا بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَنْعَقِدَانِ هَزْلًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 وَتَلْجِئَةً، بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَلَا تُغْتَفَرُ الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ إلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ، وَتَلْحَقُ الزِّيَادَةُ أَيْضًا فِيمَا (يُسْقِطُهُ) أَيْ: الصَّدَاقُ كَحُصُولِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (وَتَمَلُّكِ) الزِّيَادَةِ (بِهِ) أَيْ: يَجْعَلُهَا (مِنْ حِينِهَا) أَيْ: الزِّيَادَةِ، لَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَجُوزُ تَقَدُّمُهُ عَلَى سَبَبِهِ، وَلَا وُجُودُهُ فِي حَالِ عَدَمِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بَعْدَ سَبَبِهِ مِنْ حِينِهِ (فَمَا) زَادَهُ زَوْجٌ (بَعْدَ عِتْقِ زَوْجَةٍ لَهَا) دُونَ سَيِّدِهَا، وَكَذَا لَوْ بِيعَتْ، ثُمَّ زِيدَ فِي صَدَاقِهَا؛ فَالزِّيَادَةُ لِمُشْتَرٍ دُونَ بَائِعٍ. (وَلَوْ قَالَ) لَهَا (زَوْجٌ) وَقَدْ عَقَدَاهُ سِرًّا بِمَهْرٍ وَعَلَانِيَةً بِمَهْرٍ (هُوَ عَقْدٌ) وَاحِدٌ (أُسِرَّ ثُمَّ أُظْهِرَ) فَالْوَاجِبُ مَهْرٌ وَاحِدٌ (وَقَالَتْ:) الزَّوْجَةُ هُمَا (عَقْدَانِ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ) فَالْقَوْلُ: (قَوْلُهَا) بِيَمِينِهَا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الثَّانِيَ عَقْدٌ صَحِيحٌ يُفِيدُ حُكْمًا كَالْأَوَّلِ، وَلَهَا الْمَهْرُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي إنْ دَخَلَ بِهَا وَنَحْوُهُ (وَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ إنْ ادَّعَى إبَانَةً قَبْلَ دُخُولٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ لُزُومِهِ لَهُ (فَإِنْ أَصَرَّ مُنْكِرًا) جَرَيَانَ عَقْدَيْنِ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ سُئِلَتْ (فَ) إنْ (ادَّعَتْ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا) فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ (ثُمَّ أَبَانَهَا، ثُمَّ نَكَحَهَا ثَانِيًا، وَحَلَفَتْ) عَلَى ذَلِكَ (اسْتَحَقَّتْ) مَا ادَّعَتْهُ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِمَا يُسْقِطُ نِصْفَ الْمَهْرِ أَوْ جَمِيعَهُ؛ لَزِمَهَا مَا أَقَرَّتْ بِهِ. (وَإِنْ اتَّفَقَا قَبْلَ عَقْدٍ عَلَى مَهْرٍ) كَمِائَةٍ (وَعَقَدَاهُ بِأَكْثَرَ) كَمِائَتَيْنِ (تَجَمُّلًا؛ فَالْمَهْرُ عَقْدٌ عَلَيْهِ) لِأَنَّهَا تَسْمِيَةٌ صَحِيحَةٌ فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ، فَوَجَبَتْ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا اتِّفَاقٌ عَلَى خِلَافِهَا، وَسَوَاءٌ السِّرُّ مِنْ جِنْسِ الْعَلَانِيَةِ أَوْ لَا (وَنَصَّ) أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ (أَنَّهَا تَفِي) أَيْ: نَدْبًا (بِمَا وَعَدَتْ بِهِ) وَشَرَطَتْهُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَأْخُذُ إلَّا مَهْرَ السِّرِّ، قَالَهُ: الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ. (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا) لَوْ اتَّفَقَا عَلَى مَهْرٍ، وَعَقَدَا (بِأَقَلَّ) مِمَّا اتَّفَقَا عَلَيْهِ تَسَتُّرًا، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَهَا الزَّوْجُ مَا شَرَطَهُ لَهَا (وَيَفِي بِمَا وَعَدَ) لِئَلَّا يَكُونَ غَادِرًا، وَلِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَهُوَ مُتَّجَهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 [فَصْلٌ هَدِيَّةُ زَوْجٍ لَيْسَتْ مِنْ الْمَهْرِ] فَصْلٌ (وَهَدِيَّةُ زَوْجٍ لَيْسَتْ مِنْ الْمَهْرِ) نَصًّا (فَمَا) أَهْدَاهُ الزَّوْجُ مِنْ هَدِيَّةٍ (قَبْلَ عَقْدٍ إنْ وَعَدُوهُ) بِأَنْ يُزَوِّجُوهُ (وَلَمْ يَفُوا) بِأَنْ زَوَّجُوا غَيْرَهُ (رَجَعَ بِهَا) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَهَا فِي نَظِيرِ النِّكَاحِ، وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ هُوَ لَا رُجُوعَ لَهُ كَالْمُجَامِلِ إذَا لَمْ يَفِ بِالْعَمَلِ. (وَمَا قَبَضَ) أَيْ: قَبَضَهُ بَعْضُ أَقَارِبِهَا كَاَلَّذِي يُسَمُّونَهُ (مَأْكَلَةٌ بِسَبَبِ نِكَاحٍ؛ فَحُكْمُهُ كَمَهْرٍ فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيُسْقِطُهُ وَيُنَصِّفُهُ) وَيَكُونُ ذَلِكَ لَهَا، وَلَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا أَنْ تَهَبَهُ لَهُ بِشَرْطِهِ، إلَّا الْأَبَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشَّرْطِ وَبِلَا شَرْطٍ مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَتْ بِشَرْطِهِ، وَتَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ حُكْمِ الْمَجْعُولِ مَأْكَلَةً كَمَهْرٍ حَيْثُ قَبَضَهُ أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ أَمَّا (قَبْلَ قَبْضِ) ذَلِكَ (فَلَهُ) أَيْ: الْخَاطِبِ (الرُّجُوعُ) بِمَا شَرَطَهُ لَهُمْ (لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ) لَمْ يُقْبَضْ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ كَمَنْ أَخْرَجَ مَالًا لِلصَّدَقَةِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ. (فَلَوْ اتَّفَقُوا) أَيْ: الْخَاطِبُ مَعَ الْمَرْأَةِ وَوَلِيِّهَا (عَلَى النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَأَعْطَى) الْخَاطِبُ (أَبَاهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ شَيْئًا) مِنْ غَيْرِ صَدَاقٍ (فَمَاتَتْ قَبْلَ عَقْدٍ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. لِأَنَّ عَدَمَ التَّمَامِ مِنْ جِهَتِهِمْ، وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْخَاطِبُ لَا رُجُوعَ لِوَرَثَتِهِ. (وَمَا كَتَبَ فِيهِ الْمَهْرَ لَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 سَوَاءٌ كَانَ الْمَكْتُوبُ فِيهِ ذَلِكَ لَوْحًا أَوْ قِطْعَةَ حَرِيرٍ أَوْ وَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ طَلُقَتْ (قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: لِأَنَّ الْعَادَةَ أَخْذُهَا لِذَلِكَ. (وَتَرُدُّ هَدِيَّةً) عَلَى زَوْجٍ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَا كَانَ مِنْ هَدِيَّةٍ أَهْدَاهَا الْخَاطِبُ (بَعْدَ عَقْدٍ) يُرَدُّ بِحُصُولِ فُرْقَةٍ (لِأَنَّ مَا) أُهْدِيَ (قَبْلَهُ) أَيْ: الْعَقْدِ (تَقَرَّرَ بِهِ) أَيْ: بِالْعَقْدِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. (فِي كُلِّ فُرْقَةٍ اخْتِيَارِيَّةٍ مُسْقِطَةٍ لِلْمَهْرِ) كَفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ وَنَحْوِهِ وَفِي فُرْقَةٍ قَهْرِيَّةٍ (كَفَسْخٍ) مِنْ قِبَلِهَا (لِفَقْدِ كَفَاءَةٍ وَعَيْبٍ قَبْلَ دُخُولٍ) لِدَلَالَةِ الْحَالِ أَنَّهُ وَهَبَ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْعَقْدِ، فَإِذَا زَالَ مِلْكُ الرُّجُوعِ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الثَّوَابِ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قِيَاسُ ذَلِكَ لَوْ وَهَبَتْهُ هِيَ شَيْئًا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ طَلَّقَ وَنَحْوَهُ (وَتَثْبُتُ) الْهَدِيَّةُ لِلزَّوْجَةِ (مَعَ) فَسْخٍ لِلنِّكَاحِ (مُقَرَّرٌ لَهُ) أَيْ الصَّدَاقُ كَوَطْءٍ وَخَلْوَةٍ (أَوْ) مُقَرَّرٌ (لِنِصْفِهِ) كَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي الْهَدِيَّةِ إذَنْ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْدِ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهَا (وَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا بِسَبَبِ عَقْدِ) بَيْعٍ وَنَحْوِهِ (كَدَلَّالِ) وَكَيَّالٍ وَوَزَّانٍ. (فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ) فِي " النَّظَرِيَّاتِ " (إنْ فُسِخَ) بَيْعٌ (بِنَحْوِ إقَالَةٍ مِمَّا يَقِفُ عَلَى تَرَاضٍ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا ثُمَّ يَفْسَخَانِ الْبَيْعَ (لَمْ يَرُدَّهُ) أَيْ الْمَأْخُوذُ؛ لِلُزُومِ الْبَيْعِ، وَإِلَّا يَقِفُ الْفَسْخُ عَلَى تَرَاضِيهِمَا (كَفَسْخٍ لِعَيْبٍ يَرُدُّهُ) أَيْ: الْمَأْخُوذُ بِسَبَبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ (وَقِيَاسُهُ) أَيْ: قِيَاسُ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (نِكَاحٌ فُسِخَ الْعَقْدُ لِعَدَمِ كَفَاءَةِ) الزَّوْجِ (أَوْ) ظُهُورِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 (عَيْبٍ) فِي أَحَدِهِمَا (فَيَرُدَّهُ) أَيْ: يَرُدُّ الْخَاطِبُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِسَبَبِ تَوَسُّطِهِ التَّزْوِيجَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ عَلَى عَقْدٍ لَمْ يَسْلَمْ، وَ (لَا) يَرُدُّ الْمَأْخُوذُ إنْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ (لِرِدَّةٍ وَرَضَاعٍ وَمُخَالَعَةٍ) وَذَلِكَ حِكَايَةٌ لِكَلَامِهِ بِمَعْنَاهُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ " الْإِنْصَافِ ". (وَيَتَّجِهُ هُوَ) أَيْ: قَوْلُهُ: لَا لِرِدَّةٍ وَرَضَاعٍ وَمُخَالَعَةٍ (مُخَالِفٌ) عُمُومَهُ (لِمَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ: وَمَا أُخِذَ مَأْكَلَةً بِسَبَبِ نِكَاحٍ فَكَمَهْرٍ فِيمَا يُقَرِّرُهُ وَيُسْقِطُهُ وَيُنَصِّفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجَةِ كَرِدَّتِهَا وَرَضَاعِهَا وَمُخَالَعَتِهَا مُسْقِطَةٌ لِلْمَهْرِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ رَدُّ الْآخِذِ كَسِمْسَارٍ فِي النِّكَاحِ جَمِيعَ مَا أَخَذَهُ؛ إذْ لَا دَخْلَ لِلزَّوْجِ هُنَا فِي ذَلِكَ، وَمُقْتَضَى قِيَاسِ ابْنِ عَقِيلٍ أَنْ لَا يَرُدَّ، فَحَصَلَتْ الْمُخَالَفَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، فَإِنَّ الْمَهْرَ يَتَنَصَّفُ، لَا يَسْقُطُ، وَحِينَئِذٍ لَا مُخَالَفَةَ، وَالثَّانِي: أَنَّ مُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ فَكَمَهْرٍ فِيمَا يُقَرِّرُهُ. . . إلَخْ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ وَيَرُدَّ النِّصْفَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهِ، وَمُقْتَضَى قِيَاسِهِ أَنْ يَحْصُلَ الْكُلُّ، فَحَصَلَتْ الْمُخَالَفَةُ (إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْخَاطِبِ فَقَطْ) أَيْ: لَا عَلَى الزَّوْجَةِ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَيْهِ فَلَا مُخَالَفَةَ، أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَفِي الْجُمْلَةِ؛ إذْ الرَّدُّ فِيمَا تَقَدَّمَ النِّصْفُ، وَفِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ الْكُلُّ وَهُوَ مُتَّجَهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 [فَصْلٌ فِي الْمُفَوِّضَةِ] (الْمُفَوِّضَةُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا، فَالْكَسْرُ عَلَى إضَافَةِ الْفِعْلِ لِلْمَرْأَةِ عَلَى أَنَّهَا فَاعِلَةٌ، وَالْفَتْحُ عَلَى إضَافَتِهِ لِوَلِيِّهَا، وَالتَّفْوِيضُ فِي اللُّغَةِ الْإِهْمَالُ كَأَنَّ الْمَهْرَ أُهْمِلَ حَيْثُ لَمْ يُسَمَّ، قَالَ الشَّاعِرُ: لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا وَالتَّفْوِيضُ (ضَرْبَانِ تَفْوِيضُ بِضْعٍ) وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ (بِأَنْ يُزَوِّجَ أَبٌ بِنْتَهُ الْمُجْبَرَةَ) بِلَا مَهْرٍ (أَوْ) يُزَوِّجَ الْأَبُ (غَيْرَهَا بِإِذْنِهَا) بِلَا مَهْرٍ (أَوْ) يُزَوِّجَ (غَيْرَ الْأَبِ) كَأَخٍ يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ (بِإِذْنِهَا بِلَا مَهْرٍ) سَوَاءٌ سَكَتَ عَنْ الصَّدَاقِ أَوْ شَرَطَ نَفْيَهُ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ، وَيَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] وَلِحَدِيثِ «ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا رَجُلٌ، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ، فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٌ مِنَّا، مِثْلَ مَا قَضَيْت» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ النِّكَاحِ الْوَصْلَةَ وَالِاسْتِمْتَاعَ، دُونَ الصَّدَاقِ، فَصَحَّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُك بِغَيْرِ مَهْرٍ، أَوْ يَزِيدَ لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": الْوَكْسُ كَالْوَعْدِ - النُّقْصَانُ. وَالشَّطَطُ: الظُّلْمُ وَالتَّبَاعُدُ عَنْ الْحَقِّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 وَالضَّرْبُ الثَّانِي: (تَفْوِيضُ مَهْرٍ) بِأَنْ يَجْعَلَ الْمَهْرَ إلَى رَأْيِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا (كَ) قَوْلُهُ زَوَّجْتُك بِنْتِي أَوْ أُخْتِي أَوْ نَحْوِهِمَا (عَلَى مَا شَاءَتْ) الزَّوْجَةُ (أَوْ) عَلَى مَا (شَاءَ) الزَّوْجُ، (أَوْ) عَلَى مَا شَاءَ (فُلَانٌ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ) غَيْرَ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ يَقُولَ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُكهَا عَلَى مَا شِئْنَا أَوْ عَلَى حُكْمِنَا أَوْ حُكْمِك أَوْ حُكْمِ زَيْدٍ (فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ) فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (وَيَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ فِي تَزْوِيجِهَا إلَّا عَلَى صَدَاقٍ وَلَكِنَّهُ مَجْهُولٌ، فَسَقَطَ لِجَهَالَتِهِ، وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ (حَالَةَ عَقْدٍ) فِي الضَّرْبَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، فَكَانَ وَاجِبًا كَالْمُسَمَّى، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ لِمَا اسْتَقَرَّ بِالْمَوْتِ (وَلَهَا مَعَ ذَلِكَ) أَيْ: التَّفْوِيضِ طَلَبُ فَرْضِهِ، (وَ) لَهَا (مَعَ فَسَادِ تَسْمِيَةٍ) كَأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى نَحْوِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (طَلَبُ فَرْضِهِ) قَبْلَ دُخُولٍ وَبَعْدَهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ أُجْبِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو مِنْ مَهْرٍ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا. (وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (لَهُ) أَيْ لِزَوْجِهَا (مِنْهُ) أَيْ: مَهْرِ الْمِثْلِ (قَبْلَ فَرْضِهِ) لِانْعِقَادِ سَبَبِ وُجُوبِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ الْجُرْحِ (فَإِذَا حَصَلَ) مِنْ الزَّوْجِ فِعْلٌ (مُقَرِّرٌ) لِصَدَاقِ مَنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ كَدُخُولِهِ بِهَا (فَلَا شَيْءَ لَهَا) لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ بِاخْتِيَارِهَا (وَإِنْ طَلُقَتْ) مَنْ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَ دُخُولٍ (فَ) لَهَا عَلَيْهِ (الْمُتْعَةُ) ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] فَأَوْجَبَ لَهَا الْمُتْعَةَ بِالطَّلَاقِ. (فَإِنْ تَرَاضَيَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ الْجَائِزَا التَّصَرُّفِ (فِي فَرْضِهِ) أَيْ الْمَهْرِ (وَلَوْ عَلَى) شَيْءٍ (قَلِيلٍ صَحَّ) سَوَاءٌ كَانَا عَالِمَيْنِ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ لَا، وَلَهَا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُ إنْ فَرَضَ لَهَا كَثِيرًا فَقَدْ بَذَلَ لَهَا مِنْ مَالِهِ فَوْقَ مَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ فَرَضَ لَهَا يَسِيرًا فَقَدْ رَضِيَتْ بِدُونِ مَا وَجَبَ لَهَا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِحَظِّهِ؛ فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ بَذْلُ أَكْثَرِ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 فَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا الرِّضَى بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا (وَإِلَّا) يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ (فَرَضَهُ حَاكِمٌ بِقَدْرِهِ) أَيْ: مَهْرِ الْمِثْلِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ مَيْلٌ عَلَى الزَّوْجِ، وَالنَّقْصُ عَنْهُ مَيْلٌ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَلَا يَحِلُّ الْمَيْلُ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُفْرَضُ بَدَلُ الْبُضْعِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، كَسِلْعَةٍ أُتْلِفَتْ يُقَوِّمُهَا بِمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ. (وَيُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ مَهْرِ مِثْلٍ لِيُتَوَصَّلَ) لِإِمْكَانِ (فَرْضِهِ) وَمَتَى صَحَّ الْفَرْضُ صَارَ الْمَهْرُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ تَنَصَّفَ بِالطَّلَاقِ، وَلَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ مَعَهُ (وَ) إذَا فَرَضَهُ الْحَاكِمُ فَإِنَّهُ (يَلْزَمُهَا فَرْضُهُ) لِمَهْرِ الْمِثْلِ (كَ) مَا يَلْزَمُهَا (حُكْمُهُ) يَعْنِي يَلْزَمُ الزَّوْجَيْنِ مَا فَرَضَهُ الْحَاكِمُ رَضِيَا بِهِ أَوْ لَمْ يَرْضَيَا، كَمَا يَلْزَمُهَا حُكْمُهُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " (فَدَلَّ) عَلَى (أَنَّ ثُبُوتَ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ) وَهُوَ هُنَا فَرْضُ الْحَاكِمِ؛ فَإِنَّ مُجَرَّدَ فَرْضِهِ سَبَبٌ لِمُطَالَبَتِهَا قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ " (كَتَقْدِيرِهِ) أَيْ: الْحَاكِمِ (أُجْرَةَ مِثْلٍ وَنَفَقَةٍ) وَكِسْوَةٍ وَمَسْكَنِ مِثْلٍ أَوْ جَعْلِ (حُكْمٍ) قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: أَيْ: مُتَضَمَّنٌ لِلْحُكْمِ، وَلَيْسَ بِحُكْمٍ صَرِيحٍ (فَلَا يُغَيِّرُهُ حَاكِمٌ آخَرُ) لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْتَقَضُ بِالِاجْتِهَادِ (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السَّبَبُ كَيُسْرِ) مُنْفِقٍ (أَوْ عُسْرَةِ مُنْفِقٍ) فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَغَلَاءٍ وَرُخْصٍ فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي، وَلَيْسَ نَقْضًا لِلْأَوَّلِ. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ فَرَضَ لَهَا غَيْرُ الزَّوْجِ وَالْحَاكِمِ مَهْرَ مِثْلِهَا فَرَضِيَتْهُ لَمْ يَصِحَّ فَرْضُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ وَلَا حَاكِمٍ. (فَإِنْ حَصَلَ قَبْلَ فَرْضِهِ) أَيْ: الْحَاكِمِ (مَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ) كَمَا لَوْ فَسَخَ نِكَاحَهَا لِرِدَّتِهَا أَوْ إرْضَاعِهَا مِمَّنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا (فَلَا مُتْعَةَ) لَهَا؛ لِقِيَامِ الْمُتْعَةِ مَقَامَ نِصْفِ الْمُسَمَّى، فَسَقَطَتْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَسْقُطُ فِيهِ (أَوْ) حَصَلَ قَبْلَ قَبْضِهِ (مَا يُقَرِّرُهُ) كَالدُّخُولِ (فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) لِأَنَّ الدُّخُولَ يُوجِبُ اسْتِقْرَارَ الْمُسَمَّى، فَكَذَا مَهْرُ الْمِثْلِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ؛ لِلِاسْتِقْرَارِ (وَلَا مُتْعَةَ) لَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بَلْ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَكَالدُّخُولِ سَائِرُ مَا يُقَرِّرُ الصَّدَاقَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ لَمْ تَجِبْ لَهَا مُتْعَةٌ؛ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّنْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا أَوْ لَا، وَلِأَنَّهَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فَلَمْ تَجِبْ لَهَا الْمُتْعَةُ، لِأَنَّهَا كَالْبَدَلِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ (أَوْ) حَصَلَ قَبْلَ فَرْضِهِ (مَا يُنَصِّفُهُ) أَيْ الْمَهْرَ كَرِدَّةِ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَطَلَاقِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 الزَّوْجَةَ (فَ) لَهَا (الْمُتْعَةُ) نَصًّا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. (وَهِيَ) أَيْ الْمُتْعَةُ (مَا يَجِبُ عَلَى زَوْجٍ) حُرٍّ (لِ) زَوْجَةٍ (حُرَّةٍ أَوْ) مَا يَجِبُ عَلَى (سَيِّدِهِ) أَيْ: الْقِنِّ (لِ) زَوْجَةٍ (حُرَّةٍ) زَوَّجَهُ بِهَا (أَوْ) مَا يَجِبُ عَلَى (سَيِّدِ) قِنٍّ لِسَيِّدِ (أَمَةٍ) أَوْ مَا يَجِبُ عَلَى حُرٍّ لِسَيِّدِ أَمَةٍ بِطَلَاقِهَا قَبْلَ دُخُولٍ فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَالْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ. (وَلَوْ عَتَقَتْ) أَمَةٌ فَوَّضَ سَيِّدُهَا مَهْرَهَا (أَوْ بِيعَتْ) ثُمَّ فَرَضَ لَهَا الْمَهْرَ؛ كَانَ الْمَهْرُ لِمُعْتَقِهَا أَوْ بَائِعِهَا (لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا) أَصْلًا (أَوْ سَمَّى) لَهَا مَهْرًا (فَاسِدًا) كَخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (خِلَافًا الْجَمْعُ) مِنْهُمْ الْخِرَقِيِّ وَالشِّيرَازِيُّ وَالْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ كَصَاحِبِ " الرِّعَايَتَيْنِ " " وَالنَّظْمِ " وُجُوبُ الْمُتْعَةِ دُونَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَهُوَ مَفْهُومُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الْفَاسِدَةَ كَعَدَمِهَا، فَأَشْبَهَتْ الْمُفَوِّضَةَ (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ) نَصًّا اعْتِبَارًا بِحَالِ الزَّوْجَةِ لِلْآيَةِ (فَأَعْلَاهَا) أَيْ: الْمُتْعَةِ (خَادِمٌ عَلَى) زَوْجٍ (مُوسِرٍ) وَالْخَادِمُ الرَّقِيقُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَأَدْنَاهَا) أَيْ: الْمُتْعَةِ (كِسْوَةٌ تُجْزِئُهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (فِي صَلَاتِهَا) وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ أَوْ ثَوْبٌ تُصَلِّي فِيهِ بِحَيْثُ يَسْتُرُ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ (عَلَى مُعْسِرٍ) أَيْ: فَقِيرٍ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَعْلَى الْمُتْعَةِ خَادِمٌ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ النَّفَقَةُ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ الْكِسْوَةُ، وَقُيِّدَتْ بِمَا يُجْزِئُهَا فِي صَلَاتِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ الْكِسْوَةِ. (وَلَا تَسْقُطُ مُتْعَةٌ بِهِبَتِهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ (لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ وَإِبْرَائِهَا إيَّاهُ مِنْ (مَهْرِ مِثْلٍ قَبْلَ فُرْقَةٍ) لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] وَلِأَنَّهَا إنَّمَا وَهَبَتْهُ مَهْرَ الْمِثْلِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْمُتْعَةُ، وَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 كَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَإِنْ وَهَبَ الزَّوْجُ لِلْمُفَوِّضَةِ شَيْئًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولٍ وَفَرْضٍ؛ فَلَهَا الْمُتْعَةُ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالطَّلَاقِ؛ فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهَا قَبْلَهُ، وَكَنِصْفِ الْمُسَمَّى. (وَتُسَنُّ مُتْعَةٌ لِمُطَلَّقَةٍ بَعْدَ دُخُولٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] الْآيَةَ. وَلَمْ تَجِبْ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَسَّمَ الْمُطَلَّقَاتِ قِسْمَيْنِ؛ وَأَوْجَبَ الْمُتْعَةَ لِغَيْرِ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ، وَنِصْفَ الْمُسَمَّى لِلْمَفْرُوضِ لَهُنَّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ كُلِّ قِسْمٍ بِحُكْمِهِ وَلَا مُتْعَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا، وَإِنَّمَا تَنَاوَلَ الْمُطَلَّقَاتِ، وَمُتْعَةُ الْأَمَةِ لِسَيِّدِهَا كَمَهْرِهَا، لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ نِصْفِهِ كَمَا مَرَّ. (وَيَجُوزُ دُخُولٌ بِزَوْجَةٍ قَبْلَ إعْطَائِهَا شَيْئًا؛ وَلَوْ) كَانَتْ الزَّوْجَةُ (مُفَوِّضَةً) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُدْخِلَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَلَمْ يَقِفْ جَوَازُ تَسْلِيمِ الْمُعَوَّضِ عَلَى قَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ، كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ، وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ. (وَيُسْتَحَبُّ إعْطَاؤُهَا شَيْئًا قَبْلَ الدُّخُولِ) لَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَمَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ لِي شَيْءٌ. فَقَالَ: أَعْطِهَا دِرْعَك، فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا» . وَهَذَا وَشِبْهَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا قَبْلَ الدُّخُولِ مُوَافَقَةً لِلْأَخْبَارِ؛ وَلِعَادَةِ النَّاسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلِتَخْرُجَ الْمُفَوِّضَةُ عَنْ شِبْهِ الْمَوْهُوبَةِ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ أَقْطَعَ لِلْخُصُومَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 (وَمَهْرُ الْمِثْلِ مُعْتَبَرٌ بِمَنْ يُسَاوِيهَا مِنْ جَمِيعِ أَقَارِبِهَا) أَيْ: الْمُفَوِّضَةِ (كَأُمٍّ وَأُخْتٍ وَخَالَةٍ وَعَمَّةٍ وَغَيْرِهِنَّ) كَبِنْتِ أَخٍ وَبِنْتِ عَمٍّ (الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى) لِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَلَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا» لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ لِحَسَبِهَا، لِلْأَثَرِ، وَحَسَبُهَا يَخْتَصُّ بِهِ أَقَارِبُهَا وَيَزْدَادُ الْمَهْرُ لِذَلِكَ، وَيَقِلُّ لِعَدَمِهِ، وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي (فِي مَالٍ وَجَمَالٍ وَعَقْلٍ وَأَدَبٍ وَسِنٍّ وَبَكَارَةٍ أَوْ ثُيُوبَةٍ وَبَلَدٍ) وَصَرَاحَةِ نَسَبِهَا وَكُلِّ مَا يَخْتَلِفُ لِأَجَلِهِ بِالصَّدَاقِ، لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ بَدَلُ مُتْلَفٍ وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مَقْصُودَةٌ فِيهِ فَاعْتُبِرَتْ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِي نِسَائِهَا (إلَّا دُونَهَا زِيدَتْ بِقَدْرِ فَضِيلَتِهَا) لِأَنَّ زِيَادَةَ فَضِيلَتِهَا تَقْتَضِي زِيَادَةَ مَهْرِهَا فَتُقَدَّرُ الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ الْفَضِيلَةِ (أَوْ) لَمْ يُوجَدْ فِي نِسَائِهَا (إلَّا فَوْقَهَا نَقَصَتْ بِقَدْرِ نَقْصِهَا) كَأَرْشِ الْعَيْبِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِ نِصْفِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي تَنْقِيصِ الْمَهْرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ بِحَسَبِهِ (وَتُعْتَبَرُ عَادَةُ) نِسَائِهَا (فِي تَأْجِيلِ) مَهْرٍ أَوْ بَعْضِهِ (وَغَيْرِهِ) فَإِنْ كَانَ عَادَةُ عَشِيرَتِهَا التَّأْجِيلُ فِي الْمَهْرِ فُرِضَ مُؤَجَّلًا وَإِلَّا فُرِضَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَالًّا كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمْ تَسْمِيَةُ مَهْرٍ كَثِيرٍ لَا يَسْتَوْفُونَهُ قَطُّ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُقَالُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَدَلُ مُتْلَفٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفَ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ يُخَالِفُ سَائِرَ الْمُتْلَفَاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ أَعْيَانُ الزَّوْجَيْنِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمُتْلَفَاتِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَالِيَّةُ خَاصَّةً، فَلِذَلِكَ لَمْ تَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ (فَإِنْ اخْتَلَفَتْ) عَادَتُهُنَّ فِي الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ (أَوْ) اخْتَلَفَتْ (الْمُهُورُ) قِلَّةً وَكَثْرَةً (أَخَذَ) بِمَهْرٍ (وَسَطٍ) لِأَنَّهُ الْعَدْلُ (حَالٌّ) مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ فَمِنْ غَالِبِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ، فَأَشْبَهَ قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَقَارِبُ) مِنْ النِّسَاءِ (كَلَقِيطَةٍ اُعْتُبِرَ شِبْهُهَا بِنِسَاءِ بَلَدِهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ أَثَرٌ فِي الْجُمْلَةِ (فَإِنْ عُدِمْنَ) أَيْ نِسَاءُ بَلَدِهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ مَنْ يُشْبِهُهَا (فَ) الِاعْتِبَارُ (بِأَقْرَبِ النِّسَاءِ شَبَهًا بِهَا مِنْ أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهَا) لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ أَقَارِبُهَا اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ النِّسَاءِ شَبَهًا بِهَا مِنْ غَيْرِهِنَّ، كَمَا تُعْتَبَرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 الْقَرَابَةُ الْبَعِيدَةُ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ (وَمَنْ كَانَ عَادَتُهُمْ التَّخْفِيفُ) فِي الْمَهْرِ (عَلَى عَشِيرَتِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، اُعْتُبِرَ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْعَادَةَ لَهَا أَثَرٌ فِي الْمِقْدَارِ فَكَذَا فِي التَّخْفِيفِ. [فَصْلٌ وَلَا مَهْرَ بِفُرْقَةٍ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ خَلْوَةٍ] فَصْلٌ (وَلَا مَهْرَ بِفُرْقَةٍ قَبْلَ دُخُولٍ) أَوْ خَلْوَةٍ (فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَلَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَإِذَا افْتَرَقَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلَا مَهْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ، فَيَخْلُو مِنْ الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (وَإِنْ وَطِئَ أَوْ خَلَا بِهَا) فِيهِ (اسْتَقَرَّ) عَلَيْهِ (الْمُسَمَّى) نَصًّا لِمَا فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ عَائِشَةَ، وَلَهَا الَّذِي أَعْطَاهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا. قَالَ الْقَاضِي: حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ بِإِسْنَادِهِمَا، وَلِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ الْمَهْرُ؛ فَيَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ بِاعْتِرَافِهِمَا وَاسْتِقْرَارِهِ بِالْخَلْوَةِ بِقِيَاسِهِ عَلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَلِأَنَّهُ مَعَ فَسَادِهِ يَنْعَقِدُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَحْكَامِ الصَّحِيحِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَلُزُومِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (بِخِلَافِ بَيْعٍ فَاسِدٍ) تَلِفَ (فَ) إنَّ (فِيهِ قِيمَتَهُ أَوْ مِثْلَهُ لَا ثَمَنَهُ) ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي " الْإِنْصَافِ " قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قَدْ يَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَأَكْثَرُهَا مُنْتَفٍ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ. (وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ بِوَطْءٍ، وَلَوْ) كَانَ الْوَطْءُ (مِنْ مَجْنُونٍ فِي) نِكَاحٍ (بَاطِلٍ إجْمَاعًا) كَنِكَاحِ خَامِسَةٍ أَوْ مُعْتَدَّةٍ (لِجَاهِلَةِ تَحْرِيمٍ) . (وَ) يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْمَوْطُوءَةِ (بِشُبْهَةٍ) كَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً لَيْسَتْ زَوْجَةً وَلَا مَمْلُوكَةً يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَتَهُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " " وَالْمُبْدِعِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 عَلِمْنَاهُ كَبَدَلِ مُتْلَفٍ (وَ) يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَيْضًا (بِإِكْرَاهِ) امْرَأَةٍ (عَلَى زِنًا) إنْ كَانَ الْوَطْءُ فِي قُبُلٍ وَ (لَا) يَجِبُ الْمَهْرُ بِوَطْئِهَا فِي (دُبُرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْوَطْءِ (وَ) لَا يَجِبُ الْمَهْرُ فِي (لِوَاطٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى أَحَدٍ؛ لِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِبَدَلِهِ، وَلَا هُوَ إتْلَافٌ لِشَيْءٍ، فَأَشْبَهَ الْقُبْلَةَ، وَالْوَطْءَ دُونَ الْفَرْجِ (دُونَ أَرْشِ بَكَارَةٍ) فَلَا يَجِبُ مَعَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَدْخُلُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِبِكْرٍ مِثْلِهَا، فَلَا تَجِبُ مَرَّةً أُخْرَى، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ أَجْنَبِيَّةً أَوْ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ؛ لِأَنَّ مَا ضَمِنَ لِلْأَجْنَبِيِّ ضَمِنَ لِلْقَرِيبِ، كَالْمَالِ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الزِّنَا يَجِبُ فِيهِ الْمَهْرُ دُونَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ إذَا كَانَ (فِي غَيْرِ أَمَةٍ غُصِبَتْ) أَمَّا وَطْءُ الْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ فَفِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ مَعًا، وَتَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ أَنَّهُ يَجِبُ بِوَطْءِ غَاصِبٍ عَالِمٍ تَحْرِيمَهُ حَدٌّ وَمَهْرُ أَمَةٍ وَأَرْشُ بَكَارَةٍ وَنَقْصٌ بِوِلَادَةٍ، وَتُضْمَنُ لَوْ مَاتَتْ بِنِفَاسٍ، وَالْوَلَدُ مِلْكٌ لِرَبِّهَا، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. . (وَيَتَعَدَّدُ) الْمَهْرُ (بِتَعَدُّدِ شُبْهَةٍ) كَأَنْ تَشْتَبِهَ الْمَوْطُوءَةُ بِزَوْجَتِهِ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ الْحَالُ، وَيَعْرِفُ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ تَشْتَبِهَ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى أَوْ تَشْتَبِهُ الْمَوْطُوءَةُ عَلَيْهِ بِزَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ، ثُمَّ تَشْتَبِهَ بِزَوْجَتِهِ الْأُخْرَى أَوْ بِأَمَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ فِي الْكِتَابَةِ يَتَعَدَّدُ بِوَطْئِهِ مُكَاتَبَتِهِ إنْ اسْتَوْفَتْ مَهْرَ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالنِّهَايَةِ " (وَ) يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ بِتَعَدُّدِ (إكْرَاهٍ) عَلَى زِنًا بِمُكْرَهَةٍ كُلَّ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ، فَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ سَبَبِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» أَيْ: نَالَ مِنْهُ، وَهُوَ الْوَطْءُ، لِأَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِحْلَالِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحِلِّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الْمُبَاشَرَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ، وَهِيَ الْوَطْءُ، وَلِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِبُضْعٍ بِغَيْرِ رِضَى مَالِكِهِ، فَأَوْجَبَ الْقِيمَةَ، وَهِيَ الْمَهْرُ، وَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْوَطْءِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 تَنْبِيهٌ: لَوْ اتَّحَدَ الْإِكْرَاهُ، وَتَعَدَّدَ الْوَطْءُ فَالْوَاجِبُ مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَ (لَا) يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ بِتَعَدُّدِ وَطْءٍ (بِشُبْهَةٍ) وَاحِدَةٍ مِثْلُ أَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْمَوْطُوءَةُ بِزَوْجَتِهِ وَ (دَامَتْ) تِلْكَ الشُّبْهَةُ حَتَّى وَطِئَ مِرَارًا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ أَيْضًا بِتَعَدُّدِ الْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِدُخُولِهَا عَلَى أَنْ تَسْتَحِقَّ مَهْرًا وَاحِدًا. (وَمَنْ طَلَّقَ قَبْلَ دُخُولٍ) وَخَلْوَةٍ طَلْقَةً (ثُمَّ وَطِئَ يَظُنُّ أَنْ لَا إبَانَةَ لَزِمَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ) بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ (وَ) لَزِمَهُ أَيْضًا (نِصْفُ مُسَمًّى) بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَجِبُ) مَهْرٌ (بِوَطْءِ مَيِّتَةٍ) كَالْحَيَّةِ (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي وَطْءِ مَيِّتَةٍ إذَا كَانَتْ (غَيْرَ زَوْجَتِهِ) أَمَّا زَوْجَتُهُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي وَطْئِهَا حَيَّةً وَمَيِّتَةً؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى تَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ لَهُ تَغْسِيلُهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ عُلَقِ النِّكَاحِ بَاقٍ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِوَطْئِهَا مَيِّتَةً مَعَ مَا يَجِبُ بِوَطْءِ غَيْرِهَا. قَالَ الْقَاضِي فِي جَوَابِ مَسْأَلَةٍ: وَوَطْءُ الْمَيِّتَةِ مُحَرَّمٌ وَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ انْتَهَى، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. وَ (لَا) يَجِبُ مَهْرٌ بِوَطْءِ (مُطَاوِعَةٍ) عَلَى زِنًا، لِأَنَّهُ إتْلَافُ بُضْعٍ بِرِضَى مَالِكِهِ، فَلَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ، وَسَوَاء كَانَ الْوَطْءُ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ (غَيْرَ أَمَةٍ) فَيَجِبُ لِسَيِّدِهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى زَانٍ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بُضْعَهَا، وَيَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ بِتَعَدُّدِ وَطْئِهَا وَلَوْ مُطَاوَعَةً؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْمَهْرِ لِلسَّيِّدِ؛ فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا، أَوْ غَيْرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 (مُبَعَّضَةٍ) طَاوَعَتْ عَلَى الزِّنَا؛ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ سَيِّدِهَا بِطَوَاعِيَتِهَا، بَلْ لَهُ مِنْ مَهْرِهَا (بِقَدْرِ رِقٍّ) لِأَنَّ رِضَاهَا لَا يُسْقِطُ حَقَّ غَيْرِهَا مِنْ مَهْرِهَا. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا (غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ) كَصَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ طَاوَعَتْ عَلَى الزِّنَا؛ فَعَلَى وَاطِئُهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ إذْنَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي تَزْوِيجِ نَفْسِهَا فَهُنَا أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. (وَعَلَى مَنْ أَذْهَبَ عُذْرَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ: بَكَارَةَ (أَجْنَبِيَّةٍ) غَيْرَ زَوْجَتِهِ (بِلَا وَطْءٍ) كَمَا لَوْ دَفَعَهَا أَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي قُبُلِهَا (أَرْشُ بَكَارَتِهَا) لِأَنَّهُ إتْلَافُ جُزْءٍ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِ عِوَضِهِ، فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى أَرْشِهِ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ (وَهُوَ) أَيْ: أَرْشُ الْبَكَارَةِ (مَا بَيْنَ مَهْرِ ثَيِّبٍ وَبِكْرٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ؛ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي " الْهِدَايَةِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " " وَالرِّعَايَتَيْنِ " " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ " " وَالْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " " وَالشَّرْحِ " وَكَلَامُهُمْ أَوَّلًا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ حُكُومَةٌ، قَالُوا: لِأَنَّهُ إتْلَافُ جُزْءٍ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِ دِيَتِهِ، فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْحُكُومَةِ؛ كَسَائِرِ مَا لَمْ يُقَدَّرْ، وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " فِي الْجِنَايَاتِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ هُنَاكَ. (وَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ: إذْهَابُ الْعُذْرَةِ (زَوْجٌ) بِلَا وَطْءٍ (ثُمَّ طَلَّقَ) الَّتِي أَذْهَبَ عُذْرَتَهَا بِلَا وَطْءٍ (قَبْلَ دُخُولٍ) بِهَا وَخَلْوَةٍ وَنَحْوِ قُبْلَةٍ (لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا نِصْفُ الْمُسَمَّى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الْآيَةَ وَهَذِهِ مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْخَلْوَةِ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا يَسْتَحِقُّ إتْلَافَهُ بِالْعَقْدِ؛ فَلَا يَضْمَنُهُ بِغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عُذْرَةَ أَمَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَنْ أَذْهَبَ عُذْرَةَ زَوْجَتِهِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ تَقَرُّرِ الْمَهْرِ؛ فَعَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 نِصْفُ مَا سَمَّى لَهَا فِي الْعَقْدِ (إنْ كَانَ) قَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا (وَإِلَّا) يَكُنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا، فَعَلَيْهِ لَهَا (الْمُتْعَةُ) هَذَا مَعَ إتْلَافِ الزَّوْجِ عُذْرَتَهَا وَحْدَهُ (وَ) أَمَّا لَوْ أَتْلَفَهَا (مَعَ مُشَارَكَةِ أَجْنَبِيٍّ) لَهُ فِي الْإِتْلَافِ وَلَوْ مَحْرَمِهَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ. فَائِدَةٌ قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي فَتَاوِيهِ: لَوْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ مَنْ دَخَلَ بِهَا، فَوَضَعَتْ فِي يَوْمِهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فِيهِ، وَطَلَّقَ قَبْلَ دُخُولِهِ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فِي يَوْمِهَا مَنْ دَخَلَ بِهَا؛ فَقَدْ اسْتَحَقَّتْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بِالنِّكَاحِ مَهْرَيْنِ وَنِصْفَ. (وَلَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ مَنْ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ) كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ (قَبْلَ طَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ) لِأَنَّهُ نِكَاحٌ يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، فَاحْتَاجَ إلَى إيقَاعِ فُرْقَةٍ كَالصَّحِيحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَلِأَنَّ تَزْوِيجَهَا بِلَا فُرْقَةٍ يُفْضِي إلَى تَسْلِيطِ زَوْجَيْنِ عَلَيْهَا، كُلُّ وَاحِدٍ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ نِكَاحِهِ وَفَسَادَ نِكَاحِ الْآخَرِ (فَإِنْ أَبَاهُمَا) أَيْ: الطَّلَاقَ وَالْفَسْخَ (زَوْجٌ فَسَخَهُ حَاكِمٌ) نَصًّا؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ قَبْلَ التَّفْرِيقِ؛ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ الثَّانِي، وَلَمْ يَجُزْ تَزْوِيجُهَا بِثَالِثٍ حَتَّى يُطَلِّقَ الْأَوَّلَانِ أَوْ يُفْسَخَ نِكَاحُهُمَا. تَتِمَّةٌ: وَإِذَا وَطِئَ فِي نِكَاحٍ بَاطِلٍ بِالْإِجْمَاعِ كَنِكَاحِ زَوْجَةِ الْغَيْرِ أَوْ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِ زِنًا وَإِلَّا فَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهَا زَوْجَةُ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّةٌ، وَعَالِمٌ بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَهِيَ مُطَاوِعَةٌ عَالِمَةٌ بِالْحَالِ؛ فَلَا مَهْرَ لَهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً؛ لِأَنَّهُ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَهِيَ مُطَاوِعَةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَهِلَتْ تَحْرِيمَ ذَلِكَ أَوْ كَوْنُهَا فِي عِدَّةٍ؛ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِمَا نَالَ مِنْ فَرْجِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 [فَصْلٌ لِزَوْجَةٍ مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ زَوْجٍ حَتَّى تَقْبِضَ مَهْرًا] فَصْلٌ (وَلِزَوْجَةٍ قَبْلَ دُخُولٍ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ الدُّخُولِ لَوْ كَانَتْ (مُكْرَهَةً) عَلَيْهِ (مَنْعُ نَفْسِهَا) مِنْ زَوْجٍ (حَتَّى تَقْبِضَ مَهْرًا حَالًّا) كُلَّهُ أَوْ الْحَالُّ مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسَمَّى لَهَا (بِالْعَقْدِ) وَالْمُفَوِّضَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ دُخُولِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا مَهْرَهَا، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا تَتْلَفُ بِالِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْمَهْرِ عَلَيْهَا لَمْ يُمْكِنْهَا اسْتِرْجَاعُ عِوَضِهَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَ (لَا) تَمْنَعُ نَفْسَهَا حَتَّى تَقْبِضَ (مُؤَجَّلًا) لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الطَّلَبَ بِهِ وَلَوْ (حَلَّ) لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِتَأْخِيرِهِ، فَلَيْسَ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا، فَاسْتَقَرَّ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ. (وَ) لِوَلِيِّ غَيْرِ رَشِيدَةٍ (أَنْ يُطَالِبَ بِهِ) أَيْ: بِحَالِّ مَهْرِهَا وَلَوْ لَمْ تَصْلُحْ لِاسْتِمْتَاعٍ لِصِغَرٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ (وَلَهَا زَمَنُ مَنْعِهَا) نَفْسَهَا مِنْ أَجْلِ قَبْضِ مَهْرِهَا الْحَالِّ نَفَقَةٌ (إنْ صَلَحَتْ لِاسْتِمْتَاعٍ) وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا بِالصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ قِبَلِهِ، عَلَّلَ بِهِ أَحْمَدُ. قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَكَذَا صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " إنَّمَا لَهَا النَّفَقَةُ فِي الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَذَلَ لَهَا الصَّدَاقَ وَهِيَ غَائِبَةٌ لَمْ يُمْكِنْهُ تَسْلِيمُهَا، وَبِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، (وَ) لَهَا زَمَنُ مَنْعِ نَفْسِهَا لِقَبْضِ مَهْرٍ حَالٍّ (سَفَرٌ بِلَا إذْنِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عَلَيْهَا حَقُّ الْحَبْسِ، فَصَارَتْ كَمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا، وَبَقَاءُ دِرْهَمٍ مِنْهُ كَبَقَاءِ جَمِيعِهِ؛ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَمَتَى سَافَرَتْ بِلَا إذْنِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا كَمَا بَعْدَ الدُّخُولِ (وَلَوْ قَبَضَتْهُ) أَيْ: الْمَهْرَ الْحَالَّ (وَسَلَّمَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ بَانَ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 الْمَقْبُوضُ (مَعِيبًا؛ فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا) حَتَّى تَقْبِضَ بَدَلَهُ أَوْ أَرْشَهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ظَنًّا مِنْهَا أَنَّهَا قَبَضَتْ صَدَاقَهَا، فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ. (وَلَوْ أَبَى كُلٌّ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ (تَسْلِيمَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ: لَا أُسَلِّمْ الْمَهْرَ حَتَّى أَتَسَلَّمَهَا، وَقَالَتْ: لَا أُسَلِّمُ نَفْسِي حَتَّى أَقْبِضَ حَالَّ مَهْرِي (أُجْبِرَ زَوْجٌ) أَوَّلًا عَلَى تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ (ثُمَّ) أُجْبِرَتْ (زَوْجَةٌ) عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ فِي إجْبَارِهَا عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهَا أَوَّلًا خَطَرُ إتْلَافِ الْبُضْعِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ بَذْلِ الصَّدَاقِ، وَلَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ فِي الْبُضْعِ. (وَإِنْ بَادَرَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (بِهِ) أَيْ: بِبَذْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْآخَرِ (أُجْبِرَ الْآخَرُ) لِانْتِفَاءِ عُذْرِهِ فِي التَّأْخِيرِ. (وَلَوْ أَبَتْ) زَوْجَةٌ (التَّسْلِيمَ) أَيْ: تَسْلِيمَ نَفْسِهَا (بِلَا عُذْرٍ) لَهَا (فَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (اسْتِرْجَاعُ مَهْرٍ قُبِضَ) مِنْهُ؛ لِعَدَمِ تَسْلِيمِهَا الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ (وَ) إنْ كَانَ إبَاؤُهَا (لِعُذْرٍ) يَمْنَعُ تَسْلِيمَهَا نَفْسَهَا كَكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً وَنَحْوَهُ (فَعَلَيْهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (تَسْلِيمَهُ) أَيْ: الصَّدَاقَ كَمَهْرِ الصَّغِيرَةِ، وَلِوُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ، لِخِلَافِ النَّفَقَةِ (وَإِنْ دَخَلَ) الزَّوْجُ بِهَا مُطَاوِعَةً (أَوْ خَلَا بِهَا مُطَاوِعَةً) ثُمَّ أَرَادَتْ الِامْتِنَاعَ لَمْ تَمْلِكْ (مَنْعَ نَفْسِهَا) مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِاسْتِقْرَارِ الْعِوَضِ بِالتَّسْلِيمِ بِرِضَاهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا مُكْرَهَةً لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا مِنْ الِامْتِنَاعِ بَعْدُ؛ لِحُصُولِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا كَالْمَبِيعِ إذَا أَخَذَهُ الْبَائِعُ كُرْهًا. (وَإِنْ أَعْسَرَ) زَوْجٌ (بِمَهْرٍ حَالٍّ وَلَوْ بَعْدَ وَطْءٍ) فَلِزَوْجَةٍ (حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ الْفَسْخَ) لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى الْعِوَضِ: أَشْبَهَ مَا لَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا لَوْ رَضِيَتْ صَرِيحًا بِالْمُقَامِ مَعَهُ مَعَ عُسْرَتِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهَا الْفَسْخُ؛ وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِذَلِكَ؛ فَلَهَا الْفَسْخُ (وَلَا يَسْقُطُ) مَهْرُهَا (لِاسْتِقْرَارِهِ) بِالدُّخُولِ وَهَذَا الِاتِّجَاهُ عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 (وَلَا فَسْخَ) لِمَنْ تَزَوَّجَتْهُ (عَالِمَةً بِعُسْرَتِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ حِينَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ، وَحَيْثُ رَضِيَتْ بِالْمَقَامِ مَعَ الْعُسْرَةِ أَوْ تَزَوَّجَتْهُ، عَالِمَةً بِهَا، فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ مَهْرَهَا الْحَالَّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عَلَيْهَا حَقُّ الْحَبْسِ وَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ. (وَالْخِيرَةُ فِي الْفَسْخِ لِزَوْجَةٍ، حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ وَسَيِّدِ أَمَةٍ) إذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْمَهْرِ لَهُمَا، وَالصَّدَاقَ عِوَضُ مَنْفَعَتِهِمَا، وَ (لَا) خِيرَةَ (لِوَلِيِّ) زَوْجَةٍ (صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا فِي الصَّدَاقِ دُونَ وَلِيِّهَا، وَقَدْ تَرْضَى بِتَأْخِيرِهِ. (وَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ) فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ زَوْجَانِ، كُلٌّ يَعْتَقِدُ حِلَّهَا لَهُ وَتَحْرِيمَهَا عَلَى الْآخَرِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُعْتَقَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ. [بَابُ الْوَلِيمَةِ وَآدَابُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] َ (وَهِيَ اجْتِمَاعٌ لِطَعَامِ عُرْسٍ خَاصَّةً) لَا تَقَعُ عَلَى غَيْرِهِ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ (وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ طَعَامٍ لِسُرُورٍ حَادِثٍ) إلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي طَعَامِ الْعُرْسِ أَكْثَرَ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَقَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ، وَهُمْ أَعْرَفُ بِمَوْضُوعَاتِ اللُّغَةِ، وَأَعْلَمُ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " " وَالْمُبْدِعِ " وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ: أَوْلَمَ الرَّجُلُ إذَا اجْتَمَعَ عَقْلُهُ وَخُلُقُهُ وَأَصْلُ الْوَلِيمَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 تَمَامُ الشَّيْءِ وَاجْتِمَاعُهُ، وَيُقَالُ لِلْقَيْدِ: وَلْمٌ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ إلَى الْأُخْرَى، وَسُمِّيَتْ دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَلِيمَةً، لِاجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ، يُقَالُ: أَوْلَمَ إذَا صَنَعَ وَلِيمَةً. (وَعَقِيقَةٌ لِذَبْحٍ لِمَوْلُودٍ) وَتَقَدَّمَتْ فِي الْأُضْحِيَّةِ (وَشُنْدَخِيَّةٌ) وَيُقَالُ: شُنْدُخٌ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (لِطَعَامِ إمْلَاكٍ عَلَى زَوْجَةٍ) مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ مُشَنْدَخٌ؛ أَيْ: يَتَقَدَّمُ غَيْرَهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ الدُّخُولَ. (وَعَذِيرَةٌ وَإِعْذَارٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (لِطَعَامِ خِتَانٍ) وَيُقَالُ: الْعُذْرَةُ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ (وَخُرْسَةٌ وَخُرْسٌ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَالسِّينُ مُهْمَلَةٌ وَيُقَالُ بِالصَّادِ (لِطَعَامِ وِلَادَةٍ) أَيْ: لِخُلُوصِهَا وَسَلَامَتِهَا مِنْ الطَّلْقِ (وَحِذَاقٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَحْفِيفِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ قَافٌ (لِطَعَامٍ عِنْدَ حِذَاقِ صَبِيٍّ بِخَتْمِهِ) أَيْ: يَوْمَ خَتْمِهِ (الْقُرْآنَ) قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ". وَمُشْدَاخٌ لِمَأْكُولٍ فِي خِتْمَةِ (الْقَارِئِ وَنَقِيعَةٍ) مِنْ النَّقْعِ وَهُوَ الْغُبَارُ أَوْ النَّحْرُ أَوْ الْقَتْلُ تُصْنَعُ (لِقُدُومِ غَائِبٍ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ غَيْبَتُهُ فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ أَوْ قَصِيرٍ. (وَتُحْفَةٌ) اسْمٌ (لِطَعَامٍ قَادِمٍ) يَصْنَعُهُ هُوَ (فَالتُّحْفَةُ مِنْهُ) أَيْ: الْقَادِمِ (وَالنَّقِيعَةُ لَهُ) وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: فِي " تُحْفَةِ الْوَدُودِ ": الْقَادِمُ هُوَ الزَّائِرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ سَفَرٍ (وَعَتِيرَةٌ) مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَسْمَاءِ الطَّعَامِ، بَلْ هِيَ (ذَبِيحَةٌ) تُذْبَحُ (أَوَّلَ) يَوْمٍ فِي (رَجَبٍ) وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ (وَالْقِرَى اسْمٌ لِطَعَامِ الضَّيْفَانِ) وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الدَّعَوَاتِ (وَوَكِيرَةٌ لِدَعْوَةِ بِنَاءٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ: السَّكَنُ الْمُتَجَدِّدُ انْتَهَى مِنْ الْوَكْرِ، وَهُوَ الْمَأْوَى وَالْمُسْتَقَرُّ (وَوَضِيمَةٌ) اسْمٌ (لِطَعَامِ مَأْتَمٍ) بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقَ، وَأَصْلُهُ اجْتِمَاعُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (وَمَأْدُبَةٌ) بِضَمِّ الدَّالِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا اسْمٌ (لِكُلِّ دَعْوَةٍ لِسَبَبٍ وَغَيْرِهِ) وَالْآدِبُ بِوَزْنِ فَاعِلٍ صَاحِبُ الْمَأْدُبَةِ، وَفِي " الْمُنْتَهَى " (وَلَمْ يَخُصُّوهَا) أَيْ: الدَّعْوَةَ (لِإِخَاءٍ وَتَسَرٍّ بِاسْمٍ) بَلْ الْمَأْدُبَةُ تَشْمَلُهَا وَالْفَرْعُ وَالْفَرَعَةُ ذَبْحُ أَوَّلِ وَلَدٍ لِلنَّاقَةِ (وَتُسَمَّى الدَّعْوَةُ الْعَامَّةُ الْجَفَلَى) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 وَالْقَصْرُ، وَتُسَمَّى الدَّعْوَةُ (الْخَاصَّةُ النَّقَرَى) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْقَافِ وَقَالَ الشَّاعِرُ: نَحْنُ فِي الْمُشَتَّاتِ نَدْعُو الْجَفَلَى ... لَا تَرَى الْآدِبَ فِينَا يَنْتَقِرُ أَيْ: يَدْعُو قَوْمًا دُونَ آخَرِينَ. (وَتُسَنُّ الْوَلِيمَةُ بِعَقْدٍ) قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " " وَالْمُبْدِعِ "؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَعَلَهَا وَأَمَرَ بِهَا، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حِينَ قَالَ لَهُ تَزَوَّجْت: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» وَقَالَ أَنَسٌ: «مَا أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، جَعَلَ يَبْعَثُنِي فَأَدْعُو النَّاسَ، فَأَطْعَمَهُمْ لَحْمًا وَخُبْزًا حَتَّى شَبِعُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تُسْتَحَبُّ بِالدُّخُولِ وَفِي الْإِنْصَافِ " قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ مُوَسَّعٌ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ إلَى انْتِهَاءِ أَيَّامِ الْعُرْسِ؛ لِصِحَّةِ الْأَخْبَارِ فِي هَذَا وَهَذَا؛ وَكَمَالُ السُّرُورِ بَعْدَ الدُّخُولِ (وَ) لَكِنْ (جَرَتْ الْعَادَةُ بِفِعْلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِيَسِيرٍ) انْتَهَى. (وَهِيَ) أَيْ: الْوَلِيمَةُ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَوْ قُلْت: كَمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ» (أَوْ) أَيْ: وَإِنْ (نَكَحَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ) فِي عَقْدِهِ أَوْ عُقُودٍ (وَنَوَاهَا عَنْ الْكُلِّ) أَجْزَأَتْهُ؛ لِتَدَاخُلِ أَسْبَابِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَقِيقَةِ، وَكَمَا لَوْ نَوَى بِرَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ وَالسُّنَّةَ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ) الْوَلِيمَةُ (عَنْ شَاةٍ، قَالَهُ جَمْعٌ) مِنْهُمْ " الْمُوَفَّقُ " " وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَتَقَدَّمَ. (وَتَجِبُ حَيْثُ لَا عُذْرَ نَحْوَ حَرٍّ وَبَرْدٍ وَشُغْلٍ) كَكَوْنِهِ أَجِيرًا خَاصًّا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ (إجَابَةُ دَاعٍ مُسْلِمٍ يَحْرُمُ هَجْرُهُ، وَلَوْ) كَانَ الدَّاعِي (أُنْثَى وَقِنٍّ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، وَكَسْبُهُ طَيِّبٌ) إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ (أَوَّلَ مَرَّةٍ) بِأَنْ يَدْعُوهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا، وَيُدْعَى إلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَا يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إذَا دُعِيتُمْ إلَيْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 (وَهِيَ) أَيْ: الْإِجَابَةُ (حَقٌّ لِلدَّاعِي، فَتَسْقُطُ بِعَفْوِهِ) عَنْ الْمَدْعُوِّ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ، (وَ) قَدَّمَ (فِي التَّرْغِيبِ لَا يَلْزَمُ قَاضِيًا حُضُورًا) أَيْ: وَلِيمَةَ الْعُرْسِ؛ لِمَظِنَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي دَفْعِ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ. (وَتُكْرَهُ إجَابَةُ مَنْ فِي مَالِهِ) حَلَالٌ وَ (حَرَامٌ) كَكَرَاهَةِ (أَكْلِهِ مِنْهُ وَمُعَامَلَتِهِ وَقَبُولِ هَدِيَّتِهِ وَ) قَبُولِ (هِبَتِهِ وَ) قَبُولِ (صَدَقَتِهِ) قَلَّ الْحَرَامُ أَوْ كَثُرَ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي " الْفُصُولِ " وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: «وَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» (وَتَقْوَى الْكَرَاهَةُ وَتَضْعُفُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ حَرَامٍ وَقِلَّتِهِ) وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَالِ حَرَامًا؛ فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ، فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ وَلَا تَحْرِيمَ بِالِاحْتِمَالِ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ تَرْكُ الْأَكْلِ أَوْلَى حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْحِلَّ؛ لِلشَّكِّ. فَائِدَةٌ: وَيَنْبَغِي صَرْفُ الشُّبُهَاتِ فِي الْأَبْعَدِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ، فَالْأَقْرَبِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَنَحْوِهِ فَيَتَحَرَّى فِيهِ الْحَلَالَ، ثُمَّ مَا وَلِيَ الظَّاهِرَ مِنْ اللِّبَاسِ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ الشِّيرَازِيُّ، وَالْأَزَجِيُّ وَغَيْرِهِمَا (تَحْرِيمَ الْأَكْلِ مُطْلَقًا) وَلَوْ قَلَّ الْحَرَامُ، كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ حَرَامًا، (وَ) اخْتَارَ (جَمْعٌ) أَيْضًا مِنْهُمْ " الْخِرَقِيِّ " وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمِنْهَاجِ " (وَإِنْ كَانَ الْحَرَامُ أَكْثَرَ) حَرُمَ الْأَكْلُ، وَإِلَّا فَلَا: إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَنْ وَرِثَ مَالًا فِيهِ حَرَامٌ إنْ عَرَفَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى مَالِهِ الْفَسَادُ تَنَزَّهَ عَنْهُ (وَ) اخْتَارَهُ (جَمْعٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ قَدَّمَ أَنَّهُ (إنْ زَادَ) الْحَرَامُ (عَلَى الثُّلُثِ) حَرُمَ الْأَكْلُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (فَإِنْ دَعَّى) رَبُّ الطَّعَامِ (لِلْوَلِيمَةِ الْجَفَلَى) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَيُقَالُ: الْأَجْفَلِيُّ، كَقَوْلِهِ: (أَيُّهَا النَّاسُ تَعَالَوْا لِلطَّعَامِ) أَوْ قَالَ رَسُولُ رَبِّ الْوَلِيمَةِ: أُمِرْتُ أَنْ أَدْعُوَ كُلَّ مَنْ لَقِيتُ، أَوْ أَنْ أَدْعُوَ كُلَّ مَنْ شِئْت كُرِهَتْ إجَابَتُهُ، أَوْ دَعَاهُ رَبُّ الْوَلِيمَةِ (أَوْ) رَسُولُهُ بِعَيْنِهِ (فِي) الْمَرَّةِ (الثَّالِثَةِ) كَمَا لَوْ دَعَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ؛ كُرِهَتْ إجَابَتُهُ. نَقَلَ حَنْبَلٌ إنْ أَحَبَّ أَجَابَ فِي الثَّانِي، وَلَا يُجِيبُ فِي الثَّالِثِ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ: «الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 حَقٌّ، وَالثَّانِيَ مَعْرُوفٌ وَالثَّالِثَ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا. (أَوْ دَعَاهُ ذِمِّيٌّ كُرِهَتْ إجَابَتُهُ) لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إذْلَالُهُ؛ وَهُوَ يُنَافِي إجَابَتَهُ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِكْرَامِ؛ وَلِأَنَّ اخْتِلَاطَ طَعَامِهِ بِالْحَرَامِ وَالنَّجِسِ غَيْرُ مَأْمُونٍ، وَكَذَا مَنْ يَحْرُمُ هَجْرُهُ كَمُبْتَدَعٍ وَمُتَجَاهِرٍ بِمَعْصِيَةٍ. (وَتُسَنُّ) إجَابَةُ مَنْ عَيَّنَهُ دَاعٍ لِلْوَلِيمَةِ (بِثَانِي مَرَّةٍ) كَمَا لَوْ دُعِيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِلْخَبَرِ، وَتَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ دَعَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا عَيَّنَتْهُ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ إلَّا مَعَ خَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ؛ فَتَحْرُمُ الْإِجَابَةُ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مُحَرَّمٍ. (وَفِعْلُ الدَّعَوَاتِ) غَيْرُ الْوَلِيمَةِ (مُبَاحَةٌ) فَلَا تُكْرَهُ وَلَا تُسْتَحَبُّ نَصًّا، أَمَّا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فَلِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ، وَيَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِمٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً لَمْ يَأْمُرْ بِإِجَابَتِهَا، وَلَبَيَّنَهَا، وَأَمَّا عَدَمُ اسْتِحْبَابِهَا؛ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُفْعَلُ فِي عَهْدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَهْدِ أَصْحَابِهِ. فَرَوَى الْحَسَنُ قَالَ: دُعِيَ عُثْمَانُ بْنُ الْعَاصِ إلَى أَخْتَانٍ فَأَبَى أَنْ يُجِيبَ، وَقَالَ: كُنَّا لَا نَأْتِي الْخِتَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نُدْعَى إلَيْهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ: (غَيْرَ عَقِيقَةٍ فَتُسَنُّ) وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَغَيْرَ دَعْوَةِ (مَأْتَمٍ فَتُكْرَهُ) وَتَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْمَأْتَمُ فِي الْأَصْلِ مُجْتَمَعُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْغَمِّ وَالْفَرَحِ، ثُمَّ خُصَّ بِهِ اجْتِمَاعُ النِّسَاءِ فِي الْمَوْتِ، وَقِيلَ: هُوَ لِلشَّوَابِّ مِنْهُنَّ لَا غَيْرُ (وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا) أَيْ: الدَّعَوَاتِ غَيْرَ الْوَلِيمَةِ (مُسْتَحَبَّةٌ) لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا: «أُمِرْنَا بِإِجَابَةِ الدَّاعِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَدْنَى أَحْوَالِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ، وَلِمَا فِيهَا مِنْ جَبْرِ قَلْبِ الدَّاعِي وَتَطَيُّبِ خَاطِرِهِ، وَدُعِيَ أَحْمَدُ إلَى خِتَانٍ؛ فَأَجَابَ وَأَكَلَ (غَيْرَ مَأْتَمٍ فَتُكْرَهُ) إجَابَةُ دَاعِيهِ لِمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 (وَيُسْتَحَبُّ) لِمَنْ حَضَرَ طَعَامًا دُعِيَ إلَيْهِ (أَكْلُهُ) مِنْهُ (وَلَوْ) كَانَ (صَائِمًا) تَطَوُّعًا؛ لِمَا رُوِيَ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كَانَ فِي دَعْوَةٍ، وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ عَنْ الْقَوْمِ نَاحِيَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ، كُلْ يَوْمًا ثُمَّ صُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ إنْ شِئْت» . وَلِمَا فِيهِ مِنْ إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ (إلَّا) إنْ كَانَ صَوْمُهُ (صَوْمًا وَاجِبًا) لِأَنَّهُ يَحْرُمُ قَطْعُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدَعْ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي رِوَايَةٍ: فَلْيُصَلِّ أَيْ: يَدَعْ (وَإِنْ أَحَبَّ) الْمُجِيبُ (دَعَا) لِلْخَبَرِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ صَائِمٌ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ؛ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ عَنْهُ فِي تَرْكِ الْأَكْلِ (وَانْصَرَفَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» . تَتِمَّةٌ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِهِ الْأَكْلَ كَسْرُ قَلْبِ الدَّاعِي كَانَ تَمَامُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَوْلَى مِنْ فِطْرِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، وَقَالَ: وَلَا يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الدَّعْوَةِ الْإِلْحَاحُ فِي الطَّعَامِ أَيْ: الْأَكْلِ لَلْمَدْعُوِّ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْفِطْرِ فِي التَّطَوُّعِ أَوْ الْأَكْلِ إنْ كَانَ مُفْطِرًا؛ فَإِنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ، وَإِذْ أَلْزَمَهُ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ كَانَ مِنْ نَوْعِ الْمَسْأَلَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَلَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ صَائِمًا لِيُفْطِرَ، وَلَا إنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا لِيَأْكُلَ، وَلَا يَنْبَغِي لَلْمَدْعُوِّ إذَا رَأَى أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ الْأَكْلِ أَوْ الْفِطْرِ فِي النَّفْلِ مَفَاسِدُ أَنْ يَمْتَنِعَ، فَإِنَّ فِطْرَهُ جَائِزٌ انْتَهَى، وَيَحْرُمُ أَخْذُ طَعَامٍ مِنْ الْوَلِيمَةِ أَوْ غَيْرِهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِئَاتِ عَلَيْهِ. (وَمَنْ دَعَاهُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (أَجَابَ الْكُلَّ إنْ أَمْكَنَهُ) بِأَنْ لَمْ يَتَعَارَضْ وَقْتُ الْحُضُورِ (وَإِلَّا) يُمْكِنُهُ (أَجَابَ الْأَسْبَقَ قَوْلًا) لِوُجُوبِ إجَابَتِهِ بِدُعَائِهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِدُعَاءِ مَنْ بَعْدَهُ، وَلَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُمْكِنَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 مَعَ إجَابَةِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبْقٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْجَمْعُ (فَالْأَدْيَنُ) مِنْ الدَّاعِينَ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَمُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الدِّينِ (فَالْأَقْرَبُ رَحِمًا) لِمَا فِي تَقْدِيمِهِ مِنْ صِلَتِهِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقَرَابَةِ وَعَدَمِهَا؛ (فَ) الْأَقْرَبُ (جِوَارًا) لِحَدِيثِ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعًا: «إذَا اجْتَمَعَ دَاعِيَانِ أُجِيبَ أَقْرَبُهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبُهُمَا جِوَارًا» وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْبِرِّ، فَقُدِّمَ لِهَذِهِ الْمَعَانِي (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ (أَقْرَعَ) فَيُقَدَّمُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ لِأَنَّهَا تُمَيِّزُ الْمُسْتَحِقَّ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْحُقُوقِ. [فَصْلٌ حُكْم إجَابَة الْوَلَائِم غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لأهل الْعِلْم] فَصْلٌ (يُكْرَهُ لِأَهْلِ فَضْلٍ وَعِلْمٍ إسْرَاعُ الْإِجَابَةِ) إلَى الْوَلَائِمِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ وَالتَّسَاهُلُ فِيهِ (لِأَنَّ فِيهِ بِذْلَةً وَدَنَاءَةً) وَشَرُّهَا (وَلَا سِيَّمَا الْحَاكِمُ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ ذَرِيعَةً لِلتَّهَاوُنِ بِهِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ. وَمَنَعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ إجَابَةِ ظَالِمٍ وَفَاسِقٍ وَمُبْتَدِعٍ وَمُفَاخِرٍ بِهَا، أَوْ فِيهَا مُبْتَدِعٌ يَتَكَلَّمُ بِبِدْعَةٍ إلَّا لِرَادٍّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِيهَا مُضْحِكٌ بِفُحْشٍ أَوْ كَذِبٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَإِلَّا يَكُنْ مُضْحِكًا بِفُحْشٍ أَوْ كَذِبٍ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ إذَا كَانَ يُضْحِكُ قَلِيلًا (وَكَرِهَ الشَّيْخُ عَبْدِ الْقَادِرِ) قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ (حُضُورَ) الْوَلَائِمِ مُطْلَقًا (غَيْرَ وَلِيمَةِ عُرْسٍ) وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ كَانَ كَمَا وَصَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُمْنَعُ الْمُحْتَاجُ وَيَحْضُرُ الْغَنِيُّ. وَتَقَدَّمَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيَهَا، وَيُدْعَى إلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا» . وَفِي التَّرْغِيبِ إذَا عَلِمَ حُضُورَ الْأَرْذَالِ وَمَنْ مُجَالَسَتُهُمْ تَزْرِي بِمِثْلِهِ؛ لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ: وَقَدْ أَطْلَقَ الْوُجُوبَ، وَاشْتَرَطَ الْحِلَّ وَعَدَمِ الْمُنْكَرِ وَأَمَّا هَذَا الشَّرْطُ فَلَا أَصْلَ لَهُ كَمَا أَنَّ مُخَالَطَتَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 هَؤُلَاءِ فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ لَا تَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ، وَفِي الْجِنَازَةِ لَا تَسْقُطُ الْحُضُورُ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا، وَهَذِهِ شُبْهَةُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّكَبُّرِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، نَعَمْ إنْ كَانَ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ مُحَرَّمٍ فَقَدْ اشْتَمَلَتْ الدَّعْوَةُ عَلَى مُحَرَّمٍ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَكْرُوهٍ. (وَمَنْ عَلِمَ أَنْ فِي الدَّعْوَةِ مُنْكَرًا كَزَمْرٍ وَخَمْرٍ وَطَبْلٍ مُحَرَّمٍ وَعُودٍ وَجُنْكٍ) وَرَبَابٍ (وَآنِيَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَفُرُشٍ مُحَرَّمَةٍ، وَأَمْكَنَهُ إزَالَةُ ذَلِكَ) الْمُنْكَرِ (حَضَرَ وُجُوبًا وَ) أَزَالَهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي بِذَلِكَ فَرْضَيْنِ: إجَابَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ، وَإِلَّا يُمْكِنُهُ الْإِنْكَارُ (لَمْ يَحْضُرْ) وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ فِيهَا الْخَمْرُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلِأَنَّهُ يَكُونُ قَاصِدًا لِرُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ أَوْ سَمَاعِهِ بِلَا حَاجَةٍ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمَدْعُوُّ (فَحَضَرَ فَشَاهَدَهُ) أَيْ: الْمُنْكَرَ (أَزَالَهُ وَجَلَسَ) بَعْدَ ذَلِكَ؛ إجَابَةً لِمَنْ دَعَاهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) عَلَى إزَالَتِهِ (انْصَرَفَ) لِئَلَّا يَكُونَ قَاصِدًا لِرُؤْيَتِهِ أَوْ سَمَاعِهِ. وَرَوَى نَافِعٌ قَالَ: «كُنْت أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَسَمِعَ زَمَّارَةَ رَاعٍ، فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، ثُمَّ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ: يَا نَافِعُ أَتَسْمَعُ؛ حَتَّى قُلْت: لَا؛ فَأَخْرَجَ أُصْبُعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْخَلَّالُ، وَخَرَجَ أَحْمَدُ عَنْ وَلِيمَةٍ فِيهَا آنِيَةُ فِضَّةٍ، فَقَالَ الدَّاعِي نُحَوِّلُهَا، فَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَيُفَارِقُ مَنْ لَهُ جَارٌ مُقِيمٌ عَلَى الْمُنْكَرِ وَالزَّمْرِ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُ الْمَقَامُ؛ فَإِنَّ تِلْكَ حَالُ حَاجَةٍ؛ لِمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ مِنْ الضَّرَرِ قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ". (وَإِنْ عَلِمَ الْمَدْعُوُّ بِهِ) أَيْ: بِالْمُنْكَرِ (وَلَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ؛ أُبِيحَ لَهُ الْجُلُوسُ) وَالْأَكْلُ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ رُؤْيَةُ الْمُنْكَرِ وَسَمَاعُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَأُبِيحَ لَهُ الِانْصِرَافُ لِإِسْقَاطِ حُرْمَةِ نَفْسِهِ بِإِيجَادِ الْمُنْكَرِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 (وَإِنْ شَاهَدَ صُوَرًا مُعَلَّقَةً فِيهَا صُوَرُ حَيَوَانٍ) وَأَمْكَنَهُ حَطُّهَا، وَأَمْكَنَهُ قَطْعُ رُءُوسِهِمْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ، وَجَلَسَ إجَابَةً لِلدَّاعِي، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ (كُرِهَ) جُلُوسُهُ إلَّا أَنْ تُزَالَ؛ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ، فَرَأَى فِيهَا صُورَةَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ يَقْتَسِمَانِ بِالْأَزْلَامِ، فَقَالَ: قَاتَلَهُمْ اللَّهُ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ دُخُولَ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَهِيَ لَا تَخْلُو مِنْهَا، وَكَوْنُ الْمَلَائِكَةِ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ دُخُولِهِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا يَحْرُمُ صُحْبَةُ رُفْقَةٍ فِيهَا جَرَسٌ مَعَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَصْحَبُهُمْ، وَيُبَاحُ تَرْكُ الْإِجَابَةِ إذَنْ عُقُوبَةً لِلْفَاعِلِ، وَزَجْرًا لَهُ عَنْ فِعْلِهِ، وَإِنْ عَلِمَ بِالصُّوَرِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ كُرِهَ لَهُ الدُّخُولُ وَ (لَا) يُكْرَهُ جُلُوسُهُ (إنْ كَانَتْ هِيَ) أَيْ: السُّتُورُ الْمُصَوَّرَةُ (مَبْسُوطَةً) عَلَى الْأَرْضِ (أَوْ) كَانَتْ (عَلَى وِسَادَةٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْت لَهُ سَهْوَةً بِنَمَطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: أَتَسْتُرِينَ الْجُدُرَ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ؟ فَهَتَكَهُ. قَالَتْ: فَجَعَلْتُ مِنْهُ مِنْبَذَتَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّكِئًا عَلَى إحْدَاهُمَا» رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالسَّهْوَةُ: الصُّفَّةُ أَوْ الْمِخْدَعُ بَيْنَ بَيْتَيْنِ أَوْ شِبْهُ الرَّفِّ أَوْ الطَّاقِ يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ أَوْ بَيْتٌ صَغِيرٌ شِبْهُ الْخِزَانَةِ الصَّغِيرَةِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَعْوَادٍ وَثَلَاثَةٍ يُعَارِضُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَمْتِعَةِ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ: وَالنَّمَطُ مُحَرَّكَةٌ ظِهَارَةُ فِرَاشٍ مَا، أَوْ ضَرْبٌ مِنْ الْبُسُطِ، أَوْ ثَوْبُ صُوفٍ يُطْرَحُ عَلَى الْهَوْدَجِ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ أَيْضًا. وَالْمِنْبَذَتَانِ تَثْنِيَةُ مِنْبَذَةٍ كَمِكْنَسَةٍ، وَهِيَ الْوِسَادَةُ، لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَبْسُوطَةً تُدَاسُ وَتُمْتَهَنُ، فَلَمْ تَكُنْ مَعْزُوزَةً مُعَظَّمَةً؛ فَلَا تُشْبِهُ الْأَصْنَامَ الَّتِي تُعْبَدُ وَمَتَى قُطِعَ مِنْ الصُّورَةِ الرَّأْسُ أَوْ مَا لَا يَبْقَى بَعْدَ ذَهَابِهِ حَيَاةٌ؛ فَلَا كَرَاهَةَ، وَكَذَا لَوْ صُوِّرَتْ ابْتِدَاءً بِلَا رَأْسٍ وَنَحْوِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ: يَحْرُمُ التَّصْوِيرُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلذَّكَرِ، وَمَا نُسِجَ بِذَهَبِ أَوْ فِضَّةٍ (وَكُرِهَ سِتْرُ حِيطَانٍ بِسُتُورٍ لَا صُوَرَ فِيهَا أَوْ) بِسُتُورِ (صُوَرٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 غَيْرِ حَيَوَانٍ) كَشَجَرٍ (بِلَا ضَرُورَةٍ) مِنْ (حَرٍّ وَبَرْدٍ) وَهُوَ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ؛ لِمَا رَوَى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَعْرَسْت فِي عَهْدِ أَبِي، فَأَذِنَ إلَى النَّاسِ، وَكَانَ فِيمَنْ أَذِنَ أَبُو أَيُّوبَ، وَقَدْ سَتَرَ بَيْتِي بِحُبَارَى أَخْضَرَ فَأَقْبَلَ أَبُو أَيُّوبَ فَاطَّلَعَ فَرَأَى الْبَيْتَ مُسْتَتِرًا بِحُبَارَى أَخْضَرَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَسْتُرُ الْجُدُرَ؟ فَقَالَ أَبِي وَاسْتَحْيَا: غَلَبَتْنَا النِّسَاءُ يَا أَبَا أَيُّوبَ فَقَالَ مَنْ خَشِيت أَنْ يَغْلِبْنَهُ لَمْ أَخْشَ أَنْ يَغْلِبْنَك، ثُمَّ قَالَ: لَا أَطْعَمُ لَك طَعَامًا، وَلَا أَدْخُلُ لَك بَيْتًا، ثُمَّ خَرَجَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالْحُبَارَى ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ، وَلَا يَحْرُمُ؛ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَفُعِلَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهُ تَغْطِيَةٌ لِلْحِيطَانِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ تَجْصِيصٍ، وَالْحَدِيثُ السَّابِقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ (إنْ لَمْ تَكُنْ) السُّتُورُ (حَرِيرًا، وَيَحْرُمُ جُلُوسٌ مَعَهُ) أَيْ: سِتْرُ الْحِيطَانِ (بِهِ) أَيْ: بِالْحَرِيرِ وَتَعْلِيقُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ (وَ) يَحْرُمُ (جُلُوسٌ مَعَهُ) أَيْ: مَعَ سِتْرِ الْحِيطَانِ بِالْحَرِيرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى الْمُنْكَرِ. (وَ) يَحْرُمُ (تَعْلِيقُ مَا فِيهِ صُوَرُ حَيَوَانٍ وَسِتْرُ جُدُرٍ بِهِ وَتَصْوِيرُهُ وَمَرَّ حُكْمُهُ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ) مُسْتَوْفَى. (وَيَتَّجِهُ فَتَحْرُمُ الزِّينَةُ بِهِ) أَيْ: بِالْحَرِيرِ وَنَحْوِهِ (لِلسُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ) كَالْأَمِيرِ (إلَّا لِمُكْرَهٍ) عَلَى التَّزَيُّنِ بِهِ؛ فَإِنْ هَدَّدَ إنْسَانٌ قَادِرٌ عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ؛ فَيُبَاحُ لَهُ حِينَئِذٍ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ (وَيَتَّقِيهِ) أَيْ التَّزَيُّنَ وُجُوبًا (مَا أَمْكَنَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] (وَيَحْرُمُ جُلُوسُ مُخْتَارٍ) عَلَى حَرِيرٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ، وَ (لَا) يَحْرُمُ (تَفَرُّجٌ) عَلَى زِينَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى حَرِيرٍ وَنَحْوِهِ مِنْ إنْسَانٍ (مَارٍّ) عَلَيْهَا أَوْ مَرَّتْ بِهِ الزِّينَةُ، فَتَفَرَّجَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَّخِذٍ، وَلَا مُسْتَعْمِلٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 (وَحَرُمَ أَكْلٌ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ أَوْ قَرِينَةٍ) مِنْ رَبِّ الطَّعَامِ (أَوْ قَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَى إذْنٍ كَتَقْدِيمِ طَعَامٍ وَدُعَائِهِ إلَيْهِ (وَلَوْ كَانَ أَكْلُهُ مِنْ بَيْتِ قَرِيبِهِ أَوْ صَدِيقِهِ وَلَوْ لَمْ يُحْرِزْهُ عَنْهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «مَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا. وَلِأَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ؛ فَلَا يُبَاحُ أَكْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَأَخْذِ الدَّرَاهِمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَدُعَاءٌ لِوَلِيمَةٍ وَتَقْدِيمُ طَعَامٍ) إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ بِالْأَكْلِ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْغُنْيَةِ (إذْنٌ فِيهِ) أَيْ: الْأَكْلِ (إذَا كَمُلَ وَضْعُهُ، وَلَمْ يُلْحَظْ انْتِظَارُ أَحَدٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَجَاءَ مَعَهُ الرَّسُولُ فَذَلِكَ إذْنٌ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إذَا دُعِيت فَقَدْ أُذِنَ لَك. وَ (لَا) الدُّعَاءُ إلَى الْوَلِيمَةِ إذْنًا (فِي الدُّخُولِ إلَّا بِقَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَيْهِ (وَلَا يَمْلِكُهُ) أَيْ: الطَّعَامُ (مِنْ قُدِّمَ إلَيْهِ) بِتَقْدِيمِهِ لَهُ (بَلْ يَهْلِكُ) الطَّعَامُ بِالْأَكْلِ (عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا) ، وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ الْأَكْلُ؛ فَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. (وَلَا يُعْتَبَرُ) مَعَ الدُّعَاءِ إلَى الْوَلِيمَةِ أَوْ تَقْدِيمِ الطَّعَامِ (إذْنٌ ثَانٍ لِأَكْلٍ كَطَبِيبٍ دُعِيَ لِفَصْدٍ وَخَيَّاطٍ) دُعِيَ (لِتَفْصِيلٍ) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصَّنَائِعِ، فَيَكُونُ الْعُرْفُ إذْنًا فِي التَّصَرُّفِ، وَلَا يَجُوزُ لِلضِّيفَانِ قَسْمُهُ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَهُ، فَأَضَافَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ لَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 [فَصْلٌ آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] فَصْلٌ فِي آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا (يُسْتَحَبُّ وَلَوْ لِمُتَوَضِّئٍ غَسْلُ يَدَيْهِ قَبْلَ أَكْلٍ مُتَقَدِّمًا) رَبَّهُ وَغَسْلُهُمَا (بَعْدَهُ) أَيْ: الْأَكْلِ (مُتَأَخِّرًا بِهِ رَبَّهُ وَ) يَسْتَحِقُّ غَسْلَ فَمِهِ بَعْدَهُ، وَأَنْ (يَتَوَضَّأَ الْجُنُبُ قَبْلَ) أَيْ: الْأَكْلِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. (وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ يَدَيْهِ بِإِنَاءٍ أَكَلَ فِيهِ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا) يُكْرَهُ غَسْلُهُمَا (بِطِيبٍ) كَمَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِ (وَكُرِهَ) غَسْلُهُمَا (بِطَعَامٍ) وَهُوَ الْقُوتُ (وَلَوْ بِدَقِيقِ حِمَّصٍ وَعَدَسٍ وَبَاقِلَاءَ) وَنَحْوَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمِلْحُ لَيْسَ بِقُوتٍ، وَإِنَّمَا يُصْلَحُ بِهِ الْقُوتُ. فَعَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ الْغَسْلُ بِهِ وَ (لَا) بَأْسَ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ (بِنُخَالَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قُوتًا (أَوْ لِحَاجَةٍ) دَعَتْ لِاسْتِعْمَالِ الْقُوتِ (كَدَبْغٍ بِدَقِيقِ شَعِيرٍ وَتَدَاوٍ بِلَبَنٍ لِجَرَبٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ يُرَخَّصُ فِيهِ لِلْحَاجَةِ. (وَتُسَنُّ تَسْمِيَةٌ جَهْرًا عَلَى أَكْلٍ وَشُرْبٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ» . وَقِيسَ عَلَيْهِ الشُّرْبُ (فَيَقُولُ) الْآكِلُ وَالشَّارِبُ (بِسْمِ اللَّهِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَإِنْ زَادَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَحَسَنٌ) ، بِخِلَافِ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ. انْتَهَى. (فَإِنْ ذَكَرَ فِي أَثْنَاءِ) الْأَكْلِ (قَالَ) نَدْبًا (بِسْمِ اللَّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ) لِلْخَبَرِ، وَيُسَمِّي الْمُمَيِّزُ (وَيُسَمَّى عَمَّنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا تَمْيِيزَ) لِتَعَذُّرِهَا مِنْهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُشِيرَ بِهَا أَخْرَسُ وَنَحْوُهُ كَالْوُضُوءِ (وَحَمِدَ) اللَّهَ الْآكِلُ وَالشَّارِبُ (إذَا فَرَغَ) مِنْ أَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ اللَّهَ يَرْضَى مِنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ وَيَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَمِمَّا وَرَدَ) مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. (وَ) مِنْهُ أَيْضًا مَا رَوَى مُعَاذٌ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقَالَ: الْحَمْدُ اللَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (وَدَعَا لِرَبِّ الطَّعَامِ) نَدْبًا (وَمِنْهُ أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ) لِلْخَبَرِ. (وَ) يُسَنُّ (أَكْلُهُ مِمَّا يَلِيهِ) وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ (لَا أَنْوَاعَ) مُتَعَدِّدَةٍ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أَنْوَاعٌ، فَلَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهَا، أَوْ كَانَ الطَّعَامُ فَاكِهَةً فَلَا بَأْسَ؛ لِحَدِيثِ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَفْنَةٍ كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالْوَدَكِ؛ فَأَقْبَلْنَا نَأْكُلُ، فَخَبَطَتْ يَدَيَّ فِي نَوَاحِيهَا، فَقَالَ: يَا عِكْرَاشُ، كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ مِنْ طَعَامٍ وَاحِدٍ. ثُمَّ أُتِينَا بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ الرُّطَبِ، فَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّبَقِ، وَقَالَ يَا عِكْرَاشُ، كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْت؛ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. قَالَ الْآمِدِيُّ: أَوْ كَانَ يَأْكُلُ وَحْدَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ مِمَّا لَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْذِي بِذَلِكَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: وَكَذَا لَوْ كَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ مَنْ لَا يَسْتَقْذِرُ مِنْهُ بَلْ يَسْتَشْفِي مِنْهُ، كَمَا يَشْهَدُ لَهُ تَتَبُّعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلدُّبَّاءِ مِنْ حَوَالَيْ الصَّحْفَةِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ (بِيَمِينِهِ) وَيُكْرَهُ تَرْكُ الْأَكْلِ بِالْيَمِينِ وَمِمَّا يَلِيهِ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ «كُنْت يَتِيمًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِك وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 (وَلَا بَأْسَ) بِالْأَكْلِ (بِمِلْعَقَةٍ) وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً؛ لِأَنَّهَا تُعْتَبَرُ بِهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ (وَ) يُسَنُّ أَكْلُهُ (بِثَلَاثِ أَصَابِعَ) لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَلَا يَمْسَحُ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا» . وَلَمْ يُصَحِّحْ أَحْمَدُ حَدِيثَ أَكْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِكَفِّهِ (فَيُكْرَهُ) الْأَكْلُ (بِأَقَلَّ) مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعَ؛ لِأَنَّهُ كِبْرٌ (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (بِأَكْثَرَ) مِنْ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ شَرَهٌ، مَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةً. قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْأَكْلِ بِالْأَصَابِعِ كُلِّهَا فَذَهَبَ إلَى ثَلَاثِ أَصَابِعَ. (وَ) يُسَنُّ (تَخْلِيلُ مَا عَلَقَ بِأَسْنَانِهِ) مِنْ طَعَامٍ. قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: تَرْكُ الْخِلَالِ يُوهِنُ الْأَسْنَانَ. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مَرْفُوعًا، وَرُوِيَ: «تَخَلَّلُوا مِنْ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَشَدُّ عَلَى الْمَلَكِ الَّذِي عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَجِدَ مِنْ أَحَدِكُمْ رِيحَ الطَّعَامِ» . قَالَ النَّاظِمُ: وَيُلْقِي مَا أَخْرَجَهُ الْخِلَالُ، وَلَا يَبْتَلِعُهُ لِلْخَبَرِ. (وَ) يُسَنُّ (مَسْحُ الصَّحْفَةِ) الَّتِي أَكَلَ مِنْهَا (وَ) يُسَنُّ (أَكْلُ مَا تَنَاثَرَ) مِنْهُ أَوْ سَقَطَ مِنْهُ مِنْ الْفَمِ بَعْدَ إزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ أَذًى؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا وَقَعَتْ اللُّقْمَةُ مِنْ يَدِ أَحَدِكُمْ فَلْيَمْسَحْ مَا عَلَيْهَا مِنْ الْأَرْضِ وَلْيَأْكُلْهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (وَ) يُسَنُّ لِمَنْ أَكَلَ مَعَ غَيْرِهِ (غَضُّ طَرْفِهِ عَنْ جَلِيسِهِ) لِئَلَّا يَسْتَحْيِيَ (وَ) يُسَنُّ (إيثَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ) لِمَدْحِهِ تَعَالَى فَاعِلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9] الْآيَةَ (وَشُرْبُهُ ثَلَاثًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مُصُّوا الْمَاءَ مَصًّا، وَلَا تَعُبُّوهُ عَبًّا، فَإِنَّ الْكُبَادَ مِنْ الْعَبِّ» . وَالْكُبَادُ بِضَمِّ الْكَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، قِيلَ: وَجَعُ الْكَبِدِ، وَيَعُبُّ اللَّبَنَ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ (وَسُنَّ تَمَضْمُضٌ مِنْ شُرْبٍ) قَالَهُ فِي " الْآدَابِ "، وَيُتَوَجَّهُ أَنْ تُسْتَحَبَّ الْمَضْمَضَةُ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 مَا لَهُ دَسَمٌ (وَ) سُنَّ (لَعْقُ أَصَابِعِهِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ، أَوْ يُلْعِقَهَا غَيْرَهُ) ؛ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَلَا يَمْسَحُ يَدَيْهِ حَتَّى يَلْعَقَهَا» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ؛ (وَيُسَمِّي الشَّارِبُ عِنْدَ كُلِّ ابْتِدَاءٍ، وَيَحْمَدُ عِنْدَ كُلِّ قَطْعٍ، وَقَدْ يُقَالُ فِي أَكْلِ كُلِّ لُقْمَةٍ فَعَلَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: أَكْلٌ وَحَمْدٌ خَيْرٌ مِنْ أَكْلٍ وَصَمْتٍ) انْتَهَى. (وَيُسْتَحَبُّ) لِلْآكِلِ (أَنْ يَجْلِسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى أَوْ يَتَرَبَّعَ) وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الِاتِّكَاءِ. (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُصَغِّرَ اللُّقْمَةَ، وَيُجِيدَ فِي الْمَضْغِ وَيُطِيلَ الْبَلْعَ) لِأَنَّهُ أَجْوَدُ هَضْمًا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا هُوَ أَتَمُّ مِنْ الْإِطَالَةِ (وَاسْتَحَبَّ) بَعْضُ الْأَصْحَابِ تَصْغِيرُ الْكِسَرِ يَعْنِي اللُّقَمَ (وَإِذَا أَكَلَ مَعَهُ ضَرِيرٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعْلِمَهُ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) مِنْ الطَّعَامِ لِيَتَنَاوَلَ مِمَّا يَشْتَهِيهِ (وَيَنْوِي نَدْبًا بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ) لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . تَنْبِيهٌ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْدَأَ الْأَكْبَرُ وَالْأَعْلَمُ وَصَاحِبُ الْبَيْتِ بِالْأَكْلِ؛ لِحَدِيثِ: «كَبِّرْ كَبِّرْ» وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِمَا السَّبْقُ إلَى الْأَكْلِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّنَاءَةِ وَالشَّرَهِ. (وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا بِالْأَدَبِ وَالْمُرُوءَةِ، وَمَعَ الْفُقَرَاءِ بِالْإِيثَارِ وَمَعَ الْعُلَمَاءِ بِالتَّعَلُّمِ، وَمَعَ الْإِخْوَانِ بِالِانْبِسَاطِ وَالْحَدِيثِ الطَّيِّبِ وَالْحِكَايَاتِ الَّتِي تَلِيقُ بِالْحَالِ) وَلَا يَتَصَنَّعُ بِالِانْقِبَاضِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْحَاضِرِينَ مَعَهُ، وَيَتَكَلَّفُ الِانْبِسَاطَ، قَالَ أَحْمَدُ يَأْكُلُ بِالسُّرُورِ مَعَ الْإِخْوَانِ، وَبِالْإِيثَارِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، وَبِالْمُرُوءَةِ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا انْتَهَى. وَلَا يُكْثِرُ النَّظَرَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَأْكُلُ مِنْهُ الطَّعَامَ؛ لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ. (وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَنْ لَا يَسْكُتُوا عَلَى الطَّعَامِ، بَلْ يَتَكَلَّمُونَ بِالْمَعْرُوفِ) وَقَالَ: يَنْبَغِي لِلْمُضِيفِ أَنْ يَتَوَاضَعَ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَنْبَغِي إذَا حَضَرَ أَنْ لَا يَتَصَدَّرَ، وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ مَكَانًا أَنْ لَا يَتَجَاوَزَهُ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إسَاءَةُ أَدَبٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 مِنْهُ (وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْصِدَ) الْمَدْعُوُّ (بِإِجَابَتِهِ) الدَّعْوَةَ (نَفْسَ الْأَكْلِ) لِأَنَّهُ سِمَةُ الْبَهَائِمِ، (بَلْ يَنْوِي بِهِ الِاقْتِدَاءَ بِالسُّنَّةِ وَإِكْرَامَ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ، وَصِيَانَةَ نَفْسِهِ عَنْ سُوءِ ظَنِّ تَكَبُّرٍ بِهِ) لِيُثَابَ عَلَيْهِ. (وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَ ضَيْفِهِ لِبَابِ الدَّارِ) تَتْمِيمًا لِإِكْرَامِهِ (وَيَحْسُنُ أَنْ يَأْخُذَ بِرِكَابِهِ إلَى رِكَابِ ضَيْفِهِ) إذَا رَكِبَ (وَوَرَدَ) فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَخَذَ بِرِكَابِ مَنْ لَا يَرْجُوهُ، وَلَا يَخَافُهُ، غُفِرَ لَهُ» قَالَهُ فِي " الْآدَابِ " (وَلَهُ) أَيْ رَبِّ الطَّعَامِ (تَخْصِيصُ بَعْضِ الضِّيفَانِ بِشَيْءٍ طَيِّبٍ إنْ لَمْ يَتَأَذَّ غَيْرَهُ) لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ كَيْفَ شَاءَ. (وَيُسْتَحَبُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يُفْضِلَ شَيْئًا) مِنْ الطَّعَامِ (لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِفَضْلَتِهِ) أَوْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ إلَى بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ (وَ) فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " يُسْتَحَبُّ (لِأَهْلِ الطَّعَامِ أَنْ يَأْكُلُوا بَعْدَ فَرَاغِ الضِّيفَانِ) لِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ فِي الصَّحِيحِ وَفِيهِ: «أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، فَذَهَبَ بِالضَّيْفِ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَذَا ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا عِنْدَنَا إلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ. فَقَالَ: نَوِّمِي صِبْيَانَك، وَأَطْفِئِي السِّرَاجَ، وَقَدِّمِي مَا عِنْدَك لِلضَّيْفِ، وَنُوهِمُهُ أَنَّا نَأْكُلُ، فَفَعَلَا ذَلِكَ، وَنَزَلَ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] » وَالْأَوْلَى النَّظَرُ فِي قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، فَإِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى إبْقَاءِ شَيْءٍ أَبْقَاهُ وَإِلَّا مَسَحَ الْإِنَاءَ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَغْفِرُ لِلَاعِقِهَا. (وَ) (أَكْلُهُ مَعَ زَوْجَةٍ وَطِفْلٍ وَمَمْلُوكٍ، وَتَكْثِيرِ الْأَيْدِي عَلَى الطَّعَامِ) وَلَوْ مِنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ؛ لِتَكْثُرَ الْبَرَكَةُ، وَلَعَلَّهُ صَادَفَ صَالِحًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَيُغْفَرُ لَهُ بِسَبَبِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 (وَالسُّنَّةُ جَعْلُ الْبَطْنِ أَثْلَاثًا ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا لِلنَّفَسِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لَقِيمَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» . (وَيُسَنُّ إذَا فَرَغَ مِنْ الْأَكْلِ أَنْ لَا يُطِيلَ الْجُلُوسَ بِلَا حَاجَةٍ بَلْ يَسْتَأْذِنَ) رَبَّ الْمَنْزِلِ (وَيَنْصَرِفَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} [الأحزاب: 53] . (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَخُصَّ بِدَعْوَتِهِ الْأَتْقِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ) لِتَنَالَهُ بَرَكَتُهُمْ، وَلِأَنَّهُمْ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِخِلَافِ ضِدِّهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، فَيَكُونُ مُعِينًا لَهُمْ عَلَيْهَا (وَأَنْ لَا يَرْفَعَ مِنْ أَكْلٍ مَعَ جَمَاعَةٍ يَدَهُ قَبْلَهُمْ؛ فَيُكْرَهُ) بِلَا قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى شِبَعِ الْجَمِيعِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذْ لَوْ وُضِعَتْ الْمَائِدَةُ فَلَا يَقُومُ رَجُلٌ حَتَّى تُرْفَعَ الْمَائِدَةُ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ وَإِنْ شَبِعَ حَتَّى يَفْرُغَ الْقَوْمُ وَلِيَعْذِرَ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ يُخْجِلَ جَلِيسَهُ فَيَقْبِضُ يَدَهُ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الطَّعَامِ حَاجَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَإِنْ طَبَخَ مَرَقَةً فَلْيُكْثِرْ مِنْ مَائِهَا وَيَتَعَاهَدَ بَعْضَ جِيرَانِهِ. وَمِنْ آدَابِ) إحْضَارِ (الطَّعَامِ تَعْجِيلُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ) الطَّعَامُ (قَلِيلًا، وَمِنْ التَّكَلُّفِ أَنْ يُقَدِّمَ جَمِيعَ مَا عِنْدَهُ) وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ أَتْقِيَاءَ أُمَّتِي بُرَآءُ مِنْ التَّكَلُّفِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَكَلَّفُوا؛ لِلضَّيْفِ فَتُبْغِضُوهُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَبْغَضَ الضَّيْفَ فَقَدْ أَبْغَضَ اللَّهَ، وَمَنْ أَبْغَضَ اللَّهَ أَبْغَضَهُ اللَّهُ» . (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْفَاكِهَةَ قَبْلَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ أَصْلَحُ فِي بَابِ الطِّبِّ) ؛ لِأَنَّهَا أَسْرَعُ هَضْمًا، فَتَنْحَدِرُ عَلَى مَا تَحْتَهَا، فَتُفْسِدُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَإِذَا دُعِيَ) إلَى أَكْلٍ (فَلْيَأْكُلْ بِبَيْتِهِ مَا يَكْسِرُ نَهِمَتَهُ قَبْلَ ذَهَابِهِ) انْتَهَى. (وَلَا يَقْتَرِحُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 الزَّائِرُ طَعَامًا بِعَيْنِهِ وَإِنْ خُيِّرَ) الزَّائِرُ (بَيْنَ طَعَامَيْنِ اخْتَارَ الْأَيْسَرَ) مِنْهُمَا لِئَلَّا يَحْمِلَ رَبَّ الطَّعَامِ عَلَى التَّكَلُّفِ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مُضِيفَهُ يُسَرُّ) بِاقْتِرَاحِهِ، وَلَا يُقَصِّرُ؛ فَلَا بَأْسَ بِالِاقْتِرَاحِ، لِأَنَّهُ مِنْ إدْخَالِ السُّرُورِ (وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُضَيِّفُ. وَلَا يُشْرَعُ تَقْبِيلُ الْخُبْزِ وَلَا الْجَمَادَاتِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ) كَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (وَلَا يُكْرَهُ شُرْبُهُ قَائِمًا وَشُرْبُهُ قَاعِدًا أَكْمَلُ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ قَائِمًا وَيُتَوَجَّهُ كَشُرْبٍ (وَإِذَا شَرِبَ) لَبَنًا أَوْ غَيْرَهُ (سُنَّ أَنْ يُنَاوِلَ الْأَيْمَنَ) وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ مَفْضُولًا، وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ فِي مُنَاوَلَتِهِ الْأَكْبَرَ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ نَاوَلَهُ لَهُ (وَكَذَا غُسْلُ يَدَيْهِ) يَكُونُ لِلْأَيْمَنِ فَالْأَيْمَنِ (وَرَشِّ نَحْوِ مَاءِ وَرْدٍ) كَمَاءِ زَهْرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ، وَكَذَا التَّجْمِيرُ بِالْعُودِ وَنَحْوِهِ (وَيَبْدَأُ) فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (بِأَفْضَلِهِمْ ثُمَّ بِمَنْ عَلَى الْيَمِينِ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الشُّرْبِ، وَقِسْ الْبَاقِي (وَلَا يَعُبُّ الْمَاءَ عَبًّا بَلْ) يَمُصُّهُ (مَصًّا مُقَطَّعًا ثَلَاثًا) لِلْخَبَرِ وَتَقَدَّمَ. [فَصْلٌ الطَّعَامِ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ أَوْ وَسَطِهَا] فَصْلٌ (يُكْرَهُ أَكْلُ) الطَّعَامِ (مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ أَوْ وَسَطِهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلُ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ، وَلَكِنْ لِيَأْكُلَ مِنْ أَسْفَلِهَا؛ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا» وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَدَعُوا ذِرْوَتَهَا يُبَارَكْ فِيهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَ) كُرِهَ لِحَاضِرٍ (فِعْلُ مَا يَسْتَقْذِرُهُ مِنْ غَيْرِهِ نَحْوِ مُخَاطٍ وَبُصَاقٍ وَنَفْضِ يَدِهِ فِي الْقَصْعَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِقْذَارِ (وَكُرِهَ تَقْدِيمُ رَأْسِهِ إلَيْهَا) أَيْ الْقَصْعَةِ (عِنْدَ وَضْعِ لُقْمَةٍ بِفَمِهِ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا سَقَطَ مِنْ فَمِهِ شَيْءٌ فِيهَا فَقَذَّرَهَا (وَ) كُرِهَ (غَمْسُ بَقِيَّةِ لُقْمَةٍ أَكَلَ مِنْهَا فِي الْمَرَقَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَكْرَهُهُ غَيْرُهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 (وَ) كُرِهَ (تَكَلُّمٌ بِمَا يُسْتَقْذَرُ أَوْ بِمَا يُضْحِكُهُمْ أَوْ يُحْزِنُهُمْ) قَالَهُ الشَّيْخ وَعَبْدُ الْقَادِرِ. (وَ) كُرِهَ (أَكْلُهُ مُتَّكِئًا أَوْ مُضْطَجِعًا) أَوْ مُنْبَطِحًا وَفِي " الْغُنْيَةِ " وَغَيْرِهَا (أَوْ عَلَى الطَّرِيقِ وَ) كُرِهَ لِرَبِّ الطَّعَامِ (مَدْحُ طَعَامِهِ) وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلضَّيْفِ وَالزَّائِرِ (وَكُرِهَ تَقْوِيمُهُ وَعَيْبُهُ أَيْ: الطَّعَامِ وَاحْتِقَارُهُ، فَإِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ) لِمَا وَرَدَ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا عَابَ طَعَامًا قَطُّ، بَلْ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ لِلْأَكْلِ» . (وَ) كُرِهَ (نَفْخُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) لِيَبْرُدَ قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَصَوَّبَ فِي " الْإِنْصَافِ " عَدَمَ كَرَاهَةِ نَفْخِ الطَّعَامِ إنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ إلَى الْأَكْلِ حِينَئِذٍ (وَأَكْلُهُ حَارًّا) لِأَنَّهُ لَا بَرَكَةَ فِيهِ إنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّ حَاجَةٌ (أَوْ) أَيْ: وَكُرِهَ أَكْلُهُ (كَثِيرًا بِحَيْثُ يُؤْذِيهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " (أَوْ قَلِيلًا بِحَيْثُ يَضُرُّهُ) لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . (وَ) كُرِهَ (شُرْبُهُ مِنْ فَمِ سِقَاءٍ) نَصًّا، لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ دَاخِلِ الْقِرْبَةِ مَا يُنَغِّصُ الشُّرْبَ أَوْ يُؤْذِي الشَّارِبَ (وَ) مِنْ (ثُلْمَةِ إنَاءٍ) أَوْ مُحَاذِيًا لِلْعُرْوَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِرَأْسِ الْإِنَاءِ، وَكَذَا اخْتِنَاثُهُ الْأَسْقِيَةَ، وَهُوَ قَلْبُهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: خَنَثْت الْإِنَاءَ وَاخْتَنَثْتُهُ إذَا ثَنَيْته إلَى الْخَارِجِ فَشَرِبْت مِنْهُ فَإِنْ كَسَرْته إلَى دَاخِلٍ فَقَدْ قَبَعْته بِالْقَافِ وَالْبَاءِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَ) كُرِهَ شُرْبُهُ (فِي أَثْنَاءِ طَعَامٍ بِلَا عَادَةٍ) فَإِنَّهُ أَجْوَدُ فِي الطِّبِّ. قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ: بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إلَّا إذَا صَدَقَ عَطَشُهُ، فَيَنْبَغِي مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ، يُقَالُ: إنَّهُ دَبَّاغٌ لِلْمَعِدَةِ (وَ) كُرِهَ (تَنَفُّسُهُ فِي الْإِنَاءِ وَرَدِّ شَيْءٍ مِنْ فِيهِ إلَيْهِ) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «وَلَا يَتَنَفَّسُ أَحَدُكُمْ فِي الْإِنَاءِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 (وَ) كُرِهَ (أَكْلٌ وَشُرْبٌ بِشِمَالِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ كُرِهَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَلَا يَأْكُلُ بِيَمِينِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ أَمْسَكَ بِيَمِينِهِ خُبْزًا وَبِشِمَالِهِ أُدْمًا) وَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا، وَيَتَأَدَّمُ مِنْ هَذَا (فَكَذَلِكَ) أَيْ: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ بِشِمَالِهِ (وَلِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرَهِ، وَ) كُرِهَ (قِرَانُهُ فِي تَمْرٍ وَنَحْوِهِ) (مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَنَاوُلِهِ إفْرَادًا) لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرَهِ أَيْضًا (وَ) كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (أَنْ يَفْجَأَ قَوْمًا عِنْدَ وَضْعِ طَعَامِهِمْ تَعَمُّدًا فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ بِلَا إذْنِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] . الْآيَةَ. وَكَذَا الَّذِي يَتْبَعُ الضَّيْفَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْعَى وَهُوَ الطُّفَيْلِيُّ (وَ) إنْ فَجْأَهُمْ (بِلَا تَعَمُّدٍ) فَلَهُ أَنْ (يَأْكُلَ) نَصًّا إنْ كَانَ مِنْ عَادَةِ رَبِّ الْأَكْلِ السَّمَاحَةُ. (وَ) كُرِهَ (تَعْلِيَةُ قَصْعَةٍ بِخُبْزٍ وَطَبِيخٍ) لِأَنَّهُ اسْتِبْذَالٌ لَهُ (وَ) كَرِهَ أَحْمَدُ (كَوْنَهُ) أَيْ: الْخُبْزِ (كِبَارًا) وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ بَرَكَةٌ، وَذَكَرَ مَعْمَرٌ أَنَّ أَبَا أُسَامَةَ قَدَّمَ لَهُمْ طَعَامًا فَكَسَرَ الْخُبْزَ قَالَ أَحْمَدُ: لِئَلَّا يَعْرِفُوا كَمْ يَأْكُلُونَ. (وَ) تُكْرَهُ (إهَانَتُهُ فَلَا يَمْسَحُ يَدَهُ أَوْ السِّكِّينَ بِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَكْرِمُوا الْخُبْزَ» . (وَ) كُرِهَ أَكْلُ مَا انْتَفَخَ مِنْ خُبْزٍ أَوْ أَكْلُ (وَجْهِهِ، وَتَرْكُ الْبَاقِي) مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ كِبْرٌ. وَيُسَنُّ تَخْلِيلُ أَسْنَانِهِ إنْ عَلِقَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: تَرْكُ الْخِلَالِ يُوهِنُ الْأَسْنَانَ. وَلَا يُخَلِّلُ أَسْنَانَهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّعَامِ وَلَا بِعُودٍ يَضُرُّهُ (وَ) كُرِهَ (بَلْعُ مَا أَخْرَجَهُ الْخِلَالُ،) (وَلَا) يُكْرَهُ بَلْعُ (مَا قَلَعَهُ بِلِسَانِهِ) كَسَائِرِ مَا بِفِيهِ. (وَحَرُمَ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ بِلَا إذْنِ رَبِّهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِئَاتِ عَلَيْهِ (وَجَوَّزَهُ فِي الرِّعَايَةِ) الْكُبْرَى فَقَالَ: لَهُ أَخْذُ مَا عَلِمَ وَرَضِيَ رَبُّهُ بِهِ، وَإِطْعَامُ الْحَاضِرِينَ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَالْمَذْهَبُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 قَالَ فِي الْفُرُوعِ (وَمَا جَرَتْ عَادَةٌ بِهِ مِنْ إطْعَامِ نَحْوِ سَائِلٍ وَسِنَّوْرٍ فَوَجْهَانِ، قَالَ: وَجَوَازُهُ أَظْهَرُ) وَقَالَ فِي آدَابِهِ الْأُولَى جَوَازُهُ (وَلَا بَأْسَ بِوَضْعِ خَلٍّ وَبُقُولٍ عَلَى الْمَائِدَةِ غَيْرِ نَحْوِ ثُومٍ وَبَصَلٍ) وَفُجْلٍ وَمَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ؛ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ نِيئًا. (وَلَا يُكْرَهُ قَطْعُ لَحْمٍ بِسِكِّينٍ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ لَا يَصِحُّ) قَالَهُ أَحْمَدُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ إلَى تَقْطِيعِ اللَّحْمِ الَّذِي يُقَدَّمُ لَلضَّيْفَانِ حَتَّى يَأْذَنُوا لَهُ فِي ذَلِكَ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " (وَلَا يُلْقِمُ جَلِيسَهُ، وَلَا يَفْسَخُ لِغَيْرِهِ بِلَا إذْنِ رَبِّ الطَّعَامِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ تَقْدِيمُ بَعْضِ الضَّيْفَانِ مَا لَدَيْهِ، وَنَقْلِهِ بِلَا إذْنِ رَبِّ الطَّعَامِ، قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنْ لَا يُلْقِمَ أَحَدًا يَأْكُلُ مَعَهُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الطَّعَامِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، لَكِنَّ الْأَدَبَ وَالْأَوْلَى الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى طَعَامِهِ بِبَعْضِ التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْر إذْنٍ صَرِيحٍ. (وَلَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ تَرْكُ) أَكْلِ (الطَّيِّبَاتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} [البقرة: 172] . (وَلَا بَأْسَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ طَعَامَيْنِ) مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ، وَمِنْ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْت» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَنَسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ فِي " الْآدَابِ " وَفِيهِ ضَعْفٌ (وَمَنْ أَذْهَبَ طَيِّبَاتِهِ فِي حَيَاتِهِ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا؛ نَقَصَتْ دَرَجَتُهُ فِي الْآخِرَةِ) لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ أَحْمَدُ: يُؤْجَرُ فِي تَرْكِ الشَّهَوَاتِ، وَمُرَادُهُ مَا لَمْ يُخَالِفْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 الشَّرْعَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ امْتَنَعَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَمُبْتَدِعٌ. (وَكُرِهَ النِّثَارُ) فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ (لِمَا فِيهِ مِنْ النُّهْبَةِ) وَقَدْ «نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ (وَالْتِقَاطُهُ) دَنَاءَةٌ وَإِسْقَاطُ مُرُوءَةٍ، وَاَللَّهُ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ تَزَاحُمًا وَقِتَالًا، وَقَدْ يَأْخُذُهُ مَنْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إلَى صَاحِبِهِ (وَمَنْ حَصَلَ فِي حِجْرِهِ مِنْهُ) شَيْءٌ (أَوْ أَخَذَهُ فَلَهُ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهُ) لِأَنَّ مَالِكَهُ قَصَدَ تَمْلِيكَهُ لِمَنْ حَازَهُ، وَقَدْ حَازَهُ مَنْ أَخَذَهُ، وَحَصَلَ فِي حِجْرِهِ، فَيَمْلِكَهُ، كَمَا لَوْ وَثَبَتْ سَمَكَةٌ فِي الْبَحْرِ فَوَقَعَتْ فِي حِجْرِهِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ صَيْدٌ دَارِهِ أَوْ خَيْمَتَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ مِنْهُ، فَإِنْ قَسَمَ الْآخِذُ لِلنِّثَارِ مَا أَخَذَهُ عَلَى الْحَاضِرِينَ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ وَلَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَقَدْ أَبَاحَهُ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ إنْ وَضَعَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَذِنَ لَهُمْ فِي أَخْذِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ تَنَاهُبٌ؛ فَيُبَاحُ، لِعَدَمِ مُوجِبِ الْكَرَاهَةِ. (وَتُبَاحُ الْمُنَاهَدَةُ) وَيُقَالُ: النِّهْدُ بِكَسْرِ النُّونِ (وَهِيَ أَنْ يَخْرُجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رُفْقَةٍ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ) وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَوْا (وَيَدْفَعُونَهُ إلَى مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ، وَيَأْكُلُونَ جَمِيعًا، فَلَوْ أَكَلَ بَعْضُهُمْ) مِنْ رَفِيقِهِ (أَوْ تَصَدَّقَ) بَعْضُهُمْ (مِنْهُ فَلَا بَأْسَ) لَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ نَصًّا. [تَتِمَّةٌ جَعْلُ مَاءِ الْأَيْدِي فِي طَسْتٍ وَاحِدٍ بَعْد الْفَرَاغ مِنْ الطَّعَام] تَتِمَّةٌ: يُسْتَحَبُّ جَعْلُ مَاءِ الْأَيْدِي فِي طَسْتٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَرْفَعُهُ حَتَّى يَمْتَلِئَ، لِئَلَّا يَكُونَ مُتَشَبِّهًا بِالْأَعَاجِمِ فِي زِيِّهِمْ، وَلَا يَضَعُ الصَّابُونَ فِي مَاءِ الطَّسْتِ بَعْدَ غَسْلِ يَدَيْهِ، لِأَنَّهُ يُذِيبُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُكْرَهُ غَسْلُ الْيَدِ بِالطِّيبِ؛ فَلَا يُكْرَهُ بِالصَّابُونِ الْمُطَيَّبِ. وَمَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَلْيَقُلْ اسْتِحْبَابًا: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَإِذَا شَرِبَ لَبَنًا قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَزِدْنَا مِنْهُ. وَإِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ وَنَحْوُهُ كَالزُّنْبُورِ وَالنَّحْلِ قَالَ الْحَافِظُ: اسْمُ الذُّبَابِ يَقَعُ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى الزَّنَابِيرِ وَالنَّحْلِ وَالْبَعُوضِ وَغَيْرِهَا إذَا وَقَعَ فِي طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ سُنَّ غَمْسُهُ فِيهِ كُلِّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ أَوْ قَالَ: فِي طَعَامِ أَحَدِكُمْ؛ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءٌ وَفِي الْآخَرِ شِفَاءٌ وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِالدَّاءِ» . وَظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ غَمْسِهَا مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً، وَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى مَوْتِهَا بِالْغَمْسِ، وَيَغْسِلُ يَدَيْهِ وَفَمَهُ مِنْ ثُومٍ وَبَصَلٍ وَزُهُومَةٍ أَيْ دُسُومَةٍ وَرَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ تَنْظِيفًا لِذَلِكَ، وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ النَّوْمِ خَشْيَةَ اللَّمَمِ، وَفِي الثَّرِيدِ فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الطَّعَامِ؛ لِحَدِيثِ: «فَضْلُ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ كَفَضْلِ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ» وَهُوَ أَنْ يَثْرُدَ الْخُبْزَ ثُمَّ يَبُلَّهُ بِمَرَقِ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَثَرَدَ غَطَّاهُ شَيْئًا حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرَهُ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ. [فَصْلٌ إعْلَانُ نِكَاحٍ وَضَرْبٌ فِيهِ بِدُفٍّ مُبَاحٍ] فَصْلٌ. (يُسَنُّ إعْلَانُ نِكَاحٍ وَ) يُسَنُّ (ضَرْبٌ فِيهِ بِدُفٍّ مُبَاحٍ) وَهُوَ مَا لَا حِلَقَ فِيهِ وَلَا صُنُوجَ (لِنِسَاءٍ وَلِرِجَالٍ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ التَّسْوِيَةُ، قِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ المروذي: مَا تَرَى النَّاسَ الْيَوْمَ يُحَرِّكُ الدُّفَّ فِي إمْلَاكٍ أَوْ بِنَاءٍ بِلَا غِنَاءٍ، فَلَمْ يَكْرَه ذَلِكَ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ جَرَسٌ قَالَ: لَا (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ، وَقَدْ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ وَالْمُوَفَّقَ حَيْثُ خَصَّصَاهُ بِالنِّسَاءِ، وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَاطِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الصَّوْتُ وَالدُّفُّ فِي النِّكَاحِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَحَدِيثُ: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ» وَفِي لَفْظٍ: «أَظْهِرُوا النِّكَاحَ» وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ. وَفِي لَفْظٍ: «اضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا بَأْسَ بِالْغَزَلِ فِي الْعُرْسِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْأَنْصَارِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ وَلَوْلَا الذَّهَبُ الْأَحْمَرُ لَمَا حَلَّتْ بِوَادِيكُمْ وَلَوْلَا الْحَبَّةُ السَّمْرَاءُ مَا سُرَّتْ عَذَارِيكُمْ» . (وَقَالَ الْإِمَامُ: يُسْتَحَبُّ ضَرْبُ الدُّفِّ وَالصَّوْتِ فِي الْإِمْلَاكِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: يَتَكَلَّم وَيَتَحَدَّثُ وَيُظْهِرُ) . يُسَنُّ ضَرْبٌ بِدُفٍّ مُبَاحٍ فِي (خِتَانٍ وَقُدُومِ غَائِبٍ وَوِلَادَةٍ كَنِكَاحٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ السُّرُورِ (وَحَرُمَ مِزْمَارُ طُنْبُورٍ وَرَبَابٍ وَجُنْكٍ) وَمُعْزِفَةٍ وَجِفَانَةٍ (وَعُودٍ وَنَايٍ وَزَمَّارَةِ الرَّاعِي وَنَحْوِهِ، سَوَاءٌ اُسْتُعْمِلَتْ لِحُزْنٍ أَوْ سُرُورٍ) وَفِي الْقَضِيبِ وَجْهَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي " لَا يُكْرَهُ إلَّا مَعَ تَصْفِيقٍ أَوْ غِنَاءٍ أَوْ رَقْصٍ وَنَحْوِهِ (وَكُرِهَ رَقْصٌ وَتَخْرِيقُ ثِيَابٍ لِمُتَوَاجِدٍ عِنْدَ السَّمَاعِ، قَالَهُ فِي " الْغُنْيَةِ ") وَكَرِهَ أَحْمَدُ التَّغْبِيرَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ؛ وَنَهَى عَنْ اسْتِمَاعِهِ، وَقَالَ: هُوَ بِدْعَةٌ وَمُحْدَثٌ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد وَلَا يُعْجِبُنِي، وَنَقَلَ يُوسُفُ وَلَا تَسْتَمِعُهُ، قِيلَ: هُوَ بِدْعَةٌ، قَالَ: حَسْبُك. قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالْمُغَبَّرَةُ قَوْمٌ يُغَبِّرُونَ لِذِكْرِ اللَّهِ؛ أَيْ: يُهَلِّلُونَ وَيُرَدِّدُونَ الصَّوْتَ بِالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُرَغِّبُونَ النَّاسَ فِي الْمُغَايِرَةِ إلَى الْبَاقِيَةِ انْتَهَى. وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " مَنَعَ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْبِدْعَةِ عَلَيْهِ وَمِنْ تَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ شِعْرٌ مُلَحَّنٌ كَالْحُدَاءِ وَالْحَدْوُ لِلْإِبِلِ وَنَحْوِهِ، وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ الْقَلَانِسِيُّ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ عَنْ الصُّوفِيَّةِ: لَا أَعْلَمُ أَقْوَامًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ، قِيلَ: إنَّهُمْ يَسْتَمِعُونَ وَيَتَوَاجَدُونَ، قَالَ: دَعُوهُمْ يَفْرَحُونَ مَعَ اللَّهِ سَاعَةً. قِيلَ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْشَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ سَمَاعُ الْقُرْآنِ وَعَذَرَهُمْ لِقُوَّةِ الْوَارِدِ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 [بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَالْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] الْعِشْرَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فِي الْأَصْلِ الِاجْتِمَاعُ. فَيُقَالُ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ عِشْرَةٌ وَمَعْشَرَةٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا (هُوَ مَا يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْأُلْفَةِ وَالِانْضِمَامِ) أَيْ: الِاجْتِمَاعِ (يَلْزَمُ كُلًّا) مِنْ الزَّوْجَيْنِ (مُعَاشَرَةُ الْآخَرِ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ الصُّحْبَةِ الْجَمِيلَةِ وَكَفِّ الْأَذَى، وَأَنْ لَا يَمْطُلَهُ بِحَقِّهِ مَعَ قُدْرَتِهِ، وَلَا يَتَكَرَّهُ لِبَذْلِهِ) أَيْ مَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ، بَلْ يَبْذُلُهُ بِبِشْرٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ (وَلَا يُتْبِعُهُ أَذًى أَوْ مِنَّةً) لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] . وَقَوْلُهُ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] قَالَ أَبُو زَيْدٍ: تَتَّقُونَ اللَّهَ فِيهِنَّ كَمَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يَتَّقِينَ اللَّهَ فِيكُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] (وَحَقُّهُ) أَيْ الزَّوْجِ (عَلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ حَقِّهَا عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ: «إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيُسَنُّ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا (تَحْسِينُ الْخَلْقِ لِصَاحِبِهِ وَالرِّفْقُ بِهِ وَاحْتِمَالُ أَذَاهُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36] قِيلَ هُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ لَنْ تَسْتَقِيمَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا، اسْتَمْتَعْتَ بِهَا لَوْ فِيهَا عِوَجٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ «خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مُعَاشَرَةُ الْمَرْأَةِ بِالتَّلَطُّفِ) لِئَلَّا تَقَعَ النَّفْرَةُ بَيْنَهُمَا (مَعَ إقَامَةِ هَيْبَتِهِ) لِئَلَّا تَسْقُطَ حُرْمَتُهُ عِنْدَهَا (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهَا قَدْرَ مَالِهِ أَوْ يُفْشِيَ إلَيْهَا سِرًّا يَخَافُ إذَاعَتَهُ) لِأَنَّهَا قَدْ تُفْشِيهِ؛ وَلَا يُكْثِرُ مِنْ الْهِبَةِ، فَإِنَّهَا مَتَى عَوَّدَهَا شَيْئًا لَمْ تَصْبِرْ عَنْهُ (وَلِيَكُنْ غَيُورًا مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ لِئَلَّا تُرْمَى بِالشَّرِّ مِنْ أَجْلِهِ، وَيَنْبَغِي إمْسَاكُهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ لَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رُبَّمَا رُزِقَ مِنْهَا وَلَدًا فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا. (وَيَجِبُ بِعَقْدٍ تَسْلِيمُهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (بِبَيْتِ زَوْجٍ إنْ طَلَبَهَا) كَمَا يَجِبُ الصَّدَاقُ إنْ طَلَبَتْهُ (وَهِيَ حُرَّةٌ) وَتَأْتِي الْأَمَةُ (وَلَمْ تَشْتَرِطْ دَارَهَا) فَإِنْ شَرَطَتْهَا فَلَهَا الْفَسْخُ إذَا نَقَلَهَا عَنْهَا؛ لِلُزُومِ الشَّرْطِ، وَتَقَدَّمَ (وَأَمْكَنَ اسْتِمْتَاعٌ بِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَحْضُنُهَا وَأُرَبِّيهَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحِلًّا لِلِاسْتِمْتَاعِ. وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُوَاقِعَهَا فَيُفْضِيَهَا (وَنَصُّهُ) أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الَّتِي يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا هِيَ (بِنْتُ تِسْعِ) سِنِينَ فَأَكْثَرَ. قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ فِي الصَّغِيرَةِ يَطْلُبُهَا زَوْجُهَا، فَإِنْ أَتَى عَلَيْهَا تِسْعُ سِنِينَ دُفِعَتْ إلَيْهِ، لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوهَا بَعْدَ التِّسْعِ، وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنَى بِعَائِشَةَ وَهِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ» ، فَيَلْزَمُ تَسْلِيمُهَا (وَلَوْ) كَانَتْ (نِضْوَةَ الْخِلْقَةِ) أَيْ: مَهْزُولَةَ الْجِسْمِ، وَهُوَ جَسِيمٌ وَيَسْتَمْتِعُ بِمَنْ يُخْشَى عَلَيْهَا كَحَائِضٍ أَيْ: بِمَا دُونَ الْفَرْجِ (فَلِمَنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا الْإِفْضَاءَ) مِنْ عِظَمِهِ (مَنْعُهُ مِنْ جِمَاعِهَا) لِحَدِيثِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ) لِأَنَّ مَنْعَهَا لِنَفْسِهَا لِعُذْرٍ (وَلَوْ أَنْكَرَ أَنْ وَطْأَهُ يُؤْذِيهَا فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ) لِعُمُومِ حَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» (وَيُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ فِي نَحْوِ ضِيقِ فَرْجِهَا) كَقُرُوحٍ بِهِ (وَعَبَالَةِ ذَكَرِهِ) كَسَائِرِ عُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ، (وَ) يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الثِّقَةِ أَنْ (تَنْظُرَهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (لِحَاجَةٍ وَقْتَ اجْتِمَاعِهَا) لِتَشْهَدَ بِمَا تُشَاهِدُ. (وَمَنْ زَادَ عَلَيْهَا فِي الْجِمَاعِ صُولِحَ عَلَى شَيْءٍ) مِنْهُ قَالَهُ أَبُو حَفْصٍ وَالْقَاضِي (قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، فَرَجَعَ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَإِنْ تَنَازَعَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْرِضَهُ الْحَاكِمُ كَالنَّفَقَةِ، وَكَوَطْئِهِ إذَا زَادَ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ خِلَافُ ذَلِكَ، وَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ مَا لَمْ يَشْغَلْهَا عَنْ الْفَرَائِضِ أَوْ يَضُرَّهَا (وَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ لِرَجُلٍ أَرْبَعًا بِاللَّيْلِ وَأَرْبَعًا بِالنَّهَارِ، وَصَالَحَ أَنَسٌ رَجُلًا اسْتَعْدَى عَلَى امْرَأَتِهِ عَلَى سِتَّةٍ) . (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الزَّوْجَ (تَسَلُّمُهَا) أَيْ: الزَّوْجَةَ (إنْ بَذَلَتْهُ) فَتَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ تَسَلَّمَهَا أَوْ لَا؛ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ حَيْثُ كَانَتْ مِمَّنْ يَلْزَمُ تَسْلِيمَهَا (وَلَا يَلْزَمُ) زَوْجَةً أَوْ وَلِيَّهَا (ابْتِدَاءً) أَيْ: فِي ابْتِدَاءِ الدُّخُولِ (تَسْلِيمُ مُحْرِمَةٍ) لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (وَمَرِيضَةٍ) لَا يُمْكِنُ اسْتِمْتَاعٌ بِهَا (وَصَغِيرَةٍ وَحَائِضٍ، وَلَوْ قَالَ: لَا أَطَأُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْذَارَ تَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا وَيُرْجَى زَوَالُهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ طَلَبَ تَسْلِيمَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَقَوْلُهُ: ابْتِدَاءً: احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ طَرَأَ الْإِحْرَامُ أَوْ الْمَرَضُ أَوْ الْحَيْضُ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ فَلَيْسَ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ زَوْجِهَا، مِمَّا يُبَاحُ لَهُ مِنْهَا، وَلَوْ بَذَلَتْ نَفْسَهَا، وَهِيَ كَذَلِكَ لَزِمَ تَسْلِيمُ مَا عَدَا الصَّغِيرَةَ. تَتِمَّةٌ: وَمَتَى امْتَنَعَتْ قَبْلَ الْمَرَضِ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا، ثُمَّ حَدَثَ الْمَرَضُ؛ فَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 نَفَقَةَ لَهَا، وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَسَلُّمُهَا إذَنْ عُقُوبَةً لَهَا (وَمَنْ اسْتَمْهَلَ مِنْهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ (لَزِمَهُ إمْهَالُهُ مَا) أَيْ: مُدَّةً (جَرَتْ عَادَةٌ بِإِصْلَاحِ أَمْرِهِ) أَيْ: الْمُسْتَمْهِلِ فِيهَا (كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ) طَلَبًا لِلْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ، وَالْمُرَجَّحُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ بَيْنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعَادَاتِ. وَ (لَا) يُمْهَلُ مَنْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ مِنْهُمَا (لِعَمَلِ جَهَازٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا. وَفِي " الْغُنْيَةِ " إنْ اسْتَمْهَلَتْ هِيَ أَوْ أَهْلُهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ إجَابَتُهُمْ، مَا يُعْلَمُ بِهِ التَّهَيُّؤُ مِنْ شِرَاءِ جَهَازٍ وَتَزْيِينٍ انْتَهَى. وَكَذَا لَوْ سَأَلَ الزَّوْجُ الْإِنْظَارَ، فَيُنْظَرُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَوَلِيُّ مَنْ بِهِ صِغَرٌ أَوْ جُنُونٌ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ مِثْلُهُ إذَا طَلَبَ الْمُهْلَةَ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. (وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ أَمَةٍ مَعَ إطْلَاقٍ إلَّا لَيْلًا) نَصًّا، وَلِلسَّيِّدِ اسْتِخْدَامُهَا نَهَارًا؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ مِنْ أَمَتِهِ مَنْفَعَتَيْنِ: الِاسْتِخْدَامَ وَالِاسْتِمْتَاعَ، فَإِذَا عَقَدَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُهَا إلَّا فِي زَمَنِ اسْتِيفَائِهَا؛ كَمَا لَوْ أَجَرَهَا لِلْخِدْمَةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُهَا إلَّا زَمَنَهَا، وَهُوَ النَّهَارُ (فَلَوْ شَرَطَ) تَسْلِيمَهَا (نَهَارًا) وَجَبَ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» (أَوْ بَذَلَهُ) أَيْ: التَّسْلِيمَ نَهَارًا (سَيِّدٌ وَقَدْ شَرَطَ كَوْنَهَا) أَيْ: الْأَمَةِ (فِيهِ) أَيْ: النَّهَارِ (عِنْدَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (أَوْ لَا) أَيْ: أَوْ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ (وَجَبَ تَسْلِيمُهَا) عَلَى الزَّوْجِ نَهَارًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَقْتَضِي وُجُوبَ التَّسْلِيمِ مَعَ الْبَذْلِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ فِي الْأَمَةِ نَهَارًا لِحَقِّ السَّيِّدِ، فَإِذَا بَذَلَ فَقَدْ تَرَكَ حَقَّهُ، فَعَادَ إلَى الْأَصْلِ. (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (الِاسْتِمْتَاعُ) بِزَوْجَتِهِ مِنْ أَيْ جِهَةٍ شَاءَ (وَلَوْ) كَانَ (مِنْ جِهَةِ الْعَجِيزَةِ فِي قُبُلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] . وَالتَّحْرِيمُ مُخْتَصٌّ بِالدُّبُرِ، دُونَ مَا سِوَاهُ (مَا لَمْ يَضُرَّ) اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا (أَوْ يَشْغَلْ) اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا (عَنْ فَرْضٍ) وَحَيْثُ لَمْ يَضُرَّهَا، وَلَمْ يَشْغَلْهَا عَنْ ذَلِكَ فَلَهُ الِاسْتِمْتَاعُ (وَلَوْ كَانَتْ عَلَى تَنُّورٍ أَوْ ظَهْرِ قَتَبٍ) وَنَحْوَهُ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ (وَلَهُ الِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِهَا، وَلَا يُكْرَهُ جِمَاعٌ فِي لَيْلَةٍ مِنْ اللَّيَالِي أَوْ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ، وَكَذَا السَّفَرُ وَالتَّفْصِيلُ وَالْخِيَاطَةُ وَالْغَزْلُ وَالصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا) لَا تُكْرَهُ فِي لَيْلَةٍ مِنْ اللَّيَالِي، وَلَا يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ حَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى إخْرَاجِ فَرْضٍ عَنْ وَقْتِهِ. (وَلَا يَجُوزُ لَهَا) أَيْ: لِلْمَرْأَةِ (تَطَوُّعٌ بِصَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ وَهُوَ شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا. (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (السَّفَرُ) حَيْثُ شَاءَ (بِلَا إذْنِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ، وَلَوْ عَبْدًا مَعَ سَيِّدٍ وَبِدُونِهِ بِخِلَافِ سَفَرِهَا بِلَا إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَيْهِ (وَ) لَهُ السَّفَرُ (بِهَا) أَيْ: بِزَوْجَتِهِ حَيْثُ شَاءَ (إلَّا أَنْ تَشْتَرِطَ بَلَدَهَا) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُسَافِرُونَ بِنِسَائِهِمْ، فَإِنْ شَرَطَتْ بَلَدَهَا فَلَهَا شَرْطُهَا؛ لِحَدِيثِ: «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهَا مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهَا الْفُرُوجَ» (أَوْ) إلَّا أَنْ (تَكُونَ أَمَةً فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ سَفَرٌ بِهَا بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ مَنْفَعَتِهَا نَهَارًا عَلَى سَيِّدِهَا (وَلَا لِسَيِّدٍ سَفَرٌ بِهَا) أَيْ: بِأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ (بِلَا إذْنِ الْآخَرِ) أَيْ: الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّهُ مِنْهَا، فَمَنَعَهُ مِنْهُ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". (وَيَتَّجِهُ) أَنْ لَا يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِالسَّفَرِ بِهَا بِلَا إذْنِ الْآخَرِ (وَلَوْ سَافَرَ) أَيْ: الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ بِالْأَمَةِ (مَعًا) إنْ اخْتَلَفَتْ جِهَتَاهُمَا مُرَاعَاةً لِحَقَّيْهِمَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 (وَلَا يَلْزَمُ) زَوْجُ أَمَةٍ (لَوْ بَوَّأَهَا) أَيْ: هَيَّأَ لَهَا (سَيِّدُهَا مَسْكَنًا أَنْ يَأْتِيَهَا الزَّوْجُ فِيهِ) لِأَنَّ السَّكَنَ زَمَنُ حَقِّ الزَّوْجِ لَهُ، لَا لِسَيِّدِهَا كَالْحُرَّةِ. (وَلَهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (السَّفَرُ بِعَبْدِهِ الْمُزَوَّجِ وَاسْتِخْدَامُهُ نَهَارًا) وَمَنْعُهُ مِنْ التَّكَسُّبِ؛ لِتَعَلُّقِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ. [فَرْعٌ قَالَ سَيِّدُ أَمَة لِمَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِعْتُكهَا] (فَرْعٌ: لَوْ قَالَ سَيِّدُ) أَمَةٍ لِمَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا (بِعْتُكهَا؛ فَقَالَ) مُدَّعٍ تَزْوِيجَهَا (بَلْ زَوَّجْتنِيهَا، وَجَبَ تَسْلِيمُهَا) لِمُدَّعٍ تَزْوِيجَهَا (وَتَحِلُّ لَهُ) ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَمَتُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ (وَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ مَهْرِهَا) لِاعْتِرَافِهِ بِهِ لِسَيِّدِهَا (وَيَحْلِفُ) مُدَّعًى عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا (لِثَمَنٍ زَائِدٍ) عَمَّا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لَهُ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ " فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ، وَأَمَّا الْمَهْرُ الزَّائِدُ فَلَا يَحْلِفُ لِأَجْلِهِ؛ لِاعْتِرَافٍ بِهِ، وَالسَّيِّدُ لَا يَدَّعِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي سَبَبَهُ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ، بَلْ يَدَّعِي الْبَيْعَ. (وَمَا أَوْلَدَهَا) مَنْ سُلِّمَتْ إلَيْهِ بِدَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ؛ فَهُوَ (حُرٌّ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) لِإِقْرَارِ السَّيِّدِ بِأَنَّهَا مِلْكُ الْوَاطِئِ (وَنَفَقَتُهُ) أَيْ: الْوَلَدِ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَبِيهِ كَسَائِرِ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ (كَهِيَ) أَيْ: كَمَا أَنَّ نَفَقَتَهَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ مَالِكٌ (وَلَا) يَمْلِكُ أَنْ (يَرُدَّهَا) مَنْ سُلِّمَتْ إلَيْهِ (بِعَيْبٍ لَا يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ أَوْ إقَالَةٍ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الشِّرَاءَ، وَيَدَّعِي الزَّوْجِيَّةَ. (وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ) مَوْتِ (وَاطِئٍ وَقَدْ كَسَبَتْ) شَيْئًا (فَلِسَيِّدٍ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ كَسْبِهَا (قَدْرُ) بَاقِي (ثَمَنِهَا) لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي غَيْرَهُ، وَالزَّوْجُ يَعْتَرِفُ لَهُ بِالْجَمِيعِ (وَبَقِيَّتُهُ) أَيْ: كَسْبِهَا (مَوْقُوفٌ حَتَّى يَصْطَلِحَا) أَيْ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَا يَعْدُوهُمَا، (وَ) إنْ مَاتَتْ (بَعْدَهُ) أَيْ: الْوَاطِئِ (وَقَدْ أَوْلَدَهَا) فَهِيَ (حُرَّةٌ) لِاعْتِرَافِ السَّيِّدِ أَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْوَاطِئِ (وَيَرِثُهَا وَلَدُهَا إنْ كَانَ) حَيًّا كَسَائِرِ الْحَرَائِرِ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَهَا أَخٌ حُرٌّ أَوْ نَحْوُهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 وَلَا وَارِثَ (وُقِفَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (الْحَالُّ) إلَى أَنْ يَظْهَرَ لَهَا وَارِثٌ، وَلَيْسَ لِسَيِّدٍ أَخْذُ قَدْرِ ثَمَنِهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ، وَمِلْكُ الْوَاطِئِ زَالَ عَنْهُ بِمَوْتِهِ، بِخِلَافِ مَوْتِهَا فِي حَيَاةِ الْوَاطِئِ؛ فَإِنَّ سَيِّدَهَا يَدَّعِي أَنَّ كَسْبَهَا انْتَقَلَ إلَى الْوَاطِئِ، وَهُوَ يُقِرُّ أَنَّهُ لِسَيِّدِهَا فَلِهَذَا يَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَدَّعِيهِ، وَهُوَ بَقِيَّةُ ثَمَنِهَا. (وَلَوْ رَجَعَ سَيِّدٌ) عَنْ دَعْوَى بَيْعِهَا (فَصَدَّقَهُ زَوْجٌ لَمْ، يُقْبَلْ) رُجُوعُ سَيِّدٍ، وَلَا تَصْدِيقُ زَوْجٍ (فِي إسْقَاطِ حُرِّيَّةِ وَلَدٍ) أَتَتْ بِهِ مِنْ وَاطِئٍ (وَ) لَا فِي (اسْتِرْجَاعِهَا) إلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ (إنْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ اللَّهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ. (وَيُقْبَلُ) رُجُوعُ سَيِّدٍ وَتَصْدِيقُ زَوْجٍ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ إسْقَاطِ حُرِّيَّةِ وَلَدٍ وَاسْتِرْجَاعِهَا إلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ (مِنْ إسْقَاطِ ثَمَنٍ) عَنْ الزَّوْجِ (وَلُزُومِ مَهْرٍ) فَيَأْخُذُ مِنْهُ السَّيِّدُ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ. (وَ) مِنْ (حُكْمِ إمَاءٍ) فَيَمْلِكُ السَّيِّدُ تَزْوِيجَهَا عِنْدَ حِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ، وَأَخْذَ قِيمَتِهَا إنْ قُتِلَتْ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ. تَتِمَّةٌ: (وَلَوْ رَجَعَ الزَّوْجُ) عَنْ دَعْوَى التَّزَوُّجِ؛ (ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ) لِلْوَلَدِ، (وَلَزِمَهُ) بَقِيَّةُ الثَّمَنِ لِسَيِّدِهَا؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ. [فَصْلٌ وَطْءُ زَوْجٍ امْرَأَتَهُ وَسَيِّدٍ أَمَتَهُ فِي حَيْضٍ] فَصْلٌ (يَحْرُمُ وَطْءُ) زَوْجٍ امْرَأَتَهُ، وَسَيِّدٍ أَمَتَهُ (فِي حَيْضٍ إجْمَاعًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] الْآيَةَ. وَنِفَاسٌ مِثْلُهُ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ اسْتِحَاضَةٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 (وَيَتَّجِهُ كُفْرُ مُسْتَحِلِّهِ) أَيْ: الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ لِمُصَادَمَتِهِ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَتَكْذِيبِهِ بِالْحَدِيثِ الْآتِي، وَاسْتِحْلَالِهِ أَمْرًا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) حَرُمَ وَطْءٌ (فِي دُبُرٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ) مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا» رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ؛ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] فَرَوَى جَابِرٌ قَالَ: «كَانَ الْيَهُودُ يَقُولُونَ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا وَمِنْ خَلْفِهَا غَيْرَ أَنْ لَا يَأْتِيَهَا إلَّا فِي الْمَأْتَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «ائْتِهَا مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ» فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ عُزِّرَ إنْ عَلِمَ تَحْرِيمَهُ لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ. (وَإِنْ تَطَاوَعَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا (أَوْ أَكْرَهَهَا) عَلَيْهِ (وَ) نُهِيَ عَنْهُ (فَ) لَمْ يَنْتَهِ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. (قَالَ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْفَاجِرِ، وَمَنْ يَفْجُرُ بِهِ) مِنْ رَقِيقِهِ انْتَهَى. (وَكَذَا) يَحْرُمُ (عَزْلٌ) عَنْ زَوْجَةٍ (بِلَا إذْنِ) زَوْجَةٍ (حُرَّةٍ أَوْ) بِلَا إذْنِ (سَيِّدِ أَمَةٍ) نَصًّا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْزَلَ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَنَّ لَهَا فِي الْوَلَدِ حَقًّا، وَعَلَيْهَا فِي الْعَزْلِ ضَرَرٌ؛ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَقِيسَ عَلَيْهَا سَيِّدُ الْأَمَةِ، وَمَعْنَى الْعَزْلِ أَنْ يَنْزِعَ إذَا قَرُبَ الْإِنْزَالُ فَيُنْزِلَ خَارِجًا عَنْ الْفَرْجِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ لِزَوْجِ الْأَمَةِ أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا إذَا لَمْ تَتَضَرَّرْ بِالْعَزْلِ (وَمَعَ ضَرَرِهَا) بِهِ (يَحْرُمُ) عَلَيْهِ الْعَزْلُ عَنْهَا (بِلَا إذْنِهَا) لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِالْوَطْءِ فِي الْغَيْبَةِ، وَالْفَسْخَ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ بِالْعُنَّةِ؛ وَتَرْكُ الْعَزْلِ مِنْ تَمَامِهِ؛ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَزْلُ حَيْثُ تَضَرَّرَتْ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ؛ جَازَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِرِضَاهَا بِإِدْخَالِهَا الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهَا. (وَ) يَتَّجِهُ (إنْ) عَزَلَ مَنْ وَطِئَ زَوْجَةً (حُرَّةً) وَهِيَ (حَامِلٌ) لَا يَحْرُمُ بِلَا إذْنِهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي إيجَادِ الْوَلَدِ، وَهُوَ حَاصِلٌ. (وَ) يَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ وَطِىءَ (أَمَةً) بِزَوْجِيَّةٍ كَأَنْ قَدْ (شَرَطَ) فِي الْعَقْدِ (حُرِّيَّةَ وَلَدِهَا لَا يَحْرُمُ) عَلَيْهِ أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا (بِلَا إذْنِ) سَيِّدِهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْوَلَدِ لِلزَّوْجِ وَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [تَنْبِيهٌ عَزْل الزَّوْج وَالسَّيِّد عَنْ زَوْجَته وَسُرِّيَّتِهِ] تَنْبِيهٌ. وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ سُرِّيَّتِهِ نَصًّا، سَوَاءٌ اخْتَارَتْ ذَلِكَ أَوْ كَرِهَتْ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ رَقَبَتَهَا، فَمَلَكَ حَقَّهَا مِنْ الْوَطْءِ كَسَائِرِ حُقُوقِهَا، وَإِذَا مَلَكَ حَقَّهَا كَانَ لَهُ الْعَزْلُ عَنْهَا؛ كَمَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ وَطْئِهَا؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «إنَّا نَأْتِي السَّبَايَا، وَنُحِبُّ إتْيَانَهُنَّ فَمَا تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: اصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَمَا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ كَائِنٌ، وَلَيْسَ مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ (وَيَعْزِلُ وُجُوبًا) عَنْ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ وَعَنْ سُرِّيَّةٍ (بِدَارِ حَرْبٍ) خَشْيَةَ اسْتِرْقَاقِ الْوَلَدِ (إنْ حَرُمَ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ) كَتَزَوُّجِ الْأَسِيرِ مُطْلَقًا وَتَزَوُّجِ غَيْرِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَإِلَّا) يَحْرُمُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ غَيْرَ الْأَسِيرِ لِضَرُورَةٍ؛ فَيَعْزِلُ (نَدْبًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " وَ " الْإِقْنَاعِ " وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى ": وَكَذَا أَيْ: يَحْرُمُ عَزْلٌ بِلَا إذْنِ حُرَّةٍ أَوْ سَيِّدِ أَمَةٍ إلَّا بِدَارِ حَرْبٍ، فَيُسَنُّ مُطْلَقًا وَعِبَارَةُ " الْإِقْنَاعِ " وَيَعْزِلُ وُجُوبًا عَنْ الْكُلِّ بِدَارِ حَرْبٍ بِلَا إذْنٍ، انْتَهَى (وَلَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (تَقْبِيلُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (وَلَمْسُهُ لِشَهْوَةٍ، وَلَوْ) كَانَ (نَائِمًا لَا اسْتِدْخَالُ ذَكَرِهِ) فِي فَرْجِهَا (بِلَا إذْنِهِ) نَائِمًا كَانَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (إلْزَامُهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (وَلَوْ) كَانَتْ (ذِمِّيَّةً) أَوْ مَمْلُوكَةً (بِغُسْلٍ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لَهُ، فَمَلَكَ إجْبَارَهَا عَلَى إزَالَةِ مَا يَمْنَعُ حَقَّهُ، (وَ) لَهُ إلْزَامُهَا بِغُسْلِ (نَجَاسَةٍ) إنْ اتَّحَدَ مَذْهَبُهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَارِفًا بِمَذْهَبِهِ عَامِلًا بِهِ، فَيَعْمَلُ كُلٌّ بِمَذْهَبِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا إنْكَارَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيمَا طَهَّرَتْهُ لَهُ عَلَى مَذْهَبِهَا وَعَكْسُهُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَامِّيَّةً لَا مَذْهَبَ لَهَا؛ فَإِنَّهُ يُلْزِمُهَا بِمَذْهَبِهِ، (وَ) لَهُ إلْزَامُهَا بِغُسْلٍ مِنْ (جَنَابَةٍ) إنْ كَانَتْ (مُسْلِمَةً مُكَلَّفَةً) لَا ذِمِّيَّةً. جَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " خِلَافًا لِمَفْهُومِ " الْمُنْتَهَى " وَمَا صَحَّحَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ لِإِبَاحَتِهِ بِدُونِهِ. [فَائِدَةٌ إجْبَارُ الزَّوْج زَوْجَته عَلَى اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ] فَائِدَةٌ: وَلِلزَّوْجِ إجْبَارُ زَوْجَتِهِ عَلَى اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا، وَلَهُ إلْزَامُهَا (بِأَخْذِ مَا يَعَافُ مِنْ شَعْرِ) عَانَةٍ (وَ) مِنْ (ظُفْرٍ) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ طَالَا قَلِيلًا بِحَيْثُ تَعَافُهُ النَّفْسُ، (وَ) لَهُ إلْزَامُهَا بِإِزَالَةِ (وَسَخٍ) عَلَى جَسَدِهَا؛ لِمَا فِي بَقَائِهِ مِنْ النَّفْرَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَالسَّآمَةِ مِنْهَا (وَعَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ (ثَمَنُ الْمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّهِ، وَ (لَا) يَمْلِكُ إلْزَامَهَا (بِعَجْنٍ وَخَبْزٍ وَطَبْخٍ وَطَحْنٍ وَكَنْسٍ) لِدَارٍ (وَنَحْوِهِ) كَإِخْرَاجِ مَاءٍ مِنْ بِئْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْبِضْعِ؛ فَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ مِنْ مَنَافِعِهَا، لَكِنَّ الْأَوْلَى لَهَا فِعْلُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقِيَامِهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ، وَلَا يَصْلُحُ الْحَالُ إلَّا بِهِ، وَلَا تَنْتَظِمُ الْمَعِيشَةُ بِدُونِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 (وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (الْمَعْرُوفَ مِنْ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ) وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، وَاحْتَجَّ بِقَضِيَّةِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ: «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى عَلَى ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ بِخِدْمَةِ الْبَيْتِ، وَعَلِيٌّ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْبَيْتِ مِنْ عَمَلٍ» رَوَاهُ الْجَوْزَانِيُّ مِنْ طُرُقٍ. تَتِمَّةٌ: وَأَمَّا خِدْمَةُ نَفْسِهَا فِي الْعَجْنِ وَالْخَبْزِ وَالطَّبْخِ وَنَحْوِهِ فَعَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ الزَّوْجَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهَا لَا يَخْدِمُ نَفْسَهَا؛ فَعَلَيْهِ خَادِمٌ لَهَا. (وَتُمْنَعُ) الزَّوْجَةُ (مِنْ أَكْلِ) مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ (كَبَصَلٍ وَثُومٍ) وَكُرَّاثٍ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ كَمَالَ الِاسْتِمْتَاعِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ وَكَذَا تَنَاوُلُ النَّتِنِ إذَا تَأَذَّى بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَتُمْنَعُ أَيْضًا مِنْ تَنَاوُلِ (مَا يُمْرِضُهَا) لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا زَمَنَ الْمَرَضِ (وَ) تُمْنَعُ (ذِمِّيَّةٌ مِنْ دُخُولِ بَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ) فَلَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ (وَ) مِنْ تَنَاوُلِ مُحَرَّمٍ (وَشُرْبِ مَا يُسْكِرُهَا) لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا وَ (لَا) تُمْنَعُ مِمَّا (دُونَهُ) أَيْ: دُونَ مَا يُسْكِرُهَا نَصًّا؛ لِاعْتِقَادِهَا حِلَّهُ فِي دِينِهَا (كَمُسْلِمَةٍ تَعْتَقِدُ إبَاحَةَ يَسِيرِ النَّبِيذِ) فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ، وَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى غَسْلِ فَمِهَا مِنْهُ وَمِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْقُبْلَةِ. (وَلَا يُكْرِهُ) ذِمِّيَّةً (عَلَى إفْسَادِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ) بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا (وَ) لَا تُكْرَهُ عَلَى إفْسَادِ (سِبْتٍ بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ. (وَلَا يَشْتَرِي لَهَا) أَيْ لِزَوْجَتِهِ الذِّمِّيَّةِ زُنَّارًا (وَلَا) يَشْتَرِي (لِأَمَتِهِ الذِّمِّيَّةِ زُنَّارًا) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى إظْهَارِ شِعَارِهِمْ (بَلْ تَخْرُجُ هِيَ تَشْتَرِي لِنَفْسِهَا نَصًّا) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 [فَصْلٌ يَلْزَمُ الزَّوْجَ لزوجته وَطْءُ وَمَبِيتٌ فِي الْمَضْجَعِ] فَصْلٌ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الزَّوْجَ (وَطْءُ) زَوْجَتِهِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً بِطَلَبِهَا (فِي كُلِّ ثُلُثِ سَنَةٍ مَرَّةً إنْ قَدَرَ) عَلَى الْوَطْءِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْرُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تُوجِبُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَدَلَّ أَنَّ الْوَطْءَ وَاجِبٌ بِدُونِهَا (وَ) يَلْزَمُهُ (مَبِيتٌ) فِي الْمَضْجَعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي " نَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ " وَ " الْإِقْنَاعِ " وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِمَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ نُصُوصًا تَقْتَضِيهِ (بِطَلَبٍ عِنْدَ) زَوْجَةٍ (حُرَّةٍ لَيْلَةً مِنْ أَرْبَعِ) لَيَالٍ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ (كَأَنَّهَا وَاحِدَةٌ) لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ سَوَّارٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ أَفْضَلَ مِنْ زَوْجِي، وَاَللَّهِ إنَّهُ لَيَبِيتُ لَيْلَهُ قَائِمًا، وَيَظَلُّ نَهَارَهُ صَائِمًا، فَاسْتَغْفَرَ لَهَا، وَأَثْنَى عَلَيْهَا، وَاسْتَحْيَتْ الْمَرْأَةُ، وَقَامَتْ رَاجِعَةً فَقَالَ كَعْبٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَّا أَعْدَيْتَ الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: إنَّهَا جَاءَتْ تَشْكُوهُ إذَا كَانَ هَذَا فِي الْعِبَادَةِ مَتَى يَتَفَرَّغُ لَهَا، فَبَعَثَ عُمَرُ إلَى زَوْجِهَا، وَقَالَ لِكَعْبٍ: اقْضِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّكَ فَهِمْتَ مِنْ أَمْرِهِمَا مَا لَمْ أَفْهَمْهُ قَالَ: فَإِنِّي أَرَى أَنَّهَا امْرَأَةٌ عَلَيْهَا ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، وَهِيَ رَابِعَتُهُنَّ، فَأَقْضِي لَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ يَتَعَبَّدُ فِيهِنَّ، وَلَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ مَا رَأْيُكَ الْأَوَّلُ بِأَعْجَبَ إلَيَّ مِنْ الْآخَرِ، اذْهَبْ فَأَنْتَ قَاضٍ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَفِي لَفْظٍ قَالَ: نِعْمَ الْقَاضِي أَنْتَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ اُشْتُهِرَتْ، وَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ كَالْإِجْمَاعِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: إنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْجِكَ عَلَيْكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 حَقًّا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ لَهَا عَلَيْهِ حَقٌّ لَمَلَكَ الزَّوْجُ تَخْصِيصَ إحْدَى زَوْجَاتِهِ بِهِ كَالزِّيَادَةِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ، (وَ) يَلْزَمُهُ بِطَلَبِ زَوْجَةٍ (أَمَةٍ) أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا لَيْلَةً (مِنْ) كُلِّ (سَبْعِ) لَيَالٍ (كَأَنَّ مَعَهَا ثَلَاثَ حَرَائِرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ لَيْلَتَانِ، وَلَهَا لَيْلَةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (وَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ فِي الْبَقِيَّةِ بِنَفْسِهِ أَوْ مَعَ سُرِّيَّتِهِ) إذَا لَمْ تَسْتَغْرِقْ زَوْجَاتُهُ جَمِيعَ اللَّيَالِي (فَمَنْ مَعَهُ حُرَّةٌ) فَقَطْ (انْفَرَدَ ثَلَاثًا) أَيْ: ثَلَاثَ لَيَالٍ مِنْ أَرْبَعٍ، (وَ) إنْ كَانَ مَعَهُ حُرَّتَانِ (ثِنْتَانِ) فَلَهُ الِانْفِرَادُ فِي (ثِنْتَيْنِ) مِنْ أَرْبَعٍ، (وَ) إنْ كَانَ مَعَهُ (ثَلَاثُ) حَرَائِرَ (فَ) لَهُ الِانْفِرَادُ فِي لَيْلَةٍ (وَاحِدَةٍ) مِنْ سَبْعٍ، (وَإِنْ) كَانَ مَعَهُ (أَرْبَعُ) حَرَائِرَ (فَلَا) يَنْفَرِدُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَبِيبُ وَحْدَهُ. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ قَسَّمَ لَهُنَّ ثَلَاثَ لَيَالٍ مِنْ ثَمَانٍ، وَلَهُ الِانْفِرَادُ فِي خَمْسٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ حُرَّتَانِ وَأَمَةٌ فَلَهُنَّ خَمْسٌ، وَلَهُ ثَلَاثٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ حُرَّتَانِ وَأَمَتَانِ فَلَهُنَّ سِتٌّ، وَلَهُ لَيْلَتَانِ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلَهَا لَيْلَةٌ، وَلَهُ سِتٌّ (وَإِنْ سَافَرَ) الزَّوْجُ (فَوْقَ نِصْفِ سَنَةٍ فِي غَيْرِ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ وَاجِبَيْنِ، أَوْ فِي غَيْرِ طَلَبِ رِزْقٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَطَلَبَتْ) زَوْجَتُهُ (قُدُومَهُ، وَرَاسَلَهُ الْحَاكِمُ؛ لَزِمَهُ) الْقُدُومُ نَصًّا (فَإِنْ أَبَى) الزَّوْجُ شَيْئًا مِنْ مَبِيتِ لَيْلَةٍ مِنْ أَرْبَعٍ عِنْدَ الْحُرَّةِ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْ سَبْعٍ عِنْدَ الْأَمَةِ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا (أَوْ) أَبَى عَنْ (وَطْءِ) زَوْجَتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا (أَوْ) أَبَى مُسَافِرٌ مِنْ (قُدُومٍ) بِلَا عُذْرٍ لِأَحَدِهِمَا فِي الْجَمِيعِ (فَرَّقَ) الْحَاكِمُ (بَيْنَهُمَا بِطَلَبِهَا، وَلَوْ قَبْلَ دُخُولٍ) نَصًّا قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ (قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً) وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا (يَقُولُ غَدًا أَدْخُلُ بِهَا غَدًا أَدْخُلُ بِهَا إلَى شَهْرٍ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الدُّخُولِ؟ قَالَ: أَذْهَبُ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) فَجَعَلَهُ كَالْمَوْلَى، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ يُؤْمَرُ الرَّجُلُ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، وَلَيْسَ لَهُ شَهْوَةٌ. قَالَ: إي وَاَللَّهِ يَحْتَسِبُ الْوَلَدَ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْوَلَدَ، قَالَ: هَذِهِ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ لِمَا لَا يُؤْمَرُ وَهَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّ أَبَا ذَرٍّ رَوَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مُبَاضَعَةُ أَهْلِكَ صَدَقَةٌ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُصِيبُ شَهْوَتَنَا وَنُؤْجَرُ؟ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ أَفَتَحْسِبُونِ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَا تَحْسِبُونَ بِالْخَيْرِ» . وَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْوَلَدِ وَإِعْفَافِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ وَغَضِّ بَصَرِهِ. (وَمَنْ) (غَابَ) عَنْهَا (زَوْجُهَا) غَيْبَةً ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ عِنْدَ مَنْ لَيْسَتْ عَادَتُهُ الْقَتْلَ، وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ أَهُوَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ (وَتَضَرَّرَتْ بِتَرْكِ النِّكَاحِ) مَعَ وُجُودِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا (لَمْ تَفْسَخْ) نِكَاحَهَا (لِذَلِكَ) أَيْ لِتَضَرُّرِهَا بِتَرْكِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ. [تَتِمَّةٌ ظَاهَرَ الزَّوْج وَلَمْ يُكَفِّرْ] تَتِمَّةٌ: لَوْ ظَاهَرَ، وَلَمْ يُكَفِّرْ فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا لِعُذْرٍ فَلَا فَسْخَ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ إذَنْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ تَعَذَّرَ الْوَطْءُ لِعَجْزِ الزَّوْجِ؛ فَهُوَ كَالنَّفَقَةِ إذَا تَعَذَّرَتْ فَتَفْسَخُ، وَالْفَسْخُ لِتَعَذُّرِ الْوَطْءِ أَوْلَى مِنْ الْفَسْخِ لِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ يُفْسَخُ بِتَعَذُّرِ الْوَطْءِ إجْمَاعًا فِي الْإِيلَاءِ، وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَلَوْ سَافَرَ الزَّوْجُ عَنْهَا لِعُذْرٍ وَحَاجَةٍ؛ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ وَالْوَطْءِ، وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ لِلْعُذْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ نِكَاحُ الْمَفْقُودِ إذَا تَرَكَ لِامْرَأَتِهِ نَفَقَتَهَا؛ أَوْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْهُ أَوْ مَنْ يُقْرِضُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسَافِرِ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَغَابَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَطَلَبَتْ قُدُومَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ بَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَحْرُسُ الْمَدِينَةَ فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ تَقُولُ: تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ ... وَطَالَ عَلَيَّ أَنْ لَا خَلِيلَ أُلَاعِبُهُ فَوَاَللَّهِ لَوْلَا خَشْيَةُ اللَّهِ وَالْحَيَا ... لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ فُلَانَةُ زَوْجُهَا غَائِبٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا امْرَأَةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 تَكُونُ مَعَهَا، وَبَعَثَ إلَى زَوْجِهَا، فَأَقْفَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ: بِنِيَّةِ كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ؛ مِثْلُكَ يَسْأَلُ مِثْلِي عَنْ هَذَا، فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي أُرِيدُ النَّظَرَ لِلْمُسْلِمِينَ مَا سَأَلْتُكِ، فَقَالَتْ: خَمْسَةَ أَشْهُرٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَوَقَّتَ لِلنَّاسِ فِي مَغَازِيهِمْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، يَسِيرُونَ شَهْرًا، وَيُقِيمُونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَيَرْجِعُونَ فِي شَهْرٍ. (وَسُنَّ عِنْدَ وَطْءٍ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 223] قَالَ عَطَاءٌ هُوَ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: (وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ أَيْضًا فَإِنْ وُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا) لِلْخَبَرِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا إذَا أَنْزَلَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لِلشَّيْطَانِ فِيمَا رَزَقْتَنِي نَصِيبًا. (وَ) يُسَنُّ (أَيْ أَنْ يُلَاعِبَهَا قَبْلَ الْجِمَاعِ لِيُنْهِضَ شَهْوَتَهَا) فَتَنَالَ مِنْ لَذَّةِ الْجِمَاعِ مِثْلَ مَا يَنَالُهُ. وَرَوَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُوَاقِعْهَا إلَّا، وَقَدْ أَتَاهَا مِنْ الشَّهْوَةِ مِثْلَ مَا نَالَهُ لَا يَسْبِقْهَا بِالْفَرَاغِ» (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ) عِنْدَ الْجِمَاعِ وَعِنْدَ الْخَلَاءِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ غَطَّى رَأْسَهُ وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ غَطَّى رَأْسَهُ» (وَأَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ) عِنْدَ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ وَعَطَاءً كَرِهَا ذَلِكَ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَيُسْتَحَبُّ لَهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (اتِّخَاذُ خِرْقَةٍ تُنَاوِلُهَا لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (بَعْدَ فَرَاغِهِ) مِنْ جِمَاعِهَا لِيَتَمَسَّحْ بِهَا؛ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُظْهِرَ الْخِرْقَةَ بَيْنَ يَدَيْ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 دَارِهَا (وَكُرِهَ مَسْحُ ذَكَرِهِ بِمَا) أَيْ خِرْقَةٍ (مَسَحَتْ بِهَا) فَرْجَهَا، قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ. (وَ) كُرِهَ (وَطْؤُهَا مُتَجَرِّدَيْنِ) لِمَا رَوَى عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ وَلَا يَتَجَرَّدْ تَجَرُّدَ الْعَيْرَيْنِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَالْعَيْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ، حِمَارُ الْوَحْشِ شَبَّهَهُمَا بِهِ تَنْفِيرًا عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ. (وَكُرِهَ إكْثَارُ كَلَامٍ حَالَتَهُ) أَيْ: الْوَطْءِ؛ لِحَدِيثِ: «لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ عِنْدَ مُجَامَعَةِ النِّسَاءِ، فَإِنَّ مِنْهُ يَكُونُ الْخَرَسُ وَالْفَأْفَأَةُ» . (وَ) كُرِهَ (نَزْعُهُ) ذَكَرَهُ (قَبْلَ فَرَاغِ شَهْوَتِهَا) أَيْ: قَبْلَ إنْزَالِهَا؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فَلْيُصَدِّقْهَا، ثُمَّ إذَا قَضَى حَاجَتَهُ فَلَا يُعَجِّلْهَا حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا» . وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهَا، وَمَنْعًا لَهَا مِنْ قَضَاءِ شَهْوَتِهَا. (وَ) كُرِهَ (وَطْءٌ) لِزَوْجَتِهِ أَوْ سُرِّيَّتِهِ (بِحَيْثُ يَرَاهُ أَوْ يَسْمَعُهُ) مِنْ النَّاسِ (غَيْرُ طِفْلٍ لَا يَعْقِلُ وَلَوْ رَضِيَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ الْوَجْسَ، وَهُوَ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، وَهُوَ بِالْجِيمِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، يُقَالُ: تَوَجَّسَ إذَا تَسَمَّعَ إلَى الصَّوْتِ الْخَفِيِّ. (وَ) كُرِهَ (مُبَاشَرَتُهَا) أَيْ: وَطْؤُهَا (بِحَضْرَةِ النَّاسِ إنْ كَانَ) أَيْ الزَّوْجَانِ (مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ) لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ (وَإِلَّا) يَكُونَا مَسْتُورَيْ الْعَوْرَةَ (حَرُمَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ مَعَ رُؤْيَةِ الْعَوْرَةِ؛ لِحَدِيثِ: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ» (وَ) كُرِهَ (تَحَدُّثُهُمَا بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا) وَلَوْ لِضَرَّتِهَا (وَحَرَّمَهُ) الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْكِيلَانِيُّ فِي " الْغُنْيَةِ " (لِأَنَّهُ مِنْ إفْشَاءِ السِّرِّ، وَإِفْشَاءُ السِّرِّ حَرَامٌ) وَرَوَى الْحَسَنُ قَالَ: «جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَأَقْبَلَ عَلَى الرِّجَالِ، فَقَالَ: لَعَلَّ أَحَدَكُمْ يُحَدِّثُ بِمَا يَصْنَعُ بِأَهْلِهِ إذَا خَلَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: لَعَلَّ إحْدَاكُنَّ تُحَدِّثُ النِّسَاءَ بِمَا يَصْنَعُ بِهَا زَوْجُهَا، قَالَ: فَقَالَتْ: امْرَأَةٌ إنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ وَإِنَّا لَنَفْعَلُ؛ فَقَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكُمْ كَمَثَلِ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانَةً فَجَامَعَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ بِمَعْنَاهُ. (وَلَا يُكْرَهُ نَوْمُهُ مَعَهَا بِلَا جِمَاعٍ بِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ لَهَا) «لِنَوْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَيْمُونَةَ فِي طُولِ الْوِسَادَةِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا بَاتَ عِنْدَهَا فِي عَرْضِهَا» (وَقَالَ) أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ النِّسَاءِ (لَا يُكْرَهُ نَخْرُهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (حَالَ الْجِمَاعِ) وَقَالَ الْإِمَامُ (مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) (لَا بَأْسَ بِالنَّخْرِ عِنْدَ الْجِمَاعِ، وَأَرَاهُ سَفَهًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ يُعَابُ عَلَى فَاعِلِهِ،) (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (الْجَمْعُ بَيْنَ وَطْءِ نِسَائِهِ) بِغُسْلٍ وَاحِدٍ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «سَكَبْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نِسَائِهِ غُسْلًا وَاحِدًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ» وَلِأَنَّ حَدَثَ الْجَنَابَةِ لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ بِدَلِيلِ إتْمَامِ الْجِمَاعِ، (وَ) لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ وَطْءِ نِسَائِهِ مَعَ وَطْءِ (إمَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ) . «لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. وَ (لَا) يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ (فِي مَسْكَنٍ) أَيْ: بَيْتٍ وَاحِدٍ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ زَوْجَاتِهِ (مَعَ سُرِّيَّةٍ لَهُ) فَأَكْثَرَ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ (إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَاتِ) كُلِّهِنَّ. لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِنَّ؛ لِمَا بَيْنَهُنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ، وَاجْتِمَاعُهُنَّ يُثِيرُ الْخُصُومَةَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَسْمَعُ حِسَّهُ إذَا أَتَى الْأُخْرَى أَوْ تَرَى ذَلِكَ فَإِنْ رَضِينَ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُنَّ (وَيُقَسِّمُ لَهُنَّ إذَنْ) أَيْ: حَيْثُ رَضِينَ الْجَمْعَ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ (فِي الْفِرَاشِ) (فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَخُصَّ فِرَاشَ وَاحِدَةٍ) مِنْهُنَّ (بِالْبَيْتُوتَةِ فِيهِ) أَيْ: فِرَاشِهَا (دُونَ فِرَاشِ الْأُخْرَى) وَإِنْ رَضِينَ بِنَوْمِهِ بَيْنَهُنَّ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، جَازَ وَإِنْ أَسْكَنَ زَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي بَيْتٍ مِنْهَا؛ إذَا جَازَ كَانَ بَيْتُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَسْكَنَ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا جَمْعَ فِي ذَلِكَ؛ وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالسُّرِّيَّةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 [فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجِ كُلٍّ مِنْ زَوْجَاتِهِ مِنْ خُرُوجٍ مِنْ مَنْزِلِهِ] فَصْلٌ (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (مَنْعُ كُلٍّ مِنْهُنَّ) أَيْ: مِنْ زَوْجَاتِهِ (مِنْ خُرُوجٍ) مِنْ مَنْزِلِهِ إلَى مَا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ (وَلَوْ لِزِيَارَةِ) وَالِدَيْهَا أَوْ عِيَادَتِهِمَا أَوْ حُضُورِ جِنَازَتِهِمَا أَوْ شُهُودِ جِنَازَةِ أَحَدِهِمَا (قَالَ أَحْمَدُ فِي امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ وَأُمٌّ مَرِيضَةٌ طَاعَةُ زَوْجِهَا عَلَيْهَا) أَوْجَبُ مِنْ أُمِّهَا إلَّا أَنْ يَأْذَنَ. (وَيَحْرُمُ خُرُوجُهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ: (بِلَا إذْنِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (أَوْ) بِلَا ضَرُورَةٍ كَإِتْيَانٍ بِنَحْوِ مَأْكَلٍ؛ لِعَدَمِ مَنْ يَأْتِيهَا بِهِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ بَطَّةَ فِي أَحْكَامِ النِّسَاءِ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَجُلًا سَافَرَ، وَمَنَعَ زَوْجَتَهُ الْخُرُوجَ، فَمَرِضَ أَبُوهَا، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُضُورِ جِنَازَتِهِ، فَقَالَ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ؛ وَلَا تُخَالِفِي زَوْجَكِ، فَأَوْحَى اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهَا بِطَاعَةِ زَوْجِهَا» . وَلِأَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاجِبَةٌ، وَالْعِيَادَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ؛ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْوَاجِبِ لِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: " بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَكُمْ يُزَاحِمْنَ الْعُلُوجَ فِي الْأَسْوَاقِ أَمَا تَغَارُونَ، فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَغَارُ وَحَيْثُ خَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ بِلَا ضَرُورَةٍ (فَلَا نَفَقَةَ) لَهَا مَا دَامَتْ خَارِجَةً عَنْ مَنْزِلِهِ. (هَذَا) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ تَحْرِيمِ الْخُرُوجِ بِلَا إذْنِهِ وَسُقُوطِ نَفَقَتِهَا بِهِ (إذَا قَامَ) الزَّوْجُ (بِحَوَائِجِهَا) الَّتِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهَا (وَإِلَّا) يَقُمْ بِحَوَائِجِهَا (فَتَخْرُجُ لِإِتْيَانِهَا بِمَأْكَلٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا لَا غِنَاءَ لَهَا عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ؛ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِهِ (وَسُنَّ إذْنُهُ لَهَا) فِي الْخُرُوجِ (إذَا مَرِضَ مَحْرَمُهَا) لِتَعُودَهُ (أَوْ مَاتَ) مَحْرَمُهَا لِتَشْهَدَهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَعَدَمُ إذْنِهِ يَحْمِلُهَا عَلَى مُخَالَفَتِهِ (لَا غَيْرُهُ) أَيْ: الْمَحْرَمِ (مِنْ أَقَارِبِهَا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 كَأَوْلَادِ عَمِّهَا وَعَمَّتِهَا وَأَوْلَادِ خَالِهَا وَخَالَتِهَا، (وَلَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ (لِزِيَارَةِ أَبَوَيْهَا) مَعَ عَدَمِ الْمَرَضِ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلِئَلَّا تَعْتَادَهُ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (مَنْعُهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (مِنْ كَلَامِهِمَا) أَيْ: أَبَوَيْهَا (وَلَا مَنْعُهُمَا مِنْ زِيَارَتِهَا) لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ (إلَّا مَعَ ظَنِّ) حُصُولِ (ضَرَرٍ يُعْرَفُ بِقَرَائِنِ الْحَالِ) بِسَبَبِ زِيَارَتِهِمَا، فَلَهُ مَنْعُهُمَا إذَنْ مِنْ زِيَارَتِهَا؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ (وَلَا يَلْزَمُهَا طَاعَتُهُمَا) أَيْ: أَبَوَيْهَا (فِي نَحْوِ فِرَاقِ) الزَّوْجِ أَوْ مُخَاصَمَتِهِ، وَلَا فِي زِيَارَةٍ (بَلْ طَاعَةُ زَوْجِهَا أَحَقُّ) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهَا. (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (إنْ خَافَ خُرُوجَهَا) بِلَا إذْنِهِ (لِحَبْسٍ) أَيْ لِكَوْنِهِ مَحْبُوسًا ظُلْمًا أَوْ بِحَقٍّ (وَنَحْوِهِ) كَسَفَرٍ (إسْكَانُهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا) الْخُرُوجُ تَحْصِينًا لِفِرَاشِهِ (فَإِنْ لَمْ تُحْفَظْ) أَيْ: يُمْكِنُ حِفْظُهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَحْفَظُهَا غَيْرَهُ (حُبِسَتْ مَعَهُ) لِيَحْفَظَهَا (حَيْثُ لَا مَحْذُورَ) لِأَنَّهُ طَرِيقُ حِفْظِهَا، وَإِلَّا بِأَنْ خِيفَ مَحْذُورٌ بِحَبْسِهَا مَعَهُ لِوُجُودِ الْأَجَانِبِ بِالْحَبْسِ أَوْ خِيفَ حُدُوثُ شَرٍّ بِسَبَبِ حَبْسِهَا مَعَهُ؛ (فَ) تَسْكُنُ (فِي رِبَاطٍ وَنَحْوِهِ) دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ (وَمَتَى كَانَ خُرُوجُهَا مَظِنَّةَ الْفَاحِشَةِ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ رِعَايَتُهُ،) (وَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (لِرَضَاعٍ وَخِدْمَةٍ) وَصَنْعَةٍ (بَعْدَ نِكَاحٍ إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ الزَّوْجِ سَوَاءٌ أَجَرَتْ نَفْسَهَا أَوْ أَجَرَهَا وَلِيُّهَا؛ لِتَفْوِيتِ حَقِّ الزَّوْجِ مَعَ سَبْقِهِ كَإِجَارَةِ الْمُؤَجَّرِ، فَإِنْ أَذِنَ زَوْجٌ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَلَزِمَتْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (أَوَّلُهُ) أَيْ: إذَا أَجَرَتْ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا لِلزَّوْجِ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ مَعَهَا إذْنٌ فِيهِ (أَوْ) أَجَرَتْ نَفْسَهَا (لِعَمَلٍ فِي ذِمَّتِهَا) ؛ صَحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهَا قَابِلَةٌ لِذَلِكَ (فَإِنْ عَمِلَتْهُ) أَيْ: الْعَمَلَ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ بِنَفْسِهَا أَوْ عَمِلَهُ (نَائِبُهَا اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ) ؛ لِأَنَّهَا وَفَّتْ بِالْعَمَلِ. (وَتَصِحُّ) إجَارَتُهَا نَفْسَهَا (قَبْلَ عَقْدِ) نِكَاحٍ وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَرَهَا وَلِيُّهَا لِصِغَرِهَا قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ؛ فَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ فِيهِمَا (وَتَلْزَمُ، فَلَا يَمْلِكُ) الزَّوْجُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 (فَسْخَهَا) أَيْ: الْإِجَارَةِ (وَلَا مَنْعَهَا مِنْ رَضَاعٍ وَنَحْوِهِ) حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُلِكَتْ بِعَقْدٍ سَابِقٍ عَلَى نِكَاحِ الزَّوْجِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُسْتَأْجَرَةً أَوْ دَارًا مَشْغُولَةً بِمَا يَطُولُ نَقْلُهُ مِنْهَا (وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (الْوَطْءُ) لِزَوْجَتِهِ الْمُؤَجَّرَةِ لِنَحْوِ خِدْمَةٍ أَوْ رَضَاعٍ (وَلَوْ أَضَرَّ اللَّبَنُ أَوْ أَضَرَّ الْمُرْتَضَعَ) لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ مُسْتَحَقٌّ بَعْدَ التَّزْوِيجِ، فَلَا يَسْقُطُ بِأَمْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ الْوَلِيُّ، وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ، فَسْخَ النِّكَاحِ مَعَ جَهْلِهِ بِكَوْنِهَا مُؤَجَّرَةً. (وَيَسْتَمْتِعُ) الزَّوْجُ (بِهَا إذَا نَامَ رَضِيعٌ) اُسْتُؤْجِرَ لِرَضَاعِهِ (أَوْ) إذَا (اشْتَغَلَ) رَضِيعٌ عَنْهَا لِزَوَالِ الْمُعَارَضَةِ لِحَقِّهِ؛ (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (مَنْعُهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ) وَمِنْ رَضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ اشْتِغَالَهَا بِذَلِكَ يُفَوِّتُ كَمَالَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَ (لَا) يَمْنَعُهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا (مِنْهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا، فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهَا، وَمَحِلُّ مَنْعِهِ لَهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ رَضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا إذَا لَمْ يُضْطَرَّ الرَّضِيعُ إلَيْهَا، وَيُخْشَى عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ مُرْضِعَةٌ سِوَاهَا، أَوْ لَا يَقْبَلُ ثَدْيَ غَيْرِهَا، أَوْ تَكُونُ قَدْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ نَصًّا (وَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ) مُوَضَّحًا. [فَصْلٌ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَأَكْثَرَ] َ وَهُوَ تَوْزِيعُ الزَّمَانِ عَلَى زَوْجَاتِهِ (وَ) يَجِبُ (عَلَى غَيْرِ طِفْلٍ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ فِي قِسْمٍ فَقَطْ؛ أَيْ: فَلَا تَجِبُ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهُنَّ فِي وَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ أَوْ نَفَقَةٍ) وَشَهَوَاتٍ وَكِسْوَةٍ إذَا قَامَ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 لِأَنَّ الْوَطْءَ وَدَوَاعِيَهُ طَرِيقَةُ الشَّهْوَةِ وَالْمَيْلِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْوَطْءِ وَدَاعِيهِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَغَيْرِهَا وَفَعَلَهُ كَانَ أَحْسَنَ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ. وَرُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ زَوْجَاتِهِ فِي الْقُبْلَةِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ» . وَلِأَنَّهُ إذَا قَسَمَ لِوَاحِدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَيْلٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] . وَلَيْسَ مَعَ الْمَيْلِ مَعْرُوفٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} [النساء: 129] . لِأَنَّ الْعَدْلَ أَنْ لَا يَقَعَ مَيْلٌ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ وَلَوْ حَرَصْتُمْ عَلَى تَحَرِّي ذَلِكَ وَبَالَغْتُمْ فِيهِ؛ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ ذَاتَ بَعْلٍ وَلَا مُطَلَّقَةً. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» . (وَعِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ) لِأَنَّهُ يَأْوِي فِيهِ الْإِنْسَانُ إلَى مَنْزِلِهِ، وَيَسْكُنُ إلَى أَهْلِهِ، وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ عَادَةً، وَالنَّهَارُ لِلْمَعَاشِ وَالِاشْتِغَالِ. قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ: 10] {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11] (وَالنَّهَارُ يَتْبَعُهُ) أَيْ: اللَّيْلَ، فَيَدْخُلُ فِي الْقَسْمِ تَبَعًا؛ لِمَا رُوِيَ: أَنَّ «سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي» . وَإِنَّمَا قُبِضَ نَهَارًا، وَيَتْبَعُ الْيَوْمُ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ، إلَّا أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى عَكْسِهِ (وَعَكْسُهُ مِنْ مَعِيشَتِهِ بِلَيْلٍ كَحَارِسٍ) فَعِمَادُ قَسْمِهِ النَّهَارُ، وَيَتْبَعُهُ اللَّيْلُ. (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (نَهَارُ قَسْمٍ أَنْ يَخْرُجَ لِمَعَاشِهِ وَقَضَاءِ حُقُوقٍ وَمَا جَرَتْ عَادَةٌ بِهِ، وَلِصَلَاةِ عِشَاءٍ وَفَجْرٍ) وَلَوْ قَبْلَ طُلُوعِهِ كَصَلَاةِ النَّهَارِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: لَكِنْ لَا يُعْتَادُ الْخُرُوجُ قَبْلَ الْأَوْقَاتِ إذَا كَانَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ دُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ بَيْنَهُمَا، أَمَّا لَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَوْ لِعَارِضٍ؛ فَلَا بَأْسَ. (وَيَكُونُ الْقَسْمُ لَيْلَةً وَلَيْلَةً) لِأَنَّ فِي قَسْمِهِ لَيْلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ تَأْخِيرًا لِحَقِّ مَنْ لَهَا اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ لِلَّتِي قَبْلَهَا (إلَّا أَنْ يَرْضَيْنَ بِالْقَسْمِ أَكْثَرَ) مِنْ لَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُنَّ، وَإِنْ كَانَتْ نِسَاؤُهُ بِمَحَالَّ مُتَبَاعِدَةٍ قَسَمَ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُهُ مَعَ التَّسَاوِي بَيْنَهُنَّ إلَّا بِرِضَاهُنَّ (وَلِزَوْجَةٍ أَمَةٍ مَعَ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ، وَلَوْ) كَانَتْ الْحُرَّةُ (كِتَابِيَّةً لَيْلَةٌ مِنْ ثَلَاثِ) لَيَالٍ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَلِيٍّ (وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ) ، وَلِأَنَّ الْحُرَّةَ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، فَحَقُّهَا أَكْثَرُ فِي الْإِيوَاءِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَتُقَدَّرُ بِالْحَاجَةِ، وَحَاجَةُ الْأَمَةِ فِي ذَلِكَ كَحَاجَةِ الْحُرَّةِ، بِخِلَافِ قَسْمِ الِابْتِدَاءِ؛ فَإِنَّهُ لِزَوَالِ الِاحْتِشَامِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِحُرِّيَّةٍ وَرِقٍّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْقَسْمَ لِلْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ سَوَاءٌ (وَ) يَقْسِمُ (لِمُبَعَّضَةٍ بِالْحِسَابِ) فَلِلْمُبَعَّضَةِ ثَلَاثُ لَيَالٍ، وَلِلْحُرَّةِ أَرْبَعُ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُ لِجُزْئِهَا الرَّقِيقِ لَيْلَةً؛ فَيَكُونُ لِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ ضِعْفُ ذَلِكَ، وَنَجْعَلُ لِجُزْئِهَا الْحُرِّ لَيْلَتَيْنِ؛ فَيَكُونُ لِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ مِثْلُ ذَلِكَ. (وَإِنْ عَتَقَتْ أَمَةٌ فِي نَوْبَتِهَا) فَلَهَا قَسْمُ حُرَّةٍ (أَوْ) عَتَقَتْ فِي (نَوْبَةٍ سَابِقَةٍ) عَلَى نَوْبَةِ أَمَةٍ (فَلَهَا) أَيْ: الْعَتِيقَةِ (قَسْمُ حُرَّةٍ) لِأَنَّ النَّوْبَةَ أَدْرَكَتْهَا، وَهِيَ حُرَّةٌ، فَاسْتَحَقَّتْ قَسْمَ حُرَّةٍ، (وَإِنْ عَتَقَتْ) الْأَمَةُ (فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ) عَنْ الْأَمَةِ؛ بِأَنْ بَدَأَ بِالْأَمَةِ فَوَفَّاهَا لَيْلَتَهَا، ثُمَّ انْتَقَلَ لِلْحُرَّةِ، فَعَتَقَتْ الْأَمَةُ (أَتَمَّ لِلْحُرَّةِ نَوْبَتَهَا عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ) لِضَرَّتِهَا (وَلَا تُزَادُ الْأَمَةُ شَيْئًا) وَيَكُونُ لِلْحُرَّةِ ضِعْفُ مُدَّةِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِيفَاءِ الْأَمَةِ فِي حَالِ الرِّقِّ؛ وَجَبَ لِلْحُرَّةِ ضِعْفُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا عَتَقَتْ قَبْلَ مَجِيءِ نَوْبَتِهَا، أَوْ قَبْلَ تَمَامِهَا. وَالْحُرِّيَّةُ الطَّارِئَةُ لَا تُنْقِصُ الْحُرَّةَ مِمَّا وَجَبَ لَهَا، وَإِذَا أَتَمَّ لِلْحُرَّةِ نَوْبَتَهَا ابْتَدَأَ الْقَسْمَ مُتَسَاوِيًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 تَنْبِيهٌ: الْحَقُّ فِي الْقَسْمِ لِلْأَمَةِ دُونَ سَيِّدِهَا، فَلَهَا أَنْ تَهَبَ لَيْلَتَهَا لِزَوْجِهَا أَوْ لِبَعْضِ ضَرَائِرِهَا بِإِذْنِ زَوْجِهَا كَالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهَا الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ؛ وَلَا أَنْ يَهَبَ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ دُونَهَا؛ لِأَنَّ الْإِيوَاءَ وَالسَّكَنَ حَقٌّ لَهَا دُونَ سَيِّدِهَا. (وَيَطُوفُ بِمَجْنُونٍ مَأْمُونٍ وَلِيُّهُ) عَلَى زَوْجَتِهِ فَأَكْثَرَ لِلتَّعْدِيلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا فَلَا قَسْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ أُنْسٌ لَهُنَّ، وَلَا قَسْمَ لِمَجْنُونَةٍ يُخَافُ مِنْهَا. (وَيَحْرُمُ تَخْصِيصُ) بَعْضِ زَوْجَاتِهِ (بِإِفَاقَةٍ) لِأَنَّهُ جَوْرٌ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ (فَلَوْ أَفَاقَ) الْمَجْنُونُ (فِي نَوْبَةِ وَاحِدَةٍ) مِنْ زَوْجَاتِهِ (قَضَى يَوْمَ جُنُونِهِ لِلْأُخْرَى) تَعْدِيلًا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَعْدِلْ فِي الْقَسْمِ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ قَضَى لِلْمَظْلُومَةِ مَا فَاتَهَا اسْتِدْرَاكًا لِلظُّلَامَةِ. (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (أَنْ يَأْتِيَهُنَّ) أَيْ زَوْجَاتِهِ كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي مَسْكَنِهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْسِمُ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُنَّ، وَأَصْوَنُ (وَ) لَهُ (أَنْ يَدْعُوَهُنَّ لِمَحِلِّهِ) بِأَنْ يَتَّخِذَ لِنَفْسِهِ مَنْزِلًا يَدْعُو إلَيْهِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي لَيْلَتِهَا وَيَوْمِهَا وَتَجِبُ إجَابَتُهُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ نَقْلَهَا حَيْثُ شَاءَ بِلَائِقٍ بِهَا، فَإِنْ امْتَنَعَتْ الْمَدْعُوَّةُ عَنْ إجَابَتِهِ، سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ؛ لِنُشُوزِهَا، وَ (لَا) تَجِبُ عَلَيْهِنَّ إجَابَتُهُ إنْ دَعَاهُنَّ (لِمَحِلِّ إحْدَاهُنَّ) لِمَا بَيْنَهُنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ، وَالِاجْتِمَاعُ يَزِيدُهَا (وَ) لَهُ (أَنْ يَأْتِيَ مِنْهُنَّ بَعْضًا) مِنْ زَوْجَاتِهِ إلَى مَسْكَنِهَا (وَ) أَنْ (يَدْعُوَ مِنْهُنَّ بَعْضًا) مِنْهُنَّ إلَى مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ السَّكَنَ لَهُ حَيْثُ لَاقَ الْمَسْكَنُ، وَإِنْ حُبِسَ زَوْجٌ، فَاسْتَدْعَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي الْحَبْسِ فِي لَيْلَتِهَا، فَلَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِنَّ طَاعَتُهُ (وَلَا يَلْزَمُ مَنْ دُعِيَتْ) إلَى الْحَبْسِ إتْيَانٌ إلَيْهِ (مَا لَمْ يَكُنْ) الْحَبْسُ (سَكَنَ مِثْلِهَا) لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ دَعَاهَا فِي غَيْرِ الْحَبْسِ إلَى مَا لَيْسَ مَسْكَنًا لِمِثْلِهَا فِي الْإِتْيَانِ فَإِنْ أَطَعْنَهُ فِي الْإِتْيَانِ إلَى الْحَبْسِ سَوَاءٌ كَانَ مَسْكَنَ مِثْلِهِنَّ أَوْ لَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 لِأَنَّهُ جَوْرٌ، وَلَا اسْتِدْعَاءَ بَعْضِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّسْوِيَةِ بِلَا عُذْرٍ كَمَا فِي غَيْرِ الْحَبْسِ. (وَمَنْ امْرَأَتَاهُ بِبَلَدَيْنِ) أَوْ نِسَاؤُهُ بِبِلَادٍ (فَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ لِلْغَائِبَةِ) عَنْ الْبَلَدِ (فِي نَوْبَتِهَا) لِأَنَّهُ الْعَدْلُ (أَوْ يُقْدِمُهَا) إلَيْهِ لِيُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ (فَإِنْ امْتَنَعَتْ) الْغَائِبَةُ (مَعَ إمْكَانِ قُدُومٍ، سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ قَسْمٍ وَنَفَقَةٍ) لِنُشُوزِهَا، وَإِنْ قَسَمَ فِي بَلَدَيْهِمَا جَعَلَ الْمُدَّةَ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُ كَشَهْرٍ وَشَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ عَلَى حَسَبِ تَقَارُبِ الْبَلَدَيْنِ وَبُعْدِهِمَا؛ لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . (وَكَذَا مَنْ جَاءَهَا الْقَسْمُ فَأَغْلَقَتْ الْبَابَ دُونَهُ، أَوْ مَنَعَتْهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، أَوْ قَالَتْ: لَا تَدْخُلْ عَلَيَّ أَوْ لَا تَبِتْ عِنْدِي، أَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ، أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ سَفَرٍ مَعَهُ أَوْ مَبِيتٍ) سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ قَسْمٍ وَنَفَقَةٍ لِنُشُوزِهَا. (وَيَقْسِمُ) زَوْجٌ (مَرِيضٌ وَمَحْبُوبٌ وَعِنِّينٌ وَخَصِيٌّ كَصَحِيحٍ) لِأَنَّ الْقَسْمَ لِلْأُنْسِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ مِمَّنْ لَا يَطَأُ، وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ جَعَلَ يَدُورُ فِي نِسَائِهِ، وَيَقُولُ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فَإِنْ شَقَّ عَلَى الْمَرِيضِ) الْقَسْمُ (أَقَامَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ بِإِذْنِ الْبَوَاقِي) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إلَى نِسَائِهِ فَاجْتَمَعْنَ؛ فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدُورَ بَيْنَكُنَّ، فَإِنْ رَأَيْتُنَّ أَنْ تَأْذَنَّ لِي فَأَكُونَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَعَلْتُ، فَأَذِنَّ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ أَوْ أَقَامَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ (بِقُرْعَةٍ) إذَا لَمْ يَأْذَنَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ (أَوْ يَعْتَزِلُهُنَّ جَمِيعًا) إنْ أَحَبَّ ذَلِكَ تَعْدِيلًا بَيْنَهُنَّ. (وَيَقْسِمُ) الزَّوْجُ وُجُوبًا (لِ) زَوْجَةٍ (حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَمَرِيضَةٍ وَمَعِيبَةٍ) بِجُذَامٍ وَنَحْوِهِ (وَرَتْقَاءَ وَكِتَابِيَّةٍ وَمُحْرِمَةٍ وَزَمِنَةٍ وَمُمَيَّزَةٍ وَمَجْنُونَةٍ مَأْمُونَةٍ وَمَنْ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ) زَمَنَ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْقَسْمِ الْأُنْسُ، لَا الْوَطْءُ (أَوْ سَافَرَ بِهَا بِقُرْعَةٍ) فَيَقْسِمُ لَهَا (إذَا قَدِمَ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَهُ؛ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 مِنْ الْمُسْتَقْبَلِ، (وَلَا قَسْمَ) لِمُطَلَّقَةٍ (رَجْعِيَّةٍ) صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَالزَّرْكَشِيُّ فِي الْحَضَانَةِ. وَمَا ثَمَّ صَرِيحٌ يُخَالِفُهُ، وَلِأَنَّهَا تَرْجِعُ حَضَانَتُهَا عَلَى وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِ مُطَلِّقِهَا وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَلَيْسَ لَهُ بُدَاءَةٌ بِقَسْمٍ وَسَفَرٍ بِإِحْدَاهُنَّ) طَالَ السَّفَرُ أَوْ قَصُرَ (بِلَا قُرْعَةٍ) لِأَنَّهُ تَفْضِيلٌ لَهَا، وَالتَّسْوِيَةُ وَاجِبَةٌ «وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ خَرَجَ بِهَا مَعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِذَا سَافَرَ بِهَا بِقُرْعَةٍ إلَى مَحِلٍّ، ثُمَّ بَدَا لَهُ غَيْرُهُ وَلَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ، فَلَهُ أَنْ يَصْحَبَهَا مَعَهُ (إلَّا بِرِضَاهُنَّ وَرِضَاهُ) فَإِذَا رَضِيَ الزَّوْجَاتُ وَالزَّوْجُ بِالْبُدَاءَةِ بِإِحْدَاهُنَّ أَوْ السَّفَرِ بِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ (وَيَقْضِي) زَوْجٌ لِبَقِيَّةِ زَوْجَاتِهِ (مَعَ) خُرُوجِ (قُرْعَةٍ) فِي السَّفَرِ بِإِحْدَاهُنَّ (أَوْ) مَعَ (رِضَاهُنَّ) بِالسَّفَرِ بِمُعَيَّنَةٍ مِنْهُنَّ (مَا تَعَقَّبَهُ سَفَرٌ) أَيْ: مَا أَقَامَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ (أَوْ تَخَلَّلَهُ) أَيْ تَخَلَّلَ السَّفَرَ (مِنْ إقَامَةٍ) أَيْ: مُدَّةِ إقَامَتِهِ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ؛ لِتَسَاكُنِهِمَا إذَنْ، لَا زَمَنِ مَسِيرِهِ وَحِلِّهِ وَتَرْحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَسْكَنًا؛ فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ، كَمَا لَوْ كَانَا مُنْفَرِدَيْنِ (وَ) يَقْضِي مَنْ سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ زَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ (بِدُونِهِمَا) أَيْ: الْقُرْعَةِ وَرِضَاهُنَّ (جَمِيعَ غَيْبَتِهِ) حَتَّى زَمَنِ سَيْرِهِ وَحِلِّهِ وَتَرْحَالِهِ، سَوَاءٌ طَالَ السَّفَرُ أَوْ قَصُرَ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ بَعْضَهُنَّ عَلَى وَجْهٍ يَلْحَقُهُ فِيهِ تُهْمَةٌ؛ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ إنْ سَافَرَ بِاثْنَتَيْنِ بِقُرْعَةٍ أَوَى: كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَحْلِهَا كَخَيْمَتِهَا وَنَحْوَهَا، فَإِنْ كَانَتَا فِي رِحْلَةٍ؛ فَلَا قَسْمَ إلَّا فِي الْفِرَاشِ. (وَمَنْ قَرَعَتْ) مِنْ الزَّوْجَاتِ (لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ: زَوْجَهَا (سَفَرٌ بِهَا) وَلَهُ تَرْكُهَا (وَيُسَافِرُ وَحْدَهُ) لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا تُوجِبُ، وَإِنَّمَا تُعَيِّنُ مَنْ اسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ (بِغَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ؛ لِأَنَّهُ جَوْرٌ، وَإِنْ وَهَبَتْ الْقَارِعَةُ حَقَّهَا مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ لِإِحْدَى ضَرَّاتِهَا، جَازَ لَهَا الْقُرْعَةُ ذَلِكَ إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا، وَإِنْ وَهَبَتْهُ لِلزَّوْجِ أَوْ لِجَمِيعِ ضَرَائِرِهَا، وَامْتَنَعَتْ مِنْ السَّفَرِ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 سَقَطَ حَقُّهَا؛ لِإِعْرَاضِهَا عَنْهُ بِاخْتِيَارِهَا إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ بِمَا صَنَعَتْهُ مِنْ الْهِبَةِ أَوْ الِامْتِنَاعِ وَاسْتَأْنَفَ الْقُرْعَةَ بَيْنَ الْبَوَاقِي مِنْ ضَرَّاتِهَا إنْ لَمْ يَرْضَيْنَ مَعَهُ بِوَاحِدَةٍ، (وَإِنْ) أَبَى ذَلِكَ فَلَهُ إكْرَاهُهَا عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ؛ أَوْ (إنْ أَبَتْ هِيَ السَّفَرَ) مَعَهُ (أَجْبَرَهَا) عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ، فَأُجْبِرَتْ عَلَيْهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ. (وَلَوْ سَافَرَ) بِإِحْدَاهُنَّ بِقُرْعَةٍ (لِلْقُدْسِ مَثَلًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ) السَّفَرُ إلَى (مِصْرَ) مَثَلًا (فَلَهُ اسْتِصْحَابُهَا) مَعَهُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إتْمَامٌ لِسَفَرِهِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ ثَمَّ مَنْ لَهَا حَقٌّ مَعَهَا، أَشْبَهَتْ الْمُنْفَرِدَةَ. (وَمَتَى بَدَأَ) فِي الْقَسْمِ (بِوَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ بِقُرْعَةٍ أَوْ لَا) أَيْ: أَوْ بِدُونِ قُرْعَةٍ (لَزِمَهُ الْمَبِيتُ) لَيْلَةً (آتِيَةً عِنْدَ) زَوْجَةٍ (ثَانِيَةٍ بِلَا قُرْعَةٍ) لِيَحْصُلَ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمَا فِي الْأُولَى وَيَتَدَارَكَ الظُّلْمَ فِي الثَّانِيَةِ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ (حَيْثُ لَا ثَالِثَةَ) فَإِنْ كَانَ ثُمَّ زَوْجَةٌ ثَالِثَةٌ، وَكَانَ قَدْ بَدَأَ بِإِحْدَاهُنَّ بِقُرْعَةٍ أَوْ لَا، أَقْرَعَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الْبَاقِيَتَيْنِ؛ لِيَحْصُلَ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمَا إنْ لَمْ يَتَرَاضَوْا، فَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا، وَبَدَأَ بِإِحْدَاهُنَّ: ثُمَّ بِأُخْرَى مِنْهُنَّ؛ أَقْرَعَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ بَيْنَ الْبَاقِيَتَيْنِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَيَصِيرُ فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ إلَى الزَّوْجَةِ الرَّابِعَةِ بِلَا قُرْعَةٍ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهَا. (وَحَرُمَ) عَلَى الزَّوْجِ (دُخُولُهُ لِغَيْرِ ذَاتِ لَيْلَةٍ فِيهَا) أَيْ: اللَّيْلَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَأَنْ تَكُونَ مَنْزُولًا بِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يُحَضِّرَهَا، أَوْ تُوصِيَ إلَيْهِ. (وَ) يَحْرُمُ أَنْ يَدْخُلَ إلَيْهَا (فِي نَهَارِهَا) أَيْ: نَهَارِ لَيْلَةِ غَيْرِهَا (إلَّا لِحَاجَةٍ كَعِيَادَةٍ) أَوْ سُؤَالٍ عَنْ أَمْرٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، أَوْ دَفْعِ نَفَقَةٍ، أَوْ زِيَارَةٍ لِبُعْدِ عَهْدِهِ بِهَا (فَإِنْ) دَخَلَ إلَيْهَا، وَ (لَمْ يَلْبَثْ) مَعَ ضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ عَدَمِهَا (لَمْ يَقْضِ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَضَاءِ الزَّمَنِ الْيَسِيرِ (وَإِنْ لَبِثَ أَوْ جَامَعَ لَزِمَهُ قَضَاءُ لُبْثٍ وَجِمَاعٍ) فَيَدْخُلُ عَلَى الْمَظْلُومَةِ فِي لَيْلَةِ الْأُخْرَى، فَيَمْكُثُ عِنْدَهَا بِقَدْرِ مَا مَكَثَ عِنْدَ تِلْكَ، أَوْ يُجَامِعُهَا لِيَعْدِلَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مَعَ الْجِمَاعِ يَحْصُلُ بِهِ السَّكَنُ؛ أَشْبَهَ الزَّمَنَ الْكَثِيرَ، وَ (لَا) يَلْزَمُهُ قَضَاءُ (قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ حَقِّ الْأُخْرَى) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ عَلَيَّ فِي يَوْمِ غَيْرِي، فَيَنَالُ مِنِّي كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْجِمَاعَ» . (وَلَهُ قَضَاءُ أَوَّلِ لَيْلٍ عَنْ آخِرِهِ) اكْتِفَاءً بِالْمُمَاثَلَةِ فِي الْقَدْرِ (وَ) لَهُ قَضَاءُ (لَيْلِ صَيْفٍ عَنْ) لَيْلِ (شِتَاءٍ) لِأَنَّهُ قَضَاءُ لَيْلَةٍ عَنْ لَيْلَةٍ (وَعَكْسُهُمَا) أَيْ: لَهُ قَضَاءُ آخِرٍ عَنْ أَوَّلِهِ، وَلَهُ قَضَاءُ لَيْلِ شِتَاءٍ عَنْ لَيْلِ صَيْفٍ. (وَمَنْ انْتَقَلَ) مِنْ بَلَدٍ (لِبَلَدٍ) وَلَهُ زَوْجَاتٌ، وَأَمْكَنَهُ اسْتِصْحَابُ الْكُلِّ مَعَهُ (لَمْ يَجُزْ) لَهُ (أَنْ يَصْحَبَ إحْدَاهُنَّ وَ) أَنْ يَصْحَبَ (الْبَوَاقِيَ وَغَيْرَهُ) وَلَوْ مُحْرِمًا لِأَنَّهُ مَيْلٌ (إلَّا بِقُرْعَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَصْحَبُ إحْدَاهُنَّ، فَإِنْ فَعَلَهُ بِقُرْعَةٍ، فَأَقَامَتْ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ؛ قَضَى لِلْبَاقِيَاتِ مُدَّةَ إقَامَتِهِ مَعَهَا خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا، وَبِدُونِ قُرْعَةٍ؛ قَضَى لِلْبَاقِيَاتِ كُلَّ الْمُدَّةِ كَالْحَاضِرِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ اسْتِصْحَابُ الْكُلِّ؛ جَازَ لَهُ بَعْثُهُنَّ مَعَ مَحْرَمِهِنَّ، وَلَا يَقْضِي لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ؛ لِتَسَاوِيهِنَّ فِي انْفِرَادِهِ عَنْهُنَّ، وَمَنْ امْتَنَعَتْ مِنْ زَوْجَاتِهِ مِنْ سَفَرٍ مَعَهُ بِلَا عُذْرٍ، أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ مَبِيتٍ عِنْدَهُ، أَوْ (سَافَرَتْ) بِغَيْرِ إذْنِهِ لِحَاجَتِهَا أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ سَافَرَتْ (لِحَاجَتِهَا، وَلَوْ بِإِذْنِهِ؛ فَلَا قَسْمَ وَلَا نَفَقَةَ) لَهَا، أَمَّا الْمُمْتَنِعَةُ مِنْ السَّفَرِ أَوْ الْمَبِيتِ مَعَهُ؛ فَلِأَنَّهَا عَاصِيَةٌ لَهُ؛ فَهِيَ كَالنَّاشِزِ، وَكَذَا مَنْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَأَمَّا مَنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا؛ فَلِأَنَّ الْقَسْمَ لِلْأُنْسِ، وَالنَّفَقَةُ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا؛ فَسَقَطَ كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا سَافَرَتْ مَعَهُ؛ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ قَسْمٍ وَنَفَقَةٍ إنْ سَافَرَتْ (لِحَاجَتِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (بِبَعْثِهِ لَهَا) أَوْ انْتِقَالِهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ تَعَذُّرِ الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ جِهَتِهِ، فَيَقْضِي لَهَا مَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُخْرَى (وَلَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (وَلَوْ أَمَةً هِبَةُ نَوْبَتِهَا) مِنْ الْقَسْمِ (بِلَا مَالٍ لِزَوْجٍ يَجْعَلُهُ لِمَنْ شَاءَ) مِنْ ضَرَّاتِهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَاهِبَةِ وَالزَّوْجِ (وَ) لِلزَّوْجَةِ هِبَةُ نَوْبَتِهَا بِلَا مَالٍ (لِضَرَّةٍ) مُعَيَّنَةٍ بِإِذْنِهِ أَيْ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 الزَّوْجِ (وَلَوْ أَبَتْ) ذَلِكَ (مَوْهُوبٌ لَهَا) لِثُبُوتِ حَقِّ الزَّوْجِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا كُلَّ وَقْتٍ، وَإِنَّمَا مَنَعَتْهُ الْمُزَاحَمَةُ فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا، فَإِذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ بِهِبَتِهَا ثَبَتَ حَقُّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَإِنْ كَرِهَتْ، كَمَا لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً، وَإِنْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ الْمَوْهُوبَةُ لِإِحْدَى الضَّرَائِرِ تَلِي اللَّيْلَةَ الْمَوْهُوبَ لَهَا وَالَى الزَّوْجُ بَيْنَ اللَّيْلَتَيْنِ؛ فَيَبِيتُهُمَا عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَلِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الْمَوْهُوبَ لَهَا (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (نَقْلُهُ) أَيْ: زَمَنِ قَسْمِ الْوَاهِبَةِ (لِيَلِيَ لَيْلَتَهَا) أَيْ: الْمَوْهُوبِ لَهَا إلَّا بِرِضَا الْبَاقِيَاتِ فَإِنْ رَضِينَ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُنَّ، وَإِلَّا جَعَلَهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهَا فِي وَقْتِ الْوَاهِبَةِ؛ لِقِيَامِ الْمَوْهُوبِ لَهَا مَقَامَ الْوَاهِبَةِ فِي لَيْلَتِهَا، فَلَمْ تُغَيَّرْ عَنْ مَوْضِعِهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً لِلْوَاهِبَةِ (وَ) إنْ وَهَبَتْ نَوْبَتَهَا مِنْ الْقَسْمِ (بِمَالٍ؛ فَلَا) تَصِحُّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا كَوْنُ الزَّوْجِ عِنْدَهَا، وَهُوَ لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ (وَحَقُّهَا) أَيْ: الْوَاهِبَةِ فِي نَوْبَتِهَا (بَاقٍ) فَإِنْ أَخَذَتْ عَلَى ذَلِكَ مَالًا؛ لَزِمَهَا رَدُّهُ، وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَقْضِيَ لَهَا زَمَنَ هِبَتِهَا؛ لِأَنَّهَا تَرَكَتْهُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهَا، فَتَرْجِعُ بِالْمُعَوَّضِ، وَإِنْ كَانَ عِوَضُهَا غَيْرَ الْمَالِ كَهِبَتِهَا (لِإِرْضَاءِ زَوْجِهَا عَنْهَا أَوْ غَيْرِهِ؛ جَازَ) - لِأَنَّ عَائِشَةَ «أَرْضَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَفِيَّةَ، فَأَخَذَتْ يَوْمَهَا، وَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَلَمْ يُنْكِرْهُ» مَا يَجُوزُ لَهَا. (كَأَنْ تَهَبَ لِزَوْجِهَا أَوْ إحْدَى ضَرَّاتِهَا) ، قَضَى (مَا يُجَوِّزُهَا بَدَلَ قَسْمٍ) وَجَبَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ (وَنَفَقَةً) وَغَيْرَهُمَا لِزَوْجِهَا لِأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لَا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا، وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِي، وَلَا تُطَلِّقْنِي، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيَّ وَالْقَسْمُ لِي؛ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهِيَ لَا تَقُولُ فِي التَّفْسِيرِ لِلْقُرْآنِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ. (وَ) مَتَى رَجَعَتْ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّهُ (يَعُودُ حَقُّهَا بِرُجُوعِهَا) فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقَطْ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ، بِخِلَافِ مَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ (فَمَنْ رَجَعَتْ) فِي هِبَتِهَا لَيْلَتَهَا (وَلَوْ فِي بَعْضِ لَيْلَةٍ) عَادَ حَقُّهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَ (قَسَمَ) لَهَا وُجُوبًا، فَيَرْجِعُ إلَيْهَا (وَلَا يَقْضِي بَعْضًا) مِنْ لَيْلَةٍ (لَمْ يَعْلَمْ هُوَ بِهِ) أَيْ: بِرُجُوعِهَا فِيهِ (إلَى فَرَاغِهَا) أَيْ: اللَّيْلَةِ لِتَفْرِيطِهَا. [فَصْلٌ تُسَنُّ تَسْوِيَةُ زَوْجٍ فِي وَطْءٍ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ] ِ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ؛ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ فِي الْحِرْمَانِ، كَمَا إذَا بَاتَ عِنْدَ أَمَتِهِ أَوْ بَاتَ فِي دُكَّانِهِ، أَوْ عِنْدَ صَدِيقِهِ، أَوْ مُنْفَرِدًا (وَ) يُسَنُّ لِسَيِّدٍ تَسْوِيَةٌ (فِي قَسْمٍ بَيْنَ إمَائِهِ) لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِقُلُوبِهِنَّ (وَ) لَهُ أَنْ (يَسْتَمْتِعَ بِهِنَّ) وَإِنْ نَقَصَ بِهِ زَمَنُ زَوْجَاتِهِ بِحَيْثُ لَا يُنْقِصُ الْحُرَّةَ عَنْ لَيْلَةٍ مِنْ أَرْبَعٍ، وَالْأَمَةَ عَنْ لَيْلَةٍ مِنْ سَبْعٍ، وَلَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِنَّ (كَيْفَ شَاءَ) كَالزَّوْجَاتِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (مِنْ تَفْضِيلِ) بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ (أَوْ مُسَاوَاةٍ) بَيْنَهُنَّ (نَدْبًا) لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِنُفُوسِهِنَّ (أَوْ يَسْتَمْتِعَ بِبَعْضِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] . وَقَدْ «كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَارِيَةُ وَرَيْحَانَةُ فَلَمْ يَكُنْ يَقْسِمُ لَهُمَا» ، وَلِأَنَّ الْأَمَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ، وَلِذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ لِكَوْنِ السَّيِّدِ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا، وَلَا يُضْرَبُ لَهُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ (وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْضُلَهُنَّ إنْ) طَلَبْنَ النِّكَاحَ، وَ (لَمْ يُرِدْ اسْتِمْتَاعًا بِهِنَّ، فَيُزَوِّجُهُنَّ أَوْ يَبِيعُهُنَّ) دَفْعًا لِضَرَرِهِنَّ، وَلِأَنَّ إعْفَافَهُنَّ وَصَوْنَهُنَّ عَنْ احْتِمَالِ الْمَحْظُورِ وَاجِبٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 [فَصْلٌ تَزَوَّجَ بِكْرًا وَمَعَهُ غَيْرُهَا] فَصْلٌ (وَمَنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا) وَمَعَهُ غَيْرُهَا (أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَلَوْ) كَانَتْ (أَمَةً) وَضَرَائِرُهَا حَرَائِرُ (ثُمَّ دَارَ) الْقَسْمُ (وَلَمْ يَقْضِ) أَيْ: يَحْتَسِبْ عَلَيْهَا بِمَا أَقَامَ عِنْدَهَا فَإِذَا انْتَهَتْ مُدَّةُ إقَامَتِهِ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ عَادَ إلَى الْقَسْمِ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَتَدْخُلُ الْجَدِيدَةُ (بَيْنَهُنَّ فَتَصِيرُ آخِرَهُنَّ نَوْبَةً وَ) إنْ تَزَوَّجَ (ثَيِّبًا) وَمَعَهُ غَيْرُهَا أَقَامَ عِنْدَهَا (ثَلَاثًا) وَلَوْ أَمَةً، ثُمَّ دَارَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ. قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ إنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. ، وَخُصَّتْ الْبِكْرُ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ حَيَاءَهَا أَكْثَرُ، فَتَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ أُنْسٍ لِتَنْبَسِطَ وَتَزُولَ الْحِشْمَةُ بَيْنَهُمَا، فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهَا بِزِيَادَةِ الْإِقَامَةِ مَعَهَا لِتَزُولَ نُفْرَتُهَا، وَتَأْلَفَ مُخَالَطَةَ الرِّجَالِ، وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ مُدَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَالسَّبْعَةُ لِأَنَّهَا أَيَّامُ الدُّنْيَا، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا يَتَكَرَّرُ (وَإِنْ شَاءَتْ) الثَّيِّبُ (لَا) إنْ شَاءَ (هُوَ) أَيْ الزَّوْجُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا (سَبْعًا فَعَلَ) أَيْ: أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا (وَقَضَى الْكُلَّ) لِضَرَائِرِهَا يَعْنِي سَبْعًا سَبْعًا لِأَنَّ الْخِيَرَةَ لَهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ؛ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِكِ هَوَانٌ عَلَى أَهْلِكَ؛ فَإِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ؛ لِنِسَائِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا، وَلَفْظُ الدَّارَقُطْنِيّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا حِينَ دَخَلَ بِهَا: لَيْسَ بِكَ هَوَانٌ عَلَى أَهْلِكِ إنْ شِئْتِ أَقَمْتُ عِنْدَكِ ثَلَاثًا خَالِصَةً لَكِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 وَإِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكَ وَلِنِسَائِي قَالَتْ: تُقِيمُ مَعِي ثَلَاثًا خَالِصَةً» . (وَ) قِيلَ: إنَّ الْخِيَرَةَ فِي الْإِقَامَةِ عِنْدَ الثَّيِّبِ زِيَادَةٌ عَنْ حَقِّهَا لِلزَّوْجِ، فَعَلَيْهِ لَوْ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا قَضَى (مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ إنْ شَاءَ هُوَ) أَيْ: بِأَنْ تَمَحَّضَتْ إقَامَةُ الزَّوَائِدِ مِنْهُ دُونَهَا لِاخْتِيَارِهِ ذَلِكَ قَالَهُ فِي " الرَّوْضَةِ " (وَإِنْ شَاءَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (مَعًا فَاحْتِمَالَانِ) أَحَدُهُمَا يَقْضِي لِلْبَوَاقِي سَبْعًا سَبْعًا، وَالثَّانِي يَقْضِي لِلْبَوَاقِي الْفَاضِلَ عَنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ (وَإِنْ زُفَّتْ إلَيْهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (امْرَأَتَانِ) بِكْرَانِ أَوْ ثَيِّبَانِ أَوْ بِكْرٌ وَثَيِّبٌ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ (كُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي إيفَاءِ حَقِّ الْعَقْدِ، وَتَضَرُّرِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَوَحْشَتِهَا، وَكَذَا لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ ثَانِيَةٌ قَبْلَ إيفَائِهِ حَقَّ الَّتِي قَبْلَهَا (وَبَدَأَ بِالدَّاخِلَةِ) عَلَيْهِ (أَوَّلًا) مِنْهُمَا، لِتَقَدُّمِ حَقِّهَا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ فِي مُدَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ وَرَجَحَ عَلَيْهِ، فَإِذَا زَالَ الْمُعَارِضُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمُقْتَضَى، ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِالْقَسْمِ لِيَأْتِيَ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الدَّوْرِ (وَ) إنْ أُدْخِلَتَا عَلَيْهِ مَعًا فَإِنَّهُ (يَقْرَعُ) بَيْنَهُمَا (لِلتَّسَاوِي) فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْقُرْعَةُ مُرَجِّحَةٌ عِنْدَ التَّسَاوِي، فَيَبْدَأُ بِمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ، فَيُوفِيهَا حَقَّ عَقْدِهَا، ثُمَّ يُوفِي الْأُخْرَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَدُورُ (وَإِنْ سَافَرَ) أَيْ: أَرَادَ بِهِ السَّفَرَ (مَنْ أَقْرَعَ) بَيْنَ مَنْ دَخَلَتَا عَلَيْهِ مَعًا؛ صَحِبَ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ مِنْهُمَا وَ (دَخَلَ حَقُّ عَقْدٍ فِي قَسْمِ سَفَرٍ) إنْ وَفَّى بِهِ؛ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ (فَيَقْضِيهِ لِلْأُخْرَى بَعْدَ قُدُومِهِ) مِنْ سَفَرٍ، كَمَا لَوْ لَمْ يُسَافِرْ بِالْأُخْرَى مَعَهُ (فَإِنْ قَدِمَ) مِنْ سَفَرِهِ (قَبْلَ تَمَامِ حَقِّ عَقْدِهَا) أَيْ: الْأُولَى (تَمَّمَهُ فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ قَضَى لِلْحَاضِرَةِ حَقَّهَا) لِمَا تَقَدَّمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 [تَتِمَّةٌ أَقْرَعَ بَيْن زَوْجَاته وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِغَيْرِ الْجَدِيدَتَيْنِ وَسَافَرَ بِهَا] تَتِمَّةٌ: فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِغَيْرِ الْجَدِيدَتَيْنِ وَسَافَرَ بِهَا، فَإِذَا قَدِمَ قَضَى لِلْجَدِيدَتَيْنِ حَقَّهُمَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ، يُقَدِّمُ السَّابِقَةَ دُخُولًا إنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى، أَوْ بِقُرْعَةٍ إنْ دَخَلَتَا مَعًا؛ لِمَا سَبَقَ؛ وَإِنْ سَافَرَ بِجَدِيدَةٍ وَقَدِيمَةٍ بِقُرْعَةٍ أَوْ رَضِيَ تَمَّمَ لِلْجَدِيدَةِ حَقَّ الْعَقْدِ، ثُمَّ قَسَمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُخْرَى عَلَى السَّوَاءِ (وَإِنْ زُوِّجَ ثِنْتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَاحِدَةً وَقْتَ قَسْمِهَا) أَيْ نَوْبَتِهَا (أَثِمَ) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إبْطَالِ حَقِّهَا مِنْ التَّسْلِيمِ، وَلَعَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِسُؤَالِهَا (وَيَقْضِيهِ وُجُوبًا مَتَى نَكَحَهَا) لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ كَالْمُعْسِرِ يُوسَرُ بِالدَّيْنِ (وَمَنْ قَسَمَ لِثِنْتَيْنِ مِنْ ثَلَاثِ) زَوْجَاتٍ (ثُمَّ تَجَدَّدَ) عَلَيْهِ (حَقُّ رَابِعَةٍ) قَبْلَ قَسْمِهِ لِلثَّالِثَةِ (بِرُجُوعِهَا) أَيْ الرَّابِعَةِ (فِي هِبَةِ) حَقِّهَا مِنْ الْقَسْمِ (أَوْ) بِرُجُوعِهَا (عَنْ نُشُوزٍ) أَوْ بِنِكَاحٍ وَفَّاهَا حَقَّ عَقْدِهِ فَرُبْعُ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ لِلرَّابِعَةِ وَبَاقِيهِ لِلثَّالِثَةِ، أَوْ قَسَمَ لِثِنْتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ ثُمَّ تَجَدَّدَ حَقُّ رَابِعَةٍ بِنِكَاحٍ مُتَجَدِّدٍ، وَفَّاهَا أَيْ: الرَّابِعَةَ حَقَّ عَقْدِهَا، وَهُوَ سَبْعٌ إنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَثَلَاثٌ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا (ثُمَّ) يَقْسِمُ فَ (رُبْعُ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ لِلرَّابِعَةِ) لِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ مِنْ أَرْبَعٍ (وَبَقِيَّتُهُ) أَيْ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ (لِلثَّالِثَةِ) لِأَنَّ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ اسْتَوْفَتَا مُدَّتَهُمَا، مِثَالُهُ فِيمَا يُخْرِجُهُ الْحِسَابُ بِلَا كَسْرٍ لَوْ قَسَمَ لِلْأُولَيَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا (فَيَقْسِمُ لِلثَّالِثَةِ مِثْلَهُمَا، وَلِلرَّابِعَةِ لَيْلَةً) فَقَدْ أَخَذَتْ الرَّابِعَةُ رُبْعَ مُدَّةِ الزَّمَنِ الْآتِي عَلَيْهَا (فَإِذَا كَمُلَ الْحَقُّ ابْتَدَأَ التَّسْوِيَةَ) لِلْأَرْبَعِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَأَقَامَ عِنْدَ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً، لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ الرَّابِعَةِ عَشْرًا لِتُسَاوِيهِنَّ (فَلَوْ قَسَمَ لِثِنْتَيْنِ) مِنْهُنَّ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً (وَظَلَمَ الثَّالِثَةَ) فَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا، وَنَشَزَتْ الرَّابِعَةُ (ثُمَّ أَطَاعَتْهُ النَّاشِزُ؛ وَأَرَادَ الْقَضَاءَ لِلْمَظْلُومَةِ قَسَمَ لَهَا) أَيْ الْمَظْلُومَةِ (ثَلَاثًا، وَلِلنَّاشِزِ لَيْلَةً، خَمْسَةَ أَدْوَارٍ، فَيُكْمِلُ لِلْمَظْلُومَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ) لَيْلَةً (وَيَحْصُلُ لِلنَّاشِزِ خَمْسُ) لَيَالٍ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ بَيْنَ الْجَمِيعِ. تَكْمِيلٌ: وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ قَسَمَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً، وَظَلَمَ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ جَدِيدَةً، ثُمَّ إنْ أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ لِلْمَظْلُومَةِ فَيَخُصَّ الْجَدِيدَةَ بِسَبْعٍ إنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَثَلَاثٍ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، ثُمَّ يَقْسِمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَظْلُومَةِ خَمْسَةَ أَدْوَارٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَا لِلْمَظْلُومَةِ مِنْ كُلِّ دُورٍ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً لِلْجَدِيدَةِ (وَلَوْ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ، ثُمَّ نَكَحَ ثَالِثَةً) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 أَوْ تَجَدَّدَ حَقُّهَا بِعَوْدٍ فِي هِبَةٍ أَوْ رُجُوعٍ عَنْ نُشُوزٍ (وَفَّاهَا أَيْ الْجَدِيدَةَ حَقَّ عَقْدٍ، ثُمَّ وَفَّى لَيْلَةً لِلْمَظْلُومَةِ) الَّتِي دَخَلَ بِضَرَّتِهَا فِي نَوْبَتِهَا (ثُمَّ وَفَّى نِصْفَ لَيْلَةٍ لِلثَّالِثَةِ) وَهِيَ الْجَدِيدَةُ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ الَّتِي وَفَّاهَا لِلْمَظْلُومَةِ نِصْفُهَا مِنْ حَقِّهَا، وَنِصْفُهَا مِنْ الْجَدِيدَةِ فَيَثْبُتُ لِلْجَدِيدَةِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ نِصْفُ لَيْلَةٍ بِإِزَاءِ مَا خَصَّ ضَرَّتَهَا (ثُمَّ يَبْتَدِئُ) الْقَسْمَ مُتَسَاوِيًا قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ لَا يَبِيتُ نِصْفَهَا، بَلْ لَيْلَةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ حَرِجٌ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَجِدُ مَكَانًا يَنْفَرِدُ فِيهِ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ إلَيْهِ فِي نِصْفِ اللَّيْلَةِ أَوْ الْمَجِيءِ مِنْهُ، وَمَتَى تَرَكَ قَسْمَ بَعْضِ نِسَائِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَضَاهُ لَهَا. [فَصْلٌ النُّشُوزُ] ُ) مِنْ النَّشَزِ، وَ (هُوَ) مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ، فَكَأَنَّمَا ارْتَفَعَتْ وَتَعَالَتْ عَمَّا فُرِضَ عَلَيْهَا مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَيُقَالُ: نَشَزَتْ - بِالشِّينِ وَالزَّاي - وَنَشَصَتْ بِالشِّينِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَنَشَزَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا جَفَاهَا وَأَضَرَّ بِهَا. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرِهِ وَعُرْفًا (مَعْصِيَتُهَا إيَّاهُ، فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا) طَاعَتُهُ فِيهِ (وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهَا أَمَارَتُهُ) أَيْ: النُّشُوزِ (بِأَنْ مَنَعَتْهُ) أَيْ: الزَّوْجَ (الِاسْتِمْتَاعَ) بِهَا (أَوْ أَجَابَتْهُ مُتَبَرِّمَةً مُتَكَرِّهَةً) كَأَنْ تَتَثَاقَلَ إذَا دَعَاهَا، وَلَا تُجِيبَهُ إلَّا بِكُرْهٍ (أَوْ خَرَجَتْ بِلَا إذْنِهِ) وَلَوْ لِزِيَارَةِ أَبَوَيْهَا (وَنَحْوَهُ) كَاخْتِلَالِ أَدَبِهَا فِي حَقِّهِ (وَعَظَهَا) أَيْ: خَوَّفَهَا اللَّهَ تَعَالَى، وَذَكَرَ لَهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهَا مِنْ الْحَقِّ، وَمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْإِثْمِ بِالْمُخَالَفَةِ، وَمَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَمَا يُبَاحُ لَهُ مِنْ هَجْرِهَا وَضَرْبِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] . (فَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 رَجَعَتْ) إلَى الطَّاعَةِ وَالْأَدَبِ (حَرُمَ) عَلَيْهِ (هَجْرُ) هَا (وَضَرْبُهَا) لِزَوَالِ مُبِيحِهِ (وَإِلَّا) تَرْجِعْ عَمَّا ارْتَكَبَتْهُ مِنْ التَّمَادِي وَالْعِصْيَانِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ إجَابَتِهِ إلَى الْفِرَاشِ وَالْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ مَا شَاءَ) . لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُضَاجِعْهَا فِي فِرَاشِكَ. وَقَدْ «هَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) هَجَرَهَا (فِي الْكَلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا فَوْقَهَا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» . وَالْهَجْرُ ضِدَّ الْوَصْلِ، وَالتَّهَاجُرُ التَّقَاطُعُ (فَإِنْ أَصَرَّتْ) وَلَمْ تَرْتَدِعْ (ضَرَبَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] . فَيَكُونُ الضَّرْبُ بَعْدَ الْهَجْرِ فِي الْفِرَاشِ وَتَرْكِهَا مِنْ الْكَلَامِ (غَيْرَ شَدِيدٍ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ يَرْفَعُهُ: «لَا يَجْلِدْ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُضَاجِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ» . (عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ لَا فَوْقَهَا) يُفَرِّقُهَا فِي بَدَنِهَا؛ لِحَدِيثِ: «لَا يَجْلِدْ أَحَدُكُمْ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيَتَّقِي الْوَجْهَ) تَكْرِمَةً لَهُ (وَالْمَوَاضِعَ الْمَخُوفَةَ) خَوْفَ الْقَتْلِ، وَالْمَوَاضِعَ الْمُسْتَحْسَنَةَ لِئَلَّا يُشَوِّهَهَا (فَإِنْ تَلِفَتْ) مِنْ ذَلِكَ (فَلَا ضَمَانَ) لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا (وَيُمْنَعُ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (مَنْ) أَيْ: زَوْجٌ (عُلِمَ بِمَنْعِهِ حَقَّهَا حَتَّى يُوفِيَهُ) وَيُحْسِنَ عَشْرَتَهَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ ظَالِمًا بِطَلَبِهِ حَقَّهُ مَعَ مَنْعِهِ حَقَّهَا، وَيَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تُغْضِبَ زَوْجَهَا؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدِهِ عَنْ الْحُصَيْنِ بْنِ الْمِحْصَنِ بِأَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَقَالَ: اُنْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ» قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَيَنْبَغِي لِلزَّوْجِ مُدَارَاتُهَا، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: حُسْنُ الْخُلُقِ أَنْ لَا تَغْضَبَ وَلَا تَحْتَدَّ، وَحَدَّثَ رَجُلٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 لِأَحْمَدَ مَا قِيلَ الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: الْعَافِيَةُ كُلُّهَا عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ كُلُّهَا فِي التَّغَافُلِ. (وَلَا يُسْأَلُ لِمَ ضَرَبَهَا، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَهُ وَلَا أَبُوهَا) لِمَ ضَرَبَهَا لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ الْأَشْعَثِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «يَا أَشْعَثُ احْفَظْ عَنِّي شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَسْأَلَنَّ رَجُلًا فِيمَ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ» . وَلِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءً لِلْمَوَدَّةِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَضْرِبُهَا؛ لِأَجْلِ الْفِرَاشِ؛ فَإِنْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ اسْتَحْيَا، وَإِنْ أَخْبَرَ بِغَيْرِهِ كَذَبَ (وَلَهُ تَأْدِيبُهَا عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ) كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَاجِبَيْنِ نَصًّا، قَالَ عَلِيٌّ فِي قَوْله تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] قَالَ: عَلِّمُوهُمْ وَأَدِّبُوهُمْ، وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا يُعَلِّقُ فِي بَيْتِهِ سَوْطًا يُؤَدِّبُ أَهْلَهُ» . قَالَ أَحْمَدُ: أَخْشَى أَنْ لَا يَحِلَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقِيمَ مَعَ امْرَأَةٍ لَا تُصَلِّي وَلَا تَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَا تَتَعَلَّمُ مِنْ الْقُرْآنِ (لَا) أَيْ: لَيْسَ لِلزَّوْجِ (تَعْزِيرُهَا فِي حَادِثٍ مُتَعَلِّقٍ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ) لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْحَاكِمِ (فَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ (ظُلْمَ صَاحِبِهِ أَسْكَنَهُمَا حَاكِمٌ قُرْبَ ثِقَةٍ يُشْرِفُ عَلَيْهِمَا وَيَكْشِفُ حَالَهُمَا) كَمَا يَكْشِفُ عَنْ (عَدَالَةٍ، وَإِفْلَاسٍ مِنْ خِبْرَةٍ بَاطِنَةٍ) لِيَعْلَمَ الظَّالِمَ مِنْهُمَا (وَيُلْزِمَهُمَا) أَيْ: الثِّقَةُ (الْحَقَّ) لِأَنَّهُ طَرِيقُ الْإِنْصَافِ، وَيَكُونُ الْإِسْكَانُ قَبْلَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْهُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) إسْكَانُهُمَا قُرْبَ ثِقَةٍ يُشْرِفُ عَلَيْهِمَا أَوْ تَعَذَّرَ إلْزَامُهُمَا الْحَقَّ (وَتَشَاقَّا) أَيْ: خَرَجَا إلَى الشِّقَاقِ وَالْعَدَاوَةِ، وَبَلَغَا إلَى الْمُشَاتَمَةِ (بَعَثَ) الْحَاكِمُ (حَكَمَيْنِ ذَكَرَيْنِ حُرَّيْنِ مُكَلَّفَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ حُكْمَ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ) لِأَنَّهُمَا يَتَصَرَّفَانِ فِي ذَلِكَ؛ فَاعْتُبِرَ فِيهِمَا هَذِهِ الشُّرُوطُ مَعَ أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ؛ لِتَعَلُّقِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ، فَكَأَنَّهُمَا نَائِبَانِ عَنْهُ (وَالْأَوْلَى) أَنْ يَكُونَ الْحَكَمَانِ (مِنْ أَهْلِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ يُفْضِي إلَى قَرَابَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 وَأَهْلِهِ بِلَا احْتِشَامٍ، فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِصْلَاحِ، فَيَخْلُو كُلٌّ بِصَاحِبِهِ وَيَسْتَعْمِلُ رَأْيَهُ فِي الْفِرَاقِ وَالْوَصْلَةِ، وَمَا يَكْرَهُ مِنْ صَاحِبِهِ (يُوَكِّلَانِهِمَا) بِرِضَاهُمَا، وَ (لَا) يَبْعَثُهُمَا الْحَاكِمُ (جَبْرًا) عَلَى الزَّوْجَيْنِ (فِي فِعْلِ الْأَصْلَحِ مِنْ جَمْعٍ أَوْ تَفْرِيقٍ بِعِوَضٍ أَوْ دُونَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] الْآيَةَ (وَيَنْبَغِي لَهُمَا) أَيْ لِلْحَكَمَيْنِ (أَنْ يَنْوِيَا الْإِصْلَاحَ) لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] (وَأَنْ يُلَطِّفَا الْقَوْلَ، وَأَنْ يُنْصِفَا، وَيُرَغِّبَا، وَيُخَوِّفَا، وَلَا يُخَصُّ بِذَلِكَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ) لِيَكُونَ (أَقْرَبَ لِلتَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا) وَهُمَا وَكِيلَانِ عَنْ الزَّوْجَيْنِ فِي ذَلِكَ (لَا يُرْسَلَانِ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَتَوْكِيلِهِمَا) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمَا، فَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِمَا التَّصَرُّفُ إلَّا بِالْوَكَالَةِ، فَلَا يَمْلِكَانِ تَفْرِيقًا إلَّا بِإِذْنِهِمَا (فَيَأْذَنُ الرَّجُلُ لِوَكِيلِهِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ إصْلَاحٍ، وَتَأْذَنُ هِيَ) أَيْ: الْمَرْأَةُ (لِوَكِيلِهَا فِي الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَلَى مَا يَرَاهُ، وَإِنْ امْتَنَعَا مِنْ التَّوْكِيلِ لَمْ يُجْبَرَا عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا يَزَالُ الْحَاكِمُ يَبْحَثُ) وَيَسْتَبْحِثُ (حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مَنْ الظَّالِمُ، فَيَرْدَعُهُ) وَيَسْتَوْفِي مِنْهُ الْحَقَّ إقَامَةً لِلْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ (وَلَا يَصِحُّ إبْرَاءُ غَيْرِ وَكِيلِهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ (فِي خُلْعٍ فَقَطْ) فَتَصِحُّ بَرَاءَتُهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِعِوَضٍ، فَتَوْكِيلُهَا فِيهِ إذْنٌ فِي الْمُعَاوَضَةِ، وَمِنْهَا الْإِبْرَاءُ، بِخِلَافِ وَكِيلِ الزَّوْجِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِبْرَاءُ مُطْلَقًا (وَإِنْ شَرَطَا) أَيْ: الْحَكَمَانِ (مَا) أَيْ: شَرْطًا (لَا يُنَافِي نِكَاحًا) كَإِسْكَانِهِمَا بِمَحِلِّ كَذَا، وَأَنْ لَا يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى عَلَيْهِ وَنَحْوَهُ؛ (لَزِمَ) الشَّرْطُ، وَلَعَلَّهُمْ نَزَّلُوا هَذِهِ الْحَالَةَ مَنْزِلَةَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لِحَاجَةِ الْإِصْلَاحِ، وَإِلَّا فَمَحِلُّ الْمُعْتَبَرِ مِنْ الشُّرُوطِ صُلْبُ الْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) بِأَنْ شَرَطَا مَا يُنَافِي نِكَاحًا (فَلَا) يَلْزَمُ ذَلِكَ (كَتَرْكِ قَسْمٍ أَوْ) تَرْكِ (نَفَقَةٍ) أَوْ وَطْءٍ أَوْ سَفَرٍ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَنَحْوَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 (وَإِنْ رَضِيَ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِشَرْطِ مَا يُنَافِي نِكَاحًا (الْعَوْدُ) أَيْ: الرُّجُوعُ عَنْ الرِّضَا بِهِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ (وَلَا يَنْقَطِعْ نَظَرُهُمَا) أَيْ الْحَكَمَيْنِ (بِغَيْبَةِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ) غَيْبَةِ (أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَنْقَطِعُ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ (وَيَنْقَطِعُ) نَظَرُهُمَا (بِجُنُونِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (أَوْ) جُنُونِ (أَحَدِهِمَا وَنَحْوِهِ) أَيْ: الْجُنُونِ (مِمَّا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ كَحَجْرٍ لِسَفَهٍ) كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْوَكَالَةِ. [كِتَابُ الْخُلْعِ] ِ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ، يُقَالُ: خَلَعَ امْرَأَتَهُ خُلْعًا، وَخَالَعَهَا مُخَالَعَةً، وَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ هِيَ فَهِيَ خَالِعٌ، وَأَصْلُهُ مِنْ خَلَعَ الثَّوْبَ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَنْخَلِعُ مِنْ لِبَاسِ زَوْجِهَا قَالَ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] . (وَهُوَ فِرَاقُ) الزَّوْجِ (الزَّوْجَةَ بِعِوَضٍ) يَأْخُذُهُ الزَّوْجُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ) وَفَائِدَتُهُ: تَخْلِيصُهَا مِنْ الزَّوْجِ: عَلَى وَجْهٍ لَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا إلَّا بِرِضَاهَا. (وَيُبَاحُ) الْخُلْعُ (لِسُوءِ عِشْرَةٍ) بَيْنَ زَوْجَيْنِ بِأَنْ صَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَارِهًا لِلْآخَرِ لَا يُحْسِنُ صُحْبَتَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] . (وَ) يُبَاحُ الْخُلْعُ (لِمُبْغِضَةٍ) زَوْجَهَا (لِخُلُقِهِ أَوْ خَلْقِهِ) أَيْ: صُورَتِهِ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْبَاطِنَةِ (وَتَخْشَى أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ) ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «جَاءَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بْنِ شَمَّاسٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ مِنْ خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنْ أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. فَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ دَلِيلُ إبَاحَتِهِ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ. (وَتُسَنُّ) لَهُ (إجَابَتُهَا) إنْ سَأَلَتْهُ الْخُلْعَ عَلَى عِوَضٍ (حَيْثُ أُبِيحَ) الْخُلْعُ، لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ قَيْسٍ بِقَوْلِهِ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً (إلَّا مَعَ مَحَبَّتِهِ لَهَا فَيُسَنُّ صَبْرُهَا) عَلَيْهِ (وَعَدَمُ افْتِدَائِهَا) مِنْهُ دَفْعًا لِضَرَرِهِ، وَلَا تَفْتَقِرُ صِحَّةُ الْخُلْعِ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ نَصًّا. (وَيُكْرَهُ) الْخُلْعُ مَعَ اسْتِقَامَتِهِ؛ لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ، وَلِأَنَّهُ عَبَثٌ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (مَعَ اسْتِقَامَةٍ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] . (وَيَحْرُمُ) الْخُلْعُ (وَلَا يَصِحُّ إنْ عَضَلَهَا) أَيْ: ضَيَّقَ عَلَيْهَا (بِمَنْعِ حَقٍّ أَوْ ضَرْبٍ) أَوْ مَنَعَهَا حُقُوقَهَا مِنْ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ ظُلْمًا، أَوْ ضَرَبَهَا (لِتَخْتَلِعَ) مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19] الْآيَةَ وَلِأَنَّ مَا تَفْتَدِي بِهِ نَفْسَهَا مَعَ ذَلِكَ عِوَضٌ أُكْرِهَتْ عَلَى بَذْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ مِنْهَا لِلنَّهْيِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ؛ (وَيَقَعُ) الْخُلْعُ فِي صُورَةِ الْعَضْلِ (رَجْعِيًّا) إنْ أَجَابَهَا (بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ) بِلَفْظِ خُلْعٍ أَوْ مَعَ (نِيَّتِهِ) أَيْ: نِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَلَا تَبِينُ مِنْهُ؛ لِفَسَادِ الْعِوَضِ. (وَيُبَاحُ ذَلِكَ) أَيْ: عَضْلُ الزَّوْجِ لَهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ (مَعَ زِنَاهَا) نَصًّا، وَالْخُلْعُ صَحِيحٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّهْيِ إبَاحَةٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ تُلْحِقَ بِهِ وَلَدًا مِنْ غَيْرِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 (وَإِنْ أَدَّبَهَا لِنُشُوزٍ أَوْ تَرْكِ فَرْضٍ) كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ (فَخَالَعَتْهُ لِذَلِكَ؛ جَازَ وَصَحَّ) الْخُلْعُ، وَأُبِيحَ لَهُ عِوَضُهُ؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ. [فَائِدَةٌ الْخُلْعُ فِي الْحَيْضِ] فَائِدَةٌ: وَلَا بَأْسَ بِالْخُلْعِ فِي الْحَيْضِ إذَا كَانَ بِسُؤَالِهَا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِدْخَالِهَا ضَرَرَ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَى نَفْسِهَا، وَلَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ حَيْثُ كَانَ بِسُؤَالِهَا وَكَذَا الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (وَيَلْزَمُ مِمَّنْ يَقَعُ طَلَاقُهُ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا كَبِيرًا، أَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الطَّلَاقَ وَهُوَ مُجَرَّدُ إسْقَاطٍ لَا تَحْصِيلَ فِيهِ فَلَأَنْ يَمْلِكَهُ مُحَصِّلًا لِعِوَضٍ أَوْلَى. وَشَمَلَ كَلَامُهُ الْحَاكِمَ فِي الْإِيلَاءِ وَنَحْوِهِ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يَصِحُّ مِمَّنْ طَلَاقُهُ بِالْمِلْكِ أَوْ الْوَكَالَةِ أَوْ الْوِلَايَةِ كَالْحَاكِمِ فِي الشِّقَاقِ، وَكَذَا لَوْ فَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِيلَاءِ أَوْ الْعُنَّةِ أَوْ الْإِعْسَارِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَمْلِكُ الْحَاكِمُ فِيهَا الْفُرْقَةَ. (وَ) يَصِحُّ (بَذْلُ عِوَضِهِ) أَيْ: الْخُلْعِ (مِنْ) كُلِّ (مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ) وَهُوَ الْمُكَلَّفُ غَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ؛ أَشْبَهَ التَّبَرُّعَ، سَوَاءٌ كَانَ بَذْلُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَلَوْ مِمَّنْ شَهِدَا بِطَلَاقِهِ) أَيْ: الزَّوْجَةَ (وَرُدَّا) أَيْ: رَدَّ شَهَادَتَهُمَا الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِهَا كَبَذْلِ أَجْنَبِيٍّ فِي افْتِدَاءِ أَسِيرٍ، وَكَشِرَاءِ الشَّاهِدَيْنِ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا بِعِتْقِهِ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ شِرَاؤُهَا إيَّاهُ، وَيُعْتَقُ عَلَيْهِمَا؛ لِاعْتِرَافِهِمَا بِحُرِّيَّتِهِ. (فَيَصِحُّ) قَوْلُ رَشِيدٍ لِزَوْجِ امْرَأَةٍ (اخْلَعْهَا عَلَى كَذَا عَلَيَّ أَوْ) اخْلَعْهَا عَلَى كَذَا (عَلَيْهَا وَأَنَا ضَامِنٌ) فَإِنْ أَجَابَهُ الزَّوْجُ صَحَّ، وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ لِالْتِزَامِهِ لَهُ (وَلَا يَلْزَمُهَا) أَيْ: الْمَرْأَةَ الْعِوَضُ (إنْ لَمْ تَأْذَنْ) لِلْأَجْنَبِيِّ بِشَيْءٍ مِمَّا اخْتَلَعَا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَذِنَتْهُ لَزِمَهَا، لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهَا. (وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ) الْأَجْنَبِيُّ (حَيْثُ سُمِّيَ الْعِوَضُ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ) الْخُلْعُ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ الْبَذْلُ. (وَيَصِحُّ سُؤَالُهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا الْخُلْعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 (عَلَى مَالِ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ غَيْرِ زَوْجِهَا، وَلَوْ قَرِيبًا لِأَحَدِهِمَا (بِإِذْنِهِ) لَهَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا وَكِيلَةٌ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي مُخَالَعَةِ الزَّوْجِ بِمَالِ الْأَجْنَبِيِّ إنْ سَأَلَتْ زَوْجَهَا أَنْ يَخْلَعَهَا عَلَى مَالِ أَجْنَبِيٍّ (بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ (إنْ ضَمِنَتْهُ) بِأَنْ قَالَتْ: اخْلَعْنِي عَلَى عَبْدِ زَيْدٍ، وَأَنَا ضَامِنَتُهُ، صَحَّ الْخُلْعُ، وَلَزِمَهَا الْعِوَضُ؛ لِأَنَّهَا بَاذِلَةٌ لِلْبَدَلِ وَمَالُهُ لَاغٍ (وَإِلَّا) تَضْمَنْهُ (لَمْ يَصِحَّ) الْخُلْعُ؛ لِتَصَرُّفِهَا فِي مَالِ غَيْرِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَيَقْبِضُ الْعِوَضَ) أَيْ عِوَضَ الْخُلْعِ (زَوْجٌ حُرٌّ رَشِيدٌ وَمَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ وَمُكَاتِبٌ) لِأَهْلِيَّتِهِمْ وَيَقْبِضُهُ (وَوَلِيُّ صَغِيرٍ وَ) وَلِيُّ (سَفِيهٍ وَسَيِّدُ قِنٍّ، لَا هُمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي نِهَايَتِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْبُلْغَةِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمَذْهَبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِمْ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ " وَصَاحِبُ " الْمُنَوِّرِ " وَغَيْرُهُمْ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الْقَبْضِ مِمَّنْ يَصِحُّ خُلْعُهُ. (وَ) إنْ قَالَ أَبُو امْرَأَةٍ لِزَوْجِهَا (طَلِّقْ بِنْتِي وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ مَهْرِهَا فَفَعَلَ) أَيْ: طَلَّقَهَا (فَ) الطَّلَاقُ (رَجْعِيٌّ) لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ (وَلَمْ يَبْرَأْ) الزَّوْجُ مِنْ مَهْرِهَا بِإِبْرَاءِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ (وَلَمْ يَرْجِعْ) الزَّوْجُ (عَلَى الْأَبِ) لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِمَّا لَيْسَ لَهُ، أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ (وَلَا تَطْلُقُ) الزَّوْجَةُ (إنْ قَالَ) الزَّوْجُ بَعْدَ بَرَاءَةِ أَبِيهَا لَهُ (طَلَّقْتُهَا إنْ بَرِئْتُ) أَنَا (مِنْهُ) أَيْ مَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ. (وَلَوْ قَالَ) زَوْجٌ لِأَبِي زَوْجَتِهِ (إنْ أَبْرَأْتَنِي أَنْتِ) مِنْهُ أَيْ: مَهْرِ ابْنَتك (فَهِيَ طَالِقٌ فَأَبْرَأَهُ) أَبُوهَا مِنْهُ (لَمْ تَطْلُقْ) رَشِيدَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْ مَهْرِهَا، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ بِبَرَاءَةِ أَبِيهَا (مَا لَمْ يَرُدَّ) الزَّوْجُ (صُورَةَ الْبَرَاءَةِ) فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِ اللَّفْظِ، كَقَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتِنِي خَمْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: هِيَ طَالِقٌ إنْ بَرِئْتُ مِنْ صَدَاقِهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِعَدَمِ الْبَرَاءَةِ، فَلَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، (أَوْ) مَا لَمْ (يَقُلْ) الْأَبُ (طَلِّقْهَا عَلَى أَلْفٍ مِنْ مَالِهَا وَعَلَيَّ الدَّرَكُ) فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ (فَ) إنَّهَا (تَبِينُ) بِذَلِكَ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ عَلَى عِوَضٍ، وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 مَا لَزِمَ الْأَبَ مِنْ ضَمَانِ الدَّرْكِ (وَيَضْمَنُ) الْأَبُ، وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُهَا مِنْ مَالِهَا، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى ابْنَتِهِ إلَّا إنْ أَذِنَتْ، وَكَانَتْ رَشِيدَةً كَالْأَجْنَبِيِّ. (وَلَيْسَ لِأَبِ صَغِيرَةٍ أَنْ تُخَالِعَ) زَوْجَهَا (مِنْ مَالِهَا) كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمَذْهَبِ " وَ " مَسْبُوكِ الذَّهَبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمْ (وَلَوْ لِحَظٍّ) فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْهِمَا وَابْنُ عَقِيلٍ فِي " الْفُصُولِ " وَهُوَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا فِي " الْمَنْهَجِ " وَصَوَّبَهَا فِي " الْإِنْصَافِ " مَعَ أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهَا (وَلَا لِأَبِ) زَوْجٍ (صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ أَوْ سَيِّدِهِمَا) كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (أَنْ يَخْلَعَا أَوْ يُطَلِّقَا عَنْهُمَا) أَيْ: الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُمَا فِيهِ، وَلِحَدِيثِ: «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» . (وَإِنْ خَالَعَتْ عَلَى شَيْءٍ أَمَةٌ) زَوْجَهَا، وَلَوْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً (بِلَا إذْنِ سَيِّدِ) هَا؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ صَحَّ؛ إذْ الْعِوَضُ مِنْهُ لِأَمَتِهَا، وَتُسَلِّمُهُ مُكَاتَبَةٌ مَأْذُونَةٌ مِمَّا فِي يَدِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهَا شَيْءٌ فَهُوَ عَلَى سَيِّدِهَا (أَوْ) خَالَعَتْ زَوْجَهَا (مَحْجُورَةٌ لِسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ؛ لَمْ يَصِحَّ) الْخُلْعُ (وَلَوْ أَذِنَ فِيهِ وَلِيٌّ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا إذْنَ لِلْوَلِيِّ فِي التَّبَرُّعَاتِ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) مَرْجُوحٌ (وَ) إنْ خَالَعَتْ الْأَمَةُ (بِإِذْنِ سَيِّدِهَا وَ) كَانَ حِينَ الْإِذْنِ (أَطْلَقَ) فَلَمْ يُعَيِّنْ لَهَا شَيْئًا، وَلَا بَيَّنَ لَهَا قَدْرًا؛ مَلَكَتْ الْمُخَالَعَةَ بِالْمُسَمَّى إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَلَهَا أَنْ تُخَالِعَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا (فَ) إنْ (زَادَتْ عَلَى) الْمُسَمَّى أَوْ (مَهْرِ مِثْلِهَا فَ) الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ (بِذِمَّتِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِاسْتِدَانَةِ فَفَعَلَتْ، وَ (لَا يَتَعَلَّقُ الزَّائِدُ بِرَقَبَتِهَا) ؛ لِأَنَّهَا مَأْذُونَةٌ مِنْ السَّيِّدِ، كَذَا قَالَ وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". وَإِنْ خَالَعَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 مَلَكَهُ، وَإِنْ أَذِنَ فِي قَدْرٍ مِنْ الْمَالِ فَخَالَعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ؛ فَالزِّيَادَةُ فِي ذِمَّتِهَا، وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ اقْتَضَى الْخُلْعَ بِالْمُسَمَّى لَهَا، وَإِنْ خَالَعَتْ بِهِ أَوْ بِمَا دُونَهُ لَزِمَ السَّيِّدَ، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ تَعَلَّقَتْ الزِّيَادَةُ بِذِمَّتِهَا، كَمَا لَوْ عَيَّنَ لَهَا قَدْرًا فَخَالَعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَأْذُونًا لَهَا فِي التِّجَارَةِ سَلَّمَتْ الْعِوَضَ مِمَّا فِي يَدِهَا، انْتَهَيَا. وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَاهُ (وَلَا يَبْطُلُ إبْرَاءُ مَنْ) خَالَعَتْ زَوْجَهَا عَلَى بَرَاءَتِهَا لَهُ ثُمَّ (ادَّعَتْ نَحْوَ سَفَهٍ حَالَتَهُ) أَيْ: الْخُلْعَ (بِلَا بَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِسَفَهِهَا أَوْ جُنُونِهَا حَالَتَهُ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الْفَسَادَ، وَالْأَصْلُ الصِّحَّةُ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا لِفَلَسٍ) عَلَى مَالٍ (فِي ذِمَّتِهَا) لِأَنَّ لَهَا ذِمَّةً يَصِحُّ تَصَرُّفُهَا فِيهَا (وَ) لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهَا حَالَ حَجْرِهَا، كَمَا لَوْ اسْتَدَانَتْ مِنْ إنْسَانٍ فِي ذِمَّتِهَا أَوْ بَاعَهَا شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهَا، بَلْ (تُطَالَبُ بِمَا خَالَعَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ فَكِّهِ) أَيْ: بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهَا وَإِيسَارِهَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ خَالَعَتْ بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ. [فَصْلٌ الْخُلْعُ فَسْخٌ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ طَلَاقٍ] فَصْلٌ (وَالْخُلْعُ فَسْخٌ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ طَلَاقٍ حَيْثُ وَقَعَ بِصِيغَتِهِ) وَلَوْ لَمْ يَنْوِ بِهِ خُلْعًا، وَرُوِيَ كَوْنُهُ فَسْخًا لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 وَعِكْرِمَةَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ مُتَقَدِّمِهِمْ وَمُتَأَخِّرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ثُمَّ قَالَ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 230] فَذَكَرَ طَلْقَتَيْنِ وَالْخُلْعَ وَتَطْلِيقَةً بَعْدَهُمَا فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَكَانَ أَرْبَعًا، وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ خَلَتْ عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ فَكَانَتْ فَسْخًا كَسَائِرِ الْفُسُوخِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَعَلَيْهِ دَلَّ كَلَامُ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ، وَمُرَادُهُ مَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْتُ أَبِي يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ صَحَّ عَنْهُ مَا أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ. وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ الْخُلْعَ تَفْرِيقٌ بِطَلَاقٍ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ بِكُلِّ حَالٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، قَالَ: لَيْسَ لَنَا فِي الْبَابِ شَيْءٌ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَسْخٌ (وَ) لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ مَا (لَمْ يَنْوِ) بِهِ (طَلَاقًا) فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ؛ وَقَعَ طَلَاقًا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " الْخُلْعُ بِصَرِيحِ طَلَاقٍ أَوْ نِيَّةِ طَلَاقٍ بَائِنٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَائِنًا؛ لَمَلَكَ الرَّجْعَةَ، وَكَانَتْ تَحْتَ حُكْمِهِ وَقَبْضَتِهِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ إزَالَةُ الضَّرَرِ عَنْهَا، فَلَوْ جَازَتْ الرَّجْعَةُ لَعَادَ الضَّرَرُ. (وَصِيغَتُهُ) أَيْ: صِيغَةُ الْخُلْعِ (الصَّرِيحَةُ فَسَخْتُ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَخَالَعْتُ وَفَادَيْتُ) قَوْلًا وَاحِدًا (وَكِنَايَاتُهُ) أَيْ الْخُلْعِ (بَارَئْتُكِ وَأَبْرَأْتُكِ وَأَبَنْتُكِ) ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْفُرْقَةِ، فَكَانَ لَهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ كَالطَّلَاقِ (فَمَعَ سُؤَالِ) الْخُلْعِ (وَبَذْلِ عِوَضٍ يَصِحُّ) الْخُلْعُ (بِلَا نِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ مِنْ سُؤَالِ الْخُلْعِ وَبَذْلِ الْعِوَضِ صَارِفَةٌ إلَيْهِ، فَأَغْنَتْ عَنْ النِّيَّةِ فِيهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ سُؤَالٌ وَلَا بَذْلُ عِوَضٍ (فَلَا بُدَّ مِنْهَا) أَيْ: النِّيَّةِ (فِي كِنَايَةِ) خُلْعٍ كَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ (وَتُعْتَبَرُ الصِّيغَةُ مِنْهُمَا) أَيْ: الْمُتَخَالِعَيْنِ (فَلَا خُلْعَ بِمُجَرَّدِ بَذْلِ مَالٍ وَقَبُولِهِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْفُرْقَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِدُونِ لَفْظٍ كَالطَّلَاقِ بِعِوَضٍ، وَلِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ قَبْضٌ لِعِوَضٍ، فَلَمْ يَقُمْ بِمُجَرَّدِهِ مَقَامَ الْإِيجَابِ كَقَبْضِ إحْدَى الْعِوَضَيْنِ فِي الْبَيْعِ، وَحَدِيثُ جَمِيلَةِ امْرَأَةِ ثَابِتٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ: «اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» وَفِي رِوَايَةٍ: وَأَمَرَهُ " فَفَارَقَهَا "، وَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْفُرْقَةَ فَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِصَّةِ. ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرُوا مَنْ جَانَبَا لَفْظًا وَلَا دَلَالَةَ حَالٍ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ اتِّفَاقًا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَ) الصِّيغَةُ (مِنْهُ) أَيْ الزَّوْجِ (خَلَعْتُكِ وَنَحْوُهُ) كَ فَسَخْتُ نِكَاحَكِ (عَلَى كَذَا) وَالصِّيغَةُ (مِنْهَا قَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ وَنَحْوُهُ) سَوَاءٌ قُلْنَا: الْخُلْعُ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٌ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ: أَنَّهُ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ طَلَاقٌ حُسِبَ وَنَقَصَ بِهِ عَدَدُ طَلَاقِهِ، وَإِنْ قِيلَ: هُوَ فَسْخٌ لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَالَعَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (بِكُلِّ لُغَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) أَهْلِ اللُّغَةِ كَالطَّلَاقِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ لِأَنَّهَا الْمَوْضُوعَةُ لَهُ فِي لِسَانِهِمْ فَأَشْبَهَتْ الْمَوْضُوعَ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ الْخُلْعِ مِنْ غَيْرِ عَرَبِيٍّ بِلُغَتِهِ (وَلَوْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ) لِأَنَّ لَفْظَهُ بِلُغَتِهِ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْخُلْعِ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَصَحَّ مِنْهُ كَغَيْرِهِ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَ (لَا) يَصِحُّ الْخُلْعُ (هَزْلًا) إلَّا أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ نِيَّتِهِ فَإِنْ تَخَالَعَا هَازِلَيْنِ بِغَيْرِ لَفْظِ طَلَاقٍ وَلَا نِيَّةٍ، فَلَغْوٌ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ (مُعَلَّقًا) عَلَى شَرْطٍ (كَ) قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ (إنْ قَدِمَ زَيْدٌ، أَوْ بَذَلْتِ لِي كَذَا فَقَدْ خَلَعْتُكِ) وَلَوْ بَذَلَتْ لَهُ مَا سَمَّاهُ، إلْحَاقًا لَهُ بِعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِاشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فِيهِ. (وَيَلْغُو شَرْطُ رَجْعَةٍ) فِي خُلْعٍ كَقَوْلِهِ خَالَعْتكِ عَلَى كَذَا بِشَرْطِ أَنَّ لِي رَجْعَتَكِ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ مَا شِئْتُ (أَوْ) أَيْ: وَيَلْغُو شَرْطُ (خِيَارٍ فِي خُلْعٍ) كَقَوْلِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 خَالَعْتكِ عَلَى كَذَا بِشَرْطِ أَنَّ لِي الْخِيَارَ أَوْ عَلَى أَنَّ لِي الْخِيَارَ إلَى كَذَا، أَوْ يُطَلِّقُ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ (دُونَهُ) أَيْ: الْخُلْعِ فَلَا يَلْغُو بِذَلِكَ كَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ (وَيَسْتَحِقُّ) الزَّوْجُ الْعِوَضَ (الْمُسَمَّى فِيهِ) أَيْ الْخُلْعَ بِشَرْطِ الرَّجْعَةِ أَوْ الْخِيَارِ؛ لِصِحَّةِ الْخُلْعِ وَتَرَاضِيهِمَا عَلَى عِوَضِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ خَلَا عَنْ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ. (وَلَا يَقَعُ بِمُعْتَدَّةٍ مِنْ خُلْعٍ طَلَاقٌ، وَلَوْ وُجِّهَتْ بِهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمَا، وَبِذَلِكَ قَالَ عِكْرِمَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَلِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ؛ فَلَمْ يَلْحَقْهَا طَلَاقُهُ كَالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَاَلَّتِي انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِضْعَهَا، فَلَمْ يَلْحَقْهَا طَلَاقُهُ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَحَدِيثُ: «الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ، وَلَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. (وَمَنْ خُولِعَ جُزْءٌ مِنْهَا) مُشَاعًا كَانَ (كَنِصْفِهَا أَوْ) مُعَيَّنًا (كَيَدِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ. [تَنْبِيهٌ شُرُوطُ الْخُلْع تِسْعٌ] (تَنْبِيهٌ: شُرُوطُ خُلْعٍ تِسْعٌ بَذْلُ عِوَضٍ مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ) وَهُوَ الرَّشِيدُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَزَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ) وَلَوْ مُمَيِّزًا، وَأَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ مِنْ (غَيْرِ هَازِلَيْنِ) فَلَوْ كَانَ مِنْ هَازِلَيْنِ، لَمْ يَصِحَّ، وَتَقَدَّمَ (وَعَدَمُ عَضْلِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ عَلَى بَذْلِ الْعِوَضِ (فَإِنْ بَذَلَتْهُ) بِاخْتِيَارِهَا، صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا (وَوُقُوعُهُ) أَيْ: الْخُلْعِ (بِصِيغَتِهِ) مِنْ الصِّيَغِ السَّابِقَةِ (وَعَدَمُ نِيَّةِ) طَلَاقٍ مِنْ الزَّوْجِ (وَتَنْجِيزُهُ) فَلَا يَصِحُّ مُعَلَّقًا (وَوُقُوعُهُ) أَيْ: الْخُلْعِ (عَلَى جَمِيعِ الزَّوْجَةِ) وَعَدَمُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ طَلَاقٍ (كَمَا يَأْتِي) فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ آخِرِ الْخُلْعِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 [فَصْلٌ لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ إلَّا بِعِوَضٍ] فَصْلٌ (وَلَا يَصِحُّ) الْخُلْعُ (إلَّا بِعِوَضٍ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ، وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ فَسْخَ النِّكَاحِ بِخِلَافِهِ بِلَا مُقْتَضَى؛ بِخِلَافِهِ عَلَى عِوَضٍ، فَيَصِيرُ مُعَاوَضَةً، فَلَا يَجْتَمِعُ لَهُ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ، وَلَوْ قَالَتْ: بِعْنِي عَبْدَكَ فُلَانًا؛ وَاخْلَعْنِي بِكَذَا، فَفَعَلَ؛ صَحَّ، وَكَانَ بَيْعًا وَخُلْعًا بِعِوَضٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ يَصِحُّ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِعِوَضٍ، فَصَحَّ جَمْعُهُمَا كَبَيْعِ ثَوْبَيْنِ (وَكُرِهَ) خُلْعُ زَوْجَتِهِ (بِأَكْثَرَ مِمَّا آتَاهَا) رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ جَمِيلَةَ: وَلَا تَزْدَدْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُخْتَلِعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ. وَلِأَنَّهُ بَذْلٌ فِي مُقَابَلَةِ فَسْخٍ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَدْرِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَالْعِوَضِ فِي الْإِقَالَةِ، وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَقَالَتْ الرُّبَيِّعِ بِنْتُ مُعَوِّذٍ «اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي بِمَا دُونَ عِقَاصِ رَأْسِي، فَأَجَازَ ذَلِكَ» . (وَهُوَ) أَيْ: الْخُلْعُ (عَلَى مُحَرَّمٍ يَعْلَمَانِهِ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) كَخُلْعٍ (بِلَا عِوَضٍ) فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ بِالْبِضْعِ وَخُرُوجُ الْبِضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فَإِذَا رَضِيَ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ نَجَّزَ طَلَاقَهَا أَوْ عَقَلَهُ عَلَى فِعْلِهَا شَيْئًا، فَفَعَلَتْهُ، وَفَارَقَ النِّكَاحَ فَإِنَّ دُخُولَ الْبِضْعِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ، وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَبَانَ حُرًّا، فَلَمْ يَرْضَ بِغَيْرِ عِوَضٍ مُتَقَوِّمٍ، فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ بِحُكْمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 الْغَرَرِ (فَيَقَعُ) خَلَلٌ عَلَى مُحَرَّمٍ يَعْلَمَانِهِ (رَجْعِيًّا بِنِيَّةِ طَلَاقٍ) لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا نَوَاهُ وَقَعَ، وَقَدْ خَلَا عَنْ الْعِوَضِ فَكَانَ رَجْعِيًّا، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا؛ فَلَغْوٌ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ) أَيْ الْعِوَضَ مُحَرَّمًا (وَيَتَّجِهُ أَوْ) عَلِمَ الْبَاذِلُ مِنْ زَوْجَةٍ وَغَيْرِهَا تَحْرِيمَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ (الزَّوْجُ) صَحَّ الْخُلْعُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ مِثَالُ ذَلِكَ (كَ) مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى (عَبْدٍ: فَبَانَ حُرًّا أَوْ) بَانَ الْعَبْدُ (مُسْتَحَقًّا) كَذَا عَلَى (عَصِيرٍ) فَبَانَ (خَمْرًا) أَوْ مُسْتَحَقًّا (صَحَّ) الْخُلْعُ (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (بَدَلُهُ) أَيْ: مِثْلُ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةُ الْمُتَقَوِّمِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مُعَاوَضَةٌ بِالْبِضْعِ فَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ (وَإِنْ بَانَ) نَحْوَ الْعَبْدِ الْمُخَالَعِ عَلَيْهِ (مَعِيبًا فَلَهُ أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَيَرُدُّهُ) كَالْبَيْعِ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ إنْ أَعْطَيْتَنِي خَمْرًا أَوْ مَيْتَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ ذَلِكَ طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِغَيْرِ شَيْءٍ (وَإِنْ) (تَخَالَعَ كَافِرَانِ بِمُحَرَّمٍ) كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ (ثُمَّ أَسْلَمَا) قَبْلَ قَبْضِهِ، (أَوْ) أَسْلَمَ (أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ: الْمُحَرَّمِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ الْمُخَالِعِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهَا بِالْخُلْعِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ (وَصَحَّ الْخُلْعُ) وَلَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ. (وَيَصِحُّ الْخُلْعُ عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ الْمُعَيَّنِ) مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا تَقْدِيرِهِ مُدَّةً (وَيَنْصَرِفُ) الرَّضَاعُ (لِحَوْلَيْنِ) إنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ وِلَادَةٍ (أَوْ) إلَى (تَتِمَّتِهِمَا) أَيْ: الْحَوْلَيْنِ إنْ كَانَ قَدْ مَضَى مِنْهُمَا شَيْءٌ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ. قَالَ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ» يَعْنِي: الْعَامَيْنِ (وَ) لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (أَوْ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 خَالَعَتْهُ عَلَى (كَفَالَتِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً) (أَوْ) خَالَعَتْهُ (عَلَى نَفَقَتِهِ) أَيْ الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (أَوْ) خَالَعَتْهُ عَلَى (سُكْنَى دَارِهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً) صَحَّ الْخُلْعُ (فَلَوْ لَمْ تَنْتَهِ) الْمُدَّةُ (حَتَّى انْهَدَمَتْ) الدَّارُ الْمُخَالَعُ عَلَى سُكْنَاهَا (أَوْ جَفَّ لَبَنُهَا) أَيْ: الْمُخَالَعَةِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ (أَوْ مَاتَتْ) مَنْ خَالَعَتْهُ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ أَوْ كَفَالَتِهِ أَوْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ (أَوْ) مَاتَ (الْوَلَدُ رَجَعَ) الزَّوْجُ عَلَيْهَا فِي صُورَةِ الِانْهِدَامِ وَالْجَفَافِ وَمَوْتِ الْوَلَدِ وَعَلَى تَرِكَتِهَا فِي صُورَةِ مَوْتِهَا (بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ) عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مُعَيَّنٌ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَوَجَبَ بَدَلُهُ كَمَا لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى قَفِيزٍ؛ فَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) أَيْ: مِثْلِ الْإِرْضَاعِ أَوْ الْكَفَالَةِ أَوْ السُّكْنَى أَوْ بَدَلِ النَّفَقَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْكَافِي " وَيَأْخُذُ بَدَلَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُؤْنَةِ (يَوْمًا فَيَوْمًا) لِأَنَّهُ ثَبَتَ كَذَلِكَ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ مُعَجَّلًا، كَمَنْ أَسْلَمَ فِي نَحْوِ خُبْزٍ يَأْخُذُهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً، وَلِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَتَعَجَّلُ بِمَوْتِ الْمُسْتَوْفِي، كَمَا لَوْ مَاتَ وَكِيلُ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ إنْ وَثِقَ الْوَرَثَةُ بِرَهْنٍ يُحْرَزُ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ، وَإِلَّا فَلَهُ أَخْذُهُ مُعَجَّلًا كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا يَلْزَمُهَا) إنْ مَاتَ الْوَلَدُ (كَفَالَةُ بَدَلِهِ أَوْ إرْضَاعُهُ) أَيْ: إرْضَاعُ بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدٌ عَلَى فِعْلِ عُيِّنَ، فَيَنْفَسِخُ بِتَلَفِهَا، كَمَا لَوْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ، الْمُسْتَأْجَرَةُ، وَلِأَنَّ مَا يَسْتَوْفِيهِ مِنْ اللَّبَنِ إنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِحَاجَةِ الصَّبِيِّ، وَحَاجَاتُ الصِّبْيَانِ تَخْتَلِفُ، وَلَا تَنْضَبِطُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، كَمَا لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ الْوَلَدِ (وَلَا يُعْتَبَرُ) لِصِحَّةِ الْخُلْعِ عَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (تَقْدِيرُ نَفَقَةٍ وَوَصْفُهَا) فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الطَّعَامِ وَجِنْسُهُ، وَلَا قَدْرُ الْأُدْمِ وَجِنْسُهُ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِقِصَّةِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَحِمَ اللَّهُ أَخِي أَجَّرَ نَفْسَهُ بِطَعَامِ بَطْنِهِ وَعِفَّةِ فَرْجِهِ» وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مُسْتَحَقَّةٌ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ كَذَا هَا هُنَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ مُدَّةَ الرَّضَاعِ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَصِفَةَ النَّفَقَةِ، بِأَنْ يَقُولَ: تُرْضِعِينَهُ مِنْ الْعَشْرِ سِنِينَ حَوْلَيْنِ أَوْ أَقَلَّ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 وَيَذْكُرَ مَا يَقْتَاتُهُ الْوَلَدُ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ إدَامٍ، فَيَقُولُ حِنْطَةٌ أَوْ غَيْرُهَا كَذَا وَكَذَا قَفِيزًا وَيَذْكُرَ جِنْسَ الْأُدْمِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مُدَّةَ الرَّضَاعِ وَلَا قَدْرَ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ، صَحَّ الْخُلْعُ؛ (وَيَرْجِعُ) إذَا تَنَازَعَا فِي الْمُدَّةِ وَالْجِنْسِ وَالْقَدْرِ (لِعُرْفٍ وَعَادَةٍ) كَالزَّوْجَةِ وَالْأَجِيرِ؛ فَمُدَّةُ الرَّضَاعِ إلَى حَوْلَيْنِ، وَالنَّفَقَةُ مَا يَسْتَعْمِلُهُ مِثْلُهُ، (وَلِلْوَالِدِ أَخْذُ نَفَقَتِهِ) أَيْ: الْوَلَدِ (مِنْهَا) أَيْ: الْمَخْلُوعَةِ (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى وَلَدِهِ (مِنْ عِنْدِهِ غَيْرَهَا) لِأَنَّهُ بَدَلٌ ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهَا؛ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (عَلَى نَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ) لَهَا بِذِمَّتِهِ كَسَائِرِ دُيُونِهَا عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ خُلْعٌ (مِنْ حَامِلٍ عَلَى نَفَقَةِ حَمْلِهَا) لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مَوْجُودٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهَا كَمَسْأَلَةِ الْمَتَاعِ (وَتَسْقُطَانِ) أَيْ: النَّفَقَةُ الْمَاضِيَةُ وَنَفَقَةُ الْحَمْلِ بِالْخُلْعِ عَلَيْهِمَا كَدَيْنٍ لَهَا خَالَعَتْهُ (وَلَوْ طَلَبَ مُخَالَعَتَهَا فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ حَمْلِهَا) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (بَرِيءَ) الزَّوْجُ مِنْهَا، وَكَذَا لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ أَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ حَمْلِهَا، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلِلْوَلَدِ، بِأَنْ جَعَلَتْ ذَلِكَ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ؛ صَحَّ الْخُلْعُ (إلَى فِطَامِهِ، فَإِذَا فَطَمَتْهُ؛ فَلَهُ طَلَبُهُ بِنَفَقَتِهِ) لِأَنَّهَا قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِمَّا يَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ، فَإِذَا فَطَمَتْهُ لَمْ تَكُنْ النَّفَقَةُ لَهَا، فَلَهَا طَلَبُهَا مِنْهُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَوْ) خَالَعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بَعْدَ أَنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ، حَمْلِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، وَأَرْضَعَتْهُ مُدَّةً، ثُمَّ (مَاتَ) الْوَلَدُ (قَبْلَ فِطَامِهِ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) لِأَنَّهَا هُنَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ شَيْءٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَكَفَّلَتْ الْوَلَدَ، وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْكَفَالَةِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ لِكَفَالَةِ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ، وَتَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 (فَرْعٌ أَفْتَى ابْنُ نَصْرٍ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقٍ عُلِّقَ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ) الْمُسْتَقْبَلَةِ (وَ) مِنْ (نَفَقَةِ الْعِدَّةِ) ، كَأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: إنْ أَبْرَأْتِنِي مِمَّا سَيَجِبُ لَكِ عَلَيَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ؛ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ (لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهَا) أَيْ: النَّفَقَةِ (إلَّا بَعْدَ وُجُوبِهَا) بِالْعِدَّةِ (وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ إلَّا بِالطَّلَاقِ) الْمُعَلَّقِ عَلَى الْبَرَاءَةِ، وَحِينَ أَبْرَأَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ تُبْرِئُهُ مِنْهُ، فَكَأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ مَعْدُومٍ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَعْدُومِ لَا تَصِحُّ؛ فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا. [فَصْل الْخُلْعُ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ مَهْرًا لِجَهَالَةٍ] فَصْل (وَيَصِحُّ الْخُلْعُ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ مَهْرًا لِجَهَالَةٍ) كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا بِيَدِهَا أَوْ بَيْتِهَا (أَوْ غَرَرٌ) كَمَا لِأَنَّ الْخُلْعَ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ مِنْ الْبِضْعِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ شَيْءٍ، وَالْإِسْقَاطُ تَدْخُلُهُ الْمُسَامَحَةُ، وَلِهَذَا جَازَ بِلَا عِوَضٍ عَلَى رِوَايَةٍ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَأُبِيحَ لَهَا افْتِدَاءُ نَفْسِهَا، لِحَاجَتِهَا إلَيْهِ، فَوَجَبَ مَا رَضِيَتْ بِبَذْلِهِ، دُونَ مَا لَمْ تَرْضَهُ، (وَلَهُ مَا جَعَلَتْ مِنْ الْعِوَضِ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ الْمُنْتَظَرِ) وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (فَ) لِزَوْجٍ (مُخَالِعٍ عَلَى مَا بِيَدِهَا أَوْ بَيْتِهَا مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مَتَاعٍ مَا بِهِمَا) أَيْ: بِيَدِهَا أَوْ بَيْتِهَا مِنْ ذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) بِيَدِهَا (شَيْءٌ) مِنْ الدَّرَاهِمِ (فَلَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ؛ فَهِيَ الْمُتَيَقَّنَةُ (أَوْ) لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا لِشَيْءٍ مِنْ الْمَتَاعِ؛ فَلَهُ (مَا يُسَمَّى مَتَاعًا) كَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِهَا دُونَ الثَّلَاثِ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ. (وَ) إنْ خَالَعَهَا (عَلَى مَا تَحْمِلُ شَجَرَتُهَا وَ) مَا تَحْمِلُ (أَمَتُهَا) وَنَحْوُهَا (أَوْ مَا فِي بَطْنِهَا) أَيْ: الْأَمَةِ وَنَحْوِهَا؛ صَحَّ كَالْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ، وَلَهُ (مَا يَحْصُلُ) مِنْ ذَلِكَ، لَكِنَّ قِيَاسَ مَا سَبَقَ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 قِيمَةُ وَلَدِ الْأَمَةِ لِتَحْرِيمِ الْفُرْقَةِ (فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْهُ، وَجَبَ فِيهِ) مُطْلَقُ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ كَالْوَصِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي ضُرُوعِ مَاشِيَتِهَا وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْدُومٍ مُنْتَظَرٍ وُجُودُهُ، (وَ) يَجِبُ (فِيمَا) إذَا خَالَعَهَا عَلَى شَيْءٍ، (يُجْهَلُ مُطْلَقًا كَثَوْبٍ وَنَحْوِهِ) كَعَبْدٍ وَبَعِيرٍ وَشَاةٍ (مُطْلَقُ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ) لِأَنَّهَا خَالَعَتْهُ عَلَى مُسَمًّى مَجْهُولٍ، فَكَانَ لَهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْ ثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ وَثَوْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. لِصِدْقِ الِاسْمِ بِذَلِكَ (وَ) لَوْ خَالَعَهَا (عَلَى هَذَا الثَّوْبِ الْهَرَوِيُّ، فَبَانَ مَرْوِيًّا أَوْ) : بَانَ مَعِيبًا، أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ السِّنْدِيِّ فَبَانَ زِنْجِيًّا أَوْ مَعِيبًا (لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ) لِوُقُوعِ الْخُلْعِ عَلَى عَيْنِهِ. قَالَ فِي " الْمُطْلِعِ ": الْهَرَوِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى هَرَاةٍ كُورَةٍ مِنْ كَوْرِ الْعَجَمِ تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ، وَمَرْوِيٌّ - بِسُكُونِ الرَّاءِ - مَنْسُوبٌ إلَى مَرْوَ، وَهُوَ بَلَدٌ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ مَرُّوذِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَثَوْبٌ مَرْوِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ انْتَهَى. (وَ) وَإِنْ خَالَعَهَا (عَلَى عَبِيدٍ فَلَهُ ثَلَاثٌ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَبِيدِ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (عَلَى) ثَوْبٍ (هَرَوِيٌّ فِي الذِّمَّةِ) عَلَيْهَا أَنْ تُعْطِيَهُ سَلِيمًا؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ (وَيُخَيَّرُ إنْ أَتَتْهُ) بِثَوْبٍ (مَرْوِيٍّ بَيْنَ رَدِّهِ وَإِمْسَاكِهِ) وَكَذَا يُخَيَّرُ إنْ أَتَتْهُ بِهَرَوِيٍّ مَعِيبٍ أَوْ نَاقِصٍ صِفَةً شَرَطَتْهَا، لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بِذِمَّتِهَا سَلِيمٌ تَامُّ الصِّفَاتِ (وَقَبْضُ عِوَضِ خُلْعٍ وَ) عِوَضِ (طَلَاقٍ وَضَمَانُهُ) أَيْ: الْمَقْبُوضِ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ (وَعَدَمُهُ كَمَبِيعٍ) فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا أَوْ مَذْرُوعًا؛ فَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَإِنْ تَلِفَ الْمَكِيلُ وَنَحْوُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ فَلِلزَّوْجِ عِوَضُهُ، وَلَمْ يَنْفَسِخْ الْخُلْعُ بِتَلَفِهِ، وَإِنْ كَانَ عِوَضُ الْخُلْعِ غَيْرَ مَكِيلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ لِحَقِّ تَوَفَّيْهِ؛ دَخَلَ فِي ضَمَانِ الزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ الْخُلْعِ، وَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْقُودًا عَلَيْهِ بِالصِّفَةِ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ كَالْبَيْعِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 (وَلَوْ) (تَوَاطَأَ) الزَّوْجَانِ (عَلَى أَنْ تَهَبَهُ) الزَّوْجَةُ (الصَّدَاقَ أَوْ تُبْرِئَهُ) مِنْهُ إنْ كَانَ دَيْنًا أَوْ مِنْ نَحْوِ نَفَقَةٍ أَوْ قَرْضٍ (عَلَى أَنْ يَخْلَعَهَا أَوْ يُطَلِّقَهَا، فَأَبْرَأَتْهُ) مِنْهُ، أَوْ وَهَبَتْهُ الصَّدَاقَ إنْ كَانَ - عَيْنًا (ثُمَّ طَلَّقَهَا، كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا) لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ الْبَرَاءَةِ، فَيَكُونُ طَلَاقًا عَلَى عِوَضٍ (وَكَذَا) لَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ (أَبْرِئِينِي وَأَنَا أُطَلِّقُكِ) أَوْ إنْ أَبْرَأْتِنِي طَلَّقْتُكِ (وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ الَّتِي يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ سَأَلَ الْإِبْرَاءَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا) وَأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً لَا تَتَعَلَّقُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ) انْتَهَى؛ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ لَفْظًا وَمَعْنًى. [فَصْلٌ طَلَاقٌ مُنَجَّزٌ بَعُوضٍ أَوْ مُعَلَّقٌ عَلَى عِوَضٍ يُدْفَعُ لَهُ كَخُلْعٍ فِي إبَانَةٍ] فَصْلٌ (وَطَلَاقٌ) مُنَجَّزٌ بَعُوضٍ أَوْ مُعَلَّقٌ (عَلَى عِوَضٍ) يُدْفَعُ لَهُ (كَخُلْعٍ فِي إبَانَةٍ) لِبَذْلِ الْعِوَضِ فِي إبَانَتِهَا؛ أَشْبَهَ الْخُلْعَ (فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلُقَتْ مِنْهُ بَائِنًا بِأَيِّ عَبْدٍ) يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ، لَا نَحْوِ مَنْذُورٍ عِتْقُهُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ (أَعْطَتْهُ) لَهُ، لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا) ؛ لِجَوَازِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهِ (وَمَلَكَهُ) أَيْ مَلَكَ الزَّوْجُ الْعَبْدَ بِإِعْطَائِهَا إيَّاهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ خُرُوجِ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِهِ، وَالْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ وَالثَّوْبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمُبْهَمَاتِ كَالْعَبْدِ. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ أَعْطَيْتَنِي هَذَا الْعَبْدَ الْحَبَشِيَّ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا: إنْ أَعْطَيْتَنِي (هَذَا الثَّوْبَ الْهَرَوِيُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ إيَّاهُ) أَيْ: الْعَبْدَ فِي الْأُولَى، وَالثَّوْبَ فِي الثَّانِيَةِ (طَلُقَتْ) بَائِنًا؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 شَيْءَ لَهُ إنْ بَانَ) الْعَبْدُ أَوْ الثَّوْبُ (مَعِيبًا أَوْ) بَانَ الْعَبْدُ (زِنْجِيًّا، أَوْ) بَانَ الثَّوْبُ (مَرْوِيًّا) لِأَنَّهُ لَمْ تَلْزَمْ غَيْرَهُ وَتَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ (وَإِنْ بَانَ الْعَبْدُ مُسْتَحَقَّ الدَّمِ، فَقُتِلَ فَلَهُ أَرْشُ عَيْبِهِ) وَهُوَ هُنَا التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، كَمَا لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ عِنْدَ سَلَامَتِهِ يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَعِنْدَ جِنَايَتِهِ يُسَاوِي عَشَرَةً، فَيَكُونُ الْأَرْشُ خَمْسَةً، وَلَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ (وَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ أَوْ بَعْضُهُ) مَغْصُوبًا، أَوْ خَرَجَ الثَّوْبُ أَوْ بَعْضُهُ (مَغْصُوبًا) لَمْ تَطْلُقْ (أَوْ) قَالَ: إنْ أَعْطَيْتَنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ عَبْدًا، فَبَانَ (مَرْهُونًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ حُرًّا؛ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ مَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْهَا، وَالْمَغْصُوبُ وَالْمَرْهُونُ وَالْحُرُّ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ، فَلَا يَصِحُّ إعْطَاؤُهَا إيَّاهُ؛ فَلَا يَقَعُ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مُكَاتَبًا نَقَلَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " عَنْ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي " وَغَيْرِهِمْ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَصِحُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: بِأَيِّ عَبْدٍ أَعْطَتْهُ لَهُ؛ أَيْ: إذَا كَانَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَبْدٌ، وَقَدْ وُجِدَ، هَذَا مُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " فَتَنَبَّهْ لَهُ. (وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ (عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهِ) كَقَوْلِهِ: إنْ أَعْطَيْتِنِي خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَيْتَةً؛ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَأَعْطَتْهُ) إيَّاهُ؛ (فَ) الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ (رَجْعِيٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِصُورَةِ الْإِعْطَاءِ لِاسْتِحَالَةِ حَقِيقَتِهِ، (وَإِنْ) قَالَ لَهَا: إنْ (أَعْطَيْتَنِي ثَوْبًا هَرَوِيًّا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ) ثَوْبًا (مَرْوِيًّا أَوْ) أَعْطَتْهُ ثَوْبًا (هَرَوِيًّا مَغْصُوبًا؛ لَمْ تَطْلُقْ) لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا (وَإِنْ أَعْطَتْهُ) ثَوْبًا (هَرَوِيًّا مَعِيبًا طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا؛ لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لِلسَّلِيمِ وَالْمَعِيبِ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (مُطَالَبَتُهَا) بِثَوْبٍ هَرَوِيٌّ (سَلِيمٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ (وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ) : إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ لَهَا (إذَا أَعْطَيْتِنِي أَوْ أَقْبَضْتِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ) فَأَنْتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 طَالِقٌ. (أَوْ) قَالَ لَهَا: (مَتَى أَعْطَيْتَنِي أَوْ أَقْبَضْتِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَ) ؛ التَّعْلِيقُ (مِنْ جِهَتِهِ) فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حُكْمُ التَّعْلِيقِ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِهِ عَلَى الشَّرْطِ (فَأَيَّ وَقْتٍ) فَوْرًا كَانَ أَوْ مُتَرَاخِيًا، كَمَا لَوْ خَلَا التَّعْلِيقُ عَنْ الْعِوَضِ (أَعْطَتْهُ) الزَّوْجَةُ (عَلَى صِفَةٍ يُمْكِنُهُ) أَيْ: الزَّوْجَ (الْقَبْضُ) فِيهَا؛ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّ يَدٌ حَائِلَةٌ ظَالِمَةٌ (دَرَاهِمَ تُوَازِنُ أَلْفًا) فَأَكْثَرَ إنْ كَانَ شَرَطَهَا وَزْنِيَّةً، وَإِلَّا فَمَا شُرِطَ فِي الْخُلْعِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطِهَا وَزْنِيَّةً؛ فَقَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ، وَيَكُونُ الْإِعْطَاءُ بِإِحْضَارِ الْأَلْفِ لِلزَّوْجِ وَإِذْنِهَا لَهُ فِي قَبْضِهِ (وَلَوْ مَعَ نَقْصِ الْعَدَدِ) اكْتِفَاءً بِتَمَامِ الْوَزْنِ (بَانَتْ) مِنْهُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَمَلَكَهُ) أَيْ الْأَلْفَ الزَّوْجُ (وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ) لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ شَرْعِيٌّ يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يُعْطِي فُلَانًا شَيْئًا إذَا فَعَلَهُ مَعَهُ وَ (لَا) تَطْلُقُ (إنْ أَعْطَتْهُ) (رَهْنًا بِالْأَلْفِ، أَوْ أَحَالَتْهُ بِهِ، أَوْ قَاصَّتْهُ بِهِ وَنَحْوُهُ) كَمَا لَوْ أَعْطَتْهُ دُونَ الْأَلْفِ، أَوْ أَعْطَتْهُ سَبِيكَةً تَبْلُغُ أَلْفًا، أَوْ أَعْطَتْهُ مَغْشُوشَةً يَنْقُصُ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ عَنْ الْأَلْفِ، أَوْ هَرَبَ قَبْلَ عَطِيَّتِهَا، أَوْ قَالَتْ: يَضْمَنُهُ لَكَ زَيْدٌ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ. (وَ) مَنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: (طَلِّقْنِي) بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ أَوْ لَك أَلْفٌ، أَوْ قَالَتْ لَهُ: اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ وَلَك أَلْفٌ (أَوْ) قَالَتْ لَهُ (إنْ طَلَّقْتنِي) فَلَكَ أَلْفٌ أَوْ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ أَلْفٍ، (أَوْ) قَالَتْ لَهُ (إنْ خَلَعْتنِي فَلَكَ أَلْفٌ أَوْ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ) أَيْ: الْأَلْفِ (فَقَالَ) لَهَا (طَلَّقْتُكِ) جَوَابًا لِقَوْلِهَا طَلِّقْنِي، أَوْ إنْ طَلَّقْتنِي (أَوْ) قَالَ لَهَا (خَلَعْتُكِ) جَوَابًا لِقَوْلِهَا: اخْلَعْنِي أَوْ إنْ خَلَعْتنِي (وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَلْفَ) مَعَ قَوْلِهِ طَلَّقْتُكِ أَوْ خَلَعْتُكِ (بَانَتْ) مِنْهُ (وَاسْتَحَقَّهُ) أَيْ: الْأَلْفَ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلَّقْتُكِ أَوْ خَلَعْتُكِ جَوَابٌ لِمَا اسْتَدْعَتْهُ مِنْهُ، وَالسُّؤَالُ كَالْمَعَادِنِ فِي الْجَوَابِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: بِعْنِي عَبْدَكَ بِأَلْفٍ، فَقَالَ بِعْتُكَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَلْفَ (مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ) لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ، فَيَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ (إنْ أَجَابَهَا عَلَى الْفَوْرِ) وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا (وَلَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (الرُّجُوعُ) عَمَّا قَالَتْهُ لِزَوْجِهَا (قَبْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 إجَابَتِهِ) لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ؛ فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ تَمَامِهِ بِالْجَوَابِ، كَالْبَيْعِ وَكَذَا قَوْلُهَا إنْ طَلَّقْتَنِي فَلَكَ أَلْفٌ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِوُجُوبِ الْعِوَضِ، لَا لِلطَّلَاقِ. (وَ) إنْ قَالَتْ (اجْعَلْ أَمْرِي بِيَدِي وَلَك عَبْدِي هَذَا فَفَعَلَ) أَيْ: جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا (مَلَكَ الْعَبْدَ) بِقَبْضِهِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ وَفَّاهَا مَا جُعِلَ لَهَا فِي نَظِيرِهِ (وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ) أَيْ: الْعَبْدِ، (وَلَوْ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا) نَفْسِهَا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ (وَتَخْتَارُ مَتَى شَاءَتْ) لِجَعْلِهِ ذَلِكَ لَهَا (مَا لَمْ يَطَأْ أَوْ يَرْجِعْ) فَلَا اخْتِيَارَ لَهَا لِانْعِزَالِهَا بِذَلِكَ (فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ رَجَعَ عَنْ جَعْلِ أَمْرِهَا بِيَدِهَا (رَجَعَتْ) عَلَيْهِ (بِالْعِوَضِ) الَّذِي بَذَلَتْهُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ عَبْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهَا مَا يُقَابِلُهُ. (وَ) لَوْ قَالَ لَهَا (إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ، مَلَكَ إبْطَالَ هَذِهِ الصِّفَةِ) لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ، وَهِيَ جَائِزَةٌ، وَلَيْسَتْ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ فِي شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْكِنَايَاتِ (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: وَلَوْ جَعَلَتْ لَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُخَيِّرَهَا) فَخَيَّرَهَا (فَاخْتَارَتْ الزَّوْجَ؛ لَا يَرُدُّ الزَّوْجُ شَيْئًا) مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا جَاعَلَتْهُ عَلَيْهِ؛ فَاسْتَقَرَّتْ لَهُ. (وَ) إنْ قَالَتْ (طَلِّقْنِي بِدِينَارٍ، فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ ارْتَدَّتْ) عَنْ الْإِسْلَامِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى عِوَضٍ، وَلَا تُؤَثِّرُ الرِّدَّةُ فِيهِ؛ لِتَأَخُّرِهَا عَنْهُ (وَلَزِمَهَا) أَيْ الدِّينَارُ بِالطَّلَاقِ (وَإِنْ ارْتَدَّتْ، ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولٍ بِهَا) ؛ بَانَتْ بِالرِّدَّةِ، وَ (لَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ، وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا بَعْدَ رِدَّتِهَا (وَبَعْدَهُ) أَيْ: الدُّخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ (يُوقَفُ الْأَمْرُ) عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ حِينَهُ، (وَإِلَّا) تُسْلِمْ بِأَنْ أَقَامَتْ عَلَى رِدَّتِهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا (فَلَا) يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً حِينَ طَلَّقَهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 [فَصْلٌ مَنْ سُئِلَ الْخُلْعَ عَلَى شَيْءٍ فَطَلَّقَ] فَصْلٌ (مَنْ سُئِلَ الْخُلْعَ) أَيْ: أَنْ يَخْلَعَ زَوْجَتَهُ سَوَاءٌ كَانَ السُّؤَالُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (عَلَى شَيْءٍ فَطَلَّقَ) لَمْ يَسْتَحِقَّهُ (أَوْ) سُئِلَ الْخُلْعَ عَلَى شَيْءٍ (فَخَلَعَ) زَوْجَتَهُ (وَنَوَى) بِالْخُلْعِ (الطَّلَاقَ، لَمْ يَسْتَحِقَّهُ) أَيْ: الْمَسْئُولَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا اسْتَدْعَتْ مِنْهُ فَسْخًا، فَلَمْ يُجِبْهَا إلَيْهِ، وَأَوْقَعَ طَلَاقًا لَمْ تَتَطَلَّبْهُ مِنْهُ، وَلَمْ تَبْذُلْ فِيهِ عِوَضًا (وَوَقَعَ) عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ (رَجْعِيًّا) لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ مُبْتَدَأً غَيْرَ مَبْذُولٍ فِيهِ عِوَضٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا ابْتِدَاءً. (وَمَنْ سُئِلَ الطَّلَاقَ) عَلَى عِوَضٍ (فَخَلَعَ) وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ (لَمْ يَصِحَّ خُلْعُهُ) الَّذِي هُوَ فَسْخٌ؛ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ مَبْذُولٌ فِي الطَّلَاقِ لَا فِيهِ (وَ) إنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا (طَلِّقْنِي) بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ؛ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَلْفَ إلَّا بِطَلَاقِهَا بَعْدَ الشَّهْرِ (أَوْ) قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ (طَلِّقْهَا) أَيْ: امْرَأَتَكِ (بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ، لَمْ يَسْتَحِقَّهُ إلَّا بِطَلَاقِهَا بَعْدَهُ) أَيْ: الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ رَأْسِ الشَّهْرِ؛ فَقَدْ اخْتَارَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِلَا عِوَضٍ؛ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ إلَى تَكُونُ بِمَعْنَى مِنْ الِابْتِدَائِيَّةِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا غَايَةَ لِانْتِهَائِهِ، وَإِنَّمَا الْغَايَةُ لِابْتِدَائِهِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ، فَقَالَ لَهَا: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ (وَ) إنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي (مِنْ الْآنَ إلَى شَهْرٍ) بِأَلْفٍ (لَمْ يَسْتَحِقَّهُ إلَّا بِطَلَاقِهَا قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ، وَلَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشَّرْطِ، فَصَحَّ بَذْلُ الْعِوَضِ فِيهِ مَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 جَهْلِ الْوَقْتِ كَالْجَعَالَةِ. (وَ) مَنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا (طَلِّقْنِي بِهِ) أَيْ: بِأَلْفٍ (عَلَى أَنْ تُطَلِّقَ ضَرَّتِي، أَوْ) قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ (عَلَى أَنْ تُطَلِّقَهَا) أَيْ: الضَّرَّةَ (صَحَّ الشَّرْطُ وَالْعِوَضُ) لِأَنَّهَا بَذَلَتْهُ فِي طَلَاقِهَا وَطَلَاقِ ضَرَّتِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي وَضَرَّتِي بِأَلْفٍ (وَإِنْ لَمْ يَفِ) لَهَا بِشَرْطِهَا مِنْ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا أَوْ عَدَمِهِ (فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْهُ) أَيْ: الْأَلْفِ (وَمِنْ الْمَهْرِ) الْمُسَمَّى إنْ كَانَ ثَمَّ مُسَمًّى، وَإِلَّا يَكُنْ مُسَمًّى فَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ إلَّا بِعِوَضٍ، فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ رَجَعَ إلَى مَا مَضَى بِكَوْنِهِ عِوَضًا؛ وَهُوَ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَهُ الْأَلْفُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِكَوْنِهِ عِوَضًا عَنْهَا وَعَنْ شَيْءٍ آخَرَ، فَإِذَا جُعِلَ كُلُّهُ عَنْهَا كَانَ أَحَظَّ لَهُ. (وَ) مَنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: (طَلِّقْنِي) طَلْقَةً (وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَاحِدٍ، أَوْ) طَلِّقْنِي (وَاحِدَةً عَلَى أَلْفٍ) أَوْ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً وَلَك أَلْفٌ وَنَحْوُهُ؛ كَطَلِّقْنِي وَاحِدَةً عَلَى أَنْ أُعْطِيَك أَلْفًا (فَطَلَّقَهَا أَكْثَرَ) بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا (اسْتَحَقَّهُ) أَيْ: الْأَلْفَ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ مَا اسْتَدْعَتْهُ وَزِيَادَةً لِوُجُودِ الْوَاحِدَةِ فِي ضِمْنِ الثِّنْتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً؛ وَقَعَتْ فَيَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ بِالْوَاحِدَةِ، وَالزِّيَادَةُ الَّتِي لَمْ تَبْذُلْ الْعِوَضَ فِيهَا لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا شَيْئًا. (وَلَوْ أَجَابَ) قَوْلَهَا طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ (بِ) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ بَانَتْ بِالْأُولَى) مِنْهُ لِوُقُوعِهَا فِي مُقَابَلَةِ الْعِوَضِ، وَلَمْ يَلْحَقْهَا مَا بَعْدَهَا (وَإِنْ ذَكَرَ الْأَلْفَ عَقِبَ) الطَّلْقَةِ (الثَّانِيَةِ) بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ بِأَلْفٍ وَطَالِقٌ (بَانَتْ بِهَا) أَيْ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا بِعِوَضٍ (وَ) وَقَعَتْ الطَّلْقَةُ (الْأُولَى رَجْعِيَّةً وَلَغَتْ الثَّالِثَةُ) لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ، (وَإِنْ ذَكَرَهُ) أَيْ: الْأَلْفَ، عَقِبَهَا، أَيْ بِأَنْ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ بِأَلْفٍ (طَلُقَتْ ثَلَاثًا) وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَلْفَ وَنَوَى أَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الْكُلِّ بَانَتْ بِالْأُولَى، وَلَمْ يَلْحَقْهَا مَا بَعْدَهَا، وَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 بِإِيقَاعِهَا بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِخَمْسِمِائَةٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ بِالْأُولَى، وَبَانَتْ بِهَا. (وَ) مَنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا (طَلِّقْنِي ثَلَاثًا) بِأَلْفٍ (أَوْ) قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي (مِائَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ) كَوَاحِدَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ، بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ (وَلَوْ يَنْوِ) بِقَوْلَةِ ذَلِكَ الطَّلَاقَ، (الثَّلَاثَ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا) مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهَا بَذَلَتْ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ لَمْ يُجِبْهَا إلَيْهِ؛ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَوَقَعَ مَا أَجَابَهَا بِهِ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ الثَّلَاثِ إلَّا مَا أَوْقَعَهُ وَلَمْ تَعْلَمْ) هِيَ بِذَلِكَ (اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ) لِأَنَّهَا حَصَّلَتْ مَا يَحْصُلُ بِالثَّلَاثِ مِنْ الْبَيْنُونَةِ وَالتَّحْرِيمِ (فَإِنْ قَالَ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ طَلَاقِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ (أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ الْأُولَى بِأَلْفٍ وَالثَّانِيَةُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ وَقَعَتْ الْأُولَى فَقَطْ، وَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ قَالَ) وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ (الْأُولَى بِغَيْرِ شَيْءٍ وَقَعَتْ وَحْدَهَا) ، لِأَنَّ الثَّلَاثَ تَمَّتْ بِهَا (وَلَمْ يَسْتَحِقَّ) شَيْئًا مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا عِوَضًا (وَتَمَّتْ الثَّلَاثُ) طَلْقَاتٍ (وَإِنْ قَالَ) وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا بِأَلْفٍ لَزِمَهَا الْأَلْفُ) وَكَمَّلَتْ الثَّلَاثَ؛ فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. (وَ) مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَقَالَتْ قَبِلْت وَاحِدَةً بِأَلْفٍ) وَقَعَ الثَّلَاثُ (أَوْ) قَالَتْ وَاحِدَةً (بِأَلْفَيْنِ وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ وَ) إنْ قَالَتْ مَقُولٌ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ (قَبِلْت) وَاحِدَةً (بِخَمْسِمِائَةٍ) لَمْ يَقَعْ (أَوْ) قَالَتْ قَبِلْتُ (وَاحِدَةً مِنْ الثَّلَاثِ بِثُلُثِ الْأَلْفِ لَمْ يَقَعْ) وَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا (وَ) إنْ قَالَ لَهَا: (أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِأَلْفٍ وَقَعَتْ بِهَا وَاحِدَةٌ، وَوَقَعَتْ الْأُخْرَى بِقَبُولِهَا) هَذَا مَعْنَى مَا فِي " الْمُبْدِعِ وَ " الشَّرْحِ " قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [تَتِمَّةٌ قَالَتْ طَلِّقْنِي عَشْرًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي عَشْرًا بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَلَا شَيْءَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجِبْهَا إلَى مَا سَأَلَتْهُ وَبَذَلَتْ الْعِوَضَ فِيهِ؛ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ لِأَنَّهُ أَجَابَهَا إلَى سُؤَالِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا نِهَايَةُ مَا يَمْلِكُهُ مِمَّا سَأَلَتْهُ، فَمَا زَادَ عَلَيْهَا لَغْوٌ، وَإِنْ قَالَتْ مَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ طَلَاقِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَاحِدَةً أَبِينُ بِهَا وَاثْنَتَيْنِ فِي نِكَاحٍ آخَرَ، فَقَالَ الْقَاضِي الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ فِي التَّطْلِيقَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي طَلَاقٍ، وَمُعَاوَضَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ نِكَاحٍ؛ وَهُوَ لَا يَصِحُّ قَبْلَهُ، وَكَذَا الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ، وَيَنْبَنِي عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَإِذَا قُلْنَا تُفَرَّقُ فَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ. (وَلَوْ قَالَ) لِزَوْجٍ (امْرَأَتَاهُ طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا بَانَتْ بِقِسْطِهَا) مِنْ الْأَلْفِ فَيُقَسَّطُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا (وَلَوْ قَالَتْهُ) أَيْ: طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ (إحْدَاهُمَا) فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (فَرَجْعِيٌّ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ السَّائِلَةَ أَوْ ضَرَّتَهَا (وَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّهَا جَعَلَتْ الْأَلْفَ فِي مُقَابَلَةِ طَلَاقِهِمَا، وَلَمْ يُجِبْهَا إلَى مَا سَأَلَتْ؛ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا مَا بَذَلَتْ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرَضُهَا فِي بَيْنُونَتِهِمَا جَمِيعًا مِنْهُ، فَإِذَا طَلَّقَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهَا، فَلَمْ يَلْزَمْهَا عِوَضٌ. (وَيَتَّجِهُ) فَلَوْ طَلَّقَهَا عَقِبَ قَوْلِ إحْدَاهُمَا طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ (بَانَتَا) مَعًا (وَعَلَى السَّائِلَةِ الْأَلْفُ) ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ جَائِزٌ (إلَّا إنْ) ثَبَتَ أَنَّهَا (وَكَّلَتْهَا الْأُخْرَى) فَيُقَسَّطُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: (أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةٌ) مِنْهُمَا (طَلُقَتْ بِقِسْطِهَا) مِنْ الْأَلْفِ، وَإِنْ قَالَ لَهُمَا (أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ بِأَلْفٍ إنْ شِئْتُمَا، فَقَالَتَا لَفْظًا شِئْنَا، وَلَوْ تَرَاخَى لَفْظُهُمَا بِالْمَشِيئَةِ أَوْ رَجَعَ) الزَّوْجُ عَنْ اشْتِرَاطِهِ الْمَشِيئَةَ قَبْلَ تَلَفُّظِهِمَا بِهَا (وَإِحْدَاهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (غَيْرُ رَشِيدَةٍ؛ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِهَا) أَيْ: غَيْرِ الرَّشِيدَةِ (رَجْعِيًّا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) مِنْ الْأَلْفِ، أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهَا فَلِأَنَّ لَهَا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 مَشِيئَةً وَلِذَلِكَ رَجَعَ إلَى مَشِيئَتِهَا فِي النِّكَاحِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ رَجْعِيًّا فَلِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِعَدَمِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا (وَ) وَقَعَ الطَّلَاقُ (بِالرَّشِيدَةِ بَائِنًا بِقِسْطِهَا مِنْ الْأَلْفِ) لِصِحَّةِ مَشِيئَةِ الرَّشِيدَةِ وَنُفُوذِ تَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا، وَيُقَسَّطُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهَا. (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْكِ أَلْفٌ، أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (عَلَى أَلْفٍ، أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ) ذَلِكَ مِنْهُ (بِالْمَجْلِسِ بَانَتْ) مِنْهُ (وَاسْتَحَقَّهُ) أَيْ: الْأَلْفَ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ عَلَى عِوَضٍ قَدْ اُلْتُزِمَ فِيهِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ كَانَ بِسُؤَالِهَا (وَإِلَّا) تَقْبَلْ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (رَجْعِيًّا) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ الْعِوَضِ عَلَى مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَلَغَا الشَّرْطُ (وَلَا يَنْقَلِبُ) الطَّلَاقُ (بَائِنًا إنْ بَذَلَتْهُ) أَيْ: الْأَلْفَ (بِهِ) أَيْ: الْمَجْلِسِ (بَعْدَ رَدِّهَا) كَمَا لَوْ بَذَلَتْهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ (وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ أَوْ وَعَلَيْكِ أَلْفٌ أَوْ بِأَلْفٍ (قَبْلَ قَبُولِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ ذَلِكَ مِنْهُ؛ فَلَا تَبِينُ كَرُجُوعِ مَنْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ قَبْلَ قَبُولِهِ. [فَصْلٌ خَالَعَتْهُ الزَّوْجَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا الْمَخُوفِ] فَصْلٌ (إذَا خَالَعَتْهُ) الزَّوْجَةُ (فِي مَرَضِ مَوْتِهَا) الْمَخُوفِ، فَالْخُلْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَصَحَّ فِي الْمَرَضِ كَالْبَيْعِ، وَمَتَى اخْتَلَفَ الْمُسَمَّى فِيهِ وَإِرْثُهُ مِنْهُ (فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْعِوَضِ) الْمُسَمَّى فِي الْخُلْعِ (أَوْ إرْثُهُ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا تُهْمَةَ فِيهِ؛ بِخِلَافِ الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا، فَإِنَّ الْخُلْعَ إنْ وَقَعَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمِيرَاثِ تَطَرَّقَتْ إلَيْهِ التُّهْمَةُ مِنْ قَصْدِ إيصَالِهَا إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ عَلَى وَجْهٍ لَمْ تَكُنْ قَادِرَةً عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْصَتْ أَوْ أَقَرَّتْ لَهُ، وَإِنْ وَقَعَ أَقَلَّ مِنْ الْمِيرَاثِ فَالْبَاقِي هُوَ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهُ؛ فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ؛ فَتَعَيَّنَ اسْتِحْقَاقُ الْأَقَلِّ مِنْهُمَا، وَإِنْ صَحَّتْ مِنْ مَرَضِهَا الَّذِي خَالَعَتْهُ فِيهِ، فَلَهُ جَمِيعُ مَا خَالَعَهَا بِهِ، كَمَا لَوْ خَالَعَهَا فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ مَوْتِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 (وَإِنْ طَلَّقَهَا) رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، ثُمَّ وَصَّى لَهَا بِزَائِدٍ عَنْ إرْثِهَا (أَوْ أَقَرَّ لَهَا بِزَائِدٍ عَنْ إرْثِهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ الزَّائِدَ) عَنْ إرْثِهَا إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إلَى إيصَالِ ذَلِكَ إلَيْهَا وَهِيَ فِي حِبَالِهِ فَطَلَّقَهَا لِيُوصِلَهُ إلَيْهَا؛ فَمُنِعَ مِنْهُ كَالْوَصِيَّةِ لَهَا (وَإِنْ خَالَعَهَا) فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ (وَحَابَاهَا) بِأَنْ أَخَذَ مِنْهَا دُونَ مَا أَعْطَاهَا أَوْ دُونَ مَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ مِنْهَا بِبَذْلِهَا لَهُ (فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ) أَيْ: لَا يَحْتَسِبُ مَا حَابَاهَا بِهِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بِلَا عِوَضٍ صَحَّ؛ فَمَعَهُ أَوْلَى. (وَمَنْ صَحَّ خُلْعُهُ) وَهُوَ الزَّوْجُ الَّذِي يَعْقِلُ الْخُلْعَ (صَحَّ تَوْكِيلُهُ وَوَكَالَتُهُ فِيهِ) كَسَائِرِ الْفُسُوخِ وَالْعُقُودِ (مِنْ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَذَكَرٍ وَأُنْثَى وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَرَشِيدٍ وَمُفْلِسٍ) وَغَيْرِهِ (وَمَنْ) (وَكَّلَ فِي خَلْعِ امْرَأَتِهِ وَأَطْلَقَ) فَلَمْ يُقَدِّرْ عِوَضًا؛ صَحَّ التَّوْكِيلُ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَالْمُسْتَحَبُّ النَّقْدَانِ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمُ مِنْ الْغَرَرِ وَأَسْهَلُ عَلَى الْوَكِيلِ (فَخَالَعَ) الْوَكِيلُ زَوْجَةَ مُوَكِّلِهِ (بِ) عِوَضٍ (أَنْقَصَ مِنْ مَهْرِهَا) (صَحَّ وَضَمِنَ) الْوَكِيلُ (النَّقْصَ) مِنْ مَهْرِهَا، وَصَحَّ الْخُلْعُ لِانْصِرَافِ الْإِذْنِ إلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْبُضْعِ بِالْعِوَضِ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا وَهُوَ مَهْرُهَا، فَإِذَا أَزَالَهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ، ضَمِنَ النَّقْصَ كَالْوَكِيلِ الْمُطْلَقِ فِي الْبَيْعِ إذَا بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ (وَإِنْ عَيَّنَ) زَوْجٌ (لَهُ) أَيْ الْوَكِيلِ (الْعِوَضَ) كَأَنْ قَالَ اخْلَعْهَا عَلَى عَشَرَةٍ (فَنَقَصَ مِنْهُ) كَأَنْ خَلَعَهَا عَلَى تِسْعَةٍ (لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ فِيهِ بِشَرْطِ مَا قَدَّرَهُ مِنْ الْعِوَضِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْمُقَدَّرُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، فَيُشْبِهُ خُلْعَ الْفُضُولِيِّ (وَإِنْ زَادَ مَنْ وَكَّلَتْهُ) أَيْ: الزَّوْجَةُ فِي خُلْعِهَا (وَأَطْلَقَتْ) بِأَنْ لَمْ تُقَدِّرْ لَهُ عِوَضًا (عَلَى مَهْرِهَا) أَوْ زَادَ (مَنْ عَيَّنَتْ لَهُ الْعِوَضَ) عَلَى مَا عَيَّنَتْ لَهُ (صَحَّ الْخُلْعُ) فِيهِمَا (وَلَزِمَتْهُ) أَيْ: الْوَكِيلَ (الزِّيَادَةُ) لِأَنَّ الزَّوْجَةَ رَضِيَتْ بِدَفْعِ الْعِوَضِ الَّذِي يُمْلَكُ الْخُلْعُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، أَوْ بِالْقَدْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ مَعَ التَّقْدِيرِ وَالزِّيَادَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 لَازِمَةٌ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ بَذَلَهُ فِي الْخُلْعِ؛ فَصَحَّ مِنْهُ (وَلَزِمَهُ) ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا (وَإِنْ خَالَفَ) وَكِيلُ الزَّوْجِ أَوْ وَكِيلُ الزَّوْجَةِ (جِنْسًا) بِأَنْ وُكِّلَ أَنْ يُخَالِعَ عَلَى نَقْدٍ، فَخَالَعَ عَلَى عِوَضٍ (أَوْ) بِالْعَكْسِ، أَوْ خَالَفَ (حُلُولًا) بِأَنْ وُكِّلَ أَنْ يُخَالِعَ عَلَى نَقْدٍ، بِمِائَةٍ حَالَّةٍ فَخَالَعَ عَلَى مِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ (أَوْ) خَالَفَ (نَقْدَ الْبَلَدِ) . بِأَنْ وُكِّلَ أَنْ يُخَالِعَ بِمِائَةٍ، فَخَالَعَ بِمِائَةٍ مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ (لَمْ يَصِحَّ) الْخُلْعُ؛ لِلْمُخَالَفَةِ (إلَّا وَكِيلُهُمَا) إذَا خَالَفَ (حُلُولًا، فَأَجَّلَ) فَيَصِحُّ (وَيَتَّجِهُ) (أَوْ) أَيْ: وَإِلَّا (وَكِيلُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ إذَا خَالَفَ (مُؤَجَّلًا فَعَجَّلَ) فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ وَكَّلَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (وَاحِدًا) فَلَهُ أَنْ (يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَنِكَاحٍ) وَبَيْعٍ (وَلَا يَسْقُطُ بَيْنَ مُتَخَالِعَيْنِ) مِنْ حُقُوقِ نِكَاحٍ كَمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ (أَوْ غَيْرِهِ) كَقَرْضٍ (بِسُكُوتٍ عَنْهُمَا) حَالَ خُلْعٍ، فَيَتَرَاجَعَانِ بِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ؛ فَلَا يَسْقُطُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (فَلَا تَسْقُطُ مُتْعَةُ مُفَوِّضَةٍ) خُولِعَتْ (وَلَا) تَسْقُطُ (نَفَقَةُ عِدَّةِ حَامِلٍ وَلَا بَقِيَّةُ مَا خُولِعَ عَلَى بَعْضِهِ) كَسَائِرِ الْفُسُوخِ وَكَالْفُرْقَةِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ. [فَرْعٌ الْخُلْعُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ يَمِينِ طَلَاقٍ] (فَرْعٌ يَحْرُمُ الْخُلْعُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ يَمِينِ طَلَاقٍ وَيَتَّجِهُ أَوْ) أَيْ: وَيَحْرُمُ الْخُلْعُ حِيلَةً لِأَجْلِ إسْقَاطِ (تَعْلِيقِهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَلَعَهَا قَبْلَ قُدُومِهِ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ تَعْلِيقٍ؛ فَيَحْرُمُ كَسَائِرِ الْحِيَلِ، وَلَا يَقَعُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ بَطَّةَ، وَذَكَرَهُ عَنْ الْآجُرِّيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَالْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ " وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " الِانْتِصَارِ " وَقَالَ هُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا؛ وَكَذَا قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي " الْمُغْنِي " هَذَا يُفْعَلُ حِيلَةً عَلَى إبْطَالِ الطَّلَاقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 الْمُعَلَّقِ، وَالْحِيَلُ خِدَاعٌ لَا تُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ - تَعَالَى. انْتَهَى. أَقُولُ: إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا فَائِدَةَ لِهَذَا الِاتِّجَاهِ بَعْدَ تَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. (وَلَا يَصِحُّ) أَيْ: لَا يَقَعُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: خُلْعُ الْحِيلَةِ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْفُرْقَةَ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ مِنْهُ بَقَاءُ الْمَرْأَةِ مَعَ زَوْجِهَا، كَمَا فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، وَالْعَقْدُ لَا يُقْصَدُ بِهِ نَقِيضُ مَقْصُودِهِ (خِلَافًا " للرعايتين " " وَ " الْحَاوِي ") فِي قَوْلِهِمْ: وَيَحْرُمُ الْخُلْعُ حِيلَةً وَيَقَعُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَشَذَّ فِي الرِّعَايَةِ " فَذَكَرَهُ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: غَالِبُ النَّاسِ وَاقِعٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَسْتَعْمِلُهَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ، فَفِي هَذَا الْقَوْلِ فَرَجٌ لَهُمْ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَصَدَ الْمُحَلِّلُ التَّحْلِيلَ وَقَصَدَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَصْدًا مُحَرَّمًا كَبَيْعِ عَصِيرٍ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ، فَيُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا قِيلَ فِي الْآخَرِ. (وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ: يُسْتَحَبُّ إعْلَامُ) الْمُفْتِي (الْمُسْتَفْتِيَ) أَيْ: طَالِبَ الْفُتْيَا (بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْمُفْتِي (إنْ كَانَ) الْمُسْتَفْتِي (أَهْلًا لِلرُّخْصَةِ كَطَالِبِ التَّخَلُّصِ مِنْ) الْوُقُوعِ فِي (الرِّبَا) وَلَمْ يَجِدْ لَهُ وَجْهًا فِي مَذْهَبِهِ (فَيَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَرَى التَّحَيُّلَ لِلْخَلَاصِ مِنْهُ) أَيْ: الرِّبَا (وَالْخُلْعِ) فَيُفْتِيهِ ذَلِكَ الْغَيْرُ بِصِحَّةِ الْخُلْعِ (وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ) لِئَلَّا يُضْطَرَّ فَيَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ بِحَيْثُ إنَّهُ يَعْتَقِدُ صَوَابَهُ وَخَطَأَ غَيْرِهِ، وَإِلَّا لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْ عِبَادَهُ مَا لَا يُطِيقُونَهُ، وَإِنَّمَا جَعَلَ اخْتِلَافَ الْمَذَاهِبِ رَحْمَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ (وَ) مِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ أَنَّ أُنَاسًا (جَاءُوا) الْإِمَامَ (أَحْمَدَ بِفَتْوَى) سَأَلُوهُ عَنْهَا (فَلَمْ تَكُنْ عَلَى مَذْهَبِهِ، فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِحَلْقَةِ الْمَدَنِيِّينَ) فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا جَاءَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 الْمُسْتَفْتِي، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ رُخْصَةٌ يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبٍ لَهُ فِيهِ رُخْصَةٌ انْتَهَى. تَتِمَّةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَوْ اعْتَقَدَ الرَّجُلُ الْبَيْنُونَةَ بِخُلْعِ الْحِيلَةِ، ثُمَّ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ؛ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً: أَنْتِ طَالِقٌ، فَبَانَتْ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ؛ فَتَبِينُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ. وَلَوْ خَالَعَ حِيلَةً وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا زَوَالَ النِّكَاحِ، وَلَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْخُلْعِ حِيلَةً؛ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ؛ فَبَانَ بِخِلَافِ ظَنِّهِ، فَيَحْنَثُ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ. قَالَ فِي " التَّفْتِيحِ ": وَغَالِبُ النَّاسِ وَاقِعٌ فِي ذَلِكَ، أَيْ: فِي الْخُلْعِ لِإِسْقَاطِ يَمِينِ الطَّلَاقِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: وَيُشْبِهُهُ مَنْ يَخْلَعُ الْأُخْتَ ثُمَّ يَتَزَوَّجُ أُخْتَهَا، ثُمَّ يَخْلَعُ الثَّانِيَةَ وَيُعِيدُ الْأُولَى، وَهَلُمَّ جَرًّا، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ: خُلْعُ الْحِيلَةِ لَا يَصِحُّ، وَقَوْلِهِمْ: وَالْحِيَلُ كُلُّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ. [فَصْلٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ خَالَعْتكِ بِأَلْفٍ مَثَلًا فَأَنْكَرَتْهُ] فَصْلٌ (إذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (خَالَعْتكِ بِأَلْفٍ) مَثَلًا (فَأَنْكَرَتْهُ) أَيْ: الْخُلْعَ بَانَتْ بِإِقْرَارِهِ (وَ) تَحْلِفُ لِنَفْيِ الْعِلْمِ، أَوْ لَمْ تُنْكِرْ الْخُلْعَ لَكِنْ (قَالَتْ إنَّمَا خَالَعَكَ غَيْرِي؛ بَانَتْ) مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ ذَلِكَ (وَتَحْلِفُ) الزَّوْجَةُ (لِنَفْيِ الْعِوَضِ) ؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا (وَإِنْ أَقَرَّتْ) بِأَنَّهَا خَالَعَتْهُ (وَقَالَتْ ضَمِنَهُ) أَيْ: عِوَضَ الْخُلْعِ (غَيْرِي) ، لَزِمَهَا (أَوْ) قَالَتْ: عِوَضُ الْخُلْعِ (فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ: الْغَيْرِ (قَالَ) الزَّوْجُ (بَلْ فِي ذِمَّتِكِ؛ لَزِمَهَا) الْعِوَضُ؛ لِإِقْرَارِهَا بِالْخُلْعِ، وَدَعْوَاهَا أَنَّهُ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهَا، أَوْ أَنَّهُ ضَمِنَهُ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، مَا لَمْ يُصَدِّقْهَا الْغَيْرُ، فَإِنْ صَدَّقَهَا فِي أَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ؛ لَزِمَهُ الْغُرْمُ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِذَلِكَ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ: الْمُتَخَالِعَانِ (فِي قَدْرِ عِوَضِهِ) أَيْ: الْخُلْعِ، بِأَنْ قَالَ خَالَعْتكِ بِأَلْفٍ، فَقَالَتْ بَلْ بِسَبْعِمِائَةٍ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 فَقَوْلُهَا، أَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِهِ - أَيْ الْعِوَضِ - بِأَنْ قَالَ خَالَعْتكِ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ، فَقَالَتْ بَلْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ؛ فَقَوْلُهَا (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (صِفَتِهِ) أَيْ: الْعِوَضِ، بِأَنْ قَالَ خَالَعْتكِ عَلَى عَشَرَةٍ صِحَاحٍ، فَقَالَتْ: بَلْ مُكَسَّرَةٍ؛ فَقَوْلُهَا (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي تَأْجِيلِهِ أَيْ: عِوَضِ الْخُلْعِ بِأَنْ قَالَ خَالَعْتكِ عَلَى مِائَةٍ حَالَّةٍ، فَقَالَتْ بَلْ مُؤَجَّلَةٍ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهَا) نَصًّا؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ لِلزَّائِدِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَكَذَا إنْ اخْتَلِقَا فِي جِنْسِهِ؛ فَقَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا غَارِمَةٌ. وَإِنْ قَالَ سَأَلْتنِي طَلْقَةً بِأَلْفٍ، فَقَالَتْ: بَلْ سَأَلْتُكِ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، فَطَلَّقْتَنِي وَاحِدَةً؛ بَانَتْ بِإِقْرَارِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي إسْقَاطِ الْعِوَضِ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى نَقْدٍ مُطْلَقًا؛ لَزِمَهَا مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا أَرَادَا دَرَاهِمَ رَائِجَةً؛ لَزِمَهَا مَا اتَّفَقَتْ إرَادَتُهُمَا عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِرَادَةِ فَمِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ. (وَإِنْ عَلَّقَ) زَوْجٌ (طَلَاقَهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ بِصِفَةٍ، (أَوْ) عَلَّقَ سَيِّدٌ (عِتْقَهُ) أَيْ قِنِّهِ (بِصِفَةٍ) كَقَوْلِهِ لَهَا: إنْ كَلَّمْتِ أَبَاكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلِقِنِّهِ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، (ثُمَّ أَبَانَهَا) بِخُلْعٍ أَوْ بِطَلَاقٍ (وَلَوْ بِالثَّلَاثِ خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ) مِنْهُمْ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَغَيْرُهُمَا (ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) بَعْدَ أَنْ أَبَانَهَا (أَوْ اشْتَرَاهُ) بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ، (فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ) بِأَنْ كَلَّمَتْ الْمَرْأَةُ أَبَاهَا وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ أَوْ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ؛ أَوْ دَخَلَ الْقِنُّ الدَّارَ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ؛ (طَلُقَتْ) الزَّوْجَةُ (وَعَتَقَ) الْقِنُّ. نَصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الصِّفَةِ وَوُجُودَهَا وُجِدَا فِي النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ؛ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تُحَلِّلْهُ بَيْنُونَةٌ وَلَا بَيْعٌ (وَلَوْ كَانَتْ لِصِفَةٍ وُجِدَتْ حَالَ بَيْنُونَتِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (أَوْ) حَالَ (خُرُوجِهِ) أَيْ: الْقِنِّ (عَنْ مِلْكِهِ) إذْ لَا يُقَالُ إنَّ الصِّفَةَ انْحَلَّتْ بِفِعْلِهَا حَالَ الْبَيْنُونَةِ أَوْ زَوَالِ الْمِلْكِ ضَرُورَةَ أَنْ لَا تَقْتَضِيَ التَّكْرَارَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا انْحَلَّتْ عَلَى وَجْهٍ يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَلٌّ وَعَقْدٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 وَالْعَقْدُ يَفْتَقِرُ إلَى الْمِلْكِ، فَكَذَا الْحَلُّ، وَالْحِنْثُ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ الصِّفَةِ حَالَ الْبَيْنُونَةِ وَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ طَلُقَتْ بِذَلِكَ لَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِشَرْطٍ سَابِقٍ عَلَى النِّكَاحِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ؛ لَمْ تَطْلُقْ، قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ فِي عَدَدِ الطَّلْقَاتِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْعِدَّةِ فِيمَا إذَا أَبَانَهَا بِدُونِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ أَعَادَهَا فِي عِدَّتِهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَكَذَا الْحُكْمُ (لَوْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (إنْ بِنْتِ مِنِّي ثُمَّ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَبَانَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". [كِتَابُ الطَّلَاقِ] ِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] وقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» . وَالْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ رُبَّمَا فَسَدَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَيُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ؛ فَبَقَاؤُهُ إذَنْ مَفْسَدَةٌ مَحْضَةٌ بِلُزُومِ الزَّوْجِ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى، وَحَبْسُ الْمَرْأَةِ مَعَ سُوءِ الْعِشْرَةِ وَالْخُصُومَةِ الدَّائِمَةِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، فَشُرِعَ مَا يُزِيلُ النِّكَاحَ لِتَزُولَ الْمَفْسَدَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْهُ. وَالطَّلَاقُ مَصْدَر طَلَقَتْ - بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا - أَيْ: بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا، فَهِيَ طَالِقٌ، وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَهِيَ مُطَلَّقَةٌ. وَشَرْعًا (حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ، أَوْ حَلُّ بَعْضِهِ) أَيْ: بَعْضِ قَيْدِ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى مَعْنَاهُ لُغَةً؛ لِأَنَّ مَنْ حُلَّ قَيْدُ نِكَاحِهَا فَقَدْ خُلِّيَتْ؛ إذْ أَصْلُ الطَّلَاقِ التَّخْلِيَةُ، يُقَالُ: طَلَقَتْ النَّاقَةُ إذَا سَرَحَتْ حَيْثُ شَاءَتْ، وَحُبِسَ فُلَانٌ فِي السِّجْنِ طَلِقًا بِغَيْرِ قَيْدٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 (وَيَحْرُمُ) الطَّلَاقُ (فِي نَحْوِ حَيْضٍ) كَنِفَاسٍ وَطُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ. (وَيَجِبُ) الطَّلَاقُ (عَلَى مُولٍ لَمْ يَفِئْ بَعْدَ تَرَبُّصِ) أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ حَلِفٍ إذَا لَمْ يَطَأ لِمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. (وَيُكْرَهُ) الطَّلَاقُ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ؛ لِإِزَالَةِ النِّكَاحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْمَصَالِحِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا، وَلِحَدِيثِ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ عِنْدَ اللَّهِ الطَّلَاقُ» . (وَيُبَاحُ) الطَّلَاقُ (عِنْدَهَا) أَيْ: الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَسُوءِ خُلُقِ الْمَرْأَةِ، وَالتَّضَرُّرِ بِهَا مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا. (وَيُسَنُّ) الطَّلَاقُ (لِتَضَرُّرِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ بِاسْتِدَامَةِ (نِكَاحٍ) كَحَالِ الشِّقَاقِ، وَمَا يُحْوِجُ الْمَرْأَةَ إلَى الْمُخَالَعَةِ لِيُزِيلَ ضَرَرَهَا (وَ) يُسَنُّ الطَّلَاقُ أَيْضًا (لِتَرْكِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (نَحْوَ صَلَاةٍ وَعِفَّةٍ، وَلَا يُمْكِنُهُ جَبْرُهَا) عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي لَهُ إمْسَاكُهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا لِدَيْنِهِ، وَلَا يَأْمَنُ إفْسَادَهَا فِرَاشَهُ وَإِلْحَاقَهَا بِهِ وَلَدًا مِنْ غَيْرِهِ (وَعَنْهُ) أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ: (يَجِبُ) الطَّلَاقُ (لَتَرْكِهَا عِفَّةً وَلِتَفْرِيطِهَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ) تَعَالَى الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (إذَا كَانَتْ تَزْنِي) لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، بَلْ (يُفَارِقَهَا، وَإِلَّا كَانَ دَيُّوثًا) انْتَهَى. وَوَرَدَ: «لَعَنَ اللَّهُ الدَّيُّوثَ» وَاللَّعْنُ مِنْ عَلَامَاتِ الْكَبِيرَةِ، فَلِهَذَا وَجَبَ الْفِرَاقُ، وَحَرُمَتْ الْعِشْرَةُ (وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (عَضْلُهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ وَالتَّضْيِيقُ عَلَيْهَا لِتَفْتَدِي) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] (وَهِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةُ (كَهُوَ) أَيْ: الزَّوْجِ (فَيُسَنُّ) لَهَا (أَنْ تَخْتَلِعَ) مِنْهُ (إنْ تَرَكَ حَقًّا لِلَّهِ) كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ (وَلَا تَجِبُ) عَلَى ابْنٍ (طَاعَةُ أَبَوَيْهِ وَلَوْ) كَانَا (عَدْلَيْنِ فِي طَلَاقِ) زَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَجِبُ عَلَى وَلَدٍ طَاعَةُ أَبَوَيْهِ (فِي مَنْعٍ مِنْ تَزْوِيجٍ نَصًّا) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 (وَلَا يَصِحُّ) الطَّلَاقُ (إلَّا مِنْ زَوْجٍ) لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُمَيِّزًا (يَعْقِلُهُ) فَيَصِحُّ طَلَاقُهُ كَالْبَالِغِ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ؛ لِحَدِيثِ: «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» . وَعَنْ عَلِيٍّ اُكْتُمُوا الصِّبْيَانَ النِّكَاحَ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ فَائِدَتَهُ أَنْ لَا يُطَلِّقُوا، وَأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ عَاقِلٍ صَادَفَ مَحَلَّ الطَّلَاقِ، فَوَقَعَ كَطَلَاقِ الْبَالِغِ، وَمَعْنَى كَوْنِ الْمُمَيِّزِ يَعْقِلُ الطَّلَاقَ (بِأَنْ يَعْلَمَ) الْمُمَيِّزُ (أَنَّ زَوْجَتَهُ تَبِينُ مِنْهُ) وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا طَلَّقَهَا (وَ) إلَّا (مِنْ وَكِيلِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ الطَّلَاقُ وَ (إلَّا مِنْ حَاكِمٍ عَلَى مُولٍ) بَعْدَ التَّرَبُّصِ إنْ أَبَى الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ، وَيَصِحُّ الطَّلَاقُ مِنْ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُفَّارِ، وَمِنْ سَفِيهٍ، وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، وَمِنْ عَبْدٍ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ، وَيَصِحُّ الطَّلَاقُ أَيْضًا مِمَّنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ. [فَائِدَةٌ طَلَاقُ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ الدُّخُولِ] ِ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ أَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَطَلَاقُهُ بَاطِلٌ؛ لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ قَبْلَهُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَتَزْوِيجُهُ أَيْضًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بَاطِلٌ (وَتُعْتَبَرُ إرَادَةُ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ) أَيْ: لَا يُرِيدُ بِهِ غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إيقَاعِ شَيْءٍ بِهِ (فَلَا طَلَاقَ) وَاقِعٌ (لِفَقِيهٍ) أَيْ: عَلَيْهِ (يُكَرِّرُهُ) أَيْ الطَّلَاقَ لِلتَّعْلِيمِ، (وَ) لَا طَلَاقَ عَلَى (حَاكٍ) طَلَاقًا (وَلَوْ عَنْ نَفْسِهِ) أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَاهُ، بَلْ التَّعْلِيمَ أَوْ الْحِكَايَةَ. (وَ) طَلَاقُ (مُكْرَهٍ قَاصِدٍ دَفْعَ الْإِكْرَاهِ) وَيَأْتِي (وَلَا) عَلَى (مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ مِنْ) غَيْرِ قَصْدٍ (وَلَا) يَقَعُ الطَّلَاقُ (مِنْ نَائِمٍ) لَا مِنْ (زَائِلٍ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ بِرْسَامٍ) وَهُوَ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ لِلْحِجَابِ الَّذِي بَيْنَ الْكَبِدِ وَالْأَمْعَاءِ ثُمَّ يَتَّصِلُ بِالدِّمَاغِ (أَوْ نَشَّافٍ) وَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِضَرْبِهِ نَفْسَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ كَسَرَ سَاقَ نَفْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، وَلَوْ ضَرَبَتْ الْمَرْأَةُ بَطْنَهَا فَنَفِسَتْ؛ سَقَطَتْ عَنْهَا الصَّلَاةُ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِغَيْرِ سُكْرٍ مُحَرَّمٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَشُرْبِ الدَّوَاء الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ وَالْمَرَضِ؛ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» . وَحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ قَوْلٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الْعَقْلُ كَالْبَيْعِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ عَلَى مَنْ (سَكِرَ بِجَامِدٍ كَبَنْجٍ وَحَشِيشٍ) لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: قَصْدُ إزَالَةِ الْعَقْلِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ مُحَرَّمٌ، وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ نَحْوِ أَكْلِ الْبَنْجِ، وَبَيْنَ السَّكْرَانِ، فَأَلْحَقَهُ بِالْمَجْنُونِ. (وَيَقَعُ) طَلَاقُ (مَنْ أَفَاقَ مِنْ نَحْوِ جُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ) لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الطَّلَاقَ، وَعَلِمَ بِهِ؛ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَاقِلًا حَالَ صُدُورِهِ مِنْهُ، فَلَزِمَهُ. (وَ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (مِمَّنْ غَضِبَ) وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ كُفْرٍ وَقَتْلِ نَفْسٍ وَأَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَطَلَاقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ ": مَا يَقَعُ مِنْ الْغَضْبَانِ مِنْ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ أَوْ يَمِينٍ، فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ وَفِي نُسْخَةٍ بِذَلِكَ كُلِّهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ صَحِيحَةٍ مِنْهَا: حَدِيثُ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ الْآتِي فِي الظِّهَارِ، وَمِنْهُ «غَضِبَ زَوْجُهَا، فَظَاهَرَ مِنْهَا فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، وَقَالَتْ: إنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَرَاك إلَّا حَرُمْتِ عَلَيْهِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، فَفِي آخِرِهَا قَالَ «فَحَوَّلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ فَجَعَلَهُ ظِهَارًا» . وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمَا فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ، وَذَلِكَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِخِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ، وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِابْنِ الْقَيِّمِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ ابْنَ الْقَيِّمِ لَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْغَضْبَانِ مُطْلَقًا، بَلْ أَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِرِسَالَةٍ سَمَّاهَا " إغَاثَةَ اللَّهْفَانِ فِي حُكْمِ طَلَاقِ الْغَضْبَانِ " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 وَفَصَّلَ فِيهَا، فَقَالَ: الْغَضَبُ ثَلَاثَةُ أَقَسَامً: أَحَدُهَا: أَنْ يَحْصُلَ لِلْإِنْسَانِ مَبَادِئُهُ وَأَوَائِلُهُ بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ عَلَيْهِ عَقْلُهُ وَلَا ذِهْنُهُ، وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ، وَيَقْصِدُهُ؛ فَهَذَا الْإِشْكَالُ فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِ وَعِتْقِهِ وَصِحَّةِ عُقُودِهِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ بَعْدَ تَرَدُّدِ فِكْرِهِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْغَضَبُ نِهَايَتَهُ بِحَيْثُ يَنْغَلِقُ عَلَيْهِ بَابُ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ؛ فَلَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَلَا يُرِيدُهُ، فَهَذَا لَا يَتَوَجَّهُ خِلَافٌ فِي عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ، وَالْغَضَبُ غُفُولُ الْعَقْلِ، فَإِذَا اغْتَالَ الْغَضَبُ عَقْلَهُ حَتَّى لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّ أَقْوَالَ الْمُكَلَّفِ إنَّمَا تَنْفُذُ مَعَ عِلْمِ الْقَائِلِ بِصُدُورِهَا مِنْهُ وَمَعْنَاهَا وَإِرَادَتِهِ لِلتَّكَلُّمِ، فَالْأَوَّلُ يَخْرُجُ مِنْ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْغَضْبَانِ، وَالثَّانِي يَخْرُجُ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِاللَّفْظِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ مُقْتَضَاهُ، وَالثَّالِثُ يَخْرُجُ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِهِ مُكْرَهًا وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِمَعْنَاهُ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ تَوَسَّطَ فِي الْغَضَبِ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ، فَتَعَدَّى مَبَادِئَهُ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى آخِرِهِ بِحَيْثُ صَارَ كَالْمَجْنُونِ، فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَمَحَلُّ النَّظَرِ، وَالْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نُفُوذِ طَلَاقِهِ وَعِتْقِهِ وَعُقُودِهِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا الِاخْتِيَارُ وَالرِّضَا، وَهُوَ فَرْعٌ مِنْ الْإِغْلَاقِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ الْأَئِمَّةُ انْتَهَى. وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ لِخِلَافِ ابْنِ الْقَيِّمِ فِي هَذَا الْقِسْمِ الثَّالِثِ مَعَ أَنَّ ابْنَ الْقَيِّمِ لَمْ يَجْزِمْ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي هَذَا الْقِسْمِ غَيْرَ أَنَّهُ مَالَ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَيْضًا فِي " الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ " بِاخْتِصَارِ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ فَقَدْ أَطَالَ وَأَكْثَرَ فِيهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ. وَقَالَ: وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ فَمِنْ وُجُوهٍ وَسَاقَ لَهَا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَجْهًا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ مَنْ غَضِبَ حَتَّى أُغْمِيَ أَوْ أُغْشِيَ عَلَيْهِ؛ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ بِلَا رَيْبٍ. (أَوْ) أَيْ: يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى مَنْ (شَرِبَ طَوْعًا عَالِمًا) بِالتَّحْرِيمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 (مُسْكِرًا مَائِعًا) أَخْرَجَ الْحَشِيشَةَ وَنَحْوَهَا (بِلَا حَاجَةِ غُصَّةٍ) أَمَّا إذَا غُصَّ بِلُقْمَةٍ فَلَهُ دَفْعُهَا (وَلَوْ خَلَطَ فِي كَلَامِهِ أَوْ سَقَطَ تَمْيِيزُهُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ) فَلَا يَعْرِفُ مَتَاعَهُ مِنْ مَتَاعِ غَيْرِهِ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا الذَّكَرَ مِنْ الْأُنْثَى (وَيُؤَاخَذُ) السَّكْرَانُ الَّذِي يَقَعُ طَلَاقُهُ (بِسَائِرِ أَقْوَالِهِ) وَأَفْعَالِهِ (وَبِكُلِّ فِعْلٍ يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَقْلُ فِيمَا عَلَيْهِ كَإِقْرَارٍ وَقَذْفٍ وَظِهَارٍ وَإِيلَاءٍ وَسَرِقَةٍ وَزِنًا وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَوَقْفٍ وَعَارِيَّةٍ وَقَبْضِ أَمَانَةٍ وَإِسْلَامٍ وَرِدَّةٍ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ جَعَلُوهُ كَالصَّاحِي بِالْحَدِّ فِي الْقَذْفِ وَلِأَنَّهُ فَرَّطَ بِإِزَالَةِ عَقْلِهِ فِيمَا يُدْخِلُ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى غَيْرِهِ؛ فَأَلْزَم عَلَى حُكْمِ تَفْرِيطِهِ عُقُوبَةً لَهُ، وَ (لَا) يُؤَاخَذُ (فِيمَا لَهُ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِعْلٌ يَعُودُ إلَيْهِ نَفْعُهُ (كَوُقُوفٍ وَطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ) ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَالسَّكْرَانُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (قَالَ جَمَاعَةٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ (لَا تَصِحُّ عِبَادَةُ السَّكْرَانِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى يَتُوبَ) لِلْخَبَرِ: وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْحَشِيشَةُ الْخَبِيثَةُ كَالْبَنْجِ. وَأَبُو الْعَبَّاسِ يَرْوِي أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ حَتَّى فِي إيجَابِ الْحَدِّ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَنْجِ بِأَنَّهَا تُشْتَهَى وَتُطْلَبُ؛ فَهِيَ كَالْخَمْرِ، بِخِلَافِ الْبَنْجِ، فَالْحُكْمُ عِنْدَهُ مَنُوطٌ بِاشْتِهَاءِ النَّفْسِ وَطَلَبِهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ " " بِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ عَلَى خِلَافِهِ. (وَلَا يَقَعُ) طَلَاقٌ (مِنْ مُكْرَهٍ شَرِبَ) مُسْكِرًا (وَلَمْ يَأْثَمْ) بِشُرْبِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَالْمَعْذُورُ بِالسُّكْرِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (بِخِلَافِ مُكْرَهٍ عَلَى) شُرْبِ (يَسِيرٍ) مِنْ الْمُسْكِرِ (فَشَرِبَ) مِنْهُ (كَثِيرًا) فَيَقَعُ طَلَاقُهُ كَالْمُخْتَارِ؛ لِمَا يَجِدُ مِنْ اللَّذَّةِ (وَلَا) يَقَعُ طَلَاقٌ (مِمَّنْ أُكْرِهَ) عَلَى الطَّلَاقِ (ظُلْمًا) لِلْخَبَرِ (لَا بِحَقٍّ) فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ (كَ) حَاكِمٍ يُكْرِهُ (فِي) نِكَاحٍ (فَاسِدٍ وَإِيلَاءٍ) بَعْدَ التَّرَبُّصِ، وَأَبَى الْفَيْئَةَ فَإِنَّهُ يَقَعُ (بِعُقُوبَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِإِكْرَاهٍ (أَوْ إخْرَاجِهِ مِنْ دِيَارِهِ أَوْ تَهْدِيدٍ لَهُ، أَوْ لِوَلَدِهِ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَّجِهُ أَوْ لِوَالِدِهِ) وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 وُقُوعُ مَا هُدِّدَ بِهِ، وَعَجْزُهُ عَنْ دَفْعِهِ وَالْهَرَبِ مِنْهُ وَالِاخْتِفَاءِ؛ فَهُوَ إكْرَاهٌ لَا يَقَعُ مَعَهُ طَلَاقٌ (وَفِي " الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ " وَيَتَوَجَّهُ تَعَدِّيهِ إلَى كُلِّ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً عَظِيمَةً مِنْ وَالِدٍ وَزَوْجَةٍ) وَيُشْتَرَطُ حُصُولُ الْإِكْرَاهِ (مِنْ قَادِرٍ بِسَلْطَنَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ كَلِصٍّ) وَقَاطِعِ طَرِيقٍ (بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ ضَرْبٍ) شَدِيدٍ (أَوْ حَبْسٍ) أَوْ قَيْدٍ طَوِيلَيْنِ (أَوْ أَخْذِ مَالٍ يَضُرُّهُ) أَخْذُهُ مِنْهُ ضَرَرًا (كَثِيرًا فِي الْكُلِّ) أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ (وَ) يُشْتَرَطُ غَلَبَةُ (ظَنِّ إيقَاعِهِ) أَيْ: مَا هَدَّدَهُ بِهِ مِمَّا ذُكِرَ (وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ بِنَحْوِ هَرَبٍ وَاخْتِفَاءٍ، فَطَلَّقَ تَبَعًا لِقَوْلِهِ) أَيْ: الْمُكْرِهِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَنْ يُلْزِمُهُ اللُّصُوصُ فَطَلَّقَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «لَا طَلَاقَ وَلَا عِتْقَ فِي إغْلَاقٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَالْإِغْلَاقُ الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مُغْلَقٌ عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ مَضِيقٌ عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفِهِ، كَمَنْ أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابٌ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِلَا حَقٍّ أَشْبَهَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ (بَلْ يَجِبُ طَلَاقُهُ إنْ هَدَّدَهُ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ) قَادِرٌ (وَ) غَلَبَ عَلَى (ظَنِّهِ) إيقَاعُ ذَلِكَ (مِنْهُ) إنْ لَمْ يُطَلِّقْ؛ لِئَلَّا يُلْقِيَ بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. وَرَوَى سَعِيدٌ وَأَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ تَدَلَّى فِي حَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلًا، فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ، فَجَلَسَ عَلَى الْحَبْلِ، فَقَالَتْ لَهُ: لِتُطَلِّقْهَا ثَلَاثًا، وَإِلَّا قَطَعَتْ الْحَبْلَ، فَذَكَرَ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ، فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ خَرَجَ إلَى عُمَرَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ ارْجِعْ إلَى أَهْلِكَ؛ فَلَيْسَ هَذَا طَلَاقًا (وَكَمُكْرَهٍ) ظُلْمًا فِي عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ (مَنْ سُحِرَ لِيُطَلِّقَ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: بَلْ هُوَ مِنْ أَعْظَمُ الْإِكْرَاهَاتِ (إذَا بَلَغَ بِهِ السِّحْرُ إلَى أَنْ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ إذَنْ (وَضَرْبٌ يَسِيرٌ) فِي حَقٍّ لَا يُبَالِي بِهِ (لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ إلَّا لِذِي مُرُوءَةٍ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إخْرَاقًا) أَيْ: إهَانَةً لِصَاحِبِهِ وَغَضَاضَةً (وَشُهْرَةً) فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 حَقِّهِ فَهُوَ كَالضَّرْبِ الْكَثِيرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: وَلَا يَكُونُ) السَّبُّ وَلَا (الشَّتْمُ وَلَا الْإِخْرَاقُ وَأَخْذُ الْمَالِ الْيَسِيرِ إكْرَاهًا) لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَسِيرٌ. قَالَ الْقَاضِي: الْإِكْرَاهُ يَخْتَلِفُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ (وَيَنْبَغِي لِمُكْرَهٍ) عَلَى طَلَاقٍ (التَّأْوِيلُ) فَيَنْوِي بِقَلْبِهِ عَلَى غَيْرِ امْرَأَتِهِ، أَوْ يَنْوِي بِطَلَاقٍ مِنْ عَمَلٍ؛ وَبِثَلَاثٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْقَعَ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ إذَا لَمْ يَتَأَوَّلْ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ، وَهُوَ أَدْرَى بِهَا (فَإِنْ قَصَدَ إيقَاعَهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ (دُونَ دَفْعِ إكْرَاهٍ) عَنْهُ؛ وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ وَاخْتَارَهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَظُنَّ إيقَاعَ مَا هُدِّدَ بِهِ، أَوْ أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ مِنْ الْإِكْرَاهِ بِنَحْوِ هَرَبٍ أَوْ اخْتِفَاءٍ أَوْ دَفْعِ إكْرَاهٍ، (أَوْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ نِسَائِهِ كَفَاطِمَةَ (فَطَلَّقَ غَيْرَهَا) كَخَدِيجَةَ وَقَعَ بِهَا طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى طَلَاقِهَا (أَوْ) أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ (طَلْقَةً) وَاحِدَةً (فَطَلَّقَ أَكْثَرَ) مِنْ طَلْقَةٍ (وَقَعَ) طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: فَظَاهِرُهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ، فَطَلَّقَ ثَلَاثًا؛ لَمْ يَقَعْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْإِيقَاعَ دُونَ دَفْعِ الْإِكْرَاهِ وَ (لَا) يَقَعُ طَلَاقُهُ (إنْ أُكْرِهَ عَلَى) طَلَاقِ (مُبْهَمَةٍ) مِنْ نِسَائِهِ (فَطَلَّقَ) وَاحِدَةً (مُعَيَّنَةً) مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ الْمُبْهَمَةَ الَّتِي أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِهَا، تُحَقَّقُ فِي الْمُعَيَّنَةِ، فَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ (أَوْ تَرَكَ التَّأْوِيلَ، وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ) لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ (أَوْ إكْرَاهٍ عَلَى نَحْوِ عِتْقٍ) كَظِهَارٍ (وَ) عَلَى (يَمِينٍ) بِاَللَّهِ (كَ) إكْرَاهٍ (عَلَى طَلَاقٍ) فَلَا يُؤَاخَذُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالٍ لَا يُؤَاخَذُ فِيهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْوَعِيدُ إكْرَاهًا لَكُنَّا مُكْرَهِينَ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَلَا ثَوَابَ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّنَا مُكْرَهُونَ، وَالثَّوَابُ بِفَضْلِهِ لَا مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، ثُمَّ الْعِبَادَاتُ تُفْعَلُ لِلرَّغْبَةِ. ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ بَائِنًا (وَلَا يُسْتَحَقُّ عِوَضٌ سُئِلَ) الْمُطَلَّقُ (عَلَيْهِ فِي نِكَاحٍ قِيلَ) أَيْ: قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ (بِصِحَّتِهِ كَبِلَا وَلِيٍّ أَوْ شَهَادَةِ فَاسِقٍ وَنِكَاحِ مُحَلِّلٍ وَ) نِكَاحِ، (شِغَارٍ وَعِدَّةِ زِنًا) وَنِكَاحِ الْأُخْتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 فِي عِدَّةِ أُخْتهَا الْبَائِنِ، وَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وَنِكَاحٍ بِلَا شُهُودٍ (وَلَا يَرَاهَا) أَيْ: الصِّحَّةَ (مُطَلِّقٌ) أَوْ كَانَ يَرَاهَا. نَصَّ عَلَى وُقُوعِهِ أَحْمَدُ كَبَعْدِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِصِحَّتِهِ إذَا كَانَ يَرَاهَا، فَيَصِيرُ كَالصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَيَسْتَحِقُّ عِوَضًا سُئِلَ عَلَيْهِ، وَالْحَاكِمُ إنَّمَا يَكْشِفُ خَافِيًا أَوْ يُنَفِّذُ وَاقِعًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إزَالَةُ مِلْكٍ بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نُفُوذِهِ إسْقَاطُ حَقِّ الْغَيْرِ كَالْعِتْقِ يَنْفُذُ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ بِالْأَدَاءِ كَمَا يَنْفُذُ فِي الصَّحِيحَةِ. (وَلَا يَكُونُ) الطَّلَاقُ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ (بِدْعِيًّا فِي حَيْضٍ) فَيَجُوزُ فِيهِ وَلَا يُسَمَّى طَلَاقَ بِدْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا تَجُوزُ اسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ، وَيَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِي صِحَّتِهِ النَّسَبُ إنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ، وَالْعِدَّةُ إنْ دَخَلَ بِهَا وَخَلَا بِهَا، وَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ بِهَا كَالصَّحِيحِ، وَيَسْقُطُ أَيْضًا بِهِ الْحَدُّ، وَ (لَا) يَصِحُّ (خُلْعٌ) فِيهِ (لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِلَا عِوَضٍ: فَلَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا بِبَذْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا مُقَابِلَ لِلْعِوَضِ. وَ (لَا) يَقَعُ طَلَاقٌ (فِي) نِكَاحٍ (بَاطِلٍ إجْمَاعًا) كَنِكَاحِ مُعْتَدَّةٍ وَخَامِسَةٍ (وَلَا فِي نِكَاحِ فُضُولِيٍّ قَبْلَ إجَازَتِهِ) وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَنْفُذُ بِهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا إنْ حُكِمَ بِصِحَّتِهِ مِمَّنْ يَرَاهُ فَيَصِيرُ كَالصَّحِيحِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ. (وَيَصِحُّ عِتْقٌ فِي شِرَاءٍ فَاسِدٍ) أَيْ: مُخْتَلَفٍ فِيهِ؛ فَيَنْفُذُ، وَيَضْمَنُهُ مُعْتِقُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ عِتْقٍ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ وَأُجْرَتِهِ إلَى حِينِ الْعِتْقِ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) قَوِيٌّ فِي الْأُولَى (وَيُجْزِئُ) عِتْقُ قِنٍّ مُلِكَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (فِي كَفَّارَةِ) نَحْوِ ظِهَارٍ، (وَ) يُجْزِئُ عِتْقُ أَمَةٍ فِي (صَدَاقٍ) كَذَا قَالَ، أَمَّا كَوْنُهُ يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ فَظَاهِرٌ مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يُجْزِئُ فِي صَدَاقٍ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ. قَالَ فِي " حَاشِيَةِ الْخَلْوَتِيِّ " وَبِخَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ شَيْخُنَا: وَإِنْ قَالَ لِمَنْ اشْتَرَاهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 أَعْتَقْتُكِ، وَجَعَلْت عِتْقَكِ صَدَاقَكِ؛ صَحَّ الْعِتْقُ وَلَوْ لَمْ يُبَحْ لَهُ نِكَاحُهَا وَهُوَ الْوَرَعُ؛ لِأَنَّا إنَّمَا صَحَّحْنَا الْعِتْقَ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلِأَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ نَفْسُهُ لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَيْضًا. [فَصْلٌ مَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ مِنْ بَالِغٍ وَمُمَيِّزٍ يَعْقِلُهُ صَحَّ تَوْكِيلُهُ وَتَوَكُّلُهُ فِيهِ] فَصْلٌ (وَمَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ) مِنْ بَالِغٍ وَمُمَيِّزٍ يَعْقِلُهُ (صَحَّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ وَ) صَحَّ (تَوَكُّلُهُ) فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي شَيْءٍ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِيهِ؛ صَحَّ تَوْكِيلُهُ وَتَوَكُّلُهُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إزَالَةُ مِلْكٍ فَجَازَ التَّوَكُّلُ وَالتَّوْكِيلُ فِيهِ كَالْعِتْقِ (وَلَوْ) كَانَ الْوَكِيلُ فِي الطَّلَاقِ (امْرَأَةً) لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَوْكِيلُهَا فِي طَلَاقِ غَيْرِهَا، فَكَذَا فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا. (وَلِوَكِيلٍ لَمْ يُحَدَّ لَهُ حَدٌّ) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مُوَكِّلُهُ وَقْتًا لِلطَّلَاقِ (أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ) كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ حَدَّ لَهُ حَدًّا كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: طَلِّقْهَا الْيَوْمَ أَوْ نَحْوَهُ؛ فَلَا يَمْلِكُهُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَثْبُتُ لَهُ الْوَكَالَةُ عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الْمُوَكِّلِ، وَ (لَا) يُطَلِّقُ وَكِيلٌ عَنْ مُوَكِّلِهِ (وَقْتَ بِدْعَةٍ) مِنْ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وُطِئَ فِيهِ، فَإِنْ فَعَلَ حَرُمَ (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ مِنْهُ كَمَا يَقَعُ مِنْ الْمُوَكِّلِ إذَا طَلَّقَ زَمَنَ بِدْعَةٍ. قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُوَفَّقِ. وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 الْإِقْنَاعِ " وَ (لَا) يُطَلِّقُ الْوَكِيلُ الْمُطْلَقُ (أَكْثَرَ مِنْ) طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ) الْمُوَكِّلُ (لَهُ) فَإِنْ جَعَلَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ (بِلَفْظٍ) مَلَكَهُ (أَوْ نِيَّةٍ) مَلَكَهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِكَلَامِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهَا. (وَلَا يَمْلِكُ) وَكِيلٌ (بِإِطْلَاقِ) مُوَكِّلٍ فِي طَلَاقٍ (تَعْلِيقًا) أَيْ: أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَرْطٍ (فَإِنْ عَلَّقَهُ لَمْ يَقَعْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ لَفْظًا وَلَا عُرْفًا. (وَمَنْ وُكِّلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (فِي ثَلَاثِ) طَلْقَاتٍ (فَوَحَّدَ) أَيْ: فَطَلَّقَ طَلْقَةً وَاحِدَةً؛ وَقَعَتْ؛ لِدُخُولِهَا فِي ضِمْنِ الْمَأْذُونِ فِيهِ (أَوْ) وُكِّلَ فِي طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ فَثَلَّثَ) أَيْ: فَطَلَّقَ ثَلَاثًا (فَ) يَقَعُ طَلْقَةً (وَاحِدَةً) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ الْمَأْذُونُ فِيهَا دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهَا، وَهِيَ فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ فَتَقَعُ. (وَإِنْ وَكَّلَ) زَوْجٌ فِي طَلَاقٍ وَكِيلَيْنِ (اثْنَيْنِ؛ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا) بِالطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِمَا جَمِيعًا (إلَّا بِإِذْنٍ) مِنْ الْمُوَكِّلِ؛ فَيَصِحُّ انْفِرَادُ مَنْ أُذِنَ لَهُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُوَكِّلِ فِي ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَيَقَعُ بِطَلَاقِ مُتَأَخِّرٍ) مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ مَأْذُونٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، فَلَمَّا طَلَّقَ الْأَوَّلُ وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى طَلَاقِ الثَّانِي، وَلَمَّا طَلَّقَ الثَّانِي صَدَقَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا أَوْقَعًا طَلَاقًا قَدْ أَذِنَ لَهُمَا الْمُوَكِّلُ فِيهِ، فَوَقَعَ كَمَا لَوْ أَوْقَعَاهُ مَعًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ وُكِّلَا) أَيْ: وَكَّلَ الزَّوْجُ اثْنَيْنِ (فِي) طَلَاقِ (ثَلَاثٍ فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ (أَكْثَرَ مِنْ) الْوَكِيلِ (الْآخَرِ) بِأَنْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 وَاحِدَةً وَالْآخَرُ ثِنْتَيْنِ، أَوْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا ثِنْتَيْنِ وَالْآخَرُ ثَلَاثًا (وَقَعَ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ) وَهُوَ وَاحِدَةٌ فِي الْأُولَى كَمَا لَوْ جَعَلَ إلَيْهِمَا وَاحِدَةً، وَيَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ؛ فَصَحَّ، دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا بِلَا إذْنٍ. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (طَلِّقِي نَفْسَكِ كَانَ لَهَا ذَلِكَ) أَيْ: طَلَاقُ نَفْسِهَا (مُتَرَاخِيًا كَوَكِيلٍ) غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَالْإِطْلَاقِ. (وَيَبْطُلُ) تَوْكِيلُ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فِي طَلَاقِهَا (بِرُجُوعٍ) أَيْ: بِرُجُوعِ زَوْجٍ عَنْهُ، وَبِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَوَطْءٍ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ أَشْبَهَ عَزْلَ سَائِرِ الْوُكَلَاءِ (وَلَا تَمْلِكُ؟) زَوْجَةٌ بِهِ أَيْ: بِقَوْلِ زَوْجِهَا لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ (أَكْثَرَ مِنْ) طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (إلَّا إنْ جَعَلَهُ) أَيْ: الْأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ (لَهَا) فَتَمْلِكُ مَا جَعَلَهُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ، وَقَعَتْ؛ لِأَنَّهَا مَأْذُونَةٌ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، فَوَقَعَ الْمَأْذُونُ فِيهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ وَضَرَّاتِكِ، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَطْ، وَإِنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ، فَقَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ بِقُدُومِهِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ انْصَرَفَ إلَى الْمُنَجَّزِ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْمُعَلَّقَ (وَتَمْلِكُ) زَوْجَةٌ (الثَّلَاثَ) أَيْ: أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثَةً (فِي) مَا إذَا قَالَ لَهَا زَوْجُهَا (طَلَاقُكِ بِيَدِكِ) لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ (وَ) تَمْلِكُ أَيْضًا الثَّلَاثَ فِي قَوْلِهِ لَهَا (وَكَّلْتُكِ فِيهِ) أَيْ: فِي طَلَاقِكِ، أَوْ فِي الطَّلَاقِ؛ لِمَا سَبَقَ فِي الْأُولَى، وَلِاقْتِرَانِهِ بِأَلْ الِاسْتِغْرَاقِيَّةِ فِي الثَّانِيَةِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (لَا قَوْلُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (ذَلِكَ لِوَكِيلٍ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: طَلَاقُ زَوْجَتِي بِيَدِكَ أَوْ وَكَّلْتُكَ فِي طَلَاقِهَا؛ فَلَا يَمْلِكُ بِهَذَا التَّوْكِيلِ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا وَإِنَّمَا يَمْلِكُ وَاحِدَةً لَا غَيْرُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الزَّوْجُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ بِلَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ خَيَّرَ وَكِيلَهُ) مِنْ ثَلَاثٍ (أَوْ) خَيَّرَ (زَوْجَتَهُ مِنْ ثَلَاثٍ) بِأَنْ قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 لِوَكِيلِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ: اخْتَرْ أَوْ اخْتَارِي مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت أَوْ شِئْت (مَلَكَا) أَنْ يُطَلِّقَا (ثِنْتَيْنِ فَأَقَلَّ) لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ؛ فَلَا يَسْتَوْعِبُ أَحَدُهُمَا الثَّلَاثَ. (وَوَجَبَ عَلَى نَبِيّنَا) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَخْيِيرُ نِسَائِهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْخَصَائِصِ. [بَابُ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ] ِ أَيْ: إيقَاعُ الطَّلَاقِ عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ، وَإِيقَاعُهُ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ. (السُّنَّةُ لِمَرِيدِهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ (إيقَاعُ) طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا) أَيْ لَمْ يَطَأْهَا (فِيهِ) أَيْ: الطُّهْرِ (ثُمَّ يَدَعُهَا بِلَا تَطْلِيقِ) ثَانِيَةٍ (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) مِنْ الْأُولَى؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الطَّلَاقِ فِرَاقُهَا، وَقَدْ حَصَلَ بِالْأُولَى. قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ. طَاهِرَاتٍ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ (إلَّا) طَلَاقًا (فِي طُهْرٍ مُتَعَقِّبٍ لِرَجْعَةٍ مِنْ طَلَاقٍ فِي حَيْضٍ فَ) هُوَ طَلَاقُ (بِدْعَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يُمْسِكَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 (وَيَتَّجِهُ وَ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ مُتَعَقِّبٍ لِرَجْعَةٍ مِنْ طَلَاقٍ فِي حَيْضٍ (لَا يَحْرُمُ) أَبَدًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي فَبِدْعَةٌ مُحَرَّمٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ تَقْيِيدِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَ (لِقَوْلِهِ الْآتِي أَمْسِكْهَا نَدْبًا حَتَّى تَحِيضَ، وَإِلَّا لَكَانَ عَلَيْهِ إمْسَاكُهَا وُجُوبًا؛ لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْحَرَامِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (زَادَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَيَلْزَمُهُ وَطْؤُهَا) أَيْ: وَطْءُ مَنْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ، ثُمَّ رَاجَعَهَا إذَا طَهُرَتْ وَاغْتَسَلَتْ. (وَإِنْ) (طَلَّقَ) زَوْجَةً (مَدْخُولًا بِهَا فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ) وَلَوْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِهِ (وَلَمْ يَسْتَبِنْ) أَيْ: يَتَّضِحْ (حَمْلُهَا) فَبِدْعَةٌ مُحَرَّمٌ، وَيَقَعُ (أَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ (عَلَى أَكْلِهَا وَنَحْوِهِ) كَصَلَاتِهَا (مِمَّا يُعْلَمُ وُقُوعُهُ حَالَتَهُمَا) أَيْ: الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ؛ (فَ) هُوَ طَلَاقُ. (بِدْعَةٍ مُحَرَّمٌ، وَيَقَعُ) نَصًّا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ نَافِعٌ: «وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهِ، وَرَاجَعَهَا كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ مُكَلَّفٍ فِي مَحَلِّ الطَّلَاقِ، فَوَقَعَ كَطَلَاقِ الْحَامِلِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَيُعْتَبَرُ لِوُقُوعِهِ مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ، بَلْ هُوَ إزَالَةُ عِصْمَةٍ، وَقَطْعُ مِلْكٍ؛ فَإِيقَاعُهُ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ أَوْلَى تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَعُقُوبَةً لَهُ. (وَتُسَنُّ رَجْعَتُهَا) مِنْ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا؛ لِلْخَبَرِ، وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ؛ لِيُزِيلَ الْمَعْنَى الَّذِي حُرِّمَ الطَّلَاقُ لِأَجَلِهِ (وَيَجِبُ) عَلَيْهِ (إمْسَاكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ أَمْسَكَهَا نَدْبًا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى) ثُمَّ تَطْهُرَ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَهُوَ طَلَاقُ سُنَّةٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ. وَلَوْ عَلَّقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 طَلَاقَهَا بِقِيَامِهَا أَوْ بِقُدُومِ زَيْدٍ، فَقَامَتْ أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ وَهِيَ حَائِضٌ طَلُقَتْ لِلْبِدْعَةِ، لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَلَا إثْمَ عَلَى الْمُطَلِّقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ إيقَاعَ الطَّلَاقِ زَمَنَ الْبِدْعَةِ. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ لِلسُّنَّةِ، فَقَدِمَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ طَلُقَتْ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فِي زَمَانِ الْبِدْعَةِ، لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عِنْدَ قُدُومِهِ؛ لِأَنَّهَا إذَنْ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَلَمْ يُوجَدْ تَمَامُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، فَإِذَا صَارَتْ إلَى زَمَانِ السُّنَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ عِنْدَ قُدُومِ زَيْدٍ، وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا؛ طَلُقَتْ عِنْدَ قُدُومِهِ " حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا، لِأَنَّهُ لَا سُنَّةَ لَهَا وَلَا بِدْعَةَ، وَإِنْ قَالَهُ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ طَلُقَتْ حِينَ قُدُومِهِ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَنْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ زَمَنَ الْبِدْعَةِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَجِيءَ زَمَنُ السُّنَّةِ لِيُوجَدَ الشَّرْطُ. (وَيَحْرُمُ إيقَاعُ) طَلْقَاتٍ (ثَلَاثٍ، وَلَوْ بِكَلِمَاتٍ) وَلَوْ (فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا) زَوْجُهَا (فِيهِ أَوْ) أَيْ: وَيَحْرُمُ إيقَاعُ ثَلَاثٍ فِي (أَطْهَارٍ مِنْهُ لَا) يَحْرُمُ إيقَاعُ ذَلِكَ (بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ) بَعْدَ (عَقْدٍ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] : إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4] وَمَنْ جَمَعَ الثَّلَاثَ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَمْرٌ يَحْدُثُ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَلَا مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا أَكَانَ يَحِلُّ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا؟ قَالَ: إذَنْ عَصَيْتَ وَبَانَتْ مِنْكِ امْرَأَتُكِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: «أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُلْعَبُ فِي كِتَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَقْتُلُهُ؟» وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَقَالَ: إنَّ عَمّكِ عَصَى اللَّهَ وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَسَوَاءٌ فِي الْوُقُوعِ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، فَلَوْ طَلَّقَهَا مَا بَعْدَ الْأُولَى بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا، وَلَا بِدْعَةً بِحَالٍ وَمَا رَوَى طَاوُوسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَسِنِينَ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً» . فَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمُجَاهِدٌ وَمَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافَهُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد، وَأَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ بِخِلَافِ مَا رُوِيَ عَنْ طَاوُوسٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُطَلِّقُونَ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ عُمَرُ مَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا يَكُونُ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ يَرْوِيَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُفْتِيَ بِخِلَافِهِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ لَمْ يَأْثَمْ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَمْنَعَاهُ الرَّجْعَةَ، لَكِنْ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ تَطْلِيقَةً بِلَا فَائِدَةٍ ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ. (وَلَا سُنَّةَ وَلَا بِدْعَةَ فِي وَقْتٍ أَوْ عُذْرٍ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا) لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ لَهَا فَتَنْضَرَّ بِهَا (وَ) لَا لِزَوْجَةٍ (بَيِّنٍ حَمْلُهَا، وَ) لَا لِزَوْجَةٍ (صَغِيرَةٍ وَآيِسَةٍ) لِأَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ؛ فَلَا تَخْتَلِفُ عِدَّتُهَا (فَلَوْ قَالَ) الزَّوْجُ (لِإِحْدَاهُنَّ) أَيْ: الْمَذْكُورَاتِ (أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ) طَلُقَتْ فِي الْحَالِ (أَوْ قَالَ) لِإِحْدَاهُنَّ أَنْتِ طَالِقٌ (لِلْبِدْعَةِ؛ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ، أَوْ لَا لِلسُّنَّةِ وَلَا لِلْبِدْعَةِ؛ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهَا لَا يَتَّصِفُ بِسُنَّةٍ وَلَا بِدْعَةٍ؛ فَيَلْغُو وَصْفُهُ بِهِ، وَيَبْقَى الطَّلَاقُ بِدُونِ الصِّفَةِ. فَيَقَعُ فِي الْحَالِ (وَ) لَوْ قَالَ لِإِحْدَاهُنَّ: أَنْتِ طَالِقٌ (لِلسُّنَّةِ طَلْقَةً وَلِلْبِدْعَةِ طَلْقَةً وَقَعَتَا) فِي الْحَالِ؛ لِمَا سَبَقَ (وَيَدِينُ) قَائِلُ ذَلِكَ (فِي غَيْرِ آيِسَةٍ إذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 قَالَ: أَرَدْتُ إذَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ) أَيْ: السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ لِادِّعَائِهِ مُحْتَمَلًا (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، بِخِلَافِ الْآيِسَةِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَيَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ أَوْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا؛ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ لَا سُنَّةَ لَهَا مَا دَامَتْ كَذَلِكَ. (وَلِمَنْ) أَيْ: وَلِزَوْجَةٍ (لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ) وَهِيَ الْمَدْخُولُ بِهَا غَيْرُ الْحَامِلِ ذَاتُ الْحَيْضِ (إنْ قَالَهُ) أَيْ: قَالَ لَهَا زَوْجُهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ طَلْقَةً وَلِلْبِدْعَةِ طَلْقَةً (فَوَاحِدَةٌ) تَقَعُ (فِي الْحَالِ) لِأَنَّ حَالَهَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي زَمَنِ السُّنَّةِ؛ فَتَقَعَ الطَّلْقَةُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى السُّنَّةِ، أَوْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ فَتَقَعَ الطَّلْقَةُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى الْبِدْعَةِ، وَتَقَعُ الطَّلْقَةُ (الْأُخْرَى فِي ضِدِّ حَالِهَا إذًا) لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ عَلَى ضِدِّ تِلْكَ الْحَالِ، فَإِنْ كَانَتْ حِينَ الْقَوْلِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ؛ وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ إذَا أَصَابَهَا، أَوْ حَاضَتْ، وَإِنْ كَانَتْ حِينَ الْقَوْلِ حَائِضًا أَوْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ طَهُرَتْ الثَّانِيَةُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ وَالْحَيْضَ بَعْدَهُ زَمَانُ بِدْعَةٍ. (وَ) إنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ (لِلسُّنَّةِ فَقَطْ) وَهِيَ (فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْ) هَا (فِيهِ يَقَعُ فِي الْحَالِ) لِوَصْفِهِ الطَّلْقَةَ بِصِفَتِهَا؛ فَوَقَعَتْ فِي الْحَالِ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ (فِي حَيْضٍ) طَلُقَتْ (إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ وَقْتُ السُّنَّةِ فِي حَقِّهَا لَا سُنَّةَ لَهَا قَبْلَهَا (فَلَوْ أَوْلَجَ فِي آخِرِهَا) أَيْ الْحَيْضَةِ (وَاتَّصَلَ بِأَوَّلِ الطُّهْرِ) لَمْ يَقَعْ (أَوْ أَوْلَجَ مَعَ أَوَّلِ الطُّهْرِ؛ لَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ (فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ أَيْضًا) لَكِنْ مَتَى صَارَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْ فِيهِ، طَلُقَتْ فِي أَوَّلِهِ. (وَ) إنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ (لِلْبِدْعَةِ) فَقَطْ وَهِيَ (فِي حَيْضٍ أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ؛ يَقَعُ) الطَّلَاقُ عَلَيْهِ (فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلْقَةَ بِصِفَتِهَا (وَإِنْ) كَانَتْ فِي طُهْرٍ (لَمْ يَطَأْ) هَا (فِيهِ) فَيَقَعُ الطَّلَاقُ (إذَا حَاضَتْ أَوْ وَطِئَهَا) لِوُجُودِ شَرْطِهِ (وَيَنْزِعُ فِي الْحَالِ) بَعْدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 إيلَاجِ الْحَشَفَةِ (إنْ كَانَ) الطَّلَاقُ (ثَلَاثًا) أَوْ كَانَتْ طَلْقَةً مُكَمِّلَةً لَا يَمْلِكُهُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، أَوْ كَانَ عَلَى عِوَضٍ لِبَيْنُونَتِهَا عَقِبَ ذَلِكَ (فَإِنْ بَقِيَ) أَيْ: لَمْ يَنْزِعْ فِي الْحَالِ (حُدَّ عَالِمٌ) بِالْحُكْمِ؛ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ (وَعُزِّرَ غَيْرُهُ) وَهُوَ الْجَاهِلُ وَالنَّاسِي وَلَا حَدَّ لِلْعُذْرِ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّهُ (لَا حَدَّ) عَلَى عَالِمٍ لَمْ يَنْزِعْ فِي الْحَالِ (لِلْخِلَافِ فِي عَدَمِ وُقُوعِهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ (ثَلَاثًا دَفْعَةً كَمَا يَأْتِي) مُوَضَّحًا فِي: بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ بِأَدِلَّتِهِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ (وَ) إنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ) وَلَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا قَبْلُ، فَإِنَّهَا (تَطْلُقُ) الطَّلْقَةَ (الْأُولَى فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ وَ) تَطْلُقُ (الثَّانِيَةَ طَاهِرَةً بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ وَكَذَا) تَطْلُقُ (الثَّالِثَةَ) طَاهِرَةً بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ بِدْعَةٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَ " النَّظْمِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " (تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مِنْ السُّنَّةِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. (وَ) إنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَنْتِ (طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ نِصْفَيْنِ، أَوْ لَمْ يَقُلْ نِصْفَيْنِ، أَوْ لَمْ يَقُلْ، أَوْ قَالَ: بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ إذَنْ) أَيْ: عَقِبَ قَوْلَهُ ذَلِكَ (ثِنْتَانِ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ، فَيُكَمَّلُ النِّصْفُ، وَفِيمَا إذَا قَالَ: بَعْضُهُنَّ وَبَعْضُهُنَّ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ سَوَاءً (وَ) تَقَعُ الطَّلْقَةُ (الثَّالِثَةُ فِي ضِدِّهَا لَهَا إذَنْ) أَيْ: الْحَاضِرَةِ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهَا (فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ تَأْخِيرَ ثِنْتَيْنِ قُبِلَ) ذَلِكَ مِنْهُ (حُكْمًا) لِاحْتِمَالِ لَفْظِهِ لَهُ؛ إذْ الْبَعْضُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، (وَلَوْ) كَانَ (قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَوَاحِدَةً لِلْبِدْعَةِ أَوْ عَكَسَ) بِأَنْ قَالَ طَلْقَتَيْنِ لِلْبِدْعَةِ وَوَاحِدَةً لِلسُّنَّةِ (فَ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (عَلَى مَا قَالَ) إذَا وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً) وَهِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 حَامِلٌ أَوْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ (لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ، فَتَطْلُقُ فِي كُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةً) إذْ الْقُرْءُ الْحَيْضُ كَمَا يَأْتِي تَوْضِيحُهُ فِي الْعِدَدِ (لَا) إنْ كَانَتْ (غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَبِينُ بِوَاحِدَةٍ) فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا، لَكِنْ إنْ تَزَوَّجَهَا فَحَاضَتْ؛ وَقَعَ إذَنْ طَلْقَةً ثَانِيَةً، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الثَّالِثَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا حِينَ قَوْلِهِ وَقَعَ بِهَا وَاحِدَةً فِي الْحَالِ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً لَمْ تَطْلُقْ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ. [فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ طَلَاقٍ أَوْ أَجْمَلَهُ] فَصْلٌ (وَ) إنْ قَالَ: (أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ طَلَاقٍ أَوْ أَجْمَلَهُ أَوْ أَقْرَبَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ) أَوْ أَفْضَلَهُ أَوْ أَتَمَّهُ أَوْ أَسَنَّهُ أَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً سُنِّيَّةً أَوْ جَلِيلَةً وَنَحْوَهُ) كَطَلْقَةٍ حَسَنَةٍ أَوْ مَلِيحَةٍ أَوْ جَمِيلَةٍ أَوْ كَامِلَةٍ أَوْ فَضِيلَةٍ، فَهُوَ (كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ) لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَإِلَّا وَقَعَ إذَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحُسْنِ وَالْكَمَالِ وَالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُطَابِقٌ لِلشَّرْعِ مُوَافِقٌ لِلسُّنَّةِ، وَأَنْتِ طَالِقٌ أَبْشَعَ الطَّلَاقِ (أَوْ أَقْبَحَهُ وَأَسْمَجَهُ أَوْ أَفْحَشَهُ أَوْ أَرْدَأَهُ أَوْ أَنْتَنَهُ وَنَحْوَهُ) كَأَوْحَشَهُ أَوْ أَبْخَسَهُ، كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (لِلْبِدْعَةِ) فَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ أَوْ حَائِضًا؛ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَإِلَّا فَإِذَا صَارَتْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ، لِأَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِي الْأَفْعَالِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ، فَمَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ فَهُوَ حَسَنٌ، وَمَا قَبَّحَهُ فَهُوَ قَبِيحٌ، وَقَدْ أَذِنَ الشَّرْعُ فِي الطَّلَاقِ فِي زَمَنٍ فَسُمِّيَ زَمَانَ السُّنَّةِ، وَنَهَى عَنْهُ فِي زَمَنٍ؛ فَسُمِّيَ زَمَانَ الْبِدْعَةِ، وَإِلَّا فَالطَّلَاقُ فِي نَفْسِهِ فِي الزَّمَانَيْنِ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا حَسُنَ أَوْ قَبُحَ بِالْإِضَافَةِ إلَى زَمَانِهِ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) بِقَوْلِهِ إلَى زَوْجَتِهِ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَقْبَحَهُ وَنَحْوَهُ (أَحْسَنُ أَحْوَالِكِ أَوْ أَقْبَحُهَا أَنْ تَكُونِي مُطَلَّقَةً فَيَقَعُ فِي الْحَالِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 لِأَنَّ هَذَا يُوجَدُ فِي الْحَالِ، وَلِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْحَالِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ الصِّفَةَ؛ فَيَلْغُو، وَيَقَعُ فِي الْحَالِ (وَلَوْ قَالَ) مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ (نَوَيْتُ) بِقَوْلِي (أَحْسَنَهُ زَمَنَ بِدْعَةٍ شَبَّهَهُ بِخُلُقِهَا الْحَسَنِ، أَوْ) قَالَ نَوَيْتُ (بِ) أَنْتِ طَالِقٌ (أَقْبَحَهُ) وَنَحْوَهُ كَأَسْمَجَهُ (زَمَنَ سُنَّةٍ لِقُبْحِ عِشْرَتِهَا أَوْ) قَالَ (عَنْ أَحْسَنِهِ وَنَحْوِهِ أَرَدْتُ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ، أَوْ) قَالَ (عَنْ أَقْبَحِهِ وَنَحْوِهِ أَرَدْتُ طَلَاقَ السُّنَّةِ دُيِّنَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَقُبِلَ حُكْمًا فِي الْأَغْلَظِ) عَلَيْهِ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْأَحَقِّ، فَلَوْ قَالَ نَوَيْتُ بِقَوْلِي: أَحْسَنَ الطَّلَاقِ وَنَحْوَهُ وُقُوعَهُ زَمَنَ الْحَيْضِ، وَلَمْ أُرِدْ الْوَقْتَ، وَكَانَتْ فِي الْحَيْضِ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا فِيهِ تَغْلِيظٌ، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي أَقْبَحَ الطَّلَاقِ وُقُوعَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ أُصِبْهَا فِيهِ، وَكَانَتْ كَذَلِكَ؛ وَقَعَ فِي الْحَالِ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا فِيهِ تَغْلِيظٌ، فَقُبِلَ، وَإِلَّا تَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. (وَلَوْ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ (طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً) تَطْلُقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِصِفَتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْنِ؛ فَلَغَتَا وَبَقِيَ مُجَرَّدُ الطَّلَاقِ (أَوْ) قَالَ لَهَا أَنْتِ (طَالِقٌ فِي الْحَالِ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ حَائِضٌ) أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ (أَوْ) قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (فِي الْحَالِ لِلْبِدْعَةِ فِي طُهْرٍ وَلَمْ يَطَأْهَا فِيهِ، تَطْلُقُ فِي الْحَالِ) إلْغَاءً لِقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ وَلِلْبِدْعَةِ. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ يَقَعُ عَلَيْكِ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ فِي زَمَنِ السُّنَّةِ) أَيْ: فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ (طَلُقَتْ) بِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِ السُّنَّةِ (انْحَلَّتْ الصِّفَةُ، وَلَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ (بِحَالٍ) وَلَوْ صَارَتْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ (وَإِنْ عَكَسَ) بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ يَقَعُ عَلَيْكِ لِلْبِدْعَةِ (وَكَانَتْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ؛ وَقَعَ) فِي الْحَالِ، (وَإِلَّا) تَكُنْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ (لَمْ يَقَعْ بِحَالٍ) وَانْحَلَّتْ الصِّفَةُ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ الْمَقُولُ لَهَا ذَلِكَ مِمَّنْ لَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ؛ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 [فَرْعٌ الْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ زَمَنَ بِدْعَةٍ بِسُؤَالِ الزَّوْجَةِ] (فَرْعٌ يُبَاحُ خُلْعٌ وَطَلَاقٌ زَمَنَ بِدْعَةٍ بِسُؤَالِ الزَّوْجَةِ) ذَلِكَ عَلَى عِوَضٍ (لَا) بِسُؤَالِ (الْأَجْنَبِيِّ) لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لَحِقَ الْمَرْأَةَ، فَإِذَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا؛ زَالَ الْمَنْعُ؛ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْحَرَجِ، فَقَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ طَلَاقُ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ الضِّيقُ وَالْإِثْمُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ طَلَاقَ الْإِثْمِ، وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ طَلَاقُ إثْمٍ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْحَرَجِ وَالسُّنَّةِ، كَانَ كَقَوْلِهِ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وَالسُّنَّةِ. [بَابُ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ] ِ يُعْتَبَرُ لِلطَّلَاقِ اللَّفْظُ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا يَأْتِي، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا بِأَنْ لَمْ يُقَارِنْهَا لَفْظٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ هُوَ الْفِعْلُ الْمُعَبِّرُ عَمَّا فِي النَّفْسِ مِنْ الْإِرَادَةِ وَالْعَزْمِ، وَالْقَطْعُ بِذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُقَارَنَةِ الْقَوْلِ لِلْإِرَادَةِ؛ فَلَا تَكُونُ الْإِرَادَةُ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ فِعْلًا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» . فَلِذَلِكَ لَا تَكُونُ النِّيَّةُ وَحْدَهَا أَثَرًا فِي الْوُقُوعِ. (الصَّرِيحُ) فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ هُوَ (مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ) أَيْ: بِحَسَبِ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَظِهَارٍ وَغَيْرِهَا فَلَفْظُ الطَّلَاقِ صَرِيحٌ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَإِنْ قَبِلَ التَّأْوِيلَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ (وَالْكِنَايَةُ مَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ) أَيْ: وُضِعَ لِمَا يُجَانِسُهُ وَيُشَابِهُهُ (وَيَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الصَّرِيحِ) فَيَتَعَيَّنُ لَهُ بِالْإِرَادَةِ (وَصَرِيحُهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ (لَفْظُ طَلَاقٍ) أَيْ: الْمَصْدَرِ؛ فَيَقَعُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ (وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ كَطَالِقٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَطَلَّقْتُكِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ، ثَبَتَ لَهُ عُرْفُ الشَّارِعِ وَالِاسْتِعْمَالِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 (غَيْرُ أَمْرٍ) كَطَلِّقِي (وَ) غَيْرُ مُضَارِعٍ كَتَطْلُقِينَ (وَ) غَيْرُ (مُطَلِّقَةٍ اسْمِ فَاعِلٍ) أَيْ: بِكَسْرِ اللَّامِ، فَلَفْظُ الْإِطْلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ نَحْوُ أَطْلَقْتُكِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ (فَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (مِنْ مُصَرِّحٍ) أَيْ: مِمَّنْ أَتَى بِصَرِيحِهِ غَيْرَ حَاكٍ وَنَحْوِهِ، (وَلَوْ) كَانَ (هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مِنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَزْلَ الطَّلَاقِ وَجِدَّهُ سَوَاءٌ، فَيَقَعُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَيَقَعُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِأَنَّهُ لَفْظٌ قُصِدَ التَّلَفُّظُ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِمَعْنَاهُ، فَوَقَعَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَلَفْظِ الْبَيْعِ (أَوْ) كَانَ (فَتَحَ تَاءَ أَنْتِ) لِأَنَّهُ وَاجَهَهَا بِالْإِشَارَةِ وَالتَّعْيِينِ، فَسَقَطَ حُكْمُ اللَّفْظِ (أَوْ) كَانَ (لَمْ يَنْوِهِ) أَيْ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ إيجَادَ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ الْعَاقِلِ دَلِيلُ إرَادَتِهِ، وَالنِّيَّةُ لَا تُشْتَرَطُ لِلصَّرِيحِ؛ لِعَدَمِ احْتِمَالِ غَيْرِهِ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَهَذِهِ الصِّيَغُ إنْشَاءٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُثْبِتُ الْحُكْمَ وَبِهَا تَمَّ وَ) هِيَ (إخْبَارٌ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي فِي النَّفْسِ) وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ إنْشَاءٍ وَطَلَبٍ (وَإِنْ أَرَادَ) أَنْ يَقُولَ (ظَاهِرًا وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ طَاحِنًا أَوْ طَاعِنًا أَوْ طَامِعًا (فَسَبَقَ لِسَانُهُ) بِطَالِقٍ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ طَلَبْتُكِ فَسَبَقَ لِسَانُهُ فَقَالَ طَلَّقْتُكِ، دُيِّنَ، وَلَمْ يُقْبَلْ حُكْمًا (أَوْ) قَالَ (طَالِقٌ) وَأَرَادَ (مِنْ وَثَاقٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرهَا مَا يَوْثُقُ بِهِ الشَّيْءُ مِنْ حَبْلٍ وَغَيْرِهِ (أَوْ) قَالَ طَالِقٌ وَأَرَادَ (مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلَهُ) أَوْ مِنْ نِكَاحٍ سَبَقَ هَذَا النِّكَاحَ (وَادَّعَى ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرَ؛ دُيِّنَ، وَلَمْ يُقْبَلْ حُكْمًا (أَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ؛ وَقَالَ أَرَدْتُ (إنْ قُمْتُ، فَتَرَكْتُ الشَّرْطَ) وَلَمْ أُرِدْ طَلَاقًا؛ دُيِّنَ، وَلَمْ يُقْبَلْ حُكْمًا (أَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ قُمْتُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ وَقَعَدْتُ) وَنَحْوَهُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ وَقَدِمَ الْحَاجُّ (فَتَرَكْتُهُ، وَلَمْ أُرِدْ طَلَاقًا، دُيِّنَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا؛ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِلَفْظِهِ مَعْنَاهُ (وَلَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ عُرْفًا، فَتَبْعُدُ إرَادَتُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ زُيُوفًا، أَوْ إلَى شَهْرٍ (فَإِنْ صَرَّحَ فِي لَفْظِهِ بِالْوَثَاقِ فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ مِنْ وَثَاقِي؛ لَمْ يَقَعْ) عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ مَا يَتَّصِلُ بِالْكَلَامِ يَصْرِفُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ. (وَيَتَّجِهُ: كَذَا) الْحُكْمُ فِي قَوْلِهِ (عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي وَنَحْوِهِ) كَمِنْ دِمَاغِي أَوْ دِينِي كَمَا تَسْتَعْمِلُهُ الْأَوْبَاشُ (إنْ قَصَدَهُ) أَيْ الْمَحْلُوفَ مِنْهُ (ابْتِدَاءً) لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ حَلِيلَتَهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ قِيلَ لَهُ: أَطَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ أَنْتِ فَقَالَ نَعَمْ، أَوْ قِيلَ لَهُ امْرَأَتَكَ طَالِقٌ فَقَالَ نَعَمْ، وَأَرَادَ الْكَذِبَ، طَلُقَتْ) وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ نَعَمْ صَرِيحٌ فِي الْجَوَابِ، وَالْجَوَابُ الصَّرِيحُ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ صَرِيحٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ أَلِفُلَانٍ عَلَيْكِ كَذَا؟ فَقَالَ نَعَمْ؛ كَانَ إقْرَارًا (وَإِنْ قِيلَ لَهُ أَطَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ فَقَالَ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ، وَأَرَادَ) بِذَلِكَ (الْإِيقَاعَ؛ وَقَعَ) كَالْكِنَايَةِ (أَوْ) قَالَ: أَرَدْتُ (التَّعْلِيقَ) أَيْ: تَعْلِيقَ طَلَاقِهَا بِشَرْطٍ، وَلَمْ يُوجَدْ (قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يُحْتَمَلُ (وَ) لَوْ قِيلَ لِلزَّوْجِ (أَخْلَيْتهَا) أَيْ: أَخْلَيْت زَوْجَتَك (وَنَحْوَ ذَلِكَ، قَالَ نَعَمْ فَكِنَايَةٌ) لَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ مُنْطَوٍ فِي الْجَوَابِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ. (وَكَذَا) قَوْلُهُ (لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ) أَوْ لَيْسَتْ لِي بِامْرَأَةٍ (أَوْ لَا امْرَأَةَ لِي أَبَدًا) فَهُوَ كِنَايَةٌ لَا يَقَعُ إلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَوْ نَوَى أَنَّهُ لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ تَخْدُمُنِي، أَوْ لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ تُرْضِينِي أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا؛ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ (أَوْ قِيلَ لَهُ أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ قَالَ لَا) وَأَرَادَ الْكَذِبَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَمَنْ أَرَادَ الْكَذِبَ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ، وَلَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْكَذِبَ بَلْ نَوَى الطَّلَاقَ، طَلُقَتْ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ قَدْ طَلَّقْتهَا؛ وَأَرَادَ الْكَذِبَ، طَلُقَتْ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 لِأَنَّهُ صَرِيحٌ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ (وَإِنْ قِيلَ لِعَالِمٍ بِالنَّحْوِ أَلَمْ تُطَلِّقْ امْرَأَتَكَ؟ قَالَ نَعَمْ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لِنَفْيِ الطَّلَاقِ، وَتَطْلُقُ امْرَأَةُ غَيْرِ النَّحْوِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْجَوَابِ (وَإِنْ قَالَ) الْعَالِمُ بِالنَّحْوِ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ " الْإِقْنَاعِ " جَوَابًا لِمَنْ قَالَ: أَلَمْ تُطَلِّقْ امْرَأَتَكَ (بَلَى طَلُقَتْ) لِأَنَّهُ نَفْيٌ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ طَلَّقْتُهَا. (وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ) اثْنَانِ (بِإِقْرَارِهِ) وُقُوعَ (طَلَاقٍ ثَلَاثٍ) لِتَقَدُّمِ يَمِينٍ مِنْهُ تُوهِمُ وُقُوعَ طَلَاقٍ عَلَيْهِ فِيهَا وَنَحْوَهُ (ثُمَّ) اسْتَغْنَى عَنْ يَمِينِهِ فَ (أَفْتَى) أَيْ: أَفْتَاهُ عَالِمٌ (بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ. أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ (يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ) بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ (لِمَعْرِفَتِهِ مُسْتَنَدَهُ فِيهِ) فِي إقْرَارِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِي إقْرَارِهِ ذَلِكَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُهُ مِثْلُهُ) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " حَتَّى لَوْ حَكَمَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمُقْتَضَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ إقْرَارِهِ؛ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ إذْ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُخْرِجُ الشَّيْءَ عَنْ مَوْضُوعِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ. (وَإِنْ أَخْرَجَ) زَوْجٌ (زَوْجَتَهُ مِنْ دَارِهَا أَوْ لَطَمَهَا أَوْ أَطْعَمَهَا أَوْ سَقَاهَا أَوْ أَلْبَسهَا أَوْ قَبَّلَهَا وَنَحْوَهُ) بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا (وَقَالَ هَذَا طَلَاقُكِ طَلُقَتْ وَكَانَ صَرِيحًا نَصًّا، لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ جَعْلُ هَذَا الْفِعْلِ طَلَاقًا مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَوْقَعْتُ عَلَيْكِ طَلَاقًا هَذَا الْفِعْلُ مِنْ أَجَلِهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ فِيهِ لِيَصِحَّ لَفْظُهُ بِهِ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِيهِ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَلَوْ فَسَّرَهُ بِمُحْتَمَلِ) عَدَمِ الْوُقُوعِ (كَأَنْ نَوَى أَنَّ هَذَا سَبَبُ طَلَاقِكِ) فِي زَمَانٍ بَعْدَ هَذَا الزَّمَانِ (قُبِلَ حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُهُ. (وَإِنْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (كُلَّمَا قُلْت لِي شَيْئًا) مِنْ كَلَامٍ (وَلَمْ أَقُلْ لَكِ مِثْلَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً أَوْ) طَالِقٌ بِفَتْحِ التَّاءِ (أَوْ قَالَتْ لَهُ أَنْتِ طَالِقٌ) بِكَسْرِ التَّاءِ (فَقَالَ) لَهَا (مِثْلَهُ) أَيْ: مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ (طَلُقَتْ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ شَافَهَهَا بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 (وَلَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ذَهَبْت الْهِنْدَ وَنَحْوَهُ؛ فَتَطْلُقُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ لَهَا غَيْرُ الَّذِي قَالَتْهُ لَهُ أَيْ: الْمُنَجَّزِ الْمُعَلَّقِ قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيّ. وَلَهُ التَّمَادِي إلَى قُبَيْلِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَمِينِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ (وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ السَّابِقِ) أَنْتِ طَالِقٌ (فِي وَقْتِ كَذَا أَوْ) نَوَى إنْ ذَهَبْتُ إلَى (مَكَانِ كَذَا) أَوْ إنْ كُنْتُ عَلَى صِفَةِ كَذَا (تَخَصَّصَ) بِهِ؛ فَلَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ أَوَّلًا؛ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ، وَلَا الثَّانِي حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُهُ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ اللَّفْظِ الْعَامِّ بِالنِّيَّةِ سَائِغٌ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّهُ (لَوْ لَمْ يَقْصِدْ) الزَّوْجُ لِقَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ جَوَابًا لِقَوْلِهَا لَهُ أَنْتَ طَالِقٌ (لَفْظَ) ذَلِكَ (لِمَعْنَاهُ) وَهُوَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، (بَلْ) قَصَدَ بِإِجَابَتِهِ لَهَا بِذَلِكَ (مُجَرَّدَ الْمُحَاكَاةِ) لَهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ (دُيِّنَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَاحْتُمِلَ) احْتِمَالٌ فِيهِ لِينٌ (وَقُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ حُكْمًا، وَالِاتِّجَاهُ مُتَّجِهٌ (وَ) مِمَّا يُؤَيِّدُهُ مَا (أَفْتَى بِهِ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ) حِينَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا وَأَبْغَضَتْهُ بُغْضًا شَدِيدًا، فَكَانَتْ تُوَاجِهُهُ بِالشَّتْمِ وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا يَوْمًا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا تُخَاطِبِينِي بِشَيْءٍ إلَّا خَاطَبْتُكِ بِمِثْلِهِ، فَقَالَتْ فِي الْحَالِ بَتَاتًا، فَانْكَسَرَ الرَّجُلُ، وَلَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ، فَاسْتَفْتَى جَمَاعَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ، فَكُلُّهُمْ قَالُوا لَهُ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَجَابَهَا بِمِثْلِ كَلَامِهَا طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْهَا حَنِثَ وَطَلُقَتْ، فَإِنْ بَرَّ طَلُقَتْ، وَإِنْ حَنِثَ طَلُقَتْ، فَأُرْشِدَ إلَى ابْنِ جَرِيرٍ، فَسَأَلَهُ، فَأَجَابَ (لَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ (إذَا عَلَّقَ) الزَّوْجُ (كَأَنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ أَنَا طَلَّقْتُكِ) وَقَالَ لِلزَّوْجِ امْضِ وَلَا تُعَاوِدْ الْأَيْمَانَ بَعْدَ أَنْ تَقُولَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ أَنَا طَلَّقْتُكِ، فَتَكُونَ قَدْ خَاطَبْتُهَا بِمِثْلِ خِطَابِهَا لَكِ، فَوَفَّيْت يَمِينَكَ، وَلَمْ تَطْلُقْ مِنْكَ؛ لِمَا وَصَلْتَ بِهِ الطَّلَاقَ مِنْ الشَّرْطِ (وَاسْتَحْسَنَهُ) أَيْ: اسْتَحْسَنَ (ابْنُ عَقِيلٍ) مَا أَجَابَ ابْنُ جَرِيرٍ (وَقَالَ) ابْنُ عَقِيلٍ (لَوْ فَتَحَ) الزَّوْجُ (التَّاءَ تَخَلَّصَ) لِأَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: أَنْتَ طَالِقٌ بِفَتْحِ التَّاءِ وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 خِطَابُ تَذْكِيرٍ، فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ، أَفَادَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ " وَتَقَدَّمَ لَكَ أَنَّهُ يَقَعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ: قُلْتُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَحْسَنُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ الْعَامِ بِالنِّيَّةِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى وَنِيَّتُهُ غَدَاءَ يَوْمِهِ قُصِرَ عَلَيْهِ وَإِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ وَنِيَّتُهُ تَخْصِيصُ الْكَلَامِ بِمَا يَكْرَهُهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ إذَا كَلَّمَهُ بِمَا يُحِبُّهُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ، وَعَلَى هَذَا فَبِسَاطٌ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنَّهَا لَا تُكَلِّمَهُ بِشَتْمٍ أَوْ سَبٍّ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ مَا كَانَ إلَّا مِنْ هَذَا الْبَابِ إلَّا كَلَّمَهَا بِمِثْلِهِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا إذَا قَالَتْ لَهُ: اشْتَرِ لِي مُقَنَّعَةً أَوْ ثَوْبًا أَنْ يَقُولَ لَهَا: اشْتَرِ لِي مُقَنَّعَةً أَوْ ثَوْبًا، وَإِذَا قَالَتْ لَهُ: لَا تَشْتَرِ لِي كَذَا فَإِنِّي لَا أُحِبُّهُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَهُ، هَذَا مِمَّا يَقْطَعُ أَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يُرِدْهُ، فَإِذَا لَمْ يُخَاطِبْهَا بِمِثْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَهَكَذَا يُقْطَعُ بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا لَمْ يُرِدْهَا، وَلَا كَانَ بِسَاطٌ مُقْتَضِيهَا، وَلَا خَطَرَتْ بِبَالِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يَصِحُّ يَمِينُهُ، وَبَعَثَهُ عَلَى الْحَلِفِ، وَمِثْلُ هَذَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ انْتَهَى. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. (وَمَنْ طَلَّقَ) زَوْجَةً لَهُ (أَوْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَةٍ لَهُ ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ لِضَرَّتِهَا شَرِكْتُكِ) أَوْ أَشْرَكْتُكِ مَعَهَا (أَوْ أَنْتِ شَرِيكَتُهَا) أَيْ: فِيمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا مِنْ طَلَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ (أَوْ) قَالَ لِضَرَّتِهَا: أَنْتِ (مِثْلُهَا، أَوْ أَنْتِ كَهِيَ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِيهِمَا) أَيْ: الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ نَصًّا، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِجَعْلِهِ الْحُكْمَ فِيهِمَا وَاحِدًا، إمَّا بِالشَّرِكَةِ فِي اللَّفْظِ، أَوْ بِالْمُمَاثَلَةِ، وَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا فُهِمَ مِنْهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعَادَهُ بِلَفْظِهِ عَلَى الثَّانِيَةِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَكَذَا) فَلَوْ قَالَ لِقِنِّهِ أَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ لِقِنِّهِ الْآخَرِ شَرَكْتُكَ أَوْ أَشْرَكْتُكَ مَعَهُ أَوْ أَنْتَ شَرِيكُهُ فِي ذَلِكَ وَنَحْوَهُ؛ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْعِتْقِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِ) قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ لَا شَيْءَ أَوْ) قَالَتْ لَهُ أَنْتِ طَالِقٌ (لَيْسَ شَيْءٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ) طَلَاقًا لَا يَلْزَمُك، (أَوْ أَنْتِ طَالِقَةٌ) طَلْقَةً لَا تَقَعُ عَلَيْكِ أَوْ طَلْقَةً (لَا يَنْقُصُ بِهَا عَدَدُ الطَّلَاقِ) لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِجَمِيعِ مَا أَوْقَعَهُ أَشْبَهَ اسْتِثْنَاءَ الْجَمِيعِ، وَإِنَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ طَلْقَةً، وَ (لَا) يَقَعُ شَيْءٌ (بِأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا) ؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، (أَوْ) أَنْتِ (طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا وَهُوَ الْعَطْفُ الْمُغَيِّرُ) فَإِذَا اتَّصَلَ الْعَطْفُ بِالِاسْتِفْهَامِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَفْظًا لِلْإِيقَاعِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إيقَاعٌ لَمْ يُعَارِضْهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الصُّورَتَيْنِ اسْتِفْهَامٌ (وَإِنْ كَتَبَ صَرِيحَ طَلَاقِهَا) أَيْ امْرَأَتِهِ (بِمَا يَبِينُ) أَيْ: يَظْهَرُ (بِخِلَافِهِ) أَيْ: بِخِلَافِ مَا لَوْ كَتَبَ صَرِيحَ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِمَا لَا يَبِينُ كَأَنْ كَتَبَهُ (بِأُصْبُعِهِ عَلَى نَحْوِ وِسَادَةٍ) كَعَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ عَلَى شَيْءٍ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْخَطُّ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي الْهَوَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكِتَابَةَ بِمَنْزِلَةِ الْهَمْسِ بِلِسَانِهِ بِمَا لَا يُسْمَعُ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْكِتَابَةَ بِمَا يَبِينُ (صَرِيحَةٌ فِيهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ حُرُوفٌ يُفْهَمُ مِنْهَا مَعْنَى الطَّلَاقِ، فَإِذَا أَتَى فِيهَا بِالطَّلَاقِ، وَفُهِمَ مِنْهَا، وَقَعَ كَاللَّفْظِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقُومُ مَقَامَ قَوْلِ الْكَاتِبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مَأْمُورًا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، فَبَلَّغَ بِالْقَوْلِ مَرَّةً، وَبِالْكِتَابَةِ مَرَّةً أُخْرَى، وَلِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي يَقُومُ مَقَامَ لَفْظِهِ فِي إثْبَاتِ الدُّيُونِ وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْوِلَايَةِ بِالْخَطِّ. ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَإِنْ كَتَبَ كِنَايَةَ طَلَاقِهَا بِمَا يَبِينُ فَهُوَ قِيَاسٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) حُكْمُ (نَحْوِ عِتْقٍ) كَظِهَارٍ إذَا كَتَبَ صَرِيحَهُ بِمَا يَبِينُ، فَإِنَّهُ يَقَعُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَوْ نَسَخَ كِتَابًا فِيهِ لَفْظُ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ؛ لَمْ يَقَعْ إلَّا إنْ نَوَاهُ) وَهَذَا الِاتِّجَاهُ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ " وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. (فَلَوْ قَالَ) كَاتِبُ الطَّلَاقِ (لَمْ أُرِدْ إلَّا تَجْوِيدَ خَطِّي، أَوْ لَمْ أُرِدْ إلَّا غَمَّ أَهْلِي) قُبِلَ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، وَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلًا غَيْرَ الطَّلَاقِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى بِاللَّفْظِ غَيْرَ الْإِيقَاعِ وَإِذَا أَرَادَ غَمَّ أَهْلِهِ بِتَوَهُّمِ الطَّلَاقِ دُونَ حَقِيقَتِهِ؛ لَا يَكُونُ نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُؤَاخَذَتِهِمْ بِمَا نَوَوْهُ عِنْدَ الْعَمَلِ بِهِ، وَهَذَا لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا يُؤَاخَذُ بِهِ (أَوْ قَرَأَ مَا كَتَبَهُ، وَقَالَ: لَا أَقْصِدُ إلَّا الْقِرَاءَةَ قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) كَلَفْظِ الطَّلَاقِ إذَا قَصَدَ بِهِ الْحِكَايَةَ. (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِإِشَارَةٍ) مَفْهُومَةٍ (مِنْ أَخْرَسَ فَقَطْ) لِقِيَامِهَا مَقَامَ نُطْقِهِ (فَلَوْ لَمْ يَفْهَمْهَا) أَيْ: إشَارَةَ الْأَخْرَسِ (إلَّا بَعْضُ) النَّاسِ، (فَ) هِيَ (كِنَايَةٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ (وَتَأْوِيلُهُ) أَيْ: الْأَخْرَسِ (مَعَ صَرِيحٍ) أَيْ إشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ (كَتَأْوِيلِ غَيْرِ أَخْرَسَ) كَمَعَ (نُطْقٍ بِصَرِيحِ طَلَاقٍ) وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا بِلَفْظٍ أَوْ كِنَايَةٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ وَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى الْكَلَامِ؛ فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ بِإِشَارَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ مَفْهُومَةً؛ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّطْقِ. (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (مِمَّنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ) إلَى الْإِسْلَامِ؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ. (وَصَرِيحُهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ (بِلِسَانِ الْعَجَمِ بِهِشْتَمْ بِهِ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْهَاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ؛ لِأَنَّهَا فِي لِسَانِهِمْ مَوْضُوعَةٌ لِلطَّلَاقِ، يَسْتَعْمِلُونَهَا فِيهِ، فَأَشْبَهَتْ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ صَرِيحَةً فِي لِسَانِهِمْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُعْجَمَةِ صَرِيحٌ لِلطَّلَاقِ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهَا بِمَعْنَى خَلَّيْتُكِ؛ فَإِنَّ مَعْنَى طَلَّقْتُكِ خَلَّيْتُكِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْضُوعًا لَهُ وَمُسْتَعْمَلًا فِيهِ كَانَ صَرِيحًا. (فَمَنْ قَالَهُ) أَيْ: بَهَشْتُمْ (عَارِفًا مَعْنَاهُ) مِنْ عَرَبِيٍّ أَوْ أَعْجَمِيٍّ (وَقَعَ مَا نَوَاهُ) مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَوَاحِدَةٌ كَصَرِيحِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ (فَإِنْ زَادَ) عَلَى بِهِشْتَمْ (بِسَيَّارِ فَثَلَاثٌ) تَقَعُ؛ لِأَنَّ مُؤَادَهُ ذَلِكَ فِي لُغَتِهِمْ (وَإِنْ أَتَى بِهِ) أَيْ: لَفْظِ بِهِشْتَمْ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ كَالْعَرَبِيِّ لَا يَقَعُ، (أَوْ) أَتَى (بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ) الْعَرَبِيِّ (أَوْ) أَتَى بِلَفْظِ (الْعِتْقِ) الْعَرَبِيِّ (مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ) كَالْأَعْجَمِيِّ (لَمْ يَقَعْ) عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِلَفْظِهِ مَعْنَاهُ؛ لِعَدَمِ عِلْمِهِ (وَلَوْ نَوَى فِيهِ مُوجَبَهُ) أَيْ: الْقَوْلِ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ اخْتِيَارُهُ لِمَا لَا يَعْلَمُهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا. [فَصْلٌ كِنَايَات الطَّلَاق نَوْعَانِ] فَصْلٌ (وَكِنَايَتُهُ) أَيْ: الطَّلَاقُ (نَوْعَانِ ظَاهِرَةٌ) وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لِلْبَيْنُونَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الطَّلَاقِ فِيهَا أَظْهَرُ، وَخَفِيَّةٌ وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ (وَهِيَ) أَيْ الظَّاهِرَةُ (لِسِتَّةِ عَشْرَ) كِنَايَةً (وَهِيَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ) هِيَ فِي الْأَصْلِ النَّاقَةُ تُطْلَقُ مِنْ عِقَالِهَا وَيُخَلَّى عَنْهَا، وَلَا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ خَلِيَّةٌ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (وَبَرِيَّةٌ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ (وَبَائِنٌ) أَيْ: مُنْفَصِلَةٌ (وَبَتَّةٌ) أَيْ: مَقْطُوعَةٌ (وَبَتْلَةٌ) أَيْ: مُنْقَطِعَةٌ وَسُمِّيَتْ مَرْيَمَ الْبَتُولَ؛ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَأَنْتِ حُرَّةٌ) لِأَنَّ الْحُرَّةَ هِيَ الَّتِي لَا رِقَّ عَلَيْهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ رِقٌّ، وَفِي الْخَبَرِ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ» أَيْ: أَسْرَى، وَالزَّوْجُ لَيْسَ لَهُ عَلَى الزَّوْجَةِ إلَّا رِقَّ الزَّوْجِيَّةِ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِزَوَالِ الرِّقِّ فَهُوَ الرِّقُّ الْمَعْهُودُ، وَهُوَ رِقُّ الزَّوْجِيَّةِ (وَأَنْتِ الْحَرَجُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ يَعْنِي الْحَرَامَ وَالْإِثْمَ (وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك) هُوَ مُقَدَّمُ السَّنَامِ؛ أَيْ: أَنْتِ مُرْسَلَةٌ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مَشْدُودَةٍ وَلَا مُمْسَكَةٍ بِعَقْدِ النِّكَاحِ (وَتَزَوَّجِي مَنْ شِئْت وَحَلَلْت لِلْأَزْوَاجِ، وَلَا سَبِيلَ) لِي عَلَيْك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 السَّبِيلُ الطَّرِيقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (أَوْ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَأَعْتَقْتُك، وَغَطِّ شَعْرَك وَتَقَنَّعِي، وَأَمْرُك بِيَدِك وَيَأْتِي) فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ بَعْدَ هَذَا. (وَ) الْكِنَايَةُ (الْخَفِيَّةُ عِشْرُونَ) سُمِّيَتْ خَفِيَّةً؛ لِأَنَّهَا أَخْفَى فِي الدَّلَالَةِ مِنْ الْأُولَى (وَهِيَ اُخْرُجِي وَاذْهَبِي وَذُوقِي وَتَجَرَّعِي وَخَلَّيْتُك وَأَنْتِ مُخَلَّاةٌ) أَيْ: مُطَلَّقَةٌ مِنْ خَلَّى سَبِيلَهُ فَهُوَ مُخَلَّى (وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ أَيْ مُنْفَرِدَةٌ، وَلَيْسَ لِي بِامْرَأَةٍ، وَاعْتَدِّي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلْعِدَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَاسْتَبْرِئِي) مِنْ اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ، وَيَأْتِي (وَاعْتَزِلِي) أَيْ: كُونِي وَحْدَك فِي جَانِبٍ (وَشَبَهُهُ وَالْحَقِي) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَفَتْحِ الْحَاءِ (بِأَهْلِك، وَلَا حَاجَةَ لِي فِيك، وَمَا بَقِيَ شَيْءٌ؛ وَأَغْنَاك اللَّهُ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ طَلَّقَك وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَرَاحَك مِنِّي، وَجَرَى الْقَلَمُ، وَلَفْظُ فِرَاقٍ وَلَفْظُ سَرَاحٍ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا) أَيْ: الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ (غَيْرَ مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ لَفْظِ الصَّرِيحِ) وَهُوَ الْأَمْرُ وَالْمُضَارِعُ، وَمُفَرَّقَةٌ وَمَرِحَةٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ: اسْمُ فَاعِلٍ (وَيَتَّجِهُ مِنْهَا) أَيْ: الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ (أَلْفَاظُ الْخُلْعِ السِّتَّةُ) الْمُقَدَّمَةُ، وَمِنْهَا قَوْلُ الزَّوْجِ (لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا مَرَّ) مِنْ الْأَلْفَاظِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَسْتَعْمِلُهُ الْعَوَامُّ كَعَدَّيْت عَنْهَا، وَجُزْت مِنْهَا. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يَصِحُّ عَدُّ صَرِيحِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَعَدَّ ابْنُ عَقِيلٍ) مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ إنَّ اللَّهَ قَدْ طَلَّقَك (وَكَذَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (فِي) رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ أَبْرَأْتنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ لَهُ أَبْرَأَك اللَّهُ مِمَّا تَدَّعِي النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ، فَظَنَّ أَنَّهُ يَبْرَأُ، فَطَلَّقَ قَالَ: يَبْرَأُ) مِمَّا تَدَّعِي النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً (وَنَظِيرُ ذَلِكَ إنَّ اللَّهَ قَدْ بَاعَك) فِي إيجَابِ الْبَيْعِ (أَوْ قَدْ أَقَالَك) فِي الْإِقَالَةِ (وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَانَ اللَّهُ قَدْ آجَرَك أَوْ وَهَبَك وَالْبَرَاءَةُ فِيمَا تَقَدَّمَ صَحِيحَةٌ وَلَوْ جَهِلَتْ مَا أَبْرَأْت مِنْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ مِنْ صِحَّةِ الْبَرَاءِ مِنْهُ مِنْ الْمَجْهُولِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 (وَلَا يَقَعُ بِكِنَايَةٍ، وَلَوْ ظَاهِرَةً) طَلَاقٌ لِقُصُورِ رُتْبَتِهَا عَنْ الصَّرِيحِ، فَوَقَفَ عَمَلُهَا عَلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ تَقْوِيَةً لَهَا لِتَلْحَقَهُ فِي الْعَمَلِ، وَلِاحْتِمَالِهَا غَيْرَ مَعْنَى الطَّلَاقِ؛ فَلَا تَتَعَيَّنُ لَهُ (إلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارَنَةٍ لِلَّفْظِ) أَيْ: لِلَّفْظِ الْكِنَايَةِ، فَإِنْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِي ابْتِدَائِهِ وَعَزَبَتْ عَنْهُ فِي بَاقِيهِ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ اكْتِفَاءً بِهَا فِي أَوَّلِهِ كَسَائِرِ مَا تُعْتَبَرُ لَهُ النِّيَّةُ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ تَلَفَّظَ بِالْكِنَايَةِ غَيْرَ نَاوٍ لِلطَّلَاقِ، ثُمَّ نَوَاهُ بِهَا بَعْدُ؛ لَمْ يَقَعْ كَنِيَّةِ الطَّهَارَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، وَقِيلَ وَكَذَا لَوْ قَارَنَتْ النِّيَّةُ الْجُزْءَ الثَّانِيَ مِنْ الْكِنَايَةِ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ بِلَا نِيَّةٍ كَصَلَاةٍ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِبَعْضِ أَرْكَانِهَا، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى "، وَصَحَّحَهُ فِي " تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلَّفْظِ؛ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُقَارِنَ أَوَّلَهُ أَوْ غَيْرَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ؛ (وَلَا تُشْتَرَطُ لِلْكِنَايَةِ) نِيَّةُ الطَّلَاقِ (حَالَ خُصُومَةٍ أَوْ حَالَ سُؤَالِ طَلَاقِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْحَالِ (فَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ مَنْ أَتَى بِالْكِنَايَةِ فِي حَالٍ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ أَرَادَ بِالْكِنَايَةِ (غَيْرَهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ (إذَنْ) أَيْ: حَالَ خُصُومَةٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ سُؤَالِ طَلَاقِهَا (دُيِّنَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا؛ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَلَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) لِتَأْثِيرِ دَلَالَةِ الْحَالِ فِي الْحُكْمِ كَمَا يُحْمَلُ الْكَلَامُ الْوَاحِدُ عَلَى الْمَدْحِ تَارَةً وَعَلَى الذَّمِّ أُخْرَى بِالْقَرَائِنِ وَلِذَا لَوْ قَالَ حَالَ الْخُصُومَةِ لَيْسَتْ أُمِّي بِزَانِيَةٍ كَانَ تَعْرِيضًا بِالْقَذْفِ لِمُخَاصِمِهِ، وَفِي غَيْرِ مُخَاصِمِهِ تَكُونُ تَنْزِيهًا لِأُمِّهِ عَنْ الزِّنَا، فَتَقُومُ دَلَالَةُ الْحَالِ مَقَامَ الْقَوْلِ فِيهِ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ) إذَا لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ مَنْ أَتَى بِكِنَايَةٍ فِي حَالِ خُصُومَةٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ سُؤَالِهَا يَدِينُ (إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ) فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ (كَ) قَوْلِهِ (غَطِّ شَعْرَك لِمَكْشُوفَتِهِ فَلَا يُدَيَّنُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ إرَادَتَهُ الْإِيقَاعُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ) . (وَيَقَعُ بِكِنَايَةٍ ظَاهِرَةٍ ثَلَاثُ) طَلْقَاتٍ (وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي وَقَائِعَ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ بِالطَّلَاقِ، فَوَقَعَ ثَلَاثًا كَمَا لَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا وَإِفْضَاؤُهُ إلَى الْبَيْنُونَةِ وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُفَرِّقُوا (وَكَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يَكْرَهُ الْفُتْيَا فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ مَعَ مَيْلِهِ إلَى أَنَّهَا ثَلَاثٌ) وَرَعًا مِنْهُ وَ (يَقَعُ بِ) كِنَايَةٍ (خَفِيَّةٍ) طَلْقَةٌ (رَجْعِيَّةٌ فِي مَدْخُولٍ بِهَا) لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا التَّرْكُ كَصَرِيحِ الطَّلَاقِ دُونَ الْبَيْنُونَةِ (فَإِنْ نَوَى) بِخَفِيَّةٍ ظَاهِرَةً حَتَّى فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " فَهِيَ كَغَيْرِهَا (أَكْثَرُ) مِنْ وَاحِدَةٍ (وَقَعَ) مَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ لَا يُنَافِي الْعَدَدَ فَوَجَبَ وُقُوعُ مَا نَوَاهُ بِهِ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ ": وَيَقَعُ بِالْخَفِيَّةِ مَا نَوَاهُ إلَّا أَنْتِ وَاحِدَةٌ، فَيَقَعُ بِهَا وَاحِدَةٌ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (وَقَوْلُهُ أَنَا طَالِقٌ) أَوْ زَادَ مِنْك لَغْوًا (أَوْ أَنَا بَائِنٌ) أَوْ زَادَ مِنْك (أَوْ) أَنَا (حَرَامٌ) أَوْ زَادَ مِنْك (أَوْ) أَنَا (بَرِيءٌ أَوْ زَادَ مِنْك لَغْوٌ) لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، فَلَمْ يَقَعْ مِنْهَا كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنَا طَالِقٌ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْك؛ لَمْ يَقَعْ، وَكَذَا إذَا زَادَهَا، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ فِي النِّكَاحِ مَالِكٌ وَالْمَرْأَةَ مَمْلُوكَةٌ؛ فَلَمْ تَقَعْ إزَالَةُ الْمِلْكِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِكِ كَالْعِتْقِ، وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ الرَّجُلُ بِأَنَّهُ مُطَلَّقٌ بِفَتْحِ اللَّامِ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَلَّكْتُ امْرَأَتِي أَمْرَهَا، فَطَلَّقَتْنِي ثَلَاثًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ الطَّلَاقَ لَك، وَلَيْسَ لَهَا عَلَيْك رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَثْرَمُ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. (وَ) مَا لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ نَحْوُ (كُلِي وَاشْرَبِي وَاقْعُدِي) وَقُومِي (وَاقْرَبِي وَبَارَكَ اللَّهُ عَلَيْك، وَأَنْتِ مَلِيحَةٌ، أَوْ أَنْتِ قَبِيحَةٌ وَنَحْوُهُ) كَأَطْعِمِينِي وَاسْقِينِي، وَغَفَرَ اللَّهُ لَك، وَمَا أَحْسَنَكِ وَشِبْهُهُ (لَغْوٌ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَاهُ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ، فَلَوْ وَقَعَ بِهِ لَوَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَفَارَقَ ذُوقِي وَتَجَرَّعِي؛ فَإِنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَكَارِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران: 181] {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم: 17] فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمَا مَا لَيْسَ مِثْلَهُمَا (وَ) قَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ) عَلَيَّ حَرَامٌ (أَوْ الْحِلُّ) عَلَيَّ حَرَامٌ (أَوْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ظِهَارٌ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ، قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمَذْهَبِ " وَ " مَسْبُوكِ الذَّهَبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " وَ " الْمُنَوِّرِ " وَ " مُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ " وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ فِي " النَّظْمِ " وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ، فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ؛ كَمَا لَا يَكُونُ الطَّلَاقُ كِنَايَةً فِي الظِّهَارِ، وَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ (وَلَوْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا) هَذَا الْأَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ " وَغَيْرُهُمْ، قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ: وَ " الْمَذْهَبِ " وَ " مَسْبُوكِ الذَّهَبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرُهُمْ هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " وَ " مُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ " وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَشْبِيهٌ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالطَّلَاقُ يُفِيدُ تَحْرِيمًا غَيْرَ مُؤَبَّدٍ، فَلَمْ تَصِحَّ الْكِنَايَةُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ (كَنِيَّتِهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ (أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) أَوْ أُخْتِي وَنَحْوِهِ حَتَّى لَوْ صَرَّحَ بِهِ، فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ؛ لَمْ يَصِرْ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَصْلُحُ الْكِنَايَةُ عَنْهُ (وَإِنْ قَالَهُ) أَيْ: مَا تَقَدَّمَ (لِزَوْجَةٍ مُحَرَّمَةٍ بِحَيْضٍ وَنَحْوِهِ) كَنِفَاسٍ أَوْ إحْرَامٍ (وَنَوَى أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِهِ) أَيْ: الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ (فَلَغْوٌ) لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ؛ لِمُطَابِقَتِهِ الْوَاقِعَ (وَ) لَوْ قَالَ (عَلَيْهِ الْحَرَامُ، أَوْ قَالَ يَلْزَمُهُ الْحَرَامُ، أَوْ قَالَ الْحَرَامُ يَلْزَمُهُ) فَلَغْوٌ لَا شَيْءَ فِيهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ شَيْءٍ مُبَاحٍ بِعَيْنِهِ، وَ (مَعَ نِيَّةِ) تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ (أَوْ قَرِينَةٍ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ فَهُوَ (ظِهَارٌ كَمَا يَأْتِي) فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ، وَقَدْ صَرَفَهُ إلَيْهِ بِالنِّيَّةِ، فَتَعَيَّنَ لَهُ قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْت: إنَّهُ مَعَ النِّيَّةِ أَوْ الْقَرِينَةِ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ (أَوْ إلَّا) تَكُنْ نِيَّةُ تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ، وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا (فَ) هُوَ (لَغْوٌ) لَا شَيْءَ فِيهِ (وَ) إنْ قَالَ (مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ يَقَعُ ثَلَاثًا) نَصًّا، لِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ مُعَرَّفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، (وَ) إنْ قَالَ (أَعْنِي بِهِ طَلَاقًا؛ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، وَلَيْسَ هَذَا صَرِيحًا فِي الظِّهَارِ وَإِنَّمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ، فَإِذَا بَيَّنَ بِلَفْظِهِ إرَادَةَ؛ صَرِيحِ الطَّلَاقِ؛ صُرِفَ إلَيْهِ. (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَنَوَى كَحُرْمَتِك عَلَى غَيْرِي) أَيْ: كَمَا أَنَّك مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِي (فَكَطَلَاقٍ) أَيْ: كَنِيَّتِهِ بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ الطَّلَاقَ؛ فَيَكُونُ ظِهَارًا لَا طَلَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَقَعُ طَلَاقًا كَمَا يُفْهَمُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: فَكَطَلَاقٍ، أَفَادَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْبَلْبَانِيُّ. (وَ) إنْ قَالَ (فِرَاشُهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ، فَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ؛ فَظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى فِرَاشَهُ) الْحَقِيقِيَّ (فَيَمِينٌ) عَلَيْهِ كَفَّارَتُهُ إنْ جَلَسَ أَوْ نَامَ عَلَيْهِ لِحِنْثِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمِينٌ (وَ) إنْ قَالَ عَنْ زَوْجَتِهِ (هِيَ عَلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ، يَقَعُ مَا نَوَاهُ مِنْ طَلَاقٍ) لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ كِنَايَةً فِيهِ، فَإِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ النِّيَّةُ انْصَرَفَ إلَيْهِ. فَإِنْ نَوَى عَدَدًا وَقَعَ، وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ (وَ) مِنْ (ظِهَارٍ) إذَا نَوَاهُ بِأَنْ يَقْصِدَ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ نِكَاحِهَا، لِأَنَّهُ شُبْهَةٌ (وَ) مِنْ (يَمِينٍ) بِأَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَرْكَ وَطْئِهَا لَا تَحْرِيمَهَا وَلَا طَلَاقَهَا؛ فَيَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ، فَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الطَّلَاقَ، وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا، وَقَعَ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهَا الْيَقِينُ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) بِذَلِكَ (شَيْئًا) مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ (فَ) هُوَ (ظِهَارٌ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ. (وَمَنْ قَالَ: حَلَفْت بِالطَّلَاقِ) وَقَالَ لَا أَفْعَلُ كَذَا (وَكَذَّبَهُ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ حَلَفَ (وَفَعَلَ مَا حَلَفَ) عَلَى تَرْكِهِ (دِينَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَزِمَهُ) الطَّلَاقُ (حُكْمًا) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ؛ فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَإِقْرَارِهِ لَهُ بِمَالٍ، ثُمَّ يَقُولُ: كَذَبْت، وَإِنْ قَالَتْ امْرَأَتُهُ: حَلَفْت بِالثَّلَاثِ، فَقَالَ لَمْ أَحْلِفْ إلَّا بِوَاحِدَةٍ، أَوْ قَالَتْ عَلَّقْت: طَلَاقِي عَلَى قُدُومِ زَيْدٍ، فَقَالَ: لَمْ أُعَلِّقْهُ إلَّا عَلَى قُدُومِ عَمْرٍو؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا نَقُولُهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِ نَفْسِهِ. [فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك] فَصْلٌ (وَ) إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ (أَمْرُك بِيَدِك كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ تَمْلِكُ بِهَا) أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا (وَلَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً) أَفْتَى بِهِ أَحْمَدُ مِرَارًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُثْمَانَ، وَقَالَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَفَضَالَةَ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هُوَ ثَلَاثٌ» : قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي جَمِيعِ أَمْرِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ، فَيَتَنَاوَلُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك مَا شِئْت، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَرَدْت وَاحِدَةً وَلَا يَدِينُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَالطَّلَاقُ فِي يَدِهَا عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ جَعَلَ أَمْرَهَا فِي يَدِ غَيْرِهَا؛ فَلِذَلِكَ الْغَيْرِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ (وَ) قَوْلُهُ لَهَا (اخْتَارِي نَفْسَك كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ بِهَا) أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ (وَلَا) أَنْ تُطَلِّقَ (بِ) قَوْلِهِ (طَلِّقِي نَفْسَك أَكْثَرَ مِنْ) طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ) حَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 وَعَائِشَةُ وَغَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّ اخْتَارِي تَفْوِيضٌ مُعَيَّنٌ، فَيَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَهُوَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، لِأَنَّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، بِخِلَافِ أَمْرُك بِيَدِك؛ فَإِنَّ أَمْرًا مُضَافٌ؛ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَمْرِهَا (مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ) فَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ ثَلَاثًا؛ فَيُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ (وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ مَا لَمْ يَحُدَّ لَهَا حَدًّا) أَيْ: يُقَدِّرْ لَهَا وَقْتًا مُعَيَّنًا؛ فَلَا تَتَجَاوَزُهُ (أَوْ يَطَأْهَا أَوْ يَفْسَخْ) مَا جَعَلَهُ لَهَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى رُجُوعِهِ (أَوْ تَرُدَّ هِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةُ فَتُبْطِلُ الْوَكَالَةَ كَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ. (وَلَا يَقَعُ بِقَوْلِهَا) لِزَوْجِهَا (أَنْتِ طَالِقٌ) لِمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَوْ) قَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ (مِنِّي طَالِقٌ وَطَلَّقْتُك أَوْ أَنَا طَالِقٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صِفَةً مِنْهَا (بَلْ) يَقَعُ (بِ) قَوْلِهَا (طَلَّقْت نَفْسِي، أَوْ أَنَا مِنْك طَالِقٌ) . (وَ) قَوْلِهِ لَهَا (اخْتَارِي نَفْسَك يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَشْتَغِلَا بِقَاطِعٍ) نَصًّا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ تَمْلِيكٍ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ الْقَبُولِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ «إنِّي أَذْكُرُ لَك أَمْرًا فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك» . فَإِنَّهُ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ عَلَى التَّرَاخِي وَأَمَّا طَلِّقِي نَفْسَك وَأَمْرُك بِيَدِك؛ فَتَوْكِيلٌ، وَالتَّوْكِيلُ يَعُمُّ الزَّمَانَ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَيْدٍ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنْ اشْتَغَلَ الزَّوْجَانِ بِمَا يَقْطَعُ الْخِيَارَ عُرْفًا (مِنْ مَشْيٍ أَوْ رُكُوبٍ أَوْ تَشَاغُلٍ بِكَلَامٍ) بَطَلَ الْخِيَارُ (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَعَدَا) بَعْدَ أَنْ كَانَا قَائِمَيْنِ، أَوْ قَعَدَ مَنْ كَانَ قَائِمًا مِنْهُمَا، أَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ أَوْ مُتَّكِئَةً فَقَعَدَتْ إذْ لَا دَلَالَةَ لِذَلِكَ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَلَوْ طَالَ الْمَجْلِسُ، مَا لَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ (أَوْ كَانَتْ) حِينَ خَيَّرَهَا (فِي صَلَاةٍ، فَأَتَمَّتْهَا) لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهَا، وَإِنْ أَضَافَتْ إلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ؛ بَطَلَ لِلتَّشَاغُلِ (أَوْ أَكَلَتْ، أَوْ سَبَّحَتْ يَسِيرًا أَوْ قَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ؛ أَوْ قَالَتْ: اُدْعُ لِي شُهُودًا) أُشْهِدْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا إعْرَاضَ مِنْهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 (وَيَصِحُّ جَعْلُهُ) أَيْ: اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا (لَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (بَعْدَهُ) أَيْ: الْمَجْلِسِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ لَهَا مَتَى شَاءَتْ كَالْوَكِيلِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا (وَ) يَصِحُّ جَعْلُ أَمْرِهَا بِيَدِهَا وَنَحْوُهُ (يُجْعَلُ) كَمَا يَصِحُّ (بِدُونِهِ) أَيْ: بِدُونِ جَعْلٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَعْلُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا كَالطَّلَاقِ عَلَى عِوَضٍ، فَلَوْ قَالَتْ: اجْعَلْ أَمْرِي بِيَدَيَّ وَلَك عَبْدِي، فَفَعَلَ، وَقَبَضَهُ مَلَكَهُ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَلَوْ قَبِلَ اخْتِيَارَهَا؛ وَمَتَى شَاءَتْ تَخْتَارُ مَا لَمْ يَطَأْ أَوْ يَرْجِعْ، فَإِنْ رَجَعَ فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (اخْتَارِي الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ فَلَهَا ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ وَاحِدٌ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا بَطَلَ أَوَّلُهُ بَطَلَ فِيمَا بَعْدَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ؛ فَإِنَّهَا إذَا رَدَّتْهُ فِي الْأَوَّلِ؛ لَمْ يَبْطُلْ بَعْدَ غَدٍ، لِأَنَّهُمَا خِيَارَانِ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ (فَإِنْ قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك الْيَوْمَ، وَاخْتَارِي نَفْسَك غَدًا، فَرَدَّتْهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ؛ لَمْ يَبْطُلْ) الْخِيَارُ فِي الْيَوْمِ (الثَّانِي) لِأَنَّهُمَا خِيَارَانِ كُلَّمَا دَلَّ عَلَيْهِمَا إرَادَةُ الْفِعْلِ (وَيَقَعُ) طَلَاقُ زَوْجَةٍ جَعَلَ لَهَا خِيَارًا (بِكِنَايَتِهَا مَعَ نِيَّةِ) الطَّلَاقِ (وَلَوْ جَعَلَهُ) أَيْ: الْخِيَارَ (لَهَا بِصَرِيحِ) الطَّلَاقِ فَإِنْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي، وَلَمْ تَنْوِ بِهِ طَلَاقًا، لَمْ يَقَعْ؛ وَلَفْظُ الْأَمْرِ وَالْخِيَارِ كِنَايَةٌ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ نَوَاهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ؛ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إنْ لَمْ يَنْوِ فَمَا فَوَّضَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُوقِعَهُ، وَإِنْ نَوَاهُ دُونَهَا فَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ، وَلَمْ تُوقِعْهُ هِيَ (وَكَذَا وَكِيلٌ) فِي طَلَاقٍ (وَلَا يَقَعُ) طَلَاقٌ مَنْ خَيَّرَهَا زَوْجُهَا (بِقَوْلِهَا اخْتَرْت بِنِيَّةِ) الطَّلَاقِ (حَتَّى تَقُولَ) اخْتَرْت (نَفْسِي أَوْ) تَقُولَ اخْتَرْت (أَبَوَيَّ، أَوْ) تَقُولَ اخْتَرْت (الْأَزْوَاجَ، أَوْ) تَقُولَ اخْتَرْت أَنْ (لَا تَدْخُلَ عَلَيَّ) وَنَحْوُهُ كَاخْتَرْت الِانْفِرَادَ، أَوْ الِاسْتِقْلَالَ بِنَفْسِي فَإِنْ قَالَتْ: اخْتَرْت زَوْجِي، لَمْ يَقَعْ شَيْئًا نَصًّا؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ طَلَاقًا» . (وَمَتَى اخْتَلَفَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (فِي) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 وُجُودِ (نِيَّةٍ فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُ مُوقِعٍ) لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَ) إنْ اخْتَلَفَا (فِي رُجُوعٍ) عَنْ جَعْلِ طَلَاقِهَا إلَيْهَا وَنَحْوِهِ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُ زَوْجٍ) لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهِ (وَلَوْ) كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي رُجُوعٍ (بَعْدَ إيقَاعِ) طَلَاقٍ مِمَّنْ جُعِلَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ (خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ) مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْمُنَقِّحِ " فِيمَا اسْتَظْهَرَهُ وَالْمُقَدَّمُ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ قَبُولِ قَوْلِ الزَّوْجِ فِي أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ جَعْلِ طَلَاقِهَا إلَيْهَا أَوْ إلَى غَيْرِهَا (مَا لَمْ تَتَّصِلْ بِأَزْوَاجٍ) أَيْ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَإِنْ اتَّصَلَتْ بِزَوْجٍ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِخْبَارِ بِرُجُوعِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ كَغَيْبَةٍ أَوْ حَيْلُولَةِ يَدٍ ظَالِمَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِخْبَارِ بِالرُّجُوعِ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا دَعْوَى عِتْقِهِ) أَيْ: عِتْقِ رَقِيقٍ وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ (بَعْدَ تَصَرُّفِ وَكِيلٍ) فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ (مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ) لِتَشْهَدَ أَنَّهُ كَانَ رَجَعَ قَبْلَهُ (وَ) قَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ (وَهَبْتُك) لِأَهْلِك أَوْ نَفْسِك (أَوْ مَلَّكْتُك لِأَهْلِك أَوْ لِنَفْسِك) أَوْ لِزَيْدٍ مَثَلًا (فَمَعَ قَبُولٍ) مِنْ مَوْهُوبٍ لَهُ (يَقَعُ) بِهِ طَلْقَةٌ (رَجْعِيَّةٌ) كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ (وَإِلَّا) يَكُنْ قَبُولٌ فَلَغْوٌ كَقَوْلِهِ بِعْتهَا، أَيْ: بِعْتُك نَفْسِي (فَلَغْوٌ) سَوَاءٌ تَقَيَّدَ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ لَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ " لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الطَّلَاقِ؛ لِاشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فِيهِ، وَالطَّلَاقُ مُجَرَّدُ إسْقَاطٍ لَا يَقْتَضِي الْعِوَضَ كَوَقَفْتُك عَلَى زَيْدٍ، أَوْ وَصَّيْت لَهُ بِك، وَافْتِقَارُ الْوُقُوعِ فِي الْهِبَةِ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِلْبُضْعِ، فَافْتَقَرَ إلَى الْقَبُولِ كَاخْتَارِي نَفْسَك وَأَمْرُك بِيَدِك، وَلَمْ يَقَعْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُحْتَمَلٌ. (وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ وَاهِبٍ وَ) هُوَ الزَّوْجُ وَنِيَّةُ (مَوْهُوبٍ) لَهُ عِنْدَ قَبُولِهِ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، فَاعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ فِيهِ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ (وَتَقَعُ) بِقَوْلِهِ وَهَبْتُك لِنَفْسِك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 أَوْ أَهْلِك إذَا قَبِلَ وَنَوَى أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ، وَالْآخَرُ طَلْقَةً، أَوْ نَوَى أَحَدُهُمَا طَلْقَتَيْنِ وَالْآخَرُ طَلْقَةً (أَقَلُّهُمَا) أَيْ: الْعَدَدَيْنِ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ دُونَ مَا زَادَ (وَإِنْ نَوَى) زَوْجٌ (بِ) قَوْلِهِ (وَهَبْتُك) لِنَفْسِك أَوْ أَهْلِك أَوْ لِزَيْدٍ مَثَلًا الطَّلَاقَ فِي الْحَالِ؛ وَقَعَ (أَوْ) نَوَى بِقَوْلِهِ (أَمْرُك بِيَدِك) الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ وَقَعَ؟ (أَوْ) نَوَى بِقَوْلِهِ (اخْتَارِي نَفْسَك الطَّلَاقَ فِي الْحَالِ وَقَعَ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ. [فَرْعٌ طَلَّقَ فِي قَلْبِهِ وَلَمْ ينطق لسانه] (فَرْعٌ: مَنْ طَلَّقَ فِي قَلْبِهِ؛ لَمْ يَقَعْ) طَلَاقُهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ (وَإِنْ تَلَفَّظَ، بِهِ أَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ؛ وَقَعَ) طَلَاقُهُ (وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ) نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ عَنْ أَحْمَدَ: إذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَلْفِظْ بِهِ، أَوْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ (بِخِلَافِ قِرَاءَةٍ فِي صَلَاةٍ) فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ حَيْثُ لَمْ يَسْمَعْ نَفْسَهُ. (وَ) زَوْجٌ (مُمَيِّزٌ) يَعْقِلُ الطَّلَاقَ (وَ) زَوْجَةٌ (مُمَيِّزَةٌ) تَعْقِلُ (كَ) زَوْجَيْنِ (بَالِغَيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ) تَفْصِيلُهُ نَصًّا؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ شَيْءٌ صَحَّ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ، وَأَنْ يَتَوَكَّلَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 [بَابُ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] ِ (وَيُعْتَبَرُ) عَدَدُ الطَّلَاقِ (بِالرِّجَالِ) حُرِّيَّةً وَرِقًّا. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الزَّوْجِ، فَاعْتُبِرَ بِهِ كَعَدَدِ الْمَنْكُوحَاتِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَهُمْ بِالطَّلَاقِ، فَكَانَ حُكْمُهُ مُعْتَبَرًا بِهِمْ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَقُرْءُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، وَتُتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا تُتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَعْفُهُ (وَإِلَّا) فَيُزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ الْحُرَّ يَمْلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا فَمَلَكَ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ، كَمَا لَوْ كَانَ الْحُرُّ الَّذِي زَوْجَتُهُ حُرَّةٌ طَلَاقَهُ ثَلَاثًا، وَإِنَّ الْعَبْدَ الَّذِي تَحْتَهُ أَمَةٌ طَلَاقُهُ ثِنْتَانِ، وَأَمَّا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ حُرًّا وَالْآخَرُ رَقِيقًا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيَمْلِكُ حُرٌّ) ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ (وَ) يَمْلِكُ (مُبَعَّضٌ ثَلَاثًا) لِأَنَّ عَدَدَ الْمَنْكُوحَاتِ يَتَبَعَّضُ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَتَبَعَّضَ فِي حَقِّهِ كَالْحَدِّ، فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ نِصْفَ مَا يَنْكِحُ الْحُرُّ وَنِصْفَ مَا يَنْكِحُ الْعَبْدُ، وَذَلِكَ ثَلَاثٌ. وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَلَا تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فِي حَقِّهِ؛ لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، فَكَمُلَ فِي حَقِّهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ إثْبَاتُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ فِي حَقِّ كُلِّ مُطَلِّقٍ خُولِفَ فِي كَامِلِ الرِّقِّ، وَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (وَلَوْ) كَانَ الْحُرُّ وَالْمُبَعَّضُ (زَوْجَيْ أَمَةٍ) . (وَ) يَمْلِكُ (عَبْدٌ، وَلَوْ طَرَأَ رِقُّهُ) كَذِمِّيٍّ تَزَوَّجَ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَاسْتُرِقَّ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ طَلْقَتَيْنِ (أَوْ) كَانَ (مَعَهُ) أَيْ: الْعَبْدِ (حُرَّةٌ ثِنْتَيْنِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا؛ لِمَا سَبَقَ (فَإِنْ طَلَّقَ ذِمِّيٌّ حُرَّةً اثْنَتَيْنِ) قَبْلَ أَنْ يُسْتَرَقَّ، ثُمَّ رُقَّ بَعْدَ سَبْيِهِ (مَلَكَ) الطَّلْقَةَ (الثَّالِثَةَ) وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ الطَّلْقَتَيْنِ الصَّادِرَتَيْنِ فِي حَالِ حُرِّيَّتِهِ وَقَعَتَا غَيْرَ مُحَرَّمَتَيْنِ، فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُمَا بِالرِّقِّ الطَّارِئِ بَعْدَهُمَا، كَمَا أَنَّ الطَّلْقَتَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ لَمَّا وَقَعَتَا مُحَرَّمَتَيْنِ؛ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُهُمَا بِعِتْقِهِ بَعْدَهُمَا، وَجَعَلَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " كَالْعَبْدِ يَمْلِكُ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ؛ وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ بَعْدَهُمَا (فَإِنْ طَلَّقَ) هَذَا الذِّمِّيُّ (وَاحِدَةً) قَبْلَ أَنْ يُسْتَرَقَّ (ثُمَّ رُقَّ) ثُمَّ أَرَادَ عَوْدَهَا (مَلَكَ) طَلْقَةً (أُخْرَى) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ طَلَاقِ الْأَرِقَّاءِ، فَعَادَتْ لَهُ بِوَاحِدَةٍ؛ نَظَرًا لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا نَظَرْتُمْ لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْفَى هُنَاكَ الْعَدَدَ؛ نُظِرَ لِلْحِلِّ الثَّابِتِ، وَهُنَا الْحِلُّ ثَابِتٌ، فَكَانَ الْأَحْوَطُ النَّظَرَ لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ. (وَلَوْ عَلَّقَ عَبْدٌ) الطَّلْقَاتِ (الثَّلَاثَ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ) الشَّرْطُ (بَعْدَ عِتْقِهِ وَقَعَتْ) الثَّلَاثُ لِمِلْكِهِ لَهَا حِينَ الْوُقُوعِ (وَإِنْ عَلَّقَهَا) أَيْ: الثَّلَاثَ (بِعِتْقِهِ) بِأَنْ قَالَ: إنْ عَتَقْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (فَعَتَقَ لَغَتْ) الطَّلْقَةُ (الثَّالِثَةُ) صَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ (وَلَوْ عَتَقَ بَعْدَ طَلْقَةٍ؛ مَلَكَ تَمَامَ الثَّلَاثِ) لِأَنَّ الطَّلْقَةَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ (وَ) لَوْ عَتَقَ (بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ لَمْ يَمْلِكْ ثَالِثَةً) وَكَذَلِكَ لَوْ عَتَقَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ لَمْ يَمْلِكْ ثَالِثَةً؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَقَوْلُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ الطَّلَاقُ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ يَلْزَمُنِي) الطَّلَاقُ (أَوْ) الطَّلَاقُ (لَازِمٌ لِي أَوْ) قَالَ الطَّلَاقُ (عَلَيَّ وَنَحْوُهُ) كَعَلَيَّ يَمِينٌ بِالطَّلَاقِ (صَرِيحٌ) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ سَوَاءٌ كَانَ (مُنَجَّزًا) كَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَنَحْوِهِ (أَوْ مُعَلَّقًا) بِشَرْطٍ؛ كَأَنْتِ الطَّلَاقُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَنَحْوِهِ (أَوْ مَحْلُوفًا بِهِ) كَأَنْتِ الطَّلَاقُ لَأَقُومَن أَوْ لَأَضْرِبَن زَيْدًا؛ فَهُوَ صَرِيحٌ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي عُرْفِهِمْ قَالَ الشَّاعِرُ: فَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَأَنْتِ ... الطَّلَاقُ ثَلَاثًا تَمَامًا وَكَوْنُهُ مَجَازًا لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ صَرِيحًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَا مَحَلَّ لَهُ يَظْهَرُ سِوَى هَذَا الْمَحَلِّ؛ فَتَعَيَّنَ فِيهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 (وَيَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ وَسَكَتَ عَلَيْهِ يَقَعُ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ؛ فَلَزِمَهُ مُقْتَضَاهُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَقُلْ أَرَدْت الْحَلِفَ، ثُمَّ أَمْسَكْت) وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَقَعُ بِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ (وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعْتَقِدُونَهُ ثَلَاثًا، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ؛ وَلِهَذَا يُنْكِرُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ طَلَّقَ إلَّا وَاحِدَةً (مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ) مِنْ وَاحِدَةٍ؛ فَيَقَعُ مَا نَوَاهُ (فَمَنْ مَعَهُ عَدَدٌ) مِنْ زَوْجَاتٍ، وَقَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ وَنَحْوُهُ إنْ فَعَلْت كَذَا وَفَعَلَهُ (وَثَمَّ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ: هُنَاكَ (نِيَّةٍ أَوْ سَبَبٍ يَقْتَضِي تَعْمِيمًا أَوْ تَخْصِيصًا عُمِلَ بِهِ) أَيْ: بِالنِّيَّةِ أَوْ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْمِيمِ أَوْ التَّخْصِيصِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَقْتَضِي تَعْمِيمًا أَوْ تَخْصِيصًا (وَقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْ الزَّوْجَاتِ (طَلْقَةٌ) لِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ. (وَ) مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ) تَقَعُ بِهَا (كَنِيَّتِهِ الثَّلَاثَ بِ) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا) لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، كَمَا لَوْ فَقَدْ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَاحِدٌ، لِأَنَّهَا الْيَقِينَ نَوَى وَاحِدَةً (وَ) قَوْلِهِ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً؛ أَوْ) طَالِقٌ (وَاحِدَةً بِالنِّيَّةِ أَوْ) طَالِقٌ (وَاحِدَةً بَتَّةً) وَلَا عِوَضَ (فَ) وَاحِدَةٌ (رَجْعِيَّةٌ فِي مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَوْ نَوَى أَكْثَرَ) مِنْ وَاحِدَةٍ لِوَصْفِهَا بِوَاحِدَةٍ وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ رَجْعِيَّةً؛ فَلَا تَخْرُجُ بِوَصْفِهَا بِذَلِكَ عَنْ أَصْلِهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ بَائِنًا بِالْعِوَضِ لِضَرُورَةِ الِافْتِدَاءِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) قَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ (طَالِقٌ طَلْقَةً تَمْلِكِي بِهَا نَفْسَك) فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فِي مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَوْ نَوَى أَكْثَرَ (وَاحْتَمَلَ) احْتِمَالٌ قَوِيٌّ. وَقَوْلُهُ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (طَلَاقًا تَمْلِكِي بِهَا نَفْسَك فَإِنَّهُ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (الثَّلَاثُ فِي مَدْخُولٍ بِهَا) لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَصْدَرِ الصَّالِحِ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَأَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ: تَمْلِكِي بِهِ نَفْسَك وَلَا رَيْبَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِالْوَاحِدَةِ لَا وَبِالثِّنْتَيْنِ؛ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الثَّلَاثُ، فَبَانَتْ مِنْهُ بِهَا، وَحَذْفُ النُّونِ مِنْ تَمْلِكِي خِلَافُ الْمَشْهُورِ، لِأَنَّهَا مِنْ الْأَفْعَالِ الْخَمْسَةِ، فَلَوْ أَثْبَتَهَا لَكَانَ أَصْوَبَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثَلَاثًا أَوْ أَنْتِ) طَالِقٌ (ثَلَاثًا وَاحِدَةً، بَائِنًا، أَوْ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ أَوْ) طَالِقٌ (بِلَا رَجْعَةٍ، فَثَلَاثٌ) تَقَعُ بِذَلِكَ. لِتَصْرِيحِهِ بِالْعَدَدِ أَوْ وَصْفِهِ الطَّلَاقَ بِمَا يَقْتَضِي الْإِبَانَةَ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ يَكُونُ طَلَاقًا ثَلَاثًا (فِي مَدْخُولٍ بِهَا) أَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَيَقَعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ تَبِينُ بِهَا، وَلَا يَلْحَقُهَا مَا زَادَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ ثَلَاثًا وَاحِدَةً، أَمَّا فِيهَا فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ وُقُوعُ الثَّلَاثِ بِهَا؛ لِتَقْدِيمِهِ لَفْظَ ثَلَاثٍ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ؛ فَثَلَاثٌ) تَقَعُ؛ لِأَنَّ التَّفْسِيرَ يَحْصُلُ بِالْإِشَارَةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ لِلْبَيَانِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» (وَإِنْ أَرَادَ الْمَقْبُوضَتَيْنِ وَيُصَدَّقُ فِي إرَادَتِهِمَا) لِاحْتِمَالِهِ (فَثِنْتَانِ) لِأَنَّ الْعَدَدَ تَارَةً يَكُونُ بِقَبْضِ الْأَصَابِعِ، وَتَارَةً يَكُونُ بِبَسْطِهَا وَالْقَبْضُ، يَكُونُ فِي أَوَّلِ الْعَدَدِ دُونَ الْبَسْطِ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هَكَذَا) بَلْ أَشَارَ فَقَطْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 (فَ) طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ إشَارَتَهُ لَا تَكْفِي، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْ الْجَوَابِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَيُعْمَلُ بِهَا. (وَمَنْ أَوْقَعَ طَلْقَةً، ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا ثَلَاثًا، وَلَمْ يَنْوِ اسْتِئْنَافَ طَلَاقٍ بَعْدَهَا فَ) طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ ثَلَاثًا، وَظَاهِرُهُ إنْ أَرَادَ اسْتِئْنَافَ طَلَاقٍ وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ وَقَعَ تَتِمَّةُ الثَّلَاثِ. (وَإِنْ قَالَ) لِإِحْدَى امْرَأَتَيْهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، بَلْ هَذِهِ مُشِيرًا لِلزَّوْجَةِ الثَّانِيَةِ (ثَلَاثًا؛ طَلُقَتْ) الْمُخَاطَبَةُ أَوَّلًا (وَاحِدَةً) لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، وَالْإِضْرَابُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلطَّلَاقِ بَعْدَ إيقَاعِهِ (وَ) طَلُقَتْ (الْأُخْرَى ثَلَاثًا) لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِهَا كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْإِضْرَابَ إثْبَاتٌ لِلثَّانِي وَنَفْيٌ لِلْأَوَّلِ؛ وَمِثْلُهُ لِزَيْدٍ عَلَيَّ هَذَا الدِّرْهَمُ، بَلْ لِعَمْرٍو هَذَانِ الدِّرْهَمَانِ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدِّرْهَمَانِ، وَلَا يَصِحُّ إضْرَابُهُ عَلَى الْأَوَّلِ. (وَإِنْ قَالَ) لِإِحْدَاهُمَا (أَنْتِ طَالِقٌ) وَقَالَ لِلْأُخْرَى (لَا بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ) طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إضْرَابُهُ عَمَّنْ طَلَّقَهَا أَوَّلًا (أَوْ قَالَ) عَنْ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ (هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ بَلْ هَذِهِ؛ طَلُقَتْ) لِمَا مَرَّ (وَ) إنْ قَالَ: (هَذِهِ بَلْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ) ؛ بَلْ هَذِهِ طُلِّقَ (الْأَرْبَعُ) لِمَا سَبَقَ (وَإِنْ قَالَ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَالِقٌ، وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِالثَّالِثَةِ) لِإِيقَاعِهِ بِهَا (وَ) وَقَعَ (بِإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ) لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ (تَمَيَّزَ بِقُرْعَةٍ كَ) مَا لَوْ قَالَ (هَذِهِ أَوْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ) فَيَقَعُ بِالثَّالِثَةِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ (وَإِنْ) أَشَارَ إلَيْهِنَّ وَ (قَالَ هَذِهِ) طَالِقٌ (بَلْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ) طَالِقٌ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِالْأُولَى وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ كَ) مَا لَوْ قَالَ (هَذِهِ) طَالِقٌ (بَلْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ) فَتَطْلُقُ الْأُولَى وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ. (وَ) إنْ قَالَ (هَذِهِ وَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ؛ فَالظَّاهِرُ طَلَّقَ ثِنْتَيْنِ لَا يُعْلَمَانِ) أَهُمَا الْأُولَيَانِ أُمّ الْأُخْرَيَانِ؟ إذْ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ، (كَ) مَا لَوْ قَالَ (طَلَّقْت هَاتَيْنِ أَوْ هَاتَيْنِ) فَيُقْرَعُ (فَإِنْ عَيَّنَ) بِأَنْ قَالَ هُمَا الْأُولَيَانِ أَوْ الْأُخْرَيَانِ (عُمِلَ بِهِ) أَيْ: عُمِلَ بِتَعْيِينِهِ، لِأَنَّهُ أَدْرَى بِإِرَادَتِهِ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أُطَلِّقْ الْأَوَّلِينَ؛ تَعَيَّنَ الطَّلَاقُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُمَا، أَوْ قَالَ لَمْ أُطَلِّقْ الْأُخْرَيَيْنِ؛ تَعَيَّنَ فِي الْأَوَّلِينَ (فَإِنْ قَالَ إنَّمَا شَكَكْت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 فِي) طَلَاقِ (الثَّانِيَةِ وَالْأُخْرَيَيْنِ؛ طَلُقَتْ الْأُولَى) لِجَزْمِهِ بِطَلَاقِهَا (وَبَقِيَ الشَّكُّ فِي الثَّلَاثِ) فَيُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ عَلَى مَا سَبَقَ، وَمَتَى فَسَّرَ كَلَامَهُ؛ قُبِلَ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِمَا أَرَادَهُ؛ فَلَوْ قَالَ إنَّمَا أَشُكُّ فِي طَلَاقِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ؛ طَلُقَتْ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةُ، وَأُقْرِعَ بَيْنَ الْمَشْكُوكِ فِيهِمَا (وَ) إنْ قَالَ (طَلَّقْت هَذِهِ أَوْ هَاتَيْنِ أُخِذَ بِالتَّعْيِينِ، وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، فَإِنْ قَالَ هِيَ الْأُولَى طَلُقَتْ؛ وَحْدَهَا، كَمَا لَوْ عَيَّنَهَا بِطَلْقَةٍ، وَإِنْ قَالَ لَيْسَتْ الَّتِي أَرَدْتهَا الْأُولَى، طَلُقَتْ الْأَخِيرَتَانِ، لِتَعَيُّنِهِمَا إذَنْ مَحَلًّا لِلْوُقُوعِ (وَلَيْسَ لَهُ وَطْءٌ قَبْلَ تَعْيِينٍ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُقْبَلُ مِنْهُ) تَعَيُّنُهُ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ زَوْجَتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، فَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ؛ لَمْ يَكُنْ تَعْيِينًا لِغَيْرِهَا وَإِنْ مَاتَتْ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِإِحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا؛ لَمْ يَتَعَيَّنْ الطَّلَاقُ فِي الْأُخْرَى، بَلْ إنْ كَانَ نَوَى إحْدَاهُمَا بَيَّنَهَا؛ وَإِلَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَمَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهَا بِالطَّلَاقِ لَمْ يَرِثْهَا إنْ كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَإِنْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَهُ وَبَعْضُهُنَّ بَعْدَهُ؛ وَأَقْرَعَ وَرَثَتُهُ بَيْنَهُنَّ، فَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِمَيِّتَةٍ قَبْلَهُ؛ لَمْ يَرِثْهَا بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِانْقِطَاعِهَا بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَإِنْ خَرَجَتْ الْمَيِّتَةُ بَعْدَهُ لَمْ تَرِثْهُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بَائِنًا حِينَ مَوْتِهِ، وَالْبَاقِيَاتُ يَرِثُهُنَّ إنْ عَاشَ بَعْدَهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ زَوْجَاتُهُ، وَيَرِثْنَهُ إنْ حَيِينَ بَعْدَهُ؛ لِبَقَاءِ نِكَاحِهِنَّ، وَإِنْ ادَّعَتْ إحْدَى الزَّوْجَاتِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا طَلَاقًا تَبِينُ بِهِ، فَأَنْكَرَهَا فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ دَعْوَاهَا الْمَذْكُورَةِ، لَمْ تَرِثْهُ مُؤَاخَذَةً لَهَا بِمُقْتَضَى اعْتِرَافِهَا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا لَا يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيْهَا. (وَ) إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ (طَالِقٌ كُلَّ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ جَمِيعَهُ أَوْ مُنْتَهَاهُ أَوْ غَايَتَهُ أَوْ أَقْصَاهُ أَوْ عَدَدَ الْحَصَى أَوْ الْقَطْرِ أَوْ الرَّمْلِ أَوْ الرِّيحِ أَوْ التُّرَابِ) أَوْ عَدَدَ الْجِبَالِ أَوْ السُّفُنِ أَوْ النُّجُومِ؛ فَثَلَاثٌ وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً فِي الْجَمِيعِ حَتَّى فِي أَقْصَاهُ؛ صَحَّحَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَ " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 الْإِقْنَاعِ " تَبَعًا لِتَصْحِيحِ " الْإِنْصَافِ " فِي أَنَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي عَدَدًا وَالطَّلَاقُ لَهُ أَقَلُّ وَأَكْثَرُ، فَأَقَلُّهُ وَاحِدَةٌ وَأَكْثَرُهُ ثَلَاثٌ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ (الْمَاءِ أَوْ الزَّيْتِ أَوْ الْعَسَلِ) وَنَحْوِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ؛ فَثَلَاثٌ، لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِهِ وَقَطَرَاتِهِ، أَشْبَهَ الْحَصَى (أَوْ) قَالَ (يَا مِائَةَ طَالِقٍ، فَثَلَاثٌ) تَقَعُ، كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِائَةَ طَلَاقٍ (وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ (وَكَذَا) أَنْتِ طَالِقٌ (كَأَلْفٍ وَنَحْوِهِ) كَمِائَةٍ؛ فَثَلَاثٌ (فَلَوْ نَوَى كَأَلْفٍ فِي صُعُوبَتِهَا) دِينَ وَ (قُبِلَ حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَعَدَدِ أَلْفٍ أَوْ كَعَدَدِ مِائَةٍ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ أَرَادَ بِهِ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُهُ (وَ) وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (أَشَدَّهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (أَوْ أَغْلَظَهُ أَوْ أَطْوَلَهُ أَوْ أَعْرَضَهُ أَوْ أَكْبَرَهُ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (مِلْءَ الدُّنْيَا أَوْ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَهُ) أَيْ الْجَبَلِ (وَنَحْوَهُ) كَعِظَمِ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ (فَطَلْقَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ) لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَقْتَضِي عَدَدًا تَكُونُ رَجْعِيَّةً فِي مَدْخُولٍ بِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُكَمِّلَةً لِعَدَدِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ وَقَعَ مَا نَوَاهُ، وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (مِنْ طَلْقَةٍ إلَى ثَلَاثِ) طَلْقَاتٍ (فَ) طَلْقَتَانِ (ثِنْتَانِ) لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ لَا يَدْخُلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] . وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ، فَوَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي بَيْنَهُمَا (وَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً فِي ثِنْتَيْنِ، وَنَوَى) طَلْقَةً (مَعَهُمَا فَثَلَاثُ) طَلْقَاتٍ تَقَعُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْأَغْلَظِ (وَإِنْ نَوَى) بِهَذَا اللَّفْظِ (مُوجِبَهُ عِنْدَ الْحِسَابِ وَهُوَ يَعْرِفُهُ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ؛ فَثِنْتَانِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُهُ عِنْدَهُمْ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً فِي ثِنْتَيْنِ (وَقَعَ مِنْ حَاسِبٍ طَلْقَتَانِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ إرَادَةُ الضَّرْبِ، (وَ) وَقَعَ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْحَاسِبِ (طَلْقَةً) لِأَنَّ لَفْظَ الْإِيقَاعِ اقْتِرَانٌ بِالْوَاحِدَةِ، وَجَعَلَ الِاثْنَيْنِ ظَرْفًا، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِمَا إيقَاعٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مَذْهَبِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَوْ عَلَى سَائِرِ الْمَذَاهِبِ؛ فَوَاحِدَةٌ) تَقَعُ؛ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ إنْ لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ. (فَرْعٌ: أَوْقَعَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (مِنْ ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ مَجْمُوعَةٍ) تَقَعُ؛ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ (أَوْ) كَلِمَاتٍ (مُتَفَرِّقَةٍ) كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرَ طَلْقَاتٍ، أَوْ مِائَةَ طَلْقَةٍ، أَوْ أَلْفَ طَلْقَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ (قَبْلَ رَجْعَةٍ طَلْقَةً وَاحِدَةً) أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً بَعْدَ رَجْعَةٍ؛ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا ثَلَاثٌ (وَقَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ) صُورَةَ مَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً قَبْلَ الرَّجْعَةِ فِي أَنَّهَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ. لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «طَلَّقَ رُكَانَةُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا، فَقَالَ: فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْف طَلَّقْتهَا؟ قَالَ: طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا. قَالَ: فَقَالَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ تِلْكَ وَاحِدَةٌ؛ فَأَرْجِعْهَا، قَالَ فَأَرْجَعَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَقَوْلُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِكَلِمَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُغِيثٍ: رُوِينَا ذَلِكَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَسَحْنُونٍ وَطَبَقَتُهُمْ، قَالَ: وَبِهِ قَالَ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ ابْنُ زِنْبَاعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْحَسَنِيُّ فَقِيهُ عَصْرِهِ، وَبَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ وَأَصْبَغُ وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ، وَذُكِرَ هَذَا عَنْ بِضْعَةَ عَشْرَ نَفْسًا مِنْ فُقَهَاءِ طُلَيْطِلَة الْمُفْتِينَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَقَالَ: إنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ انْتَهَى. (وَكَانَ الْمَجْدُ يُفْتِي بِهِ أَحْيَانَا) وَقَالَ عَنْ عُمَرَ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ إنَّهُ جَعَلَهُ فِي إكْثَارِهِمْ مِنْهُ، فَعَاقَبَهُمْ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 الْإِكْثَارِ مِنْهُ لَمَّا عَصَوْا بِجَمْعِ الثَّلَاثِ، فَيَكُونُ عُقُوبَةَ مَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ مِنْ التَّغْرِيرِ الَّذِي يَرْجِعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْأَئِمَّةِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ لَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْهَا وَأَظْهَرُوهُ، سَاغَتْ الزِّيَادَةُ عُقُوبَةً. انْتَهَى. (وَاخْتَارَهُ) أَيْ: الْقَوْلَ بِأَنَّ الثَّلَاثَ مَجْمُوعَةً (وَ) مُتَفَرِّقَةً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ قَبْلَ رَجْعَةٍ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ (ابْنُ الْقَيِّمِ وَ) اخْتَارَهُ أَيْضًا (كَثِيرٌ مِنْ) تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ (وَأَتْبَاعُهُ) وَمُعَاصِرِيهِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَعَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، نَقَلَهُ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ حَجَرٍ فِي " شَرْحِ الْبُخَارِيِّ " وَحَكَى الْمُوَفَّقُ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ مَنْ طَلَّقَ الْبِكْرَ ثَلَاثًا، فَهِيَ وَاحِدَةٌ انْتَهَى. أَقُولُ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ أُوذِيَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِسَبَبِ إفْتَائِهِ بِهَا، وَحَصَلَ لَهُ مِنْ الْمِحَنِ وَالْقَلَاقِلِ مِنْ حُسَّادِهِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى سِيرَتِهِ وَمَنَاقِبِهِ، وَلَهُ فِيهَا مُصَنَّفَاتٌ عَدِيدَةٌ مِنْهَا كِتَابُ " تَحْقِيقِ الْفُرْقَانِ بَيْنَ التَّطْلِيقِ وَالْأَيْمَانِ " مُجَلَّدٌ كَبِيرٌ؛ وَمِنْهَا قَاعِدَةُ الْفَرْقِ الْمُبِينِ بَيْنَ التَّطْلِيقِ وَالْيَمِينِ " وَمِنْهَا " لَمْحَةِ الْمُخْتَطِفِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْحَلِفِ " وَمِنْهَا " قَاعِدَةُ التَّفْصِيلِ بَيْنَ التَّكْفِيرِ وَالتَّحْلِيلِ " وَمِنْهَا " قَاعِدَةُ سَمَاعِ اللُّمْعَةِ " وَ " الرِّسَالَةُ الْبَغْدَادِيَّةُ " وَقَوَاعِدُ وَرَسَائِلُ وَأَجْوِبَةٌ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا يَنْضَبِطُ وَلَا يَنْحَصِرُ، وَلَهُ جَوَابُ اعْتِرَاضٍ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَهُوَ جَوَابٌ طَوِيلٌ فِي ثَلَاثِ مُجَلَّدَاتٍ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْمَذْهَبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ فَتَنَبَّهْ لَهُ، وَسَيَأْتِي فَرْعٌ آخَرُ مِنْ اخْتِيَارَاتِ الشَّيْخِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي بَابَ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالصَّحِيحُ مَا تَقَدَّمَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 [فَصْلٌ وَجُزْءُ طَلْقَةٍ كَهِيَ] َ) لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى السِّرَايَةِ، فَلَا يَتَبَعَّضُ كَالْعِتْقِ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ (فَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ) طَلْقَةٍ فَوَاحِدَةٌ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (ثُلُثَ) طَلْقَةٍ؛ فَوَاحِدَةٌ (أَوْ) طَالِقٌ (سُدُسَ) طَلْقَةٍ؛ فَوَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ مَا لَا يَتَبَعَّضُ فِي الطَّلَاقِ ذِكْرٌ لِجَمِيعِهِ كَأَنْتِ نِصْفَ طَلَاقٍ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ جُزْءَ (طَلْقَةٍ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَ وَثُلُثَ وَرُبْعَ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ) فَوَاحِدَةٌ لِدَلَالَةِ عَدَمِ ذِكْرِ طَلْقَةٍ مَعَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ طَلْقَةٍ غَيْرِ مُتَغَايِرَةٍ، أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَ طَلْقَةٍ ثُلُثَ طَلْقَةٍ سُدُسَ طَلْقَةٍ فَوَاحِدَةٌ) لِدَلَالَةِ حَذْفِ الْعَاطِفِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَجْزَاءَ مِنْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّ الثَّانِيَ بَدَلٌ مِنْ الْأَوَّلِ، وَالثَّالِثَ بَدَلٌ مِنْ الثَّانِي، وَالْبَدَلُ هُوَ الْمُبْدَلُ مِنْهُ أَوْ بَعْضُهُ، وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَسُدُسَهَا وَثُلُثَهَا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ طَلْقَةٍ، وَلَا تَزِيدُ عَلَيْهَا. (أَوْ) قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَ) طَلْقَتَيْنِ (أَوْ) قَالَ (ثُلُثَ) طَلْقَتَيْنِ (أَوْ) قَالَ (سُدُسَ) طَلْقَتَيْنِ، (أَوْ) قَالَ (رُبْعَ) طَلْقَتَيْنِ (أَوْ) قَالَ (ثُمُنَ طَلْقَتَيْنِ فَوَاحِدَةٌ) تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الطَّلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ وَثُلُثَهُمَا طَلْقَةٌ، وَقِسْ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ تَكْمُلُ (وَ) أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ) فَثِنْتَانِ لِأَنَّ نِصْفَيْ الشَّيْءِ جَمِيعُهُ، فَهُوَ كَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ، فَثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ الْأَنْصَافِ طَلْقَةُ نِصْفٍ فَتَكْمُلُ أَوْ) (أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعَةَ أَثْلَاثِ) طَلْقَةٍ، فَثِنْتَانِ (أَوْ خَمْسَةَ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ) فَثِنْتَانِ (وَنَحْوُهُ) كَثَمَانِيَةِ أَسْبَاعِ طَلْقَةٍ (فَثِنْتَانِ) لِأَنَّ ذَلِكَ طَلْقَةٌ وَجُزْءٌ؛ فَيَكْمُلُ، لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 (وَ) أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَتَيْنِ) فَثَلَاثٌ نَصًّا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الطَّلْقَتَيْنِ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا، أَشْبَهَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (أَوْ) قَالَ (أَرْبَعَةَ أَثْلَاثِ) طَلْقَتَيْنِ؛ فَثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهَا ثَمَانِيَةُ أَثْلَاثٍ بِطَلْقَتَيْنِ وَثُلُثَيْ طَلْقَةٍ، وَيَكْمُلُ (أَوْ) قَالَ (خَمْسَةَ أَرْبَاعِ طَلْقَتَيْنِ) فَثَلَاثٌ، لِأَنَّ مَجْمُوعَهُمَا عَشْرَةُ أَرْبَاعٍ بِاثْنَيْنِ وَنِصْفٍ، وَيَكْمُلُ (وَنَحْوُهُ) كَسَبْعَةِ أَسْدَاسِ طَلْقَةٍ، فَثَلَاثٌ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَ طَلْقَةٍ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ وَنَحْوِهِ) كَرُبْعِ طَلْقَةٍ وَخُمُسِ طَلْقَةٍ وَسُبْعِ طَلْقَةٍ (فَثَلَاثٌ) لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ طَلْقَةٍ غَيْرُ الَّتِي مِنْهَا الْجُزْءُ الْآخَرُ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَكْرَارِ لَفْظِ طَلْقَةٍ؛ فَيَقَعُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ جُزْءٌ، فَيَكْمُلُ. وَأَيْضًا فَاللَّفْظُ إذَا ذُكِرَ ثُمَّ أُعِيدَ مُنْكَرًا، فَالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ وَإِنْ أُعِيدَ مُعَرَّفًا فَهُوَ الْأَوَّلُ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] فَالْعُسْرُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ، وَالْيُسْرُ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ فَلِهَذَا قِيلَ: لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ. (وَ) مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَ طَلْقَةٍ) مُنَكِّرًا (وَثُلُثَ الطَّلْقَةِ) مُعَرِّفًا (وَسُدُسَ الطَّلْقَةِ) مُعَرِّفًا أَيْضًا، فَوَاحِدَةٌ (أَوْ قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا فَوَاحِدَةٌ) لِأَنَّ مَجْمُوعَهَا كَذَلِكَ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ رُبْعُ طَالِقٍ فَ) طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ (كَمَا مَرَّ) آنِفًا بِنَاءً عَلَى أَنْتِ طَالِقٌ صَرِيحٌ (وَ) إنْ قَالَ (لِأَرْبَعِ) زَوْجَاتِهِ (أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ) طَلْقَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا (أَوْ) قَالَ لَهُنَّ: أَوْقَعْتُ (عَلَيْكُنَّ طَلْقَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا) وَقَعَتْ بِكُلِّ طَلْقَةٍ (أَوْ لَمْ يَقُلْ: أَوْقَعْتُ) بَلْ قَالَ بَيْنَكُنَّ أَوْ عَلَيْكُنَّ طَلْقَةٌ أَوْ ثِنْتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ (وَقَعَ بِكُلِّ) وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ (طَلْقَةٌ) لِأَنَّ اللَّفْظَ اقْتَضَى قِسْمَ الطَّلْقَةِ بَيْنَهُنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رُبْعٌ، وَالطَّلْقَتَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 (وَ) إنْ قَالَ لِلْأَرْبَعِ أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ أَوْ عَلَيْكُنَّ (خَمْسًا أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا، وَقَعَ بِكُلِّ) وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ (ثِنْتَانِ) وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ أَوْقَعْت، لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ خُمُسِ طَلْقَةٍ وَرُبْعٍ وَمِنْ سِتِّ طَلْقَةٍ وَنِصْفٍ، وَمِنْ سُبْعِ طَلْقَةٍ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ، وَيَكْمُلُ الْكَسْرُ فِي الْجَمِيعِ، وَمِنْ الثَّمَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَانِ (وَ) إنْ قَالَ لَهُنَّ أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ أَوْ عَلَيْكُنَّ (تِسْعًا فَأَكْثَرَ) كَعَشْرِ طَلْقَاتٍ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَوْقَعْت؛ وَقَعَ ثَلَاثٌ لِمَا مَرَّ (أَوْ) قَالَ أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ أَوْ عَلَيْكُنَّ؛ (طَلْقَةً وَطَلْقَةً وَطَلْقَةً؛ وَقَعَ ثَلَاثٌ) بِكُلٍّ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ لَمَّا عَطَفَ وَجَبَ قَسْمُ كُلِّ طَلْقَةٍ عَلَى حِدَتِهَا، ثُمَّ يُكْمِلُ الْكَسْرَ (كَ) قَوْلِهِ (طَلَّقْتُكُنَّ ثَلَاثًا وَلَوْ فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا) لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا (وَ) إنْ قَالَ أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ أَوْ عَلَيْكُنَّ (طَلْقَةً فَطَلْقَةً) أَوْ قَالَ (أَوْقَعْتُ) طَلْقَةً (ثُمَّ طَلْقَةً) ثُمَّ طَلْقَةً، أَوْ قَالَ أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً وَأَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً؛ وَأَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً، طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهِنَّ ثَلَاثًا وَ (بَانَتْ) مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا (بِالْأَوْلَى) فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ ثَلَاثًا، أَوْ قَالَ طَلَّقْتُكُنَّ ثَلَاثًا، طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، سَوَاءٌ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا. (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (نِصْفُك وَنَحْوُهُ) كَثُلُثِك أَوْ رُبْعُك أَوْ خُمُسُك طَالِقٌ؛ طَلُقَتْ (أَوْ) قَالَ (بَعْضُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (جُزْءٌ مِنْك) طَالِقٌ؛ طَلُقَتْ، وَلَوْ زَادَ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَةٍ لَا تَتَبَعَّضُ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ؛ وَقَدْ وُجِدَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، فَغَلَبَ كَاشْتِرَاكِ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ فِي قَتْلِ صَيْدٍ (أَوْ) قَالَ (دَمُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (حَيَاتُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (يَدُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (أُصْبُعُك طَالِقٌ، وَلَهَا يَدٌ أَوْ أُصْبُعٌ طَلُقَتْ) لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى جُزْءٍ ثَابِتٍ اسْتَبَاحَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ أَشْبَهَ الْجُزْءَ الشَّائِعَ؛ بِخِلَافِ زَوَّجْتُك نِصْفَ بِنْتِي وَنَحْوِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ (وَ) إنْ كَانَ قَالَ (شَعْرُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (ظُفْرُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (سِنُّك) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (رِيقُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (دَمْعُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (لَبَنُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (مَنِيُّك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (رُوحُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (حَمْلُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (سَمْعُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (بَصَرُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (سَوَادُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (بَيَاضُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (طُولُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (قِصَرُك) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (يَدُك) طَالِقٌ (وَلَا يَدَ لَهَا طَالِقٌ) لَمْ تَطْلُقْ (أَوْ) قَالَ (إنْ قُمْت فَهِيَ) أَيْ: يَدُك (طَالِقٌ فَقَامَتْ وَقَدْ قُطِعَتْ) يَدُهَا قَبْلَ قِيَامِهَا (لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّ الشَّعْرَ وَالظُّفْرَ وَالسِّنَّ وَالرِّيقَ وَالدَّمْعَ وَاللَّبَنَ وَالْمَنِيَّ أَجْزَاءٌ تَنْفَصِلُ عَنْهَا مَعَ السَّلَامَةِ؛ فَلَا تَطْلُقُ بِإِضَاقَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا، وَالرُّوحُ لَيْسَتْ عُضْوًا وَلَا شَيْئًا يُسْتَمْتَعُ بِهِ، وَلِأَنَّهَا تَزُولُ عَنْ الْجَسَدِ فِي حَالَةِ سَلَامَةِ الْجَسَدِ، وَهِيَ حَالُ النَّوْمِ، وَالْحَمْلُ لَيْسَ جُزْءًا مِنْهَا، وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْبَيَاضُ وَالسَّوَادُ أَعْرَاضٌ، وَالطُّولُ وَالْقِصَرُ لَيْسَ جُزْءًا مِنْهَا، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ، وَهُوَ قِيَامُهَا - وَلَا يَدَ لَهَا - فَلَمْ يَقَعْ (وَعِتْقٌ وَظِهَارٌ وَحَرَامٌ فِي ذَلِكَ كَطَلَاقٍ) أَيْ فِيمَا يَقَعُ وَمَا لَا يَقَعُ. [فَصْلٌ فِيمَا تُخَالِفُ الْمَدْخُولُ بِهَا غَيْرَهَا] (تَطْلُقُ) مَدْخُولٌ بِهَا بِوَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ (ثَلَاثًا) بِقَوْلِ زَوْجِهَا (أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ) لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْإِيقَاعِ؛ فَيَقْتَضِي الْوُقُوعَ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مِثْلُهُ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِتَكْرَارِهِ تَأْكِيدًا مُتَّصِلًا أَوْ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ (إفْهَامًا) فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ (فَوَاحِدَةٌ) تَقَعُ؛ لِانْصِرَافِهِ عَنْ الْإِيقَاعِ بِنِيَّةِ التَّأْكِيدِ أَوْ الْإِفْهَامِ؛ فَلَمْ يَقَعْ بِهَا شَيْءٌ؛ وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِالْأَوْلَى، نَوَى بِالثَّالِثَةِ الْإِيقَاعَ أَوْ لَا، مُتَّصِلًا أَوْ لَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 وَابْنُ مَسْعُودٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِأَنْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَسَكَتَ مَا يُمْكِنُهُ كَلَامٌ فِيهِ، ثُمَّ أَعَادَهُ لَهَا، طَلُقَتْ ثَانِيَةً، وَلَوْ نَوَى التَّأْكِيدَ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَشَرْطُهُ الِاتِّصَالُ كَسَائِرِ التَّوَابِعِ، وَإِنْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ (وَأَكَّدَ الْأُولَى بِثَالِثَةٍ لَمْ يُقْبَلْ) لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِالثَّانِيَةِ؛ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ (وَ) إنْ أَكَّدَ الْأُولَى (بِهِمَا) أَيْ: بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ؛ قُبِلَ، لِعَدَمِ الْفَصْلِ وَتَقَعُ وَاحِدَةٌ (أَوْ) قَالَ أَرَدْت تَأْكِيدَ (ثَانِيَةٍ بِثَالِثَةٍ؛ قُبِلَ) لِمَا مَرَّ؛ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالثَّانِيَةِ تَأْكِيدًا (وَإِنْ أَطْلَقَ التَّأْكِيدَ) بِأَنْ أَرَادَ التَّأْكِيدَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ تَأْكِيدَ أَوْلَى وَلَا ثَانِيَةٍ (فَوَاحِدَةٌ) لِانْصِرَافِ مَا زَادَ عَلَيْهَا عَنْ الْإِيقَاعِ بِنِيَّةِ التَّأْكِيدِ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ فَوَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْهَا بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ (مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ) مِنْ وَاحِدَةٍ، فَيَقَعُ مَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ، فَثَلَاثُ) طَلْقَاتٍ (مَعًا، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) لِأَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي الْجَمْعَ بِلَا تَرْتِيبٍ (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ (حُكْمًا) إرَادَةُ (تَأْكِيدِ ثَانِيَةٍ بِثَالِثَةٍ) لِمُطَابِقَتِهَا لَهَا فِي لَفْظِهَا وَ (لَا) يُقْبَلُ مِنْهُ تَأْكِيدُ (أَوْلَى بِثَانِيَةٍ) لِعَدَمِ مُطَابِقَتِهَا لِاقْتِرَانِهَا بِالْعَاطِفِ دُونَهَا (وَكَذَا الْفَاءُ) فَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ؛ فَتَطْلُقُ مَدْخُولٌ بِهَا ثَلَاثًا، وَيُقْبَلُ مِنْهُ حُكْمًا تَأْكِيدُ ثَانِيَةٍ بِثَالِثَةٍ، لَا أَوْلَى بِثَانِيَةٍ (وَ) كَذَا (ثُمَّ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ وَأَكَّدَ الثَّانِيَةَ بِالثَّالِثَةِ؛ قُبِلَ لَا أَوْلَى بِثَانِيَةٍ. (وَإِنْ غَايَرَ الْحُرُوفَ) فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ وَطَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ فَطَالِقٌ وَنَحْوُهُ (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ إرَادَةُ تَأْكِيدٍ (لِلْمُغَايَرَةِ) وَعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فِي اللَّفْظِ. (وَيُقْبَلُ حُكْمًا تَأْكِيدٌ فِي) قَوْلِهِ (أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ أَنْتِ مُفَارَقَةٌ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 إذَا أَرَادَ تَأْكِيدَ الْأُولَى بِمَا بَعْدَهَا، أَوْ الثَّانِيَةَ بِالثَّالِثَةِ، لِأَنَّهُ أَعَادَ اللَّفْظَ بِمَعْنَاهُ، (إلَّا) إنْ أَتَى بِهَذِهِ الْجُمَلِ (مَعَ وَاوٍ أَوْ) مَعَ (فَاءٍ أَوْ مَعَ ثُمَّ) بِأَنْ قَالَ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ وَأَنْتِ مُسَرَّحَةٌ، وَأَنْتِ مُفَارَقَةٌ، أَوْ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ فَمُسَرَّحَةٌ فَمُفَارَقَةٌ أَوْ مُطَلَّقَةٌ ثُمَّ مُسَرَّحَةٌ ثُمَّ مُفَارَقَةٌ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إرَادَةُ التَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّ حُرُوفَ الْعَطْفِ تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ. (وَإِنْ أَتَى بِشَرْطٍ) عَقِبَ جُمْلَةٍ، اخْتَصَّ بِهَا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ؛ فَتَطْلُقُ مَدْخُولٌ بِهَا الْأُولَى فِي الْحَالِ وَالثَّانِيَةُ إذَا دَخَلَتْ الدَّارَ (أَوْ) أَتَى (بِاسْتِثْنَاءٍ) عَقِبَ جُمْلَةٍ، اخْتَصَّ بِهَا، فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ لِاخْتِصَاصِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْكُلَّ، أَشْبَهَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً إلَّا طَلْقَةً (أَوْ) أَتَى (بِصِفَةٍ عَقِبَ جُمْلَةٍ) كَأَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ صَائِمَةً (اخْتَصَّ بِهَا) فَتَطْلُقُ الْأُولَى فِي الْحَالِ، وَالثَّانِيَةُ إذَا صَامَتْ؛ لِعَدَمِ الْإِرَادَةِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّشْرِيكَ بَيْنَهُمَا (بِخِلَافِ مَعْطُوفٍ وَمَعْطُوفٍ عَلَيْهِ) إذَا تَعَقَّبَهُ شَرْطٌ أَوْ صِفَةٌ (فَيُرْجَعُ لِلْكُلِّ) فَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ؛ لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَقْدُمَ؛ فَيَقَعُ طَلْقَتَانِ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ، وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ صَائِمَةً؛ فَتَطْلُقُ بِصِيَامِهَا طَلْقَتَيْنِ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ لَا بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ؛ فَوَاحِدَةٌ) نَصًّا، لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْأُولَى ثُمَّ أَثْبَتَهُ بَعْدَ نَفْيِهِ فَالْمُثْبَتُ هُوَ الْمَنْفِيُّ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الطَّلْقَةُ الْأُولَى؛ فَلَا يَقَعُ بِهِ أُخْرَى وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الِاسْتِدْرَاكِ، كَأَنَّهُ نَسِيَ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُوَقَّعَ لَا يُنْفَى، فَاسْتَدْرَكَ، وَأَثْبَتَهُ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ السَّامِعُ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ ارْتَفَعَ بِنَفْيِهِ؛ فَهُوَ إعَادَةٌ لِلْأَوَّلِ لَا اسْتِئْنَافَ طَلَاقٍ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ؛ فَثِنْتَانِ وَمِثْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (ثُمَّ) طَالِقٌ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (بَلْ طَالِقٌ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً بَلْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً (بَلْ طَلْقَةً) فَثِنْتَانِ، لِأَنَّ حُرُوفَ الْعَطْفِ تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَبَلْ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ إذَا كَانَ بَعْدَهَا مُفْرَدٌ، وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَإِنْ كَانَ مُتَحَمِّلًا لِلضَّمِيرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْرَبُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 وَالْجُمَلُ لَا تُعْرَبُ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً) قَبْلَ طَلْقَةٍ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً (قَبْلَهَا طَلْقَةٌ، وَلَمْ يُرِدْ) بِهَذَا الْقَوْلِ (فِي نِكَاحٍ) قَبْلَ ذَلِكَ (أَوْ مِنْ زَوْجٍ قَبْلَ ذَلِكَ) فَثِنْتَانِ، فَإِنْ أَرَادَ فِي نِكَاحٍ أَوْ مِنْ زَوْجٍ قَبْلَهُ؛ فَوَاحِدَةٌ (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا إنْ كَانَ وُجِدَ) نِكَاحٌ أَوْ زَوْجٌ قَبْلَهُ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً (بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْ) طَلْقَةً (بَعْدَهَا طَلْقَةٌ؛ وَلَمْ يُرِدْ) بِقَوْلِهِ بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْ بَعْدَهَا طَلْقَةٌ (سَيُوقِعُهَا) عَلَيْهَا بَعْدُ (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ (حُكْمًا) إرَادَةُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِهِ (فَثِنْتَانِ) يَقَعَانِ عَلَيْهِ (إلَّا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فَتَبِينُ بِ) الطَّلْقَةِ (الْأُولَى) وَلَا يَلْزَمُهَا مَا بَعْدَهَا، لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِالْبَيْنُونَةِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَةٌ أَوْ) طَالِقٌ طَلْقَةً (مَعَ طَلْقَةٍ أَوْ) طَالِقٌ طَلْقَةً (فَوْقَهَا طَلْقَةٌ أَوْ) طَلْقَةً (فَوْقَ طَلْقَةٍ أَوْ) طَلْقَةً (تَحْتَهَا) طَلْقَةٌ (أَوْ) طَلْقَةً (تَحْتَ طَلْقَةٍ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ (فَثِنْتَانِ، وَلَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا) لِإِيقَاعِهِ الطَّلَاقَ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي وُقُوعَ طَلْقَتَيْنِ، فَوَقَعَتَا مَعًا، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ. (وَ) طَلَاقٌ (مُعَلَّقٌ) بِشَرْطٍ (فِي هَذَا) الْحُكْمِ (كَمُنَجَّزٍ) عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ (فَ) لَوْ قَالَ (إنْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ) فَقَامَتْ؛ فَثَلَاثٌ وَلَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ (أَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ) فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ، إنْ قُمْتِ، فَقَامَتْ، فَثَلَاثٌ مَعًا، وَيُقْبَلُ حُكْمًا تَأْكِيدُ ثَانِيَةٍ بِثَالِثَةٍ، لَا تَأْكِيدُ أَوْلَى بِثَانِيَةٍ (أَوْ كَرَّرَهُ) أَيْ: الشَّرْطَ (ثَلَاثًا بِالْجَزَاءِ) بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْتِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْتِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْتِ، فَقَامَتْ فَثَلَاثٌ (أَوْ) قَالَ إنْ قُمْتِ (فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَتَانِ أَوْ) طَالِقٌ طَلْقَةً (مَعَ طَلْقَتَيْنِ، فَقَامَتْ؛ فَثَلَاثٌ) مَعًا (وَلَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا) لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ ثَلَاثًا (وَ) إنْ قَالَ (إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ، أَوْ) إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (ثُمَّ طَالِقٌ، فَقَامَتْ) فَيَقَعُ (ثِنْتَانِ إنْ) كَانَ (دَخَلَ بِهَا) لِوُقُوعِ الْأُولَى رَجْعِيَّةً وَهِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، (وَإِلَّا) يَكُنْ دَخَلَ بِهَا (فَ) يَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ) تَبِينُ بِهَا، وَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا (وَإِنْ قَصَدَ الزَّوْجُ إفْهَامًا أَوْ) قَصَدَ (تَأْكِيدًا فِي مُكَرَّرٍ) مُتَّصِلٍ (مَعَ جَزَاءٍ) كَقَوْلِهِ إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ (وَأَرَادَ إفْهَامَهَا) ، أَوْ أَرَادَ التَّأْكِيدَ (فَوَاحِدٌ) لِصَرْفِهِ عَنْ الْإِيقَاعِ كَمَا سَبَقَ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (فِيمَنْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ وَكَرَّرَهُ) مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ (لَا أَفْعَلُ كَذَا) وَكَذَا (لَا يَقَعُ أَكْثَرُ مِنْ) طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ إذَا لَمْ يَنْوِ) أَكْثَرَ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَقَعُ بِعَدَدِ مَا كَرَّرَهُ، مَا لَمْ يَنْوِ إفْهَامًا أَوْ تَأْكِيدًا، وَيَكُونُ مُتَّصِلًا. [بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ] ِ (وَهُوَ) لُغَةً مِنْ الثَّنْيِ (وَهُوَ) الرُّجُوعُ إلَيَّ يُقَالُ ثَنَى رَأْسَ الْبَعِيرِ إذَا عَطَفَهُ إلَى وَرَائِهِ، فَكَأَنَّ الْمُسْتَثْنِيَ رَجَعَ فِي قَوْلِهِ إلَى مَا قَبْلَهُ، وَاصْطِلَاحًا (إخْرَاجُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ) أَيْ: مَدْخُولِ اللَّفْظِ (بِ) لَفْظِ (إلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا) كَغَيْرِ وَسِوَى وَلَيْسَ وَعَدَا وَخَلَا وَحَاشَا (مِنْ مُتَكَلِّمٍ بِوَاحِدٍ) فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءٌ غَيْرُ مُوَقَّعٍ، لِاعْتِبَارِ نِيَّتِهِ قَبْلَ تَمَامِ مُسْتَثْنًى مِنْهُ. (وَشُرِطَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (فِيهِ) أَيْ: الِاسْتِثْنَاءِ (اتِّصَالٌ مُعْتَادٌ) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَّصِلِ لَفْظٌ يَقْتَضِي رَفْعَ مَا وَقَعَ بِالْأَوَّلِ، وَلَا يُمْكِنُ رَفْعُ الطَّلَاقِ إذَا وَقَعَ بِخِلَافِ الْمُتَّصِلِ؛ إذْ الِاتِّصَالُ يَجْعَلُ اللَّفْظَ جُمْلَةً وَاحِدَةً؛ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَ تَمَامِهَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا صَحَّ التَّعْلِيقُ. وَيَكُونُ الِاتِّصَالُ (إمَّا لَفْظًا) بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ مُتَوَالِيًا (أَوْ) يَكُونَ (حُكْمًا كَانْقِطَاعِهِ) أَيْ: الِاسْتِثْنَاءِ عَمَّا قَبْلَهُ (بِنَحْوِ تَنَفُّسٍ فِيهِ) كَعُطَاسٍ (وَسُعَالٍ) بِخِلَافِ انْقِطَاعِهِ بِكَلَامٍ مُعْتَرَضٍ أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ، لَا يَسِيرٍ (أَوْ) طُولِ كَلَامٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 مُتَّصِلٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، قَالَهُ الطُّوفِيُّ. وَشَرْطُ الِاسْتِثْنَاءِ أَيْضًا (نِيَّتُهُ قَبْلَ تَمَامِ مُسْتَثْنًى مِنْهُ) فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً؛ لَمْ يُعْتَدَّ بِالِاسْتِثْنَاءِ إنْ لَمْ يَنْوِهِ قَبْلَ تَمَامِ قَوْلِهِ ثَلَاثًا (وَقَطَعَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُبْهِجِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " (وَ) تَصِحُّ نِيَّتُهُ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ تَمَامِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (قَبْلَ فَرَاغِهِ) مِنْ كَلَامِهِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ نَاوِيًا لَهُ عِنْدَ تَمَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْكُتَ (وَاخْتَارَهُ) أَيْ: الْقَوْلَ بِصِحَّةِ نِيَّتِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ (الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو أَصْحَابِهِ، وَقَالَ لَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ بِالنِّيَّةِ وَبِالِاسْتِثْنَاءِ قَالَ: وَفِي الْقُرْآنِ جُمَلٌ قَدْ فُصِلَ أَبْعَاضُهَا بِكَلَامٍ آخَرَ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا} [آل عمران: 72] إلَى قَوْلِهِ: {هُدَى اللَّهِ} [آل عمران: 73] فَصَلَ بَيْنَ أَبْعَاضِ الْكَلَامِ الْمَحْكِيِّ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (وَ) اخْتَارَهُ أَيْضًا تِلْمِيذُهُ (ابْنُ الْقَيِّمِ) فِي " إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " وَالْمَذْهَبُ اعْتِبَارُ نِيَّتِهِ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَ " النَّظْمِ " وَ " تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ " وَغَيْرِهِمْ (وَكَذَا شَرْطٌ مُلْحَقٌ) أَيْ: لَاحِقٌ لِآخِرِ الْكَلَامِ؛ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْتِ؛ فَيُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُ عَادَةً وَنِيَّتُهُ قَبْلَ تَمَامِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (وَ) كَذَا (عَطْفٌ مُغَيَّرٌ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا) ، فَلَا يُقْطَعُ بِهِ طَلَاقٌ إنْ اتَّصَلَ عَادَةً وَنَوَاهُ قَبْلَ تَمَامِ مَعْطُوفٍ وَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ وَنِيَّتُهُ الْعَدَدُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَقُولُ إنَّ لَهَا تَأْثِيرًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 فِيهَا، لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا صَوَارِفُ لِلَّفْظِ عَنْ مُقْتَضَاهُ، وَإِطْلَاقِهِ؛ فَوَجَبَ مُقَارَنَتُهَا لَفْظًا وَنِيَّةً كَالِاسْتِثْنَاءِ (وَ) كَذَا (نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ) لِعَدَمِ إمْكَانِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ، وَيَأْتِي. (وَيَصِحُّ) اسْتِثْنَاءٌ (فِي نِصْفٍ فَأَقَلَّ) نَصًّا لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ أَبَانَ بِهِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مُرَادٍ بِالْأَوَّلِ؛ فَصَحَّ كَمَا لَوْ أَتَى بِمَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى بِدُونِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف: 26] {إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف: 27] يُرِيدُ بِهِ الْبَرَاءَةَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] وَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاءُ بِهِ رَافِعًا لِوَاقِعٍ وَإِنَّمَا مَانِعُ الْمُسْتَثْنَى فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ؛ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ (مِنْ مُطَلَّقَاتٍ) كَ زَوْجَتَايَ طَالِقَتَانِ إلَّا فُلَانَةَ، أَوْ زَوْجَاتُهُ الْأَرْبَعُ طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ (وَ) مِنْ (طَلْقَاتٍ) كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً (وَإِقْرَارٍ كَ) مَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً (فَ) لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً يَقَعُ) عَلَيْهِ (طَلْقَةٌ) وَاحِدَةٌ؛ لِرَفْعِهِ الثَّانِيَةَ بِالِاسْتِثْنَاءِ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا طَلْقَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ) لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ الثِّنْتَيْنِ وَاحِدَةً؛ فَبَقِيَ وَاحِدَةٌ اسْتَثْنَاهَا مِنْ الثَّلَاثِ، فَبَقِيَ ثِنْتَانِ، (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً) يَقَعُ ثِنْتَانِ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي مُؤَكِّدٌ لَهُ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةٌ إلَّا وَاحِدٌ) يَقَعُ ثِنْتَانِ إلْغَاءً لِلِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي، لِئَلَّا يَلْزَمَ اسْتِثْنَاءُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً وَثِنْتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً) يَقَع ثِنْتَانِ لِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ وَاحِدَةٍ مِنْ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُهُمَا (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (أَرْبَعًا إلَّا ثِنْتَيْنِ؛ يَقَعُ ثِنْتَانِ) لِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 النِّصْفِ (وَ) إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا) يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ رَفْعٌ لِمَا أَوْقَعَهُ؛ فَلَمْ يَرْتَفِعْ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (إلَّا ثِنْتَيْنِ) يَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَا يَصِحُّ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (إلَّا جُزْءَ طَلْقَةٍ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ) أَوْ رُبْعٍ أَوْ خُمُسٍ أَوْ سُدُسٍ (يَقَعُ ثَلَاثٌ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ فَيَكْمُلُ الْبَاقِي مِنْ الطَّلْقَةِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً) يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْ الثَّلَاثِ بَقِيَ اثْنَتَانِ، وَاسْتَثْنَاهُمَا مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ؛ فَلَا يَصِحُّ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (خَمْسًا) إلَّا ثَلَاثًا، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا (إلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ) ثَلَاثٌ، لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (أَرْبَعًا إلَّا وَاحِدَةً) يَقَعُ ثَلَاثٌ لِبَقَائِهَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ (أَوْ) أَنْتِ (طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً) يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا يَلِيهِ؛ فَهُوَ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ (وَدِينَ إنْ أَرَادَ بِهِ) الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ (الْمَجْمُوعِ) فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ مُحْتَمَلٌ وَقُبِلَ مِنْهُ حُكْمًا فَيَقَعُ اثْنَتَانِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لِأَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ (إلَّا طَالِقًا؛ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (ثِنْتَيْنِ وَطَلْقَةً إلَّا طَلْقَةً؛ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَنِصْفًا إلَّا طَلْقَةً، أَوْ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ) يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ (إلَّا وَاحِدَةً، يَقَعُ الثَّلَاثُ) لِبَقَائِهَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ كَعَطْفِهِ بِالْفَاءِ أَوْ بِثُمَّ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ أَوْ إلَّا وَاحِدَةً، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ ثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ أَوْ إلَّا وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ثَلَاثٌ، لِأَنَّ الْكَلَامَ صَارَ جُمْلَتَيْنِ؛ لِلتَّرْتِيبِ الْحَاصِلِ بِالْعَطْفِ بِالْفَاءِ أَوْ ثُمَّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنْ عَادَ إلَى الرَّابِعَةِ، فَقَدْ بَقِيَ بَعْدَهَا ثَلَاثٌ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الِاثْنَتَيْنِ، كَانَ اسْتِثْنَاءً لِلْجَمِيعِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَا يَمْلِكُهُ الْمُسْتَثْنِي كَمَا يَأْتِي، وَإِنْ فَرَّقَ مَنْ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ وَوَاحِدَةٌ وَوَاحِدَةٌ إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 وَوَاحِدَةً، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَقَعَتْ الثَّلَاثُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ (وَ) إنْ قَالَ مَنْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ (نِسَاؤُهُ الْأَرْبَعُ طَوَالِقُ، وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً بِقَلْبِهِ طُلِّقْنَ) كُلُّهُنَّ (حُكْمًا) أَيْ فِي الظَّاهِرِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ انْتَهَى وَتَطْلُقُ الْمُسْتَثْنَاةُ أَيْضًا فِي الْبَاطِنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَالْخِرَقِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ نَصٌّ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ، فَلَا يَرْتَفِعُ مِنْهُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ مِنْهُ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْأَرْبَعُ) بِأَنْ قَالَ نِسَاؤُهُ طَوَالِقُ وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِقَلْبِهِ (لَمْ تَطْلُقْ الْمُسْتَثْنَاةُ) لِأَنَّهُ اسْمٌ عَامٌّ يَجُوزُ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْ بَعْضِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَاسْتِعْمَالُ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ كَثِيرٌ، فَيَنْصَرِفُ اللَّفْظُ بِنِيَّتِهِ إلَى مَا أَرَادَهُ فَقَطْ، (وَإِنْ) سَأَلَتْهُ إحْدَى نِسَائِهِ طَلَاقَهَا، فَقَالَ نِسَاؤُهُ طَوَالِقُ (وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ مَنْ سَأَلَتْهُ طَلَاقَهَا، دِينَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ لَفْظٌ عَامٌّ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ (وَلَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) لِأَنَّ طَلَاقَهُ جَوَابٌ لِسُؤَالِهَا لِنَفْسِهَا، فَدَعْوَاهُ صَرْفَهُ عَنْهَا خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلِأَنَّهَا سَبَبُ الطَّلَاقِ، وَسَبَبُ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْعُمُومِ بِالتَّخْصِيصِ (وَإِنْ) كَانَتْ (قَالَتْ لَهُ طَلِّقْ نِسَاءَك فَقَالَ نِسَاؤُهُ طَوَالِقُ، طَلُقَتْ) الْقَائِلَةُ كَبَاقِي نِسَائِهِ، لِعُمُومِ اللَّفْظِ مَعَ عَدَمِ الْمُخَصِّصِ (مَا لَمْ يَسْتَثْنِهَا لَفْظًا) فَلَا تَطْلُقُ قَوْلًا وَاحِدًا (وَ) إنْ اسْتَثْنَاهَا (نِيَّةً بِقَلْبِهِ) ، فَلَا تَطْلُقُ أَيْضًا وَ (يَدِينُ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي " الْمُبْدِعِ " " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِمَا يُقْبَلُ مِنْهُ حُكْمًا أَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا بِقَلْبِهِ؛ لِأَنَّ خُصُوصَ السَّبَبِ يُقَدَّمُ عَلَى عُمُومِ اللَّفْظِ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ يُقَدَّمُ عَلَى نِيَّتِهِ. (فَرْعٌ قَوْلُهُمْ) أَيْ: الْأُصُولِيِّينَ قَاعِدَةُ، الْمَذْهَبِ أَنَّ (الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى مَا يَمْلِكُهُ) مَنْ عَدَّدَ الطَّلَاقَ، لَا إلَى لَفْظٍ بِهِ (وَ) أَنَّ (الْعَطْفَ بِالْوَاوِ يُصَيِّرُ الْجُمْلَتَيْنِ وَاحِدَةً) أَيْ: بِخِلَافِ الْعَطْفِ بِالْفَاءِ وَثُمَّ قَالَ الْمُنَقِّحُ (وَلَيْسَ) قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى إطْلَاقِهِ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إلَّا ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى مَا يَمْلِكُهُ وَقَعَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَا يَصِحُّ، وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إلَّا طَالِقٌ وَنَحْوُهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ، وَلَوْ صَيَّرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 الْعَطْفُ الْجُمَلَ وَاحِدَةً كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً، فَيَقَعُ بِهِ ثِنْتَانِ لَا ثَلَاثَ. [بَابُ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ] ِ أَيْ تَقْيِيدُ الطَّلَاقِ بِالزَّمَنِ الْمَاضِي وَالزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ (إذَا قَالَ) لِامْرَأَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ أَوْ) قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك وَنَوَى) بِذَلِكَ (وُقُوعَهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ (إذَنْ وَقَعَ) فِي الْحَالِ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) يَنْوِ وُقُوعَهُ حِينَ التَّكَلُّمِ بِأَنْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى إيقَاعَهُ فِي الْمَاضِي (لَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلِاسْتِبَاحَةِ، وَلَا يَمْلِكُ رَفْعَهَا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِيَوْمَيْنِ، فَقَدِمَ الْيَوْمَ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ؛ وَهَذَا طَلَاقٌ فِي زَمَانٍ مَاضٍ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمُسْتَحِيلٍ؛ فَلَغَا، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَلَبْت الْحَجَرَ ذَهَبًا (وَلَوْ لَمْ يَقُلْ أَرَدْت) بِقَوْلِي أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ إلَى آخِرِهِ (إنَّ زَوْجًا قَبْلِي طَلَّقَهَا وَنَحْوَهُ) كَأَرَدْت أَنِّي طَلَّقْتهَا أَنَا فِي نِكَاحٍ قَبْلَ هَذَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ أَيْ: فَلَا يَقَعُ إلَّا بِنِيَّةِ الْإِيقَاعِ فِي الْحَالِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ "؛ لِاعْتِبَارِهِ الْقَوْلَ وَعِبَارَتَهُ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّ زَوْجًا قَبْلِي طَلَّقَهَا أَوْ طَلَّقْتهَا أَنَا فِي نِكَاحٍ قَبْلَ هَذَا قُبِلَ مِنْهُ إنْ كَانَ قَدْ وُجِدَ، مَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ مِنْ غَضَبٍ أَوْ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ وَنَحْوِهِ انْتَهَى (أَوْ مَاتَ) بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ أَوْ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك (أَوْ جُنَّ أَوْ خَرِسَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِمُرَادِهِ) أَيْ: فَلَا يَقَعُ، لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ؛ فَلَا تَزُولُ مَعَ الشَّكِّ فِيمَا أَرَادَهُ. وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَلَغْوٌ؛ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطٍ؛ إذْ مُقْتَضَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 (أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ) وَلَا يَأْتِي الْغَدُ إلَّا بَعْدَ ذَهَابِ الْيَوْمِ، وَذَهَابِ مَحَلِّ الطَّلَاقِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ أَنْتِ طَالِقٌ (أَمْسِ آخِرِ الشَّهْرِ) فَلَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مَجِيءُ أَمْسِ بَعْدَ ذَهَابِهِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ (مَا لَمْ يَنْوِ) بِقَوْلِهِ آخِرِ الشَّهْرِ (الْبَدَلَ) مِنْ قَوْلِهِ أَمْسِ، فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ ذَلِكَ الْبَدَلَ، فَيَقَعُ عَلَيْهِ إذَا جَاءَ آخِرُ الشَّهْرِ (وَ) أَمَّا قَوْلُهُ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (مِنْ أَمْسِ، فَهُوَ إقْرَارٌ) يُؤَاخَذُ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ كَذَا وَبَرِئْتُ مِنْهُ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ، فَلَهَا النَّفَقَةُ) أَيْ: لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا بِالتَّعْلِيقِ؛ بَلْ تَسْتَمِرُّ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِأَجْلِهِ (وَلَا يَطَأُ) هَا مِنْ حِينِ عَقْدِ الصِّفَةِ، لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ يَأْتِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَهْرَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: تَأَمَّلْت نُصُوصَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَوَجَدْته يَأْمُرُ بِاعْتِزَالِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ فِي كُلِّ يَمِينٍ حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَبَارٌّ هُوَ أَمْ حَانِثٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَارٌّ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَارٌّ اعْتَزَلَهَا أَبَدًا، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَارٌّ فِي وَقْتٍ وَشَكَّ فِي وَقْتٍ، اعْتَزَلَهَا وَقْتَ الشَّكِّ (فَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ قَبْلَ مُضِيِّهِ) أَيْ: الشَّهْرِ لَمْ يَقَعْ (أَوْ) قَدِمَ (مَعَهُ) أَيْ: مَعَ مُضِيِّ الشَّهْرِ (لَمْ يَقَعْ) عَلَيْهِ طَلَاقٌ. لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ جُزْءٍ يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ (وَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ شَهْرٍ وَجُزْءٍ تَطْلُقُ فِيهِ) أَيْ: يَتَّسِعُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ (تَبَيَّنَ وُقُوعَهُ) لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ عَلَى صِفَةٍ، فَإِذَا حَصَلَتْ وَقَعَ، كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ شَهْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 رَمَضَانَ أَوْ قَبْلَ مَوْتِك بِشَهْرٍ (وَ) تَبَيَّنَ (أَنَّ وَطْأَهُ) بَعْدَ التَّعْلِيقِ (مُحَرَّمٌ) إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ (وَلَهَا الْمَهْرُ) بِمَا نَالَ مِنْ فَرْجِهَا (وَلَا يَرْجِعُ) الزَّوْجُ (بِالنَّفَقَةِ) الَّتِي أَنْفَقَهَا عَلَيْهَا قَبْلَ تَبَيُّنِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ إذْ ذَاكَ (فَإِنْ خَالَعَهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ) الْمَذْكُورِ (بِيَوْمٍ) فَأَكْثَرَ (وَقَدِمَ) زَيْدٌ (بَعْدَ شَهْرٍ وَيَوْمَيْنِ صَحَّ الْخُلْعُ) . (وَيَتَّجِهُ) أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ (غَيْرَ حِيلَةٍ) لِإِسْقَاطِ يَمِينِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ حِيلَةً، لَمْ يَصِحَّ لِمَا سَبَقَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) حَيْثُ لَا حِيلَةَ (بَطَلَ الطَّلَاقُ) الْمُعَلَّقُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ صَادَفَهَا بَائِنًا بِالْخُلْعِ (وَعَكْسُهُمَا) أَيْ: يَبْطُلُ الْخُلْعُ، وَيَصِحُّ الطَّلَاقُ إنْ خَالَعَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ بِيَوْمَيْنِ، وَقَدِمَ زَيْدٌ (بَعْدَ شَهْرٍ وَسَاعَةٍ) مِنْ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ صَادَفَهَا بَائِنًا بِالطَّلَاقِ (وَحَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْخُلْعُ رَجَعَتْ) أَيْ: الزَّوْجَةُ (بِعِوَضِهِ) لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ، لَا فِي مُقَابَلَتِهِ (إلَّا الرَّجْعِيَّةَ) أَيْ: إلَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ رَجْعِيًّا؛ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُكَمِّلًا لِمَا يَمْلِكُهُ (فَيَصِحُّ خُلْعُهَا) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ مَا دَامَتْ عِدَّتُهَا (وَكَذَا حُكْمُ) مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ) فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ أَوْ مَعَهُ؛ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْمَاضِي، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ وَلَحْظَةٍ تَتَّسِعُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ (وَلَا إرْثَ لِبَائِنٍ) لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالْبَيْنُونَةِ (وَلِعَدَمِ تُهْمَةٍ مُحَقَّقَةٍ) بِحِرْمَانِهَا الْمِيرَاثَ. (وَيَتَّجِهُ) أَنْ يُقَالَ فِي تَعْلِيلِ حِرْمَانِ الْبَائِنِ الْإِرْثَ (لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَنْ يَمُوتُ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ (أَوَّلًا وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) لَا إرْثَ لَهَا (مَا لَمْ يَكُنْ) قَوْلُهُ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ (فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَطَالَ) الْمَرَضُ (إلَى شَهْرٍ) وَشَيْءٍ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ. فَإِنَّهَا تَرِثُ؛ لِوُجُودِ التُّهْمَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ مِتَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ وَنَحْوِهِ) كَيَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ (لَمْ يَصِحَّ) التَّعْلِيقُ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَلَمْ يَقَعْ قَبْلَهُ لِمُضِيِّهِ (وَلَا تَطْلُقُ إنْ قَالَ) لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (بَعْدَ مَوْتِي أَوْ مَعَهُ) لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِالْمَوْتِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ نِكَاحٌ يُزِيلُهُ الطَّلَاقُ (وَإِنْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (يَوْمَ مَوْتِي؛ طَلُقَتْ أَوَّلَهُ) أَيْ: أَوَّلَ الْيَوْمِ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَصْلُحُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ، وَلَا مُقْتَضِيَ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ أَوَّلِهِ فَوَقَعَ فِي أَوَّلِهِ قَبْلَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت قِيَاسُ مَا قَدَّمْته عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّ يَوْمٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْمَوْتِ؛ وَكَذَا لَوْ مَاتَ لَيْلًا؛ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي أَوَّلِهِ، لِأَنَّ الْيَوْمَ بِمَعْنَى الْوَقْتِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَاحْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ. (وَ) إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (قَبْلَ مَوْتِي يَقَعُ فِي الْحَالِ) وَكَذَا قَبْلَ مَوْتِكَ أَوْ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ لِأَنَّ مَا قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْ حِينِ عَقْدِ الصِّفَةِ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ وَلَا مُقْتَضِيَ لِلتَّأْخِيرِ (وَ) إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (قُبَيْلَ مَوْتِي) أَوْ مَوْتِكَ أَوْ مَوْتِ زَيْدٍ (فَ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (قَبْلَهُ) أَيْ الْمَوْتِ (بِيَسِيرٍ) أَيْ: فِي الْجُزْءِ الَّذِي يَلِيهِ الْمَوْتُ (وَكَذَا) لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ أَوْ قُبَيْلَ قُدُومِ زَيْدِ) فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَلِيهِ الْقُدُومُ؛ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ يَقْتَضِي أَنَّ إزَاءَ الَّذِي يَبْقَى بِيَسِيرٍ: (وَ) إنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ (أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ فَبِمَوْتِ إحْدَاهُمَا لَا الْيَمِينُ يَقَعُ بِالْأُخْرَى) لِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ فِيهَا، وَقَوْلُهُ لَا الْيَمِينُ؛ أَيْ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِذَلِكَ وَقْتَ يَمِينِهِ أَيْ حَالَ عَقْدِ الصِّفَةِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ، كَأَنْتِ طَالِقٌ صَائِمَةً إنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ لَا حَالَ عَقْدِهَا، وَقَوْلُهُ بِالْأُخْرَى مُتَعَلِّقٌ بِيَقَعُ فَجُمْلَةُ لَا الْيَمِينُ مُعْتَرِضَةٌ (وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ أَبِيهِ) بِشَرْطِهِ (ثُمَّ قَالَ) لَهَا إذَا مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ لَهَا إذَا (اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَاتَ أَبُوهُ أَوْ اشْتَرَاهَا تَطْلُقُ) لِأَنَّ الْمَوْتَ أَوْ الشِّرَاءَ سَبَبٌ لِمِلْكِهَا وَطَلَاقِهَا، وَفَسْخُ النِّكَاحِ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمِلْكِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 فَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ؛ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ (وَ) وَقَعَ (الْعِتْقُ) لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَيَكُونُ وُقُوعُهُمَا (مَعًا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ، وَمَحَلُّ وُقُوعِ الْعِتْقِ (إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ) أَوْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَنْفِيذٌ؛ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ تَرِكَتَهُ؛ لَمْ تُعْتَقْ. قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الْمُقْنِعِ " (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، بَلْ خَرَجَ بَعْضُهَا مِنْهُ (انْفَسَخَ لِلنِّكَاحِ) وَلَا تَطْلُقُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ، فَيَمْلِكُ الِابْنُ جُزْءًا مِنْهَا، فَيَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ، فَيَكُونُ كَمِلْكِ جَمِيعِهَا فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، وَمَنْعِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ. (وَيَتَّجِهُ) فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ مُدَبَّرَةِ أَبِيهِ إنْ مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا، بَانَتْ مِنْهُ، وَإِلَّا طَلُقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ حَيْثُ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا، وَحَيْثُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ (فَإِنَّهُ يَحْرُمُ) عَلَى الزَّوْجِ (وَطْؤُهَا) لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ وَطِئَهَا عَمْدًا عُزِّرَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِلشُّبْهَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 [فَصْلٌ يُسْتَعْمَلُ نَحْوُ طَلَاقٍ كَظِهَارٍ وَعِتْقٍ اسْتِعْمَالَ الْقَسَمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى] فَصْلٌ (وَيُسْتَعْمَلُ نَحْوُ طَلَاقٍ) كَظِهَارٍ (وَعِتْقٍ اسْتِعْمَالَ الْقَسَمِ) بِاَللَّهِ تَعَالَى (وَيُجْعَلُ جَوَابُ الْقَسَمِ جَوَابُهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ (فِي غَيْرِ الْمُسْتَحِيلِ) فَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَأَقُومَن، وَقَامَ؛ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ حَلِفٌ قَدْ بَرَّ فِيهِ، فَلَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ، حَنِثَ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا بِلَفْظِهِ وَلَا نِيَّتِهِ، حَنِثَ قُبَيْلَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا. وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنَّ أَخَاك لَعَاقِلٌ، فَإِنْ كَانَ أَخُوهَا عَاقِلًا؛ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ وَإِنْ شَكَّ فِي عَقْلِهِ، لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ؛ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا أَكَلْتِ هَذَا الرَّغِيفَ، فَأَكَلَهُ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا؛ وَأَنْتِ طَالِقٌ مَا أَكَلْت، لَمْ يَحْنَثْ إنْ كَانَ صَادِقًا، وَإِلَّا حَنِثَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَوْلَا أَبُوك لَطَلَّقْتُك، وَكَانَ صَادِقًا، لَمْ تَطْلُقْ، وَإِلَّا طَلُقَتْ، وَإِنْ قَالَ إنْ حَلَفْتُ بِعِتْقِ عَبْدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ ثُمَّ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ لَأَقُومَن، طَلُقَتْ ثُمَّ إنْ لَمْ يَقُمْ، عَتَقَ (عَبْدُهُ) وَلَوْ قَالَ إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَأَكْرَمْتُك، طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا، وَإِنْ قَالَ إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِي فَعَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَقَدْ صُمْت أَمْسِ؛ عَتَقَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ. (وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ (بِفِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ عَادَةً) وَهُوَ مَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَادَةِ وُجُودُهُ، وَإِنْ وُجِدَ خَارِقًا لِلْعَادَةِ كَقَوْلِهِ (طَالِقٌ إنْ) صَعِدْت السَّمَاءَ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (لَا صَعِدْت السَّمَاءَ) أَيْ: إنْ صَعِدْت: إذْ مَعْنَى إنْ وَلَا هُنَا وَاحِدٌ، (أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ الْمَيِّتُ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا شَاءَ الْمَيِّتُ (أَوْ) أَنْتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 طَالِقٌ إنْ شَاءَتْ (الْبَهِيمَةُ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا شَاءَتْ الْبَهِيمَةُ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ طِرْتِ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا طِرْتِ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ قَلَبْتِ الْحَجَرَ ذَهَبًا أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلَبْتِ الْحَجَرَ ذَهَبًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَلَبْتِ (التِّينَ عِنَبًا) لَمْ تَطْلُقْ فِي الْجَمِيعِ (أَوْ) عَلَّقَهُ (بِفِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ لِذَاتِهِ) وَهُوَ مَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقْلِ وُجُودُهُ (كَ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ رَدَدْت أَمْسِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ جَمَعْت بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، أَوْ أَنْتِ) طَالِقٌ (إنْ شَرِبْت مَاءَ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ، لَمْ تَطْلُقْ كَحَلِفِهِ بِاَللَّهِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ لَمْ تُوجَدْ، وَلِأَنَّ مَا يُقْصَدُ تَبْعِيدُهُ يُعَلَّقُ عَلَى الْمُحَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] وَقَالَ الشَّاعِرُ: إذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْت أَهْلِي ... وَصَارَ الْقَارُ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ أَيْ: لَا آتِيهِمْ أَبَدًا. (وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ: الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً أَوْ لِذَاتِهِ (كَ) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ لَأَشْرَبَن مَاءَ الْكُوزِ) وَلَا مَاءَ فِيهِ (أَوْ إنْ لَمْ أَشْرَبْهُ وَلَا مَاءَ فِيهِ) وَقَعَ فِي الْحَالِ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (لَأَصْعَدَن السَّمَاءَ، أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ لَمْ أَصْعَدْهَا؛ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (لَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (لَأَقْتُلَن فُلَانًا، فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ) وَقَعَ فِي الْحَالِ سَوَاءٌ (عَلِمَهُ) مَيِّتًا (أَوْ لَا أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (لَأَطِيرَن أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَطِرْ وَنَحْوُهُ، كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَقْلِبْ الْحَجَرَ فِضَّةً (وَقَعَ) الطَّلَاقُ، وَنَحْوُهُ (فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْمُسْتَحِيلِ، وَعَدَمُهُ مَعْلُومٌ فِي الْحَالِ وَفِي الْمَآلِ؛ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ، وَكَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَبِعْ عَبْدِي، فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ بَيْعِهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ لِلْيَأْسِ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 (وَعِتْقٌ وَظِهَارٌ وَحَرَامٌ وَنَذْرٌ وَيَمِينٌ بِاَللَّهِ كَطَلَاقٍ) فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ. (فَرْعٌ: اخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ فِي رِسَالَتِهِ " لَمْحَةُ الْمُخْتَطِفِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْحَلِفِ " وَغَيْرِهَا (لَا وُقُوعَ فِي الْحَلِفِ) بِنَحْوِ طَلَاقٍ (كَظِهَارٍ، وَعِتْقٍ، بَلْ) يَلْزَمُ الْحَالِفَ بِذَلِكَ (كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ) وَلَا غَيْرُهَا (وَقَالَ إنَّ) الصِّيَغَ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ وَالظِّهَارِ وَالْحَرَامِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ الْأَوَّلُ صِيغَةُ تَنْجِيزٍ (نَحْو زَوْجَتِي طَالِقٌ) وَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ طَالِقٌ، أَوْ هِيَ مُطَلَّقَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَلَا تَنْفَعُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ (وَ) كَذَا قَوْلُهُ (عَبْدِي حُرٌّ إيقَاعٌ إجْمَاعًا، وَكَذَا) قَوْلُهُ (عَلَيَّ صِيَامُ شَهْرٍ، أَوْ) عَلَيَّ (عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) فَهَذِهِ كُلُّهَا إيقَاعَاتٌ لِهَذِهِ الْعُقُودِ بِصِيَغِ التَّنْجِيزِ وَالْإِطْلَاقِ. (وَ) النَّوْعُ الثَّانِي الْحَلِفُ بِذَلِكَ (نَحْوُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ) أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَن كَذَا، أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا (أَوْ) عَلَيَّ (الْعِتْقُ أَوْ) الْعِتْقُ (يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَن كَذَا) أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ يَحْلِفُ عَلَى غَيْرِهِ كَعَبْدِهِ وَصَدِيقِهِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ يَبَرُّ قَسَمَهُ لَأَفْعَلَن كَذَا أَوْ لَا يَفْعَلُ كَذَا، أَوْ يَقُولُ الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ لَأَفْعَلَن كَذَا أَوْ لَا أَفْعَلُهُ، أَوْ يَقُولُ عَلَيَّ الْحَجُّ لَأَفْعَلَن كَذَا (أَوْ لَا أَفْعَلُهُ) وَنَحْوُهُ ذَلِكَ (فَ) هَذِهِ الصِّيَغُ كُلُّهَا (حَلِفٌ) وَهُوَ حَالِفٌ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ إذَا حَنِثَ لَزِمَهُ مَا حَلَفَ بِهِ، قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ وَاهٍ جِدًّا وَالثَّالِثُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَقَالَ {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] قُلْت: وَمَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ غَيْرُ ظَاهِرٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 (وَ) النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الصِّيَغِ أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ أَوْ النَّذْرَ بِشَرْطٍ (نَحْوُ) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ) إنْ فَعَلْتِ كَذَا (أَوْ) عَبْدِي (حُرٌّ إنْ فَعَلْتِ كَذَا وَنَحْوُهُ) كَإِنْ كَانَ كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الْحَجُّ أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ، فَهَذَا يُنْظَرُ إلَى مَقْصُودِهِ (فَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ الْإِيقَاعَ عِنْدَ) وُجُودِ (الشَّرْطِ، فَتَعْلِيقٌ) يَقَعُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَبْرَأْتنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَبْرَأَتْهُ وَكَذَا إنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ، فَشُفِيَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ. قُلْت وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ) لَيْسَ غَرَضُهُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، وَإِنَّمَا (غَرَضُهُ الْحِنْثُ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ أَوْ الْمَنْعِ مِنْهُ) أَيْ: الْفِعْلِ (فَ) هُوَ (حَلِفٌ) أَيْ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَلِفِ، وَهُوَ مِنْ الْيَمِينِ، ثُمَّ (قَالَ فَالْحَلِفُ مَا فِيهِ حِنْثٌ أَوْ مَنْعٌ) فَمَنْ كَانَ غَرَضُهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهَا لِيُحِثَّهَا عَلَى فِعْلِ أَمْرٍ، أَوْ يَمْنَعَهَا عَنْ ارْتِكَابِ مَا فِيهِ مُخَالَفَتُهُ، وَلَوْ خَالَفَتْ فَلَمْ تَأْتَمِرْ أَوْ لَمْ تَنْتَهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي طَلَاقِهَا (وَالطَّلَاقُ) فِي هَذَا الْحَالِ تَارَةً يَكُونُ (إلَيْهِ أَكْرَهُ) مِنْ الشَّرْطِ؛ فَيَكُونُ حَالِفًا، وَتَارَةً يَكُونُ الشَّرْطُ الْمَكْرُوهُ أَكْرَهَ إلَيْهِ مِنْ طَلَاقِهَا فَيَكُونُ وَقْعًا لِلطَّلَاقِ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ الشَّرْطُ، فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، فَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنْ يُنْظَرَ إلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ وَمَقْصُودِهِ، فَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ أَنْ تَقَعَ هَذِهِ الْأُمُورُ؛ وَقَعَتْ مُنَجَّزَةً أَوْ مُعَلَّقَةً إذَا كَانَ قَصْدُهُ وُقُوعَهَا عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَحْلِفَ بِهَا وَهُوَ يَكْرَهُ وُقُوعَهَا إذَا حَنِثَ وَإِنْ وَقَعَ الشَّرْطُ، فَهَذَا حَالِفٌ بِهَا مُوقِعٌ لَهَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ، لَا مِنْ بَابِ التَّطْلِيقِ وَالنَّذْرِ قُلْت كَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّطْلِيقِ فِيهِ مَا فِيهِ. قَالَ (وَالْحَالِفُ هُوَ الْمُلْتَزِمُ مَا يَكْرَهُ وُقُوعَهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ) كَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ نِسَائِي طَوَالِقُ أَوْ عَبِيدِي أَحْرَارٌ أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 بَيْتِ اللَّهِ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ يَمِينٌ، بِخِلَافِ مَنْ يَقْصِدُ وُقُوعَ الْجَزَاءِ مِنْ نَاذِرٍ وَمُطَلِّقٍ وَمُعْتِقٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْصِدُ، وَيَخْتَارُ لُزُومَ مَا الْتَزَمَهُ، وَكِلَاهُمَا مُلْتَزَمٌ مُعَلَّقٌ، لَكِنَّ هَذَا الْحَالِفَ يَكْرَهُ وُقُوعَ اللَّازِمِ، وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ الْمَلْزُومُ، كَمَا إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ؛ فَإِنَّ هَذَا يَكْرَهُ الْكُفْرَ وَلَوْ وَقَعَ الشَّرْطُ؛ فَهَذَا حَالِفٌ، وَالْمُوقِعُ يَقْصِدُ وُقُوعَ الْجَزَاءِ اللَّازِمِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ الْمَلْزُومِ، سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ مُرَادًا لَهُ أَوْ مَكْرُوهًا أَوْ غَيْرَ مُرَادٍ وَلَا مَكْرُوهٍ، وَلَكِنَّ وُقُوعَ الْجَزَاءِ عِنْدَ وُقُوعِهِ مُرَادٌ لَهُ؛ فَهَذَا مُوقِعٌ لَيْسَ بِحَالِفٍ، وَكِلَاهُمَا مُلْتَزَمٌ مُعَلَّقٌ، لَكِنَّ هَذَا الْحَالِفَ يَكْرَهُ وُقُوعَ اللَّازِمِ، ثُمَّ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِيقَاعُ وَاَلَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ، فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِلْجَزَاءِ عِنْدَ الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مَكْرُوهًا لَهُ، لَكِنَّهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ؛ فَإِنَّهُ يُرِيدُ الطَّلَاقَ، لِكَوْنِ الشَّرْطِ أَكْرَهُ إلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ؛ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَكْرَهُ طَلَاقَهَا وَيَكْرَهُ الشَّرْطَ، لَكِنْ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، فَإِنَّهُ يَخْتَارُ طَلَاقَهَا (نَحْوُ) أَنْ يَكُونَ كَارِهًا لِلتَّزَوُّجِ بِامْرَأَةٍ بَغِيٍّ أَوْ فَاجِرَةٍ أَوْ خَائِنَةٍ لَهُ، وَهُوَ لَا يَخْتَارُ طَلَاقَهَا، لَكِنْ إذَا فَعَلَتْ هَذِهِ الْأُمُورَ اخْتَارَ طَلَاقَهَا، فَيَقُولُ (إنْ زَنَيْتَ) أَوْ سَرَقْتِ أَوْ خُنْتِ (فَأَنْتِ طَالِقٌ قَاصِدًا وُقُوعَهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِالزِّنَا؛ لِكَوْنِ طَلَاقِهَا أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ بَقَائِهِ مَعَ زَانِيَةٍ) فَهَذَا مُوقِعٌ لِلطَّلَاقِ عِنْدَ الصِّفَةِ، لَا حَالِفُ. قُلْت: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِصَرِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ؛ وَالثَّانِي التَّعْلِيقُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ، فَيُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْ مَعْنَاهُ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْ مَعْنَاهُ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، وَهَذَا الْقَسَمُ إذَا ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ فَإِنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ كَارِهًا لِلْجَزَاءِ، وَهُوَ أَكْرَهُ إلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ؛ فَيَكُونُ كَارِهًا لِلشَّرْطِ، وَهُوَ لِلْجَزَاءِ أَكْرَهُ، وَيَلْتَزِمُ أَعْظَمَ الْمَكْرُوهَيْنِ عِنْدَهُ لِيَمْتَنِعَ بِهِ مِنْ أَذَى الْمَكْرُوهَيْنِ، فَيَقُولُ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ أَوْ عَلَيَّ الْحَجُّ وَنَحْوُ ذَلِكَ أَوْ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إنْ زَنَيْتِ أَوْ سَرَقْت أَوْ خُنْتنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَصَدَ زَجْرَهَا وَتَخْوِيفَهَا بِالْيَمِينِ لَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ إذَا فَعَلَتْ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 فَهَذَا حَالِفٌ لَيْسَ بِمُوقِعٍ، وَهَذَا هُوَ الْحَلِفُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ الَّذِي تُجْزِئُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَالنَّاسُ قَدْ يَحْلِفُونَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، وَقَدْ يَحْلِفُونَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ الَّذِي فِي مَعْنَاهَا، فَإِنَّ هَذَا وَهَذَا سَوَاءٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى. قُلْت: هَذَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْفَرْعُ مِنْ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ فَاتَّقِ اللَّهَ تَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَجْنَحَ لِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَتُلْقِي نَفْسَك فِي الْمَهَامِهِ وَالْأَتْعَابِ، فَإِنْ طَعَنَ عَلَى الشَّيْخِ مُتَحَذْلِقٌ مِنْ حَيْثُ إفْتَاؤُهُ بِهَذَا الْفَرْعِ وَفِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ فِي آخِرِ بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ فَلْيَطْعَنْ عَلَى مَنْ رُوِيَ عَنْهُمْ كَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَعَلَى الْقَائِلِينَ بِهِ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ، وَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقِيهُ عَصْرِهِ وَأَسْعَدُ بْنُ الْخَبَّابِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الشَّيْخَ مُجْتَهِدٌ، وَلَا يَجُوزُ الطَّعْنُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِمَّا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ. قَالَ الْحَافِظُ سِرَاجُ الدِّينِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ الْبَزَّارُ: قَدْ أَكْثَرَ فِي حَقِّ الشَّيْخِ مِنْ أَقَاوِيلِ الزُّورِ وَالْبُهْتَانِ مَنْ ظَاهِرُ حَالِهِ الْعَدَالَةُ وَبَاطِنُهُ مَشْحُونٌ بِالْفِسْقِ وَالْجَهَالَةِ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ مُتَعَاضِدِينَ فِي عَدَاوَتِهِ، بَاذِلِينَ وُسْعَهُمْ بِالسَّعْيِ فِي الْفَتْكِ بِهِ، مُتَخَرِّصِينَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ الصَّرِيحَ مُخْتَلِفِينَ عَلَيْهِ وَنَاسِبِينَ إلَيْهِ مَا لَمْ يَنْقُلْهُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ بِهِ خَطٌّ، وَلَا وُجِدَ لَهُ فِي تَصْنِيفٍ وَلَا فَتْوَى، وَلَا سُمِعَ لَهُ فِي مَجْلِسٍ، وَسَبَبُ عَدَاوَتِهِمْ لَهُ أَنَّ مَقْصُودَهُمْ الْأَكْبَرَ طَلَبُ الْجَاهِ وَالرِّئَاسَةِ وَإِقْبَالِ الْخَلْقِ، وَقَدْ رَقَّاهُ اللَّهُ ذُرْوَةَ السَّنَامِ فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَوْقَعَ اللَّهُ لَهُ فِي قُلُوبِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ مِنْ الْمَوَاهِبِ الَّتِي مَنَحَهُ بِهَا؛ وَهُمْ عَنْهَا بِمَعْزِلٍ، فَنَصَبُوا عَدَاوَتَهُ، وَامْتَلَأَتْ قُلُوبُهُمْ بِمُحَاسَدَتِهِ، وَأَرَادُوا سَتْرَ ذَلِكَ عَنْ النَّاسِ حَتَّى لَا يَفْطِنَ بِهِمْ، فَعَمَدُوا إلَى اخْتِلَاقِ الْبَاطِلِ وَالْبُهْتَانِ عَلَيْهِ، وَالْوُقُوعِ فِيهِ خُصُوصًا عِنْدَ الْأُمَرَاءِ وَالْحُكَّامِ، وَإِظْهَارِهِمْ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ بِمَا يُفْتِي مِنْ الْحَلَالِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 وَالْحَرَامِ، وَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ نِيَّتَهُ وَنِيَّاتِهِمْ أَبَى أَنْ يُظْفِرَهُمْ فِيهِ بِمَا رَامُوا حَتَّى إنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُمْ فِي عَقْدِ مَجْلِسٍ لِلْمُنَاظَرَةِ إلَّا وَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِمَا يُظْهِرُهُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ دَحْضِ حُجَجِهِمْ الْوَاهِيَةِ، وَكَشْفِ مَكِيدَتِهِمْ الدَّاهِيَةِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كُلَّمَا رَأَى تَحَاسُدَهُمْ فِي مُبَايَنَتِهِ، وَتَعَاضُدَهُمْ فِي مُنَاقَضَتِهِ لَا يَزْدَادُ لَلَحِقَ إلَّا انْتِصَارًا وَلِكَثْرَةِ حُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ إلَّا إظْهَارًا، وَلَقَدْ سُجِنَ أَزْمَانًا وَأَعْصَارًا، وَلَمْ يُوَلِّهِمْ دُبُرَهُ فِرَارًا، وَلَقَدْ قَصَدَ أَعْدَاؤُهُ الْفَتْكَ بِهِ مِرَارًا، وَأَوْسَعُوا حِيَلَهُمْ عَلَيْهِ إعْلَانًا وَإِسْرَارًا فَجَعَلَ اللَّهُ حِفْظَهُ مِنْهُمْ شِعَارًا وَدِثَارًا وَلَقَدْ ظَنُّوا أَنَّ فِي حَبْسِهِ شِينَةً، فَجَعَلَهُ اللَّهُ فَضِيلَةً وَزِينَةً انْتَهَى وَلِابْنِ الْوَرْدِيِّ فِي مَرْثِيَّتِهِ لِلشَّيْخِ وَحَبْسُ الدُّرِّ فِي الْأَصْدَافِ فَخْرٌ ... وَعِنْدَ الشَّيْخِ بِالسِّجْنِ اغْتِبَاطُ رَضَّى اللَّه عَنْهُ وَنَفَعَنَا بِهِ. فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ (إذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (يَوْمَ كَذَا وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِأَوَّلِهِمَا) أَيْ طُلُوعِ فَجْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْغَدَ أَوْ يَوْمَ كَذَا ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلْوُقُوعِ فِيهِ، فَإِذَا وُجِدَ مَا يَكُونُ ظَرْفًا لَهُ مِنْهُمَا، وَقَعَ (كَ) مَا تَطْلُقُ (بِ) دُخُولِ (أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ دَارٍ حَلَفَ لَا تَدْخُلُهَا) وَأَمَّا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَقْضِكَ حَقَّكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَخْرُجَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَبْلَ قَضَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَضَاهُ فِي آخِرِهِ؛ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ (وَلَا يَدِينُ وَلَا يُقْبَلُ) مِنْهُ (حُكْمًا إنْ قَالَ أَرَدْت آخِرَهَا) أَيْ: الْغَدِ أَوْ يَوْمِ كَذَا؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَحْتَمِلُهُ (وَ) أَنْتِ طَالِقٌ (فِي غَدٍ أَوْ فِي رَجَبٍ) مَثَلًا (يَقَعُ بِأَوَّلِهِمَا) لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَوَّلُ الشَّهْرِ غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 وَلَهُ أَيْ الزَّوْجِ (وَطْءٌ) مُعَلَّقٌ طَلَاقُهَا (قَبْلَ وُقُوعِ) طَلَاقٍ، لِبَقَاءِ النِّكَاحِ. (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (فِي هَذَا الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ) كَأَنْتِ طَالِقٌ فِي هَذَا الْحَوْلِ يَقَعُ (فِي الْحَالِ) لِمَا سَبَقَ (فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ) أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ (فِي آخِرِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ أَوْ يَوْمَ كَذَا) مِنْهَا أَوْ فِي النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ أَوْ عَكْسُهُ (دِينَ، وَقُبِلَ مِنْهُ حُكْمًا) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِي غَيْرِهِ، (وَإِرَادَتُهُ لَا تُخَالِفُ ظَاهِرَهُ) إذْ لَيْسَ أَوَّلُهُ أَوْلَى فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ؛ فَلَا يَدِينُ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ حُكْمًا إذَا قَالَ أَرَدْت آخِرَهُمَا أَوْ وَسَطَهُمَا وَنَحْوَهُ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ؛ إذْ مُقْتَضَاهُ الْوُقُوعُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ لِيَعُمَّ جُمْلَتَهُ؛ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبًا؛ لَزِمَهُ صَوْمُهُ جَمِيعُهُ، وَلَا يَكُونُ وَاقِعًا فِي جَمِيعِهِ إلَّا إذَا وَقَعَ مِنْ أَوَّلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِي غَدٍ أَوْ فِي السَّبْتِ؛ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ الْوُقُوعُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ صَادِقٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ فِي رَجَبٍ؛ أَجْزَأَهُ يَوْمٌ مِنْهُ، أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الزَّرَيْزَانِيِّ فِي فُرُوقِهِ نَقْلًا عَنْ أَبِيهِ. (وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ، أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (فِي الْيَوْمِ وَفِي غَدٍ وَفِي بَعْدِهِ فَ) طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ فِي) الصُّورَةِ (الْأُولَى) وَهِيَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ؛ لِأَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ الْيَوْمَ كَانَتْ طَالِقًا غَدًا وَبَعْدَهُ (كَقَوْلِهِ) أَنْتِ طَالِقٌ (كُلَّ يَوْمٍ وَ) يَقَعُ (ثَلَاثٌ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ) وَهِيَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْيَوْمِ وَفِي غَدٍ وَفِي بَعْدِهِ؛ لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِفِي وَتَكْرَارُهَا يَدُلُّ عَلَى تَكْرَارِ الطَّلَاقِ (كَقَوْلِهِ) أَنْتِ طَالِقٌ (فِي كُلِّ يَوْمٍ) فَيَقَعُ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلْقَةٌ إنْ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا، وَإِلَّا بَانَتْ بِالْأُولَى؛ فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا (وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ) وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِي يَوْمِهِ، وَقَعَ بِآخِرِهِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ يَفُوتُ بِهِ طَلَاقُهَا؛ فَوَجَبَ وُقُوعُهُ فِي آخِرِ وَقْتِ الْإِمْكَانِ، كَمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْيَوْمِ (أَوْ أَسْقَطَ الْيَوْمَ الْأَخِيرَ) بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك (أَوْ) أَسْقَطَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 الْيَوْمَ (الْأَوَّلَ) بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ (وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِي يَوْمِهِ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِآخِرِهِ) لِأَنَّ مَعْنَى يَمِينِهِ إنْ فَاتَنِي طَلَاقُك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فِيهِ. (وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدُمُ زَيْدٌ) مَثَلًا (يَقَعُ) الطَّلَاقُ بِهَا (يَوْمَ قُدُومِهِ مُخْتَارًا مِنْ أَوَّلِهِ) أَيْ: يَوْمِ الْقُدُومِ كَأَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ كَذَا (وَلَوْ مَاتَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (أَوْ أَحَدُهُمَا غَدْوَةً، وَقَدِمَ) زَيْدٌ (بَعْدَ مَوْتِهِمَا) أَوْ أَحَدِهِمَا (مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ) تَبَيَّنَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ فَقَدْ سَبَقَ الْمَوْتُ (وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا قَدِمَ بِهِ) أَيْ زَيْدٌ (مَيِّتًا أَوْ مُكْرَهًا) لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ (وَلَوْ) كَانَ زَيْدٌ (مِمَّنْ لَمْ يَمْتَنِعْ بِيَمِينِهِ) كَأَجْنَبِيٍّ (إلَّا بِنِيَّتِهِ) وَهِيَ كَوْنُ الْحَالِفِ أَرَادَ بِقُدُومِهِ انْتِهَاءَ سَفَرِهِ وَحُلُولِهِ بِالْبَلَدِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا، (وَلَا) يَقَعُ الطَّلَاقُ (إذَا قَدِمَ زَيْدٌ لَيْلًا مَعَ نِيَّتِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (نَهَارًا لِلِاخْتِلَافِ) ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ خَرَجَ بِنِيَّتِهِ تَخْصِيصُهُ بِالنَّهَارِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ قُدُومَ زَيْدٍ نَهَارًا بَلْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ (طَلُقَتْ) سَوَاءٌ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَ " الْإِقْنَاعِ " لِاسْتِعْمَالِ الْيَوْمِ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] قَالَ: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] . (وَ) إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ) أَوْ فِي يَوْمِ كَذَا أَوْ فِي شَهْرِ كَذَا (إذَا قَدِمَ زَيْدٌ) مَثَلًا (فَمَاتَتْ) فِي الْغَدِ أَوْ يَوْمِ كَذَا أَوْ فِي الشَّهْرِ (قَبْلَ قُدُومِهِ) لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ إذَا اسْمٌ لِزَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَمَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَنَحْوِهِ وَقْتَ قُدُومِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَدِمَ زَيْدٌ وَالزَّوْجَانِ حَيَّانِ (فَ) إنَّهَا تَطْلُقُ (عَقِبَ قُدُومِهِ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ، فَقَدِمَ) زَيْدٌ (فِيهِ) أَيْ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 فِي رَمَضَانَ (طَلُقَتْ مِنْ أَوَّلِهِ) أَيْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا طَلُقَتْ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمِ شَعْبَانَ قِيَاسًا عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَقِبَ قُدُومِهِ. (وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا؛ فَوَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ) كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا (فَإِنْ نَوَى فِي كُلِّ يَوْمٍ) طَلْقَةً (أَوْ) نَوَى أَنَّهَا تَطْلُقُ (بَعْضَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَبَعْضُهَا غَدًا؛ فَثِنْتَانِ) تَكْمِيلًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْضَ طَلْقَةٍ وَبَعْضَ طَلْقَةٍ (وَإِنْ نَوَى) بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَنَّهَا تَطْلُقُ (بَعْضُهَا الْيَوْمَ وَبَقِيَّتُهَا غَدًا؛ فَوَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُ يَقَعُ بِالْبَعْضِ طَلْقَةٌ؛ فَلَا يَبْقَى لَهَا بَقِيَّةٌ تَقَعُ غَدًا، كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْضَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَبَقِيَّةَ الطَّلْقَةِ غَدًا (وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ الْيَوْمِ إلَى سَنَةٍ؛ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ مَا لَمْ يَرُدَّ) عَقْدَ الصِّفَةِ مِنْ الْيَوْمِ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت (أَنَّ عَقْدَ الصِّفَةِ مِنْ الْيَوْمِ، وَأَنَّ وُقُوعَهُ بَعْدَ سَنَةٍ فَلَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ (إلَّا بَعْدَهَا) أَيْ السَّنَةِ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ، وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ تَكْرِيرَ طَلَاقِهَا مِنْ حِينِ تَلَفَّظْت إلَى سَنَةٍ؛ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَإِلَّا بَانَتْ بِالْأُولَى، وَلَمْ يَلْحَقْهَا مَا بَعْدَهَا (وَ) أَنْتِ (طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ إلَى (حَوْلٍ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ إلَى (الشَّهْرِ أَوْ الْحَوْلِ وَنَحْوِهِ) كَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى أُسْبُوعٍ أَوْ الْأُسْبُوعِ (يَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِمُضِيِّهِ) أَيْ: الشَّهْرِ أَوْ الْحَوْلِ وَنَحْوِهِ؛ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي ذَرٍّ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَوْقِيتًا لِإِيقَاعِهِ كَقَوْلِهِ أَنَا خَارِجٌ إلَى سَنَةٍ - أَيْ: بَعْدَهَا - فَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ؛ وَقَدْ تَرَجَّحَ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِأَنَّهُ جَعَلَ لِلطَّلَاقِ غَايَةً، وَلَا غَايَةَ لِآخِرِهِ، بَلْ لِأَوَّلِهِ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وُقُوعَهُ إذَنْ) أَيْ حِينَ التَّكَلُّمِ بِهِ (فَيَقَعُ) الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ (كَ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (بَعْدَ مَكَّةَ أَوْ إلَيْهَا) أَيْ: مَكَّةَ (وَلَمْ يَنْوِ بُلُوغَهَا) فَيَقَعُ فِي الْحَالِ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ فِي غُرَّتِهِ أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غُرَّتَهُ (أَوْ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 رَأْسِهِ أَوْ اسْتِقْبَالِهِ أَوْ مَجِيئِهِ إلَى هِلَالِهِ فَتَطْلُقُ (بِ) مُجَرَّدِ (دُخُولِهِ) أَيْ: بِغُرُوبِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت آخِرَهُ أَوْ وَسَطَهُ وَنَحْوَهُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِالْغُرَّةِ الْيَوْمَ الثَّانِي قُبِلَ مِنْهُ، لِأَنَّ الثَّلَاثَ الْأُوَلَ مِنْ الشَّهْرِ تُسَمَّى غُرَرًا (وَ) إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (فِي آخِرِهِ) - أَيْ: الشَّهْرِ - أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (بِانْقِضَائِهِ) أَيْ: الشَّهْرِ (أَوْ بِانْسِلَاخِهِ أَوْ بِنَفَاذِهِ أَوْ بِمُضِيِّهِ فَ) تَطْلُقُ (فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ) أَيْ: عِنْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُؤَدَّى تَعْلِيقِهِ، (وَ) أَنْتِ طَالِقٌ (فِي أَوَّلِ آخِرِهِ) أَيْ: الشَّهْرِ (فَ) تَطْلُقُ (بِفَجْرِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ) أَيْ: الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُهُ (وَيَحْرُمُ وَطْءٌ فِي تَاسِعٍ وَعِشْرِينَ) إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ آخِرُ الشَّهْرِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا طَلُقَتْ مِنْ أَوَّلِهِ، وَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ أَوَّلِهِ، وَأَنْتِ طَالِقٌ (بِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ) أَيْ: الشَّهْرِ (فَ) تَطْلُقُ (فِي آخِرِ أَوَّلِهِ) أَيْ: الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ اللَّيْلَةُ الْأُولَى مِنْهُ، وَآخِرَهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " طَلُقَتْ بِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُنَوِّرِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَقَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " تَطْلُقُ فِي آخِرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ (وَإِنْ) إنْ قَالَ لَهَا (إذَا مَضَى يَوْمٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ) تَلَفَّظَ بِذَلِكَ (نَهَارًا وَقَعَ) الطَّلَاقُ (إذَا عَادَ النَّهَارُ إلَى مِثْلِ وَقْتِهِ) الَّذِي تَلَفَّظَ فِيهِ مِنْ أَمْسِهِ (وَإِنْ كَانَ) تَلَفُّظُهُ بِذَلِكَ (لَيْلًا فَ) إنَّهَا تَطْلُقُ (بِغُرُوبِ شَمْسِ الْغَدِ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَنْ يُصَدَّقُ أَنَّهُ مَضَى يَوْمٌ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إذَا مَضَتْ سَنَةٌ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَبِمُضِيِّ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا تَطْلُقُ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ} [التوبة: 36] أَيْ: شُهُورُ السَّنَةِ، وَتُعْتَبَرُ الشُّهُورُ (بِأَهِلَّةٍ) تَامَّةً كَانَتْ أَوْ نَاقِصَةً (وَيَكْمُلُ مَا) أَيْ: شَهْرٌ (حَلَفَ فِي أَثْنَائِهِ بِالْعَدَدِ) ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 فَإِنْ تَفَرَّقَ فَثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَقَدْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ، فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ بِهَا، كَمَا لَوْ حَلَفَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِسَنَةٍ إذَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ قُبِلَ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ. (وَ) إنْ قَالَ (إذَا مَضَتْ السَّنَةُ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَبِانْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ) مِنْ السَّنَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا تَطْلُقُ، لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا فَاللَّامُ تَعْرِيفِ الْعَهْدِيَّةِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَالسَّنَةُ الْمَعْرُوفَةُ آخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ (وَ) أَنْتِ طَالِقٌ (إذَا مَضَى شَهْرٌ، فَبِمُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا) تَطْلُقُ، لِمَا مَرَّ (وَ) إنْ قَالَ (إذَا مَضَى الشَّهْرُ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَبِانْسِلَاخِهِ) تَطْلُقُ لِمَا مَرَّ. (وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ طَلْقَةً وَكَانَ تَلَفُّظُهُ) بِالتَّعْلِيقِ (نَهَارًا؛ وَقَعَ بِهِ إذَنْ) أَيْ: فِي الْحَالِ (طَلْقَةٌ، وَ) وَقَعَتْ الطَّلْقَةُ (الثَّانِيَةُ بِفَجْرِ الْيَوْمِ الثَّانِي) إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا (وَكَذَا) تَقَعُ الطَّلْقَةُ (الثَّالِثَةُ) بِفَجْرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ قَالَ) لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَفِي أَوَّلِ الْيَوْمِ (الثَّالِثِ) تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ مَجِيءُ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ طَلْقَةً؛ تَقَعُ) الطَّلْقَةُ (الْأُولَى فِي الْحَالِ) لِأَنَّ كُلَّ أَجَلٍ ثَبَتَ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ ثَبَتَ عَقِبَهُ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ السَّنَةَ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ، فَوَقَعَ فِي أَوَّلِهَا، لِعَدَمِ مُقْتَضَى التَّأْخِيرِ (وَ) تَقَعُ الطَّلْقَةُ (الثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ) الْآتِي عَقِبَهَا (وَكَذَا) تَقَعُ الطَّلْقَةُ (الثَّالِثَةُ) فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ الْآتِي بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ (إنْ كَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ) أَوْ رَجْعِيَّةً فِي الْعِدَّةِ لِيُصَادِفَ الطَّلَاقُ مَحَلًّا لِلْوُقُوعِ. (وَلَوْ بَانَتْ) الْمُطَلَّقَةُ (حَتَّى مَضَتْ) السَّنَةُ (الثَّالِثَةُ) بِأَنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَمْ يَنْكِحْهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا الثَّالِثَةِ (ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) بَعْدَهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 (لَمْ يَقَعَا) أَيْ: الطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ (وَلَا يُقَالُ بِعَوْدِ الصِّفَةِ) لِأَنَّ زَمَنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ قَدْ انْقَضَى (وَلَوْ نَكَحَهَا) أَيْ الْمَقُولَ لَهَا ذَلِكَ (فِي) السَّنَةِ (الثَّانِيَةِ أَوْ) فِي السَّنَةِ (الثَّالِثَةِ، طَلُقَتْ عَقِبَهُ) أَيْ عَقِبَ نِكَاحِهَا، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ السَّنَةِ الَّتِي جَعَلَهَا ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ وَمَحَلًّا لَهُ، وَكَانَ سَبِيلُهُ أَنْ يَقَعَ فِي أَوَّلِهَا، فَمَنِّعْ مِنْهُ كَوْنُهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، فَإِذَا عَادَتْ الزَّوْجِيَّةُ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ (وَإِنْ قَالَ فِيهَا) أَيْ مَسْأَلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ طَلْقَةً (وَفِي) صُورَةِ مَا إذَا قَالَ (إذَا مَضَتْ السَّنَةُ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَرَدْت بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، دِينَ) لِأَنَّهَا سَنَةٌ حَقِيقَةٌ (وَقُبِلَ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت كَوْنَ ابْتِدَاءِ السِّنِينَ الْمُحَرَّمَ؛ دِينَ) لِأَنَّهُ أَدْرَى بِنِيَّتِهِ (وَلَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ تَرَكْت هَذَا الصَّبِيَّ يَخْرُجُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَانْفَلَتَ الصَّبِيُّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا، فَخَرَجَ، فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ نَوَى أَنْ لَا يَخْرُجَ الصَّبِيُّ، حَنِثَ بِخُرُوجِهِ، وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا تَدَعَهُ، لَمْ يَحْنَثْ نَصًّا لِأَنَّهَا لَمْ تَتْرُكْهُ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ نِيَّةُ الْحَالِفِ انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى فِعْلِهَا؛ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا خَرَجَ الصَّبِيُّ بِتَفْرِيطِهَا فِي حِفْظِهِ، أَوْ خَرَجَ بِاخْتِيَارِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى لَفْظِهِ؛ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِمُعَارِضٍ، وَلَا يَتَحَقَّقُ، لَكِنْ إنْ كَانَ لِلْيَمِينِ سَبَبٌ هَيَّجَهَا؛ حُمِلَتْ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ. [فَرْعٌ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا قَبْلُ قَبْلِهِ رَمَضَانُ] (فَرْعٌ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا قَبْلُ قَبْلِهِ رَمَضَانُ؛ طَلُقَتْ بِذِي الْحِجَّةِ) وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (بِشَهْرٍ بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ طَلُقَتْ بِجُمَادَى الْآخِرَةِ وَيَتَفَرَّعُ مِنْهَا) أَيْ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (فِي مَسَائِلَ أُخَرَ) ذَكَرَهَا فِي " بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ " بِقَوْلِهِ: مَا يَقُولُ الْفَقِيهُ أَيَّدَهُ اللَّهُ وَمَا زَالَ عِنْدَهُ إحْسَانُ فِي فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا قَبْلُ قَبْلِهِ رَمَضَانُ فِي هَذَا الْبَيْتِ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا هَذَا وَالثَّانِي قَبْلَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ، وَالثَّالِثُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 قَبْلَ مَا بَعْدِ بَعْدِهِ، وَالرَّابِعُ قَبْلَ مَا بَعْدِ قَبْلِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ مُتَقَابِلَةٌ، الْخَامِسُ بَعْدَ مَا قَبْلِ قَبْلِهِ وَالسَّادِسُ بَعْدَ مَا قَبْلِ بَعْدِهِ، وَالسَّابِعُ بَعْدَ مَا بَعْدِ قَبْلِهِ، وَالثَّامِنُ بَعْدَ مَا بَعْدِ بَعْدِهِ، وَتَلْخِيصُهَا أَنَّك إنْ قَدَّمْت لَفْظَةَ بَعْدَ جَاءَ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا أَنَّ كُلَّهَا بَعْدَ الثَّانِي بَعْد أَنْ وَقَبْلَ الثَّالِثِ قَبْلَانِ وَبَعْدَ الرَّابِعُ بَعْدَ أَنْ بَيْنَهُمَا قَبْلَ، وَإِنْ قَدَّمْت لَفْظَةَ قَبْلَ فَكَذَلِكَ. وَضَابِطُ الْجَوَابِ عَنْ الْأَقْسَامِ أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَتْ الْأَلْفَاظُ، فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَقْدَمُهُ رَمَضَانُ بِثَلَاثِ شُهُورٍ، فَهُوَ ذُو الْحِجَّةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ذِي الْحِجَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ قَبْلِ قَبْلِهِ فَلَوْ كَانَ رَمَضَانُ قَبْلَهُ طَلُقَتْ فِي شَوَّالٍ، وَلَوْ قَالَ قَبْلَ قَبْلِهِ طَلُقَتْ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرٍ يَكُونُ رَمَضَانُ بَعْدَ بَعْدِ بَعْدِهِ، وَلَوْ قَالَ رَمَضَانُ بَعْدَهُ طَلُقَتْ فِي شَعْبَانَ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ بَعْدِهِ طَلُقَتْ فِي رَجَبٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ وَهِيَ سِتُّ مَسَائِلَ، فَضَابِطُهَا أَنَّ كُلَّ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ قَبْلَ وَبَعْدَ فَأَلْغِهِمَا نَحْوَ قَبْلَ بَعْدِهِ وَبَعْدَ قَبْلِهِ، وَاعْتُبِرَ الثَّالِثُ فَإِذَا قَالَ قَبْلَ مَا بَعْدِ بَعْدِهِ أَوْ بَعْدَ مَا قَبْلِ قَبْلِهِ فَأَلْغِ اللَّفْظَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ يَصِرْ كَأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا بَعْدَهُ رَمَضَانَ، فَيَكُونُ شَعْبَانَ، وَالثَّانِي كَأَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ رَمَضَانُ فَيَكُونُ شَوَّالًا، وَإِنْ تَوَسَّطَتْ لَفْظَةُ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ نَحْوَ قَبْلَ بَعْدِ قَبْلِهِ، أَوْ بَعْدَ قَبْلِ بَعْدِهِ، فَأَلْغِ اللَّفْظَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَيَكُونُ شَوَّالًا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى كَأَنَّهُ قَالَ فِي شَهْرٍ قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَشَعْبَانُ فِي الثَّانِيَةِ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ بَعْدِ قَبْلِهِ وَقَبْلَ قَبْلِ بَعْدِهِ؛ وَهُمَا تَمَامُ الثَّمَانِيَةِ طَلُقَتْ فِي الْأُولَى فِي شَعْبَانَ، كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ، وَفِي الثَّانِيَةِ فِي شَوَّالٍ كَأَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ رَمَضَانُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 [بَابُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ] ِ قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى شَرْطٍ هُوَ إيقَاعٌ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ بِهِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ التَّعْلِيقَ يَصِيرُ إيقَاعًا فِي ثَانِي الْحَالِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ مُتَهَيِّئٌ لَأَنْ يَصِيرَ إيقَاعًا (وَهُوَ) أَيْ: التَّعْلِيقُ طَلَاقًا كَأَنَّ الْمُعَلَّقَ أَوْ غَيْرَهُ (تَرْتِيبُ شَيْءٍ غَيْرِ حَاصِلٍ) فِي الْحَالِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ نَذْرٍ وَنَحْوِهِ (عَلَى شَيْءٍ حَاصِلٍ) أَيْ: مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ كَإِنْ كُنْتِ حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَانَتْ كَذَلِكَ (أَوْ) عَلَى شَيْءٍ (غَيْرِ حَاصِلٍ) كَإِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (بِإِنْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَهِيَ أُمُّ أَدَوَاتِ الشُّرُوطِ (أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا) مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ الْجَازِمَةِ وَغَيْرِهَا نَحْوِ إنْ قَامَ زَيْدٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ، وَكَذَا مَتَى وَمَهْمَا وَإِذَا وَلَوْ، وَلَا يَكُونُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَاضِيًا، وَلِذَلِكَ إذَا دَخَلَتْ أَدَوَاتُ الشَّرْطِ قَلَبَتْهُ مُسْتَقْبَلًا. (وَيَصِحُّ) تَعْلِيقٌ (مَعَ تَقَدُّمِ شَرْطٍ) كَإِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ خَلِيَّةٌ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ (وَ) يَصِحُّ تَعْلِيقٌ مَعَ (تَأَخُّرِهِ) أَيْ: الشَّرْطِ (بِصَرِيحٍ) كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ جَلَسْتِ (وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (بِكِنَايَةِ) كَأَنْتِ مُسَرَّحَةٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ (مَعَ قَصْدِ) الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) مَعَ (قَرِينَةٍ) مِنْ غَضَبٍ أَوْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَضُرُّ) أَيْ: لَا يَقْطَعُ التَّعْلِيقَ (فَصْلٌ بَيْنَ شَرْطٍ وَ) بَيْنَ (جَوَابِهِ بِكَلَامٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 مُنْتَظِمٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ قُمْتِ) أَوْ إنْ قُمْتِ يَا زَانِيَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ حُكْمًا. (وَيَقْطَعُهُ) أَيْ: التَّعْلِيقَ (نَحْوُ سُكُوتٍ) بَيْنَ شَرْطٍ وَجَوَابِهِ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ كَلَامٌ فِيهِ (وَ) يَقْطَعُهُ (تَسْبِيحٌ) أَوْ تَهْلِيلٌ أَوْ تَحْمِيدٌ أَوْ تَكْبِيرٌ وَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ الْكَلَامُ مَعَهُ مُنْتَظِمًا، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ مُنْجَزًا (وَ) لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ مَرِيضَةً رَفْعًا وَنَصْبًا وَجَرًّا وَوَقْفًا) بِرَفْعِ مَرِيضَةٍ وَنَصْبِهِ وَجَرِّهِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ (يَقَعُ) الطَّلَاقُ عَلَيْهَا (بِمَرَضِهَا) لَوَصَفَهَا بِالْمَرَضِ حِينَ الْوُقُوعِ، أَشْبَهَ الشَّرْطَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا مَرِضْتِ. (وَمَنْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَأَيٌّ) بِالتَّنْوِينِ (الْمُضَافَةُ إلَى الشَّخْصِ يَقْتَضِيَانِ عُمُومَ ضَمِيرِهِمَا) لِأَنَّهُمَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ (فَاعِلًا) كَانَ ضَمِيرُهُمَا كَمَنْ قَامَتْ مِنْكُنَّ، أَوْ أَيَّتُكُنَّ قَامَتْ فَهِيَ طَالِقٌ (أَوْ مَفْعُولًا) كَمَنْ أَقَمْتهَا، أَوْ أَيَّتَكُنَّ أَقَمْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَيَعُمُّ مَنْ قَامَتْ مِنْهُنَّ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَمَنْ أَقَامَهَا فِي الَآخَرِينَ كَمَا يَقْتَضِي أَيُّ: الْمُضَافَةُ إلَى الْوَقْتِ عُمُومَهُ، كَقَوْلِهِ أَيُّ: وَقْتٍ قُمْتِ أَوْ أَقَمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ الْأَوْقَاتِ. (وَلَا يَصِحُّ) تَعْلِيقُ طَلَاقٍ (إلَّا مِنْ زَوْجٍ) وَلَوْ مُمَيِّزًا يَعْقِلُهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ كَالْمُنَجَّزِ (أَوْ وَكِيلِهِ) فِيهِ، لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ (فَ) مَنْ قَالَ (إنْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً) فَهِيَ طَالِقٌ، لَمْ يَقَعْ إنْ تَزَوَّجَ (أَوْ عَيَّنَ، وَلَوْ عَتِيقَتَهُ) بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ أَوْ عَتِيقَتِي (فَهِيَ طَالِقٌ؛ لَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ (بِتَزَوُّجِهَا) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي الْبَابِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَزَادَ (وَإِنْ عَيَّنَهَا) وَعَنْ الْمُسْتَوْرِدِ مَرْفُوعًا قَالَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ؛ وَلَا عِتْقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 قَبْلَ مِلْكٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ نَجَزَ الطَّلَاقُ إذَنْ لَمْ يَقَعْ (وَ) إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ (إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ وَهِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (أَجْنَبِيَّةٌ) أَيْ: غَيْرُ زَوْجَةٍ لَهُ (فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَامَتْ) وَهِيَ زَوْجَةٌ (لَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ قَالَ فِي " الشَّرْحِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (كَحَلِفِهِ) بِطَلَاقٍ (لَا فَعَلْتُ كَذَا) مِنْ قِيَامٍ أَوْ دُخُولِ دَارٍ وَنَحْوِهِ (يَعْنِي بَانَتْ مِنْهُ) تِلْكَ الزَّوْجَةُ أَوْ مَاتَتْ (ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى) فَأَكْثَرَ (وَفَعَلَ) ذَلِكَ الْفِعْلَ الَّذِي حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَيَقَعُ مَا عَلَّقَ زَوْجٌ) مِنْ طَلَاقٍ (بِوُجُودِ شَرْطٍ) مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ (لَا قَبْلَهُ) أَيْ: وُجُودِ الشَّرْطِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ إزَالَةُ مِلْكٍ بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ؛ أَشْبَهَ الْعِتْقَ (وَلَوْ قَالَ) مُعَلِّقٌ (عَجَّلْتُهُ) أَيْ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ لَمْ يَتَعَجَّلْ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ، فَلَيْسَ لَهُ تَغْيِيرُهُ (مَا لَمْ يُرِدْ تَعْجِيلَ طَلَاقٍ غَيْرَهُ. فَيَقَعُ وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ) الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَلْحَقُهَا (وَقَعَ أَيْضًا، وَإِنْ قَالَ) زَوْجٌ عَلَّقَهُ (سَبَقَ لِسَانِي بِالشَّرْطِ، وَلَمْ أُرِدْهُ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (حَالًا) أَيْ: وَقْتَ إيقَاعِهِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ بِالْأَغْلَظِ عَلَيْهِ بِلَا تُهْمَةٍ (وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ إنْ: أَرَدْتُ " قُمْتِ " دِينَ فَقَطْ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. (وَلَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ عَلَّقَ زَوْجٌ طَلَاقًا بِهِ إلَّا إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (قَبْلَ وُجُودِهِ) أَيْ: الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ زَوَالُ مِلْكٍ بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، أَشْبَهَ الْعِتْقَ، وَلَيْسَ لِمُعَلِّقٍ طَلَاقًا بِشَرْطِ إبْطَالِ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ إبْطَالَهُ رَفْعٌ لَهُ وَمَا وَقَعَ لَا يَرْتَفِعُ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ؛ طَلُقَتْ، لِوُجُودِ الصِّفَةِ (أَوْ) إلَّا بِأَنْ (اسْتَحَالَ وُجُودُ) أَيْ: الشَّرْطِ كَأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَتَلْتُ زَيْدًا، فَمَاتَ (فَيَبْطُلُ) الشَّرْطُ، وَلَا يَحْنَثُ (وَتَسْقُطُ الْيَمِينُ) لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 فَصْلٌ (وَأَدَوَاتُ الشَّرْطِ) أَيْ: الْأَلْفَاظُ الَّتِي يُؤَدَّى بِهَا مَعْنَى الشَّرْطِ أَسْمَاءً كَانَتْ أَوْ حُرُوفًا (الْمُسْتَعْمَلَةُ غَالِبًا فِي نَحْوِ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (سِتٌّ) وَهِيَ (إنْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ (وَإِذَا وَمَتَى وَمَنْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَأَيُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ (وَكُلَّمَا) وَأَمَّا مَهْمَا وَمَا وَأَيْنَ وَحَيْثُمَا وَلَوْ وَنَحْوُهَا فَلَمْ يَغْلِبْ اسْتِعْمَالُهَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (وَهِيَ) أَيْ: كُلَّمَا (وَحْدَهَا لِلتَّكْرَارِ) بِخِلَافِ مَتَى؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَوْقَاتَ فَهِيَ بِمَعْنَى كُلِّ وَقْتٍ، فَمَعْنَى كُلَّمَا قُمْتَ قُمْتُ، كُلَّ وَقْتٍ تَقُومُ فِيهِ أَقُومُ فِيهِ، وَأَمَّا مَتَى فَهِيَ اسْمُ زَمَانٍ بِمَعْنَى أَيِّ وَقْتٍ، وَبِمَعْنَى إذَا فَلَا تَقْتَضِي مَا يَقْتَضِيَانِهِ، وَاسْتِعْمَالُهَا لِلتَّكْرَارِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَهَا فِي غَيْرِهِ كَإِذَا أَوْ أَيِّ وَقْتٍ (وَكُلُّهَا) أَيْ: أَدَوَاتُ الشَّرْطِ السِّتِّ (وَمَهْمَا) وَحَيْثُمَا (بِلَا لَمْ وَيَتَّجِهُ أَوْ بِلَا نَافٍ غَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ لَمْ، كَلَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ بِلَا نِيَّةِ فَوْرٍ أَوْ قَرِينَةِ) أَيْ: الْفَوْرِ (لِلتَّرَاخِي) لِأَنَّهَا تَمَحَّضَ الْوَقْتَ لِلِاسْتِقْبَالِ: فَفِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْهُ وُجِدَ فَقَدْ حَصَلَ الْجَزَاءُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَدَوَاتِ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ لَمْ وَعَنْ نِيَّةِ الْفَوْرِيَّةِ وَقَرِينَةِ الْفَوْرِ، تَكُونُ لِلتَّرَاخِي (فَ) قَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْت، وَنِيَّتُهُ) أَيْ: قَائِلِ ذَلِكَ (فَوْرًا) أَوْ كَانَتْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ (فَقَامَتْ) طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ وَإِلَّا تَقُمْ فِي الْحَالِ، بَلْ قَامَتْ (بَعْدَ تَرَاخٍ؛ لَمْ تَطْلُقْ وَ) وَكُلُّ الْأَدَوَاتِ (مَعَ لَمْ لِلْفَوْرِ) إلَّا مَعَ نِيَّةِ تَرَاخٍ أَوْ قَرِينَةٍ (إلَّا إنْ) فَهِيَ لِلتَّرَاخِي، وَلَوْ اقْتَرَنَتْ بِلَمْ (مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ فَوْرٍ أَوْ قَرِينَتِهِ) أَمَّا مَعَ نِيَّةٍ لِلْفَوْرِ أَوْ قَرِينَتِهِ، فَهِيَ لَهُ (فَ) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ) قُمْتِ (أَوْ إذَا) قُمْتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 (أَوْ مَتَى) قُمْتِ (أَوْ مَهْمَا) قُمْتِ (أَوْ مَنْ) قَامَتْ مِنْكُنَّ (أَوْ أَيَّتُكُنَّ قَامَتْ فَطَالِقٌ؛ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِقِيَامِ الزَّوْجَةِ) أَيْ: عَقِبَهُ، وَإِنْ بَعُدَ الْقِيَامُ عَنْ زَمَنِ التَّعْلِيقِ إنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةَ فَوْرٍ أَوْ قَرِينَتَهُ. (وَلَا يَقَعُ) غَيْرَ طَلْقَةٍ (بِتَكَرُّرِهِ) أَيْ: الْقِيَامِ لِانْحِلَالِ التَّعْلِيقِ بِالْأُولَى (إلَّا مَعَ كُلَّمَا) فَيَقَعُ بِتَكَرُّرِهِ؛ لِمَا سَبَقَ (وَلَوْ قُمْنَ) أَيْ نِسَاؤُهُ الْأَرْبَعُ (أَوْ أَقَامَ الْأَرْبَعُ فِي) قَوْلِهِ (أَيَّتُكُنَّ) قَامَتْ فَطَالِقٌ (أَوْ) فِي قَوْلِهِ (مَنْ قَامَتْ) مِنْكُنَّ فَطَالِقٌ (أَوْ) فِي قَوْلِهِ (مَنْ أَقَمْتُهَا مِنْكُنَّ) فَطَالِقٌ، أَوْ فِي قَوْلِهِ أَيَّتُكُنَّ أَقَمْتُهَا فَطَالِقٌ (طَلُقْنَ كُلُّهُنَّ) لِتَعْلِيقِهِ الطَّلَاقَ عَلَى فِعْلِ الْقِيَامِ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَعَلَى فِعْلِ الْإِقَامَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِي كُلٍّ مِنْهُنَّ، وَكَذَا عِتْقٌ (وَعَلَى قِيَاسِهِ) لَوْ قَالَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ، أَوْ (مَنْ ضَرَبَكَ) مِنْ عَبِيدِي (فَ) هُوَ حُرٌّ فَضَرَبُوهُ كُلُّهُمْ، عَتَقُوا (أَوْ) قَالَ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته، أَوْ مَنْ ضَرَبْته مِنْهُمْ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبَهُمْ كُلَّهُمْ عَتَقُوا (وَ) إنْ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ (أَيَّتُكُنَّ لَمْ أَطَأْ الْيَوْمَ فَضَرَّاتُهَا طَوَالِقُ وَلَمْ يَطَأْ) وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فِي يَوْمِهِ (طُلِّقْنَ) كُلُّهُنَّ (ثَلَاثًا ثَلَاثًا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَهَا ثَلَاثُ ضَرَائِرَ، وَلَمْ يُوطَأْنَ، فَيَنَالُهَا مِنْهُنَّ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ (وَإِنْ وَطِئَ) فِي يَوْمِهِ (وَاحِدَةً) مِنْهُنَّ فَقَطْ (فَثَلَاثٌ) تَقَعُ بِهَا (بِعَدَمِ وَطْءِ ضَرَّاتِهَا) يُصِيبُهَا بِكُلِّ ضَرَّةٍ لَمْ يَطَأْهَا طَلْقَةٌ (وَهُنَّ) أَيْ ضَرَائِرُهَا يُطَلَّقْنَ (ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ) لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ ضَرَّتَيْنِ لَمْ تُوطَآ (وَإِنْ وَطِئَ) فِي يَوْمِهِ (ثِنْتَيْنِ) مِنْهُنَّ فَقَطْ (فَثِنْتَانِ ثِنْتَانِ) تَقَعَانِ بِالْمَوْطُوءَتَيْنِ لِعَدَمِ وَطْءِ ضَرَّتَيْهِمَا (وَهُمَا) أَيْ: اللَّتَانِ لَمْ تُوطَآ تَطْلُقَانِ (وَاحِدَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ضَرَّةً لَمْ تُوطَأْ (وَإِنْ وَطِئَ) مِنْهُنَّ فِي يَوْمِهِ (ثَلَاثًا؛ وَقَعَ بِالْمَوْطُوآتِ فَقَطْ وَاحِدَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ لَهُنَّ ضَرَّةً لَمْ تُوطَأْ وَلَمْ يَقَعْ بِاَلَّتِي لَمْ تُوطَأْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا ضَرَّةٌ لَمْ تُوطَأْ (وَإِنْ وَطِئَ الْأَرْبَعَ) فِي يَوْمِهِ؛ فَقَدْ (بَرَّ فِي الْجَمِيعِ) فَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ (وَإِنْ أَطْلَقَ) بِأَنْ قَالَ أَيَّتُكُنَّ لَمْ أَطَأْهَا فَضَرَائِرُهَا طَوَالِقُ، (وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِزَمَنٍ لَا بِلَفْظٍ وَلَا بِنِيَّتِهِ) تَقَيَّدَ وَقْتُ الطَّلَاقِ (بِالْعُمْرِ) أَيْ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 عُمْرِهِ وَعُمْرِهِنَّ، فَأَيَّتُهُنَّ مَاتَتْ؛ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ ضَرَائِرِهَا طَلْقَةً طَلْقَةً، لِلْيَأْسِ مِنْ وَطْئِهَا، وَإِذَا مَاتَتْ أُخْرَى فَكَذَلِكَ تَطْلُقُ الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً، لِمَا سَبَقَ وَإِذَا مَاتَتْ أُخْرَى فَكَذَلِكَ تَطْلُقُ الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً؛ لِمَا سَبَقَ، وَإِنْ مَاتَتْ ثَالِثَةٌ طَلُقَتْ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا، وَإِنْ مَاتَ هُوَ طَلُقْنَ كُلُّهُنَّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ لِلْيَأْسِ مِنْ وَطْئِهِنَّ. (وَيَتَّجِهُ: ضَعْفُ هَذَا) أَيْ: قَوْلِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ تَقَيَّدَ بِالْعُمْرِ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ إذَا مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ وَطْؤُهُنَّ فِيهِ) أَيْ: الزَّمَنِ (وَلَمْ يَطَأْ طَلُقْنَ) كُلُّهُنَّ (إذَا أَيُّ: اقْتَرَنَتْ بِلَمْ) وَحَيْثُ اقْتَرَنَتْ بِلَمْ (فَتَكُونُ لِلْفَوْرِ كَمَا يَأْتِي) قَرِيبًا (فِي) قَوْلِهِ (أَيَّتُكُنَّ لَمْ أُطَلِّقْهَا) فَهِيَ طَالِقٌ، فَمَضَى إيقَاعُهُ فِيهِ، وَلَمْ يَفْعَلْ، طَلُقَتْ أَوْ طَلُقْنَ، وَقَدْ يُقَالُ إنْ ضَعُفَ هَذَا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا يَأْتِي مَعَ التَّقَيُّدِ بِزَمَانٍ، فَإِنْ نَوَى وَقْتًا، أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ بِفَوْرٍ تَعَلَّقَ بِهِ؛ فَتَطْلُقُ أَوْ يَطْلُقْنَ بِفَوَاتِهِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَيًّا مَعَ لَمْ لِلْفَوْرِ - وَهَذَا مِنْهُ - فَالْجَوَابُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهَا لِلْفَوْرِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَى التَّرَاخِي وَالْقَرِينَةُ هُنَا مَوْجُودَةٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " " وَالْإِقْنَاعِ ". (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (كُلَّمَا أَكَلْتِ رُمَّانَةً) أَوْ تُفَّاحَةً وَنَحْوَهَا (فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكُلَّمَا أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ) أَوْ نِصْفَ تُفَّاحَةٍ، وَنَحْوَهَا (فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَكَلَتْ وَلَا نِيَّةَ رُمَّانَةً أَيْ: جَمِيعَ حَبِّهَا) دُونَ قِشْرِهَا وَنَحْوِهِ، لِلْعُرْفِ (فَثَلَاثٌ) ؛ لِوُجُودِ صِفَةِ النِّصْفِ مَرَّتَيْنِ، وَوُجُودِ صِفَةِ الْكَامِلِ مَرَّةً، فَتَطْلُقُ بِكُلِّ صِفَةٍ طَلْقَةً؛ لِأَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ (وَلَوْ كَانَ بَدَلُ كُلَّمَا أَدَاةً غَيْرَهَا) مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ كَإِنْ أَوْ إذَا أَوْ مَتَى أَوْ مَهْمَا وَأَكَلَتْ رُمَّانَةً (فَثِنْتَانِ) بِصِفَةِ النِّصْفِ مَرَّةً؛ وَبِصِفَةِ الْجَمِيعِ مَرَّةً، وَلَا تَطْلُقُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَدَوَاتِ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ نِصْفًا مُنْفَرِدًا عَنْ الرُّمَّانَةِ الْمَشْرُوطَةِ، وَكَانَتْ مَعَ الْكَلَامِ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي ذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى تَأْكُلَ مَا نَوَى تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِهِ؛ فَإِنْ أَكَلَتْ رُمَّانَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً؛ وَإِنْ أَكَلَتْ نِصْفًا آخَرَ طَلُقَتْ أُخْرَى، فَإِنْ أَكَلَتْ نِصْفًا آخَرَ طَلُقَتْ ثَالِثَةً إنْ كَانَتْ الْأَدَاةُ كُلَّمَا فَقَطْ (وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ (عَلَى صِفَاتٍ، فَاجْتَمَعْنَ) أَيْ: الصِّفَاتُ (فِي عَيْنٍ) وَاحِدَةٍ (كَ) قَوْلِهِ (إنْ رَأَيْتِ رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ رَأَيْتِ أَسْوَدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ وَإِنْ رَأَيْتِ فَقِيهًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَأَتْ رَجُلًا أَسْوَدَ فَقِيهًا؛ طَلُقَتْ ثَلَاثًا) لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَقَدْ وُجِدَتْ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ وُجِدَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَعْيَانٍ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهَا (لَا) تَطْلُقُ (إنْ كَرَّرَ رَجُلًا فِي الْحَالَاتِ الثَّلَاثِ) كَقَوْلِهِ إنْ رَأَيْتِ رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ وَإِنْ رَأَيْتِ رَجُلًا أَسْوَدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ رَأَيْتِ رَجُلًا فَقِيهًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَأَتْ رَجُلًا وَاحِدًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّ تَكْرِيرَهُ رَجُلًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ دَلِيلُ اشْتِرَاطِهِ التَّعْدَادَ؛ وَهَذَا الِاتِّجَاهُ الْقَوَاعِدُ لَا تَأْبَاهُ. (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ (فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ وَلَا قَرِينَةَ فَوْرٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الْقَائِلِ وَالْمَقُولِ لَهَا (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (إذَا بَقِيَ مِنْ حَيَاةِ الْمَيِّتِ) مِنْهُمَا (مَا لَا يَتَّسِعُ لِإِيقَاعِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى تَرْكِ طَلَاقِهَا، فَإِذَا مَاتَ أَوْ مَاتَتْ؛ فَقَدْ وُجِدَ التَّرْكُ، وَلَمْ يَقَعْ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إنْ وَلَوْ مَعَ لَمْ لِلتَّرَاخِي، فَكَانَ لَهُ تَأْخِيرُهُ مَا دَامَ وَقْتُ الْإِمْكَانِ، فَإِذَا ضَاقَ عَنْ الْفِعْلِ تَعَيَّنَ مَا لَمْ يَنْوِ وَقْتًا أَوْ تَقُومُ قَرِينَةٌ بِفَوْرٍ؛ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَتَطْلُقُ بِفَوَاتِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 (وَيَتَّجِهُ: أَنَّهُ لَا) يَقَعُ الطَّلَاقُ (بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الضَّرَّةِ؛ خِلَافًا لِظَاهِرِهِمَا) أَيْ: " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " كَذَا قَالَ وَعِبَارَةُ " الْإِقْنَاعِ " وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْ عَمْرَةَ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، فَأَيُّ الثَّلَاثَةِ مَاتَ أَوَّلًا، وَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى " وَإِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ أَوْ فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمْ وَقَعَ، وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ يَا عَمْرَةُ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، فَأَيُّ الثَّلَاثَةِ مَاتَ أَوَّلًا؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَ مَوْتِهِ، لِأَنَّ تَطْلِيقَهُ لِحَفْصَةَ عَلَى وَجْهٍ تَنْحَلُّ بِهِ يَمِينُهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَيَاتِهِمْ جَمِيعًا، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَعْتِقْ عَبْدِي، أَوْ إنْ لَمْ أَضْرِبْهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ أَوَّلِهِمْ مَوْتًا، فَأَمَّا إنْ عَيَّنَ وَقْتًا بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّتِهِ تَعَيَّنَ؛ وَتَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْ فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَهُوَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّمَانَ الْمَحْلُوفَ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ فِيهِ تَعَيَّنَ بِنِيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَصَارَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ فِي لَفْظِهِ فَإِنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى النِّيَّةِ، لِحَدِيثِ، «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . (وَلَا يَرِثُ) زَوْجٌ زَوْجَتَهُ إنْ كَانَ مَا عَلَّقَهُ طَلَاقًا (بَائِنًا كَمَا لَوْ أَبَانَهَا عِنْدَ مَوْتِهَا لِانْقِطَاعِ زَوْجِيَّتِهِ وَتَرِثُهُ) هِيَ نَصًّا إنْ مَاتَ كَمَا لَوْ أَبَانَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ بِلَا سُؤَالِهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا، وَكَذَا إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا نَصًّا. (وَإِنْ نَوَى) بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ وَنَحْوَهُ (وَقْتًا) مُعَيَّنًا؛ تَعَلَّقَ بِهِ (أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ بِفَوْرٍ؛ تَعَلَّقَ بِهِ) فَإِنْ كَانَ لَمْ يُطَلِّقْهَا حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ فِي الْأُولَى أَوْ مَضَى مَا يُمْكِنُ إيقَاعُ طَلَاقٍ فِيهِ فِي الثَّانِيَةِ؛ وَلَمْ يَفْعَلْ، طَلَّقَتْهُ وَمَنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ وَقْتًا بِلَفْظِهِ وَلَا نِيَّتِهِ، فَعَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ مُطْلَقٌ بِالنِّيَّةِ إلَى الزَّمَانِ كُلِّهِ؛ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ دُونَ آخَرَ. قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ السَّاعَةِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3] (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (مَتَى لَمْ) أُطَلِّقْكِ (فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ) إذَا لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ أَيُّ وَقْتٍ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ (أَيَّتُكُنَّ لَمْ) أُطَلِّقْهَا فَهِيَ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ لَهُنَّ (مَنْ لَمْ أُطَلِّقْهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ (فِيهِ، وَلَمْ يَفْعَلْ) أَيْ: لَمْ يُطَلِّقْهَا (طَلُقَتْ أَوْ طُلِّقْنَ) لِاقْتِضَاءِ ذَلِكَ الْفَوْرِيَّةَ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَلَا قَرِينَةَ تَرَاخٍ (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَضَى مَا) أَيْ: زَمَنٌ (يُمْكِنُ إيقَاعُ ثَلَاثِ) طَلْقَاتٍ (مُرَتَّبَةٍ) أَيْ: وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ (فِيهِ) أَيْ: الزَّمَنِ الْمَاضِي (وَلَمْ يُطَلِّقْهَا؛ طَلُقَتْ ثَلَاثًا) لِاقْتِضَاءِ كُلَّمَا التَّكْرَارَ، وَمَعَ لَمْ الْفَوْرِيَّةِ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ} [المؤمنون: 44] فَتَقْتَضِي تَكْرَارَ الطَّلَاقِ بِتَكْرَارِ الصِّفَةِ، وَهِيَ عَدَمُ طَلَاقِهِ لَهَا إنْ دَخَلَ بِهَا، (وَإِلَّا) يَكُنْ دَخَلَ بِهَا (بَانَتْ بِالطَّلْقَةِ الْأُولَى) فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا يُتَصَوَّرُ) بَعْدَ ذَلِكَ (أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ: مَنْ بَانَتْ مِنْهُ بِهَذِهِ الْأَدَاةِ (بِعَقْدِ نِكَاحٍ) أَصْلًا (إنْ قُلْنَا هُنَا) أَيْ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (بِعَوْدِ الصِّفَةِ) كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 [فَصْلٌ قَالَ عَامِّيٌّ غَيْرُ نَحْوِيٍّ لِزَوْجَتِهِ أَنْ قُمْتِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ فَأَنْتِ طَالِقٌ] فَصْلٌ (وَإِنْ قَالَ عَامِّيٌّ) أَيْ: غَيْرُ نَحْوِيٍّ لِزَوْجَتِهِ (أَنْ قُمْت بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ) وَسُكُونِ النُّونِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَ) هُوَ (شَرْطٌ) أَيْ: تَعْلِيقٌ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَقُومَ (كَنِيَّتِهِ) أَيْ: الشَّرْطِ (مِنْ) نَحْوِيٍّ (عَارِفٍ أَنَّ مَعْنَاهُ التَّعْلِيلُ) لِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يُرِيدُ إلَّا الشَّرْطَ وَلَا يَعْرِفُ أَنَّ مَعْنَاهَا التَّعْلِيلُ وَلَا يُرِيدُهُ؛ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ مَا لَا يَعْرِفُهُ وَلَا يُرِيدُهُ كَمَا لَوْ نَطَقَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ أَعْجَمِيٌّ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ) عَارِفٌ بِمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ (الشَّرْطَ) طَلُقَتْ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ الْقِيَامُ وُجِدَ؛ لِأَنَّ الْمَفْتُوحَةَ فِي اللُّغَةِ إنَّمَا هِيَ لِلتَّعْلِيلِ فَمَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّك قُمْت أَوْ لِقِيَامِك، قَالَ تَعَالَى {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} [الممتحنة: 1] وَقَالَ {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات: 17] وَقَالَ {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 90] {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: 91] (أَوْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إذْ قُمْت:) طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ إذْ لِلتَّعْلِيلِ أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (وَإِنْ قُمْتِ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (وَلَوْ قُمْتِ؛ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، لَكِنْ) تَطْلُقُ (إنْ كَانَتْ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَهَا لِعِلَّةٍ فَلَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ بِدُونِهَا. هَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَمَنْ تَابَعَهُ جَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَظَاهِرُ الْمُنْتَهَى أَنَّهُ يَقَعُ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ (وَلِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ " فِيمَنْ قِيلَ لَهُ: زَنَتْ امْرَأَتُكَ فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَزْنِ؛ لَمْ تَطْلُقْ، وَجُعِلَ السَّبَبُ) الَّذِي لِأَجْلِهِ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ (كَالشَّرْطِ اللَّفْظِيِّ وَأَوْلَى) وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّعْلِيلِ بِلَفْظِهِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِعِلَّةٍ مَذْكُورَةٍ فِي اللَّفْظِ أَوْ غَيْرِ مَذْكُورَةٍ فَإِذَا تَبَيَّنَ انْتِفَاؤُهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ قَالَ فِي " إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " وَهَذَا الَّذِي لَا يَلِيقُ بِالْمَذْهَبِ غَيْرُهُ، وَلَا تَقْتَضِي قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ غَيْرَهُ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ امْرَأَتُكَ قَدْ شَرِبَتْ مَعَ فُلَانٍ وَبَاتَتْ عِنْدَهُ، فَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنَّهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي بَيْتِهَا قَائِمَةً تُصَلِّي، فَإِنَّ هَذَا الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ قَطْعًا. قَالَ: وَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ، مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمَا (الرَّجُلُ يَمُرُّ عَلَى الْمُكَّاسِ بِرَقِيقٍ لَهُ يُطَالِبُهُ بِمَكْسِهِمْ، فَيَقُولُ هُمْ أَحْرَارٌ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ ظُلْمِهِ وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي عِتْقِهِمْ) أَنَّهُمْ لَا يَعْتِقُونَ، وَبِهَذَا أَفْتَيْنَا تُجَّارَ الْيَمَنِ لَمَّا مَرُّوا عَلَى الْمَكَّاسِينَ، فَقَالُوا لَهُمْ ذَلِكَ. قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِشَرْطٍ؛ فَظَنَّ أَنْ الشَّرْطَ قَدْ وَقَعَ، فَقَالَ اذْهَبِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَبَانَ الشَّرْطُ لَمْ يُوجَدْ؛ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا. قَالَ فِي " حَاشِيَةِ الْإِقْنَاعِ ": يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَدَّى إلَيْهِ مَالًا، وَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ يَظُنُّ الْبَرَاءَةَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمَهَا؛ لَمْ يَبْرَأْ بِذَلِكَ. (وَ) إنْ قَالَ (إنْ) قُمْت وَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (لَوْ قُمْت وَأَنْتِ طَالِقٌ: طَلُقَتْ حَالًا لِأَنَّ الْوَاوَ لَيْسَتْ جَوَابًا) لِلشَّرْطِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ (فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُهُ) أَيْ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي وَأَنْتِ طَالِقٌ الْجَزَاءَ؛ دِينَ، وَقُبِلَ حُكْمًا (أَوْ) قَالَ (أَرَدْتُ بِأَنْ أَوْ لَوْ قُمْتِ وَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّ قِيَامَهَا وَطَلَاقَهَا شَرْطَانِ لِشَيْءٍ آخَرَ) كَعِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا أَوْ ظِهَارٍ أَوْ نَذْرٍ (ثُمَّ أَمْسَكْتُ دِينَ وَقُبِلَ مِنْهُ حُكْمًا) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا نَوَاهُ، وَإِنْ صَرَّحَ بِالْجَزَاءِ فَقَالَ إنْ قُمْتِ وَأَنْتِ طَالِقٌ فَعَبْدِي حُرٌّ؛ لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ حَتَّى تَقُومَ وَهِيَ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ هُنَا لِلْحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] وَكَذَا إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ طَالِقًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ دَخَلَتْ وَهِيَ طَالِقٌ؛ طَلُقَتْ أُخْرَى، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ مَرِيضَةً أَوْ صَائِمَةً أَوْ مُحْرِمَةً وَنَحْوَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَهَا كَذَلِكَ (وَ) قَوْلُهُ (أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ قُمْتِ) كَقَوْلِهِ إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَقُومَ؛ لِأَنَّ لَوْ تُسْتَعْمَلُ شَرْطِيَّةً كَإِنْ (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ وَإِنْ دَخَلَتْ ضَرَّتُكِ فَ) مَتَى (دَخَلَتْ الْأُولَى طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ، دَخَلَتْ ضَرَّتُهَا أَوْ لَا وَ (لَا) تَطْلُقُ (الْأُخْرَى) بِدُخُولِهَا الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ طَلَاقَهَا (بِدُخُولِهَا، فَإِنْ أَرَادَ جَعَلَ الثَّانِيَ) أَيْ: قَوْلَهُ وَإِنْ دَخَلَتْ ضَرَّتُكِ (شَرْطًا لِطَلَاقِهَا) أَيْ الْأُولَى (أَيْضًا) أَيْ: بِأَنْ أَرَادَ وَإِنْ دَخَلَتْ ضَرَّتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ الْأُولَى وَالْأُخْرَى (طَلُقَتْ) الْأُولَى (ثِنْتَيْنِ) طَلْقَةً بِدُخُولِهَا وَطَلْقَةً بِدُخُولِ ضَرَّتِهَا (وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ دُخُولَ الثَّانِيَةِ شَرْطٌ لِطَلَاقِهَا) أَيْ: الثَّانِيَةِ بِأَنْ أَرَادَ إنْ دَخَلَتْ ضَرَّتُكِ فَهِيَ طَالِقٌ (فَ) الْأَمْرُ (عَلَى مَا أَرَادَ) فَأَيُّهُمَا دَخَلَتْ طَلُقَتْ (وَإِنْ قَالَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلَتْ هَذِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ) مَقُولٌ لَهَا ذَلِكَ (إلَّا بِدُخُولِهِمَا) لِأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَهُمَا شَرْطًا لِطَلَاقِهَا (وَ) لَوْ أَلْحَقَ شَرْطًا بِشَرْطٍ، فَقَالَ. (إنْ قُمْتِ فَقَعَدْتِ فَ) أَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ إنْ قُمْتِ ثُمَّ قَعَدْتِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُومَ ثُمَّ تَقْعُدَ؛ لِاقْتِضَاءِ الْفَاءِ وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ (أَوْ قَالَ إنْ قُمْت مَتَى قَعَدْت) فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُومَ ثُمَّ تَقْعُدَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ، فَيَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْمُتَقَدِّمِ، وَتَقْدِيمَ الْمُتَأَخِّرِ، كَمَا فِي نَظَائِرِهِ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ الْفَاءِ؛ أَيْ: إنْ قُمْتِ فَمَتَى قَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (إنْ قَعَدْتِ إذَا قُمْتِ؛ أَوْ) قَالَ إنْ قَعَدْتِ (مَتَى قُمْتِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ إنْ قَعَدْتِ إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُومَ ثُمَّ تَقْعُدَ) لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ (وَإِنْ عُكِسَ ذَلِكَ) فَقَالَ إنْ قَعَدْتِ فَقُمْتِ؛ أَوْ إنْ قَعَدْتِ ثُمَّ قُمْتِ، أَوْ إنْ قَعَدْتِ فَمَتَى قُمْتِ؛ أَوْ إنْ قُمْتِ إذَا قَعَدْتِ (لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقْعُدَ ثُمَّ تَقُومَ) لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقُعُودَ شَرْطًا لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى الْقِيَامِ؛ وَالشَّرْطُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْمَشْرُوطَ (وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 أَكَلْتِ إذَا لَبِسْتِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلْتِ إنْ لَبِسْتِ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ أَكَلْتِ مَتَى لَبِسْتِ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَلْبَسَ ثُمَّ تَأْكُلَ؛ وَيُسَمَّى) عِنْدَ النُّحَاةِ (اعْتِرَاضَ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ) وَيَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْمُتَقَدِّمِ وَتَقْدِيمَ الْمُتَأَخِّرِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّانِيَ فِي اللَّفْظِ شَرْطًا لِلَّذِي قَبْلَهُ، وَالشَّرْطُ يَتَقَدَّمُ الْمَشْرُوطَ. قَالَ تَعَالَى: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] . (وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْت وَقَعَدْت، أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (لَا قُمْت وَقَعَدْت؛ تَطْلُق بِوُجُودِهِمَا) أَيْ: الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ (وَلَا تَرْتِيبَ) أَيْ: سَوَاءٌ سَبَقَ الْقِيَامُ أَوْ الْقُعُودُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ، لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا، وَلَا تَطْلُق بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ؛ فَلَا تَطْلُق قَبْلَ وُجُودِهِمَا. قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا التَّغْلِبِيُّ: مَا لَمْ يُرِدْ الدُّعَاءَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ لَا قُمْت وَنَحْوَهُ؛ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الْحَالِ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ (لَوْ أَرَادَهُ) أَيْ: التَّرْتِيبَ بِقَوْلِهِ لَا قُمْتِ وَقَعَدْتِ (قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِنِيَّتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْت أَوْ قَعَدْت؛ تَطْلُق بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ (أَوْ) قَالَ إنْ قُمْتِ أَوْ قَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (لَا قُمْتِ وَلَا قَعَدْتِ، تَطْلُق بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ عَلَى أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا قُمْتِ وَلَا قَعَدْتِ بِمَنْزِلَةِ إنْ قُمْتِ وَإِنْ قَعَدْتِ. (وَ) إنْ قَالَ (إنْ أَعْطَيْتُكِ إنْ وَعَدْتُكِ إنْ سَأَلْتنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَسْأَلَهُ ثُمَّ يَعِدَهَا ثُمَّ يُعْطِيَهَا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ جَعْلِهِ الثَّانِيَ شَرْطًا فِي الَّذِي قَبْلَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ سَأَلْتنِي فَوَعَدْتُكِ فَأَعْطَيْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ أَدَاةُ الشَّرْطِ إذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 أَوْ إنْ. (وَ) إنْ قَالَ (كُلَّمَا أَجْنَبْتُ) مِنْك جَنَابَةً (فَإِنْ اغْتَسَلْتُ مِنْ حَمَّامٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَجْنَبَ) مِنْهَا (ثَلَاثًا) مِنْ الْمَرَّاتِ (وَاغْتَسَلَ مَرَّةً فِيهِ) أَيْ: الْحَمَّامِ (فَطَلْقَةً) وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى أَمْرَيْنِ وَمَجْمُوعُهُمَا لَمْ يُوجَدْ سِوَى مَرَّةً (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (ثَلَاثًا مَعَ فِعْلٍ لَمْ يَتَرَدَّدْ مَعَ كُلِّ جَنَابَةٍ كَمَوْتِ زَيْدٍ وَقُدُومِهِ) وَدُخُولِ الدَّارِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ (كَ) قَوْلِهِ (كُلَّمَا أَجْنَبْتُ وَقَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ) فَأَجْنَبَ ثَلَاثًا وَقَدِمَ زَيْدٌ (طَلُقَتْ ثَلَاثًا) ؛ وَكَذَا نَظَائِرُهُ؛ لِقَرِينَةِ الْحَالِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ تَكْرَارِ الثَّانِي. (فَرْعٌ لَوْ أَسْقَطَ) مُعَلِّقٌ (الْفَاءَ مِنْ جُزْءٍ مُتَأَخِّرٍ) فَقَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ (فَ) هُوَ (كَبَقَائِهَا) فَلَا تَطْلُق حَتَّى تَدْخُلَهَا؛ لِإِتْيَانِهِ بِحَرْفِ الشَّرْطِ، فَدَلَّ عَلَى إرَادَةِ التَّعْلِيقِ وَتَقْدِيرِ الْفَاءِ كَقَوْلِهِ: مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَذْفُ الْفَاءِ عَلَى نِيَّةِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ؛ وَمَهْمَا أَمْكَنَ تَصْحِيحُ كَلَامِ الْعَاقِلِ وَصَوْنِهِ عَنْ الْفَسَادِ؛ وَجَبَ (فَإِنْ أَرَادَ وُقُوعَهُ حَالًا؛ وَقَعَ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْأَغْلَظِ. [فَصْلٌ فِي تَعْلِيق الطَّلَاقِ بِالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ] فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَيْ: الطَّلَاقِ (بِالْحَيْضِ) وَالطُّهْرِ (إذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِأَوَّلِهِ) أَيْ: الْحَيْضِ (حِينَ تَرَى الدَّمَ إنْ تَبَيَّنَ) كَوْنُ الدَّمِ (حَيْضًا، بِأَنْ بَلَغَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلَوْ مِنْ مُبْتَدَأَةٍ) تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 الصِّفَةَ وُجِدَتْ بِدَلِيلٍ مِنْهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، (وَإِلَّا) يَتَبَيَّنْ كَوْنُهُ حَيْضًا بِأَنْ نَقَصَ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَاتَّصَلَ الِانْقِطَاعُ حَتَّى مَضَى أَقَلُّ الطُّهْرِ، وَلَمْ يَعُدْ، أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ سِنَّهَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ (لَمْ يَقَعْ) لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تُوجَدْ، وَكَذَا لَوْ رَأَتْهُ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ آيِسَةٌ (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (فِ) يمَا إذَا قَالَ (إذَا حِضْتِ حَيْضَةً) فَأَنْتِ طَالِقٌ (بِانْقِطَاعِهِ) أَيْ: دَمِ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ بَعْدَ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْحَيْضِ، وَهِيَ الْحَيْضَةُ الْكَامِلَةُ مِنْ الْمُعْتَادَةِ، وَالْمُتَكَرِّرَةِ ثَلَاثًا مِنْ الْمُبْتَدَأَةِ وَبِانْقِطَاعِ مَا يَصْلُحُ حَيْضًا مِنْ الْمُسْتَحَاضَةِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ سُنِّيًّا (وَلَا يُحْتَسَبُ بِحَيْضَةٍ عَلَّقَ) الطَّلَاقَ (فِيهَا) بَلْ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْحَيْضَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْحَيْضَةُ الْكَامِلَةُ، (وَ) إنْ قَالَ (كُلَّمَا حِضْتِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ إذَا شَرَعَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَذَا تَطْلُق الثَّالِثَةُ إذَا شَرَعَتْ فِيهَا وَيُحْسَبَانِ مِنْ عِدَّتِهَا (أَوْ زَادَ حَيْضَةً) بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا حِضْتِ حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ؛ طَلُقَتْ، ثُمَّ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الثَّانِيَةِ طَلُقَتْ أُخْرَى، ثُمَّ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الثَّالِثَةِ فَكَذَلِكَ، وَتُحْسَبُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مِنْ عِدَّتِهَا (فَتَفْرُغُ عِدَّتُهَا بِآخِرِ حَيْضَةٍ رَابِعَةٍ) (لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ إذَا طَلُقَتْ بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ كَمَا يَأْتِي) (وَطَلَاقُهُ) أَيْ: الْقَائِلِ لِزَوْجَتِهِ كُلَّمَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فِي حَيْضَةٍ ثَانِيَةٍ) وَثَالِثَةٍ (غَيْرُ بِدْعِيٍّ) لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُحْسَبُ مِنْهَا، بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى؛ إذْ لَا تُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُلَّمَا حِضْتِ حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ فَكُلُّ طَلَاقِهِ غَيْرُ بِدْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ طَلَاقَ قَائِلِ ذَلِكَ يَكُونُ غَيْرَ بِدْعِيٍّ (مَا لَمْ يُرَاجِعْهَا) بَعْدَ الْحَيْضَةِ الْأُولَى، أَمَّا إذَا رَاجَعَهَا بَعْدَ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ فَطَلَاقُهُ لَهَا بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ تَنْزِيلًا لِلْمُرَاجَعَةِ مَنْزِلَةَ إلْغَاءِ التَّعْلِيقِ، فَصَارَتْ فِي الْحُكْمِ كَالْمُطَلَّقَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 فِي الْحَيْضِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إذَا حِضْتِ نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِذَا مَضَتْ حَيْضَةٌ تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ لِنِصْفِهَا) أَيْ عِنْدَ نِصْفِ حَيْضَتِهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالنِّصْفِ؛ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِوُجُودِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ الْحَيْضِ قَدْ تَطُولُ وَقَدْ تَقْصُرُ، وَيُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ظَاهِرًا بِمُضِيِّ نِصْفِ عَادَتِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حَيْضَهَا عَلَى السَّوَاءِ، وَالْأَحْكَامُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَادَةِ (أَوْ حَاضَتْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا (وَنِصْفًا) مِنْ يَوْمٍ بِلَيْلَةٍ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ نِصْفُ أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مُضِيُّ نِصْفِ الْحَيْضَةِ إلَّا بِهِ قَالَ فِي " الْكَافِي " بِمَعْنَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ مَا دَامَ حَيْضُهَا بَاقِيًا لَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ طَلَاقِهَا حَتَّى يَمْضِيَ نِصْفُ أَكْثَرِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُتَيَقَّنُ بِهِ مُضِيُّ نِصْفِ الْحَيْضَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ نِصْفُهَا إلَّا بِكَمَالِهَا. (وَمَتَى ادَّعَتْ) مَنْ عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِحَيْضِهَا (حَيْضًا وَأَنْكَرَ) زَوْجُهَا حَيْضَهَا (فَقَوْلُهَا فِيهِ بِلَا يَمِينٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ " الْمُوَفَّقُ " وَ " الشَّارِحُ " وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمُذْهَبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَ " الْعُمْدَةِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَالْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ عَلَى نَفْسِهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] قِيلَ هُوَ الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ، وَلَوْلَا قَبُولُ قَوْلِهَا فِيهِ لَمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا كَتْمُهُ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ مَعَ عَدَمِ الْقَبُولِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] لَمَّا حَرَّمَ كِتْمَانَهَا دَلَّ عَلَى قَبُولِهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ؛ لِقَوْلِهِ فَإِنْ قَالَتْ قَدْ حِضْتُ، وَكَذَّبَهَا قُبِلَ قَوْلُهَا فِي نَفْسِهَا مَعَ يَمِينِهَا انْتَهَى. وَحَيْثُ قُبِلَ قَوْلُهَا فِي الْحَيْضِ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ (كَ) قَوْلِهِ (إنْ أَضْمَرْتِ بُغْضِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَادَّعَتْهُ) أَيْ: إضْمَارَ بُغْضِهِ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَ (لَا) يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَى زَوْجٍ (فِي وِلَادَةٍ) عُلِّقَ طَلَاقُهَا عَلَيْهَا وَأَنْكَرَهَا، لِأَنَّهُ قَدْ يُعْرَفُ مِنْ غَيْرِهَا (إنْ لَمْ تُقِرَّ بِالْحَمْلِ أَوْ تَشْهَدْ النِّسَاءُ) فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ شَهِدَتْ النِّسَاءُ بِهِ رَجَّحَ قَوْلُهَا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَيْهِ (فِي قِيَامٍ وَنَحْوِهِ) كَقُدُومِ زَيْدٍ وَكَلَامِهِ وَدُخُولِ دَارٍ وَنَظَائِرِهَا، فَإِذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ عَلَى عَدَمِهِ فَادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَهَا، فَقَوْلُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ (وَلَوْ) أَقَرَّ زَوْجٌ بِهِ وَأَنْكَرَتْهُ، أَيْ بِمَا عَلَّقَ عَلَيْهِ طَلَاقَهَا (طَلُقَتْ وَلَوْ أَنْكَرَتْهُ) الزَّوْجَةُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُهَا، (وَ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ حَائِضٌ) عِنْدَ التَّعْلِيقِ (فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ) طَلُقَتْ نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] أَيْ: يَنْقَطِعَ دَمُهُنَّ، وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَصِحَّةِ الطَّهَارَةِ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَائِضًا، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا، إذْ لَا وَاسِطَةَ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا تَطْلُق بِمُجَرَّدِهِ أَيْ: انْقِطَاعِ الدَّمِ (وَلَوْ) حَصَلَ الِانْقِطَاعُ (فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ النَّقَاءَ الْمُتَخَلِّلَ زَمَنَ الْحَيْضِ طُهْرٌ وَمَحَلُّ ذَلِكَ (حَيْثُ لَا نِيَّةَ) مِنْهُ فَإِنْ كَانَ نَوَى فِي تَعْلِيقِهِ ذَلِكَ طُهْرَهَا مِنْ حَيْضَةٍ كَامِلَةٍ، عُمِلَ بِهَا، لِحَدِيثٍ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 (وَإِلَّا) تَكُنْ حَائِضًا حِينَ التَّعْلِيقِ (فَإِذَا طَهُرَتْ) أَيْ: انْقَطَعَ دَمُهَا (مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ) طَلُقَتْ، لِأَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ تَقْتَضِي فِعْلًا مُسْتَقْبَلًا؛ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ إلَّا ذَلِكَ، فَتَعَلَّقَتْ الصِّفَةُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ حَصَلَ النَّقَاءُ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَإِنَّهَا تَطْلُق حَيْثُ لَا نِيَّةَ كَمَا أَسْلَفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاتِّجَاهِ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ وَضَرَّتُكِ طَالِقَتَانِ، فَقَالَتْ حِضْتُ، وَكَذَّبَهَا؛ طَلُقَتْ وَحْدَهَا) أَيْ: دُونَ ضَرَّتِهَا. لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ عَلَى نَفْسِهِمَا دُونَ ضَرَّتِهَا، فَإِنْ قَامَتْ بِحَيْضَةٍ بَيِّنَةٌ طَلُقَتَا، وَإِنْ أَقَرَّ بِحَيْضِهَا طَلُقَتَا أَيْضًا، وَلَوْ كَذَّبَتْهَا (وَ) إنْ قَالَ لَهُمَا (إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ وَادَّعَتَاهُ) أَيْ: ادَّعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا حَاضَتْ (فَصَدَّقَهُمَا، طَلُقَتَا) لِإِقْرَارِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ أَكْذَبَهُمَا، لَمْ تَطْلُقَا) أَيْ: لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ طَلَاقَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ بِحَيْضَتِهَا وَحَيْضِ ضَرَّتِهَا، وَإِقْرَارَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى ضَرَّتِهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ (وَإِنْ أَكْذَبَ إحْدَاهُمَا، طَلُقَتْ وَحْدَهَا) لِأَنَّ قَوْلَهَا فِي حَقِّهَا مَقْبُولٌ وَالزَّوْجُ صَدَّقَ ضَرَّتَهَا فَقَدْ وُجِدَ الْحَيْضُ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا؛ وَلَمْ تَطْلُقْ الْمُصَدَّقَةُ، لِأَنَّ قَوْلَ ضَرَّتِهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّهَا وَلَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ. (وَإِنْ قَالَ لِأَرْبَعٍ) أَيْ: قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ إنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَ طَوَالِقُ (فَقَدْ عَلَّقَ طَلَاقَ) كُلِّ (وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى حَيْضِ الْأَرْبَعِ؛ فَإِذَا ادَّعَيْنَهُ) أَيْ: ادَّعَى الْأَرْبَعُ الْحَيْضَ وَصَدَّقَهُنَّ، (طَلُقْنَ كُلُّهُنَّ) لِوُجُودِهَا أَيْ: الصِّفَةِ وَهِيَ حَيْضُ الْأَرْبَعِ حَيْثُ صَدَّقَهُنَّ عَلَيْهِ (فَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا) مِنْهُنَّ (طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ) وَحْدَهَا، لِقَبُولِ قَوْلِهَا فِي حَيْضِهَا، وَقَدْ صَدَّقَ الزَّوْجُ صَوَاحِبَهَا، فَقَدْ وُجِدَ حَيْضُ الْأَرْبَعِ فِي حَقِّهَا بِخِلَافِ الْمُصَدَّقَاتِ، فَإِنَّ قَوْلَ الْمُكَذَّبَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَيْهِنَّ (وَإِنْ صَدَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ قَوْلَ الْمُكَذَّبَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّ غَيْرِهَا (وَإِنْ قَالَ) لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ (كُلَّمَا حَاضَتْ إحْدَاكُنَّ) فَضَرَّاتُهَا طَوَالِقُ (أَوْ) قَالَ لَهُنَّ (أَيَّتُكُنَّ حَاضَتْ) أَوْ مَنْ حَاضَتْ مِنْكُنَّ (فَضَرَّاتُهَا طَوَالِقُ، فَادَّعَيْنَهُ) أَيْ: ادَّعَتْ كُلٌّ مِنْهُنَّ الْحَيْضَ (وَصَدَّقَهُنَّ طَلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَهَا ثَلَاثُ ضَرَائِرَ فَيَأْتِيهَا مِنْ كُلٍّ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ (وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً) مِنْهُنَّ، وَكَذَّبَ ثَلَاثًا (لَمْ تَطْلُقْ) الْمُصَدَّقَةُ، لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ ضَرَائِرِهَا عَلَيْهَا (وَطَلُقَ ضَرَّاتُهَا طَلْقَةً طَلْقَةً) مِنْ ضَرَّتِهِنَّ الْمُصَدَّقَةِ؛ لِثُبُوتِ حَيْضِهَا بِتَصْدِيقِهَا (وَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ طَلُقَتَا طَلْقَةً طَلْقَةً) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ضَرَّةً مُصَدَّقَةً (وَ) طَلُقَتْ (الْمُكَذَّبَاتُ ثِنْتَيْنِ) لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ضَرَّتَيْنِ مُصَدَّقَتَيْنِ (وَ) (مِنْ الْأَرْبَعِ إنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا) طَلُقْنَ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ضَرَّتَيْنِ مُصَدَّقَتَيْنِ (وَ) طَلُقَتْ (الْمُكَذَّبَةُ ثَلَاثًا) لِأَنَّ لَهَا ثَلَاثُ ضَرَائِرَ مُصَدَّقَاتٍ (وَ) إنْ قَالَ لَهُمَا (إنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً) فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ (طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (بِشُرُوعِهِمَا فِي الْحَيْضِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " الْأَشْهَرُ تَطْلُق بِشُرُوعِهِمَا انْتَهَى وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " لِأَنَّ وُجُودَ حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُحَالٌ فَيَلْغُو قَوْلُهُ: حَيْضَةً؛ وَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ: إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ. فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَمْلِ وَالْوِلَادَةِ (إذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (إنْ كُنْتِ حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَبَانَتْ حَامِلًا زَمَنَ حَلَفَ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (مِنْهُ) أَيْ: زَمَنَ الْحَلِفِ، لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَتَبَيُّنِ كَوْنِهَا حَامِلًا زَمَنَ حَلَفَ (بِأَنْ تَلِدَهُ حَيًّا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ حَلِفِهِ وَيَعِيشَ (أَوْ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ وَلَمْ يَطَأْ) هَا بَعْدَ حَلِفِهِ لِأَنَّا بِوَضْعِهَا فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تَبَيَّنَّا أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا حِينَ الْيَمِينِ، فَ تَطْلُق بِذَلِكَ، لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَ) إنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ (فَوْقَهَا) أَيْ: فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ، لَمْ تَطْلُقْ، لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا حِينَهُ (أَوْ وَطِئَ) مُعَلِّقٌ (بَعْدَ حَلِفٍ، وَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ أَوَّلِ وَطْئِهِ لَمْ تَطْلُقْ) لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَ الْحَلِفِ، وَلِأَصْلِ بَقَاءِ الْعِصْمَةِ (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (بِالْعَكْسِ) مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا، فَإِذَا وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حَلِفٍ؛ لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ، طَلُقَتْ، لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا؛ وَكَذَا إنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ بَعْدَ الْحَلِفِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ حِينَهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا (لَا) تَطْلُق مَقُولٌ لَهَا ذَلِكَ لَوْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الْحَلِفِ (وَأَتَتْ) أَيْ: الْوَلَدَ (لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْئِهِ الْأَوَّلِ) لِئَلَّا يَزُولَ يَقِينُ النِّكَاحِ بِشَكِّ الطَّلَاقِ. قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ وَهُوَ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ، وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ. (وَيَحْرُمُ وَطْءُ) زَوْجَةٍ (بَائِنٍ) قِيلَ لَهَا: إنْ كُنْت حَامِلًا أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ (قَبْلَ اسْتِبْرَاءٍ فِيهِمَا) أَيْ: صُورَتِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ حَيْثُ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ الطَّلَاقُ (وَ) يَحْرُمُ وَطْؤُهَا (قَبْلَ زَوَالِ رِيبَةٍ) كَانْتِفَاخِ بَطْنٍ وَحَرَكَتِهِ (أَوْ ظُهُورِ حَمْلٍ) فِي صُورَةِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَحْمِلَ مِنْ الْوَطْءِ الصَّادِرِ بَعْدَ الْحَلِفِ، فَيَظْهَرُ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ، وَقَدْ، كَانَ وَقَعَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى إبَاحَةِ الْمُحَرَّمِ وَأَمَّا فِي الْأُولَى فَيَحْرُمُ قَبْلَ زَوَالِ رِيبَةٍ وَبَعْدَ ظُهُورِ حَمْلٍ. (وَيَحْصُلُ) اسْتِبْرَاءٌ (بِحَيْضَةٍ مَوْجُودَةٍ أَوْ مُسْتَقْبَلَةٍ أَوْ مَاضِيَةٍ لَمْ يَطَأْ بَعْدَهَا) أَيْ الْمَاضِيَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا وَهُوَ يَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» . قَالَ أَحْمَدُ: فَإِنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا أُرِيَتْ النِّسَاءَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِنَّ انْتَظَرَ عَلَيْهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ غَالِبَ مُدَّةِ الْحَمْلِ (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إذَا حَمَلْتِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ (إلَّا بِ) حَمْلٍ (مُتَجَدِّدٍ) بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى وُجُودِ أَمْرٍ فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ؛ فَلَا تَطْلُق قَبْلَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَذَا) لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ لَهَا (إذَا دَخَلْتِ الْحَمَّامَ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَنَحْوِهِ) كَإِنْ دَخَلْتِ الْبُسْتَانَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَهِيَ فِيهِ) أَيْ: فِي الْحَمَّامِ أَوْ الْبُسْتَانِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا يَطَأْهَا إنْ كَانَ وَطِئَ فِي طُهْرِ حَلِفِهِ قَبْلَ حَيْضٍ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ (وَلَا) يَطَأْهَا (أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ كُلَّ طُهْرٍ) لِجَوَازِ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ كُنْت حَامِلًا بِذَكَرٍ فَ) أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً، (وَ) إنْ كُنْت حَامِلًا (بِأُنْثَى فَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ) فَأَكْثَرَ (فَطَلْقَةً) لِأَنَّهُ جَعَلَ الطَّلْقَةَ مَعَ وَصْفِ حَمْلِهَا بِالذُّكُورَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ مَعَ وَصْفِهِ بِالْأُنُوثَةِ، وَلَمْ تُوجَدْ الْأُنُوثَةُ، فَلَمْ تَطْلُقْ أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ (وَ) إنْ وَلَدَتْ (أُنْثَى) فَأَكْثَرَ (مَعَ ذَكَرٍ فَأَكْثَرَ فَثَلَاثَ) طَلْقَاتٍ تَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْأُنْثَى فَأَكْثَرَ وَوَاحِدَةٌ بِالذَّكَرِ فَأَكْثَرَ؛ لِوُجُودِ شَرْطِ التَّعْلِيقَيْنِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ وَلَدَتْ مَقُولٌ لَهَا ذَلِكَ (خُنْثَى مُنْفَرِدًا) عَنْ غَيْرِهِ؛ فَحُكْمُهُ (كَ) حُكْمِ (ذَكَرٍ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَإِنْ قَالَ) لَهَا (إنْ كَانَ حَمْلُكِ) ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، فَوَلَدَتْهُمَا، لَمْ تَطْلُقْ (أَوْ) قَالَ لَهَا إنْ كَانَ (مَا فِي بَطْنِك) ذَكَرٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ (فَوَلَدَتْهُمَا) أَيْ: الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهُ جَعَلَ الذَّكَرَ أَوْ الْأُنْثَى خَبَرًا عَنْ الْحَمْلِ أَوْ مَا فِي الْبَطْنِ، فَيَقْتَضِي حَصْرَهُ فِي أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَتَمَحَّضْ الْحَمْلُ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى، فَلَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ (وَلَوْ أَسْقَطَ مَا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 فِي الْمِثَالِ الْأَخِيرِ بِأَنْ قَالَ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك ذَكَرٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِك أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى (طَلُقَتْ ثَلَاثًا) وَاحِدَةً بِالذَّكَرِ، وَاثْنَتَيْنِ بِالْأُنْثَى. (وَمَا عُلِّقَ) مِنْ طَلْقَةٍ وَعِتْقٍ وَغَيْرِهِمَا (عَلَى وِلَادَةٍ يَقَعُ بِإِلْقَاءِ مَا تَصِيرُ بِهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ) وَهُوَ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ بَعْضِ إنْسَانٍ وَلَوْ خَفِيًّا، لِأَنَّهَا وَلَدَتْ مَا يُسَمَّى وَلَدًا؛ لَا إلْقَاءِ عَلَقَةٍ وَمُضْغَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى وَلَدًا، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مَبْدَأَ خَلْقِ إنْسَانٍ؛ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً وَ) إنْ وَلَدْت (أُنْثَى فَ) أَنْتِ طَالِقٌ (ثِنْتَيْنِ) فَوَلَدَتْهُمَا (فَثَلَاثٌ بِمَعِيَّةٍ) أَيْ: بِوِلَادَتِهَا لَهُمَا مَعًا بِحَيْثُ لَا يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، طَلْقَةٌ بِالذَّكَرِ وَاثْنَتَانِ بِالْأُنْثَى، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إذَنْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ (وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الْوَلَدَيْنِ الْآخَرَ (بِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَعَ مَا عَلَّقَ بِهِ) أَيْ: السَّابِقِ فَإِنْ سَبَقَ الذَّكَرُ فَطَلْقَةٌ، وَإِنْ سَبَقَتْ الْأُنْثَى فَطَلْقَتَانِ (وَبَانَتْ بِ) الْوَلَدِ (الثَّانِي) مِنْهُمَا؛ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِهِ (وَلَمْ تَطْلُقْ بِهِ) أَيْ: الثَّانِي؛ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ، فَلَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ كَإِنْ مِتَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ (مَا لَمْ يَكُنْ أَرْجَعَهَا) قَبْلَ الثَّانِي (وَكَ) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك) لِوُجُودِ تَعْقِيبِ الْوُقُوعِ الصِّفَةَ، (وَ) إنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَ) أَكْثَرَ (وَيَتَّجِهُ أَوْ) سَبَقَهُ (بِأَقَلَّ) مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (حَيْثُ وَطِئَ بَيْنَهُمَا) أَيْ: الْوَضْعَيْنِ (فَثَلَاثُ) طَلْقَاتٍ تَقَعُ؛ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالْوَطْءِ بَيْنَهُمَا، فَيَكُونُ الثَّانِي مِنْ حَمْلٍ مُسْتَأْنَفٍ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ ادِّعَاءُ أَنْ تَحْمِلَ بِوَلَدٍ بَعْدَ وَلَدٍ. قَالَهُ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ فِي الْحَامِلِ لَا تَحِيضُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 (وَمَتَى أَشْكَلَ سَابِقٌ) مِنْ وَلَدَيْنِ مُتَعَاقِبَيْنِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، فَلَمْ يَدْرِ أَسَبَقَ الذَّكَرُ، فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً فَقَطْ وَتَبِينُ بِالْأُنْثَى، أَوْ سَبَقَتْ اثْنَتَيْنِ فَتَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ وَتَبِينُ بِالذَّكَرِ. (فَطَلْقَةٌ) تَقَعُ (بِيَقِينٍ، وَيَلْغُو مَا زَادَ) لِلشَّكِّ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْوَرَعُ أَنْ يَلْتَزِمَهُمَا لِاحْتِمَالِ سَبْقِ الْأُنْثَى، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى فَقِيَاسُهُ يَقَعُ، وَيَلْغُو مَا زَادَ لِلشَّكِّ فِيهِ، وَالْوَرَعُ الْتِزَامُهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ تَلِدُهُ) مِنْهُمَا (حَيًّا أَوْ مَيِّتًا) لِأَنَّ الشَّرْطَ وِلَادَةٌ، وَقَدْ وُجِدَتْ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ وَتَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ كَانَ أَوَّلُ مَا تَلِدِينَ ذَكَرًا فَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً) وَاحِدَةً (وَ) إنْ كَانَ (أُنْثَى فَ) أَنْتِ طَالِقٌ (بِهِ ثِنْتَيْنِ؛ فَلَا) يَقَعُ عَلَيْهِ (شَيْءٌ بِمَعِيَّةٍ) أَيْ: بِوِلَادَتِهَا لَهُمَا مَعًا، لِأَنَّهُ لَا أَوَّلَ فِيهِمَا، فَلَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ وَلَدْتِ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ حَيَّيْنِ أَوْ مَيِّتِينَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا حِنْثَ بِ) وِلَادَةِ (ذَكَرٍ وَأُنْثَى أَحَدُهُمَا فَقَطْ حَيٌّ) لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تُوجَدْ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (كُلَّمَا وَلَدْتِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ زَادَ وَلَدًا) فَقَالَ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةَ) أَوْلَادٍ (مَعًا) لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا غَيْرَهُ (فَثَلَاثُ) طَلْقَاتٍ، لِتَعَدُّدِ الْوِلَادَةِ، بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مَوْلُودٌ، فَيَقَعُ بِكُلِّ وِلَادَةٍ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا لِلتَّكْرَارِ. (وَ) إنْ وَلَدْت ثَلَاثَةً (مُتَعَاقِبِينَ) وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ (طَلُقَتْ بِأَوَّلٍ) طَلْقَةً (وَبِثَانٍ) طَلْقَةً (وَبَانَتْ بِثَالِثٍ) وَلَمْ تَطْلُقْ بِهِ (لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِهِ) أَيْ: بِوَصْفِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي، لِأَنَّهُ لَيْسَ تَمَامَ حَمْلِهَا، وَالْعِدَّةُ إنَّمَا تَتِمُّ بِوَضْعِ جَمِيعِ الْحَمْلِ (وَإِنْ وَلَدَتْ اثْنَيْنِ) مُتَعَاقِبَيْنِ (وَ) كَانَ (زَادَ: لِلسُّنَّةِ) بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ (فَطَلْقَةٌ بِطُهْرٍ مِنْ نِفَاسِهَا ثُمَّ) طَلْقَةٌ (أُخْرَى بَعْدَ طُهْرٍ مِنْ حَيْضَةٍ) مُسْتَقْبَلَةٍ لِأَنَّ هَذَا هُوَ طَلَاقُ السَّنَةِ كَمَا سَبَقَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالطَّلَاقِ] فَصْلٌ (فِي تَعْلِيقِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِالطَّلَاقِ إذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (إذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَوْقَعَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ عَلَيْهَا (بَائِنًا) بِأَنْ كَانَ عَلَى عِوَضٍ، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا (لَمْ يَقَعْ مَا عُلِّقَ) مِنْ طَلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ عِصْمَةً (كَ) مَا لَا يَقَعُ طَلَاقٌ (مُعَلَّقٌ عَلَى خُلْعٍ) لِوُجُوبِ تَعَقُّبِ الصِّفَةِ الْمَوْصُوفَ، وَالْبَائِنُ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ (وَإِنْ أَوْقَعَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ فِيهِ (رَجْعِيًّا) وَقَعَ ثِنْتَانِ طَلْقَةٌ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْأُخْرَى بِالصِّفَةِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ تَطْلِيقَهَا شَرْطًا لِطَلَاقِهِ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ أَوْ (عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ (بِقِيَامِهَا ثُمَّ بِوُقُوعِ طَلَاقِهَا) بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَقَامَتْ) رَجْعِيَّةً (وَقَعَ ثِنْتَانِ) طَلْقَةٌ بِقِيَامِهَا، وَطَلْقَةٌ بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ عَلَيْهَا بِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَهِيَ قِيَامُهَا (وَإِنْ عَلَّقَهُ بِقِيَامِهَا ثُمَّ بِطَلَاقِهِ لَهَا) بِأَنْ قَالَ إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَامَتْ فَوَاحِدَةٌ بِقِيَامِهَا، وَلَا تَطْلُق بِتَعْلِيقِهِ عَلَى الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا (أَوْ) عَلَّقَهُ بِقِيَامِهَا ثُمَّ (بِإِيقَاعِهِ مِنْهُ لَهَا) بِأَنْ قَالَ لَهَا: إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ أَوْقَعْتُ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَقَامَتْ؛ فَوَاحِدَةٌ) بِقِيَامِهَا، وَلَا تَطْلُق بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْإِيقَاعِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ عَلَيْهَا طَلَاقًا بَعْدَ التَّعْلِيقِ (وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ (بِقِيَامِهَا، ثُمَّ) إنْ قَالَ: إذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَقَامَتْ، فَثِنْتَانِ) وَاحِدَةٌ بِقِيَامِهَا، وَأُخْرَى بِتَطْلِيقِهَا الْحَاصِلِ بِالْقِيَامِ، لِأَنَّ طَلَاقَهَا بِوُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ لَهَا (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ) لَهَا (إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ تَجَوَّزَا) أَيْ: طَلَاقَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 (رَجْعِيًّا) بِأَنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَطَلَّقَهَا دُونَ مَا يَمْلِكُ بِلَا عِوَضٍ (فَثَلَاثٌ) وَاحِدَةٌ بِالْمُنَجَّزِ، وَاثْنَتَانِ بِالتَّعْلِيقِ وَالْوُقُوعِ (فَلَوْ قَالَ: أَرَدْت) بِقَوْلِي إذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (إنْ طَلَّقْتُكِ) طَلْقَةً بِمَا أَوْقَعْتَهُ عَلَيْكِ (وَلَمْ أُرِدْ عَقْدَ صِفَةٍ، دِينَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ كَلَامَهُ يَحْتَمِلُهُ (وَلَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِأَنَّهُ خِلَافَ الظَّاهِرِ (وَ) إنْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا (كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ لَهَا كُلَّمَا (أَوْقَعْتُ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ) لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ، فَثِنْتَانِ) طَلْقَةٌ بِالْخِطَابِ، وَأُخْرَى بِالتَّعْلِيقِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى تَطْلِيقِهَا، وَلَمْ تَطْلُقْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ التَّطْلِيقَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ وَقَعَ) عَلَيْهَا طَلَاقُهُ (بِمُبَاشَرَةٍ) بِأَنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ سَبَبٍ) بِأَنْ كَانَ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فَوُجِدَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ التَّعْلِيقِ بَعْدَ مَا قَالَ لَهَا ذَلِكَ أَوْ قَبْلَهُ (فَثَلَاثٌ) لِأَنَّ الثَّانِيَةَ طَلْقَةٌ وَقَعَتْ عَلَيْهَا فَتَطْلُق بِهَا الثَّالِثَةُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ وَقَعَتْ) الطَّلْقَةُ (الْأُولَى وَ) الطَّلْقَةُ (الثَّانِيَةُ رَجْعَتَيْنِ) لِأَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ بَائِنًا لَمْ يَلْحَقْهَا مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ. (وَمَنْ عَلَّقَ) الطَّلَاقَ (الثَّلَاثَ بِتَطْلِيقٍ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ) كَمَا لَوْ قَالَ إنْ طَلَّقْتُكِ طَلَاقًا أَمْلِكُ فِيهِ رَجْعَتَك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (ثُمَّ طَلَّقَ وَاحِدَةً) أَوْ اثْنَتَيْنِ، وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا (وَقَعَ الثَّلَاثُ) لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّجْعَةِ هُنَا، لِعَجْزِهِ عَنْهَا؛ لَا لِعَدَمِ مِلْكِهَا (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (كُلَّمَا) وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا (أَوْ إنْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ مَا تَجُرُّهُ، وَوَقَعَ تَتِمَّةُ الثَّلَاثِ مِمَّا عَلَّقَهُ خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ) فَإِنَّهُ قَالَ تَطْلُق بِالطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ وَيَلْغُو الْمُعَلَّقُ، لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي زَمَانٍ مَاضٍ (وَيَلْغُو قَوْلُهُ قَبْلَهُ) لِأَنَّهُ وَصَفَ الْمُعَلَّقَ بِصِفَةٍ يَسْتَحِيلُ وَصْفُهُ بِهَا، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهَا بِالشَّرْطِ قَبْلَهُ، فَتَلْغُوا صِفَتُهَا بِالْقَبْلِيَّةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (خِلَافًا) لِأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 الشَّافِعِيِّ (وَجَمَاعَةٍ) مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (قَالُوا لَا تَطْلُق أَبَدًا وَتُسَمَّى) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (السُّرَيْجِيَّةَ) لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِهَا، وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ تَقْتَضِي وُقُوعَ ثَلَاثٍ قَبْلَهَا، وَذَلِكَ يَمْنَعُ وُقُوعَهَا فَإِثْبَاتُهَا يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهَا، فَلَا تَثْبُتُ، وَلِأَنَّ إيقَاعَهَا يُفْضِي إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ يَقَعُ قَبْلَهَا ثَلَاثٌ، فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا، وَمَا أَدَّى إلَى الدَّوْرِ وَجَبَ قَطْعُهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ النَّصِّ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَيْخُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَفَّالُ شَيْخُ الْمَرَاوِزَةِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَكَيْفَ تَسُوغُ الْفَتْوَى بِمَا يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامَ الْأَكْثَرِ يَعْنِي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (وَيَقَعُ بِمَنْ) أَيْ: بِزَوْجَةٍ (لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) وَقَالَ لَهَا ذَلِكَ، الطَّلْقَةُ (الْمُنَجَّزَةُ فَقَطْ) لِأَنَّهَا تَبِينُ بِهَا، وَلَا يَلْحَقُهَا شَيْءٌ مِنْ الْمُعَلَّقِ. (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ وَطِئْتُكِ وَطْئًا مُبَاحًا) فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا (أَوْ) قَالَ لَهَا (إنْ ظَاهَرْت مِنْكِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلُ ثَلَاثًا (أَوْ) قَالَ لَهَا (إنْ رَاجَعْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ وُجِدَ شَيْءٌ، مِمَّا عَلَّقَ عَلَيْهِ) الطَّلَاقَ (وَقَعَ الثَّلَاثُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي السُّرَيْجِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ لَهَا (إذَا بِنْتِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا (أَوْ) قَالَ لَهَا (إنْ انْفَسَخَ نِكَاحُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَبَانَتْ بِنَحْوِ خُلْعٍ) كَفَسْخٍ لِمُقْتَضٍ (لَمْ يَقَعْ مُعَلَّقٌ) لِأَنَّهَا إذَا بَانَتْ لَمْ يَبْقَ لِلطَّلَاقِ مَحَلٌّ يَقَعُ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ الْأَصَحُّ فِيهِ وَكَذَا) لَا يَقَعُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ فِي قَوْلِهِ لَهَا: إنْ (أَبَنْتُكِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا (أَوْ) قَوْلِهِ لَهَا إنْ (فَسَخْتُ نِكَاحَكِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا (أَوْ) قَوْلِهِ إنْ (لَاعَنْتُكِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " بَلْ تَبِينُ (بِالْإِبَانَةِ وَالْفَسْخِ خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ " الْإِقْنَاعِ " وَالْمُنْتَهَى " وَعِبَارَةُ " الْإِقْنَاعِ " إنْ أَبَنْتُكِ أَوْ فَسَخْتُ نِكَاحَكِ أَوْ رَاجَعْتُكِ أَوْ إنْ ظَاهَرْتُ أَوْ آلَيْتُ مِنْكِ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 لَا أَعْتِقُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، فَفَعَلَ، طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى " إنْ أَبَنْتُكِ أَوْ فَسَخْتُ نِكَاحَكِ، أَوْ رَاجَعْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ وُجِدَ شَيْءٌ مِمَّا عَلَّقَ عَلَيْهِ؛ وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَلَغَا قَوْلُهُ قَبْلَهُ انْتَهَى؛ وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْأَصَحُّ. (وَ) إنْ قَالَ لِإِحْدَى زَوْجَتَيْهِ (كُلَّمَا طَلَّقْت ضَرَّتَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ لِلضَّرَّةِ، ثُمَّ طَلَّقَ الْأُولَى) فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (طَلُقَتْ الضَّرَّةُ طَلْقَةً) بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَ ضَرَّتَهَا (وَ) طَلُقَتْ الْأُولَى (ثِنْتَيْنِ) طَلْقَةً بِالْمُبَاشَرَةِ وَطَلْقَةً بِوُجُودِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ بِالضَّرَّةِ تَطْلِيقٌ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهَا طَلَاقًا بِتَعْلِيقِهِ طَلَاقًا ثَانِيًا مَعَ وُجُودِ صِفَتِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ التَّعْلِيقَ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ (وَإِنْ طَلَّقَ الضَّرَّةَ) الْمَقُولَ لَهَا ذَلِكَ ثَانِيًا (فَقَطْ) أَيْ: وَلَمْ يُطَلِّقْ الْأُولَى بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ (طَلُقَتَا) أَيْ: الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ (طَلْقَةً طَلْقَةً) الْأُولَى بِالصِّفَةِ وَالثَّانِيَةُ بِالتَّنْجِيزِ، وَلَا يَقَعُ بِالتَّعْلِيقِ أُخْرَى، لِأَنَّ طَلَاقَ الْأُولَى وَقَعَ بِالتَّعْلِيقِ السَّابِقِ عَلَى تَعْلِيقِ طَلَاقِ الثَّانِيَةِ، فَلَمْ يَحْدُثْ بَعْدَ تَعْلِيقِ طَلَاقِ الثَّانِيَةِ طَلَاقُهَا (وَمِثْلُ ذَلِكَ) لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ مَثَلًا إنْ طَلَّقْتُ حَفْصَةَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ (أَوْ كُلَّمَا طَلَّقْتُ حَفْصَةَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ) إنْ طَلَّقْتُ حَفْصَةَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ (أَوْ كُلَّمَا طَلَّقْتُ حَفْصَةَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ، فَحَفْصَةُ) هُنَا (كَالضَّرَّةِ فِيمَا قَبْلُ) فَإِنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ؛ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَحَفْصَةُ طَلْقَةً، وَإِنْ طَلَّقَ حَفْصَةَ فَقَطْ طَلُقَتَا طَلْقَةً طَلْقَةً؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَعَكْسُ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِعَمْرَةَ إنْ طَلَّقْتُكِ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، ثُمَّ) قَوْلُهُ (لِحَفْصَةَ إنْ طَلَّقْتُكِ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ فَحَفْصَةُ هُنَا كَعَمْرَةَ هُنَاكَ) أَيْ: فِي الَّتِي قَبْلَهَا، فَإِنْ قَالَ لِحَفْصَةَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالصِّفَةِ، وَطَلُقَتْ عَمْرَةُ وَاحِدَةً، وَإِنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ ابْتِدَاءً؛ لَمْ يَقَعْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا طَلْقَةٌ طَلْقَةُ عَمْرَةَ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَحَفْصَةَ بِالصِّفَةِ. (وَ) إنْ قَالَ (لِأَرْبَعِ) زَوْجَاتِهِ (أَيَّتُكُنَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقِي فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ ثُمَّ أَوْقَعَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ (عَلَى إحْدَاهُنَّ) أَيْ: الْأَرْبَعِ (طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) لِأَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 إذَا وَقَعَ عَلَى إحْدَاهُنَّ طَلْقَةٌ؛ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ صَوَاحِبِهَا طَلْقَةٌ؛ بِوُقُوعِهِ عَلَيْهَا، وَصَارَ إذَا وَقَعَ بِوَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ صَوَاحِبِهَا طَلْقَةٌ، وَقَدْ وَقَعَ عَلَى جَمِيعِهِنَّ؛ فَطَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا (وَ) إنْ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ (كُلَّمَا طَلَّقْتُ وَاحِدَةً) مِنْكُنَّ (فَعَبْدٌ) مِنْ عَبِيدِي (حُرٌّ، وَ) كُلَّمَا طَلَّقْتُ (ثِنْتَيْنِ فَاثْنَانِ) مِنْ عَبِيدِي حُرَّانِ، (وَ) كُلَّمَا طَلَّقْتُ (ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ) مِنْ عَبِيدِي أَحْرَارٌ، (وَ) كُلَّمَا طَلَّقْتُ (أَرْبَعًا فَأَرْبَعَةٌ) مِنْ عَبِيدِي أَحْرَارٌ (ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ، وَلَوْ مَعًا) بِأَنْ قَالَ: أَنْتُنَّ طَالِقٌ (عَتَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا حَيْثُ لَا نِيَّةَ) فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نِيَّةٌ فَيُؤَاخَذُ بِمَا نَوَى؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُقَدَّمَةٌ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ فِي الزَّوْجَاتِ أَرْبَعُ صِفَاتٍ هُنَّ أَرْبَعٌ فَيَعْتِقُ أَرْبَعَةٌ، وَهُنَّ أَرْبَعَةٌ آحَادُ، فَيَعْتِقُ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا، وَهُنَّ اثْنَتَانِ وَاثْنَتَانِ فَيَعْتِقُ أَرْبَعَةٌ كَذَلِكَ، وَفِيهِنَّ ثَلَاثٌ فَيَعْتِقُ بِهِنَّ ثَلَاثَةٌ، وَإِنْ شِئْت قُلْت يَعْتِقُ (بِالْوَاحِدَةِ وَاحِدٌ، وَبِالثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّ فِيهَا صِفَتَيْنِ هِيَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَعَ الْأُولَى اثْنَانِ (وَ) يَعْتِقُ (بِالثَّالِثَةِ أَرْبَعَةٌ) لِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَعَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ (وَ) يَعْتِقُ (بِالرَّابِعَةِ سَبْعَةٌ) لِأَنَّ فِيهَا ثَلَاثَ صِفَاتٍ هِيَ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ مَعَ الثَّانِيَةِ اثْنَتَانِ، وَهِيَ مَعَ الثَّلَاثِ الَّتِي قَبْلَهَا أَرْبَعٌ (كَذَا قِيلَ) فِي بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ فِي " الْمُغْنِي " بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ مَا ذَكَرْنَا: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ لَا يَعْتَبِرُ صِفَةَ طَلَاقِ الْوَاحِدَةِ فِي غَيْرِ الْأُولَى، وَلَا صِفَةَ التَّثْنِيَةِ فِي غَيْرِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، وَلَفْظَةُ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَيَجِبُ تَكْرَارُ؛ الطَّلَاقِ بِتَكْرَارِ الصِّفَةِ (وَإِنْ أَتَى بَدَلَ) قَوْلِهِ: (كُلَّمَا إنْ) كَمَتَى وَإِذَا وَحَيْثُمَا، كَقَوْلِهِ: إنْ طَلَّقَهُنَّ وَاحِدَةً فَعَبْدِي حُرٌّ، وَاثْنَتَيْنِ فَاثْنَانِ، وَثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ، وَأَرْبَعًا فَأَرْبَعَةٌ، ثُمَّ طَلُقَتْ وَلَوْ مَعًا (عَتَقَ عَشَرَةُ) أَعْبُدٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَ كُلَّمَا لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، (وَ) إنْ قَالَ: (إنْ دَخَلَ الدَّارَ رَجُلٌ) فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وَإِنْ دَخَلَهَا طَوِيلٌ فَعَبْدَانِ حُرَّانِ وَإِنْ دَخَلَ أَسْوَدُ فَثَلَاثَةٌ مِنْ عَبِيدِي أَحْرَارٌ (وَإِنْ دَخَلَ فَقِيهٌ فَأَرْبَعَةٌ) أَحْرَارٌ (فَدَخَلَهَا رَجُلٌ فَقِيهٌ طَوِيلٌ أَسْوَدُ؛ عَتَقَ عَشَرَةٌ) مِنْ عَبِيدِهِ، وَاحِدٌ بِصِفَةِ كَوْنِ الدَّاخِلِ رَجُلًا، وَاثْنَانِ بِصِفَةِ كَوْنِهِ طَوِيلًا، وَثَلَاثَةٌ بِصِفَةِ كَوْنِهِ أَسْوَدَ، وَأَرْبَعَةٌ بِصِفَةِ كَوْنِهِ فَقِيهًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ أَتَاكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهَا: إذَا أَتَاك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَتَاهَا كَامِلًا، وَلَمْ يَنْمَحِ مِنْهُ ذِكْرُ الطَّلَاقِ، فَثِنْتَانِ) طَلْقَةٌ بِتَعْلِيقِهَا عَلَى الْكِتَابَةِ، وَطَلْقَةٌ بِتَعْلِيقِهَا عَلَى إتْيَانِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ أَتَاهَا بِكِتَابِهِ إلَيْهَا (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ) بِقَوْلِي إنْ أَتَاكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَنَّكِ طَالِقٌ بِ) التَّعْلِيقِ (الْأَوَّلِ، دِينَ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، وَكَلَامُهُ يَحْتَمِلُهُ (وَقُبِلَ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِظُهُورِهِ (وَإِنْ أَتَاهَا بَعْضُ الْكِتَابِ وَفِيهِ الطَّلَاقُ، وَلَمْ يَنْمَحِ ذِكْرُهُ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِهَا كِتَابُهُ، بَلْ بَعْضُهُ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّهَا لَا تَطْلُق (لِمَجِيءِ الْكِتَابِ، وَأَمَّا لِمَجِيءِ الطَّلَاقِ فَ) إنَّهَا (تَطْلُق، لِوُجُودِ الصِّفَةِ) أَيْ الطَّلَاقِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِذَلِكَ الطَّلْقَةُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى مَجِيءِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَاهَا طَلَاقُهُ، وَإِنْ انْمَحَى مَا فِيهِ، أَوْ انْمَحَى ذِكْرُ الطَّلَاقِ، أَوْ ضَاعَ الْكِتَابُ؛ لَمْ تَطْلُقْ انْتَهَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ كَتَبَ) لِامْرَأَتِهِ (إذَا قَرَأْت كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقُرِئَ عَلَيْهَا؛ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (إنْ كَانَتْ أُمِّيَّةً) لَا تُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ بِقِرَاءَتِهَا (وَإِلَّا) تَكُنْ أُمِّيَّةً بِأَنْ كَانَتْ تُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ (فَلَا) تَطْلُق بِقِرَاءَةِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْرَأْهُ، وَالْأَصْلُ فِي اللَّفْظِ كَوْنُهُ لِلْحَقِيقَةِ مَا لَمْ تَتَعَذَّرْ (وَلَا يَثْبُتُ الْكِتَابُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ) مِثْلَ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (وَإِذَا شَهِدَا عِنْدَهَا كَفَى) وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهَا شَاهِدَا عَدْلٍ لَا حَامِلُ الْكِتَابِ وَحْدَهُ، وَلَا يَكْفِي إنْ شَهِدَ أَنَّ هَذَا خَطَّهُ، كَمَا لَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِمَا، وَشَهَادَتِهِمَا بِمَا فِيهِ. (فَرْعٌ: مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابًا فَقَرَأَهُ فِي نَفْسِهِ) وَلَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ بِهِ (حَنِثَ، لِأَنَّهُ قِرَاءَةٌ عُرْفًا) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَقِيقَةَ الْقِرَاءَةِ؛ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاق بِالْحَلِفِ] فَصْلٌ (فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَلِفِ. إذَا قَالَ) لِامْرَأَتِهِ (إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ عَلَّقَهُ) أَيْ: طَلَاقَهَا (بِمَا) أَيْ: شَيْءٍ (فِيهِ حَنِثَ عَلَى فِعْلٍ) ، كَإِنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَأَقُومَنَّ؛ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ (أَوْ) عَلَّقَهُ بِمَا فِيهِ (مَنْعٌ) مِنْ فِعْلٍ، كَإِنْ قُمْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ (أَوْ) عَلَّقَهُ بِمَا فِيهِ تَصْدِيقُ خَبَرٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ لَقَدْ قُمْتُ، أَوْ إنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَصِدْقٌ وَنَحْوُهُ؛ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ (أَوْ) عَلَّقَهُ فِيمَا فِيهِ (تَكْذِيبُهُ) أَيْ: الْخَبَرِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَوْلُ كَذِبًا (طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ حَلِفًا تَجَوُّزًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِالْحَلِفِ، وَهُوَ الْحَثُّ أَوْ الْمَنْعُ أَوْ التَّأْكِيدُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيقًا، لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، حُمِلَ عَلَى مَجَازِهِ لِقَرِينَةِ الِاسْتِحَالَةِ، وَ (لَا) تَطْلُق مَنْ عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِالْحَلِفِ بِهِ (إنْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا) أَوْ مَشِيئَةِ غَيْرِهَا (أَوْ) عَلَّقَهُ (بِحَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ أَوْ طُلُوعِ شَمْسٍ أَوْ قُدُومِ حَاجٍّ) وَنَحْوِهِ كَكُسُوفٍ وَهُبُوبِ رِيحٍ وَنُزُولِ مَطَرٍ قَبْلَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْحَلِفِ بِهِ (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ لَهَا (إنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعَادَهُ) لَهَا (مَرَّةً) أُخْرَى (فَطَلْقَةٌ) لِأَنَّهُ حَلِفٌ أَوْ كَلَامٌ (وَ) إنْ أَعَادَهُ (مَرَّتَيْنِ فَثِنْتَانِ) (وَ) إنْ أَعَادَهُ (ثَلَاثًا، فَثَلَاثُ) طَلْقَاتٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ يُوجَدُ فِيهَا شَرْطُ الطَّلَاقِ وَيَنْعَقِدُ شَرْطُ طَلْقَةٍ أُخْرَى (مَا لَمْ يَقْصِدْ إفْهَامَهَا فِي) قَوْلِهِ (إنْ حَلَفْتُ) بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ فَلَا يَقَعُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَادَهُ مَنْ عَلَّقَهُ بِالْكَلَامِ بِقَصْدِ إفْهَامِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامًا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 وَأَخْطَأَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ فِيهَا كَالْأُولَى ذَكَرَهُ فِي " الْفُنُونِ " (وَتَبِينُ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا) إذَا أَعَادَهُ (بِطَلْقَةٍ) ؛ فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا (وَلَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ الثَّانِيَةُ وَلَا الثَّالِثَةُ فِي مَسْأَلَةِ كَلَامٍ) فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، لِأَنَّهَا تَبِينُ بِشُرُوعِهِ فِي كَلَامِهَا، فَلَا يَحْصُلُ جَوَابُ الشَّرْطِ إلَّا وَهِيَ بَائِنٌ؛ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ، فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبِينُ إلَّا بَعْدَ انْعِقَادِهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ، ثُمَّ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا، طَلُقَتْ، لِوُجُودِ الْحِنْثِ بِالْيَمِينِ، الْمُنْعَقِدَةِ فِي النِّكَاحِ السَّابِقِ (وَ) لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ (إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، وَأَعَادَهُ وَقَعَ) بِكُلٍّ مِنْهُمَا طَلْقَةٌ لِمَا سَبَقَ (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِإِحْدَاهُمَا) أَيْ: الْمَرْأَتَيْنِ (فَأَعَادَهُ بَعْدَ) أَنْ وَقَعَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا طَلْقَةٌ (فَلَا طَلَاقَ) لِأَنَّ الْحَلِفَ بِطَلَاقِ الْبَائِنِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ (وَلَوْ نَكَحَ الْبَائِنَ، ثُمَّ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا، طَلُقَتَا أَيْضًا طَلْقَةً طَلْقَةً) ، فَتَصِيرُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُطَلَّقَةً طَلْقَتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الثَّانِيَةَ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَأُورِدُ عَلَيْهِ بِأَنَّ طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ الْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا مَعَ طَلَاقِ الْأُخْرَى، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَلِفَيْنِ جُزْءُ عِلَّةٍ لِطَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَكَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا فِي زَمَانٍ يَكُونُ فِيهِ أَهْلًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، كَذَلِكَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا، لِأَنَّهُ جُزْءُ عِلَّةٍ لِطَلَاقِ نَفْسِهَا، وَمِنْ تَمَامِ شَرْطِهِ، فَكَيْفَ يَقَعُ بِهَذِهِ الَّتِي جَدَّدَ نِكَاحَهَا لِلطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا حَلَفَ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا وَهِيَ بَائِنٌ، وَأُجِيبُ عَلَيْهِ بِأَنَّ وُجُودَ الصِّفَةِ كُلِّهَا فِي النِّكَاحِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَيَكْفِي وُجُودُ آخِرِهَا فِيهِ لِيَقَعَ الطَّلَاقُ عَقِبَهُ (وَ) إنْ أَتَى (بِكُلَّمَا بَدَلَ إنْ) بِأَنْ قَالَ: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، وَأَعَادَهُ وَإِحْدَاهُمَا غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا ثُمَّ أَعَادَهُ حَالَ بَيْنُونَتِهَا، ثُمَّ نَكَحَ الْبَائِنَ، وَأَعَادَهُ؛ طَلُقَتَا (ثَلَاثًا ثَلَاثًا طَلْقَةً عَقِبَ، طَلَاقِهِ ثَانِيًا، وَطَلْقَتَيْنِ لَمَّا نَكَحَ الْبَائِنَ وَحَلَفَ بِطَلَاقِهَا) لِأَنَّ الْيَمِينَ الْأَوَّلَ لَمْ تَنْحَلَّ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ كُلَّمَا لِلتَّكْرَارِ وَالْيَمِينُ الثَّانِيَةُ، بَاقِيَةٌ، فَتَكُونُ الْيَمِينُ الثَّالِثَةُ الَّتِي تَكَمَّلَتْ بِحَلِفِهِ عَلَى الَّتِي جَدَّدَ نِكَاحَهَا شَرْطًا لِلْيَمِينِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَيَقَعُ بِهَا طَلْقَتَانِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 التَّعْلِيقُ بِإِنْ أَوْ نَحْوِهَا. فَإِنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى تَنْحَلُّ بِالثَّانِيَةِ؛ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهَا التَّكْرَارَ فَتَبْقَى الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ فَقَطْ، فَإِذَا أَعَادَهَا وُجِدَ شَرْطُ الثَّانِيَةِ، فَانْحَلَّتْ، وَتَنْعَقِدُ الثَّالِثَةُ. (وَ) لَوْ قَالَ (لِزَوْجَتَيْهِ حَفْصَةَ وَعَمْرَةَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا فَعَمْرَةُ طَالِقٌ، ثُمَّ أَعَادَهُ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ وَحْدَهَا، لَا بِطَلَاقِهِمَا (وَلَوْ قَالَ بَعْدَهُ إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، طَلُقَتْ عَمْرَةُ) لِأَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِهِمَا بَعْدَ تَعْلِيقِهِ، طَلَاقَهُمَا عَلَيْهِ (ثُمَّ إنْ قَالَ) بَعْدَهُ (إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَعَمْرَةُ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ بِطَلَاقِهِمَا، بَلْ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ وَحْدَهَا (ثُمَّ إنْ قَالَ) بَعْدَهُ (إنْ حَفَلَتْ بِطَلَاقِكُمَا فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، طَلُقَتْ حَفْصَةُ) وَحْدَهَا؛ لِوُجُودِ شَرْطِ طَلَاقِهَا؛ وَهُوَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا، عَمْرَةَ أَوَّلًا وَحَفْصَةَ ثَانِيًا (وَ) إنْ قَالَ (لِمَدْخُولٍ بِهِمَا كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ إحْدَاكُمَا) فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ (أَوْ) قَالَ كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ (وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ وَأَعَادَهُ، طَلُقَتَا ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَلِفٌ بِطَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَحَلِفُهُ بِطَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ يَقْتَضِي طَلَاقَ الثِّنْتَيْنِ، فَطَلُقَتَا بِحَلِفِهِ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً طَلْقَةً، وَبِحَلِفِهِ بِطَلَاقِ الْأُخْرَى طَلْقَةً طَلْقَةً (وَإِنْ قَالَ) لَهُمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ إحْدَاكُمَا أَوْ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا (فَهِيَ) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (فَضَرَّتُهَا طَالِقٌ وَأَعَادَهُ، فَطَلْقَةٌ طَلْقَةٌ) بِكُلٍّ مِنْهُمَا، لِأَنَّ حَلِفَهُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ إنَّمَا اقْتَضَى طَلَاقَهَا وَحْدَهَا، وَمَا حَلَفَ بِطَلَاقِهَا إلَّا مَرَّةً؛ فَلَا تَطْلُق إلَّا طَلْقَةً (وَإِنْ قَالَ) لَهُمَا كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ إحْدَاكُمَا أَوْ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا (فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ) وَأَعَادَهُ (فَطَلْقَةٌ) تَقَعُ (بِإِحْدَاهُمَا) تُعَيَّنُ بِقُرْعَةٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ (وَ) إنْ قَالَ (لِإِحْدَاهُمَا إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِ ضَرَّتِكِ، فَأَنْتِ، طَالِقٌ ثُمَّ قَالَهُ لِلْأُخْرَى) أَيْ: قَالَ لَهَا مِثْلَ مَا قَالَ لِلْأُولَى (طَلُقَتْ الْأُولَى) لِحَلِفِهِ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا (فَإِنْ أَعَادَهُ لِلْأُولَى، طَلُقَتْ الْأُخْرَى) لِأَنَّ ذَلِكَ حَلِفُ ضَرَّتِهَا، وَكُلَّمَا أَعَادَهُ لِامْرَأَةٍ طَلُقَتْ الْأُخْرَى إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فَطَلُقَتْ مَرَّةً، تَطْلُق الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَلِفٍ بِطَلَاقِهَا، لِكَوْنِهِ بَائِنًا، وَلَوْ قَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ، لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، لِأَنَّ هَذَا حَلِفٌ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يُوجَدْ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا. (وَ) لَوْ قَالَ: (إنْ حَلَفْت بِعِتْقِ عَبْدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكِ فَعَبْدِي حُرٌّ طَلُقَتْ) زَوْجَتُهُ؛ لِوُجُودِ شَرْطِ طَلَاقِهَا، وَهُوَ الْحَلِفُ بِعِتْقِ عَبْدِهِ (ثُمَّ إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ حَلَفْتُ بِعِتْقِكَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، عَتَقَ الْعَبْدُ) لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِ؛ وَهُوَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ (وَلَوْ قَالَ لَهُ) أَيْ: لِعَبْدِهِ (إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِي فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ لَهَا) أَيْ: لِامْرَأَتِهِ (إنْ حَلَفْتُ بِعِتْقِ عَبْدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، عَتَقَ الْعَبْدُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ. تَتِمَّةٌ: وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ حَلَفْت بِعِتْقِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ أَعَادَهُ، عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ حَلِفٌ بِعِتْقِهِ. [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاق بِالْكَلَامِ] فَصْلٌ (فِي تَعْلِيقِهِ بِالْكَلَامِ، إذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (إنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَحَقَّقِي، أَوْ زَجَرَهَا فَقَالَ: تَنَحَّيْ أَوْ اُسْكُتِي أَوْ مُرِّي) وَنَحْوَهُ اتَّصَلَ ذَلِكَ أَوَّلًا؛ طَلُقَتْ مَا لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى كَلَامِهَا، وَكَذَا لَوْ سَمِعَهَا تَذْكُرُهُ بِسُوءٍ، فَقَالَ " الْكَاذِبُ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ حَنِثَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهَا (أَوْ قَالَ) لَهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِالْكَلَامِ (إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طَلُقَتْ) بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ خَارِجٌ عَنْ الْيَمِينِ (مَا لَمْ يَنْوِ) كَلَامًا (غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ ذَلِكَ الْكَلَامِ، أَوْ تَرَكَ مُحَادَثَتَهَا، أَوْ الِاجْتِمَاعَ بِهَا، فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ (وَ) إنْ قَالَ: (إنْ بَدَأْتُكِ بِكَلَامٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ لَهُ إنَّ بَدَأْتُكَ بِهِ) أَيْ: بِكَلَامٍ (فَعَبْدِي حُرٌّ؛ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ) لِأَنَّهَا كَلَّمَتْهُ أَوَّلًا، فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ لَهَا بَعْدَ ابْتِدَاءٍ (إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ) بِأَنْ نَوَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 أَنْ لَا يَبْدَأَهَا مَرَّةً أُخْرَى (ثُمَّ إنْ بَدَأَتْهُ) بِكَلَامٍ (حَنِثَ) أَيْ: عَتَقَ عَبْدُهَا؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ: (وَإِنْ بَدَأَهَا) بِكَلَامٍ بَعْدَ قَوْلِهَا: إنْ بَدَأْتُكَ بِكَلَامٍ فَعَبْدِي حُرٌّ (انْحَلَّتْ يَمِينُهَا) لِمَا سَبَقَ (وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ: طَلَاقَهَا (بِكَلَامِهَا زَيْدًا) كَأَنْ قَالَ لَهَا: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَكَلَّمَتْهُ) أَيْ: زَيْدًا (فَلَمْ يَسْمَعْ) زَيْدٌ كَلَامَهَا (لِغَفْلَةِ) زَيْدٍ (أَوْ شَغْلٍ) عَنْهَا (وَنَحْوِهِ) كَخَفْضِ صَوْتِهَا أَوْ صِيَاحٍ، وَكَانَتْ مِنْهُ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا سَمِعَهَا؛ حَنِثَ (أَوْ) كَلَّمَتْهُ (وَهُوَ) أَيْ: زَيْدٌ مَجْنُونٌ أَوْ (سَكْرَانُ) وَهِيَ مَجْنُونَةٌ (أَوْ سَكْرَى) غَيْرُ مَصْرُوعَيْنِ (أَوْ) كَلَّمَتْهُ وَهُوَ (أَصَمُّ يَسْمَعُ لَوْلَا الْمَانِعُ) حَنِثَ؛ لِأَنَّهَا كَلَّمَتْهُ (أَوْ كَاتَبَتْهُ) أَيْ: زَيْدًا (أَوْ رَاسَلَتْهُ، وَلَمْ يَنْوِ) مُعَلِّقٌ (مُشَافَهَتَهَا) لَهُ بِالْكَلَامِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ صِحَّةِ اسْتِثْنَائِهِ مِنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] لِأَنَّ الْقَصْدَ بِيَمِينِهِ هِجْرَانُهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ مُوَاصَلَتِهِ بِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ، وَلَوْ حَلَفَ لَتُكَلِّمَنَّ زَيْدًا لَمْ يَبْرَأْ بِكِتَابَتِهِ، وَلَا مُرَاسَلَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَلَامًا حَقِيقَةً (أَوْ كَلَّمَتْ غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ زَيْدٍ (وَزَيْدٌ يَسْمَعُ تَقْصِدُهُ) أَيْ: الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِالْكَلَامِ (حَنِثَ) لِأَنَّهَا قَصَدَتْهُ وَسَمَّعَتْهُ كَلَامَهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ خَاطَبَتْهُ، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ لَا تَسْلِيمَ صَلَاةٍ، إنْ لَمْ تَقْصِدْهُ، أَمَّا لَوْ أَرْسَلَتْ إنْسَانًا يَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَةٍ أَوْ حَدِيثٍ، وَجَاءَ الرَّسُولُ فَسَأَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ؛ لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْهُ بِإِرْسَالٍ، وَكَذَا (لَا) يَحْنَثُ (إنْ كَلَّمَتْهُ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ نَائِمًا) لِأَنَّ التَّكَلُّمَ فِعْلٌ يَتَعَدَّى إلَى الْمُكَلِّمِ؛ فَلَا يَكُونُ إلَّا فِي حَالٍ يُمْكِنُهُ الِاسْتِمَاعُ فِيهَا (أَوْ) كَلَّمَتْهُ (وَهِيَ مَجْنُونَةٌ) فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّهَا لَا قَصْدَ لَهَا (أَوْ كَلَّمَتْهُ) وَهِيَ (مُكْرَهَةٌ) فَلَا حِنْثَ؛ لِمَا سَبَقَ (أَوْ أَشَارَتْ لَهُ) أَيْ: زَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لَيْسَتْ كَلَامًا شَرْعًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 (وَ) مَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ (إنْ كَلَّمْتُمَا زَيْدًا وَعَمْرًا، فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَكَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (وَاحِدًا) بِأَنْ كَلَّمَتْ وَاحِدَةٌ زَيْدًا، وَالْأُخْرَى عَمْرًا (طَلُقَتَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهُمَا عَلَى كَلَامِهِمَا، وَقَدْ وُجِدَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ جُمْلَةِ قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّا. (إذَا وَجَدْنَا جُمْلَةً ذَاتَ عَدَدٍ مُوَزَّعَةً عَلَى جُمْلَةٍ أُخْرَى فَهَلْ يَتَوَزَّعُ أَفْرَادُ الْجُمَلِ الْمُوَزَّعَةِ عَلَى أَفْرَادِ الْأُخْرَى أَوْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهَا عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى) ؟ وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ تُوجَدَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، فَمِثَالُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ فِيهِ عَلَى تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى، فَيُقَابَلُ كُلُّ فَرْدٍ كَامِلٍ بِفَرْدٍ يُقَابِلُهُ، إمَّا لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ، أَوْ دَلَالَةِ الشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا لِاسْتِحَالَةِ مَا سِوَاهُ، كَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إنْ أَكَلْتُمَا هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَإِذَا أَكَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَغِيفًا طَلُقَتْ لِاسْتِحَالَةِ أَكْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ الرَّغِيفَيْنِ وَ (كَمَا لَوْ قَالَ) لَهُمَا (إنْ رَكِبْتُمَا دَابَّتَيْكُمَا أَوْ لَبِسْتُمَا ثَوْبَيْكُمَا) فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَرَكِبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَابَّتَهَا، وَلَبِسَتْ ثَوْبَهَا؛ طَلُقَتْ، أَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ إنْ رَكِبْتُمَا دَابَّتَيْكُمَا، أَوْ لَبِسْتُمَا ثَوْبَيْكُمَا، أَوْ تَقَلَّدْتُمَا بِسَيْفَيْكُمَا، أَوْ دَخَلْتُمَا بِزَوْجَتَيْكُمَا فَأَنْتُمَا حُرَّانِ، فَمَتَى وُجِدَ كُلُّ وَاحِدٍ رَكِبَ دَابَّتَهُ أَوْ لَبِسَ ثَوْبَهُ أَوْ تَقَلَّدَ بِسَيْفِهِ أَوْ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ؛ تَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ بِهَذَا عُرْفِيٌّ، وَفِي بَعْضِهِ كَالدُّخُولِ بِالزَّوْجَةِ شَرْعِيٌّ، فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ. قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي " الْمُغْنِي ": وَمِثَالُ مَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ فِيهِ عَلَى تَوْزِيعِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لَا إنْ قَالَ) لِزَوْجَتَيْهِ (إنْ كَلَّمْتُمَا زَيْدًا أَوْ كَلَّمْتُمَا عَمْرًا فَ) أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، وَكَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدًا؛ فَلَا تَطْلُقَانِ (حَتَّى يُكَلِّمَا كُلًّا مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ؛ طَلَاقَهُمَا بِكَلَامِهِمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. الْقَسَمِ الثَّانِي: أَنْ لَا يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ أَحَدِ التَّوْزِيعَيْنِ، فَهَلْ يُحْمَلُ التَّوْزِيعُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 عِنْدَ هَذَا الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي؟ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُوَزَّعُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى إذَا أَمْكَنَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي مَسْأَلَةِ الظِّهَارِ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَمَسْأَلَةُ الْمُوَفَّقِ هُنَا مِنْ الْقَاعِدَةِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " لَكِنَّ الْمَذْهَبَ هُنَا خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. (وَيَتَّجِهُ فِ) يمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ (لَا ضَرَبْت زَيْدًا أَوْ عَمْرًا، أَنَّهُ لَا حِنْثَ بِضَرْبِ أَحَدِهِمَا) أَيْ: زَيْدٍ وَعَمْرٍو؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَا تَطْلُق بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَا قُمْتُ وَقَعَدْتُ إلَّا بِوُجُودِهِمَا (بِلَا نِيَّةٍ أَوْ سَبَبٍ) أَمَّا إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ ضَرْبِ أَحَدِهِمَا؛ فَتَطْلُق بِضَرْبِهِ، أَوْ كَانَ ثَمَّ سَبَبٌ يَقْتَضِي ضَرْبَ أَحَدِهِمَا؛ فَتَطْلُق بِحُصُولِهِ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يَحْنَثُ) قَائِلُ ذَلِكَ بِضَرْبِ أَحَدِهِمَا (إنْ أَعَادَ الْعَامِلَ) بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا ضَرَبْتُ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا؛ لِأَنَّ لَا هُنَا بِمَعْنَى إنْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ضَرَبْتُ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) لَوْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا وَمُحَمَّدًا مَعَ خَالِدٍ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تُكَلِّمَهُ) أَيْ: زَيْدًا، (وَ) يَكُونُ تَكْلِيمُهَا إيَّاهُ فِي حَالِ كَوْنِ (مُحَمَّدٍ) فِيهَا (مَعَ خَالِدٍ) لِأَنَّهَا حَالٌ مِنْ الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَمَتَى أَمْكَنَ جَعْلُ الْكَلَامِ مُتَّصِلًا كَانَ أَوْلَى. (وَيَتَّجِهُ) هَذَا إلَى أَنْ أَتَى بِمُحَمَّدٍ مَرْفُوعًا (وَ) أَمَّا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَمُحَمَّدًا إلَى آخِرِهِ (بِنَصْبِ مُحَمَّدٍ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَكْلِيمِ الثَّلَاثَةِ) إمَّا جُمْلَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ كَلَّمْتنِي إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ) فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْهُ قَبْلَ قُدُومِهِ، حَنِثَ (أَوْ) قَالَ لَهَا إنْ كَلَّمْتنِي (حَتَّى يَقْدَمَ) زَيْدٌ (فَ) أَنْتِ (طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْهُ قَبْلَ قُدُومِهِ؛ حَنِثَ) وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ الْغَايَةَ رَجَعَتْ إلَى الْكَلَامِ لَا إلَى الطَّلَاقِ (فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ أَنَّ اسْتِدَامَةَ تَكْلِيمِي مِنْ الْآنَ إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ دِينَ، وَقُبِلَ حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، فَعَلَى هَذَا إنْ قَطَعَتْ الْكَلَامَ؛ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ أَعَادَتْهُ؛ لِعَدَمِ الِاسْتِدَامَةِ، لَكِنْ لَعَلَّ الْمُرَادَ الِاسْتِدَامَةُ عُرْفًا، لَا حَالَ صَلَاةٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِمَا. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ خَالَفْت أَمْرِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَنَهَاهَا فَخَالَفَتْهُ.، وَلَا نِيَّةَ) لَهُ تُخَالِفُ ظَاهِرَ أَلْفَاظِهِ (لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَتَهُمَا) أَيْ: الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ نَهْيَهُ لَا أَمْرَهُ، (وَ) إنْ قَالَ لَهَا، (إنْ نَهَيْتُك فَخَالَفْتنِي) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَأَمَرَهَا) بِشَيْءٍ (وَخَالَفَتْهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ فِي قِيَاسِ) الْمَسْأَلَةِ (الَّتِي قَبْلَهَا) وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ أَمْرَهُ، لَا نَهْيَهُ (إلَّا بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الْمُخَالَفَةِ) فَيَحْنَثُ بِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهَا مُخَالَفَةٌ. (وَ) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ نَهَيْتِينِي عَنْ نَفْعِ أُمِّي) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَقَالَتْ لَهُ لَا تُعْطِهَا مِنْ مَالِي شَيْئًا؛ لَمْ يَحْنَثْ لِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُحَرَّمٌ، فَلَا تَتَنَاوَلُهُ يَمِينُهُ. [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاق بِالْإِذْنِ فِي الْخُرُوجِ وَالْقُرْبَانِ] فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْإِذْنِ فِي الْخُرُوجِ وَالْقُرْبَانِ (إذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (إنْ خَرَجْت بِلَا إذْنٍ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 خَرَجْتِ (إلَّا بِإِذْنِي) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) إنْ خَرَجْتِ (حَتَّى آذَنَ لَك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ وَلَمْ يَأْذَنْ) لَهَا فِي الْخُرُوجِ، طَلُقَتْ، لِوُجُودِ الصِّفَةِ (أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ ثُمَّ نَهَاهَا) ثُمَّ خَرَجَتْ، وَلَمْ يَأْذَنْ بَعْدَ نَهْيِهِ؛ طَلُقَتْ لِخُرُوجِهَا بَعْدَ نَهْيِهَا بِلَا إذْنِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخُرُوجَ بِمَنْزِلَةِ خُرُوجٍ ثَانٍ (أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ وَلَمْ تَعْلَمْ) بِإِذْنِهِ، فَخَرَجَتْ؛ طَلُقَتْ (أَوْ أَذِنَ) لَهَا (وَعَلِمَتْهُ) (فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ) ثَانِيًا (بِلَا إذْنِهِ؛ طَلُقَتْ) لِخُرُوجِهَا بِلَا إذْنِهِ، وَ (لَا) يَحْنَثُ بِخُرُوجِهَا (إنْ أَذِنَ لَهَا فِيهِ) أَيْ: الْخُرُوجِ (كُلَّمَا شَاءَتْ) نَصًّا، لِأَنَّ خُرُوجَهَا بِإِذْنِهِ، مَا لَمْ يُجَدِّدْ حَلِفًا أَوْ يَنْهَاهَا (أَوْ قَالَ) لَهَا إنْ خَرَجْتِ (إلَّا بِإِذْنِ زَيْدٍ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَمَاتَ زَيْدٌ، ثُمَّ خَرَجَتْ) فَلَا حِنْثَ خِلَافًا لِلْقَاضِي (وَإِنْ) قَالَ لَهَا (إنْ خَرَجْتِ إلَى غَيْرِ حَمَّامٍ بِلَا إذْنِي) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَخَرَجَتْ لَهُ) أَيْ: الْحَمَّامِ (وَلِغَيْرِهِ أَوْ) خَرَجَتْ (لَهُ ثُمَّ بَدَا لَهَا غَيْرُهُ) كَالْمَسْجِدِ أَوْ دَارَ أَهْلِهَا (طَلُقَتْ) لِأَنَّ ظَاهِرَ يَمِينِهِ مَنْعُهَا مِنْ غَيْرِ الْحَمَّامِ فَكَيْفَ مَا صَارَتْ إلَيْهِ حَنِثَ، كَمَا لَوْ خَالَفَتْ لَفْظَهُ (وَمَتَى قَالَ) مَنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ زَوْجَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَخَرَجَتْ (كُنْتُ أَذِنْتُ) فِي خُرُوجِهَا (وَأَنْكَرَتْهُ) الزَّوْجَةُ (قُبِلَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ) لَا بِدُونِهَا؛ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ. (وَ) لَوْ قَالَ لَهَا (إنْ قَرُبْت) بِضَمِّ الرَّاءِ (دَارَ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِوُقُوفِهَا تَحْتَ فِنَائِهَا) أَيْ: الدَّارِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا (وَلُصُوقِهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ (بِجِدَارِهَا) أَيْ: الدَّارِ إنْ قَالَ لَهَا إنْ قَرِبْتِ دَارَ كَذَا (بِكَسْرِ رَاءٍ قَرِبَتْ؛ لَمْ يَقَعْ) عَلَيْهِ الطَّلَاقُ (حَتَّى تَدْخُلَهَا) أَيْ: الدَّارَ، لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي " الرَّوْضَةِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: سَمِعْت الشَّاشِيَّ يَقُولُ: إذَا قِيلَ: لَا تَقْرَبْ بِفَتْحِ الرَّاءِ كَانَ مَعْنَاهَا لَا تَتَلَبَّسْ بِالْفِعْلِ، وَإِذَا كَانَ بِالضَّمِّ فَمَعْنَاهُ لَا تَدْنُ مِنْهُ. انْتَهَى. وَمَاضِي الْمَفْتُوحِ قَرِبَ بِالْكَسْرِ مِنْ بَابِ عَلِمَ، وَالْمَضْمُومُ قَرُبَ بِضَمِّهَا مِنْ بَابِ ظَرُفَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاق بِالْمَشِيئَةِ] فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَشِيئَةِ أَيْ الْإِرَادَةِ (إذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ) شِئْت (أَوْ إذَا) شِئْتِ (أَوْ مَتَى) شِئْتِ (أَوْ أَنَّى) شِئْتِ (أَوْ كَيْفَ) شِئْتِ (أَوْ حَيْثُ) شِئْتِ (أَوْ أَيَّ وَقْتٍ شِئْتِ فَشَاءَتْ بِلَفْظٍ مُنَجَّزٍ) لَا مُعَلَّقٍ وَلَا تَكْفِي مَشِيئَتُهَا بِقَلْبِهَا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْقَلْبِ لَا يُعْلَمُ حَتَّى يُعَبَّرَ عَنْهُ بِاللِّسَانِ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِمَا يَنْطِقُ بِهِ دُونَ مَا فِي الْقَلْبِ، فَإِذَا قَالَتْ شِئْتُ (وَلَوْ) كَانَتْ (كَارِهَةً) وَقَعَ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَعِبَارَتُهُ فِي " التَّنْقِيحِ " وَ " الْإِنْصَافِ " مُكْرَهَةً، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ مُلْغًى (أَوْ) كَانَتْ مَشِيئَتُهَا (بَعْدَ تَرَاخٍ أَوْ) بَعْدَ (رُجُوعِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ عَنْ تَعْلِيقِهِ بِهَا (وَقَعَ) الطَّلَاقُ، لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ عُلِّقَ عَلَى الْمَشِيئَةِ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي كَالْمُعْتَقِ، وَالتَّعْلِيقُ لَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ عَنْهُ لِلُزُومِهِ. وَ (لَا) يَقَعُ (إنْ قَالَتْ شِئْتُ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ) نَصًّا، نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ (أَوْ قَالَتْ شِئْتُ إنْ شِئْتُ أَوْ) قَالَتْ شِئْتُ إنْ شِئْتَ إنْ (شَاءَ أَبِي وَلَوْ شَاءَ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَشِيئَةٌ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهَا تَعْلِيقٌ بِمَشِيئَتِهَا بِشَرْطٍ، وَلَيْسَ بِمَشِيئَةٍ، لَا يُقَالُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَجَبَ أَنْ يُوجَدَ مَشْرُوطُهُ، لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ أَمْرٌ خَفِيٌّ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ، وَوَجْهُ الْمُلَازَمَةِ إذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ فَإِنْ رَجَعَ الزَّوْجُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ قَبْلَ مَشِيئَتِهَا، لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ كَبَقِيَّةِ التَّعَالِيقِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ قَيَّدَ الْمَشِيئَةَ بِوَقْتٍ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ الْيَوْمَ أَوْ الشَّهْرَ تَقَيَّدَ بِهِ، فَإِنْ خَرَجَ الْيَوْمَ قَبْلَ مَشِيئَتِهَا؛ لَمْ تَطْلُقْ، لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَا أَثَرَ لِمَشِيئَتِهَا بَعْدُ (وَ) إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَشِيئَةِ اثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 شِئْتِ وَشَاءَ أَبُوكِ) لَمْ يَقَعْ حَتَّى تُوجَدَ مَشِيئَتُهُمَا (أَوْ) قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ (زَيْدٌ وَعَمْرٌو؛ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَشَاءَا) وَلَوْ شَاءَ أَحَدُهُمَا فَوْرًا وَالْآخَرُ مُتَرَاخِيًا؛ وَقَعَ لِوُجُودِ مَشِيئَتَيْهِمَا جَمِيعًا (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَشَاءَ) زَيْدٌ وَلَوْ كَانَ (مُمَيِّزًا يَعْقِلُهَا) أَيْ: الْمَشِيئَةَ حِينَهَا (أَوْ) كَانَ (سَكْرَانَ أَوْ شَاءَ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ مِمَّنْ خَرِسَ أَوْ كَانَ أَخْرَسَ) فَشَاءَ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ لِصِحَّتِهِ مِنْ مُمَيِّزٍ يَعْقِلُهُ وَسَكْرَانَ وَمِنْ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ، وَرَدَّهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ فِي السَّكْرَانِ قَالَا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ، ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ إيقَاعِ طَلَاقِهِ وَبَيْنَ الْمَشِيئَةِ أَنَّ إيقَاعَهُ عَلَيْهِ إذَا صَدَرَ مِنْهُ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا تَكُونَ الْمَعْصِيَةُ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ عَنْهُ، وَهُنَا إنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ " وَغَيْرِهِمَا، وَصَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَ (لَا) يَقَعُ الطَّلَاقُ (إنْ مَاتَ زَيْدٌ أَوْ غَابَ أَوْ جُنَّ قَبْلَهَا) أَيْ: الْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ. (وَيَتَّجِهُ) أَنْ مَحَلَّ عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ (مَا لَمْ يَحْضُرْ) زَيْدٌ الْغَائِبُ وَيَشَأْ أَوْ مَا لَمْ (يُفِقْ) مِنْ جُنَّ (وَيَشَأْ) فَأَمَّا إنْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَشَاءَ، أَوْ أَفَاقَ مِنْ جُنَّ وَشَاءَ؛ فَلَا رَيْبَ فِي وُقُوعِهِ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (إلَّا أَنْ يَشَاءَ) فُلَانٌ (فَمَاتَ) فُلَانٌ (أَوْ جُنَّ أَوْ أَبَاهَا) أَيْ الْمَشِيئَةَ، (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (إذَنْ) لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ، وَعَلَّقَهُ بِشَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَلَا يُفِيدُ لَوْ أَفَاقَ) مَنْ جُنَّ (وَشَاءَ) بَعْدَ إفَاقَتِهِ عَدَمَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ مِنْ حِينِ جُنُونِهِ؛ فَلَا يَرْتَفِعُ بِإِفَاقَتِهِ حِينَ يَفْتَقِرُ إلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 الْمَشِيئَةِ وَعَدَمِهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ خَرِسَ) فُلَانٌ (وَفُهِمَتْ إشَارَتُهُ فَكَنُطْقِهِ) لِقِيَامِهَا مَقَامَهُ، وَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ لَمْ تَطْلُقْ. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: وَكَذَا كِتَابَتُهُ (وَإِنْ نَجَّزَ) طَلْقَةً فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلْقَةً إلَّا أَنْ تَشَائِي أَوْ يَشَاءَ زَيْدٌ ثَلَاثًا (أَوْ عَلَّقَ طَلْقَةً) فَقَالَ: إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً إنْ (تَشَأْ هِيَ؛ أَوْ يَشَأْ زَيْدٌ ثَلَاثًا، أَوْ) نَجَّزَ أَوْ عَلَّقَ (ثَلَاثًا) بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (إلَّا أَنْ تَشَاءَ) وَاحِدَةً (أَوْ) إلَّا أَنْ (يَشَاءَ) زَيْدٌ (وَاحِدَةً، فَشَاءَتْ) هِيَ (أَوْ شَاءَ) زَيْدٌ (ثَلَاثًا فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى، وَقَعَتْ) الثَّلَاثُ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهَا (كَوَاحِدَةٍ) أَيْ: كَمَا يَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ شَاءَتْ هِيَ أَوْ زَيْدٌ (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى صِيغَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَلَا تُوطَأُ) زَوْجَةٌ مَقُولٌ لَهَا ذَلِكَ (قَبْلَ. مَشِيئَةٍ) مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، لِاحْتِمَالِ حُصُولِ الْمَشِيئَةِ قَبْلَ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ: يَشْعُرَ، فَيُفْضِيَ إلَى الْوُقُوعِ بِالْمُحَرَّمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَإِنْ) لَمْ تَشَأْ هِيَ أَوْ (شَاءَتْ) ثِنْتَيْنِ (أَوْ) لَمْ يَشَأْ زَيْدٌ شَيْئًا (أَوْ شَاءَ زَيْدٌ ثِنْتَيْنِ) أَيْ: طَلْقَتَيْنِ فِي (الْمَسْأَلَتَيْنِ فَكَمَا لَوْ لَمْ يَشَاءَا) أَيْ: هِيَ وَزَيْدٌ؛ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهَا، وَيَقَعُ ثَلَاثٌ فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 شَرْطَ الْوَاحِدَةِ لَمْ يُوجَدْ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " هُنَا غُمُوضٌ (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ شَاءَ زَيْدٌ؛ وَلَا نِيَّةَ تُخَصِّصُ) الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ (فَشَاءَهُمَا) زَيْدٌ أَيْ: الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ (وَقَعَا) لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَإِلَّا) يَشَأْهُمَا بِأَنْ لَمْ يَشَأْ شَيْئًا أَوْ شَاءَ أَحَدَهُمَا فَقَطْ (لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ وَلِيَهُمَا التَّعْلِيقُ، فَتَوَقَّفَ الْوُقُوعُ عَلَى مَشِيئَتِهِمَا، وَلَا يَحْصُلُ بِمَشِيئَةِ أَحَدِهِمَا (وَيَتَّجِهُ فِي) قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ وَعَبْدِي حُرٌّ) وَلَوْ لَمْ يَقُلْ إنْ شِئْتِ يَكُونُ قَوْلُهُ ذَلِكَ (تَنْجِيزًا لِعِتْقِ) عَبْدِهِ، لَا تَعْلِيقًا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يُرِدْ تَعْلِيقَهُ) فَإِنْ أَرَادَ تَعْلِيقَهُ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِمَشِيئَتِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَإِنْ حَلَفَ) بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا يَفْعَلُ كَذَا إنْ شَاءَ زَيْدٌ؛ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ حَتَّى يَشَاءَ) زَيْدٌ (أَنْ لَا يَفْعَلَهُ) الْحَالِفُ لِتَعْلِيقِ حَلِفِهِ عَلَى ذَلِكَ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَفْعَلَنَّهُ الْيَوْمَ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَشَاءَ) زَيْدٌ (وَلَمْ يَفْعَلْهُ) أَيْ: مَا حَلَفَ عَلَيْهِ (فِي) ذَلِكَ (الْيَوْمِ؛ حَنِثَ) بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِفَوَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (فَإِنْ) كَانَ شَاءَ زَيْدٌ، وَ (لَمْ يَعْلَمْ) الْحَالِفُ (مَشِيئَتَهُ) أَيْ: زَيْدٍ (لِغَيْبَتِهِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ مَوْتِهِ؛ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ) أَيْ: لَمْ تَنْعَقِدْ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. (وَيَتَّجِهُ) انْحِلَالُ الْيَمِينِ بِذَلِكَ إنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ أَوْ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ (لَا) إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ (فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ إنْ بَانَ مَشِيئَتُهُ) أَيْ: زَيْدٍ بِأَنْ حَضَرَ مِنْ غِيبَتِهِ، أَوْ أَفَاقَ مِنْ جُنُونِهِ، أَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ شَاءَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمَشِيئَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 قَبْلَ مَوْتِهِ وَنَحْوِهِ؛ فَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) إنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى شَيْءٍ (لَيَفْعَلَنَّهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ، فَفَعَلَ) ذَلِكَ الشَّيْءَ (قَبْلَ مَشِيئَةِ زَيْدٍ، بَرَّ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ (وَالْمَشِيئَةُ أَنْ يَقُولَ) زَيْدٌ (بِلِسَانِهِ قَدْ شِئْتُ) أَنْ لَا تَفْعَلَ كَذَا، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِغَيْرِ إذْنِ زَيْدٍ، وَإِنْ قَالَ زَيْدٌ: قَدْ شِئْتُ أَنْ نَفْعَلَ، أَوْ قَالَ: مَا شِئْتُ أَنْ لَا تَفْعَلَ؛ لَمْ تَنْحَلَّ، فَيَحْنَثُ إنْ فَعَلَ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِإِذْنِ زَيْدٍ، فَإِنْ خَفِيَتْ مَشِيئَتُهُ لَزِمَهُ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا، وَمَعْنَى لُزُومِهِ لَهُ أَنَّهُ إنْ فَعَلَهُ لَا حِنْثَ، فَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ تَرَكَهُ كَفَّرَ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ. (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (يَا طَالِقُ) إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَقَالَ إنَّهُ أَوْلَى بِالْوُقُوعِ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) قَالَ: (عَبْدِي حُرٌّ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) قَالَ: (لَك عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ أَوْ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ) بِأَنْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ عَبْدِي حُرٌّ، وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ (أَوْ قَالَ) يَا طَالِقُ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي، أَوْ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ (إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ لَمْ) يَشَأْ (أَوْ مَا لَمْ يَشَأْ اللَّهُ، وَقَعَا) أَيْ: الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ نَصًّا، (وَلَزِمَ الْإِقْرَارُ) لِمَا رَوَى أَبُو حَمْزَةَ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ فَهِيَ طَالِقٌ. رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ قَالَ: " كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 نَرَى الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزًا فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. قَالَ قَتَادَةُ قَدْ شَاءَ اللَّهُ الطَّلَاقَ حِينَ أَذِنَ فِيهِ أَنْ يُطَلِّقَ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا لَمْ تُعْلَمْ الْمَشِيئَةَ، لَكِنْ قَدْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ يَسْتَحِيلُ عِلْمُهُ، فَيَكُونُ كَتَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُسْتَحِيلَاتِ، تَلْغُو وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ، وَلِأَنَّهُ إنْ شَاءَ حَكَمَ فِي مَحَلٍّ، فَلَمْ يَرْتَفِعْ بِالْمَشِيئَةِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَأْكِيدَ الْوُقُوعِ. وَ (لَا) يَقَعُ عَلَيْهِ (ظِهَارٌ وَحَرَامٌ وَنَذْرٌ وَيَمِينٌ) بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَحْوُهُ، إنْ فَعَلْت كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَحْنَثْ بِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ مَتَى قَالَ: لَأَفْعَلَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَتَى شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ، وَمَتَى لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ (وَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَوَاللَّهِ لَا وَاكَلْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ، عَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَيْهَا) أَيْ: الْحَرَامِ وَالْيَمِينِ، (فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) فَلَا يَحْنَثُ بِمُؤَاكَلَتِهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ. «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَصِحُّ فِي كُلِّ يَمِينٍ تَدْخُلُهَا الْكَفَّارَةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ بِالظِّهَارِ أَوْ بِالنَّذْرِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَرَامَ ظِهَارٌ، وَمَحَلُّ عَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَيْهِمَا (مَا لَمْ يُرِدْ أَحَدُهُمَا) فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا عَادَ إلَيْهِ، فَلَوْ أَرَادَ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْيَمِينِ فَوَاكَلَهَا صَارَ مُظَاهِرًا، عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَلَوْ أَرَادَ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْحَرَامِ، حَنِثَ بِمُؤَاكَلَتِهَا، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) قَالَ لَهَا (إنْ لَمْ تَقُومِي فَأَنْتِ طَالِقٌ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) قَالَ لِأَمَتِهِ مَثَلًا إنْ قُمْتِ أَوْ لَمْ تَقُومِي فَأَنْتِ (حُرَّةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ) إنْ قُمْتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَقُومِي إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا قُمْتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ (حُرَّةٌ إنْ قُمْتِ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) أَنْتِ حُرَّةٌ (إنْ لَمْ تَقُومِي) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) أَنْتِ حُرَّةٌ (لَتَقُومِينَ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) أَنْتِ حُرَّةٌ، (لَا قُمْتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنْ نَوَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 رَدَّ الْمَشِيئَةِ إلَى الْفِعْلِ، لَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ (بِهِ) أَيْ: بِفِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ بِتَرْكِ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ هُنَا يَمِينٌ؛ إذْ هُوَ تَعْلِيقٌ عَلَى مَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، فَإِذَا أَضَافَهُ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ آنِفًا، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لَمْ يَحْنَثْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ: فَلَهُ ثُنْيَاهُ، فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَتَدْخُلِنَّ الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لَمْ تَطْلُقْ دَخَلَتْ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ، لِأَنَّهَا إنْ دَخَلَتْ فَقَدْ فَعَلَتْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَهُ لَوُجِدَ، فَإِنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَتَدْخُلِنَّ الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَإِلَّا) يَنْوِ رَدَّ الْمَشِيئَةَ إلَى الْفِعْلِ بِأَنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، أَوْ نَوَى رَدَّ الْمَشِيئَةِ إلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ أَوْ الْعَتَاقُ كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْفِعْلَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ نِيَّتُهُ فَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ إلَى الدُّخُولِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الطَّلَاقِ، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ. غَرِيبَةٌ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُكِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَتَزَوَّجَهَا، لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَشْتَرِيكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَاشْتَرَاهُ، عَتَقَ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ لِرِضَى زَيْدٍ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (لِقِيَامِكِ وَنَحْوِهِ) كَسَوَادِكِ وَبَيَاضِكِ أَوْ سُوءِ خُلُقِكِ أَوْ سِمَنِكِ وَشِبْهِهِ (يَقَعُ) الطَّلَاقُ (فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ إيقَاعٌ مُعَلَّلٌ بِعِلَّةٍ؛ كَقَوْلِهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ، أَوْ لِرِضَى اللَّهِ، وَكَذَا لِدُخُولِ الدَّارِ (مَا لَمْ يَقُلْ أَرَدْت الشَّرْطَ) فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الشَّرْطَ، دِينَ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (لِقُدُومِ زَيْدٍ) فَلَا تَطْلُق حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلتَّأْقِيتِ نَظِيرُهَا قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (لِغَدٍ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 فَلَا تَطْلُق حَتَّى يَأْتِيَ الْغَدُ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (لِحَيْضِكِ) هِيَ طَاهِرٌ (فَ) لَا تَطْلُق (حَتَّى يَأْتِيَ) وَقْتُ حَيْضِهَا وَتَحِيضُ لِمَا سَبَقَ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ رَضِيَ أَبُوكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبَى) أَبُوهَا أَيْ: قَالَ: لَا أَرْضَى بِذَلِكَ (ثُمَّ رَضِيَ) بَعْدَ إبَائِهِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ، لِأَنَّ الشَّرْطَ مُطْلَقٌ، فَهُوَ مُتَرَاخٍ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَكِ اللَّهُ بِالنَّارِ، أَوْ إنْ كُنْتِ تَبْغُضِينَ الْجَنَّةَ أَوْ) إنْ كُنْتِ تَبْغُضِينَ (الْحَيَاةَ) أَوْ الطَّعَامَ اللَّذِيذَ وَالْعَافِيَةَ (فَقَالَتْ أُحِبُّ) التَّعْذِيبَ بِالنَّارِ (أَوْ) قَالَتْ (أَبْغُضُ) الْجَنَّةَ أَوْ الْحَيَاةَ وَنَحْوَهُمَا (لَمْ تَطْلُقْ إنْ قَالَتْ كَذَبْت) لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَادَةً؛ كَقَوْلِهِ إنْ كُنْتِ تَعْتَقِدِينَ أَنَّ الْجَمَلَ يَدْخُلُ فِي خُرْمِ الْإِبْرَةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَعْتَقِدُهُ، فَإِنَّ عَاقِلًا لَا يُجَوِّزُهُ فَضْلًا عَنْ اعْتِقَادِهِ؛ فَإِنْ لَمْ تَقُلْ كَذَبْت، فَقَالَ الْقَاضِي تَطْلُق، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً سِوَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " وَالْحَاوِي ". (وَيَتَّجِهُ) تَقْيِيدُ عَدَمِ طَلَاقِهَا (بِمَا لَمْ تَتَّصِلْ) أَيْ: بِمُدَّةِ عَدَمِ اتِّصَالِهَا (بِأَزْوَاجٍ) أَيْ: بِزَوْجٍ، وَالْمُرَادُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ قِيَاسًا لَهُ عَلَى الْإِرْثِ، فَإِنَّهَا إذَا طَلُقَتْ بَائِنًا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تَرِثُ مُطَلِّقَهَا، مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ (طَالِقٌ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينَ) زَيْدًا (أَوْ) إنْ كُنْتِ؟ (تَبْغُضِينَ زَيْدًا، فَأَخْبَرَتْهُ بِهِ؛ طَلُقَتْ، وَلَوْ كَذَبَتْ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَ) لَوْ قَالَ لَهَا: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 (إنْ كَانَ أَبُوكِ يَرْضَى بِمَا فَعَلْتِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ: مَا رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ رَضِيتُ طَلُقَتْ) لِتَعْلِيقِهِ عَلَى رِضًى مُسْتَقْبَلٍ، وَقَدْ وُجِدَ، وَ (لَا) تَطْلُق (إنْ قَالَ) لَهَا (إنْ كَانَ أَبُوكِ رَاضِيًا بِهِ) أَيْ بِمَا فَعَلْتِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ مَا رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: رَضِيتُ؛ لِأَنَّهُ مَاضٍ (وَتَعْلِيقُ عِتْقٍ كَطَلَاقٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسَائِلِ التَّعْلِيقِ (وَيَصِحُّ) تَعْلِيقُ الْعِتْقِ (بِالْمَوْتِ) وَهُوَ التَّدْبِيرُ لِلْخَبَرِ، بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْمَوْتِ وَتَقَدَّمَ. [فَرْعٌ قَالَ لزوجته إنْ كُنْتِ تُرِيدِينَ أَنْ أُطَلِّقَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ] (فَرْعٌ: لَوْ قَالَتْ) امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا (أُرِيدُ أَنْ تُطَلِّقَنِي، فَقَالَ إنْ كُنْتِ تُرِيدِينَ أَنْ أُطَلِّقَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ) قَالَ لَهَا (إذَا أَرَدْتِ أَنْ أُطَلِّقَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ) أَيْ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ ": ظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنَّهَا (تَطْلُق بِإِرَادَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ وَقِيلَ) أَيْ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا أَنَّهَا تَطْلُق (فِي الْحَالِ) إذْ دَلَالَةُ الْحَالِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إيقَاعَهُ لِلْإِرَادَةِ الَّتِي أَخْبَرَتْهُ بِهَا، وَنَصَرَ الثَّانِي الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " (وَمِثْلُهُ) فِي الْحُكْمِ (تَكُونِينَ طَالِقًا إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ مِنْ غَضَبٍ أَوْ سُؤَالِ) طَلَاقِهَا وَنَحْوِهِ (عَلَى) الْإِيقَاعِ فِي (الْحَالِ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ) فَيَقَعُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 [فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ مُتَفَرِّقَةٍ] ٍ أَيْ: الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِيهَا مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، بِخِلَافِ مَا قِيلَ (إذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إذَا رَأَيْت الْهِلَالَ، أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (عِنْدَ رَأْسِهِ) أَيْ: الْهِلَالِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (إذَا رُئِيَ) الْهِلَالُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (وَقَدْ غَرَبَتْ) الشَّمْسُ (أَوْ تَمَّتْ الْعِدَّةُ) بِتَمَامِ الشَّهْرِ قَبْلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الْعِلْمُ بِأَوَّلِ الشَّهْرِ؛ لِحَدِيثِ: «إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا» . وَالْمُرَادُ رُؤْيَةُ الْبَعْضِ وَحُصُولُ الْعِلْمِ، فَانْصَرَفَ لَفْظُ الْحَالِفِ إلَى عُرْفِ الشَّرْعِ، كَقَوْلِهِ: إذَا صَلَّيْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا الدُّعَاءِ بِخِلَافِ رُؤْيَةِ نَحْوِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا عُرْفٌ يُخَالِفُ اللُّغَةَ، وَلَا تَطْلُق بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ قَبْلَ الْغُرُوبِ (وَإِنْ نَوَى الْعِيَانَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَصْدَرُ عَايَنَ؛ أَيْ: نَوَى مُعَايَنَةَ الْهِلَالِ، أَيْ: إدْرَاكَهُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ خَاصَّةً مِنْهَا (أَوْ) مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ نَوَى (حَقِيقَةَ رُؤْيَتِهَا بِهِ؛ قُبِلَ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، فَلَا تَطْلُق حَتَّى تَرَاهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ يَرَاهُ فِي الْأُولَى (وَهُوَ هِلَالٌ) أَيْ: يُسَمَّى بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ (إلَى) لَيْلَةٍ (ثَالِثَةٍ) مِنْ الشَّهْرِ (ثُمَّ يُقْمِرُ) بَعْدَ الثَّالِثَةِ؛ أَيْ يُسَمَّى قَمَرًا، فَإِنْ لَمْ تَرَ الْهِلَالَ حَتَّى أَقْمَرَ، وَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ رُؤْيَتِهَا (فَلَا تَطْلُق بِرُؤْيَتِهِ بَعْدَ) ذَلِكَ. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ رَأَيْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَأَتْهُ) مُطَاوِعَةً (لَا مُكْرَهَةً، وَلَوْ) كَانَ زَيْدٌ (مَيِّتًا أَوْ فِي مَاءٍ أَوْ زُجَاجٍ شَفَّافٍ؛ طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ بِحَقِيقَةِ رُؤْيَتِهَا، فَإِنْ كَانَ الزُّجَاجُ غَيْرَ شَفَّافٍ، وَكَانَ فِيهِ؛ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهَا لَهُ لِلْحَائِلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 إلَّا مَعَ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ) تَخُصُّ الرُّؤْيَةَ بِحَالٍ، فَإِذَا رَأَتْهُ فَلَا تَطْلُق؛ فِي غَيْرِهَا (وَلَا تَطْلُق إنْ رَأَتْ خَيَالَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ أَوْ جَالَسَتْهُ عَمْيَاءَ) لِأَنَّهَا لَمْ تَرَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ أَنْ لَا تَجْتَمِعَ بِهِ فَيَحْنَثُ إنْ جَالَسَتْهُ عَمْيَاءُ (وَ) إنْ قَالَ (مَنْ بَشَّرَتْنِي أَوْ أَخْبَرَتْنِي بِقُدُومِ أَخِي فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَخْبَرَهُ) بِهِ (عَدَدٌ) اثْنَتَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ نِسَائِهِ (مَعًا طَلُقَ) ذَلِكَ الْعَدَدُ؛ لِوُقُوعِ لَفْظَةِ مَنْ عَلَى الْوَاحِدِ فَأَكْثَرَ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] (وَ) أَلَّا يُبَشِّرْنَهُ أَوْ يُخْبِرْنَهُ مَعًا، بَلْ مُرَتَّبًا، فَسَابِقَةٌ صَدَقَتْ تَطْلُق، لِأَنَّ التَّبْشِيرَ حَصَلَ بِإِخْبَارِهَا خَبَرَ صِدْقٍ تَتَغَيَّرُ بِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ مِنْ سُرُورٍ أَوْ غَمٍّ، وَالْخَبَرُ الْكَاذِبُ وَمَا بَعْدَ عِلْمِ الْمُخْبِرِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (وَإِلَّا) تُصَدَّقُ السَّابِقَةُ (فَأَوَّلُ صَادِقَةٍ) مِنْهُنَّ تَطْلُق؛ لِأَنَّ السُّرُورَ وَالْغَمَّ حَصَلَ بِخَبَرِهَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَذَا) قَوْلُهُ لِزَوْجَاتِهِ (مَنْ أَنْذَرَتْنِي) مِنْكُنَّ (الْعَدُوَّ) فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَنْذَرَهُ عَدَدٌ مِنْهُنَّ؛ طَلُقَ ذَلِكَ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّ مَنْ تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ فَمَا زَادَ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الْإِنْذَارُ بِالْعَدَدِ مَعًا، فَطَلُقَ الْعَدَدُ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ إنْ ظَنَنْتِ بِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَظَنَّتْهُ بِهِ، طَلُقَتْ، لَا يُقَالُ: الظَّنُّ لَا يَنْتِجُ قَطْعِيًّا، فَكَيْفَ تَطْلُق؟ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ حَصَلَ لَك الظَّنُّ بِكَذَا، إلَى آخِرِهِ لِحُصُولِ قَطْعِيٍّ؛ فَيُورِثُ قَطْعِيًّا (وَ) إنْ قَالَ (إنْ دَخَلَ دَارِي أَحَدٌ فَأَنْتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 طَالِقٌ فَدَخَلَهَا) هُوَ، أَيْ: الْقَائِلُ لَمْ يَحْنَثْ (أَوْ قَالَ لِإِنْسَانٍ إنْ دَخَلَ دَارَكَ أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَدَخَلَهَا رَبُّهَا) الْمُخَاطَبُ بِهَذَا الْكَلَامِ (لَمْ يَحْنَثْ) الْحَالِفُ بِذَلِكَ، عَمَلًا بِقَرِينَةِ الْحَالِ (وَ) لَوْ قَالَ: إنْ كَانَتْ امْرَأَتِي فِي السُّوقِ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ عَبْدِي فِي السُّوقِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَكَانَا، أَيْ: الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ (فِي السُّوقِ؛ عَتَقَ الْعَبْدُ) لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِ (وَلَمْ تَطْلُقْ) الْمَرْأَةُ، لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِ طَلَاقِهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ: الْعَبْدُ عَتَقَ بِاللَّفْظِ فَ (لَمْ يَبْقَ لَهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (فِي السُّوقِ عَبْدٌ حَالَ حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا وَعَكْسُهُ) كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ عَبْدِي فِي السُّوقِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتِي فِي السُّوقِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَانَا (بِعَكْسِهِ) أَيْ: فَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَلَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ بِهِ امْرَأَةٌ بَعْدَ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ. (وَمَنْ حَلَفَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَفْعَلُهُ، ثُمَّ فَعَلَهُ مُكْرَهًا) لَمْ يَحْنَثْ نَصًّا، لِعَدَمِ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ، (أَوْ فَعَلَهُ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ نَائِمًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ مُغَطًّى عَلَى عَقْلِهِ (وَلَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ) حَيْثُ فَعَلَهُ فِي حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، (وَ) إنْ فَعَلَهُ (نَاسِيًا) لِحَلِفِهِ (أَوْ جَاهِلًا) أَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ، فَدَخَلَهَا جَاهِلًا أَنَّهَا دَارُ زَيْدٍ أَوْ جَاهِلًا الْحِنْثَ إذَا دَخَلَ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَ زَيْدٍ، فَدَفَعَهُ زَيْدٌ لِآخَرَ لِيَدْفَعَهُ لِمَنْ يَبِيعُهُ فَدَفَعَهُ لِلْحَالِفِ، فَبَاعَهُ غَيْرُ عَالِمٍ؛ حَنِثَ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ (أَوْ عَقَدَهَا) أَيْ: الْيَمِينَ (يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ) كَمَنْ حَلَفَ لَا فَعَلْتُ كَذَا ظَانًّا أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ (فَبَانَ بِخِلَافِهِ؛ يَحْنَثُ فِي) حَلِفِ (طَلَاقٍ وَعِتْقٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وَقَدْ وُجِدَ، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْإِتْلَافِ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ؛ فَلَا يَحْنَثُ فِيهَا نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَدْخُلُ فِي حَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ» (وَ) إنْ حَلَفَ عَنْ شَيْءٍ (لَيَفْعَلَنَّهُ) كَلَيَقُومَنَّ (فَتَرَكَهُ مُكْرَهًا) عَلَى تَرْكِهِ؛ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُضَافُ إلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 (وَيَتَّجِهُ أَوْ) تَرَكَهُ مُغْمًى عَلَيْهِ (أَوْ نَائِمًا) لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِتَغْطِيَةِ عَقْلِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ "؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ فَتَرَكَهُ مُكْرَهًا (لَمْ يَحْنَثْ) أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، يَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَحْنَثْ قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ يَكْثُرُ فِيهِ النِّسْيَانُ فَيَعْسُرُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. (وَيَتَّجِهُ بَرُّ حَالِفٍ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا) كَلَيَقُومَنَّ مَثَلًا (وَفَعَلَهُ) أَيْ: فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (حَالَ نَحْوِ جُنُونٍ) كَنَوْمٍ (وَإِغْمَاءٍ) إذَا الْبَرُّ وَالْحِنْثُ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ يَمْنَعْ بِيَمِينِهِ) أَيْ: الْحَالِفِ (كَزَوْجَتِهِ) وَوَلَدِهِ وَغُلَامِهِ (وَقَرَابَتِهِ) إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ (وَقَصَدَ يَمِينُهُ مَنْعَهُ، وَيَتَّجِهُ لَا) إنْ دَفَعَهُ شَخْصٌ (دَفْعَ إكْرَاهٌ) بِأَنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي غَفْلَةٍ فَدَفَعَهُ آخَرُ فَأَلْقَاهُ فِيمَا مَنَعَهُ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 بِذَلِكَ كَالْجَاهِلِ وَالنَّاسِي بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ غَيْرُ مُخْتَارٍ لِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (كَهُوَ) أَيْ: كَالْحَالِفِ (فِي نَحْوِ إكْرَاهٍ) كَجُنُونٍ (وَجَهْلٍ وَنِسْيَانٍ) فَمَنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ نَحْوِهَا لَا تَدْخُلُ دَارًا، فَدَخَلَتْهَا مُكْرَهَةً؛ لَمْ يَحْنَثْ مُطْلَقًا، وَإِنْ دَخَلَتْهَا جَاهِلَةً بِيَمِينِهِ أَوْ نَاسِيَةً فَعَلَى مَا سَبَقَ يَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ، وَإِنْ قَصَدَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ وَفَعَلَهُ كَرْهًا، لَمْ يَحْنَثْ. قَالَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي " وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ قَدِمَتْ زَوْجَتِي بَلَدَ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَلَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهَا؛ فَهُوَ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ، يَقَعُ بِقُدُومِهَا كَيْفَ كَانَ، كَمَنْ لَا يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ (لَا) إنْ حَلَفَ عَلَى (مَنْ لَا يَمْتَنِعُ) بِيَمِينِهِ (كَسُلْطَانٍ وَأَجْنَبِيٍّ وَحَاجٍّ فَ) إنَّهُ (يَحْنَثُ) حَالِفٌ (مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مَكْرُوهًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ، فَحَنِثَ بِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا يَفْعَلُهُ، فَخَالَفَهُ؛ حَنِثَ الْحَالِفُ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَتَوْكِيدُ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمَنْفِيِّ بِلَا قَلِيلٌ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 {لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ} [النمل: 18] (لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (لَا يَحْنَثُ) الْحَالِفُ بِمُخَالَفَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (إنْ قَصَدَ إكْرَامَهُ لَا إلْزَامَهُ) وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، أَوْ) حَلَفَ (لَا يُكَلِّمُهُ، أَوْ) حَلَفَ (لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ أَوْ) حَلَفَ (لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ، فَدَخَلَ) الْحَالِفُ (بَيْتًا هُوَ) أَيْ: فُلَانٌ (فِيهِ) وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ (أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ) وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ (أَوْ) سَلَّمَ (عَلَى قَوْمٍ هُوَ) أَيْ: فُلَانٌ (فِيهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ) الْحَالِفُ بِهِ (أَوْ قَضَاهُ) فُلَانٌ (حَقَّهُ فَفَارَقَهُ، أَوْ أَحَالَهُ) فُلَانٌ (بِهِ) أَيْ: بِحَقِّهِ (فَفَارَقَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ) قَدْ (حَنِثَ) الْحَالِفُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ قَاصِدًا لِفِعْلِهِ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ تَعَمَّدَهُ (إلَّا فِي السَّلَامِ) أَيْ: إلَّا إذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ يَظُنُّهُ أَجْنَبِيًّا، وَإِلَّا فِي الْكَلَامِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ بِكَلِمَةٍ، أَوْ كَلَّمَ قَوْمًا هُوَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَلَا حِنْثَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بِسَلَامِهِ وَلَا كَلَامِهِ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُمْ (وَإِنْ عَلِمَ) الْحَالِفُ (بِهِ) أَيْ: الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الْقَوْمِ (فِي) حَالِ (سَلَامٍ) أَوْ كَلَامٍ (وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ بِقَلْبِهِ؛ حَنِثَ) لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ عَالِمًا بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا (وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ) السَّلَامَ أَوْ الْكَلَامَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مِنْهُمْ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى فُلَانَةَ بَيْتًا (فَدَخَلَتْ) هِيَ (عَلَيْهِ) وَهُوَ فِي بَيْتٍ (فَإِنْ خَرَجَ فِي الْحَالِ بَرَّ) وَإِلَّا يَخْرُجْ فِي الْحَالِ (حَنِثَ وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ (الَّتِي قَبْلَهَا) إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا؛ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَفْعَلَ جَمِيعَهُ) لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنَاوَلَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 فِعْلَ الْجَمِيعِ، فَلَمْ يَبَرَّ إلَّا بِهِ (فَ) لَوْ حَلَفَ (لَيَأْكُلَنَّ الرَّغِيفَ، أَوْ) حَلَفَ (لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ؛ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَأْكُلَهُ) أَيْ: الرَّغِيفَ (كُلَّهُ أَوْ يَدْخُلَهَا) أَيْ: الدَّارَ (بِجُمْلَتِهِ) فَلَوْ أَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، أَوْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ مِنْهَا؛ لَمْ يَبَرَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا. وَلَوْ حَلَفَ مَدِينٌ لَا تَأْخُذُ حَقَّكِ مِنِّي فَأُكْرِهَ الْمَدِينُ عَلَى دَفْعِهِ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَأْخُذُهُ؛ فَأَخَذَهُ؛ حَنِثَ، أَوْ أَخَذَ رَبُّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ مِنْ الْمَدِينِ الْحَالِفِ قَهْرًا؛ حَنِثَ لِوُجُودِ الْأَخْذِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ اخْتِيَارًا، وَإِنْ أُكْرِهَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى أَخْذِهِ، فَأَخَذَهُ، فَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا؛ فَلَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُنْسَبُ إلَى الْمُكْرَهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَيَتَّجِهُ. وَلَا أَثَرَ لِنَحْوِ فَتٍّ سَقَطَ مِنْ الرَّغِيفِ حَتَّى أَكَلَهُ؛ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْ الْأَكْلِ عِنْدَ وَضْعِ الطَّعَامِ فِي فَمِهِ يَسِيرٌ جِدًّا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ؛ إذْ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ:. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَفْعَلُ شَيْئًا) وَلَا نِيَّةَ، وَلَا سَبَبَ، وَلَا قَرِينَةَ، فَفَعَلَ بَعْضَهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ. (أَوْ) حَلَفَ عَلَى (مَنْ يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ) كَزَوْجَةٍ وَقَرَابَةٍ مِنْ نَحْوِ وَلَدٍ وَكَذَا غُلَامُهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا (وَقَصَدَ مَنْعَهُ) مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ (وَلَا نِيَّةَ) تُخَالِفُ ظَاهِرَ لَفْظِهِ (وَلَا سَبَبَ وَلَا قَرِينَةَ) تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ بَعْضِهِ (فَفَعَلَ) الْحَالِفُ أَوْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (بَعْضَهُ) كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَغِيفًا، فَأَكَلَ بَعْضَهُ (لَمْ يَحْنَثْ) الْحَالِفُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَا تَدْخُلُ بَيْتَ أُخْتِهَا؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 تَدْخُلَ كُلُّهَا، أَلَا تَرَى أَنْ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ كُلِّي أَوْ بَعْضِي، لِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَكُونُ بَعْضًا، وَالْبَعْضَ لَا يَكُونُ كُلًّا، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ إلَى عَائِشَةَ، فَتُرَجِّلُهُ وَهِيَ حَائِضٌ، وَالْمُعْتَكِفُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَالْحَائِضُ مَمْنُوعَةٌ مِنْ اللُّبْثِ فِيهِ. (فَمِنْ حَلَفَ عَلَى مُمْسِكٍ مَأْكُولًا) كَرُمَّانَةٍ أَوْ تُفَّاحَةٍ (لَا آكُلُهُ وَلَا أَمْسِكُهُ، فَأَكَلَ بَعْضًا وَرَمَى الْبَاقِيَ) أَوْ أَمْسَكَهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ كُلَّهُ، وَلَمْ يُمْسِكْهُ كُلَّهُ، فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ عَلَى زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهَا لَا تَفْعَلُ كَذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ فَعَلَ الْبَعْضَ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُخَصَّصَةٌ، وَكَذَا لَوْ اقْتَضَى سَبَبُ الْيَمِينِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الْجَمِيعَ أَوْ الْبَعْضَ؛ تَعَلَّقَ الْحِنْثُ بِهِ كَمَا يَأْتِي (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَأَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، أَوْ دَخَلَ طَاقَ بَابِهَا) لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا بِجُمْلَتِهِ، (أَوْ) حَلَفَ عَلَى امْرَأَةٍ (لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْهُ) أَيْ غَزْلِهَا، لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ كُلَّهُ لَيْسَ مِنْ غَزْلِهَا (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ، فَشَرِبَ بَعْضَهُ) لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ بَلْ بَعْضَهُ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَبِيعُ عَبْدَهُ وَلَا يَهَبُهُ) أَوْ يُؤَجِّرُهُ وَنَحْوُهُ (فَبَاعَ أَوْ وَهَبَ) أَوْ أَجَّرَهُ وَنَحْوَهُ (بَعْضَهُ) أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ، وَوَهَبَ بَاقِيَهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ كُلَّهُ، وَلَا وَهَبَهُ كُلَّهُ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ فُلَانٌ شَيْئًا، فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ) عَلَى الْحَالِفِ (بِسَبَبِ الْحَقِّ مِنْ قَرْضٍ أَوْ نَحْوِهِ) بِأَنْ شَهِدَتْ بِأَنَّ الْحَالِفَ اقْتَرَضَ مِنْهُ أَوْ ابْتَاعَ أَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ (دُونَ أَنْ يَقُولَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ (وَهُوَ) أَيْ: الدَّيْنُ بَاقٍ (عَلَيْهِ) أَيْ: الْحَالِفِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِسَبَبِ الْحَقِّ لَا تَفْتَقِرُ إلَى قَوْلِهِمَا، وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ إنْ كَانَا فَارَقَا الْحَالِفَ، وَأَمَّا (إنْ كَانَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ (لَمْ يُفَارِقَاهُ) مِنْ حِينِ تَرَتَّبَ الْحَقُّ عَلَيْهِ إلَى حِينِ حَلِفِهِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِمَا بَعْدَ أَنْ شَهِدَا بِسَبَبِ الْحَقِّ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ إلَى الْآنَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (لَمْ يَحْنَثْ) لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ بِدَفْعِ الْحَقِّ فِي صُورَةٍ إذَا فَارَقَاهُ أَوْ بَرَّآهُ مِنْهُ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ) مَاءَ هَذَا النَّهْرِ فَشَرِبَ مِنْهُ (حَنِثَ) ؛ لِصَرْفِ يَمِينِهِ إلَى الْبَعْضِ لِاسْتِحَالَةِ شُرْبِ جَمِيعِهِ (أَوْ حَلَفَ) عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ غَزْلِهَا (حَنِثَ) لِأَنَّهُ لَبِسَ مِنْ غَزْلِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا (وَكَذَا) مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ) أَوْ اللَّحْمَ (أَوْ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ) أَوْ الْعَسَلَ وَنَحْوَهُ مِنْ كُلِّ مَا عَلَّقَ عَلَى اسْمِ جِنْسٍ (أَوْ) اسْمِ جَمْعٍ كَأَنْ حَلَفَ أَنْ (لَا يُكَلِّمَ الْمُسْلِمِينَ) أَوْ الْمُشْرِكِينَ (أَوْ الْمَسَاكِينَ أَوْ الْمُقَاتِلِينَ؛ فَيَحْنَثُ بِالْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُتَعَذِّرٌ) فَلَا تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَيْهِ، بَلْ (تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ لِلْبَعْضِ) وَإِنْ حَلَفَ لَا شَرِبْتُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ مَائِهِ؛ حَنِثَ سَوَاءٌ كَرَعَ مِنْهُ بِفَمِهِ، أَوْ اغْتَرَفَ مِنْهُ بِيَدَيْهِ، أَوْ بِإِنَاءٍ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ هَذَا الْبِئْرِ فَكَرَعَ مِنْهُ أَوْ اغْتَرَفَ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَكَذَا الْعَيْنُ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا أَكَلْتُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَقَطَ مِنْ تَحْتِهَا وَأَكَلَ، حَنِثَ كَمَا لَوْ أَكَلَ الثَّمَرَةَ وَهِيَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ أَكْلِ وَرِقِهَا وَأَطْرَافِ أَغْصَانِهَا، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ، فَحَلَبَ فِي شَيْءٍ، وَشَرِبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهُ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ مَائِهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهُ الْفُرَاتُ، فَوَجْهَانِ، قَدَّمَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّ مَعْنَى الشُّرْبِ مِنْهُ الشُّرْبُ مِنْ مَائِهِ، فَحَنِثَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْتُ مِنْ مَائِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ لَبِسْت ثَوْبًا، أَوْ لَمْ يَقُلْ ثَوْبًا) بَلْ قَالَ إنْ لَبِسْت (فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى ثَوْبًا مُعَيَّنًا، قُبِلَ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، وَصِدْقُهُ مُمْكِنٌ (سَوَاءٌ كَانَ) حَلَفَ (بِطَلَاقٍ) أَمْ بِغَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ قَوْلِهِمْ إنْ لَبِسْتِ (صِحَّةُ تَعْيِينِ) نَوْعٍ مِمَّا يُلْبَسُ أَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَيُقْبَلُ تَعْيِينُهُ ذَلِكَ (حُكْمًا، بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ) فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ دَارًا فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِ أَيِّ دَارٍ كَانَتْ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ حُكْمًا أَنَّهُ أَرَادَ دَارًا مُعَيَّنَةً، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا، أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ) أَيْ: اشْتَرَى الثَّوْبَ زَيْدٌ (أَوْ نَسَجَهُ أَوْ طَبَخَهُ) أَيْ: طَبَخَ الطَّعَامَ (زَيْدٌ؛ فَلَبِسَ) الْحَالِفُ (ثَوْبًا نَسَجَهُ هُوَ) أَيْ: زَيْدٌ (وَغَيْرُهُ، أَوْ) لَبِسَ ثَوْبًا (اشْتَرَيَاهُ) أَيْ: زَيْدٌ وَغَيْرُهُ (أَوْ) اشْتَرَاهُ (زَيْدٌ لِغَيْرِهِ، أَوْ أَكَلَ) الْحَالِفُ (مِنْ طَعَامٍ طَبَخَاهُ) أَيْ: زَيْدٌ وَغَيْرُهُ (حَنِثَ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ، فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ غَيْرِهَا، وَكَذَا (لَوْ حَلَفَ) لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، فَدَخَلَ دَارًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ بِأَنْ نَوَى مَا انْفَرَدَ بِهِ؛ فَلَا يَحْنَثُ بِمَا شُورِكَ فِيهِ (وَإِنْ اشْتَرَى غَيْرُ زَيْدٍ شَيْئًا) انْفَرَدَ بِشِرَائِهِ (فَخَلَطَهُ زَيْدٌ) أَوْ غَيْرُهُ (بِمَا اشْتَرَاهُ) زَيْدٌ (فَأَكَلَ حَالِفٌ) مِنْهُ (أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ غَيْرُ زَيْدٍ، حَنِثَ) لِأَنَّهُ أَكَلَ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ يَقِينًا (وَإِلَّا يَأْكُلُ) أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ غَيْرُ زَيْدٍ (فَلَا حِنْثَ) ، سَوَاءٌ أَكَلَ قَدْرَ مَا اشْتَرَى شَرِيكُهُ أَوْ دُونَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 الْعِصْمَةِ، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ الْحِنْثَ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا بِتُّ عِنْدَ زَيْدٍ، حَنِثَ) بِمُكْثِهِ عِنْدَهُ (أَكْثَرَ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى مَبِيتًا؛ بِخِلَافِ نِصْفِ اللَّيْلِ فَمَا دُونَهُ وَ (لَا) يَحْنَثُ (إنْ حَلَفَ لَا قُمْتُ عِنْدَهُ كُلَّ اللَّيْلِ) أَوْ حَلَفَ لَا بِتُّ عِنْدَهُ (وَنَوَاهُ) أَيْ: كُلَّ اللَّيْلِ (فَأَقَامَ) عِنْدَهُ (بَعْضَهُ) أَيْ: اللَّيْلِ (أَوْ أَكْثَرَهُ) أَيْ: اللَّيْلِ (وَلَا يَحْنَثُ إنْ حَلَفَ لَا بَاتَ) بِبَلَدٍ (أَوْ لَا آكُلُ بِبَلَدٍ؛ فَبَاتَ أَوْ أَكَلَ خَارِجَ بُنْيَانِهِ) أَيْ: الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِتْ أَوْ يَأْكُلْ فِيهِ، وَيَحْنَثُ إنْ أَكَلَ بِمَسْجِدِهَا؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ خَارِجَهَا قَرِيبًا مِنْهَا عَادَةً. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ مَا غَصَبَ، فَثَبَتَ الْغَصْبُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ فَقَطْ كَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَيَمِينٍ، أَوْ بِالنُّكُولِ؛ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ. [بَابُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ] ِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ: التَّأْوِيلُ (أَنْ يُرِيدَ) الْحَالِفُ (بِلَفْظٍ مَا) أَيْ: مَعْنًى (يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ) أَيْ: اللَّفْظِ (وَلَا يَنْفَعُ) تَأْوِيلٌ فِي حَلِفٍ (ظَالِمًا) بِحَلِفِهِ لِحَدِيثِ: «يَمِينُك عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ» وَحَدِيثُ: «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَنْ عِنْدَهُ حَقٌّ وَأَنْكَرَهُ، فَاسْتَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، فَتَأَوَّلَ؛ انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى ظَاهِرِ الَّذِي عَنَاهُ الْمُسْتَحْلِفُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 وَلَمْ يَنْفَعْ الْحَالِفُ تَأْوِيلَهُ لِئَلَّا يُفَوِّتَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ بِالتَّحْلِيفِ، وَيَصِيرُ التَّأْوِيلُ وَسِيلَةً إلَى جَحْدِ الْحُقُوقِ وَأَكْلِهَا بِالْبَاطِلِ (وَيُبَاحُ) التَّأْوِيلُ (لِغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الظَّالِمِ مَظْلُومًا كَانَ، أَوْ لَا ظَالِمًا وَلَا مَظْلُومًا رُوِيَ أَنَّ مُهَنَّا والمروذي كَانَا عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، هُمَا وَجَمَاعَةٌ مَعَهُمَا، فَجَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ المروذي، وَلَمْ يُرِدْ المروذي أَنْ يُكَلِّمَهُ، فَوَضَعَ مُهَنَّا أُصْبُعَهُ فِي كَفِّهِ، وَقَالَ: لَيْسَ المروذي هَا هُنَا، وَمَا يَصْنَعُ المروذي هَا هُنَا؛ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحْمَدُ «وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا وَمِنْهُ إنَّا حَامِلُوك عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ» . وَالْمِزَاحُ أَنْ يُوهَمَ السَّامِعُ بِكَلَامِهِ غَيْرَ مَا عَنَاهُ؛ وَهُوَ التَّأْوِيلُ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَجُوزٍ «لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ» يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ يُنْشِئُهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ (حُكْمًا) إنْ ادَّعَى التَّأْوِيلَ (مَعَ قُرْبِ احْتِمَالٍ وَ) مَعَ (تَوَسُّطِهِ) لِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ لِلظَّاهِرِ، وَ (لَا) تُقْبَلُ دَعْوَى التَّأْوِيلِ (مَعَ بُعْدِ) الِاحْتِمَالِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ لِلظَّاهِرِ (كَنَاوٍ بِلِبَاسٍ اللَّيْلَ، وَفِرَاشٍ وَبِسَاطٍ الْأَرْضَ، وَبِسَقْفٍ وَبِنَاءٍ السَّمَاءَ وَبِأُخُوَّةٍ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَيَتَّجِهُ: أَوْ كَانَ) . نَوَى حِينَ تَلَفُّظِهِ بِالْأُخُوَّةِ كَوْنَهُمَا (مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) بِقَوْلِهِ (مَا ذَكَرْت فُلَانًا مَا قَطَعْت ذِكْرَهُ، وَمَا رَأَيْتُهُ مَا ضَرَبْت رِئَتَهُ وَ) بِقَوْلِهِ (نِسَاؤُهُ طَوَالِقُ، أَيْ: بَنَاتُهُ وَعَمَّاتُهُ وَخَالَاتُهُ، وَبِجَوَارِيهِ أَحْرَارَ سُفُنِهِ وَ) بِقَوْلِهِ (مَا كَاتَبْت فُلَانًا وَلَا عَرَفْتُهُ وَلَا أَعْلَمْتُهُ وَلَا سَأَلْتُهُ حَاجَةً، وَلَا أَكَلْت لَهُ دَجَاجَةً) وَلَا فَرُّوجَةً (وَلَا بِبَيْتِهِ فُرُشٌ وَلَا حَصِيرٌ وَلَا بَارِيَةٌ، وَيَعْنِي) فِي قَوْلِهِ مَا كَاتَبْت فُلَانًا (مُكَاتَبَةَ الرَّقِيقِ وَ) مَا عَرَفْت فُلَانًا (جَعْلَهُ عَرِيفًا وَ) مَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 أَعْلَمْتُهُ مَا جَعَلَهُ (أَعْلَمَ الشَّفَةِ) أَيْ: مَشْقُوقَهَا (وَ) يَعْنِي (بِالْحَاجَةِ) فِي قَوْلِهِ مَا سَأَلْتُهُ حَاجَةً (شَجَرَةً صَغِيرَةً) (وَ) يَعْنِي (بِالدَّجَاجَةِ) بِقَوْلِهِ مَا أَكَلْت لَهُ دَجَاجَةً بِتَثْلِيثِ الدَّالِ (الْكُبَّةُ مِنْ الْغَزْلِ) وَبِالْفُرُوجَةِ الدُّرَّاعَةَ (وَ) يَعْنِي (بِالْفُرُشِ) فِي قَوْلِهِ وَلَا بِبَيْتِهِ فُرُشٌ (صِغَارَ الْإِبِلِ؛ وَيَعْنِي بِالْحَصِيرِ) بِقَوْلِهِ مَا فِي بَيْتِهِ حَصِيرٌ الْحَبْسَ، (وَ) يَعْنِي (بِالْبَارِيَةِ) فِي قَوْلِهِ مَا فِي بَيْتِهِ بَارِيَةٌ (السِّكِّينَ الَّتِي يَبْرِي بِهَا) الْأَقْلَامَ (وَلَا أَكَلْت مِنْ هَذَا شَيْئًا وَلَا أَخَذْت مِنْهُ، وَيَعْنِي) بِالْمُشَارِ إلَيْهِ (الْبَاقِي بَعْدَ أَكْلِهِ وَأَخْذِهِ) فَلَا حِنْثَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا، لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُ مَا نَوَاهُ. [تَنْبِيهٌ لَا يَخْلُو الْحَالِفُ الْمُتَأَوِّلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ] ٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا مِثْلُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ ظَالِمٌ عَلَى شَيْءٍ لَوْ صَدَقَهُ لَظَلَمَهُ أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُ، أَوْ نَالَ مُسْلِمًا مِنْهُ ضَرَرٌ؛ فَهَذَا لَهُ تَأْوِيلُهُ قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ اسْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَاطِمَةُ، فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، فَحَلَفَ بِطَلَاقِ فَاطِمَةَ، وَنَوَى الَّتِي مَاتَتْ. قَالَ إنْ كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ لَهُ ظَالِمًا؛ فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ صَاحِبِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْمُطَلِّقُ هُوَ الظَّالِمُ، فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الَّذِي اسْتَحْلَفَهُ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ» يَعْنِي سَعَةَ الْمَعَارِيضِ الَّتِي تُوهِمُ بِهَا السَّامِعَ غَيْرَ مَا عَنَاهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: الْكَلَامُ أَوْسَعُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ ظَرِيفٌ، يَعْنِي لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَكْذِبَ، لِكَثْرَةِ الْمَعَارِيضِ، وَخَصَّ الظَّرِيفَ بِذَلِكَ يَعْنِي بِهِ الْكَيِّسَ الْفَطِنَةَ، فَإِنَّهُ يَفْطِنُ التَّأْوِيلَ، فَلَا وَجْهَ إلَى الْكَذِبِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ ظَالِمًا كَاَلَّذِي يَسْتَحْلِفُهُ الْحَاكِمُ عَلَى حَقٍّ عِنْدَهُ، فَهَذَا تَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إلَى ظَاهِرِ الَّذِي عَنَاهُ الْمُسْتَحْلِفُ، وَلَا يَنْفَعُ الْحَالِفَ تَأْوِيلُهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ سَاغَ التَّأْوِيلُ لَبَطَلَ الْمَعْنَى الَّذِي عَنَى بِهِ الْيَمِينَ، إذْ مَقْصُودُهَا تَخْوِيفُ الْحَالِفِ لِيَرْتَدِعَ عَنْ الْجُحُودِ خَوْفًا مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 عَاقِبَةِ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ، فَمَتَى سَاغَ التَّأْوِيلُ لَهُ انْتَفَى ذَلِكَ، فَصَارَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى جَحْدِ الْحُقُوقِ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ ظَالِمًا وَلَا مَظْلُومًا، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ لَهُ تَأْوِيلَهُ لِقِصَّةِ المروذي الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ: كَانَ إذَا طَلَبَ إنْسَانٌ إبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُرِدْ إبْرَاهِيمُ أَنْ يَلْقَاهُ خَرَجَتْ إلَيْهِ الْخَادِمَةُ فَقَالَتْ: اُطْلُبُوهُ فِي الْمَسْجِدِ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ الْعَجُوزِ وَالرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّا حَامِلُوك عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ» : «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِامْرَأَةٍ وَقَدْ ذَكَرَتْ لَهُ زَوْجَهَا هُوَ الَّذِي فِي عَيْنِهِ بَيَاضٌ؟ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّهُ لَصَحِيحُ الْعَيْنِ» وَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيَاضَ الَّذِي حَوْلَ الْحَدَقَةِ. وَيُرْوَى عَنْ شَقِيقٍ أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ امْرَأَةً وَتَحْتَهُ أُخْرَى، فَقَالُوا: لَا نُزَوِّجُك حَتَّى تُطَلِّقَ امْرَأَتَك، فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ طَلَّقْت ثَلَاثًا، فَزَوَّجُوهُ، فَأَقَامَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالُوا: قَدْ طَلَّقْت ثَلَاثًا فَقَالَ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ كَانَ لِي ثَلَاثُ نِسْوَةٍ؛ فَطَلَّقْتُهُنَّ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: قَدْ طَلَّقْتُ ثَلَاثًا؛ قَالُوا: مَا هَذَا أَرَدْنَا فَذَكَرَ ذَلِكَ شَقِيقٌ لِعُثْمَانَ، فَجَعَلَهَا بِنِيَّتِهِ، فَهَذَا وَشِبْهُهُ مِنْ الْمَعَارِيضِ وَهُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي لَا يُعْذَرُ بِهِ الظَّالِمُ، وَيَسُوغُ لِغَيْرِهِ مَظْلُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَظْلُومٍ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمِزَاحِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ، وَقَدْ سَمَّاهُ حَقًّا، فَقَالَ: لَا أَقُولُ إلَّا حَقًّا» . (وَلَا يَجُوزُ تَحَيُّلٌ لِإِسْقَاطِ حُكْمِ الْيَمِينِ) كَمَا لَا يَجُوزُ التَّحَيُّلُ لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ بِأَدِلَّتِهِ (وَلَا تَسْقُطُ) الْيَمِينُ أَيْ: حُكْمُهَا (بِهِ) أَيْ: التَّحْلِيلِ عَلَى إسْقَاطِهِ (وَقَدْ نَصَّ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ عَلَى مَسَائِلَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: مَنْ احْتَالَ بِحِيلَةٍ فَهُوَ حَانِثٌ، وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ جُمْلَةُ مَذْهَبِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحْلِيلُ فِي الْيَمِينِ) وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِمَا وَرَدَ بِهِ سَمْعٌ كَنِسْيَانٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وَكَإِكْرَاهٍ وَاسْتِثْنَاءٍ (فَلَوْ حَلَفَ آكِلٌ مَعَ غَيْرِهِ تَمْرًا وَنَحْوَهُ) مِمَّا لَهُ نَوًى كَخَوْخٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 وَمِشْمِشٍ عَلَى الْغَيْرِ (لَتُمَيِّزَنَّ نَوَى مَا أَكَلْت، أَوْ) حَلَفَ (لَتُخْبِرَنَّ بِعَدَدِهِ) أَيْ عَدَدِ نَوَى مَا أَكَلْت (فَأَفْرَدَ) الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (كُلَّ نَوَاةٍ) وَحْدَهَا فِيمَا إذَا حَلَفَ لَتُمَيِّزُنَّ نَوَى مَا أَكَلْت (أَوْ عَدَّ) الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَتُخْبَرُنَّ بِعَدَدِ نَوَى مَا أَكَلْت (مِنْ وَاحِدٍ إلَى عَدَدٍ يَتَحَقَّقُ دُخُولَ) نَوَى (مَا أَكَلَ فِيهِ) أَيْ: فِيمَا عَدَّهُ، مِثْلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عَدَدَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ مِائَةٍ إلَى أَلْفٍ فَيُعِيدُ الْأَلْفَ كُلَّهُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا أَكَلَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ تَعْلَمْ عَدَدَ حَبِّهَا، فَذَكَرَتْ عَدَدًا يَدْخُلُ فِيهِ عَدَدُ حَبِّهَا (لَمْ يَحْنَثْ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ نِيَّتَهُ) بِالْحَلِفِ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ قَدْ فَعَلَ مَا حَلَفَ الْحَامِلُ عَلَيْهِ (وَإِنْ نَوَى) الْحَالِفُ (حَقِيقَةَ الْإِخْبَارِ بِكَمِّيَّتِهِ) أَيْ: بِعَدَدِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ؛ حَنِثَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مَقْصُودِهِ (أَوْ أَطْلَقَ) فَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ (حَنِثَ، لِأَنَّهُ حِيلَةٌ) وَالْحِيَلُ غَيْرُ جَائِزَةٍ، لِحِلِّ الْيَمِينِ (كَحَالِفٍ لَيَقْعُدَنَّ عَلَى بَارِيَةٍ بِبَيْتِهِ وَلَا يَدْخُلُهُ بَارِيَةٌ، فَأَدْخَلَهُ قَصَبًا وَنَسَجَهُ فِيهِ، أَوْ نَسَجَ قَصَبًا كَانَ فِيهِ) بَارِيَةٌ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِحُصُولِ الْبَارِيَةِ بِبَيْتِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ فِي " الْإِقْنَاعِ " بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (وَ) إنْ حَلَفَ لَيَطْبُخَنَّ (قِدْرًا بِرِطْلِ مِلْحٍ وَيَأْكُلَ مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا طَبَخَهُ بِرِطْلِ مِلْحٍ (فَلَا يَجِدُ طَعْمِ الْمِلْحِ، فَسَلَقَ بِهِ بَيْضًا فَأَكَلَهُ) لَمْ يَحْنَثْ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ بَيْضًا وَلَا تُفَّاحًا وَلَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي هَذَا الْوِعَاءِ؛ فَوَجَدَهُ بَيْضًا وَتُفَّاحًا، فَعَمِلَ مِنْ الْبَيْضِ نَاطِفًا وَمِنْ التُّفَّاحِ شَرَابًا، وَأَكَلَهُ) لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ مِمَّا فِي الْإِنَاءِ، وَلَيْسَ بَيْضًا وَلَا تُفَّاحًا حَيْثُ اُسْتُهْلِكَ، فَلَمْ يَظْهَرْ طَعْمُهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ (أَوْ) حَلَفَ (مَنْ عَلَى سُلَّمٍ لَا نَزَلْتُ إلَيْك) أَيُّهَا السُّفْلَى (وَلَا صَعِدْتُ إلَى هَذِهِ) الْعُلْيَا (وَلَا أَقَمْت مَكَانِي سَاعَةً فَنَزَلْت الْعُلْيَا وَصَعِدْت السُّفْلَى وَطَلَعَ أَوْ نَزَلَ أَوْ) حَلَفَ مَنْ عَلَى سُلَّمٍ (لَا أَقَمْتُ عَلَيْهِ وَلَا نَزَلْتُ عَنْهُ وَلَا صَعِدْتُ فِيهِ، فَانْتَقَلَ إلَى آخِرِ) سُلَّمٍ فِي الْكُلِّ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ (إلَّا مَعَ حِيلَةٍ عَلَى قَصْدِ التَّخَلُّصِ مِنْ الْحَلِفِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ الْحَالِفُ ذَلِكَ حِيلَةً لِأَجْلِ التَّخَلُّصِ مِنْ الْيَمِينِ، كَأَنْ عَمِلَ النَّاطِفَ وَالشَّرَابَ أَوْ الْبَارِيَةَ لِأَجْلِ ذَلِكَ التَّخَلُّصِ مِنْ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ، وَأَمَّا لَوْ عَمِلَ الْحَالِفُ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ، أَيْ: لَا يَقْصِدُ التَّحَيُّلَ عَلَى فِعْلِ الْيَمِينِ فَلَا حِنْثَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِي الْبَارِيَةِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا (كَ) مَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت هَذَا الْمَاءَ وَلَا أَرَقْته وَلَا (تَرَكْته أَبَدًا) فِي الْإِنَاءِ وَلَا فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرِي، فَطَرَحَ فِي الْإِنَاءِ ثَوْبًا فَشَرِبَ الْمَاءَ ثُمَّ جَفَّفَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ شَرِبَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بَعْضَهُ، وَأَرَاقَ الْمَاءَ أَوْ تَرَكَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى مُمْسِكٍ مَأْكُولًا لَا أَكَلَهُ وَلَا أَمْسَكَهُ وَلَا أَلْقَاهُ (وَ) إنْ حَلَفَ مَنْ بِمَاءٍ (لَا أَقَمْت فِي هَذَا الْمَاءِ وَلَا خَرَجْت مِنْهُ، وَهُوَ جَارٍ؛ لَمْ يَحْنَثْ) أَقَامَ بِهِ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقِفُ أَوْ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِهِ (إلَّا مَعَ سَبَبٍ) يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَيَحْنَثُ (لَوْ قَصَدَ أَنْ لَا يُقِيمَ وَلَا يَخْرُجَ مِنْ مُطْلَقِ الْمَاءِ) فَيَحْنَثُ (وَإِنْ كَانَ) الْمَاءُ (رَاكِدًا) حَنِثَ، وَلَوْ حَمَلَ مِنْهُ مُكْرَهًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ، فَلَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا حَقِيقَةً، قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى "؛ وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَفِي " الْإِقْنَاعِ " لَمْ يَحْنَثْ إذَا نَوَى ذَلِكَ الْمَاءَ بِعَيْنِهِ وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (وَيَتَّجِهُ) حِنْثُ مَنْ حَلَفَ لَا خَرَجْت مِنْ هَذَا الْمَاءِ (مَعَ عَدَمِ تَقْيِيدِهِ) الْإِقَامَةَ فِيهِ (بِزَمَنٍ قَصِيرٍ كَلَحْظَةٍ) ، أَمَّا إذَا قَيَّدَ الْإِقَامَةَ فِي الْمَاءِ بِزَمَنٍ قَصِيرٍ، فَخَرَجَ بَعْدَ مُضِيِّهِ؛ لَمْ يَحْنَثْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ) ظَالِمٌ (مَا لِفُلَانٍ عِنْدَك وَدِيعَةٌ وَهِيَ) أَيْ: وَدِيعَةُ فُلَانٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460 (عِنْدَهُ) فَحَلَفَ (وَعَنَى) أَيْ: قَصَدَ (بِمَا الَّذِي) فَكَأَنَّهُ قَالَ الَّذِي عِنْدِي لِفُلَانٍ وَدِيعَةٌ (أَوْ نَوَى) بِحَلِفِهِ (غَيْرَهَا) أَيْ: مَالَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ غَيْرَ الْمَطْلُوبَةِ (أَوْ) نَوَى بِحَلِفِهِ مَكَانًا (غَيْرَ مَكَانِهَا أَوْ اسْتَثْنَاهَا، بِقَلْبِهِ) بِأَنْ يَقُولَ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ وَدِيعَةِ كَذَا (فَلَا حِنْثَ) لِأَنَّهُ صَادِقٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ فِي يَمِينِهِ، أَثِمَ لِكَذِبِهِ وَحَلِفِهِ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا، وَإِثْمُ حَلِفِهِ عَامِدًا دُونَ إثْمِ إقْرَارِهِ بِهَا، لِعَدَمِ تَعَدِّي ضَرَرِهِ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ، فَتَفُوتُ عَلَيْهِ بِهِ، وَيُكَفِّرُ لِحِنْثِهِ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُكَفَّرَةً (وَكَذَا لَوْ اسْتَحْلَفَهُ) ظَالِمٌ (بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَنْ لَا يَفْعَلَ مَا) أَيْ: شَيْئًا (يَجُوزُ فِعْلُهُ، أَوْ) اسْتَحْلَفَهُ ظَالِمٌ (أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ) فِعْلُهُ (أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا لِشَيْءٍ لَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ بِهِ، فَحَلَفَ) بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا (وَنَوَى بِقَوْلِ طَالِقٍ مِنْ عَمَلٍ تَعْمَلُهُ كَخِيَاطَةٍ وَغَزْلٍ) ، لَا طَالِقٌ مِنْ عِصْمَتِهِ (وَ) نَوَى (بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ) كَأَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ (لَكِنْ لَوْ أَرَادَ) بِحَلِفِهِ (تَخْوِيفَ زَوْجَتِهِ، وَنَوَى ذَلِكَ) أَيْ: بِقَوْلِهِ طَالِقٌ مِنْ عَمَلٍ وَبِقَوْلِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (دُيِّنَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى رِوَايَةً وَاحِدَةً، (وَلَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ حُكْمًا، لِأَنَّهُ (احْتِمَالٌ بَعِيدٌ) فَإِرَادَتُهُ مُخَالِفَةٌ لِلظَّاهِرِ، فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) مَرْجُوحٍ (بَلْ يُقْبَلُ) مِنْهُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَكَذَا) إنْ قَالَ لَهُ ظَالِمٌ: قُلْ زَوْجَتِي طَالِقٌ وَنَحْوَهُ إنْ فَعَلْت كَذَا، فَقَالَ: (زَوْجَتُهُ) طَالِقٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461 إنْ فَعَلَ كَذَا (أَوْ قَالَ: كُلُّ زَوْجَةٍ لَهُ طَالِقٌ إنْ فَعَلَ كَذَا) وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا (وَنَوَى زَوْجَتَهُ الْعَمْيَاءَ أَوْ الْيَهُودِيَّةَ أَوْ الْحَبَشِيَّةَ وَنَحْوَهُ) كَالرُّومِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ (أَوْ نَوَى) بِقَوْلِهِ (كُلُّ زَوْجَةٍ تَزَوَّجَهَا بِالصِّينِ وَنَحْوِهِ) كَالسَّنَدِ وَلَا زَوْجَةَ لِلْحَالِفِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي نَوَاهَا فِي الْأُولَى، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِمَا نَوَاهُ مِنْ الصِّينِ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ نَوَى إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا بِالصِّينِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهُ فِيهَا؛ فَلَا حِنْثَ. (وَكَذَا) لَوْ أَحْلَفَهُ ظَالِمٌ فَقَالَ (نِسَاؤُهُ طَوَالِقُ إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا، أَوْ نَوَى) بِنِسَائِهِ (نَحْوَ بَنَاتِهِ) كَأَخَوَاتِهِ وَعَمَّاتِهِ، لَمْ يَحْنَثْ (وَلَوْ قَالَ) لَهُ ظَالِمٌ (كُلَّمَا أُحَلِّفُك بِهِ فَقُلْ نَعَمْ أَوْ قَالَ لَهُ: الْيَمِينُ الَّذِي أُحَلِّفُك بِهَا لَازِمَةٌ لَك، قُلْ نَعَمْ، فَقَالَ نَعَمْ، وَنَوَى) بِقَوْلِهِ نَعَمْ، (بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ) لَمْ يَحْنَثْ. (وَكَذَا) لَوْ قَالَ لَهُ: (قُلْ الْيَمِينُ الَّتِي تُحَلِّفُنِي بِهَا) لَازِمَةٌ لِي (أَوْ) قَالَ لَهُ: قُلْ (أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي) إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا، وَقَدْ فَعَلَهُ وَنَحْوَهُ (فَقَالَ، وَنَوَى) بِالْيَمِينِ (يَدَهُ أَوْ) بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ (الْأَيْدِي الَّتِي تُبْسَطُ عِنْدَ الْبَيْعَةِ) أَيْ: مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ بِالْخِلَافَةِ؛ لَمْ يَحْنَثْ (وَكَذَا) لَوْ قَالَ لَهُ: (قُلْ الْيَمِينُ يَمِينِي وَالنِّيَّةُ نِيَّتُك، وَنَوَى بِيَمِينِهِ يَدَهُ، وَبِالنِّيَّةِ) مِنْ قَوْلِهِ وَالنِّيَّةُ نِيَّتُك (الْبَضْعَةُ) بِالْفَتْحِ قَالَ فِي " الصِّحَاحِ " أَيْ: الْقِطْعَةُ (مِنْ اللَّحْمِ) النِّيءِ لَمْ يَحْنَثْ. (وَكَذَا) لَوْ قَالَ لَهُ: (قُلْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَزَوْجَتِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَنَوَى بِالظَّهْرِ مَا يَرْكَبُ نَحْوُ خَيْلٍ) كَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ؛ لَمْ يَحْنَثْ (وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ: وَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا) وَإِلَّا فَأَنَا مُظَاهِرٌ مِنْ زَوْجَتِي وَ (نَوَى بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَأَنَا مُظَاهِرٌ أَيْ: قَائِلٌ أَيُّنَا أَشَدُّ ظَهْرًا) لَمْ يَحْنَثْ (أَوْ) قَالَ لَهُ فِي اسْتِحْلَافِهِ: قُلْ إلَّا فَعَلْت كَذَا، وَإِلَّا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ، وَكَانَ فَعَلَهُ؛ وَ (نَوَى بِمَمْلُوكٍ حُرٍّ، الدَّقِيقَ الْمَلْتُوتَ بِالزَّيْتِ أَوْ السَّمْنِ) لَمْ يَحْنَثْ (أَوْ نَوَى بِالْحُرِّ الْفِعْلَ الْجَمِيلَ أَوْ الرَّمَلَ الَّذِي مَا وَطِئَ) فَلَا يَحْنَثُ، وَكَذَا إنْ قَالَ لَهُ: قُلْ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَجَارِيَتِي حُرَّةٌ، أَوْ فَجَوَارِيَّ أَحْرَارٌ، أَوْ فَمَمَالِيكِي أَحْرَارٌ، فَقَالَ ذَلِكَ (وَ) نَوَى (بِالْجَارِيَةِ السَّفِينَةَ أَوْ الرِّيحَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 462 وَنَوَى بِالْحُرَّةِ السَّحَابَةَ الْكَثِيرَةَ الْمَطَرِ، أَوْ الْكَرِيمَةَ مِنْ النُّوقِ وَنَوَى بِالْأَحْرَارِ الْبَقْلَ وَ) نَوَى (بِالْحَرَائِرِ الْأَيَّامَ) فَلَا حِنْثَ. (وَمَنْ حَلَفَ) بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ (مَا فُلَانٌ هُنَا، وَعَيَّنَ مَوْضِعًا لَيْسَ هُوَ فِيهِ) لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ سَبَبٍ لِأَنَّهُ صَادِقٌ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَةٍ لَا سَرَقَتْ مِنِّي شَيْئًا، فَخَانَتْهُ فِي وَدِيعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ سَرِقَةً (إلَّا بِنِيَّةٍ) بِأَنْ نَوَى بِالسَّرِقَةِ الْخِيَانَةَ (أَوْ سَبَبَ) بِأَنْ كَانَ سَبَبَ يَمِينِهِ خِيَانَتُهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَيَعْبُدَن اللَّهَ عِبَادَةً يَنْفَرِدُ بِهَا دُونَ جَمِيعِ النَّاسِ فِي وَقْتِ تَلَبُّسِهِ بِهَا، بَرَّ بِالطَّوَافِ وَحْدَهُ أُسْبُوعًا بَعْدَ أَنْ يُخْلَى لَهُ الْمَطَافُ؛ (وَمِنْ الْحِيَلِ الْمُبَاحَةِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى ضَفِيرَةِ شَعْرِهَا) أَيْ: زَوْجَتِهِ (وَيَقُولُ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى ضَفِيرَةِ أَمَتِهِ، وَيَقُولَ: أَنْتِ حُرَّةٌ وَيَنْوِي مُخَاطَبَةَ الضَّفِيرَةِ) فَلَهُ نِيَّتُهُ (أَوْ يَحْلِفُ أَنْ يَأْتِيَ فُلَانًا كُلَّمَا دَعَاهُ وَنَوَى) بِيَمِينِهِ إتْيَانَهُ إلَيْهِ إذَا دَعَاهُ، وَهُوَ فِي (الْكَعْبَةِ، أَوْ وَهُوَ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ) كَالصِّينِ مَثَلًا، فَلَهُ نِيَّتُهُ (أَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ) عَلَى الْمَسَاكِينِ (وَنَوَى مَا يَمْلِكُهُ مِنْ نَحْوِ يَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ) أَوْ عَنْبَرٍ أَوْ نَوَى مَا يَمْلِكُهُ مِنْ السُّيُوفِ وَالْقَسِّيِّ وَنَحْوِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَحْنَثْ لِمَا سَبَقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الصِّدْقُ بِشَيْءٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ (أَوْ قَالَ) لِمَنْ يَسْتَحْلِفُهُ: قُلْ إنْ فَعَلْت كَذَا وَإِلَّا (فَمَالِي عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَ) إذَا نَوَى (أَنَّ مَالَهُ عَلَيْهِمْ) : أَيْ الْمَسَاكِينِ (مِنْ الدَّيْنِ) فَيَجْعَلُ مَا اسْمًا مَوْصُولًا بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ (وَلَا دَيْنَ لَهُ) عَلَيْهِمْ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ (أَوْ) قَالَ فِي اسْتِحْلَافِهِ لَهُ: قُلْ إنْ فَعَلْت كَذَا، إلَّا أَكُنْ فَعَلْت كَذَا (فَمَا صَلَّيْت لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) فَقَالَ ذَلِكَ (وَنَوَى بِ) قَوْلِهِ (صَلَّيْت شَوَيْت عَلَى النَّارِ) أَوْ أَخَذْت بِصَلَى الْفَرَسِ، وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِخَاصِرَتِهِ إلَى فَخِذَيْهِ (أَوْ قَالَ) : إنْ فَعَلَ ذَلِكَ (فَهُوَ كَافِرٌ، وَنَوَى الْمُسْتَتِرَ) الْمُتَغَطِّيَ أَوْ السَّاتِرَ الْمُغَطَّى، وَمِنْهُ قِيلَ لِلزَّارِعِ كَافِرٌ، فَلَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 463 نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ (أَوْ) قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: قُلْ (كُلُّ زَوْجَةٍ أَطَؤُهَا غَيْرَك فَطَالِقٌ) فَقَالَ: (وَنَوَى أَطَؤُهَا بِرِجْلِي) فَلَهُ نِيَّتُهُ (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: (إنْ خَرَجْت بِلَا إذْنِي فَطَالِقٌ، وَنَوَى إنْ خَرَجَتْ عُرْيَانَةً أَوْ رَاكِبَةً وَنَحْوَهُ) كَحَامِلَةِ الشَّيْءِ أَوْ مَحْمُولَةٍ عَلَى شَيْءٍ، لَمْ تَطْلُقْ، لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ. [فَصْلٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ إنِّي أُحِبُّ الْفِتْنَةَ وَأَكْرَهُ الْحَقَّ وَلَمْ يَحْنَثْ] فَصْلٌ (وَمَنْ حَلَفَ) بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ (إنِّي أُحِبُّ الْفِتْنَةَ وَأَكْرَهُ الْحَقَّ، وَأَشْهَدُ بِمَا لَمْ تَرَ عَيْنِي؛ وَلَا أَخَافَ مِنْ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ، وَأَسْتَحِلُّ الْمَيْتَةَ، وَأَسْتَحِلُّ قَتْلَ النَّفْسِ؛ وَأَنَا مَعَ ذَلِكَ مُؤْمِنٌ عَدْلٌ وَلَمْ يَحْنَثْ؛ فَهُوَ) رَجُلٌ (يُحِبُّ الْمَالَ وَالْوَلَدَ) وَهُمَا فِتْنَةٌ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] (وَيَكْرَهُ الْمَوْتَ) وَهُوَ حَقٌّ قَالَ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] (وَيَشْهَدُ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ) وَلَمْ يَرَهُمَا لَكِنْ قَامَ الْقَاطِعُ عَلَيْهِمَا، قَالَ تَعَالَى {يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7] وَقَالَ {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة: 202] (وَلَا يَخَافُ مِنْ اللَّهِ وَلَا مِنْ رَسُولِهِ الظُّلْمَ) قَالَ تَعَالَى {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَيَسْتَحِلُّ مَيْتَةً نَحْو سَمَكٍ، وَ) يَسْتَحِلُّ (قَتْلَ كَافِرٍ) غَيْرِ ذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ. (وَإِنْ حَلَفَ أَنْ امْرَأَتَهُ بَعَثَتْ إلَيْهِ أَنِّي قَدْ حُرِّمْت عَلَيْك، وَتَزَوَّجْت بِغَيْرِك، وَوَجَبَ عَلَيْك أَنْ تَبْعَثَ لِي نَفَقَتِي وَنَفَقَةَ زَوْجِي؛ وَلَمْ يَحْنَثْ) فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ (هِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 464 مَنْ تَزَوَّجْت بِعَبْدِ أَبِيهَا) أَوْ أَخِيهَا (الْمَبْعُوثِ فِي تِجَارَتِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ) أَوْ الْأَخُ الْبَاعِثُ لِذَلِكَ الْعَبْدِ (فَوَرِثَتْهُ مَعَ ابْنِ عَمِّهَا) فَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْعَبْدِ لِإِرْثِ زَوْجَتِهِ لَهُ أَوْ لِبَعْضِهِ، وَبَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا تَزَوَّجَتْهُ أَيْ: ابْنَ عَمِّهَا، وَبَعَثَ إلَى زَوْجِهَا الْعَبْدِ أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ مِنْ الْمَالِ الَّذِي لِي وَلِزَوْجِي، فَهُوَ مَالِي أَوْ مَالُ زَوْجِي، وَهِيَ صَادِقَةٌ. (وَإِنْ اشْتَرَى خِمَارَيْنِ، وَلَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ) أَوْ بَنَاتٍ وَنَحْوُهُنَّ (فَحَلَفَ لَتَخْمَرْنَ كُلُّ وَاحِدَةٍ عِشْرِينَ يَوْمًا) مِنْ الشَّهْرِ بِأَحَدِ الْخِمَارَيْنِ (اخْتَمَرَتْ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى بِهِمَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ الصُّغْرَى مِنْ الْكُبْرَى) خِمَارَهَا (إلَى آخِرِ الشَّهْرِ) فَقَدْ اخْتَمَرَتْ الصُّغْرَى عِشْرِينَ يَوْمًا وَتَسْتَمِرُّ الْوُسْطَى مُخْتَمِرَةً إلَى تَمَامِ الْعِشْرِينَ، فَتَمَّتْ لَهَا الْعِشْرِينَ، يَوْمًا (وَتَخْتَمِرُ الْكُبْرَى بِخِمَارِ الْوُسْطَى بَعْدَ الْعِشْرِينَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ) فَكَمُلَ لَهَا بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ مَعَ الْعَشَرَةِ الْأُولَى عِشْرُونَ يَوْمًا. وَكَذَا رُكُوبُهُنَّ لِبَغْلَيْنِ ثَلَاثَ فَرَاسِخَ؛ وَلَا يَحْمِلُ كُلُّ بَغْلٍ أَكْثَرَ مِنْ امْرَأَةٍ، فَقَالَ زَوْجُهُنَّ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إنْ لَمْ تَرْكَبْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ فَرْسَخَيْنِ، فَتَرْكَبُ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى الْبَغْلَيْنِ فَرْسَخًا، ثُمَّ تَرْكَبُ الصُّغْرَى بَغْلَ الْكُبْرَى إلَى تَمَامِ الثَّلَاثِ ثُمَّ رَكِبَتْ الْكُبْرَى بَغْلَ الْوُسْطَى بَعْدَ الْفَرْسَخَيْنِ إلَى تَمَامِ الثَّلَاثِ. (وَإِنْ حَلَّفَتْهُ زَوْجَتُهُ لَا يَطَأُ جَوَارِيَهُ) وَمَنْ وَطِئَهَا مِنْهُنَّ فَهِيَ حُرَّةٌ، وَأَرَادَتْ زَوْجَتُهُ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْيَمِينِ. وَخَافَ أَنْ يَرْفَعَ بِهَا إلَى الْحَاكِمِ، فَلَا يُصَدِّقُهُ فِيمَا نَوَاهُ، وَأَرَادَ هُوَ التَّخَلُّصَ مِنْ ذَلِكَ (أَخْرَجَهُنَّ) أَيْ: جَوَارِيَهُ (عَنْ مِلْكِهِ) بِبَيْعِهِنَّ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ (وَأَشْهَدَ) عَلَى بَيْعِهِنَّ شُهُودًا عُدُولًا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ الزَّوْجَةُ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (حَلَفَ) لَهَا بِعِتْقِ كُلِّ جَارِيَةٍ يَطَؤُهَا مِنْهُنَّ فَيَحْلِفُ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ مِنْهُنَّ شَيْءٌ، وَيُشْهِدُ عَلَى نَفْسِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ شُهُودَ الْبَيْعِ؛ لِيَشْهَدُوا لَهُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا، وَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ (ثُمَّ) بَعْدَ الْيَمِينِ (رَدَّهُنَّ) أَيْ: الْجَوَارِيَ إلَى مِلْكِهِ بِتَقَايُلٍ أَوْ شِرَاءٍ، وَيَطَؤُهُنَّ، وَلَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَكُنَّ فِي مِلْكِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 465 حَالَ الْحَلِفِ، فَإِنْ رَافَعَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ بِالْيَمِينِ وَبِوَطْئِهِنَّ أَقَامَ هُوَ الْبَيِّنَةَ بِالْيَمِينِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْيَمِينِ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مِنْهُنَّ (عَمِلَ) الْحَاكِمُ (بِذَلِكَ) وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا أَنَّهُ (لَا حِنْثَ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَالِمٍ. (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ سَأَلْتنِي الْخُلْعَ، وَلَمْ أُحَلِّفْك عَقِبَ سُؤَالِك؛ فَقَالَتْ: عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَسْأَلْك الْخُلْعَ الْيَوْمَ، فَسَأَلْتُهُ) أَنْ يَخْلَعَهَا (فَخَلَعَهَا عَلَى مَا بَذَلَتْهُ) مِنْ الْعِوَضِ (إنْ فَعَلْت كَذَا) أَيْ: إنْ صَعِدَتْ السَّطْحَ مَثَلًا (وَلَمْ تَفْعَلْهُ) أَيْ: لَمْ تَصْعَدْ السَّطْحَ؛ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَلَا تَطْلُقُ، وَلَا يَحْنَثُ فِي الْخُلْعِ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْخُلْعِ التَّنْجِيزُ، وَقَدْ أَوْقَعَهُ مُعَلَّقًا؛ فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ. (أَوْ) حَلَفَ (لَيُجَامِعُهَا عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ؛ فَثَقَبَ السَّقْفَ، وَأَخْرَجَ) مِنْ السَّقْفِ (مِنْ رَأْسِ الرُّمْحِ يَسِيرًا، وَجَامَعَهَا عَلَيْهِ) أَيْ: الثَّقْبِ، بَرَّ فِي يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَامَعَهَا عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ. (وَيَتَّجِهُ) مَسْأَلَةِ (الْخُلْعِ أَنَّهُ يَحْنَثُ) بِقَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إلَى آخِرِهِ (لِانْصِرَافِ الْيَمِينِ) أَيْ يَمِينِ الطَّلَاقِ الَّتِي عَلَّقَهَا (لِ) الْخُلْعِ (الصَّحِيحِ) وَهَذَا الْخُلْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَجَّزٍ، وَحَيْثُ لَمْ يُنَجِّزْ الْخُلْعَ؛ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ، وَيَحْنَثُ بِالطَّلَاقِ لِعَدَمِ صِفَةٍ صَحِيحَةٍ عَلَّقَ بِالطَّلَاقِ عَلَيْهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى مُجَرَّدِ سُؤَالِهَا الْخُلْعَ؛ وَقَدْ سَأَلَتْهُ، وَبَذَلَتْ لَهُ عِوَضًا، وَخَلَعَهَا عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُنَجِّزْ الْخُلْعَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَنْجِيزِ الْخُلْعِ عَدَمُ إبْرَارِهِ فِي الطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ قَدْ عَلَّقَهُ عَلَى مُطْلَقِ السُّؤَالِ، وَقَدْ وُجِدَ. (وَ) إنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ (لَيَطَأَنَّهَا) أَيْ: زَوْجَتَهُ (فِي يَوْمٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 466 وَلَا يَغْتَسِلَ فِيهِ عَمْدًا) مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ (وَلَا يَتْرُكَ الصَّلَاةَ) أَيْ: صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ (فَإِنَّهُ يَطَأُ) بَعْدَ صَلَاةِ (الْعَصْرِ، وَيَغْتَسِلُ بَعْدَ الْغُرُوبِ) أَيْ: بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ وَلَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ جَامَعَ فِي الْيَوْمِ، وَلَمْ يَغْتَسِلْ فِيهِ، وَلَمْ تَفُتْهُ الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ. (وَ) إنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ (لَا لَبِسْت هَذَا الْقَمِيصَ وَلَا وَطِئْتُكِ إلَّا فِيهِ) أَيْ: الْقَمِيصِ، وَأَرَادَ التَّخَلُّصَ (فَيَلْبَسُهُ هُوَ وَيَطَؤُهَا) فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَقَدْ بَرَّ بِيَمِينِهِ. [تَتِمَّةٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَطَأْك فِي رَمَضَانَ نَهَارًا] تَتِمَّةٌ وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَطَأْك فِي رَمَضَانَ نَهَارًا، فَفَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ مُرِيدَ السَّفَرِ مَسَافَةَ قَصْرٍ ثُمَّ وَطِئَهَا، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ؛ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ إرَادَةَ حَلِّ الْيَمِينِ مِنْ الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ. وَإِنْ حَلَفَ أَنْ خَمْسَةً زَنَوْا بِامْرَأَةٍ، فَلَزِمَ الْأَوَّلَ الْقَتْلُ وَالثَّانِيَ الرَّجْمُ، وَالثَّالِثَ الْجَلْدُ، وَالرَّابِعَ نِصْفُ الْجَلْدِ؛ وَالْخَامِسَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، فَالْأَوَّلُ ذِمِّيٌّ وَالْمَرْأَةُ مُسْلِمَةٌ؛ فَيُقْتَلُ لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ، وَالثَّانِي مُحْصَنٌ، فَرُجِمَ، وَالثَّالِثُ حُرٌّ بِكْرٌ فَيُجْلَدُ مِائَةً، وَيُغَرَّبُ عَامًا، وَالرَّابِعُ عَبْدٌ يُجْلَدُ خَمْسِينَ، وَالْخَامِسُ حَرْبِيٌّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِأَحْكَامِنَا. [بَابُ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ] (وَهُوَ) أَيْ: الشَّكُّ لُغَةً ضِدُّ الْيَقِينِ، وَاصْطِلَاحًا تَرَدُّدٌ عَلَى السَّوَاءِ، وَالْمُرَادُ (هُنَا مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ) بَيْنَ وُجُودِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عَدَدِهِ أَوْ شَرْطِهِ وَعَدَمِهِ؛ فَيَدْخُلُ فِيهِ الظَّنُّ وَالْوَهْمُ. (وَلَا يَلْزَمُ) الطَّلَاقُ، (لِشَكٍّ فِيهِ) أَوْ شَكٍّ (فِيمَا عَلَّقَ عَلَيْهِ) الطَّلَاقَ وَلَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ (عَدَمِيًّا كَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ) كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا فَزَوْجَتِي طَالِقٌ، وَشَكَّ فِي فِعْلِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَعْدَ مُضِيِّهِ؛ فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 467 بَقَاءُ الْعِصْمَةِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمُزِيلُ، كَالْمُتَطَهِّرِ يَشُكُّ فِي الْحَدَثِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» . (وَسُنَّ تَرْكُ وَطْءٍ قَبْلَ رَجْعَةٍ) إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا (وَيَتَّجِهُ) لَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَةِ الرَّجْعِيَّةِ بِالْقَوْلِ (لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ) أَيْ: خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ تَرْكَ وَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ مُطْلَقًا كَالْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ شَاكٌّ فِي حِلِّهَا، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ امْرَأَتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَبِعَهُ: الْوَرَعُ الْتِزَامُ الطَّلَاقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» (وَإِلَّا) تُلَاحَظُ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ؛ فَلَا يَفْتَقِرُ وَطْؤُهَا إلَى مُرَاجَعَةٍ بِالْقَوْلِ؛ إذْ (هُوَ) أَيْ: الْوَطْءُ (رَجْعَةٌ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَتَمَامُ وَرَعٍ قَطْعُ شَكٍّ بِهَا) أَيْ: بِالرَّجْعَةِ حَيْثُ أَمْكَنَهُ أَوْ قَطْعُ شَكٍّ (بِعَقْدٍ) جَدِيدٍ (أَمْكَنَ) يَعْنِي إنْ لَمْ تَكُنْ بَقِيَتْ فِي طَلَاقِهَا عَلَى وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْوُقُوعِ لَا تَحِلُّ لَهُ بِدُونِهِمَا، فَكَانَ الْأَوْلَى فِعْلَهُمَا لِتَيَقُّنِ الْحِلِّ بِذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) عَقْدٌ (كَ) كَوْنِ الشَّكِّ فِي وُقُوعِ طَلَاقِ (ثَلَاثٍ) فَقَطْعُ الشَّكِّ (بِفُرْقَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ) تَمَامُ الْوَرَعِ (بِأَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ تَكُنْ طَلُقَتْ فَهِيَ طَالِقٌ) لِئَلَّا تَبْقَى مُعَلَّقَةٍ مَتْرُوكٌ وَطْؤُهَا بِالتَّحَرُّجِ بِهِ (وَإِلَّا) يُطَلِّقْهَا (لَمْ تَحِلَّ لِغَيْرِهِ كَسَائِرِ الْمُزَوَّجَاتِ) إذْ يَقِينُ نِكَاحِهِ بَاقٍ لَمْ يُوجَدْ مَا يُعَارِضُهُ (وَيُمْنَعُ، وَيَتَّجِهُ نَدْبًا) خِلَافًا لِلشَّيْخِ عُثْمَانَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (حَالِفٌ لَا يَأْكُلُ تَمْرَةً اشْتَبَهَتْ بِغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِمَّا اشْتَبَهَتْ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا (فَإِنْ أَكَلَ الْكُلَّ إلَّا بَعْضَ وَاحِدَةٍ) وَلَمْ يَدْرِ أَكَلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 468 الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا أَوْ لَا (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ إذْ أَبْقَى مِنْهُ بَعْضَ وَاحِدَةٍ احْتَمَلَ أَنَّهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا وَيَقِينُ النِّكَاحِ ثَابِتٌ، فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ. (وَإِنْ حَلَفَ لِيَأْكُلْنَهَا) أَيْ: التَّمْرَةَ (فَاخْتَلَطَتْ) بِتَمْرٍ وَاشْتَبَهَتْ (لَمْ يَتَحَقَّقْ بِرُّهُ إلَّا بِأَكْلِ الْكُلِّ) أَيْ: كُلِّ التَّمْرِ الْمُخْتَلِطَةِ بِهِ لِمَا سَبَقَ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا حِنْثَ) عَلَى حَالِفٍ لَيَأْكُلَهَا، وَاشْتَبَهَتْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا بِغَيْرِهَا (لَوْ أَكَلَ) تَمْرَةً (وَاحِدَةً لِلشَّكِّ) فِي أَنَّهَا هِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرُهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ (بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) وَهُوَ الْأَقَلُّ؛ لِمَا سَبَقَ (فَ) لَوْ قَالَ: (أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ مَا طَلَّقَ زَيْدٌ زَوْجَتَهُ، وَجَهِلَ) عَدَدَ مَا طَلَّقَ زَيْدٌ زَوْجَتَهُ (فَطَلْقَةٌ) وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ (وَيَتَّجِهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) زَيْدٌ (طَلَّقَ) زَوْجَتَهُ، (فَ) طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ) تَقَعُ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا أَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ زَيْدٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ فِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ، وَيَصْرِفُهُ لِمَا شَاءَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ قَالَ (لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَثَمَّ مَنْوِيَّةٌ) بِأَنْ نَوَى مُعَيَّنَةً مِنْهُمَا (طَلُقَتْ) الْمَنْوِيَّةُ، لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا بِنِيَّتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَيَّنَهَا بِلَفْظِهِ، فَإِنْ ادَّعَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ عَنَاهَا، وَقَالَ: عَنَيْت ضَرَّتَهَا، فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَإِلَّا) يَنْوِ بِهِ مُعَيَّنَةً (أُخْرِجَتْ) الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُمَا (بِقُرْعَةٍ) نَصًّا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ (كَمُعَيَّنَةٍ مَنْسِيَّةٍ) فَتُمَيَّزُ بِقُرْعَةٍ (وَكَقَوْلِهِ عَنْ طَائِرٍ إنْ كَانَ غُرَابًا فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، وَإِلَّا) يَكُنْ غُرَابًا (فَعَمْرَةُ) طَالِقٌ، وَذَهَبَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 469 الطَّائِرُ (وَجَهِلَ) أَغُرَابٌ أَمْ غَيْرُهُ؛ فَيُقْرِعُ بَيْنَهُمَا، فَتَطْلُقُ مَنْ أَخْرَجَتْهَا الْقُرْعَةُ، لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْهُمَا عَيْنًا فَهُمَا سَوَاءٌ، وَالْقُرْعَةُ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ لِإِخْرَاجِ الْمَجْهُولِ، وَإِنْ مَاتَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا، وَكَانَ نَوَى الْمُطَلَّقَةَ، حَلَفَ لِوَرَثَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا، وَوَرِثَهَا، أَوْ الْحَيَّةَ، وَلَمْ يَرِثْ الْمَيِّتَةَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ إحْدَاهُمَا، أَقْرَعَ كَمَا سَبَقَ (وَإِنْ مَاتَ) قَبْلَ الْقُرْعَةِ (أَقْرَعَ وَرَثَتُهُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهَا) الْقُرْعَةُ (لَمْ تَرِثْ) . (وَمَنْ لَهُ أَرْبَعُ) زَوْجَاتٍ (فَأَبَانَ وَاحِدَةً بَيْنَهُمَا) مُعَيَّنَةً (ثُمَّ نَكَحَ) أَيْ: تَزَوَّجَ (أُخْرَى) بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (ثُمَّ مَاتَ) الزَّوْجُ (وَجُهِلَتْ الْبَائِنُ) مِنْهُنَّ (فَلِلْجَدِيدَةِ رُبْعُ مِيرَاثِهِنَّ) أَيْ: الزَّوْجَاتِ نَصًّا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِيهَا (ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْأَرْبَعِ) الْأُوَلِ لِإِخْرَاجِ الْمُطَلَّقَةِ (فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهَا) قُرْعَةُ الطَّلَاقِ (لَمْ تَرِثْ) إذَا لَمْ يُتَّهَمْ بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا، مِنْ إرْثٍ وَدَوَاعِيهِ (قَبْلَهَا) أَيْ: الْقُرْعَةِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِإِحْدَاهُنَّ الْبَاقِيَاتِ ثَلَاثَ أَرْبَاعِ مِيرَاثِ الزَّوْجَاتِ (وَلَا يَطَأُ) أَيْ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ إحْدَاهُنَّ يَقِينًا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُصَادِفَهَا (وَتَجِبُ النَّفَقَةُ) لِلزَّوْجَاتِ إلَى الْقُرْعَةِ، لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ لِحَقِّهِ فِي حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ. (وَمَتَى ظَهَرَ) بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ الْوَاحِدَةِ (أَنْ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُ الْمُخْرَجَةِ بِالْقُرْعَةِ) بِأَنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ نِسْيَانِهِ (رُدَّتْ) الْمُخْرَجَةُ لِزَوْجِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِيهَا بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ، وَالْقُرْعَةُ لَا حُكْمَ لَهَا مَعَ الذِّكْرِ، فَإِذَا عُلِمَ الْمُطَلَّقَةُ؛ رُجِعَ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا لِلِاشْتِبَاهِ، فَإِذَا زَالَ عَنْهَا؛ رُدَّتْ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ عُلِمَتْ مُذَكَّاةً بَعْدَ أَنْ اشْتَبَهَتْ بِمَيِّتَةٍ (مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ) مُخْرَجَةٌ؛ فَلَا تُرَدُّ إلَيْهِ، لِتَعَلُّقِ غَيْرِهِ بِهَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إبْطَالِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (أَوْ) مَا لَمْ (يَحْكُمْ بِالْقُرْعَةِ) حَاكِمٌ، أَوْ يُقْرِعْ الْحَاكِمُ بَيْنَهُنَّ، لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ الزَّوْجَ رَفْعُهَا كَسَائِرِ الْحُكُومَاتِ (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ عَدَمُ إرْجَاعِهَا إلَيْهِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ أَوْ حُكْمِ الْحَاكِمِ (إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 470 ظَهَرَ) خُرُوجُ الْقُرْعَةِ لِوَاحِدَةٍ مُطَلَّقَةٍ غَيْرِهَا (بِتَذَكُّرِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ، وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ظُهُورُ ذَلِكَ (بِبَيِّنَةٍ، تُرَدُّ) الْمُخْرَجَةُ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ تَزَوَّجَتْ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَارِعُ الْحَاكِمَ أَوْ غَيْرَهُ، حَكَمَ بِهَا أَوْ لَمْ يَحْكُمْ (لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَحُكْمُهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ) . (وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَتَانِ أَوْ) مَاتَتْ (إحْدَاهُمَا) بَعْدَ قَوْلِهِ لَهَا: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَبْلَ الْقُرْعَةِ (عَيَّنَ هُوَ) أَيْ: الْمُطَلِّقُ، أَيْ: أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِ الْإِرْثِ فَمَنْ قَرَعَتْ؛ لَمْ تُوَرَّثْ (وَيَحْلِفُ) إنْ كَانَ نَوَى الْمُطَلَّقَةَ (لِوَرَثَةِ الْأُخْرَى) أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا وَيَرِثُهَا لِأَنَّهَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى) إحْدَاهُمَا (أَقْرَعَ) كَمَا سَبَقَ (فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهَا) الْقُرْعَةُ (لَمْ يَرِثْهَا) لِظُهُورِ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَتُهُ. (وَمَنْ ادَّعَتْ زَوْجَتُهُ) أَنَّهُ طَلَّقَهَا (طَلَاقًا بَائِنًا فَأَنْكَرَ) الزَّوْجُ (فَقَوْلُهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (فَإِنْ مَاتَ) بَعْدَ دَعْوَاهَا (لَمْ تَرِثْهُ) مُؤَاخَذَةً لَهَا بِمُقْتَضَى اعْتِرَافِهَا (وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ) لِأَنَّ قَوْلَهَا لَا يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيْهَا (وَ) لَوْ قَالَ (لِزَوْجَتَيْهِ أَوْ) قَالَ (لِأَمَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ غَدًا، فَمَاتَتْ) إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْغَدِ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْبَاقِيَةِ (أَوْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا) أَيْ: عَنْ أَمَتِهِ (قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ غَدٍ وَقَعَ) الْعِتْقُ (بِالْبَاقِيَةِ) مِنْ الْأَمَتَيْنِ، لِأَنَّهَا بَقِيَتْ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ نِسَاءٌ، وَقَالَ لَهُنَّ: إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ غَدًا فَمَاتَتْ إحْدَاهُنَّ قَبْلَ الْغَدِ، أَوْ كَانَ لَهُ إمَاءٌ، وَقَالَ لَهُنَّ: إحْدَاكُنَّ حُرَّةٌ غَدًا، فَمَاتَتْ إحْدَاهُنَّ قَبْلَ الْغَدِ أَوْ بَاعَ إحْدَى الْإِمَاءِ قَبْلَ الْغَدِ؛ أَقْرَعَ بَيْنَ الْبَاقِي إذَا جَاءَ الْغَدُ، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ طَلُقَتْ أَوْ عَتَقَتْ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَأَمَتِي حُرَّةٌ وَلَهُ نِسَاءٌ وَإِمَاءٌ وَنَوَى مُعَيَّنَةً مِنْ نِسَائِهِ أَوْ إمَائِهِ؛ انْصَرَفَ الطَّلَاقُ أَوْ الْعِتْقُ إلَيْهَا، كَمَا لَوْ عَيَّنَهَا بِلَفْظٍ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مُبْهَمَةً مِنْهُنَّ أُخْرِجَتْ بِقُرْعَةٍ، لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 471 شَيْئًا، طَلَّقَ الزَّوْجَاتِ وَعَتَقَ الْإِمَاءَ كُلَّهُنَّ، لِأَنَّ امْرَأَتِي وَأَمَتِي مُفْرَدٌ مُضَافٌ لِمَعْرِفَةٍ؛ فَيَعُمُّ. (وَمَنْ زَوَّجَ بِنْتًا مِنْ بَنَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَجُهِلَتْ) الْمُزَوَّجَةُ (حَرُمَ الْكُلُّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُزَوَّجَةُ (وَمَنْ) لَهُ زَوْجَتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ وَ (قَالَ عَنْ طَائِرٍ إنْ كَانَ غُرَابًا فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَ حَمَامًا فَعَمْرَةُ) طَالِقٌ، وَمَضَى الطَّائِرُ (وَجَهِلَ) جِنْسَهُ (لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا) أَيْ: حَفْصَةَ وَعَمْرَةَ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لَيْسَ غُرَابًا وَلَا حَمَامًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْحِنْثِ، فَلَا يَزُولُ يَقِينُ النِّكَاحِ بِالشَّكِّ. (وَإِنْ قَالَ) عِنْدَ طَائِرٍ: (إنْ كَانَ غُرَابًا فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ) قَالَ: (فَأَمَتُهُ حُرَّةٌ، وَقَالَ آخَرُ: إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا مِثْلُهُ) أَيْ: فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ (وَلَمْ يَعْلَمَا) الطَّائِرَ غُرَابًا أَمْ غَيْرَهُ (لَمْ تَطْلُقَا) أَيْ زَوْجَتَاهُمَا (وَلَمْ تَعْتِقَا) أَيْ أَمَتَاهُمَا، لِأَنَّ الْحَانِثَ مِنْهُمَا غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَلَا يُحْكَمُ بِالْحِنْثِ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لِبَقَاءِ يَقِينِ نِكَاحِهِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى (وَحَرُمَ عَلَيْهِمَا وَطْءٌ) وَدَاعِيهِ؛ لِحِنْثِ أَحَدِهِمَا بِيَقِينٍ وَتَحْرِيمِ امْرَأَتِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَشْكَلَ، أَشْبَهَ لَوْ حَنِثَ فِي إحْدَى امْرَأَتَيْهِ لَا بِعَيْنِهَا (إلَّا بِاعْتِقَادِ أَحَدِهِمَا خَطَأَ الْآخَرِ) فَإِنْ مَنْ اعْتَقَدَ خَطَأَ رَقِيقِهِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ، وَلَا يَحْنَثُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ صِدْقُهُ (أَوْ) إلَّا أَنْ (يَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا أَمَةَ الْآخَرِ، فَيُقْرِعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ: الْأَمَتَيْنِ (حِينَئِذٍ) فَتَعْتِقُ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ، كَمَنْ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ؛ وَنَسِيَهَا، وَلَهُ الْوَلَاءُ إنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِلَّتِي كَانَتْ أَمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ لَهَا، وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ (لَكِنْ لَوْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ أَمَةٍ مُشْتَرَاةٍ؛ فَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ حَتَّى) يَتَصَادَقَا عَلَى أَمْرٍ (يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَدَّعِيهِ إذَنْ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) أَيْ: كَاَلَّتِي قَبْلَهَا (قَوْلُهُ) أَيْ: قَوْلُ رَجُلٍ (لِآخَرَ: إنَّك لَحَسُودٌ) أَيْ: كَثِيرُ الْحَسَدِ (فَقَالَ الْآخَرُ) مُجِيبًا لَهُ (أَحَسَدَنَا) أَيْ: أَكْثَرُنَا حَسَدًا (امْرَأَتُهُ طَالِقٌ) فَقَالَ: نَعَمْ؛ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، لِبَقَاءِ يَقِينِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 472 نِكَاحِهِمَا، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ أَقَرَّ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (بِحِنْثِهِ لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ مُؤَاخَذَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالْحِنْثِ حَنِثَ وَحْدَهُ لِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةُ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ الْحِنْثَ أَوْ أَمَتُهُ، فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. (وَإِنْ كَانَتْ) أَمَةٌ (مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ مُوسِرَيْنِ وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ عَنْ طَائِرٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ كَانَ غُرَابًا (فَنَصِيبِي حُرٌّ) وَقَالَ الْآخَرُ: إنْ كَانَ غُرَابًا فَنَصِيبِي حُرٌّ (عَتَقَتْ كُلُّهَا عَلَى أَحَدِهِمَا وَيُمَيِّزُ كُلٌّ بِقُرْعَةٍ) لِيَغْرَمَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتِقٌ فَإِنْ قَالَ سَيِّدُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَأَمَتِي حُرَّةٌ وَلَمْ يُعْلَمْ عَتَقَ أَحَدُهُمَا وَيُمَيَّزُ بِقُرْعَةٍ، لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ إلَّا بِهَا، فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الَّذِي عَتَقَ وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ. (وَ) إنْ قَالَ رَجُلٌ: (إنْ كَانَ) هَذَا الطَّائِرُ (غُرَابًا فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ وَإِلَّا) يَكُنْ غُرَابًا (فَعَبْدُهُ حُرٌّ، وَجَهِلَ) فَلَمْ يَعْلَمْ مَا الطَّائِرُ (أَقْرَعَ) بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ، لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى التَّمْيِيزِ، فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الزَّوْجَةِ طَلُقَتْ الزَّوْجَةُ، وَبَقِيَ الْعَبْدُ فِي الرِّقِّ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْعَبْدِ عَتَقَ، وَلَمْ تَطْلُقْ الزَّوْجَةُ، لِعَدَمِ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ عَلَيْهَا (وَأَنْفَقَ) الْحَالِفُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ: عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ (إلَيْهَا) أَيْ: إلَى الْقُرْعَةِ (وَلَا يَتَصَرَّفُ) فِيمَا يَمْلِكُ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ وَمِنْ بَيْعِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ (قَبْلَهَا) أَيْ: الْقُرْعَةِ. (وَ) إنْ قَالَ (لِزَوْجَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ) طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ (أَوْ) قَالَ: (سَلْمَى طَالِقٌ وَاسْمُهُمَا) أَيْ: زَوْجَتِهِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ (سَلْمَى) طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ، (أَوْ) قَالَ لَحْمَاتِهِ: ابْنَتك طَالِقٌ وَلَهَا بِنْتٌ غَيْرُهَا طَلُقَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 473 (زَوْجَتُهُ) لِأَنَّهَا مَحَلُّ طَلَاقِهِ، وَلَا يَمْلِكُ طَلَاقَ غَيْرِهَا (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الْأَجْنَبِيَّةَ دُيِّنَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ (وَلَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) فَلَا يَحْكُمُ لَهُ بِهِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِطَلَاقِهِ (إلَّا بِقَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ (كَدَفْعِ ظَالِمٍ أَوْ تَخَلُّصٍ مِنْ مَكْرُوهٍ) فَيُقْبَلُ حُكْمًا، لِوُجُودِ الدَّلِيلِ الصَّارِفِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ زَوْجَتَهُ وَلَا الْأَجْنَبِيَّةَ، طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ نَادَى) مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ هِنْدٌ وَعَمْرَةُ (مِنْ امْرَأَتَيْهِ هِنْدًا) وَحْدَهَا (فَأَجَابَتْهُ) زَوْجَتُهُ (عَمْرَةُ أَوْ لَمْ تُجِبْهُ) عَمْرَةُ (وَهِيَ الْحَاضِرَةُ) عِنْدَهُ دُونَ هِنْدٍ (فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَظُنُّهَا) أَيْ عَمْرَةَ هِنْدًا، (طَلُقَتْ هِنْدٌ لَا عَمْرَةُ) لِأَنَّ الْمُنَادَاةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالطَّلَاقِ؛ فَوَقَعَ بِهَا كَمَا لَوْ أَجَابَتْهُ وَعَمْرَةُ لَمْ يَقْصِدْهَا بِالطَّلَاقِ (وَإِنْ عَلِمَهَا) أَيْ الْمُجِيبَةَ (غَيْرَ الْمُنَادَاةِ طَلُقَتْ عَمْرَةُ لَا هِنْدٌ) وَهِيَ الْمُنَادَاةُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُوَاجَهَةٍ بِالطَّلَاقِ وَلَا مَنْوِيَّةٍ بِهِ (إلَّا إنْ أَرَادَهَا) أَيْ: هِنْدًا، فَإِنْ أَرَادَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ (أَيْضًا) لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ وَالْمُجِيبَةُ؛ لِأَنَّهُ وَاجَهَهَا بِالطَّلَاقِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا غَيْرُ الْمُنَادَاةِ. (وَإِنْ قَالَ) زَوْجٌ (لِأَجْنَبِيَّةٍ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ فُلَانَةَ) وَسَمَّى زَوْجَتَهُ: (أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ لَمْ يُسَمِّهَا) أَيْ: زَوْجَتَهُ، بَلْ قَالَ لِمَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ فُلَانَةَ (طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ) اعْتِبَارًا بِالْقَصْدِ، دُونَ الْخِطَابِ (وَكَذَا عَكْسُهُ كَقَوْلِهِ ذَلِكَ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ (لِزَوْجَتِهِ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً؛ فَيَقَعُ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ وَاجَهَهَا بِصَرِيحِهِ كَمَا لَوْ عَلِمَهَا زَوْجَتَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ " " وَالْمُنَوِّرِ " قَالَ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ " دِينَ، وَلَمْ يُقْبَلْ حُكْمًا؛ إذْ لَا أَثَرَ لِظَنِّهَا أَجْنَبِيَّةً، لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ لَقِيَ امْرَأَتَهُ، فَظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ تَنَحِّي يَا مُطَلَّقَةُ؛ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 474 تَتِمَّةٌ وَمِثْلُ الطَّلَاقِ الْعِتْقُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ؛ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إزَالَةُ مِلْكٍ يَنْبَنِي عَلَى التَّغَلُّبِ وَالسِّرَايَةِ قَالَ أَحْمَدُ - فِيمَنْ قَالَ: يَا غُلَامُ أَنْتَ حُرٌّ - يَعْتِقُ عَبْدُهُ الَّذِي نَوَاهُ وَفِي " الْمُنْتَخَبِ ": أَوْ نَسِيَ أَنَّ لَهُ عَبْدًا أَوْ زَوْجَةً فَبَانَ لَهُ (وَمَنْ أَوْقَعَ بِزَوْجَتِهِ كَلِمَةً هَلْ هِيَ طَلَاقٌ أَوْ ظِهَارٌ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ أَحَدُهُمَا. (وَإِنْ شَكَّ) زَوْجٌ (هَلْ ظَاهَرَ) مِنْ زَوْجَتِهِ (أَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ) تَعَالَى لَا يَطَؤُهَا (لَزِمَهُ بِحِنْثٍ) بِأَنْ وَطِئَهَا (كَفَّارَةُ يَمِينٍ) لِأَنَّهَا وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ لِيَبْرَأَ بِيَقِينٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 475 [كِتَابُ الرَّجْعَةِ] ِ (الرَّجْعَةُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْكَسْرُ أَكْثَرُ (وَهِيَ) لُغَةً: الْمَرَّةُ مِنْ الرُّجُوعِ، وَشَرْعًا (إعَادَةُ مُطْلَقَةٍ) طَلَاقًا (غَيْرَ بَائِنٍ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ) قَبْلَ الطَّلَاقِ (بِغَيْرِ عَقْدٍ) وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: 228] أَيْ رَجْعَةً، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْعُلَمَاءُ وقَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] فَخَاطَبَ الْأَزْوَاجَ بِالْأَمْرِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُنَّ اخْتِيَارًا، «وَطَلَّقَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَفْصَةَ؛ ثُمَّ رَاجَعَهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرَوَى الشَّيْخَانِ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: طَلَّقْت امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» (إذَا طَلَّقَ حُرٌّ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مُمَيِّزًا بِعَقْلِهِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إمْسَاكٌ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، لِأَوَّلِيَّةِ (مَنْ) دَخَلَ أَوْ (خَلَا بِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) طَلَاقَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، (أَوْ) طَلَّقَ (عَبْدٌ) مَنْ دَخَلَ أَوْ (خَلَا بِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ طَلْقَةً وَاحِدَةً بِلَا عِوَضٍ مِنْ الْمَرْأَةِ) وَلَا غَيْرِهَا فِي طَلَاقِ الْحُرِّ أَوْ الْعَبْدِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُطَلِّقُ حُرًّا أَوْ كَانَ عَبْدًا فِي عِدَّتِهَا رَجْعَتُهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِلَا إذْنِ سَيِّدِ زَوْجٍ. (وَلِوَلِيٍّ مَجْنُونٍ) طَلَّقَ بِلَا عِوَضٍ دُونَ مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ حُرٌّ عَاقِلٌ، ثُمَّ جُنَّ (فِي عِدَّتِهَا رَجْعَتُهَا، وَلَوْ كَرِهَتْ) الْمُطَلَّقَةُ ذَلِكَ، لِقِيَامِ وَلِيِّهِ مَقَامَهُ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَتَلَخَّصَ أَنَّ لِلرَّجْعَةِ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ: يَكُونَ دَخَلَ أَوْ خَلَا بِهَا، لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، فَلَا تُمْكِنُ رَجْعَتُهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 476 الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا، لِأَنَّ مَنْ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ تَبِينُ بِالطَّلَاقِ؛ فَلَا تُمْكِنُ رَجْعَتُهَا، وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ إعَادَةٌ إلَى النِّكَاحِ، فَإِذَا لَمْ تَحِلَّ بِالنِّكَاحِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ؛ وَجَبَ أَنْ لَا تَحِلَّ بِالرَّجْعَةِ إلَيْهِ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُطَلِّقُ دُونَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ الثَّلَاثُ لِلْحُرِّ وَالِاثْنَتَانِ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَوْفَى عَدَدَ طَلَاقِهِ لَا تَحِلُّ لَهُ مُطَلَّقَتُهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَلَا تُمْكِنُ رَجْعَتُهَا لِذَلِكَ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ الْعِوَضُ فِي الطَّلَاقِ إنَّمَا جُعِلَ لِتَفْتَدِي بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ كَانَ لَهُ رَجْعَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِلْإِجْمَاعِ، وَدَلِيلُهُ مَا سَبَقَ (أَوْ أَمَةٌ) عَلَى أَمَةٍ أَوْ أَمَةٌ (عَلَى حُرَّةٍ) لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ، لَا ابْتِدَاءٌ لَهُ، أَوْ كَانَتْ الرَّجْعِيَّةُ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً، وَأَبَى (وَلِيٌّ) رَجْعَتَهَا، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً مُكَلَّفَةً؛ لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهَا؛ فَكَذَا سَيِّدُهَا أَوْ وَلِيُّهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّجْعَةِ إرَادَةُ الْإِصْلَاحِ، وَالْآيَةُ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْإِصْلَاحِ وَالْمَنْعِ مِنْ قَصْدِ الْإِضْرَارِ. وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: خَلَوْت بِك قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلِي عَلَيْك الرَّجْعَةُ (فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَاهُ الْخَلْوَةَ) بِهَا (لِيُرَاجِعَ) هَذَا (إنْ كَذَّبَتْهُ) بِأَنْ قَالَتْ: لَمْ تَخْلُ بِي قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ فَلَا رَجْعَةَ لَك عَلَيَّ، بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى، فَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ فَلَا تَسْتَحِقُّ إلَّا نِصْفَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِكُلِّهِ فَهِيَ لَا تَدَّعِي إلَّا نِصْفَهُ، وَلَا تُصَدِّقُهُ فِي إقْرَارِهِ (كَمَا لَا يُقْبَلُ مِنْهَا) لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ خَلَا بِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ (لِيَكْمُلَ صَدَاقٌ، فَكَذَّبَهَا) الزَّوْجُ بِأَنْ قَالَ: طَلَّقْتُك قَبْلَ الْخَلْوَةِ، فَلَيْسَ لَك سِوَى نِصْفِ الصَّدَاقِ، وَحَيْثُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِدَعْوَاهَا الْخَلْوَةَ. (فَإِنْ ادَّعَاهَا) أَيْ: الْخَلْوَةَ (بَعْدَ قَبْضِهِ) أَيْ: بَعْدَ أَنْ صَارَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فِي يَدِهَا (لِيُرَاجِعَهَا، فَأَنْكَرَتْ) كَوْنَهُ خَلَا بِهَا (لَمْ يَرْجِعْ) عَلَيْهَا (بِشَيْءٍ) مِنْ الصَّدَاقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 477 عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ، وَلِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً لَهُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ فَهُوَ لَا يُصَدِّقُهَا. (وَتَحْصُلُ) الرَّجْعَةُ (بِلَفْظِ رَاجَعْتهَا وَرَجَعْتهَا وَارْتَجَعْتهَا وَأَمْسَكْتهَا وَرَدَدْتُهَا وَأَعْدَدْتهَا) لِوُرُودِ السُّنَّةِ بِلَفْظِ الرَّجْعَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَاشْتَهَرَ هَذَا الِاسْمُ فِيهِ عُرْفًا فَسُمِّيَ رَجْعَةً، وَالْمَرْأَةُ رَجْعِيَّةً، وَوَرَدَ الْكِتَابُ بِهِ، أَيْ: لَفْظِ الرَّدِّ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] وَبِلَفْظِ الْإِمْسَاكِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] وَقَوْلُهُ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] وَأُلْحِقَ بِهَا مَا هُوَ بِمَعْنَاهَا (وَلَوْ لَمْ يَنْوِ) مَنْ أَتَى بِلَفْظَةِ مِمَّا تَقَدَّمَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا صَرَائِحُ، وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ (أَوْ) قَالَ ذَلِكَ (هَازِلًا أَوْ زَادَ) بَعْدَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ (لِلْمَحَبَّةِ أَوْ زَادَ لِلْإِهَانَةِ) بِأَنْ قَالَ: رَاجَعْتهَا وَنَحْوُهُ لِلْمَحَبَّةِ، أَوْ قَالَ: رَاجَعْتهَا وَنَحْوُهُ لِلْإِهَانَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: رَاجَعْتُك لِمَحَبَّتِي إيَّاكِ أَوْ إهَانَتِك، لِأَنَّهُ أَتَى الرَّجْعَةَ، وَبَيَّنَ سَبَبَهَا (إلَى أَنْ يَنْوِيَ رَجَعْتُهَا إلَى ذَلِكَ) أَيْ: الْمَحَبَّةِ أَوْ الْإِهَانَةِ (بِفِرَاقِهَا) مِنْهُ؛ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَإِنْ أَرَادَ رَاجَعْتُك إلَى الْإِهَانَةِ بِفِرَاقِي إيَّاكِ أَوْ الْمَحَبَّةِ، فَلَا رَجْعَةَ انْتَهَى وَذَلِكَ لِحُصُولِ التَّضَادِّ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تُرَادُ لِلْفِرَاقِ وَلَا تَحْصُلُ (بِ) قَوْلٍ مُطْلَقِ (نَكَحْتُهَا وَتَزَوَّجْتهَا) لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَالرَّجْعَةُ اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ مَقْصُودٍ؛ فَلَا تَحْصُلُ بِكِنَايَةٍ كَالنِّكَاحِ (وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا) أَيْ: الرَّجْعَةِ (الْإِشْهَادُ) عَلَيْهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ كَسَائِرِ حُقُوقِ الزَّوْجِ، وَكَذَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى وَلِيٍّ وَلَا صَدَاقٍ وَلَا رِضَى الْمَرْأَةِ، كَمَا مَرَّ، وَلَا عِلْمِهَا إجْمَاعًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 478 لِأَنَّ حُكْمَ الرَّجْعِيَّةِ حُكْمُ الزَّوْجَاتِ، وَالرَّجْعَةُ إمْسَاكٌ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَإِنَّمَا تَشَعَّثَ النِّكَاحُ بِالطَّلْقَةِ، وَانْعَقَدَ بِهَا سَبَبُ زَوَالِهِ؛ فَالرَّجْعَةُ تُزِيلُ شَعَثَهُ، وَتَقْطَعُ مُضِيَّهُ إلَى الْبَيْنُونَةِ؛ فَلَمْ تَحْتَجْ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) اشْتَرَطُوا الْإِشْهَادَ عَلَيْهَا، وَهِيَ رِوَايَةُ مُهَنَّا، وَعُزِيَتْ إلَى اخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا فِي تَعَالِيقِهِ " (بَلْ يُسْتَحَبُّ) الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا احْتِيَاطًا (فَلَا تَبْطُلُ) الرَّجْعَةُ (لَوْ) أَشْهَدُوا (وَصِيَّ الشُّهُودِ بِكِتْمَانِهَا) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ. (وَلَوْ طَلَّقَ عَبْدٌ) زَوْجَتَهُ (طَلْقَةً) وَاحِدَةً (ثُمَّ عَتَقَ مَلَكَ) الْعَبْدُ (تَتِمَّةَ ثَلَاثٍ، كَكَافِرٍ رَقَّ بَعْدَ) أَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ (ثِنْتَيْنِ) فَإِنَّهُ يَمْلِكُ تَتِمَّتَهُ الثَّلَاثَ. (وَالرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ فِي نَفَقَةٍ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، (وَ) كَذَلِكَ هِيَ زَوْجَةٌ فِي (إرْثٍ) مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا (وَفِي صِحَّةِ لِعَانٍ وَطَلَاقٍ، وَيَلْحَقُهَا ظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ) وَيَصِحُّ خُلْعُهَا؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ يَصِحُّ طَلَاقُهَا، وَنِكَاحُهَا بَاقٍ؛ فَلَا تُؤْمِنُ رَجْعَتُهُ، لَكِنْ لَا قَسْمَ لَهَا، صَرَّحَ بِهِ " الْمُوَفَّقُ " وَغَيْرُهُ (وَلَهَا) أَيْ: الرَّجْعِيَّةِ (أَنْ تَتَشَرَّفَ) أَيْ: تَتَعَرَّضَ (لَهُ) أَيْ: لِمُطَلِّقِهَا: بِأَنْ تُرِيَهُ نَفْسَهَا، وَلَهَا أَيْضًا أَنْ (تَتَزَيَّنَ) لَهُ، كَمَا تَتَزَيَّنُ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ؛ لِإِبَاحَتِهَا لَهُ كَمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُطَلِّقِ (السَّفَرُ) بِالرَّجْعِيَّةِ (وَالْخَلْوَةُ بِهَا وَوَطْؤُهَا) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ (وَتَحْصُلُ بِهِ) أَيْ: بِوَطْئِهَا (رَجَعْتُهَا) بِلَا إشْهَادٍ، نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ سَبَبُ زَوَالِ الْمِلْكِ، وَقَدْ انْعَقَدَ مَعَ الْخِيَارِ وَالْوَطْءُ مِنْ الْمَالِكِ يَمْنَعُ زَوَالَهُ كَوَطْءِ الْبَائِعِ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ، كَمَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّوَكُّلُ فِي طَلَاقِهَا (بِغَيْرِ رِضَاهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (وَبِلَا وَلِيٍّ وَ) لَا (شُهُودٍ وَ) لَا (صَدَاقٍ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 479 وَ (لَا تَحْصُلُ) الرَّجْعَةُ (بِمُبَاشَرَةِ) الرَّجْعِيَّةِ (دُونَ الْفَرْجِ وَلَا بِنَظَرٍ إلَيْهِ) أَيْ: الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا تَحْصُلُ (بِخَلْوَةٍ بِهَا) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ) أَيْ: أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِحُصُولِ الرَّجْعَةِ بِالْخَلْوَةِ (وَلَا تَحْصُلُ رَجْعَتُهَا) (بِإِنْكَارِ طَلَاقٍ) لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِوُجُوبِ حَقِّهِ فِي الرَّجْعَةِ. (أَوْ) وَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ (زَمَنَ رِدَّةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِبَاحَةُ بِضْعٍ مَقْصُودٍ؛ فَلَا تَصِحُّ مَعَ الرِّدَّةِ كَنِكَاحٍ، وَكَذَا بَعْدَ إسْلَامِ زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجٍ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ (أَوْ) أَيْ؛ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الرَّجْعَةُ (مُتَعَلِّقَةً) بِشَرْطٍ (كَ) قَوْلِهِ لَهَا: (رَاجَعْتُك إنْ شِئْت أَوْ) رَاجَعْتُك إنْ قَدِمَ (زَيْدٌ أَوْ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَقَدْ رَاجَعْتُك) لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِبَاحَةُ فَرْجٍ مَقْصُودٍ، أَشْبَهَتْ النِّكَاحَ (وَلَوْ عَكَسَهُ) بِأَنْ قَالَ: كُلَّمَا رَاجَعْتُك فَقَدْ طَلَّقْتُك (صَحَّ) التَّعْلِيقُ (وَطَلُقَتْ) كُلَّمَا رَاجَعَهَا؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ. (وَتَصِحُّ) الرَّجْعَةُ (بَعْدَ طُهْرٍ مِنْ حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ، وَلَمْ تَغْتَسِلْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ: " ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ لَهُ رَجْعَتُهَا (وَلَوْ) فَرَّطَتْ فِي الْغُسْلِ (سِنِينَ) حَتَّى قَالَ شَرِيكٌ الْقَاضِي عِشْرِينَ سَنَةً قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٌ انْتَهَى؛ لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجَةِ فِي الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ حَرَامٌ؛ لِوُجُودِ أَثَرِ الْحَيْضِ الَّذِي يَمْنَعُ الزَّوْجَ الْوَطْءَ كَمَا يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ وَيُوجِبُ مَا أَوْجَبَهُ الْحَيْضُ كَمَا قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَلَمْ تُبِحْ لِلْأَزْوَاجِ قَبْلُ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ؛ لِمَا مَرَّ. (وَتَنْقَطِعُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ قَطْعِ نَفَقَةٍ وَإِرْثٍ وَلُحُوقِ نَسَبٍ وَطَلَاقٍ وَخُلْعٍ، وَتَصِحُّ) الرَّجْعَةُ (قَبْلَ وَضْعِ كُلِّ وَلَدٍ مُتَأَخِّرٍ) إنْ كَانَتْ حَامِلًا بَعْدَ وَقَبْلَ خُرُوجِ بَقِيَّةِ وَلَدٍ، لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ. (وَمَتَى اغْتَسَلَتْ) رَجْعِيَّةٌ (مِنْ) حَيْضَةٍ (ثَالِثَةٍ، وَيَتَّجِهُ أَوْ تَيَمَّمَتْ) رَجْعِيَّةٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 480 (لِعُذْرٍ) يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا) قَبْلَ ذَلِكَ (بَانَتْ وَلَمْ تَحِلَّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) إجْمَاعًا؛ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] أَيْ: الْعِدَّةِ (وَتَعُودُ) إلَيْهِ الرَّجْعِيَّةُ إذَا رَاجَعَهَا، وَالْبَائِنُ إذَا نَكَحَهَا (عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا وَلَوْ) كَانَ عَوْدُهَا (بَعْدَ وَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ) غَيْرِ الْمُطَلِّقِ فِي قَوْلِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَأُبَيُّ وَمُعَاذٌ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَزَيْدٌ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِي لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِحْلَالِ لِلْأَوَّلِ؛ فَلَا يُغَيَّرُ حُكْمُ الطَّلَاقِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَوَطْءِ السَّيِّدِ، وَلِأَنَّهُ تَزَوَّجَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الثَّلَاثِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَجَعَتْ إلَيْهِ قَبْلَ وَطْءِ الثَّانِي. (وَإِنْ أَشْهَدَ) مُطَلِّقٌ رَجْعِيًّا (عَلَى رَجْعَتِهَا) فِي الْعِدَّةِ (وَلَمْ تَعْلَمْ) هِيَ (حَتَّى اعْتَدَّتْ، وَنَكَحَتْ مَنْ أَصَابَهَا) ثُمَّ جَاءَ وَادَّعَى رَجْعَتَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ، وَقُبِلَتْ (رُدَّتْ إلَيْهِ) لِثُبُوتِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَأَنَّ نِكَاحَ الثَّانِي فَاسِدٌ؛ لِتَزَوُّجِهِ امْرَأَةً فِي نِكَاحِ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُصِبْهَا الثَّانِي (وَلَا يَطَؤُهَا) الْأَوَّلُ إنْ أَصَابَهَا الثَّانِي (حَتَّى تَعْتَدَّ مِنْ) وَطْءِ (الثَّانِي) احْتِيَاطًا لِلْأَنْسَابِ (وَكَذَا إنْ صَدَّقَاهُ) أَيْ: الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُمَا أَبْلَغُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. (فَإِنْ كَذَّبَاهُ) أَيْ: الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ رَاجَعَهَا، وَلَمْ تَثْبُتْ الرَّجْعَةُ بِبَيِّنَةٍ (رُدَّ قَوْلُهُ) لِتَعْلِيقِ حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي بِهَا، وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِمَا (وَإِنْ صَدَّقَهُ) الزَّوْجُ (الثَّانِي) وَحْدَهُ (بَانَتْ مِنْهُ) لِاعْتِرَافِهِ بِفَسَادِ نِكَاحِهِ، وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا إنْ دَخَلَ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 481 خَلَا بِهَا، وَإِلَّا فَنِصْفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا عَنْهُ (وَلَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ الثَّانِي عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ (وَإِنْ صَدَقَتْ) الْمَرْأَةُ (لَمْ يُقْبَلْ عَلَى) الزَّوْجِ (الثَّانِي) فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ (وَلَا يَلْزَمُهَا مَهْرُ الْأَوَّلِ لَهُ) أَيْ: لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ لَهَا بِالدُّخُولِ (لَكِنْ مَتَى بَانَتْ مِنْهُ) أَيْ: الثَّانِي (عَادَتْ لِلْأَوَّلِ بِلَا عَقْدٍ) جَدِيدٍ، وَلَا يَطَأُ حَتَّى تَعْتَدَّ إنْ دَخَلَ بِهَا (فَإِنْ مَاتَ) الْأَوَّلُ (قَبْلَ أَنْ بَانَتْ مِنْ ثَانٍ، فَقَالَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَبِعَهُ كَصَاحِبِ " الْمُبْدِعِ ": (يَنْبَغِي أَنْ تَرِثَهُ لِإِقْرَارِهِ بِزَوْجِيَّتِهَا وَتَصْدِيقِهَا لَهُ، وَإِنْ مَاتَتْ) وَهِيَ مُصَدِّقَةٌ لِلْأَوَّلِ (لَمْ يَرِثْهَا الْأَوَّلُ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الثَّانِي بِالْإِرْثِ) وَلِأَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ نِكَاحِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ ظَاهِرًا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي حُرًّا، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَبْدًا فَلَا يَرِثُهَا (وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي؛ لَمْ تَرِثْهُ) لِاعْتِرَافِهَا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ (قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يُمَكَّنُ الْأَوَّلُ مِنْ تَزْوِيجِ أُخْتِهَا، وَلَا أَرْبَعٍ سِوَاهَا) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِمُوجِبِ دَعْوَاهُ قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: وَكَذَا الثَّانِي بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (وَمَنْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِنَحْوِ حَيْضٍ أَوْ وِلَادَةٍ، وَأَمْكَنَ ذَلِكَ غَالِبًا) بِأَنْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ انْقِضَاؤُهَا فِيهِ (قَبْلَ) قَوْلِهَا (بِيَمِينِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] أَيْ: مِنْ الْحَمْلِ وَالْحَيْضِ، فَلَوْلَا أَنَّ قَوْلَهُنَّ مَقْبُولٌ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِنَّ كِتْمَانُهُ، وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ يَخُصُّ الْمَرْأَةَ بِمَعْرِفَتِهِ، فَقُبِلَ قَوْلُهَا فِيهِ كَالنِّيَّةِ مِنْ الْإِنْسَانِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ، وَإِنْ لَمْ يَمْضِ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا فِيهِ، رُدَّ قَوْلُهَا، فَإِنْ مَضَى مَا يُمْكِنُ صِدْقُهَا فِيهِ، ثُمَّ ادَّعَتْهُ فَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى دَعْوَاهَا الْمَرْدُودَةِ، لَمْ تُقْبَلْ، وَإِنْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَهَا فِي الْمُدَّةِ كُلِّهَا أَوْ فِي مَا يُمْكِنُ مِنْهَا؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 482 قُبِلَتْ. وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ إمْكَانِ الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي إلَّا بِمَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا خَلْقُ الْإِنْسَانِ، وَأَقَلُّ مُدَّةٍ يَتَبَيَّنُ فِيهَا خَلْقُ الْإِنْسَانِ ثَمَانُونَ يَوْمًا، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّةٌ بِمَا تُلْقِيهِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُضْغَةً وَيَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ، كَمَا لَا تَصِيرُ بِهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ نِفَاسٍ وَلَا وُقُوعُ طَلَاقٍ مُعَلَّقٍ بِوِلَادَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَ (لَا) تُقْبَلُ دَعْوَاهَا انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا (فِي شَهْرٍ بِحَيْضٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) نَصًّا؛ لِقَوْلِ شُرَيْحٍ إذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ وَجَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ النِّسَاءِ الْعُدُولِ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى صِدْقُهُ وَعَدْلُهُ أَنَّهَا رَأَتْ مَا يُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ مِنْ الطَّمْثِ؛ وَتَغْتَسِلُ عَنْهُ كُلَّ قَرْءٍ، وَتُصَلِّي، فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَقَالَ عَلَيَّ قالون: وَمَعْنَاهُ بِالرُّومِيَّةِ أَصَبْت وَأَحْسَنْت؛ وَإِنَّمَا لَمْ تُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ مَعَ إمْكَانِهِ، لِنُدْرَتِهِ بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَتْ خِلَافَ عَادَةٍ مُنْتَظِمَةٍ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَإِنْ ادَّعَتْ الْحُرَّةُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِالْحَيْضِ فِي أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ صُدِّقَتْ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا؛ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ (لَكِنْ لَوْ) بَقِيَتْ عَلَى دَعْوَاهَا انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى (مَضَى) عَلَيْهَا (مَا يُمْكِنُ) صِدْقُهَا فِيهِ كَمَا لَوْ مَضَى عَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ (فَادَّعَتْهُ) أَيْ: الِانْقِضَاءَ (قَبْلَ) قَوْلِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا وَهِيَ مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى نَفْسِهَا، وَمَحَلُّ قَبُولِ قَوْلِهَا؛ (مَا لَمْ تَعْزِهِ) أَيْ: الِانْقِضَاءَ (لِمَا قَبْلَ) التِّسْعَةِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَإِنْ عَزَتْهُ لِمَا قَبْلَهَا؛ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهَا لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاسِقَةِ وَالْمَرِيضَةِ وَالْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ كَإِخْبَارِهِ عَنْ نِيَّتِهِ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّتُهُ. (وَإِنْ ادَّعَتْهُ) أَيْ: الِانْقِضَاءَ (بِأَشْهُرٍ، فَكَذَّبَهَا زَوْجٌ) وَلَمْ تَأْتِ بِبَيِّنَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 483 فَالْقَوْلُ (قَوْلُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيهِ، كَمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا (هِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةِ (لَوْ ادَّعَاهُ) الزَّوْجُ، أَيْ: ادَّعَى الِانْقِضَاءَ بِالْأَشْهُرِ (لِيُسْقِطَ نَفَقَتَهَا) ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، (فَ) لَوْ قَالَ فِي شَوَّالٍ: (طَلَّقْت بِرَجَبٍ) فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُك، وَسَقَطَتْ نَفَقَتُك (فَقَالَتْ) : هِيَ (بَلْ) طَلَّقَنِي (بِرَمَضَانَ) فَعِدَّتِي وَنَفَقَتِي بَاقِيَتَانِ (فَقَوْلُهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سُقُوطِ ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَتْ عَدَمَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ كَبَائِنٍ حَائِلٍ، قُبِلَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ عَلَى نَفْسِهَا بِمَا هُوَ الْأَغْلَظُ عَلَيْهَا، وَلَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ، فَقَالَ فِي شَوَّالٍ: طَلَّقْتُك فِي رَمَضَانَ، فَلَمْ تَنْقَضِي عِدَّتُك، فَلِي رَجْعَتُك، فَقَالَتْ: بَلْ طَلَّقَنِي فِي رَجَبٍ فَانْقَضَتْ عِدَّتِي، فَلَا رَجْعَةَ لَك؛ فَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ؛ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ. (وَأَقَلُّ مَا) أَيْ: زَمَنٍ (تَنْقَضِي عِدَّةُ حُرَّةٍ فِيهِ بِأَقْرَاءٍ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا) بِلَيَالِيِهَا (وَلَحْظَةٌ) لِمَا سَبَقَ أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحِيَضُ، وَأَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، أَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيَكُونُ طَلَّقَهَا مَعَ آخِرِ الطُّهْرِ وَاللَّحْظَةُ لِتَحَقُّقِ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَحَيْثُ اُعْتُبِرَ الْغُسْلُ اُعْتُبِرَ لَهُ لَحْظَةٌ أَيْضًا. (وَ) أَقَلُّ مَا تَنْقَضِي فِيهِ عِدَّةُ (أَمَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ) يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا (وَلَحْظَةٌ) بِأَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ طُهْرِهَا، وَحَاضَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَطَهُرَتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَحَاضَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَاللَّحْظَةُ لِيَتَحَقَّ فِيهَا الِانْقِطَاعُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ) أَيْ: أَيُّ مُطَلَّقَةٍ رَجْعِيَّةٍ (قَالَتْ ابْتِدَاءً) أَيْ: قَبْلَ دَعْوَى زَوْجِهَا رَجْعَتَهَا (وَيَتَّجِهُ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ مَا) أَيْ: زَمَنٍ (يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ) بِأَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ انْقَضَتْ عِدَّتِي، فَقَالَ زَوْجُهَا: (كُنْت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 484 رَاجَعْتُك وَأَنْكَرَتْهُ) فَقَوْلُهَا بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا إذَنْ مَقْبُولَةٌ، فَصَارَتْ دَعْوَاهُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ فَلَمْ تُقْبَلْ (أَوْ تَدَاعَيَا مَعًا) بِأَنْ قَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي، وَقَالَ الزَّوْجُ: رَاجَعْتُك فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ؛ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا) لِتَسَاقُطِ قَوْلِهَا مَعَ التَّسَاوِي، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ (وَلَا يُقْضَى عَلَيْهَا بِنُكُولٍ) لِأَنَّ خَبَرَهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا يَكُونُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ؛ فَلَا يُقْبَلُ، قَالَهُ، فِي الشَّرْحِ. وَلَوْ ادَّعَى زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَأَنْكَرَتْهُ (وَصَدَّقَهُ سَيِّدُ الْأَمَةِ) فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا نَصًّا، لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقٍّ لِلزَّوْجِ؛ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إيَّاهُ. (فَإِنْ صَدَّقَتْهُ هِيَ) أَيْ: صَدَّقَتْ مُطَلِّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا (فَكَذَّبَهَا السَّيِّدُ فَقَوْلُهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ) فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا فِي إبْطَالِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهَا، فَلَمْ يُقْبَلْ (وَمَعَ عِلْمِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ (صِدْقَ الزَّوْجِ) فِي دَعْوَاهُ الرَّجْعَةَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَعْدَهُ (لَا يَحِلُّ لَهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (وَطْؤُهَا، وَلَا تَزْوِيجُهَا) لِأَنَّهَا زَوْجَةُ الْغَيْرِ (وَإِنْ عَلِمَتْ هِيَ) صِدْقَ الزَّوْجِ فِي دَعْوَاهُ رَجْعَتَهَا (لَمْ تُمَكِّنْ السَّيِّدَ مِنْ نَفْسِهَا) لِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ كَمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ. (وَمَتَى رَجَعَتْ) عَنْ قَوْلِهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَيْثُ قَبِلَ قَبُولَهَا، وَلَمْ تَتَزَوَّجْ (قَبْلَ) رُجُوعِهَا (كَجَحْدِ أَحَدِهِمَا النِّكَاحَ) إذَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ (ثُمَّ يَعْتَرِفُ بِهِ) أَيْ: النِّكَاحِ مُنْكَرُهُ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَسْبِقُهُ إنْكَارٌ (وَإِنْ سَبَقَ) زَوْجُ رَجْعِيَّةٍ (فَقَالَ: أَرْجَعْتُك، فَقَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِك) وَأَنْكَرَهَا فَقَوْلُهُ، (وَيَتَّجِهُ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ دَعْوَاهُ الرَّجْعَةَ سَابِقًا عَلَى إخْبَارِهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا، وَلِأَنَّ دَعْوَاهَا ذَلِكَ بَعْدَ دَعْوَى الزَّوْجِ الرَّجْعَةَ تَقْصِدُ بِهِ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) أَيْ: الزَّوْجُ. (لَوْ ادَّعَاهَا) أَيْ الرَّجْعَةَ (بَعْدَ مَوْتِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (قَبْلَهُ) قَبْلَ الْمَوْتِ (لِيَرِثَ) لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 485 لِأَنَّهُ يَجُرُّ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، أَوْ ادَّعَى الرَّجْعَةَ (بَعْدَ مُضِيِّ مَا) أَيْ: زَمَنٍ (يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ لَوْ كَانَتْ حَيَّةً) كَأَنْ يَكُونَ فَوْقَ شَهْرٍ (لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) لَوْ قَالَتْ الرَّجْعِيَّةُ (انْقَضَتْ عِدَّتِي، ثُمَّ) رَجَعَتْ وَ (قَالَتْ: مَا انْقَضَتْ) عِدَّتِي؛ فَلَهُ رَجْعَتُهَا حَيْثُ لَمْ تَتَزَوَّجْ أَحَدِهِمَا النِّكَاحَ، ثُمَّ يَعْتَرِفُ بِهِ (أَوْ قَالَ) الزَّوْجُ: أَنْتِ (أَخْبَرْتنِي بِانْقِضَائِهَا) أَيْ: الْعِدَّةِ (فَأَنْكَرَتْ إخْبَارَهَا إيَّاهُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) ، وَأَقَرَّتْ بِأَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ (فَلَهُ رَجْعَتُهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِخَبَرِهَا عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ رَجَعَتْ عَنْ خَبَرِهَا، فَقَبِلَ رُجُوعَهَا هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. [فَصْلٌ فِي حُكْم التَّطْلِيق ثَلَاثًا] فَصْلٌ (وَإِنْ طَلَّقَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةَ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً (زَوْجٌ حُرٌّ ثَلَاثًا) (أَوْ) طَلَّقَهَا زَوْجٌ (عَبْدٌ ثِنْتَيْنِ، وَلَوْ عَتَقَ) قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يَطَأَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَسَخَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] إلَى قَوْلِهِ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَا شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 486 وَهِيَ امْرَأَتُهُ إذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ فَأَكْثَرَ، حَتَّى قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُطَلِّقُك فَتَبِينِي مِنِّي أَوْ لَا آوِيكِ أَبَدًا قَالَتْ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُطَلِّقُك فَكُلَّمَا هَمَمْت أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُك رَاجَعْتُك، فَذَهَبَتْ الْمَرْأَةُ فَدَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ، فَأَخْبَرَتْهَا فَسَكَتَتْ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ فَسَكَتَ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاسْتَأْنَفَ النَّاسُ الطَّلَاقَ مُسْتَقْبَلًا مَنْ كَانَ طَلَّقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَلَّقَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ؛ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَصَحُّ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ، فَطَلَّقَنِي، فَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ - بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ التَّحْتِيَّةِ - وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، قَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَرَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْعُسَيْلَةُ هِيَ الْجِمَاعُ» وَاعْتُبِرَ كَوْنُ الْوَطْءِ فِي قُبُلٍ، لِأَنَّ الْوَطْءَ الْمُعْتَبَرَ شَرْعًا لَا يَكُونُ فِي غَيْرِهِ (مَعَ انْتِشَارٍ) لِأَنَّ الْعُسَيْلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الِانْتِشَارِ (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ الْوَاطِئُ (مَجْنُونًا أَوْ خَصِيًّا) أَوْ مَسْلُولًا أَوْ مَوْجُوءًا مَعَ بَقَاءِ ذَكَرِهِ (أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، وَأَدْخَلَتْهُ) أَيْ: ذَكَرَهُ (فِيهِ) أَيْ: فِي فَرْجِهَا مَعَ انْتِشَارِهِ؛ بِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ مِنْ زَوْجٍ، أَشْبَهَ حَالَ إفَاقَتِهِ وَوُجُودِ خُصْيَتَيْهِ (أَوْ) كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي (ذِمِّيًّا وَهِيَ ذِمِّيَّةٌ طَلَّقَهَا مُسْلِمٌ) فَيُحِلُّهَا لَهُ (أَوْ) كَانَ (لَمْ يُنْزِلْ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعُسَيْلَةَ هِيَ الْجِمَاعُ، (أَوْ) كَانَ لَمْ (يَبْلُغْ عَشْرًا) لِعُمُومِ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (أَوْ) كَانَ حِينَ وَطْئِهِ (ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً) لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ مِنْ زَوْجٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ (وَيَكْفِي) فِي حِلِّهَا (تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ) تَغْيِيبُ (قَدْرِهَا) أَيْ: الْحَشَفَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 487 (مِنْ مَقْطُوعِهَا) لِأَنَّهُ جِمَاعٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَيُفْسِدُ الْحَجَّ، أَشْبَهَ تَغْيِيبُ الذَّكَرِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ ذَكَرٍ مَقْطُوعٍ قَدْرُ الْحَشَفَةِ، بَلْ بَقِيَ دُونَهُ؛ فَلَا يُحِلُّهَا إيلَاجُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلِهِ إيلَاجِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ (وَتَعُودُ) إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ (بِطَلَاقٍ) ثَلَاثٍ، (يُحِلُّهَا وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لِمَرَضِ) الزَّوْجَةِ أَوْ الزَّوْجِ (وَ) وَطْءٌ مُحَرَّمٌ (لِضِيقِ وَقْتِ صَلَاةٍ وَبِمَسْجِدٍ وَ) فِي حَالِ مَنْعِ الزَّوْجَةِ نَفْسَهَا (لِقَبْضِ مَهْرٍ) حَالٍّ (وَعَدَمِ إطَاقَةِ وَطْءٍ) كَعَبَالَةِ ذَكَرِهِ وَضِيقِ فَرْجِهَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا لِمَعْنًى فِيهَا لِحَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا يَأْتِي. (وَلَا يُحِلُّهَا وَطْءٌ مُحَرَّمٌ بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ صَوْمِ فَرْضٍ أَوْ فِي دُبُرٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ بَاطِلٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ رِدَّةُ) أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِمَعْنًى فِيهَا وَلِحَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ فِي الْحِلِّ، فَلَا يَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُحِلُّهَا وَطْءٌ (بِشُبْهَةٍ وَلَا عَقْدَ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى نِكَاحًا شَرْعًا (أَوْ) بِمِلْكِ يَمِينٍ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَيْسَ بِزَوْجٍ (وَلَوْ كَانَتْ) الْمُطَلَّقَةُ (أَمَةً، فَاشْتَرَاهَا مُطَلِّقُهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ) حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لِلْآيَةِ، وَيَطَأَهَا لِلْحَدِيثِ. (وَمَنْ غَابَ مِنْ مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ حَضَرَ، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا نَكَحَتْ مَنْ أَصَابَهَا وَأَنَّهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَأَمْكَنَ) ذَلِكَ بِأَنْ مَضَى زَمَنٌ يَتَّسِعُ لَهُ، وَكَذَا لَوْ غَابَتْ عَنْهُ ثُمَّ حَضَرَتْ وَذَكَرَتْ ذَلِكَ (فَلَهُ نِكَاحُهَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا) لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى نَفْسِهَا، وَعَلَى مَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا؛ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حَقِيقَةً إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهَا فِيهِ كَإِخْبَارِهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا؛ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَنْقُلُ عَنْهُ، وَ (لَا) يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا (إنْ رَجَعَتْ) عَنْ إخْبَارِهَا بِذَلِكَ (قَبْلَ عَقْدٍ) عَلَيْهَا، لِزَوَالِ الْخَبَرِ الْمُبِيحِ لَهُ (وَلَا يُقْبَلُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ بِهَا (فَلَوْ) تَزَوَّجَتْ مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 488 بِآخَرَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَذَكَرَتْ لِلْأَوَّلِ أَنْ الثَّانِيَ وَطِئَهَا وَ (كَذَّبَهَا الثَّانِي فِي وَطْءٍ، وَيَتَّجِهُ أَوْ كَذَّبَهَا فِي عَقْدٍ) صَحِيحٍ بِأَنْ قَالَ: تَزَوَّجْتُهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ فَالْقَوْلُ (قَوْلُهُ) أَيْ: الثَّانِي (فِي تَنْصِيفِ مَهْرٍ) إذَا لَمْ يُقِرَّ بِالْخَلْوَةِ بِهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ، (وَ) وَالْقَوْلُ (قَوْلُهَا) فِي وَطْءِ (إبَاحَتِهَا لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى نَفْسِهَا (إنْ لَمْ يُكَذِّبْهَا) الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَصَابَهَا، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (فَإِنْ رَجَعَ) الْأَوَّلُ عَنْ تَكْذِيبِهِ إيَّاهَا (وَصَدَّقَهَا) عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ وَطِئَهَا (دُيِّنَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأُبِيحَتْ لَهُ، لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ حِلَّهَا لَمْ تَحْرُمْ بِكَذِبِهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ فِي الْمَاضِي (فَقَطْ) أَيْ: وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ حُكْمًا (فَإِنْ قَالَ مَا أَعْلَمُ) أَيْ: الثَّانِيَ (أَنَّهُ وَطِئَهَا؛ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حِلِّهَا لَهُ خَبَرٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا، لَا حَقِيقَةَ الْعِلْمِ. (وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ) امْرَأَةٌ (حَاضِرًا وَفَارَقَهَا) ، وَادَّعَتْ إصَابَتَهُ (إيَّاهَا وَهُوَ مُنْكِرُهَا) أَيْ الْإِصَابَةَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي تَنْصِيفِ الْمَهْرِ، إنْ لَمْ يُقِرَّ بِالْخَلْوَةِ، وَقَوْلُهَا فِي حِلِّهَا لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا، وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَكُلِّ مَا يَلْزَمُهَا بِالْوَطْءِ، كَذَا لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ النِّكَاحِ، وَلِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا نِكَاحُهَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا. (وَمَنْ جَاءَتْ حَاكِمًا، وَادَّعَتْ أَنْ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا) ، فَلَهُ تَزْوِيجُهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَلِيٌّ غَيْرُهُ (إنْ ظَنَّ صِدْقَهَا، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الزَّوْجُ لَا يُعْرَفُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِمَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ؛ وَأَيْضًا الْأَصْلُ صِدْقُهَا، وَلَا مُنَازِعَ، وَالْإِقْرَارُ لِمُعَيَّنٍ إنَّمَا يُثْبِتُ الْحَقَّ إذَا صَدَّقَهُ مُقِرٌّ لَهُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ إذَا كَتَبَ إلَيْهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا؛ لَمْ تَتَزَوَّجْ حَتَّى يَثْبُتَ الطَّلَاقُ لِاحْتِمَالِ إنْكَارِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 489 (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَذَا) أَيْ: كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا (لَوْ) جَاءَتْ الْمَرْأَةُ حَاكِمًا، وَ (ادَّعَتْ أَنْ لَهَا زَوْجًا مُعْسِرًا لِتَفْسَخَ) نِكَاحَهَا؛ فَلَهُ أَنْ يُجِيبَهَا إنْ ظَنَّ صِدْقَهَا (لِأَنَّ قَوْلَهَا أَثْبَتَ النِّكَاحَ؛ فَقُبِلَ) قَوْلُهَا (فِي زَوَالِهِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (بِخِلَافِ نِكَاحٍ ثَابِتٍ بِلَا قَوْلِهَا) كَأَنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ مَعْرُوفٌ. (وَادَّعَتْ طَلَاقَهَا؛ فَلَا تُزَوَّجُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مَنْ أَصَابَهَا، وَطَلَّقَهَا، وَلَمْ تُعَيِّنْهُ، فَإِنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَثْبُتْ لِمُعَيَّنٍ، بَلْ لِمَجْهُولٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: عِنْدِي مَالٌ لِشَخْصٍ، وَسَلَّمْتُهُ إلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالِاتِّفَاقِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهَا كَانَ لِي زَوْجٌ وَطَلَّقَنِي، وَسَيِّدٌ وَأَعْتَقَنِي وَلَوْ قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي فُلَانٌ وَطَلَّقَنِي؛ فَهُوَ كَالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَادَّعَى الْوَفَاءَ؛ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا، ذَكَرَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ". (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَنْ ادَّعَتْ عِنْدَ حَاكِمٍ أَنْ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا؛ فَزَوَّجَهَا الْحَاكِمُ بِالْوِلَايَةِ عَلَيْهَا ظَانًّا أَنَّهَا صَادِقَةٌ فِي دَعْوَاهَا (لَوْ حَضَرَ) زَوْجُهَا الْأَوَّلُ (وَأَنْكَرَ الطَّلَاقَ، يُقْبَلُ) إنْكَارُهُ، وَتُرَدُّ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ وُجُوبًا بَعْدَ أَنْ تَعْتَدَّ مِنْ الثَّانِي إذَا كَانَ دَخَلَ أَوْ خَلَا بِهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ شَهِدَا) أَيْ: رَجُلَانِ (أَنْ فُلَانًا طَلَّقَ) امْرَأَتَهُ (ثَلَاثًا، وَوُجِدَ) الزَّوْجُ (مَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَادَّعَى الْعَقْدَ ثَانِيًا بِشُرُوطِهِ؛ قُبِلَ مِنْهُ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ سُئِلَ عَنْهَا الْمُوَفَّقُ؛ فَلَمْ يُجِبْ (وَإِنْ عَلِمَتْ) الزَّوْجَةُ (كَذِبَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (لَمْ يَحِلَّ لَهَا تَمْكِينُهُ) فَإِنْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا؛ كَانَتْ زَانِيَةً (وَ) يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ (تَدْفَعَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 490 بِالْأَسْهَلِ) فَالْأَسْهَلِ (وَلَوْ أَدَّى) ذَلِكَ (إلَى قَتْلِهِ) فَيُبَاحُ لَهَا قَتْلُهُ تَخْلِيصًا لِنَفْسِهَا مِنْ الْفَاحِشَةِ (وَكَذَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ نِكَاحَهَا) تَعَدِّيًا وَأَنْكَرَتْهُ (فَأَثْبَتَهُ) أَيْ: النِّكَاحَ (بِبَيِّنَةٍ زُورٍ) فَعَلَيْهَا دَفْعُهُ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ، جَازَ لَهَا قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ صَائِلٌ. [كِتَابُ الْإِيلَاءِ وَأَحْكَامُ الْمُولِي] وَالْإِيلَاءُ بِالْمَدِّ لُغَةُ الْحَلِفِ (وَهُوَ) مَصْدَرُ آلَى يُولِي إيلَاءً وَأَلِيَّةً، وَيُقَالُ: تَأَلَّى يَتَأَلَّى، وَفِي الْخَبَرِ: «مَنْ يَتَأَلَّى عَلَى اللَّهِ» وَالْأَلِيَّةُ الْيَمِينُ، وَجَمْعُهُمَا أَلَايَا كَخَطَايَا قَالَ كَثِيرٌ: قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... إذَا صَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ وَكَذَلِكَ الْأَلْوَةُ بِسُكُونِ اللَّامِ وَتَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ. (يَحْرُمُ) الْإِيلَاءُ، لِأَنَّهُ يَمِينٌ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ (كَظِهَارٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] (وَكَانَ كُلٌّ) مِنْ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ (طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَذَكَره آخَرُونَ فِي ظِهَارِ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي الظِّهَارِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَقَتَادَةَ (وَهُوَ) أَيْ: الْإِيلَاءُ شَرْعًا (حَلِفُ زَوْجٍ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِصِفَتِهِ) أَيْ: اللَّهِ تَعَالَى، كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَخَالِقِهِمْ (أَوْ) حَلَفَ (بِمُصْحَفٍ) لَا بِنَذْرٍ، أَوْ طَلَاقٍ، وَيَأْتِي (عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ) لَا أَمَتِهِ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ (الْمُمْكِنِ جِمَاعُهَا) لَا عِنِّينَ وَمَجْبُوبَ (فِي قُبُلٍ أَبَدًا، أَوْ يُطْلِقُ أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) مُصَرِّحًا بِهِ. (أَوْ يَنْوِيهَا) بِأَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا، وَيَنْوِي فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لَا أَرْبَعَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 491 أَشْهُرٍ فَأَقَلَّ، وَسَوَاءٌ حَلَفَ فِي حَالِ الرِّضَى أَوْ غَيْرِهِ، وَالزَّوْجَةُ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا نَصًّا، وَتَأْتِي مُحْتَرَزَاتُ هَذِهِ الْقُيُودِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الْآيَةَ وَكَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَآنِ يَقْسِمُونَ مَكَانَ يُؤْلُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إذَا طَلَبَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ شَيْئًا فَأَبَتْ أَنْ تُعْطِيَهُ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَيَدَعُهَا لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتِ بَعْلٍ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. (وَيَصِحُّ) الْإِيلَاءُ (بِكُلِّ لُغَةٍ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا) كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، فَإِنْ أَتَى بِلُغَةٍ لَا يَعْرِفُهَا؛ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، عَرَبِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَجَمِيَّةً، كَمَنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مَا لَمْ يَقْصِدْ، وَلَوْ نَوَى مُوجِبَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَعْرِفَةِ مَعْنَى ذَلِكَ اللَّفْظِ الصَّادِرِ مِنْ الزَّوْجِ؛ فَقَوْلُهُ إذَا كَانَ مُتَكَلِّمًا بِغَيْرِ لِسَانِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إذَنْ عَدَمُ عِلْمِهِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ أَدْرَى بِحَالِهِ (وَلَا يُقْبَلُ حُكْمًا) إنْ أَتَى بِلُغَتِهِ (قَوْلُهُ سَبَقَ لِسَانِي) بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَمْ أَقْصِدْهُ. (وَيَتَرَتَّبُ. حُكْمُهُ) أَيْ: الْإِيلَاءِ (مَعَ خِصَاءِ) زَوْجٍ أَيْ: قَطْعِ خُصْيَتَيْهِ دُونَ ذَكَرِهِ (وَ) مَعَ (جَبِّ) أَيْ: قَطْعِ (بَعْضِ ذَكَرِ) زَوْجٍ إنْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ بِهِ (وَمَعَ عَارِضٍ) بِزَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ (يُرْجَى زَوَالُهُ كَحَبْسٍ، لَا عَكْسُهُ) أَيْ: لَا مَعَ عَارِضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ (كَرَتَقٍ) وَعَفَلٍ. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْإِيلَاءِ سِتَّةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: كَوْنُ الْحَالِفِ زَوْجًا لِمَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا، الثَّانِي: كَوْنُهُ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ، الثَّالِثُ: كَوْنُ حَلِفِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، الرَّابِعُ: كَوْنُ حَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 492 وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي الْقُبُلِ، الْخَامِسُ كَوْنُ الزَّوْجَةِ مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهَا، السَّادِسُ أَنْ لَا يَكُونَ حَلِفُهُ مُقَيَّدًا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأَقَلَّ، فَلَوْ فُقِدَ مِنْهَا شَرْطٌ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا (وَيُبْطِلُهُ) أَيْ: الْإِيلَاءَ (جَبُّ) ذَكَرِهِ (كُلِّهِ) بَعْدَ إيلَائِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ مَعَهُ ابْتِدَاءُ شَيْءٍ امْتَنَعَ مَعَ حُدُوثِهِ دَوَامِ ذَلِكَ الشَّيْءِ (وَ) يُبْطِلُهُ (شَلَلُهُ) أَيْ: الذَّكَرِ بَعْدَ إيلَائِهِ (وَ) يُبْطِلُهُ (لِعَانُهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ إيلَائِهِ (وَكَمُولٍ حُكْمًا) مَنْ ضَرَبَ الْمُدَّةَ وَطَلَبَ الْفِيئَةَ بَعْدَهَا، وَالْأَمْرَ بِالطَّلَاقِ إنْ لَمْ يَفِئْ وَنَحْوُهُ (مَنْ تَرَكَ الْوَطْءَ) فِي قُبُلِ زَوْجَتِهِ (ضَرَرًا) بِهَا (بِلَا عُذْرٍ) لَهُ (أَوْ) أَيْ: وَبِلَا (حَلِفٍ عَلَى تَرْكِ وَطْءٍ، وَ) مِثْلُهُ (مَنْ ظَاهَرَ) مِنْ امْرَأَتِهِ (وَلَمْ يُكَفِّرْ) لِظِهَارِهِ لِأَنَّهُ ضَرَّهَا بِتَرْكِ وَطْئِهَا فِي مُدَّةٍ بِقَدْرِ مُدَّةِ الْمُولِي، فَلَزِمَهُ حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ بِحَلِفِهِ، وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ أَدَاؤُهُ إذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ وَجَبَ أَدَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى تَرْكِهِ، كَالنَّفَقَةِ وَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَجْعَلُ غَيْرَ الْوَاجِبِ وَاجِبًا إذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، وَلِأَنَّ وُجُوبَهُ فِي الْإِيلَاءِ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْمَرْأَةِ وَإِزَالَةِ ضَرَرِهَا، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْإِيلَاءِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ قِيلَ فَلَا يَبْقَى لِلْإِيلَاءِ أَثَرٌ، فَلِمَ أُفْرِدَ بِبَابٍ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ لَهُ أَثَرًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى قَصْدِ الْإِضْرَارِ، فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ قَصْدُ الْإِضْرَارِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِيلَاءُ احْتَجْنَا إلَى دَلِيلٍ سِوَاهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُضَارَّةِ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّ الْمُظَاهِرَ مِثْلُ الْمُولِي (مَعَ قُدْرَتِهِ) عَلَى التَّكْفِيرِ، أَمَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ التَّكْفِيرِ؛ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 493 (وَمَنْ حَلَفَ لَأَطَأَنَّهَا) أَيْ: زَوْجَتَهُ (فِي دُبُرِهَا) لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَلَا تَتَضَرَّرُ الْمَرْأَةُ بِهِ (أَوْ) حَلَفَ لَأَطَأَنَّهَا (دُونَ الْفَرْجِ أَوْ) حَلَفَ (لَا أُجَامِعُهَا إلَّا جِمَاعَ سُوءٍ يُرِيدُ) جِمَاعًا ضَعِيفًا بِقَدْرِ (تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فَقَطْ؛ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِلَا حِنْثٍ (وَإِنْ أَرَادَ) بِقَوْلِهِ الْجِمَاع سُوءٍ كَوْنُهُ (فِي الدُّبُرِ أَوْ دُونَ الْفَرْجِ، صَارَ مُولِيًا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْفِيئَةِ إلَّا بِالْحِنْثِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِاحْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ. (وَمَنْ عَرَفَ مَعْنَى مَا) أَيْ: لَفْظٍ (لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوَطْءِ وَأَتَى بِهِ) أَيْ: بِمَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ (وَهُوَ) قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَا (نُكَتك) وَكَذَا مَا يُرَادِفُهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مِمَّنْ يَعْرِفُ مَعْنَاهُ أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ (لَا أَدْخَلْت ذَكَرِي فِي فَرْجِك أَوْ) قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخَلْت (حَشَفَتِي فِي فَرْجِك وَ) قَوْلِهِ (لِلْبِكْرِ خَاصَّةً) وَاَللَّهِ (لَا افْتَضَضْتُك) بِالْقَافِ وَالتَّاءِ وَالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ، وَافْتِضَاضُ الْبِكْرِ وَافْتِرَاعِهَا بِالْفَاءِ بِمَعْنًى، وَهُوَ وَطْؤُهَا وَإِزَالَةُ بَكَارَتِهَا بِالذَّكَرِ، مِنْ فَضَضْت اللُّؤْلُؤَةَ إذَا ثَقَبْتُهَا (لِعَارِفٍ مَعْنَاهُ) الْمَذْكُورِ، وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " لَا أَبْنَتِي بِك (لَمْ يُدَيَّنْ مُطْلَقًا) أَيْ: لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحَةٌ فِي الْوَطْءِ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا (وَ) إنْ قَالَ: (وَاَللَّهِ لَا اغْتَسَلْت مِنْك، أَوْ لَا أَفْضَيْت إلَيْك أَوْ) لَا (غَشِيتُك أَوْ) لَا (لَمَسْتُك، أَوْ) لَا (أَصَبْتُك، أَوْ) لَا (افْتَرَشْتُك، أَوْ) لَا (وَطِئْتُك، وَ) لَا (جَامَعْتُك أَوْ) لَا (بَاضَعْتُك أَوْ) لَا (بَاشَرْتُك، أَوْ) لَا (بَاعَلْتُكِ، أَوْ) لَا (قَرُبْتُك، أَوْ) لَا (مَسِسْتُك أَوْ) لَا (أَتَيْتُك، صَرِيحٌ حُكْمًا) لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ حَيْثُ عَرَفَ مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ عُرْفًا فِي الْوَطْءِ، وَقَدْ وَرَدَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِبَعْضِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 494 {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] . {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] وَأَمَّا الْوَطْءُ وَالْجِمَاعُ فَهُمَا أَشْهَرُ أَلْفَاظِهِ، وَالْبَاقِي قِيَاسًا عَلَيْهَا (وَيُدَيَّنُ) فِي لَا اغْتَسَلْت مِنْك وَمَا بَعْدَهُ (فَقَطْ مَعَ عَدَمِ قَرِينَةٍ) أَمَّا لَوْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٍ كَحَالِ خُصُومَةٍ، لَمْ يُدَيَّنْ، فَلَوْ قَالَ: أَرَدْت بِالْوَطْءِ الْوَطْءَ بِالْقَدَمِ، وَبِالْجِمَاعِ اجْتِمَاعَ الْأَجْسَامِ، وَبِالْإِصَابَةِ الْإِصَابَةَ بِالْيَدِ، وَبِالْمُبَاضَعَةِ الْتِقَاءَ بِضْعَةٍ مِنْ الْبَدَنِ بِالْبِضْعَةِ مِنْهُ وَبِالْمُبَاشَرَةِ مَسَّ الْمُبَاشَرَةِ، وَبِالْمُبَاعَلَةِ الْمُلَاعَبَةَ وَالِاسْتِمْتَاعَ دُونَ الْفَرْجِ، وَبِالْمُقَارَبَةِ قُرْبَ بَدَنِهِ مِنْ بَدَنِهَا، وَبِالْمُمَاسَّةِ مَسَّ بَدَنِهَا، وَبِالْإِتْيَانِ الْمَجِيءَ، وَبِالِاغْتِسَالِ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْإِنْزَالِ عَنْ مُبَاشَرَةٍ مِنْ قُبْلَةٍ أَوْ جِمَاعٍ دُونَ الْفَرْجِ؛ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعُرْفِ وَالظَّاهِرُ، وَفِي الْبَاطِنِ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَيْسَ بِمُولٍ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ (لَا ضَاجَعْتُك، أَوْ) لَا (دَخَلْت إلَيْك، أَوْ) لَا (قَرُبْت فِرَاشَك، أَوْ) لَا (بِتّ) عِنْدِي، (أَوْ) لَا (نِمْت عِنْدِي، أَوْ) لَا (مَسَّ جِلْدِي جِلْدَك أَوْ لَا جَمَعَ رَأْسِي وَرَأْسَك شَيْءٌ، أَوْ) (لَأَغِيظَنَّكِ) فَهَذَا كُلُّهُ (لَيْسَ بِإِيلَاءٍ إلَّا بِنِيَّةِ أَوْ قَرِينَةِ) إيلَاءٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ ظَاهِرَةً فِي الْجِمَاعِ كَظُهُورِ مَا قَبْلَهَا، وَلَمْ يَرِدْ النَّصُّ بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ. وَلَا إيلَاءَ بِحَلِفٍ عَلَى تَرْكِ وَطْءٍ (بِنَذْرٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ) لِأَنَّ الْإِيلَاءَ الْمُطْلَقَ هُوَ الْقَسَمُ، وَلِهَذَا قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ يُقْسِمُونَ بَدَلَ يُؤْلُونَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] وَإِنَّمَا يَدُلُّ الْغُفْرَانُ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلَا إيلَاءَ بِقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ (إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ زَانِيَةٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَلِفٍ أَوْ إنْ وَطِئْتُك (فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمَسَّ أَوْ سَنَةٍ) لِمَا مَرَّ (أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 495 عِشْرِينَ رَكْعَةً) لِأَنَّهُ حَلَفَ بِنَذْرٍ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَإِنْ حَلَفَ بِنَذْرٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمَنْصُوصُ وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ: قَالَ فِي " الْبُلْغَةِ: " لَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ " هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " " وَالْمُنَوِّرِ " وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ " وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى بِمَعْنَاهُ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: " الْإِقْنَاعِ " فِي قَوْلَةِ وَإِنْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ ثَلَاثِينَ رَكْعَةً كَانَ مُولِيًا مَعَ أَنَّهُ قَدِمَ أَنَّ الْإِيلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّذْرِ (أَوْ) بِقَوْلِهِ (لَا وَطِئْتُك فِي هَذِهِ الْبَلَدِ) ، أَوْ (وَطِئْتُك مَخْضُوبَةً أَوْ حَتَّى تَصُومِي نَفْلًا، أَوْ) حَتَّى (تَقُومِي، أَوْ) حَتَّى (يَأْذَنَ زَيْدٌ) فَيَمُوتُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدِّرٍ بِمَا فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلِإِمْكَانِ وَطْئِهَا بِدُونِ حِنْثٍ. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارٍ، وَكَانَ ظَاهَرَ فَوَطِئَ عَتَقَ عَبْدُهُ عَنْ الظِّهَارِ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَإِلَّا يَكُنْ ظَاهَرَ فَوَطِئَ؛ لَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ عَنْ ظِهَارِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ. [فَصْلٌ جَعَلَ الْمَوْلَى غَايَتَهُ شَيْئًا لَا يُوجَدُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ غَالِبًا] فَصْلٌ (وَإِنْ جَعَلَ غَايَتَهُ مَا) أَيْ: شَيْئًا (لَا يُوجَدُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ غَالِبٌ) كَقَوْلِهِ: (وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (أَوْ يَخْرُجَ الدَّجَّالُ) أَوْ يَمُوتَ وَلَدُك (أَوْ يَقْدَمَ زَيْدٌ مِنْ مَكَّةَ وَالْعَادَةُ أَنَّهُ لَا يَقْدَمُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ حَتَّى يَنْزِلَ الثَّلْجُ فِي الصَّيْفِ، أَوْ حَتَّى تَحْبَلِي وَهِيَ آيِسَةٌ أَوْ لَا) أَيْ غَيْرِ آيِسَةٍ وَلَمْ (يَطَأْ، أَوْ) كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 496 وَنِيَّتُهُ (حَبَلٌ مُتَجَدِّدٌ) فَمُولٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ لَا يُوجَدَ خُرُوجُ الدَّجَّالِ وَنُزُولُ عِيسَى وَنَحْوُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَحَبَلُ الْآيِسَةِ وَمَنْ لَا تُوطَأُ مُسْتَحِيلٌ؛ أَشْبَهَ لَا وَطِئْتُك حَتَّى تَصْعَدِي السَّمَاءَ، فَإِنْ أَرَادَ بَ: حَتَّى تَحْبَلِي السَّبَبِيَّةَ؛ أَيْ: لَا وَطِئْتُك لِتَحْبَلِي مِنْ وَطْئِي؛ قُبِلَ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَالِفٍ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ، بَلْ عَلَى تَرْكِ قَصْدِ الْحَبَلِ بِهِ، لِأَنَّ حَتَّى تُسْتَعْمَلُ لِلتَّعْلِيلِ. (أَوْ) جَعَلَ غَايَةَ الْإِيلَاءِ فِعْلَهَا (مُحَرَّمًا) كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك (حَتَّى تَشْرَبِي خَمْرًا وَنَحْوَهُ) كَ: حَتَّى تَأْكُلِي لَحْمَ خِنْزِيرٍ؛ فَمُولٍ؛ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ شَرْعًا كَالْمُمْتَنِعِ حِسًّا (أَوْ) جَعَلَ غَايَتَهُ (إسْقَاطَ مَا لَهَا) عَنْهُ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ (أَوْ هِبَتِهِ) أَيْ: مَا لَهَا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ جَعَلَ غَايَتَهُ (إضَاعَتَهُ) أَيْ: مَالِهَا وَنَحْوِهِ كَإِلْقَاءِ نَفْسِهَا فِي مَهْلَكَةٍ، أَوْ جَعَلَ غَايَتَهُ (قَطْعَ عُضْوَهَا، فَمُولٍ) لِأَنَّ إسْقَاطَ مَا لَهَا أَوْ هِبَتَهُ بِغَيْرِ رِضَاهَا مُحَرَّمٌ، وَكَذَا إضَاعَتُهُ فَجَرَى مَجْرَى جَعْلِ غَايَتِهِ شُرْبَهَا الْخَمْرَ (وَكَ) قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك (حَيَاتِي أَوْ حَيَاتَكِ أَوْ مَا عِشْت أَنَا أَوْ مَا عِشْت) أَنْتِ، وَ (لَا) يَكُونُ مُولِيًا. (إنْ غَيَّاهُ) أَيْ: تَرَكَ الْوَطْءَ (بِمَا لَا يَظُنُّ خُلُوَّ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ (وَلَوْ خَلَتْ) الْمُدَّةُ مِنْهُ، كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك (حَتَّى يَرْكَبَ زَيْدٌ) وَنَحْوُهُ كَحَتَّى يُسَافِرَ أَوْ يُطَلِّقَ أَوْ يَتَزَوَّجَ. (أَوْ غَيَّاهُ) أَيْ: غَيَّا تَرْكَ الْوَطْءِ (بِالْمُدَّةِ) أَيْ: الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، (كَ) قَوْلِهِ (وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) أَوْ لَا وَطِئْتُكِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَنَحْوِهِ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مُدَّةٍ دُونَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ يَمِينٍ عَقِبَ مُدَّتِهَا بِلَا حِنْثٍ فِيهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا، لَكِنْ إنْ ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ الْمَضَرَّةِ؛ فَكَمُولٍ، كَمَا سَبَقَ (أَوْ قَالَ) : وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك (إلَّا بِرِضَاك، أَوْ إلَّا بِاخْتِيَارِك، أَوْ إلَّا أَنْ تَخْتَارِي، أَوْ إلَّا أَنْ تَشَائِي وَلَوْ لَمْ تَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُهُ مِنْهَا بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهَا فِيهِ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 497 فَلَا يَكُونُ مُولِيًا بِهِ، وَإِنْ قَالَ لَهَا (وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك مُدَّةً أَوْ لَيَطُولَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِك، لَمْ يَكُنْ مُولِيًا حَتَّى يَنْوِيَ) بِذَلِكَ تَرْكَ وَطْئِهَا (فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَإِنْ قَالَ: (وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك عَامًا فَإِذَا مَضَى فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك عَامًا، فَهُمَا إيلَاءَانِ) لَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ؛ لِتَغَايُرِهِمَا، فَإِذَا مَضَى حُكْمُ أَحَدِهِمَا بَقِيَ حُكْمُ الْآخَرِ؛ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ. [تَنْبِيهٌ تَعْلِيق الْإِيلَاء بِشَرْطٍ] تَنْبِيهٌ فَإِنْ قَالَ فِي الْمَحْرَمِ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك فِي هَذَا الْعَامِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك فِي هَذَا الْعَامِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك عَامًا مِنْ رَجَبٍ إلَى تَمَامِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ قَالَ فِي الْمَحْرَمِ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك عَامًا، ثُمَّ قَالَ فِي رَجَبٍ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك عَامًا؛ فَهُمَا إيلَاءَانِ فِي مُدَّتَيْنِ بَعْضُ إحْدَاهُمَا دَاخِلٌ فِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى لَفْظِهِ، فَإِنْ فَاءَ فِي رَجَبٍ أَوْ فِي مَا بَعْدَهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْعَامِ الْأَوَّلِ حَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ؛ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِهِمَا، وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَيَنْقَطِعُ حُكْمُ الْإِيلَاءَيْنِ؛ لِلْحِنْثِ، وَإِنْ فَاءَ قَبْلَ رَجَبٍ أَوْ بَعْدَ الْعَامِ الْأَوَّلِ؛ حَنِثَ فِي إحْدَى الْيَمِينَيْنِ، وَهِيَ الْأُولَى فِي الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ؛ فَلَا يَحْنَثُ فِي الْأُخْرَى لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِهَا وَإِنْ فَاءَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ حَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا عَامًا، ثُمَّ كَفَّرَ يَمِينَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ انْحَلَّ الْإِيلَاءُ بِالتَّكْفِيرِ، وَلَمْ تُضْرَبْ لَهُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ مُدَّةُ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لِأَنَّ الْإِيلَاءَ انْحَلَّ وَإِنْ كَفَّرَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَبْلَ ضَرْبِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ لَهُ صَارَ كَالْحَالِفِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، إذْ يَمِينُهُ قَبْلَ ضَرْبِ مُدَّةٍ، فَلَا تُضْرَبُ لَهُ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ؛ لِانْحِلَالِ الْإِيلَاءِ بِالْكَفَّارَةِ. (وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك عَامًا، وَلَا وَطِئْتُك نِصْفَ عَامٍ) أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك نِصْفَ عَامٍ، وَلَا وَطِئْتُك عَامًا (فَإِيلَاءٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَدَخَلَتْ الْمُدَّةُ الْقَصِيرَةُ فِي الطَّوِيلَةِ؛ (لِاشْتِمَالِ الطَّوِيلَةِ عَلَيْهَا) وَلَمْ يَنْوِ الْمُغَايَرَةَ، وَإِنْ نَوَى بِإِحْدَى الْمُدَّتَيْنِ غَيْرَ الْأُخْرَى، فَهُمَا إيلَاءَانِ، لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 498 يَدْخُلُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ. (وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ الْإِيلَاءَ (بِشَرْطٍ) كَقَوْلِهِ (إنْ وَطِئْتُك) فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك (أَوْ إنْ قُمْت) فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك (أَوْ) إنْ (شِئْت فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك؛ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا حَتَّى يُوجَدَ الشَّرْطُ) لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ؛ فَقَبْلَهُ لَيْسَ بِحَالِفٍ، فَإِنْ وُجِدَ شَرْطُهُ (صَارَ مُولِيًا وَمَتَى أَوْلَجَ زَائِدًا عَلَى الْحَشَفَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) وَهُوَ إنْ وَطِئْتُك فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك (وَلَا نِيَّةَ) لَهُ حِينَ قَوْلِهِ (حَنِثَ) لِأَنَّ تَغْيِيبَ الْحَشَفَةِ وَطْءٌ؛ فَيَحْنَثُ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ فَإِنْ نَوَى وَطْئًا كَامِلًا عَلَى الْعَادَةِ؛ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْمُعْتَادِ، وَإِنْ قَالَ: (وَلَا وَطِئْتُك إلَّا مَرَّةً؛) فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى وَطْءٍ تَامٍّ مُسْتَدَامٍ إلَى الْإِنْزَالِ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ مِنْ إطْلَاقِ الْوَطْءِ، (وَ) إنْ قَالَ: (وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك فِي السَّنَةِ) إلَّا يَوْمًا أَوْ مَرَّةً، (أَوْ) قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك (سَنَةً إلَّا يَوْمًا أَوْ إلَّا مَرَّةً) فَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَطَأَ، وَقَدْ بَقِيَ فَوْقَ ثُلُثِهَا أَيْ: السَّنَةِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ مُعَلَّقَةٌ بِالْإِضَافَةِ، فَقَبْلَهَا لَا يَكُونُ حَالِفًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ، قَبْلَ الْإِضَافَةِ حِنْثٌ، فَإِنْ وَطِئَ وَالْبَاقِي فِي الْمُدَّةِ فَوْقَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ صَارَ مُولِيًا، وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ (لَا وَطِئْتُك مَرِيضَةً فَلَا إيلَاءَ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَبْرَأَ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا مَرَضٌ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) عَادَةً، فَيَكُونُ مُولِيًا، فَإِنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ وَهِيَ صَحِيحَةٌ، فَمَرِضَتْ مَرَضًا يُمْكِنُ بُرْؤُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا (وَيَكُونُ مُولِيًا مِنْ أَرْبَعِ) زَوْجَاتِهِ (بِوَاللَّهِ لَا وَطِئْت كُلَّ وَاحِدَةٍ) ، مِنْكُنَّ أَوْ وَاَللَّهِ لَا وَطِئْت (وَاحِدَةً مِنْكُنَّ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ وَطْءُ إحْدَاهُنَّ بِلَا حِنْثٍ فَيَحْنَثُ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي الصُّورَتَيْنِ، (وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ) بِوَطْءِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ؛ فَلَا يَتَعَدَّدُ الْحِنْثُ فِيهَا، وَلَا يَبْقَى حُكْمُهَا بَعْدَ حِنْثِهِ فِيهَا (وَيُقْبَلُ مِنْهُ فِي) الصُّورَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهِيَ لَا وَطِئْت وَاحِدَةً مِنْكُنَّ (إرَادَةَ) وَاحِدَةٍ (مُعَيَّنَةً) كَفَاطِمَةَ؛ فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْهَا وَحْدَهَا لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ بِلَا بُعْدٍ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 499 ثَانِيَةٍ إرَادَةُ وَاحِدَةٍ (مُبْهَمَةٍ) مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ (وَتَخْرُجُ) الْمُبْهَمَةُ مِنْهُنَّ (بِقُرْعَةٍ) فَيَصِيرُ مُولِيًا مِنْهَا، لِأَنَّهُ لَا مُرَجَّحَ غَيْرُهَا. ، وَمَنْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسَائِهِ: (وَاَللَّهِ لَا أَطَأكُنَّ، أَوْ) قَالَ لَهُنَّ (لَا وَطِئْتُك؛ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا) فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ وَطْءُ بَعْضِهِنَّ بِلَا حِنْثٍ (حَتَّى يَطَأَ ثَلَاثًا) مِنْهُنَّ (فَتَتَعَيَّنُ الْبَاقِيَةُ) الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا بِلَا حِنْثٍ (فَلَوْ عُدِمَتْ إحْدَاهُنَّ) بِمَوْتٍ أَوْ إبَانَةٍ (انْحَلَّتْ يَمِينُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِوَطْءِ الْأَرْبَعِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ الْبَائِنُ؛ عَادَ حُكْمُ يَمِينِهِ (بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ) أَيْ: قَوْلِهِ لَا وَطِئْت كُلَّ وَاحِدَةٍ، أَوْ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ؛ فَلَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِمَوْتِ إحْدَاهُنَّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. [فَائِدَةٌ آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ وَقَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُك مَعَهَا وَنَحْوُهُ] فَائِدَةٌ وَإِنْ آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، وَقَالَ لِأُخْرَى: أَشْرَكْتُك مَعَهَا وَنَحْوُهُ؛ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا مِنْ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظٍ صَرِيحٍ مِنْ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ، وَالتَّشْرِيكُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ كِنَايَةٌ، بِخِلَافِ الظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ، فَإِذَا ظَاهَرَ مِنْ إحْدَى نِسَائِهِ، أَوْ طَلَّقَهَا، وَقَالَ لِلْأُخْرَى: أَشْرَكْتُك مَعَهَا؛ وَقَعَ بِالْأُخْرَى كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ كَالطَّلَاقِ فِي التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ، فَكَذَا فِي التَّشْرِيكِ. تَتِمَّةٌ وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، أَوْ مُحْرِمَةً أَوْ صَائِمَةً فَرْضًا أَوْ لَا وَطِئْتُك لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَلَيْسَ بِمُولٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا بِغَيْرِ حِنْثٍ، وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك حَتَّى تَفْطِمِي وَلَدِي، فَإِنْ أَرَادَ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ، وَكَانَتْ مُدَّتُهُ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ فَمُولٍ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ أَرَادَ فِعْلَ الْفِطَامِ؛ فَلَيْسَ بِمُولٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهَا أَنْ تَفْطِمَهُ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَيْسَ بِمُولٍ لِحُصُولِ الْفِطَامِ بِمَوْتِهِ، وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك طَاهِرًا أَوْ لَا وَطِئْتُك وَطْئًا مُبَاحًا، فَمُولٍ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا الشَّرْعِيِّ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 500 [فَصْلٌ الْإِيلَاءُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ] فَصْلٌ (وَيَصِحُّ الْإِيلَاءُ) مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَيُمْكِنُهُ الْوَطْءُ (مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) وَحُرٍّ (وَقِنٍّ وَغَضْبَانَ وَسَكْرَانَ) أَثِمَ بِسُكْرِهِ (وَمَرِيضٍ مَرْجُوٍّ بُرْؤُهُ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ) بِزَوْجَتِهِ (وَ) يَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنْ (مُمَيِّزٍ) يَعْقِلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ: " وَالْمَذْهَبِ " وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " " وَالرِّعَايَتَيْنِ " " وَالْحَاوِي " وَغَيْرُهُمْ تَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ (وَيَتَّجِهُ لَا) يَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنْ مُمَيِّزٍ اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ " وَمُنْتَخَبُ الْآدَمِيِّ " " وَمُنَوَّرُهُ " وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الصِّحَّةُ، وَلَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] كَمَا لَا يَصِحُّ (مِنْ مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُمَا (وَ) لَا مِنْ (عَاجِزٍ عَنْ وَطْءٍ لَجَبٍّ كَامِلٍ أَوْ شَلَلٍ) أَوْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْوَطْءُ لِامْتِنَاعِهِ بِعَجْزِهِ. (وَيُضْرَبُ لِمُولٍ، وَلَوْ) كَانَ (قِنًّا) لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْآيَةِ (مُدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَمِينِهِ) لِلْآيَةِ، فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى ضَرْبِ حَاكِمٍ كَالْعِدَّةِ (وَلَا يُطَالَبُ فِيهِنَّ) أَيْ: الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (بِوَطْءٍ وَيُحْسَبُ عَلَيْهِ زَمَنُ عُذْرِهِ) فِيهَا (كَإِحْرَامٍ وَمَرَضٍ) وَحَبْسٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 501 لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَدْ وُجِدَ التَّمْكِينُ مِنْهَا، وَ (لَا) يُحْسَبُ زَمَنُ (عُذْرِهَا كَصِغَرٍ وَجُنُونٍ وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا تُعْذَرُ بِجُنُونٍ (مُطْبِقٍ) أَمَّا غَيْرُ الْمُطْبِقِ، فَلَا تُعْذَرُ بِهِ، لِسُرْعَةِ زَوَالِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَنُشُوزٍ وَإِحْرَامٍ وَنِفَاسٍ) وَمَرَضِهَا وَحَبْسِهَا وَسَفَرِهَا، وَلَا تُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ تُضْرَبُ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ وَطْئِهَا، وَالْمَنْعُ هُنَا مِنْ قِبَلِهَا (لَا) زَمَنَ (حَيْضٍ) فَيُحْسَبُ مِنْ الْمُدَّةِ، وَلَا يَقْطَعُهَا، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إلَى إسْقَاطِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ، وَإِنَّمَا حُسِبَ مِنْ الْمُدَّةِ (لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ الْحَيْضِ غَالِبًا (وَإِنْ حَدَثَ عُذْرُهَا) فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ (اُسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ لِزَوَالِهِ) وَلَمْ تَبِنْ عَلَى مَا مَضَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا مُتَوَالِيَةٌ؛ فَإِذَا قَطَعَتْهَا؛ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا كَمُدَّةِ الشَّهْرَيْنِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ (إنْ) كَانَ قَدْ (بَقِيَ مِنْ) الْمُدَّةِ الَّتِي حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ (أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، بَلْ أَرْبَعَةٌ فَأَقَلُّ، سَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَلَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى إذَا حَدَثَ عُذْرٌ مِمَّا سَبَقَ كَمُدَّةِ الشَّهْرَيْنِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ إذَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ يَسْتَأْنِفُهُمَا (كَمَنْ بَانَتْ) فِي الْمُدَّةِ (ثُمَّ عَادَتْ فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ بَانَتْ مِنْهُ بِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ انْقِضَاءِ عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لِأَنَّهَا بِالْبَيْنُونَةِ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ، فَلَمَّا عَادَ وَتَزَوَّجَهَا عَادَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا، فَاسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ إذَنْ. (وَإِنْ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فِي الْمُدَّةِ) أَيْ: مُدَّةِ التَّرَبُّصِ (لَمْ تَنْقَطِعْ) الْمُدَّةُ إذَنْ (مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ) نَصًّا لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ عَلَى نِكَاحِهَا، وَهِيَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ، وَإِنْ انْقَطَعَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَكَانَ قَدْ حَدَثَ (بِهَا عُذْرٌ) بَعْدَهَا يَمْنَعُ (وَطْأَهَا) كَإِحْرَامٍ وَنِفَاسٍ (لَمْ تَمْلِكْ طَلَبَ الْفِيئَةِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ مِنْ جِهَتِهَا، فَطَلَبُهَا بِهِ عَبَثٌ (وَإِنْ كَانَ) الْعُذْرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 502 (بِهِ؛ وَهُوَ) أَيْ: الْعُذْرُ (مِمَّا يَعْجِزُ بِهِ عَنْ الْوَطْءِ) كَالْمَرَضِ وَالْإِحْرَامِ (أُمِرَ) أَيْ: أَمَرَهُ الْحَاكِمُ (أَنْ يَفِيَ بِلِسَانِهِ؛ فَيَقُولُ: مَتَى قَدَرْت جَامَعْتُك) لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْفِيئَةِ تَرْكُ مَا قَصَدَهُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْإِيلَاءِ، وَاعْتِذَارِهِ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْإِضْرَارِ (ثُمَّ مَتَى قَدَرَ) أَنْ يُجَامِعَ (وَطِئَ أَوْ طَلَّقَ) لِزَوَالِ عَجْزِهِ الَّذِي أُخِّرَ لِأَجْلِهِ، كَالدَّيْنِ يُوسِرُ بِهِ الْمُعْسِرُ، وَلَا كَفَّارَةَ وَلَا حِنْثَ فِي الْفِيئَةِ بِاللِّسَانِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، بَلْ، وَعَدَ بِهِ (وَيُمْهَلُ) مُولٍ طُلِبَتْ فِيئَتُهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ (لِصَلَاةِ فَرْضٍ وَتَغَدٍّ وَهَضْمِ) طَعَامٍ (وَنَوْمٍ وَنُعَاسٍ وَتَحَلُّلٍ مِنْ إحْرَامٍ) وَفِطْرٍ مِنْ صَوْمٍ وَاجِبٍ (وَدُخُولِ خَلَاءٍ) وَرُجُوعٍ إلَى بَيْتِهِ (بِقَدْرِهِ) أَيْ: بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَقَطْ، لِأَنَّهُ الْعَادَةُ (وَ) يُمْهَلُ مُولٍ (مُظَاهِرٌ لِطَلَبِ رَقَبَةٍ) بِعِتْقِهَا عَنْ ظِهَارِهِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، وَلَا يُمْهَلُ مُظَاهِرٌ (لِصَوْمٍ) عَنْ كَفَّارَتِهِ (وَيَتَّجِهُ وَيُؤْمَرُ) مُظَاهِرٌ طَلَبَ الْمُهْلَةَ لِصَوْمٍ (بِطَلَاقٍ) فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الصَّوْمِ كَثِيرٌ وَ (لَا) يُمَكَّنُ مِنْ وَطْءٍ لِتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لِلْآيَةِ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يُحْمَلُ) قَوْلُهُمْ لَا يُمْهَلُ مُظَاهِرٌ لِصَوْمٍ (عَلَى مَنْ) أَيْ: مُظَاهِرٌ (أَمْكَنَهُ الصَّوْمُ فِي الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الْمَاضِيَةِ وَلَمْ يَفْعَلْ) أَيْ: لَمْ يَصُمْ تَهَاوُنًا مِنْهُ وَكَسَلًا، فَيَكُونُ مُفَرِّطًا، أَمَّا لَوْ كَانَ مَعْذُورًا لِمَرَضٍ أَصَابَهُ وَنَحْوِهِ؛ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ يُمْهَلُ لِيَصُومَ عَنْهُ كَفَّارَتُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 503 (فَإِنْ لَمْ يَبْقَ) لِمُولٍ (عُذْرٌ وَطَلَبَتْ) زَوْجَتُهُ، وَلَوْ كَانَتْ (أَمَةً الْفِيئَةَ - وَهُوَ الْجِمَاعُ - لَزِمَ الْقَادِرَ) عَلَى وَطْءٍ (مَعَ حِلِّ وَطْئِهَا) أَنْ يَطَأَ، وَأَصْلُ الْفَيْءُ الرُّجُوعُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الظِّلُّ بَعْدَ الزَّوَالِ الْمُوَلِّي فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى الْمَشْرِقِ، فَسُمِّيَ الْجِمَاعُ مِنْ الْمُولِي فَيْئَةً؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى فِعْلِ مَا تَرَكَهُ وَبِحَلِفِهِ (وَتُطَالِبُ) زَوْجَةٌ (غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ) لِصِغَرٍ وَجُنُونٍ (إذَا كُلِّفَتْ) لِتَصِحَّ دَعْوَاهَا (وَلَا مُطَالَبَةَ لِوَلِيٍّ) صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ (وَلَا سَيِّدِ) أَمَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْوَطْءِ لِلزَّوْجَةِ، دُونَ وَلِيِّهَا وَسَيِّدِهَا (وَيُؤْمَرُ بِطَلَاقٍ مَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ بِوَطْئِهَا وَيَحْرُمُ) وَطْؤُهَا؛ لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِإِدْخَالِ ذَكَرِهِ، فَيَكُونُ نَزَعَهُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ، وَالنَّزْعُ جِمَاعٌ، وَالظَّاهِرُ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ وَقْتُ وُجُوبٍ الْوَطْءِ عَلَيْهِ (وَمَتَى أَوْلَجَ) حَشَفَتَهُ فِي زَوْجَتِهِ عَلَّقَ طَلَاقَهَا الثَّلَاثَ بِوَطْئِهَا (وَتَمَّمَ) وَطْأَهُ (وَلَبِثَ) وَهُوَ مُولِجٌ (لَحِقَهُ نَسَبُهُ) أَيْ مَا وَلَدَتْهُ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ (وَلَزِمَهُ الْمَهْرُ، وَلَا حَدَّ) عَلَيْهِمَا؛ لِلشُّبْهَةِ، وَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ، لِأَنَّهُ تَارِكٌ، وَإِنْ نَزَعَ، ثُمَّ أَوْلَجَ، فَإِنْ جَهِلَا التَّحْرِيمَ؛ فَالْمَهْرُ وَالنَّسَبُ وَلَا حَدَّ، وَإِنْ عَلِمَا التَّحْرِيمَ؛ فَلَا مَهْرَ وَلَا نَسَبَ، وَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ؛ وَإِنْ عَلِمَا التَّحْرِيمَ، وَجَهِلَتْهُ؛ لَزِمَهُ الْمَهْرُ وَالْحَدُّ، وَلَا نَسَبَ، وَإِنْ عَلِمَتْ التَّحْرِيمَ وَجَهِلَهُ الْوَاطِئُ؛ لَزِمَهَا الْحَدُّ، وَلِحَقِّهِ النَّسَبُ، وَكَذَا إنْ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا. وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَ غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا بِوَطْئِهَا، فَوَطِئَهَا، وَقَعَ رَجْعِيًّا قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَحَصَلَتْ رَجْعَتُهَا بِنَزْعِهِ؛ إذْ النَّزْعُ جِمَاعٌ. (وَتَنْحَلُّ يَمِينُ مَنْ) أَيْ مُولٍ (جَامَعَ، وَلَوْ مَعَ تَحْرِيمِهِ) أَيْ: الْجِمَاعِ (كَ) جِمَاعِهِ (فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ، إحْرَامٍ أَوْ صِيَامِ فَرْضٍ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، فَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ بِهِ، وَقَدْ وَفَّى الزَّوْجَةَ رَجْعَتَهَا مِنْ الْوَطْءِ، فَخَرَجَ مِنْ الْفِيئَةِ كَالْوَطْءِ الْمُبَاحِ (وَيُكَفِّرُ) لِحِنْثِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 504 (وَأَدْنَى مَا يَكْفِي) مُولٍ فِي خُرُوجِهِ مِنْ فِيئَةٍ (تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا) مِنْ مَقْطُوعِهَا (وَلَوْ مِنْ مُكْرَهٍ) قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": وَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْوَطْءِ لَا يُتَصَوَّرُ (وَنَاسٍ وَجَاهِلٍ وَمَجْنُونٍ أَوْ أُدْخِلَ ذَكَرُ نَائِمٍ) لِوُجُودِ الْوَطْءِ وَاسْتِيفَاءِ الْمَرْأَةِ بِهِ حَقَّهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ قَصْدًا (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ) أَيْ: هَذِهِ الصُّوَرُ لِعَدَمِ حِنْثِهِ فَلَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ (فِي الْقُبُلِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَغْيِيبٍ أَيْ: قُبُلِ مَنْ آلَى مِنْهَا (فَلَا يَخْرُجُ) مُولٍ (مِنْ الْفِيئَةِ بِوَطْءٍ دُونَ فَرْجٍ؛ أَوْ فِي دُبُرٍ) لِأَنَّ الْفِيئَةَ الرُّجُوعُ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَهَذَا غَيْرُ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ قَبَّلَهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَزُولُ بِهِ ضَرَرُ الْمَرْأَةِ. (وَإِنْ لَمْ يَفِ) مُولٍ بِوَطْءِ مَنْ آلَى مِنْهَا (وَأَعْفَتْهُ؛ سَقَطَ حَقُّهَا) لِرِضَاهَا بِإِسْقَاطِهِ (كَعَفْوِهَا) أَيْ: كَعَفْوِ زَوْجَةِ الْعِنِّينِ (بِعُذْرٍ مِنْ الْعُنَّةِ) عَنْ الْفَسْخِ، فَيَسْقُطُ، وَإِلَّا تُعْفِهِ الْمَرْأَةُ (أُمِرَ) أَيْ: أَمَرَهُ الْحَاكِمُ (أَنْ يُطَلِّقَ) إنْ طَلَبَتْهُ مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] وَقَوْلُهُ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَمْ يَمْسِكْ بِمَعْرُوفٍ، فَيُؤْمَرُ بِالتَّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ. (وَلَا تَبِينُ) زَوْجَةُ مُولٍ مِنْهُ بِطَلَاقٍ (رَجْعِيٍّ) سَوَاءٌ أَوْقَعَهُ أَوْ الْحَاكِمُ كَغَيْرِ مُولٍ (فَإِنْ أَبَى) مُولٍ أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ طَلَّقَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ طَلْقَةً، وَتَقَعُ رَجْعِيَّةً أَوْ ثَلَاثًا أَوْ فَسَخَ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَيَّنَ مُسْتَحِقُّهُ، فَدَخَلَتْهُ النِّيَابَةُ، كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَيُفَارِقُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ النِّسْوَةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَلِأَنَّهَا خِيرَةُ تَشَهٍّ، بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالطَّلَاقِ، وَلَا أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 505 تَطْلُبَ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ فَلَا يَسْتَوْفِيهِ بِدُونِهَا، فَإِنْ طَلَّقَ عَلَيْهِ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ فَسَخَ صَحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَائِمًا مَقَامَ الزَّوْجِ؛ فَيَمْلِكُ مَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ وَالْخِيرَةُ فِي ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ، فَيَفْعَلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) مَرْجُوحٍ أَنَّ الْحَاكِمَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إيقَاعِ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَبَيْنَ فَسْخٍ، وَحَيْثُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ (فَلَا تَحْرُمُ الثَّلَاثُ) أَيْ: لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إيقَاعُهُمَا دَفْعَةً (هُنَا) أَيْ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ فِعْلَ الْأَصْلَحِ (وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ) فِي بَابِ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ (الْحُرْمَةُ) أَيْ: حُرْمَةُ إيقَاعِ طَلَاقِ ثَلَاثٍ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ وَلَوْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ أَوْ ظِهَارٍ قَبْلَ رَجْعَةٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا رَيْبَ فِيهِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُولِيَ نَفْسَهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إيقَاعُ ثَلَاثٍ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَغَيْرُهُ أَوْلَى. (وَإِنْ قَالَ) حَاكِمٌ (فَرَّقْتُ بَيْنَكُمَا) وَلَمْ يَنْوِ طَلَاقًا (فَهُوَ فَسْخٌ) لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ لَيْسَتْ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَلَا نِيَّتِهِ، أَشْبَهَ قَوْلَهُ: فَسَخْت النِّكَاحَ. (وَإِنْ ادَّعَى) مُولٍ طَلَبَتْهُ زَوْجَتُهُ بِالْفِيئَةِ (بَقَاءَ الْمُدَّةِ) أَيْ: مُدَّةَ التَّرَبُّصِ؛ قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ حَلِفِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ؛ لِصُدُورِهِ مِنْ جِهَتِهِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِيلَاءِ، أَوْ ادَّعَى وَطْأَهَا بَعْدَ إيلَائِهِ (وَهِيَ ثَيِّبٌ، قُبِلَ) لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ غَالِبًا، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ كَقَوْلِ الْمَرْأَةِ فِي حَيْضِهَا (وَإِنْ ادَّعَتْ) زَوْجَةُ مُولٍ ادَّعَى وَطْأَهَا (بَكَارَةً، فَشَهِدَ بِهَا) أَيْ: بِالْبَكَارَةِ امْرَأَةٌ (ثِقَةٌ؛ قُبِلَتْ) كَسَائِرِ عُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ (وَإِلَّا يَشْهَدْ بِبَكَارَتِهَا أَحَدٌ) ثِقَةٌ، (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ) ، (كَمَا) لَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 506 ادَّعَى الْوَطْءَ فِي الْعُنَّةِ (بِيَمِينِهِ) لِلْخَبَرِ، وَكَالدَّيْنِ، وَلِأَنَّ مَا تَدَّعِيهِ الْمَرْأَةُ مُحْتَمَلٌ، فَوَجَبَ نَفْيُهُ بِالْيَمِينِ (فِيهِنَّ) أَيْ: الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، أَشْبَهَ الدَّيْنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الظِّهَارِ] ِ مُشْتَقٌّ مِنْ الظَّهْرِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَشِبِّيهِ الزَّوْجَةَ بِظَهْرِ الْأُمِّ، وَإِنَّمَا خُصَّ الظُّهْرُ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ، إذْ الْمَرْأَةُ مَرْكُوبَةٌ إذَا غُشِيَتْ فَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي؛ أَيْ: رُكُوبُك لِلنِّكَاحِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَرُكُوبِ أُمِّي لِلنِّكَاحِ، فَأَقَامَ الظَّهْرَ مُقَامَ الرُّكُوبِ؛ لِأَنَّهُ مَرْكُوبٌ، وَأَقَامَ الرُّكُوبُ مَقَامَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النَّاكِحَ رَاكِبٌ، وَيُقَالُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَحْرُمُ بِالظِّهَارِ عَلَى زَوْجِهَا، وَلَا تُبَاحُ لِغَيْرِهِ، فَنَقَلَ الشَّارِعُ حُكْمَهُ لَا تَحْرِيمَهَا، وَوُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِالْعَوْدِ، وَأَبْقَى مَحَلَّهُ وَهُوَ الزَّوْجَةُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] وَقَوْلُ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لِلْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَيْسَتْ كَالْأُمِّ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] وَقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} [الأحزاب: 4] «وَلِحَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ حِينَ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ مَالِكٍ بْنِ ثَعْلَبَةَ فَجَاءَتْ تَشْكُوهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُجَادِلُهُ فِيهِ، وَتَقُولُ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 507 يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَكَلَ شَبَابِي وَنَثَرْت لَهُ بَطْنِي حَتَّى إذَا كَبُرَ سِنِّي، وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي اللَّهُمَّ إنِّي أَشْكُوهُ إلَيْك فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ» رُوِيَ: «أَنَّهَا كَانَتْ حَسَنَةَ الْجِسْمِ فَرَآهَا زَوْجُهَا وَهِيَ سَاجِدَةٌ، فَأَعْجَبَتْهُ عَجِيزَتُهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَتْ أَرَادَهَا فَأَبَتْ؛ فَغَضِبَ عَلَيْهَا وَكَانَ لَهُ شِدَّةُ حِرْصٍ وَتَوَقَانٍ، فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا: حَرُمْت عَلَيْهِ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا، وَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرُمْت عَلَيْهِ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا أَشْكُو إلَى اللَّهِ فَاقَتِي وَوِحْدَتِي، فَقَدْ طَالَتْ صُحْبَتِي، وَنَفَضْت لَهُ بَطْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَرَاك إلَّا قَدْ حَرُمْت عَلَيْهِ، وَلَمْ أُومَرْ فِي شَأْنِك بِشَيْءٍ فَجَعَلَتْ تُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا قَالَ لَهَا حَرُمْت عَلَيْهِ، هَتَفَتْ وَقَالَتْ: أَشْكُو إلَى اللَّهِ وَشِدَّةَ حَالِي وَإِنَّ لِي صِبْيَةً صِغَارًا إنْ ضَمَمْتُهُمْ إلَيْهِ ضَاعُوا وَإِنْ تَرَكْتُهُمْ عِنْدِي جَاعُوا، وَجَعَلَتْ تَرْفَعُ رَأْسَهَا إلَى السَّمَاءِ وَتَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْكُو إلَيْك، فَأَنْزِلْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّك، وَكَانَ هَذَا أَوَّلَ ظِهَارٍ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ إلَى آخِرِهِ» وَالظِّهَارُ (هُوَ أَنْ يُشَبِّهَ) زَوْجٌ (امْرَأَتَهُ، أَوْ) يُشَبَّهَ (عُضْوًا مِنْهَا) أَيْ: امْرَأَتِهِ كَيَدِهَا وَظَهْرِهَا (بِمَنْ) أَيْ: امْرَأَةٍ (تَحْرُمُ عَلَيْهِ) كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَحَمَاتِهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ (وَلَوْ كَانَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ إلَى أَمَدٍ كَأُخْتِ زَوْجَتِهِ) وَخَالَتِهَا وَعَمَّتِهَا (أَوْ) يُشَبِّهَهَا (بِعُضْوٍ مِنْهَا) أَيْ: مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَلَوْ إلَى أَمَدٍ. (أَوْ) يُشَبِّهَ امْرَأَتَهُ (بِذَكَرٍ أَوْ بِعُضْوٍ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الذَّكَرِ (وَلَوْ) أَتَى بِهِ (بِغَيْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 508 عَرَبِيَّةٍ) مِمَّنْ يُحْسِنُهَا كَالْإِيلَاءِ وَالطَّلَاقِ (أَوْ اعْتَقَدَ الْحِلَّ) أَيْ حِلَّ الْمُشَبَّهِ بِهَا مِنْ مَحَارِمَ (مَجُوسِيٌّ) بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُخْتِي مُعْتَقِدًا حِلَّ أُخْتِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الظِّهَارِ إذَا أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا (نَحْوُ) قَوْلِ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ: (أَنْتِ أَوْ يَدُك أَوْ وَجْهُك أَوْ أُذُنُك، كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ) كَبَطْنِ (أَوْ كَرَأْسِ أُمِّي أَوْ كَظَهْرِ) أَوْ بَطْن أَوْ رَأْسِ أَوْ عَيْنِ (عَمَّتِي أَوْ خَالَتِي أَوْ حَمَاتِي أَوْ أُخْتِ زَوْجَتِي أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ) كَظَهْرِ أَوْ بَطْنِ أَوْ رَأْسِ أَوْ عَيْنِ (أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ) كَظَهْرِ أَوْ بَطْنِ أَوْ رَأْسِ أَوْ عَيْنِ (أَبِي أَوْ أَخِي أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ، وَلَا يُدَيَّنُ) إنْ قَالَ: أَرَدْت فِي الْكَرَامَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحَةٌ فِي الظِّهَارِ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ. وَإِنْ قَالَ لَهَا: (أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي طَالِقٌ، أَوْ) قَالَ لَهَا (عَكْسَهُ) أَيْ: أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي (يَلْزَمَانِهِ) أَيْ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِصَرِيحِهِمَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا فِي الْأُولَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " تَبَعًا لِلشَّارِحِ بِأَنَّهُ لَيْسَ ظِهَارًا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ، وَإِنْ قَالَ لَهَا: (أَنْتِ عَلَيَّ) كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي (أَوْ) قَالَ أَنْتِ (عِنْدِي) كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي (أَوْ) قَالَ أَنْتِ (مِنِّي) كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي، (أَوْ) قَالَ: أَنْتِ (مَعِي كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي، وَأَطْلَقَ) فَلَمْ يَنْوِهِ ظِهَارًا وَلَا غَيْرَهُ؛ فَهُوَ (ظِهَارٌ) لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ. (وَإِنْ نَوَى) بِأَنْتِ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي (فِي الْكَرَامَةِ وَالْمَحَبَّةِ؛ دُيِّنَ؛ وَقُبِلَ حُكْمًا) لِاحْتِمَالِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ، (وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ أُمِّي أَوْ أَنْتِ كَأُمِّي أَوْ أَنْتِ مِثْلُ أُمِّي) وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي (لَيْسَ بِظِهَارٍ إلَّا مَعَ نِيَّةِ) ظِهَارٍ أَوْ (قَرِينَةٍ) مِنْ خُصُومَةٍ أَوْ غَضَبٍ؛ لِاحْتِمَالِ هَذِهِ الصُّوَرِ لِغَيْرِ الظِّهَارِ أَكْثَرَ مِنْ احْتِمَالِ الصُّوَرِ الَّتِي قَبْلَهَا لَهُ، وَكَثْرَةُ الِاحْتِمَالَاتِ تُوجِبُ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ فِي الْمُحْتَمَلِ الْأَقَلِّ لِيَتَعَيَّنَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كِنَايَةً فِيهِ، وَالْقَرِينَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 509 تَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ لَهَا (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ظِهَارٌ، وَلَوْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا وَيَمِينًا) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ أَوْقَعَهُ فِي امْرَأَتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَحَمْلُهُ عَلَى الظِّهَارِ أَوْلَى مِنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَبِينُ بِهِ الْمَرْأَةُ؛ وَهَذَا يُحَرِّمُهَا مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجَةِ، فَحَمْلُهُ عَلَى أَدْنَى التَّحْرِيمِ أَوَّلًا (لَا إنْ زَادَ بَعْدُ أَوْ قَبْلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَيْ: فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا، سَوَاءٌ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَخَّرَهُ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَحْوَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدْخُلُهُ التَّكْفِيرُ، وَكَذَا إنْ قَالَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ شَاءَ زَيْدٌ. وَقَوْلُهُ (أَنَا مُظَاهِرٌ أَوْ عَلَيَّ) الظِّهَارُ (أَوْ يَلْزَمُنِي الظِّهَارُ أَوْ) عَلَيَّ الْحَرَامُ أَوْ يَلْزَمُنِي (الْحَرَامُ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ أَنَا) عَلَيْك (كَظَهْرِ رَجُلٍ) أَوْ كَظَهْرِ أُمِّي (مَعَ نِيَّةِ) ظِهَارٍ (أَوْ قَرِينَةٍ) دَالَّةٍ عَلَيْهِ مِنْ خُصُومَةٍ أَوْ غَضَبٍ (ظِهَارٌ) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، وَقَدْ نَوَى بِهِ، وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ نَفْسِهِ عَلَيْهَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ تَشْبِيهَ نَفْسِهِ بِأَبِيهِ يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ كَمَا تَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ (وَإِلَّا) يَنْوِ ظِهَارًا وَلَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ (فَلَغْوٌ) (كَ) قَوْلِهِ (أُمِّي) امْرَأَتِي (أَوْ أُخْتِي أَوْ أُخْتِ امْرَأَتِي أَوْ مِثْلِهَا) أَيْ: أُمِّي أَوْ أُخْتِي أَوْ مِثْلِ امْرَأَتِي؛ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَغْوٌ مُطْلَقًا - وَإِنْ أَوْهَمَ التَّفْصِيلَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ لِأُمِّهِ وَوَصْفٌ لَهَا، وَلَيْسَ بِوَصْفٍ لِامْرَأَتِهِ. (وَ) كَقَوْلِهِ (أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الْبَهِيمَةِ) فَلَيْسَ ظِهَارًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاسْتِمْتَاعِ، (وَ) كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ (وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ) فَلَغْوٌ نَصًّا (وَكَالْإِضَافَةِ) أَيْ: إضَافَةِ التَّشْبِيهِ أَوْ التَّحْرِيمِ (إلَى نَحْوِ شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَرِيقٍ وَلَبَنٍ وَدَمٍ وَرُوحٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرٍ) بِأَنْ قَالَ: شَعْرُك أَوْ ظُفْرُك إلَى آخِرِهِ كَظَهْرِ أُمِّي؛ أَوْ شَعْرُك أَوْ ظُفْرُك إلَى آخِرِهِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَهُوَ لَغْوٌ، كَمَا سَبَقَ فِي الطَّلَاقِ. (وَلَا ظِهَارَ إنْ قَالَتْ) امْرَأَةٌ (لِزَوْجِهَا) نَظِيرَ مَا يَصِيرُ بِهِ مُظَاهِرًا لَوْ قَالَهُ (أَوْ عَلَّقَتْ بِتَزْوِيجِهِ نَظِيرَ مَا يَصِيرُ بِهِ مُظَاهِرًا) لَوْ قَالَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] فَخَصَّهُمْ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ قَوْلٌ يُوجِبُ تَحْرِيمًا فِي النِّكَاحِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 510 فَاخْتَصَّ بِهِ الرَّجُلُ كَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ الْحِلَّ فِي الْمَرْأَةِ حَقٌّ لِلزَّوْجِ؛ فَلَا تَمْلِكُ إزَالَتَهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَعَلَيْهَا كَفَّارَتُهُ) أَيْ: الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَقَدْ أَتَى بِالْمُنْكَرِ مِنْ الْقَوْلِ وَالزُّورِ فِي تَحْرِيمِ الْآخَرِ عَلَيْهِ أَشْبَهَتْ الزَّوْجَ، وَعَلَيْهَا التَّمْكِينُ لِزَوْجِهَا مِنْ وَطْئِهَا قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجِ؛ فَلَا تَمْنَعُهُ، كَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الظِّهَارِ؛ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ تَغْلِيظًا، وَلَيْسَ لَهَا ابْتِدَاءُ الْقُبْلَةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّخَعِيّ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ: أَنَّهَا قَالَتْ: إنْ تَزَوَّجْت مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَهُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي، فَسَأَلَتْ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرَأَوْا أَنَّ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةَ وَرَوَى سَعِيدٌ: أَنَّهَا اسْتَفْتَتْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ يَوْمئِذٍ كَثِيرٌ، فَأَمَرُوهَا أَنْ تَعْتِقَ رَقَبَةً، وَتَتَزَوَّجَهُ، فَتَزَوَّجَتْهُ، وَأَعْتَقَتْ عَبْدًا. (وَيُكْرَهُ دُعَاءُ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (الْآخَرَ) بِمَا يَخْتَصُّ (بِذِي رَحِمٍ كَأَبِي وَأُمِّي وَأَخِي وَأُخْتِي) قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي. [فَصْلٌ مِنْ يَصِحُّ مِنْهُ الظِّهَارُ] فَصْلٌ (وَيَصِحُّ) الظِّهَارُ (مِنْ كُلِّ مَنْ) أَيْ: زَوْجٍ (يَصِحُّ طَلَاقُهُ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُمَيِّزًا يَعْقِلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ كَالطَّلَاقِ، فَجَرَى مَجْرَاهُ، وَصَحَّ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ظِهَارُ مُمَيِّزٍ وَلَا إيلَاؤُهُ) لِأَنَّهُ يَمِينُ مُكَفَّرَةٌ، فَلَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّهِ كَالْيَمِينِ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ، لِمَا فِيهِ مِنْ قَوْلِ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ وَذَلِكَ مَرْفُوعٌ عَنْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّةُ ظِهَارِ الْمُمَيِّزِ وَإِيلَاؤُهُ كَطَلَاقِهِ؛ قَالَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " سَوَّى أَحْمَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 511 فِي " الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ " أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى صِحَّةِ ظِهَارِهِ وَإِيلَائِهِ قَالَ النَّاظِمُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. (وَيُكَفِّرُ كَافِرٌ بِمَالٍ) أَيْ: عِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ، لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَعَكْسُهُ أَيْ: عَكْسُ الْكَافِرِ (الْقِنُّ) فَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا يُكَفِّرُ مِنْهُ وَيَصِحُّ (مِنْ كُلِّ زَوْجَةٍ) كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةٍ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَطْؤُهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] الْآيَةُ فَخَصَّهُنَّ بِالظِّهَارِ وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ؛ فَاخْتُصَّ بِهَا كَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَنُقِلَ حُكْمُهُ، وَبَقِيَ مَحَلُّهُ. وَ (لَا) يَصِحُّ ظِهَارُهُ (مِنْ أَمَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ، وَيُكَفِّرُ) سَيِّدٌ قَالَ لِأَمَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (كَيَمِينٍ بِحِنْثٍ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا، ثُمَّ وَطِئَهَا قَالَ نَافِعٌ: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَارِيَتَهُ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ» . (وَإِنْ نَجَّزَهُ) أَيْ: الظِّهَارَ (لِأَجْنَبِيَّةٍ) بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي صَحَّ ظِهَارٌ (أَوْ عَلَّقَهُ بِتَزْوِيجِهَا) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةِ (كَ) : قَوْلِهِ لَهَا (إنْ تَزَوَّجْتُك) فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، لَمْ يَطَأْهَا إنْ تَزَوَّجَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا، تَحَقَّقَ مَعْنَى الظِّهَارِ مِنْهَا، وَحَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ وَطْؤُهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ الظِّهَارِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ لِأَنَّهُ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ فَصَحَّ عَقْدُهَا قَبْلَ النِّكَاحِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ أَنَّ الطَّلَاقَ حَلَّ قَيْدَ النِّكَاحِ، وَلَا يُمْكِنُ حَلُّهُ قَبْلَ عَقْدِهِ وَالظِّهَارُ تَحْرِيمٌ لِلْوَطْءِ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْعَقْدِ كَالْحَيْضِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ حُكْمُ الْإِيلَاءِ بِنِسَائِهِ؛ لِكَوْنِهِ يَقْصِدُ الْإِضْرَارَ بِهِنَّ، وَالْكَفَّارَةُ هُنَا وَجَبَتْ لِقَوْلِ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ، فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنِسَائِهِ. وَكَذَا إنْ قَالَ: كُلُّ النِّسَاءِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (أَوْ قَالَ: كُلُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 512 امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا) فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (فَظِهَارٌ) فَإِنْ تَزَوَّجَ نِسَاءً، وَأَرَادَ الْوَطْءَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ بِعَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ وَاحِدَةٍ، فَلَا تُوجِبُ أَكْثَرَ مِنْ كَفَّارَةٍ. (وَكَذَا) لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَنَوَى أَبَدًا) فَمُظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ ظِهَارٌ فِي الزَّوْجَةِ، فَكَذَا الْأَجْنَبِيَّةُ، فَلَا يَطَؤُهَا إذَا تَزَوَّجَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ظِهَارًا (إنْ أَطْلَقَ) فَلَمْ يَنْوِ أَبَدًا (أَوْ نَوَى) أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ (إذَنْ) لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ دَعْوَى ذَلِكَ (حُكْمًا) لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ. (وَيَصِحُّ الظِّهَارُ مُنَجَّزًا) كَمَا تَقَدَّمَ (وَمُعَلَّقًا) كَإِنْ قُمْت فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (وَمَحْلُوفًا بِهِ) كَأَنْتِ الظِّهَارُ لَأَقُومَنَّ (وَمُطْلَقًا) ، كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (وَمُؤَقَّتًا كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي شَهْرَ رَمَضَانَ) أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (عَامًا إنْ وَطِئَ فِيهِ) أَيْ: رَمَضَانَ أَوْ الْعَامِ (كَفَّرَ، وَإِلَّا يَطَأْ) فِيهِ (زَالَ) حُكْمُ الظِّهَارِ بِمُضِيِّهِ؛ لِحَدِيثِ صَخْرِ بْنِ سَلَمَةَ: وَفِيهِ «ظَاهَرْت مِنْ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَصَابَهَا فِيهِ فَأَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ» وَلَمْ يُنْكِرْ تَقْيِيدَهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ؛ فَإِنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ، وَهَذَا يُوقِعُ تَحْرِيمًا يَرْفَعُهُ التَّكْفِيرُ أَشْبَهَ الْإِيلَاءَ (وَيَحْرُمُ عَلَى مُظَاهِرٍ وَمُظَاهَرٍ مِنْهَا وَطْءٌ وَدَوَاعِيهِ قَبْلَ تَكْفِيرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَقَوْلِهِ: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] (وَلَوْ) كَانَ تَكْفِيرُهُ (بِإِطْعَامٍ) لِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ظَاهَرْت مِنْ امْرَأَتِي، فَوَقَعْت عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ، فَقَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ رَحِمَك اللَّهُ؟ قَالَ: خَلْخَالُهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ قَالَ: فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَك اللَّهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّ مَا حَرَّمَ الْوَطْءَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 513 مِنْ الْقَوْلِ حَرَّمَ دَوَاعِيهِ كَالطَّلَاقِ وَالْإِحْرَامِ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ فَلَهُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ (وَتَثْبُتُ) أَيْ: تَسْتَقِرُّ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ (فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ: الْمُظَاهِرِ (بِالْعَوْدِ) وَهُوَ الْوَطْءُ نَصًّا، لَا الْعَزْمِ عَلَيْهِ، فَلَا تَسْتَقِرُّ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا شَرْطٌ لِحِلِّ الْوَطْءِ فَيُؤْمَرُ بِهَا مَنْ أَرَادَهُ لِيَسْتَحِلَّهُ بِهَا كَمَا يُؤْمَرُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ مَنْ أَرَادَ حِلَّ الْمَرْأَةِ (وَلَوْ) كَانَ مِنْ الْوَطْءِ (مِنْ مَجْنُونٍ) بِأَنْ ظَاهَرَ، ثُمَّ جُنَّ. (وَيَتَّجِهُ) أَوْ كَانَ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ فَبَانَتْ مِنْهُ، ثُمَّ وَطِئَهَا (بِزِنًا) فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَادَ إلَى الْوَطْءِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (لَا) إنْ كَانَ الْوَطْءُ (مِنْ مُكْرَهٍ) لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِالْإِكْرَاهِ، وَنَائِمٍ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ضِدَّ قَوْلِ الْمُظَاهِرِ، إذْ الْمُظَاهِرُ حَرَّمَ الْوَطْءَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنَعَهَا مِنْهُ، فَالْعَوْدُ فِعْلُهُ، وَأَمَّا الْإِمْسَاكُ عَنْ الْوَطْءِ فَلَيْسَ بِعَوْدٍ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] وَثُمَّ لِلتَّرَاخِي، وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مُتَرَاخٍ؛ وَلِأَنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ يَقْتَضِي تَرْكَ الْوَطْءِ فَلَا يَجِبُ كَفَّارَةٌ إلَّا بِهِ كَالْإِيلَاءِ. (وَيَأْثَمُ كَلِفٌ) بِوَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ قَبْلَ تَكْفِيرٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ) إنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ (لَا يَطَأُ) بَعْدُ (حَتَّى يُكَفِّرَ) لِلْخَبَرِ، وَلِبَقَاءِ التَّحْرِيمِ (وَتُجْزِئُهُ) كَفَّارَةٌ (وَاحِدَةٌ) وَلَوْ كَرَّرَ الْوَطْءَ، لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ وُجِدَ الْعَوْدُ وَالظِّهَارُ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] لِآيَتَيْنِ (كَمُكَرِّرٍ ظِهَارًا مِنْ) امْرَأَةٍ (وَاحِدَةٍ قَبْلَ تَكْفِيرٍ وَلَوْ) كَرَّرَهُ (بِمَجَالِسَ، أَوْ أَرَادَ) بِتَكْرَارِهِ (اسْتِئْنَافًا) نَصًّا؛ لِأَنَّ تَكْرِيرَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ؛ لِتَحْرِيمِهَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَلَمْ تَكْفِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ وَكَذَا لَوْ ظَاهَرَ (مِنْ نِسَاءٍ بِكَلِمَةٍ) كَقَوْلِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَلِأَنَّهُ ظِهَارٌ وَاحِدٌ. وَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 514 ظَاهَرَ مِنْهُنَّ (بِكَلِمَاتٍ) بِأَنْ قَالَ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي؛ فَعَلَيْهِ (لِكُلٍّ) مِنْهُنَّ (كَفَّارَةٌ، كَأَنْ قَالَ) أَيْ: مَا تَقَدَّمَ (لِكُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُنَّ بِمُفْرَدِهَا؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ مُكَرَّرَةٌ عَلَى أَعْيَانٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَلِأَنَّهَا أَيْمَانٌ لَا يَحْنَثُ فِي إحْدَاهَا بِالْحِنْثِ فِي الْأُخْرَى؛ فَلَا تُكَفِّرُهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (أَوْ كَرَّرَهُ) أَيْ: كَرَّرَ قَوْلَهُ (لَهُنَّ) أَيْ: لِلنِّسَاءِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (وَلَمْ يُرِدْ) بِتَكْرَارِ ذَلِكَ (تَأْكِيدًا) فَعَلَيْهِ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ كَفَّارَةٌ؛ لِوُجُودِ التَّكْرَارِ الْعَارِي عَنْ إرَادَةِ التَّأْكِيدِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وُجِدَتْ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ، بِخِلَافِ الْحَدِّ، فَإِنَّهُ عُقُوبَةٌ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَيَلْزَمُ) مُظَاهِرًا (إخْرَاجُ) كَفَّارَةِ ظِهَارٍ (بِعَزْمٍ عَلَى وَطْءٍ) نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] الْآيَتَيْنِ وَحَدِيثِ «فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَك اللَّهُ بِهِ» حَيْثُ أَمَرَ بِالْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْتِمَاسٍ (وَيُجْزِئُ) إخْرَاجٌ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ عَزْمٍ عَلَى الْوَطْءِ (لِوُجُودِ سَبَبِهِ) أَيْ: سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الظِّهَارُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ (لَا قَبْلَ) ذَلِكَ (فَلَا تُجْزِئُ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ قَبْلَهُ كَ) مَا لَا تُجْزِئُ كَفَّارَةُ (يَمِينٍ) قَبْلَ حَلِفٍ، (وَلَا) تُجْزِئُ (كَفَّارَةُ قَتْلٍ قَبْلَ جَرْحٍ) لِعَدَمِ انْعِقَادِ سَبَبِ الْوُجُوبِ. (وَإِنْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ: (إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) ، لَمْ يُكَفِّرْ قَبْلَ دُخُولِهَا الدَّارَ، فَإِنْ دَخَلَتْهَا صَارَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 515 مُظَاهِرًا وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، لِوُجُودِ شَرْطِهِ (وَ) إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: (إنْ تَظَهَّرْت) أَنَا (فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي، ثُمَّ تَظَهَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ، عَتَقَ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ عِنْدَ وُجُودِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ دَخَلَهَا، وَنَوَى السَّيِّدُ حَالَ دُخُولِهِ أَنَّهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَهُوَ الشَّرْطُ (وَإِنْ اشْتَرَى) مُظَاهِرٌ (زَوْجَتَهُ) الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا وَهِيَ أَمَةٌ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ، وَظِهَارُهُ بِحَالِهِ (وَيُجْزِئُهُ عِتْقُهَا عَنْ) كَفَّارَةِ (ظِهَارِهِ) إنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً سَلِيمَةً مِنْ الْعُيُوبِ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَلَّتْ لَهُ بِلَا كَفَّارَةٍ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ قَدْ تَقَدَّمَتْ، فَإِنْ أَعْتَقَهَا فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ عَنْ ظِهَارِهِ مِنْهَا؛ بِأَنْ أَعْتَقَهَا تَبَرُّعًا أَوْ عَنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةِ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ مِنْ امْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ لِظِهَارِهِ مِنْهَا لِبَقَائِهِ كَمَا سَبَقَ. (أَوْ بَانَتْ) زَوْجَةٌ ظَاهَرَ مِنْهَا، حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً (قَبْلَ وَطْءٍ، ثُمَّ أَعَادَهَا؛ فَظِهَارٌ بِحَالِهِ) نَصًّا؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَزُولُ بِالتَّكْفِيرِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ سَوَاءٌ مَاتَ عَقِبَ ظِهَارِهِ أَوْ تَرَاخَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ، وَيَرِثُهَا وَتَرِثُهُ كَمَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ ظِهَارٍ قَبْلَ وَطْءٍ؛ سَقَطَتْ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، سَوَاءٌ مَاتَ عَقِبَ ظِهَارِهِ أَوْ تَرَاخَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ، وَيَرِثُهَا وَتَرِثُهُ كَمَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ. [فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ] ِ وَمَا بِمَعْنَاهَا (وَكَفَّارَتُهُ) أَيْ: الظِّهَارِ (وَكَفَّارَةُ وَطْءِ نَهَارِ رَمَضَانَ عَلَى التَّرْتِيبِ) ، وَيَتَّجِهُ اعْتِبَارُهُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ (فِي غَيْرٍ) أَمَّا السَّفِيهُ فَيُؤْمَرُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصِّيَامِ، فَقَطْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 516 فَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ أَطْعَمَ فِي الظِّهَارِ، لَمْ يُجْزِئْهُ ذَلِكَ؛ وَلَمْ يَنْفُذْ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ صَرِيحٌ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَهِيَ (عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] الْآيَتَيْنِ، «وَلِحَدِيثِ خَوْلَةَ حِينَ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْسٌ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتِقُ رَقَبَةً قَالَتْ: لَا يَجِدُ قَالَ: فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ: فَيُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا» (وَكَذَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ) فِي التَّرْتِيبِ (إلَّا أَنَّهُ لَا إطْعَامَ فِيهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ كَالْعِتْقِ وَالصِّيَامِ (وَالْمُعْتَبَرُ) فِي كَفَّارَاتٍ مَنْ قُدْرَةٍ أَوْ عَجْزٍ (وَقْتَ وُجُوبِ) كَفَّارَةٍ (كَحَدٍّ وَقَوَدٍ) فَيُعْتَبَرَانِ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ (وَهُوَ) أَيْ: وَقْتُ الْوُجُوبِ (هُنَا) أَيْ: فِي الظِّهَارِ (مِنْ الْعَوْدِ) إلَى الْوَطْءِ أَيْ بَعْدَهُ (وَفِي الْيَمِينِ مِنْ الْحِنْثِ، وَفِي الْقَتْلِ، مِنْ الزُّهُوقِ) فَمَنْ قَذَفَ، وَهُوَ عَبْدٌ، ثُمَّ عَتَقَ؛ لَمْ يُجْلَدْ إلَّا جَلْدَ عَبْدٍ، وَمَنْ حَنِثَ وَهُوَ عَبْدٌ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةُ عَبْدٍ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الطُّهْرَةِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهَا بِحَالِ الْوُجُوبِ كَالْحَدِّ، بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ فَإِنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، وَهُنَا لَوْ صَامَ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ، لَمْ يُبْطِلْ صَوْمَهُ، وَلَوْ قَتَلَ قِنًّا وَهُوَ رَقِيقٌ؛ ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَوَدُ. (فَلَوْ أَعْسَرَ مُوسِرٌ قَبْلَ تَكْفِيرٍ لَمْ يُجْزِهِ صَوْمٌ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَتَبْقَى الرَّقَبَةُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى يَسَارِهِ كَسَائِرِ مَا وَجَبَ، وَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ (أَوْ أَيْسَرَ مُعْسِرٌ) بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ مُعْسِرًا (أَوْ عَتَقَ قِنٌّ) بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ رَقِيقًا (لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ (وَيُجْزِئُهُ) الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْكَفَّارَاتِ (وَيَتَّجِهُ بَلْ) الْعِتْقُ (أَفْضَلُ) مِنْ الصِّيَامِ؛ لِتَشَوُّقِ الشَّارِعِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 517 وَجَبَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَإِمْكَانُ الْأَدَاءِ) فِي الْكَفَّارَاتِ (مَبْنِيٌّ عَلَى) اعْتِبَارِهِ فِي (زَكَاةٍ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ لَا لِلْوُجُوبِ، فَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ (وَمَالُهُ غَائِبٌ) مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ (لَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ حَتَّى يَحْضُرَ) مَالُهُ (إنْ لَمْ يُمْكِنْ شِرَاءُ) قِنٍّ (نَسِيئَةً) فَإِنْ أَمْكَنَهُ وَلَا ضَرَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ (وَلَا يَلْزَمُ عِتْقٌ إلَّا لِمَالِكِ رَقَبَةٍ) حِينَ وُجُوبٍ (وَلَوْ) كَانَتْ الرَّقَبَةُ (مُشْتَبِهَةً بِرِقَابِ غَيْرِهِ) لِإِمْكَانِ عِتْقِهَا (فَيَعْتِقُ رَقَبَةً) نَاوِيًا مَا مَلَكَهُ (ثُمَّ يَقْرَعُ بَيْنَ الرِّقَابِ، فَيُخْرِجُ مَنْ قَرَعَ) لِتَعَيُّنِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ، أَوْ إلَّا (لِمَنْ تُمْكِنُهُ) الرَّقَبَةُ بِأَنْ قَدَرَ عَلَى شِرَائِهَا (بِثَمَنِ مِثْلِهَا أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ) عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهَا (لَا تُجْحَفُ بِهِ) وَلَوْ كَثُرَ، لِعَدَمِ تَكَرُّرِهَا، بِخِلَافِ مَاءِ وُضُوءٍ، (أَوْ) يُمْكِنُهُ شِرَاؤُهَا (نَسِيئَةً وَلَهُ مَالٌ غَائِبٌ) يَفِي بِثَمَنِهَا النَّسِيئَةِ أَوْ مُؤَجَّلٌ، لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ عِتْقٌ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى رَقَبَةٍ (بِهِبَةٍ) بِأَنْ وُهِبَتْ لَهُ هِيَ أَوْ ثَمَنًا لِلْمِنَّةِ (فَإِنْ لَمْ تُبَعْ) الرَّقَبَةُ (نَسِيئَةً؛ عَدَلَ لِدُونِهِ) أَيْ عَدَلَ لِدُونِ الْعِتْقِ، وَهُوَ الصَّوْمُ وَلَوْ فِي غَيْرِ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ لِلْحَاجَةِ كَالْعَادِمِ. (وَشُرِطَ) لِلُزُومِ الْعِتْقِ (أَنْ يَفْضُلَ) الرَّقَبَةَ (عَمَّا يَحْتَاجُهُ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (مِنْ أَدْنَى مَسْكَنٍ صَالِحٍ لِمِثْلِهِ وَ) مِنْ (خَادِمٍ لِمَنْ يُخْدَمُ مِثْلُهُ وَ) أَنْ تَفْضُلَ عَنْ (مَرْكُوبٍ وَعَرَضِ بِذْلَةٍ) يَحْتَاجُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَلِبَاسِهِ وَفُرُشِهِ وَأَوَانَيْهِ وَآلَةِ حِرْفَتِهِ وَأَنْ تَفْضُلَ عَنْ (كُتُبِ عِلْمٍ يَحْتَاجُهَا وَثِيَابِ تَجَمُّلٍ) لَا تَزِيدُ عَلَى ثِيَابِ مِثْلِهِ وَعَنْ (كِفَايَتِهِ وَ) كِفَايَةِ (مَنْ يَمُونُهُ دَائِمًا وَعَنْ رَأْسِ مَالِهِ لِذَلِكَ) أَيْ: لِمَنْ يَحْتَاجُهُ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ (وَعَنْ وَفَاءِ دَيْنٍ) لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَغْرَقَتْهُ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ كَالْمَعْدُومِ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ إلَى بَدَلِهِ؛ كَمَنْ وَجَدَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعَطَشٍ؛ لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 518 الِانْتِقَالُ إلَى التَّيَمُّمِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ وَهُوَ مِمَّنْ يَخْدُمُ نَفْسَهُ لَزِمَهُ عِتْقُهُ؛ لِفَضْلِهِ عَنْ حَاجَتِهِ وَمَا يَحْتَاجُهُ لِأَكْلِ الطَّيِّبِ وَلُبْسِ النَّاعِمِ يَشْتَرِي بِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ لِعَدَمِ عِظَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ. (وَمَنْ لَهُ فَوْقَ مَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ مِنْ خَادِمٍ وَنَحْوِهِ) كَمَرْكُوبٍ وَمَسْكَنٍ (وَأَمْكَنَ بَيْعُهُ وَشِرَاءُ صَالِحٍ لِمِثْلِهِ وَشِرَاءِ رَقَبَةٍ بِالْفَاضِلِ؛ لَزِمَهُ) الْعِتْقُ، لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِلَا ضَرَرٍ (فَلَوْ تَعَذَّرَ) لِكَوْنِ الْبَاقِي لَا يَبْلُغُ ثَمَنَ رَقَبَةٍ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ (أَوْ كَانَ لَهُ سُرِّيَّةٌ يُمْكِنُ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ سُرِّيَّةٍ وَرَقَبَةٍ بِثَمَنِهَا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ) ذَلِكَ، لِأَنَّ غَرَضَهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ السُّرِّيَّةِ، فَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا (وَشُرِطَ فِي) إجْزَاءِ (رَقَبَةٍ فِي كَفَّارَةٍ) مُطْلَقًا (وَفِي نَذْرِ عِتْقٍ مُطْلَقٍ إسْلَامٌ) وَلَوْ كَانَ الْمُكَفِّرُ كَافِرًا قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ بَاقِي الْكَفَّارَاتِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، كَمَا حُمِلَ قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] عَلَى قَوْلِهِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] بِجَامِعِ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَضَمَّنُ تَفْرِيغَ الْعَتِيقِ الْمُسْلِمِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ، وَتَكْمِيلِ أَحْكَامِهِ، وَمَعُونَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ شَرْعُ إعْتَاقِهِ فِي الْكَفَّارَةِ، تَحَصُّلًا لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ، وَحُمِلَ النَّذْرُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ يُحْمَلُ عَلَى الْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِهِ تَعَالَى (وَ) شُرِطَ فِيهَا (سَلَامَةٌ مِنْ عَيْبٍ مُضِرٍّ ضَرَرًا بَيِّنًا بِالْعَمَلِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَمْلِيكُ الْقِنِّ نَفْعَهُ، وَتَمَكُّنُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا غَيْرُ حَاصِلٍ مَعَ مَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ كَذَلِكَ (كَعَمًى) لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ فِي أَكْثَرِ الصَّنَائِعِ (وَكَشَلَلِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ قَطْعِ إحْدَاهُمَا) لِأَنَّ الْيَدَ آلَةُ الْبَطْشِ، وَالرِّجْلَ آلَةُ الْمَشْيِ؛ فَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَمَلِ مَعَ تَلَفِ إحْدَاهُمَا (أَوْ) شَلَلِهَا أَوْ قَطْعِ (سَبَّابَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 519 أَوْ أُصْبُعٍ وُسْطَى أَوْ إبْهَامٍ مِنْ يَدٍ) لِأَنَّ الْقَبْضَ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ الْأَصَابِعِ، فَإِذَا عُدِمَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا ضَعُفَ الْقَبْضُ بِالْبَوَاقِي، فَتَذْهَبُ فَائِدَةُ الْيَدِ، أَوْ قَطْعِ سَبَّابَةٍ أَوْ وُسْطَى أَوْ إبْهَامٍ مِنْ رِجْلٍ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَطْعِ مِنْ الرِّجْلِ كَحُكْمِ الْقَطْعِ مِنْ الْيَدِ قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَقَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " وَمَشَى فِي " الْإِقْنَاعِ " عَلَى خِلَافِهِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ، وَكَانَ عَلَى " الْمُصَنِّفِ " أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ (أَوْ خِنْصَرٍ وَبِنْصَرٍ) مَعًا مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ نَفْعَ الْيَدِ يَزُولُ بِذَلِكَ (وَقَطْعِ أُنْمُلَةٍ مِنْ إبْهَامٍ؛ أَوْ قَطْعِ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: الْإِبْهَامِ، (كَ) قَطْعِ الْأُصْبُعِ (كُلِّهِ) لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْأُصْبُعِ بِذَلِكَ. (وَيُجْزِئُ) عِتْقٌ (مُتَبَرَّعٌ بِهِ عَنْهُ) حَيْثُ كَانَ (بِإِذْنِهِ) أَوْ أَمْرِهِ؛ بِأَنْ قَالَ لَهُ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْآمِرُ عِوَضًا عَنْهُ؛ فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ صَحَّ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَأَجْزَأَ عَنْ كَفَّارَتِهِ؛ وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِ الْمَأْمُورِ إلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ كَالْوَكِيلِ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِدُونِ إذْنِهِ وَلَا أَمْرِهِ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ فَلَا يُعْتَقُ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ إذَا كَانَ حَيًّا، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ عِتْقٌ وَلَا أَمَرَ بِهِ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ، وَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ، وَلَا يَحْنَثُ عَنْ كَفَّارَةِ الْمُعْتِقُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَصْدُرْ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا؛ (وَ) يُجْزِئُ (مِنْ قَطْعِ بِنْصِرَه مِنْ إحْدَى يَدَيْهِ) وَخِنْصَرِهِ مِنْ الْأُخْرَى، (أَوْ) قُطِعَتْ بِنْصِرَه (مِنْ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَ) قُطِعَتْ (خِنْصَرُهُ مِنْ الْأُخْرَى) لِبَقَاءِ نَفْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا (أَوْ جَدْعٍ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (أَيْ: قَطْعِ أَنْفِهِ) فَيُجْزِئُ، أَوْ قَطْعِ أُذُنِهِ (أَوْ يُخْنَقُ أَحْيَانَا) لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ. (أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ لَمْ تُوجَدْ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ، بِخِلَافِ مَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ فَنَوَاهُ عِنْدَ وُجُودِهَا، فَلَا يَجْزِي؛ لِأَنَّ سَبَبَ عِتْقِهِ انْعَقَدَ عِنْدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 520 وُجُودِ الصِّفَةِ، فَلَا يَمْلِكُ صَرْفَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْتُك أَوْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ لِلْكَفَّارَةِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَهَا. (وَ) يُجْزِئُ (مُدَبَّرٌ وَصَغِيرٌ) وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ (وَوَلَدُ زِنًا وَأَعْرَجُ يَسِيرٌ أَوْ مَجْبُوبٌ وَخَصِيٌّ) وَلَوْ مَجْبُوبًا (وَأَصَمُّ؛ وَأَخْرَسُ تُفْهِمُ إشَارَتُهُ، وَأَعْوَرُ) وَأَبْرَصُ وَأَجْذَمُ (وَمَرْهُونٌ وَلَوْ مَعَ عُسْرِ رَاهِنٍ وَمُؤَجَّرٍ وَجَانٍّ وَأَحْمَقُ وَمُزَوَّجَةٌ وَحَامِلٌ) وَلَهُ اسْتِثْنَاءُ حَمْلِهَا؛ لِأَنَّ مَا فِيهِمْ مِنْ النَّقْصِ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ، وَمَا فِيهِمْ مِنْ الْوَصْفِ لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ عِتْقِهِمْ. (وَ) يُجْزِئُ (مُكَاتَبٌ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا) مِنْ كِتَابِهِ، لِأَنَّهُ رَقَبَةٌ كَامِلَةٌ سَالِمَةٌ لَمْ يَحْصُلْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا عِوَضٌ، وَلَا يُجْزِئُ (مِنْ) أَيْ: مُكَاتَبٍ أَدَّى مِنْهَا شَيْئًا، لِحُصُولِ الْعِوَضِ عَنْ بَعْضِهِ (أَوْ اشْتَرَى بِشَرْطِ عِتْقٍ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَائِعَ نَقَصَهُ مِنْ ثَمَنِهِ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَ عَلَى عِتْقِهِ عِوَضًا (أَوْ يُعْتَقُ) عَلَى مُكَفِّرٍ (بِقَرَابَةٍ) فَلَا يُجْزِئُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] وَالتَّحْرِيرُ فِعْلُ الْعِتْقِ، وَلَمْ يَحْصُلْ هُنَا كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِغَيْرِ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ. وَ (لَا) يُجْزِئُ (مَرِيضٌ مَأْيُوسٍ) مِنْهُ؛ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَمَلِ (وَلَا مَغْصُوبٌ مِنْهُ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ مَنَافِعِهِ (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ إجْزَاءِ عِتْقِ رَقِيقٍ مَغْصُوبٍ مِنْهُ (مَا لَمْ يُخَلِّصْهُ) مُعْتِقُهُ (بَعْدَ) ذَلِكَ مِنْ الْغَاصِبِ؛ فَإِنْ خَلَّصَهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ إجْزَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَخَلَّصَ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ مَنَافِعِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يُجْزِئُ (زَمِنٌ وَلَا مَقْعَدٌ) لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِمَا مِنْ الْعَمَلِ فِي أَكْثَرِ الصَّنَائِعِ (وَلَا) يُجْزِئُ (نَحِيفٌ عَاجِزٌ عَنْ عَمَلٍ) لِأَنَّهُ كَمَرِيضٍ مَأْيُوسٍ مِنْ بُرْئِهِ وَ (لَا) يُجْزِئُ (مَنْ قُطِعَتْ أَصَابِعُ قَدَمِهِ كُلُّهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 521 فَإِنَّهُ اخْتَارَ أَنَّهُ يُجْزِئُ مَنْ قُطِعَتْ أَصَابِعُ قَدَمِهِ كُلُّهَا، وَإِنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ تَبَعًا لِلرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ". (وَلَا) يُجْزِئُ (أَخْرَسُ أَصَمُّ وَلَوْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ) لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِفَقْدِ حَاسَّتَيْنِ تَنْقُصُ بِنَقْصِهِمَا قِيمَتُهُ نَقْصًا كَثِيرًا، وَكَذَا أَخْرَسُ لَا تُفْهِمُ إشَارَتُهُ (وَمَجْنُونٌ مُطْبَقٌ) لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَغَائِبٌ لَمْ تَتَبَيَّنْ حَيَاتُهُ) لِأَنَّ وُجُودَهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، فَلَا يَبْرَأُ بِالشَّكِّ (فَإِذَا) أَعْتَقَهُ، ثُمَّ (تَبَيَّنَتْ) حَيَاتُهُ (أَجْزَأَ) قَوْلًا وَاحِدًا (وَلَا مُوصًى بِخِدْمَتِهِ أَبَدًا) لِنَقْصِهِ (وَأُمُّ وَلَدٍ) لِأَنَّ عِتْقَهَا مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ آخَرَ (وَلَا جَنِينٌ) وَلَوْ وُلِدَ بَعْدَ عِتْقِهِ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا بَعْدُ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) لَا تُجْزِئُ (مَنْ) أَيْ: أَمَةٌ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا وَ (جَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تَتَمَحَّضْ لِلْكَفَّارَةِ، وَقَوْلُهُ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ أَعْتَقَ) فِي كَفَّارَةٍ (جُزْءًا) مِنْ قِنٍّ، (ثُمَّ) أَعْتَقَ (مَا بَقِيَ) مِنْهُ وَلَوْ طَالَ مَا بَيْنَهُمَا - أَجْزَأَ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً كَامِلَةً كَإِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ، (أَوْ) (أَعْتَقَ نِصْفَ قِنَّيْنِ) ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ عَنْ كَفَّارَةٍ، (أَجْزَأَ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَشْقَاصَ كَالْأَشْخَاصِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْبَاقِي مِنْهُمَا حُرًّا أَوْ رَقِيقًا (إلَّا مَا سَرَى بِعِتْقِ جُزْءٍ) كَمَنْ يَمْلِكُ نِصْفَ قِنٍّ - وَهُوَ مُوسِرٌ - بِقِيمَةٍ بَاقِيَةٍ، فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ، وَسَرَى إلَى نِصْفِ شَرِيكِهِ؛ فَلَا يُجْزِئُهُ نَصِيبُ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ بِإِعْتَاقِهِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ غَيْرُ فِعْلِهِ، إنَّمَا هُوَ مِنْ آثَارِ فِعْلِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ نَاوِيًا عِتْقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ. (وَمَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِظِهَارٍ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ إنْ ظَاهَرْت مِنْ زَوْجَتِي فَأَنْتَ حُرٌّ (ثُمَّ ظَاهَرَ؛ عَتَقَ) الْمُعَلِّقُ عِتْقَهُ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَلَمْ يُجْزِئْهُ كَمَا لَوْ نَجَّزَهُ عَنْ ظِهَارِهِ، ثُمَّ ظَاهَرَ) بِأَنْ قَالَ لِقِنِّهِ: أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ عَنْ ظِهَارِي، ثُمَّ ظَاهَرَ، فَيُعْتَقُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 522 وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ ظِهَارِهِ (أَوْ عَلَّقَ ظِهَارَهُ بِشَرْطٍ) بِأَنْ قَالَ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَزَوْجَتِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (فَأَعْتَقَهُ) أَيْ: قِنَّهُ عَنْ ظِهَارِهِ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّكْفِيرُ (قَبْلَ) انْعِقَادِ سَبَبِ (هـ، وَ) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: (إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي، وَكَانَ ظَاهَرَ، فَوَطِئَ؛ عَتَقَ عَنْ الظِّهَارِ) لِوُجُودِ شَرْطِهِ (وَإِلَّا يَكُنْ ظَاهَرَ فَوَطِئَ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّهُ إنَّمَا عُلِّقَ عِتْقٌ بِشَرْطِ كَوْنِهِ عَنْ ظِهَارِهِ؛ فَتَقَيَّدَ بِهِ. (وَمَنْ أَعْتَقَ) عَنْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ (غَيْرَ مُجْزِئٍ ظَانًّا إجْزَاءَهُ؛ نَفَذَ) عِتْقُهُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَبَقِيَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهِ (وَ) لَوْ قَالَ إنْسَانٌ لِمَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ: (أَعْتِقْ عَبْدَك عَنْ كَفَّارَتِك، وَلَك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، فَفَعَلَ) أَيْ: أَعْتَقَهُ (بِنِيَّةِ ذَلِكَ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ) لِاعْتِيَاضِهِ عَنْ الْعِتْقِ، وَوَلَاؤُهُ لَهُ، لِعُمُومِ حَدِيثِ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَإِنْ رَدَّ الْمُعْتِقُ الْعَشَرَةَ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى بَاذِلهَا لِيَكُونَ الْعِتْقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنْهَا لِأَنَّ الْعِتْقَ ابْتِدَاءً، وَقَعَ غَيْرَ مُجْزِئٍ، فَلَمْ يَنْقَلِبْ مُجْزِئًا بِرَدِّ الْعِوَضِ (وَإِلَّا) يَنْوِ الْمُعْتِقُ ذَلِكَ، بَلْ قَصَدَ ابْتِدَاءً الْعِتْقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَحْدَهَا، وَعَزَمَ عَلَى رَدِّ الْعَشَرَةِ قَبْلَ الْعِتْقِ؛ وَأَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ؛ (أَجْزَأَ) عِتْقُهُ عَنْهَا؛ لِتَمَحُّضِهِ لَهَا (كَمُتَبَرِّعٍ بِهِ عَنْهُ) أَيْ: كَمَا لَوْ أَعْتَقَ إنْسَانٌ قِنَّهُ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَى غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ تَبَرُّعًا، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ، لَا إنْ أَعْتَقَ قِنَّهُ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَى غَيْرِهِ (بِلَا إذْنِهِ) فَلَا يُجْزِئُ، لِأَنَّ الْعِتْقَ عِبَادَةٌ، وَمَنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ؛ فَلَمْ يَصِحَّ أَدَاؤُهَا عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِدُونِ إذْنِهِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ. (وَيَتَّجِهُ إلَّا) إنْ أَعْتَقَ قِنَّهُ (عَنْ) كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ عَلَى (مَيِّتٍ) ؛ فَيَصِحُّ الْعِتْقُ وَيَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ لَا، وَارِثًا كَانَ الْمُعْتِقُ أَوْ أَجْنَبِيًّا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَيَّنُ فِيهِ بِالْفِعْلِ، فَأَشْبَهَ الْمُعَيَّنَ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 523 فَجَازَ أَنْ يَفْعَلَهُ كَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ، فَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ عَنْهُ مَيِّتًا، وَكَانَ قَدْ أَوْصَى بِالْعِتْقِ صَحَّ؛ وَإِنْ لَمْ يُوصِ، فَأَعْتَقَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْهُ وَارِثُهُ؛ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، صَحَّ انْتَهَى وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ وَجَدَ بِمَا اشْتَرَاهُ لِلْكَفَّارَةِ عَيْبًا لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ) فِيهَا كَالْعَوَرِ (فَلَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ لِنَفْسِهِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَعْتِقْهُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْعَيْبِ فَأَخَذَ أَرْشَهُ فَهُوَ لَهُ أَيْضًا، كَمَا لَوْ أَخَذَهُ قَبْلَ إعْتَاقِهِ. (وَإِذَا كَفَّرَ كَافِرٌ) عَنْ ظِهَارِهِ (بِعِتْقٍ وَبِمِلْكِهِ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً) أَوْ وَرِثَهَا فَأَعْتَقَهَا (صَحَّ) وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَحَلَّ لَهُ الْوَطْءُ وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ إلَى شِرَاءِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شِرَاؤُهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَيَتَعَيَّنُ تَكْفِيرُهُ بِالْإِطْعَامِ، لِعَجْزِهِ عَنْ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ (إلَّا إنْ قَالَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ) عَبْدَك الْمُسْلِمَ (عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ) فَيَصِحُّ عِتْقُهُ عَنْهُ، وَيُجْزِئُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ؛ فَكَالْعَبْدِ يَعْتِقُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ بِالصِّيَامِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ، فَيُجْزِئُ الْإِطْعَامُ، وَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالْعِتْقِ وَالصِّيَامِ (وَلَا يَصِحُّ تَكْفِيرُ مُرْتَدٍّ بِعِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ زَمَنَ رِدَّتِهِ) فَإِنْ كَفَرَ بِذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْهُ (نَصًّا) لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لَحِقَ الْمُسْلِمِينَ. [فَصْلٌ لَمْ يَجِد المكفر عَنْ ظِهَاره رقبة] فَصْلٌ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً) كَمَا تَقَدَّمَ (صَامَ) الْمُكَفِّرُ (حُرًّا) كَانَ أَوْ مُبَعَّضًا (أَوْ قِنًّا شَهْرَيْنِ، وَلَوْ كَانَا نَاقِصَيْنِ إنْ صَامَهُمَا بِالْأَهِلَّةِ) لِلْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ (وَيَلْزَمُهُ تَبْيِيتُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 524 النِّيَّةِ) لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ، (وَ) يَلْزَمُهُ (تَعْيِينُهَا) أَيْ: النِّيَّةِ (جِهَةَ الْكَفَّارَةِ) لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (وَ) يَلْزَمُهُ (التَّتَابُعُ) أَيْ: يُتَابِعُ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ بِأَنْ لَا يُفَرِّقَ الصَّوْمَ لِلْآيَةِ (لَا نِيَّتُهُ) أَيْ: التَّتَابُعِ؛ بَلْ يَكْفِي حُصُولُهُ بِالْفِعْلِ كَمُتَابَعَةِ الرَّكَعَاتِ فِي الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّهَا فَرْضٌ، وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهَا، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ، فَافْتَقَرَ إلَى نِيَّةِ التَّرَخُّصِ. (وَيَنْقَطِعُ) تَتَابُعٌ (بِوَطْءِ) مُظَاهِرٍ مِنْهَا - وَلَوْ نَاسِيًا - لِعُمُومِ {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] وَلِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالنِّسْيَانِ، وَلَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعٌ بِمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُنْظَرُ بِهِ، لِعَدَمِ فَسَادِ الصَّوْمِ، وَأَمَّا لَمْسُ أَوْ مُبَاشَرَةُ (مُظَاهَرٍ مِنْهَا) عَلَى وَجْهٍ يُفْطِرُ، فَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ، لِفَسَادِ صَوْمِهِ (وَلَوْ) فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (نَاسِيًا) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ وَطْءٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ بِإِنْزَالٍ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِمَا كَمَا أَمَرَهُ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ نَهَارًا نَاسِيًا لِلصَّوْمِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ (لَا) يَنْقَطِعُ (تَتَابُعُ) امْرَأَةٍ (مُظَاهِرَةٍ) مِنْ زَوْجِهَا بِأَنْ قَالَتْ لَهُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأَبِي أَوْ أَخِي حَيْثُ أَوْجَبْنَا عَلَيْهَا الْكَفَّارَةَ بِإِتْيَانِهَا بِالْمُنْكَرِ مِنْ الْقَوْلِ وَالزُّورِ بِتَمْكِينِ زَوْجِهَا مِنْ وَطْئِهَا وَمُبَاشَرَتِهَا غَيْرَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا ابْتِدَاءُ الْقُبْلَةِ وَالِاسْتِمْتَاعُ، لَا تَبَعًا لِأَنَّهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الظِّهَارِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ تَغْلِيظًا، (أَوْ) لَا تَتَابُعُ (مُكْرَهٍ) عَلَى فِعْلِ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّتَابُعُ؛ لِحَدِيثِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (وَلَا) تَتَابُعُ (مَجْنُونٍ) لِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 525 وَكَانَ وَطْؤُهُ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا (مَعَ عُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ) كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ، فَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ، (أَوْ) كَانَ (لَيْلًا) عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا، لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْوَطْءِ، فَلَا يُخَصُّ النَّهَارُ وَلَا الذَّكَرُ، وَ (لَا) يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ (بِوَطْءِ غَيْرِ) الْمُظَاهَرِ مِنْ (هَا) (نَاسِيًا) لِلصَّوْمِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (أَوْ) وَطْءِ غَيْرِ مُظَاهَرٍ مِنْهَا (لَيْلًا) وَلَوْ عَمْدًا قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَلَا هُوَ مُنْحَلٌّ بِتَتَابُعِ الصَّوْمِ كَالْأَكْلِ (أَوْ) غَيْرِ مُظَاهَرٍ مِنْهَا (لِعُذْرٍ) يُبِيحُ الْفِطْرَ، لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي قَطْعِ التَّتَابُعِ. (وَيَنْقَطِعُ) تَتَابُعٌ (بِصَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ) لِأَنَّهُ فَرَّقَهُ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ تَحَرُّزُهُ مِنْهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ (وَيَقَعُ) صَوْمُهُ (عَمَّا نَوَاهُ) لِأَنَّهُ زَمَانٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْكَفَّارَةِ (وَ) يَنْقَطِعُ تَتَابُعٌ (بِفِطْرٍ) فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرَيْنِ (بِلَا عُذْرٍ) لِقَطْعِهِ إيَّاهُ أَوْ بِفِطْرٍ (لِجَهْلٍ) لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَخْفَى (أَوْ نَسِيَ وُجُوبَ التَّتَابُعِ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ أَتَمَّ الشَّهْرَيْنِ، فَبَانَ بِخِلَافِهِ) انْقَطَعَ التَّتَابُعُ، كَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّ الْوَاجِبَ شَهْرٌ وَاحِدٌ، فَأَفْطَرَ. (وَلَا يَنْقَطِعُ) تَتَابُعٌ (بِصَوْمِ رَمَضَانَ) وَلَا بِفِطْرٍ فِيهِ بِسَفَرٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ فِطْرٍ وَاجِبٍ كَ) فِطْرِ يَوْمِ (عِيدٍ) وَأَيَّامِ تَشْرِيقٍ بِأَنْ يَبْتَدِئَ مَثَلًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَيَتَخَلَّلُهُ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ؛ فَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ، لِأَنَّهُ زَمَنٌ مَنَعَهُ الشَّرْعُ عَنْ صَوْمِهِ فِي الْكَفَّارَةِ كَاللَّيْلِ (وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ) أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي الْحَيْضِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ النِّفَاسُ (وَجُنُونٍ) وَإِغْمَاءٍ (وَمَرَضٍ مَخُوفٍ) لِأَنَّ الْحَيْضَ وَمَا بَعْدَهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. (وَ) لَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعٌ بِفِطْرِ (حَامِلٍ وَمُرْضِعٍ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا) لِأَنَّهُ فِطْرٌ أُبِيحَ لِعُذْرٍ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا؛ أَشْبَهَ الْمَرَضَ، أَوْ فِطْرٍ (لِعُذْرٍ يُبِيحُهُ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ غَيْرِ مَخُوفٍ) لِشَبَهِهِمَا بِالْمَرَضِ الْمَخُوفِ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ، (وَ) كَفِطْرِ (حَامِلٍ) وَمُرْضِعٍ لِضَرَرِ (وَلَدِهِمَا) بِالصَّوْمِ؛ لِإِبَاحَةِ فِطْرِهِمَا بِسَبَبٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِهِمَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهَا، (وَ) كَفِطْرِ (مُكْرَهٍ) عَلَى فِطْرٍ (وَمُخْطِئٍ كَظَنِّهِ) أَيْ: الْأَكْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 526 أَنَّهُ (لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) وَقَدْ كَانَ طَلَعَ (أَوْ) فِطْرِهِ مَا يَظُنُّ أَنَّ (الشَّمْسَ غَائِبَةٌ، فَبَانَ بِخِلَافِهِ) لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ، لِمَا سَبَقَ (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ لُزُومُ الْإِمْسَاكِ) تَتِمَّةَ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْسَدَ صَوْمَهُ فِيهِ احْتِرَامًا لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَيَتَّجِهُ وَحَيْثُ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ؛ لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ لِيَأْتِيَ بِالشَّهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ وَصَوْمٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَنَذْرِ صَوْمِ شَهْرٍ أَوْ أَيَّامٍ مُطْلَقَةٍ أَخَّرَهُ إلَى فَرَاغِهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِاتِّسَاعِ وَقْتِهِ، وَإِنْ كَانَ النَّذْرُ مُعَيَّنًا كَنَذْرِهِ صَوْمَ رَجَبٍ مَثَلًا، أَخَّرَ الْكَفَّارَةَ عَنْهُ، أَوْ قَدَّمَهَا عَلَيْهِ إنْ اتَّسَعَ لَهَا الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْإِتْيَانُ بِكُلٍّ مِنْ الْوَاجِبَيْنِ؛ فَلَزِمَهُ وَإِنْ كَانَ النَّذْرُ أَيَّامًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ كَيَوْمِ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ أَوْ أَيَّامِ الْبِيضِ، قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِوُجُوبِهَا بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَقَضَاهُ بَعْدَهَا قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: " قُلْت: وَيُكَفِّرُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ. [فَصْلٌ لَمْ يَسْتَطِعْ المكفر لِظِهَارِهِ صَوْمًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ] فَصْلٌ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْمًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ، وَلَوْ رُجِيَ بُرْؤُهُ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ (أَوْ يَخَافُ زِيَادَتَهُ) أَيْ: الْمَرَضِ (أَوْ تَطَاوُلَهُ) بِصَوْمِهِ (أَوْ) لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْمًا (لِشَبَقٍ) لَا يَصْبِرُ فِيهِ عَنْ جِمَاعِ الزَّوْجَةِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهَا، أَوْ لِضَعْفٍ عَنْ مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا (أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] «وَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 527 بِالصَّوْمِ قَالَتْ امْرَأَتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ: فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» «وَلَمَّا أَمَرَ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ بِالصِّيَامِ قَالَ: وَهَلْ أَصَبْت مَا أَصَبْت إلَّا مِنْ الصِّيَامِ؟ قَالَ: فَأَطْعِمْ» ، فَنَقَلَهُ إلَيْهِ لَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بِهِ مِنْ الشَّبَقِ وَالشَّهْوَةِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّوْمِ. وَقِيسَ عَلَيْهِمَا مَنْ فِي مَعْنَاهُمَا. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمِسْكِينُ (مُسْلِمًا حُرًّا) كَالزَّكَاةِ (وَلَوْ أُنْثَى وَلَا يَضُرُّ وَطْءُ مُظَاهَرٍ مِنْهَا أَثْنَاءَ إطْعَامٍ) نَصًّا، (وَ) كَذَا أَثْنَاءَ (عِتْقٍ) ؛ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ وَطِئَ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ وَأَعْتَقَهُ فَلَا يَقْطَعُهُمَا وَطْؤُهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ قَبْلَ الْإِتْمَامِ. (وَيُجْزِئُ دَفْعُهَا) أَيْ: الْكَفَّارَةِ (لِصَغِيرٍ مِنْ أَهْلِهَا) كَمَا لَوْ كَانَ كَبِيرًا (وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ) لِأَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ مُحْتَاجٌ؛ أَشْبَهَ الْكَبِيرَ (وَيَقْبِضُ لَهُ وَلِيُّهُ) وَكَذَا الزَّكَاةُ. وَتَقَدَّمَ، وَأَكْلُهُ لِلْكَفَّارَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيُصْرَفُ مَا يُعْطَى لِلصَّغِيرِ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّا تَتِمُّ (بِهِ) كِفَايَتُهُ (وَ) يُجْزِئُ دَفْعُهَا (لِمُكَاتَبٍ) لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَشْبَهَ الْحُرَّ الْمِسْكِينَ (وَإِلَى مَنْ يُعْطَى مِنْ زَكَاةٍ لِحَاجَةٍ) كَفَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ وَابْنِ سَبِيلٍ وَغَارِمٍ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ وَالْغَارِمَ كَذَلِكَ يَأْخُذَانِ لِحَاجَتَيْهِمَا؛ فَهُمَا فِي مَعْنَى الْمِسْكِينِ، وَتُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى (مَنْ كَانَ مِسْكِينًا، فَبَانَ غَنِيًّا) كَالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْغِنَى مِمَّا يَخْفَى. (وَلَا يُجْزِئُ) إنْ دَفَعَهَا (إلَى حُرٍّ، فَبَانَ نَحْوُ قِنٍّ) كَأُمِّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى كَافِرٍ كَالزَّكَاةِ. (وَيَجُوزُ) دَفْعُهَا (إلَى مِسْكِينٍ) وَاحِدٍ (فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ) لِأَنَّهُ دَفَعَ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ إلَى الْعَدَدِ الْوَاجِبِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ فِي يَوْمَيْنِ، (وَلَا) يُجْزِئُ دَفْعُ كَفَّارَتِهِ (إلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ) لِاسْتِغْنَائِهِ بِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ النَّفَقَةِ، وَلِأَنَّهَا لِلَّهِ؛ فَلَا يَصْرِفُهَا لِنَفْعِهِ (وَلَا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 528 يُجْزِئُ (تَرْدِيدُهَا عَلَى مِسْكِينٍ) وَاحِدٍ (سِتِّينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ) مِسْكَيْنَا (غَيْرَهُ) فَيُجْزِئُهُ لِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ، وَتَرْدِيدُهَا إذَنْ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي مَعْنَى إطْعَامِ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهِ حَاجَةَ الْمِسْكِينِ فِي كُلِّ يَوْمٍ؛ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدًا، فَكَأَنَّهُ أَطْعَمَ الْعَدَدَ مِنْ الْمَسَاكِينِ؛ وَالشَّيْءُ بِمَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ بِصُورَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهَا وَلِهَذَا شُرِعَتْ الْأَبْدَالُ؛ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُبَدَّلَاتِ فِي الْمَعْنَى. (وَلَوْ قَدَّمَ) نَحْوُ مُظَاهِرٍ (إلَى سِتِّينَ) مِسْكِينًا (سِتِّينَ مُدًّا) مِنْ بُرٍّ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ بَاقِي مَا يُجْزِئُ (وَقَالَ: هَذَا بَيْنَكُمْ، فَقَبِلُوهُ، فَإِنْ قَالَ بِالسَّوِيَّةِ؛ أَجْزَأَهُ) ذَلِكَ، (وَإِلَّا) يَقُلْ بِالسَّوِيَّةِ؛ (فَلَا) يُجْزِئُهُ (مَا لَمْ يَعْلَمْ) مُكَفِّرٌ (أَنَّ كُلًّا) مِنْ الْمَسَاكِينِ (أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ) مِمَّا قَدَّمَهُ لَهُمْ؛ فَيُجْزِئُهُ؛ لِحُصُولِ الْعِلْمِ مِنْ الْمَسَاكِينِ بِالْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ. (وَالْوَاجِبُ) فِي الْكَفَّارَاتِ (مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ مِنْ بُرٍّ مُدٌّ، وَمِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: الْبُرِّ وَهُوَ الشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ (مُدَّانِ) ، وَهُمَا نِصْفُ صَاعٍ. (وَسُنَّ إخْرَاجُ أُدُمٍ مَعَ) إخْرَاجِ (مُجْزِئٍ) مِمَّا سَبَقَ نَصًّا، وَإِخْرَاجُ بُرٍّ أَفْضَلُ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ إخْرَاجِ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ، وَتُجْزِئَانِ بِوَزْنِ الْحَبِّ، وَإِنْ أَخْرَجَهُمَا بِالْكَيْلِ زَادَ عَلَى كَيْلِ الْحَبِّ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ بِقَدْرِهِ وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْحَبَّ إذَا طُحِنَ تَوَزَّعَ. (وَلَا يُجْزِئُ بِهِ خُبْزٌ) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْكَيْلِ وَالِادِّخَارِ؛ أَشْبَهَ الْهَرِيسَةَ (وَلَا يُجْزِئُ) فِي كَفَّارَةٍ (غَيْرُ مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةِ، وَلَوْ كَانَ) ذَلِكَ (قُوتَ بَلَدِهِ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ طُهْرَةٌ لِلْمُكَفَّرِ عَنْهُ، كَمَا أَنَّ الْفِطْرَةَ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ، فَاسْتَوَيَا فِي الْحُكْمِ. (وَيَتَّجِهُ) إنْ كَانَ قُوتُ بَلَدِهِ غَيْرَ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ؛ لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 529 لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ بِإِخْرَاجِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ فِي الْفِطْرَةِ؛ فَلَمْ يَجُزْ غَيْرُهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قُوتَ بَلَدِهِ (إلَّا إنْ عُدِمَ) مَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ (فَيُجْزِئُ نَحْوُ ذُرَةٍ وَدُخْنٍ) وَأُرْزٍ وَكُلِّ مَا يُقْتَاتُ مِنْ حَبٍّ وَثَمَرٍ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفِطْرَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ (أَنْ يُغَدِّيَ الْمَسَاكِينِ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ) لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الصَّحَابَةِ إعْطَاؤُهُمْ، «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِكَعْبٍ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ» وَلِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ تَمْلِيكُهُ لِلْفُقَرَاءِ شَرْعًا، أَشْبَهَ الزَّكَاةَ (بِخِلَافِ نَذْرِ إطْعَامِهِمْ) أَيْ: الْمَسَاكِينَ، فَيُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ؛ لِأَنَّهُ وَفَى بِنَذْرِهِ. (وَلَا) تُجْزِئُ (الْقِيمَةُ وَلَا) يُجْزِئُ (عِتْقٌ وَ) لَا (صَوْمٌ وَ) لَا (إطْعَامٌ إلَّا بِنِيَّتِهِ) بِأَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ جِهَةِ الْكَفَّارَةِ؛ لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَلِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ وَجْهُهُ فَيَقَعُ تَبَرُّعًا وَنَذْرًا وَكَفَّارَةً، فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْكَفَّارَةِ إلَّا النِّيَّةُ. (وَيَتَّجِهُ صِحَّتُهَا) أَيْ النِّيَّةِ (هُنَا) أَيْ: فِي الْكَفَّارَةِ فَقَطْ (مِنْ كَافِرٍ) وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ؛ لِتَوَقُّفِ الْإِجْزَاءِ عَلَيْهَا، فَلَوْ لَمْ نُصَحِّحْهَا مِنْهُ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الْكَفَّارَةِ وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ بِإِخْرَاجِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا تَكْفِي نِيَّةُ تَقَرُّبٍ فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْكَفَّارَةِ؛ لِتَنَوُّعِ التَّقَرُّبِ إلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ، وَمَحِلُّ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ اللَّيْلُ، وَفِي الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ يَسِيرًا (فَإِنْ كَانَتْ) عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ (وَاحِدَةٌ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ تَعْيِينُ سَبَبِهَا) بِنِيَّتِهِ، وَيَكْفِيهِ نِيَّةُ الْعِتْقِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْإِطْعَامِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 530 عَنْ الْكَفَّارَةِ الَّتِي عَلَيْهِ؛ لِتَعَيُّنِهَا بِاتِّحَادِ سَبَبِهَا (وَيَلْزَمُهُ مَعَ نِسْيَانِهِ) أَيْ: سَبَبِهَا (كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) يَنْوِيهَا الَّتِي عَلَيْهِ (فَإِنْ عَيَّنَ) سَبَبًا (غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ السَّبَبِ الَّذِي وُجِدْت فِيهِ الْكَفَّارَةُ غَلَطًا أَوْ عَمْدًا، (وَسَبَبُهَا مِنْ جِنْسٍ يَتَدَاخَلُ بِهِ كَيَمِينٍ) بِاَللَّهِ أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ (وَظِهَارٍ) مِنْ إحْدَى زَوْجَاتِهِ (كُرِّرَا) أَيْ: الْيَمِينُ وَالظِّهَارُ مِرَارًا، فَنَوَى بِكَفَّارَتَيْهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتَقْت عَنْ يَمِينِ كَذَا أَوْ عَنْ الظِّهَارِ الَّذِي صَدَرَ مِنِّي فِي وَقْتِ كَذَا (أَجْزَأَهُ) ذَلِكَ (عَنْ الْجَمِيعِ) أَيْ: جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ، لِتَدَاخُلِهَا (وَإِنْ كَانَتْ) عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ (أَسْبَابُهَا مِنْ جِنْسٍ لَا يَتَدَاخَلُ) كَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ بِكَلِمَاتٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِكَلِمَةٍ، فَنَوَى الْكَفَّارَةَ عَنْ ظِهَارِهِ مِنْ إحْدَاهُنَّ، أَجْزَأَهُ عَنْ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا بِأَنْ يَقُولَ: هَذِهِ عَنْ كَفَّارَةِ فُلَانَةَ، وَهَذِهِ عَنْ كَفَّارَةِ فُلَانَةَ، وَهَذِهِ عَنْ كَفَّارَةِ فُلَانَةَ، فَتَحِلُّ لَهُ وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ فَأَجْزَأَتْهُ نِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَخْرُجُ بِقُرْعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهِ. تَنْبِيهٌ فَإِنْ كَانَ الظِّهَارُ مِنْ ثَلَاثَةِ نِسْوَةٍ، فَأَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِ إحْدَاهُنَّ وَصَامَ عَنْ ظِهَارِ أُخْرَى لِعَدَمِ مَا يُعْتِقُهُ وَمَرِضَ فَأَطْعَمَ عَنْ ظِهَارِ أُخْرَى أَجْزَأَهُ لِمَا تَقَدَّمَ وَحَلَّ لَهُ الْجَمِيعُ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ وَلَا تَعْيِينٍ، لِأَنَّ التَّكْفِيرَ حَصَلَ عَنْ الثَّلَاثِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً أَعْبُدَ عَنْ الثَّلَاثَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً (أَوْ) كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ مِنْ (أَجْنَاسٍ كَظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَ) وَطْءٍ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَدَاءٍ (وَيَمِينٍ) بِاَللَّهِ تَعَالَى: (فَنَوَى إحْدَاهَا) أَيْ: الْكَفَّارَاتِ الْمُخْرِجُ (أَجْزَأَ عَنْ وَاحِدَةٍ) مِنْهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ لِإِجْزَائِهَا تَعْيِينُ سَبَبِهَا مِنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَاجِبَةٌ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ صِحَّةُ أَدَائِهَا إلَى تَعْيِينِ سَبَبِهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، (فَ) لَوْ أَرَادَ (مُظَاهِرٌ مِنْ أَرْبَعِ نِسَائِهِ) بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ (فَأَعْتَقَ قِنًّا) وَاحِدًا (أَجْزَأَهُ عَنْ وَاحِدَةٍ) فَقَطْ (تَعَيَّنَ بِقُرْعَةٍ) لِأَنَّهَا لِإِخْرَاجِ الْمُبْهَمَاتِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 531 [تَتِمَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ مِنْ ظِهَارِ زَوْجَتَيْنِ أَوْ مِنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ] ٍ، فَقَالَ: أَعْتَقْت هَذَا عَنْ هَذِهِ الزَّوْجَةِ وَهَذَا عَنْ هَذِهِ الْأُخْرَى أَوْ قَالَ: أَعْتَقْت هَذَا عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَهَذَا عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، أَوْ قَالَ: هَذَا عَنْ إحْدَى الْكَفَّارَتَيْنِ وَهَذَا عَنْ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَوْ أَعْتِقُهُمَا عَنْ الْكَفَّارَتَيْنِ مَعًا أَوْ قَالَ: أَعْتَقْت كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْهُمَا جَمِيعًا؛ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ. [كِتَابُ اللِّعَانِ] ِ وَمَا يَلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ وَهُوَ مَصْدَرُ لَاعَنَ لِعَانًا، إذَا فَعَلَ مَا ذُكِرَ، أَوْ لَعَنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ مُشْتَقٌّ مِنْ اللَّعْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْعَنُ نَفْسَهُ فِي الْخَامِسَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: سُمِّيَ بِهِ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا، فَتَحِلُّ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، يُقَالُ: لَعَنَهُ اللَّهُ أَيْ: أَبْعَدَهُ، وَالْتَعْنَ الرَّجُلُ إذَا لَعَنْ نَفْسَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ اللِّعَانُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، قَالَ: لَاعَنَ امْرَأَتَهُ لِعَانًا وَمُلَاعَنَةً وَتَلَاعُنًا بِمَعْنَى لَاعَنَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا وَرَجُلٌ لُعَنَةٌ كَهُمَزَةٍ إذَا كَانَ يَلْعَنُ النَّاسَ كَثِيرًا، وَلَعْنَهُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ إذَا كَانَ يَلْعَنُهُ النَّاسُ وَشَرْعًا (شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِأَيْمَانٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَقْرُونَةٌ بِلَعْنٍ) مِنْ زَوْجٍ (وَغَضَبٍ مِنْ زَوْجَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّهِ لِقَذْفِ زَوْجَتِهِ مُحْصَنَةً، أَوْ قَائِمَةٌ مَقَامَ تَعْزِيرِهِ لِغَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ الْمُحْصَنَةِ أَوْ قَائِمَةٌ مَقَامَ (حَبْسِهَا هِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةِ إلَى أَنْ تُقِرَّ أَوْ تُلَاعِنُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الْآيَاتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 532 نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ عِنْدَ مُنْصَرِفِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ تَبُوكَ فِي عُوَيْمِرِ الْعَجْلَانِيُّ أَوْ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمَا، وَلَمْ يَقَعْ بَعْدَهُمَا بِالْمَدِينَةِ إلَّا فِي زَمَنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةُ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يُبْتَلَى بِقَذْفِ امْرَأَتِهِ لِنَفْيِ الْعَارِ وَالنَّسَبِ الْفَاسِدِ، وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَجُعِلَ اللِّعَانُ بَيِّنَةً لَهُ، وَلِهَذَا «لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْشِرْ يَا هِلَالُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّه لَك فَرَجًا وَمَخْرَجًا» (فَمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِزِنًا، وَلَوْ) كَانَ قَذَفَهَا (بِطُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ) بِأَنْ قَالَ لَهَا: زَنَيْت فِي قُبُلِك أَوْ دُبُرِك (فَكَذَّبَتْهُ) أَيْ: الزَّوْجَ (لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ بِقَذْفِ أَجْنَبِيَّةٍ) مِنْ حَدٍّ إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً أَوْ تَعْزِيرٍ إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، وَحُكِمَ بِفِسْقِهِ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] (وَيَسْقُطُ مَا لَزِمَهُ) بِقَذْفِهَا (بِتَصْدِيقِهَا) إيَّاهُ أَوْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ غَيْرَهَا؛ لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ وَلَوْ لَاعَنَ (وَحْدَهُ) وَلَمْ تُلَاعِنْ هِيَ لِإِسْقَاطِ جَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا لِمَنْ حُدَّ لِقَذْفٍ؛ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْجَلْدَةُ بِلِعَانِهِ، وَلِلزَّوْجِ إقَامَةُ (الْبَيِّنَةِ) عَلَيْهَا بِزِنَاهَا (بَعْدَ لِعَانِهِ) وَنَفْيِ الْوَلَدِ (وَيَثْبُتُ مُوجِبُهَا) أَيْ: الْبَيِّنَةِ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا. (وَصِفَتُهُ) أَيْ اللِّعَانِ (أَنْ يَقُولَ زَوْجٌ) أَوَّلًا (أَرْبَعًا بِحَضْرَةِ حَاكِمٍ) أَوْ نَائِبِهِ (أَوْ مَنْ حَكَّمَاهُ) أَيْ: الْمُتَلَاعِنَانِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ قَاضِي الْإِمَامِ: (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَيُشِيرُ إلَيْهَا) إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، (وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 533 حَاجَةَ) مَعَ حُضُورِهَا وَالْإِشَارَةِ إلَيْهَا (لَأَنْ تُسَمَّى أَوْ تُنْسَبَ) كَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ اكْتِفَاءً بِالْإِشَارَةِ (إلَّا مَعَ غِيبَتِهَا، ثُمَّ يَزِيدُ فِي الْخَامِسَةِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا (ثُمَّ) تَقُولُ الزَّوْجَةُ (أَرْبَعًا: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَتَزِيدُ نَدْبًا فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِمَا تَقَدَّمَ، وَتُشِيرُ إلَيْهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا بِالْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا سَمَّتْهُ وَنَسَبَتْهُ، كَمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ تَزِيدُ فِي خَامِسَةٍ وَأَنَّ غَضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) وَإِنَّمَا خُصَّتْ هِيَ فِي الْخَامِسَةِ بِالْغَضَبِ لِأَنَّ النِّسَاءَ يُكْثِرْنَ اللَّعْنَ كَمَا وَرَدَ (فَإِنْ نَقَصَ لَفْظٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: جُمْلَةٌ مِنْ الْجُمَلِ الْخَمْسِ أَوْ مَا يُحْتَمَلُ بِهِ الْمَعْنَى (وَلَوْ أَتَيَا بِأَكْثَرِهِ، وَحَكَمَ) بِهِ (حَاكِمٌ) لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ أَتَى عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِعَدَدٍ، فَكَانَ وَاجِبًا كَسَائِرِ الْمُقَدَّرَاتِ بِالشَّرْعِ (أَوْ بَدَأَتْ) الزَّوْجَةُ (بِهِ) أَيْ: اللِّعَانِ (أَوْ قَدَّمَتْ الْغَضَبَ) بِأَنْ أَتَتْ بِهِ فِيمَا قَبْلَ الْخَامِسَةِ (أَوْ أَبْدَلَتْ) أَيْ: الْغَضَبَ (بِاللَّعْنَةِ أَوْ السَّخَطِ) لَمْ يَصِحَّ (أَوْ قَدَّمَ اللَّعْنَةَ) قَبْلَ الْخَامِسَةِ (أَوْ أَبْدَلَهَا بِالْغَضَبِ أَوْ الْإِبْعَادِ أَوْ أَبْدَلَ) أَحَدُهُمَا لَفْظَ (أَشْهَدُ بِأُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ) لَمْ يَصِحَّ؛ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ، أَوْ أَتَى زَوْجٌ بِهِ أَيْ: اللَّعَّانِ (قَبْلَ إلْقَائِهِ عَلَيْهِ) مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ نَائِبِهِ؛ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ قَبْلَ أَنْ يُحَلِّفَهُ الْحَاكِمُ، أَوْ أَتَى بِهِ قَبْلَ (طَلَبِهَا لَهُ بِالْحَدِّ) مَعَ عَدَمِ وَلَدٍ يُرِيدُ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ، لَمْ يَصِحَّ، أَوْ أَتَى بِهِ (بِلَا حُضُورِ حَاكِمٍ أَوْ نَائِبِهِ) لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ فِي دَعْوَى فَاحِشَةٍ؛ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَيْمَانِ فِي الدَّعَاوَى، أَوْ أَتَى بِهِ (بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَنْ يُحْسِنُهَا) مِنْهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْعَرَبِيَّةِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِهَا، كَأَذْكَارِ الصَّلَاةِ (وَلَا يَلْزَمُهُ) إنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ (تَعَلُّمُهَا مَعَ عَجْزٍ) عَنْ اللِّعَانِ بِهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ يُحْسِنُ لِسَانَهُمَا؛ أَجْزَأَ ذَلِكَ، وَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْضِرَ الْحَاكِمُ مَعَهُ أَرْبَعَةً يُحْسِنُونَ لِسَانَهُمَا لِأَنَّ الزَّوْجَةَ رُبَّمَا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا فَيَشْهَدُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 534 عَلَى إقْرَارِهَا (وَيُتَرْجِمُ لِحَاكِمٍ) لَا يُحْسِنُ لِسَانَهُمَا (عَدْلَانِ) فَلَا يَكْفِي تُرْجُمَانٌ وَاحِدٌ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " (أَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ: اللِّعَانَ (بِشَرْطٍ، أَوْ عُدِمَتْ مُوَالَاةُ الْكَلِمَاتِ، لَمْ يَصِحَّ) اللِّعَانُ، لِمُخَالَفَتِهِ لِلنَّصِّ، وَلِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِلَفْظِهِ كَتَكْبِيرِ الصَّلَاةِ. (وَيَصِحُّ مِنْ أَخْرَسَ وَمِمَّنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ وَأَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ إقْرَارٌ) فَاعِلٌ يَصِحُّ (بِزِنًا) بِكِتَابَةٍ وَإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ، (وَ) يَصِحُّ مِنْهُمَا (لِعَانٌ بِكِتَابَةٍ وَإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ) لِقِيَامِهِمَا مَقَامَ نُطْقِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ (فَلَوْ نَطَقَ) مَنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ وَأَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ، (وَلَاعَنَ بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ وَأَنْكَرَ اللِّعَانَ) أَوْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ قَذْفًا وَلِعَانًا، (قُبِلَ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ حَدٍّ وَنَسَبٍ؛ فَيُحَدُّ) بِطَلَبِهَا إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً (وَيَلْحَقُهُ) النَّسَبُ (مَا لَمْ يُلَاعِنْ ثَانِيًا) فَإِنْ لَاعَنَ بَعْدَ نُطْقِهِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ وَنَفْيِ النَّسَبِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ خَرَسٌ قَبْلُ، وَ (لَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ (فِيمَا لَهُ مِنْ عَوْدِ زَوْجِيَّةٍ) فَلَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ؛ فَلَا يُقْبَلُ إنْكَارُهُ لَهُ (وَيُنْتَظَرُ مَرْجُوٌّ نُطْقُهُ) إنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ بَعْدَ قَذْفِ زَوْجَتِهِ إذَا أَرَادَ اللِّعَانَ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَإِنْ نَطَقَ فَلَا إنْكَارَ، وَإِلَّا لَاعَنَ بِالْكِتَابَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ الْمَفْهُومَةِ، أَوْ حُدَّ. (وَسُنَّ تَلَاعُنُهُمَا قِيَامًا) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: قُمْ فَاشْهَدْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ» وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الرَّدْعِ، فَيَبْدَأُ الزَّوْجُ فَيُلَقَّنُ وَهُوَ قَائِمٌ، فَإِذَا فَرَغَ قَامَتْ الْمَرْأَةُ فَالْتَعَنَتْ (بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ) لِحُضُورِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، حَضَرُوهُ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَضَرَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ، لِأَنَّ الصِّبْيَانَ إنَّمَا يَحْضُرُونَ تَبَعًا لِلرِّجَالِ؛ إذْ اللِّعَانُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيظِ لِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ وَفِعْلُهُ فِي الْجَمَاعَةِ أَبْلَغُ فِي ذَلِكَ (وَأَنْ لَا يَنْقُصُوا عَنْ أَرْبَعَةِ) رِجَالٍ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزِّنَا الَّذِي شُرِعَ اللِّعَانُ مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الرِّضَى بِهِ أَرْبَعَةٌ (بِوَقْتٍ وَمَكَانٍ مُعَظَّمَيْنِ كَبَعْدِ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَبَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ بِمَكَّةَ، أَوْ عِنْدَ مِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) بِالْمَدِينَةِ، وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ (وَبِبَاقِي الْبِلَادِ بِالْمَسَاجِدِ) عِنْدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 535 الْمَنَابِرِ (وَتَقِفُ حَائِضٌ عِنْدَ بَابِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ لِلْعُذْرِ (وَيَأْمُرُ حَاكِمٌ نَدْبًا مَنْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فَمِ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَيَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّهَا الْمُوجِبَةُ، وَعَذَابُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: " يَشْهَدُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأَمْسَكَ عَلَى فِيهِ، فَوَعَظَهُ، وَقَالَ: وَيْحَك: كُلُّ شَيْءٍ أَهْوَنُ عَلَيْك مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَقَالَ: لَعَنَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَأَمْسَكَتْ عَلَى فِيهَا فَوَعَظَهَا، وَقَالَ: وَيْلُك كُلُّ شَيْءٍ أَهْوَنُ عَلَيْك مِنْ غَضَبِ اللَّهِ " أَخْرَجَهُ الْجُوزَجَانِيُّ، وَكَوْنُ الْخَامِسَةِ هِيَ الْمُوجِبَةُ أَيْ: اللَّعْنَةَ أَوْ الْغَضَبَ عَلَى مَنْ كَذَبَ مِنْهُمَا؛ لِالْتِزَامِهِ ذَلِكَ فِيهَا، وَكَوْنُ عَذَابِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ، لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ دَائِمٌ، وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ التَّخْوِيفُ، لِيَتُوبَ الْكَاذِبُ مِنْهُمَا. (وَيَبْعَثُ حَاكِمٌ إلَى) امْرَأَةٍ (خَفَرَةٍ) قَذَفَهَا زَوْجُهَا، وَأَرَادَ لِعَانَهَا (مَنْ) أَيْ: ثِقَةً (يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا) لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ وَالْخَفَرَةُ مَنْ تَتْرُكُ الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهَا صِيَانَةً مِنْ الْخَفَرِ، وَهُوَ الْحَيَاءُ. (وَمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَيْنِ) لَهُ (فَأَكْثَرَ وَلَوْ) كَانَ قَذَفَهُنَّ (بِكَلِمَةٍ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِلِعَانٍ) لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَقْذِفْ غَيْرَهَا، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ أَيْمَانٌ؛ فَلَا تَتَدَاخَلُ كَالْأَيْمَانِ فِي الدُّيُونِ (وَيَبْدَأُ بِمُطَالَبَةٍ أَوَّلًا) لِتَرَجُّحِهِمَا بِالسَّبَقِ، (وَإِلَّا) تُطَالِبْ إحْدَاهُنَّ أَوَّلًا، وَلَا تَشَاحَحْنَ بَدَأَ بِلِعَانِ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، فَإِنْ طَالَبْنَ جَمِيعًا، وَتَشَاحَحْنَ (أَقْرَعَ) بَيْنَهُنَّ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ بَدَأَ بِهَا، وَلَوْ بَدَأَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَعَ الْمُشَاحَّةِ عَنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ؛ صَحَّ اللِّعَانُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 536 [فَصْلٌ شُرُوطُ اللِّعَانِ ثَلَاثَةٌ] فَصْلٌ (وَشُرُوطُهُ) أَيْ: اللِّعَانِ (ثَلَاثَةٌ) أَحَدُهَا (كَوْنُهُ بَيْنَ زَوْجَيْنِ، وَلَوْ قَبْلَ دُخُولٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ثُمَّ خَصَّ الْأَزْوَاجَ مِنْ عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ (وَلَا يَتَنَصَّفُ مَهْرُ) زَوْجَةٍ لَاعَنَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: الْإِقْنَاعِ (هُنَا) أَيْ: فِي هَذَا الْبَابِ مَعَ أَنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي الصَّدَاقِ بِسُقُوطٍ كَالْفَسْخِ، وَعِبَارَتِهِ هُنَا، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ انْتَهَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ سُقُوطُ الصَّدَاقِ بِلِعَانٍ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ عَقِبَ لِعَانِهَا؛ فَهُوَ كَفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ (مُكَلَّفَيْنِ) لِأَنَّهُ إمَّا يَمِينٌ أَوْ شَهَادَةٌ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا غَيْرِ بَالِغٍ؛ إذْ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمَا، وَلَوْ كَانَا قِنَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ كَانَا فَاسِقَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا (أَوْ ذِمِّيَّيْنِ) أَوْ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ أَمَتِهِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَيُعَزَّرُ خِلَافًا لِلْبُهُوتِيِّ هُنَا؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا تَعْزِيرَ مَعَ أَنَّهُ يَأْتِي فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ مِنْ قَذَفَ قِنَّهُ عُزِّرَ (فَيُحَدُّ) الْقَاذِفُ (بِقَذْفِ أَجْنَبِيَّةٍ، بِزِنًا، وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ) قَذْفِهِ لَهَا، وَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ بِلِعَانٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ فِي غَيْرِ حَالِ الزَّوْجِيَّةِ. (أَوْ قَالَ لَهَا) أَيْ: لِزَوْجَتِهِ (زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَك) فَيُحَدُّ لِلْقَذْفِ، وَلَا لِعَانَ، لِإِضَافَتِهِ إلَى حَالٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ زَوْجَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 537 وَيُفَارِقُ قَذْفَ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، لِأَنَّهَا خَانَتْهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى نَفْيِهِ، وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَهَا - وَهُوَ يَعْلَمُ زِنَاهَا - فَهُوَ مُفَرِّطٌ فِي نِكَاحِ حَامِلٍ مِنْ زِنًا؛ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ طَرِيقٌ إلَى نَفْيِهِ (كَمَنْ أَنْكَرَ قَذْفَ زَوْجَتِهِ مَعَ بَيِّنَةٍ) عَلَيْهِ بِقَذْفِهَا؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ قَذْفَهَا فَكَيْف يَحْلِفُ عَلَى إثْبَاتِهِ؟ أَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِقَذْفِهَا فَلَا يُلَاعِنُ، لِعَدَمِ تَأَتِّي حَلِفُهُ عَلَى إثْبَاتِ مَا يُعْرَفُ بِكَذِبِهِ فِيهِ. (وَمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَ) امْرَأَةً (أَجْنَبِيَّةً) أَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَرَجُلًا أَجْنَبِيًّا بِكَلِمَتَيْنِ (فَعَلَيْهِ حَدَّانِ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَدٌّ (إلَّا إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً) عَلَى صِدْقِ مَا قَالَهُ، فَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّ الْأَجْنَبِيَّةِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، أَوْ بِالتَّصْدِيقِ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً (أَوَّلًا عَنْ الزَّوْجَةِ) أَوْ صَدَّقَتْهُ؛ خَرَجَ مِنْ حَدِّهَا، وَكَذَا إنْ قَذَفَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُلَاعِنْ، وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً - وَلَا تَصْدِيقَ - فَحَدٌّ وَاحِدٌ، لِأَنَّ الْقَذْفَ وَاحِدٌ. وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يَا زَانِيَةَ بِنْتَ الزَّانِيَةِ، فَقَدْ قَذَفَهَا وَأُمَّهَا بِكَلِمَتَيْنِ؛ فَعَلَيْهِ لَهُمَا حَدَّانِ، فَإِنْ حُدَّ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَحُدَّ لِلْأُخْرَى حَتَّى يَبْرَأَ جِلْدُهُ مِنْ حَدِّ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ زَجْرُهُ، لَا هَلَاكُهُ. (وَمَنْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ) الْأَمَةَ (فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَا يُمْكِنُ) كَوْنُهُ (مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ) كَإِتْيَانِهَا بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ مَلَكَهَا، وَعَاشَ (فَلَهُ نَفْيُهُ بِلِعَانٍ) لِأَنَّهُ مُضَافٌ لِحَالِ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِلَّا بِأَنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ كَأَنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مُنْذُ مَلَكَهَا (لَمْ يَنْفِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْهُ (وَيُعَزَّرُ) زَوْجٌ (بِقَذْفِ زَوْجَةٍ صَغِيرَةٍ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا أَوْ مَجْنُونَةٍ) لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَنْحَطُّ عَنْ دَرَجَةِ النَّسَبِ، وَهُوَ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ؛ فَكَذَا هُنَا (وَلَا لِعَانَ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ يَمِينٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ مِنْ وَلِيِّهَا أَوْ غَيْرِهِ، فَيُقَيِّمُهُ الْحَاكِمُ بِلَا طَلَبٍ إذَا رَآهُ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلتَّأْدِيبِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةٌ يُوطَأُ مِثْلُهَا كَابْنَةِ تِسْعٍ فَصَاعِدًا؛ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ كَسَائِرِ الْمُحْصَنَاتِ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَا بِالتَّعْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّشَفِّي؛ فَلَا تَدْخُلُهُ الْوِلَايَةُ كَالْقِصَاصِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 538 وَلَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ حَتَّى تَبْلُغَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ الزَّوْجُ بَعْدَ طَلَبِهَا أَسْقَطَ الْحَدَّ بِاللِّعَانِ، كَمَا لَوْ قَذَفَهَا إذَنْ. وَإِنْ قَذَفَ الْمَجْنُونَةَ وَأَضَافَهُ إلَى حَالِ إفَاقَتِهَا، أَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ عَاقِلَةٌ ثُمَّ جُنَّتْ؛ فَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ، فَإِذَا أَفَاقَتْ، فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَلِلزَّوْجِ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ، وَإِنْ قَذَفَهَا الزَّوْجُ وَهُوَ طِفْلٌ، لَمْ يُحَدَّ، لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبٌ، لِعَدَمِ إمْكَانِ لُحُوقِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بُلُوغُهُ (وَكُلُّ مَوْضِعٍ) قُلْنَا (لَا لِعَانَ فِيهِ؛ فَالنَّسَبُ لَاحِقٌ) بِالزَّوْجِ، لِعَدَمِ مَا يَنْتَفِي بِهِ، وَيَجِبُ بِالْقَذْفِ مُوجِبُهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ؛ لِعُمُومِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا فَلَا حُكْمَ لِقَذْفِهِ كَسَائِرِ كَلَامِهِ وَإِنْ أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ، فَنَسَبُهُ لَاحِقٌ بِهِ، لِعُمُومِ حَدِيثِ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يُفِقْ مَجْنُونٌ) قَذَفَ حَالَ جُنُونِهِ، وَيُذْكَرُ صُدُورُ الْقَذْفِ مِنْهُ؛ فَلَهُ نَفْيُ الْوَلَدِ بِاللِّعَانِ؛ كَمَا لَوْ قَذَفَهَا حِينَئِذٍ، وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يَقْذِفُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ إذْ بَعْدَ إفَاقَتِهِ مِنْ الْجُنُونِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقَلَاءِ (وَيُلَاعِنُ) زَوْجٌ (مَنْ قَذَفَهَا) زَوْجَةً (ثُمَّ أَبَانَهَا) بَعْدَ الْقَذْفِ لِإِضَافَتِهِ إلَى حَالِ الزَّوْجِيَّةِ (أَوْ قَالَ) لَهَا أَنْتِ (طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا) لِسَبْقِ الْقَذْفِ الْإِبَانَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبِينُ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا، (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ) لَاعَنَ لِنَفْيِ وَلَدٍ (أَوْ قَذَفَهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ) أَوْ قَالَ لَهَا: (زَنَيْت قَبْلَ إبَانَتِك، لَاعَنَ لِنَفْيِ وَلَدٍ) إنْ كَانَ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ (حُدَّ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَذْفِهَا، لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْأُولَى لِئَلَّا يَلْحَقَهُ وَلَدُهَا، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَجْنَبِيَّاتِ. (وَ) إنْ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ (قَذَفْتنِي قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَنِي) وَقَالَ الرَّجُلُ: بَلْ قَذَفْتُك بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجْتُك فَقَوْلُهُ (أَوْ) قَالَتْ: قَذَفْتنِي (بَعْدَ أَنْ أَبَنَتْنِي) وَقَالَ: بَلْ قَبْلَ أَنْ أَبِينَك (فَقَوْلُهُ) لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْقَذْفِ، فَكَذَا فِي وَقْتِهِ. وَإِنْ قَالَتْ أَجْنَبِيَّةٌ: قَذَفْتنِي قَالَ: كُنْت زَوْجَتِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 539 حِينَئِذٍ، فَأَنْكَرَتْ الزَّوْجِيَّةَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا، (وَ) إنْ قَالَ لَهَا: (قَذَفْتُك حَالَ جُنُونِي) فَأَنْكَرَتْ - وَلَا بَيِّنَةَ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَالٌ يُعْلَمُ فِيهَا زَوَالُ عَقْلِهِ؛ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهَا) مَعَ يَمِينِهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، وَلَا قَرِينَةَ تُرَجِّحُ قَوْلَهُ، وَإِنْ عُرِفَ جُنُونُهُ، وَلَمْ تُعْرَفْ لَهُ حَالُ إفَاقَةٍ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (وَإِنْ عُلِمَ لَهُ حَالَانِ) أَيْ حَالُ إفَاقَةٍ وَجُنُونٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَذَفَهَا فِي جُنُونِهِ فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَجْهَانِ قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ: " قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ. الشَّرْطُ (الثَّانِي سَبَقَ قَذْفَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (بِزِنًا، وَلَوْ فِي دُبُرٍ) لِأَنَّهُ قَذْفٌ يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، وَسَوَاءٌ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ نَصًّا؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ؛ (كَقَوْلِهِ: زَنَيْت أَوْ يَا زَانِيَةُ أَوْ رَأَيْتُك تَزْنِينَ) أَوْ زَنَى فَرْجُك، فَإِنْ لَمْ يَقْذِفْهَا، فَلَا لِعَانَ، لِلْآيَةِ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: لَيْسَ وَلَدُك مِنِّي أَوْ قَالَ مَعَهُ وَلَمْ تَزْنِي، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي، أَوْ لَا أَقْذِفُك، أَوْ وُطِئْت بِشُبْهَةٍ، أَوْ) وُطِئْت (مُكْرَهَةً، أَوْ) وُطِئْت (نَائِمَةً، أَوْ) وُطِئْت (مَعَ إغْمَاءٍ، أَوْ) وُطِئْت (مَعَ جُنُونٍ، لَحِقَهُ) الْوَلَدُ (حُكْمًا، وَلَا لِعَانَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْهَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ. وَإِنْ قَالَ: وَطِئَك فُلَانٌ بِشُبْهَةٍ، وَكُنْت عَالِمَةً؛ فَلَهُ اللِّعَانُ، وَنَفْيُ الْوَلَدِ اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ (وَمَنْ أَقَرَّ بِإِحْدَى تَوْأَمَيْنِ) وَنَفَى الْآخَرَ، أَوْ سَكَتَ عَنْهُ (لَحِقَهُ) التَّوْأَمُ (الْآخَرُ) إنْ أَتَتْ بِهِ (لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ وَضَعْهَا التَّوْأَمَ الْأَوَّلَ، لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ مِنْهُ وَبَعْضُهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لِإِثْبَاتِهِ، لَا لِنَفْيِهِ، وَلِذَلِكَ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُحْكَمْ بِنَفْيِ مَا أَقَرَّ بِهِ تَبَعًا لِلَّذِي نَفَاهُ، بَلْ حُكِمَ بِثُبُوتِ نَسَبِ مَنْ نَفَاهُ تَبَعًا لِمَنْ أَقَرَّ بِهِ، وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُ التَّوْأَمِ الْآخَرِ إنْ أَتَتْ بِهِ (فَوْقَهَا) أَيْ: فَوْقَ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ (إلَّا بِإِقْرَارٍ) مِنْهُ أَنَّهُ وَلَدُهُ (وَيُلَاعِنُ مَعَ قَذْفٍ لِنَفْيِ حَدٍّ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُ انْتِفَاءُ زِنَاهَا؛ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ الزِّنَا نَفْيُ الْوَلَدِ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ؛ لَمْ يَنْتَفِ الْوَلَدُ بِذَلِكَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 540 الشَّرْطُ (الثَّالِثُ أَنْ تُكَذِّبَهُ) الزَّوْجَةُ فِي قَذْفِهَا (وَيَسْتَمِرُّ) تَكْذِيبُهَا (إلَى انْقِضَاءِ اللِّعَانِ) لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُكَذِّبْهُ لَا تُلَاعِنْهُ، وَالْمُلَاعَنَةُ إنَّمَا تَنْتَظِمُ مِنْهُمَا (فَإِنْ صَدَّقَتْهُ) فِيمَا قَذَفَهَا بِهِ وَلَوْ مَرَّةً، أَوْ عَفَتْ عَنْ الطَّلَبِ بِحَدِّ الْقَذْفِ (أَوْ سَكَتَتْ) فَلَمْ تُقِرَّ؛ وَلَمْ تُنْكِرْ؛ لَحِقَهُ النَّسَبُ، وَلَا لِعَانَ (أَوْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِ) شَهَادَةِ (أَرْبَعَةٍ سِوَاهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (أَوْ قَذَفَ مَجْنُونَةً بِزِنًا قَبْلَهُ) أَيْ: جُنُونِهَا؛ لَحِقَهُ النَّسَبُ، وَلَا لِعَانَ (أَوْ) قَذَفَ (مُحْصَنَةً فَجُنَّتْ) قَبْلَ لِعَانٍ (أَوْ) قَذَفَ (خَرْسَاءَ أَوْ) قَذَفَ (نَاطِقَةً، فَخَرِسَتْ) ، وَلَمْ تُفْهِمْ إشَارَتُهَا (أَوْ) قَذَفَ (صَمَّاءَ، لَحِقَهُ النَّسَبُ) لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، وَإِنَّمَا يُنْفَى عَنْهُ بِاللِّعَانِ، وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ - وَلَا حَدَّ - لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ أَوْ عَدَمِ الطَّلَبِ (وَلَا لِعَانَ) لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ يُشْرَعُ لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ حَدٌّ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ، وَنَفْيُ الْوَلَدِ تَابِعٌ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ لَا مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ [تَنْبِيهٌ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ تَتِمَّة اللِّعَانِ] تَنْبِيهٌ وَإِنْ كَانَ تَصْدِيقُهَا قَبْلَ لِعَانِهِ؛ فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِلْحَدِّ؛ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ، وَلَا لِنَفْيِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ إنَّمَا يَكُونُ بِلِعَانِهِمَا مَعًا، وَقَدْ تَعَذَّرَ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ تَصْدِيقُهَا بَعْدَ لِعَانِهِ؛ تُلَاعِنُ هِيَ لِإِقْرَارِهَا. (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (قَبْلَ تَتِمَّتِهِ) أَيْ؛ اللِّعَانِ (تَوَارَثَا؛ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ) لِأَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يُوجَدْ، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ (وَلَا لِعَانَ) لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ مِنْ الْمَيِّتِ قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " لَكِنْ إنْ كَانَتْ قَدْ طَلَبَتْ فِي حَيَاتِهَا فَإِنَّ أَوْلِيَاءَهَا يَقُومُونَ فِي الطَّلَبِ بِهِ مَقَامَهَا، لِأَنَّهُ يُورَثُ عَنْهَا إذَنْ؛ فَإِنْ طُولِبَ بِالْحَدِّ فَلَهُ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً. تَتِمَّةٌ وَإِنْ قَالَ الْقَاذِفُ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ أُقِيمُهَا، أُمْهِلَ الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةَ لِيُحْضِرَهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ قَرِيبٌ، فَإِنْ أَتَى بِالْبَيِّنَةِ، وَشَهِدَتْ فَلَا حَدَّ، فَإِنْ قَامَ رَجُلَيْنِ بِتَصْدِيقِهَا لَهُ؛ ثَبَتَ التَّصْدِيقُ؛ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ زِنَاهَا إلَّا بِإِقْرَارِ أَرْبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ؛ أَوْ أَتَى بِهَا غَيْرَ كَامِلَةٍ؛ حُدَّ لِلْقَذْفِ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ (وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ؛ فَلَهُ لِعَانُهَا وَنَفْيُهُ) بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِتَحَقُّقِ شُرُوطِ اللِّعَانِ بِدُونِ الْوَلَدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 541 (وَإِنْ لَاعَنَ) زَوْجٌ (وَنَكَلَتْ) عَنْهُ زَوْجَتُهُ (حُبِسَتْ حَتَّى تُلَاعِنَ، أَوْ تُقِرَّ أَرْبَعًا بِالزِّنَا) فَإِنْ أَقَرَّتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِالزِّنَا، فَإِنَّهَا تُحَدُّ (مَا لَمْ تَرْجِعْ) عَنْ إقْرَارِهَا، لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْحَدِّ مَقْبُولٌ. [فَصْلٌ يَثْبُتُ بِتَمَامِ تَلَاعُنِ الزَّوْجَيْنِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ] فَصْلٌ (وَيَثْبُتُ بِتَمَامِ تَلَاعُنِهَا أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ) أَحَدُهَا (سُقُوطُ الْحَدِّ) عَنْهَا وَعَنْهُ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُحْصَنَةً (أَوْ التَّعْزِيرِ) إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً (حَتَّى) يَسْقُطَ عَنْهُ (حَدُّ) رَجُلٍ (مُعَيَّنٍ قَذَفَهَا بِهِ) كَقَوْلِهِ زَنَيْت بِفُلَانٍ (وَلَوْ أَغْفَلَهُ) أَيْ: أَغْفَلَ الرَّجُلَ الَّذِي قَذَفَهَا بِهِ، بِأَنْ لَمْ يَذْكُرْ (وَقْتَ لِعَانٍ) لِأَنَّ اللِّعَانِ بَيِّنَةٌ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِاتِّفَاقٍ، فَكَانَ بَيِّنَةً فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ كَالشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّهُ بِهِ حَاجَةٌ إلَى قَذْفِ الزَّانِي لِمَا أَفْسَدَ عَلَيْهِ مِنْ فِرَاشِهِ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِهِ لِيَسْتَدِلَّ بِشَبَهِ الْوَلَدِ الْمَقْذُوفِ عَلَى صِدْقِ قَاذِفِهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِك فَقَالَ هِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟ ،، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك فَقَالَ هِلَالٌ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنِّي لَصَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ إلَيْهَا فَجَاءَ هِلَالٌ، فَشَهِدُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 542 كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ثُمَّ قَامَتْ؛ فَشَهِدَتْ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا، فَقَالُوا: إنَّهَا مُوجِبَةٌ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُنْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيَّ فَأُسْقِطَ الْحَدُّ بِاللِّعَانِ مَعَ تَعْيِينِ قَذْفِهَا بِهِ (فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنَ) الزَّوْجُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ الَّذِي قَذَفَهَا بِهِ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ؛ وَأَيُّهُمَا طَالَبَ حُدَّ لَهُ وَحْدَهُ، دُونَ مَنْ لَمْ يُطَالِبْهُ، فَإِنْ طَالِبَاهُ مَعًا (لَزِمَهُ حَدَّانِ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَدُّ الْحُكْمِ. (الثَّانِي الْفُرْقَةُ) بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ (وَلَوْ بِلَا فِعْلِ حَاكِمٍ) بِأَنْ لَمْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَلَاعِنَانِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قَالَ: لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا رَوَاهُ سَعِيدٌ وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ؛ فَلَمْ يَقِفْ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَالرَّضَاعِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ وُقِفَتْ عَلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ لَفَاتَ تَرْكُ التَّفْرِيقِ إذَا لَمْ يَرْضَيَا بِهِ كَالتَّفْرِيقِ لِلْعَيْبِ وَالْإِعْسَارِ وَتَفْرِيقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا بِمَعْنَى إعْلَامِهِمَا بِحُصُولِ الْفُرْقَةِ؛ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ تَمَامِ تَلَاعُنِهِمَا، لِأَنَّهَا بَانَتْ فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ كَالْمُخْتَلِعَةِ وَأَوْلَى، وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِمَا، وَيَكُونُ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ بِمَعْنَى إعْلَامِهِ لَهُمَا حُصُولَ الْفُرْقَةِ بِنَفْسِ التَّلَاعُنِ، لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَفْرِيقِ الْحُكْمِ. (الثَّالِثُ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ) لِقَوْلِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا.» رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، فَلَا تَحِلُّ الْمُلَاعِنَةُ لِلْمُلَاعِنِ (وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَوْ كَانَتْ أَمَةً، فَاشْتَرَاهَا) أَيْ: بَعْدَ اللِّعَانِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ كَتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ، وَلِأَنَّ الْمُطَلِّقَ ثَلَاثًا إذَا اشْتَرَى مُطَلَّقَةً، لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ؛ فَهُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا التَّحْرِيمَ مُؤَبَّدُ الْحُكْمِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 543 (الرَّابِعُ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ) عَنْ الْمُلَاعِنِ (وَيُعْتَبَرُ لَهُ) أَيْ: نَفْيُ الْوَلَدِ (ذَكَرَهُ) صَرِيحًا فِي اللِّعَانِ (كَ) قَوْلِهِ (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ زَنَيْتُ وَمَا هَذَا وَلَدِي) وَيُتِمُّ اللِّعَانَ (وَتَعْكِسُ هِيَ) فَتَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَذَبَ، وَهُوَ الْوَلَدُ وَلَدُهُ وَتُتِمُّ لِأَنَّهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَكَانَ ذِكْرُ الْوَلَدِ مِنْهَا شَرْطًا فِي اللِّعَانِ كَالزَّوْجِ (أَوْ ذِكْرُهُ تَضَمُّنًا كَقَوْلِ) زَوْجٍ (مُدَّعٍ زِنَاهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، وَأَنَّهُ اعْتَزَلَهُمَا حَتَّى وَلَدَتْ) هَذَا الْوَلَدَ (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا ادَّعَيْتُهُ عَلَيْهَا أَوْ رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ زِنًا) وَتَعْكِسُ هِيَ (فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ) أَيْ: الْوَلَدَ فِي اللِّعَانِ لَا صَرِيحًا وَلَا تَضَمُّنًا (لَمْ يَنْتِفْ) احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ (إلَّا بِلِعَانٍ ثَانٍ، وَيَذْكُرُهُ) أَيْ: يَذْكُرُ نَفْيَهُ صَرِيحًا أَوْ تَضَمُّنًا لِمَا سَبَقَ أَنَّ الْقَصْدَ بِهِ سُقُوطُ الْحَدِّ، وَنَفْيُ الْوَلَدِ تَابِعٌ. (وَإِنْ نَفَى حَمْلًا) قَبْلَ وَضْعِهِ، لَمْ يَصِحَّ نَفْيُهُ، لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامٌ إلَّا فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَا يَنْتَفِي حَتَّى يُلَاعِنَهَا بَعْدَ الْوَضْعِ وَيَنْفِي الْوَلَدَ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رِيحًا أَوْ غَيْرِهَا، فَيَصِيرُ نَفْيُهُ مَشْرُوطًا بِوُجُودِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ اللِّعَانِ بِشَرْطِ وُجُودِ الْحَمْلِ (أَوْ اسْتَلْحَقَهُ) أَيْ: الْحَمْلَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُهُ؛ وَهَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ (أَوْ لَاعَنَ عَلَيْهِ) مَعَ ذِكْرِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْتِعَانُهُ (بَعْدَ وَضْعِ تَوْأَمِهِ، لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْوَضْعُ (وَيُلَاعِنُ) قَاذِفٌ وَحَامِلٌ (أَوَّلًا لِدَرْءِ حَدٍّ، وَثَانِيًا بَعْدَ وَضْعٍ لَنَفْيِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ وُجُودُهُ. (وَلَوْ نَفَى) شَخْصٌ (حَمْلَ أَجْنَبِيَّةٍ) غَيْرَ زَوْجَتِهِ (لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّ نَفْيَهُ مَشْرُوطٌ بِوُجُودِهِ، وَالْقَذْفُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ اللِّعَانُ عَلَيْهِ (كَتَعْلِيقِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ (قَذْفًا بِشَرْطٍ كَأَنْتِ إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ إلَّا قَوْلَهُ: أَنْتِ زَانِيَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ فَقَذْفٌ وَ) قَوْلُهُ لَهَا: (زَنَيْتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا) يَكُونُ قَذْفًا، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ؛ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْوَصْفِ، فَلَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقُ، وَالْجُمْلَةُ الْفِعْلِيَّةُ تَقْبَلُهُ؛ كَقَوْلِهِمْ لِلضَّعِيفِ: طِبْت إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيَكُونُ مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ التَّبَرُّكَ وَالتَّفَاؤُلَ بِالْعَافِيَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 544 (وَشُرِطَ لِنَفْيِ وَلَدٍ بِلِعَانٍ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَهُ) أَيْ: اللِّعَانَ (إقْرَارٌ بِهِ) أَيْ: بِالْوَلَدِ الَّذِي يُرِيدُ نَفْيَهُ (أَوْ إقْرَارٌ بِتَوْأَمِهِ أَوْ إقْرَارٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ الْإِقْرَارِ بِهِ (كَمَا لَوْ نَفَاهُ وَسَكَتَ عَنْ تَوْأَمِهِ، أَوْ هُنِّئَ بِهِ فَسَكَتَ أَوْ هُنِّئَ بِهِ فَأَمَّنَ عَلَى الدُّعَاءِ أَوْ أَخَّرَ نَفْيَهُ مَعَ إمْكَانِهِ) أَيْ: النَّفْيِ بِلَا عُذْرٍ؛ لَحِقَهُ نَسَبُهُ، وَامْتَنَعَ نَفْيُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ دَلِيلُ الْإِقْرَارِ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَّرَهُ (رَجَاءَ مَوْتِهِ بِلَا عُذْرٍ) لَحِقَهُ نَسَبُهُ قَرِيبًا غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ؛ فَتَعْلِيقُ النَّفْيِ عَلَيْهِ تَعْلِيقٌ عَلَى أَمْرٍ مَوْهُومٍ، (وَإِنْ أَخَّرَهُ لِنَحْوِ جُوعٍ وَعَطَشٍ وَنَوْمٍ وَلَيْلٍ) فَلَهُ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ وَيَنَامَ وَيُصْبِحَ وَيَنْتَشِرَ النَّاسُ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ عَنْهُ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِتَقْدِيمِهِ، فَإِنْ أَخَّرَ نَفْيَهُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ إعْرَاضِهِ عَنْ نَفْيِهِ (وَإِنْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِالْوَلَدِ) وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ، قُبِلَ، (أَوْ) قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ (أَنَّ لِي نَفْيَهُ أَوْ) لَمْ أَعْلَمْ (أَنَّهُ) أَيْ نَفْيُهُ (عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ) قُبِلَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهُ بِأَنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ مَعَهَا فِي الدَّارِ، وَادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِأَنَّ لَهُ نَفْيَهُ، وَهُوَ فَقِيهٌ، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (أَوْ) قَالَ: أَخَّرْت نَفْيَهُ، لِأَنِّي (لَمْ أَثِقْ بِمُخْبِرِي) بِأَنَّهُ وَلَدٌ (وَكَانَ) الْمُخْبِرُ (غَيْرَ مَشْهُورِ الْعَدَالَةِ) وَالْخَبَرُ غَيْرُ مُسْتَفِيضٍ؛ لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ مَشْهُورَ الْعَدَالَةِ، أَوْ كَانَ الْخَبَرُ مُسْتَفِيضًا، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ نَفْيُهُ، وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَدَمَ تَصْدِيقِ الْمُخْبِرِ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (أَوْ أَخَّرَهُ) أَيْ: النَّفْيَ (لِعُذْرٍ كَحَبْسٍ وَمَرَضٍ وَغَيْبَةٍ وَحِفْظِ مَالٍ؛ لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ) وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا وَلَدَتْ وَهُوَ غَائِبٌ، وَأَمْكَنَهُ السَّفَرُ، فَاشْتَغَلَ بِهِ لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ؛ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ عَنْهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: " قُلْت: لَكِنَّ قِيَاسَ مَا تَقَدَّمَ فِي الشُّفْعَةِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ لِأَنَّ السَّيْرَ لَا يَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ وَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِوِلَادَتِهِ بِلَا حَاجَةٍ؛ سَقَطَ تَعَيُّنُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ رِضَاهُ بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 545 (وَمَتَى أَكْذَبَ) النَّافِي (نَفْسَهُ بَعْدَ نَفْيِهِ) الْوَلَدَ (حُدَّ لِ) زَوْجَةٍ (مُحْصَنَةٍ، وَعُزِّرَ لِغَيْرِهَا) كَذِمِّيَّةٍ أَوْ رَقِيقَةٍ سَوَاءٌ كَانَ لَاعَنَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ دَرَأَتْ عَنْهُ الْحَدَّ أَوْ التَّعْزِيرَ، فَإِذَا أَقَرَّ بِمَا يُخَالِفُهُ بَعْدَهُ، سَقَطَ حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى حَقِّ غَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَرَّتْ بِهِ. (وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً) بِزِنَاهَا بَعْدَ أَنْ كَذَّبَ نَفْسَهُ؛ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِتَحَقُّقِ مَا قَالَهُ - وَقَدْ أَقَرَّ بِكَذِبِ نَفْسِهِ - فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ خِلَافَهُ (وَلَحِقَهُ نَسَبُهُ وَلَوْ) كَانَ الْوَلَدُ (مَيِّتًا) لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ (وَتَوَارَثَا) لِأَنَّ الْإِرْثَ تَابِعٌ لِلنَّسَبِ - وَقَدْ ثَبَتَ - فَتَبِعَهُ الْإِرْثُ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا لَهُ وَلَدٌ أَوْ تَوْأَمٌ أَوْ لَا، وَلَا يُقَالُ هُوَ مِنْهُمْ - إذَا كَانَ الْوَلَدُ غَنِيًّا - فِي أَنَّ غَرَضَهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدَّعِي النَّسَبَ، وَالْمِيرَاثُ تَبَعٌ وَالتُّهْمَةُ لَا تَمْنَعُ لُحُوقَ النَّسَبِ، كَمَا لَوْ كَانَ الِابْنُ حَيًّا غَنِيًّا وَالْأَبُ فَقِيرًا وَاسْتَلْحَقَهُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيَنْجَرُّ النَّسَبُ) أَيْ: نَسَبُ الْوَلَدِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ (جِهَةَ الْأُمِّ لِجِهَةِ الْأَبِ) الْمُكَذِّبِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ نَفْيِهِ (كَ) انْجِرَارِ (وَلَاءٍ) مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ بِعِتْقِ الْأَبِ (وَتَرْجِعُ) مُلَاعِنَةٌ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مُلَاعِنٍ اسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ بَعْدَ أَنْ نَفَاهُ (بِمَا أَنْفَقَتْهُ) لِأَنَّهَا إنَّمَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ تَظُنُّهُ أَنَّهُ لَا أَبَا لَهُ قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْإِنْصَافِ " (وَلَا يَلْحَقُهُ) أَيْ: الْمُلَاعِنَ نَسَبُ وَلَدٍ، نَفَاهُ وَمَاتَ (بِاسْتِلْحَاقِ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ نَسَبًا قَدْ نَفَاهُ عَنْهُ؛ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّ نَسَبَهُ انْقَطَعَ بِنَفْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ، لِتَقَرُّرِهِ بِالْعِلْمِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى قَوْلِهِ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ غَيْرِهِ بِهِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ. (وَالتَّوْأَمَانِ الْمَنْفِيَّانِ) بِلِعَانٍ (أَخَوَانِ لِأُمٍّ) فَقَطْ (فَلَا يَتَوَارَثَانِ بِإِخْوَةِ أُبُوَّةِ) لِانْتِفَاءِ النَّسَبِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَتَوْأَمَيْ الزِّنَا (وَمَنْ) وَضَعَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ وَلَدَتْ فَلَيْسَ بِتَوْأَمٍ لِمَا قَبْلَهُ (لَا) إنْ كَانَ (بَيْنَهُمَا) أَيْ: الْأَوَّلِ وَالثَّانِي (سِتَّةُ أَشْهُرٍ) فَقَطْ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَقَلَّ (فَ) هُمَا (تَوْأَمَانِ، وَمَنْ نَفَى مَنْ) أَيْ: وَلَدًا (لَا يَنْتَفِي) كَمَنْ أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 546 ذَلِكَ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِقْرَار بِهِ كَمَنْ هُنِّئَ بِهِ، فَأَمَّنَ؛ أَوْ سَكَتَ وَنَحْوَهُ (وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ زِنًا، حُدَّ إنْ لَمْ يُلَاعِنْ) لِنَفْيِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَ مُحْصَنَةً وَلَهُ دَرْءُ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ. [فَصْلٌ فِيمَا يُلْحَقُ بِالنَّسَبِ وَفِيمَا لَا يُلْحَقُ بِهِ] ِ (مَنْ أَتَتْ زَوْجَتُهُ) بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ وَهُوَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ (بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ أَيْ: سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا وَلَوْ مَعَ غَيْبَتِهِ (فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ مَعَ غَيْبَةِ عِشْرِينَ سَنَةً، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " فِي مَسْأَلَةِ الْقَاذِفَةِ، وَعَلَيْهِ نُصُوصُ أَحْمَدَ هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَالْمُرَادُ وَيَخْفَى مَسِيرُهُ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيقِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ وَفِي الْوَسِيلَةِ " وَ " الِانْتِصَارِ " وَلَوْ أَمْكَنَ وَلَا يَخْفَى السَّيْرُ كَأَمِيرٍ وَتَاجِرٍ كَبِيرٍ وَمَثَّلَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " بِالسُّلْطَانِ وَالْحَاكِمِ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ مِثْلُهُ لَمْ يُقْضَ بِالْفِرَاشِ وَهُوَ مِثْلُهُ وَنَقَلَ حَرْبٌ أَوْ غَيْرُهُ فِي وَالٍ وَقَاضٍ لَا يُمْكِنُ يَدَعُ عَمَلَهُ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ لَحِقَهُ (وَلَا يَنْقَطِعُ الْإِمْكَانُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ) (بِ) خُرُوجِ دَمٍ يُشْبِهُ دَمَ (حَيْضٍ) قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ: " لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ دَمَ فَسَادٍ (أَوْ) أَتَتْ بِهِ (لَا دُونَ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا) زَوْجُهَا وَلَمْ تُخْبِرْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرْءِ. (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (ابْنَ عَشْرِ) سِنِينَ (فِيهَا) أَيْ: فِيمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا، أَوْ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا (لَحِقَهُ نَسَبُهُ) مَا لَمْ يَنْفِهِ بِاللِّعَانِ؛ لِحَدِيثِ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» . وَلِإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَقَدَّرْنَاهُ بِعَشْرِ سِنِينَ فَمَا زَادَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 547 بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» فَأَمْرُهُ بِالتَّفْرِيقِ دَلِيلٌ عَلَى إمْكَانِ الْوَطْءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْوِلَادَةِ وَلِأَنَّ تَمَامَ عَشْرِ سِنِينَ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْبُلُوغُ، فَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ كَالْبَالِغِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَابْنَهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا اثْنَا عَشَرَ عَامًا (وَمَعَ هَذَا) أَيْ: مَعَ لُحُوقِ النَّسَبِ بِابْنِ عَشْرٍ فَأَكْثَرَ (لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْبُلُوغِ يَسْتَدْعِي يَقِينًا؛ لِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ مِنْ التَّكَالِيفِ؛ وَوُجُوبِ الْغَرَامَاتِ؛ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ مَعَ الشَّكِّ، وَإِنَّمَا أَلْحَقْنَا الْوَلَدَ بِهِ حِفْظًا لِلنَّسَبِ احْتِيَاطًا. (وَلَا يَكْمُلُ بِهِ) أَيْ: بِإِلْحَاقِ النَّسَبِ إلَيْهِ (مَهْرٌ) إذَا لَمْ يَثْبُتْ الدُّخُولُ أَوْ الْخَلْوَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ؛ فَلَا نُثْبِتُهُ عَلَيْهِ بِدُونِ ثُبُوتِ سَبَبِهِ الْمُوجِبِ لَهُ (وَلَا يَثْبُتُ بِهِ) أَيْ: بِإِلْحَاقِ النَّسَبِ إلَيْهِ (عِدَّةٌ وَلَا رَجْعَةٌ) كَأَنَّ النَّسَبَ الْمُوجِبَ لَهُمَا غَيْرُ ثَابِتٍ (وَلَا) يَثْبُتُ بِإِلْحَاقِ النَّسَبِ (تَحْرِيمُ مُصَاهَرَةٍ) لِعَدَمِ ثُبُوتِ مُوجِبِهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَوْنُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (مِنْهُ) أَيْ الزَّوْجِ (كَأَنْ أَتَتْ بِهِ) لِدُونِ سَنَةٍ مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا، وَعَاشَ لَمْ يَلْحَقْ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ، فَإِنْ مَاتَ، أَوْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا؛ لَحِقَهُ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ، (أَوْ) أَتَتْ بِهِ (لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا) لَمْ يَلْحَقْهُ؛ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا، إذْ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهَا حَامِلًا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ. (أَوْ أَقَرَّتْ الْبَائِنُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرْءِ، ثُمَّ وَلَدَتْ فَوْقَ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ عِدَّتِهَا الَّتِي أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا بِالْقُرْءِ لَمْ يَلْحَقْهُ لِإِتْيَانِهَا بِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُ؛ فَلَمْ نُلْحِقْهُ بِهِ، كَمَا لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَالْإِمْكَانُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ الْعِدَّةِ لَا بَعْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ سَبَبٌ، وَمَعَ وُجُودِ السَّبَبِ يُكْتَفَى بِالْإِمْكَانِ، فَإِذَا انْتَفَى السَّبَبُ وَآثَارُهُ انْتَفَى الْحُكْمُ بِالْإِمْكَانِ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ آخِرِ أَقْرَائِهَا وَعَاشَ؛ لَحِقَ بِزَوْجٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهَا لَمْ تَحْمِلْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، بَلْ إنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ زَمَنَ رُؤْيَةِ الدَّمِ؛ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّمُ حَيْضًا؛ فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 548 (أَوْ فَارَقَهَا حَامِلًا فَوَضَعَتْ ثُمَّ) وَلَدَتْ (آخَرَ بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ) لَمْ يَلْحَقْهُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُمَا حَمْلًا وَاحِدًا، فَعُلِمَ أَنَّهَا عَلِقَتْ بِالثَّانِي بَعْدَ الزَّوْجِيَّةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ) أَيْ: الزَّوْجُ (لَمْ يَجْتَمِعْ بِزَوْجَتِهِ) زَمَنَ زَوْجِيَّةٍ (كَأَنْ تَزَوَّجَهَا بِمَحْضِ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَبَانَهَا) بِالْمَجْلِسِ (أَوْ مَاتَ) الزَّوْجُ (بِالْمَجْلِسِ) لَمْ يَلْحَقْهُ؛ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ. (أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (وَقْتُ عَقْدٍ مَسَافَةً لَا يَقْطَعُهَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي وَلَدَتْ فِيهَا) كَمَغْرِبِيٍّ تَزَوَّجَ بِمَشْرِقِيَّةٍ، فَوَلَدَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لَمْ يَلْحَقْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ إمْكَانُ الْوَطْءِ فِي هَذَا الْعَقْدِ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالُ تَقْدِيرِ عِدَّةِ مَسَافَةٍ لِمَشْيٍ مُعْتَادٍ) بِشَيْلِ الْأَثْقَالِ وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ؛ وَلَا عِبْرَةَ بِمَشْيِ خَيْلِ الْبَرِيدِ وَنَحْوِهَا (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) أَيْ: الزَّوْجَ (لَوْ رُئِيَ بِالْبَلَدِ كُلَّ يَوْمٍ) لَمْ يُفَارِقْ مِنْهَا (وَهِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةُ (بِمَحَلٍّ بَعِيدٍ) عُرْفًا بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ وُصُولُ الزَّوْجِ عَادَةً إلَيْهَا (فَهُوَ كَمَنْ أَبَانَهَا بِمَحْضَرِ حَاكِمٍ أَوْ) أَبَانَهَا (بِالْمَجْلِسِ) أَيْ: مَجْلِسِ الْعَقْدِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدٍ أَتَتْ بِهِ لِلْعِلْمِ حِسًّا وَنَظَرًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ كَانَ الزَّوْجُ لَمْ يُكْمِلْ لَهُ عَشْرَ) سِنِينَ (أَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ مَعَ أُنْثَيَيْهِ، لَمْ يَلْحَقْهُ) نَسَبُهُ؛ لِاسْتِحَالَةِ الْإِيلَاجِ وَالْإِنْزَالِ مِنْهُ (وَيَلْحَقُ) النَّسَبُ زَوْجًا (عِنِّينًا وَمَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ) فَقَطْ لِإِمْكَانِ إنْزَالِهِ، وَ (لَا) يَلْحَقُ مَنْ قُطِعَ (أُنْثَيَاهُ) فَقَطْ جَزَمَ بِهِ فِي " الْعُمْدَةِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَالْحَاوِي " وَ " النَّظْمِ " قَالَ " الْمُنَقَّحُ: " هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُقُ مِنْ مَائِهِ وَلَدٌ عَادَةً وَلَا وُجِدَ ذَلِكَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ مَعَ أُنْثَيَيْهِ (خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ) مِنْ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. (أَوْ) وَلَدَتْ رَجْعِيَّةٌ (بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ طَلَّقَهَا أَوْ مُنْذُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) سَوَاءٌ أَخْبَرَهُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرْءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 549 أَوْ لَا وَلَا يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهُ فِي الْبَائِنِ لَا فِي الرَّجْعِيَّةِ (لَحِقَهُ نَسَبُهُ) بِالْمُطَلِّقِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ؛ أَشْبَهَ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ. (وَمَنْ فَارَقَهَا) زَوْجُهَا (فَاعْتَدَّتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ لَحِقَ بِ) زَوْجٍ (ثَانٍ مَا وَلَدَتْهُ لِنِصْفِ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَلْحَقُهُ بِالثَّانِي (مَعَ مُضِيِّ مُدَّةٍ) يُمْكِنُ فِيهَا قَطْعُ (الْمَسَافَةِ) الَّتِي بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ (وَإِلَّا) تَمْضِ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا قَطْعُ الْمَسَافَةِ كَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ فِي بَلْدَةٍ نَائِيَةٍ عَنْ بَلَدِ الزَّوْجَةِ (فَ) النَّسَبُ (لِ) لِزَوْجِ (الْأَوَّلِ) لَاحِقٌ بِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا لَوْ وُطِئَتْ امْرَأَتُهُ) بِشُبْهَةٍ (أَوْ) وُطِئَتْ (أَمَتُهُ بِشُبْهَةٍ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ) فَاعْتَزَلَهَا حَتَّى أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالْوَاطِئِ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْهُ، وَيَنْتَفِي عَنْ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ. (وَ) إنْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ (فَ) الْوَلَدُ (لِ) لِوَاطِئِ (الْأَوَّلِ) لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ (وَإِنْ أَنْكَرَ وَاطِئٌ الْوَطْءَ فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَيَلْحَقُ نَسَبُ الْوَلَدِ بِالزَّوْجِ، لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ (وَإِنْ اشْتَرَكَا) أَيْ: الزَّوْجُ وَالْوَاطِئُ بِالشُّبْهَةِ (فِي وَطْئِهَا فِي طُهْرٍ) وَاحِدٍ (فَأَتَتْ بِمَا) أَيْ: وَلَدٍ (يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا أُرِيَ الْقَافَةَ) فَمَنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ مِنْهُمَا لَحِقَ بِهِ، فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِالْوَاطِئِ لَحِقَهُ، وَلَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِتَعَذُّرِ اللِّعَانِ مِنْهُ؛ لِفَقْدِ الزَّوْجِيَّةِ، وَانْتَفَى عَنْ الزَّوْجِ بِغَيْرِ لِعَانٍ، لِأَنَّ إلْحَاقَ الْقَافَةِ كَالْحُكْمِ؛ وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِالزَّوْجِ؛ لَحِقَ بِهِ، وَلَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِقَوْلِ الْقَائِفِ، وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ لَحِقَ بِهِمَا، لِإِمْكَانِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 550 (لَا أَنَّهُ) يَلْحَقُ لِلزَّوْجِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي طُهْرٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا، لَحِقَ الزَّوْجَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ انْتَهَى وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. تَتِمَّةٌ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُوجَدُ قَافَةٌ، أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ، لَحِقَ الزَّوْجَ، لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَإِنْ أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ، فَادَّعَى أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلَهُ وَكَانَتْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ بَانَتْ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لَمْ يَلْحَقْ الْوَلَدُ بِالْأَوَّلِ؛ لِمَا سَبَقَ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي لَمْ يَلْحَقْ الْوَلَدُ أَيْضًا بِهِ حَيْثُ عَاشَ؛ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ، وَيَنْتَفِي نَسَبُ الْوَلَدِ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ وَضْعُهَا لَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا، فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهَا فِرَاشُهُ، وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ؛ فَلَحِقَهُ. (وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِثَانٍ) وَوَضَعَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي، وَالْأَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ (وَلَمْ يَعْلَمْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ) عُرِضَ عَلَى الْقَافَةِ مَعَهُمَا، لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَحِقَ بِمَنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِالْأَوَّلِ انْتَفَى عَنْ الزَّوْجِ بِغَيْرِ لِعَانٍ؛ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِالزَّوْجِ انْتَفَى عَنْ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ كَمَا سَبَقَ. تَنْبِيهٌ وَيُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْقَائِفِ وَذُكُورِيَّتُهُ وَكَثْرَةُ إصَابَتِهِ، وَلَا تُعْتَبَرُ حُرِّيَّتُهُ كَالشَّاهِدِ، وَيَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ مَا يَقُولُهُ، فَهُوَ كَالْحَاكِمِ، وَلَا يَبْطُلُ قَوْلُ الْقَافَةِ بِقَوْلِ قَافَةٍ أُخْرَى، وَلَا بِإِلْحَاقِ غَيْرِهِ، كَمَا لَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِحُكْمِ غَيْرِهِ وَلَا بِإِبْطَالِهِ. [فَصْلٌ مَنْ ثَبَتَ أَنَّهُ وَطِئَ امْرَأَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَيَانًا] . فَصْلٌ (وَمَنْ ثَبَتَ) أَنَّهُ وَطِئَ امْرَأَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَيَانًا، فَلَا يَكْفِي أَقَلُّ مِنْهُمَا (أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي الْفَرْجِ أَوْ دُونَهُ، فَوَلَدَتْ لِنِصْفِ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 551 وَلَوْ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ، لَحِقَهُ) نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ بِوَطْئِهِ. «وَلِأَنَّ سَعْدًا نَازَعَ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ فَقَالَ: هُوَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَلْحَقُهُ (وَلَوْ قَالَ: عَزَلْت أَوْ قَالَ: لَمْ أُنْزِلَ) لِقَوْلِ عُمَرَ لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنَّهُ أَلَمَّ بِهَا إلَّا أَلْحَقْت بِهِ وَلَدَهَا، فَانْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ اُتْرُكُوا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَلِأَنَّهَا وَلَدَتْ عَلَى فِرَاشِهِ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَنْزَلَ وَلَمْ يَحُسَّ بِهِ، أَوْ أَصَابَ بَعْضُ الْمَاءِ فَمَ الرَّحِمِ، وَعَزَلَ بَاقِيَهُ، وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ، وَفَارَقَ الْمِلْكُ النِّكَاحَ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ، وَيَنْعَقِدُ فِي مَحَلٍّ يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِيهِ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَ (لَا) يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ (إنْ ادَّعَى اسْتِبْرَاءً) بَعْدَ وَطْءٍ (وَيَتَّجِهُ بِحَيْضٍ إذْ بِهِ تُتَيَقَّنُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ) ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي حُصُولِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُمْكِنُ الْإِطْلَاعُ عَلَيْهِ إلَّا بِعُسْرٍ وَمَشَقَّةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْإِبْرَاءِ إذَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ؛ أَشْبَهَ سَائِرَ الْحُقُوقِ (ثُمَّ تَلِدُ لِنِصْفِ سَنَةٍ بَعْدَهُ) أَيْ: الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا اسْتِبْرَاءَ يَلْحَقُهُ وَمَنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا مِنْ أَمَةٍ لَمْ يَلْحَقْهُ مَا تَلِدُهُ بَعْدَهُ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ بِدُونِ إقْرَارٍ آخَرَ أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْوَطْءَ الَّذِي اعْتَرَفَ بِهِ أَوَّلًا قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ، وَحَصَلَ بِهِ اسْتِبْرَاؤُهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ. (وَمَنْ أَعْتَقَ أَمَةً) أَقَرَّ بِوَطْئِهَا (أَوْ بَاعَ مَنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا، فَوَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ) مُنْذُ أَعْتَقَهَا أَوْ بَاعَهَا (لَحِقَهُ) أَيْ: الْمُعْتِقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 552 أَوْ الْبَائِعَ مَا وَلَدَتْهُ، لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ نِصْفُ سَنَةٍ، فَمَا وَلَدَتْهُ لِدُونِهَا وَعَاشَ عُلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ الْبَيْعِ حِينَ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ (وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ، وَالْعِتْقُ صَحِيحٌ. (وَلَوْ) كَانَ (اسْتِبْرَاؤُهَا قَبْلَهُ) أَيْ: الْبَيْعِ لِتَبَيُّنِ أَنَّ مَا رَأَتْهُ مِنْ الدَّمِ دَمُ فَسَادٍ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ (وَكَذَا إنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا) قَبْلَ بَيْعِهَا (وَوَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ) مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ بَيْعٍ (وَادَّعَى مُشْتَرٍ أَنَّهُ) أَيْ: الْوَلَدَ (مِنْ بَائِعٍ) فَيَلْحَقُهُ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْهُ وَهُوَ الْوَطْءُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُعَارِضُهُ، وَلَا مَا يَمْنَعُهُ، فَتَعَيَّنَ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَدَّعِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِإِلْحَاقِهِ أَنَّهَا لَوْ أَتَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَلَحِقَ بِهِ؛ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ عَنْهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ بِهِ شَيْءٌ. (وَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ: الْوَلَدَ (مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ) وَقَدْ بِيعَتْ قَبْلَ اسْتِبْرَاءٍ، وَوَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَدُونَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ بَيْعٍ، وَالْمُشْتَرِي مُقِرٌّ بِوَطْئِهَا؛ أُرِيَ الْقَافَةَ (أَوْ) ادَّعَى (كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ: الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (أَنَّهُ) أَيْ: الْوَلَدَ (لِلْآخَرِ وَالْمُشْتَرِي مُقِرٌّ بِوَطْئِهَا، أُرِي) الْوَلَدُ (الْقَافَةَ) لِأَنَّ نَظَرَهَا طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ إلَى مَعْرِفَةِ النَّسَبِ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ. (وَإِنْ اُسْتُبْرِئَتْ) الْمَبِيعَةُ قَبْلَ بَيْعٍ (ثُمَّ وَلَدَتْ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ) مِنْ بَيْعٍ لَمْ يَلْحَقْ بَائِعًا، لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنْ الْحَمْلِ؛ وَقَدْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِوُجُودِ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ، فَلَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ غَيْرَ صَحِيحٍ (أَوْ لَمْ تُسْتَبْرَأْ) الْمَبِيعَةُ " وَوَلَدَتْ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ بَيْعٍ (وَلَمْ يُقِرَّ مُشْتَرٍ لَهُ) أَيْ: الْبَائِعِ (بِهِ) أَيْ: بِمَا وَلَدَتْهُ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْأَمَةَ إذَا بِيعَتْ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا (وَلَمْ يَدَّعِهِ) أَيْ: لَمْ يَدَّعِ بَائِعُهَا الْوَلَدَ (لِنَفْسِهِ) لَمْ يَلْحَقْهُ؛ لِعَدَمِ إقْرَارِ مُشْتَرٍ لَهُ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (لَمْ يَلْحَقْ بَائِعًا) لِأَنَّهُ وَلَدُ أَمَةِ الْمُشْتَرِي؛ فَلَا تُقْبَلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 553 دَعْوَى غَيْرِهِ لَهُ إلَّا بِإِقْرَارٍ مِنْ الْمُشْتَرِي. (وَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ: الْوَلَدَ (بَائِعٌ، وَصَدَّقَهُ مُشْتَرٍ) أَنَّهُ وَلَدُهُ فِي صُورَةٍ مَا إذَا لَمْ تُسْتَبْرَأْ، وَوَلَدَتْ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (فَ) الْوَلَدُ (لِلْبَائِعِ) يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ أَقَرَّ بِوَطْئِهِ قَبْلَ بَيْعِهَا، لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ بِحَالٍ، سَوَاءٌ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَقَلَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ وَلَدُ الْبَائِعِ فَهُوَ وَلَدُهُ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) الْبَائِعُ (أَقَرَّ بِوَطْءٍ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِهِمَا (وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ) لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ. (وَإِنْ) ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ وَلَدُهُ وَ (لَمْ يُصَدِّقْهُ مُشْتَرٍ، فَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَهُ) أَيْ: لِلْمُشْتَرِي، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي الْإِيلَادِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ إلَى الْمُشْتَرِي فِي الظَّاهِرِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِيمَا يَبْطُلُ حَقُّهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَوْ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ ظَاهِرُ حَالِهِ الْوَطْءُ، وَغَابَ) الْبَائِعُ (فَوُجِدَتْ) الْأَمَةُ (حَامِلًا؛ حَرُمَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمُشْتَرِي (دَيَّانَةً تَصَرُّفٌ فِيهَا) أَيْ: الْأَمَةِ (بِنَحْوِ بَيْعٍ) كَهِبَةٍ (قَبْلَ مُرَاجَعَتِهِ) أَيْ: الْبَائِعِ (إنْ أَمْكَنَتْ) مُرَاجَعَتُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ بِالْوَطْءِ، وَإِلَّا تُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ كَأَيُوسٍ مِنْ عَوْدٍ أَوْ فِي مَحَلٍّ مَجْهُولٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ بَيْعِهَا حَامِلًا؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ مَجْنُونٍ مَنْ) أَيْ: امْرَأَةٌ (لَا مِلْكَ لَهُ) أَيْ: الْمَجْنُونِ (عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى رَقَبَتِهَا أَوْ مَنْفَعَةِ بُضْعِهَا (وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ) عَلَى ذَلِكَ (لَمْ يَلْحَقْهُ) أَيْ: الْمَجْنُونَ نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ وَلَا اعْتِقَادِ إبَاحَةٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَكْرَهَهَا؛ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُكَلَّفُ وَغَيْرُهُ؛ وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ وَاطِئًا بِشُبْهَةٍ، فَمَنْ وُطِئَتْ امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 554 فَاعْتَزَلَهَا حَتَّى وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْءٍ؛ لَحِقَ وَاطِئًا وَانْتَفَى عَنْ الزَّوْجِ بِلَا لِعَانٍ (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ وَكَذَا) لَوْ وَلَدَتْ (مِنْ نَائِمٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمُكْرَهٍ) لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ أَيْضًا، لِمَا تَقَدَّمَ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَمَنْ قَالَ عَنْ وَلَدٍ بِيَدِ سُرِّيَّتِهِ أَوْ) بِيَدِ (زَوْجَتِهِ أَوْ) بِيَدِ (مُطَلَّقَتِهِ: مَا هَذَا وَلَدِي، وَلَا وَلَدْتُهُ، أَوْ قَالَ: بَلْ الْتَقَطَتْهُ أَوْ اسْتَعَرْتَهُ) وَنَحْوُهُ (فَقَالَتْ: بَلْ هُوَ وَلَدِي مِنْك، فَإِنْ شَهِدَتْ امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ بِوِلَادَتِهَا لَهُ لَحِقَهُ) نَسَبُ الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ (وَإِلَّا) يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا مَرْضِيَّةٌ (فَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وِلَادَتِهَا لَهُ، وَهِيَ مِمَّا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ (وَلَا أَثَرَ لِشَبَهِ) وَلَدٍ وَلَوْ لِأَحَدِ مُدَّعِيهِ (مَعَ) وُجُودِ (فِرَاشٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ وَتَقَدَّمَ، وَفِيهِ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» . (وَتَبَعِيَّةُ نَسَبٍ لِأَبٍ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] (مَا لَمْ يَنْتَفِ كَابْنِ مُلَاعِنَةٍ) وَإِلَّا وَزِنَا فَوَلَدُ قُرَشِيٍّ قُرَشِيٌّ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشِيَّةٍ وَوَلَدُ قُرَشِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ قُرَشِيٍّ لَيْسَ قُرَشِيًّا (وَتَبَعِيَّةُ مِلْكٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ لِأُمٍّ فَوَلَدُ حُرَّةٍ حُرٌّ) ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَقِيقٍ، وَوَلَدُ أَمَةٍ وَلَوْ مِنْ حُرٍّ قِنٌّ لِمَالِك أُمِّهِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنَّمَا تَبِعَ الْوَلَدُ الْأُمَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْ الْأَبِ نُطْفَةً لَا قِيمَةَ لَهَا وَلَا مَالِيَّةَ وَلَا مَنْفَعَةَ وَإِنَّمَا اكْتَسَبَ لَبَنَهَا وَمَنِيَّهَا، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ تَبِعَهَا، كَمَا لَوْ أَكَلَ رَجُلٌ تَمْرًا فِي أَرْضِ رَجُلٍ وَسَقَطَتْ نَوَاةٌ فِي الْأَرْضِ مِنْ يَدِ الْآكِلِ فَصَارَتْ نَخْلَةً، فَإِنَّهَا مِلْكُ صَاحِبِ الْأَرْضِ، دُونَ الْآكِلِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهَا انْفَصَلَتْ عَنْ الْآكِلِ وَلَا قِيمَةَ لَهَا (إلَّا مَعَ شَرْطِ) زَوْجِ أَمَةٍ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهَا، فَهُمْ أَحْرَارٌ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» (أَوْ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 555 إلَّا مَعَ (غُرُورٍ) بِأَنْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ شَرَطَهَا أَوْ ظَنَّهَا حُرَّةً؛ فَتَبِينُ أَمَةً، فَوَلَدُهَا حُرٌّ وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ رَقِيقًا وَيَفْدِيهِ، وَتَقَدَّمَ (أَوْ) إلَّا مَعَ (شُبْهَةٍ) فَوَلَدُهَا حُرٌّ أَيْضًا. (وَتَبَعِيَّةُ دِينِ) وَلَدٍ لِخَيْرِهِمَا (وَوُجُوبُ فِدْيَةٍ لِخَيْرِهِمَا) أَيْ: أَبَوَيْهِ دِينًا، فَوَلَدُ مُسْلِمٍ مِنْ كِتَابِيَّةٍ مُسْلِمٌ، وَوَلَدُ كِتَابِيٍّ مِنْ مَجُوسِيَّةٍ كِتَابِيٌّ (وَيَتَّجِهُ فِي يَهُودِيٍّ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً) يَتْبَعُ وَلَدُهُمَا الْأَبَ، أَوْ يُخَيَّرُ (وَعَكْسُهُ) كَنَصْرَانِيٍّ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً؛ فَإِنَّ وَلَدَهُمَا (يَتْبَعُ الْأَبَ، أَوْ يُخَيَّرُ) إذْ هُمَا فِي الْكُفْرِ سَوَاءٌ، لَكِنْ لَوْ قِيلَ بِتَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ لِمَنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَبَوَيْهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِمُوَافَقَةِ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ يَتْبَعُ خَيْرَهُمَا دِينًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ خَيْرٌ مِنْ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ، لِأَنَّ النَّصَارَى أَقْرَبُ مَوَدَّةً بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَإِنْ كَانَ لَا خَيْرَ فِي كِلَيْهِمَا (وَتَبَعِيَّةُ نَجَاسَةٍ وَحُرْمَةُ أَكْلٍ وَذَكَاةٌ وَتَحْرِيمُ مُنَاكَحَةٍ وَسَهْمُ غَنِيمَةٍ لِأَخْبَثِهِمَا) أَيْ: الْأَبَوَيْنِ، فَالْبَغْلُ مِنْ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ مُحَرَّمٌ نَجِسٌ تَبَعًا لِلْحِمَارِ دُونَ أَطْيَبِهِمَا وَهُوَ الْفَرَسُ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ هِرٍّ وَشَاةٍ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ تَبَعًا لِلْهِرِّ دُونَ الشَّاةِ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيَّةٍ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَلَا تُنْكَحُ لَوْ كَانَتْ أُنْثَى تَبَعًا لِلْمَجُوسِيَّةِ دُونَ الْكِتَابِيِّ، لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حِلِّ الْكِتَابِيَّةِ أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهَا كِتَابِيَّيْنِ وَكَذَلِكَ لَا تُوطَأُ أَمَةٌ مُسْتَوْلَدَةٌ بَيْنَ مَجُوسِيٍّ وَكِتَابِيَّةٍ لَوْ خَرَجَتْ سَهْمُ مُقَاتِلٍ بِمِلْكِ يَمِينٍ تَبَعًا لِأَبِيهَا الْمَجُوسِيِّ دُونَ أُمِّهَا الْكِتَابِيَّةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 556 [كِتَابُ الْعِدَدِ] ِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ (وَاحِدُهَا عِدَّةٌ، وَهِيَ) مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَدَدِ، لِأَنَّ أَزْمِنَةَ الْعِدَدِ مَحْصُورَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِعَدَدِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ كَالْحَيْضِ وَالْأَشْهُرِ، وَشَرْعًا (التَّرَبُّصُ الْمَحْدُودُ شَرْعًا) يَعْنِي مُدَّةً مَعْلُومَةً تَتَرَبَّصُ فِيهَا الْمَرْأَةُ لِتُعْرَفَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِوَضْعِ حَمْلٍ أَوْ مُضِيٍّ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ؛ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِجْمَاعُ، وَدَلِيلُهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَيَأْتِي مُفَصَّلًا فِي مَوَاضِعِهِ، وَالْمَعْنَى يَشْهَدُ لَهُ، لِأَنَّ رَحِمَ الْمَرْأَةِ رُبَّمَا كَانَ مَشْغُولًا بِمَاءِ شَخْصٍ، وَتَمْيِيزُ الْأَنْسَابِ مَطْلُوبٌ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ وَالْعِدَّةُ طَرِيقٌ إلَيْهِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مَعْنًى مَحْضٌ وَتَعَبُّدٌ مَحْضٌ، وَيَجْتَمِعُ أَمْرَانِ، وَالْمَعْنَى أَغْلَبُ وَيَجْتَمِعُ الْأَمْرَانِ، وَالتَّعَبُّدُ أَغْلَبُ؛ فَالْأَوَّلُ عِدَّةُ الْحَامِلِ، وَالثَّانِي عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَالثَّالِثُ عِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ الَّتِي يُمْكِنُ حَبَلُهَا مِمَّنْ يُولَدُ لِمِثْلِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ ذَاتَ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ؛ فَإِنَّ مَعْنَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ أَغْلَبُ مِنْ التَّعَبُّدِ بِالْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ لِغَلَبَةِ ظَنِّ الْبَرَاءَةِ، وَالرَّابِعُ كَمَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِلْمَدْخُولِ بِهَا الَّتِي يُمْكِنُ حَمْلُهَا، وَتَمْضِي إقْرَاؤُهَا فِي أَثْنَاءِ الشُّهُورِ؛ فَإِنَّ الْعَدَدَ الْخَاصَّ بِهِ أَغْلَبُ مِنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِمُضِيِّ تِلْكَ الْأَقْرَاءِ. (وَلَا عِدَّةَ فِي فُرْقَةِ) زَوْجٍ (حَيٍّ قَبْلَ وَطْءٍ أَوْ) قَبْلَ (خَلْوَةٍ، وَلَا) عِدَّةَ (لِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِدَّةِ وُجُوبُهَا لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ هُنَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 557 (وَشُرِطَ) فِي وُجُوبِ عِدَّةٍ (لِوَطْءٍ كَوْنُهَا) أَيْ الْمَوْطُوءَةِ (يُوطَأُ مِثْلُهَا وَكَوْنُهُ) أَيْ: الْوَاطِئُ (يَلْحَقُ بِهِ وَلَدٌ) فَإِنْ وُطِئَتْ بِنْتٌ دُونَ تِسْعٍ أَوْ وَطِئَ ابْنٌ دُونَ عَشْرٍ فَلَا عِدَّةَ لِذَلِكَ الْوَطْءِ لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَا ذُكِرَ مَعَ الْعِلْمِ بِسِنِّ مُتَوَاطِئَيْنِ (وَ) أَمَّا (مَعَ جَهْلِ سَنٍّ فَالْأَصْلُ الصِّغَرُ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) شُرِطَ فِي وُجُوبِ عِدَّةٍ (لِخَلْوَةٍ طَوَاعِيَتُهَا) فَإِنْ خَلَا بِهَا مُكْرَهَةً عَلَى الْخَلْوَةِ فَلَا عِدَّةَ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ إنَّمَا أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ لِأَنَّهَا مَظِنَّتُهُ، وَلَا تَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا مَعَ التَّمْكِينِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي خَلْوَةٍ كَوْنُهَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، وَكَوْنُهُ يَلْحَقُ بِهِ وَلَدٌ كَمَا فِي الْوَطْءِ وَأَوْلَى (وَ) شُرِطَ لِخَلْوَةٍ (عِلْمُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (بِهَا) فَلَوْ خَلَا بِهَا أَعْمَى لَا يُبْصِرُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَوْ تُرِكَتْ بِمَخْدَعٍ بِالْبَيْتِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا الْبَصِيرُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا الزَّوْجُ، فَلَا عِدَّةَ؛ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ الْمُوجِبِ لِلْعِدَّةِ، وَحَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُ الْخَلْوَةِ؛ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ لِقَضَاءِ الْخُلَفَاءِ بِذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّدَاقِ (وَلَوْ مَعَ مَانِعٍ) شَرْعِيٍّ أَوْ حِسِّيٍّ (كَإِحْرَامٍ وَصَوْمٍ وَجَبٍّ وَعُنَّةٍ وَرَتْقٍ) وَظِهَارٍ وَإِيلَاءٍ وَاعْتِكَافٍ؛ إنَاطَةَ لِلْحُكْمِ بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الْإِصَابَةِ دُونَ حَقِيقَتِهَا. (وَتَلْزَمُ) الْعِدَّةُ (لِوَفَاةٍ مُطْلَقًا) كَبِيرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ صَغِيرًا، يُمْكِنُهُ وَطْءٌ أَوْ لَا، خَلَا بِهَا أَوْ لَا كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] (وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ) وَهُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ (كَصَحِيحٍ) فِي وُجُوبِ (عِدَّةٍ) فِيهِ بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ الْمَسِيسِ وَالْخَلْوَةِ، وَعَدَمُهُ بِعَدَمِ ذَلِكَ (وَلُحُوقٌ لِنَسَبٍ وَتَحْرِيمُ مُصَاهَرَةٍ وَدَرْءُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 558 حَدٍّ وَاسْتِقْرَارُ مُسَمًّى) لِأَنَّهُ نِكَاحٌ وَجَبَ إقْرَارُ الزَّوْجَيْنِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجُزْ إنْكَارُهُ فَأَثْبَتَ أَحْكَامَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْوَجِيزِ " وَ (لَا) يُعْطَى النِّكَاحُ الْفَاسِدُ حُكْمَ الصَّحِيحِ (فِي حِلِّ) وَطْءٍ بِهِ (وَ) لَا فِي (إحْلَالٍ) لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا، (وَ) لَا فِي (إرْثٍ وَ) لَا فِي (تَنْصِيفِ صَدَاقٍ) بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَ) لَا فِي (لِعَانٍ وَ) لَا فِي (ثُبُوتِ رَجْعَةٍ) لِمُطَلِّقٍ بَعْدَ الدُّخُولِ (وَ) لَا فِي (إحْدَادٍ) لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَوْ رُفِعَ إلَيْنَا لَأَبْطَلْنَاهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ فِيهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَلَا عِدَّةَ فِي) نِكَاحٍ (بَاطِلٍ) مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ كَمُعْتَدَّةٍ وَخَامِسَةٍ (إلَّا بِوَطْءٍ) لِأَنَّ وُجُودَ صُورَتِهِ كَعَدَمِهَا، فَإِنْ وَطِئَ لَزِمَتْ الْعِدَّةُ كَالزَّانِيَةِ. (وَالْمُعْتَدَّاتُ سِتٌّ) إحْدَاهَا (الْحَامِلُ وَعِدَّتُهَا مِنْ مَوْتٍ وَغَيْرِهِ) كَطَلَاقٍ وَفَسْخٍ، حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً (إلَى وَضْعِ كُلِّ الْوَلَدِ) إنْ كَانَ الْحَمْلُ وَلَدًا وَاحِدًا، أَوْ وَضْعِ (الْأَخِيرِ مِنْ عَدَدٍ) إنْ كَانَتْ حَامِلًا بِعَدَدٍ، حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً، طَلَاقًا كَانَتْ الْفُرْقَةُ أَوْ فَسْخًا؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَبَقَاءُ بَعْضِ الْحَمْلِ يُوجِبُ بَقَاءَ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا بَلْ بَعْضَهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا (لَوْ مَاتَ) الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا (لَا تَزَالُ مُعْتَدَّةً حَتَّى تَضَعَهُ) وَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَيْثُ تَجِبُ لِلْحَامِلِ لِمَا يَأْتِي أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مَحَلًّا لِوُجُوبِهَا (وَاحْتَمَلَ، أَوْ تَصِيرُ الْمَرْأَةُ آيِسَةً) فَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا تَنْقَضِي) عِدَّةُ حَامِلٍ (إلَّا بِوَضْعِ مَا تَصِيرُ بِهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ، وَهُوَ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ كَرَأْسٍ وَرِجْلٍ) فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ إجْمَاعًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 559 لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ حَمْلٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ. تَنْبِيهٌ: فَإِنْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا خَلْقُ الْإِنْسَانِ، فَذَكَرَ ثِقَاتٌ مِنْ النِّسَاءِ، أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَمْ تَنْقَضِ بِهِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ وَلَدًا أَشْبَهَ الْعَلَقَةَ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَتْ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ دَمًا؛ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَلَدٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، لَكِنْ لَوْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهَا الْخَلْقُ، فَشَهِدَتْ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهَا صُورَةً خَفِيَّةً ظَهَرَ بِهَا أَنَّهَا خِلْقَةُ آدَمِيٍّ؛ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ، لِأَنَّهُ حَمْلٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ (فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ الْحَمْلُ لِصِغَرِهِ) أَيْ الزَّوْجِ بِأَنْ يَكُونَ دُونَ عَشْرٍ (أَوْ لِكَوْنِهِ خَصِيًّا مَجْبُوبًا أَوْ غَيْرَ مَجْبُوبٍ أَوْ لِوِلَادَتِهَا لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ نَكَحَهَا وَيَعِيشُ، أَوْ وَلَدَتْهُ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ إبَّانِهِ) وَيَعِيشُ (لَمْ تَنْقَضِ بِهِ) عِدَّتُهَا مِنْ زَوْجِهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ يَقِينًا؛ فَلَمْ تَعْتَدَّ بِوَضْعِهِ (وَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ عِدَّةَ وَفَاةٍ) إنْ كَانَتْ مُتَوَفَّى عَنْهَا (أَوْ) عِدَّةَ (حَيَاةٍ) إنْ كَانَ فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ حَيْثُ وَجَبَتْ عِدَّةُ الْفِرَاقِ وَالْفِرَاقُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ. . (وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلٍ) يَعِيشُ (سِتَّةُ أَشْهُرٍ) وِفَاقًا لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ (أَنَّهُ رُفِعَ إلَى عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهَمَّ عُمَرُ بِرَجْمِهَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَيْسَ لَك ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] وَقَالَ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] فَحَوْلَانِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ ثَلَاثُونَ شَهْرًا لَا رَجْمَ عَلَيْهَا فَخَلَّى عُمَرُ سَبِيلَهَا) . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي " الْمَعَارِفِ " أَنَّ عَبْدَ بْنَ مَرْوَانَ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ (وَغَالِبُهَا) أَيْ مُدَّةِ الْحَمْلِ (تِسْعَةُ) أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 560 كَذَلِكَ يَحْمِلْنَ (وَأَكْثَرُهَا) أَيْ: مُدَّةِ الْحَمْلِ (أَرْبَعُ سِنِينَ) لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ مَنْ تَحْمِلُ أَرْبَعَ سِنِينَ قَالَ أَحْمَدُ: نِسَاءُ بَنِي عِجْلَانَ يَحْمِلْنَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَامْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عِجْلَانَ حَمَلَتْ ثَلَاثَ بُطُونٍ، كُلَّ دُفْعَةٍ أَرْبَعُ سِنِينَ، وَبَقِيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا لَوْ وَضَعَتْ فِي أَوَّلِ يَوْمِ مُتَمِّمٍ لِنِصْفِ السَّنَةِ؛ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِذَلِكَ الْوَضْعِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهَا وَلَدَتْ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الْحَمْلِ بِبَعْضِ يَوْمٍ فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا؛ إذْ (لَا يُقَدِّمُ) فِي عَدَمِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (تَأَخُّرُ بَقِيَّةِ يَوْمٍ) مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْوَضْعِ (لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ) لِأَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمُهُ، هُوَ مُتَّجِهٌ. (وَأَقَلُّ مُدَّةٍ تُبَيِّنُ) خَلْقَ (وَلَدٍ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا) لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً؛ ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ» الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ كَوْنُهُ خَلْقَ آدَمِيٍّ بِكَوْنِهِ مُضْغَةً؛ لِأَنَّ الْمَنِيَّ قَدْ لَا يَنْعَقِدُ، وَالْعَلَقَةُ قَدْ تَكُون دَمًا انْحَدَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ الْبَدَنِ، وَأَمَّا الْمُضْغَةُ فَالظَّاهِرُ كَوْنُهَا ابْتِدَاءَ خَلْقِ آدَمِيٍّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 561 (الثَّانِيَةُ) مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ (الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ هَذَا فِي (غَيْرِ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَإِنَّهُنَّ لَا اعْتِدَادَ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا شُرِّعَتْ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِأَجْلِ حِلِّ الْمُعْتَدَّةِ لِلْأَزْوَاجِ، وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَوْ) كَانَ (طِفْلًا وَهِيَ طِفْلَةٌ) لَا يُولَدُ لِمِثْلِهَا، وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ (بِلَا حَمْلٍ مِنْهُ) وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْحَامِلِ مِنْهُ (وَإِنْ كَانَ) الْحَمْلُ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ الْمُتَوَفَّى كَأَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، فَحَمَلَتْ ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا، اعْتَدَّتْ بِوَضْعِهِ؛ لِلشُّبْهَةِ، وَ (اعْتَدَّتْ لِلْوَفَاةِ بَعْدَ وَضْعِ) الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ لِآدَمِيَّيْنِ؛ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالدِّينَيْنِ وَتَجِبُ عِدَّةُ وَفَاةٍ. (وَعِدَّةُ حُرَّةٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ بِعَشْرَةِ أَيَّامٍ) لِلْآيَةِ، وَالنَّهَارُ تَبَعٌ لِلَّيْلِ، وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ الزَّوْجُ تَكْذِيبَهَا وَنَفْيَهُ بِاللِّعَانِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتُ فَلَا تَأْمَنُ أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ، فَيَلْحَقُ الْمَيِّتَ نَسَبُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَنْفِيهِ؛ فَاحْتِيطَ بِإِيجَابِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَالْمَبِيتِ بِمَنْزِلِهَا حِفْظًا لَهَا، وَسَوَاءٌ وُجِدَ فِيهَا الْحَيْضُ أَوْ لَا. (وَ) عِدَّةُ (أَمَةٍ) تُوُفِّيَ زَوْجُهَا (نِصْفُهَا) شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ؛ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَنْصِيفِ عِدَّةِ الْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ؛ فَكَذَا فِي عِدَّةِ الْمَوْتِ وَكَالْحَدِّ. (وَ) عِدَّةُ (مُنَصَّفَةٍ) أَيْ: مَنْ نِصْفُهَا حُرٌّ وَنِصْفُهَا رَقِيقٌ (ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا (وَلَا اعْتِبَارَ بِالْحَيْضِ) وَمَنْ ثُلُثُهَا حُرٌّ فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 562 وَعِشْرُونَ يَوْمًا. (وَإِنْ مَاتَ فِي عِدَّةٍ مُرْتَدٌّ) بِأَنْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ (بَعْدَ دُخُولٍ) فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ سَقَطَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا، وَابْتَدَأَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مِنْ مَوْتِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ تَلَافِيَ النِّكَاحِ بِإِسْلَامِهِ. ، (أَوْ) مَاتَ زَوْجُ (كَافِرَةٍ أَسْلَمَتْ) بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا فِي عِدَّتِهَا قَبْلَ إسْلَامِهِ؛ سَقَطَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا، وَابْتَدَأَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مِنْ مَوْتِهِ نَصًّا، لِمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ) مَاتَ (زَوْجُ) مُطَلَّقَةٍ (رَجْعِيَّةٍ) قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (سَقَطَتْ) عِدَّةُ الطَّلَاقِ (وَابْتَدَأَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مِنْ مَوْتِهِ) لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ وَإِيلَاؤُهُ (وَإِنْ مَاتَ فِي عِدَّةِ مَنْ أَبَانَهَا فِي الصِّحَّةِ؛ لَمْ تَنْتَقِلْ) عَنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا وَالتَّوَارُثِ وَلُحُوقِهَا طَلَاقَهُ وَنَحْوِهِ (وَتَعْتَدُّ مَدْخُولٌ بِهَا أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) الْمَخُوفِ (فَارًّا الْأَطْوَلَ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَ) وَمِنْ عِدَّةِ (طَلَاقٍ) لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ؛ فَتَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ كَالرَّجْعِيَّةِ، وَمُطَلَّقَةٍ فَيَلْزَمُهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ، وَيَنْدَرِجُ أَقَلُّهُمَا فِي الْأَكْثَرِ (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ وَ) عَلَى كُلِّ حَالٍ فَتُجْعَلُ (أَوَّلُهَا) أَيْ: الْعِدَّةِ (مِنْ حِينِ طَلَاقٍ) لَا مِنْ حِينِ مَوْتٍ رِفْقًا بِهَا؛ لِئَلَّا تَطُولَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَمَحَلُّ كَوْنِهَا تَعْتَدُّ أَطْوَلَهُمَا (إنْ وَرِثَتْ) الزَّوْجَ (وَإِلَّا) تَرِثُهُ الْمُبَانَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَكَوْنِهَا أَمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً وَالزَّوْجُ مُسْلِمٌ، أَوْ تَكُونُ هِيَ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ أَوْ الْخُلْعَ أَوْ فَعَلَتْ مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا مِنْ نَحْوِ رَضَاعِ زَوْجَةٍ صُغْرَى (فَ) تَعْتَدُّ (لِطَلَاقٍ لَا غَيْرَهُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَارِثَةً؛ أَشْبَهَتْ الْمُبَانَةَ فِي الصِّحَّةِ. (وَلَا تَعْتَدُّ لِمَوْتٍ مَنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَهُ) أَيْ: الْمَوْتِ بِحَيْضٍ أَوْ شُهُورٍ أَوْ وَضْعِ حَمْلٍ (وَلَوْ وَرِثَتْ) وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ قَبْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 563 الدُّخُولِ ثُمَّ مَاتَ؛ فَلَا عِدَّةَ لِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ، وَتَحِلُّ لِلْمُطَلِّقِ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَنْ مُسِخَ زَوْجُهَا جَمَادًا (فَ) تَعْتَدُّ (عِدَّةَ وَفَاةٍ وَ) لَوْ مُسِخَ (حَيَوَانًا فَ) تَعْتَدُّ (عِدَّةَ حَيَاةٍ) تَنْزِيلًا لِكُلٍّ بِمَا يُنَاسِبُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً) مِنْ نِسَائِهِ (وَنَسِيَهَا أَوْ) طَلَّقَ (مُبْهَمَةً ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ قُرْعَةٍ؛ اعْتَدَّ كُلُّ نِسَائِهِ سِوَى حَامِلٍ الْأَطْوَلَ مِنْهُنَّ) أَيْ: مِنْ عِدَّةِ طَلَاقٍ وَوَفَاةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ، وَأَنَّهَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؛ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ الْعِدَّةِ يَقِينًا إلَّا بِذَلِكَ وَلَكِنَّ ابْتِدَاءَ الْقُرْءِ مِنْ حِينِ طَلَّقَ، وَابْتِدَاءُ عِدَّةِ الْحَمْلِ بَعْدَهُ مِنْ حِينِ مَاتَ، وَأَمَّا الْحَامِلُ فَعِدَّتُهَا وَضْعُ الْحَمْلِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ ارْتَابَتْ مَنْ بَانَتْ زَمَنَ تَرَبُّصِهَا) أَيْ: عِدَّتِهَا (أَوْ بَعْدَهُ بِأَمَارَةِ حَمْلٍ كَحَرَكَةٍ أَوْ انْتِفَاخِ بَطْنٍ أَوْ رَفْعِ حَيْضٍ أَوْ نُزُولِ لَبَنٍ؛ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا) وَلَوْ تُبَيِّنَ عَدَمُ الْحَمْلِ بَعْدَ الْعَقْدِ (حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ) لِلشَّكِّ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَتَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ وَزَوَالُ الرِّيبَةِ انْقِطَاعُ الْحَرَكَةِ وَزَوَالُ الِانْتِفَاخِ أَوْ عَوْدُ الْحَيْضِ أَوْ مُضِيُّ زَمَنٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ حَامِلًا (وَإِنْ ظَهَرَتْ) الرِّيبَةُ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ نِكَاحِهَا (دَخَلَ بِهَا) الزَّوْجُ (أَوْ لَا، لَمْ يَفْسُدْ) النِّكَاحُ بِظُهُورِ الرِّيبَةِ، لِأَنَّهَا شَكٌّ طَرَأَ عَلَى يَقِينِ النِّكَاحِ، فَلَا يُزِيلُ وَحَرُمَ وَطْؤُهَا حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ لِلشَّكِّ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا. (وَمَتَى وَلَدَتْ) مُتَوَفَّى عَنْهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا (لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ عَقْدٍ) عَلَيْهَا، (وَعَاشَ) الْوَلَدُ (تَبَيَّنَّا فَسَادَهُ) أَيْ: النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لَحِقَ بِالزَّوْجِ الثَّانِي، وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ. (الثَّالِثَةُ) مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ (ذَاتُ الْأَقْرَاءِ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ) بَعْدَ دُخُولٍ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 564 خَلْوَةٍ (وَلَوْ بِ) طَلْقَةٍ (ثَالِثَةٍ) إجْمَاعًا قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ (فَتَعْتَدُّ حُرَّةٌ وَمُبَعَّضَةٌ) مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً (بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] (وَهِيَ) أَيْ: الْقُرُوءُ (الْحَيْضُ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ؛ لِحَدِيثِ: «تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَحَدِيثِ: «إذَا أَتَى قَرْؤُك فَلَا تُصَلِّي، وَإِذَا مَرَّ قَرْؤُك فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقَرْءِ إلَى الْقَرْءِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَلَمْ يُعْهَدْ فِي لِسَانِهِ اسْتِعْمَالُ الْقُرْءِ بِمَعْنَى الطُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ الْقُرْءُ مُشْتَرَكًا بَيْن الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ (وَ) تَعْتَدُّ (غَيْرُهُمَا) أَيْ: الْحُرَّةِ وَالْمُبَعَّضَةِ وَهِيَ الْأَمَةُ (بِقُرْأَيْنِ) لِحَدِيثِ: «قَرْءُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ» وَلِأَنَّهُ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا كَحَدٍّ إلَّا أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَتَبَعَّضُ (وَلَيْسَ الطُّهْرُ عِدَّةً) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ طَلُقَتْ فِيهَا) بَلْ تَعْتَدُّ بَعْدَهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ قَالَ فِي الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ (وَلَا تَحِلُّ) مُطَلَّقَةٌ (لِغَيْرِهِ) أَيْ: الْمُطَلِّقِ (إذَا انْقَطَعَ دَمُ) الْحَيْضَةِ (الْأَخِيرَةِ حَتَّى تَغْتَسِلَ) أَوْ تَتَيَمَّمَ عِنْدَ التَّعَذُّرِ فِي قَوْلِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَلِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ حَرَامٌ؛ لِوُجُودِ أَثَرِ الْحَيْضِ، فَلَمَّا مُنِعَ الزَّوْجُ الْوَطْءَ كَمَا مَنَعَهُ الْحَيْضُ؛ وَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مَا مَنَعَهُ الْحَيْضُ وَهُوَ النِّكَاحُ، (وَتَقَدَّمَ) فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا لِمَنْ كَانَ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا، وَتَنْقَطِعُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ التَّوَارُثِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَصِحَّةِ اللِّعَانِ وَانْقِطَاعِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا بِانْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ لَا أَثَرَ فِيهَا لِلِاغْتِسَالِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْوَطْءُ. (وَلَا تُحْسَبُ مُدَّةُ نِفَاسٍ لِمُفَارَقَةٍ فِي حَيَاةٍ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلُقَتْ عَقِبَ وِلَادَةٍ لَا تَحْسِبُ مُدَّةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 565 دَمِ نِفَاسِهَا بِحَيْضَةٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَحِيضَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ ثَلَاثَ حَيْضَاتٍ كَامِلَةٍ. (الرَّابِعَةُ) مِنْ الْمُعْتَدَّةِ (مِنْ لَمْ تَحِضْ لِصِغَرٍ أَوْ إيَاسٍ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ؛ فَتَعْتَدُّ حُرَّةٌ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أَيْ: كَذَلِكَ (مِنْ وَقْتِهَا) أَيْ الْفُرْقَةِ، فَإِذَا فَارَقَهَا نِصْفَ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ؛ اعْتَدَّتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. (وَ) تَعْتَدُّ (أَمَةٌ) لَمْ تَحِضْ (بِشَهْرَيْنِ) نَصًّا، وَاحْتُجَّ بِقَوْلِ عُمَرَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ حَيْضَتَانِ؛ وَلَوْ لَمْ تَحِضْ كَانَ عِدَّتُهَا شَهْرَيْنِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلِيَكُونَ الْبَدَلُ كَالْمُبْدَلِ، وَلِأَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ يَحِضْنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً. (وَ) تَعْتَدُّ (مُبَعَّضَةٌ) لَمْ تَحِضْ لِذَلِكَ (بِالْحِسَابِ، فَيَزْدَادُ عَلَى الشَّهْرَيْنِ لِمَنْ ثُلُثُهَا حُرٌّ ثُلُثُ شَهْرٍ أَوْ) مَنْ (نِصْفُهَا) حُرٌّ (نِصْفُهُ أَوْ) مَنْ (ثُلُثَاهَا) حُرٌّ ثُلُثَاهُ (عِشْرُونَ يَوْمًا) وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةٌ وَمُدَبَّرَةٌ فِي عِدَّةٍ كَامِلَةٍ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ، وَكَذَا مُعَلَّقٌ عِتْقُهَا عَلَى صِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا. (وَعِدَّةُ بَالِغَةٍ لَمْ تَرَ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا) كَآيِسَةٍ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] . وَعِدَّةُ (مُسْتَحَاضَةٍ نَاسِيَةٍ لِوَقْتِ حَيْضِهَا أَوْ) مُسْتَحَاضَةٍ (مُبْتَدَأَةٍ كَآيِسَةٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ وَقْتَ حَيْضِهِمَا، وَالْغَالِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَحِضْنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً، وَيَطْهُرْنَ بَاقِيَهُ. (وَمَنْ عَلِمَتْ أَنْ لَهَا حَيْضَةً فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَثَلًا) وَاسْتُحِيضَتْ، وَنَسِيَتْ وَقْتَ حَيْضِهَا (فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ ذَلِكَ) أَيْ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فِي الْمِثَالِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ زَمَنٌ فِيهِ ثَلَاثُ حِيَضٍ بِدُونِ ذَلِكَ. (وَمَنْ لَهَا) مِنْ الْمُسْتَحَاضَاتِ (عَادَةٌ) عَمِلَتْ بِهَا (أَوْ) لَهَا (تَمْيِيزٌ عَمِلَتْ بِهِ) إنْ صَلُحَ حَيْضًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. (وَإِنْ حَاضَتْ صَغِيرَةٌ) مُفَارَقَةٌ فِي الْحَيَاةِ (فِي أَثْنَاءِ عِدَّتِهَا اسْتَأْنَفَتْهَا) أَيْ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 566 الْعِدَّةَ (بِالْقُرْءِ) لِأَنَّ الْأَشْهُرَ بَدَلٌ عَنْ الْأَقْرَاءِ، لِعَدَمِهَا، فَإِذَا وُجِدَ الْمُبْدَلُ بَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ لِعَدَمِهِ. (وَمَنْ يَئِسَتْ فِي أَثْنَاءِ عِدَّةِ أَقْرَاءٍ) بِأَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ فِيهَا، وَقَدْ حَاضَتْ بَعْدَ أَقْرَائِهَا أَوْ لَمْ تَحِضْ (ابْتَدَأَتْ عِدَّةَ آيِسَةٍ) بِالشُّهُورِ؛ لِأَنَّهَا إذَنْ آيِسَةٌ، وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا حَاضَتْهُ قَبْلُ. (وَإِنْ عَتَقَتْ) مُعْتَدَّةٌ (بَائِنٌ) فِي عِدَّتِهَا (أَتَمَّتْ عِدَّةَ أَمَةٍ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ. (الْخَامِسَةُ) مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ (مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَوْ) كَانَ ارْتِفَاعُهُ (بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ، وَلَمْ تَدْرِ سَبَبَهُ فَتَعْتَدُّ) سَنَةً مُنْذُ انْقَطَعَ بَعْدَ الطَّلَاقِ نَصًّا، فَإِنْ كَانَ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ فَتَعْتَدُّ مِنْ انْقِطَاعِهِ (لِلْحَمْلِ غَالِبَ مُدَّتِهِ) تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لِيُعْلَمَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا (ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ كَآيِسَةٍ عَلَى مَا فُصِّلَ) آنِفًا فِي الْحُرَّةِ وَالْمُبَعَّضَةِ وَالْأَمَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا قَضَاءُ عُمَرَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُنْكِرُهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ عَلِمْنَاهُ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ بِالْعِدَّةِ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَهِيَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ، فَاكْتَفَى بِهِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا مُضِيَّ سَنَةٍ مِنْ الِانْقِطَاعِ - وَلَوْ بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تَبْنِي عِدَّةً عَلَى عِدَّةٍ أُخْرَى، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بَعْدَ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ إنَّمَا تَجِبُ بِالْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ إمَّا بِالصِّغَرِ أَوْ الْإِيَاسِ، وَهُنَا لَمَّا احْتَمَلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ لِلْحَمْلِ أَوْ لِلْإِيَاسِ اُعْتُبِرَتْ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْحَمْلِ بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الِانْقِطَاعِ لِلْإِيَاسِ، فَوَجَبَتْ عِدَّتُهُ عِنْدَ تَعَيُّنِهِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا مَضَى كَمَا لَا يُعْتَبَرُ مَا مَضَى مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ الْإِيَاسِ لِأَنَّ الْإِيَاسَ طَرَأَ عَلَيْهِ (وَلَا تَنْقَضِي) الْعِدَّةُ (بِعَوْدِ الْحَيْضِ بَعْدَ الْمُدَّةِ) لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَالصَّغِيرَةِ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَحِيضُ (وَإِنْ عَلِمَتْ) مُعْتَدَّةٌ انْقَطَعَ حَيْضُهَا (مَا رَفَعَهُ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ نِفَاسٍ؛ فَلَا تَزَالُ) إذَا طَلُقَتْ وَنَحْوُهُ فِي عِدَّةٍ (حَتَّى يَعُودَ) حَيْضُهَا (فَتَعْتَدُّ بِهِ) وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ؛ لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ حِبَّانَ مُنْذُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 567 مُرْضِعَةٌ، فَمَكَثَتْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ لَا تَحِيضُ يَمْنَعُهَا الرَّضَاعُ، ثُمَّ مَرِضَ حِبَّانُ فَقِيلَ لَهُ: إنْ مِتَّ وَرِثَتْك فَجَاءَ إلَى عُثْمَانَ وَأَخْبَرَهُ بِشَأْنِ امْرَأَتِهِ وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ، فَقَالَ لَهُمَا عُثْمَانُ: مَا تَرَيَانِ؟ فَقَالَا: نَرَى أَنَّهَا تَرِثُهُ إنْ مَاتَ، وَيَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ، وَلَيْسَتْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، ثُمَّ هِيَ عَلَى عِدَّةِ حَيْضِهَا مَا كَانَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، فَرَجَعَ حِبَّانُ إلَى أَهْلِهِ فَانْتَزَعَ الْبِنْتَ مِنْهَا، فَلَمَّا قَعَدَتْ الرَّضَاعَ حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ أُخْرَى، ثُمَّ مَاتَ حِبَّانُ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ الثَّالِثَةَ؛ فَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَوَرِثَتْهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِطَرِيقٍ آخَرَ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ زَيْدٍ (أَوْ) حَتَّى (تَصِيرُ آيِسَةً) أَيْ: تَبْلُغُ سِنَّ الْإِيَاسِ (فَتَعْتَدُّ عِدَّتَهَا) لِأَنَّهَا آيِسَةٌ، أَشْبَهَتْ سَائِرَ الْآيِسَاتِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ زَوْجٍ) اخْتَلَفَ مَعَ مُطَلَّقَتِهِ فِي وَقْتِ طَلَاقٍ (إنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ إلَّا بَعْدَ وِلَادَةٍ، أَوْ إلَّا فِي وَقْتِ كَذَا، وَإِلَّا بَعْدَ حَيْضٍ) حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِلْمُطَلَّقَةِ تَشْهَدُ بِدَعْوَاهَا، لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ وَعَدَدِهِ، فَقُبِلَ فِي وَقْتِهِ، وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ؛ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ كَالنِّيَّةِ فِي الْيَمِينِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: صَاحِبِ الْإِقْنَاعِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي أَوَّلِهِ، وَقَالَتْ: بَلْ فِي الطُّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ، أَوْ قَالَتْ: انْقَضَتْ حُرُوفُ الطَّلَاقِ مَعَ انْقِضَاءِ الطُّهْرِ؛ فَوَقَعَ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ، وَقَالَتْ: بَلْ بَقِيَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا انْتَهَى وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ) وَفَائِدَةُ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ جَوَازُ الرَّجْعَةِ، وَبُطْلَانُ نِكَاحِهَا لِلْغَيْرِ فِي مُدَّةِ دَعْوَى بَقَائِهَا. (السَّادِسَةُ) مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ (امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ) أَيْ: مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ، فَلَمْ تَعْلَمْ حَيَاتَهُ وَلَا مَوْتَهُ (فَتَتَرَبَّصُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ مَا تَقَدَّمَ فِي مِيرَاثِهِ) وَهِيَ تَمَامُ تِسْعِينَ سَنَةً مُنْذُ وُلِدَ إنْ كَانَ ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ السَّلَامَةَ، وَأَرْبَعُ سِنِينَ مُنْذُ فُقِدَ إنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكَ كَالْمَفْقُودِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ أَوْ فِي مَفَازَةٍ أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَالَ حَرْبٍ وَنَحْوِهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 568 وَسَاوَتْ الْأَمَةُ هُنَا الْحُرَّةَ، لِأَنَّ تَرَبُّصَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِيُعْلَمَ حَالُهُ مِنْ حَيَاةٍ وَمَوْتٍ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِحَالِ زَوْجَتِهِ (ثُمَّ تَعْتَدُّ) فِي الْحَالَيْنِ (لِلْوَفَاةِ) الْحُرَّةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَالْأَمَةُ نِصْفَ ذَلِكَ (وَلَا يَفْتَقِرُ) ذَلِكَ التَّرَبُّصُ (إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَالْفُرْقَةِ) لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ تَتْبَعُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِمَوْتِهِ وَكَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ (وَلَا) تَفْتَقِرُ (إلَى طَلَاقِ وَلِيِّ زَوْجِهَا بَعْدَ اعْتِدَادِهَا) لِوَفَاةٍ لِتَعْتَدَّ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِوَلِيِّهِ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، وَلِحُكْمِنَا عَلَيْهَا بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ فَلَا يُجَامِعُهَا عِدَّةُ طَلَاقٍ كَمَا لَوْ تُيُقِّنَ مَوْتُهُ (وَيَنْفُذُ حُكْمٌ بِالْفُرْقَةِ ظَاهِرًا) فَقَطْ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا حَكَمَ بِالْفُرْقَةِ نَفَذَ ظَاهِرًا، وَلَوْ لَمْ يَنْفُذْهَا لَمَا كَانَ فِي حُكْمِهِ فَائِدَةٌ (بِحَيْثُ) إنَّ حُكْمَهُ بِالْفُرْقَةِ (لَا يَمْنَعُ) وُقُوعَ (طَلَاقِ الْمَفْقُودِ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالْفُرْقَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هَلَاكُهُ، فَإِذَا عَلِمَتْ حَيَاتَهُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا فُرْقَةَ، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ كَاذِبَةٌ؛ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلُّهُ (وَتَنْقَطِعُ النَّفَقَةُ) عَلَى امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ (بِالْفُرْقَةِ) الْحَاصِلَةِ مِنْ الْحَاكِمِ؛ لِانْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ ظَاهِرًا وَتَنْقَطِعُ (بِشُرُوعِهَا فِي الْعِدَّةِ) أَيْضًا بَعْدَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ الَّتِي ضَرَبَهَا لَهَا الْحَاكِمُ بِالْفُرْقَةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ تَزْوِيجُهَا مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ بِالْفُرْقَةِ؛ لِعَدَمِ افْتِقَارِهَا إلَى الْحُكْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ نَفَقَةَ نَفْسِهَا بِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ نِكَاحِهِ، فَإِنْ قَدِمَ الزَّوْجُ، وَاخْتَارَهَا، رُدَّتْ إلَيْهِ، وَعَادَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ حِينِ الرَّدِّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا جَمِيعِهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَ (لَا) تَنْقَطِعُ النَّفَقَةُ الْجَارِيَةُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الْمَفْقُودِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ الْفُرْقَةِ أَوْ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ أَوْ التَّزْوِيجِ (بِأَنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ وَالصَّبْرَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ) فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا دَامَ حَيًّا مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ ضَرَبَ لَهَا الْحَاكِمُ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ؛ فَلَهَا النَّفَقَةُ فِيهَا لَا فِي الْعِدَّةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 569 (وَمَنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ مَا ذَكَرَ) مِنْ التَّرَبُّصِ الْمَذْكُورِ وَالِاعْتِدَادِ بَعْدَهُ (لَمْ يَصِحَّ) نِكَاحُهَا. (وَلَوْ بَانَ أَنَّهُ) أَيْ الْمَفْقُودَ (كَانَ طَلَّقَ) وَأَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ (أَوْ) بَانَ أَنَّهُ كَانَ (مَيِّتًا) وَأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ انْقَضَتْ (حِينَ التَّزْوِيجِ) أَيْ: قَبْلَهَا؛ لِتَزَوُّجِهَا فِي مُدَّةٍ مَنَعَهَا الشَّرْعُ مِنْ النِّكَاحِ فِيهَا؛ أَشْبَهَتْ الْمُعْتَدَّةَ وَالْمُرْتَابَةَ قَبْلَ زَوَالِ رِيبَتِهَا (وَمَنْ تَزَوَّجَتْ بِشَرْطِهِ) أَيْ: بَعْدَ التَّرَبُّصِ السَّابِقِ وَالْعِدَّةِ (ثُمَّ قَدِمَ) زَوْجُهَا (قَبْلَ وَطْءِ) الزَّوْجِ (الثَّانِي) دَفَعَ إلَيْهِ مَا أَعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ. وَ (رُدَّتْ الْقَادِمَ) لِأَنَّا تَبَيَّنَّا بِقُدُومِهِ بُطْلَانَ نِكَاحِ الثَّانِي، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ فَتُرَدُّ إلَيْهِ؛ لِبَقَاءِ نِكَاحِهِ (وَيُنْفِقُ) عَلَيْهَا الْقَادِمُ (مِنْ حِينِ رَدٍّ) إلَيْهِ كَالنَّاشِزِ إذَا عَادَتْ لِلطَّاعَةِ (وَيُخَيَّرُ) الْمَفْقُودُ (إنْ وَطِئَ الثَّانِي) قَبْلَ قُدُومِهِ (بَيْنَ أَخْذِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ) لِبَقَائِهِ (وَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْ الثَّانِي، وَيَطَأهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ عِدَّةِ الثَّانِي وَبَيْنَ تَرْكِهَا مَعَهُ) أَيْ: الثَّانِي (بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ) لِلثَّانِي؛ لِصِحَّةِ عَقْدِهِ ظَاهِرًا. (قَالَ الْمُنَقِّحُ) : قُلْت: (الْأَصَحُّ بِعَقْدٍ) وَذَلِكَ لِمَا رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَالَا: إنْ جَاءَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ خُيِّرَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ الَّذِي سَاقَ وَهُوَ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَالْأَثْرَمُ؛ وَقَضَى بِهِ الزُّبَيْرُ فِي مَوْلَاةٍ لَهُمْ؛ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي عَصْرِهِمْ، فَكَانَ إجْمَاعًا. قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَعَلَى هَذَا إنْ أَمْسَكَهَا الْأَوَّلُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الثَّانِيَ لَا يَحْتَاجُ إلَى طَلَاقٍ، لِأَنَّ نِكَاحَهُ كَانَ بَاطِلًا فِي الْبَاطِنِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ يَسِيرٍ، وَيَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ اعْتِزَالُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْهَا الْأَوَّلُ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَعَ الثَّانِي، وَلَمْ يَذْكُرُوا لَهَا عَقْدًا جَدِيدًا قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْمُوَفَّقَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لَهَا عَقْدًا؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ عَقْدِهِ بِمَجِيءِ الْأَوَّلِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ عَلَى هَذَا؛ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ فَإِنَّ زَوْجَةَ الْإِنْسَانِ لَا تَصِيرُ زَوْجَةً لِغَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ تَرْكِهِ لَهَا انْتَهَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 570 (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ لِلزَّوْجِ الثَّانِيَ أَخَذُهَا (بَعْدَ طَلَاقِ) الزَّوْجِ (الْأَوَّلِ وَ) بَعْدَ انْقِضَاءِ (عِدَّةِ وَطْئِهِ) إيَّاهَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " وَإِنْ قُلْنَا يَحْتَاجُ الثَّانِي عَقْدًا جَدِيدًا طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ لِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَيَأْخُذُ) الزَّوْجُ الْأَوَّلُ (قَدْرَ الصَّدَاقِ الَّذِي أَعْطَاهَا مِنْ) الزَّوْجِ (الثَّانِي) إذَا تَرَكَهَا لَهُ؛ لِقَضَاءِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ الَّذِي سَاقَ إلَيْهَا هُوَ، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّضَ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ (وَيَرْجِعُ) الزَّوْجُ (الثَّانِي عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى الزَّوْجَةِ (بِمَا) أَيْ: بِالْمَهْرِ الَّذِي (أَخَذَهُ مِنْهُ) الزَّوْجُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ (وَفِيهِ) أَيْ: فِيمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَرْجِعُ عَلَى زَوْجَتِهِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ (نَظَرٌ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَقْضُوا بِالرُّجُوعِ؛ فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ رَوَى أَنَّ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ قَضَيَا فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَدْرِي مَا مَهْلِكُ زَوْجِهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ بَدَا لَهَا، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا، خُيِّرَ إمَّا امْرَأَتُهُ وَإِمَّا الصَّدَاقُ فَإِنْ اخْتَارَ الصَّدَاقَ فَالصَّدَاقُ عَلَى زَوْجِهَا الْآخَرَ، وَثَبَتَ عِنْدَهُ، وَإِنْ اخْتَارَ امْرَأَتَهُ عُزِلَتْ عَنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنْ قَدِمَ زَوْجُهَا وَقَدْ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا الْآخَرُ وَرِثَتْ، وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَتَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَغْرِيرَ مِنْهَا، فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ لِغَيْرِهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَامِدٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ لَزِمَتْ الزَّوْجَ بِسَبَبِ وَطْئِهِ لَهَا، فَرَجَعَ بِهَا كَالْمَغْرُورِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى أَنْ يَلْزَمَهُ مَهْرَانِ بِوَطْءٍ وَاحِدٍ وَالْقَوَاعِدُ تَأْبَاهُ، فَعَلَى الصَّحِيحِ إنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ إلَيْهَا الصَّدَاقَ رَجَعَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 571 لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ حَيْثُ كَانَ مُسَاوٍ لِصَدَاقِهِ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ بَعْضَهُ رَجَعَ بِمَا دَفَعَ. (وَإِنْ لَمْ يَقْدُمْ الْغَائِبُ حَتَّى مَاتَ) الزَّوْجُ (الثَّانِي) مَعَهَا (وَرِثَتْهُ) لِصِحَّةِ نِكَاحِهِ فِي الظَّاهِرِ، (لَا) إنْ مَاتَ (الْأَوَّلُ بَعْدَ تَزَوُّجِهَا بِالثَّانِي) فَلَا تَرِثُهُ؛ لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا مِنْ إرْثِهَا بِتَزَوُّجِهَا بِالثَّانِي (وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قُدُومِ) الْأَوَّلِ (فَإِرْثُهَا لِلثَّانِي) لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ ظَاهِرًا، (وَ) إنْ مَاتَتْ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ قُدُومِ الْأَوَّلِ وَوَطْءِ الثَّانِي (وَلَمْ يَخْتَرْهَا) الْأَوَّلُ (فَكَذَلِكَ) أَيْ: فَإِرْثُهَا لِلثَّانِي (وَإِلَّا) يَتْرُكُهَا (فَ) إرْثُهَا (لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ اخْتَارَهَا، وَحُكْمُ زَوْجَتَيْهِ بَاقٍ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ (هَذَا التَّفْصِيلَ) مَبْنِيٌّ (عَلَى غَيْرِ الْأَصَحِّ) وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ الثَّانِي إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ وَأَمَّا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَصَحَّحَهُ فِي " التَّنْقِيحِ " مِنْ وُجُوبِ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ إذَا تَرَكَهَا الْأَوَّلُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَرِثَ مِنْ الثَّانِي وَلَا أَنْ يَرِثَ مِنْهَا لِبُطْلَانِ نِكَاحِهِ بِظُهُورِ حَيَاةِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ ظَهَرَ مَوْتُهُ بِاسْتِفَاضَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ ثُمَّ قَدِمَ) كَأَنْ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَارُ بِمَوْتِهِ؛ أَوْ شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَلَوْ كَذِبًا فَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ لِلْوَفَاةِ وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَدِمَ (فَكَمَفْقُودٍ فِي تَخْيِيرٍ) يَعْنِي أَنَّهُ مَتَى عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ فِي أَنَّهُ مَتَى حَضَرَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ زَوْجَتُهُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَعْدَ وَطْءِ الزَّوْجِ الثَّانِي (بَيْنَ أَخْذِهَا) مِنْ الثَّانِي بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ حَيَّةً (وَإِرْثِهَا) إنْ كَانَتْ مَاتَتْ وَبَيْنَ تَرْكِهَا لِلزَّوْجِ الثَّانِي وَيَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ صَدَاقِهَا الَّذِي هُوَ مِنْ الثَّانِي وَيَرْجِعُ بِهِ الثَّانِي عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَضْمَنُ الْبَيِّنَةُ) الَّتِي شَهِدَتْ بِوَفَاتِهِ (مَا تَلِفَ مِنْ مَالِهِ) أَيْ مَالِ مَنْ شَهِدَتْ بِوَفَاتِهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا سَبَبُ اسْتِيلَاءِ الْغَيْرِ عَلَى مَالِهِ، (وَ) تَضْمَنُ الْبَيِّنَةُ (مَهْرَ) الزَّوْجِ (الثَّانِي الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ الْأَوَّلُ) لِأَنَّهَا تَسَبَّبَتْ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 572 غُرْمِهِ، وَلِلْمَالِكِ أَيْضًا تَضْمِينُ مَنْ بَاشَرَ إتْلَافَ مَالِهِ لِمُبَاشَرَتِهِ الْإِتْلَافَ. (وَمَتَى فَرَّقَ) الْحَاكِمُ (بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِمُوجِبٍ) يَقْتَضِيهِ (كَ) تَعَذُّرِ (نَفَقَةٍ) مِنْ جِهَةِ زَوْجٍ (وَ) أُخُوَّةِ (رَضَاعٍ) وَعُنَّةٍ (وَرِدَّةِ) زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ (ثُمَّ بَانَ انْتِفَاؤُهُ) أَيْ: الْمُوجِبِ لِلتَّفْرِيقِ (فَكَمَفْقُودٍ) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ الْمَفْقُودِ إذَا تَرَبَّصَتْ زَوْجَتُهُ الْمُدَّةَ الشَّرْعِيَّةَ وَاعْتَدَّتْ تَزَوَّجَتْ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي، وَيُخَيَّرُ بَعْدَ وَطْئِهِ بَيْنَ أَخْذِهَا وَأَخْذِ صَدَاقِهَا الَّذِي أَصْدَقَهَا الثَّانِي ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: خُرُوجُ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ بِالْمُسَمَّى كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَهُوَ أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ؛ ثُمَّ قَالَ: وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَشْهَدَ قَوْمٌ بِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَيُفَرِّقُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَظْهَرُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَكُنْ تَتَعَذَّرُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ مَنْ دَخَلَ بِهَا، فَقِيَاسُ الْمَفْقُودِ أَنْ يُخَيَّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ مَهْرِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ لِكَوْنِهِ عِنِّينًا ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ صُورَةٍ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ لِسَبَبٍ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ انْتِفَاءُ ذَلِكَ السَّبَبِ؛ فَهُوَ يُشْبِهُ الْمَفْقُودَ؛ وَالتَّخْيِيرُ فِيهِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْمَهْرِ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ. (وَمَنْ أَخْبَرَ بِطَلَاقِ) زَوْجٍ (غَائِبٍ وَ) أَخْبَرَ (أَنَّهُ وَكِيلُ) رَجُلٍ (آخَرَ فِي إنْكَاحِهِ بِهَا) أَيْ: الْمُطَلَّقَةِ (وَضَمِنَ الْمَهْرَ) أَيْ: مَهْرَ الرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي إنْكَاحِهِ بِهَا (فَنَكَحَتْهُ) أَيْ: نَكَحَتْ الرَّجُلَ بِمُبَاشَرَةِ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ (ثُمَّ جَاءَ الزَّوْجُ) الْغَائِبُ (فَأَنْكَرَ) مَا ذُكِرَ عَنْهُ مِنْ طَلَاقِهَا (فَهِيَ زَوْجَتُهُ) بَاقِيَةٌ عَلَى نِكَاحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا لَمْ يَرْفَعْهُ (وَلَهَا الْمَهْرُ عَلَى وَاطِئٍ، وَلَهَا مُطَالَبَةُ ضَامِنِ مَهْرٍ بِهِ) فَإِنْ لَمْ يَطَأَ فَلَا مَهْرَ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ: قَوْلُهُ وَمَنْ أَخْبَرَ بِطَلَاقِ غَائِبٍ إلَى آخِرِهِ (فِيمَنْ) أَيْ: زَوْجَيْنِ (لَمْ تَثْبُتْ الزَّوْجِيَّةُ) لَهُمَا (إلَّا بِإِخْبَارِهِ) أَيْ: إخْبَارِ الْمُخْبِرِ بِالطَّلَاقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 573 (فَ) لِذَلِكَ (قُبِلَ قَوْلُهُ فِي زَوَالِهَا) أَيْ: الزَّوْجِيَّةِ لِانْفِرَادِ ثُبُوتِ أَصْلِ الزَّوْجِيَّةِ بِإِخْبَارِهِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ ثَابِتَةً بِدُونِهِ (فَ) لَا يَكْفِي بِمُجَرَّدِ إخْبَارِهِ وَحْدَهُ بِالطَّلَاقِ، بَلْ (لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةِ) رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ بِأَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فُلَانَةَ لِيَصِحَّ عَقْدُ النِّكَاحِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ طَلَّقَ غَائِبٌ) زَوْجَتَهُ (أَوْ مَاتَ) عَنْهَا (اعْتَدَّتْ مُنْذُ زَمَنِ الْفُرْقَةِ) أَيْ: وَقْتِ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ سَوَاءٌ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْعِدَّةِ أَنْ تَسْتَمِرَّ بَعْدَ الْفُرْقَةِ عَلَى حَالِهَا فِي مَنْعِ نِكَاحِ الْغَيْرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْعِدَّةِ، وَهَذِهِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ النِّكَاحِ مُدَّةَ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ، فَوَجَبَ انْقِضَاؤُهَا بِذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ تَحِدَّ) فِيمَا إذَا مَاتَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَرَكَتْ الْإِحْدَادَ قَصْدًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إعَادَةُ الْعِدَّةِ، وَسَوَاءٌ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَخْبَرَهَا مَنْ تَثِقُ بِهِ (لَكِنْ إنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ طَلَّقَ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى الْعِدَّةِ) ، قُبِلَ قَوْلُهُ إنْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ مُتَّهَمٍ كَكَوْنِهِ غَائِبًا فَلَمَّا حَضَرَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ وَ (إنْ كَانَ الزَّوْجُ فَاسِقًا أَوْ مَجْهُولًا) حَالُهُ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الَّتِي) أُخْبِرَ (فِيهَا) أَيْ بِانْقِضَائِهَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ (حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى) . [فَرْعٌ عِدَّةُ مَوْطُوءَة بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا] (فَرْعٌ: عِدَّةُ مَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا) حُرَّةً أَوْ أَمَةً (كَ) عِدَّةِ (مُطَلَّقَةٍ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَقْتَضِي شَغْلَ الرَّحِمِ، فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْهُ كَالْوَطْءِ، فِي النِّكَاحِ (إلَّا أَمَةً غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ فَتُسْتَبْرَأُ) إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (بِحَيْضَةٍ) لِأَنَّ اسْتِبْرَاءَهَا مِنْ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ؛ فَكَذَا غَيْرُهُ (وَلَا يَحْرُمُ) عَلَى زَوْجِ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (زَمَنَ عِدَّةٍ) مِنْ ذَلِكَ (غَيْرَ وَطْءٍ فِي فَرْجٍ) لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا لِعَارِضٍ يَخْتَصُّ الْفَرْجَ، فَأُبِيحَ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا بِمَا دُونَهُ كَالْحَيْضِ (وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحٌ بِزِنًا) نَصًّا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 574 [فَصْلٌ وُطِئَتْ مُعْتَدَّةٌ بِشُبْهَةٍ أَوْ وُطِئَتْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ] فَصْلٌ (وَإِنْ وُطِئَتْ مُعْتَدَّةٌ بِشُبْهَةٍ أَوْ) وُطِئَتْ (بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ) بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَ (أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ) سَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّتُهُ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا مَا لَمْ تَحْمِلْ مِنْ الثَّانِي فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا مِنْهُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ ثُمَّ تُتِمُّ عِدَّةَ الْأَوَّلِ (وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا) أَيْ: عِدَّةِ الْأَوَّلِ (مَقَامُهَا عِنْدَ الثَّانِيَ) بَعْدَ وَطْئِهِ، (وَلَهُ) أَيْ: مَنْ طَلَّقَ رَجْعِيًّا (رَجْعَةُ رَجْعِيَّةٍ فِي التَّتِمَّةِ) أَيْ: تَتِمَّةِ عِدَّتِهِ، لِعَدَمِ انْقِطَاعِ حَقِّهِ مِنْ رَجْعَتِهَا؛ كَمَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ؛ أَوْ زِنًا. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ وَ) لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ رَجْعَتُهَا (فِي زَمَنِ إقَامَتِهَا عِنْدُ) الزَّوْجِ (الثَّانِي) وَيُحْسَبُ مِنْ عِدَّتِهَا مِنْ حِينِ ارْتَجَعَهَا، وَلَا يَضُرُّ مَقَامُهَا عِنْدَ الثَّانِي بَعْدَ عِلْمِهِ بِارْتِجَاعِهَا حَيْثُ كَانَ أَمِينًا عَلَيْهَا وَاعْتَزَلَهَا عِنْدَ مَحَارِمِهِ حَتَّى أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ (ثُمَّ) سَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ، ثُمَّ إذَا فَارَقَهَا بَنَتْ عَلَى عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ، وَلِأَنَّ عِدَّتَهُ وَجَبَتْ عَنْ وَطْءٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَبَعْدَ فَرَاغِهَا مِنْ إتْمَامِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ (تَعْتَدُّ) وُجُوبًا (لِوَطْءِ الثَّانِي) وَلَا تَتَدَاخَلُ الْعِدَّةُ؛ لِخَبَرِ مَالِكٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَضَى فِي الَّتِي تَتَزَوَّجُ فِي عِدَّتِهَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَتُكْمِلُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ، وَتَعْتَدُّ مِنْ الْآخَرِ، وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مَقْصُودَانِ لِآدَمِيَّيْنِ كَالدَّيْنَيْنِ. (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجِ وَالْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ، أَوْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي الَّذِي تَزَوَّجَتْهُ فِي عِدَّتِهَا (بِعَيْنِهِ) كَأَنْ وَلَدَتْهُ (لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 575 ثَانٍ) وَعَاشَ؛ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ (أَوْ فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ إبَانَةِ أَوَّلٍ) فَهُوَ لِلثَّانِي وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ (أَوْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ) أَيْ: بِأَحَدِهِمَا (قَافَةٌ، وَأَمْكَنَ) أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ (بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِنِصْفِ سَنَةٍ، فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْءِ ثَانٍ وَلِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ مِنْ إبَانَةِ أَوَّلٍ لَحِقَهُ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُ) أَيْ: مِمَّنْ أُلْحِقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَضَعَتْهُ فَانْقَضَتْ عِدَّةُ أَبِيهِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ (ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ) الَّذِي لَمْ يُلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ، لِبَقَاءِ حَقِّهِ مِنْ الْعِدَّةِ (وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ) أَيْ: الْوَلَدَ الْقَافَةُ (بِهِمَا) أَيْ: الْوَاطِئَيْنِ (لَحِقَ) بِهِمَا (وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُمَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا، فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِ الْوَاطِئَيْنِ آخَرُ. (وَإِنْ أَشْكَلَ) الْوَلَدُ عَلَى الْقَافَةِ (أَوْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ) أَوْ وُجِدَتْ، وَاخْتَلَفَ قَائِفَانِ (اعْتَدَّتْ بَعْدَ وَضْعِهِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ) لِتَخْرُجَ مِنْ الْعِدَّتَيْنِ بِتَعْيِينٍ، وَإِنْ نَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُمَا وَكَانَ هُنَاكَ فِرَاشٌ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، لَمْ يَنْتَفِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْقَافَةِ تَرْجِيحُ أَحَدِ صَاحِبَيْ الْفِرَاشِ، لَا فِي النَّفْيِ عَنْ الْفِرَاشِ كُلِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فِرَاشٌ كَاللَّقِيطِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي (وَإِنْ وَطِئَهَا مُبِينُهَا فِيهَا) أَيْ: فِي عِدَّتِهَا (عَمْدًا) بِلَا شُبْهَةٍ (فَكَأَجْنَبِيٍّ) تُتْمِمُ الْعِدَّةَ الْأُولَى، ثُمَّ، تَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ الثَّانِيَةَ لِلزِّنَا؛ لِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ مِنْ وَطْئَيْنِ يَلْحَقُ النَّسَبُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ؛ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ رَجُلَيْنِ، وَإِنْ (وَ) طِئَهَا مُبِينُهُمَا (بِشُبْهَةٍ؛ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةً لِلْوَطْءِ وَدَخَلَتْ فِيهَا بَقِيَّةُ الْأُولَى) لِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ مِنْ وَاحِدٍ لوطأين يَلْحَقُ النَّسَبُ فِيهَا لُحُوقًا وَاحِدًا فَتَدَاخَلَا، كَمَا لَوْ طَلَّقَ الرَّجْعِيَّةَ فِي عِدَّتِهَا. (وَيَتَّجِهُ وَ) لَوْ وُطِئَتْ (بِشُبْهَةٍ وَعَمْدٍ) ؛ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ (لَهَا) أَيْ: لِلشُّبْهَةِ (ثُمَّ تَعْتَدُّ لِ) وَطْءِ (الْعَمْدِ) لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ حَمْلٍ، فَيَلْحَقُ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ؛ حِفْظًا لِلنَّسَبِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 576 (وَمَنْ وُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ،) أَوْ زِنًا (ثُمَّ طَلَّقَهَا) طَلَاقًا رَجْعِيًّا (اعْتَدَّتْ لَهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ مُسْتَحَقَّةٌ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَقُدِّمَتْ عَلَى غَيْرِهَا لِقُوَّتِهَا (ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلشُّبْهَةِ) أَوْ لِلزِّنَا لِأَنَّهَا عِدَّةٌ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهَا، فَلَا تَبْطُلُ بِتَقْدِيمِ الْأُخْرَى عَلَيْهَا كَالدَّيْنَيْنِ إذَا قُدِّمَ صَاحِبُ الرَّهْنِ فِي أَحَدِهِمَا. (وَحَرُمَ وَطْءُ زَوْجٍ) زَوْجَةً مَوْطُوءَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (وَلَوْ مَعَ حَمْلٍ مِنْهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (قَبْلَ عِدَّةِ وَاطِئٍ) لِأَنَّهَا عِدَّةٌ قُدِّمَتْ عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ، فَمُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا، فَإِذَا وَلَدَتْ اعْتَدَّتْ لِلشُّبْهَةِ، فَإِذَا انْقَضَتْ حَلَّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا. (وَمَنْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا) فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَتَسْقُطُ نَفَقَةُ رَجْعِيَّةٍ وَسُكْنَاهَا عَنْ الْأَوَّلِ لِنُشُوزِهَا وَ (لَمْ تَنْقَطِعْ) عِدَّتُهَا (بِصُورَةِ عَقْدٍ بَلْ بِوَطْءٍ) الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ بَاطِلٌ لَا تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا، فَإِنْ وَطِئَهَا انْقَطَعَتْ (فَإِذَا فَارَقَهَا) مَنْ تَزَوَّجَهَا، أَوْ فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا (بَنَتْ عَلَى عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ) لِسَبْقِ حَقِّهِ (ثُمَّ اعْتَدَّتْ بِهِ لِلثَّانِي) لِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَلَا تَتَدَاخَلَانِ، وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُ، وَاعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ، وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا فَكَمَا سَبَقَ (وَلِلثَّانِي) أَيْ: الَّذِي تَزَوَّجَتْهُ فِي عِدَّتِهَا، وَوَطِئَهَا (أَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدَ) انْقِضَاءِ (الْعِدَّتَيْنِ) لِأَنَّهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ يَكُونُ نَاكِحًا فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا انْقِضَاءُ عِدَّتِهِ فَلِأَنَّهَا عِدَّةٌ لَمْ تَثْبُتْ لِحَقِّهِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ لَا أَثَرَ لَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ لِحَقِّ الْوَلَدِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ النِّكَاحُ فِيهَا كَعِدَّةِ غَيْرِهِ، وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَنْكِحَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّتَيْنِ كَمَا اقْتَضَاهُ مَفْهُومُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِي لَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا فِي عِصْمَتِهِ؛ فَلَا يَمْنَعُ عَوْدُهَا إلَى عِصْمَتِهِ، لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الثَّانِي كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي الْعِصْمَةِ وَتَقَدَّمَ. (وَتَتَعَدَّدُ) عِدَّةٌ (بِتَعَدُّدِ وَاطِئٍ بِشُبْهَةٍ) لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مَقْصُودَانِ لِآدَمِيَّيْنِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَالدَّيْنَيْنِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الْوَطْءُ مِنْ وَاحِدٍ فَعِدَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَ (لَا) تَتَعَدَّدُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 577 الْعِدَّةُ بِتَعَدُّدِ وَاطِئٍ (بِزِنًا) فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تَتَعَدَّدُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِعَدَمِ لُحُوقِ النَّسَبِ فِيهِ فَيَبْقَى الْقَصْدُ الْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَتَكُونُ أَوَّلُ عِدَّةِ الزَّانِيَةِ مِنْ آخَرِ وَطْءٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ " لِتَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ وَطْءٍ بِزِنًا، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ (وَكَذَا أَمَةٌ) غَيْرُ مُزَوَّجَةٍ (فِي اسْتِبْرَاءٍ) فَيَتَعَدَّدُ الِاسْتِبْرَاءُ بِتَعَدُّدِ وَاطِئٍ بِشُبْهَةٍ لَا بِزِنًا قِيَاسًا عَلَى الْحُرَّةِ. (وَمَنْ طَلُقَتْ طَلْقَةً) رَجْعِيَّةً (فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى طَلُقَتْ) طَلْقَةً (أُخْرَى) وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا (بَنَتْ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا لِأَنَّهُمَا طَلَاقَانِ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا وَطْءٌ وَلَا رَجْعَةٌ أَشْبَهَا الطَّلْقَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (وَإِنْ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ (اسْتَأْنَفَتْ) عِدَّةً لِلطَّلَاقِ الثَّانِي، لِأَنَّ الرَّجْعَةَ أَزَالَتْ شَعَثَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَأَعَادَتْ الْمَرْأَةَ إلَى النِّكَاحِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ (كَفَسْخِهَا) أَيْ: الرَّجْعِيَّةِ النِّكَاحَ (بَعْدَ رَجْعَةٍ لِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَعُنَّةٍ أَوْ إيلَاءٍ، فَإِنْ فَسَخَتْ بِلَا رَجْعَةٍ بَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ أَبَانَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا؛ بَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ طَلَاقِهَا) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ فِي نِكَاحٍ ثَانٍ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْخَلْوَةِ؛ فَلَمْ يُوجِبْ عِدَّةً؛ لِعُمُومِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الْآيَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إعَادَةٌ إلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ؛ فَالطَّلَاقُ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ طَلَاقٌ عَنْ نِكَاحٍ وَاحِدٍ فَكَانَ اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ فِي ذَلِكَ أَظْهَرَ؛ لِأَنَّهَا مَدْخُولٌ بِهَا، وَلَوْلَا الدُّخُولُ لَمَا كَانَتْ رَجْعِيَّةً، وَالطَّلَاقُ فِي الْبَائِنِ بَعْدَ النِّكَاحِ طَلَاقٌ عَنْ نِكَاحٍ مُتَجَدِّدٍ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ دُخُولٌ، وَلِذَلِكَ يَتَنَصَّفُ فِيهِ الْمَهْرُ؛ فَكَانَ الْبِنَاءُ فِيهِ أَظْهَرَ. (وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) أَيْ: الْبَائِنِ (قَبْلَ طَلَاقِهِ) ثَانِيًا وَقَدْ نَكَحَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا (فَلَا عِدَّةَ لَهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 578 عَنْ نِكَاحٍ لَا دُخُولَ فِيهِ وَلَا خَلْوَةَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ تَبْنِي عَلَيْهِ. [فَرْعٌ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ] (فَرْعٌ مَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً) أَوْ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ الْوَاطِئُ وَالْمَوْطُوءَةُ (عَالِمَيْنِ) بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ (فَ) هُمَا (زَانِيَانِ) عَلَيْهِمَا حَدُّ الزِّنَا وَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ، وَلَا نَظَرَ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ، بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ زِنًا؛ فَإِنَّ نِكَاحَهَا فَاسِدٌ، وَالْوَطْءُ فِيهِ حُكْمُهُ حُكْمُ وَطْءِ الشُّبْهَةِ، لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا، وَمَحَلُّ سُقُوطِ مَهْرِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ أَمَةً، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يَسْقُطْ؛ لِأَنَّهُ لِسَيِّدِهَا، فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا، وَلَا يَلْحَقُهُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِنًا. (وَ) إنْ كَانَ النَّاكِحُ وَالْمَنْكُوحَةُ (جَاهِلَيْنِ) بِالْعِدَّةِ أَوْ التَّحْرِيمِ؛ (فَلَا) حَدَّ عَلَيْهِمَا، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ، (وَ) إنْ كَانَ (عَالِمًا هُوَ) دُونَهَا (حُدَّ بِهِ) لِلزِّنَا (وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا) بِمَا نَالَ مِنْ فَرْجِهَا، (وَلَا) يَلْحَقُهُ (نَسَبٌ) لِأَنَّهُ زَانٍ، (وَ) إنْ كَانَتْ (عَالِمَةً هِيَ) دُونَهُ (لَحِقَهُ النَّسَبُ) لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ (وَلَزِمَهَا الْحَدُّ، وَلَا مَهْرَ) لَهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً، لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ. [فَصْلٌ الْإِحْدَاد فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا عَلَى مَيِّتٍ] فَصْلٌ: (يَحْرُمُ إحْدَادٌ فَوْقَ ثَلَاثِ) لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا (عَلَى مَيِّتٍ غَيْرِ زَوْجٍ) لِحَدِيثِ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٌ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيَجِبُ) الْإِحْدَادُ (عَلَى زَوْجَةٍ) أَيْ: الْمَيِّتِ (بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهَا كَانَتْ تَحِلُّ لَهُ وَيَحِلُّ لَهَا فَتَحْزَنُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ فَلَيْسَتْ زَوْجَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 579 شَرْعًا (وَلَوْ) كَانَتْ (ذِمِّيَّةً) وَالزَّوْجُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، (أَوْ) كَانَتْ (أَمَةً) وَالزَّوْجُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ، (أَوْ) كَانَتْ (غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ) وَالزَّوْجُ مُكَلَّفٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَيُجَنِّبُهَا وَلِيُّهَا مَا تَجْتَنِبُهُ الْمُكَلَّفَةُ (زَمَنَ عِدَّةٍ) لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ، وَلِتَسَاوِيهَا فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَحُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا يَجِبُ عَلَى بَائِنٍ بِطَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ فَسْخٍ. (وَيَجُوزُ) الْإِحْدَادُ (لِبَائِنٍ) إجْمَاعًا، لَكِنْ لَا يُسَنُّ لَهَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ " (وَهُوَ) أَيْ: الْإِحْدَادُ (تَرْكُ زِينَةٍ وَ) تَرْكُ (طِيبٍ كَزَعْفَرَانٍ وَلَوْ كَانَ بِهَا سُقُمٌ) لِأَنَّ الطِّيبَ يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ، وَيَدْعُو إلَى الْمُبَاشَرَةِ، فَلَا يَحِلُّ لَهَا اسْتِعْمَالُ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْبَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَدْهَانَ بِذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ لِلطِّيبِ. (وَ) تَرْكُ (لُبْسَ حُلِيٍّ وَلَوْ خَاتَمًا) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَلَا الْحُلِيَّ " وَلِأَنَّ الْحُلِيَّ يَزِيدُ حُسْنَهَا وَيَدْعُو إلَى مُبَاشَرَتِهَا (وَ) تَرْكُ لُبْسِ (مُلَوَّنٍ مِنْ ثِيَابِ الزِّينَةِ كَأَحْمَرَ وَأَصْفَرَ وَأَخْضَرَ وَأَزْرَقَ صَافِيَيْنِ وَمَا صُبِغَ قَبْلَ نَسْجٍ كَاَلَّذِي) صُبِغَ (بَعْدَهُ وَ) تَرْكُ (تَحْسِينٍ بِحِنَّاءٍ أَوْ أسفيداج أَوْ تَكْحِيلٍ) بِكُحْلٍ (أَسْوَدَ فَقَطْ بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ) ، فَإِنْ كَانَ بِهَا حَاجَةٌ إلَيْهِ، جَازَ، وَلَهَا اكْتِحَالٌ بِنَحْوِ تُوتْيَا (وَ) تَرْكُ (ادِّهَانٍ بِ) دُهْنٍ (مُطَيِّبٍ) كَزَبَادٍ وَنَحْوِهِ (وَ) تَرْكُ (تَحْمِيرِ وَجْهٍ) وَحَفِّهِ وَنَقْشِهِ (وَتَنْظِيفِهِ وَتَخْطِيطِهِ؛ لِمَا رَوَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) وَلَا نَكْتَحِلُ وَلَا نَتَطَيَّبُ وَلَا نَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ.» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا لَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إلَّا إذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْعَصْبُ ثِيَابٌ يَمَنِيَّةٌ فِيهَا بَيَاضٌ وَسَوَادٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 580 يُصْبَغُ غَزْلُهَا ثُمَّ يُنْسَجُ قَالَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ نَبْتٌ يُصْبَغُ بِهِ. (وَلَا تُمْنَعُ) مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَفَاةٍ (مِنْ صُبْرٍ) تَطْلِي بِهِ بَدَنَهَا لِأَنَّهُ لَا طِيبَ فِيهِ (إلَّا فِي الْوَجْهِ) فَلَا تَطْلِي بِهِ وَجْهَهَا؛ لِحَدِيثِ «أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلْت عَلَى عَيْنِي صُبْرًا فَقَالَ: مَاذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ فَقَالَتْ: إنَّمَا هُوَ صُبْرٌ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ قَالَ: إنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ لَا تَجْعَلِيهِ إلَّا بِاللَّيْلِ، وَتَنْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ، وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ؛ فَإِنَّهُ خِضَابٌ.» (وَلَا) تُمْنَعُ مِنْ (لُبْسِ أَبْيَضَ وَلَوْ) كَانَ الْأَبْيَضُ (حَرِيرًا) لِأَنَّ حُسْنَهُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، فَلَا يَلْزَمُ تَغْيِيرُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَسَنَةَ الْخِلْقَةِ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَغَيَّرَ نَفْسَهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَتَشْوِيهَهَا نَفْسَهَا (وَلَا) تُمْنَعُ (مِنْ مُلَوَّنٍ لِدَفْعِ وَسَخٍ كَكُحْلِيِّ) وَأَسْوَدَ وَأَخْضَرَ غَيْرَ صَافٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعَصْبِ، وَهُوَ مُسْتَثْنًى فِي الْخَبَرِ، (وَلَا) تُمْنَعُ (مِنْ نِقَابٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَالْمُحْرِمَةُ مُنِعَتْ مِنْهُ لِمَنْعِهَا مِنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهَا، (وَ) لَا تُمْنَعُ مِنْ (أَخْذِ ظُفُرٍ وَنَتْفِ إبْطٍ) وَأَخْذِ عَانَةٍ (وَلَا مِنْ تَنْظِيفٍ وَغُسْلٍ بِسِدْرٍ) وَامْتِشَاطٍ (وَدُخُولِ حَمَّامٍ) لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلزِّينَةِ (وَ) لَا طِيبَ فِيهِ، وَلَا تُمْنَعُ مِنْ (إدْخَالِ طِيبٍ بِفَرْجِ حَائِضٍ وَتَزْيِينٍ فِي فُرُشٍ وَبُسُطٍ وَسُتُورٍ وَأَثَاثِ بَيْتٍ، لِأَنَّ الْإِحْدَادَ فِي الْبَدَنِ) فَقَطْ، لَا فِي الْفُرُشِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فِيهَا. (وَتَجِبُ عِدَّةُ) وَفَاةٍ (بِمَنْزِلٍ مَاتَ زَوْجُهَا) وَهِيَ سَاكِنَةٌ (فِيهِ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمْ، «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ: اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، فَاعْتَدَدْت فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ أَرْسَلَ إلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَتْهُ، فَاتَّبَعَهُ، وَقَضَى بِهِ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَلَوْ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 581 كَانَ الْمَنْزِلُ الَّذِي مَاتَ زَوْجُهَا فِيهِ (مُعَارًا إنْ تَبَرَّعَ وَرَثَةٌ: أَوْ) تَبَرَّعَ (أَجْنَبِيٌّ بِإِسْكَانِهَا) فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَطَوَّعَ بِهِ السُّلْطَانُ وَلَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَلَا عَلَى الْوَرَثَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ لِلتَّمْكِينِ وَالِاسْتِمْتَاعِ وَقَدْ فَاتَ (وَحَرُمَ تَحَوُّلُهَا) أَيْ الْمُعْتَدَّةِ لِوَفَاةٍ (مِنْ مَسْكَنٍ وَجَبَتْ فِيهِ) الْعِدَّةُ (إلَّا لِحَاجَةٍ) تَدْعُو إلَى خُرُوجِهَا مِنْهُ كَخُرُوجِهَا (لِخَوْفٍ) عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَا لَهَا (وَلِحَقٍّ) وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ لِأَجْلِهِ (وَتَحْوِيلُ مَالِكِهِ) أَيْ: الْمَسْكَنِ (لَهَا) أَيْ: الْمُعْتَدَّةِ لِوَفَاةٍ أَوْ خَشْيَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ عَدُوٍّ بِهِ، فَتَنْتَقِلُ لِأَنَّهَا حَالَةُ عُذْرٍ (وَيَتَّجِهُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ) أَيْ: مَالِكِ الْمَنْزِلِ تَحْوِيلُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِإِسْكَانِهَا فِي مَنْزِلِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَكَطَلَبِهِ) أَيْ: مَالِكِ الْمَسْكَنِ مِنْ مُعْتَدَّةٍ لِوَفَاةٍ (فَوْقَ أُجْرَتِهِ) الْمُعْتَادَةِ (أَوْ لَا تَجِدُ) الْمُعْتَدَّةُ لِوَفَاةٍ (مَا) أَيْ: مَالًا (تَكْتَرِي بِهِ إلَّا مِنْ مَالِهَا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ السُّكْنَى لَا تَحْصِيلَ الْمَسْكَنِ؛ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ السُّكْنَى سَقَطَتْ (فَيَجُوزُ تَحَوُّلُهَا حَيْثُ شَاءَتْ) لِسُقُوطِ الْوَاجِبِ لِلْعُذْرِ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِالِاعْتِدَادِ فِي مُعَيَّنٍ غَيْرَهُ، فَاسْتَوَى فِي ذَلِكَ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ (أَوْ تُحَوَّلُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مُعْتَدَّةٌ لِوَفَاةٍ (لِأَذَاهَا) لِجِيرَانِهَا؛ وَلَا يُحَوَّلُ (مَنْ حَوْلَهَا) دَفْعًا لِأَذَاهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ دَفْعًا لِأَذَاهُمْ فَيُحَوَّلُونَ (فَيُؤْخَذُ مِنْهُ تُحَوَّلُ جَارِ) السُّوءِ (وَمَنْ يُؤْذِي جِيرَانَهُ) وَمَرَّ فِي الْبَيْعِ أَنَّ جَارَ السُّوءِ عَيْبٌ؛ بَلْ هُوَ مِنْ أَقْبَحِ الْعُيُوبِ (وَيَلْزَمُ) مُعْتَدَّةً (مُنْتَقِلَةً) مِنْ مَسْكَنٍ وَجَبَتْ فِيهِ الْعِدَّةُ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَى نَقْلِهَا (الْعَوْدُ إلَيْهِ) لِتُتِمَّ عِدَّتَهَا فِيهِ تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ. (وَتَنْقَضِي) الْعِدَّةُ لِلْوَفَاةِ (بِمُضِيِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 582 الزَّمَانِ) الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ (حَيْثُ كَانَتْ) لِأَنَّ الْمَكَانَ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الِاعْتِدَادِ. (وَلَا تَخْرُجُ) مُعْتَدَّةٌ لِوَفَاةٍ (إلَّا نَهَارًا) لِمَا رَوَى مُجَاهِدٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تُحِدِّينَ عِنْدَ إحْدَاكُنَّ حَتَّى إذَا أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلْتَأْتِ كُلُّ وَاحِدَةٍ إلَى بَيْتِهَا» وَلِأَنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ الْفَسَادِ، وَلَا تَخْرُجُ نَهَارًا (إلَّا حَاجَتَهَا) مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا (وَلَوْ وَجَدَتْ مَنْ يَقْضِيهَا) فَلَا تَخْرُجُ لِحَاجَةٍ غَيْرَهَا وَلَا لِعِيَادَةٍ وَزِيَادَةٍ وَنَحْوِهِمَا (وَلَيْسَ لَهَا الْمَبِيتُ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا) لِخَبَرِ مُجَاهِدٍ. (وَأَمَةٌ كَحُرَّةٍ) فِي الْإِحْدَادِ وَالِاعْتِدَادِ فِي مَنْزِلِهَا؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ (لَكِنَّ لِسَيِّدٍ إمْسَاكَهَا نَهَارًا) لِلْخِدْمَةِ (وَيُرْسِلُهَا لَيْلًا) لِتَبِيتَ بِمُسْكِنِ الزَّوْجِ؛ فَإِنْ أَرْسَلَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا اعْتَدَّتْ زَمَانَهَا كُلَّهُ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي مَاتَ زَوْجُهَا بِهِ لِإِسْقَاطِ السَّيِّدِ حَقَّهُ فَزَالَ الْمُعَارِضُ. [تَتِمَّةٌ الْبَدْوِيَّةُ كَالْحَضَرِيَّةِ فِي لُزُومِ الْمَوْضِعِ الَّذِي مَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ بِهِ] ِ، فَإِنْ انْتَقَلَتْ الْحِلَّةُ انْتَقَلَتْ مَعَهُمْ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ انْتَقَلَ غَيْرُ أَهْلِ الْمَرْأَةِ لَزِمَهَا الْمُقَامُ مَعَ أَهْلِهَا، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى انْتِقَالِهَا، وَإِنْ انْتَقَلَ أَهْلُهَا انْتَقَلَتْ مَعَهُمْ لِلْحَاجَةِ، وَإِنْ هَرَبَ أَهْلُهَا فَخَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا هَرَبَتْ مَعَهُمْ لِلْحَاجَةِ؛ فَإِنْ أَمِنَتْ أَقَامَتْ لِقَضَاءِ الْعِدَّةِ فِي مَنْزِلِهَا، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الِانْتِقَالِ، وَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ السَّفِينَةِ وَامْرَأَتُهُ فِيهَا وَلَهُ مَسْكَنٌ فِي الْبَرِّ فَكَمُسَافِرَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَسْكَنٌ سِوَى السَّفِينَةِ وَكَانَ لَهَا فِيهَا بَيْتٌ يُمْكِنُهَا السُّكْنَى فِيهِ بِحَيْثُ لَمْ تَجْتَمِعْ مَعَ الرِّجَالِ وَأَمْكَنَهَا الْمُقَامُ فِيهِ بِحَيْثُ تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا وَمَعَهَا مُحْرِمُهَا لَزِمَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِهِ لِأَنَّهُ كَالْمَنْزِلِ الَّذِي مَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ بِهِ؛ وَإِنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ ضَيِّقَةً وَلَيْسَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَا يُمْكِنُهَا الْمُقَامُ إلَّا فِيهَا بِحَيْثُ تَخْتَلِطُ مَعَ الرِّجَالِ لَزِمَهَا الِانْتِقَالُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا؛ لِتَعَذُّرِ الْإِقَامَةِ بِهَا عَلَيْهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 583 (وَمَنْ سَافَرَتْ) زَوْجَتُهُ (وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ أَوْ) سَافَرَتْ (مَعَهُ لِنَقْلِهِ) مِنْ بَلَدِهِ (إلَى بَلَدٍ) أُخْرَى (فَمَاتَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ بِنَاءِ) الْبَلَدِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ رَجَعَتْ وَاعْتَدَّتْ بِمَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُقِيمَةِ (أَوْ) سَافَرَتْ (لِغَيْرِ نَقْلِهِ) كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ. (وَلَوْ) كَانَ سَفَرُهَا (لِحَجٍّ، وَلَمْ تُحْرِمْ وَمَاتَ قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ) رَجَعَتْ (وَاعْتَدَّتْ بِمَنْزِلِهِ) لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: تُوُفِّيَ أَزْوَاجٌ نِسَاؤُهُنَّ حَاجَّاتٌ أَوْ مُعْتَمِرَاتٌ، فَرَدَّهُنَّ عُمَرُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى يَعْتَدِدْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ. وَلِأَنَّهَا أَمْكَنَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهَا قَبْلَ أَنْ تَبْعُدَ، فَلَزِمَهَا كَمَا لَوْ لَمْ تُفَارِقْ الْبُنْيَانَ (وَ) إنْ مَاتَ زَوْجُهَا (بَعْدَ مُفَارَقَةِ) بُنْيَانٍ إنْ كَانَ سَفَرُهَا لِنَقْلِهِ (أَوْ) بَعْدَ مَسَافَةِ (قَصْرٍ) إنْ كَانَ لِغَيْرِ نَقْلِهِ (تُخَيَّرُ بَيْنَ رُجُوعٍ) فَتَعْتَدُّ بِمَنْزِلِهَا (وَ) بَيْنَ (مُضِيٍّ) إلَى مَقْصِدِهَا، لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَلَدَيْنِ صَارَ مَنْزِلًا لَهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ سَاكِنَةً بِالْأَوَّلِ ثُمَّ عَنْ كَوْنِهِ مَنْزِلًا لَهَا بِإِذْنِهِ فِي الِانْتِقَالِ عَنْهُ كَمَا لَوْ حَوَّلَهَا قَبْلَهُ، وَالثَّانِي لَمْ يَصِرْ مَنْزِلَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَسْكُنْهُ وَحَيْثُ مَضَتْ أَقَامَتْ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَإِنْ كَانَ خُرُوجُهَا لِنُزْهَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ قَبْلَ مَوْتِهِ قَدَّرَ لَهَا مُدَّةً أَقَامَتْ ثَلَاثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الضِّيَافَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدَّرَ لَهَا مُدَّةً فَلَهَا إقَامَتُهَا اسْتِصْحَابًا لِلْإِذْنِ، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّتُهَا أَوْ قَضَتْ حَاجَتَهَا وَلَمْ يُمْكِنْهَا الرُّجُوعُ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ كَعَدَمِ مَحْرَمٍ إذَا كَانَتْ مَسَافَةُ قَصْرٍ، أَتَمَّتْ الْعِدَّةَ فِي مَكَانِهَا لِلْعُذْرِ. وَإِنْ أَمْكَنَهَا الرُّجُوعُ لَكِنْ لَا يُمْكِنُهَا الرُّجُوعُ إلَى مَنْزِلِهَا - وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ شَيْءٌ - لَزِمَهَا الْعَوْدُ لِتَأْتِي بِهِ فِي مَكَانِهَا، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِي الْحَجِّ، أَوْ كَانَتْ حَجَّتُهَا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ (فَأَحْرَمَتْ وَلَوْ) كَانَ إحْرَامُهَا (قَبْلَ مَوْتِهِ) قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ (وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ) بَيْنَ اعْتِدَادِهَا بِمَنْزِلِهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ بِأَنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لَهُمَا (عَادَتْ) لِمَنْزِلِهَا فَاعْتَدَّتْ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ تُحْرِمْ (وَإِلَّا) يُمْكِنُهَا الْجَمْعُ بِأَنْ كَانَ الْوَقْتُ لَا يَتَّسِعُ لَهُمَا (قُدِّمَ حَجٌّ مَعَ بُعْدِ) هَا عَنْ بَلَدِهَا بِأَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 584 كَانَتْ سَافَرَتْ (مَسَافَةَ قَصْرٍ) فَأَكْثَرَ، لِوُجُوبِ الْحَجِّ بِالْإِحْرَامِ، وَفِي مَنْعِهَا مِنْ إتْمَامِ سَفَرِهَا ضَرَرٌ عَلَيْهَا بِتَضْيِيعِ الزَّمَانِ وَالنَّفَقَةِ وَمَنْعِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَمَتَى رَجَعَتْ رَجَعَتْ مِنْ الْحَجِّ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا شَيْءٌ - أَتَمَّتْهُ فِي مَنْزِلهَا (وَإِلَّا) تَبْعُدُ مَسَافَةَ قَصْرٍ وَقَدْ أَحْرَمَتْ (فَالْعِدَّةُ) تُقَدِّمُهَا (حَيْثُ لَا ضَرَرَ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُقِيمَةِ (وَتَتَحَلَّلُ لِفَوَاتِهِ) أَيْ: الْحَجِّ (بِعُمْرَةٍ) فَتَبْقَى عَلَى إحْرَامِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثُمَّ تُسَافِرُ لِلْعُمْرَةِ فَتَأْتِي بِهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَوَاتِ وَفِي " الْمُغْنِي " إنْ أَمْكَنَهَا السَّفَرُ تَحَلَّلَتْ بِعُمْرَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا فَهِيَ كَالْمُحْصَرَةِ الَّتِي يَمْنَعُهَا زَوْجُهَا مِنْ السَّفَرِ فَتَتَحَلَّلُ تَحَلُّلَ الْمُحْصَرَةِ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَحُكْمُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ كَذَلِكَ إذَا خِيفَ فَوَاتُ الرُّفْقَةِ أَوْ لَمْ يُخَفْ. (وَتَعْتَدُّ بَائِنٌ) بِطَلْقَةٍ أَوْ أَكْثَرَ (بِمَكَانٍ مَأْمُونٍ مِنْ الْبَلَدِ) الَّذِي بَانَتْ بِهِ (حَيْثُ شَاءَتْ) مِنْهُ نَصًّا؛ لِحَدِيثِ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَعْتَدَّ فِي أَهْلِي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَا تَبِيتُ إلَّا بِهِ) أَيْ: بِالْمَأْمُونِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي شَاءَتْهُ (وُجُوبًا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا تُسَافِرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) لِمَا فِي الْبَيْتُوتَةِ بِغَيْرِ مَنْزِلِهَا وَسَفَرِهَا إلَى غَيْرِ بَلَدِهَا مِنْ التَّبَرُّجِ وَالتَّعَرُّضِ لِلرِّيبَةِ. (وَإِنْ سَكَنَتْ) بَائِنٌ (عُلُوًّا) وَمُبِينٌ فِي السُّفْلِ؛ أَوْ سَكَنَتْ (سُفْلًا وَ) سَكَنَ (مُبِينٌ فِي الْآخَرِ وَبَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ) جَازَ كَمَا لَوْ كَانَا بِحُجْرَتَيْنِ مُتَجَاوِرَتَيْنِ (أَوْ) كَانَ (مَعَهَا مَحْرَمٌ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ (جَازَ) لِتَحَفُّظِهَا بِمَحْرَمِهَا وَتَرْكُهُ أَوْلَى قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ الْمَحْرَمِ، لِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ مُحَرَّمَةٌ (وَإِنْ أَرَادَ) مُبِينُهَا (إسْكَانَهَا بِمَنْزِلِهِ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ مَنْزِلِهِ مِمَّا (يَصْلُحُ لَهَا) سَكَنًا (تَحْصِينًا لِفِرَاشِهِ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ) مِنْ رُؤْيَةِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ رُؤْيَتُهُ أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا وَنَحْوِهِ (لَزِمَهَا) ذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِيهِ، وَضَرَرُهُ عَلَيْهِ؛ فَكَانَ إلَى اخْتِيَارِهِ كَسَائِرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 585 الْحُقُوقِ. (وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ مَرِيدَ الْإِسْكَانِ (نَفَقَةٌ كَمُعْتَدَّةٍ) لِوَطْءٍ (بِشُبْهَةٍ أَوْ) مِنْ (نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ مُسْتَبْرَأَةٍ لِعِتْقٍ) فَيَجِبُ السُّكْنَى عَلَيْهَا بِمَا يَخْتَارُهُ الْوَاطِئُ أَوْ السَّيِّدُ تَحْصِينًا لِفِرَاشِهِ بِلَا مَحْذُورٍ، وَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ وَلَا الْوَاطِئَ إسْكَانُهَا حَيْثُ لَا حَمْلَ (وَرَجْعِيَّةٌ فِي لُزُومِ مَنْزِلٍ) طَلَّقَهَا إلَّا فِي الْإِحْدَادِ (كَمُتَوَفَّى عَنْهَا) زَوْجُهَا نَصًّا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1] سَوَاءٌ أَذِنَ لَهَا الْمُطَلِّقُ فِي الْخُرُوجِ أَوْ لَا، لِأَنَّ مِنْ حُقُوقِهِ الْعِدَّةَ وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُمْكِنُ الزَّوْجُ إسْقَاطَ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا كَمَا لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا. (وَإِنْ امْتَنَعَ مَنْ) أَيْ: زَوْجٌ أَوْ مُبِينٌ (لَزِمَهُ سُكْنَى كَزَوْجِ رَجْعِيَّةٍ وَبَائِنٍ حَامِلٍ أُجْبِرَ) أَيْ: أَجْبَرَهُ حَاكِمٌ بِطَلَبِ مَنْ وَجَبَتْ لَهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ (وَإِنْ غَابَ) مِنْ لَزِمَتْهُ السُّكْنَى (اكْتَرَى عَنْهُ حَاكِمٌ مِنْ مَالِهِ) مَسْكَنًا لَهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ (أَوْ افْتَرَضَ) الْحَاكِمُ (عَلَيْهِ) إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا أُجْرَةَ الْمَسْكَنِ (أَوْ فَرَضَ) الْحَاكِمُ (أُجْرَتَهُ) أَيْ: السُّكْنَى لِتُؤْخَذَ مِنْهُ إذَا حَضَرَ (وَإِنْ اكْتَرَتْهُ) أَيْ: الْمَسْكَنَ مَنْ وَجَبَتْ لَهَا السُّكْنَى بِإِذْنِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَوْ بِإِذْنِ حَاكِمٍ إنْ عَجَزَتْ عَنْ اسْتِئْذَانِهِ أَوْ بِدُونِ إذْنِهِ وَإِذْنِ حَاكِمٍ وَلَوْ مَعَ قُدْرَةٍ عَلَى اسْتِئْذَانِ حَاكِمٍ حَيْثُ كَانَ اكْتِرَاؤُهَا (بِنِيَّةِ رُجُوعٍ) رَجَعَتْ بِمِثْلِ مَا اكْتَرَتْ بِهِ؛ لِقِيَامِهَا عَنْهُ بِوَاجِبٍ كَسَائِرِ مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا وَاجِبًا بِنِيَّةِ رُجُوعٍ (أَوْ سَكَنَتْ بِمِلْكِهَا) بِنِيَّةِ رُجُوعٍ عَلَيْهِ بِأُجْرَةٍ (رَجَعَتْ مَعَ غَيْبَتِهِ) أَوْ مَنْعِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ (بِأُجْرَةِ مَسْكَنٍ وَكِرَاءٍ) لِوُجُوبِ إسْكَانِهَا عَلَيْهِ، وَلَوْ سَكَنَتْ بِمِلْكِهَا (أَوْ) اكْتَرَتْ مَسْكَنًا (مَعَ حُضُورِهِ وَسُكُوتِهِ؛ فَلَا) طَلَبَ لَهَا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَائِبٍ وَلَا مُمْتَنِعٍ وَلَا أَذِنَ (كَمَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مَنْ لَزِمَتْ غَيْرَهُ نَفَقَتُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 586 [بَابُ اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ] ِ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ الْبَرَاءَةِ أَيْ: التَّمْيِيزِ وَالِانْقِطَاعِ، يُقَالُ بَرِئَ اللَّحْمُ مِنْ الْعَظْمِ إذَا قُطِعَ عَنْهُ وَفُصِلَ، وَخُصَّ بِالْأَمَةِ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا مِنْ الْحَمْلِ، وَالْحُرَّةُ إنْ شَارَكَتْ الْأَمَةَ فِي ذَلِكَ فَهِيَ مُفَارِقَةٌ لَهَا فِي التَّكْرَارِ، فَلِذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا لَفْظُ الْعِدَّةِ (وَهُوَ قَصْدٌ) أَيْ تَرَبُّصٌ شَأْنُهُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ (عِلْمَ بَرَاءَةِ رَحِمِ مِلْكِ يَمِينٍ) مِنْ قِنٍّ وَمُكَاتَبَةٍ وَمُدَبَّرَةٍ وَأُمَّ وَلَدٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ (حُدُوثًا) أَيْ: عِنْدَ حُدُوثِ مِلْكٍ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ (أَوْ) نَحْوِهِمَا (أَوْ زَوَالًا) أَيْ: عِنْدَ إدَارَةِ زَوَالِ الْمِلْكِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ زَوَالِ اسْتِمْتَاعِهِ بِأَنْ أَرَادَ بِهِ تَزْوِيجَهَا (مِنْ حَمْلٍ) مُتَعَلِّقٍ بِبَرَاءَةٍ (غَالِبًا) وَقَدْ يَكُونُ تَعَبُّدًا (بِوَضْعِ) حَمْلٍ مُتَعَلِّقٍ بِعِلْمٍ (أَوْ بِحَيْضَةٍ أَوْ بِشَهْرٍ أَوْ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ أَوْ خَمْسِينَ سَنَةً وَشَهْرًا) وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ قُبَيْلَ آخِرِ الْبَابِ، وَخُصَّ الِاسْتِبْرَاءُ بِهَذَا الِاسْمِ لِتَقْدِيرِهِ بِأَقَلَّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ وَتَعَدُّدٍ، بِخِلَافِ الْعِدَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِ مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلِأَبِي سَعِيدٍ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ مَرْفُوعًا «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (وَيَجِبُ) الِاسْتِبْرَاءُ (فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ) فَقَطْ بِالِاسْتِقْرَاءِ (أَحَدُهَا إذَا مُلِكَ ذَكَرٌ وَلَوْ كَانَ طِفْلًا) بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ وَنَحْوِهِ (مِنْ) أَيْ: أَمَةٍ (يُوطَأُ مِثْلُهَا) بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا (وَلَوْ) مُسَيَّبَةً أَوْ (لَمْ تَحِضْ) لِصِغَرٍ أَوْ إيَاسٍ (حَتَّى) وَلَوْ مَلَكَهَا (مِنْ طِفْلٍ وَأُنْثَى لَمْ يَحِلَّ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا وَلَوْ بِقُبْلَةٍ وَنَظَرٍ لِشَهْوَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) لِمَا تَقَدَّمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 587 وَكَالْعِدَّةِ. قَالَ أَحْمَدُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْعَذْرَاءَ تَحْمِلُ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ: نَعَمْ قَدْ كَانَ فِي جِيرَانِنَا. وَمُقَدِّمَاتُ الْوَطْءِ مِثْلُهُ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ كَوْنُهَا حَامِلًا مِنْ بَائِعِهَا، فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِأُمِّ وَلَدِ غَيْرِهِ، وَفِي " الْهَدْيِ " لَا يُمْنَعُ إلَّا مِنْ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، وَهُوَ أَظْهَرُ دَلِيلًا، وَأَشْبَهُ بِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. (فَإِنْ عَتَقَتْ قَبْلَهُ) أَيْ: الِاسْتِبْرَاءِ (لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْكِحَهَا، وَلَمْ يَصِحَّ) نِكَاحُهَا مِنْهُ إنْ تَزَوَّجَهَا (حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) لِأَنَّهُ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ، فَحَرُمَ تَزْوِيجُهَا بَعْدَهُ كَالْمُعْتَدَّةِ (وَلَيْسَ لَهَا نِكَاحُ غَيْرِهِ) أَيْ: سَيِّدِهَا (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَائِعُهَا) كَالْمُعْتَدَّةِ (يَطَأُ) هَا كَسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهُ حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا؛ فَحَرُمَ عَلَيْهِ تَزْوِيجُهَا، كَمَا لَوْ اسْتَبْرَأَهَا مُعْتَدَّةً (إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ) قَالَ (الْمُنَقِّحُ) فِي التَّنْقِيحِ (وَهِيَ أَصَحُّ) وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْمُغْنِي " وَالشَّرْحِ " وَالْوَجِيزِ " وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى " وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ " لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا لِغَيْرِهِ تَصَرُّفٌ بِغَيْرِ وَطْءٍ وَكَانَ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ قَبْلَ نَقْلِ الْمِلْكِ عَنْهُ، فَكَانَ لِلْمُشْتَرِي مَا كَانَ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّعَهُ، وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ مُكَاتَبِهِ أَمَةً حَاضَتْ عِنْدَهُ) أَيْ: الْمُكَاتَبِ؛ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا، وَكَذَا إنْ أَخَذَهَا مِنْ مُكَاتَبِهِ (أَوْ) أَمَتِهِ (أَوْ وَهَبَ أَمَةً ثُمَّ عَادَتْ) الْأَمَةُ (إلَيْهِ بِفَسْخٍ) لِخِيَارٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ (أَوْ غَيْرِهِ) كَمَا لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا (حَيْثُ انْتَقَلَ الْمِلْكُ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِ الْأَمَةِ) لِأَنَّهُ تَجْدِيدُ مِلْكٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُنْتَقِلَةُ إلَيْهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً (إنْ افْتَرَقَا) أَيْ: الْمُتَعَاقِدَانِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا (لَمْ يَجِبْ) الِاسْتِبْرَاءُ، لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (خِلَافًا لِ) مَا مَشَى عَلَيْهِ (صَاحِبُ الْمُنْتَهَى فِي شَرْحِهِ) حَيْثُ قَالَ أَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَمَةً ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَوْ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا عَنْ الْمَجْلِسِ عَلَى الْأَصَحِّ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 588 يَعْنِي يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ (وَلَا اسْتِبْرَاءَ بِعَوْدِ) مُكَاتَبَتِهِ (إلَيْهِ بِعَجْزٍ أَوْ) عَوْدِ (رَحِمِهَا الْمُحَرَّمِ) إلَيْهِ بِعَجْزٍ (أَوْ) عَوْدِ (رَحِمِ مُكَاتَبِهِ الْمُحَرَّمِ إلَيْهِ بِعَجْزِ) مُكَاتَبَتِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ عَنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ (أَوْ فَكِّ أَمَتِهِ مِنْ رَهْنٍ) فَلَا اسْتِبْرَاءَ؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ بِحَالِهِ (أَوْ أَخَذَ مِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ أَمَةً وَقَدْ حُضِنَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: الْعَوْدِ أَوْ الْفَكِّ أَوْ الْأَخْذِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ؛ لِسَبْقِ مِلْكِهِ عَلَى الْعَوْدِ إلَيْهِ، أَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَلِأَنَّ مِلْكَهُ لَهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْكِتَابَةِ وَمَمْلُوكَتُهَا مَلَكَهُ بِمِلْكِهِ لَهَا، لِأَنَّ مَمْلُوكَ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْوَفَاءِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، فَإِذَا عَجَزَ عَادَ إلَيْهِ، وَالْمَرْهُونَةُ مِلْكُهُ لَمْ يَزُلْ الْمِلْكُ عَنْهَا بِالرَّهْنِ، وَأَمَةُ عَبْدِهِ التَّاجِرِ مَلَكَهُ بِمِلْكِهِ لَهَا بِشِرَاءِ الْعَبْدِ لَهَا كَالْوَكِيلِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْمِلْكِ الْمُتَجَدِّدِ، وَهَذِهِ لَمْ يَتَجَدَّدْ مِلْكٌ لَهُ فِيهَا، وَقَدْ حِضْنَ فِي مِلْكِهِ؛ فَلَمْ يَجِبْ اسْتِبْرَاؤُهُنَّ مَرَّةً أُخْرَى. (أَوْ أَسْلَمَتْ) أَمَةٌ (مَجُوسِيَّةٌ) حَاضَتْ عِنْدَ سَيِّدٍ مُسْلِمٍ (أَوْ) أَسْلَمَتْ (وَثَنِيَّةٌ) عِنْدَ سَيِّدٍ مُسْلِمٍ حَاضَتْ عِنْدَهُ (أَوْ) أَسْلَمَتْ (مُرْتَدَّةٌ حَاضَتْ عِنْدَهُ) فَلَا اسْتِبْرَاءَ؛ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الْمِلْكِ؛ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهِنَّ بِالِاسْتِبْرَاءِ عَقِبَ الْمِلْكِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ مُضِيُّ شَهْرٍ لِمَنْ لَمْ تَحِضْ) لِصِغَرٍ أَوْ إيَاسٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ أَسْلَمَ مَالِكٌ بَعْدَ رِدَّةٍ) فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى إمَائِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ مَالِكُ صَغِيرَةٍ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا) فَلَا اسْتِبْرَاءَ، لِأَنَّ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا مَحْسُوسَةٌ. (وَلَا يَجِبُ) اسْتِبْرَاءٌ (بِمِلْكِ أُنْثَى مِنْ أُنْثَى وَيَتَّجِهُ وَلَا) يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ أُنْثَى بِمِلْكِهَا لِأُنْثَى (مِنْ ذَكَرٍ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسُنَّ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 589 اسْتِبْرَاءٌ (لِمَنْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ) بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا (لِيَعْلَمَ وَقْتَ حَمْلِهَا) إنْ كَانَتْ حَامِلًا (وَمَتَى وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ) مُنْذُ مَلَكَهَا (فَأُمُّ وَلَدٍ وَلَوْ أَنْكَرَتْ الْوَلَدَ بَعْدَ أَنْ أَقَرَّ بِوَطْءٍ) لِأَنَّهَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ بِوَطْئِهَا، وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَ (لَا) تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ وَلَدَتْ (لِأَقَلَّ) مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ مَلَكَهَا (وَيَتَّجِهُ وَعَاشَ) لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْ الزَّوْجَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا) إنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (مَعَ دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ مِيرَاثِ الْحَمْلِ يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ مَاتَ وَلَدُهَا عَنْ وَرَثَةٍ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُحْجَبُ بِحَمْلِهَا إنْ كَانَ. (وَيَجِبُ اسْتِبْرَاءُ مَنْ) أَيْ: أَمَةٍ (مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ غَنِيمَةٍ) وَكَذَا الْمَأْخُوذَةُ أُجْرَةً أَوْ جَعَالَةً أَوْ عِوَضًا عَنْ خُلْعٍ وَنَحْوِهِ إنْ وُجِدَ اسْتِبْرَاؤُهَا (قَبْلَ قَبْضٍ مِنْهُ) لَهَا. (وَ) يُجْزِئُ اسْتِبْرَاءٌ (لِمُشْتَرٍ زَمَنَ خِيَارٍ) لِوُجُودِ الِاسْتِبْرَاءِ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ. (وَيَدُ وَكِيلٍ) وُجِدَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي يَدِهِ (كَيَدِ مُوَكِّلٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَقَبْضُهُ كَقَبْضِهِ، لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. وَإِنْ مَلَكَ بَعْضَ أَمَةٍ ثُمَّ بَاقِيهَا فَالِاسْتِبْرَاءُ مُنْذُ مَلَكَ الْبَاقِيَ (وَمَنْ مَلَكَ) أَمَةً (مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ) اكْتَفَى بِالْعِدَّةِ (أَوْ) مَلَكَ (مُزَوَّجَةً فَطَلَّقَهَا) زَوْجُهَا (بَعْدَ دُخُولٍ) بِهَا (أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا) ، اكْتَفَى بِالْعِدَّةِ (أَوْ زَوَّجَ) سَيِّدٌ (أَمَتَهُ، ثُمَّ طَلُقَتْ بَعْدَ دُخُولٍ اكْتَفَى بِالْعِدَّةِ) لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ بِهَا، فَلَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ (وَمَتَى مُلِكَتْ مُعْتَدَّتُهُ) بِغَيْرِ طَلَاقِ ثَلَاثٍ لَا مِنْ زِنًى (حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا) لِأَنَّهَا فِرَاشُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاؤُهَا مِنْ مَائِهِ، وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا فِي الْحَالِ، وَمَتَى بَاعَهَا قَبْلَ وَطْئِهَا حَلَّتْ لِلْمُشْتَرِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَأَمَّا الْمَزْنِيُّ بِهَا إذَا مَلَكَهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا. (وَإِنْ طَلُقَتْ مَنْ) أَيْ: أَمَةٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 590 (مُلِكَتْ) بِالْبَقَاءِ لِلْمَفْعُولِ حَالَ كَوْنِهَا (مُزَوَّجَةً قَبْلَ دُخُولٍ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ هَذِهِ حِيلَةٌ وَضَعَهَا أَهْلُ الرَّأْيِ. رُوِيَ أَنَّ الرَّشِيدَ اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَفْتَاهُ أَبُو يُوسُفَ أَنْ يُعْتِقَهَا وَيَتَزَوَّجَهَا وَيَطَأَهَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَا أَعْظَمَ هَذَا، أَبْطَلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا كَيْفَ يُصْنَعُ هَذَا، لَا يَدْرِي أَهِيَ حَامِلٌ أَمْ لَا مَا أَسْمَجَ هَذَا. وَحَاصِلُهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا؛ لِأَنَّهُ تَجَدَّدَ لَهُ الْمِلْكُ فِيهَا، وَلَمْ يَحْصُلْ اسْتِبْرَاؤُهَا فِي مِلْكِهِ؛ فَلَا تَحِلُّ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً، وَلِأَنَّ إسْقَاطَ الِاسْتِبْرَاءِ هُنَا ذَرِيعَةٌ إلَى جَوَازِ سُقُوطِ الِاسْتِبْرَاءِ بِأَنْ زَوَّجَ الْبَائِعُ أَمَتَهُ قَبْلَ بَيْعِهَا، فَإِذَا تَمَّ الْبَيْعُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ دُخُولِهِ. الْمَوْضِعُ (الثَّانِي إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ) الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا (ثُمَّ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا لِغَيْرِهِ أَوْ أَرَادَ بَيْعَ) مَوْطُوءَةٍ (غَيْرِ آيِسَةٍ حَرُمَا) أَيْ: التَّزْوِيجُ وَالْبَيْعُ (حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاءٌ فَيُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بَيْعَ جَارِيَةٍ كَانَ يَطَؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ لِحِفْظِ مَائِهِ فَكَذَا الْبَائِعُ وَلِلشَّكِّ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا مَنْ لَا يَسْتَبْرِئُهَا فَيُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ. وَأَمَّا الْآيِسَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاؤُهَا إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْمُوَفَّقِ وَالشَّارِحِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْوُجُوبِ احْتِمَالُ الْحَمْلِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (فَلَوْ خَالَفَ) فَزَوَّجَهَا أَوْ بَاعَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا (صَحَّ بَيْعٌ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ (لَا نِكَاحٌ) فَلَا يَصِحُّ كَتَزْوِيجِ الْمُعْتَدَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يُرَادُ إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ؛ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ مُعْتَدَّةٍ وَلَا مُرْتَدَّةٍ، وَالْبَيْعُ يُرَادُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَصِحُّ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ (وَلَمْ يَجُزْ لِمُشْتَرٍ أَيْضًا أَنْ يُزَوِّجَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَاءٍ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْ) الْبَائِعُ الْأَمَةَ (أُبِيحَا) أَيْ الْبَيْعُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 591 وَالنِّكَاحُ (قَبْلَ) أَيْ: الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ. (وَيُسَنُّ) لِسَيِّدٍ أَرَادَ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا (اسْتَبِرَا) ؤُهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ؛ لِيَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا. (وَلَوْ وَطِئَ اثْنَانِ أَمَتِهِمَا ثُمَّ بَاعَاهَا لِآخَرَ أَجْزَأَهُ اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ تُعْلَمُ بِهِ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا (وَإِنْ أَعْتَقَاهَا لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءَانِ) لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ هُنَا كَالْعِدَّةِ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ وَالْوَطْءُ قَدْ وُجِدَ مِنْ اثْنَيْنِ؛ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ مُعَلَّلٌ بِتَجْدِيدِ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ وَاحِدٌ. الْمَوْضِعُ (الثَّالِثُ) مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الِاسْتِبْرَاءُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (إذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ) أَعْتَقَ (سُرِّيَّتَهُ) وَهِيَ الْأَمَةُ الْمُتَّخَذَةُ لِلْوَطْءِ مَأْخُوذٌ مِنْ السُّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا سِرًّا. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: خَصُّوا الْأَمَةَ بِهَذَا الِاسْمِ فَرْقًا بَيْنَ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُنْكَحُ وَالْأَمَةِ (أَوْ مَاتَ عَنْهَا) أَيْ: أُمِّ الْوَلَدِ أَوْ السُّرِّيَّةِ سَيِّدُهَا (لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءُ نَفْسِهَا) ؛ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لِسَيِّدِهَا - وَقَدْ فَارَقَهَا بِالْمَوْتِ أَوْ الْعِتْقِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى فِرَاشِ غَيْرِهِ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ، وَ (لَا) يَلْزَمُهَا اسْتِبْرَاءٌ (إنْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ) عِتْقِهَا؛ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ (أَوْ أَرَادَ) بَعْدَ عِتْقِهَا (تَزَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ) فَلَا اسْتِبْرَاءَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى فِرَاشِ غَيْرِهِ (أَوْ اُسْتُبْرِئَتْ) أَيْ اسْتَبْرَأَ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ بَائِعُهَا (قَبْلَ بَيْعِهَا، فَأَعْتَقَهَا مُشْتَرٍ) مِنْهُ قَبْلَ وَطْئِهَا؛ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا اسْتِغْنَاءً بِاسْتِبْرَائِهَا قَبْلَ بَيْعِهَا (أَوْ أَرَادَ) مُشْتَرِ أَمَةٍ اسْتَبْرَأَهَا بَائِعُهَا قَبْلَ بَيْعِهَا (تَزْوِيجَهَا لِغَيْرِهِ قَبْلَ وَطْئِهَا) فَلَا اسْتِبْرَاءَ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا بِالِاسْتِبْرَاءِ السَّابِقِ لِلْبَيْعِ. (أَوْ كَانَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ السُّرِّيَّةُ حَالَ عِتْقِهَا (مُزَوَّجَةً فَطَلُقَتْ أَوْ مُعْتَدَّةً) مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (أَوْ فَرَغَتْ عِدَّتُهَا مِنْ زَوْجِهَا فَأَعْتَقَهَا) سَيِّدُهَا (قَبْلَ وَطْئِهِ بَعْدَ فَرَاغِ عِدَّتِهَا، فَلَا اسْتِبْرَاءَ) ؛ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَلَيْسَتْ فِرَاشًا لِلسَّيِّدِ (إنْ أَبَانَهَا) أَيْ: الْأَمَةَ زَوْجُهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ، أَيْ الدُّخُولِ (فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهَا، فَلَا اسْتِبْرَاءَ) عَلَيْهَا (وَلَوْ) كَانَتْ الْمُبَانَةُ (أُمَّ وَلَدٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ وَعِبَارَتُهُ وَإِنْ بَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتِ زَوْجِهَا، أَوْ بِطَلَاقِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَأَتَمَّتْ عِدَّتَهَا، ثُمَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 592 مَاتَ سَيِّدُهَا، فَعَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ انْتَهَى. وَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِ الِاسْتِبْرَاءِ (إنْ لَمْ يَطَأْهَا) سَيِّدُهَا لِزَوَالِ فِرَاشِ سَيِّدِهَا بِتَزْوِيجِهَا (كَمَنْ لَمْ يَطَأْ) هَا سَيِّدُهَا (أَصْلًا) قَبْلَ تَزَوُّجٍ وَلَا بَعْدَهُ؛ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا مِنْهُ. (وَمَنْ أُبِيعَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مِنْ الْإِمَاءِ (وَلَمْ تُسْتَبْرَأْ) قَبْلَ بَيْعٍ (فَأَعْتَقَهَا مُشْتَرٍ) أَوْ أَرَادَ تَزَوُّجَهَا (قَبْلَ وَطْءٍ وَ) قَبْلَ (اسْتِبْرَاءٍ اسْتَبْرَأَتْ) نَفْسَهَا (أَوْ تَمَّمَتْ مَا وُجِدَ عِنْد مُشْتَرٍ) مِنْ اسْتِبْرَاءٍ إنْ عَتَقَتْ فِي أَثْنَائِهِ لِتَعْلَمَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا. (وَإِنْ مَاتَ زَوْجُ أُمِّ وَلَدٍ وَسَيِّدُهَا، وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا) مَوْتًا (لَزِمَهَا بَعْدَ مَوْتِ آخِرِهِمَا عِدَّةُ حُرَّةٍ لِوَفَاةٍ فَقَطْ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ، فَيَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ تَكُونُ الْمُدَّةُ أَقْصَى مِنْ هَذِهِ فَأَوْجَبْنَاهُ مِنْ حِينِ مَوْتِ الْآخَرِ لِلِاحْتِيَاطِ؛ لِدُخُولِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فِيهَا فَيَسْقُطُ الْغَرَضُ بِيَقِينٍ لِمَا أَوْجَبْنَا فِيهِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ (وَلَا تَرِثُ) أُمُّ الْوَلَدِ (مِنْ الزَّوْجِ) شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الرِّقُّ وَالْحُرِّيَّةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا؛ فَلَمْ تَرِثْ مَعَ الشَّكِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِرْثِ وَالْعِدَّةِ أَنَّ الْعِدَّةَ إسْقَاطٌ عَلَيْهَا اسْتِظْهَارًا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى غَيْرِهَا وَإِيجَابُ الْإِرْثِ إسْقَاطٌ لِحَقِّ غَيْرِهَا، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ النِّكَاحِ عَلَيْهَا؛ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِرْثِ لَهَا؛ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ. (وَلَا اسْتِبْرَاءَ) عَلَيْهَا (مُطْلَقًا) أَيْ: عَلَى كُلِّ التَّقْدِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ فَقَدْ مَاتَ السَّيِّدُ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ فَقَدْ مَاتَ وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ، وَلَا يَلْزَمُهَا اسْتِبْرَاءٌ وَأَمَّا السُّرِّيَّةُ، إذَا مَاتَ السَّيِّدُ عَنْهَا وَالزَّوْجُ وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا فَلَا يَلْزَمُهَا إلَّا عِدَّةُ أَمَةٍ لِلْوَفَاةِ لَا عِدَّةُ حُرَّةٍ؛ إذْ لَا شُبْهَةَ لَهَا فِي الْحُرِّيَّةِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى " فَإِنَّهُمَا أَلْزَمَاهَا أَنْ تَعْتَدَّ الْأَطْوَلَ مِنْ عِدَّةِ حُرَّةٍ لِوَفَاةٍ أَوْ اسْتِبْرَاءٍ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ " الْمُنْتَهَى " ذَكَرَ قُبَيْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ السَّيِّدُ بَعْدَ عِدَّتِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ (لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا لِلسَّيِّدِ بِلَا وَطْءٍ ثَانٍ إلَّا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 593 قِيلَ إنَّهُ لِأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّ آخِرَهُمَا مَوْتًا أَصَابَهَا وَجَهِلَتْهُ، أَوْ عَلَى مَا إذَا شَكَّتْ فِي أَنَّ آخِرَهُمَا مَوْتًا وَطِئَهَا، أَمَّا إذَا تَحَقَّقَتْ عَدَمُ وَطْئِهِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا. [فَصْلٌ اسْتِبْرَاءُ الْحَامِل] فَصْلٌ: (وَاسْتِبْرَاءُ حَامِلٍ بِوَضْعِ) مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ (وَ) اسْتِبْرَاءُ (مَنْ تَحِيضُ بِحَيْضَةٍ كَامِلَةٍ) لِحَدِيثِ: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ؛ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً.» وَلَا يَحْصُلُ اسْتِبْرَاءٌ (بِبَقِيَّتِهَا) أَيْ: الْحَيْضَةِ إذَا مَلَكَهَا حَائِضًا وَلَوْ كَانَتْ تُبْطِئُ حَيْضَتَهَا أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ؛ لِمَا فِي لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْخَبَرِ: حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ. (وَ) اسْتِبْرَاءُ (آيِسَةٍ وَبِنْتِ تِسْعٍ وَبَالِغَةٍ لَمْ تَحِضْ بِشَهْرٍ) لِأَنَّ الشَّهْرَ أُقِيمَ مَقَامَ الْحَيْضَةِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ (وَإِنْ حَاضَتْ فِيهِ) أَيْ: الشَّهْرِ، (فَ) اسْتِبْرَاؤُهَا (بِحَيْضَةٍ) يَعْنِي فَتَنْتَقِلُ إلَى الْقَرْءِ كَالصَّغِيرَةِ إذَا حَاضَتْ فِي عِدَّتِهَا، وَ (لَا) يَلْزَمُهَا الِانْتِقَالُ إلَى الْقَرْءِ إذَا حَاضَتْ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الشَّهْرِ (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) صَوَابُهُ وِفَاقًا لِلْمُنْتَهَى (وَعِبَارَتُهُ وَإِنْ حَاضَتْ فِيهِ فَبِحَيْضَةٍ) ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ وَقَفَ عَلَى نُسْخَةٍ مَلْحُونَةٍ سَاقِطٌ مِنْهَا لَفْظُ فِي، (فَكَتَبَ عَلَيْهَا) ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ. (وَ) اسْتِبْرَاءُ (مُرْتَفِعٍ حَيْضُهَا وَلَمْ تَدْرِ مَا رَفَعَهُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ) تِسْعَةٌ لِلْحَمْلِ وَشَهْرٌ لِلِاسْتِبْرَاءِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِدَّةِ (وَإِنْ عَلِمَتْ مَا رَفَعَ حَيْضَهَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ رَضَاعٍ) أَوْ غَيْرِهِ (فَكَحُرَّةٍ) فَلَا تَزَالُ فِي اسْتِبْرَاءٍ حَتَّى يَعُودَ الْحَيْضُ فَتَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةٍ أَوْ تَصِيرَ آيِسَةً فَتَسْتَبْرِئَ بِشَهْرٍ (وَلَا يَكُونُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا بَعْدَ مِلْكِ) مُشْتَرٍ (جَمِيعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 594 الْأَمَةِ، فَلَوْ مَلَكَ بَعْضَهَا، فَاسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ مَلَكَ بَاقِيهَا لَمْ يُحْسَبْ) الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا مِنْ حِينِ مَلَكَ بَاقِيهَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ حُصُولِهَا كُلِّهَا فِي مِلْكِهِ، وَيَحْرُمُ وَطْءٌ زَمَنَ اسْتِبْرَاءٍ كَالْوَطْءِ قَبْلَهُ، وَلَا يَنْقَطِعُ الِاسْتِبْرَاءُ (فَمَنْ وَطِئَ قَبْلَ اسْتِبْرَاءٍ فَحَمَلَتْ قَبْلَ حَيْضَةٍ اسْتَبْرَأَتْ، بِوَضْعِهِ) أَيْ: الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُولَاتِ الْحَمْلِ، (وَ) إنْ حَمَلَتْ (فِيهَا) أَيْ: الْحَيْضَةِ (وَقَدْ مَلَكَهَا حَائِضًا فَكَذَلِكَ) أَيْ: اسْتَبْرَأَتْ بِوَضْعِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ أَحْبَلَهَا فِي حَيْضَةٍ ابْتَدَأَتْهَا عِنْدَهُ) أَيْ: الْمُنْتَقِلِ مِلْكُهَا إلَيْهِ (تَحِلُّ) لَهُ (فِي الْحَالِ) وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ (لِجَعْلِ مَا مَضَى) مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ إحْبَالِهَا (حَيْضَةً) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ أَقَلَّ الْحَيْضِ (وَتُصَدَّقُ) أَمَةٌ (فِي حَيْضٍ إذَا ادَّعَتْهُ) فَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ تَطَهُّرِهَا (فَلَوْ أَنْكَرَتْهُ) أَيْ الْحَيْضَ بِأَنْ قَالَتْ لَمْ تَحِضْ لِتَمْنَعَهُ مِنْ وَطْئِهَا؛ لِعَدَمِ الِاسْتِبْرَاءِ (بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ حَيْضُهَا فِيهِ) كَشَهْرٍ مَثَلًا (فَقَالَ أَخْبَرَتْنِي بِهِ) أَيْ: بِأَنَّهَا حَاضَتْ (صُدِّقَ) لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ. (وَإِنْ ادَّعَتْ) أَمَةٌ (مَوْرُوثَةٌ تَحْرِيمَهَا عَلَى وَارِثٍ بِوَطْءِ مُورِثِهِ) كَأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ صُدِّقَتْ، وَلَعَلَّهُ مَا لَمْ تَكُنْ مَكَّنَتْهُ قَبْلُ (أَوْ) ادَّعَتْ أَمَةٌ (مُشْتَرَاةٌ أَنْ لَهَا زَوْجًا صُدِّقَتْ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ، لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يُقْبَلُ قَوْلُ مُشْتَرَاةٍ أَنَّ لَهَا زَوْجًا (بَعْدَ) أَنْ مَكَّنَتْ سَيِّدَهَا مِنْ وَطْئِهَا؛ إذْ تَمْكِينُهَا السَّيِّدَ قَبْلَ ذَلِكَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُزَوَّجَةٍ (وَلِمُشْتَرٍ) أَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهَا مُزَوَّجَةٌ (الْفَسْخُ) إنْ صَدَّقَهَا؛ لِعَدَمِ سَلَامَةِ الْمَبِيعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 595 [كِتَابُ الرَّضَاعِ] ِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا (وَهُوَ) مَصْدَرُ رَضَعَ الثَّدْيَ إذَا مَصَّهُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْكَسْرُ الْأَفْصَحُ. وَلَهُ سَبْعُ مَصَادِرَ، قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ فِي شَرْحِهِ: امْرَأَةٌ مُرْضِعٌ إذَا كَانَتْ تُرْضِعُ وَلَدَهَا سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، وَامْرَأَةٌ مُرْضِعَةٌ إذَا كَانَ ثَدْيُهَا فِي فَمِ وَلَدِهَا. قَالَ ثَعْلَبٌ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] وَقِيلَ الْمُرْضِعَةُ الْأُمُّ وَالْمُرْضِعُ الَّتِي مَعَهَا صَبِيٌّ تُرْضِعُهُ، وَالْوَلَدُ رَضِيعٌ وَرَاضِعٌ. (وَشَرْعًا مَصُّ لَبَنٍ) أَيْ: مَصُّ مَنْ لَهُ دُونَ حَوْلَيْنِ لَبَنًا (ثَابَ) أَيْ: اجْتَمَعَ (مِنْ حَمْلٍ مِنْ ثَدْيِ امْرَأَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَصَّ (أَوْ شَرِبَهُ وَنَحْوَهُ) كَأَكْلِهِ بَعْدَ تَجْبِينِهِ وَسَعُوطٍ وَوَجُورٍ وَتَأْتِي، مَفَاهِيمُ ذَلِكَ. (وَيَحْرُمُ) رَضَاعٌ (كَنَسَبٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] . وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ " مِنْ النَّسَبِ ": وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ مُحَرَّمٌ فِي الْجُمْلَةِ (فَمَنْ أَرْضَعَتْ) وَلَوْ مُكْرَهَةً عَلَى إرْضَاعِهَا (بِلَبَنِ حَمْلٍ) لَاحِقٌ نَسَبُهُ (بِوَاطِئٍ) بِأَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ مَوْطُوءَتَهُ بِشُبْهَةٍ وَالرَّضِيعُ (طِفْلًا) فِي الْحَوْلَيْنِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (صَارَا) أَيْ: الْمُرْضِعَةُ وَالْوَاطِئُ اللَّاحِقُ بِهِ الْحَمْلُ الَّذِي ثَابَ عَنْهُ اللَّبَنُ (فِي تَحْرِيمِ نِكَاحٍ) مُتَعَلِّقٍ بِصَارَا (وَفِي ثُبُوتِ مَحْرَمِيَّةٍ وَإِبَاحَةِ نَظَرٍ وَفِي) إبَاحَةِ (خَلْوَةِ أَبَوَيْهِ) أَيْ: الطِّفْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 596 فَرْعٌ عَلَى التَّحْرِيمِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ. (وَ) صَارَ (هُوَ) أَيْ: الْمُرْتَضِعُ (وَلَدَهُمَا) فِيمَا ذُكِرَ (وَ) صَارَ (أَوْلَادُهُ) أَيْ: الطِّفْلِ (وَإِنْ سَفَلُوا أَوْلَادَ وَلَدِهِمَا) الَّذِي هُوَ الْمُرْتَضِعُ (وَصَارَ أَوْلَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ: الْمُرْضِعَةِ وَالْوَاطِئِ الْمَذْكُورِ (مِنْ الْآخَرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) كَأَنْ تَزَوَّجَتْ الْمُرْتَضِعَةُ بِغَيْرِهِ فَصَارَ لَهَا مِنْهُ أَوْلَادٌ، أَوْ تَزَوَّجَ الْوَاطِئُ بِغَيْرِهَا وَصَارَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ؛ فَالذُّكُورُ مِنْهُمْ يَصِيرُونَ (إخْوَتَهُ وَالْبَنَاتُ أَخَوَاتِهِ، وَيَصِيرُ آبَاؤُهُمَا) أَيْ: الْمُرْضِعَةِ وَالْوَاطِئِ (أَجْدَادَهُ) أَيْ: الطِّفْلِ (وَ) أُمَّهَاتُهُمَا (جَدَّاتِهِ وَ) صَارَ إخْوَتُهُمَا وَ (أَخَوَاتُهُمَا) أَيْ: إخْوَةُ الْمُرْضِعَةِ وَأَخَوَاتُهَا، (وَإِخْوَةُ الْوَاطِئِ وَأَخَوَاتُهُ) أَعْمَامَهُ وَعَمَّاتِهِ وَأَخْوَالَهُ وَخَالَاتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْأُمُومَةِ وَالْأُبُوَّةِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ أُبُوَّةُ الْوَاطِئِ لِلطِّفْلِ وَفُرُوعُهَا إذَا كَانَ يَلْحَقُهُ نَسَبُ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي ثَابَ لِلْمَرْأَةِ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ، فَنَشَرَ التَّحْرِيمَ إلَيْهِمَا وَنَشَرَ الْحُرْمَةَ إلَى الرَّجُلِ وَأَقَارِبِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى لَبَنُ الْفَحْلِ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ لَمَّا سَأَلَتْهُ عَنْ أَفْلَحَ حِينَ قَالَ لَهَا أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّك؟ فَقَالَتْ كَيْفَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَرْضَعَتْك امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي، فَقَالَ صَدَقَ أَفْلَحُ ائْذَنِي لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. (وَلَا تَثْبُتُ بَقِيَّةُ أَحْكَامِ نَسَبٍ مِنْ نَفَقَةٍ وَإِرْثٍ وَعِتْقٍ وَوِلَايَةٍ) إذَا مَلَكَ رَحِمَهُ الْمَحْرَمَ بِالرَّضَاعِ وَوِلَايَةَ النِّكَاحِ وَالْمَالِ، لِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا يُسَاوِيهِ إلَّا فِيمَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ، وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالْخَلْوَةِ (وَتَمَلُّكٍ وَعَقْلٍ وَرَدِّ شَهَادَةٍ) لِأَصْلِهِ وَفُرُوعِهِ مِنْ الرَّضَاعِ (وَحُكْمٍ، وَلَا تَنْتَشِرُ حُرْمَةُ) رَضَاعٍ (إلَى مَنْ بِدَرَجَةِ مُرْتَضِعٍ أَوْ فَوْقَهُ مِنْ أَخٍ وَأُخْتٍ) مِنْ نَسَبِ بَيَانٍ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ (وَأَبٍ وَأُمٍّ وَعَمٍّ وَعَمَّةٍ وَخَالٍ وَخَالَةٍ) مِنْ نَسَبِ بَيَانٍ لِمَنْ فَوْقَهُ (فَتَحِلُّ مُرْضِعَةٌ لِأَبِي مُرْتَضِعٍ وَأَخِيهِ مِنْ نَسَبٍ) إجْمَاعًا (وَ) تَحِلُّ (أُمُّهُ) أَيْ: الْمُرْتَضِعِ (وَأُخْتُهُ مِنْ نَسَبٍ لِأَبِيهِ وَأَخِيهِ مِنْ رَضَاعٍ) إجْمَاعًا (كَمَا يَحِلُّ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ مِنْ نَسَبٍ أُخْتَهُ مِنْ أُمِّهِ) مِنْ نَسَبٍ إجْمَاعًا (وَيَكُونُ) مِنْ زَوْجٍ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 597 أَبِيهِ بِأُخْتِهِ مِنْ أُمِّهِ (عَمَّا) لِوَلَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَخُو أَبِيهِ وَ (خَالًا) لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخُو أُمِّهِ. (وَمَنْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ حَمْلٍ مِنْ زِنًى) طِفْلًا (أَوْ) أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ حَمْلٍ (نَفْيٍ بِلِعَانٍ طِفْلَةً) فِي الْحَوْلَيْنِ (صَارَتْ بِنْتَهَا) فَقَطْ، فَتَثْبُتُ الْأُمُومَةُ وَفُرُوعُهَا مِنْ الْجُدُودَةِ لَهَا وَالْخُؤُولَةِ دُونَ الْأُبُوَّةِ وَفُرُوعِهَا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّسَبِ (وَحَرُمَتْ) الطِّفْلَةُ (عَلَى وَاطِئٍ تَحْرِيمَ مُصَاهَرَةٍ) لِأَنَّهَا بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِ (وَتَحِلُّ لِابْنِ وَاطِئٍ وَأَبِيهِ) لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهَا (وَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ وَاطِئٍ) بِزِنًا أَوْ مُلَاعِنٍ (مِنْ حَيْثُ الْمَحْرَمِيَّةِ) لِحَدِيثِ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ، وَلَا نَسَبَ هُنَا. (وَمَنْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ اثْنَيْنِ وَطِآهَا بِشُبْهَةٍ طِفْلًا، وَثَبَتَتْ أُبُوَّتُهُمَا) أَيْ: الْوَاطِئَيْنِ (أَوْ) ثَبَتَتْ (أُبُوَّةُ أَحَدِهِمَا لِمَوْلُودٍ) بِأَنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ (فَالْمُرْتَضَعُ ابْنُهُمَا) إنْ ثَبَتَتْ أُبُوَّتُهُمَا (أَوْ ابْنُ أَحَدِهِمَا) إنْ ثَبَتَتْ أُبُوَّتُهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّضِيعِ تَابِعٌ لِحُكْمِ الْمَوْلُودِ (وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ) أُبُوَّتُهُمَا وَلَا أُبُوَّةُ أَحَدِهِمَا لِمَوْلُودٍ (بِأَنْ مَاتَ مَوْلُودٌ قَبْلَ إلْحَاقٍ) بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا (أَوْ فُقِدَتْ قَافَةٌ أَوْ نَفَتْهُ) الْقَافَةُ (عَنْهَا) أَيْ: الْوَاطِئَيْنِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْقَافَةِ فِي النَّفْيِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَفْيًا عَنْ الْفِرَاشِ كُلِّهِ (أَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ) عَلَى الْقَافَةِ (ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ) مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَضِعِ (فِي حَقِّهِمَا) أَيْ: الْوَاطِئَيْنِ (فَلَا تَحِلُّ لَهُمَا) أَيْ: الْوَاطِئَيْنِ (أُنْثَى اُرْتُضِعَتْ) تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ، وَلَا تَحِلُّ لِأَوْلَادِهِمَا وَآبَائِهِمَا وَتَحْرُمُ أَوْلَادُهُمَا عَلَى الْوَاطِئَيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا ابْنَةُ مَوْطُوءَتِهِمَا، فَهِيَ رَبِيبَةٌ لَهُمَا، وَالرَّبِيبَةُ مِنْ الرَّضَاعِ كَالنَّسَبِ. (وَإِنْ ثَابَ لَبَنٌ لِمَنْ) أَيْ: امْرَأَةٍ (لَمْ تَحْمِلْ) قَبْلُ إنْ ثَابَ لَبَنُهَا (وَلَوْ حَمَلَ مِثْلُهَا، لَمْ يَنْشُرْ الْحُرْمَةَ) نَصًّا فِي لَبَنِ الْبِكْرِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ لِتَغْذِيَةِ الْأَطْفَالِ (كَلَبَنِ رَجُلٍ وَكَذَا لَبَنُ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَلَبَنُ بَهِيمَةٍ) فَلَا يَنْشُرُ الْمَحْرَمِيَّةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 598 بِلَا نِزَاعٍ فِي لَبَنِ الْبَهِيمَةِ، فَلَوْ ارْتَضَعَ طِفْلٌ وَطِفْلَةٌ عَلَى نَحْوِ شَاةٍ لَمْ يَصِيرَا أَخَوَيْنِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْأُخُوَّةِ فَرْعٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْأُمُومَةِ، وَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْأُمُومَةِ بِهَذَا الرَّضَاعِ؛ فَالْأُخُوَّةُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لِغِذَاءِ الْمَوْلُودِ الْآدَمِيِّ؛ أَشْبَهَ الْفِطَامَ. (وَمَنْ تَزَوَّجَ) امْرَأَةً ذَاتَ لَبَنٍ (أَوْ اشْتَرَى أَمَةً ذَاتَ لَبَنٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ قَبْلَهُ) فَوَطِئَهَا (فَزَادَ) لَبَنُهَا (بِوَطْئِهِ، أَوْ حَمَلَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَزِدْ) لَبَنُهَا أَوْ زَادَ لَبَنُهَا قَبْلَ (أَوَانِهِ فَ) اللَّبَنُ (لِلْأَوَّلِ) لِاسْتِمْرَارِهِ عَلَى حَالِهِ، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ مَا يَنْقُلُهُ عَنْهُ كَصَاحِبِ الْيَدِ. (وَ) إنْ زَادَ لَبَنُهَا (فِي أَوَانِهِ) بَعْدَ حَمْلِهَا مِنْ الثَّانِي فَلَهُمَا؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ عِنْدَ حُدُوثِ الْحَمْلِ ظَاهِرُهَا أَنَّهَا مِنْ الثَّانِي، وَبَقَاءُ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي كَوْنَ أَصْلِهِ مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِمَا (وَلَوْ انْقَطَعَ ثُمَّ ثَابَ) قَبْلَ الْوَضْعِ فَلَهُمَا، لِأَنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّلِ، فَعَوْدُهُ قَبْلَ الْوَضْعِ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ اللَّبَنَ الَّذِي انْقَطَعَ، لَكِنْ ثَابَ لِلْحَمْلِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِمَا (أَوْ وَلَدَتْ) مِنْ الثَّانِي (فَلَمْ يَزِدْ) لَبَنُهَا (وَلَمْ يَنْقُصْ فَ) اللَّبَنُ (لَهُمَا) لِأَنَّ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى حَالِهِ أَوْجَبَ بَقَاءَهُ عَلَى كَوْنِهِ لِلْأَوَّلِ وَحَاجَةُ الْوَلَدِ الثَّانِي إلَيْهِ أَوْجَبَتْ اشْتِرَاكَهُمَا فِيهِ (فَيَصِيرُ ابْنُ مُرْتَضِعَةٍ ابْنًا لَهُمَا) لِأَنَّ اللَّبَنَ لَهُمَا (وَإِنْ زَادَ) لَبَنُهَا (بَعْدَ وَضْعٍ فَ) هُوَ (لِلثَّانِي وَحْدَهُ) لِدَلَالَةِ زِيَادَتِهِ إذَنْ عَلَى أَنَّهُ لِحَاجَةِ الْمَوْلُودِ، فَامْتَنَعَتْ الشَّرِكَةُ فِيهِ. [فَصْلٌ شُرُوط الْحُرْمَةِ بِالرَّضَاعِ] فَصْلٌ (وَلِلْحُرْمَةِ) بِالرَّضَاعِ (شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْتَضِعَ) الطِّفْلُ (فِي الْعَامَيْنِ، فَلَوْ ارْتَضَعَ بَعْدَهُمَا بِلَحْظَةٍ لَمْ تَثْبُتْ) الْحُرْمَةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَجُعِلَ تَمَامُ الرَّضَاعَةِ حَوْلَيْنِ، فَيَدُلُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 599 عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلرَّضَاعَةِ بَعْدَهُمَا. وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّهُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُنْظُرْنَ إخْوَانَكُنَّ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ " يَعْنِي فِي حَالِ الْحَاجَةِ إلَى الْغِذَاءِ أَوْ اللَّبَنِ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) مَرْجُوحٍ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الِارْتِضَاعُ بَعْدَ الْعَامَيْنِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (وَ) إنْ كَانَ ثُبُوتُهُ (مَعَ شَكٍّ) هَلْ وَقَعَ فِيهِمَا أَوْ بَعْدَهُمَا (فَالْأَصْلُ) فِي الرَّضِيعِ (الصِّغَرُ) وَإِنَّ الرَّضَاعَ وَقَعَ فِيهِمَا؛ فَوَجَبَ التَّحْرِيمُ بَعْدَهُمَا عَمَلًا بِالْأَصْلِ، لَكِنْ قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " آخِرَ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْبَابِ: وَإِنْ شَكَّتْ الْمُرْضِعَةُ فِي الرَّضَاعِ أَوْ كَمَا لَهُ فِي الْحَوْلَيْنِ وَلَا بَيِّنَةَ فَلَا تَحْرِيمَ، الشَّرْطُ (الثَّانِي أَنْ يَرْتَضِعَ) الطِّفْلُ (خَمْسَ رَضَعَاتٍ) فَأَكْثَرَ؛ لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ؛ وَصَارَ إلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ أَرْضِعِي سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ، فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا. وَالْآيَةُ فَسَّرَتْهَا السُّنَّةُ وَبَيَّنَتْ الرَّضَاعَةَ الْمُحَرَّمَةَ، وَصَرِيحُ مَا رَوَيْنَاهُ يَخُصُّ مَفْهُومَ مَا رَوَاهُ وَهُوَ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ بِحَمْلِهَا عَلَى الصَّرِيحِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 600 (وَمَتَى امْتَصَّ) طِفْلٌ ثَدْيًا (ثُمَّ قَطَعَهُ) أَيْ: الْمَصَّ (وَلَوْ) كَانَ قَطْعُهُ لَهُ (قَهْرًا أَوْ) كَانَ قَطْعُهُ لَهُ (لِتَنَفُّسٍ، أَوْ) كَانَ قَطْعُهُ لَهُ (لِمَلِّهِ) عَنْ الْمَصِّ (أَوْ) كَانَ قَطْعُهُ لَهُ (لِانْتِقَالٍ) مِنْ ثَدْيٍ (إلَى ثَدْيٍ آخَرَ أَوْ) مِنْ مُرْضِعَةٍ إلَى (مُرْضِعَةٍ أُخْرَى فَ) ذَلِكَ (رَضْعَةٌ) تُحْسَبُ مِنْ الْخَمْسِ، لِأَنَّهَا مَرَّةٌ مِنْ الرَّضَاعِ (ثُمَّ إنْ أَعَادَهُ) الطِّفْلُ (وَلَوْ قَرِيبًا) بِأَنْ قَرَّبَ الزَّمَنَ بَيْنَ الْمَصَّةِ الْأُولَى وَالْعَوْدِ (فَ) هُمَا رَضْعَتَانِ (ثِنْتَانِ) لِأَنَّ الْمَصَّةَ الْأُولَى زَالَ حُكْمُهَا بِتَرْكِ الِارْتِضَاعِ، فَإِنْ عَادَ فَامْتُصَّ فَهِيَ غَيْرُ الْأُولَى. (وَسَعُوطٌ فِي أَنْفٍ وَوَجُورٌ فِي فَمٍ كَالرَّضَاعِ) فِي تَحْرِيمٍ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا نَشَرَ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِوُصُولِ اللَّبَنِ بِذَلِكَ إلَى جَوْفِهِ كَوُصُولِهِ بِالِارْتِضَاعِ وَحُصُولِ إنْبَاتِ اللَّحْمِ وَانْتِشَارِ الْعَظْمِ بِهِ كَمَا يَحْصُلُ بِالرَّضَاعِ، وَالْأَنْفُ سَبِيلٌ لِفِطْرِ الصَّائِمِ فَكَانَ سَبِيلًا لِلتَّحْرِيمِ كَالرَّضَاعِ بِالْفَمِ. تَنْبِيهٌ: وَالْمُحَرِّمُ مِنْ السَّعُوطِ وَالْوَجُورِ وَنَحْوِهِ خَمْسٌ، لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَنْ الرَّضَاعِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ؛ فَإِنْ ارْتَضَعَ دُونَهَا وَكَمُلَتْ بِسَعُوطٍ أَوْ وَجُورٍ، أَوْ أَسَعْطَ وَأَوْجَرَ وَكَمُلَ الْخَمْسُ بِرَضَاعٍ، ثَبَتَ التَّحْرِيمُ، لِوُجُودِ الْخَمْسِ، وَلَوْ حُلِبَ فِي إنَاءٍ لَبَنٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ دَفَعَاتٍ ثُمَّ سُقِيَ الطِّفْلُ فِي خَمْسِ أَوْقَاتٍ فَهِيَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ؛ اعْتِبَارًا بِشُرْبِ الطِّفْلِ لَهُ، وَإِنْ حُلِبَ فِي إنَاءٍ خَمْسُ حَلَبَاتٍ فِي خَمْسِ أَوْقَاتٍ؛ ثُمَّ سُقِيَ الطِّفْلُ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَانَ رَضْعَةً وَاحِدَةً اعْتِبَارًا بِشُرْبِهِ لَهُ. (وَيَحْرُمُ مَا جَبُنَ) مِنْ لَبَنِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ أُطْعِمَ الطِّفْلُ لِأَنَّهُ وَاصِلٌ إلَى الْحَلْقِ يَحْصُلُ بِهِ نَبَاتُ اللَّحْمِ وَانْتِشَارُ الْعَظْمِ؛ فَحَصَلَ بِهِ التَّحْرِيمُ كَمَا لَوْ شَرِبَهُ (أَوْ شِيبَ) أَيْ: خُلِطَ بِغَيْرِهِ (صِفَاتُهُ) أَيْ: لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ (بَاقِيَةٌ) حَرُمَ كَمَا يَحْرُمُ غَيْرُ الْمَشُوبِ (وَيَتَّجِهُ أَوْ طُبِخَ) لَبَنُ الْمَرْأَةِ مَعَ بَقَاءِ صِفَاتِهِ؛ فَيَحْرُمُ كَاَلَّذِي لَمْ يُطْبَخْ، لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا شِيبَ بِغَيْرِهِ لِلْأَغْلَبِ، وَمَا طُبِخَ مَعَ بَقَاءِ صِفَاتِهِ لَا يَزُولُ بِهِ اسْمُهُ وَلَا الْمَعْنَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 601 الْمُرَادُ مِنْهُ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الْمَشُوبِ أَوْ الْمَطْبُوخِ مَعَ غَيْرِهِ مَا خَالَطَهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ تَحْرِيمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَلَا يَنْشُرُ الْعَظْمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ حُلِبَ مِنْ مَيْتَةٍ) فَيَحْرُمُ كَلَبَنِ الْحَيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لَهُ فِي إنْبَاتِ اللَّحْمِ وَانْتِشَارِ الْعَظْمِ. (وَيَحْنَثُ بِهِ) أَيْ: شُرْبِ لَبَنٍ مَشُوبٍ مَعَ بَقَاءِ صِفَاتِهِ وَشُرْبِ لَبَنِ مَيِّتَةٍ (مَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا) لِإِطْلَاقِ اسْمِ اللَّبَنِ عَلَيْهِ. وَ (لَا) تَحْرُمُ (حُقْنَةُ) طِفْلٍ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ وَلَوْ خَمْسَ مَرَّاتٍ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرَضَاعٍ وَلَا يَحْصُلُ بِهَا تَغَذٍّ (وَلَا أَثَرَ لِ) لَبَنٍ (وَاصِلِ جَوْفٍ لَا يُغَذِّي) بِوُصُولِهِ فِيهِ (كَمَثَانَةٍ وَذَكَرٍ) وَجَائِفَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَنْشُرُ الْعَظْمَ وَلَا يُنْبِتُ. (وَمَنْ أَرْضَعَ خَمْسَ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ) أَوْ أَرْبَعَ زَوْجَاتِهِ وَأُمَّ وَلَدِهِ، أَوْ ثَلَاثَ زَوْجَاتِهِ وَأُمَّا وَلَدِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ (بِلَبَنِهِ زَوْجَةً لَهُ) أَيْ: صَاحِبِ اللَّبَنِ (صُغْرَى) لَمْ يَتِمَّ لَهُمَا عَامَانِ، أَرْضَعَتْهَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَوْ مِنْهُنَّ مِنْ زَوْجَاتِهِ (دُونَ خَمْسِ) رَضَعَاتٍ (حَرُمَتْ) عَلَى زَوْجِهَا أَبَدًا (لِثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ) لِأَنَّ الْخَمْسَ رَضَعَاتٍ مِنْ لَبَنِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَرْضَعَتْهَا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ الْخَمْسَ، وَ (لَا) تَحْرُمُ عَلَيْهِ (أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْأُمُومَةِ) إذَا لَمْ تُرْضِعْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، فَلَمْ تَكُنْ أُمًّا لِزَوْجَتِهِ (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ) أَيْ: أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ نِكَاحُهُ أَيْ الطِّفْلِ الَّذِي أَرْضَعْنَهُ (لَوْ كَانَ ذَكَرًا) لِأَنَّهُ رَبِيبُهُنَّ، وَهُنَّ مَوْطُوآتُ أَبِيهِ فَتَنَاوَلَهُنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] . (وَكَانَتْ الْمُرْضِعَاتُ بَنَاتِهِ) أَيْ: رَجُلٍ وَاحِدٍ (أَوْ بَنَاتِ زَوْجَتِهِ) أَوْ أَرْضَعَتْ طِفْلًا أَوْ طِفْلَةَ زَوْجَةٍ لِأَبِيهِنَّ، (أَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَةً فَلَا أُمُومَةَ) لِوَاحِدَةٍ مِنْ الْمُرْضِعَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْ خَمْسًا (وَلَا يَصِيرُ) أَبُو الْمُرْضِعَاتِ (جَدًّا) لِلطِّفْلِ أَوْ الطِّفْلَةِ، لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْأُمُومَةِ (وَلَا) تَصِيرُ (زَوْجَتُهُ) أُمَّ الْمُرْضِعَاتِ (جَدَّةً) لِلطِّفْلِ أَوْ الطِّفْلَةِ (وَلَا) تَصِيرُ (إخْوَةُ الْمُرْضِعَاتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 602 أَخْوَالًا) لِلطِّفْلِ أَوْ الطِّفْلَةِ (وَلَا) تَصِيرُ (أَخَوَاتُهُنَّ) أَيْ الْمُرْضِعَاتِ (خَالَاتٍ) لِلطِّفْلِ أَوْ الطِّفْلَةِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ فُرُوعُ الْأُمُومَةِ، وَلَمْ تَثْبُتْ. (وَمَنْ) أَيْ: رَجُلٌ (أَرْضَعَتْ أُمُّهُ وَبِنْتُهُ وَأُخْتُهُ وَزَوْجَةُ ابْنِهِ طِفْلَةً) أَرْضَعَتْهَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ (رَضْعَةً رَضْعَةً؛ لَمْ تَحْرُمْ الطِّفْلَةُ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ ثُبُوتِ أُمُومَةِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. . (وَمَنْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِهَا مِنْ زَوْجٍ طِفْلًا ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ انْقَطَعَ لَبَنُهَا ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ) أَيْ: الطِّفْلَ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ أَوَّلًا (بِلَبَنِ زَوْجٍ آخَرَ) غَيْرِ الْأَوَّلِ (رَضْعَتَيْنِ) فِي الْعَامَيْنِ (ثَبَتَتْ الْأُمُومَةُ) لِإِرْضَاعِهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ (لَا الْأُبُوَّةُ) فِي حَقِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ عَدَدَ الرَّضَعَاتِ مِنْ لَبَنِهِ (وَلَا يَحِلُّ مُرْتَضِعٌ لَوْ كَانَ أُنْثَى لِوَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ) لِكَوْنِ الْمُرْتَضِعَةِ رَبِيبَتَهُمَا لَا لِكَوْنِهَا بِنْتَهمَا. (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِرَضِيعٍ حُرٍّ مُوسِرٍ، لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْحُرِّ لِلْأَمَةِ خَوْفَ الْعَنَتِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الطِّفْلِ (فَلَوْ أَرْضَعَتْهُ) أَيْ الْحُرَّ الصَّغِيرَ (بِلَبَنِهِ) أَيْ السَّيِّدِ (لَمْ تَحْرُمْ عَلَى السَّيِّدِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ حَقِيقَةً، (وَ) إنْ زَوَّجَهَا بِرَقِيقٍ رَضِيعٍ أَوْ حُرٍّ رَضِيعٍ (مَعَ إعْسَارِهِ) أَيْ: الْحُرِّ (لِحَاجَةِ خِدْمَةٍ) فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ سَيِّدِهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الرَّضِيعِ وَ (تَحْرُمُ) عَلَيْهِ وَعَلَى السَّيِّدِ أَبَدًا، أَمَّا الزَّوْجُ فَلِأَنَّهَا أَمَةٌ، وَأَمَّا السَّيِّدُ فَلِأَنَّهَا حَلِيلَةُ ابْنِهِ. [فَصْلٌ تَزَوَّجَ ذَاتَ لَبَنٍ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَتَزَوَّجَ صَغِيرَة فَأَرْضَعَتْهَا] فَصْلٌ: (وَمَنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ لَبَنٍ) مِنْ غَيْرِهِ (وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا) ، وَ (تَزَوَّجَ صَغِيرَةً فَأَكْثَرَ، فَأَرْضَعَتْ) ذَاتَ اللَّبَنِ (وَهِيَ زَوْجَةٌ أَوْ بَعْدَ إبَانَتِهِ) أَيْ: زَوْجِهَا لَهَا (صَغِيرَةً) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 603 مِمَّنْ تَزَوَّجَهُنَّ فِي الْعَامَيْنِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ (حَرُمَتْ) عَلَيْهِ الْكَبِيرَةُ الْمُرْضِعَةُ (أَبَدًا) لِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ؛ فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] (وَبَقِيَ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ) لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا، وَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْكَبِيرَةِ عِنْدَ تَمَامِ الرَّضَاعِ؛ فَلَمْ يَجْتَمِعَا كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ عَلَى أُخْتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ، وَأَيْضًا الْجَمْعُ طَرَأَ عَلَى نِكَاحِ الْأُمِّ فَاخْتَصَّ الْفَسْخُ بِنِكَاحِ الْأُمِّ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِالْأُمِّ (حَتَّى تَرْضَعَ) الْكَبِيرَةُ (ثَانِيَةً) مِنْ الزَّوْجَاتِ الْأَصَاغِرِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ (فَيَنْفَسِخَ نِكَاحُهُمَا) أَيْ: الصَّغِيرَتَيْنِ، لِاجْتِمَاعِ أُخْتَيْنِ فِي نِكَاحِهِ، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ الْأُخْرَى؛ فَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا (كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا) أَيْ: فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ بِأَنْ أَرْضَعَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ ثَدْيٍ، أَوْ حُلِبَ بِإِنَاءَيْنِ، وَسُقِيَ لَهُمَا مَعًا. (وَإِنْ أَرْضَعَتْ) الْكَبِيرَةُ (ثَلَاثًا) مِنْ زَوْجَاتِهِ الْأَصَاغِرِ (مُنْفَرِدَاتٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ مَعًا وَالثَّالِثَةُ مُنْفَرِدَةٌ، انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُولَيَيْنِ) لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ فِي عِصْمَتِهِ أُخْتَانِ (وَبَقِيَ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ) لِانْفِسَاخِ نِكَاحِ الْأُولَيَيْنِ قَبْلَ إرْضَاعِهَا؛ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا حِينَ إرْضَاعِهَا أَحَدٌ. (وَإِنْ أَرْضَعَتْ) الْكُبْرَى زَوْجَاتِهِ الْأَصَاغِرَ (الثَّلَاثَ بِأَنْ شَرِبْنَهُ مَحْلُوبًا مَعًا مِنْ أَوْعِيَةٍ أَوْ) أَرْضَعَتْ إحْدَاهُنَّ (مُنْفَرِدَةً، ثُمَّ) أَرْضَعَتْ (ثِنْتَيْنِ مَعًا، انْفَسَخَ نِكَاحُ الْجَمِيعِ) رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُنَّ جَمِيعُهُنَّ صِرْنَ أَخَوَاتٍ فِي نِكَاحِهِ (ثُمَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ) وَاحِدَةً (مِنْ الْأَصَاغِرِ) لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ تَحْرِيمُ جَمْعٍ لَا تَأْبِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهِنَّ (وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكُبْرَى حَرُمَ الْكُلُّ) عَلَيْهِ (عَلَى الْأَبَدِ) أَمَّا الْكَبِيرَةُ فَلِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ، وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَلِأَنَّهُنَّ رَبَائِبُ دَخَلَ بِأُمِّهِنَّ، وَلَا تَحْرُمُ الْأَصَاغِرُ عَلَى الْأَبَدِ إنْ ارْتَضَعْنَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ بِرَبَائِبَ، لَكِنْ مَتَى اجْتَمَعَ فِي نِكَاحِهِ أُخْتَانِ فَأَكْثَرُ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 604 (وَمَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ بِنْتُ امْرَأَةٍ) مِنْ نَسَبٍ وَمِثْلِهَا مِنْ رَضَاعٍ (كَأُمِّهِ وَجَدَّتِهِ وَأُخْتِهِ وَ) بِنْتِ أُخْتِهِ وَبِنْتِ أَخِيهِ أَوْ بِمُصَاهَرَةٍ (كَرَبِيبَتِهِ) الَّتِي دَخَلَ بِأُمِّهَا (إذَا أَرْضَعَتْ طِفْلَةً) رَضَاعًا مُحَرَّمًا (حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ) أَبَدًا كَبِنْتِهَا مِنْ نَسَبٍ. (وَمَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ بِنْتُ رَجُلٍ كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَخِيهِ وَابْنِهِ إذَا أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ أَوْ مَوْطُوءَتُهُ بِشُبْهَةٍ بِلَبَنِهِ طِفْلَةً) رَضَاعًا مُحَرَّمًا (حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ) لِأَنَّهَا صَارَتْ ابْنَةَ مَنْ تَحْرُمُ ابْنَتُهُ عَلَيْهِ (وَيَنْفَسِخُ فِيهَا) أَيْ: فِي الصُّورَتَيْنِ (النِّكَاحُ إنْ كَانَتْ) الطِّفْلَةُ (زَوْجَةً) فَإِنْ أَرْضَعَتْهَا بِلَبَنِ غَيْرِهِ؛ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَتُهُ، وَإِنْ أَرْضَعَتْهَا مَنْ لَا تَحْرُمُ بِنْتُهَا عَلَيْهِ كَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ، لَمْ تُحَرِّمْهَا عَلَيْهِ. (فَمَنْ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ فَأَرْضَعَتْ جَدَّتُهَا الزَّوْجَ) فِي صِغَرِهِ (صَارَ عَمَّ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ أَخُو أَبِيهَا مِنْ الرَّضَاعِ (أَوْ) أَرْضَعَتْ جَدَّتُهُمَا (الزَّوْجَةَ) فِي الْحَوْلَيْنِ (صَارَتْ عَمَّتَهُ) أَيْ: عَمَّةَ زَوْجِهَا (أَوْ أَرْضَعَتْهُمَا) مَعًا (صَارَ) الزَّوْجُ (عَمَّهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (وَ) صَارَتْ (هِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةُ (عَمَّتَهُ) أَيْ: عَمَّةَ الزَّوْجِ. (وَإِنْ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمَّتِهِ فَأَرْضَعَتْ جَدَّتُهُمَا) الزَّوْجَ (صَارَ الزَّوْجُ خَالَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (أَوْ) أَرْضَعَتْ جَدَّتُهُمَا (الزَّوْجَةَ) رَضَاعًا مُحَرِّمًا (صَارَتْ) الزَّوْجَةُ (عَمَّتَهُ) أَيْ الزَّوْجِ. (وَإِنْ تَزَوَّجَ بِنْتَ خَالِهِ فَأَرْضَعَتْ جَدَّتُهُمَا) الزَّوْجَ (صَارَ الزَّوْجُ عَمَّ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ أَخُو أَبِيهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ (وَإِنْ أَرْضَعَتْهَا صَارَتْ خَالَتَهُ) لِكَوْنِهَا أُخْتَ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ. (وَإِنْ تَزَوَّجَ بِنْتَ خَالَتِهِ فَأَرْضَعَتْ الزَّوْجَ صَارَ خَالَ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهَا أُخْتُ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ (أَوْ أَرْضَعَتْ الزَّوْجَةَ صَارَتْ خَالَةَ زَوْجِهَا) . (وَإِنْ أَرْضَعَتْ أُمَّ وَلَدِهِ امْرَأَةَ ابْنِهِ بِلَبَنِهِ) رَضَاعًا مُحَرِّمًا؛ فَسَخَتْ نِكَاحَهَا (وَحَرَّمَتْهَا) عَلَيْهِ أَبَدًا (لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتَهُ) مِنْ الرَّضَاعَةِ. (وَإِنْ أَرْضَعَتْ أُمُّ وَلَدِهِ زَوْجَةَ أَبِيهِ بِلَبَنِهِ حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ وَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا) لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَ ابْنِهِ (وَيَرْجِعُ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا غَرِمَهُ لِزَوْجَتِهِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 605 وَهُوَ نِصْفُ صَدَاقِهَا الْمُسَمَّى أَوْ الْمُتْعَةِ إنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا (أَوْ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنَايَةِ أُمِّ وَلَدِهِ) وَجِنَايَتُهَا تُضْمَنُ كَذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلِابْنِ عَلَى أَبِيهِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا إذْ لَيْسَ لَهُ طَلَبُهُ بِالدَّيْنِ وَنَحْوِهِ (وَإِنْ أَرْضَعَتْ) أُمُّ وَلَدِهِ (وَاحِدَةً مِنْهُمَا بِغَيْرِ لَبَنِ سَيِّدِهَا، لَمْ تُحَرِّمْهَا) عَلَيْهِ، وَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا (لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَارَتْ بِنْتَ أُمِّ وَلَدِهِ) وَهِيَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ. (وَمَنْ لِامْرَأَتِهِ ثَلَاثُ بَنَاتٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَأَرْضَعْنَ) أَيْ: بَنَاتُهَا (ثَلَاثَ نِسْوَةٍ لَهُ) أَيْ: لِزَوْجِ أُمِّهِنَّ (كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ) مِنْ رَبَائِبِهِ أَرْضَعَتْ (وَاحِدَةً إرْضَاعًا كَامِلًا) فِي الْعَامَيْنِ، (وَلَمْ يَدْخُلْ بِالْكُبْرَى) أَيْ: أُمِّ الرَّبَائِبِ (حَرُمَتْ عَلَيْهِ) الْكُبْرَى أَبَدًا. لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ جَدَّاتِ نِسَائِهِ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] . (وَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْ الصِّغَارِ) الْمُرْتَضِعَاتِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ أَخَوَاتٍ (وَ) إنَّمَا (هُنَّ بَنَاتُ خَالَاتٍ) وَلَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ بَنَاتِ الْخَالَاتِ وَلَا يَحْرُمْنَ بِكَوْنِهِنَّ رَبَائِبَ؛ لِأَنَّ الرَّبِيبَةَ لَا تَحْرُمُ إلَّا بِالدُّخُولِ بِأُمِّهَا أَوْ جَدَّتِهَا وَلَمْ يَحْصُلْ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ مَنْ كَمُلَ رَضَاعُهَا أَوْ لَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُمِّ حَرُمَ الصِّغَارُ أَبَدًا أَيْضًا، لِأَنَّهُنَّ رَبَائِبُ دَخَلَ بِجَدَّتِهِنَّ. (وَإِنْ أَرْضَعْنَ) أَيْ: بَنَاتُ زَوْجَتِهِ (وَاحِدَةً) مِنْ زَوْجَاتِهِ الصِّغَارِ أَرْضَعَتْهَا (كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَتَيْنِ حَرُمَتْ الْكُبْرَى) لِأَنَّهَا صَارَتْ جَدَّةَ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَةَ رَضَعَتْ مِنْ اللَّبَنِ الَّذِي نَشَرَ الْحُرْمَةَ إلَيْهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْخَمْسُ مِنْ بِنْتٍ وَاحِدَةٍ قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " تَبَعًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَالرِّعَايَتَيْنِ " وَالْحَاوِي " وَقَوَّاهُ النَّاظِمُ (وَصَحَّحَ فِي الْإِنْصَافِ) أَنَّهَا (لَا تَحْرُمُ) وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْمُنْتَهَى " مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَاتُ بَنَاتِهِ أَوْ بَنَاتِ زَوْجَتِهِ فَلَا أُمُومَةَ أَيْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْ خَمْسًا. (وَيَتَّجِهُ وَهُوَ) أَيْ: مَا صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " هُوَ (الْأَصَحُّ) اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 606 وَالشَّارِحُ " لِأَنَّ كَوْنَهَا جَدَّةً فَرْعٌ عَلَى كَوْنِ ابْنَتِهَا أُمًّا، وَلَمْ تَثْبُتْ الْأُمُومَةُ؛ فَمَا هُوَ فَرْعٌ عَلَيْهَا أَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْلَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِذَا طَلَّقَ) رَجُلٌ (زَوْجَةً لَهَا لَبَنٌ مِنْهُ، فَتَزَوَّجَتْ بِصَبِيٍّ) لَمْ يَتِمَّ لَهُ حَوْلَانِ (فَأَرْضَعَتْهُ) أَيْ: الصَّبِيَّ (بِلَبَنِهِ) أَيْ: الْمُطَلِّقِ (إرْضَاعًا كَامِلًا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا) مِنْ الصَّبِيِّ لِصَيْرُورَتِهَا أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ (وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ) أَبَدًا، لِمَا تَقَدَّمَ (وَ) حَرُمَتْ (عَلَى) الزَّوْجِ (الْأَوَّلِ أَبَدًا) لِأَنَّهَا مِنْ حَلَائِلِ أَبْنَائِهِ (وَلَوْ تَزَوَّجَتْ الصَّبِيَّ أَوَّلًا) أَيْ: قَبْلَ الرَّجُلِ (ثُمَّ فَسَخَتْ نِكَاحَهُ) أَيْ: الصَّبِيِّ (لِمُقْتَضٍ) لِفَسْخِهِ كَإِعْسَارٍ بِمُقَدَّمِ صَدَاقٍ أَوْ فَقْدِ نَفَقَةٍ أَوْ عَيْبٍ (ثُمَّ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا كَبِيرًا فَصَارَ لَهَا) بِحَمْلِهَا (مِنْهُ لَبَنٌ، فَأَرْضَعَتْ بِهِ الصَّبِيَّ) حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا أَبَدًا، أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي هِيَ زَوْجَتُهُ فَلِصَيْرُورَتِهَا مِنْ حَلَائِلِ أَبْنَائِهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهَا أُمُّهُ. (أَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ أَمَتَهُ بِعَبْدٍ لَهُ رَضِيعٍ، ثُمَّ عَتَقَتْ) الْأَمَةُ (فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ) أَيْ: زَوْجِهَا الْعَبْدِ الرَّضِيعِ (ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِمَنْ أَوْلَدَهَا، فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ) فِي الْعَامَيْنِ (حَرُمَتْ عَلَيْهَا أَبَدًا) لِمَا تَقَدَّمَ أَمَّا الصَّغِيرُ فَلِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّهُ، وَأَمَّا الْكَبِيرُ فَلِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ بِالنِّسْبَةِ لَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 607 [فَصْلٌ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا بِرَضَاعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ] فَصْلٌ (وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا بِرَضَاعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَلَا مَهْرَ لَهَا) لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ (وَإِنْ كَانَتْ طِفْلَةً بِأَنْ تَدِبَّ) الطِّفْلَةُ (فَتَرْضَعَ) رَضَاعًا مُحَرِّمًا لَهَا عَلَى زَوْجِهَا (مِنْ) امْرَأَةٍ (نَحْوَ نَائِمَةٍ) كَمَجْنُونَةٍ (أَوْ) مِنْ (مُغْمًى عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلزَّوْجِ فِي الْفَسْخِ؛ فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا لَوْ دَبَّتْ تِلْكَ الطِّفْلَةُ فَارْتَضَعَتْ مِنْ امْرَأَةٍ (يَقِظَةٍ فَأَقَرَّتْهَا) حَتَّى أَكْمَلَتْ خَمْسَ رَضَعَاتٍ (فَلَا مَهْرَ لَهَا) أَيْ الْكَبِيرَةِ إنْ كَانَتْ أَرْضَعَتْهَا (قَبْلَهُ) أَيْ الدُّخُولِ؛ لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا، وَلَهُ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِأُمِّهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَسْقُطُ) الْمَهْرُ (بَعْدَهُ) أَيْ: الدُّخُولِ بِوَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُقَرِّرُهُ لِتَقَرُّرِهِ (وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (بِخِلَافِ أَجْنَبِيٍّ) وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ أَفْسَدَهُ) أَيْ: النِّكَاحَ (غَيْرُهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (لَزِمَهُ) أَيْ. الزَّوْجَ (قَبْلَ دُخُولٍ نِصْفُهُ) أَيْ: الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُمَا فِي الْفَسْخِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا، (وَ) لَزِمَهُ (بَعْدَهُ) أَيْ: الدُّخُولِ (كُلُّهُ) أَيْ: الْمَهْرِ؛ لِتَقَرُّرِهِ (وَيَرْجِعُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 608 زَوْجٌ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ مَهْرٍ أَوْ نِصْفِهِ (فِيهِمَا) أَيْ: فِيمَا إذَا أُفْسِدَا لِغَيْرِ النِّكَاحِ قَبْلَ دُخُولٍ وَبَعْدَهُ (عَلَى مُفْسِدٍ) لِنِكَاحِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ قَاسِمٍ؛ لِأَنَّ (الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ كُلَّهُ) عَلَى زَوْجِهَا، فَيَرْجِعُ بِمَا لَزِمَهُ كَنِصْفِ الْمَهْرِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (لَوْ قَتَلَ سَيِّدَ أَمَتِهِ؛ رَجَعَ عَلَيْهِ) زَوْجُهَا بِالْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ أَغْرَمَهُ الْمَالَ الَّذِي بُذِلَ فِي نَظِيرِ الْبُضْعِ بِإِتْلَافِهِ عَلَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْهُ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعُوا وَقَدْ شَهِدُوا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَهَا) أَيْ: الْمُنْفَسِخِ نِكَاحُهَا بِالرَّضَاعِ مِنْ غَيْرِهَا (الْأَخْذُ مِنْ الْمُفْسِدِ) لِنِكَاحِهَا مَا وَجَبَ لَهَا نَصًّا؛ لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ (وَيُوَزِّعُ) مَا لَزِمَ زَوْجًا (مَعَ تَعَدُّدِ) مُفْسِدٍ لِنِكَاحٍ (عَلَى) عَدَدِ (رَضَعَاتِهِنَّ الْمُحَرِّمَةِ لَا عَلَى) عَدَدِ (رُءُوسِهِنَّ) أَيْ: الْمُرْضِعَاتِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ اشْتَرَكْنَ فِيهِ، فَلَزِمَهُنَّ بِقَدْرِ مَا أَتْلَفَتْ كُلٌّ مِنْهُنَّ كَإِتْلَافِهِنَّ عَيْنًا مُتَفَاوِتَاتٍ فِيهَا. (فَلَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَتُهُ الْكُبْرَى الصُّغْرَى) رَضَاعًا مُحَرِّمًا (وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا) بِأَنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكُبْرَى (فَعَلَيْهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (نِصْفُ مَهْرِ الصُّغْرَى يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكُبْرَى) لِإِفْسَادِهَا نِكَاحَهَا، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا (وَلَمْ يَسْقُطْ مَهْرُ الْكُبْرَى) لِتَقَرُّرِهِ بِالدُّخُولِ (وَإِنْ كَانَتْ الصُّغْرَى دَبَّتْ إلَى الْكُبْرَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 609 فَارْتَضَعَتْ) مِنْهَا خَمْسًا (وَهِيَ نَائِمَةٌ) أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا (فَلَا مَهْرَ لِلصُّغْرَى) لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا (وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا) أَيْ: الصُّغْرَى فِي مَالِهَا (بِمَهْرِ الْكُبْرَى) كُلِّهِ (إنْ دَخَلَ بِهَا) أَيْ: الْكُبْرَى؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) يَكُنْ دَخَلَ بِالْكُبْرَى (فَبِنِصْفِهِ) أَيْ: مَهْرِ الْكُبْرَى يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الصُّغْرَى؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ بِذَلِكَ، وَلَا تَحْرُمُ الصُّغْرَى حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ بِالْكُبْرَى. (وَإِنْ دَبَّتْ) الصُّغْرَى (فَارْتَضَعَتْ رَضْعَتَيْنِ مِنْ نَائِمَةٍ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَتْ) النَّائِمَةُ (فَأَتَمَّتْ لَهَا ثَلَاثًا) فَقَدْ حَصَلَ الْفَسَادُ بِفِعْلِهِمَا (فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ نِصْفِ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ) وَيَسْقُطُ خُمُسٌ فِي مُقَابَلَةِ مَا ارْتَضَعَتْ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ (وَيَرْجِعُ بِهِ) أَيْ: بِمَا يَغْرَمُهُ لِلصَّغِيرَةِ (عَلَى الْكَبِيرَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ، (وَ) عَلَيْهِ (مَهْرُ الْكَبِيرَةِ) لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِدُخُولِهِ بِهَا، وَ (يَرْجِعُ بِخُمُسَيْهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ) لِأَنَّهَا تَسَبَّبَتْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَإِتْلَافِ الْبُضْعِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ) بِالْكَبِيرَةِ فَعَلَيْهِ خُمُسُ مَهْرِهَا وَ (يَسْقُطُ الْبَاقِي) فِي نَظِيرِ فِعْلِهَا بَعْدَ انْتِبَاهِهَا (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ) لِكَوْنِهَا تَسَبَّبَتْ بِدَبِيبِهَا. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ أَرْضَعَتْ بِنْتُ الزَّوْجَةِ الْكَبِيرَةِ الزَّوْجَةَ الصَّغِيرَةَ؛ فَالْحُكْمُ فِي التَّحْرِيمِ وَالْفَسْخِ كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْهَا الْكَبِيرَةُ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَحَرُمَتَا أَبَدًا، وَإِلَّا حَرُمَتْ الْكُبْرَى، وَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَحْدَهَا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْمُرْضِعَةِ الَّتِي أَفْسَدَتْ النِّكَاحَ؛ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا يَغْرَمُهُ لَهُمَا أَوْ لِإِحْدَاهُمَا لِتَسَبُّبِهَا فِي غُرْمِهِ، وَتَفْوِيتِهَا الْبُضْعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرْضَعَتْ أُمُّ زَوْجَتِهِ الْكَبِيرَةِ زَوْجَةً لَهُ صَغِيرَةً؛ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ اجْتَمَعَتَا فِي النِّكَاحِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ؛ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ بِنِصْفِ صَدَاقِهَا الَّذِي غَرِمَهُ لِتَسَبُّبِهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ؛ فَلَهُ نِكَاحُهَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَاؤُهُ، وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْكَبِيرَةِ، لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ أُخْتَهَا؛ فَلَا يَنْكِحُهَا فِي عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 610 زَمَنَ الْعِدَّةِ كَالزَّوْجِيَّةِ كَمَا سَبَقَ فِي النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ أَرْضَعَتْهَا جَدَّةُ الْكَبِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ عَمَّةَ الْكَبِيرَةِ إنْ كَانَتْ الْجَدَّةُ لِأَبٍ أَوْ تَصِيرُ خَالَتَهَا إنْ كَانَتْ جَدَّةً لِأُمٍّ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا مُحَرَّمٌ كَالنَّسَبِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرْضَعَتْهَا أُخْتُ الْكَبِيرَةِ أَوْ زَوْجَةُ أَخِيهَا بِلَبَنِهِ، أَوْ أَرْضَعَتْهَا بِنْتُ أَخِيهَا أَوْ بِنْتُ أُخْتِهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَ أُخْتِ الْكَبِيرَةِ أَوْ بِنْتَ أَخِيهَا أَوْ بِنْتَ بِنْتِ أَخِيهَا أَوْ بِنْتَ بِنْتِ أُخْتِهَا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَرَّمٌ، وَلَا تَحْرِيمَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا عَلَى التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمُ جَمْعٍ إلَّا إذَا أَرْضَعَتْهَا بِنْتُ الْكَبِيرَةِ وَقَدْ دَخَلَ بِأُمِّهَا فَيَحْرُمُ عَلَى الْأَبَدِ كُلٌّ مِنْهُمَا، أَمَّا الْكُبْرَى، فَلِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ، فَلِأَنَّهَا بِنْتُ رَبِيبَةٍ دَخَلَ بِأُمِّهَا. (وَمَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ نِسْوَةٍ لَهُنَّ لَبَنٌ مِنْهُ، فَأَرْضَعْنَ زَوْجَةً لَهُ صُغْرَى) أَرْضَعَتْهَا (كُلُّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُنَّ (رَضْعَتَيْنِ؛ لَمْ تَحْرُمْ الْمُرْضِعَاتُ) لِأَنَّهُ لَا أُمُومَةَ لِإِحْدَاهُنَّ عَلَيْهَا (وَحَرُمَتْ الصُّغْرَى) عَلَيْهِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا بِنْتُهُ؛ لِارْتِضَاعِهَا مِنْ لَبَنِهِ خَمْسًا (وَعَلَيْهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (نِصْفُ مَهْرِهَا) أَيْ: الصُّغْرَى (يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِنَّ) أَيْ: نِسَائِهِ الثَّلَاثِ (أَخْمَاسًا) لِأَنَّ الرَّضَعَاتِ الْمُحَرِّمَةَ خَمْسٌ (خُمُسَاهُ عَلَى مَنْ أَرْضَعَتْ مَرَّتَيْنِ) أَيْ: عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُرْضِعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ خُمُسَا النِّصْفِ؛ لِوُجُودِ رَضْعَتَيْنِ مُحَرِّمَتَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (وَخُمُسُهُ) أَيْ: النِّصْفِ (عَلَى مَنْ أَرْضَعَتْ مَرَّةً) وَهِيَ الثَّالِثَةُ؛ لِحُصُولِ التَّحْرِيمِ بِإِرْضَاعِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتِمَّةُ الْخَمْسِ؛ فَلَا أَثَرَ لِلسَّادِسَةِ. [فَرْعٌ أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ زَوْجَةً لَهُ صُغْرَى] (فَرْعٌ لَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ زَوْجَةً لَهُ صُغْرَى) رَضَاعًا مُحَرِّمًا (فَحَرَّمَتْهَا) عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأَمَةِ (فَمَا لَزِمَهُ) مِنْ صَدَاقِ الصَّغِيرَةِ وَهُوَ نِصْفٌ لَهُ (فَفِي رَقَبَةِ الْأَمَةِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنَايَتِهَا. (وَإِنْ أَرْضَعَتْهَا) أَيْ: زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ (أُمُّ وَلَدِهِ حَرُمَتَا عَلَيْهِ أَبَدًا) أَمَّا الزَّوْجَةُ فَلِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَهُ أَوْ رَبِيبَتَهُ، وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَلِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ (وَلَا غُرْمَ عَلَيْهَا) أَيْ: أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا أَفْسَدَتْ عَلَى سَيِّدِهَا نِكَاحَ الزَّوْجَةِ الصَّغِيرَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا غُرْمٌ (وَتَغْرَمُ مُكَاتَبَتُهُ) إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُفْسِدَةُ لِنِكَاحِ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا أَرْشُ جِنَايَتِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 611 [فَصْلٌ شَكَّ الزَّوْج فِي وُجُودِ رَضَاعٍ] فَصْلٌ (وَإِنْ شَكَّ فِي) وُجُودِ (رَضَاعٍ بُنِيَ عَلَى الْيَقِينِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. (أَوْ) شَكَّ فِي (عَدَدِهِ) أَيْ: الرَّضَاعِ (بُنِيَ عَلَى الْيَقِينِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحِلِّ وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي وُقُوعِهِ فِي الْعَامَيْنِ أَوْ كَمَالِهِ وَلَا بَيِّنَةَ فَلَا تَحْرِيمَ، وَتَقَدَّمَ (وَ) تَكُونُ الَّتِي لَوْ ثَبَتَ رَضَاعُهَا خَمْسًا حَرُمَتْ مِنْ الشُّبُهَاتِ (تَرْكُهَا أَوْلَى) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِحَدِيثِ: «مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» . (وَإِنْ شَهِدَ بِهِ) أَيْ الرَّضَاعِ الْمُحَرَّمِ امْرَأَةٌ (مَرْضِيَّةٌ) عَلَى فِعْلِهَا بِأَنْ شَهِدَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ خَمْسًا فِي الْحَوْلَيْنِ، أَوْ شَهِدَتْ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهَا بِأَنْ شَهِدَتْ أَنَّ فُلَانَةَ أَرْضَعَتْهُ خَمْسًا فِي الْحَوْلَيْنِ، (أَوْ) شَهِدَ بِذَلِكَ (رَجُلٌ عَدْلٌ ثَبَتَ) الرَّضَاعُ بِذَلِكَ، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ وَلَا عَلَى الشَّاهِدِ لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: «تَزَوَّجَتْ أُمُّ يَحْيَى بِنْتُ أَبِي إهَابٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ؛ فَنَهَاهُ عَنْهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: دَعْهَا عَنْكَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: فُرِّقَ بَيْنَ أَهْلِ أَبْيَاتٍ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ لِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى عَوْرَةٍ فَتُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ كَالْوِلَادَةِ، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ، فَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ، وَالْمُتَبَرِّعَةُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ، وَغَيْرُ الْمَرْضِيَّةِ لَا تُقْبَلُ. (وَمَنْ تَزَوَّجَ) امْرَأَةً (ثُمَّ قَالَ) قَبْلَ الدُّخُولِ (هِيَ أُخْتِي مِنْ رَضَاعٍ انْفَسَخَ النِّكَاحُ) وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ (حُكْمًا) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ؛ فَلَزِمَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 612 ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ أَوْ أَنَّ أَمَتَهُ أُخْتُهُ مِنْ النَّسَبِ، (وَ) انْفَسَخَ أَيْضًا (فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إنْ كَانَ صَادِقًا) أَيْ: تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا نِكَاحَ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ؛ فَلَا تَحِلُّ لَهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ صَادِقًا (فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ كَذِبَهُ لَا يُحَرِّمُهَا، وَالْمُحَرَّمُ حَقِيقَةً الرَّضَاعُ لَا الْقَوْلُ (وَلَهَا) أَيْ: الَّتِي أَقَرَّ زَوْجُهَا أَنَّهَا أُخْتُهُ الْمَهْرُ إنْ أَقَرَّ بِأُخُوَّتِهَا (بَعْدَ الدُّخُولِ) بِهَا (وَلَوْ صَدَّقَتْهُ) أَنَّهُ أَخُوهَا بِمَا نَالَ مِنْهَا (مَا لَمْ تُطَاوِعْهُ) الْحُرَّةُ عَلَى الْوَطْءِ (عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ) فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ. (وَيَسْقُطُ) مَهْرُ مَنْ أَقَرَّ بِأُخُوَّتِهَا (قَبْلَهُ) أَيْ: الدُّخُولِ (إنْ صَدَّقَتْهُ) وَهِيَ حُرَّةٌ عَلَى إقْرَارِهِ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا يَقْبَلُ عَلَيْهَا. (وَإِنْ قَالَتْ هِيَ ذَلِكَ) أَيْ: هُوَ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ (وَأَكْذَبَهَا؛ فَهِيَ زَوْجَتُهُ حُكْمًا) حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهَا؛ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَيْهِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهَا ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا لِأَنَّهَا تُقِرُّ بِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَخْذُهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا، فَإِنْ عَلِمَتْ صِحَّةَ مَا أَقَرَّتْ بِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا مُسَاكَنَتُهُ وَلَا تَمْكِينُهُ مِنْ وَطْئِهَا وَلَا مِنْ دَوَاعِيهِ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَفْتَدِيَ وَتَفِرَّ مِنْهُ كَمَا قُلْنَا فِي الَّتِي عَلِمَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَتَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا مَهْرَ) عَلَيْهِ لِمَنْ ظَهَرَتْ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ (لَوْ أَبَانَهَا قَبْلَ وَطْءٍ) وَلَا خَلْوَةٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَ عَقْدِهِ عَلَيْهَا كَعَدَمِهِ، (وَ) يَتَّجِهُ أَنَّهُ (لَا يَرْجِعُ) الزَّوْجُ (بِنِصْفِهِ) أَيْ: الصَّدَاقِ (لَوْ قَبَضَ) لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِالْقَبْضِ (كَمَا لَا) : يَسُوغُ لَهَا أَنْ (تُطَالِبَ بِهِ) أَيْ: الْمَهْرِ (لَوْ لَمْ يُقْبَضْ) لِبُطْلَانِ نِكَاحِهَا؛ فَلَا تَسْتَحِقُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 613 الْمُطَالَبَةَ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ قَالَ) عَنْ زَوْجَتِهِ (هِيَ ابْنَتِي مِنْ رَضَاعٍ وَهِيَ فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ) أَيْ: كَوْنَهَا بِنْتَه كَأَنْ كَانَتْ قَدْرَهُ فِي السِّنِّ أَوْ أَكْبَرَ (لَمْ تَحْرُمْ) عَلَيْهِ (لِتَيَقُّنِ كَذِبِهِ) بِعَدَمِ احْتِمَالِ صِدْقِهِ (وَإِنْ اُحْتُمِلَ) صِدْقُهُ فِي أَنَّهَا بِنْتُهُ بِأَنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ (فَكَمَا لَوْ قَالَ هِيَ أُخْتِي مِنْ رَضَاعٍ) عَلَى مَا مَرَّ مُفَصَّلًا. (وَلَوْ ادَّعَى) مَنْ أَقَرَّ مِنْهُمَا بِمَا يُؤَاخَذُ بِهِ (بَعْدَ ذَلِكَ خَطَأً، لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ بِحَقٍّ عَلَيْهِ (كَقَوْلِهِ ذَلِكَ) أَيْ: هِيَ أُخْتِي (لِأَمَتِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ) فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ (وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: أَحَدُ اثْنَيْنِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ (ذَلِكَ قَبْلَ النِّكَاحِ) بِأَنْ قَالَ: هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ، أَوْ قَالَتْ هُوَ أَخِي مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ أَوْ قَالَتْ: كَذَبْت (لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ) عَنْ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ (ظَاهِرًا) فَلَا يُمَكَّنَانِ مِنْ النِّكَاحِ، وَإِنْ تَنَاكَحَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَأَنْكَرَ وَاعْتَرَفَ بِالْبَيْنُونَةِ، فَلَا يُمَكَّنَانِ مِنْ النِّكَاحِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إنْ تَنَاكَحَا. (وَمَنْ ادَّعَى أُخُوَّةَ أَجْنَبِيَّةٍ) غَيْرِ زَوْجَتِهِ، أَوْ ادَّعَى بُنُوَّتَهَا مِنْ رَضَاعٍ (وَيَتَّجِهُ لِيَصِيرَ) بِدَعْوَاهُ (مَحْرَمًا) لَهَا؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَّبَتْهُ، قُبِلَتْ شَهَادَةُ أُمِّهَا) مِنْ نَسَبٍ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَيْهَا (وَ) شَهَادَةُ (بِنْتِهَا مِنْ نَسَبٍ) عَلَى إقْرَارِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 614 (بِذَلِكَ) عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ مَرْضِيَّةً، وَتَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا، وَ (لَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (أُمِّهِ وَلَا) شَهَادَةُ (بِنْتِهِ) مِنْ نَسَبٍ عَلَيْهَا كَسَائِرِ شَهَادَاتِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لِوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ. (وَإِنْ ادَّعَتْ ذَلِكَ) هِيَ بِأَنْ قَالَتْ: فُلَانٌ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أَبِي أَوْ ابْنِي مِنْهُ، وَسِنُّهَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ (وَكَذَّبَهَا) فُلَانٌ (فَبِالْعَكْسِ) فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أُمِّهِ وَبِنْتِهِ مِنْ نَسَبٍ عَلَيْهِ، لَا أُمِّهَا وَبِنْتِهَا؛ لِمَا سَبَقَ. (وَيَتَّجِهُ وَ) لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أُخُوَّةَ أَوْ بُنُوَّةَ صَاحِبِهِ مِنْ رَضَاعٍ (مَعَ تَصْدِيقِ) الزَّوْجِ (لِلْآخَرِ) فَإِنَّهُ (يَصِيرُ) كُلٌّ مِنْهُمَا (مُحَرَّمًا) عَلَى الْآخَرِ لِإِقْرَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ الْأَغْلَظُ فِي حَقِّهِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ، وَمَحَلُّ قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُمَا (مَعَ عَدَالَتِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الدِّيَانَة تَحْمِلُهُمَا عَلَى اجْتِنَابِ مَا لَا يَنْبَغِي (وَاحْتُمِلَ) أَيْضًا (وَإِلَّا) يَكُونَا عَدْلَيْنِ (مُنِعَا) مِنْ الْبَقَاءِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ بَاطِنًا (لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ وُجُودَ قَوْلِ الْفَاسِقِ وَعَدَمِهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ ادَّعَتْ أَمَةٌ أُخُوَّةَ) سَيِّدِهَا لَهَا (بَعْدَ وَطْئِهِ) لَهَا مُطَاوَعَةً (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا مُطْلَقًا) ؛ لِدَلَالَةِ تَمْكِينِهَا عَلَى كَذِبِهَا (وَ) إنْ ادَّعَتْ أُخُوَّةَ سَيِّدِهَا (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ وَطْئِهِ لَهَا مُطَاوَعَةً (يُقْبَلُ) قَوْلُهَا (فِي تَحْرِيمِ وَطْءٍ) كَدَعْوَاهَا أَنَّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 615 مُزَوَّجَةٌ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا وَ (لَا) يُقْبَلُ (قَوْلُهَا فِي ثُبُوتِ عِتْقٍ وَإِرْثٍ) لِدَعْوَاهَا زَوَالَ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ قَالَتْ اعْتِقْنِي. (وَكُرِهَ اسْتِرْضَاعُ فَاجِرَةٍ وَ) اسْتِرْضَاعُ (مُشْرِكَةٍ وَحَمْقَاءَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَزَوَّجُوا الْحَمْقَاءَ فَإِنَّ صُحْبَتَهَا بَلَاءٌ وَفِي وَلَدِهَا ضَيَاعٌ، وَلَا تَسْتَرْضِعُوهَا فَإِنَّ لَبَنَهَا يُغَيِّرُ الطِّبَاعَ» (وَسَيِّئَةُ خُلُقٍ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْحَمْقَاءِ. (وَ) كُرِهَ اسْتِرْضَاعُ (جَذْمَاءَ وَبَرْصَاءَ) خَشْيَةَ وُصُولِ أَثَرِ ذَلِكَ إلَى الرَّضِيعِ، وَفِي " الْمُجَرَّدِ " (وَبَهِيمَةٍ) لِأَنَّهُ يَكُونُ بِهِ بَلَدُ الْبَهِيمَةِ (وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَعَمْيَاءَ فَإِنَّهُ يُقَالُ: الرَّضَاعُ يُغَيَّرُ الطِّبَاعَ) وَيُؤَيِّدُ مَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ، بَلْ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْسُوسًا. (وَلَيْسَ لِزَوْجَةٍ إرْضَاعُ غَيْرِ وَلَدِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجٍ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّهِ عَلَيْهِ. [كِتَابُ النَّفَقَاتِ] ِ (النَّفَقَاتُ جَمْعُ نَفَقَةٍ) وَتُجْمَعُ عَلَى نِفَاقٍ كَثَمَرَةٍ وَثِمَارٍ (وَهِيَ) فِي الْأَصْلِ الدَّرَاهِمُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْأَمْوَالِ. وَشَرْعًا (كِفَايَةُ مَنْ يُمَوِّنُهُ خُبْزًا وَأُدْمًا) بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا (وَمَسْكَنًا وَتَوَابِعَهَا) أَيْ: تَوَابِعَ الْخُبْزِ وَالْأُدْمِ وَالْكِسْوَةِ وَالْمَسْكَنِ كَثَمَنِ الْمَاءِ وَالْمُشْطِ وَالسُّتْرَةِ وَدُهْنِ الْمِصْبَاحِ وَالْغِطَاءِ وَالْوِطَاءِ وَنَحْوِهَا، وَأَصْلُهَا الْإِخْرَاجُ مِنْ النَّافِقَاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ يَجْعَلُهُ الْيَرْبُوعُ فِي مُؤَخَّرِ الْجُحْرِ رَقِيقًا يُعِدُّهُ لِلْخُرُوجِ إذَا أَتَى مِنْ بَابِهِ رَفَعَهُ بِرَأْسِهِ، وَخَرَجَ، وَمِنْهُ سُمِّيَ النِّفَاقُ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْإِيمَانِ، أَوْ خُرُوجُ الْإِيمَانِ مِنْ الْقَلْبِ، فَسُمِّيَ الْخُرُوجُ نَفَقَةً كَذَلِكَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 616 وَهِيَ أَصْنَافٌ: نَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ، وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ هُنَا، وَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ وَتَأْتِي (فَعَلَى زَوْجٍ مَا لَا غِنَاءَ لِزَوْجَتِهِ عَنْهُ) إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] الْآيَةَ. وَمَعْنَى (قُدِرَ) ضُيِّقَ. لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد. وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَا بَالِغَيْنِ وَلَمْ تَكُنْ نَاشِزًا. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَحْبُوسَةٌ لِحَقِّ الزَّوْجِ، يَمْنَعُهَا ذَلِكَ عَنْ التَّصَرُّفِ وَالْكَسْبِ، فَتَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَتْ (مُعْتَدَّةً مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، وَيَتَّجِهُ وَلَمْ تَحْمِلْ) مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ، أَمَّا إذَا حَمَلَتْ فَنَفَقَتُهَا عَلَى مَنْ أَحْبَلَهَا مُدَّةَ الْحَمْلِ، لِأَنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ بِهِ وَالنَّفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ إلَى الْوَضْعِ، وَهَذَا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ " فَلَا حَاجَةَ لِجَعْلِهِ اتِّجَاهًا، وَمَحَلُّ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ عَلَى الزَّوْجِ إنْ كَانَتْ (غَيْرَ مُطَاوِعَةٍ) لِوَاطِئٍ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهَا أَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ فَإِنْ طَاوَعَتْ عَالِمَةً أَنَّهُ غَيْرُ زَوْجِهَا، أَوْ تَظُنُّهُ غَيْرَهُ؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا (مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى بِالْمَعْرُوفِ) بَيَانٌ لِمَا لَا غِنَاءَ لَهَا عَنْهُ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ. (وَيَعْتَبِرُ حَاكِمٌ ذَلِكَ إنْ تَنَازَعَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ فِي قَدْرِ ذَلِكَ أَوْ صِفَتِهِ (بِحَالِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ يَسَارًا وَإِعْسَارًا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ لِلزَّوْجَةِ؛ فَكَانَ النَّظَرُ يَقْتَضِي أَنْ يُعْتَبَرَ ذَلِكَ بِحَالِهَا كَالْمَهْرِ، لَكِنْ قَالَ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] الْآيَةَ فَأَمَرَ الْمُوسِرَ بِالسَّعَةِ فِي النَّفَقَةِ، وَرَدَّ الْفَقِيرَ إلَى اسْتِطَاعَتِهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 617 فَاعْتُبِرَ حَالُ الزَّوْجَيْنِ بِذَلِكَ رِعَايَةً لِكِلَا الْجِنْسَيْنِ، وَلِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ رَجَعَ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ (فَيَفْرِضُ) حَاكِمٌ (لِمُوسِرَةٍ) وَلَوْ ذِمِّيَّةً (مَعَ مُوسِرٍ) عِنْدَ الشِّقَاقِ كِفَايَتَهَا (وَلَا يَقْبَلُ دَعْوَاهَا يَسَارَهُ) لِيَفْرِضَ لَهَا الْحَاكِمُ نَفَقَةَ الْمُوسِرِينَ (إلَّا إنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ) فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ. وَيَفْرِضُ لَهَا (كِفَايَتَهَا خُبْزًا خَاصًّا بِأُدْمِهِ الْمُعْتَادِ لِمِثْلِهَا) أَيْ: الْمُوسِرَةِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ (وَ) يَفْرِضُ لَهَا (لَحْمًا) وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي طَبْخِهِ (عَادَةَ الْمُوسِرِينَ بِمَحَلِّهِمَا) أَيْ بَلَدِ الزَّوْجَيْنِ، لِاخْتِلَافِهِ بِحَسَبِ الْمَوَاضِعِ (فَلَا يَتَقَيَّدُ اللَّحْمُ بِرِطْلٍ عِرَاقِيٍّ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْمِيَاهِ قَالَ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ (كُلُّ جُمُعَةٍ مُرَّتَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَالْمَذْهَبِ " وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ " وَالْمُسْتَوْعِبِ " وَالْخُلَاصَةِ " وَالْهَادِي " وَغَيْرِهِمْ (وَتُنْقَلُ) زَوْجَةٌ (مُتَبَرِّمَةٌ مِنْ أُدْمٍ إلَى) أُدْمٍ (غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ (وَلَا بُدَّ مِنْ مَاعُونِ الدَّارِ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَيُكْتَفَى بِمَاعُونٍ خَزَفٍ وَخَشَبٍ وَالْعَدْلُ مَا يَلِيقُ بِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ. (وَ) يَفْرِضُ حَاكِمٌ لِمُوسِرَةٍ مِنْ الْكِسْوَةِ (مَا يُلْبَسُ مِثْلُهَا مِنْ حَرِيرٍ وَخَزٍّ وَجَيِّدِ كَتَّانٍ وَجَيِّدِ قُطْنٍ) عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مِثْلِهَا مِنْ الْمُوسِرَاتِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ (وَأَقَلُّهُ) أَيْ مَا يُفْرَضُ مِنْ الْكِسْوَةِ (قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَطَرْحَةٌ) وَهِيَ مَا تَضَعُهُ فَوْقَ الْمِقْنَعَةِ، وَتُسَمَّى الْوِقَايَةُ (وَمِقْنَعَةٌ) تُقَنِّعُ بِهَا الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا (وَمَدَاسٌ وَجُبَّةٌ) أَيْ: مَضْرَبِيَّةٌ (لِلشِّتَاءِ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا تَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَيْءٍ يُوَارِي جَسَدَهُ وَهُوَ الْقَمِيصُ، وَمِنْ شَيْءٍ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَهُوَ السَّرَاوِيلُ، وَمِنْ شَيْءٍ يُدْفِئُهُ وَهُوَ جُبَّةٌ لِلشِّتَاءِ (وَتُزَادُ مِنْ عَدَدِ ثِيَابِ مَا جَرَتْ عَادَةٌ بِلُبْسِهِ مِمَّا لَا غَنَاءَ لَهَا عَنْهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ دَفْعُ الْحَاجَةِ الْغَالِبَةِ وَ (لَا) يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ ثِيَابٍ مُعَدَّةٍ (لِتَجَمُّلٍ وَزِينَةٍ، وَلَا) يَجِبُ عَلَيْهِ شِرَاءُ (خُفٍّ وَإِزَارٍ لِلزَّوْجِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ أَمْرُهَا عَلَى الْخُرُوجِ) وَلِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْخُرُوجِ لِحَقِّ الزَّوْجِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ مَا هِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ لِأَجْلِهِ. (وَ) أَقَلُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 618 مَا يُفْرَضُ (لِلنَّوْمِ فِرَاشٌ وَلِحَافٌ وَمِخَدَّةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (مَحْشُوٌّ ذَلِكَ بِالْقُطْنِ إنْ كَانَ عُرْفَ الْبَلَدِ) لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ وَمِلْحَفَةٌ لِلِّحَافِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَإِزَارٌ تَنَامُ فِيهِ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِالنَّوْمِ فِيهِ كَأَرْضِ الْحِجَازِ وَنَحْوِهَا (وَ) أَقَلُّ مَا يُفْرَضُ (لِلْجُلُوسِ بِسَاطٌ) مِنْ صُوفٍ (وَرَفِيعُ الْحَصِيرِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا غَنَاءَ عَنْهُ. (وَ) يَفْرِضُ حَاكِمٌ (لِفَقِيرَةٍ مَعَ فَقِيرٍ كِفَايَتَهَا خُبْزًا خشكارا) ضِدُّ النَّاعِمِ (بِأُدْمِهِ) الْمُلَائِمِ لَهُ عُرْفًا (كَخَلٍّ وَبَاقِلَاءَ) مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهَا؛ لِأَنَّهَا إحْدَى الزَّوْجَيْنِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُ حَالِهَا كَالْمُوسِرَةِ (وَزَيْتِ مِصْبَاحٍ وَلَحْمِهِ عَادَةً وَلَا يَتَقَيَّدُ بِكُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً) بَلْ الْعُرْفُ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ لَا يَقْطَعُهَا اللَّحْمَ فَوْقَ أَرْبَعِينَ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ فَإِنَّ لَهُ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: يَعْنِي إذَا أَكْثَرَ مِنْهُ. وَمِنْهُ كَلْبٌ ضَارٍ. (وَ) يُفْرَضُ لَهَا مِنْ كِسْوَةٍ (مَا يُلْبَسُ مِثْلُهَا) مِنْ غَلِيظِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ (وَيَنَامُ فِيهِ) مِنْ فِرَاشٍ وَصُوفٍ وَكِسَاءٍ وَعَبَاءَةٍ لِلْغِطَاءِ (وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ) مِنْ بَارِيَةٍ وَخَيْشٍ عَلَى قَدْرِ عَادَتِهَا وَعَادَةِ أَمْثَالِهَا. (وَيَفْرِضُ لِمُتَوَسِّطَةٍ مَعَ مُتَوَسِّطٍ وَمُوسِرَةٍ مَعَ فَقِيرٍ وَعَكْسِهَا) أَيْ: مُعْسِرَةٍ تَحْتَ، مُوسِرٍ (مَا بَيْنَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِحَالِهِمَا؛ لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْأَعْلَى لِمُوسِرَةٍ تَحْتَ فَقِيرٍ ضَرَرًا عَلَيْهِ بِتَكْلِيفِهِ مَا لَا يَسَعُهُ حَالُهُ، وَإِيجَابُ الْأَدْنَى ضَرَرٌ عَلَيْهَا؛ فَالتَّوَسُّطُ أَوْلَى، وَإِيجَابُ الْأَعْلَى لِفَقِيرَةٍ تَحْتَ مُوسِرٍ زِيَادَةً عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ حَالُهَا، وَقَدْ أَمَرَ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ سَعَتِهِ، فَالتَّوَسُّطُ أَوْلَى. (وَمُوسِرٌ نِصْفُهُ حُرٌّ) فِي ذَلِكَ (كَمُتَوَسِّطَيْنِ) فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ (وَمُعْسِرٌ كَذَلِكَ) أَيْ: نِصْفُهُ حُرٌّ (كَ) زَوْجَيْنِ (مُعْسِرَيْنِ) فِي النَّفَقَةِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ (مُؤْنَةُ نَظَافَتِهَا مِنْ دُهْنٍ وَسِدْرٍ وَثَمَنِ مَاءِ شُرْبٍ وَطَهَارَةِ حَدَثٍ وَخُبْثٍ وَتَنْظِيفٍ وَثَمَنِ مُشْطٍ وَأُجْرَةِ قَيِّمَةٍ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الَّتِي تَغْسِلُ شَعْرَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 619 وَتُسَرِّحُهُ وَتُضَفِّرُهُ (وَكَنْسٌ بِبَيْتٍ) وَتَنْظِيفُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ حَوَائِجِهَا الْمُعْتَادَةِ. وَ (لَا) يَلْزَمُهُ (دَوَاءٌ وَلَا أُجْرَةُ طَبِيبٍ) إنْ مَرِضَتْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حَاجَتِهَا الضَّرُورِيَّةِ الْمُعْتَادَةِ، بَلْ لِعَارِضٍ، (وَ) كَذَا: (لَا) يَلْزَمُهُ (ثَمَنُ طِيبٍ وَحِنَّاءَ وَخِضَابٍ وَنَحْوِهِ) كَثَمَنِ مَا يُحَمَّرُ بِهِ وَجْهٌ أَوْ يُسَوَّدُ بِهِ شَعْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ (وَإِنْ أَرَادَ مِنْهَا تَزَيُّنًا بِهِ) أَيْ: بِمَا ذَكَرَ (أَوْ) أَرَادَ (قَطْعَ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَأَتَى بِهِ) أَيْ: بِمَا يُرِيدُ مِنْهَا التَّزَيُّنَ بِهِ أَوْ بِمَا يَقْطَعُ الرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ (لَزِمَهَا) اسْتِعْمَالُهُ (وَعَلَيْهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (تَرْكُ حِنَّاءَ، وَزِينَةٍ نَهَاهَا عَنْهُمَا) الزَّوْجُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَعَلَيْهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (لِمَنْ) أَيْ: زَوْجَتِهِ (بِلَا خَادِمٍ) ذَكَرٍ وَأُنْثَى (وَيُخْدَمُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مِثْلُهَا) لِيَسَارٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ (وَلَوْ) كَانَ احْتِيَاجُهَا إلَيْهِ (لِمَرَضِ خَادِمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وَمِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يُقِيمَ لَهَا خَادِمًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَاجَتِهَا؛ فَيَلْزَمُ الزَّوْجَ كَالنَّفَقَةِ (وَاحِدٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ خِدْمَتُهَا فِي نَفْسِهَا وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدِ، فَلَمْ يَجِبْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَا يَكُونُ الْخَادِمُ إلَّا مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا، إمَّا (ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ امْرَأَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْخَادِمَ يَلْزَمُ الْمَخْدُومَ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ فَلَا يَسْلَمُ مِنْ النَّظَرِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَمْلِكَ الْخَادِمُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِخْدَامُ لَا التَّمْلِيكُ وَلَا إخْدَامَ عَلَيْهِ لِرَقِيقَةٍ وَلَوْ كَانَتْ جَمِيلَةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالزَّوْجَةِ، فَإِنْ طَلَبَتْ الزَّوْجَةُ مِنْهُ أُجْرَةَ خَادِمِهَا فَوَافَقَهَا، جَازَ، وَإِنْ أَبَى وَقَالَ: أَنَا آتِيك بِخَادِمٍ سِوَاهُ فَلَهُ ذَلِكَ إذَا أَتَى بِمَنْ يَصْلُحُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْخَادِمُ مِلْكَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ اسْتَعَارَهُ؛ فَتَعْيِينُهُ إلَيْهِ. (وَتَجُوزُ) خِدْمَةُ امْرَأَةٍ (كِتَابِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ إلَى الْمُسْلِمَةِ قَالَ الْبُهُوتِيُّ قُلْت وَكَذَا مَجُوسِيَّةٌ وَوَثَنِيَّةٌ وَنَحْوُهُمَا (وَتُلْزَمُ) الزَّوْجَةُ (بِقَبُولِهَا) أَيْ: الْخَادِمَةِ الْكَافِرَةِ لِصَلَاحِيَّتِهَا لِلْخِدْمَةِ، وَلَهُ تَبْدِيلُ خَادِمٍ أَلِفَتْهَا؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ إلَيْهِ (وَنَفَقَتُهُ) أَيْ الْخَادِمِ (وَكِسْوَتُهُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 620 عَلَى الزَّوْجِ (كَفَقِيرَيْنِ) أَيْ: كَنَفَقَةِ فَقِيرَةٍ مَعَ فَقِيرٍ (مَعَ خُفٍّ وَمِلْحَفَةٍ) لِلْخَادِمِ (لِحَاجَةِ خُرُوجٍ، وَلَوْ أَنَّهُ) أَيْ الْخَادِمَ (لَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (إلَّا فِي نَظَافَةٍ) فَلَا يَجِبُ لِلْخَادِمِ دُهْنٌ وَلَا سِدْرٌ وَمُشْطٌ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلزِّينَةِ وَالتَّنْظِيفِ وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ مِنْ الْخَادِمِ (وَنَفَقَةُ) خَادِمٍ (مُكْرِيٍّ وَ) خَادِمٍ (مُعَارٍ عَلَى مُكْرٍ وَمُعِيرٍ) لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكْرِيَ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْأُجْرَةُ؛ وَالْمُعِيرَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ النَّفَقَةُ بِإِعَارَتِهِ (وَتَعْيِينُ خَادِمٍ لَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (إلَيْهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ؛ فَإِنْ رَضِيَا بِخِدْمَتِهِ لَهَا وَأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الزَّوْجِ، جَازَ (وَ) تَعْيِينُ (سِوَاهُ) أَيْ: سِوَى خَادِمِهَا (إلَيْهِ) أَيْ: الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ أُجْرَتَهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ قَالَتْ) الزَّوْجَةُ (أَنَا أَخْدُمُ نَفْسِي وَآخُذُ مَا يَجِبُ لِخَادِمِي، أَوْ قَالَ) الزَّوْجُ (أَنَا أَخْدُمُك نَفْسِي وَأَبَى الْآخَرُ) أَيْ: الزَّوْجُ فِي الْأُولَى وَالزَّوْجَةُ فِي الثَّانِيَةِ (لَمْ يُجْبَرْ) الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا أَمَّا كَوْنُ الزَّوْجِ لَا يُجْبَرُ عَلَى مَا أَرَادَتْهُ؛ لِأَنَّ فِي كَوْنِهَا يَخْدُمُهَا غَيْرُهَا تَوْفِيرًا لَهَا عَلَى حُقُوقِهِ وَتَرَفُّهًا لَهَا وَرَفْعًا لِقَدْرِهَا، وَذَلِكَ يَفُوتُ بِخِدْمَتِهَا لِنَفْسِهَا وَأَمَّا كَوْنُهَا لَا تُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهَا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهَا مِنْ الْخِدْمَةِ قَدْ لَا يَحْصُلُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَشِمُ، وَفِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَيْهَا، لِكَوْنِ زَوْجِهَا خَادِمًا لَهَا. (وَلَوْ اتَّخَذَتْ مَنْ لَا تَخْدُمُ خَادِمًا؛ وَتُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا؛ لَمْ يَجُزْ) لَهَا ذَلِكَ (بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا) فِيهِ (وَتَلْزَمُهُ مُؤْنِسَةٌ لِحَاجَةٍ) إلَى ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ فِي مَكَان مَخُوفٍ؛ أَوْ لَهَا عَدُوٌّ تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ تُقِيمَ وَحْدَهَا بِمَكَانٍ لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فِيهِ، وَتَعْيِينُ الْمُؤْنِسَةِ لِلزَّوْجِ، وَيُكْتَفَى بِتَأْنِيسِهِ هُوَ لَهَا. وَ (لَا) يَلْزَمُهُ (أُجْرَةُ مَنْ يُوَضِّئُ) زَوْجَةً (مَرِيضَةً) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَوَائِجِهَا الْمُعْتَادَةِ (بِخِلَافِ رَقِيقِهِ) الْمَرِيضِ (فَيَلْزَمُهُ) أُجْرَةُ مَنْ يُوَضِّئُهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْوُضُوءُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ لِمِلْكِهِ إيَّاهُ؛ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَهِيَ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَلَا دَخْلَ لِلْوُضُوءِ فِيهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 621 [فَصْلٌ الْوَاجِبُ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعُ قُوتٍ لِزَوْجَةٍ وَخَادِمِهَا] فَصْلٌ (وَالْوَاجِبُ) عَلَى الزَّوْجِ (دَفْعُ قُوتٍ) مِنْ خُبْزٍ وَأُدْمٍ وَنَحْوِهِ لِزَوْجَةٍ وَخَادِمِهَا وَكُلِّ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ (لَا) دَفْعُ (بَدَلِهِ) أَيْ: الْقُوتِ مِنْ نَقْدٍ أَوْ فُلُوسٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهَا إلَى مَنْ يَبْتَاعُهُ لَهَا، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ، أَوْ فِيهِ مَشَقَّةٌ بِخُرُوجِهَا لَهُ أَوْ تَكْلِيفُ مَنْ يَمُنُّ عَلَيْهَا بِهِ (وَلَا دَفْعُ حَبٍّ) ، وَلَا يَلْزَمُهَا قَبُولُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْلِيفِهَا طَحْنَهُ وَعَجْنَهُ وَخَبْزَهُ، وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] قَالَ: الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ الْخُبْزُ وَالسَّمْنُ وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ وَالْخُبْزُ وَالتَّمْرُ وَأَفْضَلُ مَا تُطْعِمُوهُنَّ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْإِيجَابِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَلَا تَقْيِيدٍ، فَرَجَعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، وَهُوَ دَفْعُ الْقُوتِ وَكَنَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ؛ فَإِنْ طَلَبَتْ مَكَانَ الْخُبْزِ حَبًّا أَوْ دَقِيقًا أَوْ دَرَاهِمَ وَنَحْوَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ، وَيَكُونُ الدَّفْعُ (أَوَّلَ نَهَارِ كُلِّ يَوْمٍ بِطُلُوعِ شَمْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ (وَيَجُوزُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ تَعْجِيلٍ وَتَأْخِيرٍ) عَنْ وَقْتِ وُجُوبٍ (وَ) مِنْ (دَفْعِ عِوَضٍ) كَدَرَاهِمَ عَنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (وَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا (الرُّجُوعُ) عَنْهُ بَعْدَ التَّرَاضِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ (وَمَا رَضِيَتْهُ) الزَّوْجَةُ (حَبًّا فَعَلَيْهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (أُجْرَةُ طَحْنِهِ وَخَبْزِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَئُونَتِهِ؛ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ (وَلَا يَمْلِكُ الْحَاكِمُ) الَّذِي تَرَافَعَ إلَيْهِ الزَّوْجَانِ (فَرْضَ غَيْرِ الْوَاجِبِ كَدَرَاهِمَ مَثَلًا إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ؛ فَلَا يُجْبَرُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا (وَلَا يَلْزَمُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 622 فَرْضُهُ) أَيْ الْحَاكِمِ دَرَاهِمَ قَالَ فِي " الْهَدْيِ " أَمَّا فَرْضُ الدَّرَاهِمِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي كِتَابٍ وَلَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ الرِّضَى عَنْ غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ (وَلَوْ مَعَ شِقَاقٍ وَحَاجَةٍ كَغَائِبٍ) . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " عَنْ قَوْلِ " الْهَدْيِ " وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ مَعَ عَدَمِ الشِّقَاقِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ فَأَمَّا مَعَ الشِّقَاقِ وَالْحَاجَةِ كَالْغَائِبِ مَثَلًا فَيَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى، وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَلَا يُعْتَاضُ عَنْ) الْوَاجِبِ (الْمَاضِي بِرِبَوِيٍّ كَحِنْطَةٍ عَنْ خُبْزٍ) أَيْ: كَمَا لَوْ عَوَّضَهَا (عَنْ الْخُبْزِ حِنْطَةً أَوْ دَقِيقًا) ؛ فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رِبًا. (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (الِاحْتِسَابُ بِدَيْنِهِ عَلَى) زَوْجَةٍ (مُوسِرَةٍ) بِالدَّيْنِ (مَكَانُ النَّفَقَةِ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُوسِرَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِدَيْنِهِ مِنْ نَفَقَتِهَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا فَضَلَ عَنْ الْكِفَايَةِ. (وَالْوَاجِبُ دَفْعُ نَحْوِ كِسْوَةٍ) كَسِتَارَةٍ يَحْتَاجُ إلَيْهَا (وَغِطَاءٍ وَوِطَاءٍ أَوَّلِ كُلِّ عَامٍ مِنْ زَمَنِ وُجُوبٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فَيُعْطِيهَا السَّنَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَرْدِيدُ الْكِسْوَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا، بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ يُسْتَدَامُ إلَى أَنْ: يَبْلَى (وَتَمْلِكُ) زَوْجَةٌ (ذَلِكَ) أَيْ: وَاجِبَ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ (بِقَبْضٍ) كَمَا يَمْلِكُ رَبُّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ بِقَبْضِهِ (فَلَا بَدَلَ) عَلَى زَوْجٍ (لِمَا سُرِقَ) مِنْ ذَلِكَ (أَوْ بَلِيَ) مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا قَبَضَتْ حَقَّهَا؛ فَلَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهُ كَالدَّيْنِ إذَا وَفَّاهَا إيَّاهُ ثُمَّ رَضَاعٍ مِنْهَا، لَكِنْ لَوْ بُلِيَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَبْلَى فِيهِ مِثْلُهَا لَزِمَهُ بَدَلُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ كِسْوَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ تَبْلَى عَادَةً وَإِنَّمَا بُلِيَتْ فِيهِ لِكَثْرَةِ دُخُولِهَا وَخُرُوجِهَا؛ فَلَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَتْهَا. (وَتَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ) أَيْ: مَا قَبَضَتْهُ مِنْ وَاجِبِ نَفَقَتِهَا وَكِسْوَتِهَا عَلَى زَوْجِهَا (عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِهَا) وَلَا يُنْهِكُ بَدَنَهَا مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَنَحْوِهِ كَسَائِرِ مَالِهَا، فَإِنْ ضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهَا أَوْ نَقَصَ فِي اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا لَمْ تَمْلِكْهُ، بَلْ تُمْنَعُ مِنْهُ، لِتَفْوِيتِ حَقِّ زَوْجِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 623 (وَلَا تَمْلِكُ) الزَّوْجَةُ (نَحْوَ مَاعُونٍ) كَقَدَحٍ وَأَوَانٍ مُعَدَّةٍ لِطَعَامٍ (وَمُشْطٍ؛ لِأَنَّهُ إمْتَاعٌ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ أَكَلْتِ) الزَّوْجَةُ (مَعَهُ) أَيْ: زَوْجِهَا (عَادَةً أَوْ كَسَاهَا غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ بِلَا إذْنِهَا وَلَا إذْنِ وَلِيِّهَا) . وَكَانَ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ (سَقَطَتْ) نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي نِيَّةِ التَّبَرُّعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَهُوَ أَدْرَى بِنِيَّتِهِ (وَإِنْ أَعْطَاهَا) الزَّوْجُ (شَيْئًا زَائِدًا عَنْ الْكِسْوَةِ كَمَصَاغٍ وَقَلَائِدَ) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (تَبَرُّعًا مَلَكَتْهُ) بِقَبْضِهِ كَسَائِرِ الْهِبَاتِ، وَلَيْسَ لَهُ إذَا فَارَقَهَا أَنْ يُطَالِبَهَا بِهِ لِلُزُومِ الْهِبَةِ بِالْقَبْضِ (وَ) إنْ كَانَ قَدْ أَعْطَاهَا ذَلِكَ (لِتَتَجَمَّلَ بِهِ) كَمَا يُرْكِبُهَا دَابَّتَهُ وَيُخْدِمُهَا غُلَامَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ (فَلَا) تَمْلِكُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ بِشَيْءٍ يَقْتَضِيهِ، (وَ) لَهُ أَنْ (يَرْجِعَ بِهِ مَتَى شَاءَ) سَوَاءٌ فَارَقَهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ لِلتَّجَمُّلِ أَوْ تَمْلِيكًا وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ. (وَمَتَى انْقَضَى الْعَامُ وَالْكِسْوَةُ) الَّتِي قَبَضَتْهَا لِذَلِكَ الْعَامِ (بَاقِيَةٌ فَعَلَيْهِ كِسْوَةٌ لِ) لِعَامٍ (الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِمُضِيِّ الزَّمَانِ دُونَ حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ كَمَا لَوْ أَنَّهَا بُلِيَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا، وَلَوْ أَهْدَى إلَيْهَا كِسْوَةً لَمْ تَسْقُطْ كِسْوَتُهَا، وَكَذَا، لَوْ أَهْدَى إلَيْهَا مَا أَكَلَتْهُ وَبَقِيَ قُوتُهَا إلَى الْغَدِ لَمْ: يَسْقُطْ قُوتُهَا فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) لَوْ انْقَضَى الْعَامُ الْمَقْبُوضُ لَهُ (غِطَاءٌ وَوِطَاءٌ) وَلَمْ يُبْلَيَا فَعَلَيْهِ بَدَلُهُمَا لِلْعَامِ الْجَدِيدِ، كَمَا لَوْ تَلِفَا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ " خِلَافًا لِابْنِ نَصْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُمَا، كَمَاعُونِ الدَّارِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (بِخِلَافِ مَاعُونٍ وَمُشْطٍ) إذَا انْقَضَى الْعَامُ وَهُوَ بَاقٍ، فَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ اعْتِبَارًا بِحَقِيقَةِ الْحَاجَةِ. (وَإِنْ قَبَضَتْهَا) أَيْ: الْكِسْوَةَ (ثُمَّ) مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ مُضِيِّ الْعَامِ، أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ مُضِيِّهِ، أَوْ (بَانَتْ قَبْلَ مُضِيِّهِ، رَجَعَ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ) مِنْ الْعَامِ، لِتَبَيُّنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 624 عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ (وَكَذَا نَفَقَةٌ تَعَجَّلَتْهَا) بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهَا نَفَقَةَ مُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، ثُمَّ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ، أَوْ بَانَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا، فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِسْطِ مَا بَقِيَ (لَكِنْ لَا يَرْجِعُ) زَوْجٌ عَجَّلَ نَفَقَةً (بِبَقِيَّةِ يَوْمِ الْفُرْقَةِ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِطُلُوعِ نَهَارِهِ، فَإِنْ أَعَادَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ. ثَانِيًا اسْتَظْهَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى (إلَّا عَلَى نَاشِزٍ) فِي أَثْنَاءِ يَوْمِ قَبَضَتْ نَفَقَتَهُ؛ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِبَاقِيهِ، لِتَمَكُّنِهَا مِنْ طَاعَتِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا (وَيُرْجَعُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَلَى زَوْجَةٍ (بِ) بَقِيَّةِ (نَفَقَتِهَا مِنْ مَالٍ غَائِبٍ بَعْدَ إبَانَةٍ) مِنْ حِينِهَا أَيْ: الْإِبَانَةِ؛ لِارْتِفَاعِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا بِإِبَانَتِهِ إيَّاهَا؛ فَلَا تَسْتَحِقُّ مَا قَبَضَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَقَضَاءِ وَكِيلٍ حَقًّا يَظُنُّهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ، فَبَانَ أَنْ لَا حَقَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَنْفَقَتْ فِي غَيْبَتِهِ، وَبَانَ مَيِّتًا رَجَعَ عَلَيْهَا الْوَارِثُ بِمَا أَنْفَقَتْهُ مُنْذُ مَاتَ لِمَا سَبَقَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَعَلَى قِيَاسِهِ كُلُّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ شَيْءٌ، وَزَالَتْ الْإِبَاحَةُ بِفِعْلِ اللَّهِ أَوْ بِفِعْلِ الْمُبِيحِ كَالْمُعِيرِ إذَا مَاتَ وَرَجَعَ وَالْمَانِحُ وَأَهْلُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. (وَمَنْ غَابَ) عَنْ زَوْجَتِهِ مُدَّةً (وَلَمْ يُنْفِقْ) عَلَيْهَا فِيهَا (لَزِمَهُ) نَفَقَةُ الزَّمَنِ (الْمَاضِي) لِاسْتِقْرَارِهَا فِي ذِمَّتِهِ (وَلَوْ لَمْ يَفْرِضْهَا حَاكِمٌ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا، فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ؛ فَلَمْ يَسْقُطْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَأُجْرَةِ الْعَقَارِ (بِخِلَافِ نَفَقَةِ قَرِيبٍ) فَإِنَّهَا صِلَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا يَسَارُ الْمُنْفِقِ وَإِعْسَارُ مَنْ تَجِبُ لَهُ، وَسَوَاءٌ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ حَاضِرٌ، وَالذِّمِّيَّةُ فِيمَا يَجِبُ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَمَسْكَنٍ كَالْمُسْلِمَةِ، لِعُمُومِ النُّصُوصِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 625 [فَصْلٌ مُطَلَّقَةٌ رَجْعِيَّةٌ كَزَوْجَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى] فَصْلٌ (وَ) مُطَلَّقَةٌ (رَجْعِيَّةٌ) كَزَوْجَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى، لَا فِيمَا يَعُودُ بِنَظَافَتِهَا؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] وَلِأَنَّهُ يَلْحَقُهَا، طَلَاقُهُ وَظِهَارُهُ؛ أَشْبَهَ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ. (وَبَائِنٌ حَامِلٌ كَزَوْجَةٍ إلَّا فِيمَا يَعُودُ بِنَظَافَتِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَفِي بَعْضِ أَخْبَارِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: «لَا نَفَقَةَ لَكِ إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا» وَلِأَنَّ الْحَمْلَ وَلَدُ الْمُبِينِ، فَلَزِمَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ؛ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِنْفَاقٍ عَلَيْهَا، فَوَجَبَ كَأُجْرَةِ الرَّضَاعِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْحَامِلِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَزِدْ بَقَاؤُهَا حَامِلًا عَلَى أَكْثَرِ مُدَّتِهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى أَكْثَرِهَا، وَلَمْ تَضَعْهُ؛ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ، لِعَدَمِ لُحُوقِهِ بِهِ (وَتَجِبُ) النَّفَقَةُ (لِحَمْلِ مُلَاعَنَةٍ) لُوعِنَتْ وَهِيَ حَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِ بِلِعَانِهَا إذَنْ (إلَى أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ آخَرَ بَعْدَ وَضْعِهِ) فَإِنْ نَفَاهُ بَعْدَ وَضْعِهِ (فَلَا نَفَقَةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) لِانْقِطَاعِ نَسَبِهِ عَنْهُ (إلَّا إنْ اسْتَلْحَقَهُ) الْمُلَاعِنُ بَعْدَ نَفْيِهِ (فَ) يَلْحَقُهُ وَ (تَرْجِعُ) عَلَيْهِ (الْأُمُّ بِمَا أَنْفَقَتْهُ) وَبِأُجْرَةِ السَّكَنِ وَالرَّضَاعِ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً عَلَيْهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْلَمْهُ ثُمَّ عَلِمَهُ. (وَمَنْ أَنْفَقَ) عَلَى بَائِنٍ مِنْهُ (يَظُنُّهَا حَامِلًا، فَبَانَتْ حَائِلًا) غَيْرَ حَامِلٍ (رَجَعَ) عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا لِأَخْذِهَا مِنْهُ مَا لَا تَسْتَحِقُّهُ، كَأَخْذِ دَيْنٍ ادَّعَاهُ، ثُمَّ ظَهَرَ كَذِبُهُ، وَكَذَا إنْ ادَّعَتْهُ رَجْعِيَّتُهُ فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ عِدَّتِهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ رَجَعَ بِالزَّائِدِ. (وَمَنْ تَرَكَهُ) أَيْ الْإِنْفَاقَ عَلَى مُبَانَةٍ (يَظُنُّهَا حَائِلًا، فَبَانَتْ حَامِلًا، لَزِمَهُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 626 نَفَقَةُ (مَا مَضَى) لِتَبَيُّنِ اسْتِحْقَاقِهَا لِلنَّفَقَةِ فِيهِ، فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا كَالدَّيْنِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ، وَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَى مُبِينٍ تَرَكَهُ يَظُنُّهَا حَائِلًا فَبَانَتْ حَامِلًا إذَا كَانَ مُوسِرًا حَاضِرًا (لَا) إنْ كَانَ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ مِنْ غَائِبٍ (أَوْ) حَاضِرٍ (مُعْسِرٍ وَلَمْ تُفْرَضْ) أَيْ: لَمْ يَفْرِضْهَا حَاكِمٌ، فَلَا تَلْزَمُهُ (أَوْ لَمْ تُنْفِقْ) الزَّوْجَةُ (بِنِيَّةِ) رُجُوعٍ؛ بَلْ مُتَبَرِّعَةٍ أَوْ لَمْ تَنْوِ شَيْئًا، أَمَّا لَوْ أَنْفَقَتْ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا، لِقِيَامِهَا عَنْهُ بِوَاجِبٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ) أَيْ: مُبَايَنَةٌ وَنَحْوُهَا (ادَّعَتْ حَمْلًا) دُونَ ثَلَاثِ أَشْهُرٍ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (إنْفَاقُ تَمَامِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ ابْتِدَاءِ زَمَنٍ ذَكَرَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ) مِنْهُ (فَإِنْ مَضَتْ) الثَّلَاثَةُ أَشْهُرٍ (وَلَمْ يَبِنْ) الْحَمْلُ كَأَنْ أُرِيَتْ الْقَوَابِلَ فَقُلْنَ لَيْسَ بِهَا حَمْلٌ (أَوْ حَاضَتْ) وَلَوْ قَبْلَ مُضِيِّهَا (رَجَعَ عَلَيْهَا) بِنَظِيرِ مَا أَنْفَقَهُ سَوَاءٌ دَفَعَ إلَيْهَا بِحُكْمِ حَاكِمٍ أَوْ بِغَيْرِهِ شَرَطَ لَهَا نَفَقَةً أَوْ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ، لِتَبَيُّنِ عَدَمِ وُجُوبِهِ. وَإِنْ ادَّعَتْ حَمْلًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أُرِيَتْ الْقَوَابِلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَادَةً بَعْدَهَا، (فَإِنْ شَهِدَتْ بِهَا الْقَوَابِلُ، أَنْفَقَ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ نَفَقَةٍ فِي نِكَاحٍ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ) لِنَحْوِ رَضَاعٍ أَوْ عِدَّةٍ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَنْفَقَ، سَوَاءٌ كَانَتْ النَّفَقَةُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهَا أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالِاتِّفَاقِ، (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا) فَهُوَ مُفَرِّطٌ؛ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ (وَ) بِخِلَافِ نَفَقَةٍ (عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ) لَمْ نَأْذَنْ (فَلَا رُجُوعَ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ. (وَالنَّفَقَةُ) عَلَى الْحَامِلِ (لِلْحَمْلِ) نَفْسِهِ، لَا لَهَا مِنْ أَجْلِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ بِوُجُودِهِ وَتَسْقُطُ عِنْدَ انْقِضَائِهِ؛ قَالَ الْبُهُوتِيُّ قُلْت: فَلَوْ مَاتَ بِبَطْنِهَا انْقَطَعَتْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ لِمَيِّتٍ (فَتَجِبُ) النَّفَقَةُ (لِنَاشِزٍ حَامِلٍ) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ فَلَا تَسْقُطُ بِنُشُوزِ أُمِّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 627 (وَ) تَجِبُ (لِحَامِلٍ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ) لِلُحُوقِ نَسَبِهِ فِيهِمَا (وَ) لِحَامِلٍ فِي (مِلْكِ يَمِينٍ وَلَوْ أَعْتَقَهَا) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ وَهُوَ وَلَدُهُ. (وَ) تَجِبُ (عَلَى وَارِثٍ) حَمْلٌ (مِنْ زَوْجٍ) أَوْ سَيِّدٍ أَوْ وَاطِئٍ بِشُبْهَةِ (مَيِّتٍ) لِلْقَرَابَةِ، (وَ) تَجِبُ نَفَقَةُ حَامِلٍ (مِنْ مَالٍ حَمْلٍ مُوسِرٍ) بِأَنْ كَانَ قَدْ وَصَّى لَهُ بِشَيْءٍ وَقَبِلَهُ لَهُ أَبُوهُ (فَتَسْقُطُ عَنْ أَبِيهِ) وَعَنْ وَارِثَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُوسِرًا. وَالْمُوسِرُ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ (وَلَوْ تَلِفَتْ) نَفَقَةُ حَامِلٍ بِلَا تَفْرِيطٍ (وَجَبَ) عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ الْحَمْلِ (بَدَلُهَا) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ؛ فَلَا تَضْمَنُهَا (وَلَا فِطْرَةَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ، وَالْحَمْلُ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ. (وَيَصِحُّ جَعْلُ نَفَقَةِ الْحَامِلِ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ) ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمَالِكَةِ لَهَا، وَلِأَنَّهَا الَّتِي تَقْبِضُهَا وَتَسْتَحِقُّهَا وَتَتَصَرَّفُ فِيهَا؛ فَإِنَّهَا فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ هِيَ الْآكِلَةُ لَهَا، وَبَعْدَ الْوِلَادَةِ هِيَ أُجْرَةُ رَضَاعِهَا إيَّاهُ، وَهِيَ الْآخِذُ لَهَا. (وَلَا تَجِبُ) نَفَقَةُ حَمْلٍ (عَلَى زَوْجِ رَقِيقٍ) لِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حُرًّا، فَنَفَقَتُهُ عَلَى وَارِثِهِ بِشَرْطِهِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَعَلَى مَالِكِهِ (أَوْ مُعْسِرٍ أَوْ غَائِبٍ) أَيْ: لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ حَمْلِهِ، بَلْ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَالْمَوْلُودِ. (وَلَا) تَجِبُ نَفَقَةُ حَمْلٍ (عَلَى وَارِثِ) الْحَمْلِ كَأَخِيهِ (مَعَ عُسْرِ زَوْجٍ) هُوَ أَبُوهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِالْأَبِ، وَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْأَبِ لِإِعْسَارِهِ. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: بَلْ تَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِ الْحَمْلِ كَأُمِّهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ؛ لِأَنَّ عَمُودَيْ النَّسَبِ تَجِبُ عَلَيْهِمَا النَّفَقَةُ وَإِنْ حَجَبَهُ مُعْسِرٌ كَمَا يَأْتِي. (وَتَسْقُطُ) نَفَقَةُ حَمْلٍ (بِمُضِيِّ الزَّمَانِ) كَسَائِرِ الْأَقَارِبِ (مَا لَمْ تَسْتَدِنْ) حَامِلٌ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْحَمْلِ (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) لَوْ كَانَتْ اسْتِدَانَتُهَا (بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ) فَتَرْجِعُ؛ لِقِيَامِهَا عَنْهُ بِوَاجِبٍ. نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ الْإِمَامِ، وَذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ، (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: " لِلْمُنْتَهَى " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 628 وَالْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُمَا قَالَا: مَا لَمْ تَسْتَدِنْ بِإِذْنِ حَاكِمٍ. وَهَذَا الْقَيْدُ تَبِعَا فِيهِ صَاحِبَ " التَّنْقِيحِ " وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّجِهٌ صَحِيحٌ (أَوْ تُنْفِقُ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ) إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ؛ فَتَرْجِعُ؛ لِأَنَّهَا صَنَعَتْ مَعْرُوفًا بِأَدَائِهَا مَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِهَا عَنْهُ. (وَإِنْ وُطِئَتْ) مُطَلَّقَةٌ (رَجْعِيَّةٌ بِشُبْهَةٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، ثُمَّ بَانَ بِهَا حَمْلٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا) أَيْ: الْمُطَلِّقِ وَالْوَاطِئِ (فَنَفَقَتُهَا حَتَّى تَضَعَ عَلَيْهَا، لَا عَلَى الزَّوْجِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَهُوَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَلَيْهِمَا النَّفَقَةُ بَعْدَ الْوَضْعِ حَتَّى يَتَمَيَّزَ الْأَبُ مِنْهُمَا (وَلَا تَرْجِعُ عَلَى زَوْجِهَا) إذَا تَرَكَ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا نَفَقَةُ قَرِيبٍ (كَبَائِنٍ مُعْتَدَّةٍ) وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ (وَمَتَى ثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ: الْحَمْلِ (مِنْ أَحَدِهِمَا) أَيْ: مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ (رَجَعَ عَلَيْهِ الْآخَرُ) الَّذِي لَمْ يَلْحَقْ بِهِ (بِمَا أَنْفَقَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْحَمْلِ مِنْهُ لَا مُتَبَرِّعًا، فَإِذَا ثَبَتَ لِغَيْرِهِ مَلَكَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا حَمَلَتْ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى الْوَاطِئِ دُونَ زَوْجِهَا، إذْ الرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ، فَلَوْلَا سُقُوطُ نَفَقَتِهَا بِالْحَمْلِ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ لَرَجَعَتْ عَلَى مُطَلِّقِهَا بِنَفَقَتِهَا. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا زَوْجَةُ الْكَافِرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا أَسْلَمَتْ وَلَمْ يُسْلِمْ زَوْجُهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَإِنَّ الْبَيْنُونَةَ ثَبَتَتْ مِنْ حِينِ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ. أَفَادَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. (وَلَا نَفَقَةَ لِبَائِنٍ غَيْرِ حَامِلٍ) لِمَا رَوَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ: «أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ، فَأَرْسَلَ لَهَا وَكِيلَهُ بِشَعْرٍ فَخَطَّتْهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَك عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 629 لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى، فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اُنْظُرِي يَا بِنْتَ قَيْسٍ إنَّمَا النَّفَقَةُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا مَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّجْعَةُ فَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَثْرَمُ وَالْحُمَيْدِيُّ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مُرَادَهُ، وَلَا شَيْءَ يَدْفَعُ ذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] . (وَلَا نَفَقَةَ مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا) زَوْجُهَا وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ تَجِبُ لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَقَدْ فَاتَ. (وَنَفَقَةُ الْحَمْلِ مِنْ نَصِيبِهِ) ، فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِ (كَ) مَا نَقَلَهُ الْكَحَّالُ فِي (حَمْلِ أُمِّ الْوَلَدِ) فِي أَنَّهَا تُنْفِقُ مِنْ مَالِ حَمْلِهَا نَصًّا، وَاسْتَشْكَلَهُ الْمَجْدُ بِأَنَّ الْحَمْلَ إنَّمَا يَرِثُ بِشَرْطِ خُرُوجِهِ حَيًّا، وَيُوقَفُ نَصِيبُهُ فَكَيْفَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْلَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا النَّصَّ يَشْهَدُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ بِالْإِرْثِ مِنْ حِينِ مَوْتِ مُورِثِهِ، وَإِنَّمَا خُرُوجُهُ حَيًّا يَتَبَيَّنُ بِهِ وُجُودُ ذَلِكَ، فَإِذَا حَكَمْنَا لَهُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، لَا سِيَّمَا وَالنَّفَقَةُ عَلَى أُمِّهِ يَعُودُ نَفْعُهَا إلَيْهِ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) فِيمَا يُوهَمُ (وَعِبَارَتُهُ وَلَا نَفَقَةَ) لِبَائِنٍ غَيْرِ حَامِلٍ وَلَا مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَوْ لِأُمِّ وَلَدٍ انْتَهَى. فَكَأَنَّهُ مَشَى عَلَى مَا نَقَلَهُ حَرْبٌ وَابْنُ بُخْتَانَ مِنْ أَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا؛ وَهُوَ رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 630 [فَصْلٌ مَا يَلْزَم الزَّوْج مِنْ تُسَلِّمهُ زَوْجَته] فَصْلٌ: (وَمَتَى تَسَلَّمَ) زَوْجٌ (مَنْ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا) وَهِيَ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا (كَبِنْتِ تِسْعٍ) فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا (أَوْ بَذَلَتْهُ) أَيْ: تُسَلِّمُ نَفْسَهَا لِلزَّوْجِ تَسْلِيمًا تَامًّا بِأَنْ لَا تُسَلِّمَ فِي مَكَان دُونَ آخَرَ، أَوْ: بَلَدٍ دُونَ آخَرَ (هِيَ أَوْ وَلِيٌّ لَهَا، وَيَتَّجِهُ) إنْ كَانَ الْبَذْلُ حَصَلَ مِنْهَا أَوْ مِنْ وَلِيِّهَا (فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْبَذْلِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ كَعَدَمِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (لِمَحَلِّ طَاعَتِهِ) أَيْ: بَذَلَتْ نَفْسَهَا حَيْثُ شَاءَ مِمَّا يَلِيقُ بِهَا (وَلَوْ مَعَ صِغَرِ زَوْجٍ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ عُنَّتِهِ أَوْ جَبِّ ذَكَرِهِ) أَيْ: قَطْعَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ بِهِ (أَوْ) مَعَ (تَعَذُّرِ وَطْءٍ مِنْهَا لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ رَتْقٍ أَوْ لِقَرْنٍ أَوْ لِكَوْنِهَا نِضْوَةً) أَيْ: نَحِيفَةً (أَوْ مَرِيضَةً أَوْ حَدَثَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ؛ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا) لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» وَيُجْبَرُ وَلِيٌّ مَعَ صِغَرِ زَوْجٍ عَلَى بَذْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ لِنِيَابَتِهِ عَنْهُ فِي أَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ كَأُرُوشِ جِنَايَاتِهِ وَدُيُونِهِ (لَكِنْ لَوْ امْتَنَعَتْ) زَوْجَةٌ مِنْ بَذْلِ نَفْسِهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ (ثُمَّ مَرِضَتْ فَبَذَلَتْهُ؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) مَا دَامَتْ مَرِيضَةً، عُقُوبَةً لَهَا بِمَنْعِهَا نَفْسَهَا فِي حَالٍ يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِيهَا وَبَذْلِهَا فِيهَا فِي ضِدِّهَا. (وَمَنْ بَذَلَتْهُ) أَيْ: التَّسْلِيمَ (وَزَوْجُهَا غَائِبٌ فَلَا نَفَقَةَ، أَيْ: لَمْ يَفْرِضْ لَهَا) حَاكِمٌ شَيْئًا (لَوْ. قُلْنَا بِهِ) أَيْ: الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهَا بَذَلَتْ نَفْسَهَا فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ زَوْجُهَا تَسَلُّمَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 631 فِيهِ (حَتَّى يُرَاسَلَهُ حَاكِمٌ) بِأَنْ يَكْتُبَ إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ، فَيُعْلِمُهُ، وَيَسْتَدْعِيهِ (وَيَتَّجِهُ أَوْ) يُرَاسِلُهُ (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْحَاكِمِ، كَمَا لَوْ رَاسَلَتْهُ هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا لَكِنْ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لَوْ رَاسَلَتْهُ هِيَ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِ حَاكِمٍ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُفْرَضُ لَهَا (وَيَمْضِي زَمَنٌ يُمْكِنُ قُدُومُهُ) أَيْ: الْغَائِبِ (فِي مِثْلِهِ) أَيْ: مِثْلِ ذَلِكَ الزَّمَنِ. فَإِنْ سَارَ إلَيْهَا أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ حَمْلُهَا إلَيْهِ، وَجَبَتْ النَّفَقَةُ حِينَئِذٍ بِوُصُولِهِ أَوْ وُصُولِ وَكِيلِهِ. وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَرَضَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ نَفَقَتَهَا مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُمْكِنُ وُصُولُهُ إلَيْهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ امْتَنَعَ مِنْ تَسَلُّمِهَا؛ لِإِمْكَانِهِ وَبَذْلِهَا إيَّاهُ فَتَسْتَحِقُّ أَخْذَ نَفَقَتِهَا كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا. فَأَمَّا إنْ غَابَ الزَّوْجُ بَعْدَ تَمْكِينِهَا إيَّاهُ وَوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ؛ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ، بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ بِالتَّمْكِينِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يُسْقِطُهُ، وَإِنْ تَسَلَّمَ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ الَّتِي يُمْكِنُ وَطْؤُهَا أَوْ الْمَجْنُونَةَ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا وَلَوْ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهَا؛ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا كَالْكَبِيرَةِ وَالْعَاقِلَةِ. وَمَنْ امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا. أَوْ مَنَعَهَا غَيْرُهَا وَلِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (بَعْدَ دُخُولٍ وَلَوْ لِقَبْضِ صَدَاقِهَا) الْحَالِّ (فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) وَكَذَا إنْ تَسَاكَنَا بَعْدَ الْعَقْدِ، فَلَمْ تَبْذُلْ نَفْسَهَا هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا، وَلَمْ يَطْلُبْهَا الزَّوْجُ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ طَالَ مُقَامُهَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، فَإِذَا وُجِدَ اسْتَحَقَّتْ، وَإِذَا فُقِدَ لَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا. وَإِنْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا قَبْلَهُ أَيْ: الدُّخُولِ حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا الْحَالَّ؛ فَلَهَا ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهَا، قَبْلَ تَسْلِيمِ صَدَاقِهَا يُفْضِي إلَى تَسْلِيمِ مَنْفَعَتِهَا الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا بِالْوَطْءِ ثُمَّ لَا تُسَلِّمُ صَدَاقَهَا فَلَا يُمْكِنُهَا الرُّجُوعُ فِيمَا إذَا اُسْتُوْفِيَ مِنْهَا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ إذَا تَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَعْسَرَ بِثَمَنِهِ؛ فَإِنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 632 يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا فَعَلَتْ مَا لَهَا أَنْ تَفْعَلَهُ، وَلَوْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا لِمَرَضٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ امْتِنَاعَهَا لِقَبْضِ صَدَاقِهَا امْتِنَاعٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، فَهُوَ يُشْبِهُ تَعَذُّرَ الِاسْتِمْتَاعِ لِصِغَرِ الزَّوْجِ، بِخِلَافِ الِامْتِنَاعِ لِمَرَضِهَا؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ مِنْ جِهَتِهَا فَهُوَ يُشْبِهُ تَعَذُّرَ الِاسْتِمْتَاعِ لِصِغَرِهَا. (وَمَنْ سَلَّمَ أَمَتَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا فَ) هِيَ (كَحُرَّةٍ فِي نَفَقَةٍ) يَعْنِي فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا نَفَقَتُهَا كَالْحُرَّةِ؛ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ الْبَالِغِينَ، وَالْأَمَةُ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِهِنَّ (وَلَوْ أَبَى زَوْجٌ) مِنْ تَسْلِيمِهَا نَهَارًا؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ مُمَكِّنَةٌ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَجَبَ عَلَى زَوْجِهَا نَفَقَتُهَا كَالْحُرَّةِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا مَمْلُوكًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَتَوَابِعَهَا عِوَضٌ وَاجِبٌ فِي النِّكَاحِ؛ فَوَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ كَالْمَهْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا عِوَضٌ أَنَّهَا تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ، وَلِهَذَا تَسْقُطُ عَنْ الْحُرِّ بِفَوَاتِ التَّمْكِينِ وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ، وَحَيْثُ ثَبَتَ وُجُوبُهَا عَلَى الْمَمْلُوكِ؛ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ سَيِّدَهُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ أَذِنَ فِي النِّكَاحِ الْمُفْضِي إلَى إيجَابِ النَّفَقَةِ. (وَ) مَنْ سَلَّمَ أَمَتَهُ لِزَوْجِهَا (لَيْلًا فَقَطْ؛ فَنَفَقَةُ نَهَارٍ عَلَى سَيِّدٍ) وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَمْنُوعٌ مِنْهَا فِيهِ فَتَكُونُ عَلَى سَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ (وَ) نَفَقَةُ (لَيْلٍ كَعَشَاءٍ وَوِطَاءٍ وَغِطَاءٍ وَدُهْنِ مِصْبَاحٍ وَوِسَادَةٍ عَلَى زَوْجٍ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَاجَةِ اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَهِيَ مُسَلِّمَةٌ لَهُ فِيهِ (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَسْلِيمِهَا نَهَارًا فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّفَرُّغِ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالِاحْتِيَاجِ لِلْإِينَاسِ، وَلِهَذَا كَانَ عِمَادُ قَسْمِ الزَّوْجَاتِ اللَّيْلَ (وَيَتَّجِهُ إلَّا) أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُ تَسْلِيمِهَا نَهَارًا (لِحَارِسٍ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ قَائِمٌ مَقَامَ اللَّيْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا نَفَقَةَ لِ) زَوْجَةٍ (نَاشِزٍ) غَيْرِ حَامِلٍ (مُكَلَّفَةٍ أَوْ لَا، وَلَوْ) كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 633 نُشُوزُهَا (بِتَزَوُّجِهَا فِي الْعِدَّةِ) الرَّجْعِيَّةِ قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الرَّجْعِيَّةُ فِي عِدَّتِهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ لَا تَصِيرُ بِهِ فِرَاشًا لِلثَّانِي، وَلَا تَنْقَطِعُ بِهِ عِدَّةُ الْأَوَّلِ، وَلَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا نَاشِزٌ بِتَزَوُّجِهَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُجَرَّدِ " (أَوْ حَبَسَهَا لَهُ) أَيْ: لِزَوْجِهَا (بِحَقِّهَا) عَلَيْهِ (مَعَ إعْسَارِهِ) فَلَا نَفَقَةَ لَهَا مُدَّةَ حَبْسِهِ؛ لِأَنَّهَا ظَالِمَةٌ مَانِعَةٌ لَهُ مِنْ التَّمْكِينِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ مَا حَبَسَتْهُ عَلَيْهِ فَمَنَعَهُ بُعْدُ الطَّلَبِ؛ فَلَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ حَبْسِهِ إذَا كَانَتْ بَاذِلَةً لِلتَّمْكِينِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لَا مِنْهَا. (وَتُشْطَرُ) النَّفَقَةُ (لِنَاشِزٍ لَيْلًا) بِأَنْ تُطِيعَ نَهَارًا وَتَمْتَنِعَ لَيْلًا (أَوْ نَاشِزٍ نَهَارًا) فَقَطْ بِأَنْ تُطِيعَهُ لَيْلًا وَتَعْصِيَهُ نَهَارًا؛ فَتُعْطَى نِصْفَ نَفَقَتِهَا (أَوْ) نَاشِزٍ (بَعْضَ أَحَدِهِمَا) أَيْ: اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ فَتُعْطَى نِصْفَ نَفَقَتِهَا أَيْضًا، لَا بِقَدْرِ الْأَزْمِنَةِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْأَزْمِنَةِ يَعْسُرُ جِدًّا. (وَبِمُجَرَّدِ إسْلَامِ) زَوْجَةٍ (مُرْتَدَّةٍ مَدْخُولٍ بِهَا) تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا (وَبِمُجَرَّدِ إسْلَامِ مَجُوسِيَّةٍ) وَنَحْوِهَا (مُتَخَلِّفَةٍ) عَنْ زَوْجِهَا فِي عِدَّتِهَا بِأَنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا (وَلَوْ فِي غَيْبَةِ زَوْجٍ؛ تَلْزَمُهُ) نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ النَّفَقَةِ فِيهِمَا لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا كَسُقُوطِهَا بِالطَّلَاقِ، فَإِذَا رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ، فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ فَعَادَتْ النَّفَقَةُ، وَلَا تَلْزَمُ زَوْجًا غَائِبًا النَّفَقَةُ (إنْ أَطَاعَتْ نَاشِزٌ) فِي غَيْبَتِهِ (حَتَّى يَعْلَمَ) الزَّوْجُ بِطَاعَتِهَا (وَيَمْضِيَ مَا) أَيْ: زَمَنٌ (يَقْدُمُ) الزَّوْجُ (فِي مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّمْكِينِ؛ فَالْمَنْعُ مُسْتَمِرٌّ فِي جِهَتِهِ، فَإِذَا قَدِمَ وَعَلِمَ؛ عَادَتْ النَّفَقَةُ؛ لِحُصُولِ التَّمْكِينِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدُمْ وَمَضَى زَمَنٌ يَقْدُمُ فِي مِثْلِهِ؛ عَادَتْ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ حِينَئِذٍ مِنْ جِهَتِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 634 (وَلَا نَفَقَةَ لِمَنْ سَافَرَتْ بِلَا زَوْجٍ لِحَاجَتِهَا) وَلَوْ بِإِذْنِهِ، (أَوْ) سَافَرَتْ (لِنُزْهَةٍ) وَلَوْ بِإِذْنِهِ (أَوْ) سَافَرَتْ (لِزِيَارَةٍ وَلَوْ بِإِذْنِهِ) لِتَفْوِيتِهَا التَّمْكِينَ لِحَظِّ نَفْسِهَا وَقَضَاءِ إرْبِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا مَعَهَا مُتَمَكِّنًا مِنْهَا (أَوْ) سَافَرَتْ (لِتَغْرِيبٍ) بِأَنْ زَنَتْ فَغُرِّبَتْ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَتْ الطَّرِيقَ فَشَرَدَتْ؛ فَلَا نَفَقَةَ؛ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ (أَوْ حُبِسَتْ) عَنْ زَوْجِهَا (وَلَوْ) كَانَ حَبْسُهَا (ظُلْمًا) فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا زَمَنَ حَبْسِهَا؛ لِفَوَاتِ التَّمْكِينِ الْمُقَابِلِ لِلنَّفَقَةِ؛ لِلزَّوْجِ الْبَيْتُوتَةُ مَعَهَا فِي حَبْسِهَا؛ لِثُبُوتِ حَقِّهِ بِالْبَيْتُوتَةِ مَعَهَا؛ فَلَا يَسْقُطُ بِحَبْسِهَا (أَوْ صَامَتْ لِكَفَّارَةٍ، أَوْ) صَامَتْ (لِقَضَاءِ رَمَضَانَ وَوَقْتِهِ) أَيْ: الْقَضَاءِ (مُتَّسَعٌ. وَيَتَّجِهُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا) قَضَاءُ صَوْمٍ (بِلَا إذْنِهِ) ؛ لِأَنَّهَا فَعَلَتْ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ صَامَتْ) نَفْلًا (أَوْ حَجَبَتْ نَفْلًا) فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا لِمَنْعِ نَفْسِهَا بِسَبَبٍ لَا مِنْ جِهَتِهِ، أَوْ صَامَتْ (أَوْ) حَجَّتْ (نَذْرًا مُعَيَّنًا فِي وَقْتِهِ فِيهِمَا) أَيْ: الصَّوْمِ وَالْحَجِّ (بِلَا إذْنِهِ) ، وَلَوْ أَنَّ نَذْرَهُمَا بِإِذْنِهِ (لِتَفْوِيتِهَا حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِاخْتِيَارِهَا) بِالنَّذْرِ الَّذِي لَمْ يُوجِبْهُ الشَّرْعُ عَلَيْهَا وَلَا نَدَبَهَا إلَيْهِ (بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَتْ) مِنْ الزَّوْجَاتِ (بِحَجِّ فَرْضٍ وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ كَوْنِ الْإِحْرَامِ (مِنْ مِيقَاتٍ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مَعَهَا) فَلَوْ أَحْرَمَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا الْمِيقَاتِ، أَوْ أَحْرَمَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا زَوْجٌ، أَوْ أَحْرَمَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ؛ فَكَالْمُحْرِمَةِ بِتَطَوُّعٍ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِفِعْلِهَا غَيْرَ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَقَدْرُهَا أَيْ: النَّفَقَةِ (فِيهِ) أَيْ: فِي سَفَرِهَا لِحَجِّ الْفَرْضِ (كَ) نَفَقَةِ (حَضَرٍ) وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَيْهِ (أَوْ) أَحْرَمَتْ (بِمَكْتُوبَةِ) صَلَاةٍ (وَلَوْ بِأَوَّلِ وَقْتِهَا بِنَفْسِهَا) لِفِعْلِهَا، وَمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 635 أَوْجَبَ الشَّرْعُ عَلَيْهَا وَنَدَبَهَا، إلَيْهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ (أَوْ) سَافَرَتْ (لِحَاجَتِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (بِإِذْنِهِ) فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا سَافَرَتْ فِي شُغْلِهِ وَمُرَادَهُ؛ (أَوْ) طَرَدَهَا الزَّوْجُ وَ (أَخْرَجَهَا مِنْ مَنْزِلِهِ) فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا الْمَانِعُ مِنْهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (وَلَا بَيِّنَةَ) لِأَحَدِهِمَا بِمَا ادَّعَاهُ (فِي بَذْلِ تَسْلِيمِ) زَوْجَةٍ لِزَوْجٍ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي وَقْتِهِ) بِأَنْ قَالَتْ: بَذَلْت التَّسْلِيمَ مِنْ سَنَةٍ، فَقَالَ: بَلْ مِنْ شَهْرٍ (حَلَفَ) زَوْجٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّسْلِيمِ (وَ) إنْ اخْتَلَفَا (فِي نُشُوزِهَا) بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِالتَّسْلِيمِ، حَلَفَتْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، (وَ) كَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي (أَخْذِ نَفَقَةٍ) كَدَعْوَى الزَّوْجِ أَنَّهَا أَخَذَتْ نَفَقَتَهَا وَأَنْكَرَتْ (حَلَفَتْ) ؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ، وَالْأَصْلُ مَعَهَا، لَكِنْ لَوْ كَانَتْ مَثَلًا بِدَارِ أَبِيهَا، وَادَّعَتْ أَنَّهَا خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ الْقَيِّمِ (فِي النَّفَقَةِ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْعُرْفُ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ، وَالْغَالِبُ أَنَّهَا تَكُونُ رَاضِيَةً، وَإِنَّمَا تُطَالِبُهُ عِنْدَ الشِّقَاقِ (وَيَتَّجِهُ) مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ الْقَيِّمِ (هُوَ الصَّوَابُ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْعَدْلِ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ مَا تَقَدَّمَ. [فَصْلٌ مَتَى أَعْسَرَ زَوْجٌ بِنَفَقَةِ مُعْسِرٍ فَلَمْ يَجِدْ الْقُوتَ أَوْ أَعْسَرَ بِكِسْوَتِهِ] فَصْلٌ (وَمَتَى أَعْسَرَ) زَوْجٌ (بِنَفَقَةِ مُعْسِرٍ) فَلَمْ يَجِدْ الْقُوتَ (أَوْ) أَعْسَرَ (بِكِسْوَتِهِ) أَيْ: الْمُعْسِرِ (أَوْ) أَعْسَرَ (بِبَعْضِهِمَا) أَيْ: بَعْضِ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ أَوْ بَعْضِ كِسْوَتِهِ (أَوْ) أَعْسَرَ (بِمَسْكَنِهِ) أَيْ: الْمُعْسِرِ خُيِّرَتْ (أَوْ صَارَ) الزَّوْجُ (لَا يَجِدُ نَفَقَةً) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 636 لِزَوْجَتِهِ (لَا يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ خُيِّرَتْ) الزَّوْجَةُ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ الْغَالِبِ بِذَلِكَ بِهَا إذْ الْبَدَنُ لَا يَقُومُ بِدُونِ كِفَايَتِهِ (وَلَوْ غَيْرَ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ) إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا حُرَّةً بَالِغَةً رَشِيدَةً أَوْ رَقِيقَةً أَوْ سَفِيهَةً أَوْ صَغِيرَةً (دُونَ سَيِّدِهَا أَوْ وَلِيِّهَا) فَلَا خِيرَةَ لَهُ؛ وَلَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً؛ لِاخْتِصَاصِ الضَّرَرِ بِهَا (بَيْنَ فَسْخِ) نِكَاحِ الْمُعْسِرِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَلَيْسَ الْإِمْسَاكُ مَعَ تَرْكِ الْإِنْفَاقِ إمْسَاكًا بِمَعْرُوفٍ، فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «امْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ،. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدٌ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ هَذَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ الْعَجْزِ بِالْوَطْءِ فَتَمْلِكُ الْفَسْخَ (فَوْرًا وَمُتَرَاخِيًا) ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَشْبَهَ خِيَارَ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ؛ (وَ) بَيْنَ مُقَامٍ مَعَهُ (مَعَ مَنْعِ نَفْسِهَا) بِأَنْ لَا تُمَكِّنُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ عِوَضُهُ (وَبِدُونِهِ) أَيْ: بِدُونِ مَنْعِ نَفْسِهَا مِنْهُ بِأَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا (وَلَا يَمْنَعُهَا تَكَسُّبُ وَلَدِ مُوسِرَةٍ وَلَا يَحْبِسُهَا) مَعَ عُسْرَتِهِ إذَا لَمْ تَفْسَخْ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهَا، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ حَبْسَهَا إذَا كَفَاهَا الْمُؤْنَةَ وَأَغْنَاهَا عَمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ (وَلَا يَلْزَمُهَا الْمُقَامُ بِمَنْزِلِهِ) بَلْ لَهَا أَنْ تُقِيمَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَتْ حَيْثُ كَانَ مَأْمُونًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهَا عِوَضَ الِاسْتِمْتَاعِ (وَلَهَا أَيْ: زَوْجَةِ الْمُعْسِرِ الْفَسْخُ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ رِضَاهَا بِالْمُقَامِ مَعَهُ (وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: رَضِيت بِعُسْرَتِهِ أَوْ تَزَوَّجْتُهُ عَالِمَةً بِهِ) أَيْ بِعُسْرَتِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ لِمَا يَتَجَدَّدُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ كُلَّ يَوْمٍ (أَوْ قَالَتْ أَسْقَطْت النَّفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ ثُمَّ بَدَا لَهَا الْفَسْخُ فَلَهَا ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ يَتَجَدَّدُ وُجُوبُهَا كُلَّ يَوْمٍ فَيَتَجَدَّدُ لَهَا الْفَسْخُ كَذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُ نَفَقَتِهَا فِيمَا لَمْ يَجِبْ لَهَا كَالشَّفِيعِ يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ، قَبْلَ الْبَيْعِ، وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَتْ الْمَهْرَ أَوْ النَّفَقَةَ قَبْلَ النِّكَاحِ. (وَتَبْقَى نَفَقَةُ مُعْسِرٍ وَكِسْوَتُهُ وَمَسْكَنُهُ) لِزَوْجَتِهِ (إنْ أَقَامَتْ) مَعَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 637 (وَلَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا) مِنْهُ (دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ) لِوُجُوبِهَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ كَالْأُجْرَةِ، وَيَسْقُطُ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ مُعْسِرٍ (وَمَنْ قَدَرَ يَكْتَسِبُ) مَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ فَتَرَكَهُ (أُجْبِرَ) كَالْمُفْلِسِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَأَوْلَى. (وَيَتَّجِهُ) إجْبَارُهُ عَلَى اكْتِسَابٍ (فِي) عَمَلٍ (لَائِقٍ بِهِ) فَالتَّاجِرُ يُجْبَرُ عَلَى الِاكْتِسَابِ فِي التِّجَارَةِ، وَكُلُّ مُحْتَرِفٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ؛ فَلَا يُكَلَّفُ صَاحِبُ الْحِرْفَةِ الْجَيِّدَةِ تَعَاطِي حِرْفَةٍ رَزِيَّةٍ بِحَيْثُ يَضَعُ تَعَاطِيَهُ إيَّاهَا مِقْدَارَهُ عِنْدَ أَقْرَانِهِ كَالْبَزَّازِ يَتَعَاطَى الْكُسَاحَةَ؛ فَإِنَّ هَذَا تَكْلِيفٌ فَوْقَ الْوُسْعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ) مِنْ الْأَزْوَاجِ (كَسْبٌ) فِي بَعْضِ زَمَنِهِ (أَوْ) تَعَذَّرَ عَلَيْهِ (بَيْعٌ فِي بَعْضِ زَمَنِهِ) أَيَّامًا يَسِيرَةً؛ فَلَا فَسْخَ (أَوْ مَرِضَ) أَيَّامًا يَسِيرَةً، فَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ؛ فَلَا فَسْخَ لِزَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاقْتِرَاضُ إلَى زَوَالِ الْعَارِضِ (أَوْ عَجْزٍ عَنْ اقْتِرَاضٍ أَيَّامًا يَسِيرَةً عُرْفًا) فَلَا فَسْخَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ، وَلَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ (أَوْ أَعْسَرَ) بِنَفَقَةِ (مَاضِيهِ) أَوْ أَعْسَرَ (بِنَفَقَةِ مُوسِرٍ أَوْ) بِنَفَقَةٍ (مُتَوَسِّطَةٍ أَوْ) أَعْسَرَ (بِأُدْمٍ أَوْ) أَعْسَرَ (بِنَفَقَةِ خَادِمٍ فَلَا فَسْخَ) لِإِمْكَانِ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ (وَتَبْقَى نَفَقَةُ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ) وَالْخَادِمِ (وَ) يَبْقَى (الْأُدْمُ) دَيْنًا (فِي ذِمَّتِهِ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَالصَّدَاقِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ مِنْ جِنْسِ وَاجِبِ نَفَقَتِهَا؛ فَلَهُ احْتِسَابُهُ مِنْ نَفَقَتِهَا إنْ كَانَتْ مُوسِرَةً، وَإِلَّا فَلَا. (وَمَنْ مَنَعَ نَفَقَةً أَوْ كِسْوَةً أَوْ بَعْضَهُمَا) عَنْ زَوْجَتِهِ (وَقَدَرَتْ عَلَى) أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ (مَالِهِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ (أَخَذَتْ كِفَايَتَهَا وَكِفَايَةَ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ عُرْفًا) أَيْ: بِالْمَعْرُوفِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 638 (وَيَتَّجِهُ وَ) لَهَا أَخْذُ كِفَايَةِ وَلَدِهَا (الْمَجْنُونِ لِعَجْزِهِ عَنْ تَحْصِيلِ مَا يَقْتَاتُ بِهِ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) أَخَذَتْ نَفَقَةَ (خَادِمِهَا بِالْمَعْرُوفِ بِلَا إذْنِهِ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ حِينَ قَالَتْ لَهُ: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِنِي وَوَلَدِي خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعْطِيهَا بَعْضَ الْكِفَايَةِ، وَلَا يُتِمُّهَا لَهَا؛ فَرَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا فِي أَخْذِ تَمَامِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ؛ إذْ لَا غَنَاءَ عَنْهَا وَلَا قِوَامَ إلَّا بِهَا، وَلِأَنَّهَا تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَتَشُقُّ الْمُرَافَعَةُ بِهَا إلَى الْحَاكِمِ وَالْمُطَالَبَةُ بِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ. (وَلَا تَقْتَرِضُ) امْرَأَةٌ (لِوَلَدِهَا عَلَى أَبٍ وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ الِاقْتِرَاضِ لِلْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ (مَعَ حُضُورِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إشْغَالٌ لِذِمَّتِهِ بِدُونِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ، أَمَّا لَوْ غَابَ فَاسْتَدَانَتْ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا الصِّغَارِ، رَجَعَتْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ بَلْ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي بَعْدَ الْبَابِ. (وَلَا يُنْفَقُ عَلَى مَحْجُورٍ) عَلَيْهِ (مِنْ مَالِهِ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ، فَيَضْمَنُهُ الْمُنْفِقُ، لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ (وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ) زَوْجَةُ مُوسِرٍ مَنَعَهَا مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ بَعْضِهِمَا عَلَى الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ؛ فَلَهَا رَفْعُهُ إلَى حَاكِمٍ فَيَأْمُرُهُ بِدَفْعِهِ لَهَا فَإِنْ امْتَنَعَ (أَجْبَرَهُ حَاكِمٌ) عَلَيْهِ (فَإِنْ أَبَى) الدَّفْعَ (حَبَسَهُ أَوْ دَفَعَهَا) أَيْ: النَّفَقَةَ لِزَوْجَتِهِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ مَالِهِ (يَوْمًا بِيَوْمٍ) حَيْثُ أَمْكَنَ، لِقِيَامِ الْحَاكِمِ مَقَامَهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا عُرُوضًا أَوْ عَقَارًا، بَاعَهُ وَأَنْفَقَ مِنْهُ (فَإِنْ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 639 (غَيَّبَ مَالَهُ أَوْ صَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ) فَلَهَا الْفَسْخُ؛ لِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتِهِ كَالْمُعْسِرِ (أَوْ غَابَ مُوسِرٌ) عَنْ زَوْجَتِهِ فَوْقَ نِصْفِ سَنَةٍ، وَتَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ (وَتَعَذَّرَتْ نَفَقَةٌ) عَلَيْهَا بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا النَّفَقَةَ، وَلَمْ تَقْدِرْ لَهُ عَلَى مَالٍ، وَلَمْ يُمْكِنْهَا تَحْصِيلُ نَفَقَتِهَا (بِاسْتِدَانَةٍ أَيْ اقْتَرَضَ عَلَى ذِمَّةِ زَوْجِهَا، أَوْ تَعَذَّرَ عَلَى الْحَاكِمِ أَخْذُهَا مِنْ وَكِيلِهِ) أَيْ: وَكِيلِ زَوْجِهَا الْغَائِبِ (فَلَهَا الْفَسْخُ) لِتَعَذُّرِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ كَحَالِ الْإِعْسَارِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ، وَفِي الْإِقْنَاعِ " وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا، وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَالٍ لَهُ وَلَا اسْتِدَانَةَ وَلَا الْأَخْذَ مِنْ وَكِيلِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ كَتَبَ الْحَاكِمُ إلَيْهِ. قَالَ شَارِحُهُ لَمْ أَجِدْ الْكِتَابَةَ إلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ، بَلْ الْكُتُبُ الْمَشْهُورَةُ لَمْ يَذْكُرُوهَا. وَعَمِلَ قُضَاتُنَا عَلَى عَدَمِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا أَفْتَى بِهِ مَشَايِخُنَا وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ " فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ قَالَ شَارِحُهُ: قُلْت: أَوْ عُلِمَ إذْ لَمْ نَرَ فِي كَلَامِهِمْ هَذَا الْقَيْدَ، وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ " وَتَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ كَمَا تَقَدَّمَ؛ فَلَهَا الْفَسْخُ انْتَهَى. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ، وَلَوْ فَسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَ الزَّوْجَةِ لِفَقْدِ مَالٍ لِزَوْجِهَا الْغَائِبِ يُنْفَقُ مِنْهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ مَالٌ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: الظَّاهِرُ صِحَّةُ الْفَسْخِ وَعَدَمُ نَقْضِهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا، وَأَمَّا مَا كَانَ غَائِبًا عَنْهَا لَا عِلْمَ لَهَا بِهِ؛ فَلَا تُكَلَّفُ الصَّبْرَ لِاحْتِمَالِهِ، وَلَا تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْمُتَيَمِّمِ إذَا نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي قَبْضَتِهِ وَيَدِهِ، وَنِسْيَانُهُ لَا يَخْلُو مِنْ تَقْصِيرٍ وَتَفْرِيطٍ، بِخِلَافِ هَذِهِ، قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا. (وَلَا يَصِحُّ) الْفَسْخُ (فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِلَا حَاكِمٍ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَافْتَقَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 640 إلَى الْحَاكِمِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ (فَيَفْسَخُ) الْحَاكِمُ (بِطَلَبِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهَا؛ فَلَا تَسْتَوْفِيهِ إلَّا بِطَلَبِهَا (أَوْ تَفْسَخُ) هِيَ (بِأَمْرِهِ) أَيْ: الْحَاكِمِ (وَهُوَ) أَيْ: فَسْخُ الْحَاكِمِ (تَفْرِيقٌ لَا رَجْعَةَ فِيهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت وَكَذَا فَسْخُهَا بِأَمْرِهِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ (قَالَ) الْإِمَامُ (مَالِكٌ: سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ إذَا لَمْ يُنْفِقْ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) فَقِيلَ لَهُ قَدْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ يَغْزُونَ وَيَحْتَاجُونَ، فَقَالَ: لَيْسَ النَّاسُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ إنَّمَا تَزَوَّجَتْهُ رَجَاءً، يَعْنِي أَنَّ نِسَاءَ الصَّحَابَةِ كُنَّ يُرِدْنَ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَالنِّسَاءُ الْيَوْمَ يَتَزَوَّجْنَ رَجَاءَ الدُّنْيَا. (وَلَهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (بَيْعُ عَقَارٍ وَعَرْضٍ لِغَائِبٍ وَ) تَرَكَ زَوْجَتَهُ بِلَا نَفَقَةٍ وَلَا مُنْفِقٍ (إنْ لَمْ يَجِدْ) الْحَاكِمُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا (غَيْرُهُ) أَيْ: ثَمَنِ الْعَقَارِ وَالْعَرْضِ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. (وَيُنْفِقُ) الْحَاكِمُ (عَلَيْهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ) كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْغَائِبِ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: إذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَمَبْلَغُ الْمَهْرِ فَإِنْ عُلِمَ مَكَانُهُ كَتَبَ إلَيْهِ: إنْ سَلَّمْت إلَيْهَا حَقَّهَا، وَإِلَّا بِعْت عَلَيْك بِقَدْرِهِ؛ فَإِنْ أَبَى، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَكَانِهِ بَاعَ بِقَدْرِ نِصْفِهِ؛ لِجَوَازِ طَلَاقِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ. (وَلَا يَجُوزُ) أَنْ يُعَجِّلَ لَهَا (أَكْثَرَ) مِنْ نَفَقَةِ يَوْمٍ بِيَوْمٍ كَنَفَقَةِ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَقَدْ يَقْدُمُ، أَوْ تَبِينُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ (ثُمَّ إنْ بَانَ) الْغَائِبُ (مَيِّتًا قَبْلَ إنْفَاقِهِ) أَيْ: الْحَاكِمِ عَلَيْهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهِ (حُسِبَ عَلَيْهَا) مِنْ مِيرَاثِهَا مِنْ زَوْجِهَا (مَا أَخَذَتْهُ) وَأَنْفَقَتْهُ بِنَفْسِهَا أَوْ بِأَمْرِ حَاكِمٍ، لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ. (وَمَنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُ دَيْنِهِ) الَّذِي يَصِيرُ بِأَخْذِهِ مُوسِرًا (فَ) هُوَ (مُوسِرٌ) كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ (وَيَتَّجِهُ فَيَلْزَمُهُ) حِينَئِذٍ (نَفَقَةُ مُوسِرٍ لِمَا مَضَى) ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُفَرِّطٌ بِتَرْكِ مَالِهِ عِنْدَ مَنْ يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ مِنْهُ أَوْ مُتَعَمِّدٌ إبْقَاءَهُ تَحْتَ يَدِهِ، وَعَلَى كُلٍّ فَعَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 641 بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْهُ أَنْ يُعْطِيَهَا تَمَامَ نَفَقَةِ مُوسِرٍ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَالُ بِحَانُوتِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. تَتِمَّةٌ: يَصِحُّ ضَمَانُ النَّفَقَةِ مَا وَجَبَ مِنْهَا وَمَا يَجِبُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَضَمَانِ السُّوقِ. وَمَنْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ الْوَاجِبَ لِامْرَأَتِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مُدَّةً؛ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ كَالدَّيْنِ وَلَوْ لَمْ يَفْرِضْهَا حَاكِمٌ وَكَانَتْ النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ. [بَابُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ] بَابُ النَّفَقَةِ بَابُ (نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَ) الْعَتِيقِ وَنَفَقَةِ (الْمَمَالِيكِ) مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَقَارِبِ مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ كَمَا يَأْتِي؛ فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْعَتِيقُ. (وَتَجِبُ) النَّفَقَةُ كَامِلَةً إنْ كَانَ الْمُنْفِقُ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُنْفِقِ مَنْ يُشْرِكُهُ فِي الْإِنْفَاقِ (أَوْ إكْمَالُهَا) إنْ وَجَدَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ بَعْضَهَا (وَكِسْوَةٌ وَسُكْنَى) بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ. الْأَوَّلُ: كَوْنُ مُنْفِقٍ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ أَوْ وَارِثًا لَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (لِأَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] وَمِنْ الْإِحْسَانِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَمِنْ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا. وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا وَلَا مَالَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ. (وَ) تَجِبُ عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 642 أَيْضًا نَفَقَةُ (وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ فَكَذَا عَلَى بَعْضِهِ (حَتَّى ذِي الرَّحِمِ مِنْهُمْ) أَيْ: الْوَالِدَيْنِ الْأَوْلَادَ (حَجَبَهُ) أَيْ: الْغَنِيُّ مِنْهُمْ (مُعْسِرٌ) كَجَدٍّ مُوسِرٍ مَعَ أَبٍ مُعْسِرٍ، وَكَابْنِ مُعْسِرٍ وَابْنِ ابْنٍ مُوسِرٍ (أَوْ لَا) أَيْ: أَوْ لَمْ يَحْجُبْهُ مُعْسِرٌ كَجَدٍّ مُوسِرٍ مَعَ عَدَمِ أَبٍ، وَكَذَا جَدٌّ مَعَ ابْنِ بِنْتِهِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً قَوِيَّةً تُوجِبُ الْعِتْقَ وَرَدَّ الشَّهَادَةِ فَأَشْبَهَ الْوَلَدَ وَالْوَالِدَيْنِ الْقَرِيبَيْنِ. (وَ) تَجِبُ النَّفَقَةُ (لِكُلٍّ مِنْ) أَيْ: فَقِيرٌ (يَرِثُهُ) قَرِيبٌ غَنِيٌّ (بِفَرْضٍ) كَأَخٍ لِأُمٍّ (أَوْ تَعْصِيبٍ) كَابْنِ عَمٍّ لِغَيْرِ أُمٍّ (لَا بِرَحِمٍ) كَخَالٍ (مِمَّنْ سِوَى عَمُودَيْ نَسَبِهِ، سَوَاءٌ وَرِثَهُ الْآخَرُ كَأَخٍ) لِلْغَنِيِّ (أَوْ لَا، كَعَمَّةٍ وَعَتِيقٍ، لَا عَكْسُهُ) فَإِنَّ الْعَمَّةَ لَا تَرِثُ مِنْ ابْنِ أَخِيهَا بِفَرْضٍ وَلَا تَعْصِيبٍ، وَهُوَ يَرِثُهَا بِالتَّعْصِيبِ، وَكَذَا الْعَتِيقُ لَا يَرِثُ مَوْلَاهُ وَهُوَ يَرِثُهُ، فَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَارِثِ (بِمَعْرُوفٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] إلَى قَوْلِهِ {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَأَوْجَبَ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةَ الرَّضَاعِ، ثُمَّ أَوْجَبَ عَلَى الْوَارِثِ مِثْلَ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى الْأَبِ، «وَلِحَدِيثِ: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: أُمَّك وَأَبَاك وَأُخْتَك وَأَخَاك وَفِي لَفْظِ: وَمَوْلَاك الَّذِي هُوَ أَدْنَاك حَقًّا وَاجِبًا وَرَحِمًا مَوْصُولًا.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَأَلْزَمَهُ الْبِرَّ وَالصِّلَةَ، وَقَدْ جَعَلَهَا حَقًّا وَاجِبًا قَدْرَ كِفَايَتِهِ عَادَةً خُبْزٌ وَأُدْمٌ وَكِسْوَةٌ، كَالزَّوْجَةِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْإِنْقَاقِ مِنْ حَلَالٍ. (الشَّرْطُ الثَّانِي) حَاجَةُ مُنْفَقٍ عَلَيْهِ (مَعَ فَقْرِ مَنْ تَجِبُ لَهُ وَعَجْزِهِ عَنْ تَكَسُّبٍ وَمَعَ غِنًى مُنْفِقٍ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَالْغَنِيُّ يَمْلِكُهُ وَالْقَادِرُ عَلَى التَّكَسُّبِ مُسْتَغْنٍ عَنْهَا (وَكَوْنُهُ) أَيْ: الْمُنْفِقِ (وَارِثًا) لِلْمُنْفِقِ عَلَيْهِ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ، وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 643 الشَّرْطُ الثَّالِثُ (غَيْرُ مَا مَرَّ) مِنْ عَمُودَيْ النَّسَبِ، أَمَّا عَمُودَيْ النَّسَبِ فَتَجِبُ وَلَوْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، أَوْ حَجَبَهُ مُعْسِرٌ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " وَعَلَى الْوَلَدِ الْمُوسِرِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبِيهِ الْمُعْسِرِ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ وَعَلَى إخْوَتِهِ الصِّغَارِ (وَلَا يُشْتَرَطُ نَقْصُهُ) أَيْ: الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ فِي خَلْقِهِ كَزَمِنٍ أَوْ حُكْمٍ كَصِغَرٍ وَجُنُونٍ (فَتَجِبُ) النَّفَقَةُ (لِصَحِيحٍ مُكَلَّفٍ لَا حِرْفَةَ لَهُ) لِأَنَّهُ فَقِيرٌ (إذَا فَضَلَ عَنْ قُوتِ نَفْسِهِ) أَيْ: الْمُنْفِقِ (وَ) قُوتِ (زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً) وَكِسْوَةٌ وَسَكَنٌ لَهُمْ (مِنْ حَاصِلٍ) بِيَدِهِ (أَوْ مُتَحَصِّلٍ) مِنْ صِنَاعَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ، أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ رِيعِ وَقْفٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عِنْدَهُ عَمَّنْ ذُكِرَ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا. «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فَقِيرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ فَعَلَى عِيَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ فَعَلَى قَرَابَتِهِ» وَفِي لَفْظٍ: «ابْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ.» حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ. وَهِيَ (لَا) تَجِبُ مَعَ الْحَاجَةِ، وَ (لَا) تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى قَرِيبٍ (مِنْ رَأْسِ مَالِ) تِجَارَةٍ لِنَقْصِ الرِّبْحِ بِنَقْصِ رَأْسِ مَالِهِ، وَبِمَا أَفْنَتْهُ النَّفَقَةُ، فَيَحْصُلُ لَهُ الضَّرَرُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا. (وَ) لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ (مِنْ ثَمَنِ مِلْكٍ وَ) لَا مِنْ (ثَمَنِ آلَةِ عَمَلٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَمِنْ قَدْرٍ يُكْتَسَبُ) بِحَيْثُ يَفْضُلُ عَنْ كَسْبِهِ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى قَرِيبِهِ (أُجْبِرَ) عَلَى تَكَسُّبٍ (لِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ) لِأَنَّ تَرْكَ التَّكَسُّبِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فِيهِ تَضْيِيعٌ لِمَنْ يَعُولُ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَ (لَا) تُجْبَرُ (امْرَأَةٌ عَلَى نِكَاحٍ) إذَا رَغِبَ فِيهَا بِمَهْرٍ لِتُنْفِقَهُ عَلَى قَرِيبِهَا الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي النِّكَاحِ قَدْ تَكُونُ لِغَيْرِ الْمَالِ؛ بِخِلَافِ التَّكَسُّبِ. (وَزَوْجَةُ مَنْ تَجِبُ لَهُ) النَّفَقَةُ كَأَبٍ وَابْنِ أَخٍ (كَهُوَ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَاجَةِ الْفَقِيرِ الْيَوْمِيَّةِ؛ لِدُعَاءِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ، فَإِذَا احْتَاجَ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ رُبَّمَا دَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى الزِّنَا، وَلِذَلِكَ وَجَبَ إعْفَافُهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 644 (وَمَنْ لَهُ) مِنْ الْمُحْتَاجِينَ لِلنَّفَقَةِ (وَلَوْ) كَانَ (حَمْلًا وَارِثٌ دُونَ أَبٍ فَنَفَقَتُهُ) عَلَيْهِمْ (عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ مِنْهُ) أَيْ: الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى رَتَّبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْإِرْثِ بِقَوْلِهِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (وَالْأَبُ) الْغَنِيُّ (يَنْفَرِدُ بِهَا) أَيْ: بِنَفَقَةِ وَلَدِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] : وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ". وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهِنْدَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . (ف) مَنْ لَهُ (جَدٌّ وَأَخٌ) لِغَيْرِ أُمٍّ النَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ، لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ تَعْصِيبًا (أَوْ لَهُ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ) فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ (بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ فَرْضًا وَرَدًّا، (وَ) مَنْ لَهُ (أُمٌّ وَجَدٌّ) النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا (أَوْ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ) النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا (أَثْلَاثًا) كَإِرْثِهِمَا لَهُ (وَ) مَنْ لَهُ (بِنْتٌ وَأُمٌّ) النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَرْبَاعًا رُبْعُهَا عَلَى الْأُمِّ وَبَاقِيهَا عَلَى الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ فَرْضًا وَرَدًّا (أَوْ) لَهُ (جَدَّةٌ) وَبِنْتٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا (أَرْبَاعًا) كَإِرْثِهِمَا كَذَلِكَ فَرْضًا وَرَدًّا (أَوْ) مَنْ لَهُ (جَدَّةٌ، وَعَاصِبٌ غَيْرُ أَبٍ) كَابْنٍ وَأَخٍ وَعَمٍّ؛ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا (أَسْدَاسًا) سُدُسُهَا عَلَى الْجَدَّةِ وَبَاقِيهَا عَلَى الْعَاصِبِ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْأَبُ فَيَنْفَرِدُ بِهَا، وَتَقَدَّمَ. (وَعَلَى هَذَا) الْعَمَلِ (حِسَابُهَا) أَيْ: النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْإِرْثِ (فَلَا تَلْزَمُ) النَّفَقَةُ، (أَبَا أُمٍّ) مَعَ أُمٍّ ظَاهِرُهُ مُعْسِرَةً كَانَتْ أَوْ مُوسِرَةً، وَكَذَلِكَ لَا تَلْزَمُ ابْنَ بِنْتٍ مَعَ بِنْتٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ عَنْ الْمِيرَاثِ بِهَا (أَوْ) أَيْ: وَلَا تَلْزَمُ (ابْنَ بِنْتٍ مَعَ أُمِّ) بَلْ تَكُونُ جَمِيعُ النَّفَقَةِ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ إرْثَ ابْنِهَا لَهَا إذَا انْفَرَدَتْ فَرْضًا وَرَدًّا (وَلَا) تَلْزَمُ (أَخًا مَعَ ابْنٍ) مُنْفَقٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ مُعْسِرًا (أَوْ) مَعَ (أَبٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَخَ مَحْجُوبٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 645 بِالِابْنِ؛ فَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ وَحْدَهُ (وَ) مَنْ لَهُ وَرَثَةٌ بَعْضُهُمْ مُوسِرٌ وَبَعْضُهُمْ مُعْسِرٌ كَأَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا مُوسِرٌ وَالْآخَرُ مُعْسِرٌ (تَلْزَمُ) نَفَقَتُهُ (مُوسِرًا) مِنْهُمَا (مَعَ فَقْرِ الْآخَرِ بِقَدْرِ إرْثِهِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ يَسَارِ الْآخَرِ ذَلِكَ الْقَدْرُ (بِلَا زِيَادَةٍ) فَلَا: يَتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْغَيْرُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ (مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمُودَيْ النَّسَبِ) ، فَتَلْزَمُ (نَفَقَةُ جَدٍّ) لِابْنِ ابْنِهِ الْفَقِيرِ (مُوسِرًا) وَلَوْ كَانَ مَعَ أَخٍ (أَوْ أُمًّا مُوسِرَةً مَعَ فَقْرِ أَبٍ) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ فِي عَمُودَيْ النَّسَبِ لِقُوَّةِ قَرَابَتِهِمْ (وَ) تَلْزَمُ (جَدَّةً مُوسِرَةً، مَعَ فَقْرِ أُمٍّ) كَذَلِكَ (وَأَبَوَانِ وَجَدٌّ وَالْأَبُ مُعْسِرٌ فَعَلَى الْأُمِّ) الْمُوسِرَةِ (ثُلُثُ) النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا تَرِثُ الثُّلُثَ (وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ) ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ كَذَلِكَ لَوْلَا الْأَبُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ زَوْجَةٌ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ، بَلْ نَفَقَتُهَا تَابِعَةٌ لِنَفَقَتِهِ. (وَمِنْ لَمْ يَكْفِ مَا فَضَلَ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ كِفَايَتِهِ (جَمِيعُ مِنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ) عَلَيْهِ لَوْ أَيْسَرَ بِجَمِيعِهَا (بَدَأَ بِزَوْجَتِهِ) ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا مُعَارَضَةٌ، فَقُدِّمَتْ عَلَى مَا وَجَبَ مُوَاسَاةً، وَلِذَلِكَ تَجِبُ مَعَ يَسَارِهِمَا وَإِعْسَارِهِمَا، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ (ف) نَفَقَةُ (رَقِيقِهِ) لِوُجُوبِهَا مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ (ف) نَفَقَةُ (أَقْرَبَ) فَأَقْرَبَ؛ لِحَدِيثِ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ: «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّك وَأَبَاك وَأُخْتَك وَأَخَاك ثُمَّ أَدْنَاك أَدْنَاك» : أَيْ: الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَبِرٌّ، وَمَنْ قَرُبَ أَوْلَى، بِالْبِرِّ مِمَّنْ بَعُدَ (ثُمَّ) مَعَ اسْتِوَاءٍ فِي الدَّرَجَةِ يَبْدَأُ؛ (بِالْعَصَبَةِ) كَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُ عَمٍّ (ثُمَّ التَّسَاوِي) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ (فَيُقَدَّمُ وَلَدٌ عَلَى أَبٍ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِالنَّصِّ، (وَ) يُقَدَّمُ (أَبٌ عَلَى أُمٍّ) بِانْفِرَادِهِ بِالْوِلَايَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، وَقَدْ أَضَافَهُ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . (وَ) تُقَدَّمُ (أُمٌّ عَلَى وَلَدِ ابْنٍ) ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي إلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَلَهَا فَضِيلَةُ الْحَمْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 646 وَالرَّضَاعُ وَالتَّرْبِيَةُ (وَ) يُقَدَّمُ (وَلَدُ ابْنٍ عَلَى جَدٍّ) كَمَا يُقَدَّمُ الْوَلَدُ عَلَى الْأَبِ، (وَ) يُقَدَّمُ (جَدٌّ عَلَى أَخٍ) ؛ لِأَنَّ لَهُ مَزِيدَ الْوِلَادَةِ وَالْأُبُوَّةِ وَيُقَدَّمُ (أَبُو أَبٍ عَلَى أَبِي أُمٍّ) لِامْتِيَازِهِ بِالتَّعْصِيبِ (وَهُوَ) أَيْ: أَبُو الْأُمِّ (مَعَ أَبِي أَبِي أَبٍ مُسْتَوِيَانِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِتَمَيُّزِ أَبِي الْأُمِّ بِالْقُرْبِ، وَالْآخَرِ بِالْعُصُوبَةِ، فَتَسَاوَيَا. (وَلِمُسْتَحِقِّهَا) أَيْ: النَّفَقَةِ (الْأَخْذُ) مِنْ مَالِ مُنْفِقٍ (بِلَا إذْنِهِ مَعَ امْتِنَاعِهِ) مِنْ دَفْعِهَا (كَ) مَا يَجُوزُ (لِزَوْجَتِهِ) الْأَخْذُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا إذَا مَنَعَهَا النَّفَقَةَ، لِحَدِيثِ هِنْدَ «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» وَقِيسَ عَلَيْهِ سَائِرُ مَنْ تَجِبُ لَهُ. (وَلَا نَفَقَةَ مَعَ اخْتِلَافِ دِينٍ) بِقَرَابَةٍ وَلَوْ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] : وَكَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا (إلَّا بِالْوَلَاءِ) فَتَجِبُ لِلْعَتِيقِ عَلَى مُعْتِقِهِ بِشَرْطِهِ وَإِنْ بَايَنَهُ فِي دِينٍ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ مَعَ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومٍ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَإِنْ مَاتَ مَوْلَاهُ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَارِثِهِ مِنْ عَصَبَةِ مَوْلَاهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ النَّفَقَةَ (لَا) تَجِبُ (بِإِلْحَاقِ الْقَافَةِ) مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُمْ فِي عَدَمِ الْإِرْثِ سَوَاءٌ، فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا نَفَقَةَ مَعَ اخْتِلَافِ دِينٍ إلَّا بِالْوَلَاءِ أَوْ بِإِلْحَاقِ الْقَافَةِ بِهِ انْتَهَى وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 647 [فَصْلٌ إعْفَافُ مَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ] فَصْلٌ: (وَيَجِبُ إعْفَافُ مَنْ تَجِبُ لَهُ) النَّفَقَةُ (مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ وَغَيْرِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو حَاجَتُهُ إلَيْهِ وَيَسْتَضِرُّ بِفَقْدِهِ، وَلَا يُشْبِهُ ذَلِكَ الْحَلْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَضِرُّ بِتَرْكِهَا؛ فَيَجِبُ إعْفَافُ مَنْ يَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَالْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ، وَالْأَعْمَامِ، وَيُقَدَّمُ إنْ ضَافَ الْفَاضِلُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَالنَّفَقَةِ (بِزَوْجَةٍ حُرَّةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ تُعِفُّهُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا (وَلَا يَمْلِكُ) مَنْ أَعَفَّ بِسُرِّيَّةٍ (اسْتِرْجَاعَهَا مَعَ غِنَاهُ) أَيْ الْفَقِيرِ كَالزَّكَاةِ (وَلَا) يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَهُ (بِزَوْجَةٍ قَبِيحَةٍ) أَوْ يَمْلِكُ أَمَةً قَبِيحَةً؛ لِعَدَمِ حُصُولِ الْإِعْفَافِ، وَلَا أَنْ يُزَوِّجَهُ وَلَا أَنْ يُمَلِّكَهُ كَبِيرَةً لَا اسْتِمْتَاعَ فِيهَا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا، وَلَا أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَةً؛ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرٍ عَلَيْهِ بِاسْتِرْقَاقِ أَوْلَادِهِ (وَ) إنْ عَيَّنَ أَحَدُهُمَا امْرَأَةً وَالْآخَرُ غَيْرَهَا، فَإِنَّهُ (يُقَدَّمُ تَعْيِينُ قَرِيبٍ) مُنْفِقٍ (وَالْمَهْرُ سَوَاءٌ) إذَا اسْتَوَى الْمَهْرُ (عَلَى) تَعْيِينِ (زَوْجٍ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ بِنَفَقَتِهَا (وَيُصَدَّقُ) مُنْفَقٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَائِقٌ لِلنِّكَاحِ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، وَيُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ إعْفَافٍ عَجْزُهُ، أَيْ: الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ عَنْ مَهْرِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَى غَيْرِهِ وَيَكْفِي إعْفَافُهُ (بِوَاحِدَةٍ) (زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ) ؛ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِهَا (فَإِنْ مَاتَتْ) زَوْجَةٌ أَوْ سُرِّيَّةٌ أَعَفَّهُ بِهَا (أَعَفَّهُ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي ذَلِكَ (لَا إنْ طَلَّقَ بِلَا عُذْرٍ أَوْ أَعْتَقَ السُّرِّيَّةَ مَجَّانًا) بِأَنْ لَمْ يَجْعَلْ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ ثَانِيًا، لِأَنَّهُ الَّذِي فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ. (وَيَلْزَمُهُ إعْفَافُ أُمٍّ كَأَبٍ) أَيْ كَمَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُ أَبٍ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ وَخَطَبَهَا كُفْءٌ قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ سَلَّمَ فَالْأَبُ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ الْإِعْفَافَ لَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 648 بِالتَّزْوِيجِ وَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَيْ: زَوْجِ الْأُمِّ إنْ تَعَذَّرَ تَزْوِيجٌ بِدُونِهَا، وَبِنْتٌ وَنَحْوُهَا كَأُمٍّ. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ اجْتَمَعَ جَدَّانِ، وَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا إعْفَافَ أَحَدِهِمَا، قُدِّمَ الْأَقْرَبُ كَالنَّفَقَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَيُقَدَّمُ وَإِنْ بَعُدَ عَلَى الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ؛ لِامْتِيَازِهِ بِالْعُصُوبَةِ. (وَ) يَلْزَمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ (خَادِمٍ لِلْجَمِيعِ) أَيْ: جَمِيعِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ (لِلْحَاجَةِ) إلَى الْخَادِمِ (كَزَوْجَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْكِفَايَةِ. (وَمَنْ تَرَكَ مَا وَجَبَ) عَلَيْهِ مِنْ إنْفَاقٍ عَلَى قَرِيبٍ أَوْ عَتِيقٍ (مُدَّةً، لَمْ يَلْزَمْهُ) شَيْءٌ (لِمَا مَضَى) مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ فِيهَا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَمَنْ تَرَكَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَاضِي (أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ) وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ (وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ) مِنْهُمْ " الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ " (إلَّا بِفَرْضِ حَاكِمٍ) جَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ "؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِفَرْضِهِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي " الْفُرُوعِ " (وَزَادَ غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَهُوَ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " (أَوْ أَذِنَهُ) أَيْ: الْحَاكِمُ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّفَقَةُ فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ لِغِيبَتِهِ أَوْ امْتِنَاعِهِ، (أَوْ) إذْنِهِ (لِقَرِيبٍ فِي اسْتِدَانَةٍ) قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَأَمَّا نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ لِمَا مَضَى وَإِنْ فُرِضَتْ، إلَّا أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ (وَلَوْ غَابَ زَوْجٌ، فَاسْتَدَانَتْ) زَوْجَتُهُ (لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا الصِّغَارِ رَجَعَتْ) ؛ بِمَا اسْتَدَانَتْهُ، نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: وَكَذَا لَوْ كَانَ أَوْلَادُهَا مَجَانِينَ، أَوْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّكَسُّبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحُكْمِ (قَرِيبٌ) فَقِيرٌ عَاجِزٌ عَنْ التَّكَسُّبِ غَابَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، فَاسْتَدَانَ لِيُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِيهِ مَا فِيهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَنْ أُنْفِق بِإِذْنِ حَاكِمٍ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَبِلَا إذْنٍ فِيهِ خِلَافٌ. انْتَهَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 649 (وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْهَا زَوْجٌ) أَيْ: النَّفَقَةِ: (أَوْ قَرِيبٌ أَوْ مَالِكُ رَقِيقٍ أَوْ بَهَائِمَ) بِأَنْ تَطْلُبَ مِنْهُ فَيَمْتَنِعَ، فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُ (رَجَعَ مُنْفِقٌ عَلَيْهِ) عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ (بِنِيَّةِ رُجُوعٍ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ قَدْ يَكُونُ لِضَعْفِ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ وَقُوَّةِ، مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ: فَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُنْفِقُ الرُّجُوعَ لَضَاعَ الضَّعِيفُ، وَحَيْثُ رَجَعَ فَيَرْجِعُ (بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَنْفَقَ أَوْ نَفَقَةُ مِثْلٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إنَّمَا تَنْدَفِعُ بِذَلِكَ. (وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ صَغِيرٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ أَبٍ أَوْ وَارِثٍ غَيْرِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ (نَفَقَةُ ظِئْرِهِ) أَيْ: مُرْضِعَتِهِ (حَوْلَيْنِ) كَامِلَيْنِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَلِأَنَّ الطِّفْلَ إنَّمَا يَتَغَذَّى بِمَا يَتَوَلَّدُ فِي الْمُرْضِعَةِ مِنْ اللَّبَنِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْغِذَاءِ، فَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْمُرْضِعَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ لَهُ، وَلَا تَجِبُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ؛ لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الرَّضَاعِ (وَلَا يُفْطَمُ قَبْلَهَا) أَيْ الْحَوْلَيْنِ لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ (إلَّا بِرِضَى أَبَوَيْهِ أَوْ) بِرِضَى (سَيِّدِهِ) إنْ كَانَ رَقِيقًا فَيَجُوزُ (مَا لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ: الصَّغِيرُ (رَضَاعٌ) فَإِنْ تَضَرَّرَ بِالرَّضَاعِ فَلَا، وَلَوْ رَضِيَا، لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (وَلَيْسَ لِأَبِيهِ) أَيْ: الصَّغِيرِ (مَنْعُ أُمِّهِ مِنْ خِدْمَتِهِ) أَيْ: إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ. هَذَا الْمَذْهَبُ وعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا، فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (خِلَافًا لَهَا) أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى "، وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ " وَلِلْأَبِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ خِدْمَةِ وَلَدِهَا مِنْهُ. وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى " وَلِأَبِيهِ مَنْعُ أُمِّهِ مِنْ خِدْمَتِهِ، وَمَا جَزَمَا بِهِ (هُنَا) هُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ، وَمُقْتَضَى مَا صَرَّحَا بِهِ فِي بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ أَنَّ الْمُعْتَدَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، كَمَا لَا يَمْنَعُهَا مِنْ رَضَاعِهِ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ فِي حِبَالِ الزَّوْجِ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 650 لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] الْآيَةَ. وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ، وَلَبَنُهَا أَمْرَأُ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ أُمٌّ حُرَّةٌ مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا، لَمْ يُجْبِرْهَا أَبٌ (وَلَوْ أَنَّهَا فِي حِبَالِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] وَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَدْ تَعَاسَرَا وقَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الْإِنْفَاقِ وَعَدَمِ التَّعَاسُرِ. (وَهِيَ) أَيْ: الْأُمُّ (أَحَقُّ) بِرَضَاعِ وَلَدِهَا (بِأُجْرَةٍ مِثْلِهَا لَا بِأَكْثَرَ) مِنْهَا (وَيَسْقُطُ حَقُّهَا) بِطَلَبِهَا الْأَكْثَرَ وَلَوْ يَسِيرًا (حَتَّى) وَلَوْ طَلَبَتْ الْأُمُّ عَلَى إرْضَاعِهِ أُجْرَةَ مِثْلِهَا (مَعَ) وُجُودِ مُرْضِعَةٍ (مُتَبَرِّعَةٍ) فَالْأُمُّ أَحَقُّ، لِمَا تَقَدَّمَ، (أَوْ) كَانَتْ الْأُمُّ مَعَ (زَوْجٍ ثَانٍ وَيَرْضَى) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] " وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَإِنْ كَانَ طَلَبُ الْأُمِّ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا مَعَ وُجُودِ مَنْ تُرْضِعُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا أَوْ مُتَبَرِّعَةٍ، سَقَطَ حَقُّهَا، وَلِلْأَبِ أَخْذُهُ مِنْهَا؛ لِتَعَاسُرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُرْضِعَةً إلَّا بِمَا طَلَبَتْهُ الْأُمُّ؛ فَالْأُمُّ أَحَقُّ؛ لِمَا سَبَقَ، وَإِنْ مَنَعَ الْأُمَّ زَوْجُهَا غَيْرُ أَبِي الطِّفْلِ مِنْ إرْضَاعِهِ؛ سَقَطَ حَقُّهَا لِتَعَذُّرِ وُصُولِهَا إلَيْهِ. (وَيَلْزَمُ حُرَّةً إرْضَاعُ وَلَدِهَا بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا مَعَ خَوْفَ تَلَفٍ) بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَ غَيْرِهَا، أَوْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ سِوَاهَا حِفْظًا لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا، وَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ تَلَفَهُ لَمْ تُجْبَرْ دَنِيئَةً كَانَتْ أَوْ شَرِيفَةً، فِي حِبَالِهِ أَوْ مُطْلَقَةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] " (وَ) يَلْزَمُ (أُمَّ وَلَدٍ) إرْضَاعَ وَلَدِهَا (مُطْلَقًا) أَيْ: خِيفَ عَلَى الْوَلَدِ أَمْ لَا، مِنْ سَيِّدِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 651 أَوْ غَيْرِهِ (مَجَّانًا) أَيْ: بِلَا أُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ نَفْعَهَا لِسَيِّدِهَا. (وَمَتَى عَتَقَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ (فَكَحُرَّةٍ بَائِنٍ) لَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ فَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا، وَإِنْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ زَوَّجَهَا سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الرَّضَاعِ، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ (وَلِزَوْجٍ ثَانٍ) أَيْ: غَيْرِ أَبِي الرَّضِيعِ (مِنْ) حِينَ عَقَدَ مَنْعَهَا مِنْ (إرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ زَوْجٍ قَبْلَهُ أَوْ مِنْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًى؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَقْتَضِي تَمَلُّكَ الزَّوْجِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ فِي كُلِّ الزَّمَانِ سِوَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَالرَّضَاعُ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ؛ فَكَانَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ كَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ (إلَّا لِضَرُورَتِهِ) أَيْ: الْوَلَدِ بِأَنَّ لَا يُوجَدَ مَنْ يُرْضِعُهُ، أَوْ لَا يَقْبَلُ الِارْتِضَاعَ مِنْ غَيْرِهَا؛ فَيَجِبُ التَّمْكِينُ مِنْ إرْضَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ وَحِفْظٍ، فَقُدِّمَ عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ كَتَقْدِيمِ الْمُضْطَرِّ عَلَى الْمَالِكِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ (أَوْ شَرْطُهَا) بِأَنْ شَرَطَتْ فِي الْعَقْدِ أَنْ لَا يَمْنَعَهَا إرْضَاعَ وَلَدِهَا؛ فَلَهَا شَرْطُهَا؛ لِحَدِيثِ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . لِقَوْلِهِ تَعَالَى تَتِمَّةٌ: وَمَنْ أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا وَهِيَ فِي حِبَالِ أَبِيهِ فَاحْتَاجَتْ لِزِيَادَةِ نَفَقَةٍ، لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ إذْ كِفَايَتُهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ وَلِرَضَاعِ وَلَدِهِ. وَإِنْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِلرَّضَاعِ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ؛ لَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ فَسْخَ الْإِجَارَةِ وَلَا مَنْعُهَا مِنْ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُلِكَتْ بِعَقْدٍ سَابِقٍ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُسْتَأْجَرَةً، فَإِنْ نَامَ الصَّبِيُّ أَوْ اشْتَغَلَ، فَلِلزَّوْجِ الِاسْتِمْتَاعُ. وَإِنْ أَجَّرَتْ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا لِلرَّضَاعِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا صَحَّ، وَلَزِمَ الْعَقْدُ، وَبَعِيرٌ إذْنُهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِتَضَمُّنِهِ تَفْوِيتَ حَقِّ زَوْجِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 652 [فَصْلٌ تَلْزَمُ السَّيِّدَ نَفَقَةٌ وَكِسْوَةٌ وَسُكْنَى عُرْفًا بِالْمَعْرُوفِ لِرَقِيقِهِ] فَصْلٌ: (وَتَلْزَمُهُ) أَيْ: السَّيِّدَ (نَفَقَةٌ وَكِسْوَةٌ وَسُكْنَى عُرْفًا) أَيْ: بِالْمَعْرُوفِ (لِرَقِيقِهِ وَلَوْ كَانَ آبِقًا) أَوْ مَرِيضًا أَوْ انْقَطَعَ كَسْبُهُ أَوْ عَمِيَ أَوْ زَمِنَ (أَوْ) كَانَ أَمَةً (نَاشِزًا أَوْ) كَانَ (كَافِرًا أَوْ) كَانَ (ابْنَ أَمَتِهِ مِنْ حُرٍّ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ حَيْثُ لَا شَرْطَ وَلَا غُرُورَ (مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَلْزَمُهُ سَوَاءٌ كَانَ قُوتَ سَيِّدِهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ، وَأَدَمَ مِثْلِهِ، وَكَذَا الْكِسْوَةُ تَلْزَمُ مِنْ غَالِبِ كِسْوَةِ الْبَلَدِ لِأَمْثَالِهِ مِنْ الْعَبِيدِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مُتَوَسِّطًا؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ ". وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَمَنَافِعُهُ لِسَيِّدِهِ، وَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَبَهِيمَةٍ (وَلِمُبَعَّضٍ عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ مِنْ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَسُكْنَاهُ) بِقَدْرِ رِقِّهِ، (وَبَقِيَّتُهَا) أَيْ: النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى (عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُبَعَّضِ، لِاسْتِقْلَالِهِ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ، فَإِنْ أَعْسَرَ وَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ؛ فَعَلَى وَارِثِهِ، وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَجْعَلَ نَفَقَةَ رَقِيقِهِ فِي كَسْبِهِ وَأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَيَأْخُذَ كَسْبَهُ، أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَهُ، وَإِنْ جَعَلَهَا فِي كَسْبِهِ وَفَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلِسَيِّدِهِ؛ وَإِنْ أَعْوَزَ فَعَلَيْهِ تَمَامُهُ، وَإِنْ مَاتَ الرَّقِيقُ فَعَلَى سَيِّدِهِ تَكْفِينُهُ وَتَجْهِيزُهُ وَدَفْنُهُ، كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَالَ الْحَيَاةِ. (وَعَلَى حُرَّةٍ نَفَقَةُ وَلَدِهَا مِنْ عَبْدٍ) وَطِئَهَا بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ. وَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ نَصًّا (فَإِنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ مَعَهَا فَعَلَى كُلٍّ) مِنْهُمْ النَّفَقَةُ (بِقَدْرِ إرْثِهِ) كَمَا سَبَقَ (وَكَذَا مُكَاتَبَةٌ، وَلَوْ أَنَّهُ) أَيْ: وَلَدُهَا الَّذِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 653 وَلَدَتْهُ بَعْدَ كِتَابَتِهَا (مِنْ مُكَاتَبٍ) فَنَفَقَةُ وَلَدِهَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا (وَكَسْبُهُ لَهَا) لِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا (وَيُزَوَّجُ) رَقِيقٌ (وُجُوبًا) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (بِطَلَبِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى النِّكَاحِ غَالِبًا، وَكَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، وَلِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْ تَرْكِ إعْفَافِهِ الْوُقُوعَ فِي الْمَحْظُورِ، بِخِلَافِ طَلَبِ الْحَلْوَى (غَيْرَ أَمَةٍ يَسْتَمْتِعُ بِهَا) سَيِّدُهَا (وَلَوْ) كَانَتْ (مُكَاتَبَةً بِشَرْطِهِ) أَيْ: بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا زَمَنَ كِتَابَتِهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ قَضَاءُ الْحَاجَةِ وَإِزَالَةُ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا. (وَتُصَدَّقُ) أَمَةٌ طَلَبَتْ تَزْوِيجًا وَادَّعَى سَيِّدُهَا أَنَّهُ يَطَؤُهَا (فِي أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ) لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ زَوَّجَهَا السَّيِّدُ بِمِنْ عَيْبُهُ غَيْرُ الرِّقِّ، فَلَهَا الْفَسْخُ لِلْعَيْبِ؛ لِمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ زَوْجَةٌ فَعَلَى سَيِّدِهِ تَمْكِينُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَيْلًا، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ. (وَمَنْ غَابَ عَنْ أَمَةٍ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً) وَهِيَ مَا لَا تُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ (فَطَلَبَتْ التَّزْوِيجَ زَوَّجَهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ) أَيْ: مَالَ الْغَائِبِ قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ " أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ زَوَّجَهَا الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا، وَنَقَلَهُ عَنْ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ (وَكَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 654 أَمَةُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) طَلَبَتْ التَّزْوِيجَ، فَيُزَوِّجُهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ عَلَى مَا هُنَا. (وَإِنْ غَابَ) سَيِّدٌ (عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ، زُوِّجَتْ لِحَاجَةِ نَفَقَةٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ، وَحَفِظَ مَهْرَهَا لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي مَالَ الْغَائِبِ كَمَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ (قَالَ الْمُنَقِّحُ وَكَذَا) تُزَوَّجُ أُمُّ وَلَدِ (ل) حَاجَةِ (وَطْءٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَيَتَّجِهُ) تَزَوُّجُ أُمِّ الْوَلَدِ بِطَلَبِهَا وُجُوبًا (إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ) أَيْ: سَيِّدِهَا عَنْهَا (فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) قِيَاسًا لَهَا عَلَى الْحُرَّةِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا تُزَوَّجُ؛ لِاحْتِمَالِ قُدُومِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَجِبُ خَتْنُهُمْ) أَيْ: الْأَرِقَّاءِ (وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا مَشْقًا كَثِيرًا) بِحَيْثُ يَقْرُبُ مِنْ الْعَجْزِ عَنْهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُمْ مُشِقًّا أَعَانَهُمْ عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) يَجِبُ (أَنْ يُرَاحُوا وَقْتَ قَيْلُولَةٍ وَ) وَقْتَ (نَوْمٍ وَلِأَدَاءِ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ) وَكَذَا سُنَنُهَا. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ، وَلِأَنَّ تَرْكَهُ إضْرَارٌ بِهِمْ وَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ أَمَةٍ رَعْيًا؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا لِبُعْدِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهَا، (وَ) يَجِبُ (أَنْ يُرْكِبَهُمْ) عُقْبَةً بِوَزْنِ غُرْفَةٍ (لِحَاجَةٍ) إذَا سَافَرَ بِهِمْ، لِئَلَّا يُكَلِّفَهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ (وَمَنْ بُعِثَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (مِنْهُمْ) أَيْ: الْأَرِقَّاءِ (فِي حَاجَةٍ وَقْتَ صَلَاةٍ، فَوَجَدَ) الرَّقِيقُ (مَسْجِدًا) فِي طَرِيقِهِ، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فِي التَّأْخِيرِ (صَلَّى أَوَّلًا) ثُمَّ قَضَى حَاجَتَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ، نَقَلَهُ صَالِحٌ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ سَيِّدِهِ (فَإِنْ) عُذِرَ بِأَنْ (خَافَ) الرَّقِيقُ إضْرَارَ (سَيِّدِهِ) بِتَأْخِيرِهِ عَنْهُ (قَضَى الْحَاجَةَ) ثُمَّ صَلَّى، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 655 لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاحَّةِ. (وَتُسَنُّ مُدَاوَاتُهُمْ فِي مَرَضٍ) قَالَهُ فِي " التَّنْقِيحِ " قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُسْتَحَبُّ وَهُوَ أَظْهَرُ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مُدَاوَاتَهُمْ (تَجِبُ) عَلَى سَيِّدِهِمْ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ: الْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ فَالسَّيِّدُ أَحَقُّ بِنَفَقَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ، وَلِهَذَا النَّفَقَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْمَرَضِ تَلْزَمُهُ مِنْ الدَّوَاءِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ انْتَهَى. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَالْمَذْهَبُ أَنَّ تَرْكَ الدَّوَاءِ أَفْضَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ أَوَّلَ كِتَابِ الْجَنَائِزِ، وَوُجُوبُ الدَّوَاءِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ. (وَيُسَنُّ) لِسَيِّدٍ (إطْعَامُهُمْ) أَيْ: الْأَرِقَّاءِ (مِنْ طَعَامِهِ) وَإِلْبَاسُهُمْ مِنْ لُبْسِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَتَقَدَّمَ (وَمَنْ وَلِيَهُ) أَيْ: الطَّعَامَ مِنْ رَقِيقِهِ (فَمَعَهُ أَوْ مِنْهُ) يُطْعِمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَهِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا: «إذَا وَلِيَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ طَعَامَهُ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيَدْعُهُ وَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُزَوِّغْ لَهُ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمَعْنَى التَّزْوِيغِ غَمْسُهَا فِي الْمَرَقِ وَالدَّسَمِ وَدَفْعُهَا إلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْحَاضِرَ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَى ذَلِكَ. (وَ) تُسَنُّ (تَسْوِيَةٌ بَيْنَهُمْ) أَيْ: عَبِيدِهِ (فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِنُفُوسِهِمْ وَأَقْرَبُ لِلْعَدْلِ، وَكَذَا تُسَنُّ تَسْوِيَةٌ بَيْنَ إمَائِهِ إنْ كُنَّ لِلْخِدْمَةِ أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَإِنْ اخْتَلَفْنَ فَلَا بَأْسَ بِتَفْضِيلِ مَنْ هِيَ لِلِاسْتِمْتَاعِ فِي الْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ (وَلَا يَأْكُلُ) رَقِيقٌ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ (بِلَا إذْنِهِ) نَصًّا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِئَاتِ عَلَيْهِ لَكِنْ إنْ مَنَعَهُ مَا وَجَبَ لَهُ فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِهِ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ. (وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (تَأْدِيبُ زَوْجَتِهِ وَيَتَّجِهُ) أَنَّ لَهُ تَأْدِيبَهَا (فِي ارْتِكَابِهَا) (مَا) أَيْ: فِعْلًا أَوْ قَوْلًا (يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ) أَيْ الزَّوْجِ كَمُسَاحَقَةٍ (أَوْ تَرْكِ أَدَبٍ) (كَضَحِكٍ) فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَتَشَدُّقٍ فِي الْكَلَامِ وَتَمَسْخُرٍ وَمَا أَشْبَهَهُمَا، أَوْ تَرْكِهَا لِفَرْضٍ مِنْ الْفُرُوضِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْدِيبُهَا (مُطْلَقًا) مِنْ غَيْرِ مُقْتَضٍ شَرْعِيٍّ؛ كَمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 656 لَوْ تَرَكَتْ شَيْئًا مِنْ الْآدَابِ الْمُحْدَثَةِ مِنْ تَمَثُّلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْجُلُوسِ وَنَحْوِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِمَّا أَحْدَثَتْهُ الْجَبَابِرَةُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْدِيبُهَا عَلَى تَرْكِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) لِلْأَبِ (تَأْدِيبُ وَلَدِهِ وَلَوْ) كَانَ (مُكَلَّفًا مُتَزَوِّجًا) مُنْفَرِدًا فِي بَيْتٍ (بِضَرْبٍ غَيْرِ مُبَرِّحٍ) (وَكَذَا) لِلسَّيِّدِ تَأْدِيبُ (رَقِيقٍ) وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي الرَّقِيقِ عَلَى الزَّوْجَةِ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ لَقِيطٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ «لَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَك ضَرْبَ أَمَتِكَ» وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ: «لَا يَجْلِدْ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ لَعَلَّهُ يُجَامِعُهَا أَوْ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ الْيَوْمِ.» وَلِابْنِ مَاجَهْ بَدَلَ الْعَبْدِ الْأَمَةُ؛ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ضَرْبَ الرَّقِيقِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الْمَرْأَةِ، وَيُسَنُّ الْعَفْوُ عَنْهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ نَصًّا. (وَ) نَقَلَ حَرْبٌ (لَا يَضْرِبُهُ) شَدِيدًا، وَلَا يَضْرِبُهُ (إلَّا فِي ذَنْبٍ عَظِيمٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا» (وَيُقَيِّدُهُ) بِقَيْدٍ يَضَعُهُ فِي رِجْلَيْهِ (وَإِنْ خَافَ إبَاقَهُ) نَصًّا (وَهُوَ) أَيْ الْإِبَاقُ (كَبِيرَةٌ) لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ وَمَحَلُّ كَوْنِ إبَاقِ الْعَبْدِ مُحَرَّمًا إذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ، وَلِهَذَا (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الرَّقِيقُ (بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ حُكْمُ الْبِدَعِ) فَيَجُوزُ إبَاقُهُ فِرَارًا بِدِينِهِ، وَقَالَ فِي مُسْلِمٍ نُحِسَ فِي بِلَادِ التَّتَارِ أَبَى بَيْعَ عَبْدِهِ وَعِتْقَهُ، وَيَأْمُرُهُ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ وَفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ فَهَرَبُهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَاجِبٌ لِإِقَامِهِ دِينِهِ، كَمَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ بَيْنَ كُفَّارٍ أَوْ أَهْلِ بِدَعٍ مُضِلَّةٍ؛ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِهَذَا النَّحِسِ الْآمِرِ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ وَفِعْلِ الْمَنْهِيِّ، وَلَوْ كَانَ فِي طَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَلِلسَّيِّدِ تَأْدِيبُ رَقِيقِهِ عَلَى تَرْكِهِ فَرَائِضَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَعَلَى مَا إذَا كَلَّفَهُ فَامْتَنَعَ مِنْ امْتِثَالِهِ. (وَحَرُمَ لَطْمُهُ فِي وَجْهِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ لَطَمَ غُلَامَهُ فَكَفَّارَتُهُ عِتْقُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَ) يَحْرُمُ (خِصَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 657 وَالتَّمْثِيلُ بِهِ) بِجَدْعِ أَنْفِهِ وَنَحْوِهِ، وَيُعْتَقُ بِذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْت أَضْرِبُ غُلَامًا لِي وَإِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي يَقُولُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْك مِنْك عَلَى هَذَا الْغُلَامِ " (وَيَحْرُمُ إفْسَادُهُ عَلَى سَيِّدِهِ كَ) مَا يَحْرُمُ إفْسَادُ زَوْجَتِهِ (عَلَى) زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ السَّعْيِ بِالْفَسَادِ (وَلَا يَشْتِمُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: لَا يُعَوِّدُ لِسَانَهُ الْخَنَا وَالرَّدَى) الْخَنَا - بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ الْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ) أَيْ: قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (تَحْرِيمُ لَعْنِ الْحَجَّاجِ) وَإِنْ فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ الْقَبَائِحِ وَالْعَظَائِمِ وَارْتِكَابَاتِ التَّحْرِيمِ مِمَّا وَرَدَ فِي سِيرَتِهِ الْخَبِيثَةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا إلَّا التَّجَرُّؤُ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَكَفَى؛ فَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ الشَّعْرَانِيُّ فِي مِيزَانِهِ أَنَّ الْحَجَّاجَ قَتَلَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا مَا بَيْنَ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ، فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ أَفْعَالِهِ الشَّنِيعَةِ وَقَبَائِحِهِ الْفَظِيعَةِ (وَ) تَحْرِيمُ لَعْنِ (يَزِيدَ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لَعْنِ الْمُصَلِّينَ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ (وَقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ تَقْتَضِيه) أَيْ تَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ اللَّعْنِ عَلَى مُعَيَّنٍ حَيٍّ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ كَافِرًا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخْتَمَ لَهُ بِخَيْرٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ثُمَّ (رَأَيْته) أَيْ: عَدَمَ جَوَازِ اللَّعْنِ (نَصَّ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ. فَفِي " الْفُرُوعِ " مَا نَصُّهُ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَخْرَجَ الْحَجَّاجَ عَنْ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَخَاف الْمَدِينَةَ، وَانْتَهَكَ حَرَمَ اللَّهِ وَحَرَمَ رَسُولِهِ؛ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ يَزِيدُ وَنَحْوُهُ، ثُمَّ قَالَ وَنَصَّ أَحْمَدُ خِلَافَ ذَلِكَ (وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ) وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِاللَّعْنَةِ (خِلَافًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ وَ) الْحَافِظِ (ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَجَمَاعَةٍ) مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ كَالْجَلَالِ السُّيُوطِيّ وَالسَّعْدِ التَّفْتَازَانِيُّ وَابْنِ مُحِبِّ الدِّينِ الْحَنَفِيِّ وَبَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " السِّرِّ الْمَصُونِ " مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ الْعَامَّةِ الَّتِي غَلَبَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ مُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 658 أَنْ يَقُولُوا إنَّ يَزِيدَ كَانَ عَلَى الصَّوَابِ وَإِنَّ الْحُسَيْنَ أَخْطَأَ فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَظَرُوا فِي السِّيَرِ لَعَلِمُوا كَيْفَ عُقِدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ، وَأُلْزِمَ النَّاسُ بِهَا وَلَقَدْ فَعَلَ فِي ذَلِكَ كُلَّ قَبِيحٍ؛ ثُمَّ لَوْ قَدَّرْنَا صِحَّةَ خِلَافَتِهِ فَقَدْ بَدَتْ مِنْهُ بَوَادِرُ كُلُّهَا تُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ مِنْ رَمْيِ الْمَدِينَةِ وَالْكَعْبَةِ بِالْمَجَانِيقِ، وَقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَضَرْبِهِ عَلَى ثَنِيَّتِهِ بِالْقَضِيبِ وَإِنْشَادِهِ حِينَئِذٍ: نَفْلِقُ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةً ... عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا وَحَمْلِهِ الرَّأْسَ عَلَى خَشَبَةٍ، وَإِنَّمَا يَمِيلُ جَاهِلٌ بِالسِّيرَةِ عَامِّيُّ الْمَذْهَبِ يَظُنُّ أَنَّهُ يُغِيظُ بِذَلِكَ الرَّافِضَةَ. انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ بِلَعْنِهِ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ، وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: نَحْنُ لَا نَتَوَقَّفُ فِي شَأْنِهِ بَلْ فِي إيمَانِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَعْوَانِهِ وَقَالَ ابْنُ مُحِبِّ الدِّينِ: نَحْنُ نَلْعَنُهُ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ، وَلَعْنَةُ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ. انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّ يَزِيدَ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَاعْتَدَى عَلَى أَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَفَعَلَ فِيهِمْ الْأَفَاعِيلَ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ مَعَ الْحُسَيْنِ مِنْ إخْوَتِهِ وَأَوْلَادِهِ وَبَنِي أَخِيهِ الْحَسَنِ، وَمِنْ أَوْلَادِ جَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَحُمِلَ إلَيْهِ آلُ الْبَيْتِ عَلَى أَقْتَابِ الْجِمَالِ مُوثَقِينَ بِالْحِبَالِ، وَأَوْقَفَهُمْ وَحَرَمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُكَشِّفَاتِ الرُّءُوسِ وَالْوُجُوهِ عَلَى دَرَجِ جَامِعِ دِمَشْقَ مَوْقِفَ الْأَسَارَى. وَزَادَ بِذَلِكَ عُجْبًا وَاسْتِكْبَارًا فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ أَفْعَالِهِ الْقَبِيحَةِ. قَالَ الْوَافِي فِي الْوَفِيَّاتِ ": إنَّ السَّبْيَ لَمَّا وَرَدَ مِنْ الْعِرَاقِ عَلَى يَزِيدَ خَرَجَ فَلَقِيَ الْأَطْفَالَ وَالنِّسَاءَ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ وَالرُّءُوسِ عَلَى أَسِنَّةِ الرِّمَاحِ، وَقَدْ أَشْرَفُوا عَلَى ثَنِيَّةِ الْعِقَابِ، فَلَمَّا رَآهُمْ الْخَبِيثُ أَنْشَأَ يَقُولُ: لَمَّا بَدَتْ تِلْكَ الْحُمُولُ وَأَشْرَفَتْ ... تِلْكَ الرُّءُوسُ عَلَى شَفَا جَيْرُونِي نَعَقَ الْغُرَابُ فَقُلْت قُلْ أَوْ لَا تَقُلْ ... فَقَدْ اقْتَضَيْت مِنْ الرُّءُوسِ دُيُونِي يَعْنِي بِذَلِكَ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْكُفَّارِ مِثْلَ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ عُتْبَةُ وَخَالِدٍ وَلَدَ عُتْبَةُ وَنَحْوَهُمَا انْتَهَى. قُلْت: فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ هَذَا الْكَلَامُ فَلَا رَيْبَ فِي خُرُوجِهِ مِنْ رِبْقَةِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَرَاهَةُ لَعْنِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ الشَّافِعِيُّ: نَحْنُ نَبْرَأُ مِمَّنْ قَتَلَ الْحُسَيْنَ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ بِهِ ظَاهِرًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 659 وَبَاطِنًا، وَنَكِلُ سَرِيرَتَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ؛ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَمْ يَخْرُجْ عِنْدَنَا يَعْنِي الْقَوْلُ بِكُفْرِهِ عَنْ حَدِّ الشُّهْرَةِ إلَى التَّوَاتُرِ، وَلَكِنْ إنْ ثَبَتَ عَنْهُ مَا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ قَالَ: لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلِّ فَذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِالْكُفْرِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَوْلَى لِمَنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَهُ قَطْعًا الْإِمْسَاكُ؛ إذْ لَا خَطَرَ فِي السُّكُوتِ عَنْ لَعْنَةِ إبْلِيسَ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ. انْتَهَى. (وَفِي) كِتَابِ (" السِّرِّ الْمَصُونِ " لِابْنِ الْجَوْزِيِّ مُعَاشَرَةُ الْوَلَدِ بِاللُّطْفِ وَالتَّأَنِّي وَالتَّعْلِيمِ، وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى ضَرْبِهِ ضُرِبَ) يَعْنِي غَيْرَ مُبَرِّحٍ (وَيُحْمَلُ) الْوَلَدُ (عَلَى أَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ) وَيُجَنَّبُ سَيِّئَهَا لِيَعْتَادَ ذَلِكَ وَيَنْشَأَ عَلَيْهِ (فَإِذَا كَبُرَ الْوَلَدُ فَالْحَذَرَ مِنْهُ، وَلَا يُطْلِعُهُ عَلَى كُلِّ الْأَسْرَارِ، وَمِنْ الْغَلَطِ تَرْكُ تَزْوِيجِهِ إذَا بَلَغَ فَإِنَّك تَدْرِي مَا هُوَ فِيهِ بِمَا كُنْت فِيهِ، فَصُنْهُ عَنْ الزَّلَلِ عَاجِلًا خُصُوصًا الْبَنَاتِ) فَإِنَّ عَارَهُنَّ عَظِيمٌ (وَإِيَّاكَ أَنْ تُزَوِّجَ الْبِنْتَ بِشَيْخٍ أَوْ شَخْصٍ مَكْرُوهٍ) فَرُبَّمَا حَمَلَهَا ذَلِكَ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي (وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْكُنَ إلَيْهِ بِحَالٍ بَلْ كُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ، وَلَا تُدْخِلْ الدَّارَ مِنْهُمْ مُرَاهِقًا وَلَا خَادِمًا؛ فَإِنَّهُمْ رِجَالٌ مَعَ النِّسَاءِ، وَنِسَاءٌ مَعَ الرِّجَالِ؛ وَرُبَّمَا امْتَدَّتْ عَيْنُ امْرَأَةٍ إلَى غُلَامٍ مُحْتَقَرٍ انْتَهَى) . وَكَذَا خِدْمَتُهُ. (وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ: السَّيِّدَ (بَيْعُهُ بِطَلَبِهِ) أَيْ: الرَّقِيقِ (مَعَ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلسَّيِّدِ، وَالْحَقُّ لَهُ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ مَعَ قِيَامِهِ بِمَا يَجِبُ لَهَا فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِحَقِّهِ؛ وَطَلَبَ بَيْعَهُ، لَزِمَهُ إجَابَتُهُ. (وَحَرُمَ أَنْ تُسْتَرْضَعَ أَمَةٌ) لَهَا وَلَدٌ (لِغَيْرِ وَلَدِهَا) إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِوَلَدِهَا لِلنَّقْصِ مِنْ كِفَايَتِهِ، وَصَرْفِ اللَّبَنِ الْمَخْلُوقِ لَهُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ كَنَقْصِ الْكَبِيرِ عَنْ كِفَايَتِهِ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ يَفْضُلُ عَنْهُ شَيْءٌ (بَعْدَ رِيِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ الْوَلَدُ فَكَانَ لَهُ اسْتِغْنَاؤُهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَدُهَا وَبَقِيَ لَبَنُهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 660 (وَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا) أَيْ: الْمُزَوَّجَةِ (بِلَا إذْنِ زَوْجٍ زَمَنَ حَقِّهِ) أَيْ: الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَفْوِيتًا لِحَقِّ زَوْجِهَا بِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِمَا اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ؛ وَيَجُوزُ إيجَارُهَا فِي مُدَّةِ حَقِّ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ لَهُ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ. (وَحَرُمَ جَبْرُهُ) أَيْ: الرَّقِيقِ (عَلَى مُخَارَجَةٍ، وَهِيَ) أَيْ الْمُخَارَجَةُ (جَعْلُ سَيِّدٍ عَلَى رَقِيقٍ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ شَيْئًا مَعْلُومًا) أَيْ: السَّيِّدِ (وَمَا فَضَلَ فَلِلْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ بَيْنَهُمَا، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا كَالْكِتَابَةِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَلَهُ) أَيْ: الْعَبْدِ (هَدِيَّةُ طَعَامٍ وَإِعَارَةُ مَتَاعٍ وَعَمَلِ دَعْوَةٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ " وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَعَبْدٍ (مَأْذُونٌ) لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي " الْمُبْدِعِ " (وَفِي " الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ ") لِابْنِ الْقَيِّمِ (لَهُ) أَيْ: الْعَبْدِ (التَّصَرُّفُ بِمَا زَادَ عَلَى خَرَاجِهِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " كَذَا قَالَ (وَتَجُوزُ) الْمُخَارَجَةُ (بِاتِّفَاقِهِمَا إنْ كَانَتْ قَدْرَ كَسْبِهِ فَأَقَلَّ بَعْدَ نَفَقَتِهِ) لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ حَجَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُ أَجْرَهُ، وَأَمَرَ مَوَالِيَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ.» وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَضْرِبُونَ عَلَى رَقِيقِهِمْ خَرَاجًا وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ لَهُ أَلْفُ مَمْلُوكٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمٌ كُلَّ يَوْمٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ أَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ كَسْبِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ لَهُ بِمَا لَا يُطِيقُهُ (وَلَا يَتَسَرَّى عَبْدٌ وَلَوْ أَذِنَ سَيِّدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَالْوَطْءُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ (خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ) مِنْ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لَهُ التَّسَرِّيَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَابْنِ شَاقِلَا، وَرَجَّحَهَا الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهَا فِي " الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ " وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ " الْإِنْصَافِ " (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ (فِي التَّسَرِّي بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ كَالنِّكَاحِ فَلَا يَمْلِكُ سَيِّدٌ رُجُوعًا بَعْدَ تَسَرٍّ) مِنْ الْعَبْدِ بِإِذْنِهِ (وَتَحِلُّ) الْأَمَةُ لِلْعَبْدِ (ب) قَوْلِ سَيِّدِهِ لَهُ (تَسَرَّهَا أَوْ أَذِنْت لَك فِي وَطْئِهَا أَوْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِذْنِ بِالتَّسَرِّي؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ بُضْعًا أُبِيحَ لَهُ وَطْؤُهُ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 661 تَنْبِيهٌ: لِلْمُبَعَّضِ وَطْءُ أَمَةٍ مَلَكَهَا بِجُزْئِهِ الْحُرِّ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهَا خَالِصُ مِلْكِهِ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى سَيِّدٍ امْتَنَعَ مِمَّا يَجِبُ لِرَقِيقٍ) عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَإِعْفَافٍ (إزَالَةُ مِلْكِهِ) عَنْهُ بَيْعٌ أَوْ هِبَةٌ أَوْ عِتْقٌ وَنَحْوُهَا (بِطَلَبِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِعَجْزِ سَيِّدٍ عَنْهُ أَوْ لَا) كَفِرْقَةِ زَوْجَةٍ امْتَنَعَ مِمَّا لَهَا عَلَيْهِ؛ إزَالَةٌ لِلضَّرَرِ؛ وَفِي الْخَبَرِ: «عَبْدُك يَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَبِعْنِي، وَامْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا طَلِّقْنِي» (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (لَوْ لَمْ تُلَائِمْ أَخْلَاقُ الْعَبْدِ أَخْلَاقَ سَيِّدِهِ، لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا يُعَذِّبُ خَلْقَ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ.» [فَصْلٌ عَلَى مَالِكِ بَهِيمَةٍ إطْعَامُهَا] فَصْلٌ (وَعَلَى مَالِكِ بَهِيمَةٍ إطْعَامُهَا وَ) لَوْ عَطِبَتْ؛ وَعَلَيْهِ (سَقْيُهَا) حَتَّى تَنْتَهِيَ (إلَى أَوَّلِ شِبَعٍ وَ) أَوَّلِ (رِيٍّ) دُونَ غَايَتِهِمَا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، وَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ نَفَقَتِهَا (أَجْبَرَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ ذَبْحِ مَأْكُولٍ) إزَالَةً لِضَرَرِهَا وَظُلْمِهَا، وَلِأَنَّهَا تَتْلَفُ إذَا تُرِكَتْ بِلَا نَفَقَةٍ، وَإِضَاعَةُ الْمَالِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا (فَإِنْ أَبَى) فِعْلَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (فَعَلَ حَاكِمٌ الْأَصْلَحَ) مِنْ الثَّلَاثَةِ (أَوْ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا) ، وَكَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ (وَيَجُوزُ انْتِفَاعٌ بِهَا فِي غَيْرِ مَا خُلِقَتْ لَهُ كَبَقَرٍ لِحَمْلٍ وَرُكُوبٍ وَإِبِلٍ وَحُمُرٍ لِحَرْثٍ) ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمِلْكِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِيمَا يُمْكِنُ؛ وَهَذَا مُمْكِنٌ كَاَلَّذِي خُلِقَ لَهُ، وَجَرَتْ بِهِ عَادَةُ النَّاسِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَكْلُ الْخَيْلِ، وَاسْتِعْمَالُ اللُّؤْلُؤِ فِي الْأَدْوِيَةِ؛ وَإِنْ لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 662 يَكُنْ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسْرِقُ بَقَرَةً أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَهَا، قَالَتْ: إنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِذَلِكَ إنَّمَا خُلِقْت لِلْحَرْثِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْ: أَنَّهُ مُعْظَمُ النَّفْعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ غَيْرِهِ (وَجِيفَتُهَا) إنْ مَاتَتْ (لَهُ) أَيْ: لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ لِمَوْتٍ (فَيَدْبَغُ جِلْدَهَا) وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي الْيَابِسَاتِ (وَيَأْكُلُهَا) إنْ كَانَ (مُضْطَرًّا) لِأَكْلِهَا (وَنَقَلَهَا عَلَيْهِ لِدَفْعِ أَذَاهَا) ؛ لِأَنَّ نَفْعَهَا كَانَ لَهُ فَغُرْمُهَا عَلَيْهِ. (وَيَحْرُمُ لَعْنُهَا) أَيْ: الْبَهِيمَةِ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ «عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي سَفَرٍ. فَلَعَنَتْ امْرَأَةٌ نَاقَةً، فَقَالَ: خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا مَكَانَهَا مَلْعُونَةً، فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا تَعَرَّضَ لَهَا أَحَدٌ» وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ: «لَا تَصْحَبُنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ «لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا نَازَعَتْهُ الرِّيحُ رِدَاءَهُ، فَلَعَنَهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَلْعَنْهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتْ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ» . (وَ) يَحْرُمُ (تَحْمِيلُهَا) أَيْ الْبَهِيمَةِ (مُشِقًّا) ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهَا (وَ) يَحْرُمُ (حَلْبُهَا مَا يَضُرُّ وَلَدَهَا) ؛ لِأَنَّ لَبَنَهُ مَخْلُوقٌ لَهُ أَشْبَهَ وَلَدَ الْأَمَةِ، وَيُسَنُّ لِلْحَلَّابِ أَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ لِئَلَّا يَجْرَحَ الضَّرْعَ. (وَ) يَحْرُمُ (ذَبْحُ) حَيَوَانِ (غَيْرِهِ مَأْكُولٍ لِإِرَاحَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مَا دَامَتْ حَيَّةً، وَذَبْحُهَا إتْلَافٌ لَهَا وَقَدْ نُهِيَ عَنْ إتْلَافِ الْمَالِ. (وَ) يَحْرُمُ (ضَرْبُ وَجْهٍ وَوَسْمٌ فِيهِ) أَيْ: فِي الْوَجْهِ؛ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَعَنَ مَنْ ضَرَبَ أَوْ وَسَمَ الْوَجْهَ، وَنَهَى عَنْهُ» . ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ فِي الْآدَمِيِّ أَشَدُّ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجُوزُ الْوَسْمُ إلَّا لِمُدَاوَاةٍ، وَقَالَ أَيْضًا يَحْرُمُ لِقَصْدِ الْمُثْلَةِ (وَيَجُوزُ) الْوَسْمُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ: الْوَجْهِ (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) كَالْمُدَاوَاةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 663 (وَيَتَّجِهُ) جَوَازُ الْوَسْمِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فِي الْبَهَائِمِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْقِنِّ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ وَلَهُ حُرْمَةٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . (وَيُكْرَهُ خَصْيُ غَيْرُ غَنَمٍ وَدُيُوكٍ) وَيَحْرُمُ الْخَصِيُّ فِي الْآدَمِيِّينَ لِغَيْرِ قِصَاصٍ وَلَوْ رَقِيقًا، وَيُكْرَهُ (جَزُّ مَعْرِفَةٍ وَنَاصِيَةٍ وَجَزُّ ذَنَبٍ وَتَعْلِيقُ جَرَسٍ أَوْ وَتَرٍ) لِلْخَبَرِ، وَيُكْرَهُ لَهُ إطْعَامُهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ وَإِكْرَاهُهُ عَلَى الْأَكْلِ عَلَى مَا اتَّخَذَهُ النَّاسُ عَادَةً لِأَجْلِ التَّسْمِينِ قَالَهُ فِي " الْقُنْيَةِ ". وَيُكْرَهُ (نَزْوُ حِمَارٍ عَلَى فَرَسٍ) كَالْخِصَاءِ، لِأَنَّهُ لَا نَسْلَ فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا، وَيَجِبُ عَلَى مُقْتَنِي الْكَلْبِ الْمُبَاحِ أَنْ يُطْعِمَهُ وَيَسْقِيَهُ أَوْ يُرْسِلَهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ تَعْذِيبٌ لَهُ؛ وَلَا يَحِلُّ حَبْسُ شَيْءٍ مِنْ الْبَهَائِمِ لِتَهْلِكَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا وَلِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ، وَلَوْ غَيْرَ مَعْصُومَةٍ، لِحَدِيثِ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» . (وَيُبَاحُ تَجْفِيفُ دُودِ قَزٍّ بِشَمْسٍ) إذَا اسْتَكْمَلَ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ (وَتَدْخِينُ زَنَابِيرَ) دَفْعًا لِأَذَاهَا بِالْأَسْهَلِ (فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُهَا إلَّا بِحَرْقٍ جَازَ) إحْرَاقُهَا قَالَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مَنْظُومَةِ الْآدَابِ "، وَكَذَا الْقُمَّلُ وَالنَّمْلُ وَنَحْوُهُمَا إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُهُ إلَّا بِحَرْقِهِ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ النَّاظِمُ؛ وَقَالَ: إنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ صَاحِبَ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فَقَالَ مَا هُوَ بِبَعِيدٍ. (فَرْعٌ: تُسْتَحَبُّ نَفَقَتُهُ) أَيْ: الْمَالِكِ (عَلَى مَالِهِ غَيْرِ الْحَيَوَانِ) مِنْ دُورٍ وَبَسَاتِينَ وَأَوَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ اسْتِحْبَابًا؛ لِئَلَّا يَضِيعَ (وَإِنْ كَانَ) الْمِلْكُ (لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ) لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ جُنُونِ (وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ) عِمَارَةُ دَارِهِ وَحِفْظُ ثَمَرِهِ وَزَرْعِهِ بِالسَّقْيِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ الْأَحَظِّ وَإِضَاعَتُهُ لِمَالِهِ حَرَامٌ وَلَا رَيْبَ أَنَّ فِي تَرْكِهِ ذَلِكَ إضَاعَةً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 664 [بَابُ الْحَضَانَةِ] ِ بِفَتْحِ الْحَاءِ مَصْدَرُ حَضَنْت الصَّغِيرَ حَضَانَةً أَيْ: تَحَمَّلْت مُؤْنَتَهُ وَتَرْبِيتَةَ. وَالْحَاضِنَةُ الَّتِي تُرَبِّي الطِّفْلَ، سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَضُمُّ الطِّفْلَ إلَى حِضْنِهَا. (وَهِيَ) شَرْعًا (حِفْظُ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ وَهُوَ الْمُخْتَلُّ الْعَقْلِ عَمَّا يَضُرُّهُمْ وَتَرْبِيَتُهُمْ بِعَمَلِ مَصَالِحِهِمْ مِنْ غَسْلِ بَدَنٍ) وَغَسْلِ (ثَوْبٍ وَتَكْحِيلٍ وَدَهْنٍ وَرَبْطٍ بِمَهْدٍ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ، وَتَجِبُ) الْحَضَانَةُ، لِأَنَّ الْمَحْضُونَ يَهْلِكُ بِتَرْكِهَا، فَوَجَبَ حِفْظُهُ عَنْ الْهَلَاكِ كَمَا يَجِبُ (الْإِنْفَاقُ) عَلَيْهِ وَإِنْجَاؤُهُ مِنْ الْهَلَاكِ. (وَمُسْتَحِقُّهَا رَجُلٌ وَارِثٌ بِتَعْصِيبٍ) كَأَبٍ وَجَدٍّ وَأَخٍ وَعَمٍّ لِغَيْرِ أُمٍّ (أَوْ امْرَأَةٍ وَارِثَةٍ كَأُمٍّ) وَجَدَّةٍ أَوْ أُخْتٍ (أَوْ قَرِيبَةٍ مُدْلِيَةٍ بِوَارِثٍ كَخَالَةٍ وَبِنْتِ أُخْتٍ أَوْ) مُدْلِيَةٍ (بِعَصَبَةٍ كَعَمَّةٍ وَبِنْتِ أَخٍ وَ) بِنْتِ (عَمٍّ) لِغَيْرِ أُمٍّ (أَوْ ذُو رَحِمٍ كَأَبِي أُمٍّ) وَأَخٍ لِأُمٍّ (ثُمَّ حَاكِمٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَنُوبُ عَنْهُمْ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَحَضَانَةِ الطِّفْلِ وَنَحْوِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ تَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. (وَأُمُّ) مَحْضُونٍ (أَحَقُّ) بِحَضَانَتِهِ مِنْ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ مَعَ أَهْلِيَّتِهَا وَحُضُورِهَا وَقَبُولِهَا قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ " «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ لَهُ، وَلِقَضَاءِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ بِعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ لِأُمِّهِ، وَقَالَ: رِيحُهَا وَشَمْسُهَا وَلَفْظُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْك. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ "؛ وَلِأَنَّ الْأَبَ لَا يَتَوَلَّى الْحَضَانَةَ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَقُومُ بِهِ، وَأُمِّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 665 أَوْلَى مِمَّنْ يَدْفَعُهُ إلَيْهَا مِنْ النِّسَاءِ (وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا) مَعَ مُتَبَرِّعَةٍ (كَرَضَاعٍ، ثُمَّ) إنْ لَمْ تَكُنْ أُمًّا، أَوْ لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ (فَأُمَّهَاتُهَا الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى) لِأَنَّ وِلَادَتَهُنَّ مُتَحَقِّقَةٌ، فَهُنَّ فِي مَعْنَى الْأُمِّ (ثُمَّ) بَعْدَهُنَّ (أَبٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَأَحَقُّ بِوِلَايَةِ الْمَالِ (ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ كَذَلِكَ) لِإِدْلَائِهِنَّ بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ وَقُدِّمْنَ عَلَى الْجَدِّ، لِأَنَّ الْأُنُوثَةَ مَعَ التَّسَاوِي تُوجِبُ الرُّجْحَانَ دَلِيلُهُ الْأُمُّ مَعَ الْأَبِ (ثُمَّ جَدٌّ لِأَبٍ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَبِ (كَذَلِكَ) أَيْ: الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ الْأَجْدَادِ (ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ) أَيْ الْجَدِّ (كَذَلِكَ) أَيْ: الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى؛ لِأَنَّهُنَّ يُدْلِينَ بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ، وَقُدِّمْنَ عَلَى الْأَخَوَاتِ مَعَ إدْلَائِهِنَّ بِالْأَبِ، لِمَا فِيهِنَّ مِنْ وَصْفِ الْوِلَادَةِ؛ وَكَوْنِ الطِّفْلِ بَعْضًا مِنْهُنَّ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْأَخَوَاتِ؛ ثُمَّ جَدُّ الْأَبِ ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ ثُمَّ جَدُّ الْجَدِّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ (ثُمَّ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ) لِمُشَارَكَتِهَا لَهُ فِي النَّسَبِ وَقُوَّةِ قَرَابَتِهَا (ثُمَّ) أُخْتٌ (لِأُمٍّ) ؛ لِأَنَّهَا مُدْلِيَةٌ بِالْأُمِّ كَالْجَدَّاتِ (ثُمَّ) أُخْتٌ (لِأَبٍ، ثُمَّ خَالَةٌ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ) خَالَةٌ (لِأَبٍ) لِأَدِلَّاءِ الْخَالَاتِ بِالْأُمِّ (ثُمَّ عَمَّتُهُ كَذَلِكَ) أَيْ لِأَبَوَيْنِ: ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ لِإِدْلَائِهِنَّ بِالْأَبِ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ بِالْحَضَانَةِ عَنْ الْأُمِّ (ثُمَّ خَالَةُ) أُمٍّ لِأَبَوَيْنِ؛ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ (ثُمَّ خَالَةُ أَبٍ) كَذَلِكَ (ثُمَّ عَمَّتُهُ) أَيْ الْأَبِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُنَّ نِسَاءٌ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، فَقُدِّمْنَ عَلَى مَنْ بِدَرَجَتِهِنَّ مِنْ الرِّجَالِ كَتَقْدِيمِ الْأَبِ، وَالْجَدَّةِ عَلَى الْجَدِّ، وَالْأُخْتِ عَلَى الْأَخِ. وَلَا حَضَانَةَ لِعَمَّاتِ الْأُمِّ، مَعَ عَمَّاتِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُنَّ يُدْلِينَ بِأَبِي الْأُمِّ، وَهُوَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَعَمَّاتُ الْأَبِ يُدْلِينَ بِالْأَبِ؛ وَهُوَ عَصَبَةٌ (ثُمَّ بِنْتُ أَخٍ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ وَبِنْتُ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ؛ ثُمَّ بِنْتُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ وَبِنْتُ عَمَّةٍ كَذَلِكَ (ثُمَّ بِنْتُ عَمِّ أَبٍ) كَذَلِكَ وَبِنْتُ (عَمَّتِهِ) أَيْ: الْأَبِ (عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ) فَيُقَدَّمُ مَنْ لِأَبَوَيْنِ (ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ الْحَضَانَةُ لِبَاقِي الْعَصَبَةِ) أَيْ: عَصَبَةِ الْمَحْضُونِ (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) فَيُقَدَّمُ الْإِخْوَةُ الْأَشِقَّاءُ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُمْ كَذَلِكَ ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ؛ ثُمَّ أَعْمَامُ أَبٍ، ثُمَّ بَنُوهُمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَعْمَامُ جَدٍّ، ثُمَّ بَنُوهُمْ كَذَلِكَ وَهَكَذَا. (وَشَرْطُ كَوْنِهِ) أَيْ: الْعَصَبَةِ (مَحْرَمًا) وَلَوْ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (لِأُنْثَى) مَحْضُونَةٍ (بَلَغَتْ سَبْعًا) مِنْ السِّنِينَ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الشَّهْوَةِ (وَيُسَلِّمُهَا غَيْرُ مَحْرَمٍ) كَابْنِ عَمٍّ (تَعَذُّرُ غَيْرِهِ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سِوَاهُ (إلَى ثِقَةٍ يَخْتَارُهَا) الْعَصَبَةُ، أَوْ يُسَلِّمُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 666 إلَى (مَحْرَمٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَحَاكِمٍ، وَكَذَا أُمٌّ تَزَوَّجَتْ وَلَيْسَ لِوَلَدِهَا غَيْرُهَا فَتُسَلِّمُ وَلَدَهَا إلَى ثِقَةٍ تَخْتَارُهُ أَوْ مَحْرَمِهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ) الْحَضَانَةُ (لِذِي رَحِمٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ) مِنْ إنَاثٍ ذَوِي الرَّحِمِ، وَأَمَّا ذُكُورُهُمْ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَالْمُرَادُ بِذِي الرَّحِمِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْضُونِ قَرَابَةٌ مِنْ جِهَةِ النِّسَاءِ فَدَخَلَ فِيهِ الْأَخُ لِأُمٍّ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُمْ رَحِمًا وَقَرَابَةً يَرِثُونَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ مَنْ تَقَدَّمَ الْبَعِيدَ مِنْ الْعَصَبَاتِ (فَأَوْلَاهُمْ) بِحَضَانَةِ (أَبُو أُمٍّ فَأُمَّهَاتُهُ فَأَخٌ لِأُمٍّ فَخَالٌ ثُمَّ الْحَاكِمُ أَشْبَهُوا فَيُسَلِّمُهُ لِثِقَةٍ) ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى مَنْ لَا أَبٌ لَهُ وَلَا وَصِيَّ وَالْحَضَانَةُ وِلَايَةٌ. (وَتَنْتَقِلُ) حَضَانَةٌ (مَعَ امْتِنَاعِ مُسْتَحِقِّهَا أَوْ مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّةٍ) ، لَهَا كَالرَّقِيقِ (إلَى مَنْ بَعْدَهُ) أَيْ: يَلِيه كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمُمْتَنِعِ وَغَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ كَعَدَمِهِ (وَحَضَانَةُ) طِفْلٍ وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ (مُبَعَّضٍ لِقَرِيبٍ وَسَيِّدٍ بِمُهَايَأَةٍ) فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَوْمٌ لِقَرِيبِهِ وَيَوْمٌ لِسَيِّدِهِ، وَمَنْ ثُلُثَاهُ حُرٌّ يَوْمَانِ لِقَرِيبِهِ وَيَوْمٌ لِسَيِّدِهِ (وَلَا حَضَانَةَ لِمَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَإِنْ قَلَّ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ (وَلَا) حَضَانَةَ (لِفَاسِقٍ) ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَا وُثُوقَ بِهِ فِي أَدَاءِ وَاجِبِ الْحَضَانَةِ، وَلَا حَظَّ لِلْمَحْضُونِ فِي حَضَانَتِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا نَشَأَ عَلَى أَحْوَالِهِ. (وَلَا) حَضَانَةَ (لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْفَاسِقِ. (وَلَا) حَضَانَةَ (لِمَجْنُونٍ وَلَوْ غَيْرَ مُطْبَقٍ وَلَا لِمَعْتُوهٍ) وَلَا لِطِفْلٍ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ لِمَنْ يَحْضُنُهُمْ (أَوْ عَاجِزٍ عَنْهَا كَأَعْمَى) وَزَمِنٍ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَضَعْفُ الْبَصَرِ يَمْنَعُ مِنْ كَمَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَحْضُونُ مِنْ الْمَصَالِحِ انْتَهَى. (وَكَذَا لَوْ كَانَ بِالْأُمِّ بَرَصٌ أَوْ جُذَامٌ) سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ (وَصَرَّحَ بِهِ الْعَلَائِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ؛ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَى الْوَالِدِ مِنْ لَبَنِهَا وَمُخَالَطَتِهَا) انْتَهَى. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ وَهُوَ وَاضِحٌ فِي كُلِّ عَيْبٍ مُتَعَدٍّ ضَرَرُهُ إلَى غَيْرِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 667 وَلَا حَضَانَةَ لِامْرَأَةٍ (مُزَوَّجَةٍ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ مَحْضُونٍ، وَيُوجَدُ غَيْرُهَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» وَلِأَنَّهَا تَشْتَغِلُ عَنْ الْحَضَانَةِ بِحَقِّ الزَّوْجِ؛ فَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا (زَمَنَ عَقْدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ مَلَكَ مَنَافِعَهَا، وَاسْتَحَقَّ زَوْجُهَا مَنْعَهَا مِنْ الْحَضَانَةِ، فَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِقَرِيبِ مَحْضُونِهَا وَلَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ لَهُ لَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا (وَلَوْ رَضِيَ زَوْجٌ) بِحَضَانَةِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ؛ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْحَضَانَةَ بِذَلِكَ (لَكِنْ تُرْضِعُهُ) أُمُّهُ الْمُزَوَّجَةُ بِأَجْنَبِيٍّ (كَمَا، مَرَّ) وَيَحْضُنُهُ غَيْرُهَا. وَلَوْ اتَّفَقَ أَبُو الْمَحْضُونِ وَأُمُّهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فِي حَضَانَتِهَا وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ، وَرَضِيَ زَوْجُهَا جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ لَازِمًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ؛ وَأَيُّهُمْ أَرَادَ الرُّجُوعَ فَلَهُ ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَ أُمِّهِ الْمُزَوَّجَةِ وَمَنْ تَسْتَحِقُّ حَضَانَتَهُ (لِبُعْدٍ) بَيْنَهُمَا (قُدِّمَتْ أُمُّ) مَحْضُونٍ (إذَنْ) أَيْ: حِينَ التَّعَذُّرِ (بِهِمَا) أَيْ: بِالْحَضَانَةِ وَالْإِرْضَاعِ مَعًا، وَلِأَنَّ تَزَوُّجَهَا بِالْأَجْنَبِيِّ لَمْ يُسْقِطْ حَقَّهَا مِنْ إرْضَاع وَلَدهَا، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ بِذَلِكَ حَضَانَتُهَا، وَانْتَقَلَتْ لِمَنْ بَعْدَهَا فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَادَ اسْتِحْقَاقُهَا لِحَضَانَةِ وَلَدِهَا، لِكَمَالِ شَفَقَتِهَا عَلَيْهِ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَنَازَعَ عَمَّيْنٍ وَنَحْوُهُمَا فِي حَضَانَةٍ وَأَحَدُهُمَا مُتَزَوِّجٌ بِالْأُمِّ أَوْ الْخَالَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَلِيهَا بِمَنْ لَهُ قَرَابَةٌ وَشَفَقَةٌ (بِمُجَرَّدِ زَوَالِ مَانِعٍ) مِنْ رِقٍّ أَوْ فِسْقٍ أَوْ تَزَوُّجٍ بِأَجْنَبِيٍّ (وَلَوْ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ؛ وَلَمْ تَنْقُضْ عِدَّتَهَا) يَعُودُ الْحَقُّ (وَ) بِمُجَرَّدِ (رُجُوعِ مُمْتَنِعٍ) مِنْ حَضَانَتِهِ (يَعُودُ الْحَقُّ) لَهُ فِي الْحَضَانَةِ؛ لِقِيَامِ سَبَبِهَا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ لِمَانِعٍ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْحَقُّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ الْمُلَازِمِ. (وَكَذَا وَقْفٌ) وَقَفَهُ إنْسَانٌ عَلَى أَوْلَادِهِ بِشَرْطِ أَنْ (مَنْ يَتَزَوَّجُ لَا حَقَّ لَهُ، فَتَزَوَّجَتْ) وَاحِدَةٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِنَّ أَوْ أَكْثَرُ (ثُمَّ طَلُقَتْ؛ فَيَعُودُ) إلَيْهَا حَقُّهَا؛ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَمِثْلُهُ. (لَوْ وَقَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ مَا دَامَتْ عَازِبَةً، فَتَزَوَّجَتْ) زَالَ حَقُّهَا؛ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ (فَإِنْ طَلُقَتْ وَكَانَ قَدْ) عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ (أَرَادَ بِرَّهَا) مَا دَامَتْ عَازِبَةً (وَيَتَّجِهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 668 أَوْ جَهِلَ مُرَادَهُ) فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا أَرَادَ؛ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قُلْت الْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى مَا فِيهِ نَفْعٌ وَصِلَةٌ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوَقْفِ إنَّمَا هُوَ جَرَيَانُ الصَّدَقَةِ عَلَى الدَّوَامِ؛ وَإِذَا لَمْ نَقُلْ بِرُجُوعِهِ إلَيْهَا يَقْتَضِي أَنْ نَمْنَعَهَا مِمَّا هُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِيهِ حَقٌّ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ - (رَجَعَ) إلَيْهَا (حَقُّهَا) كَالْوَقْفِ عَلَى بَنَاتِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْهُنَّ فَلَا حَقَّ لَهَا. (وَإِنْ أَرَادَ صِلَتَهَا مَا دَامَتْ حَافِظَةً لِفِرَاشِهِ فَلَا حَقَّ لَهَا) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَزَالَتْ ذَلِكَ بِتَزَوُّجِهَا؛ (وَمَتَى أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْنِ) لِمَحْضُونٍ (نَقْلَهُ إلَى بَلَدِ أَمْنٍ، وَطَرِيقُهُ) أَيْ الْبَلَدِ مَسَافَةُ قَصْرٍ فَأَكْثَرُ (لِيُسْكِنَهُ) وَكَانَ الطَّرِيقُ أَيْضًا آمِنًا (فَأَبٌ أَحَقُّ) لِأَنَّهُ الَّذِي يَقُومُ عَادَةً بِتَأْدِيبِهِ وَتَخْرِيجِهِ وَحِفْظِ نَسَبِهِ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِ أَبِيهِ؛ ضَاعَ (مَا لَمْ يُرِدْ) الْأَبُ (بِنَقْلَتِهِ مُضَارَّتَهَا) أَيْ: الْأُمِّ وَانْتِزَاعَ الْوَلَدِ مِنْهَا (قَالَهُ فِي " الْهَدْيِ " فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ يُجِبْ إلَيْهِ) ، بَلْ يَعْمَلُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْوَلَدِ (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) أَيْ: الْأَبِ مَعَ يَمِينِهِ (فِي إرَادَةِ النَّقْلَةِ) إلَى بَلَدِ كَذَا وَالْإِقَامَةِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِمَقْصُودِهِ، وَإِنْ انْتَقَلَ الْأَبَوَانِ إلَى بَلَدٍ وَاحِدٍ فَالْأُمُّ بَاقِيَةٌ عَلَى حَضَانَتِهَا؛ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهَا، وَإِنْ أَخَذَهُ الْأَبُ لِافْتِرَاقِ الْبَلَدَيْنِ، ثُمَّ اجْتَمَعَا عَادَتْ إلَى الْأُمِّ حَضَانَتُهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ نَقْلَهُ (إلَى بَلَدٍ قَرِيبٍ) دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْ بَلَدِ الْآخَرِ (لِسُكْنَى فَأُمٌّ) أَحَقُّ فَتَبْقَى عَلَى حَضَانَتِهَا؛ لِأَنَّهَا أَتَمُّ شَفَقَةً، كَمَا لَوْ لَمْ يُسَافِرْ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرًا (لِحَاجَةٍ) وَيَعُودُ (بَعْدُ) الْبَلَدُ الَّذِي أَرَادَهُ (أَوْ لَا) أَيْ: لَمْ يُبْعِدْ (فَمُقِيمٌ) مِنْ أَبَوَيْهِ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ؛ إزَالَةً لِضَرَرِ السَّفَرِ. [فَصْلٌ بَلَغَ صَبِيٌّ مَحْضُونٌ سَبْعَ سِنِينَ عَاقِلًا] فَصْلٌ (وَإِنْ بَلَغَ صَبِيٌّ) مَحْضُونٌ (سَبْعَ سِنِينَ عَاقِلًا) أَيْ تَمَّتْ لَهُ السَّبْعُ (خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ اللَّذَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ) بِأَنْ يَكُونَا عَاقِلَيْنِ رَشِيدَيْنِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ.» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عُيَيْنَةَ وَنَفَعَنِي، فَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 669 النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْت، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَعَنْ عُمَارَةَ الْجَرْمِيِّ خَيَّرَنِي عَلِيٌّ بَيْنَ أُمِّي وَعَمِّي وَكُنْت ابْنَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. إذَا مَالَ إلَى أَحَدِ أَبَوَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ بِالسَّبْعِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ حَالٍ أَمَرَ الشَّرْعِ فِيهَا بِمُخَاطَبَتِهِ بِالصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْأُمِّ، فَإِنَّهَا قَدِمَتْ فِي حَالِ الصِّغَرِ لِحَاجَتِهِ إلَى حَمْلِهِ وَمُبَاشَرَةِ خِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِذَلِكَ (فَإِنْ اخْتَارَ أَبَاهُ كَانَ عِنْدَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا) لِيَحْفَظَهُ وَيُعَلِّمَهُ وَيُؤَدِّبَهُ. (وَلَا يَمْنَعُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إغْرَاءً لَهُ بِالْعُقُوقِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، فَيَزُورُهَا عَلَى الْعَادَةِ كَيَوْمٍ فِي الْأُسْبُوعِ (وَلَا) تَمْنَعُ (هِيَ تَمْرِيضَهُ) لِصَيْرُورَتِهِ بِالْمَرَضِ كَالصَّغِيرِ فِي الْحَاجَةِ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ، وَالنِّسَاءُ أَعْرَفُ بِذَلِكَ (وَإِنْ اخْتَارَهَا) أَيْ: الْأُمَّ (كَانَ عِنْدَهَا لَيْلًا) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ السَّكَنِ وَانْحِيَازِ الرِّجَالِ إلَى الْمَسَاكِنِ، وَكَانَ (عِنْدَهُ) أَيْ: الْأَبُ (نَهَارًا) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّصَرُّفِ فِي الْحَوَائِجِ وَعَمَلِ الصَّنَائِعِ (لِيُؤَدِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ) لِئَلَّا يَضِيعَ (ثُمَّ إنْ عَادَ) الْغُلَامُ (فَاخْتَارَ الْآخَرُ نُقِلَ إلَيْهِ) ثُمَّ إنْ عَادَ (فَاخْتَارَ الْأَوَّلَ رَدَّ إلَيْهِ) وَهَكَذَا أَبَدًا؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ تَشَهٍّ وَقَدْ يَشْتَهِي أَحَدُهُمَا فِي وَقْتٍ دُونَ آخَرَ؛ فَاتَّبَعَ مَا يَشْتَهِيهِ. (قَالَ أَبُو الْوَفَاءَ عَلِيٌّ ابْنُ عَقِيلٍ) مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ فَسَادٍ فَأَمَّا (إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا لِيُمَكِّنَهُ مِنْ الْفَسَادِ، وَيَكْرَهُ الْآخَرَ لِلْأَدَبِ؛ لَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى شَهْوَتِهِ) انْتَهَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إضَاعَةً لَهُ (وَهُوَ) أَيْ: قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ (حَسَنٌ وَيُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا (إنْ لَمْ يَخْتَرْ) الصَّبِيُّ مِنْهُمَا وَاحِدًا (وَاخْتَارَهُمَا جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَر، وَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي حَضَانَتِهِ؛ فَلَا مُرَجِّحَ غَيْرُ الْقُرْعَةِ. (وَإِنْ بَلَغَ) الذَّكَرُ (رَشِيدًا) ، كَانَ حَيْثُ شَاءَ لِاسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ، وَزَوَالِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 670 الْوِلَايَةِ عَنْهُ، وَقُدْرَتِهِ عَلَى إصْلَاحِ أُمُورِهِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ عَنْ أَبَوَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي بِرِّهِمَا وَصِلَتِهِمَا، لَكِنْ لَا يُثْبِتُ الْحَضَانَةَ عَلَى مَنْ بَلَغَ رَشِيدًا عَاقِلًا، وَلَهُ الِانْفِرَادُ بِنَفْسِهِ (مَا لَمْ يَكُنْ أَمْرَدَ) يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الْفِتْنَةِ فَيُمْنَعُ مِنْ مُفَارَقَتِهِمَا دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ. (وَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ فِيهَا) كَأَخَوَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ أُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ (أَقْرَعَ) بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا (مَا لَمْ يَبْلُغْ مَحْضُونٌ سَبْعًا) أَيْ: يَتِمُّ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ وَلَوْ أُنْثَى (فَيُخَيَّرُ) بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ وَلَا مَزِيَّةَ لِلْبَعْضِ. (وَالْأَحَقُّ مِنْ عَصَبَةِ) مَحْضُونٍ وَمِنْ ذُكُورِ ذَوِي رَحِمِهِ كَأَبِي أُمِّهِ وَأَخِيهِ لِأُمِّهِ وَخَالِهِ (عِنْدَ عَدَمِ أَبٍ أَوْ) عَدَمِ (أَهْلِيَّتِهِ) أَيْ: الْأَبِ (كَأَبٍ فِي تَخْيِيرِ) مَنْ بَلَغَ سَبْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ مَثَلًا (وَفِي إقَامَةٍ وَنَقَلَهُ) إذَا سَافَرَ أَحَدُهُمَا وَأَقَامَ الْآخَرُ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَبِ (إنْ كَانَ) الْعَصَبَةُ مَحْرَمًا لِأُنْثَى وَلَوْ بِنَحْوِ رَضَاعٍ كَعَمٍّ وَابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ هِيَ رَبِيبَتُهُ، وَقَدْ دَخَلَ بِأُمِّهَا. (وَسَائِرُ النِّسَاءِ الْمُسْتَحِقَّاتُ لَهَا) أَيْ: الْحَضَانَةِ مِنْ جَدَّاتٍ وَخَالَاتٍ وَعَمَّاتٍ (كَأُمٍّ فِي ذَلِكَ) أَيْ: التَّخْيِيرِ وَالْإِقَامَةِ وَالنَّقْلَةِ (وَتَكُونُ بِنْتَ سَبْعِ سِنِينَ) تَامَّةٍ (عِنْدَ أَبٍ إلَى زِفَافٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (وُجُوبًا) ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهَا وَأَحَقُّ بِوِلَايَتِهَا، وَلِيُؤَمِّنَ عَلَيْهَا مِنْ دُخُولِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلْآفَاتِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا الْخَدِيعَةُ؛ لِغِرَّتِهَا وَلِمُقَارَبَتِهَا حِينَئِذٍ الصَّلَاحِيَّةَ لِلتَّزْوِيجِ وَقَدْ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِنْتَ سَبْعٍ، وَإِنَّمَا تُخْطَبُ مِنْ أَبِيهَا؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهَا وَيَعْلَمُ بِالْكُفْءِ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَمْيِيزِهَا، وَلَا يَصْلُحُ الْقِيَاسُ عَلَى الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْبِنْتُ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " لَمْ أَقِفْ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى نَقْلٍ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبِنْتِ الْبِكْرِ (وَيَمْنَعُهَا) أَبُوهَا أَنْ تَنْفَرِدَ، وَيَمْنَعُهَا (مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَنْ تَنْفَرِدَ) بِنَفْسِهَا خَشْيَةً عَلَيْهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 671 تَتِمَّةٌ: وَعَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ وَكُلِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ مَنْعُهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، فَإِنْ لَمْ تُمْنَعْ إلَّا بِالْحَبْسِ وَجَبَ حَبْسُهَا، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى الْقَيْدِ قُيِّدَتْ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْوَلَدِ أَنْ يَضْرِبَ أُمَّهُ؛ لِأَنَّهُ قَطِيعَةٌ لَهَا وَلَكِنْ يَنْهَى وَيُدَارِيهَا، وَلَا يَجُوزُ لِلْأَوْلِيَاءِ مُقَاطَعَتُهَا بِحَيْثُ تُمَكَّنُ مِنْ السُّوءِ، بَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْهَوْهَا بِحَسَبِ قُدْرَتِهِمْ، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى رِزْقٍ وَكِسْوَةٍ كَسَوْهَا، يُقَدَّمُ بِذَلِكَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَلَيْسَ لَهُمْ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ تَخْتَصُّ بِالْحَاكِمِ وَالسَّيِّدِ. (وَلَا تُمْنَعُ أُمُّ) بِنْتٍ (مِنْ زِيَارَتِهَا) عَلَى الْعَادَةِ عَلَى مَا سَبَقَ (وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهَا) أَيْ: الْأُمِّ مَفْسَدَةً، وَلَا خَلْوَةً لِأُمٍّ مَعَ خَوْفِ أَنْ تُفْسِدَ قَلْبَهَا، قَالَهُ فِي " الْوَاضِحِ " وَيَتَوَجَّهُ فِي الْغُلَامِ مِثْلُهَا، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". وَلَا تُمْنَعُ مِنْ (تَمْرِيضِهَا عِنْدَهَا) أَيْ: الْأُمِّ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى ذَلِكَ (وَلَهَا) أَيْ: الْبِنْتِ (زِيَارَةُ أُمِّهَا إنْ مَرِضَتْ) الْأُمُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الصِّلَةِ وَالْبِرِّ. تَنْبِيهٌ: لَا يُمْنَعُ الرَّجُلُ مِنْ زِيَارَةِ ابْنَته إذَا كَانَتْ عِنْدَ أُمِّهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا، وَلَا يُطِيلُ الْمُقَامَ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ صَارَتْ بِالْبَيْنُونَةِ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ. (وَالْمَعْتُوهُ وَلَوْ أُنْثَى) يَكُونُ عِنْدَ أُمِّهِ (وَلَوْ كَبِرَ) لِحَاجَتِهِ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ، وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ، وَالنِّسَاءُ أَعْرَفُ بِذَلِكَ، وَأُمُّهُ أَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ عُدِمَتْ أُمُّهُ فَأُمَّهَاتُهَا الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَا يُقِرُّ مَنْ يَحْضُنُ) أَيْ: تَجِبُ حَضَانَتُهُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ غَيْبَةٍ (بِيَدِ مَنْ لَا يَصُونُهُ وَيُصْلِحُهُ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ كَعَدَمِهِ، فَتَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى مَنْ يَلِيه، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ حَضَرَتْهُ أُمُّهُ لِتَتَعَاهَدَ بَلَّ حَلْقِهِ وَنَحْوه؛ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ أَهْلِهِ وَتَتَوَلَّى مِنْ وَلَدِهَا، إذَا اُحْتُضِرَ مَا تَتَوَلَّاهُ حَالَ الْحَيَاةِ، فَتَشْهَدُهُ فِي حَالِ نَزْعِهِ، وَتَشُدُّ لَحْيَيْهِ، وَتُوَجِّهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَتُشْرِفُ عَلَى مَنْ يَتَوَلَّى غَسْلَهُ وَتَجْهِيزَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 672 [كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] (الْجِنَايَاتُ: جَمْعُ جِنَايَةٍ، وَهِيَ) لُغَةً: التَّعَدِّي عَلَى بَدَنٍ أَوْ مَالٍ، وَشَرْعًا: (التَّعَدِّي عَلَى الْبَدَنِ بِمَا يُوجِبُ قِصَاصًا أَوْ مَالًا) وَتُسَمَّى الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَالِ: غَصْبًا وَسَرِقَةً وَخِيَانَةً وَإِتْلَافًا وَنَهْبًا (وَالْقَتْلُ ظُلْمًا مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ) عِنْدَ اللَّهِ، وَدَرَجَتُهُ فِي الْعِظَمِ بِحَسَبِ مَفْسَدَتِهِ فِي نَفْسِهِ، فَقَتْلُ الْإِنْسَانِ وَلَدَهُ الطِّفْلَ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا ذَنْبَ لَهُ - وَقَدْ جَبَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْقُلُوبَ عَلَى رَحْمَتِهِ وَعَطْفِهَا عَلَيْهِ وَخَصَّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ ذَلِكَ بِمَزِيَّةٍ ظَاهِرَةٍ خَشْيَةَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي مَطْمَعِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَالِهِ - مِنْ أَقْبَحِ الظُّلْمِ وَأَشَدِّهِ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ أَبَوَيْهِ اللَّذَيْنِ كَانَا سَبَبًا لِوُجُودِهِ، وَكَذَلِكَ قَتْلُهُ ذَا رَحِمِهِ. وَتَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُ الْقَتْلِ بِحَسَبِ قُبْحِهِ وَاسْتِحْقَاقِ مَنْ قَتَلَهُ لِلسَّعْيِ فِي إبْقَائِهِ، وَنَصِيحَتِهِ، وَلِهَذَا كَانَ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، وَيَلِيهِ مَنْ قَتَلَ إمَامًا عَادِلًا أَوْ عَالِمًا يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْقِسْطِ، وَيَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ، وَيَنْصَحُهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ جَزَاءَ قَتْلِ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ عَمْدًا الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَغَضَبَ الْجَبَّارِ وَلَعْنَتَهُ، وَإِعْدَادَ الْعَذَابِ الْعَظِيمِ لَهُ، هَذَا مُوجِبُ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِسْلَامَ الْوَاقِعَ بَعْدَ الْقَتْلِ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا مَانِعٌ مِنْ نُفُوذِ ذَلِكَ الْجَزَاءِ (وَقَدْ جَرَى فِي تَوْبَتِهِ) ؛ أَيْ: الْقَاتِلِ عَمْدًا عُدْوَانًا (خِلَافٌ كَبِيرٌ) بَيْنَ أَصْحَابِنَا. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ " الدَّاءُ وَالدَّوَاءُ ": وَهَلْ تَمْنَعُ تَوْبَةُ الْمُسْلِمِ مِنْهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، فَاَلَّذِينَ قَالُوا: لَا تَمْنَعُ التَّوْبَةُ مِنْ نُفُوذِهِ، رَأَوْا أَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ لَمْ يَسْتَوْفِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَخَرَجَ مِنْهُمَا بِظِلَامَتِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 دَارِ الْعَدْلِ. قَالُوا: وَمَا اسْتَوْفَاهُ الْوَارِثُ فَإِنَّمَا اسْتَوْفَى مَحْضَ حَقِّهِ الَّذِي خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ اسْتِيفَائِهِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ، وَمَاذَا يَنْتَفِعُ الْمَقْتُولُ مِنْ اسْتِيفَاءِ وَارِثِهِ؟ وَأَيُّ اسْتِدْرَاكٍ لِظِلَامَتِهِ حَصَلَ لَهُ بِاسْتِيفَاءِ وَارِثِهِ؟ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ. إنَّ حَقَّ الْمَقْتُولِ لَا يَسْقُطُ بِاسْتِيفَاءِ الْوَارِثِ، سَوَاءٌ عَفَا أَوْ أَخَذَ الدِّيَةَ أَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ، وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَرَأَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَاسْتِيفَاءِ الْوَارِثِ؛ فَإِنَّ التَّوْبَةَ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا، وَاَلَّذِي جَنَاهُ قَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ، قَالُوا: وَإِذَا كَانَتْ التَّوْبَةُ تَمْحُو أَثَرَ الْكُفْرِ وَالسِّحْرِ وَمَا هُوَ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ الْقَتْلِ، فَكَيْفَ تَقْصُرُ عَنْ مَحْوِ أَثَرِ الْقَتْلِ؟ وَقَدْ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَةَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ، وَجَعَلَهُمْ مِنْ خِيَارِ عِبَادِهِ، وَدَعَا الَّذِينَ حَرَّقُوا أَوْلِيَاءَهُ، وَفَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ إلَى التَّوْبَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] فَهَذِهِ فِي حَقِّ التَّائِبِ، وَهِيَ تَتَنَاوَلُ الْكُفْرَ وَمَا دُونَهُ. قَالُوا: وَكَيْفَ يَتُوبُ الْعَبْدُ مِنْ الذَّنْبِ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ؟ هَذَا مَعْلُومٌ انْتِفَاؤُهُ فِي شَرْعِ اللَّهِ وَجَزَائِهِ. قَالُوا: وَتَوْبَةُ هَذَا الْمُذْنِبِ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ، وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا إلَى الْمَقْتُولِ، فَأَقَامَ الشَّارِعُ وَارِثَهُ مَقَامَهُ، وَجَعَلَ تَسْلِيمَ النَّفْسِ إلَيْهِ كَتَسْلِيمِهَا إلَى الْمَقْتُولِ بِمَنْزِلَةِ تَسْلِيمِ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ لِوَارِثِهِ؛ فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمُوَرِّثِ. (وَالتَّحْقِيقُ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (أَنَّ الْقَتْلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ) ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ (حَقٌّ لِلَّهِ وَ) حَقٌّ (لِلْمَقْتُولِ وَ) حَقٌّ (لِوَلِيِّهِ) فَإِذَا سَلَّمَ الْقَاتِلُ نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا إلَى الْوَلِيِّ نَدَمًا عَلَى مَا فَعَلَ، وَخَوْفًا مِنْ اللَّهِ، وَتَوْبَةً نَصُوحًا (فَحَقُّ اللَّهِ يَسْقُطُ بِتَوْبَتِهِ وَتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْوَلِيِّ، وَحَقُّ الْوَلِيِّ يَسْقُطُ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الصُّلْحِ أَوْ الْعَفْوِ، وَيَبْقَى حَقُّ الْمَقْتُولِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ الْمُحْسِنِ (وَيُصْلِحُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ) وَلَا يَذْهَبُ حَقُّ هَذَا، وَلَا تَبْطُلُ تَوْبَةُ هَذَا. انْتَهَى (مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ) بَرَّدَ اللَّهُ مَضْجَعَهُ. (وَالْقَتْلُ) فِعْلُ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِزُهُوقِ النَّفْسِ، وهُوَ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْبَدَنَ (ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ) ؛ أَيْ: أَصْنَافٍ. أَحَدُهَا: (عَمْدٌ يَخْتَصُّ الْقَوَدُ بِهِ) دُونَ قَسِيمَيْهِ. وَالثَّانِي: (شِبْهُ عَمْدٍ) وَيُقَالُ: خَطَأُ الْعَمْدِ وَعَمْدُ الْخَطَأِ. (وَ) الثَّالِثُ: (خَطَأٌ) وَهَذَا تَقْسِيمُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَنْكَرَ مَالِكٌ شِبْهَ الْعَمْدِ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَّا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ، وَجَعَلَ شِبْهَ الْعَمْدِ مِنْ قِسْمِ الْعَمْدِ، وَحُكِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَلَا إنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا نَصٌّ فِي ثُبُوتِ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَقَسَّمَهُ الْمُوَفَّقُ فِي " الْمُقْنِعِ " إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، فَزَادَ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَإِ، وَهُوَ أَنْ يَتَقَلَّبَ النَّائِمُ عَلَى شَخْصٍ فَيَقْتُلَهُ، وَمَنْ يُقْتَلُ بِسَبَبٍ، كَحَفْرِ بِئْرٍ مُحَرَّمٍ، وَنَحْوِهِ مِنْ الصُّوَرِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِسْمِ الْخَطَإِ. (فَالْعَمْدُ) الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الْقَوَدُ (أَنْ يَقْصِدَ) الْجَانِي (- مَنْ يَعْلَمُ - آدَمِيًّا مَعْصُومًا، فَيَقْتُلُهُ بِمَا) ؛ أَيْ: شَيْءٍ (يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ) مُحَدَّدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ؛ فَلَا قِصَاصَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ، أَوْ قَصَدَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْعَمْدِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الْقَوَدُ (تِسْعُ صُوَرٍ) بِالِاسْتِقْرَاءِ. (أَحَدُهَا: أَنْ يَجْرَحَهُ بِمَا لَهُ نُفُوذٌ) ؛ أَيْ: دُخُولٌ وَتَرَدُّدٌ فِي الْبَدَنِ، مِنْ حَدِيدٍ، كَسِكِّينٍ وَحَرْبَةٍ وَسَيْفٍ وَسِنَانٍ وَقَدُّومٍ (وَمِسَلَّةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، (أَوْ) مِنْ (غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: الْحَدِيدِ (كَشَوْكَةٍ) وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَعَظْمٍ، وَكَذَا نُحَاسٌ وَذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَنَحْوُهُ، فَإِذَا جَرَحَهُ فَمَاتَ بِهِ فَعَمْدٌ. (وَلَوْ) كَانَ جُرْحُهُ (صَغِيرًا كَشَرْطِ حَجَّامٍ) فَمَاتَ، وَلَوْ طَالَتْ عِلَّتُهُ مِنْهُ وَلَا عِلَّةَ بِهِ غَيْرُهُ، وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ كَالْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ الْمُحَدَّدَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي حُصُولِ الْقَتْلِ بِهِ، بِدَلِيلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 مَا لَوْ قَطَعَ شَحْمَةَ أُذُنِهِ أَوْ أُنْمُلَتَهُ فَمَاتَ؛ وَرَبْطًا لِلْحُكْمِ بِكَوْنِهِ مُحَدَّدًا، لِتَعَذُّرِ ضَبْطِهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَلَا يُعْتَبَرُ ظُهُورُ الْحُكْمِ فِي آحَادِ صُوَرٍ مَظِنَّةٌ، بَلْ يَكْفِي احْتِمَالُ الْحِكْمَةِ، وَلِأَنَّ الْعَمْدَ لَا يَخْتَلِفُ مَعَ اتِّحَادِ الْآلَةِ وَالْفِعْلِ بِسُرْعَةِ الْإِفْضَاءِ وَإِبْطَائِهِ؛ وَلِأَنَّ فِي الْبَدَنِ مَقَاتِلَ خَفِيَّةً، وَهَذَا لَهُ سِرَايَةٌ وَمَوْرٌ؛ فَأَشْبَهَ الْجُرْحَ الْكَبِيرَ، أَوْ كَانَ جَرَحَهُ بِشَيْءٍ صَغِيرٍ كَغَرْزِهِ بِإِبْرَةٍ أَوْ شَوْكَةٍ (فِي مَقْتَلٍ كَالْفُؤَادِ) ؛ أَيْ: الْقَلْبِ (وَالْخُصْيَتَيْنِ) وَالْخَاصِرَةِ وَالصُّدْغِ، وَأَصْلِ الْأُذُنِ (أَوْ لَا) يَكُونُ جَرَحَهُ فِي مَقْتَلٍ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ فِي (فَخِذٍ وَيَدٍ فَتَطُولُ عِلَّتُهُ) مِنْ ذَلِكَ (أَوْ يَصِيرُ مُتَأَلِّمًا حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ يَمُوتَ فِي الْحَالِ) فَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِ الْجَانِي (وَلَوْ لَمْ يُدَاوِ مَجْرُوحٌ قَادِرٌ) عَلَى مُدَاوَاةِ (جُرْحِهِ) حَتَّى يَمُوتَ؛ لِأَنَّ الدَّوَاءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، بَلْ وَلَا مُسْتَحَبٍّ. (وَمَنْ قَطَعَ) ؛ أَيْ: أَبَانَ سِلْعَةً خَطِرَةً مِنْ أَجْنَبِيٍّ مُكَلَّفٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ (أَوْ بَطَّ) ؛ أَيْ: شَرَطَ (سِلْعَةً) بِكَسْرِ السِّينِ، وَهِيَ غُدَّةٌ تَظْهَرُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ إذَا غُمِزَتْ بِالْيَدِ تَحَرَّكَتْ (خَطِرَةً) لِيُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنْ مَادَّةٍ (مِنْ مُكَلَّفٍ بِلَا إذْنِهِ، فَمَاتَ) مِنْهُ (فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ جَرَحَهُ بِلَا إذْنِهِ جُرْحًا لَا يَجُوزُ لَهُ؛ فَكَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ حَيْثُ تَعَمَّدَهُ كَغَيْرِهِ، وَلَا قَوَدَ إنْ قَطَعَهَا أَوْ بَطَّهَا (وَلِيٌّ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَغِيرٍ لِمَصْلَحَةٍ) وَمِثْلُهُ حَاكِمٌ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ وَصِيَّهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ خَتَنَهُ فَمَاتَ. الصُّورَةُ (الثَّانِيَةُ: أَنْ يَضْرِبَهُ بِمُثْقَلٍ) كَبِيرٍ (فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ) الَّذِي تَتَّخِذُهُ الْعَرَبُ لِبُيُوتِهَا فِيهِ رِقَّةٌ وَرَشَاقَةٌ (لَا) بِمُثْقَلٍ (كَهُوَ) ؛ أَيْ: عَمُودَيْ الْفُسْطَاطِ نَصًّا. (وَهِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا بَيْتُ الشَّعْرِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي ضَرَبَتْ جَارَتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا، قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» وَالْعَاقِلَةُ لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ لَيْسَ بِعَمْدٍ، وَأَنَّ الْعَمْدَ يَكُونُ بِمَا فَوْقَهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 وَأَمَّا الْعَمُودُ الَّذِي تَتَّخِذُهُ التُّرْكُ وَغَيْرُهُمْ لِخِيَامِهِمْ؛ فَالْقَتْلُ بِهِ عَمْدٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا، أَوْ يَضْرِبُهُ (بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ) لِثِقَلِهِ (مِنْ كُوذَيْنِ: وَهُوَ مَا يَدُقُّ بِهِ الدَّقَّاقُ الثِّيَابَ وَ) مِنْ (لُتٍّ) بِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ (نَوْعٌ مِنْ السِّلَاحِ) مَعْرُوفٌ (وَدَبُّوسٍ وَسِنْدَانِ) حَدَّادٍ (وَحَجَرٍ كَبِيرٍ وَلَوْ) كَانَ ضَرَبَهُ بِذَلِكَ (فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ) فَيَمُوتُ؛ فَيُقَادُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا، فَيَتَنَاوَلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] " وَقَوْلُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ: «أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا بِحَجَرٍ، فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْمُثْقَلَ الْكَبِيرَ يَقْتُلُ غَالِبًا؛ أَشْبَهَ الْمُحَدَّدَ. وَأَمَّا حَدِيثُ: «أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ خَطَإِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ» فَالْمُرَادُ الْحَجَرُ الصَّغِيرُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّهُ قَرَنَهُ بِالْعَصَا وَالسَّوْطِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا يُشْبِهُهُمَا، أَوْ يَضْرِبُهُ (فِي مَقْتَلٍ) بِمُثْقَلٍ (دُونَ ذَلِكَ) الْمُتَقَدِّمِ، أَوْ يَضْرِبُهُ فِي حَالِ (ضَعْفِ قُوَّةٍ مِنْ مَرَضٍ وَصِغَرٍ وَكِبَرٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ وَنَحْوِهِ) كَإِعْيَاءٍ (بِدُونٍ بِذَلِكَ) كَحَجَرٍ صَغِيرٍ فَيَمُوتُ (أَوْ يُكَرِّرُ الضَّرْبَ) بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَعَصًا (وَخَشَبَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ) حَتَّى يَمُوتَ (أَوْ يُلْقِيَ عَلَيْهِ حَائِطًا أَوْ سَقْفًا) مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَيَمُوتُ (أَوْ يُلْقِيهِ مِنْ شَاهِقٍ فَيَمُوتُ) فَفِيهِ كُلِّهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا (وَإِنْ قَالَ) جَانٍ (لَمْ أَقْصِدْ) بِذَلِكَ (قَتْلَهُ لَمْ يُصَدَّقْ) أَوْ ادَّعَى جَهْلَ الْمَرَضِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. الصُّورَةُ (الثَّالِثَةُ: أَنْ يُلْقِيَهُ بِزُبْيَةِ أَسَدٍ) بِضَمِّ الزَّايِ؛ أَيْ: حَفِيرَتِهِ (وَنَحْوِهِ) كَنَمِرٍ فَيَقْتُلُهُ (أَوْ) يُلْقِيهِ (مَكْتُوفًا بِفَضَاءٍ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: الْأَسَدِ وَنَحْوِهِ، فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يُلْقِيهِ (فِي مَضِيقٍ بِحَضْرَةِ حَيَّةٍ) فَيَقْتُلُهُ (أَوْ يُنْهِشُهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (كَلْبًا أَوْ حَيَّةً) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 مِنْ الْقَوَاتِلِ (أَوْ يُلْسِعُهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (عَقْرَبًا مِنْ) الْعَقَارِبِ (الْقَوَاتِلِ غَالِبًا) فَيَمُوتُ (فَيُقْتَلُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَالسَّبُعُ وَنَحْوُهُ كَالْآلَةِ لِلْآدَمِيِّ، فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ الْأَسَدُ وَنَحْوُهُ فِعْلًا يَقْتُلُ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ مَا ذُكِرَ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، كَثُعْبَانِ الْحِجَازِ أَوْ سَبُعٍ صَغِيرٍ، أَوْ كَلْبٍ صَغِيرٍ، أَوْ كَتَّفَهُ وَأَلْقَاهُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَسْبَعَةٍ، فَأَكَلَهُ سَبُعٌ أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ؛ فَشِبْهُ عَمْدٍ، فَيَضْمَنُهُ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا تَلِفَ بِهِ، وَهُوَ لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يُعْهَدْ وُصُولُ زِيَادَةِ الْمَاءِ إلَيْهِ، أَوْ تُحْتَمَلُ زِيَادَةُ الْمَاءِ وَعَدَمُهَا فِيهِ، فَوَصَلَتْ إلَيْهِ الزِّيَادَةُ، وَمَاتَ بِهَا؛ فَشِبْهُ عَمْدٍ لِمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ زِيَادَةَ الْمَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَلْقَاهُ مَشْدُودًا، فَمَاتَ بِهِ؛ فَهُوَ عَمْدٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا. الصُّورَةُ (الرَّابِعَةُ: أَنْ يُلْقِيَهُ فِي مَاءٍ يُغْرِقُهُ أَوْ نَارٍ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ) مِنْهُمَا إمَّا لِكَثْرَتِهِمَا أَوْ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّخَلُّصِ لِمَرَضٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ صِغَرٍ، أَوْ كَانَ مَرْبُوطًا، أَوْ مَنَعَهُ الْخُرُوجَ كَوْنُهُ فِي حُفْرَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصُّعُودِ مِنْهَا (فَيَمُوتُ) فَيُقْتَلُ بِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بَعْدَ فِعْلٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ؛ فَوَجَبَ كَوْنُهُ عَمْدًا، وَكَذَا إنْ حَبَسَهُ فِي بَيْتٍ، وَأَوْقَدَ فِيهِ نَارًا، أَوْ سَدَّ الْمَنَافِذَ الَّتِي لِلْبَيْتِ حَتَّى اشْتَدَّ الدُّخَانُ وَضَاقَ بِهِ النَّفَسُ، أَوْ دَفَنَهُ حَيًّا، أَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ ذَاتِ نَفَسٍ عَالِمًا بِذَلِكَ فَمَاتَ؛ فَعَمْدٌ (وَإِنْ أَمْكَنَهُ) التَّخَلُّصُ (فِيهِمَا) ؛ أَيْ: مَسْأَلَتَيْ إلْقَائِهِ فِي الْمَاءِ وَالنَّارِ، فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ (هَدَرٌ) لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِمَوْتِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ "، وَالْحَاوِي " وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ". وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " (لَا أَنَّهُ يَضْمَنُهُ فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأَخِيرَةِ) ، وَهِيَ مَا إذَا أَلْقَاهُ فِيمَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ (بِالدِّيَةِ خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ "؛ فَإِنَّهُ قَالَ، وَإِنْ كَانَ؛ أَيْ: أَلْقَاهُ فِي نَارٍ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَاتَ؛ فَلَا قَوَدَ، وَيَضْمَنُهُ بِالدِّيَةِ. انْتَهَى. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 الْمُصَنِّفُ، وَإِنَّمَا تُعْلَمُ قُدْرَةُ الْمُلْقَى فِي الْمَاءِ أَوْ النَّارِ عَلَى التَّخَلُّصِ بِقَوْلِهِ: أَنَا قَادِرٌ عَلَى التَّخَلُّصِ أَوْ نَحْوُ هَذَا. الصُّورَةُ (الْخَامِسَةُ: أَنْ يَخْنُقَهُ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ) فَيَمُوتُ؛ فَيُقْتَلُ بِهِ، سَوَاءٌ جَعَلَ فِي عُنُقِهِ خُرَاطَةً، ثُمَّ عَلَّقَهُ فِي شَيْءٍ عَنْ الْأَرْضِ، فَيُخْنَقُ، فَيَمُوتُ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ زَمَنٍ، كَمَا يُفْعَلُ بِنَحْوِ اللُّصُوصِ، أَوْ خَنَقَهُ بِيَدِهِ أَوْ نَحْوِ حَبْلٍ، وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ (أَوْ يَسُدُّ فَمَهُ، وَأَنْفَهُ) زَمَنًا يَمُوتُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً، فَيَمُوتُ (أَوْ بِعَصْرِ خُصْيَتَيْهِ زَمَنًا يَمُوتُ فِي مِثْلِهِ غَالِبًا، فَيَمُوتُ) فَيُقْتَلُ بِهِ لِمَا سَبَقَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ سَدُّ الْفَمِ، وَالْأَنْفِ جَمِيعًا، فَلَوْ سَدَّ أَحَدَهُمَا فَلَا قَوَدَ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي الْغَالِبِ لَا تَفُوتُ إلَّا بِسَدِّهِمَا، وَإِنْ كَانَ سَدَّ الْفَمَ، وَالْأَنْفَ، أَوْ عَصَرَ الْخُصْيَتَيْنِ فِي مُدَّةٍ لَا يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا؛ فَشِبْهُ عَمْدٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا إلَى الْغَايَةِ، بِحَيْثُ لَا يُتَوَهَّمُ الْمَوْتُ فِيهِ، فَمَاتَ فَهَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ. تَتِمَّةٌ: إذَا خَنَقَهُ، وَتَرَكَهُ مُتَأَلِّمًا حَتَّى مَاتَ فَفِيهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا. وَإِنْ تَنَفَّسَ الْمَخْنُوقُ، وَصَحَّ بَعْدَ الْخَنْقِ ثُمَّ مَاتَ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْخَانِقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ بَرِئَ الْجُرْحُ ثُمَّ مَاتَ. الصُّورَةُ (السَّادِسَةُ: أَنْ يَحْبِسَهُ، وَيَمْنَعَهُ الطَّعَامَ، وَالشَّرَابَ) أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا (فَيَمُوتُ جُوعًا، وَعَطَشًا لِزَمَنٍ يَمُوتُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا) فَيُقَادُ بِهِ (بِشَرْطِ تَعَذُّرِ الطَّلَبِ عَلَيْهِ) ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالزَّمَنِ، وَالْحَالِ، فَفِي شِدَّةِ الْحَرِّ إذَا عَطَّشَهُ يَمُوتُ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ، بِخِلَافِ زَمَنِ الْبَرْدِ، وَالِاعْتِدَالِ (وَإِلَّا) يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ الطَّلَبُ (فَلَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ وَلَا حَدَّ، كَتَرْكِهِ) ؛ أَيْ: الْمَقْصُودِ ظُلْمًا (شَدَّ فَصْدِهِ) لِحُصُولِ مَوْتِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَتَسَبُّبِهِ فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ مَنَعَهُ الْفَاصِدُ شَدَّ الْفَصْدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَبْسِهِ، وَمَنْعِهِ الطَّعَامَ، وَالشَّرَابَ حَتَّى مَاتَ؛ فَيُقَادُ بِهِ (أَوْ يَمْنَعُهُ الدِّفْءَ فِي الْبَرْدِ الْمُهْلِكِ) قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فَيَمُوتُ؛ فَيُقَادُ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِالْمَوْتِ عِنْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا تَعَمَّدَهُ الْإِنْسَانُ فَقَدْ تَعَمَّدَ الْقَتْلَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 تَتِمَّةٌ: وَإِنْ كَانَ حَبَسَهُ مَعَ مَنْعِهِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَنَحْوَهُ فِي مُدَّةٍ لَا يَمُوتُ فِيهَا غَالِبًا؛ فَهُوَ عَمْدُ الْخَطَإِ، وَإِنْ شَكَكْنَا فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ؛ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ مُوجِبِهِ. الصُّورَةُ (السَّابِعَةُ: أَنْ يَسْقِيَهُ سُمًّا) يَقْتُلُ غَالِبًا (لَا يَعْلَمُ بِهِ) شَارِبُهُ (أَوْ يَخْلِطَهُ بِطَعَامٍ، وَيُطْعِمَهُ) لِمَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ (أَوْ) يَخْلِطَهُ (بِطَعَامٍ أَكَلَهُ، فَيَأْكُلُهُ جَهْلًا) بِهِ (فَيَمُوتُ) فَيُقَادُ بِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِمُحَدَّدٍ، لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبَشِيرُ بْنُ الْعَلَاءِ، فَلَمَّا مَاتَ بَشِيرٌ أَرْسَلَ إلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (فَإِنْ عَلِمَ بِهِ) ؛ أَيْ: السُّمِّ (آكِلٌ مُكَلَّفٌ) فَهَدَرٌ، كَمَا لَوْ قَدَّمَ إلَيْهِ سِكِّينًا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، وَإِنْ كَانَ الْآكِلُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ ضَمِنَهُ، وَاضِعُ السُّمِّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا عِبْرَةَ بِفِعْلِهِ (أَوْ خَلَطَهُ) ؛ أَيْ: السُّمَّ (بِطَعَامِ نَفْسِهِ، فَأَكَلَهُ أَحَدٌ بِلَا إذْنِهِ؛ فَهَدَرٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ قَتَلَ نَفْسَهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا لِيَقَعَ فِيهِ اللِّصُّ إذَا دَخَلَ يَسْرِقُ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْهُ فِي الْأَكْلِ، وَإِنْ كَانَ مَا سَقَاهُ لَهُ مِمَّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَقَتَلَهُ؛ فَشِبْهُ عَمْدٍ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْجِنَايَةَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي السُّمِّ الْمُسْقَى لَهُ، هَلْ يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ لَا -، وَثَمَّ بَيِّنَةٌ لِأَحَدِهِمَا عُمِلَ بِهَا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوِي الْخِبْرَةِ، وَإِنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ: إنَّ ذَلِكَ السُّمَّ يَقْتُلُ النِّصْفَ الضَّعِيفَ دُونَ الْقَوِيِّ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ عُمِلَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّاقِي؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. الصُّورَةُ (الثَّامِنَةُ: أَنْ يَقْتُلَهُ بِسِحْرٍ) يَعْلَمُ أَنَّهُ (يَقْتُلُ غَالِبًا) فَيُقْتَلُ بِهِ - أَيْ: قَوَدًا - كَمَا فِي الْمُنْتَهَى " لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: يُقْتَلُ حَدًّا بِالسَّيْفِ فِي مِفْصَلِ عُنُقِهِ، وَتَجِبُ دِيَةُ الْمَقْتُولِ فِي تَرِكَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " فَإِنْ كَانَ السُّمُّ أَوْ السِّحْرُ مِمَّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 وَيَأْتِي فِي التَّعْزِيرِ حُكْمُ الْمِعْيَانِ، وَالْقَاتِلِ بِالْحَالِ (وَمَتَى ادَّعَى قَاتِلٌ بِسُمٍّ أَوْ سِحْرٍ عَدَمَ عِلْمِهِ أَنَّهُ) ؛ أَيْ: السُّمَّ أَوْ السِّحْرَ (قَاتِلٌ) لَمْ يُقْتَلْ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ مَا يَقْتُلُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَرَحَهُ، وَقَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الْجُرْحَ يَقْتُلُهُ. أَوْ ادَّعَى قَاتِلٌ بِسُمٍّ أَوْ سِحْرٍ (جَهْلَ مَرَضٍ) يَقْتُلُ مَعَهُ السُّمُّ أَوْ السِّحْرُ، وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فِي الصِّحَّةِ، وَكَانَ مَرِيضًا فَمَاتَ، وَادَّعَى الضَّارِبُ جَهْلَ مَرَضٍ (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (، وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَرَضُهُ خَفِيًّا) لَا يُدْرَكُ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالظَّاهِرُ قَبُولُ قَوْلِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الصُّورَةُ (التَّاسِعَةُ: أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ) فَأَكْثَرَ (عَلَى شَخْصٍ بِقَتْلٍ عَمْدٍ أَوْ بِرِدَّةٍ حَيْثُ امْتَنَعَتْ تَوْبَتُهُ) كَأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ أَوْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، أَوْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ أَوْ سَاحِرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ، أَوْ يَشْهَدَ (أَرْبَعَةٌ) فَأَكْثَرُ (بِزِنَا مُحْصَنٍ، فَيُقْتَلُ) بِشَهَادَتِهِمْ (ثُمَّ تَرْجِعُ الْبَيِّنَةُ، وَتَقُولُ: عَمَدْنَا قَتْلَهُ، أَوْ يَقُولُ الْحَاكِمُ: عَلِمْت بِكَذِبِهِمَا أَوْ كِذْبَهُمْ، وَعَمَدْت قَتْلَهُ، أَوْ) يَقُولُ (الْوَلِيُّ عَلِمْت كِذْبَهُمَا، وَعَمَدْت قَتْلَهُ؛ فَيُقَادُ بِذَلِكَ) كُلِّهِ، وَشِبْهِهِ، بِشَرْطِ الْقَوَدِ الْآتِي فِي بَابِهِ؛ لِمَا رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ، فَقَطَعَهُ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَقَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْت أَيْدِيَكُمَا وَلِأَنَّهُمَا تَوَصَّلَا إلَى قَتْلِهِ بِسَبَبِ يَقْتُلُ غَالِبًا أَشْبَهَ الْمُكْرَهَ. (وَلَا قَوَدَ عَلَى بَيِّنَةٍ، وَ) لَا عَلَى (حَاكِمٍ مَعَ مُبَاشَرَةٍ وَلِيٍّ) عَالِمٍ بِالْحَالِ؛ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ عَمْدًا عُدْوَانًا، وَغَيْرُهُ مُتَسَبِّبٌ، وَالْمُبَاشَرَةُ تُبْطِلُ حُكْمَ التَّسَبُّبِ كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 (، وَيَخْتَصُّ بِهِ) ؛ أَيْ: الْقِصَاصَ إذَا لَمْ يُبَاشِرْ الْوَلِيُّ الْقَتْلَ (مَعَ عَمْدِ الْجَمِيعِ) يَخْتَصُّ (مُبَاشِرٌ عَالِمٌ) أَقَرَّ بِالْعِلْمِ، وَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ ظُلْمًا؛ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ عَمْدًا ظُلْمًا بِلَا إكْرَاهٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ ذَلِكَ (فَوَلِيٌّ) أَقَرَّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِ الشُّهُودِ، وَفَسَادِ الْحُكْمِ بِالْقَتْلِ، وَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ ظُلْمًا؛ لِمَا سَبَقَ فَإِنْ جَهِلَ الْوَلِيُّ ذَلِكَ (فَبَيِّنَةٌ، وَحَاكِمٌ) عَلِمَ كَذِبَهَا؛ لِتَسَبُّبِ الْجَمِيعِ فِي الْقَتْلِ ظُلْمًا حَيْثُ عَلِمُوا ذَلِكَ (وَمَتَى لَزِمَتْ حَاكِمًا، وَبَيِّنَةَ دِيَةٍ) كَأَنْ عَفَا الْوَلِيُّ إلَى الدِّيَةِ، فَهِيَ (عَلَى عَدَدِهِمْ، وَالْحَاكِمُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ) ؛ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي التَّسَبُّبِ. (وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ) شُهُودٍ (ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ: عَمَدْنَا) قَتْلَهُ، وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ (أَخْطَأْنَا؛ فَلَا قَوَدَ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِتَمَامِ النِّصَابِ بِدُونِهِ (وَعَلَى مَنْ قَالَ) مِنْهُمْ (عَمَدْنَا، حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَ (عَلَى الْآخَرِ) حِصَّتُهُ (مِنْ) الدِّيَةِ (الْمُخَفَّفَةِ) ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى إقْرَارِهِ، وَإِنْ قَالَ وَاحِدٌ (مِنْ اثْنَيْنِ) : عَمَدْت، وَقَالَ الْآخَرُ: أَخْطَأْت (لَزِمَ الْمُقِرَّ بِعَمْدِ الْقَوَدُ، وَالْآخَرَ نِصْفُ الدِّيَةِ) مُؤَاخَذَةً لِكُلٍّ بِإِقْرَارِهِ (وَلَوْ قَالَ كُلٌّ) مِنْ اثْنَيْنِ (عَمَدْت، وَأَخْطَأَ شَرِيكِي) فَعَلَيْهِمَا (الْقَوَدُ) ؛ لِاعْتِرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِتَعَمُّدِ الْقَتْلِ. (وَلَوْ رَجَعَ، وَلِيٌّ وَبَيِّنَةٌ؛ ضَمِنَهُ، وَلِيُّ) ، وَحْدَهُ؛ لِمُبَاشَرَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَمَنْ جَعَلَ فِي حَلْقِ مَنْ) ؛ أَيْ: إنْسَانٍ (تَحْتَهُ، وَنَحْوَهُ خِرَاطَةً حَجَرًا) ؛ أَيْ: حَبْلًا، وَنَحْوَهُ مَعْقُودًا بِصِفَةٍ مَعْرُوفَةٍ (وَشَدَّهَا بِ) شَيْءٍ (عَالٍ، ثُمَّ أَزَالَ مَا تَحْتَهُ) مِنْ حَجَرٍ، وَنَحْوَهُ شَخْصٌ (آخَرُ) غَيْرُ الَّذِي جَعَلَ الْخِرَاطَةَ فِي حَلْقِهِ (عَمْدًا) ؛ أَيْ: مُتَعَمِّدًا إزَالَتَهُ مِنْ تَحْتِهِ (فَمَاتَ) (فَإِنْ جَهِلَهَا) ؛ أَيْ: الْخِرَاطَةَ بِحَلْقِهِ (مُزِيلٌ، وَدَاهُ) ؛ أَيْ: أَدَّى دِيَةَ الْقَتِيلِ (مِنْ مَالِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ الْخِرَاطَةَ بِحَلْقِهِ، وَأَزَالَ مَا تَحْتَهُ (قُتِلَ بِهِ) ، وَلَا شَيْءَ عَلَى جَاعِلِ الْخِرَاطَةِ، كَالْحَافِرِ مَعَ الدَّافِعِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 (، وَيَتَّجِهُ لَوْ أَزَالَهَا) ؛ أَيْ: الْحَجَرَ (غَيْرُ آدَمِيٍّ) كَبَهِيمَةٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ رِيحٍ (ضَمِنَ الْأَوَّلُ) ، وَهُوَ جَاعِلُ الْخِرَاطَةِ فِي حَلْقِهِ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ هُنَا تَضْمِينُ الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ؛ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُتَسَبِّبُ، فَضَمِنَ؛ لِئَلَّا يَضِيعَ دَمُ الْمَعْصُومِ هَدَرًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ شَدَّ عَلَى ظَهْرِهِ قِرْبَةً مَنْفُوخَةً، وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ) ، وَهُوَ لَا يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ (فَخَرَقَهَا آخَرُ) فَخَرَجَ الْهَوَاءُ (فَغَرِقَ فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ، وَالْأَوَّلُ مُتَسَبِّبٌ. (فَرْعٌ: اخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (أَنَّ الدَّالَّ) عَلَى الْمَقْتُولِ لِيُقْتَلَ ظُلْمًا (يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ إنْ تَعَمَّدَ) ، وَعَلِمَ الْحَالَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: إذَا تَعَذَّرَ تَضْمِينُ الْمُبَاشِرِ، وَإِلَّا فَهُوَ الْأَصْلُ (وَإِلَّا) يَتَعَمَّدْ الدَّالُّ فَعَلَيْهِ (الدِّيَةُ) ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَيْضًا (أَنَّ الْآمِرَ) بِالْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ (لَا يَرِثُ) مِنْ الْمَقْتُولِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ لَهُ تَسَبُّبًا فِي الْقَتْلِ. [فَصْلٌ قَتْلَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَيُسَمَّى خَطَأَ الْعَمْدِ وَعَمْدَ الْخَطَإِ] فَصْلٌ (وَشِبْهُ الْعَمْدِ، وَيُسَمَّى: خَطَأَ الْعَمْدِ، وَعَمْدَ الْخَطَإِ) ؛ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ (أَنْ يَقْصِدَ جِنَايَةً لَا تَقْتُلُ غَالِبًا، وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِهَا) ؛ أَيْ: الْجِنَايَةَ (كَمَنْ ضَرَبَ) شَخْصًا (بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ) إلَّا أَنْ يَصْغُرَ جِدًّا كَقَلَمٍ، وَأُصْبُعٍ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ أَوْ يَمَسُّهُ بِالْكَبِيرِ بِلَا ضَرْبٍ؛ فَلَا قِصَاصَ، وَلَا دِيَةَ (أَوْ لَكَزَ) غَيْرَهُ بِيَدِهِ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 (أَوْ لَكَمَ غَيْرَهُ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ، أَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، أَوْ سَحَرَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَمَاتَ، أَوْ صَاحَ بِعَاقِلٍ اغْتَفَلَهُ أَوْ بِصَغِيرٍ أَوْ مَعْتُوهٍ، لَا إنْ) صَاحَ (بِمُكَلَّفٍ عَلَى سَطْحٍ، فَسَقَطَ، فَمَاتَ) أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ، وَنَحْوَهُ (فَفِيهِ) ؛ أَيْ: الْقَتْلِ بِكُلٍّ مِنْ تِلْكَ (الْكَفَّارَةُ فِي مَالِ جَانٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَالْخَطَأُ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ (وَ) فِيهِ (الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] "، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، فَقَتَلَتْهَا، وَمَا فِي بَطْنِهَا فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَأَوْجَبَ دِيَتَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَهِيَ لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ [فَصْلٌ قَتْلُ الْخَطَأ ضَرْبَانِ] فَصْلٌ (وَالْخَطَأُ) (ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ) مِنْهُمَا (فِي الْقَصْدِ، وَهُوَ) ؛ أَيْ: الضَّرْبُ الْمَذْكُورُ (نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْمِيَ مَا يَظُنُّهُ صَيْدًا) فَيَقْتُلَ إنْسَانًا، أَوْ يَرْمِيَ مَنْ يَظُنُّهُ (مُبَاحَ الدَّمِ) كَحَرْبِيٍّ، وَمُرْتَدٍّ فَيَقْتُلُ مَعْصُومًا (فَيَبِينُ) مَا ظَنَّهُ صَيْدًا (آدَمِيًّا مَعْصُومًا، أَوْ يَفْعَلُ مَا لَهُ فِعْلُهُ) كَقَطْعِ لَحْمٍ (فَيَقْتُلُ إنْسَانًا، أَوْ يَتَعَمَّدُ الْقَتْلَ صَغِيرٌ أَوْ) يَتَعَمَّدُهُ (مَجْنُونٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُمَا، فَعَمْدُهُمَا كَخَطَإِ الْمُكَلَّفِ، بِخِلَافِ السَّكْرَانِ اخْتِيَارًا (فَفِي مَالِهِ) أَيْ: الْقَاتِلِ خَطَأً فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كُلِّهَا (الْكَفَّارَةُ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ) لِمَا سَبَقَ، وَإِذَا فَعَلَ (مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ كَأَنْ يَرْمِيَ حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا فَيَقْتُلَ آدَمِيًّا، فَيُقْتَلُ بِهِ نَصًّا) قَالَهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَخَرَّجَهُ الْمُوَفَّقُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَنْ رَمَى نَصْرَانِيًّا فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ، أَنَّهُ عَمْدٌ يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِي قَوْلِهِ: وَالْخَطَأُ كَرَمْيِ صَيْدٍ أَوْ غَرَضٍ أَوْ شَخْصٍ، وَلَوْ مَعْصُومًا، أَوْ بَهِيمَةٍ، وَلَوْ مُحْتَرَمَةً، فَيُصِيبُ آدَمِيًّا مَعْصُومًا لَمْ يَقْصِدْهُ، انْتَهَى؛ أَيْ: فَلَا يُقَادُ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يُقْتَلُ بِقَتْلِهِ آدَمِيًّا لَمْ يَقْصِدْهُ. قَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَغَيْرِهِ، وَمَيْلُ الْمُصَنِّفِ إلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ، " لَكِنَّ مَيْلَ صَاحِبِ " الْإِنْصَافِ " إلَى الْمَنْصُوصِ، وَهُوَ مَفْهُومُ " الْمُنْتَهَى ". (وَمَنْ قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ قَتَلْت صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، وَأَمْكَنَ) ذَلِكَ بِأَنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ حَالَ صِغَرِهِ أَوْ عُهِدَ لَهُ حَالُ جُنُونٍ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُودَ الْقَوَدِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ زَوَالُ عَقْلِهِ، وَقَالَ: كُنْت مَجْنُونًا، وَقَالَ الْوَلِيُّ: بَلْ سَكْرَانُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ مَا ادَّعَاهُ لَمْ يُقْبَلْ. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ قَتَلَ، وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حِينَ الْجِنَايَةِ عَاقِلًا، سَوَاءٌ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ. وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَدُّ زِنًا أَوْ حَدُّ شُرْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ جُنَّ؛ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ حَالَ جُنُونِهِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَنْ ذَلِكَ يَمْنَعُ إقَامَتَهُ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، وَالسَّكْرَانُ وَشَبَهُهُ كَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فِيهِ، كَمَنْ يَشْرَبُ الْأَدْوِيَةَ الْمُخَبِّثَةَ، إذَا قَتَلَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ حَدَّ الْقَذْفِ، وَإِذَا وَجَبَ حَدُّ الْقَذْفِ؛ فَالْقِصَاصُ الْمُتَمَحِّضِ حَقُّ آدَمِيٍّ أَوْلَى [؛ وَلِأَنَّهُ يَقْضِي إلَى أَنْ يَصِيرَ عِصْيَانُهُ] سَبَبًا لِإِسْقَاطِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ (الثَّانِي) : مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ (أَنْ يَقْتُلَ بِدَارِ الْحَرْبِ) مَنْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا، فَيَبِينُ مُسْلِمًا (أَوْ) يَقْتُلُ بِ (صَفِّ كُفَّارٍ مَنْ ظَنَّهُ حَرْبِيًّا فَبَانَ مُسْلِمًا) لَمْ يَقْصِدْ، (أَوْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 يَرْمِي وُجُوبًا (كُفَّارًا تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ، وَيَجِبُ) رَمْيُهُمْ إذَا تَتَرَّسُوا بِهِ (حَيْثُ خِيفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَرْمِهِمْ، فَيَقْصِدُهُمْ) ؛ أَيْ: الْكُفَّارَ بِالرَّمْيِ (دُونَهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْلِمِ (فَيَقْتُلُهُ) بِلَا قَصْدٍ (فَفِيهِ) ؛ أَيْ: هَذَا النَّوْعِ (الْكَفَّارَةُ فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى " {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً، وَتَرَكَ ذِكْرَهَا فِي هَذَا النَّوْعِ مَعَ ذِكْرِهَا فِيمَا قَبْلَهُ، وَبَعْدَهُ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ، وَهَذَا فِيمَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ، كَالْأَسِيرِ، وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَأَمَّا مَنْ (وَقَفَ بِصَفِّهِمْ اخْتِيَارًا) مِنْهُ، فَقُتِلَ (فَهَدَرٌ) لَا يُضْمَنُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتَّلَفِ بِلَا عُذْرٍ. أَفَادَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) : مِنْ ضَرْبَيْ الْخَطَإِ: خَطَأٌ [فِي الْفِعْلِ] (وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ صَيْدًا أَوْ هَدَفًا، فَيُصِيبَ آدَمِيًّا) مَعْصُومًا اعْتَرَضَهُ (لَمْ يَقْصِدْهُ، أَوْ يَنْقَلِبَ نَحْوَ نَائِمٍ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ (عَلَى إنْسَانٍ، فَيَمُوتُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) فِي مَالِهِ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ) كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخَطَإِ (لَكِنْ لَوْ كَانَ الرَّامِي ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ بَيْنَ رَمْيٍ وَإِصَابَةٍ؛ ضَمِنَ الْمَقْتُولَ فِي مَالِهِ) لِمُبَايَنَتِهِ دِينَ عَاقِلَتِهِ بِإِسْلَامِهِ، وَلَا يُمْكِنُ ضَيَاعُ دِيَةِ الْمَقْتُولِ، فَوَجَبَتْ هِيَ، وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِ الْجَانِي. (، وَمَنْ قُتِلَ بِسَبَبٍ كَحَفْرِ بِئْرٍ، وَنَصْبِ نَحْوِ سِكِّينٍ، وَحَجَرٍ تَعَدِّيًا، إنْ قَصَدَ جِنَايَةً فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَصْدِ كَالْعَمْدِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى عَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ خَطَأٌ (وَإِلَّا) يَقْصِدْ جِنَايَةً فَهُوَ (خَطَأٌ) لِعَدَمِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ. (، وَإِمْسَاكُ الْحَيَّةِ مُحَرَّمٌ، وَجِنَايَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ إلْقَاءٌ بِنَفْسِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ (فَلَوْ قَتَلَتْ مُمْسِكَهَا مِنْ مُدَّعِي مَشْيَخَةٍ، فَقَاتِلٌ نَفْسَهُ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِهَا مَا يَقْتُلُ غَالِبًا (فَلَا يُسَنُّ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) كَالْغَالِّ مِنْ الْغَنِيمَةِ، [ (وَ) أَمَّا إمْسَاكُ] الْحَيَّةِ (مَعَ ظَنِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 أَنَّهَا لَا تَقْتُلُ؛ فَشِبْهُ عَمْدٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكَلَ حَتَّى بَشِمَ) فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ شَيْءٌ مِنْ دِيَتِهِ؛ لِأَنَّ قَاتِلَ نَفْسِهِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ يَضِيعُ هَدَرًا، كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَنَظِيرُ ذَلِكَ كُلُّ مَا يَقْتُلُ غَالِبًا، مِنْ الْمَشْيِ فِي الْهَوَاءِ عَلَى الْحِبَالِ، وَالْجَرْيِ فِي الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ، كَمَا يَفْعَلُهُ أَرْبَابُ الْبَطَالَةِ وَالشَّطَارَةِ، وَيَحْرُمُ أَيْضًا إعَانَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ. . (وَمَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ قَوَدًا بِبَيِّنَةٍ) بِالْقَتْلِ لَا بِإِقْرَارِهِ (فَقَالَ شَخْصٌ: أَنَا الْقَاتِلُ لَا هَذَا؛ فَلَا قَوَدَ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَعَلَى مُقِرٍّ الدِّيَةُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا ذَبَحَ رَجُلًا فِي خَرِبَةٍ، وَتَرَكَهُ وَهَرَبَ، وَكَانَ قَصَّابٌ قَدْ ذَبَحَ شَاةً، وَأَرَادَ ذَبْحَ الْأُخْرَى فَهَرَبَتْ مِنْهُ إلَى الْخَرِبَةِ، فَتَبِعَهَا حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْقَتِيلِ، وَالسِّكِّينُ بِيَدِهِ مُلَطَّخَةٌ بِالدَّمِ، فَأُخِذَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَجِيءَ بِهِ إلَى عُمَرَ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ الْقَاتِلُ فِي نَفْسِهِ: يَا وَيْلَهُ قَتَلْتُ نَفْسًا، وَيُقْتَلُ بِسَبَبِي آخَرُ، فَقَامَ فَقَالَ: أَنَا قَتَلْتُهُ، وَلَمْ يَقْتُلْهُ هَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: إنْ كَانَ قَدْ قَتَلَ نَفْسًا فَقَدْ أَحْيَا نَفْسًا، وَدَرَأَ عَنْهُ الْقِصَاصَ؛ وَلِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَى الْأَوَّلِ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ الْقِصَاصِ عَنْ الثَّانِي؛ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ؛ لِإِقْرَارِهِ بِالْقَتْلِ الْمُوجِبِ لَهَا (وَلَوْ أَقَرَّ الثَّانِي بَعْدَ إقْرَارِ الْأَوَّلِ؛ قُتِلَ الْأَوَّلُ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَمُصَادَفَتِهِ الدَّعْوَى. (وَ) فِي " الْمُغْنِي " (لَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ الثَّانِي، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ الْأُولَى) لِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى مَجْرَى الْإِقْرَارِ بِبُطْلَانِ الدَّعْوَى، وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْهُمَا، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الثَّانِي بِالدِّيَةِ عَلَى الْمَنْصُوصِ انْتَهَى [فَصْلٌ يُقْتَلُ الْعَدَدُ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ بِوَاحِدٍ قَتَلُوهُ] فَصْلٌ (وَيُقْتَلُ الْعَدَدُ) ؛ أَيْ: مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ (بِوَاحِدٍ) قَتَلُوهُ (إنْ صَلَحَ فِعْلُ كُلٍّ) مِنْهُمْ (لِلْقَتْلِ بِهِ) لَوْ انْفَرَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَتَى قُتِلَ بِهِ انْفَكَّ عَنْهُ، فَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ الْقِصَاصُ فِي الْجَمَاعَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 بِالْوَاحِدِ لَبَطَلَتْ الْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ، وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ؛ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ تَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ؛ فَوَجَبَتْ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ وَالدِّيَةِ، أَنَّ الدَّمَ لَا يَتَبَعَّضُ بِخِلَافِ الدِّيَةِ (وَإِلَّا) يَصْلُحْ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ لِلْقَتْلِ بِهِ (وَلَا تَوَاطُؤَ) ؛ أَيْ: تَوَافُقَ عَلَى قَتْلِهِ، بِأَنْ ضَرَبَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَجَرٍ صَغِيرٍ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَكُونُوا اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، (فَلَا) قِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَا يُوجِبُهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَإِنْ تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ؛ قُتِلُوا بِهِ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّنَازُعِ إلَى الْقَتْلِ بِهِ، وَتَفُوتُ حِكْمَةُ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ عَنْ الْقَتْلِ. (وَلَا يَجِبُ) عَلَيْهِمْ (مَعَ عَفْوٍ) عَنْ قَوَدٍ (أَكْثَرُ مِنْ دِيَةٍ) لِأَنَّ الْقَتِيلَ وَاحِدٌ؛ فَلَا يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ دِيَتِهِ، كَمَا لَوْ قَتَلُوهُ خَطَأً. (وَإِنْ جَرَحَ وَاحِدٌ) شَخْصًا (جُرْحًا وَ) جَرَحَهُ (آخَرُ مِائَةً) ، وَمَاتَ، أَوْ أَوْضَحَهُ أَحَدُهُمَا، وَشَجَّهُ آمَّةً، أَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا، وَأَجَافَهُ الْآخَرُ (فَ) هُمَا (سَوَاءٌ فِي الْقَتْلِ) ؛ أَيْ: فِي الْقِصَاصِ (وَالدِّيَةِ) لِصَلَاحِيَةِ فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْقَتْلِ لَوْ انْفَرَدَ، وَزَهُوقُ نَفْسِهِ حَصَلَ بِفِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالزَّهُوقُ لَا يَتَبَعَّضُ لِيُقْسَمَ عَلَى الْفِعْلِ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا التَّسَاوِيَ؛ لِإِفْضَاءِ سُقُوطِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُشْتَرَكِينَ؛ إذْ لَا يَكَادُ جُرْحَانِ يَتَسَاوَيَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَإِنْ جَرَحَهُ ثَلَاثَةٌ) بِأَنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَدَهُ، وَآخَرُ رِجْلَهُ، وَأَوْضَحَهُ الثَّالِثُ، فَمَاتَ؛ فَلِلْوَلِيِّ قَتْلُ جَمِيعِهِمْ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْقَتْلِ، وَلَهُ الْعَفْوُ عَنْهُمْ إلَى الدِّيَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهَا، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَيَأْخُذَ مِنْهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَيَقْتُلَ الْآخَرَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ اثْنَيْنِ، فَيَأْخُذَ مِنْهُمَا ثُلُثَيْهَا، وَيَقْتُلَ الثَّالِثَ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقَتْلِ، (فَ) إنْ (بَرِئَ جُرْحُ أَحَدِهِمْ، وَمَاتَ) الْمَجْرُوحُ (مِنْ الْجُرْحَيْنِ الْآخَرَيْنِ؛ فَلِوَلِيٍّ قَوَدٌ مِمَّنْ بَرِئَ جُرْحُهُ بِمِثْلِهِ) ؛ أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 بِمِثْلِ جُرْحِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْرُكْهُ أَحَدٌ (وَقَتَلَ الْآخَرَيْنِ) ؛ لِانْفِرَادِهِمَا بِالْقَتْلِ (أَوْ) قَتَلَ (أَحَدَهُمَا، وَأَخَذَ مِنْ الْآخَرِ نِصْفَ الدِّيَةِ) ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الَّذِي بَرِئَ جُرْحُهُ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ دِيَةَ جُرْحِهِ، ثُمَّ يَفْعَلَ مَعَ الْآخَرَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ) ؛ أَيْ: الْجَارِحَيْنِ (بُرْءَ جُرْحِهِ فَكَذَّبَهُ وَلِيٌّ) فِي دَعْوَاهُ أَنْ جُرْحَهُ بَرِئَ قَبْلَ مَوْتِ مَجْرُوحٍ؛ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَإِلَّا) يُكَذِّبْهُ الْوَلِيُّ بَلْ صَدَّقَهُ؛ ثَبَتَ حُكْمُ الْبُرْءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَلِيِّ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَ (لَمْ يَمْلِكْ قَتْلَهُ [وَلَا] طَلَبَهُ بِثُلُثِ الدِّيَةِ) ؛ لِاعْتِرَافِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، (بَلْ) لِلْوَلِيِّ الطَّلَبُ (بِأَرْشِ الْجُرْحِ أَوْ الْقَوَدِ) بِأَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ مِثْلَ فِعْلِهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْجَارِحِ، وَلَا الْوَلِيِّ الْمُصَدِّقِ لَهُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ فَلَهُ قَتْلُهُمَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَدَّعِ الْجَارِحُ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ لَمْ يَلْزَمْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثَيْهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَدَّعِ الْبُرْءَ. (وَإِنْ شَهِدَ) لَهُ (شَرِيكَاهُ بِبُرْءِ جُرْحِهِ لَزِمَهُمَا الدِّيَةُ كَامِلَةً) لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ شَهَادَتِهِمَا، فَيُؤَاخَذَانِ بِهِ، وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْهُمَا (إنْ صَدَّقَهُمَا وَلِيٌّ، وَإِلَّا) يُصَدِّقْهُمَا وَلِيٌّ (فَثُلُثَاهَا) ، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِشَرِيكِهِمَا فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْهُمَا ضَرَرًا، وَلَا تَجْلِبُ نَفْعًا، وَمَحَلُّ قَبُولِهَا إنْ كَانَا قَدْ تَابَا وَعَدَلَا، وَإِلَّا فَشَهَادَةُ الْفَاسِقِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ؛ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ؛ لِعَدَمِ سِرَايَةِ جُرْحِهِ، وَيَتَعَيَّنُ أَرْشُ الْجُرْحِ دُونَ الْقِصَاصِ مَعَ تَكْذِيبِ الْوَلِيِّ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ. (وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ) يَدَهُ (مِنْ كُوعٍ ثُمَّ) قَطَعَ (آخَرُ مِنْ مِرْفَقٍ) ، فَمَاتَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ قَدْ بَرِئَ الْأَوَّلُ) قَبْلَ قَطْعِ الثَّانِي (فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي) لِأَنَّ جِنَايَةَ الْأَوَّلِ قَدْ انْقَطَعَتْ سِرَايَتُهَا بِالِانْدِمَالِ؛ فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ فِي الثَّانِي بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ (وَإِلَّا) يَبْرَأْ الْأَوَّلُ قَبْلَ قَطْعِ الثَّانِي (فَهُمَا) سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا قَطْعَانِ مَاتَ بَعْدَهُمَا؛ فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ، كَمَا لَوْ كَانَا فِي يَدَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا انْدَمَلَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ أَلِمِهِ. (وَإِنْ فَعَلَ وَاحِدٌ مَا) ؛ أَيْ: فِعْلًا (لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ) عَادَةً (كَقَطْعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 حَشْوَتِهِ) ؛ أَيْ: إبَانَةِ أَمْعَائِهِ (لَا خَرْقِهَا) فَقَطْ مِنْ غَيْرِ إبَانَةٍ (أَوْ قَطْعِ مَرِيئَهُ) ؛ أَيْ: مَجْرَى الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ (أَوْ) قَطْعِ (وَدَجَيْهِ) ؛ أَيْ: الْعِرْقَيْنِ فِي جَانِبِ الْعُنُقِ (ثُمَّ ذَبَحَهُ آخَرُ فَالْقَاتِلُ) هُوَ (الْأَوَّلُ) ؛ لِفِعْلِهِ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ شَيْئًا مِنْ الزَّمَانِ (وَيُضَرَّرُ الثَّانِي كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مَيِّتٍ) ؛ لِانْتِهَاكِهِ حُرْمَتَهُ (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْمَفْعُولِ بِهِ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ (لَوْ كَانَ قِنًّا) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَيِّتِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ كَصَحِيحٍ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ وَارِثُهُ، وَاعْتِبَارُ كَلَامِهِ فِي غَيْرِ تَبَرُّعٍ، عَايَنَ الْمِلْكَ أَوْ لَا. (وَإِنْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ مِنْ شَاهِقٍ، فَتَلَقَّاهُ الثَّانِي بِمُحَدَّدٍ، فَقَدَّهُ) فَهُوَ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَيَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالٍ يَيْأَسُ فِيهَا مِنْ حَيَاتِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ وَاحِدٌ بِسَهْمٍ قَاتِلٍ فَقَطَعَ آخَرُ عُنُقَهُ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ بِهِ، أَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ صَخْرَةً فَأَطَارَ آخَرُ رَأْسَهُ قَبْلَ وُقُوعِهَا عَلَيْهِ (أَوْ شَقَّ الْأَوَّلُ بَطْنَهُ) أَوْ خَرَقَ أَمْعَاءَهُ؛ أَوْ أُمَّ دِمَاغِهِ، ثُمَّ ذَبَحَهُ الثَّانِي؛ فَهُوَ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ الْأَوَّلَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ الْحَيَاةِ، وَتَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ (أَوْ قَطَعَ) الْأَوَّلُ (طَرَفَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ الثَّانِي؛ فَهُوَ الْقَاتِلُ) لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ تَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ بِخِلَافِ الثَّانِي (وَعَلَى الْأَوَّلِ مُوجَبُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (جِرَاحَتِهِ) ؛ أَيْ: الْأَرْشِ الَّذِي تُوجِبُهُ جِرَاحَتُهُ عَلَى مَا يَأْتِي مُفَصَّلًا؛ لِتَعَدِّيهِ بِهَا. (وَمِنْ رُمِيَ) بِضَمِّ الرَّاءِ (فِي لُجَّةٍ فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ) أَوْ تِمْسَاحٌ، فَابْتَلَعَهُ أَوْ قَتَلَهُ (فَالْقَوَدُ عَلَى رَامِيهِ) مَعَ كَثْرَةِ الْمَاءِ؛ لِإِبْقَائِهِ إيَّاهُ فِي مُهْلِكَةٍ هَلَكَ بِهَا بِلَا وَاسِطَةٍ يُمْكِنُ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ بِالْغَرَقِ، أَوْ هَلَكَ بِوُقُوعِهِ عَلَى صَخْرَةٍ، أَوْ أَلْقَاهُ فِي نَارٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى الرَّامِي إنْ كَانَ الْمَرْمِيُّ (غَيْرَ سَابِحٍ) أَمَّا إذَا كَانَ مُتْقِنًا لِصَنْعَةِ السِّبَاحَةِ، وَلَمْ يُبَادِرْ بِالْخُرُوجِ حَتَّى هَلَكَ؛ فَلَا قَوَدَ عَلَى رَامِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى تَخْلِيصِ نَفْسِهِ؛ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَكَانَ مُفَرِّطًا. (أَوْ رَمَاهُ لِحَرْبِيٍّ لِقَتْلٍ) ؛ أَيْ: لِيَقْتُلَ الْحَرْبِيُّ ذَلِكَ الْمَرْمِيَّ (فَقَتَلَهُ) الْحَرْبِيُّ؛ فَالْقَوَدُ عَلَى رَامِيهِ دُونَ الْحَرْبِيِّ، إذْ الْحَرْبِيُّ مُهْدَرُ الدَّمِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، بِخِلَافِ لَوْ رَمَاهُ لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ لِقَتْلٍ فَقَتَلَهُ، فَالْقَوَدُ عَلَى قَاتِلِهِ دُونَ رَامِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّامِيَ هُنَا مُتَسَبِّبٌ، وَالْقَاتِلَ مُبَاشِرٌ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 وَيُحْبَسُ الرَّامِي حَتَّى يَمُوتَ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ الْمَقْتُولَ بِرَمْيِهِ لَهُ إلَى أَنْ مَاتَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ إنْ عَلِمَ) رَامِيهِ (بِالْحُوتِ) أَوْ التِّمْسَاحِ (فَكَذَلِكَ) ؛ أَيْ: عَلَيْهِ الْقَوَدُ؛ لِمَا سَبَقَ (وَإِلَّا) يَعْلَمْ الرَّامِي بِالْحُوتِ مَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ؛ فَالدِّيَةُ (أَوْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بِفَضَاءٍ غَيْرِ مُسْبِعٍ، فَمَرَّتْ بِهِ دَابَّةٌ، فَقَتَلَتْهُ؛ [فَالدِّيَةُ] ) وَلَا قَوَدَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا. (وَمَنْ أَكْرَهَ مُكَلَّفًا عَلَى قَتْلِ) شَخْصٍ (مُعَيَّنٍ) فَفَعَلَ، فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْقَوَدُ، (أَوْ) أَكْرَهَهُ (عَلَى أَنْ يُكْرَهَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ (فَفَعَلَ؛ فَعَلَى كُلٍّ) مِنْ الثَّلَاثَةِ (الْقَوَدُ) أَمَّا الْآمِرُ فَلِتَسَبُّبِهِ إلَى الْقَتْلِ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا، كَمَا لَوْ أَنْهَشَهُ حَيَّةً أَوْ أَسَدًا أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ، وَأَمَّا الْقَاتِلُ؛ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْلُوبِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ اسْتِبْقَاءَ نَفْسِهِ بِقَتْلِ غَيْرِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَأْثَمُ، وَلَوْ كَانَ مَسْلُوبَ الِاخْتِيَارِ لَمْ يَأْثَمْ كَالْمَجْنُونِ، (وَ) إنْ كَانَ الَّذِي أُكْرِهَ (عَلَى) قَتْلِهِ (غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَ) قَوْلِهِ: اُقْتُلْ (هَذَا أَوْ هَذَا؛ فَلَا إكْرَاهَ) فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَحْدَهُ، (وَ) قَوْلُ قَادِرٍ عَلَى مَا هَدَّدَ بِهِ غَيْرَهُ (اُقْتُلْ نَفْسَك، وَإِلَّا قَتَلْتُك، إكْرَاهٌ) عَلَى الْقَتْلِ؛ فَيُقْتَلُ بِهِ إنْ قَتَلَ نَفْسَهُ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ. (وَمَنْ أَمَرَ بِالْقَتْلِ مُكَلَّفًا يَجْهَلُ تَحْرِيمَهُ) ؛ أَيْ: الْقَتْلِ كَمَنْ نَشَأَ فِي غَيْرِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَقَتَلَ؛ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ، [أَجْنَبِيًّا كَانَ الْمَأْمُورُ] أَوْ عَبْدًا لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ، لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِحَظْرِ الْقَتْلِ؛ فَهُوَ مُعْتَقِدٌ إبَاحَتَهُ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ تَمْنَعُ الْقِصَاصَ، كَمَا لَوْ اعْتَقَدَهُ صَيْدًا فَرَمَاهُ فَقَتَلَ إنْسَانًا، وَلِأَنَّ حِكْمَةَ الْقِصَاصِ الرَّدْعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 وَالزَّجْرُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي مُعْتَقِدِ الْإِبَاحَةِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، وَجَبَ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ آلَةٌ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ؛ فَوَجَبَ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ، كَمَا لَوْ أَنْهَشَهُ حَيَّةً فَقَتَلَتْهُ، وَيُفَارِقُ هَذَا مَا إذَا عَلِمَ حَظْرَ الْقَتْلِ؛ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَكُونُ عَلَى الْمَأْمُورِ؛ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ، فَانْقَطَعَ حُكْمُ الْآمِرِ كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ. (أَوْ) أَمَرَ بِالْقَتْلِ (صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) فَقَتَلَ؛ لَزِمَ الْقِصَاصُ الْآمِرَ لِمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ أَمَرَ بِهِ) ؛ أَيْ: الْقَتْلِ [ (سُلْطَانٌ ظُلْمًا مَنْ جَهِلَ ظُلْمَهُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْقَتْلِ] (لَزِمَ الْآمِرَ فَقَطْ الْقَوَدُ) دُونَ الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ مَعْذُورٌ؛ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِالْحَقِّ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ فِي الْقَتْلِ الْمَجْهُولِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَا يُطَاعُ حَتَّى يَعْلَمَ جَوَازَ قَتْلِهِ، وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ الطَّاعَةُ لَهُ مَعْصِيَةً، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالظُّلْمِ، فَهَذَا الْجَهْلُ بِعَدَمِ الْحِلِّ كَالْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ (وَإِنْ عَلِمَ) الْمَأْمُورُ (الْمُكَلَّفُ تَحْرِيمَهُ) ؛ أَيْ: الْقَتْلِ (لَزِمَهُ) الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي فِعْلِهِ؛ لِحَدِيثِ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» ، وَحَدِيثِ: «مَنْ أَمَرَكُمْ مِنْ الْوُلَاةِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلَا تُطِيعُوهُ» ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْآمِرُ السُّلْطَانَ أَوْ غَيْرَهُ. (وَ) حَيْثُ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمَأْمُورِ (أُدِّبَ آمِرُهُ) بِمَا يَرْدَعُهُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ؛ لِيَنْكَفَّ عَنْ الْعَوْدِ لَهُ. (وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَرَى الْقَتْلَ دُونَ مَأْمُورٍ، كَمُسْلِمٍ قَتَلَ ذِمِّيًّا، وَحُرٍّ) قَتَلَ (عَبْدًا) فَقَتَلَهُ، (فَ) قَالَ الْقَاضِي: (الضَّمَانُ عَلَى الْمَأْمُورِ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ. قَالَ الْمُوَفَّقُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْقَاتِلُ (عَامِّيًّا) فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ، وَالْمُقَلِّدِ فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَهُوَ كَقَوْلِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَقْلِيدَ الْإِمَامِ فِيمَا رَآهُ (وَعَكْسُهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ، وَالْقَاتِلُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ؛ (فَ) الضَّمَانُ (عَلَى الْآمِرِ) كَمَا لَوْ أَمَرَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ بِهِ. (وَمَنْ دَفَعَ لِغَيْرِ مُكَلَّفٍ) كَصَغِيرٍ، وَمَجْنُونٍ (آلَةَ قَتْلٍ) كَسَيْفٍ، وَسِكِّينٍ (وَلَمْ يَأْمُرْهُ) الدَّافِعُ (بِهِ) ؛ أَيْ: الْقَتْلِ (فَقَتَلَ) بِالْآلَةِ (لَمْ يَلْزَمْ الدَّافِعَ) لِلْآلَةِ (شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْقَتْلِ، وَلَمْ يُبَاشِرْهُ، فَإِنْ أَمَرَهُ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ، قُتِلَ الْآمِرُ، وَتَقَدَّمَ. (وَإِنْ وَقَعَ هُوَ) ؛ أَيْ: غَيْرُ الْمُكَلَّفِ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى مَا دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ السِّلَاحِ (فَعَلَى عَاقِلَةِ دَافِعِ) ذَلِكَ (الدِّيَةُ) كَالْخَطَإِ (كَذَا قِيلَ) ؛ أَيْ: قَالَ شَارِحُ " الْمُنْتَهَى " فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ. وَفُهِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ إتْلَافَ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالسَّفِيهِ لِمَا أُودِعُوهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ سَلَّطَهُمْ عَلَى مَالِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ سِكِّينًا فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَمَاتَ؛ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الدَّافِعِ انْتَهَى. ، وَكَأَنَّهُ قَاسَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَأْتِي فِي الدِّيَاتِ: فِيمَنْ أَرْكَبَ صَغِيرَيْنِ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا، فَاصْطَدَمَا فَمَاتَا؛ فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَرْكَبَهُمَا، وبِهَذَا الْوَجْهِ جَزَمَ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَغَيْرِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ دِيَتَهُمَا فِي مَالِ مَنْ أَرْكَبَهُمَا؛ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ تَصَادُمَهُمَا إثْرَ رُكُوبِهِمَا، وَفِعْلُهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَوَجَبَ إضَافَةُ الْقَتْلِ إلَى مَنْ أَرْكَبَهُمَا. (وَمَنْ أَمَرَ قِنَّ غَيْرِهِ بِقَتْلِ قِنٍّ نَفْسِهِ) فَفَعَلَ (أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى قَتْلِ قِنٍّ نَفْسِهِ، فَفَعَلَ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْآمِرَ فِي نَظِيرِ قِنِّهِ مِنْ قِصَاصٍ، وَلَا قِيمَةٍ؛ لِإِذْنِهِ فِي إتْلَافِ مَالِهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَهُ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ (وَ) مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: (اُقْتُلْنِي) فَفَعَلَ فَهَدَرٌ، (أَوْ) قَالَ لَهُ: (اجْرَحْنِي.، وَيَتَّجِهُ لَا) . إنْ كَانَ قَوْلُهُ لَهُ: اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي (هُزُؤًا، أَوْ) كَانَ قَوْلُهُ لَهُ ذَلِكَ؛ (مَزْحًا) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَفَعَلَ فَهَدَرٌ) نَصًّا؛ لِإِذْنِهِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِإِلْقَاءِ مَتَاعِهِ فِي الْبَحْرِ فَفَعَلَ (وَيَأْثَمُ) مَقُولٌ لَهُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ، وَ (كَ) ذَا لَوْ قَالَ لَهُ: (اُقْتُلْنِي) أَوْ اجْرَحْنِي (وإلَّا قَتَلْتُك) فَفَعَلَ؛ فَهَدَرٌ (وَلَا إثْمَ هُنَا) ؛ أَيْ: فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (وَلَا كَفَّارَةَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِيهِ، وَقَدْ أَذَنَهُ فِي إتْلَافِهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَهُ فِي إتْلَافِ مَالِهِ. (وَلَوْ قَالَهُ) ؛ أَيْ: اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي، وَإِلَّا قَتَلْتُك (قِنٌّ) فَفَعَلَ الْمَقُولُ لَهُ (ضَمِنَ) ؛ أَيْ: ضَمِنَهُ الْقَاتِلُ (لِسَيِّدِهِ بِقِيمَتِهِ) أَوْ أَرْشِ جِرَاحَتِهِ؛ لِأَنَّ إذْنَ الْقِنِّ فِي إتْلَافِ نَفْسِهِ لَا يَسْرِي عَلَى سَيِّدِهِ. [فَصْلٌ أَمْسَكَ إنْسَانًا لِآخَرَ لِيَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ فَمَاتَ] فَصْلٌ (وَمَنْ أَمْسَكَ إنْسَانًا لِآخَرَ لِيَقْتُلَهُ، لَا لِلَعِبٍ، وَنَحْوِهِ) كَضَرْبٍ (فَقَتَلَهُ، أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ، فَمَاتَ، أَوْ فَتَحَ فَمَهُ حَتَّى سَقَاهُ) الْآخَرُ (سُمًّا) فَمَاتَ (قُتِلَ قَاتِلٌ) قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ (وَحُبِسَ مُمْسِكٌ حَتَّى يَمُوتَ) عَلَى الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَالْوَجِيزُ وَالْمُنَوِّرُ "، وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ "، وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَاتِهِمْ وَالشِّيرَازِيُّ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، (وَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ (يُطْعَمُ وَيُسْقَى) خِلَافًا " لِلْمُبْدِعِ "، وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَلَا دِيَةَ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «إذَا أَمْسَكَ الرَّجُلَ، وَقَتَلَهُ الْآخَرُ؛ يُقْتَلُ الَّذِي قَتَلَ، وَيُحْبَسُ الَّذِي أَمْسَكَ» . وَلِأَنَّهُ حَبَسَ إلَى الْمَوْتِ فَيُحْبَسُ الْآخَرُ إلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ الْمُمْسِكُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْقَاتِلَ (يَقْتُلُهُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مَوْتَهُ لَيْسَ بِفِعْلِهِ، وَلَا بِأَثَرِ فِعْلِهِ، بِخِلَافِ الْجَارِحِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ أَثَرُ جُرْحِهِ الْمَقْصُودِ لَهُ. (وَمَنْ قَطَعَ طَرَفَ هَارِبٍ مِنْ الْقَتْلِ ظُلْمًا، فَحُبِسَ حَتَّى أَدْرَكَهُ قَاتِلُهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 فَقَتَلَهُ (أُقِيدَ مِنْهُ) فِي طَرَفِهِ، سَوَاءٌ حَبَسَهُ لِيَقْتُلَهُ الْآخَرُ أَوْ لَا (وَهُوَ) ؛ أَيْ: قَاطِعُ الطَّرَفِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ (فِي النَّفْسِ كَمُمْسِكٍ) إنْسَانًا لِآخَرَ حَتَّى قَتَلَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَبَسَهُ لِلْقَتْلِ صَارَ كَأَنَّهُ أَمْسَكَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ حَبْسَهُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ فَقَطْ، كَمَنْ أَمْسَكَ إنْسَانًا لِآخَرَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ اعْتَبَرْتُمْ قَصْدَ الْإِمْسَاكِ لِلْقَتْلِ ولَمْ تَعْتَبِرُوا إرَادَةَ الْقَتْلِ فِي الْجَارِحِ؟ قُلْنَا: إذَا مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ فَقَدْ مَاتَ مِنْ سِرَايَتِهِ، وَأَثَرِهِ؛ فَيُعْتَبَرُ قَصْدُ الْجُرْحِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ دُونَ قَصْدِ الْأَثَرِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا إنَّمَا كَانَ مَوْتُهُ بِأَمْرٍ غَيْرِ السِّرَايَةِ، وَالْفِعْلُ مُمْكِنٌ لَهُ، فَاعْتُبِرَ قَصْدُهُ لِذَلِكَ الْفِعْلِ، كَمَا لَوْ أَمْسَكَهُ (وَلَوْ قَتَلَ الْوَلِيُّ الْمُمْسِكَ فَقَالَ الْقَاضِي) : يَجِبُ (عَلَيْهِ الْقِصَاصُ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي قَتْلِهِ (وَخَالَفَهُ الْمَجْدُ) لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي قَتْلِهِ، وَهِيَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ (وَهُوَ حَسَنٌ) ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقْتَلُ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَوْزِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ "، وَادَّعَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا. (وَإِنْ اشْتَرَكَ عَدَدٌ فِي قَتْلٍ لَا يُقَادُ بِهِ الْبَعْضُ) الْمُشَارِكُ (لَوْ انْفَرَدَ) بِالْقَتْلِ (كَحُرٍّ، وَقِنٍّ) اشْتَرَكَا (فِي قَتْلِ قِنٍّ، وَكَمُسْلِمٍ، وَكَافِرٍ) اشْتَرَكَا (فِي قَتْلِ كَافِرٍ، وَكَأَبٍ) ، وَأَجْنَبِيٍّ فِي قَتْلِ وَلَدِهِ، (أَوْ، وَلِيٍّ مُقْتَصٍّ، وَأَجْنَبِيٍّ) لَا حَقَّ لَهُ فِي الْقِصَاصِ فِي قَتْلِ مَنْ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ (وَكَخَاطِئٍ، وَعَامِدٍ) اشْتَرَكَا فِي قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ (وَكَمُكَلَّفٍ، وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ) اشْتَرَكَا فِي قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ مُكَلَّفٍ، وَ (سَبُعٍ، أَوْ) مُكَلَّفٍ، وَ (مَقْتُولٍ) اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ نَفْسِهِ (فَالْقَوَدُ عَلَى قِنٍّ) شَارَكَ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ عَنْ الْحُرِّ؛ لِعَدَمِ مُكَافَأَةِ الْمَقْتُولِ لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَعَدَّى إلَى فِعْلِ شَرِيكِهِ؛ فَلَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ عَنْهُ، (وَ) الْقَوَدُ أَيْضًا عَلَى (شَرِيكِ أَبٍ) فِي قَتْلِ وَلَدِهِ؛ لِمُشَارَكَتِهِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِيمَنْ يُقْتَلُ بِهِ لَوْ انْفَرَدَ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي حَقِّ الْأَبِ لِمَعْنًى مُخْتَصٍّ بِالْمَحَلِّ، لَا لِقُصُورٍ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ؛ فَلَا يُمْنَعُ عَمَلُهُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي لَا مَانِعَ فِيهِ، وَمِثْلُ الْأَبِ الْأُمُّ، وَالْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ، وَإِنْ عَلَوْا. (وَ) الْقَوَدُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 أَيْضًا عَلَى كَافِرٍ اشْتَرَكَ مَعَ (مُسْلِمٍ) فِي قَتْلِ كَافِرٍ (كَ) مَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى (مُكْرَهٍ) ، وَمُكْرَهَةٍ (أَبًا) أَوْ أُمًّا أَوْ جَدًّا أَوْ جَدَّةً (عَلَى قَتْلِ وَلَدِهِ) ، وَإِنْ سَفَلَ، دُونَ الْأَبِ، وَنَحْوِهِ (وَعَلَى شَرِيكِ قِنٍّ) فِي قَتْلِ قِنٍّ (نِصْفُ قِيمَةِ) قِنٍّ (قَتِيلٍ) لِمُشَارَكَتِهِ فِي إتْلَافِهِ؛ فَلَزِمَهُ بِقِسْطِهِ (وَعَلَى شَرِيكِ غَيْرِ أَبٍ، وَقِنٍّ فِي) قَتْلِ (حُرٍّ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَفِي) قَتْلِ (قِنٍّ نِصْفُ قِيمَتِهِ) كَالشَّرِيكِ فِي إتْلَافِ مَالٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ عَلَى الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَتَمَحَّضْ عُدْوَانًا، فَلَمْ يُوجِبْ الْقِصَاصَ، وَإِنَّمَا لَزِمَ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي إتْلَافٍ فَلَزِمَ الْقِسْطُ، لَكِنْ تَجِبُ فِي مَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَأَمَّا النِّصْفُ الثَّانِي فَعَلَى عَاقِلَةِ الْخَاطِئِ، وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ فِي مَسْأَلَتِهِمَا. (وَمَنْ جُرِحَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَمْدًا، فَدَاوَاهُ) ؛ أَيْ: دَاوَى الْمَجْرُوحُ جُرْحَهُ (بِسُمٍّ) قَاتِلٍ، فَمَاتَ فِي الْحَالِ؛ فَلَا قَوَدَ عَلَى جَارِحِهِ؛ لِقَتْلِهِ نَفْسَهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ جُرِحَ فَذَبَحَ نَفْسَهُ، أَوْ جُرِحَ (فَخَاطَهُ فِي اللَّحْمِ الْحَيِّ) فَمَاتَ؛ فَكَذَلِكَ. (، وَيَتَّجِهُ) وَإِنْ خَاطَهُ غَيْرُ الْمَجْرُوحِ بِإِذْنِهِ فِي اللَّحْمِ الْحَيِّ، أَوْ دَاوَاهُ بِسُمٍّ (وَلَمْ يَتَعَمَّدْ) فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ؛ فَلَا قَوَدَ عَلَى الْجَارِحِ، وَلَا الْخَائِطِ أَوْ الْمُدَاوِي؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ مُدَاوَاةَ النَّفْسِ، فَكَانَ فِعْلُهُ عَمْدَ خَطَأٍ كَشَرِيكِ الْخَاطِئِ، وَعَلَى الْجَارِحِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ خَاطَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ فَهُمَا قَاتِلَانِ عَلَيْهِمَا الْقَوَدُ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَعَمَّدَ خَائِطٌ أَوْ مُدَاوٍ الْخِيَاطَةَ فِي اللَّحْمِ الْحَيِّ أَوْ الْمُدَاوَاةَ بِالسُّمِّ (قُتِلَا) ؛ أَيْ: الْجَارِحُ أَوْ الْمُدَاوِي، أَوْ الْخَائِطُ؛ لِصَلَاحِيَةِ فِعْلِهِمَا الْقَتْلَ الْعَمْدَ الْعُدْوَانَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلِيُّهُ) ؛ أَيْ: دَاوَاهُ بِسُمٍّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 قَاتِلٍ أَوْ خَاطَهُ فِي اللَّحْمِ الْحَيِّ؛ فَلَا قَوَدَ (أَوْ) فَعَلَ ذَلِكَ (الْحَاكِمُ فَمَاتَ) مِنْ ذَلِكَ (فَلَا قَتْلَ عَلَى جَارِحِهِ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ (لَكِنْ إنْ أَوْجَبَ الْجُرْحُ قِصَاصًا اُسْتُوْفِيَ) ؛ أَيْ: اسْتَوْفَاهُ، وَلِيُّهُ مِنْ جَارِحِهِ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِهِ (وَإِلَّا) يُوجِبْ الْجُرْحُ قِصَاصًا (أَخَذَ) الْوَارِثُ (أَرْشَهُ) إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ. [بَابُ شُرُوطِ الْقِصَاصِ] (شُرُوطُ الْقِصَاصِ) :؛ أَيْ: الْقَوَدِ، وَهِيَ (أَرْبَعَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ. (أَحَدُهَا: تَكْلِيفُ قَاتِلٍ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا قَاصِدًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ مُغَلَّظَةٌ، فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَصَغِيرٍ، وَمَجْنُونٍ، وَمَعْتُوهٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ، كَقَاتِلٍ خَطَأً. (، وَيَتَّجِهُ، وَ) يُعْتَبَرُ (عِلْمُهُ) ؛ أَيْ: الْقَاتِلِ (بِتَحْرِيمِ) الْقَتْلِ (فَلَا يُقْتَلُ قَرِيبُ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ) بِقَتْلِهِ مَعْصُومًا؛ لِاعْتِقَادِهِ إبَاحَتَهُ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ تَمْنَعُ الْقِصَاصَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 وَهَذَا الِاتِّجَاهُ صَرَّحَ فِي آخِرِ الْبَابِ بِمَا يُخَالِفُهُ فَلْيُتَفَطَّنْ لَهُ. (ثَانِيهَا) أَيْ: الشُّرُوطِ (عِصْمَةُ مَقْتُولٍ، وَلَوْ) كَانَ (مُسْتَحَقًّا دَمُهُ بِقَتْلٍ لِغَيْرِ قَاتِلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ فِيهِ يُبِيحُ دَمَهُ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ (فَالْقَاتِلُ لِحَرْبِيٍّ) لَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ، (أَوْ) الْقَاتِلُ (لِمُرْتَدٍّ قَبْلَ تَوْبَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ؛ أَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ، لَا إنْ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ التَّوْبَةِ إنْ كَانَتْ (تُقْبَلُ) ظَاهِرًا؛ فَيُقْتَلُ قَاتِلُهُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ، (أَوْ) الْقَاتِلُ (لِزَانٍ مُحْصَنٍ، وَلَوْ قَبْلَ ثُبُوتِهِ) ؛ أَيْ: الزِّنَا أَوْ الْإِحْصَانِ (عِنْدَ حَاكِمٍ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ زَنَى مُحْصَنًا بَعْدَ قَتْلِهِ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ الَّتِي أَبَاحَتْ دَمَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ، وَبَعْدَهُ عَلَى السَّوَاءِ، (وَ) الْمُرَادُ إذَا (لَمْ يَتُبْ) قَبْلَ الْقَتْلِ، أَمَّا إذَا تَابَ قَبْلَ الْقَتْلِ فَيَصِيرُ مَعْصُومًا، وَيُقْتَلُ قَاتِلُهُ، وَهَذِهِ مِنْ زِيَادَاتِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَصْلَيْهِ، وَهُوَ لَا طَائِلَ تَحْتَهَا؛ إذْ الْمَذْهَبُ، وَلَوْ تَابَ لَا يَعُودُ مَعْصُومًا بِالتَّوْبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَ (لَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْقَاتِلَ (وَلَوْ أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْقَاتِلَ (مِثْلُهُ) ؛ أَيْ: مِثْلُ الْمَقْتُولِ فِي عَدَمِ الْعِصْمَةِ بِأَنْ قَتَلَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيًّا، أَوْ مُرْتَدٌّ مُرْتَدًّا، أَوْ زَانٍ مُحْصَنٌ زَانِيًا مُحْصَنًا، أَوْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ حَرْبِيًّا، وَعَكْسُهُ، وَلَا قِصَاصَ، وَلَا دِيَةَ، وَلَا كَفَّارَةَ بِقَتْلِ قَاطِعِ طَرِيقٍ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي نَفْسٍ، وَلَا بِقَطْعِ طَرَفٍ لِوَاحِدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يُؤْخَذُ بِغَيْرِهِ فِي النَّفْسِ لَا يُؤْخَذُ بِهِ فِيمَا دُونَهَا (وَيُعَزَّرُ) لِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَعَ (غَيْرِ حَرْبِيٍّ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 لِافْتِئَاتِهِ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ، أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ بِكُلِّ حَالٍ، أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ. (وَمَنْ قَطَعَ طَرَفَ مُرْتَدٍّ) فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ، (أَوْ) قَطَعَ طَرَفَ (حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ) فَهَدَرٌ (أَوْ رَمَاهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَدُّ أَوْ الْحَرْبِيُّ (فَأَسْلَمَ) بَعْدَ رَمْيِهِ (ثُمَّ وَقَعَ بِهِ الرَّمْيُ) بَعْدَ إسْلَامِهِ (فَمَاتَ؛ فَهَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ مِنْ الْجَانِي بَعْدَ إسْلَامِهِ فِعْلٌ، وَإِنَّمَا الْمَوْتُ أَثَرُ فِعْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَكَذَا أَثَرُهُ (وَمَنْ قَطَعَ طَرَفًا أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ طَرَفٍ (مِنْ مُسْلِمٍ، فَارْتَدَّ ثُمَّ مَاتَ) مُرْتَدًّا (فَلَا قَوَدَ) عَلَى الْقَاطِعِ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا نَفْسُ مُرْتَدٍّ، وَلَا فِي الطَّرَفِ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ صَارَ قَتْلًا لَمْ يَجِبْ بِهِ قَتْلٌ؛ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْقَطْعُ، كَمَا لَوْ قَطَعَهُ مِنْ غَيْرِ مِفْصَلٍ (وَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْجَانِي (الْأَقَلُّ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ، أَوْ دِيَةِ مَا قَطَعَ) مِنْ طَرَفٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ، فَمَعَ الرِّدَّةِ أَوْلَى (يَسْتَوْفِيهِ) ؛ أَيْ: مَا وَجَبَ بِذَلِكَ (الْإِمَامُ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ "، وَالرِّعَايَتَيْنِ "، وَالْحَاوِي " ". (وَيَتَّجِهُ) أَنْ يَكُونَ اسْتِيفَاءُ الْإِمَامِ (لِبَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُمْ (وَلَوْ مَعَ) وُجُودِ (وَارِثِهِ الْمُسْلِمِ) ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إرْثِهِ مِنْهُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ عَادَ) مُرْتَدٌّ بَعْدَ أَنْ جُرِحَ (لِلْإِسْلَامِ، وَلَوْ) كَانَ عَوْدُهُ إلَيْهِ (بَعْدَ زَمَنٍ تَسْرِي فِيهِ الْجِنَايَةُ) ، وَمَاتَ مُسْلِمًا (فَكَمَا لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ، فَيُقْتَلُ قَاتِلُهُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حَالَ الْجِنَايَةِ، وَالْمَوْتِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ، وَاحْتِمَالُ السِّرَايَةِ حَالَ الرِّدَّةِ لَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ؛ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ السَّبَبِ الْمَعْلُومِ بِاحْتِمَالِ الْمَانِعِ، وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ خَطَأً وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ نَفْسًا مَعْصُومَةً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 وَإِنْ جَرَحَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَارْتَدَّ، أَوْ بِالْعَكْسِ، ثُمَّ جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ، وَمَاتَ مِنْهُمَا؛ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْجُرْحَيْنِ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ أَشْبَهَ شَرِيكَ الْمُخْطِئِ، وَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ فِي الْحَالَيْنِ كَجُرْحِ اثْنَيْنِ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَسَوَاءٌ تَسَاوَى الْجُرْحَانِ أَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا؛ مِثْلَ أَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَقَطَعَ رِجْلَيْهِ، وَهُوَ مُرْتَدٌّ، أَوْ بِالْعَكْسِ وَلَوْ قَطَعَ طَرَفًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذِمِّيٍّ، ثُمَّ صَارَ حَرْبِيًّا، ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَةِ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ لِغَيْرِ مَعْصُومٍ، وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الْمُسْلِمِ إذَا ارْتَدَّ، لَا قِصَاصَ، وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ الْمَقْطُوعِ. قَطَعَ يَدَ نَصْرَانِيٍّ أَوْ يَهُودِيٍّ، فَتَمَجَّسَ، وَقُلْنَا: لَا يُقَرُّ؛ فَهُوَ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ. وَإِنْ قَطَعَ يَدَ مَجُوسِيٍّ، فَتَنَصَّرَ، أَوْ تَهَوَّدَ، ثُمَّ مَاتَ، وَقُلْنَا يُقَرُّ؛ وَجَبَتْ دِيَةُ كِتَابِيٍّ. وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ عَبْدًا، ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَأُسِرَ، وَأُسْتَرَقّ لَمْ يُقْتَلْ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ حِينَ وَجَبَ الْقِصَاصُ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: مُكَافَأَةُ مَقْتُولٍ) لِقَاتِلٍ (حَالَ جِنَايَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ انْعِقَادِ السَّبَبِ، وَالْمُكَافَأَةِ (بِأَنْ لَا يَفْضُلَهُ) ؛ أَيْ: الْمَقْتُولَ (قَاتِلُهُ بِإِسْلَامٍ أَوْ) يَفْضُلَهُ (بِحُرِّيَّةٍ أَوْ) يَفْضُلَهُ (بِمِلْكٍ) . (فَيُقْتَلُ مُسْلِمٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ بِمِثْلِهِ) ؛ أَيْ: فِي الْإِسْلَامِ، وَالْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّ، وَلَوْ مُجْدَعَ الْأَطْرَافِ مَعْدُومَ الْحَوَاسِّ، وَالْقَاتِلُ صَحِيحٌ سَوِيُّ الْخِلْقَةِ كَعَكْسِهِ، وَكَذَا لَوْ تَفَاوَتَا فِي الْعِلْمِ، وَالشَّرَفِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالصِّحَّةِ، وَالْمَرَضِ وَيَأْتِي. (وَ) يُقْتَلُ (ذِمِّيٌّ) حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ بِمِثْلِهِ، (وَ) يُقْتَلُ (مُسْتَأْمَنٌ حُرٌّ، وَعَبْدٌ بِمِثْلِهِ) لِلْمُسَاوَاةِ (وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ) الْمَقْتُولُ (وَقْفًا) فَلَا يُقْتَلُ قَاتِلُهُ؛ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ، وَحِينَئِذٍ فَالْوَاجِبُ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي بِهَا بَدَلَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَكَلِّمِ عَلَى الْوَقْفِ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 (وَ) يُقْتَلُ (كِتَابِيٌّ بِمَجُوسِيٍّ، وَ) يُقْتَلُ (ذِمِّيٌّ بِمُسْتَأْمَنٍ، وَعَكْسِهِمَا) ؛ أَيْ: يُقْتَلُ الْمَجُوسِيُّ بِالْكِتَابِيِّ، وَالْمُسْتَأْمَنُ بِالذِّمِّيِّ (وَ) يُقْتَلُ (كَافِرٌ غَيْرُ حَرْبِيٍّ جَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ بِمُسْلِمٍ) لِلْمُكَافَأَةِ، وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا جَنَى عَلَى مُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ حَالَ الْجِنَايَةِ كَانَ مُسْتَبِيحًا لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلَمْ يُقْتَلْ بِإِسْلَامِهِ بَعْدَهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يُسْلِمْ. (وَ) يُقْتَلُ (مُرْتَدٌّ بِذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ) ؛ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُمَا فِي الْكُفْرِ (وَلَوْ تَابَ) الْمُرْتَدُّ، وَقُبِلَتْ تَوْبَتُهُ؛ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ، لَا عَكْسَهُ (وَلَيْسَتْ تَوْبَتُهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَدِّ (بَعْدَ جَرْحِهِ) ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا، وَقَبْلَ مَوْتِهِ مَانِعَةً مِنْ قَوَدٍ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَيْسَتْ تَوْبَةُ مُرْتَدٍّ رَمَى ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا (بَيْنَ رَمْيٍ وَإِصَابَةٍ مَانِعَةً مِنْ قَوَدٍ فَيُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ بِهِمَا) ؛ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ. (وَ) يُقْتَلُ (قِنٌّ بِحُرٍّ وَبِقِنٍّ، وَلَوْ) كَانَ الْقِنُّ الْمَقْتُولُ (أَقَلَّ قِيمَةً مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ الْقَاتِلِ لَهُ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] ، وَتَسَاوِيهِمَا فِي النَّفْسِ، وَالرِّقِّ؛ وَلِأَنَّ زِيَادَةَ قِيمَةِ الْعَبْدِ إنَّمَا هِيَ فِي مُقَابَلَةِ الصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةِ فِي الْعَبْدِ، وَلَا أَثَرَ لَهَا فِي الْحُرِّ، فَإِنَّ الْجَمِيلَ يُؤْخَذُ بِالدَّمِيمِ، وَالْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ، فَإِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْحُرِّ فَالْعَبْدُ أَوْلَى (وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا مِكْتَابًا) أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِلتَّسَاوِي فِي النَّفْسِ، وَالرِّقِّ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا أَثَرَ (لِكَوْنِهِمَا) ؛ أَيْ: الْقَاتِلِ، وَالْمَقْتُولِ، وَالرَّقِيقَيْنِ مَمْلُوكَيْنِ (لِوَاحِدٍ) أَوْ لِأَكْثَرَ (أَوْ) كَوْنِ الرَّقِيقِ الْقَاتِلِ مِلْكًا (لِمُسْلِمٍ، وَ) كَوْنِ الْمَقْتُولِ (الْآخَرِ) مِلْكًا (لِذِمِّيٍّ) فَيُقْتَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُكَافِئُهُ، وَإِنْ تَفَاضَلَ السَّيِّدَانِ. (وَ) يُقْتَلُ (مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِمِثْلِهِ، وَبِأَكْثَرَ حُرِّيَّةً) مِنْهُ؛ بِأَنْ قَتَلَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ مَنْ ثُلُثَاهُ كَذَلِكَ، وَ (لَا) يُقْتَلُ (بِأَقَلَّ) حُرِّيَّةً مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ فَضَلَ بِمَا فِيهِ زَائِدًا مِنْ الْحُرِّيَّةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 (وَ) يُقْتَلُ (مُكَلَّفٌ بِغَيْرِ مُكَلَّفٍ) لِلتَّسَاوِي فِي النَّفْسِ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ (لَا عَكْسِهِ) فَلَا يُقْتَلُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَجْنُونٍ، وَنَحْوِهِ بِمُكَلَّفٍ. (وَ) يُقْتَلُ (ذَكَرٌ بِخُنْثَى وَبِأُنْثَى كَعَكْسِهِ) ؛ أَيْ: كَمَا يُقْتَلُ الْخُنْثَى وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ؛ لِلْمُسَاوَاةِ فِي النَّفْسِ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ، وَلَا يُعْطَى الذَّكَرُ نِصْفَ دِيَةٍ إذَا قُتِلَ بِالْأُنْثَى. (وَ) يُقْتَلُ (صَحِيحٌ بِمَرِيضٍ مَعْدُومِ الْحَوَاسِّ) مِنْ سَمْعٍ، وَبَصَرٍ وَشَمٍّ وَذَوْقٍ (مُجْدَعِ الْأَطْرَافِ) ؛ أَيْ: مَقْطُوعِهَا، وَالْقَاتِلُ صَحِيحٌ سَوِيُّ الْخَلْقِ. (وَ) يُقْتَلُ (غَنِيٌّ بِفَقِيرٍ، وَسُلْطَانٍ) ، وَنَحْوِهِ مِنْ الْعُمَّالِ (بِأَحَدِ رَعِيَّتِهِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ لِعُمُومِ الْآيَاتِ، وَالْأَخْبَارِ. [تَتِمَّةٌ قَتْلُ الْغِيلَةِ] تَتِمَّةٌ:، وَقَتْلُ الْغِيلَةِ - بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - وَهِيَ الْقَتْلُ عَلَى غِرَّةٍ كَاَلَّذِي يَخْدَعُ إنْسَانًا فَيُدْخِلُهُ بَيْتًا أَوْ نَحْوَهُ، وَغَيْرَهُ فَيَقْتُلُهُ وَيَأْخُذُ مَالَهُ وَغَيْرُهُ، سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ، وَالْعَفْوِ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَذَلِكَ مُفَوَّضٌ لِلْوَلِيِّ الْوَارِثِ لِلْمَقْتُولِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، دُونَ السُّلْطَانِ، فَلَيْسَ لَهُ قِصَاصٌ، وَلَا عَفْوٌ مَعَ وُجُودِ وَارِثٍ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] : «، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، لَهُ الْقِصَاصُ وَالْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ لَا مَجَّانًا. وَ (لَا) يُقْتَلُ (مُسْلِمٌ وَلَوْ ارْتَدَّ) بَعْدَ الْقَتْلِ (بِكَافِرٍ) كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُعَاوِيَةَ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَفِي لَفْظٍ: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَعَنْ عَلِيٍّ " مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، وَلَا مُسَاوَاةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ، وَالْعُمُومَاتُ مَخْصُوصَةٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ. وَحَدِيثِ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقَادَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ، وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ» رَوَاهُ ابْنُ السَّلْمَانِيِّ. قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ ضَعِيفٌ إذَا أُسْنِدَ، فَكَيْفَ إذَا أُرْسِلَ؟ . (وَلَا) يُقْتَلُ (حُرٌّ بِقَنٍّ) ؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرٌّ بِعَبْدٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ طَرَفُهُ بِطَرَفِهِ مَعَ التَّسَاوِي فِي السَّلَامَةِ؛ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ، وَالْعُمُومَاتُ مَخْصُوصَةٌ بِذَلِكَ (أَوْ) ؛ أَيْ:، وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ (بِمُبَعَّضٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ. (وَلَا) يُقْتَلُ (مُكَاتِبٌ بِقِنِّهِ، وَلَوْ) كَانَ عَبْدُ الْمُكَاتِبِ (ذَا رَحِمِهِ) كَأَخِيهِ وَنَحْوِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُنَوِّرِ " وَقَدَّمَهُ فِي " النَّظْمِ "؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ رَقَبَتِهِ أَشْبَهَ الْحُرَّ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ "؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يُقْتَلُ مُكَاتِبٌ بِعَبْدِهِ الْأَجْنَبِيِّ، وَيُقْتَلُ بِعَبْدِهِ ذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ انْتَهَى. (وَإِنْ انْتَقَضَ عَهْدُ ذِمِّيٍّ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ) حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ (فَقَتَلَ) حُرًّا (لِنَقْضِهِ) الْعَهْدَ لَا قِصَاصًا (فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْحُرِّ) إنْ كَانَ الْقَتِيلُ حُرًّا (أَوْ قِيمَةُ الْقِنِّ) إنْ كَانَ الْقَتِيلُ قِنًّا، كَمَا لَوْ قُتِلَ لِرِدَّةٍ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ؛ إذْ لَا مُسْقِطَ لِمُوجِبِ جِنَايَتِهِ. لَا يُقَالُ: هَذَا بِانْتِقَاضِ عَهْدِهِ صَارَ حَرْبِيًّا، وَالْحَرْبِيُّ لَا يَضْمَنُ الْمُسْلِمَ بِدِيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ حَرْبِيًّا تَأَخَّرَتْ عَنْ قَتْلِهِ الْمُسْلِمَ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ جِنَايَتِهِ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْهُ فِي حَالِ الذِّمَّةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ حَرْبِيًّا (وَإِنْ قَتَلَ) ذِمِّيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ ذِمِّيًّا، أَوْ جَرَحَ (ذِمِّيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ ذِمِّيًّا أَوْ) قَتَلَ أَوْ جَرَحَ (قِنٌّ قِنًّا فَأَسْلَمَ) الذِّمِّيُّ الْقَاتِلُ أَوْ الْجَارِحُ (أَوْ عَتَقَ) الْقِنُّ الْقَاتِلُ أَوْ الْجَارِحُ (وَلَوْ) كَانَ إسْلَامُهُ أَوْ عِتْقُهُ (قَبْلَ مَوْتِ مَجْرُوحٍ قُتِلَ بِهِ) نَصًّا؛ لِحُصُولِ الْجِنَايَةِ - بِالْجُرْحِ فِي حَالِ تَسَاوِيهِمَا (كَمَا لَوْ جُنَّ) قَاتِلٌ أَوْ جَارِحٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ. (وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا، أَوْ) جَرَحَ (حُرٌّ قِنًّا فَأَسْلَمَ) مَجْرُوحٌ (أَوْ عَتَقَ مَجْرُوحٌ ثُمَّ مَاتَ؛ فَلَا قَوَدَ) عَلَى جَارِحٍ (اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ، وَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْجَارِحِ (دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 اعْتِبَارًا بِحَالِ الزُّهُوقِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ؛ فَيُعْتَبَرُ الْأَرْشُ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْ إنْسَانٍ وَرِجْلَيْهِ وَسَرَى إلَى نَفْسِهِ؛ فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ (وَيَسْتَحِقُّ دِيَةَ مَنْ أَسْلَمَ) بَعْدَ الْجُرْحِ (وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ) ؛ لِمَوْتِهِ مُسْلِمًا (وَ) يَسْتَحِقُّ دِيَةَ (مَنْ عَتَقَ) بَعْدَ الْجُرْحِ سَيِّدُهُ، إنْ كَانَتْ قَدْرَ قِيمَتِهِ فَأَقَلَّ، إلَّا أَنْ تُجَاوِزَ الدِّيَةُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ جَاوَزَتْ الدِّيَةُ قِيمَتَهُ رَقِيقًا فَيَأْخُذُهَا (وَارِثُهُ يَدْفَعُ مِنْهَا قِيمَتَهُ لِسَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ (كَمَا لَمْ لَوْ يُعْتَقْ) ، وَمَا بَقِيَ لَهُ يَرِثُهُ عَنْهُ؛ لِحُصُولِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِيمَا حَصَلَ بِهَا، إلَّا أَنَّ السَّيِّدَ يَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرَقٌ مِنْ نَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ (وَلَوْ وَجَبَ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ قَوَدٌ) بِأَنْ كَانَتْ عَمْدًا مِنْ مُكَافِئٍ لَهُ (فَطَلَبُهُ) ؛ أَيْ: الْقَوَدَ (لِوَرَثَتِهِ) ؛ أَيْ الْعَتِيقِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ حُرًّا، فَإِنْ اقْتَصُّوا فَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ عَفَوْا عَلَى مَالٍ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ قِيمَتِهِ فَلِسَيِّدِهِ، وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَالزَّائِدُ لِوَرَثَتِهِ. (وَمَنْ جَرَحَ قِنٌّ نَفْسِهِ فَعَتَقَ) لِلتَّمْثِيلِ أَوْ إعْتَاقِهِ لَهُ أَوْ وُجُودِ صِفَةٍ عَلَّقَ عَلَيْهَا (ثُمَّ مَاتَ) الْعَتِيقُ (فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ؛ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ (وَعَلَيْهِ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ) ؛ أَيْ: الْعَتِيقِ، اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الزُّهُوقِ (وَيُسْقِطُ) السَّيِّدُ (مِنْهَا) أَيْ: الدِّيَةِ (أَرْشَ جَرْحِهِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ، وَجَبَ الزَّائِدُ عَنْ أَرْشِ جَرْحِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَاتِلٌ فَلَا يَرِثُ. . (وَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عَبْدًا فَلَمْ تَقَعْ بِهِ الرَّمْيَةُ حَتَّى عَتَقَ) الْمَرْمِيُّ (وَأَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْهَا) أَيْ: الرَّمْيَةِ (فَلَا قَوَدَ) عَلَى رَامِيهِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ وَقْتُ صُدُورِ الْفِعْلِ مِنْ الْجَانِي (وَلِوَرَثَتِهِ) أَيْ: الْمَرْمِيِّ (عَلَى رَامٍ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ) كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا حَالَ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْإِصَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ بَدَلٌ عَنْ الْمَحَلِّ؛ فَتُعْتَبَرُ حَالَةُ الْمَحَلِّ الَّذِي فَاتَ بِهَا؛ فَتَجِبُ بِقَدْرِهِ وَقَدْ فَاتَ بِهِ نَفْسُ مُسْلِمٍ حُرٍّ، وَالْقِصَاصُ جَزَاءٌ لِلْفِعْلِ؛ فَيُعْتَبَرُ الْفِعْلُ فِيهِ، وَالْإِصَابَةُ مَعًا؛ لِأَنَّهُمَا طَرَفَاهُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ. (وَلَوْ قَطَعَ حُرٌّ أَنْفَ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَانْدَمَلَ) الْجَرْحُ (ثُمَّ عَتَقَ) بِهِ الْعَبْدُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِتْقِ (أَوْ) قَطَعَ أَنْفِهِ ثُمَّ (عَتَقَ ثُمَّ انْدَمَلَ) فَقِيمَتُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 بِكَمَالِهَا لِلسَّيِّدِ، أَوْ قَطَعَ أَنْفِهِ (وَمَاتَ مِنْ سِرَايَةِ الْجُرْحِ) (فَقِيمَتُهُ) بِكَمَالِهَا (لِلسَّيِّدِ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْجِنَايَةِ كَانَ رَقِيقًا لَهُ، وَالْجِنَايَةُ يُرَاعَى فِيهَا حَالُ وُجُودِهَا. (وَإِنْ قَطَعَ) الْجَانِي (يَدَهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ (فَعَتَقَ) ؛ أَيْ: أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ (وَانْدَمَلَ) الْجُرْحُ (ثُمَّ) عَادَ الْجَانِي وَ (قَطَعَ رِجْلَهُ) وَانْدَمَلَ جُرْحُهُ أَيْضًا (فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لِسَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا كَانَ رَقِيقًا (وَفِي رِجْلِهِ الْقِصَاصُ) ؛ لِأَنَّهُ مُكَافِئٌ لَهُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا (وَنِصْفُ الدِّيَةِ) إنْ عَفَا الْعَتِيقُ عَنْ الْقِصَاصِ، وَيَكُونُ لَهُ لَا لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ. (وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الرِّجْلِ سَرَى لِنَفْسِهِ، فَفِي الْيَدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ) لِسَيِّدِهِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ (وَعَلَى قَاطِعِ رِجْلِهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ) لِلْمُكَافَأَةِ حَالَ الْجِنَايَةِ الَّتِي سَرَتْ (أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِوَرَثَتِهِ) ؛ أَيْ: الْعَتِيقِ نَسَبًا أَوْ وَلَاءً مَعَ الْعَفْوِ مِنْهُمْ عَنْ الْقِصَاصِ (وَلَوْ كَانَ انْدَمَلَ قَطْعُ الرِّجْلِ، فَسَرَى قَطْعُ الْيَدِ لِلنَّفْسِ؛ فَفِي الرِّجْلِ الْقِصَاصُ أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ لِوَرَثَتِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا قِصَاصَ فِي الْيَدِ، وَلَا فِي سِرَايَتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ قَطْعِهَا كَانَ رَقِيقًا؛ فَلَا مُكَافَأَةَ (وَعَلَى الْجَانِي لِسَيِّدِهِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِ الْقَطْعِ أَوْ دِيَةِ حُرٍّ) قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: وَمَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ بَعْدَ أَرْشِ الْقَطْعِ لِلْوَرَثَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ سَرَى الْجُرْحَانِ؛ فَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ، بَلْ يَجِبُ) الْقِصَاصُ (فِي الرِّجْلِ) ؛ لِوُجُودِ الْمُكَافَأَةِ حِينهَا، بِخِلَافِ الْيَدِ، وَالنَّفْسِ فَإِنْ اقْتَصَّ مِنْهُ فِي الرِّجْلِ وَجَبَ (مَعَ) ذَلِكَ (نِصْفُ الدِّيَةِ) لِقَطْعِ الرِّجْلِ (وَلِسَيِّدِهِ الْأَقَلُّ) ؛ أَيْ: أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ (مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ) عَبْدًا (أَوْ نِصْفِ دِيَةِ) حُرٍّ (وَمَعَ تَغَايُرِ الْقَاطِعَيْنِ) بِأَنْ كَانَ قَاطِعُ الْيَدِ غَيْرَ قَاطِعِ الرِّجْلِ (وَانْدَمَلَا؛ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ) ؛ أَيْ: فَعَلَى قَاطِعِ الْيَدِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ قِنُّهُ وَقْتَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَاطِعِ الرِّجْلِ الْقِصَاصُ فِيهَا أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ بِوَرَثَةِ الْعَتِيقِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ حِينَ قَطَعَ رِجْلَهُ (وَإِنْ سَرَيَا) ؛ أَيْ: الْجُرْحَانِ إلَى نَفْسِهِ (فَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ عَلَى الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ حَالَ الرِّقِّ؛ فَلَا مُكَافَأَةَ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ؛ اعْتِبَارًا بِحَالِ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ كَمَا مَرَّ، (بَلْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 الْقِصَاصُ عَلَى (الثَّانِي) فِي النَّفْسِ؛ لِمُكَافَأَتِهِ لَهُ حَالَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ تَعَمَّدَا؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ فِي الْقَتْلِ عَمْدًا عُدْوَانًا كَشَرِيكِ أَبٍ. (وَقَالِعُ عَيْنِ عَبْدٍ فَعَتَقَ) الْعَبْدُ (ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ يَدَهُ ثُمَّ آخَرُ رِجْلَهُ) فَلَا قَوَدَ عَلَى الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ انْدَمَلَ جُرْحُهُ، أَوْ سَرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُكَافِئًا لَهُ حِينَ الْجِنَايَةِ (وَ) سَوَاءٌ (سَرَتْ) الْجِرَاحَاتُ (كُلُّهَا أَوْ لَا، فَالْقِصَاصُ) فِي النَّفْسِ (عَلَى الْأَخِيرَيْنِ) ؛ أَيْ: قَاطِعِ الْيَدِ، وَقَاطِعِ الرِّجْلِ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْأَوَّلِ لِلْمُكَافَأَةِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُمَا عَلَى حُرٍّ (وَإِنْ اُخْتِيرَتْ الدِّيَةُ فَهِيَ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسِرَايَةِ جِرَاحَاتِهِمْ (وَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نِصْفِ قِيمَةِ) الْعَبْدِ، كَقَلْعِ عَيْنِهِ (أَوْ ثُلُثِ دِيَةِ) حُرٍّ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ (وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الثَّالِثَةُ فَقَطْ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ) ، وَالْجِنَايَتَانِ كَانَتَا فِي حَالِ الرِّقِّ، وَمَاتَ الْعَتِيقُ؛ (فَ) عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ أَثْلَاثًا، وَ (لَهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ) الْجِنَايَتَيْنِ (أَوْ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ) ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. . (وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ فَعَتَقَ، ثُمَّ) قَطَعَ (آخَرُ رِجْلَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ الْأَوَّلُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ؛ قُتِلَ) الْأَوَّلُ قِصَاصًا (لِوَرَثَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، (وَ) عَلَيْهِ (لِسَيِّدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ) لِقَطْعِ يَدِهِ (وَعَلَى الْآخَرِ قَطْعُ رِجْلِهِ) قِصَاصًا (أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِلْوَرَثَةِ (وَ) إنْ كَانَ قَتَلَهُ (قَبْلَ الِانْدِمَالِ) فَعَلَى الْجَانِي الْأَوَّلِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ؛ لِمُكَافَأَتِهِ لَهُ حِينَ قَتَلَهُ دُونَ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ قَطْعَهَا فِي رِقِّهِ (وَ) إذَا (اقْتَصَّ الْوَرَثَةُ سَقَطَ حَقُّ السَّيِّدِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ النَّفْسَ، وَأَرْشَ الطَّرَفِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ؛ فَإِنَّ الطَّرَفَ دَاخِلٌ فِي النَّفْسِ فِي الْأَرْشِ (وَإِنْ أَخَذُوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ (الدِّيَةَ فَلِسَيِّدِهِ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ قِيمَةِ) الْعَبْدِ (أَوْ أَرْشِ طَرَفِهِ) ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَعَلَى الثَّانِي قَطْعُ رِجْلِهِ) قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُ مُكَافِئٌ لَهُ حَالَ الْجِنَايَةِ، وَعَلَيْهِ مَعَ الْعَفْوِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِقَطْعِ الرِّجْلِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاطِعُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ؛ لِمُكَافَأَتِهِ لَهُ حِينَ الْقَتْلِ، وَمَعَ الْعَفْوِ نِصْفُ دِيَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ كَانَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي الرِّجْلِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 وَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَافِئْهُ حِينَ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ثَالِثًا فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْقَطْعَانِ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الثَّالِثِ لَهُ قَطَعَ سِرَايَتَهُمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ جَنَى حِينَ كَانَ رَقِيقًا، وَعَلَى الثَّانِي الْقِصَاصُ فِي الرِّجْلِ (أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِوَرَثَتِهِ، وَعَلَى الثَّالِثِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ أَوْ الدِّيَةِ مَعَ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ جِنَايَتِهِمَا. (وَمَنْ قَتَلَ مَنْ يَعْرِفُهُ أَوْ يَظُنُّهُ كَافِرًا) غَيْرَ حَرْبِيٍّ؛ إذْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ مَنْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَبَانَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ (أَوْ قِنًّا؛ أَوْ) قَتَلَ مَنْ يَظُنُّهُ (قَاتِلَ أَبِيهِ، فَبَانَ تَغَيُّرُ حَالِهِ) بِأَنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ، أَوْ عَتَقَ الْقِنُّ، (أَوْ) تَبَيَّنَ (خِلَافُ ظَنِّهِ) بِأَنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ قَاتِلِ أَبِيهِ (فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ؛ لِقَتْلِهِ مَنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا مَحْضًا بِغَيْرِ حَقٍّ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَ بِحَالِهِ. [فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الْقِصَاص كَوْنُ الْمَقْتُولِ لَيْسَ بِوَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ لِقَاتِلٍ] فَصْلٌ (الشَّرْطُ الرَّابِعُ: كَوْنُ مَقْتُولٍ لَيْسَ بِوَلَدٍ، وَإِنْ سَفَلَ) لِقَاتِلٍ (وَلَا بِوَلَدِ بِنْتٍ، وَإِنْ سَفَلَتْ لِقَاتِلٍ؛ فَيُقْتَلُ وَلَدٌ بِأَبٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَجَدَّةٍ) ؛ أَيْ: بِقَتْلِهِ وَاحِدًا مِنْ أُصُولِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ قَتِيلٍ، فَخُصَّ مِنْهُ صُورَتَانِ بِالنَّصِّ، وَبَقِيَ مَا عَدَاهُمَا وَ (لَا) يُقْتَلُ (أَحَدُهُمْ) ؛ أَيْ: الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ، وَإِنْ عَلَا (بِمَنْ يُنْسَبُ بِهِ) ؛ أَيْ: بِالْوَلَدِ، وَوَلَدِ الْبِنْتِ، وَإِنْ سَفَلَا؛ لِحَدِيثِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَرَوَى النَّسَائِيّ حَدِيثَ عُمَرَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 هُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ مُسْتَفِيضٌ عِنْدَهُمْ يُسْتَغْنَى بِشُهْرَتِهِ وَقَبُولِهِ، وَالْعَمَلِ بِهِ عَنْ الْإِسْنَادِ، حَتَّى يَكُونَ الْإِسْنَادُ فِي مِثْلِهِ مَعَ شُهْرَتِهِ تَكَلُّفًا وَلِأَنَّهُ سَبَبُ إيجَادِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّطَ بِسَبَبِهِ عَلَى إعْدَامِهِ. (وَلَوْ أَنَّهُ) أَيْ: الْوَلَدَ أَوْ وَلَدَ الْبِنْتِ وَإِنْ سَفَلَ (حُرٌّ مُسْلِمٌ وَالْقَاتِلُ) لَهُ مِنْ آبَائِهِ أَوْ أُمَّهَاتِهِ، وَإِنْ عَلَوْا (كَافِرٌ قِنٌّ) ؛ لِانْتِفَاءِ الْقِصَاصِ لِشَرَفِ الْأُبُوَّةِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ حَالٍ (وَيُؤْخَذُ حُرٌّ) مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَجَدَّةٍ قَتَلَ وَلَدَهُ، وَإِنْ سَفَلَ (بِالدِّيَةِ) أَيْ: دِيَةِ الْمَقْتُولِ كَمَا تَجِبُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فِي مَالِهِ، قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَكَذَا لَوْ جَنَى عَلَى طَرَفِهِ لَزِمَتْهُ دِيَتُهُ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ قَتَادَةَ الْمُدْلِجِيِّ دِيَةَ ابْنِهِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَالْحُرِّيَّةِ كَاتِّفَاقِهِمَا، وَلَوْ قَتَلَ الْكَافِرُ، وَلَدَهُ الْمُسْلِمَ أَوْ الْعَبْدُ وَلَدَهُ الْحُرَّ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ؛ لِشَرَفِ الْأُبُوَّةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ زِنًا فَيُقْتَلُ الْوَالِدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدٍ حَقِيقَةً (وَمَنْ) تَدَاعَيَا نَسَبَ صَغِيرٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ ثُمَّ (قَتَلَاهُ قَبْلَ إلْحَاقِ الْقَافَةِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ ابْنَهُمَا. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ قَتَلَاهُ؛ لَمْ يُقْتَلْ أَبُوهُ وَقُتِلَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَإِنْ رَجَعَا عَنْ الدَّعْوَى لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُمَا عَنْ إقْرَارِهِمَا، كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ وَاحِدٌ فَأُلْحِقَ بِهِ ثُمَّ جَحَدَهُ. وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ دَعْوَاهُ؛ صَحَّ رُجُوعُهُ، وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْآخَرِ؛ لِزَوَالِ الْمُعَارِضِ، وَيَثْبُتُ الْقِصَاصُ عَنْ الَّذِي لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّهُ أَبٌ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الرَّاجِعِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ. وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا، وَلَهُمَا شُبْهَةٌ فِي وَطْئِهَا، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجًا أَوْ سَيِّدًا، وَالْآخَرُ بِشُبْهَةٍ، فَقَتَلَاهُ قَبْلَ إلْحَاقِهِ بِأَحَدِهِمَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ، وَإِنْ نَفَيَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 نَسَبَهُ لَمْ يَنْتَفِ إلَّا بِاللِّعَانِ بِشُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِهِ، وَإِنْ نَفَاهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَنْتَفِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ بِالْفِرَاشِ؛ فَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا رَجَعَ هُنَا لَحِقَ الْآخَرَ، وَأَيْضًا ثُبُوتُهُ هُنَاكَ بِالِاعْتِرَافِ فَيَسْقُطُ بِالْجَحْدِ، وَهَا هُنَا بِالِاشْتِرَاكِ فَلَا يَنْتَفِي بِالْجَحْدِ. (وَمَتَى وَرِثَ قَاتِلٌ) بَعْضَ دَمِهِ بِوُجُودِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْتُولِ (أَوْ) وَرِثَ (وَلَدُهُ) أَيْ: الْقَاتِلِ (بَعْضَ دَمِهِ) أَيْ: الْمَقْتُولِ (فَلَا قَوَدَ) عَلَى قَاتِلٍ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُهُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا لِوَلَدِهِ عَلَيْهِ (فَلَوْ قَتَلَ) شَخْصٌ (زَوْجَتَهُ، فَوَرِثَهَا وَلَدُهُمَا) أَيْ: وَلَدُهَا مِنْهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ لِلْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ، فَلَأَنْ لَا يَجِبَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، أَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَارِثٌ سِوَاهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ بَعْضُهُ سَقَطَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ (أَوْ قَتَلَ أَخَاهَا) ؛ أَيْ: زَوْجَتِهِ (فَوَرِثَتْهُ ثُمَّ مَاتَتْ) الزَّوْجَةُ (فَوَرِثَهَا الْقَاتِلُ) أَيْ: وَرِثَ مِنْهَا بِالزَّوْجِيَّةِ، (أَوْ) ، وَرِثَهَا (وَلَدُهُ؛ سَقَطَ) الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ لَا، وَكَذَا لَوْ قَتَلَتْ أَخَا زَوْجِهَا، فَوَرِثَهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا فَوَرِثَتْهُ هِيَ أَوْ وَلَدُهَا. (وَمَنْ قَتَلَ أَبَاهُ) فَوَرِثَهُ أَخَوَيْهِ (أَوْ) قَتَلَ (أَخَاهُ فَوَرِثَهُ أَخَوَيْهِ ثُمَّ قَتَلَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الْأَخَوَيْنِ (صَاحِبَهُ؛ سَقَطَ الْقَوَدُ عَنْ) الْقَاتِلِ (الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ بِهِ بَعْضَ دَمِ نَفْسِهِ) لِأَنَّ أَخَوَيْهِ يَسْتَحِقَّانِ دَمَ أَبِيهِمَا أَوْ أَخِيهِمَا، فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَرِثَ الْقَاتِلُ الْأَوَّلُ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ؛ لِأَنَّهُ أَخُوهُ، فَعَلَى هَذَا يَسْتَحِقُّ نِصْفَ دَمِهِ؛ لِأَنَّ دَمَ الْأَبِ أَوْ الْأَخِ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ نِصْفَيْنِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ الْمَقْتُولَ. (وَإِنْ قَتَلَ أَحَدُ ابْنَيْنِ أَبَاهُ، وَهُوَ زَوْجٌ لِأُمِّهِ) حِينَ قَتَلَ الْأَبَ (ثُمَّ قَتَلَ) الِابْنُ (الْآخَرُ أُمَّهُ فَلَا قَوَدَ عَلَى) الِابْنِ (قَاتِلِ أَبِيهِ، لِإِرْثِهِ ثَمَنَ أُمِّهِ) لِأَنَّ الْأُمّ وَرِثَتْ مِنْ زَوْجِهَا الثُّمُنَ، فَانْتَقَلَ كُلُّهُ إلَى ابْنِهَا قَاتِلِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ قَاتِلَهَا لَا يَرِثُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 مِنْهُ شَيْئًا لِلْقَتْلِ فَقَدْ وَرِثَ قَاتِلُ الْأَبِ ثَمَنَ دَمِ الْمَقْتُولِ، فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ يَسْتَحِقُّ بَعْضَ دَمِ الْأَبِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ (وَعَلَيْهِ سَبْعَةُ أَثْمَانِ دِيَتِهِ) ؛ أَيْ: أَبِيهِ (لِأَخِيهِ) قَاتِلِ أُمِّهِ (وَلَهُ) أَيْ: قَاتِلِ الْأَبِ (قَتْلُهُ) أَيْ: أَخِيهِ بِأُمِّهِ (وَيَرِثُهُ) حَيْثُ لَا حَاجِبَ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ فَلَا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ إلَى الدِّيَةِ تَقَاصَّا بِمَا بَيْنَهُمَا، وَمَا فَضَلَ لِأَحَدِهِمَا أَخَذَهُ (وَعَلَيْهِمَا) أَيْ: الْقَاتِلَيْنِ (مَعَ عَدَمِ زَوْجِيَّةِ) أَبِيهِمَا لِأُمِّهِمَا (الْقَوَدُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَرِثَ قَتْلَ أَخِيهِ وَحْدَهُ دُونَ قَاتِلِهِ، فَإِنْ تَشَاحَّا فِي الْمُبْتَدِئِ مِنْهُمَا بِالْقَتْلِ، احْتَمَلَ أَنْ يُبْدَأَ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، أَوْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، قَدَّمَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي (وَأْيُهُمَا بَادَرَ وَقَتَلَ أَخَاهُ سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ؛ لِإِرْثِهِ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ ابْنٌ) أَوْ ابْنُ ابْنٍ (فَإِنْ كَانَ) لَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنُ ابْنٍ فَالْأَخُ مَحْجُوبٌ بِهِ (فَلَهُ) أَيْ: الِابْنِ أَوْ ابْنِ الِابْنِ (قَتْلُ عَمِّهِ، وَيَرِثُهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِحَقٍّ لَا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ عَفَا أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، ثُمَّ قَتَلَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ الْعَافِيَ وَرِثَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ، وَسَقَطَ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ؛ إذْ لَا يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ تَعَافَيَا جَمِيعًا عَلَى الدِّيَةِ تَقَاصَّا بِمَا اسْتَوَيَا فِيهِ؛ فَيَسْقُطُ مِنْ دِيَةِ الْأَبِ بِقَدْرِ دِيَةِ الْأُمِّ وَيَجِبُ لِقَاتِلِ الْأُمِّ الْفَضْلُ عَلَى قَاتِلِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ دِيَتَهَا نِصْفُ دِيَةِ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا بِنْتٌ، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ؛ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ نِصْفَ مِيرَاثِ أَخِيهِ وَنِصْفَ قِصَاصِ نَفْسِهِ؛ فَوَرِثَ مَالَ أَبِيهِ الَّذِي قَتَلَهُ أَخُوهُ أَوْ مَالَ أُمِّهِ الَّتِي قَتَلَهَا أَخُوهُ، وَوَرِثَ نِصْفَ مَالِ أَخِيهِ، وَنِصْفَ مَالِ أَبِيهِ الَّذِي قَتَلَهُ هُوَ، وَوَرِثَتْ الْبِنْتُ الَّتِي قُتِلَ أَبُوهَا نِصْفَ مَالِ أَبِيهَا، وَنِصْفَ مَالِ جَدِّهَا الَّذِي قَتَلَهُ عَمُّهَا، وَلَهَا عَلَى عَمِّهَا نِصْفُ دِيَةِ قَتِيلِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 (وَإِذَا كَانَ أَرْبَعَةُ إخْوَةٍ، فَقَتَلَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ وَ) قَتَلَ (الثَّالِثُ الرَّابِعَ، فَالْقَوَدُ عَلَى الثَّالِثِ) دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِإِرْثِهِ نِصْفَ دَمِهِ عَنْ الرَّابِعِ (وَوَجَبَ لَهُ) أَيْ: الثَّالِثِ (نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الْأَوَّلِ) لِقَتْلِهِ أَخَاهُ ضَرُورَةَ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ (وَلِلْأَوَّلِ قَتْلُهُ) أَيْ: الثَّالِثِ بِأَخِيهِ الرَّابِعِ (وَ) إذَا قَتَلَهُ فَإِنَّهُ (يَرِثُهُ) ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ بِحَقٍّ وَيَرِثُ مَا يَرِثُهُ مِنْ أَخِيهِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَتِهِ، فَإِنْ عَفَا الْأَوَّلُ عَنْ الثَّالِثِ إلَى الدِّيَةِ، وَجَبَتْ عَلَى الثَّالِثِ بِكَمَالِهَا؛ يُقَاصُّهُ بِنِصْفِهَا الَّذِي وَرِثَهُ مِنْ الثَّانِي، وَيُعْطِيهِ نِصْفَهَا، وَإِنْ كَانَ لِلْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَرَثَةٌ تَحْجُبُ الْآخَرَ أَوْ لَا بِتَفْصِيلِهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. (وَمَنْ قَتَلَ مَنْ لَا يُعْرَفُ) بِإِسْلَامٍ وَلَا حُرِّيَّةٍ، (أَوْ) قَتَلَ (مَلْفُوفًا) لَا يُعْلَمُ مَوْتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ (وَادَّعَى) قَاتِلٌ (كُفْرَهُ) أَيْ: مَنْ لَمْ يُعْرَفْ (أَوْ) ادَّعَى (رِقَّهُ) وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ؛ فَالْقَوَدُ وَيَحْلِفُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، وَالرِّقُّ طَارِئٌ. (أَوْ) ادَّعَى قَاتِلُ مَلْفُوفٍ (مَوْتَهُ) أَيْ: الْمَلْفُوفِ (أَوْ) ادَّعَى قَاتِلٌ (إهْدَارَ دَمِهِ) أَيْ: الْمَقْتُولِ (وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ) فَالْقَوَدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَيَاةُ لَوْ قَطَعَ طَرَفَ إنْسَانٍ، وَادَّعَى شَلَلَهُ، أَوْ قَلَعَ عَيْنًا وَادَّعَى عَمَاهَا، أَوْ قَطَعَ سَاعِدًا، وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفٌّ، أَوْ سَاقًا وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدَمٌ، وَأَنْكَرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ؛ وَجَبَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ. (أَوْ) قَتَلَ مُكَلَّفٌ (شَخْصًا فِي دَارِهِ وَادَّعَى) الْقَاتِلُ (أَنَّهُ دَخَلَ لِقَتْلِهِ أَوْ أَخْذِ مَالَهُ) أَوْ يُكَابِرُهُ عَلَى أَهْلِهِ (وَيَتَّجِهُ وَلَا قَرِينَةَ تُصَدِّقُهُ) أَيْ: تُصَدِّقُ مُدَّعِيًا شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ، بِأَنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مَوْصُوفًا بِالْعَدَالَةِ أَوْ مَسْتُورَ الْحَالِ بِأَنْ لَمْ يُعْهَدْ فِيهِ وُقُوعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، أَمَّا إذَا قَامَتْ قَرَائِنُ مِنْ حَالِ الْمَقْتُولِ عَلَى صِدْقِ قَاتِلِهِ كَكَوْنِ الْمَقْتُولِ مِنْ أَهْلِ الْفُجُورِ أَوْ الْفُسَّاقِ الَّذِينَ لَا يُبَالُونَ بِالِارْتِكَابَاتِ الْقَبِيحَةِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا؛ فَلَا مَانِعَ مِنْ دَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ، وَإِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 هَذَا مَيْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ) أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ (وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ) فَالْقَوَدُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ فَإِنْ اعْتَرَفَ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ فَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلٍ وَلَا دِيَةَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا يَتَغَدَّى إذْ جَاءَ رَجُلٌ يَعْدُو وَفِي يَدِهِ سَيْفٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ، وَوَرَاءَهُ قَوْمٌ يَعْدُونَ خَلْفَهُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ مَعَ عُمَرَ فَجَاءَ الْآخَرُونَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ هَذَا قَتَلَ صَاحِبَنَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي ضَرَبْتُ فَخِذَيْ امْرَأَتِي فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ فَقَدْ قَتَلْته، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَقُولُونَ؟ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ ضَرَبَ بِالسَّيْفِ فَوَقَعَ فِي وَسَطِ الرَّجُلِ وَفَخِذَيْ الْمَرْأَةِ، فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ فَهَزَّهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَقَالَ: إنْ عَادُوا فَعُدْ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَلِأَنَّ الْخَصْمَ اعْتَرَفَ بِمَا يُبِيحُ قَتْلَهُ، فَسَقَطَ حَقُّهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ قِصَاصًا أَوْ فِي حَدٍّ يُوجِبُ قَتْلَهُ، وَإِنْ ثَبَتَ بَيِّنَةٌ فَكَذَلِكَ. (أَوْ تَجَارَحَ اثْنَانِ، وَادَّعَى كُلٌّ) مِنْهُمَا (الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ؛ فَالْقَوَدُ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِشَرْطِهِ (أَوْ الدِّيَةُ) إنْ لَمْ يَجِبْ قَوَدٌ أَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّهُ (وَيُصَدَّقُ مُنْكِرٌ) مِنْهُمَا (بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ (وَمَتَى صَدَّقَ الْوَلِيُّ) دَعْوَى شَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ (فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ. (وَلَهُ قَتْلُ مَنْ وَجَدَهُ يَفْجُرُ بِأَهْلِهِ) ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ (لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ) أَيْ: الْفَاجِرِ (مُحْصَنًا أَوْ لَا) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ (وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ عُقُوبَةٌ عَلَى فِعْلِهِ، وَإِلَّا لَاعْتُبِرَتْ شُرُوطُ الْحَدِّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 (وَإِنْ اجْتَمَعَ قَوْمٌ بِمَحَلٍّ فَقَتَلَ) بَعْضٌ بَعْضًا (وَجَرَحَ بَعْضٌ) مِنْهُمْ (بَعْضًا، وَجُهِلَ الْحَالُ) بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ وَلَا الْجَارِحُ (فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَجْرُوحِينَ دِيَةُ الْقَتْلَى) مِنْهُمْ (يَسْقُطُ مِنْهَا) أَيْ: الدِّيَةِ (أَرْشُ الْجِرَاحِ) قَضَى بِهِ عَلِيٌّ رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَيُشَارِكُ مَنْ لَيْسَ بِهِ جُرْحٌ الْمَجْرُوحِينَ فِي دِيَةِ الْقَتْلَى) اخْتَارَهُ فِي " التَّصْحِيحِ الْكَبِيرِ " وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَظَاهِرُ " الْمُنْتَهَى " أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِهِ جُرْحٌ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى ذَلِكَ. (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ، فَقَالَ: إنَّمَا قَتَلَهُ زَيْدٌ فَصَدَّقَهُ زَيْدٌ) بِأَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ (أُخِذَ) زَيْدٌ (بِهِ) نَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَخَاهُ، فَقَدَّمَهُ إلَى السُّلْطَانِ، فَقَالَ: إنَّمَا قَتَلَهُ فُلَانٌ فَقَالَ: فُلَانٌ: صَدَقَ أَنَا قَتَلْته؛ فَإِنَّ هَذَا الْمُقِرَّ بِالْقَتْلِ يُؤْخَذُ بِهِ. قُلْت: أَلَيْسَ قَدْ ادَّعَى عَلَى الْأَوَّلِ؟ قَالَ: إنَّمَا هَذَا بِالظَّنِّ، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يُؤْخَذُ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ. [بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ] (اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ) فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا. قَالَ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ يَمْنَعُ مَنْ يُرِيدُ الْقَتْلَ مِنْهُ شَفَقَةً عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْقَتْلِ، فَتَبْقَى الْحَيَاةُ فِيمَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ، وَقِيلَ: إنَّ الْقَاتِلَ تَنْعَقِدُ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَبِيلَةِ الْمَقْتُولِ، فَيُرِيدُ قَتْلَهُمْ خَوْفًا مِنْهُمْ، وَيُرِيدُونَ قَتْلَهُ وَقَتْلَ قَبِيلَتِهِ، فَفِي الِاقْتِصَاصِ مِنْهُمْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ قَطْعُ تَسَبُّبِ الْهَلَاكِ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 (وَهُوَ) أَيْ: اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ (فِعْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ) فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (أَوْ) فِعْلُ (وَلِيِّهِ) إنْ كَانَتْ فِي النَّفْسِ (بِجَانٍ مِثْلَ فِعْلِهِ) أَيْ: الْجَانِي (أَوْ شِبْهِهِ) كَأَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ بِسُمٍّ أَوْ مُثْقَلٍ أَوْ تَجْرِيعِ خَمْرٍ، فَإِذَا اسْتَوْفَى مِنْهُ بِالسَّيْفِ يَكُونُ ذَلِكَ شِبْهَ فِعْلِ الْجَانِي، وَيَأْتِي مُفَصَّلًا. (، وَشُرُوطُهُ) أَيْ: اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ (ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا: تَكْلِيفُ مُسْتَحِقٍّ) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِيفَاءِ. وَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ؛ لِمَا يَأْتِي (وَمَعَ صِغَرِهِ) أَيْ: مُسْتَحِقٍّ (أَوْ جُنُونِهِ؛ يُحْبَسُ جَانٍ بِهِ لِبُلُوغِ) صَغِيرٍ يَسْتَحِقُّهُ (أَوْ) إلَى (إفَاقَةِ) مَجْنُونٍ يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ حَبَسَ هُدْبَةَ بْنَ خَشْرَمَ فِي قِصَاصٍ حَتَّى بَلَغَ ابْنُ الْقَتِيلِ، وَكَانَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ. وَبَذَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ لِابْنِ الْقَتِيلِ سَبْعَ دِيَاتٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا؛ وَلِأَنَّ فِي تَخْلِيَتِهِ تَضْيِيعًا لِلْحَقِّ، إذْ لَا يُؤْمَنُ هَرَبُهُ، وَأَمَّا الْمُعْسِرُ بِالدَّيْنِ فَلَا يُحْبَسُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ هُنَا، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ لِقُصُورِ الْمُسْتَوْفِي، وَأَيْضًا الْمُعْسِرُ إذَا حُبِسَ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْكَسْبُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ، فَحَبْسُهُ يَضُرُّ الْجَانِبَيْنِ، وَهُنَا الْحَقُّ هُوَ نَفْسُهُ فَيَفُوتُ بِالتَّخْلِيَةِ. (وَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ) أَيْ: الْقِصَاصِ (لَهُمَا) أَيْ: الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (أَبٌ كَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ) إذْ لَا يَحْصُلُ بِاسْتِيفَائِهِمْ التَّشَفِّي لِلْمُسْتَحِقِّ لَهُ، فَتَفُوتُ حِكْمَةُ الْقِصَاصِ (فَإِنْ احْتَاجَا) أَيْ: الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ (لِنَفَقَةٍ فَلِوَلِيِّ مَجْنُونٍ) الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا حَدَّ لَهُ يَنْتَهِي إلَيْهِ (لَا) ، وَلِيُّ (صَغِيرٍ) فَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ إلَى الدِّيَةِ مُسْقِطٌ لِلْقِصَاصِ، وَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ قِصَاصِهِ (غَيْرُ لَقِيطٍ) صَغِيرٍ مُحْتَاجٍ لِلنَّفَقَةِ؛ فَيَلْزَمُ الْإِمَامَ (الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ) قَالَ فِي بَابِ اللَّقِيطِ: وَإِنْ قُطِعَ طَرَفُهُ عَمْدًا انْتَظَرَ بُلُوغَهُ وَرُشْدَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرٌ فَيَلْزَمُ الْإِمَامَ الْعَفْوُ عَلَى مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ؛ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْإِنْفَاقِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " عَنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَجْنُونِ وَالْعَاقِلِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ "، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ اللَّقِيطَ لَوْ كَانَ مَجْنُونًا غَنِيًّا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ، بَلْ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ (وَإِنْ قَتَلَا) أَيْ: الصَّغِيرُ، وَالْمَجْنُونُ (قَاتِلَ مُوَرِّثِهِمَا، أَوْ قَطَعَا قَاطِعَهُمَا قَهْرًا) أَيْ: بِلَا إذْنِ جَانٍ (سَقَطَ حَقُّهُمَا) ؛ لِاسْتِيفَائِهِمَا مَا وَجَبَ لَهُمَا، كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَالٌ لَهُمَا، فَأَخَذَاهُ مِنْهُ قَهْرًا فَأَتْلَفَاهُ وَ (كَمَا لَوْ اقْتَصَّا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ دِيَتَهُ كَعَبْدٍ) فَيَسْقُطُ حَقُّهُمَا وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ دِيَتِهِ عَلَى أَحَدٍ. الشَّرْطُ (الثَّانِي: اتِّفَاقُ الْمُشْتَرَكِينَ فِيهِ) أَيْ: الْقِصَاصِ (عَلَى اسْتِيفَائِهِ) فَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ اسْتِيفَاؤُهُ بِدُونِ إذْنِ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ أَشْبَهَ الدَّيْنَ (وَيُنْتَظَرُ قُدُومُ) ، وَارِثٍ (غَائِبٍ، وَبُلُوغُ) ، وَارِثٍ صَغِيرٍ (وَإِفَاقَةُ) ، وَارِثٍ مَجْنُونٍ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحْبَسُ الْجَانِي لِذَلِكَ، لِأَنَّ فِيهِ حَظًّا لِلْجَانِي بِتَأْخِيرِ الْجِنَايَةِ عَنْهُ، وَحَظًّا لِلْمُسْتَحِقِّ بِإِيصَالِهِ إلَى حَقِّهِ. وَحَيْثُ وَجَبَ الِانْتِظَارُ (فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ) أَيْ: الْقِصَاصِ (بَعْضُهُمْ) (كَ) مَا يَمْتَنِعُ عَلَى بَعْضِهِمْ الِانْفِرَادُ بِأَخْذِ (دِيَةٍ) ، وَجَبَتْ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْقِصَاصِ (وَكَقِنٍّ مُشْتَرَكٍ) قَتَلَ فَلَا يَنْفَرِدُ؛ بَعْضُهُمْ بِقَتْلِ قَاتِلِهِ الْمُكَافِئِ لَهُ (بِخِلَافِ) قَتْلٍ فِي (مُحَارَبَةٍ) فَلَا يُشْتَرَطُ فِي قَتْلِ قَاطِعِ طَرِيقٍ قُتِلَ اتِّفَاقُ أَوْلِيَاءِ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَيْهِمْ (لِتَحَتُّمِهِ) أَيْ: تَحَتُّمِ قَتْلِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (وَ) بِخِلَافِ (حَدِّ قَذْفٍ) فَيُقَامُ إذَا طَلَبَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ حَيْثُ يُورَثُ بِأَنْ طَالَبَ بِهِ الْمُوَرِّثُ فِي حَيَاتِهِ (لِوُجُوبِهِ) أَيْ: حَدِّ الْقَذْفِ (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْوَرَثَةِ إذَا طَلَبَهُ (كَامِلًا) ، وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَسْتَوْفِي الْإِمَامُ الْقِصَاصَ فِيهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ لَا بِحُكْمِ الْإِرْثِ، وَإِنَّمَا قَتَلَ الْحَسَنُ ابْنَ مَلْجَمٍ كُفْرًا؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ كَافِرًا، وَقِيلَ لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْتَظِرْ الْحَسَنُ غَائِبًا مِنْ الْوَرَثَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 (وَمَنْ مَاتَ) مِنْ وَرَثَةِ مَقْتُولٍ (فَوَارِثُهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ (كَهُوَ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ فَانْتَقَلَ إلَى وَارِثِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَمَتَى انْفَرَدَ بِهِ) أَيْ: الْقِصَاصِ (مَنْ مُنِعَ) مِنْ الِانْفِرَادِ بِهِ (عُزِّرَ فَقَطْ) لِافْتِئَاتِهِ بِالِانْفِرَادِ، وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَمُنِعَ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ؛ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى وَقَعَ نَصِيبُهُ قِصَاصًا، وَبَقِيَّةُ الْجِنَايَةِ عَلَى بَعْضِ النَّفْسِ فَيَتَعَذَّرُ فِيهِ الْقِصَاصُ؛ لِامْتِنَاعِ الْمُمَاثَلَةِ، فَوَجَبَ سُقُوطُهُ لِذَلِكَ. (وَلِشَرِيكِ) مُقْتَصٍّ (فِي تَرِكَةِ جَانٍ حَقُّهُ) أَيْ: الَّذِي لَمْ يَقْتَصَّ (مِنْ الدِّيَةِ) بِقِسْطِهِ مِنْهَا (وَيَرْجِعُ وَارِثُ جَانٍ عَلَى مُقْتَصٍّ بِمَا فَوْقَ حَقِّهِ) مِنْ الدِّيَةِ (فَ) لَوْ كَانَ الْجَانِي أَقَلَّ دِيَةً مِنْ قَاتِلِهِ كَ (امْرَأَةٍ قَتَلَتْ رَجُلًا لَهُ ابْنَانِ، فَقَتَلَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ فَلِلْآخَرِ) الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ (نِصْفُ دِيَةِ أَبِيهِ فِي تَرِكَةِ الْمَرْأَةِ) الْقَاتِلَةِ، كَمَا لَوْ أَتَتْ (وَيَرْجِعُ، وَرَثَتُهَا بِنِصْفِ دِيَتِهَا عَلَى قَاتِلِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سِوَى نِصْفَ دَمِهَا، وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ (وَهُوَ) أَيْ: نِصْفُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ (رُبُعُ دِيَةِ الرَّجُلِ) لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ (وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ) أَيْ: الْوَرَثَةِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَكَانَ مُكَلَّفًا (وَلَوْ) كَانَ الْعَافِي (زَوْجَةً أَوْ زَوْجًا أَوْ ذَا رَحِمٍ أَوْ شَهِدَ) بَعْضُ الْوَرَثَةِ (وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ؛، وَيَتَّجِهُ: أَوْ أَقَرَّ) بِعَفْوِ شَرِيكِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَّجِهًا لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعَفْوِ بِقَوْلِهِ: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] لَكِنَّهُ لَا قَائِلَ بِهِ فِيمَا عَلِمْت، بَلْ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ، وَهَذَا مِنْهُ (سَقَطَ الْقَوَدُ) أَمَّا سُقُوطُهُ بِعَفْوِ بَعْضِهِمْ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ، وَدَخَلَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ» ، وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةً مِنْ أَهْلِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 : «مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَمَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي يُرِيدُ عَائِشَةَ، وَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا» . وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَتَلَ قَتِيلًا، فَجَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَتْ امْرَأَةُ الْمَقْتُولِ وَهِيَ أُخْتُ الْقَاتِلِ: قَدْ عَفَوْت عَنْ حَقِّي، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَتَقَ الْقَتِيلُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَمَّا سُقُوطُهُ بِشَهَادَةِ بَعْضِهِمْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ؛ فَلِإِقْرَارِهِ بِسُقُوطِ نَصِيبِهِ، وَإِذَا أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ سَرَى إلَى الْبَاقِي كَالْعِتْقِ (وَلِمَنْ لَمْ يَعْفُ) مِنْ الْوَرَثَةِ (حَقُّهُ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى جَانٍ) سَوَاءٌ عَفَا شَرِيكُهُ مُطْلَقًا أَوْ إلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَمَّا فَاتَهُ مِنْ الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ بَعْضَ دَمِهِ (ثُمَّ إنْ قَتَلَهُ عَافٍ قُتِلَ وَلَوْ ادَّعَى نِسْيَانَهُ) أَيْ: الْعَفْوِ (أَوْ جَوَازَهُ) أَيْ: الْقَتْلِ بَعْدَ الْعَفْوِ سَوَاءٌ عَفَا مُطْلَقًا أَوْ إلَى مَالٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ أَيْ: بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ. وَلِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا مُكَافِئًا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ مِنْ الْعَافِي دَعْوَى الْجَوَازِ إذَا قَتَلَ الْجَانِي (وَكَانَ مِمَّنْ لَا يَجْهَلُهُ) أَيْ: الْجَوَازَ (مِثْلُهُ) كَمَنْ نَشَأَ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مِصْرٍ؛ إذْ الْغَالِبُ أَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ عَدَمُ جَوَازِ انْفِرَادِهِ بِالْقَتْلِ بِدُونِ إذْنِ شُرَكَائِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَحْصُلُ عَدَمُ جَوَازِ قَتْلِ الْجَانِي بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْهُ، كَمَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَيْنَ أَهْلِ الْجَفَاءِ مِنْ الْأَعْرَابِ، وَنَحْوَهُمْ، وَقَتَلَهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ؛ إذْ جَهْلُهُ شُبْهَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا شَرِيكُ) عَافٍ (عَلِمَ بِالْعَفْوِ) أَيْ: عَفْوِ شَرِيكِهِ (وَعَلِمَ سُقُوطَ الْقَوَدِ بِهِ) أَيْ: بِعَفْوِ شَرِيكِهِ؛ ثُمَّ قَتَلَهُ؛ فَيُقْتَلُ بِهِ، سَوَاءٌ حَكَمَ بِالْعَفْوِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 حَاكِمٌ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَالِاخْتِلَافُ لَا يُسْقِطُ الْقِصَاصَ؛ إذْ لَوْ قُتِلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ قَتَلْنَاهُ بِهِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي قَتْلِهِ، وَإِلَّا يَعْلَمْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ، وَبِسُقُوطِ الْقَوَدِ بِهِ، بِأَنْ قَتَلَهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِمَا؛ فَلَا قِصَاصَ لِاعْتِقَادِ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ (وَوَدَاهُ) أَيْ: أَدَّى دِيَتَهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ. (وَيَسْتَحِقُّ كُلُّ وَارِثٍ) لِلْمَقْتُولِ مِنْ (الْقَوَدِ بِقَدْرِ إرْثِهِ) مِنْ مَالِ الْمَقْتُولِ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ وَذِي الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْثِ، فَوَجَبَ لَهُ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْ الْمَالِ (وَيَنْتَقِلُ) حَقُّ الْقَوَدِ (مِنْ مُوَرِّثِهِ) أَيْ الْمَقْتُولِ (إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِ الْمَقْتُولِ كَالدِّيَةِ. (وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ) مِنْ الْقَتْلَى (فَالْإِمَامُ وَلِيُّهُ) فِي الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ (لَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ (أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ إلَى مَالٍ) أَيْ: دِيَةٍ فَأَكْثَرَ، فَيَفْعَلُ مَا يَرَاهُ الْأَصْلَحَ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْمُسْلِمِينَ، وَ (لَا) يَعْفُو (مَجَّانًا) ، وَلَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا، وَلَا شَيْئًا مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: أَنْ يُؤْمَنَ فِي اسْتِيفَائِهِ) أَيْ: الْقَوَدِ (تَعَدِّيهِ) ؛ أَيْ: الِاسْتِيفَاءِ (إلَى غَيْرِ جَانٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] (فَلَوْ لَزِمَ الْقَوَدُ حَامِلًا) لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ (أَوْ) لَزِمَ الْقَوَدُ (حَائِلًا فَحَمَلَتْ؛ لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ) حَمْلَهَا؛ لِأَنَّ قَتْلَهَا إسْرَافٌ؛ لِتَعَدِّيهِ إلَى حَمْلِهَا (وَ) حَتَّى (تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ) قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ قَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ عَمْدًا فَلَا تُقْتَلُ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا، وَحَتَّى تُكْفِلَ وَلَدَهَا» ؛ وَلِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى وَلَدِهَا، وَقَتْلُهُ حَرَامٌ، وَالْوَلَدُ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ اللِّبَإِ ضَرَرًا كَثِيرًا، وَقَالَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 الْكَافِي " لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ (ثُمَّ إنْ وُجِدَ مَنْ يُرْضِعُهُ) أَيْ: وَلَدَهَا بَعْدَ سَقْيِهَا لَهُ اللِّبَأَ (وَلَوْ بَهِيمَةً قُتِلَتْ) لِأَنَّ تَأْخِيرَ قَتْلِهَا إنَّمَا كَانَ لِلْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ، (وَإِلَّا) يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ (فَ) لَا يُقَادُ مِنْهَا (حَتَّى تَفْطِمَهُ لِحَوْلَيْنِ) لِمَا تَقَدَّمَ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا أُخِّرَ الِاسْتِيفَاءُ لِحِفْظِهِ وَهُوَ حَمْلٌ، فَلَأَنْ يُؤَخَّرَ لِحِفْظِهِ بَعْدَ وَضْعِهِ أَوْلَى (وَكَذَا حَدٌّ بِرَجْمٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَتُقَادُ) حَامِلٌ (فِي طَرَفٍ) بِمُجَرَّدِ وَضْعٍ (وَتُحَدُّ) حَامِلٌ (بِجَلْدٍ) لِقَذْفٍ أَوْ جَلْدِ شُرْبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (بِمُجَرَّدِ وَضْعِ) حَمْلٍ صَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " (حَيْثُ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا) ، وَلَا عَلَى الْوَلَدِ الضَّرَرُ مِنْ تَأْثِيرِ اللَّبَنِ (لِضَعْفٍ) فَإِنْ كَانَ بِهَا ضَعْفٌ يُخَافُ تَلَفُهَا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا الْحَدُّ حَتَّى تَقْوَى دَفْعًا لِلضَّرَرِ، قَالَهُ فِي " الْبُلْغَةِ " بِمَعْنَاهُ. وَقَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهَا بِالْوَضْعِ قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": بَلْ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ قَبْلَ سَقْيِ اللِّبَأَ. (وَمَتَى ادَّعَتْ الْحَمْلَ) امْرَأَةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا قَوَدٌ أَوْ قَطْعٌ أَوْ حَدٌّ بِرَجْمٍ أَوْ جَلْدٍ (وَأَمْكَنَ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ آيِسَةً) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ (قُبِلَ) قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ لِلْحَمْلِ أَمَارَاتٍ خَفِيَّةً تَعْلَمُهَا مِنْ نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا، خُصُوصًا فِي ابْتِدَاءِ الْحَمْلِ، وَلَا يُؤْمَنُ الْخَطَرُ بِتَكْذِيبِهَا، فَوَجَبَ أَنْ يُحْتَاطَ لَهُ كَالْحَيْضِ (وَحُبِسَتْ لِقَوَدٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَ (لَا) تُحْبَسُ (لِحَدٍّ) بَلْ تُتْرَكُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِآدَمِيٍّ يَخْشَى فَوْتَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ الْقَذْفِ فَيَتَوَجَّهُ حَبْسُهَا - كَحَبْسِهَا لِلْقَوَدِ (وَلَوْ مَعَ غَيْبَةِ وَلِيِّ مَقْتُولٍ) لِجَوَازِ أَنْ تَهْرُبَ، فَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهَا، بِخِلَافِ حَبْسٍ فِي مَالِ غَائِبٍ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَحَيْثُ وَجَبَ حَبْسُهَا فَتُحْبَسُ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا) فِي الْحَمْلِ، وَعَدَمِهِ. (وَمَنْ 630 اقْتَصَّ مِنْ حَامِلٍ) فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَضَعْهُ وَلَمْ تَتَيَقَّنْهُ حَمْلًا، لَكِنْ مَاتَتْ عَلَى مَا بِهَا مِنْ انْتِفَاخِ الْبَطْنِ وَأَمَارَةِ الْحَمْلِ، فَلَا ضَمَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 فِي حَقِّ الْجَنِينِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ أَنَّ الِانْتِفَاخَ حَمْلٌ فَلَا تُوجِبُ بِالشَّكِّ وَإِنْ أَلْقَتْ الْجَنِينَ حَيًّا فَعَاشَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقْتَصِّ، لَكِنْ يُؤَدَّبُ، وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا، وَبَقِيَ خَاضِعًا ذَبْلًا زَمَانًا يَسِيرًا، ثُمَّ مَاتَ؛ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ إذَا وَضَعَتْهُ لِوَقْتٍ يَعِيشُ مِثْلَهُ، وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا فِي وَقْتٍ لَا يَعِيشُ مِثْلَهُ، وَهُوَ مَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (ضَمِنَ) الْمُقْتَصُّ (جَنِينَهَا) بِالْغُرَّةِ. وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ كَمَا يَأْتِي فِي دِيَةِ الْجَنِينِ، وَالضَّمَانُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْ أُمِّهِ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْحَمْلَ دُونَ السُّلْطَانِ أَوْ عَلِمَهُ مَعَ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ مِنْ أُمِّهِ حَالَةَ الْحَمْلِ فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا، وَلِأَنَّ الْمُقْتَصَّ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِتَلَفِ الْجَنِينِ، وَالسَّبَبُ هُنَا غَيْرُ مُلْجِئٍ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ، وَيَكُونُ وُجُوبُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ الْغُرَّةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُقْتَصِّ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلُ نَفْسٍ. [فَصْلٌ اسْتِيفَاءُ قَوَدٍ بِلَا حَضْرَةِ سُلْطَانٍ أَوْ نَائِبِهِ] فَصْلٌ (وَيَحْرُمُ اسْتِيفَاءُ قَوَدٍ بِلَا حَضْرَةِ سُلْطَانٍ أَوْ نَائِبِهِ) ؛ لِافْتِقَارِهِ إلَى اجْتِهَادٍ، وَلَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْحَيْفُ مَعَ قَصْدِ التَّشَفِّي (وَلَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (تَعْزِيرُ مُخَالِفٍ) اقْتَصَّ بِغَيْرِ حُضُورِهِ؛ لِافْتِئَاتِهِ بِفِعْلِ مَا وَقَعَ مِنْهُ (وَيَقَعُ) فِعْلُهُ (الْمَوْقِعَ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ. (وَعَلَيْهِ) أَيْ: الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (تَفَقُّدُ آلَةِ اسْتِيفَاءِ) قَوَدٍ (لِيَمْنَعَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْقَوَدِ (بِ) آلَةٍ (كَالَّةٍ) لِحَدِيثِ: " إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ". وَالِاسْتِيفَاءُ بِالْكَالَّةِ تَعْذِيبٌ لِلْمَقْتُولِ (وَيَنْظُرُ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (فِي الْوَلِيِّ) لِلْقَوَدِ (فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيفَاءِ) الْقِصَاصِ (وَيُحْسِنُهُ، مَكَّنَهُ مِنْهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَلِحَدِيثِ: «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 خِيَرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ» ، وَكَسَائِرِ الْحُقُوقِ. (وَيُخَيَّرُ) وَلِيٌّ يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ (بَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ) الِاسْتِيفَاءَ (وَلَوْ فِي طَرَفٍ) كَيَدٍ، وَرِجْلٍ (وَبَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ) مَنْ يَسْتَوْفِيهِ لَهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَإِلَّا) يُحْسِنْ الْوَلِيُّ الِاسْتِيفَاءَ بِنَفْسِهِ (أُمِرَ) أَيْ: أَمَرَهُ السُّلْطَانُ (أَنْ يُوَكِّلَ) مَنْ يَسْتَوْفِيهِ لَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ فَيُوَكِّلُ مَنْ يُحْسِنُ اسْتِيفَاءَهُ. وَإِنْ ادَّعَى وَلِيٌّ أَنَّهُ يُحْسِنُهُ، فَمُكِّنَ مِنْهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ. وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَ الْعُنُقِ، وَأَقَرَّ بِتَعَمُّدِهِ ذَلِكَ عُزِّرَ، وَمُنِعَ إنْ أَرَادَ الْعَوْدَ. وَإِنْ قَالَ: أَخْطَأْت - وَالضَّرْبَةُ قَرِيبَةٌ مِنْ الْعُنُقِ - قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِجَوَازِهِ، وَإِنْ بَعُدَتْ مِنْهُ بِأَنْ نَزَلَتْ عَنْ الْمَنْكِبِ؛ رُدَّ قَوْلُهُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ (وَإِنْ احْتَاجَ) الْوَكِيلُ (لِأُجْرَةٍ) فَتُؤْخَذُ (مِنْ) مَالِ (جَانٍ) كَ (أُجْرَةِ) اسْتِيفَاءِ (حَدٍّ) فَإِنَّ أُجْرَةَ مُسْتَوْفِيهِ مِنْ مَالِ الْمَحْدُودِ؛ لِأَنَّهُ لِإِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ، فَكَانَتْ لَازِمَةً لَهُ كَأُجْرَةِ كَيْلِ مَكِيلٍ بَاعَهُ. (وَمَنْ لَهُ وَلِيَّانِ) أَيْ: وَارِثَانِ (فَأَكْثَرُ) ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ (وَأَرَادَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (مُبَاشَرَتَهُ) أَيْ: الْقَوَدِ بِنَفْسِهِ (قُدِّمَ وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (بِقُرْعَةٍ) لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْحَقِّ، وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ غَيْرِهَا (وَوَكَّلَهُ مَنْ بَقِيَ) مِنْ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ؛ فَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى تَوْكِيلِ أَحَدِهِمْ أَوْ غَيْرِهِ مُنِعُوا مِنْهُ حَتَّى يَتَّفِقُوا عَلَيْهِ. (وَيَجُوزُ اقْتِصَاصُ جَانٍ مِنْ نَفْسِهِ بِرِضَى وَلِيِّ) جِنَايَةٍ، وَيُمْكِنُ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ بِأَنْ يَنْصِبَ سَيْفًا أَوْ نَحْوَهُ فَيَقْتُلَ بِهِ نَفْسَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَنْ قَطَعَ رِجْلَ إنْسَانٍ فَقَالَ: أَنَا أَقْطَعُ لَك مِثْلَهَا، فَمَتَى رَضِيَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ بِذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْوَلِيِّ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ. (وَ) لَا يَجُوزُ لِوَلِيٍّ أَمَرَ أَنْ يَأْذَنَ لِسَارِقٍ فِي (قَطْعِ) يَدِ (نَفْسِهِ) أَوْ رِجْلِهِ (فِي سَرِقَةٍ) ؛ لِفَوَاتِ الرَّدْعِ بِقَطْعِ غَيْرِهِ (وَيَسْقُطُ الْقَطْعُ) فِي السَّرِقَةِ إنْ قَطَعَ السَّارِقُ نَفْسَهُ لِوُقُوعِهِ الْمَوْقِعَ (بِخِلَافِ حَدِّ) جَلْدٍ فِي زِنًا (أَوْ قَذْفٍ بِإِذْنِ) حَاكِمٍ فِي جَلْدِ الزِّنَا وَمَقْذُوفٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 فِي حَدِّ قَذْفٍ؛ فَلَا يَقَعُ الْمَوْقِعَ؛ لِعَدَمِ حُصُولِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ؛ فَإِنَّ الْقَصْدَ قَطْعُ الْعُضْوِ وَقَدْ وُجِدَ. (وَيَحْرُمُ أَنْ يُسْتَوْفَى قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ إلَّا بِسَيْفٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِهِ أَوْ بِمُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ، كَسِحْرٍ وَتَجْرِيعِ خَمْرٍ، أَوْ كَانَتْ بِحَجَرٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ تَغْرِيقٍ أَوْ تَحْرِيقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ لَوْطٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ مِنْ مِفْصَلٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَ الْجَانِي قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ أَوْضَحَهُ ثُمَّ عَادَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ، أَوْ أَجَافَهُ أَوْ أَمَّهُ أَوْ قَطَعَ يَدًا نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ أَوْ شَلَّاءَ أَوْ زَائِدَةً فَمَاتَ، أَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً غَيْرَ ذَلِكَ فَمَاتَ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ. وَلِحَدِيثِ: «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ.» وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْقَوَدِ إتْلَافُ جُمْلَتِهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ؛ فَلَا يَجُوزُ تَعْذِيبُهُ بِإِتْلَافِ أَطْرَافٍ كَقَتْلِهِ بِسَيْفٍ كَالٍّ، وَيَدْخُلُ قَوَدُ الْعُضْوِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَدُّ بَدَلِ النَّفْسِ فَدَخَلَ الطَّرَفُ فِي حُكْمِ الْجُمْلَةِ كَالدِّيَةِ. (وَ) يَحْرُمُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ قِصَاصًا (فِي طَرَفٍ إلَّا بِسِكِّينٍ لِئَلَّا يَحِيفَ) فِي الِاسْتِيفَاءِ (وَإِنْ زَادَ الْمُقْتَصُّ فِي اسْتِيفَاءٍ) مِنْ طَرَفٍ مِثْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ قَطْعَ إصْبَعٍ فَيَقْطَعَ اثْنَتَيْنِ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَاطِعِ ابْتِدَاءً إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا مِنْ مِفْصَلٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ؛ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، أَوْ زَادَ الْمُقْتَصُّ عَمْدًا فِي شَجَّةٍ يَجِبُ فِي مِثْلِهَا الْقِصَاصُ، فَاسْتَوْفَى بَدَلَهَا مُوضِحَةً فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خَطَأً، أَوْ كَانَ جُرْحًا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ (كَ) اسْتِيفَائِهِ (هَاشِمَةً عَنْ مُوضِحَةٍ؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الزِّيَادَةِ) كَالْجَانِي ابْتِدَاءً (إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ) الْحَاصِلُ زِيَادَةً (حَصَلَ بِاضْطِرَابِ الْجَانِي) الْمُقْتَصِّ مِنْهُ كَاضْطِرَابِهِ (حَالَ اسْتِيفَاءٍ مِنْهُ) فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقْتَصِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ سَرَى الَّذِي حَصَلَتْ فِيهِ الزِّيَادَةُ إلَى نَفْسِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ أَوْ إلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ مِثْلَ أَنْ قَطَعَ إصْبَعَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 فَسَرَى إلَى جَمِيعِ يَدِهِ، أَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ بِآلَةٍ كَالَّةٍ أَوْ مَسْمُومَةٍ أَوْ فِي حَالِ حَرٍّ مُفْرِطٍ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ، فَسَرَى؛ فَعَلَى الْمُقْتَصِّ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلٍ جَائِزٍ وَمُحَرَّمٍ قَالَ الْقَاضِي: كَمَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ، جُرْحًا فِي رِدَّتِهِ، وَجُرْحًا بَعْدَ إسْلَامِهِ، فَمَاتَ مِنْهُمَا (فَإِنْ حَصَلَ) فِعْلُ زِيَادَةٍ عَلَى مَا وَجَبَ (وَاخْتَلَفَا) أَيْ: الْمُقْتَصُّ، وَالْمُقْتَصُّ مِنْهُ [أَهَلْ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا؟ أَوْ خَطَأً؟ ؟ فَقَوْلُ مُقْتَصٍّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِنِيَّتِهِ، أَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ مُقْتَصٌّ: حَصَلَ ذَلِكَ بِاضْطِرَابِك، وَقَالَ مُقْتَصٌّ مِنْهُ:] بَلْ بِجِنَايَتِك (فَقَوْلُهُ) أَيْ: الْمُقْتَصِّ (بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ (وَمَنْ قَطَعَ طَرَفَ شَخْصٍ، ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ بُرْئِهِ دَخَلَ قَوَدُ طَرَفِهِ فِي قَوَدِ نَفْسِهِ، وَكَفَى قَتْلُهُ) لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ عَلَى الطَّرَفِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُرْئِهِ؛ اسْتَقَرَّ حُكْمُ الْقَطْعِ؛ فَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ، وَلَهُ أَخْذُ دِيَةِ مَا قَطَعَهُ وَقَتْلُهُ، وَيَأْتِي (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي بُرْءٍ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يُحْتَمَلُ الْبُرْءُ فِيهَا؛ فَقَوْلُ وَلِيٍّ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سُقُوطِ الْجِنَايَةِ (وَإِلَّا) تَمْضِي مُدَّةٌ يُمْكِنُ الْبُرْءُ فِيهَا (فَقَوْلُ جَانٍ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُضِيِّ (فَإِنْ أَقَامَا) ؛ أَيْ: الْجَانِي وَالْوَلِيُّ (بَيِّنَتَيْنِ؛ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ وَلِيٍّ) لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ لِلْبُرْءِ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي. (وَمَنْ فَعَلَ بِهِ) أَيْ: بِجَانٍ (وَلِيُّ) جِنَايَةً (كَفِعْلِهِ) أَيْ: الْجَانِي بِالْمَقْتُولِ مِنْ خَنْقٍ وَنَحْوِهِ؛ (لَمْ يَضْمَنْهُ) الْوَلِيُّ بِشَيْءٍ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إسَاءَةٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ كَقَتْلِهِ بِآلَةٍ كَالَّةٍ (فَلَوْ عَفَا) الْوَلِيُّ إلَى الدِّيَةِ (وَقَدْ قَطَعَ) مِنْ جَانٍ (مَا فِيهِ دُونَ دِيَةٍ) كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ (فَلَهُ) أَيْ: وَلِيِّ الْجِنَايَةِ (تَمَامُهَا) أَيْ: الدِّيَةِ (وَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ: مَا قَطَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْجَانِي (دِيَةٌ) كَامِلَةٌ كَمَا لَوْ قَطَعَ ذَكَرَهُ أَوْ أَنْفَهُ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ (وَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ: مَا قَطَعَهُ الْوَلِيُّ (أَكْثَرُ) مِنْ دِيَةٍ كَمَا لَوْ قَطَعَ أَرْبَعَتَهُ وَكَانَ قَدْ فَعَلَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَفَا (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) فِيمَا زَادَ عَلَى الدِّيَةِ (وَإِنْ زَادَ) وَلِيُّ الْجِنَايَةِ (عَلَى مَا فَعَلَ جَانٍ) بِأَنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهُ، وَقَتَلَهُ فَقَطَعَ يَدَيْهِ، وَقَتَلَهُ (أَوْ تَعَدَّى) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 الْوَلِيُّ (بِقَطْعِ طَرَفِهِ) أَيْ: الْجَانِي، وَلَمْ يَكُنْ قَطَعَ طَرَفًا (فَلَا قَوَدَ) عَلَى الْوَلِيِّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ قَتْلَهُ فِي الْجِنَايَةِ صَارَ ذَلِكَ شُبْهَةٌ فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ عَنْهُ (وَيَضْمَنُهُ) أَيْ: مَا زَادَ، وَتَعَدَّى فِيهِ الْوَلِيُّ (بِدِيَتِهِ) سَوَاءٌ عَفَا عَنْ الْجَانِي بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا؛ لِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَمَّا انْتَفَى الْقَوَدُ لِدَرْءِ الشُّبْهَةِ، وَجَبَ الْمَالُ؛ لِئَلَّا تَذْهَبَ جِنَايَتُهُ مَجَّانًا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَحَلَّ تَضْمِينِ الْمُقْتَصِّ الزَّائِدِ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ بِدِيَتِهِ (إنْ لَمْ يَقْتُلْهُ) ؛ أَيْ: الْمُقْتَصُّ مِنْهُ (إلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ) أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ بُرْئِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا أَنَّهُ يَدْخُلُ قَوَدُ طَرَفِهِ فِي قَوَدِ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ كَانَ الْجَانِي قَطَعَ يَدَهُ) أَيْ: يَدَ الْمَقْتُولِ (فَقَطَعَ) الْوَلِيُّ (رِجْلَهُ) أَيْ: رِجْلَ الْجَانِي (فَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْوَلِيِّ لِلْجَانِي (دِيَةُ رِجْلِهِ) صَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ "، وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى "؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ لَمْ يَقْطَعْهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَقْطَعْ يَدَهُ، وَاسْتِحْقَاقُ الْقِصَاصِ فِي الْيَدِ بَاقٍ. (وَيَتَّجِه) أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الْجَانِي يَدَهُ فَقَطَعَ وَلِيُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ رِجْلَ الْجَانِي فَقِيلَ: هُوَ كَقَطْعِ يَدِهِ، وَحِينَئِذٍ (فَيَتَقَاصَّانِ) ؛ لِاسْتِوَاءِ دِيَتِهِمَا وَهَذَا الِاتِّجَاهُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ احْتِمَالًا (وَاحْتُمِلَ) احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ أَنَّ عَلَى قَاطِعِ الرِّجْلِ دِيَتَهَا؛ لِأَنَّهَا مُبَايِنَةٌ لِجِنَايَةِ الْجَانِي فِي الِاسْمِ (وَلَا يَقْطَعُ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (يَدَهُ) أَيْ: يَدَ الْجَانِي الْمُسَاوِيَةَ لِيَدِهِ الَّتِي قَطَعَهَا؛ لِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ اسْتِيفَاءِ نَظِيرِ مَا فَاتَ عَلَيْهِ أَوْجَبَ سُقُوطَ حَقِّهِ مِنْ الْقِصَاصِ وَأُلْزِمَ بِدِيَةِ الرِّجْلِ الَّتِي قَطَعَهَا. [تَنْبِيهٌ قَطَعَ الْجَانِي بَعْضَ أَعْضَاءِ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَرِئَتْ الْجِرَاحُ] تَنْبِيهٌ: وَإِنْ قَطَعَ الْجَانِي بَعْضَ أَعْضَاءِ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَرِئَتْ الْجِرَاحُ، مِثْلَ أَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ، وَرِجْلَيْهِ، فَبَرِئَتْ جِرَاحَتُهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ الْجَانِي؛ فَقَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 اسْتَقَرَّ حُكْمُ الْقَطْعِ بِالْبُرْءِ، وَلِوَلِيِّ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ، فَإِنْ شَاءَ عَفَا، وَأَخَذَ ثَلَاثَ دِيَاتٍ: دِيَةً لِلْيَدَيْنِ وَدِيَةً لِلرِّجْلَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَيْهِ، وَرِجْلَيْهِ، وَأَخَذَ دِيَةَ نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ، وَأَخَذَ دِيَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ طَرَفًا وَاحِدًا مِنْ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ، وَأَخَذَ دِيَةَ الْبَاقِي وَهُوَ دِيَتَانِ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِنَايَةٍ مِنْ ذَلِكَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا فَهِيَ كَالْمُتَّحِدَةِ. (وَإِنْ ظَنَّ وَلِيُّ دَمٍ أَنَّهُ اقْتَصَّ فِي النَّفْسِ فَلَمْ يَكُنْ اسْتَوْفَى، وَدَاوَاهُ) أَيْ: الْجَانِيَ (أَهْلُهُ حَتَّى بَرِئَ فَإِنْ شَاءَ الْوَلِيُّ دَفَعَ إلَيْهِ دِيَةَ فِعْلِهِ) الَّذِي فَعَلَهُ بِهِ (وَقَتَلَهُ وَإِلَّا) يَدْفَعْ إلَيْهِ دِيَةَ فِعْلِهِ (تَرَكَهُ) فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": هَذَا رَأْيُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ. [فَصْلٌ قَتَلَ عَدَدًا فِي وَقْتٍ أَوْ أَكْثَرَ فَرَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ بِقَتْلِهِ] (فَصْلٌ) (وَمَنْ قَتَلَ) عَدَدًا (أَوْ قَطَعَ عَدَدًا) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (فِي وَقْتٍ أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ وَقْتٍ (فَرَضِيَ أَوْلِيَاءُ كُلٍّ) مِنْ الْقَتْلَى (بِقَتْلِهِ، أَوْ) رَضِيَ (الْمَقْطُوعُونَ بِقَطْعِهِ) فَاقْتَضَى لَهُمْ مَا رَضُوا بِهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ (اُكْتُفِيَ بِهِ) لِجَمِيعِهِمْ؛ لِتَعَذُّرِ تَوْزِيعِ الْجَانِي عَلَى الْجِنَايَاتِ، وَلَا شَيْءَ لَهُمْ سِوَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِقَتْلِهِ؛ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ سِوَاهُ، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمْ الْقِصَاصَ وَالْبَاقُونَ الدِّيَةَ؛ فَلَهُمْ ذَلِكَ (وَإِنْ طَلَب كُلُّ وَلِيٍّ) مِنْ الْقَتْلَى أَوْ طَلَبَ كُلٌّ مِنْ الْمَقْطُوعِينَ (قَتْلَهُ) أَوْ قَطْعَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْقَوَدُ لَهُ (وَحْدَهُ وَجِنَايَتُهُ) عَلَى الْجَمِيعِ (فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، قُرِعَ) بَيْنَهُمْ، فَيُقَادُ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ لِتَسَاوِيهِمْ فِي حَقٍّ لَا يُمْكِنُ تَوْزِيعُهُ عَلَيْهِمْ؛ فَيَتَعَيَّنُ الْمُسْتَحِقُّ بِقُرْعَةٍ (وَإِلَّا) تَكُنْ جِنَايَتُهُ عَلَى الْجَمِيعِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (أُقِيدَ لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ مَنْ مَاتَ أَوَّلًا) لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ؛ وَلِأَنَّ الْمَحَلَّ صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِالْقَتْلِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " تَحْتَ قَوْلِهِ: أُقِيدَ لِلْأَوَّلِ؛ أَيْ: لِمَنْ جُنِيَ عَلَيْهِ أَوَّلًا، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِمُخَالَفَتِهِ (وَلِمَنْ بَقِيَ) بَعْدَ الْأَوَّلِ (الدِّيَةُ) لِأَنَّ الْقَتْلَ إذَا فَاتَ تَعَيَّنَتْ الدِّيَةُ؛ كَمَا لَوْ بَادَرَ غَيْرُ وَلِيِّ الْأَوَّلِ وَاقْتَصَّ بِجِنَايَتِهِ، فَيَقَعُ مَوْقِعَهُ وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَةُ، فَإِنْ كَانَ وَلِيُّ الْأَوَّلِ غَائِبًا أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا؛ اُنْتُظِرَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَإِنْ قَتَلَهُمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً وَتَشَاحُّوا؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، فَيُقْتَلُ بِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَةُ، وَإِنْ بَادَرَ غَيْرُ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَقَتَلَهُ، فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ إلَى الدِّيَةِ؛ لِفَوَاتِ الْقَتْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ وَإِنْ قَتَلَهُمْ مُتَفَرِّقًا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَأُشْكِلَ الْأَوَّلُ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْأَوَّلِيَّةَ - وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُ - فَأَقَرَّ الْقَاتِلُ لِأَحَدِهِمْ؛ قُدِّمَ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْأَوَّلِيَّةِ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِلَّا أَقْرَعَ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُمْ مَعًا (وَإِنْ رَضِيَ وَلِيُّ الْأَوَّلِ بِالدِّيَةِ أُعْطِيهَا) ؛ لِأَنَّ الْخِيَرَةَ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ إلَيْهِ (وَقَتْلُ) الْجَانِي أَوْ قَطْعٌ (لِثَانٍ، وَهَلُمَّ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ (جَرَّا) بِالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، فَإِنْ رَضِيَ مَنْ جُنِيَ عَلَيْهِ ثَانِيًا بِالدِّيَةِ أُعْطِيهَا، وَقُتِلَ أَوْ قُطِعَ لِثَالِثٍ، وَهَكَذَا إنْ زَادَ عَلَى ثَالِثٍ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا مُسْتَقِلًّا، فَإِذَا أَخَذَ الدِّيَةَ مَنْ كَانَ أَحَقَّ مِنْهُ بِالْقِصَاصِ، صَارَ الْقِصَاصُ لَهُ، وَإِنْ عَفَا أَوْلِيَاءُ الْجَمِيعِ إلَى الدِّيَاتِ، فَلَهُمْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِبَعْضِ حَقِّهِمْ، وَلَا تَتَدَاخَلُ حُقُوقُهُمْ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ مَقْصُودَةٌ لِآدَمِيِّينَ، فَلَمْ تَتَدَاخَلْ، كَالدُّيُونِ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْقَوَدَ، وَأَرَادَ آخَرُونَ الدِّيَةَ، قُتِلَ لِمَنْ اخْتَارَ الْقَوَدَ، وَأُعْطِيَ الْبَاقُونَ دِيَةَ قَتْلَاهُمْ مِنْ مَالِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ مَحْضٌ؛ فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، (وَإِنْ) كَانَ الْجَانِي (قَتَلَ) إنْسَانًا (وَقَطَعَ طَرَفَ آخَرَ) كَيَدِهِ (قُطِعَ) لِقَطْعِ الطَّرَفِ (ثُمَّ قُتِلَ) بِمَنْ قَتَلَهُ (بَعْدَ الِانْدِمَالِ) سَوَاءً تَقَدَّمَ الْقَتْلُ أَوْ تَأَخَّرَ؛ لِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ عَلَى شَخْصَيْنِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَقَطْعِ يَدَيْ رَجُلَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ؛ فَلَمْ يَجُزْ إسْقَاطُهُ، فَأَمَّا إنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إلَى نَفْسِ الْمَقْطُوعِ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ لَهُمَا، فَإِذَا تَشَاحَّا فِي الْمُسْتَوْفِي لِلْقَتْلِ؛ قُتِلَ بِاَلَّذِي قَتَلَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَتْلِ عَلَيْهِ بِهِ أَسْبِقُ، فَإِنَّ الْقَتْلَ بِاَلَّذِي قَطَعَهُ إنَّمَا وَجَبَ عَنْهُ السِّرَايَةُ وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ قَتْلِ الْآخَرِ. (وَلَوْ قَطَعَ يَدَ زَيْدٍ وَ) قَطَعَ (أُصْبُعَ عَمْرٍو مِنْ يَدِ نَظِيرَتِهَا) ؛ أَيْ: نَظِيرَةِ يَدِ زَيْدٍ الَّتِي قَطَعَهَا (وَزَيْدٌ) قَطْعُ يَدِهِ (أَسْبِقُ) مِنْ قَطْعِ أُصْبُعِ عَمْرٍو (قُدِّمَ) قَطْعُ يَدِ الْجَانِي لِزَيْدٍ (وَلِعَمْرٍو دِيَةُ أُصْبُعِهِ) ؛ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ (وَمَعَ سَبْقِ) قَطْعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 أُصْبُعِ (عَمْرٍو يُقَادُ لِأُصْبُعِهِ) ؛ أَيْ: لِأُصْبُعِ عَمْرٍو لِسَبْقِهِ (ثُمَّ) يُقَادُ (لِيَدِ زَيْدٍ بِلَا أَرْشٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ بَيْنَ قِصَاصٍ وَدِيَةٍ كَالنَّفْسِ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّفْسِ؛ فَإِنَّهَا لَا تَنْقُصُ بِقَطْعِ الطَّرَفِ، فَقَطْعُهُ لَا يَمْنَعُ التَّكَافُؤَ بِدَلِيلِ أَخْذِ صَحِيحِ الْأَطْرَافِ بِمَقْطُوعِهَا، وَقَطْعُ الْأُصْبُعِ مِنْ الْيَدِ يَمْنَعُ التَّكَافُؤَ فِي الْيَدِ بِدَلِيلِ أَنَّا لَا نَأْخُذُ الْكَامِلَةَ بِالنَّاقِصَةِ، وَاخْتِلَافِ دِيَتِهِمَا. [بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ] (الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ) أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178] وَالْقِصَاصُ كَانَ حَتْمًا عَلَى الْيَهُودِ، وَحَرُمَ عَلَيْهِمْ الْعَفْوُ وَالدِّيَةُ، وَكَانَتْ الدِّيَةُ حَتْمًا عَلَى النَّصَارَى وَحَرُمَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ، فَخُيِّرَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ وَالْعَفْوِ تَخْفِيفًا وَرَحْمَةً. وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُرْفَعُ إلَيْهِ أَمْرٌ فِي الْقِصَاصِ إلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ، فَجَازَ تَرْكُهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَالْعَفْوُ: الْمَحْوُ وَالتَّجَاوُزُ. وَكَوْنُهُ (مَجَّانًا أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] . وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَا عَفَا رَجُلٌ عَنْ مَظْلِمَةٍ إلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَدِينًا جُنِيَ عَلَيْهِ خَطَأً فَالْأَفْضَلُ عَدَمُ الْعَفْوِ؛ لِأَجْلِ وَفَاءِ دَيْنِهِ. وَيَصِحُّ عَفْوُهُ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ وَكُلُّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 (ثُمَّ لَا تَعْزِيرَ عَلَى جَانٍ) بَعْدَ عَفْوٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ حَقٌّ وَاحِدٌ، وَقَدْ سَقَطَ كَعَفْوٍ عَنْ دِيَةِ قَاتِلِ خَطَأٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَدْلُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ الْغَايَةُ وَهُوَ الْعَدْلُ بَيْنَ النَّاسِ. وَالثَّانِي: مَا يَكُونُ الْإِحْسَانُ أَفْضَلَ مِنْهُ وَهُوَ عَدْلُ الْإِنْسَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ مِنْ الدَّمِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ؛ فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ عَدْلٌ وَالْعَفْوَ إحْسَانٌ، وَالْإِحْسَانُ هُنَا أَفْضَلُ، لَكِنَّ هَذَا الْإِحْسَانَ لَا يَكُونُ إحْسَانًا إلَّا بَعْدَ الْعَدْلِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِالْعَفْوِ ضَرَرٌ، فَإِذَا حَصَلَ مِنْهُ ضَرَرٌ؛ كَانَ ظُلْمًا مِنْ الْعَافِي لِنَفْسِهِ، وَإِمَّا لِغَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِمَجْنُونٍ أَوْ صَغِيرٍ فَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ إلَى غَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهِ. (وَإِلَّا) يَعْفُو الْوَلِيُّ (وَجَبَ) بِقَتْلِ (الْعَمْدِ) أَحَدُ شَيْئَيْنِ (الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] أَوْجَبَ الِاتِّبَاعَ بِمُجَرَّدِ الْعَفْوِ، وَلَوْ وَجَبَ بِالْعَمْدِ الْقِصَاصُ عَيْنًا، لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ عِنْدَ الْعَفْوِ الْمُطْلَقِ (فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا) فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ فِي بَنْيِ إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] الْآيَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إمَّا أَنْ يَفْتَدِيَ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ اخْتَارَ) الْوَلِيُّ (الْقَوَدَ أَوْ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ فَقَطْ؛ فَلَهُ أَخْذُهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لَهُ وَلِلْجَانِي، وَتَكُونُ بَدَلًا مِنْ الْقِصَاصِ، وَلَيْسَتْ الَّتِي وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ - وَلَوْ سَخِطَ الْجَانِي -؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ دُونَ الْقِصَاصِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهَا، لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ. (وَ) لِمَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ (الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْفُ مُطْلَقًا (وَإِنْ اخْتَارَهَا) ابْتِدَاءً (تَعَيَّنَتْ) وَسَقَطَ الْقَوَدُ. قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 أَحْمَدُ: إذَا أَخَذَ الدِّيَةَ فَقَدْ عَفَا عَنْ الدَّمِ (فَلَوْ قَتَلَهُ) وَلِيُّ الْجِنَايَةِ (بَعْدَ) اخْتِيَارِ الدِّيَةِ (قُتِلَ بِهِ) لِأَنَّ حَقَّهُ سَقَطَ مِنْ الْقِصَاصِ بِعَفْوِهِ عَنْهُ (وَإِنْ عَفَا) عَلَى غَيْرِ مَالٍ بِأَنْ عَفَا عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهِ، فَلَهُ الدِّيَةُ، أَوْ عَفَا مُطْلَقًا بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ؛ فَلَهُ الدِّيَةُ؛ لِانْصِرَافِ الْعَفْوِ إلَى الْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِقَامِ، وَالِانْتِقَامُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَتْلِ (أَوْ أَطْلَقَ) الْعَفْوَ عَنْ الْقَوَدِ كَقَوْلِهِ: عَفَوْت عَنْ الْقَوَدِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْعَفْوُ (عَنْ يَدِهِ) أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ رِجْلِهِ وَنَحْوِهِمَا (فَلَهُ الدِّيَةُ) ؛ لِانْصِرَافِ الْعَفْوِ إلَى الْقَوَدِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَوْ هَلَكَ جَانٍ) عَمْدًا (تَعَيَّنَتْ) الدِّيَةُ (فِي مَالِهِ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ (كَتَعَذُّرِهِ) ؛ أَيْ: الْقَوَدِ (فِي طَرَفِهِ) ؛ أَيْ: الْجَانِي بِأَنْ قَطَعَ يَدًا، وَتَعَذَّرَ قَطْعُ يَدِهِ لِشَلَلِهَا أَوْ ذَهَابِهَا وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ جَانٍ عَمْدًا تَرِكَةً ضَاعَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. (وَمَنْ قَطَعَ طَرَفًا عَمْدًا كَأُصْبُعٍ فَعَفَا عَنْهُ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (ثُمَّ سَرَتْ) الْجِنَايَةُ (إلَى عُضْوٍ آخَرَ كَبَقِيَّةِ الْيَدِ أَوْ) سَرَتْ (إلَى النَّفْسِ وَالْعَفْوُ عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِ مَالٍ) كَقَوْلِهِ: عَفَوْت عَنْ الْقَوَدِ فَقَطْ؛ (فَ) لَا قِصَاصَ، وَ (لَهُ) ؛ أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (تَمَامُ دِيَةِ مَا سَرَتْ إلَيْهِ مِنْ عُضْوٍ أَوْ نَفْسٍ، وَلَوْ مَعَ مَوْتِ جَانٍ) فَيَلْغَى أَرْشَ مَا عُفِيَ عَنْهُ مِنْ دِيَةِ مَا سَرَتْ إلَيْهِ، وَيَجِبُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ فِيمَا سَرَتْ إلَيْهِ الْجِنَايَةُ لَا فِيمَا عُفِيَ عَنْهُ (وَإِنْ ادَّعَى) جَانٍ أَوْ وَارِثُهُ (عَفْوَهُ) ؛ أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (عَنْ قَوَدٍ وَمَالٍ أَوْ) ادَّعَى عَفْوَهُ (عَنْهَا) ؛ أَيْ: الْجِنَايَةِ (وَعَنْ سِرَايَتِهَا فَقَالَ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى (بَلْ) عَفَوْتُ (إلَى مَالٍ، أَوْ) قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: بَلْ عَفَوْتُ عَنْهَا (دُونَ سِرَايَتِهَا؛ فَقَوْلُ عَافٍ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنْ الْجَمِيعِ؛ فَلَا يَثْبُتُ الْعَفْوُ عَمَّا لَمْ يُقِرَّ بِهِ، وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَ وَلِيُّ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ مَعَ جَانٍ (وَمَتَى قَتَلَهُ) ؛ أَيْ: الْعَافِي (جَانٍ، وَلَوْ قَبْلَ بُرْءِ) الْجُرْحِ الَّذِي جَرَحَهُ (وَقَدْ عَفَا) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ (عَلَى مَالٍ فَ) لِوَلِيٍّ عَافٍ (الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً) يُخَيَّرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ انْفَرَدَ عَنْ الْقَطْعِ، فَعَفْوُهُ عَنْ الْقَطْعِ لَا يَمْنَعُ مَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ غَيْرَهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ هَذِهِ زَائِدَةٌ بَلْ مُخِلَّةٌ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ حُكْمَ الْعَفْوِ قَبْلَ الْبُرْءِ كَحُكْمِهِ بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ الْعَفْوَ بَعْدَ الْبُرْءِ عَلَى مَالٍ مُوجِبٌ لِدِيَةِ الْعُضْوِ الْأَوَّلِ عَلَى الْجَانِي، وَعَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ ثَانِيًا الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً أَيْضًا. (وَمَنْ وُكِّلَ فِي) اسْتِيفَاءِ (قَوَدٍ، ثُمَّ عَفَا) مُوَكِّلٌ عَنْ قَوَدٍ وَكَّلَ فِيهِ (وَلَمْ يَعْلَمْ وَكِيلُهُ) بِعَفْوِهِ (حَتَّى اقْتَصَّ) (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا) أَمَّا الْوَكِيلُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُ؛ لِحُصُولِ الْعَفْوِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ الْوَكِيلَ اسْتِدْرَاكُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَفَا بَعْدَمَا رَمَاهُ، وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ؛ فَلِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] فَإِنْ كَانَ عَفْوُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ لَمْ يَصِحَّ، (وَإِنْ) كَانَ قَبْلَهُ وَ (عَلِمَ وَكِيلُهُ) بِالْعَفْوِ فَقَدْ قَتَلَهُ ظُلْمًا (فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) كَمَا لَوْ قَتَلَهُ ابْتِدَاءً، وَحَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِالْعَفْوِ حَتَّى اقْتَصَّ، وَقُلْنَا: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ يَعْتَقِدُ إبَاحَةَ قَتْلِهِ؛ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْمُوَفَّقُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ أَشْبَهَ الْمَغْرُورَ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ وَتَزْوِيجِ مَعِيبَةٍ، وَيَكُونُ الْوَاجِبُ حَالًّا فِي مَالِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ لِلْقَتْلِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَوَدُ لِمَعْنًى آخَرَ كَقَتْلِ الْأَبِ. (وَإِنْ عَفَا مَجْرُوحٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَنْ قَوَدِ نَفْسِهِ أَوْ دِيَتِهَا صَحَّ) عَفْوُهُ؛ لِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ؛ وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ؛ فَصَحَّ عَفْوُهُ عَنْهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَكَعَفْوِ وَارِثِهِ عَنْ ذَلِكَ، (فَ) لَوْ قَالَ مَجْرُوحٌ (عَفَوْت عَنْ هَذَا الْجُرْحِ أَوْ) قَالَ: عَفَوْت عَنْ هَذِهِ (الضَّرْبَةِ؛ فَلَا شَيْءَ فِي سِرَايَتِهَا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا، إذْ السِّرَايَةُ تَبَعٌ لِلْجِنَايَةِ، فَحَيْثُ لَمْ يَجِبْ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ بِسِرَايَتِهَا بِالْأَوْلَى، كَمَا لَوْ قَالَ (عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ) فَلَا شَيْءَ فِي سِرَايَتِهَا، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت بِالْجِنَايَةِ الْجِرَاحَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 دُونَ سِرَايَتِهَا؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْجِنَايَةِ تَدْخُلُ فِيهِ الْجِرَاحَةُ وَسِرَايَتُهَا؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ (بِخِلَافِ عَفْوِهِ) ؛ أَيْ: الْمَجْرُوحِ (عَلَى مَالٍ أَوْ عَنْ قَوَدٍ) فَقَطْ بِأَنْ قَالَ: عَفَوْت عَلَى مَالٍ أَوْ عَفَوْت عَنْ الْقَوَدِ؛ فَلَا يَبْرَأُ جَانٍ مِنْ السِّرَايَةِ؛ لِعَدَمْ مَا يَقْتَضِي بَرَاءَتُهُ مِنْهَا (وَيَصِحُّ قَوْلُ مَجْرُوحٍ: أَبْرَأْتُك) مِنْ دَمِي أَوْ قَتْلِي مُعَلِّقًا بِمَوْتِهِ، (وَ) قَوْلُهُ (حَلَلْتُك مِنْ دَمِي أَوْ قَتْلِي، أَوْ وَهَبْتُك ذَلِكَ) ؛ أَيْ: دَمِي أَوْ قَتْلِي، أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْك (وَنَحْوُهُ) كَ جَعَلْت لَك دَمِي أَوْ قَتْلِي، أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْك (مُعَلِّقًا بِمَوْتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، (فَ) إنْ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَةِ بَرِئَ مِنْهُ فَ (لَوْ عَفَا بَقِيَ حَقَّهُ) مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ الْجِرَاحَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، وَإِنَّمَا اقْتَضَى مُوجِبَ الْقَتْلِ؛ فَبَقِيَ مُوجِبُ الْجُرْحِ بِحَالِهِ (بِخِلَافِ عَفَوْتُ عَنْك أَوْ) عَفَوْتُ (عَنْ جِنَايَتِك) ؛ لِتَضَمُّنِهَا الْجِنَايَةَ وَسَرَايَتَهَا. (وَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ) ، أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (عَنْ قَوَدِ جِنَايَةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا) كَالْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ؛ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ، وَلَا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ؛ أَشْبَهَ الْإِبْرَاءَ مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَكَمَا لَوْ أَبْرَأَ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ الْأُجْرَةِ، أَوْ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْعَقْدِ (فَلِوَلِيِّهِ) ؛ أَيْ: الْمَشْجُوجِ (مَعَ سِرَايَتِهَا) ؛ أَيْ: الشَّجَّةِ (الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ) كَمَا لَوْ لَمْ يَعْفُ. (وَكُلُّ عَفْوٍ صَحَّحْنَاهُ مِنْ مَجْرُوحٍ مَجَّانًا مِمَّا يُوجِبُ الْمَالَ عَيْنًا) كَالْخَطَأِ وَشَبَهِ الْعَمْدِ وَالْجَائِفَةِ (فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ الْعَافِي يُعْتَبَرُ) مَا عَفَا عَنْهُ (مِنْ الثُّلُثِ) ؛ أَيْ: ثُلُثِ التَّرِكَةِ، فَيَنْفُذُ إذَا كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ، وَإِنْ زَادَ فَبِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ أَبْرَأَهُ مِنْهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي مَرَضٍ اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ؛ أَشْبَهَ الدَّيْنَ (وَيُنْقَضُ) الْعَفْوُ عَمَّا يُوجِبُ الْمَالَ عَيْنًا مِنْ مَجْرُوحٍ إذَا مَاتَ (لِلدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ) لِلتَّرِكَةِ كَالْوَصِيَّةِ (وَإِنْ أَوْجَبَ) مَا عَفَا عَنْهُ مَجْرُوحٌ، ثُمَّ مَاتَ (قَوَدًا؛ نَفَذَ مِنْ أَصْلِ التَّرِكَةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ) التَّرِكَةُ (سِوَى دَمِهِ) نَصًّا؛ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَالِ، فَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ لَمْ يَلْزَمْهُ إثْبَاتُ الْمَالِ كَقَبُولِهِ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ (وَمِثْلُهُ الْعَفْوُ عَنْ قَوَدٍ بِلَا مَالٍ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ؛ لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ مِنْ الْوَرَثَةِ مَعَ دَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ) لِلتَّرِكَةِ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 الدِّيَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَفِي " الْإِقْنَاعِ " مَنَعَ صِحَّةَ عَفْوِهِ مَجَّانًا، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ. (وَمَنْ قَالَ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قَوَدٌ فِي نَفْسٍ أَوْ قَوَدٍ فِي طَرَفٍ: عَفَوْت عَنْ جِنَايَتِك أَوْ عَفَوْت عَنْك؛ بَرِئَ مِنْ قَوَدٍ وَدِيَةٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّ عَفْوَهُ عَنْ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُهُمَا (وَإِنْ أُبْرِئَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَاتِلٌ مِنْ دِيَةٍ وَاجِبَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ) ؛ أَيْ: الْقَاتِلِ، لَمْ يَصِحَّ (أَوْ) أُبْرِئَ (قِنٌّ مِنْ جِنَايَةٍ يَتَعَلَّقُ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ) فَمَاتَ الْقِنُّ (لَمْ يَصِحَّ) الْإِبْرَاءُ؛ لِوُقُوعِهِ عَلَى غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ كَإِبْرَاءِ عَمْرٍو مِنْ دَيْنِ زَيْدٍ (وَإِنْ أُبْرِئَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَاقِلَتُهُ) مِنْ دِيَةٍ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا؛ صَحَّ (أَوْ) أُبْرِئَ (سَيِّدُهُ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ الْجَانِي مِنْ جِنَايَةٍ يَتَعَلَّقُ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ؛ صَحَّ (أَوْ قَالَ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ (عَفَوْت عَنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ، وَلَمْ يُسَمِّ الْمُبْرَأَ) مِنْ قَاتِلٍ أَوْ عَاقِلَةٍ أَوْ سَيِّدٍ (صَحَّ) الْإِبْرَاءُ؛ لِانْصِرَافِهِ إلَى مَنْ عَلَيْهِ (وَإِنْ وَجَبَ لِقِنٍّ قَوَدٌ أَوْ) وَجَبَ لَهُ (تَعْزِيرُ قَذْفٍ) وَنَحْوُهُ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ (طَلَبُهُ وَلَهُ إسْقَاطُهُ) ؛ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ دُونَ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ مَا دَامَ الْقِنُّ حَيًّا، وَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُ الْمَالِ (فَإِنْ مَاتَ) الْقِنُّ (فَلِسَيِّدِهِ) طَلَبُهُ وَإِسْقَاطُهُ كَالْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ. [بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ جِرَاحٍ أَوْ أَطْرَافٍ] (مَنْ أُخِذَ بِغَيْرِهِ فِي نَفْسٍ أُخِذَ بِهِ فِيمَا دُونَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 يُؤْخَذُ بِمِثْلِهِ، وَقَدْ نَبَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَصِّصًا عَلَيْهِ. فَرَوَى أَنَسٌ «أَنَّ الرُّبَيِّعِ عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَبَلُوا لَهَا الْعَفْوَ فَأَبَوْا إلَّا الْقِصَاصَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ؟ لَا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ، فَرَضِيَ الْقَوْمُ، فَعَفَوْا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالتِّرْمِذِيَّ. فَنَصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ فِي كَسْرِ السِّنِّ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ أَقْوَى مِنْ حُرْمَةِ الطَّرَفِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِي النَّفْسِ دُونَ الطَّرَفِ، وَإِذَا جَرَى الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ مَعَ تَأَكُّدِ حُرْمَتِهَا؛ فَلَأَنْ يَجْرِيَ فِي الطَّرَفِ أَوْلَى (وَمَنْ لَا) يُؤْخَذُ بِغَيْرِهِ فِي نَفْسٍ (فَلَا) يُؤْخَذُ بِهِ فِيمَا دُونَهَا، كَالْأَبَوَيْنِ مَعَ وَلَدِهِمَا، وَالْحُرِّ مَعَ الْعَبْدِ، وَالْمُسْلِمِ مَعَ الْكَافِرِ، فَلَا يُقْتَصُّ لَهُ فِي طَرَفٍ وَلَا جِرَاحٍ؛ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ، وَكَذَا قَاطِعُ حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٌّ أَوْ زَانٍ مُحْصَنٌ؛ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ مِثْلَهُ، وَيُقْطَعُ حُرٌّ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَعَبْدٌ بِمِثْلِهِ وَذَكَرٌ بِأُنْثَى وَخُنْثَى، وَعَكْسُهُ، وَنَاقِصٌ بِكَامِلٍ كَالْعَبْدِ بِالْحُرِّ وَالْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ. (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (فِي نَوْعَيْنِ) أَحَدُهُمَا (أَطْرَافٌ وَ) الثَّانِي (جُرُوحٌ، وَيَجِبُ) الْقِصَاصُ فِي النَّوْعَيْنِ (بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ) : (أَحَدُهَا الْعَمْدُ الْمَحْضُ) فَلَا قِصَاصَ فِي الْخَطَأِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ، وَهِيَ الْأَصْلُ فَفِيمَا دُونَهَا أَوْلَى، وَلَا فِي شَبَهِ الْعَمْدِ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْخَطَأِ فَكَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ قِيَاسًا عَلَى النَّفْسِ. الشَّرْطُ (الثَّانِي: إمْكَانُ الِاسْتِيفَاءِ) ؛ أَيْ: اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (بِلَا حَيْفٍ، بِأَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ مَفْصِلٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ كَالْكُوعِ وَالْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ (أَوْ يَنْتَهِي إلَى حَدٍّ، كَمَارِنِ الْأَنْفِ، وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْأَنْفِ دُونَ الْعَصَبَةِ (فَلَا قِصَاصَ فِي جَائِفَةٍ) ؛ أَيْ: جُرْحٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 وَاصِلٍ إلَى بَطْنِ الْجَوْفِ (أَوْ) فِي (كَسْرِ عَظْمِ غَيْرِ أَسْنَانٍ) وَأَضْرَاسٍ (وَلَا إنْ قَطَعَ الْقَصَبَةَ) ؛ أَيْ: قَصَبَةَ أَنْفٍ (أَوْ) قَطَعَ (بَعْضَ سَاعِدٍ أَوْ) قَطَعَ بَعْضَ (سَاقٍ أَوْ) أَوْ قَطَعَ بَعْضَ (عَضُدٍ أَوْ) قَطَعَ بَعْضَ (وِرْكٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا بِلَا حَيْفٍ، بَلْ رُبَّمَا أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْ الْفَائِتِ، أَوْ يَسْرِي إلَى عُضْوٍ آخَرَ أَوْ إلَى النَّفْسِ؛ فَيُمْنَعُ مِنْهُ، وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْكُوعِ فَتَأَكَّلَتْ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ؛ فَلَا قَوَدَ اعْتِبَارًا بِالِاسْتِقْرَارِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " (وَأَمَّا الْأَمْنُ مِنْ الْحَيْفِ فَشَرْطٌ لِجَوَازِهِ) ؛ أَيْ: الِاسْتِيفَاءِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ وَهُوَ الْعُدْوَانُ عَلَى مُكَافِئِهِ عَمْدًا مَعَ الْمُسَاوَاةِ فِي الِاسْمِ وَالصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ، لَكِنَّ الِاسْتِيفَاءَ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِخَوْفِ الْعُدْوَانِ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ تَعَيَّنَتْ الدِّيَةُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ شَرْطٌ لِلِاسْتِيفَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ انْبَنَى عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ مَاذَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا لَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ شَيْءٌ إلَّا أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ إذَا عَفَا عَنْهُ، يَكُونُ قَدْ عَفَا عَنْ حَقٍّ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: مُوجِبُ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ انْتَقَلَ الْوُجُوبُ إلَى الدِّيَةِ (فَيَقْتَصُّ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ (مِنْ مَنْكِبٍ مَا لَمْ يَخَفْ جَائِفَةً) بِلَا نِزَاعٍ (فَإِنْ خِيفَ) إنْ اقْتَصَّ مِنْ مَنْكِبِ جَائِفَةٍ (فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ مِرْفَقِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ حَقِّهِ (وَمَنْ أَوْضَحَ) إنْسَانًا (أَوْ شَجَّ إنْسَانًا دُونَ مُوضِحَةٍ، أَوْ لَطَمَهُ فَذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنِهِ أَوْ) لَطَمَهُ، فَذَهَبَ (شَمُّهُ أَوْ سَمْعُهُ؛ فَعَلَ بِهِ) ؛ أَيْ: الْجَانِي (كَمَا فَعَلَ) فِي الْأَصَحِّ، فَيُوضِحُهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِثْلَ مُوضِحَتِهِ، أَوْ يَشُجُّهُ مِثْلَ شَجَّتِهِ، أَوْ يَلْطِمُهُ مِثْلَ لَطْمَتِهِ. وَفِي " الْإِقْنَاعِ ": وَإِنْ أَذْهَبَ ذَلِكَ؛ أَيْ: ضَوْءَ الْبَصَرِ أَوْ السَّمْعَ أَوْ الشَّمَّ بِشَجَّةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ دُونَ الْمُوضِحَةِ، أَوْ لَطَمَهُ فَأَذْهَبَ ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ انْتَهَى. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ (فَإِنْ ذَهَبَ) بِذَلِكَ مَا أَذْهَبَهُ الْجَانِي مِنْ سَمْعٍ أَوْ بَصَرٍ أَوْ شَمٍّ؛ فَقَدْ اسْتَوْفَى الْحَقَّ (وَإِلَّا) يَذْهَبْ (فَعَلَ بِهِ مَا يُذْهِبُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَى حَدَقَةٍ أَوْ أَنْفٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ (مِنْ) غَيْرِ زِيَادَةٍ فَيَطْرَحُ فِي الْعَيْنِ كَافُورًا بَعْدَ تَغْطِيَةِ عَيْنِهِ الْأُخْرَى بِقُطْنٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ يُقَرِّبُ مِنْهُ مِرْآةً مَحْمِيَّةً أَوْ حَدِيدَةً مَحْمِيَّةً، ثُمَّ يَقْطُرُ عَلَيْهَا مَاءً، ثُمَّ يَقْطُرُ مِنْهُ فِي الْعَيْنِ؛ لِيَذْهَبَ بَصَرُهَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) ذَهَابُهُ (إلَّا بِهَا) أَيْ: بِالْجِنَايَةِ عَلَى حَدَقَةٍ أَوْ أَنْفٍ أَوْ مَارِنٍ بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (سَقَطَ) الْقَوَدُ (إلَى الدِّيَةِ) وَتَكُونُ فِي مَالِ جَانٍ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ. (وَمِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ مِرْفَقٍ فَأَرَادَ الْقَطْعَ مِنْ كُوعِ) يَدِ جَانٍ (مُنِعَ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ؛ فَلَا يَقْتَصُّ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِاعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَحَلِّ حَيْثُ لَا مَانِعَ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: الْمُسَاوَاةُ) كَالْعَيْنِ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفِ بِالْأَنْفِ، وَالْأُذُنِ بِالْأُذُنِ، وَالسِّنِّ بِالسِّنِّ؛ لِلْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ. وَالِاخْتِلَافُ (فِي الِاسْمِ) دَلِيلُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَعْنَى (وَ) الْمُسَاوَاةُ فِي (الْمَوْضِعِ) فَلَا تُؤْخَذُ يَمِينٌ بِيَسَارٍ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا جِرَاحَةٌ فِي الْوَجْهِ بِجِرَاحَةٍ فِي الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ اعْتِبَارًا لِلْمُمَاثَلَةِ (فَيُؤْخَذُ كُلٌّ مِنْ أَنْفٍ) بِمِثْلِهِ (وَذَكَرٍ مَخْتُونٍ أَوْ لَا) أَيْ: غَيْرِ مَخْتُونٍ بِذَكَرٍ مَخْتُونٍ أَوْ لَا؛ إذْ الْخِتَانُ وَعَدَمُهُ لَا أَثَرَ لَهُ لِلْمُسَاوَاةِ فِي الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْقُلْفَةَ زِيَادَةٌ مُسْتَحِقَّةُ الْإِزَالَةِ، فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا، وَسَوَاءٌ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ، وَالذَّكَرُ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ؛ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ بِذَلِكَ، (وَ) يُؤْخَذُ كُلٌّ مِنْ (أُصْبُعٍ وَكَفٍّ وَمِرْفَقٍ وَيُمْنَى وَيُسْرَى مِنْ عَيْنٍ وَأُذُنٍ مَثْقُوبَةٍ أَوْ لَا، وَيَدٍ وَرِجْلٍ وَخُصْيَةٍ وَأَلْيَةٍ) بِفَتْحٍ فَقَطْ (وَشُفْرِ) امْرَأَةٍ بِوَزْنِ قُفْلٍ، وَهُوَ أَحَدُ الشُّفْرَيْنِ - أَيْ اللَّحْمَيْنِ الْمُحِيطَيْنِ بِالرَّحِمِ كَإِحَاطَةِ الشَّفَتَيْنِ بِالْفَمِ - (أُبِينَ) أَيْ: قُطِعَ بِمِثْلِهِ (وَ) يُؤْخَذُ كُلٌّ مِنْ (عُلْيَا وَسُفْلَى مِنْ شَفَةٍ، وَيُمْنَى وَيُسْرَى وَعُلْيَا وَسُفْلَى مِنْ سِنٍّ مَرْبُوطَةٍ - أَوْ لَا) أَيْ: غَيْرِ مَرْبُوطَةٍ بِمِثْلِهَا فِي الْمَوْضِعِ، (وَيُؤْخَذُ جَفْنٌ بِمِثْلِهِ فِي الْمَوْضِعِ) . وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ جَرَيَانُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 الْقِصَاصِ فِي الْأَلْيَةِ وَالشُّفْرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ؛ وَلِأَنَّ لَهُمَا حَدًّا يَنْتَهِيَانِ إلَيْهِ، فَجَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا كَالذَّكَرِ، وَكَذَا الْخُصْيَةُ إنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ يُمْكِنُ أَخْذُهَا مَعَ سَلَامَةِ الْأُخْرَى. (وَلَوْ قَطَعَ) شَخْصٌ (صَحِيحٌ أُنْمُلَةً عُلْيَا مِنْ شَخْصٍ وَ) قَطَعَ الصَّحِيحُ أَيْضًا أُنْمُلَةً (وُسْطَى مِنْ أُصْبُعِ نَظِيرَتِهَا مِنْ) شَخْصٍ (آخَرَ لَيْسَ لَهُ) أُنْمُلَةٌ (عُلْيَا) ؛ (خُيِّرَ رَبُّ) الْأُنْمُلَةِ (الْوُسْطَى بَيْنَ أَخْذِ عَقْلِهَا) ؛ أَيْ: دِيَةِ الْأُنْمُلَةِ الْوُسْطَى (الْآنَ) ؛ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهَا (وَلَا قِصَاصَ لَهُ بَعْدَ أَخْذِ عَقْلِهَا) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَفْوِ (أَوْ) بَيْنَ (صَبْرٍ) عَنْ أَخْذِ عَقْلِهَا (حَتَّى تَذْهَبَ عُلْيَا قَاطِعٍ بِقَوَدٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ مَرَضٍ أَوْ قَطْعٍ تَعَدِّيًا (ثُمَّ يَقْتَصُّ) بِقَطْعِ الْوُسْطَى (وَلَا أَرْشَ لَهُ الْآنَ) إنْ صَبَرَ (بِخِلَافِ غَصْبِ مَالٍ) ؛ لِسَدِّ مَالٍ مَسَدَّ مَالٍ يَعْنِي أَنَّهُ مَتَى (تَعَذَّرَ رَدُّهُ) أَيْ: الْمَغْصُوبِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ (فَيُؤْخَذُ بَدَلُهُ) الْآنَ لِلْحَيْلُولَةِ (فَإِذَا رُدَّ) مَغْصُوبٌ لِمَالِكِهِ (رَدَّ) الْمَالِكُ مَا أَخَذَهُ مِنْ (الْبَدَلِ، وَيُؤْخَذُ) عُضْوٌ (زَائِدٌ بِ) عُضْوٍ زَائِدٍ (مِثْلِهِ مَوْضِعًا أَوْ خِلْقَةً، وَلَوْ تَفَاوَتَا قَدْرًا) كَالْأَصْلِيَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْأُصْبُعَيْنِ عِنْدَ الْإِبْهَامِ، وَالْآخَرُ عِنْدَ الْخِنْصَرِ مِثْلُهُ؛ أَوْ أَحَدُهُمَا بِصُورَةِ الْإِبْهَامِ وَالْآخَرُ بِصُورَةِ الْخِنْصَرِ مَثَلًا، فَلَا قِصَاصَ؛ لِانْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ، وَ (لَا) يُؤْخَذُ (أَصْلِيٌّ بِزَائِدٍ أَوْ عَكْسُهُ) ، أَيْ: زَائِدٌ بِأَصْلِيٍّ (وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ) ؛ لِعَدَمِ التَّسَاوِي فِي الْمَكَانِ وَالْمَنْفَعَةِ، إذْ الْأَصْلِيُّ مَخْلُوقٌ فِي مَكَانِهِ؛ لِمَنْفَعَةٍ فِيهِ بِخِلَافِ الزَّائِدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجَانِي زَائِدٌ يُؤْخَذُ بِمَا جَنَى عَلَيْهِ؛ فَحُكُومَةٌ؛ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ، وَتُؤْخَذُ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ كَامِلَةُ الْأَصَابِعِ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ زَائِدَةٌ أُصْبُعٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَيْبٌ وَنَقْصٌ فِي الْمَعْنَى، فَلَمْ يَمْنَعْ وُجُودُهَا لِلْقِصَاصِ كَالسِّلْعَةِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ الْأَصْلِيَّةِ بِالزَّائِدَةِ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ خِنْصَرٍ بِبِنْصِرٍ؛ لَمْ يَجُزْ (لِأَنَّ الدِّمَاءَ لَا تُسْتَبَاحُ بِالِاسْتِبَاحَةِ) وَالْبَذْلِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 (وَلَا) يَجُوزُ أَخْذُ (شَيْءٍ بِمَا يُخَالِفُهُ) فِي الِاسْمِ أَوْ الْمَوْضِعِ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ قَتْلُ نَفْسِهِ وَلَا قَطْعُ طَرَفِهِ، وَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ بِإِبَاحَةٍ لَهُ؛ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (فَإِنْ فَعَلَ فَقَطَعَ يَسَارَ جَانٍ مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي يَمِينِهِ بِتَرَاضِيهِمَا) أَجْزَأَتْ، وَلَا ضَمَانَ (أَوْ قَالَ) مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي يَمِينِ جَانٍ لَهُ (أَخْرِجْ يَمِينَك فَأَخْرَجَ) الْجَانِي (يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ غَلَطًا أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تُجْزِئُ فَقَطَعَهَا أَجْزَأَتْ وَلَا ضَمَانَ) ؛ لِقَطْعِهِ عُضْوًا مِثْلَ عُضْوِهِ اسْمًا وَصُورَةً وَقَدْرًا فَأَجْزَأَ عَنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ نَاقِصَةً فَرَضِيَا بِقَطْعِهَا (وَإِنْ كَانَ) الْجَانِي عَاقِلًا حِينَ الْقَطْعِ، ثُمَّ صَارَ (مَجْنُونًا) حِينَ الْقِصَاصِ فَقَطَعَ الْمُقْتَصُّ يَسَارَهُ فِي يَمِينِهِ (فَعَلَى الْمُقْتَصِّ الْقَوَدُ إنْ عَلِمَ) الْمُقْتَصُّ (أَنَّهَا) ؛ أَيْ: الْيَدَ الْمَقْطُوعَةَ (يَسَارٌ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ) عَنْ الْيَمِينِ؛ لِجِنَايَتِهِ عُدْوَانًا عَلَى مَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ (وَإِنْ جَهِلَ) الْمُقْتَصُّ (أَحَدَهُمَا) ، أَيْ: أَنَّهَا الْيَسَارُ، وَأَنَّهَا تُجْزِئُ (فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ) دُونَ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّ جَهْلَهُ بِذَلِكَ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ الْقَوَدِ، فَتَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ (وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَصُّ مَجْنُونًا) فَقَطَعَ يَسَارَ مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي يَمِينِهِ (وَ) كَانَ (الْجَانِي عَاقِلًا ذَهَبَتْ) يَدُهُ (هَدَرًا) ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَجْنُونِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَقَدْ أَعَانَهُ بِإِخْرَاجِ يَدِهِ لِيَقْطَعَهَا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ عَاقِلٌ لِمَجْنُونٍ: اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ. هَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ "، أَوْ قَالَ: أَخْرِجْ يَمِينَك، فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ 467 غَلَطًا، أَوْ ظَنًّا أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ فَقَطَعَهَا؛ أَجْزَأَتْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَمْ يَبْقَ قَوَدٌ وَلَا ضَمَانٌ حَتَّى وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْنُونًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّعَدِّي؛ قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهَذَا الْمَذْهَبُ. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: مُرَاعَاةُ الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ) (فَلَا تُؤْخَذُ) يَدٌ أَوْ رِجْلٌ (كَامِلَةُ أَصَابِعَ أَوْ كَامِلَةُ أَظْفَارٍ بِنَاقِصَتِهَا، رَضِيَ الْجَانِي بِذَلِكَ أَوْ لَا) ؛ لِزِيَادَةِ الْمَأْخُوذِ عَلَى الْفَوْتِ، فَلَا يَكُونُ مُقَاصَّةً (بَلْ) تُؤْخَذُ سَلِيمَةُ الْأَظْفَارِ بِنَظِيرَتِهَا (مَعَ) كَوْنِهَا ذَاتَ (أَظْفَارٍ مَعِيبَةٍ) كَمَا يُؤْخَذُ الصَّحِيحُ بِالْمَرِيضِ (وَلَا) تُؤْخَذُ (عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِقَائِمَةٍ) وَهِيَ الَّتِي بَيَاضُهَا وَسَوَادُهَا صَافِيَانِ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يُبْصِرُ بِهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ؛ لِنَقْصِ مَنْفَعَتِهَا، فَلَا تُؤْخَذُ بِهَا كَامِلَةُ الْمَنْفَعَةِ. (وَلَا) يُؤْخَذُ (لِسَانٌ نَاطِقٌ) بِلِسَانٍ (أَخْرَسَ) ؛ لِنَقْصِهِ، وَلَا يُؤْخَذُ عُضْوٌ (صَحِيحٌ) بِعُضْوٍ (أَشَلَّ) (مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ وَذَكَرٍ وَلَوْ شُلَّ) ذَلِكَ الْعُضْوُ (بَعْدَ) الْجِنَايَةِ عَلَى نَظِيرِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ (أَوْ كَانَ بِبَعْضِهِ شَلَلٌ كَأُنْمُلَةِ يَدٍ) ، وَالشَّلَلُ فَسَادُ الْعُضْوِ وَذَهَابُ حَرَكَتِهِ، لِأَنَّ الْعُضْوَ إذَا ذَهَبَ فَسَدَتْ مَنْفَعَتُهُ، فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ الصَّحِيحُ؛ لِزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ بِبَقَاءِ مَنْفَعَتِهِ فِيهِ (وَلَا يُؤْخَذُ ذَكَرُ فَحْلٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ أَوْ عَنِينٍ أَوْ) ذَكَرِ (خُنْثَى) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيمَا ذُكِرَ، لِأَنَّ ذَكَرَ الْعَنِينِ لَا يُوجَدُ مِنْهُ وَطْءٌ وَلَا إنْزَالٌ، وَالْخَصِيُّ لَا يُولَدُ لَهُ، وَلَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ فِيهِمَا، وَالْخُنْثَى كَذَلِكَ فَهُمْ كَالذَّكَرِ الْأَشَلِّ (وَيُؤْخَذُ مَارِنُ) الْأَنْفِ (الْأَشَمِّ الصَّحِيحِ، بِمَارِنِ الْأَخْشَمِ الَّذِي لَا يَجِدُ رَائِحَةَ شَيْءٍ) ؛ لِأَنَّهُ لِعِلَّةٍ فِي الدِّمَاغِ وَالْأَنْفِ، (وَ) يُؤْخَذُ مَارِنُ الْأَنْفِ الصَّحِيحِ (بِ) مَارِنِ الْأَنْفِ (الْمَخْرُومِ الَّذِي قُطِعَ وَتَرُ أَنْفِهِ) وَهُوَ حِجَابُ مَا بَيْنَ الْمَنْخَرَيْنِ أَوْ طَرَفُ الْأَنْفِ، وَلَمْ يَبْلُغْ الْجَدْعَ. قَالَهُ فِي " الْمُطْلِعِ "؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الصَّحِيحِ (أَوْ) يُؤْخَذُ مَارِنُ الْأَنْفِ الصَّحِيحِ (بِالْمُتَحَشِّفِ الرَّدِيءِ) لِمَا تَقَدَّمَ، (وَ) تُؤْخَذُ (أُذُنُ سَمِيعٍ بِأُذُنِ أَصَمًّ شَلَّاءَ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْجَمَالُ (وَيُؤْخَذُ مَعِيبٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِمِثْلِهِ إنْ أُمِنَ تَلَفٌ مِنْ قَطْعٍ شَاذٍّ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْخِبْرَةِ فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ إذَا قُطِعَ لَمْ تَفْسُدْ الْعُرُوقُ، وَيَدْخُلُ الْهَوَاءُ إلَى الْبَدَنِ فَيُفْسِدُهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ نَفْسٍ بِأَخْذٍ بِطَرَفٍ، وَإِنْ أُمِنَ فَلَهُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ وَالسَّمْعَ لَيْسَ بِنَفْسِ الْعُضْوِ، لِأَنَّ مَقْطُوعَ الْأُذُنِ وَالْأَنْفِ يَسْمَعُ وَيَشُمُّ، وَإِنَّمَا هُوَ زِينَةٌ وَجَمَالٌ، لِئَلَّا يَبْقَى مَوْضِعُ الْأُذُنِ ثَقْبًا مَفْتُوحًا، فَيُقَبِّحُ مَنْظَرَهُ، وَلَا يَبْقَى لَهُ مَا يَرُدُّ الْمَاءَ وَالْهَوَاءَ عَنْ الصِّمَاخِ، وَلِئَلَّا يَبْقَى مَوْضِعُ الْأَنْفِ مَفْتُوحًا فَيَدْخُلُ الْهَوَاءُ إلَى الدِّمَاغِ فَيَفْسُدُ بِهِ، فَجُعِلَ لَهُ غِطَاءً لِذَلِكَ، (وَ) يُؤْخَذُ مَعِيبٌ مِمَّا ذُكِرَ (بِصَحِيحٍ بِلَا أَرْشٍ) ؛ لِأَنَّ الشَّلَّاءَ مِنْ ذَلِكَ كَالصَّحِيحَةِ خِلْقَةً، وَإِنَّمَا نَقَصَتْ صِفَةً (وَيُصَدَّقُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ) إنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 اخْتَلَفَ مَعَ جَانٍ فِي شَلَلِ الْعُضْوِ بِأَنْ قَالَ جَانٍ: قَطَعْته أَشَلَّ، وَقَالَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ: صَحِيحًا، فَقَوْلُ مَجْنِيٍّ (بِيَمِينِهِ فِي صِحَّةِ مَا جُنِيَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ. [فَصْلٌ أَذْهَبَ بَعْضَ لِسَانٍ أَوْ مَارِنٍ أَوْ شَفَةٍ أَوْ حَشَفَةٍ أَوْ أُذُنٍ أَوْ سِنٍّ جِنَايَة عَلَى غَيْره] فَصْلٌ (وَمَنْ أَذْهَبَ بَعْضَ لِسَانٍ أَوْ) بَعْضَ (مَارِنٍ أَوْ) بَعْضَ (شَفَةٍ أَوْ) بَعْضَ (حَشَفَةٍ أَوْ) بَعْضَ (أُذُنٍ أَوْ) بَعْضَ (سِنٍّ أُقِيدَ مِنْهُ مَعَ أَمْنِ قَلْعِهِ بِقَدْرِهِ) ؛ أَيْ: أَذْهَبَهُ جَانٍ (بِنِسْبَةِ الْأَجْزَاءِ) مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ (كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ) وَرُبُعٍ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ؛ وَلِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يُؤْخَذُ بِجَمِيعِهِ؛ فَأُخِذَ بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِالْمِسَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى أَخْذِ لِسَانِ الْجَانِي جَمِيعِهِ بِبَعْضِ لِسَانِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. (وَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ لِمَا رُجِيَ عَوْدُهُ) مَا ذَهَبَ بِجِنَايَةٍ (فِي مُدَّةٍ تَقُولُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ) [مِنْ] بَيَانٍ لِمَا (عُيِّنَ كَسِنٍّ) وَضِرْسٍ (أَوْ مَنْفَعَةٍ كَعَدْوٍ) بِأَنْ جُنِيَ عَلَيْهِ فَصَارَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْدُوَ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْعَوْدِ، فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَتَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ؛ فَوَجَبَ تَأْخِيرُهُ، فَإِنْ عَادَ فَلَا شَيْءَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ شَعْرَهُ فَعَادَ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فِي الْمُدَّةِ وَجَبَ ضَمَانُهُ كَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُرْجَى عَوْدُهُ (فَلَوْ مَاتَ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ (فِيهَا) ، أَيْ: الْمُدَّةِ الَّتِي قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِعَوْدِهَا فِيهَا (تَعَيَّنْت دِيَةُ الذَّاهِبِ) بِالْجِنَايَةِ لِلْيَأْسِ مِنْ عَوْدِهِ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَعُدْ. (وَإِنْ ادَّعَى جَانٍ عَوْدَهُ) ؛ أَيْ: الذَّاهِبِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ (حَلَفَ رَبُّ الْجِنَايَةِ) عَلَى عَدَمِ عَوْدِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَمَتَى عَادَ) مَا ذَهَبَ بِالْجِنَايَةِ (بِحَالِهِ) ؛ أَيْ: عَلَى صِفَتِهِ قَبْلَ ذَهَابِهِ (فَلَا أَرْشَ) عَلَى جَانٍ كَمَا لَوْ قَطَعَ شَعْرَهُ وَعَادَ (وَ) إنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 عَادَ (نَاقِصًا فِي قَدْرٍ) بِأَنْ عَادَ السِّنُّ قَصِيرًا، ضَمِنَ مَا نَقَصَ مِنْهُ بِالْحِسَابِ، فَفِي ثُلُثِهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَتَبِعَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (أَوْ) عَادَ نَاقِصًا فِي (صِفَةٍ) بِأَنْ عَادَ السِّنُّ أَخْضَرَ وَنَحْوُهُ كَمَا لَوْ عَادَ مَائِلًا عَنْ مَحَلِّهِ (فَ) عَلَى جَانٍ (حُكُومَةٌ) لِحُدُوثِ النَّقْصِ بِفِعْلِهِ؛ فَضَمِنَهُ، وَيَأْتِي (ثُمَّ إنْ كَانَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (أَخَذَ دِيَةَ) مَا أَذْهَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ ثُمَّ عَادَ (رَدَّهَا) إلَى مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ، (أَوْ) كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (اقْتَصَّ) مِنْ جَانٍ نَظِيرَ مَا أَذْهَبَهُ مِنْهُ، ثُمَّ عَادَ (فَلِجَانٍ الدِّيَةُ) ؛ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى ذَلِكَ بِلَا حَقٍّ، وَلَا قِصَاصٍ؛ لِلشُّبْهَةِ (وَيَرُدُّهَا) أَيْ: وَيَرُدُّ الْجَانِي مَا أَخَذَهُ دِيَةً عَمَّا اقْتَصَّ مِنْهُ (وَإِنْ عَادَ) مَا أَخَذَ الْجَانِي دِيَتَهُ بِسَبَبِ عَوْدِ مَا جُنِيَ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ (وَمَنْ قَلَعَ سِنَّهُ أَوْ ظُفُرَهُ تَعَدِّيًا، أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ كَمَارِنٍ وَأُذُنٍ فَرَدَّهُ فَالْتَحَمَ؛ فَلَهُ) أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (أَرْشُ نَقْصِهِ) أَيْ: حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَرْشُ كُلِّ نَقْصٍ بِجِنَايَةٍ لَا مُقَدَّرَ فِيهَا (وَإِنْ قَلَعَهُ) أَيْ: مَا قُطِعَ، ثُمَّ الْتَحَمَ (قَالِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ، لَا الْقِصَاصُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَادُ بِهِ الصَّحِيحُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ؛ لِنَقْصِهِ بِالْقَطْعِ الْأَوَّلِ. (وَمَنْ جَعَلَ مَكَانَ سِنٍّ قُلِعَتْ) بِجِنَايَتِهِ (عَظْمًا أَوْ سِنًّا أُخْرَى وَلَوْ مِنْ آدَمِيٍّ، فَثَبَتَتْ؛ لَمْ تَسْقُطْ دِيَةُ) السِّنِّ أَيْ: (الْمَقْلُوعَةِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَجْعَلْ مَكَانَهُ شَيْءٌ (وَعَلَى مُبِينِ مَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ حُكُومَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ بِإِبَانَتِهِ، وَلَا يَجِدُ بِهِ دِيَتَهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيِّ) مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ وَارِثُهُ إذَا ادَّعَى جَانٍ عَلَى طَرَفِهِ عَوْدًا وَالْتِحَامَ مَا قَطَعَهُ مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا أَرْشُ نَقْصِهِ وَأَنْكَرَهُ الْوَلِيُّ (بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِ عَوْدِهِ وَالْتِحَامِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَبَقَاءُ الضَّمَانِ؛ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى مَا يُسْقِطُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، كَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَادَّعَى الْإِبْرَاءَ مِنْهُ (أَوْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 الْوَفَاءَ (وَلَوْ كَانَ الْتِحَامُهُ) أَيْ: الْقَطْعِ (مِنْ جَانٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ؛ أُقِيدَ ثَانِيًا) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ أَبَانَ عُضْوًا مِنْ غَيْرِهِ دَوَامًا، فَكَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إبَانَتُهُ مِنْهُ كَذَلِكَ؛ لِتَحَقُّقِ الْمُقَاصَّةِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ " الْفُرُوعِ. " وَفِي " الْإِقْنَاعِ ": وَمَنْ قُطِعَتْ أُذُنُهُ وَنَحْوُهَا قِصَاصًا فَأَلْصَقَهَا فَالْتَصَقَتْ، فَطَلَبَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إبَانَتَهَا؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ. [فَصْلٌ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ الْجُرُوح] فَصْلٌ (النَّوْعُ الثَّانِي) : مِمَّا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (الْجُرُوحُ) ، (وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِهِ) ؛ أَيْ: الْقِصَاصِ (فِيهَا) ؛ أَيْ: الْجُرُوحِ زِيَادَةٌ (عَلَى) مَا سَبَقَ (انْتِهَاؤُهَا إلَى عَظْمٍ) (كَجُرْحِ عَضُدٍ وَسَاعِدٍ وَفَخِذٍ وَسَاقٍ وَقَدَمٍ وَكَمُوضِحَةٍ) فِي رَأْسٍ أَوْ وَجْهٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ؛ وَلِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِلَا حَيْفٍ وَلَا زِيَادَةٍ؛ لِانْتِهَائِهِ إلَى عَظْمٍ، فَأَشْبَهَ الْمُوضِحَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَى جَوَازِ الْقِصَاصِ فِيهَا، وَلَا قِصَاصَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشِّجَاجِ وَالْجُرُوحِ كَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا (وَلِمَجْرُوحٍ) جُرْحًا (أَعْظَمَ مِنْهَا) ؛ أَيْ: الْمُوضِحَةِ (كَهَاشِمَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ وَمَأْمُومَةٍ أَنْ يَقْتَصَّ بِهِ مُوضِحَةً) ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَصُّ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ، وَيَقْتَصُّ مِنْ مَحَلِّ جِنَايَتِهِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَضَعُ السِّكِّينَ فِي مَوْضِعِ وَضْعِ الْجَانِي لِوُصُولِهِ سِكِّينَ الْجَانِي إلَى الْعَظْمِ، بِخِلَافِ قَاطِعِ السَّاعِدِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَضَعْ سَكِينَةً فِي الْكُوعِ (وَيَأْخُذُ) إذَا اقْتَصَّ مُوضِحَةً (مَا بَيْنَ دِيَتِهَا) أَيْ: الْمُوضِحَةِ (وَدِيَةِ تِلْكَ الشَّجَّةِ) الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مِنْهَا؛ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهِ، فَيَتَنَقَّلُ إلَى الْبَدَلِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ أُصْبُعَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ الْقِصَاصُ إلَّا مِنْ وَاحِدَةٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيَأْخُذُ فِي هَاشِمَةٍ) إذَا اقْتَصَّ مِنْ الْجَانِي مُوضِحَةً (خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ وَ) يَأْخُذُ فِي (مُنَقِّلَةٍ) إذَا اقْتَصَّ مِنْهُ مُوضِحَةً (عَشَرًا) مِنْ الْإِبِلِ (وَمَنْ خَالَفَ) مِمَّنْ جُنِيَ عَلَيْهِ (وَاقْتَصَّ مَعَ خَوْفِ) تَلَفِ الْجَانِي بِالْقِصَاصِ (مِنْ مَنْكِبٍ أَوْ) مِنْ نَحْوِ يَدٍ (شَلَّاءَ أَوْ) مِنْ قَطْعِ نِصْفِ (سَاعِدِهِ وَنَحْوِهِ) كَمَنْ قَطَعَ نِصْفَ سَاقَهُ، (أَوْ) اقْتَصَّ (مِنْ مَأْمُومَةٍ أَوْ جَائِفَةٍ مِثْلَ ذَلِكَ) بِأَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا فَعَلَ بِهِ بِأَنْ لَمْ يَشُجَّهُ فِي الْمَأْمُومَةِ دَامِغَةً، وَلَمْ يَصِلْ فِي الْجَائِفَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ غَوْرًا مِنْ جِنَايَةِ الْجَانِي (وَلَمْ يَسْرِ) جُرْحُهُ (وَقْعُ الْمُوقِعِ، وَلَمْ يَنِزَّ مِنْهُ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ كَمَا فَعَلَ الْجَانِي، فَتَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ؛ فَلَمْ يَنِزَّ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ (وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ جُرْحٍ بِمِسَاحَةٍ دُونَ كَثَافَةِ لَحْمٍ) لِأَنَّ حَدَّهُ الْعَظْمُ، وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي قِلَّةِ اللَّحْمِ وَكَثْرَتِهِ، فَلَوْ رُوعِيَتْ الْكَثَافَةُ لَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ. وَصِفَةُ الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ: أَنْ يَعْمِدَ إلَى مَوْضِعِ الشَّجَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ، فَيُعَلِّمَ طُولَهَا وَعَرْضَهَا بِخَشَبَةٍ أَوْ خَيْطٍ، وَيَضَعَهَا عَلَى رَأْسِ الشَّاجِّ وَيُعَلِّمَ طَرَفَيْهِ بِسَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَأْخُذَ حَدِيدَةً عَرْضُهَا كَعَرْضِ الشَّجَّةِ فَيَضَعَهَا فِي أَوَّلِ الشَّجَّةِ وَنَحْوِهَا إلَى آخِرِهَا، فَيَأْخُذُ مِثْلَ الشَّجَّةِ طُولًا وَعَرْضًا (فَمَنْ أَوْضَحَ بَعْضَ رَأْسٍ، وَالْبَعْضُ الَّذِي أَوْضَحَهُ كَرَأْسِهِ) أَيْ الشَّاجِّ (أَوْ أَكْبَرَ) مِنْ رَأْسِهِ (أَوْضَحَهُ) الْمَشْجُوجُ (فِي) رَأْسِهِ (كُلِّهِ، وَلَا أَرْشَ لِزَائِدٍ) لِئَلَّا يَجْتَمِعَ فِي جُرْحٍ وَاحِدٍ قِصَاصٌ وَدِيَةٌ (وَمَنْ أَوْضَحَهُ) أَيْ الرَّأْسَ (كُلَّهُ وَرَأْسُهُ) أَيْ الْجَانِي (أَكْبَرُ) مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ (أَوْضَحَهُ) قَدْرَ شَجَّتِهِ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ (مُشَاءٍ لِمُقْتَصٍّ) مِنْ رَأْسِ الشَّاجِّ (وَلَوْ كَانَتْ) الشَّجَّةُ (بِقَدْرِ بَعْضِ الرَّأْسِ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الشَّاجِّ وَالْمَشْجُوجِ (لَمْ يَعْدِلْ عَنْ جَانِبِهَا) أَيْ الشَّجَّةِ (إلَى غَيْرِهِ) لِئَلَّا تَفُوتَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَوْضِعِ (وَيُسْتَوْفَى جُرْحٌ وَمُوضِحَةٌ بِمُوسَى أَوْ حَدِيدَةٍ مَاضِيَةٍ) مُعَدَّةٍ لِذَلِكَ لَا يُخْشَى مِنْهَا الزِّيَادَةُ وَيَكُونُ الِاسْتِيفَاءُ (بِيَدِ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ كَالْجَرَائِحِيِّ) وَمَنْ أَشْبَهَهُ مِمَّنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِذَلِكَ فَإِنْ، لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ خِبْرَةٌ بِذَلِكَ أَمَرَ بِالِاسْتِنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 نَوْعَيْ الْقِصَاصِ كَالنَّفْسِ (وَإِنْ اشْتَرَكَ عَدَدٌ) اثْنَانِ فَأَكْثَرُ (فِي قَطْعِ طَرَفٍ) عَمْدًا (أَوْ) اشْتَرَكَ عَدَدٌ فِي (جُرْحٍ مُوجِبٍ لِقَوَدٍ، وَلَوْ) كَانَ الْجُرْحُ (مُوضِحَةً وَلَمْ تَتَمَيَّزْ أَفْعَالُهُمْ كَأَنْ وَضَعُوا حَدِيدَةً) عَلَى يَدٍ وَتَحَامَلُوا (عَلَيْهَا) جَمِيعًا (حَتَّى بَانَتْ) الْيَدُ (فَعَلَى كُلٍّ) مِنْهُمْ (الْقَوَدُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةٍ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَا: هَذَا هُوَ السَّارِقُ وَأَخْطَأْنَا فِي الْأَوَّلِ، فَرَدَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الثَّانِي، وَغَرَّمَهُمَا دِيَةَ الْأَوَّلِ، وَقَالَ لَوْ عَلِمْت أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا؛ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِصَاصِ، فَأَخَذَ فِيهِ الْجَمَاعَةَ بِالْوَاحِدِ كَالْأَنْفُسِ (وَمَعَ تَفَرُّقِ أَفْعَالِهِمْ أَوْ قَطْعِ كُلٍّ) مِنْهُمْ مِنْ (جَانِبٍ لَا قَوَدَ عَلَى أَحَدٍ) مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ كُلًّا لَمْ يَقْطَعْ الْيَدَ وَلَمْ يُشَارِكْ فِي قَطْعِ جَمِيعِهَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرَ (مَا لَمْ يَتَوَاطَئُوا) عَلَى تَفْرِيقِ جِنَايَاتِهِمْ كَأَنْ قَطَعَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ جَانِبٍ أَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمْ بَعْضَ الْمَفْصِلِ وَأَتَمَّهُ غَيْرُهُ، أَوْ ضَرَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى حَدِيدَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ضَرْبَةً حَتَّى انْفَصَلَتْ، أَوْ وَضَعُوا مِنْشَارًا عَلَى مَفْصِلٍ ثُمَّ (جَرَّهُ) كُلُّ وَاحِدٍ إلَيْهِ مَرَّةً حَتَّى بَانَتْ الْيَدُ وَنَحْوُهَا، فَإِنْ تَوَاطَئُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَفَعَلُوهُ، فَعَلَيْهِمْ الْقَوَدُ، لِمَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ اشْتَرَكَ عَدَدٌ فِي قَتْلِ وَاحِدٍ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا تَقَدَّمَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ، وَهُوَ أَنَّ الْأَطْرَافَ وَنَحْوَهَا يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّسَاوِي، وَلِذَلِكَ لَا تُؤْخَذُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ وَلَا الْيَدُ ذَاتُ الْأَصَابِعِ بِنَاقِصَتِهَا، بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ الْكَامِلُ بِالنَّاقِصِ، وَالصَّحِيحُ بِالْمَرِيضِ، وَلِأَنَّ الْجِنَايَاتِ وَقَعَتْ مُخْتَلِفَةً، فَلَوْ قَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ جَانِبٍ، وَأَوْجَبْنَا الْقَوَدَ، لَقُطِعَ مِنْهُ مَا لَمْ يَقْطَعْ مِثْلَهُ، وَالتَّسَاوِي شَرْطٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 (وَتُضْمَنُ سِرَايَةُ جِنَايَةٍ حَتَّى وَلَوْ) بَعْدَ أَنْ (انْدَمَلَ جُرْحٌ وَاقْتُصَّ) مِنْ جَانٍ (ثُمَّ انْتَفَضَ) الْجُرْحُ (فَسَرَى) لِحُصُولِ التَّلَفِ بِفِعْلِ الْجَانِي، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَهُ (بِقَوَدٍ وَدِيَةٍ فِي نَفْسٍ وَدُونِهَا) يَتَعَلَّقُ بِتَضَمُّنٍ، فَلَوْ هَشَّمَهُ فِي رَأْسِهِ، فَسَرَى إلَى ذَهَابِ ضَوْءِ عَيْنِهِ ثُمَّ مَاتَ، اُقْتُصَّ مِنْهُ فِي النَّفْسِ وَأُخِذَ مِنْهُ دِيَةُ بَصَرِهِ (فَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَتَأَكَّلَتْ) أُصْبُعٌ (أُخْرَى) بِجَانِبِهَا (أَوْ) تَأَكَّلَتْ (الْيَدُ وَسَقَطَتْ مِنْ مَفْصِلٍ فَالْقَوَدُ) فِيمَا سَقَطَ (وَفِيمَا يُشَلُّ الْأَرْشُ) ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْقِصَاصِ فِي الشَّلَلِ، وَإِنْ سَرَتْ إلَى النَّفْسِ فَالْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ (وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ هَدَرٌ) ؛ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ: مَنْ مَاتَ مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَا دِيَةَ لَهُ، الْحَقُّ قَتَلَهُ رَوَاهُ سَعِيدٌ بِمَعْنَاهُ. وَلِأَنَّهُ قَطْعٌ بِحَقٍّ، فَكَمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَكَذَا سِرَايَتُهُ كَقَطْعِ السَّارِقِ (فَلَوْ قَطَعَ طَرَفًا قَوَدًا فَسَرَى إلَى النَّفْسِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى قَاطِعٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (لَكِنْ لَوْ قَطَعَهُ) أَيْ قَطَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْجَانِيَ (قَهْرًا) بِلَا إذْنِهِ وَلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (مَعَ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ) أَوْ حَالٍ لَا يُؤْمَنُ فِيهَا الْخَوْفُ مِنْ السِّرَايَةِ (أَوْ) قَطَعَهُ (بِآلَةٍ كَالَّةٍ أَوْ) بِآلَةٍ (مَسْمُومَةٍ وَنَحْوِهِ) كَحَرْقِهِ طَرَفًا يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ فِيهِ، فَيَمُوتُ جَانٍ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُقْتَصَّ (بَقِيَّةُ الدِّيَةِ) أَيْ يَضْمَنُ دِيَةَ النَّفْسِ مَنْقُوصًا مِنْهَا دِيَةُ الْعُضْوِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ فِيهِ الْقِصَاصُ فَإِنْ وَجَبَ فِي يَدٍ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ وَجَبَ فِي جَفْنٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَهَكَذَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ فِي أَنْفٍ أَوْ ذَكَرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ دِيَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. (وَيَحْرُمُ) قِصَاصٌ (فِي طَرَفٍ وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا يَحْرُمُ قِصَاصٌ فِي (جُرْحٍ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (حَتَّى يَبْرَأَ) ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى رَجُلٍ وَجَرَحَهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقِيدَ، فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسْتَقَادَ مِنْ الْجَارِحِ حَتَّى يَبْرَأَ الْمَجْرُوحُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. (فَإِنْ اقْتَصَّ) مَجْرُوحٌ (قَبْلَ) بُرْءِ جُرْحِهِ (فَسِرَايَتُهُمَا) أَيْ: جُرْحِ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ اقْتِصَاصِهِ قَبْلَ بُرْئِهِ (هَدَرٌ) أَمَّا الْجَانِي فَلِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ رَجُلًا طُعِنَ بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَقِدْنِي فَقَالَ: حَتَّى تَبْرَأَ، ثُمَّ جَاءَ إلَيْهِ، فَقَالَ: أَقِدْنِي فَأَقَادَهُ، ثُمَّ جَاءَ إلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَرِجْت فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُك، فَعَصَيْتنِي، فَأَبْعَدَك اللَّهُ، وَبَطَلَ عَرَجُك، ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَحْمَدُ. فَعَلَى هَذَا، إنْ اقْتَصَّ قَبْلَ الْبُرْءِ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ سِرَايَةِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ بِاقْتِصَاصِهِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ رَضِيَ بِتَرْكِ مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ بِالسِّرَايَةِ، فَبَطَلَ حَقُّهُ مِنْهُ كَمَا لَوْ رَضِيَ بِتَرْكِ الْقِصَاصِ، وَقَوْلُهُ: الْقِرَنُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ: الْجَعْبَةُ وَالسَّيْفُ وَالنَّبْلُ، وَقَوْلُهُ: بَطَلَ عَرَجُهُ؛ أَيْ: ذَهَبَ ضَيَاعًا وَخُسْرًا، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ". [كِتَابُ الدِّيَاتِ] ِ (جَمْعُ دِيَةٍ وَهِيَ) مَصْدَرٌ. وَدِيَةُ الْقَتِيلِ إذَا أُدِّيَتْ دِيَتُهُ كَالْعِدَّةِ مِنْ الْوَعْدِ وَشَرْعًا (الْمَالُ الْمُؤَدَّى إلَى مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيِّهِ أَوْ وَارِثِهِ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ) وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَفِي الْخَبَرِ: «فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» ) . وَفِي حَدِيثِ النَّسَائِيّ وَمَالِكٍ فِي " الْمُوَطَّإِ: «أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كِتَابًا إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ، وَقَالَ فِيهِ: وَفِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ كِتَابٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ، وَمَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةً يُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ الْإِسْنَادِ؛ وَلِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُتَوَاتِرَ فِي مَجِيئِهِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ تَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا. (وَمَنْ أَتْلَفَ إنْسَانًا) مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ بِسَبَبٍ كَشَهَادَةٍ عَلَيْهِ، أَوْ أَكْرَهَ عَلَى قَتْلِهِ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ تَعَدِّيًا؛ فَالدِّيَةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (أَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهُ بِمُبَاشَرَةٍ وَسَبَبٍ، فَدِيَةُ عَمْدٍ فِي مَالِهِ) أَيْ: الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ، وَلِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ أَثَرُ فِعْلِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْتَصَّ بِضَرَرِهَا، وَتَكُونُ حَالَّةً، وَإِنَّمَا خُولِفَ هَذَا فِي الْخَطَأِ لِكَثْرَتِهِ، فَيَكْثُرُ الْوَاجِبُ فِيهِ، وَيَعْجِزُ الْخَاطِئُ غَالِبًا عَنْ تَحَمُّلِهِ مَعَ قِيَامِ عُذْرِهِ، وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ وَرِفْقًا بِهِ، وَالْعَامِدُ لَا عُذْرَ لَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ، وَلَا يُوجَدُ فِيهِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْمُوَاسَاةِ. (وَ) دِيَةُ (غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْعَمْدِ وَهُوَ الْخَطَأُ وَشِبْهُ الْعَمْدِ (عَلَى عَاقِلَتِهِ) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، إجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. (وَلَا تُطْلَبُ دِيَةُ طَرَفٍ) قَبْلَ بُرْئِهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا لَا تُطْلَبُ دِيَةُ (جُرْحٍ قَبْلَ بُرْئِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَمَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 أَلْقَى عَلَى آدَمِيٍّ أَفْعَى) أَيْ: حَيَّةً خَبِيثَةً - قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ " - فَقَتَلَتْهُ (أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: الْأَفْعَى (فَقَتَلَتْهُ أَوْ طَلَبَهُ) ؛ أَيْ: الْآدَمِيُّ (بِسَيْفٍ وَنَحْوِهِ) كَخِنْجَرٍ مُجَرَّدٍ وَكَذَا لَوْ طَلَبَهُ بِدَبُّوسٍ أَوْ لُتَّ، وَنَحْوِهِ (فَتَلِفَ) الْآدَمِيُّ (فِي هَرَبِهِ، وَلَوْ) كَانَ الْهَارِبُ (غَيْرَ ضَرِيرٍ) فَفِيهِ الدِّيَةُ، سَوَاءٌ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ انْخَسَفَ بِهِ سَقْفٌ، أَوْ خَرَّ فِي بِئْرٍ، أَوْ غَرِقَ فِي مَاءٍ أَوْ لَقِيَهُ سَبُعٌ فَافْتَرَسَهُ، أَوْ احْتَرَقَ بِنَارٍ، صَغِيرًا كَانَ الْمَطْلُوبُ أَوْ كَبِيرًا، عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا؛ لِتَلَفِهِ بِسَبَبِ عُدْوَانِهِ. قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَ " الْبُلْغَةِ ": وَعِنْدِي أَنَّهُ كَذَلِكَ إذَا انْدَهَشَ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْبِئْرِ، أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ إلْقَاءَ نَفْسِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِالْهَلَاكِ؛ فَلَا خَلَاصَ مِنْ الْهَلَاكِ بِالْهَلَاكِ فَيَكُونُ كَالْمُبَاشِرِ مَعَ الْمُتَسَبِّبِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْت: الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِهِ أَنَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ، وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ (أَوْ رَوَّعَهُ بِأَنْ شَهَرَهُ) ؛ أَيْ: السَّيْفَ وَنَحْوَهُ (فِي وَجْهِهِ) فَمَاتَ خَوْفًا (أَوْ دَلَّاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَمَاتَ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ) خَوْفًا (أَوْ حَفَرَ بِئْرًا مُحَرَّمًا حَفْرُهُ) كَفِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ (أَوْ وَضَعَ حَجَرًا، أَوْ قِشْرَ بِطِّيخٍ، أَوْ صَبَّ مَاءً بِفِنَائِهِ) ؛ أَيْ: مَا اتَّسَعَ أَمَامَ دَارِهِ (أَوْ بِطَرِيقٍ، وَيَتَّجِهُ لَا) إنْ كَانَ صَبُّ الْمَاءِ بِالْأَفْنِيَةِ وَالطُّرُقِ (لِنَفْعٍ عَامٍّ) كَتَسْكِينِ الْغُبَارِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَاصِدًا بِهِ الثَّوَابَ (وَلَمْ يُسْرِفْ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ بِاَلَّتِي بِهَا) ؛ أَيْ الطَّرِيقِ (دَابَّتُهُ وَيَدُهُ عَلَيْهَا كَرَاكِبٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 وَسَائِقٍ وَقَائِدٍ) أَوْ بَالَ هُوَ بِالطَّرِيقِ، فَتَلِفَ بِهِ آدَمِيٌّ؛ فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَكَذَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ مَاشِيَةٍ أَوْ تَكَسَّرَ مِنْ أَعْضَاءٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَيْهَا إذْ ذَاكَ؛ فَلَا ضَمَانَ. (أَوْ رَمَى) شَخْصٌ (مِنْ مَنْزِلِهِ) أَوْ مِنْ غَيْرِهِ (نَحْوَ حَجَرٍ) كَقِطْعَةِ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ مِمَّا يُمْكِنُ التَّلَفُ بِهِ [أَوْ حَمَلَ] (بِيَدِهِ رُمْحًا جَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ خَلْفَهُ) [لَا] إنْ جَعَلَهُ (قَائِمًا فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ يَمْشِي) ؛ لِأَنَّهُ لَا عُدْوَانَ مِنْهُ حِينَئِذٍ (أَوْ وَقَعَ عَلَى نَائِمٍ بِفِنَاءِ جِدَارٍ، فَأَتْلَفَ إنْسَانًا) غَيْرَ النَّائِمُ (أَوْ تَلِفَ بِهِ) النَّائِمُ (فَمَاتَ مَعَ قَصْدِ) تَعَدٍّ، كَإِلْقَاءِ الْأَفْعَى عَلَيْهِ أَوْ إلْقَائِهِ عَلَيْهَا، وَالتَّرْوِيعُ وَالتَّدْلِيَةُ مِنْ شَاهِقٍ (شِبْهُ عَمْدٍ، وَإِلَّا) يَكُنْ مَعَ قَصْدٍ (فَخَطَأٌ) وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِ جَانٍ " وَإِنْ أَكْرَهَهَا " (عَلَى الزِّنَا فَحَمَلَتْ وَمَاتَتْ فِي الْوِلَادَةِ فَحُكْمُهُ كَخَطَأٍ) تَحْمِلُهُ عَاقِلَةٌ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ غَالِبًا، أَمَّا إنْ ثَبَتَ بِاعْتِرَافِهِ فَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الِاعْتِرَافَ. (وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِ) فَمَاتَ (أَوْ أَمْسَكَ يَدَهُ فَمَاتَ) ، فَهَدَرٌ. (وَيَتَّجِهُ) لَا إنْ كَانَ (عَدُوًّا) فَأَمْسَكَ يَدَهُ أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ (مُوَبِّخًا لَهُ) بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ (وَمَاتَ فَزَعًا) مِنْهُ؛ فَيَضْمَنُهُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بِجِنَايَتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ ضَرَبَهُ بِنَحْوِ قَلَمٍ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ فَمَاتَ) أَوْ أَجْلَسَهُ أَوْ أَقَامَهُ فَمَاتَ (أَوْ تَلِفَ وَاقِعٌ عَلَى نَائِمٍ وَنَحْوِهِ، وَيَتَّجِهُ) إنْ كَانَ النَّائِمُ (غَيْرَ مُتَعَدٍّ) بِنَوْمِهِ كَمَنْ نَامَ بِمِلْكِهِ أَوْ بِبَرِّيَّةٍ أَوْ مَسْجِدٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَهَدَرٌ) ؛ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ (وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا يَحْرُمُ حَفْرُهَا) كَبِمَسْجِدٍ أَوْ مَوْضِعِ الْمُرُورِ مِنْ الطَّرِيقِ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 فِي مِلْكِ غَيْرِهِ (وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا) أَوْ كِيسَ دَرَاهِمَ (فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ، فَمَاتَ، ضَمِنَ وَاضِعُ) الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ دُونَ الْحَافِرِ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ وَنَحْوَهُ (كَدَافِعٍ إذَا تَعَدَّيَا) ؛ لِأَنَّ الْحَافِرَ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ الْقَتْلَ لِمُعَيَّنٍ عَادَةً، بِخِلَافِ الْمُكْرِهِ (وَإِلَّا) يَتَعَدَّيَا جَمِيعًا، (فَ) الضَّمَانُ (عَلَى مُتَعَدٍّ مِنْهُمَا) فَقَطْ، فَلَوْ كَانَ الْحَافِرُ هُوَ الْمُتَعَدِّي بِحَفْرِهِ دُونَ وَاضِعِ الْحَجَرِ بِأَنْ كَانَ وَضَعَهُ لِمَصْلَحَةٍ كَوَضْعِهِ فِي وَحْلٍ لِيَدُوسَ عَلَيْهِ النَّاسُ، كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ دُونَ وَاضِعِ الْحَجَرِ (وَإِلَّا) يَتَعَدَّيَا وَلَا أَحَدُهُمَا؛ بِأَنْ كَانَ الْبِئْرُ فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ أَوْ فِي طَرِيق وَاسِعٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا ضَرَرٍ، وَوَضَعَ الْحَجَرَ بِطِينٍ لِيَطَأَ النَّاسُ عَلَيْهِ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا) ؛ لِعَدَمِ الْعُدْوَانِ. (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا قَصِيرَةً، فَعَمَّقَهَا آخَرُ) تَعَدِّيًا (فَضَمَانُ تَالِفٍ) بِسُقُوطٍ فِيهَا (بَيْنَهُمَا) ؛ لِحُصُولِ السَّبَبِ مِنْهُمَا (وَإِنْ وَضَعَ ثَالِثٌ فِيهَا سِكِّينًا) وَنَحْوَهَا (فَوَقَعَ عَلَيْهَا) شَخْصٌ فَمَاتَ (فَ) الدِّيَةُ (أَثْلَاثًا عَلَى عَوَاقِلِهِمْ) أَيْ: عَلَى عَوَاقِلِ الثَّلَاثَةِ نَصًّا، لِتَسَبُّبِهِمْ فِي قَتْلِهِ (وَإِنْ حَفَرَهَا) أَيْ: الْبِئْرَ (بِمِلْكِهِ وَسَتَرَهَا لِيَقَعَ فِيهَا أَحَدٌ، فَمَنْ دَخَلَ) الْمَحَلَّ الَّذِي بِهِ الْبِئْرُ (بِإِذْنِهِ) أَيْ: الْحَافِرِ (وَتَلِفَ بِهَا) أَيْ: الْبِئْرِ (فَ) عَلَى حَافِرِهَا (الْقَوَدُ) لِتَعَمُّدِهِ قَتْلَهُ عُدْوَانًا كَمَا لَوْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا مَسْمُومًا فَأَكَلَهُ، (وَإِلَّا) ؛ بِأَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ (فَلَا) ضَمَانَ (كَ) مَا لَوْ كَانَتْ الْبِئْرُ (مَكْشُوفَةً بِحَيْثُ يَرَاهَا) دَاخِلٌ (بَصِيرٌ وَلَا ظُلْمَةَ) ثَمَّةَ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ عَلَى نَفْسِهِ كَأَكْلِ السُّمِّ عَالِمًا بِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الدَّاخِلُ بِالْإِذْنِ أَعْمَى أَوْ كَانَ بَصِيرًا، لَكِنْ فِي ظُلْمَةٍ لَا يُبْصِرُ الْبِئْرَ (ضَمِنَهُ) الْآذِنُ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي هَلَاكِهِ وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الدَّار: مَا أَذِنْت لَهُ فِي الدُّخُولِ، وَادَّعَى وَلِيُّ الْهَالِكِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) أَيْ: حَافِرِ الْبِئْرِ بِمِلْكِهِ (فِي عَدَمِ إذْنِهِ) لِدَاخِلٍ فِي الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِذْنِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ حَافِرٍ (فِي كَشْفِهَا) ؛ لِدَاخِلٍ فِي الدُّخُولِ، يَعْنِي لَوْ أَدَّى حَافِرُ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ أَنَّهَا كَانَتْ مَكْشُوفَةً بِحَيْثُ يَرَاهَا الدَّاخِلُ مَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 دَعْوَى وَلِيِّ الدَّاخِلِ أَنَّهَا كَانَتْ مُغَطَّاةً؛ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَ وَلِيِّ الدَّاخِلِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً لَمْ يَسْقُطْ فِيهَا، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهَا كَانَتْ مُغَطَّاةً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ. (وَإِنْ تَلِفَ أَجِيرٌ) مُكَلَّفٌ (لِحَفْرِهَا بِهَا) فَهَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي قَتْلِهِ بِمُبَاشَرَةٍ وَلَا سَبَبٍ (أَوْ دَعَا مَنْ يَحْفِرُ لَهُ بِدَارِهِ) وَأَرْضِهِ حَفِيرَةً (أَوْ) مَنْ يَحْفِرُ لَهُ (بِمَعْدِنٍ) يَسْتَخْرِجُهُ لَهُ (فَمَاتَ بِهَدْمِ) ذَلِكَ عَلَيْهِ بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ (فَهَدَرٌ) نَصًّا؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَكَذَا لَوْ نَصَبَ شَرَكًا أَوْ شَبَكَةً أَوْ مِنْجَلًا لِصَيْدٍ بِغَيْرِ طَرِيقٍ) فَتَلِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ فَهَدَرٌ؛ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ، سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِيمَا فِيهِ ضَرَرٌ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ الْإِمَامُ لَضَمِنَ مَا يَتْلَفُ بِهِ؛ لِعُدْوَانِهِ، فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا فَحَفَرَ الْبِئْرَ فِي مَكَان يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ كَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ؛ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ حَفَرَهَا فِي مَكَان لَا يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ وَحَفَرَهَا لِنَفْسِهِ؛ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ حَفَرَهَا لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ فِي الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ بِلَا ضَرَرٍ؛ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ حَفَرَهَا فِي مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِالْحَفْرِ. (وَمَنْ قَيَّدَ حُرًّا مُكَلَّفًا وَغَلَّهُ) فِي رَقَبَتِهِ (أَوْ غَصَبَ صَغِيرًا) فَتَلِفَ بِحَيَّةٍ (أَوْ صَاعِقَةٍ) وَهِيَ نَارٌ تَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ فِيهَا رَعْدٌ شَدِيدٌ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (فَالدِّيَةُ) لِهَلَاكِهِ فِي حَالِ تَعَدِّيهِ بِحَبْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الصَّغِيرَ وَلَمْ يُغِلَّهُ فَالدِّيَةُ لِضَعْفِهِ عَنْ الْهَرَبِ مِنْ الصَّاعِقَةِ وَالْبَطْشِ، أَوْ دَفْعِهَا عَنْهُ (قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمِثْلُ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: مِثْلُ الْحَيَّةِ وَالصَّاعِقَةِ (كُلُّ سَبَبٍ يَخْتَصُّ الْبُقْعَةَ كَوَبَاءٍ وَانْهِدَامِ سَقْفٍ أَوْ بَيْتٍ عَلَيْهِ) وَنَحْوِهَا انْتَهَى. وَ (لَا) يَضْمَنُ الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ مَنْ قَيَّدَهُ وَغَلَّهُ، أَوْ الصَّغِيرَ إنْ حَبَسَهُ (إنْ مَاتَ بِمَرَضٍ أَوْ عِلَّةٍ، أَوْ) مَاتَ (فَجْأَةً) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ، وَلَا جِنَايَةَ إذَنْ، وَأَمَّا الْقِنُّ فَيَضْمَنُهُ غَاصِبُهُ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 [فَصْلٌ تَجَاذَبَ حُرَّانِ مُكَلَّفَانِ نَحْوَ حَبْلٍ كَثَوْبٍ فَانْقَطَعَ مَا تَجَاذَبَاهُ فَسَقَطَا فَمَاتَا] فَصْلٌ (وَإِنْ) (تَجَاذَبَ حُرَّانِ) بَصِيرَانِ أَوْ ضَرِيرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا (مُكَلَّفَانِ نَحْوَ حَبْلٍ) كَثَوْبٍ (فَانْقَطَعَ) مَا تَجَاذَبَاهُ " (فَسَقَطَا فَمَاتَا) (فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ) مِنْهُمَا (دِيَةُ الْآخَرِ) " هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَ " الْمُحَرَّرُ " وَ " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحُ " وَالزَّرْكَشِيُّ " وَالنَّظْمُ " وَالْوَجِيزُ " وَ " الْمُنَوِّرُ " وَ " مُنْتَخَبُ الْآدَمِيِّ " وَغَيْرُهُمْ؛ لِتَسَبُّبِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي قَتْلِ الْآخَرِ (وَقِيلَ بَلْ) يَجِبُ (نِصْفُهَا) أَيْ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِبَعْضِهِمْ (لِأَنَّهُ هَلَكَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَ) فِعْلِ صَاحِبِهِ، (فَيُهْدَرُ فِعْلُ نَفْسِهِ) وَيَبْقَى فِعْلُ صَاحِبِهِ. (وَيَتَّجِهُ صِحَّتُهُ) أَيْ: صِحَّةُ هَذَا الْقَوْلِ (لِمُوَافَقَتِهِ الْقَوَاعِدَ) وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُنْكَبًّا فَنِصْفُ دِيَتِهِ) عَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْتَلْقِي (مُغَلَّظَةٍ) لِأَنَّ قَتْلَ الْمُنْكَبِّ شِبْهُ الْعَمْدِ، (وَنِصْفُ دِيَةِ الْمُسْتَلْقِي) عَلَى عَاقِلَةِ الْمُنْكَبِّ (مُخَفَّفَةٍ) لِأَنَّ قَتْلَهُ شِبْهُ الْخَطَأِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ " (وَإِنْ اصْطَدَمَا وَلَوْ) كَانَا ضَرِيرَيْنِ (أَوْ) كَانَ أَحَدُهُمَا ضَرِيرًا، (فَمَاتَا فَ) هُمَا (كَمُتَجَاذِبَيْنِ) عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: وَإِنْ اصْطَدَمَتْ امْرَأَتَانِ حَامِلَتَانِ، فَكَالرَّجُلَيْنِ، فَإِنْ أَسْقَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا جَنِينَهَا، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ ضَمَانِ جَنِينِهَا وَنِصْفُ ضَمَانِ جَنِينِ صَاحِبَتِهَا؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي قَتْلِهِ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِتْقُ ثَلَاثِ رِقَابٍ، وَاحِدَةٌ لِقَتْلِ صَاحِبَتِهَا، وَاثْنَتَانِ لِمُشَارَكَتِهَا فِي الْجَنِينِ. وَإِنْ أَسْقَطَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى اشْتَرَكَتَا فِي ضَمَانِهِ، (وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عِتْقُ رَقَبَتَيْنِ، رَقَبَةٍ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي قَتْلِ الْجَنِينِ) وَرَقَبَةٍ بِقَتْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْأُخْرَى، وَدِيَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْأُخْرَى. إنْ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا يَقْتُلُ غَالِبًا، (وَإِنْ اصْطَدَمَا) أَيْ الْحُرَّانِ الْمُكَلَّفَانِ، بِأَنْ صَدَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ، (عَمْدًا، أَوْ) ذَلِكَ الِاصْطِدَامُ (يَقْتُلُ غَالِبًا) فَهُوَ (عَمْدٌ يَلْزَمُ كُلًّا) مِنْهُمَا (دِيَةُ الْآخَرِ فِي ذِمَّتِهِ، فَيَتَقَاصَّانِ) إنْ كَانَا مُتَكَافِئَيْنِ بِأَنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ (أَوْ) أُنْثَيَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كِتَابِيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ حَيْثُ تَسَاوَتْ الدِّيَتَانِ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا يَسْقُطُ مِنْ الْأَكْثَرِ (بِقَدْرِ الْأَقَلِّ) وَيُؤْخَذُ مَا بَقِيَ مِنْ تَرِكَةِ الْآخَرِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ صَدَمَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَقَطْ، فَالضَّمَانُ عَلَى الصَّادِمِ وَحْدَهُ، فَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 كَانَ عَمْدًا فِي مَقْتَلٍ فَالْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ قَصْدًا فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ فَخَطَأٌ، (وَإِلَّا) يَكُنْ الصَّدْمُ يَقْتُلُ غَالِبًا (فَ) هُوَ (شِبْهُ عَمْدٍ) فِيهِ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِمَا، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا (وَإِنْ كَانَا) ؛ أَيْ: الْمُصْطَدِمَانِ (رَاكِبَيْنِ، أَوْ) كَانَ (أَحَدُهُمَا) رَاكِبًا وَالْآخَرُ مَاشِيًا (فَمَا تَلِفَ مِنْ دَابَّتَيْهِمَا) أَوْ دَابَّةِ أَحَدِهِمَا (فَقِيمَتُهُ عَلَى الْآخَرِ) وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأُخْرَى؛ لِمَوْتِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ صَدْمَةِ الْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَتْ وَاقِفَةً، وَإِنْ نَقَصَتْ الدَّابَّتَانِ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا [نَقْصُ] دَابَّةِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيْ الْآخَرِ، فَأَدْرَكَهُ فَصَدَمَهُ فَمَاتَتْ الدَّابَّتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا، فَالضَّمَانُ عَلَى اللَّاحِقِ؛ لِأَنَّهُ الصَّادِمُ، وَإِنْ غَلَبَتْ الدَّابَّةُ رَاكِبَهَا؛ لَمْ يَضْمَنْ. قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي، " التَّرْغِيبِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ. " (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُصْطَدِمَيْنِ (وَاقِفًا أَوْ قَاعِدًا) وَالْآخَرُ سَائِرًا (فَضَمَانُ مَالِهِمَا) ؛ أَيْ: الْوَاقِفِ وَالْقَاعِدِ (عَلَى سَائِرٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ الصَّادِمُ الْمُتْلِفُ (وَدِيَتُهُمَا) ؛ أَيْ: الْقَاعِدِ وَالْوَاقِفِ (عَلَى عَاقِلَتِهِ) ؛ أَيْ: السَّائِرِ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِصَدْمِهِ، وَإِنْ انْحَرَفَ الْوَاقِفُ فَصَادَفَتْ الصَّدْمَةُ انْحِرَافَهُ فَهُمَا كَالسَّائِرَيْنِ (كَمَا لَوْ كَانَا) ؛ أَيْ: الْوَاقِفُ وَالْقَاعِدُ (بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ مَمْلُوكٍ لَهُمَا) وَصَدَمَهُمَا السَّائِرُ فَيَضْمَنُهُمَا وَمَا يَتْلَفُ مِنْ مَالِهِمَا؛ لِتَعَدِّيهِ بِسُلُوكِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ (إلَّا إنْ كَانَا) ؛ أَيْ: الْوَاقِفُ وَالْقَاعِدُ (بِ) طَرِيقٍ (ضَيِّقٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لَهُمَا، فَلَا يَضْمَنُهُمَا السَّائِرُ؛ لِتَعَدِّيهِمَا) بِالْوُقُوفِ وَالْقُعُودِ فِي الضَّيِّقِ غَيْرِ الْمَمْلُوكِ لَهُمَا (وَلَا يَضْمَنَانِ) ؛ أَيْ: لَا يَضْمَنُ وَاقِفٌ أَوْ قَاعِدٌ بِضَيِّقٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ سَائِرًا صَدَمَهُمَا (لِحُصُولِ الصَّدْمِ مِنْهُ) نَصًّا، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " النَّظْمِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَإِنْ اصْطَدَمَ قِنَّانِ مَاشِيَانِ فَمَاتَا؛ فَهُمَا هَدَرٌ) لِأَنَّ قِيمَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَبَتْ فِي رَقَبَةِ الْآخَرِ وَقَدْ تَلِفَ الْمَحَلُّ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ، فَذَهَبَا هَدَرًا (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقِيمَتُهُ) ؛ أَيْ: قِيمَةُ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا (فِي رَقَبَةِ) الْعَبْدِ (الْآخَرِ كَسَائِرِ جِنَايَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ) الْمُصْطَدِمَيْنِ (حُرًّا وَقِنًّا، وَمَاتَا فَقِيمَةُ قِنٍّ فِي تَرِكَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 حُرٍّ) لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ قِيمَةَ عَبْدٍ (وَ) تَجِبُ (دِيَتُهُ) ؛ أَيْ: دِيَةُ الْحُرِّ كَامِلَةً (فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ) إنْ اتَّسَعَتْ لَهَا. (وَمَنْ أَرْكَبَ صَغِيرَيْنِ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَتَّجِهُ لَا إنْ أَرْكَبَهُمَا لِخَوْفٍ عَلَيْهِمَا) كَمَا لَوْ وَجَدَهُمَا فِي فَلَاةٍ مُنْقَطِعَةٍ، فَحَمَلَتْهُ الشَّفَقَةُ عَلَى إرْكَابِهِمَا، فَمُقْتَضَى مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ، وَالْمُحْسِنُ لَا يُسَاءُ بِغُرْمِ الدِّيَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ (فَاصْطَدَمَا فَمَاتَا فَدِيَتُهَا وَمَا تَلِفَ لَهُمَا مِنْ مَالِهِ) ؛ أَيْ: الْمُرْكِبِ لَهُمَا؛ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ، فَهُوَ سَبَبٌ لِلتَّلَفِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمُذَهَّبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَ " الْهَادِي " وَ " الْكَافِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْمُنَوِّرِ " وَغَيْرِهِمْ. (وَيَتَّجِهُ وَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُتَعَدِّي بِإِرْكَابِهِمَا (كَفَّارَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي قَتْلِهِمَا؛ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِمَحْوِ الذَّنْبِ الصَّادِرِ مِنْهُ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ أَرْكَبَهُمَا وَلِيٌّ لِمَصْلَحَةٍ كَتَمْرِينٍ عَلَى رُكُوبِ) مَا يَصْلُحُ لِرُكُوبِهِمَا، وَكَانَا يَثْبُتَانِ بِأَنْفُسِهِمَا (أَوْ رَكِبَا مِنْ) عِنْدَ (أَنْفُسِهِمَا) (فَ) هُمَا (كَبَالِغَيْنِ مُخْطِئَيْنِ) عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَا تَلِفَ مِنْ مَالِ الْآخَرِ. (وَإِنْ اصْطَدَمَ كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ، فَمَاتَ الصَّغِيرُ) فَقَطْ (ضَمِنَهُ الْكَبِيرُ، وَإِنْ مَاتَ الْكَبِيرُ) فَقَطْ (ضَمِنَهُ مُرْكِبُ الصَّغِيرِ) إنْ تَعَدَّى بِإِرْكَابِهِ، وَإِنْ أَرْكَبَهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 وَلِيُّهُ لِمَصْلَحَةٍ، أَوْ رَكِبَ مِنْ عِنْدَ نَفْسِهِ؛ فَكَبَالِغٍ مُخْطِئٍ عَلَى مَا سَبَقَ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: إنْ حَمَلَ رَجُلٌ صَبِيًّا عَلَى دَابَّةٍ فَسَقَطَ؛ ضَمِنَهُ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ أَهْلُهُ بِحَمْلِهِ. (وَمَنْ قَرَّبَ صَغِيرًا مِنْ هَدَفٍ فَأُصِيبَ) بِسَهْمٍ (ضَمِنَهُ مُقَرِّبُهُ دُونَ رَامٍ لَمْ يَقْصِدْهُ) لِأَنَّ الْمُقَرِّبَ هُوَ الَّذِي عَرَّضَهُ لِلتَّلَفِ، وَالرَّامِي بِتَقْرِيبِهِ لَمْ يُفَرِّطْ، فَالرَّامِي كَحَافِرِ بِئْرٍ، وَالْمُقَرِّبُ كَالدَّافِعِ لِلْوَاقِعِ فِيهَا، فَإِنْ قَصَدَهُ الرَّامِي ضَمِنَهُ وَحْدَهُ، لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ، وَالْمُقَرِّبُ مُتَسَبِّبٌ، وَإِنْ لَمْ يُقَرِّبْهُ أَحَدٌ ضَمِنَهُ رَامِيهِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَضْمَنُهُ مُقَرِّبُهُ، وَلَعَلَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ يُرْمَى وَأَنَّهُ يَسْتَطِيعُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُقَيَّدًا مَغْلُولًا. (وَمَنْ أَرْسَلَهُ) ؛ أَيْ: الصَّغِيرَ (لِحَاجَةٍ) وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ (فَأَتْلَفَ) الصَّغِيرُ فِي إرْسَالِهِ (نَفْسًا أَوْ مَالًا؛ فَجِنَايَتُهُ) ؛ أَيْ: الصَّغِيرِ (خَطَأٌ مِنْ مُرْسِلِهِ) فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْمَالِ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ (وَإِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى الصَّغِيرِ (ضَمِنَهُ) مُرْسِلُهُ؛ لِتَسَبُّبِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ " وَغَيْرِهِ (قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إنْ تَعَذَّرَ تَضْمِينُ الْجَانِي) ؛ أَيْ: عَلَى الصَّغِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ تَضْمِينُهُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ، وَالْمُرْسِلُ مُتَسَبِّبٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ الْجَانِي ابْتِدَاءً (بَلْ) يَضْمَنُهُ مُرْسِلُهُ أَوَّلًا، وَ (قَرَارُ الضَّمَانِ) عَلَى الْجَانِي؛ لِمُبَاشَرَتِهِ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: مَا قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ (حَسَنٌ) ؛ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْقَوَاعِدِ. (وَإِنْ كَانَ) الْمُرْسَلُ فِي حَاجَةٍ مِنْ قِبَلِ مُرْسِلِهِ (قِنًّا) لَمْ يَسْتَأْذِنْ سَيِّدَهُ حِينَ إرْسَالِهِ (فَكَغَصْبِهِ) فَيَضْمَنُ جِنَايَتَهُ، وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 (وَمَنْ أَلْقَى حَجَرًا أَوْ عِدْلًا مَمْلُوءًا بِسَفِينَةٍ، فَغَرِقَتْ) السَّفِينَةُ بِذَلِكَ (ضَمِنَ جَمِيعَ مَا فِيهَا) وَمَا تَلِفَ مِنْ أَجْزَائِهَا؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبِ فِعْلِهِ كَمَا لَوْ خَرَقَهَا. (وَإِنْ رَمَى ثَلَاثَةً بِمَنْجَنِيقٍ فَقَتَلَ الْحَجَرُ رَابِعًا قَصَدُوهُ) ، أَيْ: الرُّمَاةُ (فَعَمْدٌ) فِيهِ الْقَوَدُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى "؛ لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا الْقَتْلَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، كَمَا لَوْ ضَرَبُوهُ بِمُثَقَّلٍ يَقْتُلُ غَالِبًا. وَفِي " الْإِقْنَاعِ " فَإِنْ قَصَدُوهُ وَقَصَدُوا جَمَاعَةً؛ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ (وَإِلَّا) يَقْصِدُوهُ (فَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ دِيَتُهُ أَثْلَاثًا) ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ (وَإِنْ قَتَلَ) الْحَجَرُ (أَحَدَهُمْ) ؛ أَيْ: الرُّمَاةِ (سَقَطَ فِعْلُ نَفْسِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ) ؛ لِمُشَارَكَتِهِ فِي إتْلَافِ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ شَارَكَ فِي قَتْلِ عَبْدِهِ أَوْ دَابَّتِهِ (وَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِيهِ) لِوَرَثَتِهِ (ثُلُثَا دِيَتِهِ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَارِضَةِ وَالْقَارِصَةِ وَالْوَاقِصَةِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ وَذَلِكَ أَنَّ ثَلَاثَ جَوَارٍ اجْتَمَعْنَ، فَرَكِبَتْ إحْدَاهُنَّ عَلَى عُنُقِ الْأُخْرَى، وَقَرَصَتْ الثَّالِثَةُ الْمَرْكُوبَةَ فَقَمَصَتْ فَسَقَطَتْ الرَّاكِبَةُ فَوَقَصَتْ عُنُقَهَا، فَمَاتَتْ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ، فَقَضَى بِالدِّيَةِ أَثْلَاثًا عَلَى عَوَاقِلِهِنَّ، وَأَلْغَى الثُّلُثَ الَّذِي قَابَلَ فِعْلَ الْوَاقِصَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعَانَتْ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهَا وَلِأَنَّ الْمَقْتُولَ شَارَكَ فِي الْقَتْلِ فَلَمْ تَكْمُلْ الدِّيَةُ عَلَى شَرِيكِهِ، كَمَا لَوْ قَتَلُوا غَيْرَهُمْ، وَقِيَاسُهُ مَسْأَلَةُ التَّجَاذُبِ وَالتَّصَادُمِ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا. قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ ": وَهُوَ الْعَدْلُ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ مَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ زَادُوا) ؛ أَيْ: الرُّمَاةُ (عَلَى ثَلَاثَةٍ) وَقَتَلَ الْحَجَرُ (غَيْرَهُمْ) (فَالدِّيَةُ حَالَّةٌ فِي مَالِهِمْ) ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ مَا دُونَ الثُّلُثِ وَلَا تَأْجِيلَ فِيهِ (وَلَا يَضْمَنُ مَنْ وَضَعَ الْحَجَرَ وَأَمْسَكَ الْكِفَّةَ) فَقَطْ حَيْثُ رَمَى غَيْرُهُ كَمَنْ (أَوْتَرَ) الْقَوْسَ (وَقَرَّبَ السَّهْمَ) وَلَمْ يَرْمِ، بَلْ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الرَّامِي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 [فَصْلٌ أَتْلَفَ نَفْسَهُ أَوْ طَرَفَهُ خَطَأً] فَصْلٌ (وَمَنْ أَتْلَفَ نَفْسَهُ أَوْ طَرَفَهُ خَطَأً فَهَدَرٌ كَعَمْدٍ) ؛ أَيْ: كَمَا لَوْ أَتْلَفَ نَفْسَهُ أَوْ طَرَفَهُ عَمْدًا، فَلَا دِيَةَ لَهُ إجْمَاعًا، وَجْهُ كَوْنِهِ لَا دِيَةَ لَهُ فِي الْخَطَأِ مَا رُوِيَ (أَنَّ عَامِرَ بْنَ الْأَكْوَعِ يَوْمَ خَيْبَرَ رَجَعَ سَيْفُهُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيهِ بِدِيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَوْ وَجَبَتْ فِيهِ لَبَيَّنَهَا) وَلَنُقِلَ نَقْلًا ظَاهِرًا، وَيُفَارِقُ هَذَا مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ تَحْمِلْهَا الْعَاقِلَةُ؛ لَأَجْحَفَ بِهِ وُجُوبُ الدِّيَةِ؛ لِكَثْرَةِ الْخَطَأِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ مُوَاسَاةٌ لِلْجَانِي وَتَخْفِيفٌ عَنْهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي هَا هُنَا شَيْءٌ يُخَفِّفُ عَنْهُ، وَلَا يَقْتَضِي النَّظَرُ أَنْ تَكُونَ جِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ مَضْمُونَةً عَلَى غَيْرِهِ. وَمَنْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ (أَوْ) وَقَعَ (فِي حُفْرَةٍ ثُمَّ) وَقَعَ (ثَانٍ ثُمَّ) وَقَعَ (ثَالِثٌ ثُمَّ) وَقَعَ (رَابِعٌ فَمَاتُوا) كُلُّهُمْ (أَوْ) مَاتَ (بَعْضُهُمْ بِسَبَبِ سُقُوطِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ) بِلَا تَدَافُعٍ وَلَا تَجَاذُبٍ (فَدَمُ الرَّابِعِ هَدَرٌ) ؛ لِمَوْتِهِ بِسُقُوطِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَلَيْهِ أَحَدٌ (وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَتِهِ) ؛ أَيْ: عَاقِلَةِ الرَّابِعِ؛ لِمَوْتِهِ بِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ (وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَيْهِمَا) ؛ أَيْ: عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ؛ لِمَوْتِهِ بِسُقُوطِهِمَا عَلَيْهِ (وَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِمْ) ؛ أَيْ: عَلَى عَوَاقِلِهِمْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ؛ لِمَوْتِهِ بِسُقُوطِهِمْ عَلَيْهِ، (وَإِنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِي، وَ) جَذَبَ (الثَّانِي الثَّالِثَ وَ) جَذَبَ (الثَّالِثُ الرَّابِعَ) فَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى عَاقِلَةِ (الثَّالِثِ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِجَذْبِهِ لَهُ. (وَيَتَّجِهُ) جَعْلُ دِيَةِ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي (وَ) عَاقِلَةِ (الرَّابِعِ) مُنَاصَفَةً، أَمَّا الثَّانِي فَبِجَذْبِهِ لَهُ، وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 مَا تَقَدَّمَ (وَ) دِيَةُ (الثَّانِي عَلَى) عَاقِلَتَيْ (الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ) نِصْفَيْنِ؛ لِمَوْتِهِ بِجَذْبِ الْأَوَّلِ وَسُقُوطِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ (وَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى) عَاقِلَتَيْ (الثَّانِي وَالثَّالِثِ نِصْفَيْنِ، كَذَا قِيلَ) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " " وَالنَّظْمِ " وَ " " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " انْتَهَى. وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَهَى " قَالَ فِي شَرْحِهِ فِي الْأَصَحِّ: لِأَنَّهُ حَصَلَ مَوْتُهُ بِسُقُوطِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَيْهِ، (وَإِنْ) كَانَ (هَلَكَ الْأَوَّلُ بِوَقْعَةِ الثَّالِثِ) عَلَيْهِ (فَضَمَانُ نِصْفِهِ عَلَى) عَاقِلَةِ (الثَّانِي) لِمُشَارَكَتِهِ بِجَذْبِهِ لِلثَّالِثِ (وَالْبَاقِي) مِنْ دِيَتِهِ (هَدَرٌ) فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِ نَفْسِهِ؛ لِمُشَارَكَتِهِ فِي قَتْلِهَا (وَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [بَلْ] مَاتُوا بِسُقُوطِهِمْ) ؛ أَيْ: بِنَفْسِ السُّقُوطِ، أَوْ مَاتُوا (لِعُمْقِ الْبِئْرِ) أَوْ كَانَ فِي الْبِئْرِ مَا يُغْرِقُ الْوَاقِعَ فَيَقْتُلُهُ (أَوْ اُحْتُمِلَ) فَلَمْ يُدْرَ أَمَاتُوا بِالسُّقُوطِ أَوْ لِكَوْنِ الْبِئْرِ عَمِيقًا يَمُوتُ الْوَاقِعُ فِيهِ بِنَفْسِ الْوُقُوعِ؟ (أَوْ قَتَلَهُمْ أَسَدٌ فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ وَلَمْ يَتَجَاذَبُوا) وَلَمْ يَتَدَافَعُوا (فَالْكُلُّ هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَسَبُّبَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي تَلَفِ غَيْرِهِ. (وَإِنْ تَجَاذَبَ أَوْ تَدَافَعَ أَوْ تَزَاحَمَ جَمَاعَةٌ عِنْدَ حُفْرَةٍ، فَسَقَطَ فِيهَا أَرْبَعَةٌ مُتَجَاذِبِينَ كَمَا وَصَفْنَا) بِأَنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ، وَ [الثَّانِي] الثَّالِثَ، وَ [الثَّالِثُ] الرَّابِعَ (فَقَتَلَهُمْ أَسَدٌ أَوْ نَحْوُهُ) كَسَبُعٍ وَحَيَّةٍ (فَدَمُ) السَّاقِطِ (الْأَوَّلِ بِهِ هَدَرٌ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 لِسُقُوطِهِ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الثَّانِي) لِجَذْبِهِ إيَّاهُ (وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي دِيَةُ الثَّالِثِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ دِيَةُ الرَّابِعِ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا إلَّا مُزَاحَمَةَ غَيْرِهِمْ لَهُمْ، وَتُسَمَّى مَسْأَلَةُ الزُّبْيَةِ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّ عَلِيًّا قَضَى فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِأَنْ يُجْمَعَ مِنْ قَبَائِلِ الَّذِينَ حَفَرُوا الْبِئْرَ رُبُعُ الدِّيَةِ، وَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَثُلُثُ الدِّيَةِ، وَالدِّيَةُ كَامِلَةٌ؛ فَلِلْأَوَّلِ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ مِنْ فَوْقِهِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلثَّانِي ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَلِلثَّالِثِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلِلرَّابِعِ الدِّيَةُ كَامِلَةً فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ النَّقْلِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. (وَمَنْ نَامَ عَلَى سَقْفٍ فَهَوَى) ؛ أَيْ: سَقَطَ (بِهِ عَلَى قَوْمٍ؛ لَزِمَهُ الْمُكْثُ) لِئَلَّا يَهْلِكَ بِانْتِقَالِهِ أَحَدٌ (وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ) مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ (بِدَوَامِ مُكْثِهِ أَوْ انْتِقَالِهِ) لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ، وَ (لَا) يَضْمَنُ (مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، بِخِلَافِ مُكْثِهِ وَانْتِقَالِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ (إلَّا إنْ تَحَقَّقَ هَوِيُّهُ) ؛ أَيْ: السَّقْفِ (بِسَبَبِهِ) ؛ أَيْ: بِسَبَبِ النَّائِمِ، كَأَنْ نَامَ عَلَى سَقْفٍ قَدِيمٍ جِدًّا وَكَانَ لَا يَثْبُتُ تَحْتَ مِثْلِهِ عَادَةً لِعَظْمِ جُثَّتِهِ وَرَدَاءَةِ الْحَائِطِ أَوْ السَّقْفِ وَعَدَمِ صَلَابَتِهِ فَهَوَى بِهِ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِتَفْرِيطِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى طَعَامٍ غَيْرِ مُضْطَرٍّ أَوْ) إلَى (شَرَابِهِ، فَطَلَبَهُ) الْمُضْطَرُّ (فَمَنَعَهُ) رَبُّهُ (وَيَتَّجِهُ) (أَوْ امْتَنَعَتْ مُرْضِعَةُ طِفْلٍ) مِنْ إرْضَاعِهِ، وَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 مُتَّجِهٌ (حَتَّى مَاتَ) الْمُضْطَرُّ ضَمِنَ رَبُّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِدِيَتِهِ فِي مَالِهِ نَصًّا؛ لِقَضَاءِ عُمَرَ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُضْطَرُّ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَكُونُ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ، وَكَذَا إنْ مَنَعَهُ رَبُّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ أَوْ خَائِفٌ حُدُوثَ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ حِينَئِذٍ (أَوْ أَخَذَ طَعَامَ غَيْرِهِ، أَوْ) أَخَذَ (شَرَابَهُ) ؛ أَيْ: الْغَيْرِ (وَهُوَ) ، أَيْ: الْمَأْخُوذُ طَعَامُهُ أَوْ شَرَابُهُ (عَاجِزٌ) عَنْ دَفْعِهِ (فَتَلِفَ أَوْ) تَلِفَتْ (دَابَّتُهُ) بِسَبَبِ الْأَخْذِ؛ ضَمِنَ الْآخِذُ التَّالِفَ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي هَلَاكِهِ (أَوْ أَخَذَ مِنْهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ صَائِلًا عَلَيْهِ مِنْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ) كَنَمِرٍ أَوْ حَيَّةٍ (فَأَهْلَكَهُ) الصَّائِلُ عَلَيْهِ (ضَمِنَهُ) الْآخِذُ؛ لِصَيْرُورَتِهِ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ هَذَا الْفِعْلَ الَّذِي يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا، هَذَا الْمَذْهَبُ؛ جَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمُذَهَّبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَ " مُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ " وَ " الْمُنَوِّرِ " وَغَيْرِهِمْ. وَ (لَا) يَضْمَنُ (مَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ نَفْسِهِ مِنْ مَهْلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ فِي الْأَصَحِّ) اخْتَارَهُ [الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ؛] ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُهْلِكْهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا يَكُونُ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَأَمَّا الْأُولَى: فَإِنَّهُ مَنَعَهُ مِنْهُ مَنْعًا كَانَ سَبَبًا فِي هَلَاكِهِ، فَافْتَرَقَا. تَنْبِيهٌ: نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِيمَنْ مَاتَتْ فَرَسُهُ فِي غَزَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ مَعَهُ فَضْلُ حَمْلِهِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يُذَكِّرُ النَّاسَ، فَإِنْ حَمَلُوهُ، وَإِلَّا مَضَى مَعَهُمْ. (وَمَنْ أَفْزَعَ) شَخْصًا وَلَوْ صَغِيرًا (أَوْ ضَرَبَ) شَخْصًا (وَلَوْ) صَغِيرًا فَأَحْدَثَ (بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ رِيحٍ، وَلَمْ يَدُمْ) الْحَدَثُ (فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ) تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ قَضَى فِيمَنْ ضَرَبَ إنْسَانًا حَتَّى أَحْدَثَ بِثُلُثِ الدِّيَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْرِفُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ أَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا وَالْقِيَاسُ لَا ضَمَانَ، لَكِنْ خُولِفَ هُنَا لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ تَوْقِيفٌ خُصُوصًا وَهَذَا الْقَضَاءُ فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُهُ، فَهُوَ إجْمَاعٌ. (وَيَضْمَنُ أَيْضًا) مَنْ أَفْزَعَ إنْسَانًا أَوْ ضَرَبَهُ (جِنَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ) بِسَبَبِ إفْزَاعِهِ أَوْ ضَرْبِهِ، وَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ بِشَرْطِهِ. [فَصْلٌ أَدَّبَ وَلَدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فِي نُشُوزٍ فحصلت مِنْ ذَلِكَ جِنَايَة] فَصْلٌ (وَمَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فِي نُشُوزٍ) وَلَمْ يُسْرِفْ؛ لَمْ يَضْمَنْ (أَوْ أَدَّبَ مُعَلِّمٌ صَبِيَّهُ) (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ قَوْلِهِمْ وَمَنْ أَدَّبَ إلَى آخِرِهِ (جَوَازُ تَأْدِيبِ الشَّيْخِ تِلْمِيذَهُ) بِلَا إسْرَافٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ أَبُو الرُّوحِ وَالْوَالِدَ أَبُو الْجَسَدِ قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ، وَإِذَا كَانَ أَبُو الْجَسَدِ يَمْلِكُ التَّأْدِيبَ، فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ أَبُو الرُّوحِ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَبْذُلُ جَهْدَهُ فِي إفَادَةِ الرُّوحِ وَتَخْلِيصِهَا مِنْ ظُلْمَةِ الْجَهْلِ وَإِرْشَادِهَا لِمَا فِيهِ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ، وَيَتَأَكَّدُ فِي حَقِّ الطَّالِبِ الصَّبْرُ عَلَى سُوءِ خُلُقِ الشَّيْخِ وَجَفْوَتِهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ الْمُلَازَمَةِ لِمَا عِنْدَهُ عَلَى التَّكَبُّرِ وَالتَّعَاظُمِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنَالُ رَجُلٌ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ حَالًا يَنْتَفِعُ بِهِ حَتَّى يُطِيلَ الِاخْتِلَافَ إلَى الْعُلَمَاءِ، وَيَصْبِرَ عَلَى جَفْوَتِهِمْ وَيَحْتَمِلَ الذُّلَّ فِي جَنْبِ الْفَائِدَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 مِنْهُمْ، وَقَالَ نَافِعٌ: كُلُّ مَنْ قَرَأْت عَلَيْهِ فَأَنَا عَبْدُهُ. وَعَنْ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ الْجَهْمِ: كُلُّ مَنْ أَخَذَ عَنْ أَحَدٍ فَهُوَ فَتَاهُ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَى سِنًّا مِنْهُ وَيَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ أَيْضًا لِشَيْخِهِ؛ لِأَنَّهُ أَنْتَجَهُ سَعَادَةَ الدَّارَيْنِ وَالرِّفْعَةَ بَيْنَ الثَّقَلَيْنِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ ظُلُمَاتِ الْغَبَاوَةِ وَالْجَهْلِ إلَى نُورِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا تَرَكْت الدُّعَاءَ لِأَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَبَوَيْ أَرْبَعِينَ سَنَةً؛ وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقًّا لِأُسْتَاذِهِ لَمْ يَفْهَمْ أَبَدًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ أَدَّبَ سُلْطَانٌ رَعِيَّتَهُ) ، وَلَمْ يُسْرِفْ؛ أَيْ: وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ وَلَا فِي الشِّدَّةِ (فَتَلِفَ) بِذَلِكَ (لَمْ يَضْمَنْهُ) الْمُؤَدِّبُ نَصًّا؛ لِفِعْلِهِ مَا لَهُ فِعْلُهُ شَرْعًا بِلَا تَعَدٍّ. كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ مِنْهُ فَسَرَى إلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ كَذَلِكَ هَا هُنَا. (وَإِنْ أَسْرَفَ الْمُؤَدِّبُ أَوْ زَادَ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ) فَتَلِفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ ضَمِنَهُ، لِتَعَدِّيهِ بِالْإِسْرَافِ (أَوْ ضَرَبَ مَنْ لَا يَعْقِلُ التَّأْدِيبَ مِنْ صَبِيٍّ لَمْ يُمَيِّزْ أَوْ مَجْنُونٍ) أَوْ مَعْتُوهٍ، فَتَلِفَ (ضَمِنَ) لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَأْذَنْ فِي تَأْدِيبِ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ؛ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِتَأْدِيبِهِ. (وَمَنْ أَسْقَطَتْ) جَنِينَهَا بِسَبَبٍ (بِطَلَبِ سُلْطَانٍ أَوْ تَهْدِيدِهِ) سَوَاءٌ كَانَ طَلَبُهَا (لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ غَيْرِهِ) بِأَنْ طَلَبَهَا لِكَشْفِ حَدٍّ لِلَّهِ أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ لِحَقٍّ (أَوْ مَاتَتْ) بِسَبَبِ (وَضْعِهَا) مِنْ الْفَزَعِ (أَوْ) مَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَضْعٍ (فَزَعًا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهَا) فَزَعًا (أَوْ اسْتَعْدَى) بِالشُّرْطَةِ قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ (إنْسَانٌ عَلَيْهَا الْحَاكِمَ) فَأَسْقَطَتْ أَوْ مَاتَتْ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهَا فَزَعًا (ضَمِنَ السُّلْطَانُ مَا كَانَ) مِنْ ذَلِكَ (بِطَلَبِهِ) ؛ أَيْ: طَلَبِ السُّلْطَانِ (ابْتِدَاءً) مِنْ غَيْرِ اسْتِعْدَاءِ أَحَدٍ (وَ) ضَمِنَ (الْمُسْتَعِدِّي مَا كَانَ بِسَبَبِهِ) ؛ أَيْ: بِسَبَبِ اسْتِعْدَائِهِ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، ثُمَّ لَا يَعْتَبِرُ الضَّمَانَ كَوْنُ السَّبَبِ مُعْتَادًا، فَإِنَّ الضَّرْبَةَ وَالضَّرْبَتَيْنِ بِالسَّوْطِ لَيْسَ سَبَبًا مُعْتَادًا، وَمَتَى أَفَضْت إلَى الْهَلَاكِ وَجَبَ الضَّمَانُ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ مَا رُوِيَ أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 عُمَرَ بَعَثَ إلَى امْرَأَةٍ مُغَنِّيَةٍ كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا وَيْلَهَا مَا لَهَا وَلِعُمَرَ، فَبَيْنَمَا هِيَ فِي الطَّرِيقِ إذْ فَزِعَتْ، فَضَرَبَهَا الطَّلْقُ، فَأَلْقَتْ وَلَدًا، فَصَاحَ الصَّبِيُّ صَيْحَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَشَارَ بَعْضُهُمْ أَنْ لَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ إنَّمَا أَنْتَ وَالٍ وَمُؤَدِّبٌ، وَصَمَتَ عَلِيٌّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ إنْ كَانُوا قَالُوا بِرَأْيِهِمْ فَقَدْ أَخْطَأَ رَأْيُهُمْ، وَإِنْ كَانَ قَالُوا فِي هَوَاك فَلَمْ يَنْصَحُوا لَك إنَّ دِيَتَهُ عَلَيْك؛ لِأَنَّك أَفْزَعْتَهَا فَأَلْقَتْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْك أَنْ لَا تَبْرَحَ حَتَّى تُقَسِّمَهَا عَلَى قَوْمِك، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ نَفْسٌ هَلَكَتْ بِسَبَبِ إرْسَالِهِ إلَيْهَا، فَضَمِنَهَا كَجَنِينِهَا، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُسْتَعِدِّي يَضْمَنُ مَا كَانَ بِسَبَبِ اسْتِعْدَائِهِ؛ فَلِأَنَّهُ الدَّاعِي إلَى طَلَبِ السُّلْطَانِ لَهَا، فَكَانَ مَوْتُهَا [أَوْ] مَوْتُ جَنِينِهَا بِسَبَبِهِ؛ فَاخْتَصَّ بِهِ الضَّمَانُ (وَظَاهِرُهُ) حَتَّى. (وَلَوْ) كَانَتْ (ظَالِمَةً) لَكِنْ قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الظَّالِمَةَ فَأَحْضَرَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ كَالْقِصَاصِ، وَيَضْمَنُ جَنِينَهَا؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِهِ، كَمَا لَوْ قَبَضَ مِنْهَا (كَإِسْقَاطِهَا) ؛ أَيْ: الْأَمَةِ (بِتَأْدِيبٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدٌ فِيهَا، أَوْ) ؛ أَيْ: وَكَإِسْقَاطِ حَامِلٍ (بِشُرْبِ دَوَاءٍ لِمَرَضٍ) فَتَضْمَنُ حَمْلَهَا. (وَلَوْ مَاتَتْ حَامِلٌ أَوْ مَاتَ حَمْلُهَا مِنْ رِيحِ طَعَامٍ أَوْ) مَاتَ مِنْ رِيحِ (نَحْوِ كِبْرِيتٍ) كَعَظْمٍ (ضَمِنَ رَبُّهُ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: أَنَّهَا حَامِلٌ، وَكَانَ رِيحُ الطَّعَامِ يَقْتُلُ الْحَامِلَ أَوْ حَمْلَهَا (عَادَةً) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا رَبُّ الطَّعَامِ؛ فَلَا إثْمَ وَلَا ضَمَانَ كَرِيحِ الدُّخَانِ يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُ السُّعَالِ وَضَيِّقُ النَّفَسِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّ مَحَلَّ ضَمَانِهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْعَادَةَ مُسْتَمِرَّةٌ بِأَنَّ الرَّائِحَةَ تَقْتُلُ (وَطَلَبَتْهُ) ؛ أَيْ: الطَّعَامَ وَلَوْ مَجَّانًا قِيَاسًا عَلَى الْمُضْطَرِّ (فَمَنَعَهَا) مِنْهُ فَيَضْمَنُ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي إتْلَافِهَا أَوْ إتْلَافِ حَمْلِهَا، كَمَا لَوْ مَنَعَهَا طَعَامَهَا وَشَرَابَهَا حَتَّى هَلَكَتْ هِيَ أَوْ جَنِينُهَا؛ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عِلْمُهُ) (بِ) مُجَرَّدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 (خَبَرِهَا) بِأَنَّ الرَّائِحَةَ تُفْضِي إلَى إتْلَافِهَا أَوْ حَمْلِهَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِ ثِقَةٍ وَلَوْ أُنْثَى؛ إذْ مِثْلُ هَذَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ أَذِنَ سَيِّدٌ فِي ضَرْبِ عَبْدِهِ) ضَرْبًا مُحَرَّمًا (أَوْ) أَذِنَ (وَالِدٌ فِي ضَرْبِ وَلَدِهِ) ضَرْبًا مُحَرَّمًا (فَضَرَبَهُ) مَأْذُونٌ لَهُ (وَيَتَّجِهُ وَأَسْرَفَ فِي الضَّرْبِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (ضَمِنَهُ) إنْ تَلِفَ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ لَا تُسْتَبَاحُ بِالْإِذْنِ. (وَإِنْ سَلَّمَ بَالِغٌ عَاقِلٌ نَفْسَهُ أَوْ) سَلَّمَ (وَلَدَهُ) الصَّغِيرَ (إلَى سَابِحٍ حَاذِقٍ) لِيُعَلِّمَهُ السِّبَاحَةَ (فَغَرِقَ) لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُعَلِّمُ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِفِعْلِهِ مَا أُذِنَ فِيهِ (لِمَصْلَحَتِهِ كَضَرْبِ الْمُعَلِّمُ الصَّبِيَّ) الْمُعْتَادَ. وَإِنْ قَالَ: سَبِّحْ عَبْدِي هَذَا فَسَبَّحَهُ، ثُمَّ رَقَّاهُ [ثُمَّ] عَادَ وَحْدَهُ يَسْبَحُ فَغَرِقَ؛ فَهَدَرٌ، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ لِيُسْبِحَهُ وَيُعَلِّمَهُ، وَمِثْلُهُ لَا يَغْرَقُ غَالِبًا، ضَمِنَهُ إنْ غَفَلَ عَنْهُ، أَوْ لَمْ يَشُدَّ مَا يُسْبِحُهُ عَلَيْهِ شَدًّا جَيِّدًا، أَوْ جَعَلَهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ جَارٍ أَوْ وَاقِفٍ لَا يَحْمِلُهُ أَوْ عَمِيقٍ مَعْرُوفٍ بِالْغَرَقِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. (أَوْ أَمَرَ) مُكَلَّفٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ (مُكَلَّفًا يَنْزِلُ بِئْرًا أَوْ يَصْعَدُ شَجَرَةً، فَهَلَكَ بِهِ) ؛ أَيْ: بِنُزُولِ الْبِئْرِ أَوْ صُعُودِ الشَّجَرَةِ (لَمْ يَضْمَنْهُ) الْآمِرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَعَدَّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ (وَلَوْ أَنَّ الْآمِرَ سُلْطَانٌ) كَغَيْرِهِ (وَكَاسْتِئْجَارِهِ) لِذَلِكَ أَقْبَضَهُ أُجْرَةً أَوْ لَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْمَأْمُورُ (مُكَلَّفًا) كَكَوْنِهِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا (ضَمِنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي إتْلَافِهِ. (مَنْ وَضَعَ عَلَى سَطْحِهِ نَحْوَ جَرَّةٍ) كَقُلَّةٍ (وَلَوْ مُتَطَرِّفَةٍ، فَسَقَطَتْ بِنَحْوِ رِيحٍ) كَطَيْرٍ وَهِرَّةٍ (عَلَى آدَمِيٍّ) أَوْ غَيْرِهِ (فَتَلِفَ، لَمْ يَضْمَنْهُ) وَاضِعٌ بِسُقُوطِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَزَمَنَ وَضْعِهِ كَانَ فِي مِلْكِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 (وَمَنْ دَفَعَهَا حَالَ سُقُوطِهَا عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ) لِئَلَّا تَقَعَ عَلَيْهِ، فَأَتْلَفَ شَيْئًا؛ لَمْ يَضْمَنْ كَدَفْعِ الصَّائِلِ، أَوْ تَدَحْرَجَتْ عَلَى إنْسَانٍ فَدَفَعَهَا عَنْهُ فَأَتْلَفَ شَيْئًا (لَمْ يَضْمَنْ) دَافِعُهَا (مَا تَلِفَ بِهِ بِدَفْعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ. [بَابُ مَقَادِيرِ دِيَاتِ النَّفْسِ] ِ الْمَقَادِيرُ: جَمْعُ مِقْدَارٍ، وَهُوَ مَبْلَغُ الشَّيْءِ وَقَدْرُهُ (دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةُ بَعِيرٍ أَوْ مِائَتَا بَقَرَةٍ أَوْ أَلْفَا شَاةٍ، أَوْ أَلْفُ مِثْقَالِ ذَهَبٍ أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فِضَّةً) مِنْ دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ الَّتِي كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ أُصُولَ الدِّيَةِ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ وَالذَّهَبُ وَالْوَرِقُ، لِمَا رَوَى عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ دِرْهَمٍ» . وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ (وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ) الْمَذْكُورَةُ (فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ الْحُلَلِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْحُلَلَ أَصْلٌ، وَقَدْرُهَا مِائَةُ حُلَّةٍ مِنْ حُلَلِ الْيَمَنِ، كُلُّ حُلَّةٍ بُرْدَانِ: إزَارٌ وَرِدَاءٌ. وَفِي الْمَذْهَبِ جَدِيدَانِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَيْسَتْ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ وَلَا تَنْضَبِطُ (أُصُولُهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ، لِمَا سَبَقَ (فَإِذَا أَحْضَرَ مَنْ عَلَيْهِ دِيَةٌ أَحَدَهَا) ؛ أَيْ: أَحَدَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ (لَزِمَ) وَلِيَّ جِنَايَةٍ (قَبُولُهُ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِإِجْزَاءِ كُلٍّ مِنْهَا فَالْخِيَرَةُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ. «وَيَجِبُ مِنْ إبِلٍ فِي عَمْدٍ وَشَبَهِهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً» رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ مَرْفُوعًا. ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِجِنْسِ الْحَيَوَانِ؛ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَمْلُ كَالزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 (وَتَغْلُظُ) دِيَةُ عَمْدٍ وَشِبْهِهِ (فِي طَرَفٍ) كَمَا تَغْلُظُ فِي (نَفْسٍ) ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ، (وَلَا) تَغْلُظُ دِيَةٌ (فِي غَيْرِ إبِلٍ) ؛ لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (وَتَجِبُ) الدِّيَةُ (فِي خَطَأٍ أَخْمَاسًا، عِشْرُونَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ) ؛ أَيْ: عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً (وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ. (وَيُؤْخَذُ مِنْ بَقَرٍ مُسِنَّاتٌ وَأَتْبِعَةٌ) نِصْفَيْنِ (وَ) يُؤْخَذُ (مِنْ غَنَمٍ ثَنَايَا وَأَجْذِعَةٌ نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ دِيَةَ الْإِبِلِ مِنْ الْأَسْنَانِ الْمُقَدَّرَةِ فِي الزَّكَاةِ، فَكَذَا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. (وَتُعْتَبَرُ السَّلَامَةُ مِنْ عَيْبٍ) فِي كُلِّ الْأَنْوَاعِ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ (وَلَا) يُعْتَبَرُ (أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهَا) ؛ أَيْ: الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (دِيَةَ نَقْدٍ) ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ «فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَهُوَ مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْيِيدُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ؛ وَلِأَنَّهَا كَانَتْ تُؤْخَذُ عَلَى عَهْدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقِيمَتُهَا ثَمَانِيَةُ آلَافٍ. وَقَوْلُ عُمَرَ: إنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ فَقَوِّمْهَا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا فِي حَالِ رُخْصِهَا أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ ذَلِكَ. (وَ) يَجِبُ (فِي مُوضِحَةِ عَمْدٍ وَشَبَهِهِ أَرْبَعَةُ أَرْبَاعًا) ؛ أَيْ: بِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ، (وَ) يَجِبُ الْبَعِيرُ (الْخَامِسُ مِنْ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ قِيمَتُهُ رُبُعُ قِيمَةِ الْأَرْبَعَةِ) الْمَذْكُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ الْمَالِ إذَا كَانَ مِنْ نَوْعَيْنِ (وَإِنْ كَانَ) أَوْضَحَهُ (خَطَأً وَجَبَتْ الْخَمْسُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ) مِنْ كُلِّ نَوْعِ بَعِيرٍ ابْنُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ (وَيَجِبُ فِي أُنْمُلَةٍ) مِنْ غَيْرِ إبْهَامٍ قُطِعَتْ (عَمْدًا) وَشَبَهَهُ (ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثُ) بَعِيرٍ (قِيمَتُهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَرْبَعَةِ) ؛ أَيْ: بِنْتِ الْمَخَاضِ وَبِنْتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ (وَثُلُثُهَا) أَيْ: ثُلُثُ قِيمَةِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 الثَّلَاثَةِ وَالثُّلُثِ إلَى الْأَرْبَعَةِ نِصْفٌ وَثُلُثٌ (وَإِنْ كَانَ) قَطْعُ الْأُنْمُلَةِ (خَطَأً) (فَفِيهَا) ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثُ قِيمَتِهَا (ثُلُثَا قِيمَةِ الْخُمْسِ) لِأَنَّ نِسْبَةَ الثَّلَاثَةِ وَالثُّلُثِ إلَى الْخَمْسَةِ ثُلُثَانِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِبِلِ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ إبِلِ الْجَانِي، وَلَا مِنْ جِنْسِ إبِلِ بَلَدِهِ؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَخْبَارِ. (وَدِيَةُ أُنْثَى بِصِفَتِهِ) ؛ أَيْ: الْجَانِي مِنْ إسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ (نِصْفُ دِيَتِهِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، إجْمَاعًا، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي كِتَابِهِ: دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ» (وَيَسْتَوِيَانِ) ؛ أَيْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى حَيْثُ اتَّفَقَا دِينًا (فِي) جُرْحٍ (مُوجِبٍ دُونَ ثُلُثِ دِيَةِ) ذَكَرٍ حُرٍّ (فَإِذَا بَلَغَتْ جِرَاحَاتُهَا الثُّلُثَ أَوْ زَادَتْ عَلَيْهِ) صَارَتْ عَلَى النِّصْفِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: «كَمْ فِي أُصْبُعِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ. قُلْت: فَفِي أُصْبُعَيْنِ؟ : قَالَ عِشْرُونَ. قُلْت: فَفِي ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ قُلْت فَفِي أَرْبَعِ أَصَابِعَ؟ قَالَ: عِشْرُونَ. قُلْت: لَمَّا عَظُمَتْ مُصِيبَتُهَا قَلَّ عَقْلُهَا قَالَ: هَكَذَا السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي» ؛ وَلِأَنَّ دِيَةَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى يَسْتَوِيَانِ فِي الْجَنِينِ فَكَذَا فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ، وَأَمَّا مَا يُوجِبُ الثُّلُثَ فَمَا فَوْقَ، فَهِيَ فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الذَّكَرِ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ» وَحَتَّى لِلْغَايَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا، وَلِأَنَّ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ؛ لِحَدِيثِ: «وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» ؛ وَلِذَلِكَ حَمَلْته الْعَاقِلَةُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ وَالْمَجُوسِيَّةُ وَغَيْرُهَا. (وَدِيَةُ خُنْثَى مُشْكِلٍ بِصِفَتِهِ) ؛ أَيْ: حُرٍّ مُسْلِمٍ (نِصْفُ دِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ أَيْ: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الذَّكَرِ؛ لِاحْتِمَالِهِ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ احْتِمَالًا وَاحِدًا، وَقَدْ أَيِسَ مِنْ انْكِشَافِ حَالِهِ؛ فَوَجَبَ التَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا، وَالْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ (وَكَذَا جِرَاحُهُ) ؛ أَيْ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ إذَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ، وَأَمَّا مَا دُونَ الثُّلُثِ فَلَا يَخْتَلِفُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 (وَدِيَةُ كِتَابِيٍّ) ؛ أَيْ: يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ وَمَنْ تَدَيَّنَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ (حُرٍّ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ) ؛ أَيْ: مُهَادِنٍ (أَوْ مُسْتَأْمَنٍ نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ مُسْلِمٍ) ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «دِيَةُ الْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ» وَفِي لَفْظٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِأَنَّ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: لَيْسَ فِي دِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ شَيْءٌ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا، وَلَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ. وَمَحَلُّ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ عَمْدًا وَالْقَاتِلُ مُسْلِمًا أَمَّا إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ دِيَةِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ، وَيَأْتِي. (وَكَذَا جِرَاحُهُ) ؛ أَيْ: الْكِتَابِيِّ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ عَلَى نِصْفِ جِرَاحِ الْمُسْلِمِ. (وَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ حُرٍّ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ، وَدِيَةُ حُرٍّ مِنْ عَابِدِ وَثَنٍ) وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَمَنْ يَعْبُدُ مَا اسْتَحْسَنَ مِنْ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَوْ كَوْكَبٍ (مُسْتَأْمَنٍ أَوْ مُعَاهَدٍ بِدَارِنَا) أَوْ غَيْرِهَا لِحَقْنِ دَمِهِ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ (ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ) وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمَجُوسِيِّ وَأُلْحِقَ بِهِ بَاقِي الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ دُونَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» . فَالْمُرَادُ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَلِذَلِكَ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ (وَجِرَاحُهُ) أَيْ: مَنْ ذَكَرَ مِنْ الْمَجُوسِ وَعَابِدِ وَثَنٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (بِالنِّسْبَةِ) إلَى دِيَتِهِ نَصًّا، كَمَا أَنَّ جِرَاحَ الْمُسْلِمِ وَأَطْرَافَهُ بِالْحِسَابِ مِنْ دِيَتِهِ. (وَدِيَةُ أُنْثَى الْكُفَّارِ نِصْفُ دِيَةِ ذَكَرِهِمْ) . قَالَ فِي الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (وَظَاهِرُهُ: وَيَسْتَوِيَانِ فِي مُوجَبِ دُونِ ثُلُثِ دِيَةِ ذَكَرِهِمْ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ) ؛ أَيْ: دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ إنْ وُجِدَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَقَدْ أُخْبِرْتُ عَنْ قَوْمٍ بِآخِرِ بِلَادِ السُّودَانِ لَا يَفْقَهُونَ مَا يُقَالُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَهَؤُلَاءِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ (فَإِنْ كَانَ لَهُ أَمَانٌ فَدِيَتُهُ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ دِينُهُ فَكَمَجُوسِيٍّ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَمَانٌ فَهُوَ هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ؛ أَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ حَتَّى يُدْعَى، فَإِنْ بَادَرَ مُسْلِمٌ فَقَتَلَهُ؛ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ (كَ) حُكْمِ (دُرْزِيٍّ وَنُصَيْرِيٍّ) وَإِسْمَاعِيلِيٍّ (وَقَاذِفِ عَائِشَةَ؛ لِرِدَّتِهِمْ) بِجَحْدِهِمْ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ؛ وَاسْتِبَاحَتِهِمْ الْخَمْرَ وَالزِّنَا؛ وَإِنْكَارِهِمْ قِيَامَ السَّاعَةِ وَأَمْرِ الْمَعَادِ؛ وَاعْتِقَادِهِمْ تَنَاسُخَ الْأَرْوَاحِ وَانْتِقَالَهَا إلَى أَبْدَانِ الْحَيَوَانَاتِ، وَحُلُولَ الْإِلَهِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ عَقَائِدِهِمْ الْقَبِيحَةِ، وَبِلُغَتِهِمْ الصَّرِيحَةِ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِهِمْ الْمَنْهُوبَةِ مِنْ بِلَادِهِمْ. فَهَؤُلَاءِ الطَّوَائِفُ وَأَمْثَالُهُمْ مِمَّنْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ. وَمَنْ يَشُكُّ فِي كُفْرِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ مِثْلُهُمْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ بِجِزْيَةٍ وَلَا بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فِي الدُّنْيَا؛ فَهَذَا الِاتِّجَاهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ كَهَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ مِنْ حَيْثُ إهْدَارِ الدَّمِ فِي كُلٍّ، فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُمْ كَهُوَ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ قَتْلُهُ قَبْلَ الدَّعْوَةِ، وَهَؤُلَاءِ يُقْتَلُونَ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا يَأْتِي فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ. (وَتُغَلَّظُ دِيَةُ قَتْلِ خَطَأٍ) لَا عَمْدٍ (فِي نَفْسٍ) لَا فِي طَرَفٍ خِلَافًا " لِلْمُغْنِي " وَالشَّرْحِ " (وَيَتَّجِهُ) بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ (وَلَوْ) كَانَ الْمَقْتُولُ (ذِمِّيًّا) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فِي كُلٍّ مِنْ حَرَمِ مَكَّةَ وَإِحْرَامِ) مَقْتُولٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ " الْمُغْنِي " (وَشَهْرٍ حَرَامٍ) فَقَطْ فَلَا تَغْلُظُ لِقَتْلِ رَحِمٍ وَلَوْ مُحَرَّمًا (بِثُلُثِ) دِيَةٍ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ نَجِيحٍ أَنَّ امْرَأَةً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 وُطِئَتْ فِي الطَّوَافِ فَقَضَى عُثْمَانَ فِيهَا بِسِتَّةِ آلَافٍ وَأَلْفَيْنِ تَغْلِيظًا لِلْحَرَمِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَفِي بَلَدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ: دِيَتُهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَلِلشَّهْرِ الْحَرَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَلِلْبَلَدِ الْحَرَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَهَذَا فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ (فَمَعَ اجْتِمَاعِ) حَالَاتِ التَّغْلِيظِ (كُلِّهَا) يَجِبُ (دِيَتَانِ) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْخَطَأِ هُنَا مَا يَعُمُّ شِبْهَ الْعَمْدِ. (وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا) ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا (عَمْدًا) لَا خَطَأً (وَنَحْوَهُ أُضْعِفَتْ دِيَتُهُ) ؛ أَيْ: الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ؛ لِإِزَالَةِ الْقَوَدِ، قَضَى بِهِ عُثْمَانُ. رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَرُفِعَ إلَى عُثْمَانَ، فَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَغَلَّظَ عَلَيْهِ أَلْفَ دِينَارٍ، فَذَهَبَ أَحْمَدُ إلَيْهِ، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي مَذْهَبِهِ، فَإِنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الْأَعْوَرِ إذَا قَلَعَ عَيْنَ صَحِيحٍ مُمَاثِلَةً؛ لِعَيْنِهِ دِيَةً كَامِلَةً؛ لِمَا دُرِئَ عَنْهُ الْقِصَاصُ، وَظَاهِرُهُ لَا إضْعَافَ فِي جِرَاحَةٍ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. [فَصْلٌ دِيَةُ الْقِنِّ] فَصْلٌ (وَدِيَةُ قِنٍّ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا (قِيمَتُهُ) عَمْدًا كَانَ الْقَتْلُ أَوْ خَطَأً (وَلَوْ) كَانَتْ قِيمَتُهُ (فَوْقَ دِيَةِ حُرٍّ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَضُمِنَ بِكَمَالِ قِيمَتِهِ كَالْفَرَسِ، وَضَمَانُ الْحُرِّ لَيْسَ بِضَمَانِ مَالٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ الَّتِي تَزِيدُ بِهَا قِيمَتُهُ لَوْ كَانَ قِنًّا، وَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِمَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ، وَضَمَانُ الْقِنِّ ضَمَانُ مَالٍ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْمَالِيَّةِ، وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهَا. (وَفِي جِرَاحِهِ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ (إنْ قُدِّرَ مِنْ حُرٍّ بِقِسْطِهِ مِنْ قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ كَدِيَةِ الْحُرِّ (فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي أُصْبُعِهِ عُشْرُهَا، وَفِي مُوضِحَةٍ نِصْفُ عُشْرِ) قِيمَتِهِ (سَوَاءٌ نَقَصَ بِجِنَايَةٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 مِنْهُ، وَإِلَّا) يَكُنْ فِيهِ مُقَدَّرٌ مِنْ الْحُرِّ كَالْعُصْعُصِ وَخَرَزَةِ الصُّلْبِ؛ فَعَلَى جَانٍ (مَا نَقَصَهُ) بِجِنَايَتِهِ بَعْدَ بُرْئِهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ جَبْرٌ لِمَا فَاتَ بِالْجِنَايَةِ، وَقَدْ أَنْجَبَرَ بِذَلِكَ؛ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ (فَلَوْ جُنِيَ عَلَى رَأْسِهِ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ (دُونَ مُوضِحَةٍ) أَوْ جُنِيَ عَلَى وَجْهِهِ دُونَ مُوضِحَةٍ، ضُمِنَ بِمَا نَقَصَ، (وَلَوْ أَنَّهُ) ؛ أَيْ: مَا نَقَصَ بِالْجِنَايَةِ (أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ مُوضِحَةٍ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ إذَا نَقَصَهَا (وَفِي مُنَصَّفٍ) ؛ أَيْ: مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ قِنٌّ إذَا قُتِلَ (نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ، وَكَذَا جِرَاحُهُ) مِنْ طَرَفٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا وَالْقَتْلُ خَطَأٌ وَالْقَاتِلُ حُرٌّ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ فِي مَالِهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُ دِيَتِهِ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ أَوْ يَدَهُ أَوْ رِجْلَيْهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنْ قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ، فَالْجَمِيعُ فِي مَالِ جَانٍ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الدِّيَةِ رُبُعُ دِيَةٍ؛ فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِنَقْصِهِ عَنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ (وَلَيْسَتْ أَمَةٌ كَحُرَّةٍ فِي رَدِّ أَرْشِ جِرَاحٍ بَلَغَ ثُلُثَ قِيمَتِهَا أَوْ أَكْثَرَ إلَى نِصْفٍ) ؛ أَيْ: أَرْشِ جِرَاحِهَا؛ لِأَنَّ فِي الْحُرَّةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ لِكَوْنِ الْأَصْلِ زِيَادَةَ الْأَرْشِ بِزِيَادَةِ الْجِنَايَةِ، وَأَنَّهُ كُلَّمَا زَادَ نَقْصُهَا وَضَرَرُهَا زَادَ فِي ضَمَانِهَا، فَإِذَا خُولِفَ الْأَصْلُ فِي الْحُرَّةِ لِلْحَدِيثِ، بَقِيَ فِي الْأَمَةِ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ. (وَمَنْ قَطَعَ خُصْيَتَيْ عَبْدٍ) أَوْ ذَكَرَهُ (أَوْ أَنْفِهِ أَوْ أُذُنَيْهِ) وَنَحْوَهُمَا مِمَّا فِيهِ مِنْ الْحُرِّ دِيَةٌ (لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ) كَامِلَةً لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الدِّيَةِ (وَإِنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ ثُمَّ خَصَاهُ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) صَحِيحًا (لِقَطْعِ ذَكَرِهِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَيْضًا مَقْطُوعًا) أَيْ: نَاقِصًا بِقَطْعِ ذَكَرِهِ؛ لِقَطْعِ خُصْيَتَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْهُمَا إلَّا وَقَدْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِقَطْعِ الذَّكَرِ، وَإِنْ خَصَاهُ ثُمَّ قَطَعَ ذَكَرَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً؛ لِقَطْعِ الْخُصْيَتَيْنِ، وَمَا نَقَصَ بِقَطْعِ ذَكَرِهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرُ خَصِيٍّ لَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا مُقَدَّرًا (وَمِلْكُ سَيِّدِهِ بَاقٍ عَلَيْهِ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَاسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ؛ وَلِأَنَّ مَا أَخَذَهُ بَدَلُ مَا ذَهَبَ مِنْهُ لَا بَدَلَ نَفْسِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَهُمَا) ؛ أَيْ: ذَكَرَهُ وَخُصْيَتَيْهِ (مَعًا) فَعَلَيْهِ (قِيمَتَانِ كَامِلَتَانِ) كَمَا لَوْ ذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْحُرِّ دِيَةً كَامِلَةً، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، بَلْ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ. [فَصْلٌ دِيَةُ الْجَنِينِ] فَصْلٌ (وَدِيَةُ جَنِينٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَلَوْ أُنْثَى) وَالْجَنِينُ: الْوَلَدُ الَّذِي فِي الْبَطْنِ مِنْ الْإِجْنَانِ وَهُوَ السَّتْرُ؛ (لِأَنَّهُ أَجَنَّهُ بَطْنُ أُمِّهِ) ؛ أَيْ: سَتَرَهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم: 32] (أَوْ مَا تَصِيرُ بِهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ) وَهُوَ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ وَلَوْ خَفِيًّا، لَا مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً (إنْ ظَهَرَ) الْجَنِينُ مَيِّتًا (أَوْ) ظَهَرَ (بَعْضُهُ) كَيَدٍ وَرَأْسٍ (مَيِّتًا وَلَوْ) كَانَ ظُهُورُهُ (بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً) وَكَذَا مَا فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ كَمَا مَرَّ فِيمَنْ أَسْقَطَتْ فَزَعًا مِنْ طَلَبِ سُلْطَانٍ أَوْ بِرِيحِ نَحْوِ طَعَامٍ (فَسَقَطَ) الْجَنِينُ فِي الْحَالِ، (أَوْ بَقِيَتْ) أُمُّهُ (مُتَأَلِّمَةً حَتَّى سَقَطَ) الْجَنِينُ، فَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ كَأَنْ قَتَلَ حَامِلًا وَلَمْ يُسْقِطْ جَنِينَهَا، أَوْ ضَرَبَ مَنْ بِبَطْنِهَا حَرَكَةٌ أَوْ انْتِفَاخٌ، فَزَالَ ذَلِكَ؛ فَلَا شَيْءَ فِيهِ (وَلَوْ) كَانَ إسْقَاطُهَا (بِفِعْلِهَا) كَإِجْهَاضِهَا بِشُرْبِ دَوَاءٍ (أَوْ كَانَتْ أَمَةً ذِمِّيَّةً حَامِلًا مِنْ ذِمِّيٍّ وَمَاتَ) الذِّمِّيُّ وَالْجَنِينُ بِهِ بِدَارِنَا (لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ) إذَنْ تَبَعًا لِلدَّارِ (وَيُرَدُّ قَوْلُهَا) ؛ أَيْ: الذِّمِّيَّةِ (إنْ لَمْ يَمُتْ الْجَنِينُ) الَّذِي (حَمَلَتْ بِهِ مِنْ مُسْلِمٍ) . إنْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (أَوْ) كَانَتْ أُمُّ الْجَنِينِ (أَمَةً وَهُوَ حُرٌّ) لِغُرُورٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ إعْتَاقِهِ وَحْدَهُ، فَتَقْدِيرُ أَمَةٍ حُرَّةٍ، وَقَوْلُهُ: (غُرَّةٌ) خَبَرُ دِيَةِ جَنِينٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 (عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ) بَدَلٌ مِنْ غُرَّةٍ، وَأَصْلُهَا الْخِيَارُ، سَمَّى بِهَا الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ وَوَجْهُ وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا وَمَنْ مَعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) صِفَةٌ لِغُرَّةٍ، وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ فِي الْجِنَايَةِ، وَهُوَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَأَمَّا الْأُنْمُلَةُ فَقَدْرُهَا ثَبَتَ بِالْحِسَابِ مِنْ دِيَةِ الْأُصْبُعِ (مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ) ؛ أَيْ: الْجَنِينِ (كَأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا) ثُمَّ مَاتَ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ، وَلِأَنَّهَا دِيَةُ آدَمِيٍّ فَوَجَبَ أَنْ تُورَثَ عَنْهُ كَسَائِرِ الدِّيَاتِ (فَلَا حَقَّ فِيهَا لِقَاتِلٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمَقْتُولَ (وَلَا كَامِلِ رِقٍّ) لِأَنَّهُ مَانِعٌ لِلْإِرْثِ وَيَرِثُ الْمُبَعَّضُ مِنْهَا بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَغَيْرِهَا. (فَيَرِثُهَا) ؛ أَيْ: الْغُرَّةَ (عَصَبَةُ سَيِّدٍ قَتَلَ وَلَدَهُ مِنْ أَمَةٍ) كَأَنْ ضَرَبَ بَطْنَ أُمِّ وَلَدِهِ فَأَسْقَطَتْ وَلَدَهَا مِنْهُ؛ فَلَا يَرِثُهُ هُوَ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ، وَيَرِثُهُ مَنْ عَدَاهُ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ السَّيِّدُ بَطْنَ عَتِيقَتِهِ فَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا؛ كَانَ عَلَيْهِ غُرَّةٌ يَرِثُهَا أُمُّ الْجَنِينِ وَعَصَبَةُ السَّيِّدِ دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ. (وَتَعَدُّدُ الْغُرَّةِ بِتَعَدُّدِ جَنِينٍ وَإِنْ أَلْقَتْ) بِجِنَايَةٍ (رَأْسَيْنِ أَوْ أَرْبَعَ أَيْدٍ) أَوْ أَرْجُلٍ (فَغُرَّةٌ وَاحِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جَنِينٍ وَاحِدٍ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ (أَوْ) أَلْقَتْ (مَا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ آدَمِيٍّ) أَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ تَصَوَّرَ آدَمِيًّا (فَلَا شَيْءَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدٍ (كَمَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ حَرْبِيَّةٍ) حَامِلٍ (أَوْ) بَطْنَ (مُرْتَدَّةٍ) حَامِلٍ (فَأَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا) فَلَا شَيْءَ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ) (هَذَا) الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ (إنْ) كَانَتْ قَدْ (حَمَلَتْ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 مِنْ كَافِرٍ حَالَ رِدَّتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ جِنَايَةٌ عَلَيْهَا حِينَ عِصْمَتِهَا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ قَبْلَ أَنْ تَرْتَدَّ فَفِيهِ الْغُرَّةُ؛ لِعِصْمَتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ [تَنْبِيهٌ شَهِدَتْ ثِقَةٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِي السِّقْطِ صُورَةً خَفِيَّةً] (1) تَنْبِيهٌ: وَإِنْ شَهِدَتْ ثِقَةٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنْ فِي السِّقْطِ صُورَةً خَفِيَّةً، فَفِيهِ غُرَّةٌ، لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا. (وَلَا يَجِبُ مَعَ الْغُرَّةِ ضَمَانُ نَقْصِ الْأُمِّ) ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَا تُوجِبُ أَرْشَيْنِ . (وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا) ؛ أَيْ: الْغُرَّةِ (خَصِيٌّ وَلَا خُنْثَى) وَنَحْوُهُ كَمَوْجُوءِ الْخُصْيَتَيْنِ وَمَسْلُولِهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ، وَ (لَا) يُقْبَلُ فِيهَا (مَعِيبٌ) عَيْبًا يُرَدُّ فِي بَيْعٍ، كَأَعْوَرَ وَمُكَاتَبٍ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ، وَكَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهَا هَرِمَةٌ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ بَدَلٌ، فَاعْتُبِرَتْ فِيهَا السَّلَامَةُ كَإِبِلِ الصَّدَقَةِ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ؛ فَإِنَّهَا جُبَارٌ (وَلَا مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْخِدْمَةِ؛ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ وَيَخْدُمُهُ، وَلَوْ أُرِيدَ نَفْسُ الْمَالِيَّةِ لَمْ تَتَعَيَّنْ فِي الْغُرَّةِ (وَإِنْ أَعْوَزَتْ الْغُرَّةُ؛ فَالْقِيمَةُ تَجِبُ مِنْ أَصْلِ الدِّيَةِ) وَهِيَ الْأَصْنَافُ الْخَمْسَةُ؛ لِأَنَّ الْخِيَرَةَ لِلْجَانِي فِي دَفْعِ مَا شَاءَ مِنْ الْأُصُولِ الْخَمْسَةِ. (وَتُعْتَبَرُ الْغُرَّةُ سَلِيمَةً مَعَ سَلَامَتِهِ) ؛ أَيْ: الْجَنِينِ الْقِنِّ (وَعَيْبِ الْأُمِّ) ؛ لِكَوْنِهَا خَرْسَاءَ أَوْ نَاقِصَةً بَعْضَ الْأَطْرَافِ، وَيُؤْخَذُ عُشْرُ قِيمَتِهَا اعْتِبَارًا بِوَصْفِهِ (وَجَنِينٍ مُبَعَّضٍ) ؛ أَيْ: مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ كَذَلِكَ (بِحِسَابِهِ) مِنْ دِيَةٍ وَقِيمَةٍ، فَلَوْ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ رَقِيقًا، وَجَبَ لِسَيِّدِهِ بِاعْتِبَارِهِ (وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ وَ) وَجَبَ لِوَرَثَتِهِ (نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهَا) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجَنِينِ (وَفِي) جَنِينٍ (قِنٍّ وَلَوْ أُنْثَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ) كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهَا مُوضِحَةً. وَإِنْ (كَانَ الْجَنِينُ قِنًّا، وَأُمُّهُ حُرَّةً بِأَنْ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا وَاسْتَثْنَاهُ فَقَدْرُ أُمِّهِ الْحُرَّةِ) أَنَّهُ كَعَكْسِهِ (وَيُؤْخَذُ عُشْرُ قِيمَتِهَا يَوْمَ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا نَقْدًا) ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْجَنِينِ إذَا كَانَ حُرًّا، وَهَذَا رَقِيقٌ (وَيَضْمَنُ شَرِيكُهُ) فِي أَمَةٍ ضَرَبَهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِمَمْلُوكٍ فَأَسْقَطَتْهُ (قِيمَةَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ) وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الضَّارِبُ أَجْنَبِيًّا وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ آدَمِيًّا، وَيَسْقُطُ ضَمَانُ نَصِيبِهِ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضْمَنُ مَالَهُ لِنَفْسِهِ. [تَتِمَّةٌ أَعْتَقَ الضَّارِبُ الْحَامِل بَعْدَ ضَرْبِهَا وَكَانَ مُعْسِرًا ثُمَّ أَسْقَطَتْ] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ أَعْتَقَهَا الضَّارِبُ بَعْدَ ضَرْبِهَا وَكَانَ مُعْسِرًا ثُمَّ أَسْقَطَتْ، عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهَا وَمِنْ وَلَدِهَا بِمُجَرَّدِ الْعِتْقِ، وَعَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ لَهُ نِصْفَ جَنِينِهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَعْتَقَهُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ جِنَايَةٌ، وَقَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ مَمْلُوكُهُ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا سَرَى الْعِتْقُ إلَيْهَا وَإِلَى جَنِينِهَا، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْ الْجَنِينِ بِنِصْفِ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَلَا يَضْمَنُ أُمَّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَهَا بِإِعْتَاقِهَا؛ فَلَا يَضْمَنُهَا بِتَلَفِهَا. (وَإِنْ ضَرَبَ غَيْرُ سَيِّدٍ بَطْنَ أَمَةٍ فَعَتَقَ جَنِينُهَا) بِأَنْ أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ (قَبْلَ مَوْتِهِ) أَوْ كَانَ عَلَّقَ عِتْقَهَا عَلَى صِفَةٍ فَوُجِدَتْ، أَوْ نَجَّزَ السَّيِّدُ عِتْقَهَا، أَوْ عَلَّقَ عِتْقَ جَنِينِهَا عَلَى ضَرْبِ جَانٍ بَطْنَهَا (ثُمَّ سَقَطَ) الْجَنِينُ مَيِّتًا؛ فَفِيهِ غُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا، وَالْعِبْرَةُ بِحَالِ سُقُوطٍ. وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ كَافِرَةٍ حَامِلٍ، فَأَسْلَمَتْ أَوْ أَبُو الْحَمْلِ ثُمَّ سَقَطَ (أَوْ) ضَرَبَ (بَطْنَ مَيِّتَةٍ أَوْ ضَرَبَ عُضْوًا) مِنْ أَعْضَائِهَا، (وَخَرَجَ) الْجَنِينُ (مَيِّتًا، وَ) قَدْ (شُوهِدَ بِالْجَوْفِ) ؛ أَيْ: جَوْفِ الْمَيِّتَةِ (يَتَحَرَّكُ) ؛ بَعْدَ مَوْتِهَا (فَفِيهِ غُرَّةٌ) كَمَا لَوْ ضَرَبَ حَيَّةً فَمَاتَتْ ثُمَّ خَرَجَ جَنِينُهَا مَيِّتًا. (وَفِي) جَنِينٍ (مَحْكُومٍ بِكُفْرِهِ) كَجَنِينِ ذِمِّيَّةٍ مِنْ ذِمِّيٍّ لَاحِقٌ بِهِ (غُرَّةٌ قِيمَتُهَا عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ) قِيَاسًا عَلَى جَنِينِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ (فَغُرَّةُ جَنِينِ مَجُوسِيَّةٍ) مِنْ مَجُوسِيٍّ (أَرْبَعُونَ دِرْهَمٍ) عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 (وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ) ؛ أَيْ: الْجَنِينِ (أَشْرَفَ دِينًا) مِنْ الْآخَرِ (كَمَجُوسِيَّةٍ تَحْتَ كِتَابِيٍّ، أَوْ كِتَابِيَّةٍ تَحْتَ مُسْلِمٍ) فَالْوَاجِبُ فِيهِ (غُرَّةٌ قِيمَتُهَا عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ لَوْ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ) الْأَشْرَفِ؛ فَتُقَدَّرُ مَجُوسِيَّةٌ تَحْتَ كِتَابِيٍّ كِتَابِيَّةً وَكِتَابِيَّةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ مُسْلِمَةً؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ أَبَوَيْهِ دِينًا، وَتَقَدَّمَ. وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْ الْجَنِينِ بَعْدَ الضَّرْبِ وَقَبْلَ الْوَضْعِ؛ فَفِيهِ غُرَّةٌ اعْتِبَارًا بِحَالِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ الِاسْتِقْرَارِ. (وَإِذَا سَقَطَ جَنِينُ ذِمِّيَّةٍ قَدْ وَطِئَهَا مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ فِي طُهْرٍ) وَاحِدٍ (فَفِيهِ مَا فِي الْجَنِينِ الذِّمِّيِّ) ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ هَذَا الْجَنِينَ بَعْدَ عَرْضِهِ عَلَى الْقَافَةِ لَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: إمَّا أَنْ تُلْحِقَهُ بِالذِّمِّيِّ، أَوْ يُشْكِلَ أَمْرُهُ فَلَا يُدْرَى أَهُوَ مِنْ الذِّمِّيِّ أَوْ مِنْ الْمُسْلِمِ، أَوْ تُلْحِقَهُ بِالْمُسْلِمِ؛ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى تَكُونُ الْغُرَّةُ (لِبَيْتِ الْمَالِ) وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (إنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِالذِّمِّيِّ) وَأَشَارَ إلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (أَوْ أَشْكَلَ) أَمْرُهُ؛ أَيْ: فَكَذَلِكَ تَكُونُ الْغُرَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ بِالْأَوْلَى، وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِالْمُسْلِمِ؛ فَتَكُونُ الْغُرَّةُ لَهُ؛ أَيْ: الْمُسْلِمِ؛ لِاتِّضَاحِ الْحَالِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [تَتِمَّةٌ ادَّعَتْ ذِمِّيَّةٌ أَنَّ جَنِينَهَا مِنْ مُسْلِمٍ] (1) تَتِمَّةٌ: وَإِنْ ادَّعَتْ ذِمِّيَّةٌ أَوْ وَرَثَتُهَا، أَنْ جَنِينَهَا مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا فَإِنْ اعْتَرَفَ الْجَانِي بِذَلِكَ، فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ اعْتَرَفَتْ الْعَاقِلَةُ أَيْضًا، وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ غَيْرَ عَمْدٍ، وَمَاتَ مَعَ أُمِّهِ أَوْ بَعْدَهَا، فَالْغُرَّةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِاعْتِرَافِهَا، وَتَحْلِفُ الْعَاقِلَةُ مَعَ الْإِنْكَارِ أَنَّهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَعَلَيْهِمَا فِي جَنِينِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 الذِّمِّيِّينَ وَالْبَاقِي عَلَى الْجَانِي إنْ اعْتَرَفَ لِثُبُوتِهِ بِاعْتِرَافِهِ. وَإِنْ اعْتَرَفَتْ الْعَاقِلَةُ دُونَ الْجَانِي، فَالْغُرَّةُ عَلَيْهَا مَعَ دِيَةِ أُمِّهِ حَيْثُ مَاتَ بَعْدَهَا أَوْ مَعَهَا بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْجَانِي وَالْعَاقِلَةُ أَنَّهُ مِنْ مُسْلِمٍ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْجَنِينَ مِنْ مُسْلِمٍ، وَوَجَبَتْ دِيَةُ ذِمِّيٍّ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ الْيَمِينُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى الْبَتِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْجَنِينِ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ، وَمَاتَ قَبْلَ أُمِّهِ أَوْ بِجِنَايَةٍ مُفْرَدَةٍ، فَقَوْلُ الْجَانِي وَحْدَهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ فِيهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ. كَانَتْ الذِّمِّيَّةُ كِتَابِيَّةً وَهِيَ امْرَأَةُ مُسْلِمٍ أَوْ سُرِّيَّتُهُ، فَادَّعَى الْجَانِي أَنْ الْجَنِينَ مِنْ ذِمِّيٍّ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، وَأَنْكَرَ وَرَثَتُهُ، فَقَوْلُهُمْ مَعَ يَمِينِهِمْ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ؛ فَإِنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ. (وَإِنْ سَقَطَ الْجَنِينُ كُلُّهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ وَهُوَ نِصْفُ سَنَةٍ فَصَاعِدًا، وَلَوْ لَمْ يَسْتَهِلَّ) صَارِخًا، إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ، بِنَفَسِهِ أَوْ ارْتِضَاعِهِ، أَوْ عُطَاسِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَدَلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ الِاسْتِهْلَالِ (فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِجِنَايَتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَ قَتْلَهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ سُقُوطُهُ لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ، كَدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ (فَكَمَيِّتٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِحَيَاتِهِ (وَلَا تَثْبُتُ حَيَاتُهُ بِمُجَرَّدِ حَرَكَةٍ وَاخْتِلَاجٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدُلَّانِ عَلَى الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِخُرُوجِهِ مِنْ مَضِيقٍ، فَلَمْ تُتَيَقَّنْ حَيَاتُهُ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) ؛ أَيْ: الْجَانِي وَوَارِثُ الْجَنِينِ (فِي خُرُوجِهِ) ؛ أَيْ؛ الْجَنِينِ (حَيًّا) بِأَنْ قَالَ الْجَانِي: سَقَطَ مَيِّتًا، فَفِيهِ الْغُرَّةُ، وَقَالَ الْوَارِثُ: بَلْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ (وَلَا بَيِّنَةَ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ (فَقَوْلُ جَانٍ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا زَادَ عَنْ الْغُرَّةِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْهَا. . وَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ ضَرَبَهَا، فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا فَأَنْكَرَ الضَّرْبَ، فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالضَّرْبِ، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَأَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ أَسْقَطَتْ؛ فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ لَا عَلَى الْبَتِّ؛ لِأَنَّهَا عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَإِنْ ثَبَتَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 الْإِسْقَاطُ وَالضَّرْبُ وَادَّعَى إسْقَاطَهَا مِنْ غَيْرِ الضَّرْبِ، فَإِنْ كَانَتْ أَسْقَطَتْ عَقِبَ الضَّرْبِ؛ فَقَوْلُهَا بِيَمِينِهَا إحَالَةً لِلْحُكْمِ عَلَى مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ، وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَتْ بَعْدَهُ بِأَيَّامٍ، وَكَانَتْ مُتَأَلِّمَةً إلَى الْإِسْقَاطِ، فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ (كَ) (اخْتِلَافِهِمَا) ؛ أَيْ: الْجَانِي وَالْأُمِّ (فِي الْحَيِّ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) أَسْقَطَتْهُمَا مِنْ الْجِنَايَةِ فَاسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا فَقَالَ الْجَانِي: هُوَ الْأُنْثَى، وَقَالَتْ الْأُمُّ: هُوَ الذَّكَرُ، فَقَوْلُ الْجَانِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا زَادَ عَلَى دِيَةِ الْأُنْثَى، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُدِّمَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُظْهِرُ الْحَقَّ وَتُبَيِّنُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا بَيِّنَتَانِ وَجَبَتْ دِيَةُ الذَّكَرِ؛ لِثُبُوتِ اسْتِهْلَالِهِ، وَالْبَيِّنَةُ الْمُعَارِضَةُ لَهَا نَافِيَةٌ، وَلَمْ تَجِبْ دِيَةُ الْأُنْثَى؛ لِعَدَمِ ادِّعَاءِ وَارِثِهَا إيَّاهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَاعْتَرَفَ الْجَانِي بِاسْتِهْلَالِ الذَّكَرِ، فَأَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ اسْتِهْلَالَهُ؛ فَقَوْلُهُمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُمْ، فَإِذَا حَلَفُوا كَانَ عَلَيْهِمْ دِيَةُ الْأُنْثَى؛ لِاعْتِرَافِهِمْ بِاسْتِهْلَالِهَا، وَعَلَى الْجَانِي تَمَامُ دِيَةِ الذَّكَرِ وَهُوَ نِصْفُ الدِّيَةِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِاعْتِرَافِهِ. وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَهَلَّ وَلَمْ يُعْرَفْ؛ لَزِمَ الْعَاقِلَةَ دِيَةُ أُنْثَى؛ لِأَنَّهَا الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَيَجِبُ الْغُرَّةُ فِي الَّذِي لَمْ يَسْتَهِلَّ مِنْهُمَا بِكُلِّ حَالٍ. (وَ) إنْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْأُمُّ فِي جَنِينٍ ثَبَتَ أَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا، فَقَالَتْ الْأُمُّ: وَلَدْتُهُ (لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ) وَأَنْكَرَهَا الْجَانِي؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ أُمِّهِ) ؛ أَيْ: الْجَنِينِ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَقُبِلَ قَوْلُهَا فِيهِ كَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَوُجُودِ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا، وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِاسْتِهْلَالِهِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِخِلَافِهَا؛ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ. وَإِنْ قَالَتْ: مَاتَ الْجَنِينُ عَقِبَ الْإِسْقَاطِ، وَقَالَ الْجَانِي: عَاشَ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْجِنَايَةِ؛ فَقَوْلُهَا بِيَمِينِهَا اعْتِبَارًا بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ، وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ (وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَتَيْنِ بِحَيَاتِهِ وَعَدَمِهِ؛ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهَا) ؛ أَيْ: الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَتِلْكَ نَافِيَةٌ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي. وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَاشَ مُدَّةً فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 بَقِيَ مُتَأَلِّمًا حَتَّى مَاتَ، فَأَنْكَرَ فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّأَلُّمِ، وَمَعَ التَّعَارُضِ تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ (وَيُقْبَلُ فِي حَيَاةِ الْجَنِينِ وَ) فِي (سُقُوطِهِ وَ) فِي بَقَائِهِ مُتَأَلِّمًا أَوْ (بَقَاءِ أُمِّهِ مُتَأَلِّمَةً قَوْلُ امْرَأَةٍ عَدْلٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا. (وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَجَاءَ آخَرُ فَقَتَلَهُ وَ) كَانَتْ (فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، لَزِمَهُ الْقَوَدُ) إذَا كَانَ قَتَلَهُ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ، أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً مَعَ الْعَفْوِ، وَفِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ؛ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ سُقُوطُهُ لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْجَانِي عَلَى مَيِّتٍ يُعَزَّرُ فَقَطْ، وَالْغُرَّةُ عَلَى الْأَوَّلِ (وَإِلَّا) يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بَلْ كَانَتْ حَرَكَتُهُ كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ (فَ) الْقَاتِلُ هُوَ (الْأَوَّلُ) وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً (وَيُؤَدَّبُ الثَّانِي) كَالْجَانِي عَلَى مَيِّتٍ، وَإِنْ بَقِيَ الْجَنِينُ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيًّا، وَبَقِيَ زَمَنًا سَالِمًا لَا أَلَمَ بِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ الضَّارِبُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ جِنَايَتِهِ. (وَإِنْ أَلْقَتْ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهَا جَنِينًا (مَيِّتًا) وَجَنِينًا (حَيًّا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ) عَلَى مَا (تَقَدَّمَ) وَفِي (جَنِينِ دَابَّةٍ مَا نَقَصَ أُمَّهُ) نَصًّا كَقَطْعِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا. قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ ": وَقِيَاسُهُ جَنِينُ الْعَبْدِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ. [جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْقِنِّ] فَصْلٌ (وَإِنْ) (جَنَى قِنٌّ) عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ؛ وَتَقَدَّمَ فِي الْكِتَابَةِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِ فِدَاءُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْحُرِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَكَذَا فِي الْجِنَايَاتِ (خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَا قَوَدَ فِيهِ) كَجَائِفَةٍ (أَوْ) عَمْدًا (فِيهِ قَوَدٌ وَاخْتِيرَ الْمَالُ) ؛ أَيْ: اخْتَارَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ، تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ (أَوْ أَتْلَفَ مَالًا) تَعَدِّيًا لَمْ تُلْغَ جِنَايَتُهُ وَلَا إتْلَافُهُ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةُ آدَمِيٍّ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا كَجِنَايَةِ الْحُرِّ، وَكَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَأَوْلَى. وَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهَا بِذِمَّةِ الرَّقِيقِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى إلْغَائِهَا أَوْ تَأْخِيرِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِ غَايَةٍ، وَلَا بِذِمَّةِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ؛ فَتَعَيَّنَ تَعَلُّقُهَا بِرَقَبَةِ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ كَالْقِصَاصِ (خُيِّرَ سَيِّدُهُ بَيْنَ بَيْعِهِ فِي الْجِنَايَةِ وَبَيْنَ فِدَائِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ) الْجِنَايَةُ (بِأَمْرِهِ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ (أَوْ إذْنِهِ، وَيَتَّجِهُ وَالْقِنُّ أَعْجَمِيٌّ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ) كَانَ الْقِنُّ (لَا يَعْلَمُ تَحْرِيمَ الْجِنَايَةِ) كَمَنْ نَشَأَ فِي الْبَادِيَةِ الْبَعِيدَةِ عَنْ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ (كَمَا قَالُوهُ فِي بَابِ الرَّهْنِ) مِنْ أَنَّهُ إذَا جَنَى الْقِنُّ، وَكَانَ حَالَ الْجِنَايَةِ صَبِيًّا أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يَعْلَمُ التَّحْرِيمَ، وَيَعْتَقِدُ وُجُوبَ امْتِثَالِ أَمْرِ سَيِّدِهِ؛ فَالْجَانِي هُوَ السَّيِّدُ فَيَلْزَمُهُ الْأَرْشُ كُلُّهُ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ (فَدَاهُ السَّيِّدُ بِأَرْشِهَا) ؛ أَيْ: الْجِنَايَةِ (كُلِّهِ) نَصًّا، لِوُجُوبِ ضَمَانِهِ عَلَى السَّيِّدِ بِإِذْنِهِ، كَاسْتِدَانَةٍ بِإِذْنِهِ (وَإِلَّا) تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ أَوْ إذْنِهِ (وَلَوْ أَعْتَقَهُ) ، أَيْ: الرَّقِيقَ الْجَانِي سَيِّدُهُ (وَلَوْ) كَانَ إعْتَاقُهُ (بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ) فَيَفْدِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ، وَقَدْ أَتْلَفَهُ عَلَى مَنْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ (بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ) ؛ أَيْ: أَرْشِ الْجِنَايَةِ (أَوْ) مِنْ (قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَقَلُّ الْأَرْشَ فَلَا طَلَبَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَجَبَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ الْقِنَّ فَهُوَ بَدَلُ الْمَحَلِّ الَّذِي تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِهِ. (وَإِنْ سَلَّمَهُ) ؛ أَيْ الرَّقِيقَ الْجَانِي سَيِّدُهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ (فَأَبَى وَلِيُّ) الْجِنَايَةِ (قَبُولَهُ، وَقَالَ) لِسَيِّدِهِ (بِعْهُ أَنْتِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْحَقُّ (وَيَبِيعُهُ حَاكِمٌ) بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ لِيَصِلَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ حَقُّهُ. وَإِنْ فَضَلَ عَنْ ثَمَنِ الْقِنِّ شَيْءٌ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ هُوَ الْوَاجِبُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ (وَلِسَيِّدِهِ) ؛ أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 سَيِّدِ الْجَانِي (التَّصَرُّفُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الرَّقِيقِ الْجَانِي بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا يَزُولُ بِذَلِكَ تَعَلُّقُ الْجِنَايَةِ عَنْ رَقَبَتِهِ (كَ) تَصَرُّفِ (وَارِثٍ فِي تَرِكَةِ) مُوَرِّثِهِ الْمَدِينِ، وَحَيْثُ تَصَرَّفَ السَّيِّدُ بِالْقِنِّ الْجَانِي، فَإِنْ وَفَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْجِنَايَةِ فَقَدْ مَضَى التَّصَرُّفُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ (لَمْ تُوَفَّ الْجِنَايَةُ رُدَّ التَّصَرُّفُ) بِالْقِنِّ وُجُوبًا؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَقَبَتِهِ، وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ، سَوَاءٌ عَلِمَ السَّيِّدُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَيَلْزَمُ إذَا أَعْتَقَهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ ضَمَانٍ إذَا امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ. وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْجَانِي أَوْ هَرَبَ قَبْلَ مُطَالَبَةِ سَيِّدِهِ تَسْلِيمَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِقِيمَتِهِ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ " وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ بَدَلُهُ، فَتَحَوَّلَ التَّعَلُّقُ إلَيْهَا كَقِيمَةِ الرَّهْنِ لَوْ أُتْلِفَ. (وَإِنْ جَنَى) قِنٌّ (عَمْدًا، فَعَفَا وَلِيُّ قَوَدٍ عَلَى رَقَبَتِهِ) ؛ أَيْ: (لَمْ يَمْلِكْهُ) بِغَيْرِ رِضَى سَيِّدِهِ (لِأَنَّهُ إذَا يَمْلِكُهُ بِالْجِنَايَةِ فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَهُ بِالْعَفْوِ أَوْلَى) ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ انْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى الْمَالِ، فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ. (وَإِنْ جَنَى) الْقِنُّ (عَلَى عَدَدِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (خَطَأً) أَوْ عَمْدًا لَا يُوجِبُ قَوَدًا، أَوْ عَمْدًا يُوجِبُهُ وَعَفْوًا إلَى الْمَالِ سَوَاءٌ جَنَى عَلَيْهِمْ (مَعًا) ؛ أَيْ: فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (أَوْ لَا) كَأَنْ جَنَى عَلَيْهِمْ فِي أَوْقَاتٍ وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ مَالًا لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (زَاحَمَ كُلٌّ) مِنْ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ (بِحِصَّتِهِ) ؛ لِتَسَاوِيهِمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً (فَلَوْ عَفَا الْبَعْضُ) عَنْ حَقِّهِ (أَوْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَاحِدًا فَمَاتَ؛ وَعَفَا بَعْضُ وَرَثَتِهِ؛ تَعَلَّقَ حَقُّ الْبَاقِي) الَّذِي لَمْ يَعْفُ (بِجَمِيعِهِ) ؛ أَيْ: الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ، وَقَدْ زَالَ الْمُزَاحِمُ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى إنْسَانٍ فَفَدَاهُ سَيِّدُهُ، ثُمَّ جَنَى عَلَى آخَرَ، فَيَسْتَقِرُّ لِلْأَوَّلِ مَا أَخَذَهُ، وَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ الثَّانِي، بَلْ يَطْلُبُ لِسَيِّدِهِ بِفِدَائِهِ (وَشِرَاءُ وَلِيٍّ قَوَدٌ لَهُ) ؛ أَيْ: الْجَانِي جِنَايَةً تُوجِبُ الْقَوَدَ (عَفْوٌ عَنْهُ) ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا؛ (وَلَوْ) كَانَ (بِشِرَاءٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 فَاسِدٍ كَ) مَا لَوْ أَخَذَهُ (بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ) ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (وَيَتَّجِهُ) وَكَشِرَاءٍ فِي الْحُكْمِ لَوْ (مَلَكَهُ) وَلِيُّ قَوَدٍ (بِنَحْوِ هِبَةٍ) كَعِوَضٍ فِي إجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ خُلْعٍ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ إيَّاهُ بِذَلِكَ اخْتِيَارًا مِنْهُ، دَلِيلٌ عَلَى عَفْوِهِ عَنْهُ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ إلَى هُنَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَارِثٌ) فَفِيهِ مَا فِيهِ؛ إذْ لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِإِرْثٍ كَانَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي الرَّهْنِ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِرْثِ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا عَلَيْهِ، فَافْتَرَقَا كَمَا لَا يَخْفَى. (وَإِنْ) (جَرَحَ قِنٌّ حُرًّا وَيَتَّجِهُ جُرْحًا يُوجِبُ الْمَالَ عَيْنًا) بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَعَفَا) عَنْ جِرَاحَتِهِ (ثُمَّ مَاتَ) الْعَافِي (مِنْ جِرَاحَتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ) أَيْ الْعَافِي، وَلَمْ تُجِزْهُ الْوَرَثَةُ (وَاخْتَارَ سَيِّدُهُ) ؛ أَيْ: الْجَانِي (فِدَاءً) بِقِيمَتِهِ (وَكَانَتْ) الْجِرَاحَةُ (بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، صَحَّ) الْعَفْوُ (فِي الثُّلُثِ) ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثُ مَا مَاتَ الْعَافِي عَنْهُ (وَفَدَاهُ سَيِّدُهُ بِثُلُثَيْ قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَالِهِ، فَنَفَذَ عَفْوُهُ فِي ثُلُثِهِ كَمُحَابَاةٍ فِي غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) أَوْ أَمْرِهِ (فَالدِّيَةُ) تَلْزَمُهُ كَامِلَةً كَمَا لَوْ لَمْ يَعْفُ الْمَجْرُوحُ، وَحَيْثُ عَفَا (فَتُرَدُّ نِصْفُهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ (عَلَى قِيمَتِهِ) ؛ أَيْ: الْجَانِي (فَيَفْدِيهِ) سَيِّدُهُ (بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ مِنْ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ) يَعْنِي أَنَّ الطَّرِيقَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ تَزِيدَ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى نِصْفِ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَتُنْسَبَ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِمَّا بَلَغَ، فَمَا كَانَ فَهُوَ الَّذِي يَفْدِيهِ بِهِ سَيِّدُهُ، فَلَوْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ذَكَرًا حُرًّا، كَانَتْ دِيَتُهُ أَلْفَ مِثْقَالٍ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 مَثَلًا مِائَةً وَزِدْتَ نِصْفَ الدِّيَةِ عَلَيْهَا؛ صَارَ الْمَجْمُوعُ سِتَّمِائَةِ مِثْقَالٍ، وَنِسْبَةُ الْقِيمَةِ إلَى ذَلِكَ سُدُسٌ؛ فَيَفْدِيهِ بِسُدُسِ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَفِي مِثَالِنَا مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (وَيَأْخُذُ) ؛ أَيْ: يَأْخُذُ وَلِيُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (مِنْ الدِّيَةِ بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ) وَلَوْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي الْمِثَالِ امْرَأَةً حُرَّةً وَزَادَتْ نِصْفُ دِيَتِهَا عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ صَارَ الْمَجْمُوعُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِثْقَالًا، وَنِسْبَةُ الْقِيمَةِ إلَى ذَلِكَ سُبْعَانِ؛ فَيَفْدِيهِ السَّيِّدُ بِسُبْعَيْ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا. (وَيَضْمَنُ مُعْتَقٌ) بِفَتْحِ التَّاءِ (مَا تَلِفَ بِجُبٍّ حَفَرَهُ) حَالَ كَوْنِهِ (قِنًّا) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ التَّلَفِ. (وَيَتَّجِهُ) تَضْمِينُهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ قَدْ حَفَرَهُ (بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) أَمَّا لَوْ كَانَ فَعَلَهُ ذَلِكَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (ا) . [بَابُ دِيَةِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا] (دِيَةُ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا) التَّالِفَةُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا، وَالْمَنَافِعُ جَمْعُ مَنْفَعَةٍ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ نَفَعَنِي كَذَا نَفْعًا، ضِدُّ الضَّرَرِ. (مَنْ أَتْلَفَ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ) شَيْءٌ (وَاحِدٌ؛ فَفِيهِ دِيَةُ نَفْسِهِ) ؛ أَيْ: نَفْسِ الْمُتْلَفِ مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ. وَذَلِكَ (كَأَنْفٍ وَلَوْ مَعَ عِوَجِهِ) صَرَّحَ بِهِ فِي " التَّرْغِيبِ " إذَا قُطِعَ مَعَ مَارِنِهِ، وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَكَرٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ فَفِيهِ دِيَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ فَفِيهِ دِيَتُهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ فَفِيهِ دِيَتُهُ (وَكَذَكَرِ غَيْرِ عِنِّينٍ وَلَوْ لِصَغِيرٍ وَشَيْخٍ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعًا الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ لَهُ. (وَكَلِسَانٍ يَنْطِقُ بِهِ كَبِيرٌ أَوْ يُحَرِّكُهُ بِبُكَاءٍ صَغِيرٌ) فَفِيهِ دِيَةُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِي إتْلَافِهِ إذْهَابَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ وَإِتْلَافُهَا كَإِذْهَابٍ بِالنَّفْسِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ. (وَ) مَنْ أَتْلَفَ (مَا فِيهِ) ؛ أَيْ: الْإِنْسَانِ مِنْهُ (شَيْئَانِ؛ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا) نَصَّ عَلَيْهِ (كَعَيْنَيْنِ وَلَوْ مَعَ حَوَلٍ أَوْ عَمَشٍ) وَسَوَاءٌ الصَّغِيرَتَانِ وَالْكَبِيرَتَانِ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (وَ) مَعَ (بَيَاضٍ) بِالْعَيْنَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا (بِنَقْصِ الْبَصَرِ تَنْقُصُ الدِّيَةُ بِقَدْرِهِ) ؛ أَيْ: نَقْصِ الْبَصَرِ (وَكَأُذُنَيْنِ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ (وَشَفَتَيْنِ) إذَا اسْتَوْعَبَتَا، وَفِي الْبَعْضِ بِقِسْطِهِ مِنْ دِيَتِهِمَا تُقَدَّرُ بِالْأَجْزَاءِ (وَكَلَحْيَيْنِ) وَهُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ فِيهِمَا الْأَسْنَانُ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا نَفْعًا وَجَمَالًا وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِثْلُهُمَا (وَكَثُنْدُوَتَيْ رَجُلٍ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ، فَإِنْ ضَمَمْت الْأَوَّلَ هُمِزَتْ، وَإِنْ فَتَحْته لَمْ تَهْمِزْ، فَالْوَاحِدَةُ مَعَ الْهَمْزَةِ فَعْلَلَةٌ، وَمَعَ الْفَتْحِ فَعُلْوَةٌ (وَكَأُنْثَيَيْهِ) ؛ أَيْ: الرَّجُلِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهُمَا (وَكَثَدْيِ أُنْثَى وَإِسْكَتَيْهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا (وَهُمَا شَفَرَاهَا) ؛ أَيْ: حَافَّتَا فَرْجِهَا؛ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا نَفْعًا وَجَمَالًا، وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ غَيْرُهُمَا مِنْ جِنْسِهِمَا، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِمَا فَأَشَلَّهُمَا؛ فَالدِّيَةُ كَمَا لَوْ أَشَلَّ الشَّفَتَيْنِ، وَسَوَاءٌ الرَّتْقَاءُ، وَغَيْرُهُمَا. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدٍ: فِي الشَّفَةِ السُّفْلَى ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تَدُورُ وَتَتَحَرَّكُ وَتَحْفَظُ الرِّيقَ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ (وَكَيْدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ) ؛ لِأَنَّ فِي إتْلَافِهِمَا إذْهَابَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ (وَإِنْ قَطَعَ ثَدْيَهَا فَأَجَافَهَا) فَعَلَيْهِ (دِيَةٌ وَثُلُثٌ) هَكَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ؛ إذْ فِي قَطْعِ الثَّدْيِ الْوَاحِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ إجْمَاعًا، وَفِي الثَّدْيَيْنِ جَمِيعًا الدِّيَةُ كَامِلَةٌ، وَفِي حَلَمَتَيْهِمَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ مِنْهُمَا مَا تَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ بِذَهَابِهِ كَحَشَفَةِ الذَّكَرِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 وَإِنْ قَطَعَ الثَّدْيَيْنِ بِحَلَمَتَيْهِمَا فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَقَطْعِ الذَّكَرِ بِحَشَفَةٍ؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْجَمِيعِ وَاحِدٌ، وَإِنْ حَصَلَ مَكَانَ قَطْعِ الثَّدْيَيْنِ جَائِفَتَانِ فَدِيَةٌ لِلثَّدْيَيْنِ وَثُلُثَا دِيَةٍ لِلْجَائِفَتَيْنِ (وَإِنْ ذَهَبَ) بِالْجِنَايَةِ (لَبَنُهُ) ؛ أَيْ: لَبَنُ الثَّدْيِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (بِلَا شَلَلٍ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ) لِمَا حَصَلَ مِنْ النَّقْصِ، وَلَمْ تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ نَفْعُ الثَّدْيِ بِالْكُلِّيَّةِ. [تَتِمَّةٌ جَنَى عَلَى ثَدْيَيْ صَغِيرَةٍ ثُمَّ وَلَدَتْ فَلَمْ يَنْزِلْ لَهَا لَبَنٌ] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ جَنَى عَلَى ثَدْيَيْ صَغِيرَةٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ فَلَمْ يَنْزِلْ لَهَا لَبَنٌ، فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: قَطَعَتْهُ الْجِنَايَةُ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ إذَا لَمْ يَشُلَّهُمَا، وَإِنْ قَالُوا: قَدْ انْقَطَعَ مِنْ غَيْرِ الْجِنَايَةِ لَمْ يَضْمَنْ مَا ذَهَبَ مِنْ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ جِنَايَتِهِ، وَإِنْ نَقَصَ لَبَنُهُمَا بِالْجِنَايَةِ فَحُكُومَةٌ، وَإِنْ كَانَا نَاهِدَيْنِ فَكَسَرَهُمَا أَوْ صَارَ بِهِمَا مَرَضٌ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ لِذَلِكَ النَّقْصِ. (وَقَدَمُ أَعْرَجَ) كَصَحِيحٍ (وَيَدُ أَعْسَمَ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ (وَهُوَ أَعْرَجُ الرُّسْغِ) بِإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا -؛ أَيْ: مَوْصِلِ الذِّرَاعِ - كَصَحِيحٍ (وَ) يَدُ (مُرْتَعِشٍ كَصَحِيحٍ) لِلتَّسَاوِي فِي الْبَطْشِ. (وَمَنْ لَهُ كَفَّانِ عَلَى ذِرَاعٍ) وَاحِدٍ، (أَوْ) لَهُ (يَدَانِ وَذِرَاعَانِ مِنْ عَضُدٍ) وَاحِدٍ، وَإِحْدَاهُمَا بَاطِشَةٌ دُونَ الْأُخْرَى أَوْ إحْدَاهُمَا مُقَابِلَةُ الذِّرَاعِ وَالْأُخْرَى مُنْحَرِفَةٌ عَنْهُ، أَوْ إحْدَاهُمَا تَامَّةُ الْخَلْقِ وَالْأُخْرَى نَاقِصَةٌ، فَالْأُولَى هِيَ الْأَصْلِيَّةُ وَالْأُخْرَى زَائِدَةٌ؛ فَفِي الْأَصْلِيَّةِ دِيَتُهَا إنْ قُطِعَتْ، وَالْقِصَاصُ بِقَطْعِهَا عَمْدًا، وَفِي الزَّائِدِ حُكُومَةٌ (وَتَسَاوَتَا) فِي غَيْرِ بَطْشٍ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا بَطْشَ لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِمَا؛ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ فَهُمَا كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَإِنْ تَسَاوَتَا (وَلَهُمَا بَطْشٌ أَيْضًا فَفِيهِمَا دِيَةُ يَدٍ وَاحِدَةٍ) ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا أَصْلِيَّةٌ (وَلِلزَّائِدَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 حُكُومَةٌ) سَوَاءٌ قُطِعَتْ مُنْفَرِدَةً أَوْ مَعَ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ (وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ دِيَةٍ وَحُكُومَةٌ، وَفِي أُصْبُعِ إحْدَاهُمَا خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ مِنْ الْيَدِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهُمَا كَالْيَدِ الْوَاحِدَةِ جَزَمَ بِهِ فِي " الْإِنْصَافِ وَتَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَالتَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " وَمَشَى فِي " الْإِقْنَاعِ " عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مِنْ أَنَّ فِي قَطْعِ أُصْبُعِ إحْدَاهُمَا نِصْفَ أَرْشِ أُصْبُعٍ وَحُكُومَةً، مَا قَالَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " هُوَ قِيَاسُ مَا قَبْلَهُ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ (وَلَا يُقَادَانِ) ؛ أَيْ: الْيَدَانِ الْبَاطِشَتَانِ عَلَى ذِرَاعٍ أَوْ عَضُدٍ وَاحِدٍ بِيَدٍ لِئَلَّا تُؤْخَذَ يَدَانِ بِوَاحِدَةٍ (وَلَا يُقَادُ إحْدَاهُمَا بِيَدٍ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَقْطُوعَةُ هِيَ الزَّائِدَةَ؛ فَلَا تُقَادُ بِهَا الْأَصْلِيَّةُ (وَكَذَا حُكْمُ رِجْلٍ) فِيمَا ذُكِرَ أَيْ: إذَا كَانَ لَهُ قَدَمَانِ عَلَى سَاقٍ، فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَطْوَلَ مِنْ الْأُخْرَى، فَقَطَعَ الطَّوِيلَةَ، وَأَمْكَنَهُ الْمَشْيُ عَلَى الْقَصِيرَةِ؛ فَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ، وَإِلَّا فَهِيَ زَائِدَةٌ. قَالَهُ فِي " الْكَافِي " [تَنْبِيهٌ قَطَعَ كَفًّا بِأَصَابِعِهِ] : وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا بِأَصَابِعِهِ لَمْ يَجِبْ إلَّا دِيَةُ الْيَدِ، وَتَنْدَرِجُ فِيهَا دِيَةُ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْجَمِيعِ يَدٌ وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَصَابِعِ دَخَلَ مَا حَاذَى الْأَصَابِعَ مِنْ الْكَفِّ فِي دِيَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ لَوْ كَانَتْ سَالِمَةً كُلَّهَا لَدَخَلَ أَرْشُ الْكَفِّ كُلِّهِ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ؛ فَكَذَلِكَ مَا حَاذَى الْأَصَابِعَ السَّالِمَةَ يَدْخُلُ فِي دِيَتِهَا، وَعَلَى الْجَانِي أَرْشُ بَاقِي الْكَفِّ الْمُحَاذِي لِلْمَقْطُوعَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهُ مَا يَدْخُلُ فِي دِيَتِهِ؛ فَوَجَبَ أَرْشُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَقْطُوعَةً (وَفِي الْأَلْيَتَيْنِ وَهُمَا مَا عَلَى الظَّهْرِ وَاسْتِوَاءِ الْفَخِذَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ) الْقَطْعُ (إلَى الْعَظْمِ الدِّيَةُ) كَامِلَةٌ كَالْيَدَيْنِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا، وَفِي ذَهَابِ بَعْضِهَا بِقَدْرِهِ مِنْ الدِّيَةِ بِنِسْبَةِ الْأَجْزَاءِ كَسَائِرِ مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ، فَإِنْ جَهِلَ مِقْدَارَ نِسْبَةِ الذَّاهِبِ مِنْهُمَا فَحُكُومَةٌ. (وَفِي الْمَنْخَرَيْنِ ثُلُثَاهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ وَالْمَنْخَرُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ - كَمَسْجِدٍ وَقَدْ تُكْسَرُ إتْبَاعًا لِلْخَاءِ (وَفِي حَاجِزٍ ثُلُثُهَا) ؛ لِاشْتِمَالِ الْمَارِنِ عَلَى ثَلَاثَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 أَشْيَاءَ مَنْخَرَيْنِ وَحَاجِزٍ، فَوَجَبَ تَوْزِيعُ الدِّيَةِ عَلَى عَدَدِهَا كَالْأَصَابِعِ، وَإِنْ قَطَعَ أَحَدٌ الْمَنْخَرَيْنِ وَنِصْفَ الْحَاجِزِ، فَفِي ذَلِكَ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ شَقَّ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا فَفِيهِ حُكُومَةٌ. (وَفِي الْأَجْفَانِ الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ) كَامِلَةً (وَفِي إحْدَاهَا) ؛ أَيْ: الْأَجْفَانِ (رُبُعُهَا) ؛ لِأَنَّهَا أَعْضَاءٌ فِيهَا جَمَالٌ ظَاهِرٌ وَنَفْعٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهَا تُكِنُّ الْعَيْنَ وَتَحْفَظُهَا مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَوْلَاهَا لَقَبُحَ مَنْظَرُ الْعَيْنِ، وَأَجْفَانُ عَيْنِ الْأَعْمَى كَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ ذَهَابَ الْبَصَرِ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الْأَجْفَانِ. (وَفِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ) أَصَابِعِ (الرِّجْلَيْنِ دِيَةٌ) كَامِلَةٌ (وَفِي الْأُصْبُعِ) الْوَاحِدَةِ (عُشْرُهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ؛ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «دِيَةُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ لِكُلِّ أُصْبُعٍ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ مَرْفُوعًا قَالَ: «هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ» يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ. (وَفِي الْأُنْمُلَةِ وَلَوْ مَعَ ظُفُرٍ) إنْ كَانَتْ (مِنْ إبْهَامِ) يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (نِصْفُ عُشْرِ) الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْإِبْهَامِ مَفْصِلَيْنِ، فَفِي كُلِّ مَفْصِلٍ نِصْفُ عُقَدِ الْإِبْهَامِ، وَفِي الْأُنْمُلَةِ (مِنْ غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: الْإِبْهَامِ (ثُلُثُهُ) ؛ أَيْ: ثُلُثُ عُشْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَفَاصِلَ، فَتُوَزَّعُ دِيَتُهُ عَلَيْهَا. (وَفِي ظُفْرٍ وَلَمْ يَعُدْ أَوْ عَادَ أَسْوَدَ خُمْسُ دِيَةِ أُصْبُعٍ) نَصًّا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. (وَفِي سِنٍّ أَوْ نَابٍ أَوْ ضِرْسٍ قَلَعَهُ بِسُخْنِهِ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْحَاءِ الْمُعْجَمَةِ - أَيْ أَصْلِهِ - أَوْ قَلَعَ (الظَّاهِرَ مِنْهُ فَقَطْ، وَلَوْ) كَانَ السِّنُّ (مِنْ صَغِيرٍ وَلَمْ يَعُدْ أَوْ عَادَ أَسْوَدَ، وَاسْتَمَرَّ) أَسْوَدَ (أَوْ) عَادَ (أَبْيَضَ ثُمَّ اسْوَدَّ بِلَا عِلَّةٍ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مَرْفُوعًا: «فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «فِي الْأَسْنَانِ خَمْسًا خَمْسًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ عَامٌّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 فَيَدْخُلُ فِيهِ النَّابُ وَالضِّرْسُ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ، وَالْأَسْنَانُ الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَفِي جَمِيعِهَا) ؛ أَيْ: الْأَسْنَانِ (مِائَةٌ وَسِتُّونَ؛ لِأَنَّهَا) اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ (أَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ رُبَاعِيَّاتٍ، وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَعِشْرُونَ ضِرْسًا) فِي كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَةٌ، خَمْسَةٌ مِنْ فَوْقُ وَخَمْسَةٌ مِنْ تَحْتُ (وَفِي سَنِخٍ وَحْدَهُ) ؛ أَيْ: بِلَا سِنٍّ حُكُومَةٌ، وَفِي سِنٍّ أَوْ ظُفْرٍ عَادَ قَصِيرًا، أَوْ عَادَ مُتَغَيِّرًا أَوْ ابْيَضَّ ثُمَّ اسْوَدَّ لِعِلَّةٍ (حُكُومَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا أَرْشُ كُلِّ مَا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ وَيَأْتِي. (وَتَجِبُ دِيَةُ يَدٍ وَدِيَةُ رِجْلٍ بِقَطْعِ يَدٍ مِنْ كُوعٍ وَ) قَطْعِ رِجْلٍ (مِنْ كَعْبٍ) ؛ لِفَوَاتِ نَفْعِهِمَا الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا بِالْقَطْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ اُكْتُفِيَ بِقَطْعِهِمَا مِمَّنْ سَرَقَ مَرَّتَيْنِ (وَلَا شَيْءَ فِي زَائِدٍ لَوْ قُطِعَا) ؛ أَيْ: الْيَدُ وَالرِّجْلُ وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا عُضْوَانِ (مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ) كَأَنْ قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْمَنْكِبِ أَوْ الرِّجْلُ مِنْ السَّاقِ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ مِنْ الْمَنْكِبِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وَالرِّجْلُ إلَى السَّاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] وَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ مَسَحَتْ الصَّحَابَةُ إلَى الْمَنَاكِبِ. وَأَمَّا قَطْعُهُمَا فِي السَّرِقَةِ مِنْ الْكُوعِ أَوْ الْكَعْبِ فَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَلِذَلِكَ وَجَبَتْ دِيَتُهَا بِقَطْعِهَا مِنْهُ كَقَطْعِ أَصَابِعِهَا. (وَفِي مَارِنِ أَنْفٍ وَحَشَفَةِ ذَكَرٍ وَحَلَمَةِ ثَدْيٍ دِيَتُهُ) كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْجَمَالُ فِي الْأَنْفِ، وَحَشَفَةُ الذَّكَرِ وَحَلَمَةُ الثَّدْيِ بِمَنْزِلَةِ الْأَصَابِعِ مِنْ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الذَّكَرِ تَكْمُلُ بِالْحَشَفَةِ كَمَا تَكْمُلُ مَنْفَعَةُ الْيَدِ بِالْأَصَابِعِ. (وَفِي تَسْوِيدِ سِنٍّ وَ) تَسْوِيدِ (ظُفْرٍ وَ) تَسْوِيدِ (أَنْفٍ وَ) تَسْوِيدِ (أُذُنٍ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ) التَّسْوِيدُ، دِيَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ كَامِلَةً، لِإِذْهَابِهِ جَمَالَهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 وَفِي شَلَلٍ (غَيْرِ أَنْفٍ وَ) غَيْرِ (أُذُنٍ كَ) شَلَلِ (يَدٍ وَ) شَلَلِ (مَثَانَةٍ) مُجْتَمَعُ الْبَوْلِ (أَوْ إذْهَابِ نَفْعِ عُضْوٍ، دِيَتُهُ) ؛ أَيْ: ذَلِكَ الْعُضْوِ (كَامِلَةً) ؛ لِصَيْرُورَتِهِ كَالْمَعْدُومِ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ. (وَفِي شَفَتَيْنِ صَارَتَا لَا تَنْطَبِقَانِ عَلَى أَسْنَانٍ، أَوْ اسْتَرْخَتَا فَلَمْ تَنْفَصِلَا عَنْهَا) ؛ أَيْ: الْأَسْنَانِ (دِيَتُهُمَا) ؛ لِتَعْطِيلِهِ نَفْعَهُمَا وَجَمَالَهُمَا كَمَا لَوْ شَلَّهُمَا أَوْ قَطَعَهُمَا، وَإِنْ تَقَلَّصَتَا بَعْضَ التَّقَلُّصِ فَحُكُومَةٌ؛ لِذَلِكَ النَّقْصِ، وَحَدُّ الشَّفَةِ السُّفْلَى مِنْ أَسْفَلِ مَا تَجَافَى عَنْ الْأَسْنَانِ وَاللِّثَةِ مِمَّا ارْتَفَعَ عَنْ جِلْدَةِ الذَّاقِنِ، وَحَدُّ الشَّفَةِ الْعُلْيَا مِنْ فَوْقِ مَا تَجَافَى عَنْ الْأَسْنَانِ وَاللِّثَةِ إلَى اتِّصَالِهِ بِالْمَنْخَرَيْنِ وَالْحَاجِزِ. وَحَدُّ مَا تَجَافَى الشَّفَتَيْنِ طُولًا طُولُ الْفَمِ إلَى حَاشِيَةِ الشِّدْقَيْنِ. (وَفِي قَطْعِ أَشَلَّ) مِنْ أُذُنٍ وَأَنْفٍ (وَمَخْرُومٍ مِنْ أَنْفٍ وَأُذُنٍ) إذَا قُطِعَ وَتَرُهُ (دِيَتُهُ كَامِلَةٌ) ؛ لِبَقَاءِ جَمَالِهِمَا؛ وَلِأَنَّ الْأَنْفَ الْمَخْرُومَ أَنْفٌ كَامِلٌ لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ. (وَفِي أُذُنِ أَصَمَّ وَأَنْفِ أَخْشَمَ) لَا يَجِدُ رَائِحَةَ شَيْءٍ (دِيَتُهُ) ؛ أَيْ: ذَلِكَ الْعُضْوِ (كَامِلَةٌ) ؛ لِأَنَّ الصَّمَمَ وَعَدَمَ الشَّمِّ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الْأُذُنِ وَالْأَنْفِ، وَجَمَالُهُمَا بَاقٍ. (وَفِي قَطْعِ نِصْفِ ذَكَرٍ بِالطُّولِ نِصْفُ دِيَتِهِ) ؛ أَيْ: الذَّكَرِ؛ لِإِذْهَابِ نِصْفِهِ كَسَائِرِ مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ، نَقَلَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَقِيلَ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، اخْتَارَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ، فَإِنْ ذَهَبَ نِكَاحُهُ بِذَلِكَ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ لِلْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ قَطَعَ قِطْعَةً مِنْهُ مِمَّا دُونَ الْحَشَفَةِ فَكَانَ الْبَوْلُ يَخْرُجُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَجَبَ بِقَدْرِ الْقِطْعَةِ مِنْ جَمِيعِ الذَّكَرِ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ خَرَجَ الْبَوْلُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَجَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ حِصَّةِ الْقِطْعَةِ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ الْحُكُومَةِ، وَإِنْ ثَقَبَ ذَكَرَهُ فِيمَا دُونَ الْحَشَفَةِ فَصَارَ الْبَوْلُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّقْبِ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ. (وَفِي عَيْنٍ قَائِمَةٍ بِمَكَانِهَا صَحِيحَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ ذَهَبَ نَظَرُهَا) حُكُومَةٌ (وَفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ وَبَقِيَتْ صُورَتُهُ كَأَشَلَّ مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ وَثَدْيٍ وَذَكَرٍ وَلِسَانِ أَخْرَسَ لَا ذَوْقَ لَهُ وَلِسَانِ طِفْلٍ بَلَغَ أَنْ يُحَرِّكَهُ بِبُكَاءٍ، لَمْ يُحَرِّكْهُ) حُكُومَةٌ. (وَفِي ذَكَرِ خَصِيٍّ وَعِنِّينٍ وَسِنٍّ أَسْوَدَ أَوْ ثَدْيٍ بِلَا حَلَمَةٍ وَذَكَرٍ بِلَا حَشَفَةٍ وَقَصَبَةِ أَنْفٍ وَشَحْمَةِ أُذُنٍ) حُكُومَةٌ. (وَفِي زَائِدٍ مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ وَسِنٍّ وَشَلَلِ أَنْفٍ وَأُذُنٍ وَتَعْوِيجِهِمَا) ، أَيْ: الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ (حُكُومَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَقْدِيرٌ. (وَفِي ذَكَرٍ وَالْأُنْثَيَيْنِ قُطِعُوا مَعًا) ؛ أَيْ: دَفْعَةً وَاحِدَةً دِيَتَانِ، وَفِي عَوْدِ الْوَاوِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ تَسَاهُلٌ، وَلَعَلَّهُ كَوْنُهُمَا بَعْضُ مَنْ يَعْقِلُ (أَوْ) قُطِعَ (هُوَ) ؛ أَيْ: الذَّكَرُ (ثُمَّ هُمَا) ؛ أَيْ: الْأُنْثَيَانِ (دِيَتَانِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ لَوَجَبَ فِي قَطْعِهِ، فَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَا (وَإِنْ قُطِعَتَا) ؛ أَيْ: الْخُصْيَتَانِ (ثُمَّ قُطِعَ الذَّكَرُ فَفِيهِمَا) ؛ أَيْ: الْأُنْثَيَيْنِ (دِيَةٌ) كَامِلَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يُقْطَعْ الذَّكَرُ (وَفِيهِ) ؛ أَيْ: الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ بَعْدَهُمَا (حُكُومَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرُ خَصِيٍّ. (وَمَنْ قَطَعَ أَنْفًا، أَوْ) قَطَعَ (أُذُنَيْنِ فَذَهَبَ الشَّمُّ) بِقَطْعِ الْأَنْفِ (أَوْ) ذَهَبَ (السَّمْعُ) بِقَطْعِ الْأُذُنَيْنِ؛ (فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ) ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ مِنْ غَيْرِ الْأَنْفِ، وَالسَّمْعَ مِنْ غَيْرِ الْأُذُنَيْنِ؛ فَلَا تَدْخُلُ دِيَةُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، كَالْبَصَرِ مَعَ الْأَجْفَانِ، وَالنُّطْقِ مَعَ الشَّفَتَيْنِ فَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ نَقَصَ فَقَطْ فَحُكُومَةٌ (وَتَنْدَرِجُ دِيَةُ نَفْعِ بَاقِي الْأَعْضَاءِ فِي دِيَتِهَا) فَتَنْدَرِجُ دِيَةُ الْبَصَرِ فِي الْعَيْنَيْنِ إذَا قَلَعَهُمَا؛ لِتَبَعِيَّتِهِ لَهُمَا. (فَلَوْ قَطَعَ لِسَانَهُ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ وَكَلَامُهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) وَكَذَا سَائِرُ الْأَعْضَاءِ. وَإِنْ رَضَّ أُنْثَيَيْهِ أَوْ سَلَّهُمَا كَمُلَتْ دِيَتُهُمَا، كَمَا لَوْ قَطَعَهُمَا، وَإِنْ قَطَعَهُمَا فَذَهَبَ نَسْلُهُ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أَحَدَهُمَا فَذَهَبَ النَّسْلُ فَنِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ دِيَةَ مَنْفَعَةِ الْعِوَضِ تَنْدَرِجُ فِيهِ كَمَا سَبَقَ غَيْرَ السَّمْعِ وَالشَّمِّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 [فَصْلٌ فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ] فَصْلٌ (فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ) مِنْ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَشَمٍّ وَمَشْيٍ وَنِكَاحٍ وَغَيْرِهَا (تَجِبُ) الدِّيَةُ (كَامِلَةً فِي كُلِّ حَاسَّةٍ) ؛ أَيْ: الْقُوَّةِ الْحَاسَّةِ. يُقَالُ حَسَّ وَأَحَسَّ؛ أَيْ: عَلِمَ وَأَيْقَنَ، وَالْأَلِفُ أَفْصَحُ، وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْحَوَاسُّ: الْمَشَاعِرُ الْخَمْسُ: السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللَّمْسُ فَقَوْلُهُ: (مِنْ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَشَمٍّ وَذَوْقٍ) بَيَانٌ لِحَاسَّةٍ؛ لِحَدِيثِ «وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ» . وَلِأَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَنِكَاحُهُ " وَعَقْلُهُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ، وَالرَّجُلُ حَيٌّ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَخْتَصُّ بِنَفْعٍ أَشْبَهَ السَّمْعَ. (وَ) تَجِبُ كَامِلَةً (فِي) إذْهَابِ (كَلَامِهِ) كَأَنْ جَنَى عَلَيْهِ فَخَرِسَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا تَعَلَّقَتْ الدِّيَةُ بِإِتْلَافِهِ تَعَلَّقَتْ بِإِتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ كَالْيَدِ. (وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ فِي عَقْلٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: بِالْإِجْمَاعِ، لِمَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْمَعَانِي قَدْرًا وَأَعْظَمُهَا نَفْعًا؛ إذْ بِهِ يَتَمَيَّزُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهَائِمِ، وَبِهِ يَهْتَدِي لِلْمَصَالِحِ، وَيَدْخُلُ فِي التَّكْلِيفِ، وَهُوَ شَرْطٌ لِلْوِلَايَاتِ وَصِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ وَأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ. . (وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ فِي (حَدَبٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ فِي مَصْدَرِ حَدِبَ بِكَسْرِ الدَّالِ إذَا صَارَ أَحْدَبَ؛ لِذَهَابِ الْجَمَالِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ انْتِصَابَ الْقَامَةِ مِنْ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، وَبِهِ شَرَفُ الْآدَمِيِّ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ. (وَ) تَجِبُ كَامِلَةً فِي (صَعَرٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (بِأَنْ يَضْرِبَهُ فَيَصِيرُ وَجْهُهُ) ؛ أَيْ: الْمَضْرُوبِ (فِي جَانِبٍ) نَصًّا، وَأَصْلُ الصَّعَرِ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ فِي عُنُقِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 فَيَلْتَوِي مِنْهُ عُنُقُهُ ". قَالَ تَعَالَى {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان: 18] أَيْ: لَا تُعْرِضْ عَنْهُمْ بِوَجْهِك تَكَبُّرًا. (وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ (فِي تَسْوِيدِهِ) ؛ أَيْ: الْوَجْهِ بِأَنْ ضَرَبَهُ فَاسْوَدَّ (وَلَمْ يَزُلْ) سَوَادُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ فَضَمِنَهُ بِدِيَتِهِ كَقَطْعِ أُذُنَيْ الْأَصَمِّ، وَإِنْ صَارَ الْوَجْهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَحُكُومَةٌ. (وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ (فِي صَيْرُورَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (لَا يَسْتَمْسِكُ غَائِطًا أَوْ) لَا يَسْتَمْسِكُ (بَوْلًا) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْفَعَتُهُ كَبِيرَةٌ، لَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِثْلُهَا، أَشْبَهَ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ فَإِنْ فَاتَتْ؛ الْمَنْفَعَتَانِ وَلَوْ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَدِيَتَانِ. (وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ فِي (مَنْفَعَةِ مَشْيٍ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ أَشْبَهَ الْكَلَامَ. (وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ فِي مَنْفَعَةِ (نِكَاحٍ) كَأَنْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ نِكَاحُهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ، أَشْبَهَ الشَّمَّ. (وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ فِي ذَهَابِ مَنْفَعَةِ (أَكْلٍ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ؛ أَشْبَهَ الْمَشْيَ. (وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ فِي ذَهَابِ مَنْفَعَةِ (صَوْتٍ وَ) مَنْفَعَةِ (بَطْشٍ) ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ مِنْهُمَا نَفْعًا مَقْصُودًا. (وَ) تَجِبُ (فِي) إذْهَابِ (بَعْضٍ يُعْلَمُ) . قَدْرُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنَافِعِ (بِقَدْرِهِ) ؛ أَيْ: الذَّاهِبِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِي جَمِيعِ الشَّيْءِ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ بِقَدْرِهِ (كَأَنْ) جَنَى عَلَيْهِ فَصَارَ (يُجَنُّ يَوْمًا وَيُفِيقُ يَوْمًا آخَرَ أَوْ يَذْهَبُ ضَوْءُ عَيْنٍ) وَاحِدَةٍ (أَوْ) يَذْهَبُ (شَمُّ مَنْخَرٍ) وَاحِدٍ (أَوْ) يَذْهَبُ (سَمْعُ أُذُنٍ) وَاحِدَةٍ (أَوْ) يَذْهَبُ (أَحَدُ الْمَذَاقِ الْخَمْسِ، وَهِيَ الْحَلَاوَةُ وَالْمَرَارَةُ وَالْعُذُوبَةُ وَالْمُلُوحَةُ وَالْحُمُوضَةُ) ؛ لِأَنَّ الذَّوْقَ حَاسَّةٌ تُشْبِهُ الشَّمَّ (وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْ الْمَذَاقِ (خُمْسُ الدِّيَةِ) وَفِي اثْنَيْنِ مِنْهُمَا خُمُسَاهَا وَهَكَذَا. (وَيَجِبُ فِي إذْهَابِ بَعْضِ الْكَلَامِ بِحِسَابِهِ) مِنْ الدِّيَةِ (وَعَكْسِهِ) كَمَا لَوْ قَطَعَ مِنْ لِسَانٍ نِصْفَهُ فَذَهَبَ رُبُعُ الْكَلَامِ (بِعَكْسِهِ) ، أَيْ: يَجِبُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 بِقَطْعِ نِصْفِ اللِّسَانِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَرُبُعُ الْكَلَامِ تَبَعٌ لَهُ؛ فَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ آخَرُ بِلَا نِزَاعٍ (وَعَلَى مَنْ قَطَعَ بَقِيَّتَهُ) ؛ أَيْ: بَقِيَّةَ اللِّسَانِ الذَّاهِبِ رُبُعُهُ مَعَ نِصْفِ الْكَلَامِ فَذَهَبَ بِقَطْعِهِ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ (تَتِمَّتُهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ وَهُوَ نِصْفُهَا (مَعَ حُكُومَةٍ لِرُبُعِ اللِّسَانِ) الَّذِي لَا كَلَامَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَشَلِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ " " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ ". (وَلَوْ قَطَعَ) جَانٍ (نِصْفَهُ) ؛ أَيْ: اللِّسَانِ (فَذَهَبَ) بِقَطْعِهِ (رُبُعُ الْكَلَامِ، ثُمَّ) قَطَعَ (آخَرُ بَقِيَّتَهُ) ؛ أَيْ: اللِّسَانِ فَذَهَبَ بَاقِي الْكَلَامِ (فَعَلَى) الْجَانِي (الْأَوَّلِ بِهِ نِصْفُهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ؛ لِقَطْعِهِ نِصْفَ اللِّسَانِ (وَعَلَى) الْجَانِي (الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ؛ لِإِذْهَابِهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْكَلَامِ، كَمَا لَوْ أَذْهَبَ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ اللِّسَانِ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ. (وَمَنْ قُطِعَ لِسَانُهُ فَذَهَبَ نُطْقُهُ وَذَوْقُهُ) فَدِيَةٌ (أَوْ كَانَ) مَنْ قُطِعَ لِسَانُهُ (أَخْرَسَ) فَعَلَى قَاطِعِهِ (دِيَةٌ) وَاحِدَةٌ فِي اللِّسَانِ، وَتَنْدَرِجُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَالْعَيْنَيْنِ (وَلَا يَرُدُّهَا) مَنْ قُطِعَ لِسَانُهُ فَذَهَبَ نُطْقُهُ وَذَوْقُهُ دِيَةً قَبَضَهَا (بِعَوْدِ لِسَانِهِ بِلَا ذَوْقٍ وَلَا كَلَامٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي لِسَانٍ عَارٍ عَنْ الذَّوْقِ وَالْكَلَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فَذَهَبَ كَلَامُهُ أَوْ ذَوْقُهُ أَوْ قُطِعَ لِسَانُهُ ثُمَّ عَادَ كَلَامُهُ؛ فَإِنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يَرُدُّ الدِّيَةَ لِلْجَانِي أَوْ عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا. [تَنْبِيهٌ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ كُلُّ كَلَامِهِ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ بَقِيَّتَهُ فَعَادَ كَلَامُهُ] تَنْبِيهٌ: وَإِنْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ كُلُّ كَلَامِهِ، ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ بَقِيَّتَهُ فَعَادَ كَلَامُهُ لَمْ يَجِبْ رَدُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي كَانَ بِاللِّسَانِ قَدْ ذَهَبَ وَلَمْ يَعُدْ إلَى اللِّسَانِ، وَإِنَّمَا عَادَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ. (وَإِنْ اقْتَصَّ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ (مِنْ جَانٍ كَمِثْلِهِ) ؛ أَيْ: مِثْلِ مَا فَعَلَ بِهِ كَكَوْنِ الْجَانِي قَطَعَ رُبُعَ لِسَانِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَذَهَبَ رُبُعُ كَلَامِهِ، فَقَطَعَ الْمَجْنِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 عَلَيْهِ رُبُعَ لِسَانِ الْجَانِي (فَذَهَبَ مِنْ كَلَامِهِ) ؛ أَيْ: الْجَانِي مِثْلُ مَا ذَهَبَ مِنْ كَلَامِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرُ، فَقَدْ اسْتَوْفِي الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ وَ (لَمْ يَضْمَنْ) لِلْجَانِي مَا زَادَ عَنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سِرَايَةُ قَوَدٍ، وَهِيَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، وَإِنْ ذَهَبَ مِنْ كَلَامِ الْجَانِي أَقَلُّ مِمَّا ذَهَبَ مِنْ كَلَامِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ فَلِلْمُقْتَصِّ دِيَةُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ بَدَلَهُ. وَلَوْ كَانَ اللِّسَانُ ذَا طَرَفَيْنِ فَقَطَعَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْ الْكَلَامِ شَيْءٌ وَكَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْخِلْقَةِ فَكَلِسَانٍ مَشْقُوقٍ فِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَامَّ الْخِلْقَةِ وَالْآخَرُ نَاقِصًا؛ فَالتَّامُّ فِيهِ الدِّيَةُ، وَالنَّاقِصُ زَائِدٌ فِيهِ حُكُومَةٌ. [تَتِمَّةٌ قَطَعَ لِسَانَ صَغِيرٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَ صَغِيرٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ لِطُفُولِيَّتِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَلِسَانِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ بَلَغَ الصَّغِيرُ حَدًّا يَتَكَلَّمُ مِثْلُهُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَقَطَعَ لِسَانَهُ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ كَلِسَانِ الْأَخْرَسِ إنْ كَانَ لَا ذَوْقَ لَهُ، وَإِلَّا وَجَبَتْ. وَإِنْ كَبِرَ بَعْدَ قَطْعِ لِسَانِهِ فَنَطَقَ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ؛ وَجَبَ فِيهِ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنْ الْحُرُوفِ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ نَاطِقًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَ إلَى حَدٍّ يَتَحَرَّكُ بِالْبُكَاءِ وَغَيْرِهِ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ؛ فَفِيهِ حُكُومَةٌ كَلِسَانِ الْأَخْرَسِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَى حَدٍّ يَتَحَرَّكُ بِالْبُكَاءِ وَغَيْرِهِ؛ فَفِيهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ سَلَامَتُهُ. (وَمَنْ ذَهَبَ نُطْقُهُ وَذَوْقُهُ) بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ (وَاللِّسَانُ بَاقٍ) فَدِيَتَانِ (أَوْ كُسِرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَنِكَاحُهُ فَدِيَتَانِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَنْفَعَتَيْنِ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا، فَضُمِنَتْ بِدِيَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ. (وَإِنْ ذَهَبَ) بِكَسْرِ صُلْبِهِ (مَاؤُهُ) فَالدِّيَةُ، أَوْ ذَهَبَ بِكَسْرِ صُلْبِهِ (إحْبَالُهُ) بِأَنْ صَارَ مَنِيُّهُ لَا يُحْمَلُ مِنْهُ (فَالدِّيَةُ) ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ "، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي " الرَّوْضَةِ ": إنْ ذَهَبَ نَسْلُهُ الدِّيَةُ. (وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ جِنَايَةٍ أَذْهَبَتْ عَقْلَهُ فِي دِيَتِهِ) كَمَا لَوْ شَجَّهُ فَذَهَبَ بِهَا عَقْلُهُ؛ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْعَقْلِ وَأَرْشُ الشَّجَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مُتَغَايِرَانِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 ضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ فِي نَقْصٍ فِي بَصَرٍ وَسَمْعٍ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَهُ حُكُومَةٌ، وَإِنْ ادَّعَى نَقْصَ إحْدَى عَيْنَيْهِ عُصِبَتْ الَّتِي ادَّعَى نَقْصَ ضَوْئِهَا، وَأُطْلِقَتْ الصَّحِيحَةُ الْأُخْرَى، وَنُصِبَ لَهُ شَخْصٌ وَيَتَبَاعَدُ عَنْهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ رُؤْيَتُهُ فَيُعْلَمُ الْمَوْضِعُ، ثُمَّ تُشَدُّ الصَّحِيحَةُ، وَتُطْلَقُ الْأُخْرَى، وَيُنْصَبُ لَهُ شَخْصٌ ثُمَّ يَذْهَبَ حَتَّى تَنْتَهِيَ رُؤْيَتُهُ فَيُعْلَمُ ثُمَّ يُدَارُ إلَى جَانِبٍ آخَرَ وَيُصْنَعُ كَذَلِكَ، ثُمَّ يُعْلَمُ عَنْهُ الْمَسَافَتَيْنِ، وَيُذَرَّعَانِ، وَيُقَابَلُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَتَا فَقَدْ صَدَقَ، وَلَهُ مِنْ الدِّيَةِ بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ الصَّحِيحَةِ وَالْعَلِيلَةِ مِنْ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ اخْتَلَقَتْ الْمَسَافَتَانِ، فَقَدْ كَذَبَ رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَهُ عَنْ عُمَرَ. وَإِنْ جَنَى عَلَى عَيْنَيْهِ فَكَبِرَتَا أَوْ احْتَوَلَتَا أَوْ عَمِشَتَا وَنَحْوَهُ؛ فَحُكُومَةٌ كَمَا لَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَاعْوَجَّتْ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَدَّرَ فِيهِ شَرْعًا، وَالْحُكُومَةُ أَرْشُ مَا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ فِي قَدْرِ مَا أَتْلَفَ) مِنْهُ (كُلٌّ مِنْ جَانِبَيْنِ فَأَكْثَرَ) ؛ لِاتِّفَاقِ الْجَانِيَيْنِ عَلَى الْإِتْلَافِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَعْلَمُ بِقَدْرِ مَا أَتْلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَغَيْرُهُ مُتَّهَمٌ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ وَلَيْسَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُدَّعِيًا وَلَا مُنْكِرًا؛ فَهُوَ كَالشَّاهِدِ بَيْنَهُمَا. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (فِي ذَهَابِ بَصَرِ) مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ بِفِعْلِ جَانٍ (أُرِيَ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ (أَهْلَ الْخِبْرَةِ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَى بِهِ (وَامْتُحِنَ بِتَقْرِيبِ شَيْءٍ إلَى عَيْنَيْهِ وَقْتَ غَفْلَتِهِ) ، فَإِنْ حَرَّكَهُمَا فَهُوَ يُبْصِرُ؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْآدَمِيِّ الْحَذَرُ عَلَى عَيْنِهِ، وَإِنْ بَقِيَتَا عَلَى حَالِهِمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبْصِرُ. (وَ) إنْ اخْتَلَفَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ وَجَانٍ (فِي ذَهَابِ سَمْعٍ وَشَمٍّ أَوْ ذَوْقٍ صِيحَ بِهِ) ؛ أَيْ: بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، إنْ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ سَمْعِهِ (وَقْتَ غَفْلَتِهِ، وَأُتْبِعَ بِمُنْتِنٍ) إنْ اخْتَلَفَا فِي شَمِّهِ (وَأُطْعِمَ) الشَّيْءَ (الْمُرَّ) إنْ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ ذَوْقِهِ (فَإِنْ فَزِعَ مِنْ الصَّائِحِ أَوْ مِنْ مُقَرَّبٍ لِعَيْنِهِ وَعَبَسَ لِمُنْتِنٍ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ) لِتَبَيُّنِ كَذِبِهِ (وَإِلَّا) يَفْزَعْ مِنْ صَائِحٍ وَلَا مُقَرَّبٍ لَعَيْنِهِ وَلَا عَبَسَ لِمُنْتِنٍ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ دَعْوَاهُ. وَإِنْ ادَّعَى نُقْصَانَ سَمْعِ إحْدَى أُذُنَيْهِ فَاخْتِيَارُهُ بِأَنْ تُشَدَّ الْأُذُنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 الْعَلِيلَةُ وَتُطْلَقَ الصَّحِيحَةُ، وَيَصِيحَ رَجُلٌ مِنْ مَوْضِعٍ يَسْمَعُهُ وَيُعْمَلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَقْصِ الْبَصَرِ فِي إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَيَأْخُذُ مِنْ دِيَةِ سَمْعِ الْأُذُنِ بِقَدْرِ نَقْصِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَيْنِ. وَإِنْ ادَّعَى نُقْصَانَ السَّمْعِ فِي أُذُنَيْهِ، حَلَفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلَا يَتَأَتَّى الْعَرْضُ عَلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، بِخِلَافِ الْبَصَرِ، وَوَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ. (وَيَرُدُّ الدِّيَةَ آخِذٌ لَهَا عُلِمَ كَذِبُهُ) لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ قَبْضَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ. [تَتِمَّةٌ الْجِنَايَةُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ] ِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِيمَا تُوجِبُهُ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، لَكِنَّ الْمُكَلَّفَ خَصْمٌ لِنَفْسِهِ، وَالْخَصْمُ لِلصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَلِيُّهُمَا؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمَا كَالْأَمْوَالِ، فَإِذَا تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِمَا لَمْ يَحْلِفَا؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا، وَلَمْ يَحْلِفْ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ فِيهَا، فَإِذَا كُلِّفَا حَلَفَا. قَالَ فِي " شَرَحَ الْإِقْنَاعِ ": وَظَاهِرُهُ لَا يَحْتَاجُ لِإِعَادَةِ الدَّعْوَى؛ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْمُولَاةِ. [فَصْلٌ فِي دِيَةُ الشُّعُورِ] فَصْلٌ: (وَفِي كُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْ الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ) كَامِلَةً (وَلَا قِصَاصَ فِيهَا) ؛ أَيْ: الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ (لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُسَاوَاةِ) ، (وَهِيَ شَعْرُ رَأْسٍ وَ) شَعْرُ (لِحْيَةٍ وَحَاجِبَيْنِ وَ) شَعْرُ (أَهْدَابِ عَيْنَيْنِ وَلَوْ لِأَعْمَى) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: فِي الشَّعْرِ الدِّيَةُ؛ وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ كَأُذُنَيْ الْأَصَمِّ وَأَنْفِ الْأَخْشَمِ، بِخِلَافِ الْيَدِ الشَّلَّاءِ فَلَيْسَ جَمَالُهَا كَامِلًا (وَفِي حَاجِبٍ نِصْفُ) دِيَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ مِنْهُ شَيْئَيْنِ (وَفِي هُدْبٍ رُبُعُ) دِيَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ مِنْهُ أَرْبَعَةً (وَفِي بَعْضِ كُلٍّ) مِنْ الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ (بِقِسْطِهِ) مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ الْمِسَاحَةِ كَالْأُذُنَيْنِ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الشُّعُورُ كَثِيفَةً أَوْ خَفِيفَةً، جَمِيلَةً أَوْ قَبِيحَةً، مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ كَسَائِرِ مَا فِيهِ دِيَةٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ، (وَفِي) شَعْرِ (شَارِبٍ حُكُومَةٌ) نَصًّا (وَمَا عَادَ) مِنْ شَعْرٍ (سَقَطَ مَا فِيهِ) مِنْ دِيَةٍ أَوْ بَعْضِهَا أَوْ حُكُومَةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 كَمَا تَقَدَّمَ فِي سِنَّهِ وَنَحْوِهَا إذَا عَادَ، وَإِنْ عَادَ بَعْدَ أَخْذِ مَا فِيهِ رَدَّهُ، وَإِنْ رُجِيَ عَوْدُهُ انْتَظَرَ مَا يَقُولُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ. وَإِنْ أَزَالَ إنْسَانٌ مِنْ الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ (وَتَرَكَ مِنْ لِحْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَا لَا جَمَالَ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْمَتْرُوكِ، فَعَلَيْهِ (دِيَةٌ كَامِلَةٌ) ؛ لِإِذْهَابِهِ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كُلِّهِ كَمَا لَوْ أَذْهَبَ ضَوْءَ عَيْنِهِ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ بِجِنَايَتِهِ لِإِذْهَابِ الْبَاقِي لِزِيَادَةٍ فِي الْقُبْحِ. (وَإِنْ قَطَعَ جَفْنًا بِهُدْبِهِ؛ فَدِيَتُهُ فَقَطْ) ؛ لِتَبَعِيَّةِ الشَّعْرِ لَهُ فِي الزَّوَالِ كَالْأَصَابِعِ مَعَ الْكَفِّ. (وَإِنْ قَلَعَ اللَّحْيَيْنِ بِأَسْنَانِهِمَا) فَعَلَيْهِ (دِيَةُ الْكُلِّ) مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَالْأَسْنَانِ فَلَا تَدْخُلُ دِيَةُ الْأَسْنَانِ فِي دِيَةِ اللَّحْيَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَسْنَانَ لَيْسَتْ مُتَّصِلَةً بِاللَّحْيَيْنِ، بَلْ مَغْرُوزَةٌ فِيهِمَا، وَكُلٌّ مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَالْأَسْنَانِ يَنْفَرِدُ بِاسْمِهِ عَنْ الْآخَرِ، وَاللَّحْيَانِ يُوجَدَانِ قَبْلَ الْأَسْنَانِ وَيَبْقَيَانِ بَعْدَ قَلْعِهَا، بِخِلَافِ الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ. (وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا بِأَصَابِعِهِ لَمْ يَجِبْ غَيْرُ دِيَةِ يَدٍ) ؛ لِدُخُولِ الْكُلِّ فِي مُسَمَّى الْيَدِ كَقَطْعِ ذَكَرٍ بِحَشَفَةٍ (وَإِنْ كَانَ بِهِ) ؛ أَيْ: الْكَفِّ (بَعْضُهَا) ؛ أَيْ: الْأَصَابِعِ (دَخَلَ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ مَا حَاذَاهَا) مِنْ الْكَفِّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سَالِمَةً كُلُّهَا لَدَخَلَ أَرْشُ الْكَفِّ كُلُّهُ فِي دِيَتِهَا (وَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْجَانِي (أَرْشُ بَقِيَّةِ الْكَفِّ) الَّتِي لَمْ تُحَاذِ الْأَصَابِعَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا يَدْخُلُ فِي دِيَتِهِ، فَوَجَبَ أَرْشُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَقْطُوعَةً. (وَفِي ذِرَاعٍ بِلَا كَفٍّ) ثُلُثُ دِيَتِهِ (وَفِي كَفٍّ بِلَا أَصَابِعَ) ثُلُثُ دِيَتِهِ (وَفِي عَضُدٍ بِلَا ذِرَاعٍ ثُلُثُ دِيَتِهِ) ؛ أَيْ: الْكَفِّ بِمَعْنَى الْيَدِ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَقَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " قَالَ: وَقَدْ شَبَّهَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ (بِلَا حُكُومَةٍ خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي كَفٍّ بِلَا أَصَابِعَ، وَذِرَاعٍ بِلَا كَفٍّ، وَعَضُدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 بِلَا ذِرَاعٍ حُكُومَةٌ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " رِوَايَةٌ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ خِلَافُهَا (وَكَذَا تَفْصِيلُ رِجْلٍ) وَمُقْتَضَى تَشْبِيهِ الْإِمَامِ بِالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ أَنَّ فِيهِ حُكُومَةً قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ". (وَفِي عَيْنِ أَعْوَرَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْبَصَرَ كُلَّهُ؛ فَوَجَبَ عَلَيْهِ جَمِيعُ دِيَتِهِ، كَمَا لَوْ أَذْهَبَهُ مِنْ الْعَيْنَيْنِ؛ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِعَيْنِ الْأَعْوَرِ مَا يَحْصُلُ بِعَيْنِ الصَّحِيحِ؛ لِرُؤْيَتِهِ الْأَشْيَاءَ الْبَعِيدَةَ؛ وَإِدْرَاكِهِ (الْأَشْيَاءَ) اللَّطِيفَةَ، وَعَمَلُهُ عَمَلُ الْبَصَرِ. (وَإِنْ قَلَعَهَا) ؛ أَيْ: عَيْنَ الْأَعْوَرِ (صَحِيحٌ) الْعَيْنَيْنِ (أُقِيدَ) ؛ أَيْ: قُلِعَتْ عَيْنُهُ (بِشَرْطِهِ) السَّابِقِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ الصَّحِيحِ (مَعَهُ) ؛ أَيْ: الْقَوَدِ فِي نَظِيرَتِهَا (نِصْفُ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَذْهَبَ بَصَرَ الْأَعْوَرِ كُلَّهُ، وَلَا يُمْكِنُ إذْهَابُ بَصَرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ عَيْنَيْنِ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ اسْتَوْفَى نِصْفَ الْبَصَرِ تَبَعًا لِعَيْنِهِ بِالْقَوَدِ، وَبَقِيَ النِّصْفُ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ الْقِصَاصُ فِيهِ؛ فَوَجَبَتْ دِيَتُهُ. (وَإِنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ مَا يُمَاثِلُ صَحِيحَتَهُ) ؛ أَيْ: عَيْنَهُ الصَّحِيحَةَ (مِنْ صَحِيحِ) الْعَيْنَيْنِ (عَمْدًا) فَعَلَى الْأَعْوَرِ (دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَلَا قَوَدَ) عَلَيْهِ فِي قَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يُفْضِي إلَى اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْبَصَرِ وَهُوَ إنَّمَا أَذْهَبَ بَعْضَ الْبَصَرِ الصَّحِيحِ فَلَمَّا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً؛ لِئَلَّا تَذْهَبَ الْجِنَايَةُ مَجَّانًا، وَكَانَتْ كَامِلَةً؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْقِصَاصِ السَّاقِطِ عَنْهُ رِفْقًا بِهِ، وَلَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ ذَهَبَ مَا لَوْ ذَهَبَ الْجِنَايَةُ، لَوَجَبَتْ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. (وَ) إنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ مَا يُمَاثِلُ عَيْنَهُ الصَّحِيحَةَ (خَطَأً فَنِصْفُهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَلَعَهَا صَحِيحٌ، وَكَذَا لَوْ قَلَعَ مَا لَا يُمَاثِلُ صَحِيحَتَهُ. (وَإِنْ قَلَعَ) الْأَعْوَرُ (عَيْنَيْ صَحِيحٍ؛ فَالْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ جَمِيعَ بَصَرِهِ بِجَمِيعِ بَصَرِهِ؛ فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ. (وَفِي يَدِ أَقْطَعَ صَحِيحَةٍ أَوْ رِجْلِهِ الصَّحِيحَةِ) إنْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْأُخْرَى أَوْ رِجْلَهُ الْأُخْرَى (وَلَوْ عَمْدًا أَوْ مَعَ إذْهَابِ) الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ (الْأُولَى حَالَ كَوْنِ الذَّهَابِ هَدْرًا نِصْفُ دِيَتِهِ) ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 أَيْ: الْأَقْطَعِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٍ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، حُرًّا أَوْ رَقِيقًا (كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ) ؛ لِأَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا بِخِلَافِ عَيْنِ الْأَعْوَرِ. (وَلَوْ قَطَعَ) الْأَقْطَعُ (يَدَ صَحِيحٍ) أَوْ رِجْلَهُ (أُقِيدَ بِشَرْطِهِ) السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ أَمْكَنَ الْقَوَدُ فِي مِثْلِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ؛ فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ الْقِصَاصَ. : وَلَا تَجِبُ دِيَةُ جُرْحٍ حَتَّى يَنْدَمِلَ، وَلَا دِيَةُ سِنٍّ وَظُفْرٍ وَمَنْفَعَةٍ مِنْ بَصَرٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ عَوْدِهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّهُ لَا دِيَةَ لِمَا رُجِيَ عَوْدُهُ فِي مُدَّةٍ تَقُولُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ مَاتَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ قَبْلَ الْقَوَدِ فَلِوَلِيِّهِ دِيَةُ مَا جَنَى عَلَيْهِ مِنْ سِنٍّ وَظُفْرٍ وَمَنْفَعَةٍ؛ لِلْيَأْسِ مِنْ عَوْدَةٍ بِمَوْتِهِ، وَلَهُ الْعَوْدُ فِي غَيْرِ السِّنِّ وَالظُّفْرِ مِنْ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِعُودِهِ، لَكِنْ لَا يُقْتَصُّ إلَّا بَعْدَ الِانْدِمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَقَتْلٌ هُوَ أَمْ لَيْسَ بِقَتْلٍ؟ فَيُنْتَظَرُ لِيُعْلَمَ حُكْمُهُ وَمَا الْوَاجِبُ فِيهِ، وَلِذَا لَمْ تَجِبْ دِيَتُهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ. الْتَحَمَتْ الْجَائِفَةُ أَوْ الْمُوضِحَةُ فَمَا فَوْقَهَا كَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ لَمْ يَسْقُطْ مُوجِبُهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ فِيهَا ذَلِكَ الْأَرْشَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِحَالِ كَسْرٍ دُونَ حَالٍ، فَوَجَبَ بِكُلِّ حَالٍ. [بَابُ الشِّجَاجِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ] أَيْ: بَيَانُ مَا يَجِبُ فِيهِ الشَّجُّ: الْقَطْعُ، وَمِنْهُ شَجَجْتُ الْمَفَازَةَ؛ أَيْ: قَطَعْتُهَا (الشَّجَّةُ) وَاحِدَةُ الشِّجَاجِ (جُرْحُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ خَاصَّةً) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِقَطْعِهَا الْجِلْدَ، وَفِي غَيْرِهِمَا يُسَمَّى جُرْحًا لَا شَجَّةً (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الشَّجَّةُ بِاعْتِبَارِ أَسْمَائِهَا الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْعَرَبِ (عَشْرٌ) مُرَتَّبَةٌ (خَمْسٌ) مِنْهَا (فِيهَا حُكُومَةٌ) . أَحَدُهَا (الْحَارِصَةُ) بِالْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ؛ أَيْ: تَشُقُّهُ وَلَا تُدْمِيهِ) ؛ أَيْ: تُسِيلُ دَمَهُ. وَالْحِرْصُ: الشَّقُّ، وَمِنْهُ حَرْصُ انْقِصَارُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 الثَّوْبِ إذَا شَقَّهُ قَلِيلًا، وَيُقَالُ لِبَاطِنِ الْجِلْدِ الْحَرَصَاتُ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِوُصُولِ الشَّقِّ إلَيْهِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْقَاشِرَةُ وَالْقِشْرَةُ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَة تَبَعًا لِلْقَاضِي: وَتُسَمَّى الْمَلْطَاءُ (ثُمَّ) يَلِيهَا (الْبَازِلَةُ الدَّامِيَةُ وَالدَّامِعَةُ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الَّتِي (تُدْمِيهِ) ؛ أَيْ: الْجِلْدَ، يُقَالُ: بَزَلَ الشَّيْءُ إذَا سَالَ، وَسُمِّيَتْ دَامِعَةً، لِقِلَّةِ سَيْلَانِ الدَّمِ مِنْهَا تَشْبِيهًا لَهُ بِخُرُوجِ الدَّمْعِ مِنْ الْعَيْنِ (ثُمَّ) يَلِيهَا (الْبَاضِعَةُ) وَهِيَ (الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ) ؛ أَيْ: تَشُقُّهُ بَعْدَ الْجِلْدِ وَمِنْهُ الْبَضْعُ (ثُمَّ) يَلِيهَا (الْمُتَلَاحِمَةُ) وَهِيَ (الْغَائِصَةُ فِيهِ) ؛ أَيْ: اللَّحْمِ مُشْتَقَّةً مِنْ اللَّحْمِ لِغَوْصِهَا فِيهِ (ثُمَّ) يَلِيهَا (السِّمْحَاقُ) وَهِيَ (الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ قِشْرَةٌ) رَقِيقَةٌ مُشْتَقَّةٌ تُسَمَّى السِّمْحَاقُ، سُمِّيَتْ؛ لِجِرَاحَةِ الْوَاصِلَةِ إلَيْهَا بِهَا. فَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ مِنْ الشَّرْعِ وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِيهِ، وَعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ.» (وَخَمْسٌ) مِنْ الشِّجَاجِ (فِيهَا مُقَدَّرٌ) أَوَّلُهَا (الْمُوضِحَةُ) وَهِيَ (الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ) ؛ أَيْ: تُبْرِزُهُ؛ أَيْ: تَصِلُ إلَيْهِ وَلَوْ بِقَدْرِ (رَأْسِ إبْرَةٍ) فَلَا يُشْتَرَطُ وُضُوحُهُ لِلنَّاظِرِ، فَلَوْ أَوْضَحَهُ بِرَأْسِ مِسَلَّةٍ أَوْ إبْرَةٍ وَعُرِفَ وُصُولُهَا إلَى الْعَظْمِ كَانَتْ مُوضِحَةً، وَالْوَاضِحُ الْبَيَاضُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَبْدَتْ بَيَاضَ الْعَظْمِ (وَفِيهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) أَيْ: دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ (فَمِنْ حُرٍّ أَوْ حُرَّةٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ) ؛ لِمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَإِنْ عَمَّتْ الرَّأْسَ وَنَزَلَتْ إلَى الْوَجْهِ فَمُوضِحَتَانِ (وَإِنْ) لَمْ تَعُمَّهُ بَلْ (كَانَ بَعْضُهَا بِوَجْهٍ وَ) بَعْضُهَا (بِرَأْسٍ فَمُوضِحَتَانِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْضَحَهُ فِي عُضْوَيْنِ؛ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ، وَنَزَلَ إلَى الْقَفَا (وَإِنْ أَوْضَحَهُ ثِنْتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ) فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ (عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ فَإِنْ ذَهَبَ) الْحَاجِزُ (بِفِعْلِ جَانٍ أَوْ سِرَايَةٍ، صَارَا) ؛ أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 الْجُرْحَانِ مُوضِحَةً (وَاحِدَةً) كَمَا لَوْ أَوْضَحَ الْكُلَّ بِلَا حَاجِزٍ، وَإِنْ انْدَمَلَتَا، ثُمَّ زَالَ الْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا، فَعَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا؛ لِاسْتِقْرَارِ أَرْشِ الْأَوَّلَتَيْنِ عَلَيْهِ بِانْدِمَالِهِمَا، ثُمَّ لَزِمَهُ أَرْشُ الثَّالِثَةِ، وَإِنْ انْدَمَلَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ زَالَ الْحَاجِزُ بِفِعْلِ جَانٍ أَوْ بِسِرَايَةِ الْآخَرِ فَمُوضِحَتَانِ. (وَإِنْ خَرَقَهُ) ؛ أَيْ: الْحَاجِزَ بَيْنَ مُوضِحَتَيْنِ (مَجْرُوحٌ) فَعَلَى جَانٍ مُوضِحَتَانِ (أَوْ) خَرَقَهُ (أَجْنَبِيٌّ) ؛ أَيْ غَيْرُ الشَّاجِّ وَالْمَجْرُوحِ؛ فَلِلْمَشْجُوجِ أَرْشُ (ثَلَاثِ) مَوَاضِحَ (عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا ثِنْتَانِ) وَعَلَى الْآخَرِ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ أَحَدِهِمَا لَا يَنْبَنِي عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ، فَانْفِرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِحُكْمِ جِنَايَتِهِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْأَوَّلِ مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَتَيْنِ بِخِرَقِ الْمَشْجُوجِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. (وَيُصَدَّقُ مَجْرُوحٌ بِيَمِينِهِ فِيمَنْ خَرَقَهُ عَلَى الْجَانِي) الْأَوَّلِ، فَلَوْ قَالَ الْجَانِي: خَرَقْت مَا بَيْنَهُمَا فَصَارَتَا وَاحِدَةً. وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: بَلْ خَرَقَهُ غَيْرُك فَعَلَيْك الْمُوضِحَتَانِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ لُزُومِ الْمُوضِحَتَيْنِ، وَالْجَانِي يَدَّعِي زَوَالَهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَ (لَا) يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (عَلَى الْأَجْنَبِيِّ) الْمُنْكِرِ إزَالَتَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (وَمِثْلُهُ) ؛ أَيْ: الْجَانِي مُوضِحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ إذَا خُرِقَ مَا بَيْنَهُمَا فَصَارَتَا وَاحِدَةً (مَنْ قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُونَ) بَعِيرًا إنْ لَمْ يَقْطَعْ غَيْرَهَا (فَلَوْ قَطَعَ) الْجَانِي أُصْبُعًا (رَابِعَةً قَبْلَ بُرْءِ) الثَّلَاثِ (رُدَّتْ) الْمَرْأَةُ (إلَى عِشْرِينَ) ؛ بَعِيرًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُسَاوِي الذَّكَرَ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ، وَعَلَى النِّصْفِ مِنْهُ فِي الثُّلُثِ فَمَا زَادَ عَلَيْهِ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) ؛ أَيْ: قَاطِعُ أَصَابِعَهَا وَهِيَ (فِي قَاطِعِهِمَا) ؛ أَيْ: الْأُصْبُعِ الرَّابِعَةِ بِأَنْ قَالَ الْجَانِي: أَنَا قَطَعْتُهَا فَلَا يَلْزَمُنِي إلَّا عِشْرُونَ بَعِيرًا. وَقَالَتْ هِيَ: بَلْ قَطَعَهَا غَيْرُك فَيَلْزَمُك ثَلَاثُونَ (صُدِّقَتْ) يَمِينُهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي زَوَالَ مَا وُجِدَ مِنْ سَبَبِ أَرْشِ الثَّلَاثِ، وَهِيَ تُنْكِرُهُ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ (وَإِنْ خَرَقَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 جَانٍ بَيْنَ مُوضِحَتَيْنِ بَاطِنًا) فَقَطْ (أَوْ) بَاطِنًا (مَعَ ظَاهِرٍ فَ) قَدْ صَارَتَا (وَاحِدَةً) ؛ لِاتِّصَالِهِمَا بَاطِنًا (وَ) إنْ خَرَقَ مَا بَيْنَهُمَا (ظَاهِرًا فَقَطْ) فَهُمَا (ثِنْتَانِ؛) لِعَدَمِ اتِّصَالِهِمَا بَاطِنًا. (ثُمَّ) يَلِي الْمُوضِحَةَ (الْهَاشِمَةُ) وَهِيَ (الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ) ؛ أَيْ: تُبْرِزُهُ (وَتُهَشِّمُهُ) ؛ أَيْ: تَكْسِرُهُ (وَفِيهَا عَشْرَةُ أَبْعِرَةٍ) رُوِيَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ تَوْقِيفٌ، فَإِنْ هَشَمَهُ هَاشِمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ فَفِيهِمَا عِشْرُونَ بَعِيرًا فَإِنْ زَالَ الْحَاجِزُ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وَالْهَاشِمَةُ الصَّغِيرَةُ كَالْكَبِيرَةِ. (ثُمَّ) يَلِيهَا (الْمُنَقِّلَةُ الَّتِي تُوضِحُ) الْعَظْمَ (وَتَهْشِمُ) الْعَظْمَ (وَتَنْقُلُ الْعَظْمَ وَفِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ( «وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ» ) فَإِنْ كَانَتَا مُنَقِّلَتَيْنِ فَعَلَى مَا سَبَقَ. (ثُمَّ) يَلِيهَا (الْمَأْمُومَةُ الَّتِي تَصِلُ إلَى جِلْدَةِ الدِّمَاغِ وَتُسَمَّى الْآمَّةَ) بِالْمَدِّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ لَهَا الْآمَّةُ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ الْمَأْمُومَةُ: الشَّجَّةُ الَّتِي تَصِلُ إلَى (أُمِّ الدِّمَاغِ) وَأُمِّ الدِّمَاغِ هِيَ جَلْدَةٌ فِيهَا الدِّمَاغُ. قَالَ النَّضْرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: أُمُّ الرَّأْسِ الْخَرِيطَةُ الَّتِي فِيهَا الدِّمَاغُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَخْرُطُ الدِّمَاغَ وَتَجْمَعُهُ. (ثُمَّ) يَلِيهَا (الدَّامِغَةُ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهِيَ (الَّتِي تَخْرِقُ الْجَلْدَةَ) ؛ أَيْ: جَلْدَةَ الدِّمَاغِ (وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: الْمَأْمُومَةِ وَالدَّامِغَةِ (ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِمَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مَرْفُوعًا: «وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، وَالدَّامِغَةُ أَوْلَى، وَصَاحِبُهَا لَا يَسْلَمُ غَالِبًا. (وَإِنْ شَجَّهُ شَجَّةً بَعْضُهَا هَاشِمَةٌ) وَبَقِيَّتُهَا دُونَهَا (أَوْ) بَعْضُهَا (مُوضِحَةٌ وَبَقِيَّتُهَا دُونَهَا فَ) عَلَيْهِ (دِيَةُ هَاشِمَةٍ) فَقَطْ؛ إنْ كَانَ بَعْضُهَا هَاشِمَةً، (أَوْ دِيَةُ مُوضِحَةٍ فَقَطْ) إنْ كَانَ بَعْضُهَا مُوضِحَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَشَمَهُ كُلَّهُ أَوْ أَوْضَحَهُ كُلَّهُ؛ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 يَلْزَمْهُ فَوْقَ دِيَةِ الْهَاشِمَةِ أَوْ الْمُوضِحَةِ. (وَإِنْ أَوْضَحَهُ جَانٍ، ثُمَّ هَشَمَهُ ثَانٍ، ثُمَّ جَعَلَهَا ثَالِثٌ مُنَقِّلَةً، ثُمَّ) جَعَلَهَا (رَابِعٌ مَأْمُومَةً أَوْ دَامِغَةً، فَعَلَى الرَّابِعِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثُ بَعِيرٍ) ؛ لِأَنَّهَا تُفَاوِتُ مَا بَيْنَ الْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ أَوْ الدَّامِغَةِ (وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ خَمْسٌ) مِنْ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا تُفَاوِتُ مَا بَيْنَ الشَّجَّتَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ هَشَمَهُ بِمُثْقَلٍ وَلَمْ يُوضِحْهُ) فَحُكُومَةٌ (أَوْ طَعَنَهُ فِي خَدِّهِ فَوَصَلَ) الطَّعْنُ (إلَى فَمِهِ) فَحُكُومَةٌ (أَوْ نَفَذَ) جَانٍ بِخَرْزَةٍ (أَنْفًا أَوْ ذَكَرًا) فَحُكُومَةٌ (أَوْ) نَفَذَ (جَفْنًا إلَى بَيْضَةِ الْعَيْنِ) فَحُكُومَةٌ (أَوْ أَدْخَلَ) غَيْرُ زَوْجٍ (أُصْبُعَهُ فَرْجَ بِكْرٍ) فَحُكُومَةٌ (أَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ دَاخِلَ عَظْمٍ فَخَذَفَ) عَلَيْهِ (حُكُومَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي ذَلِكَ. [فَصْلٌ فِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ دِيَةٍ] فَصْلٌ: (وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ دِيَةٍ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» ؛ وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الْجَائِفَةُ (مَا تَصِلُ بَاطِنَ جَوْفٍ) ؛ أَيْ: مَا لَا يَظْهَرُ مِنْهُ لِلرَّأْيِ؛ (كَ) دَاخِلِ (بَطْنٍ، وَلَوْ لَمْ تُخْرَقْ بِهِ أَمْعَاءٌ) دَاخِلَ (ظَهْرٍ وَصَدْرٍ وَحَلْقٍ وَمَثَانَةٍ وَبَيْنَ خُصْيَتَيْنِ وَ) دَاخِلَ (دُبُرٍ وَإِنْ جَرَحَ جَانِبًا فَخَرَجَ) مَا جَرَحَهُ بِهِ (مِنْ) جَانِبٍ (آخَرَ فَجَائِفَتَانِ) نَصًّا؛ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَأَنْفَذَهُ فَقَضَى أَبُو بَكْرٍ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ "، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الْجَائِفَةِ إذَا نَفَذَتْ فِي الْجَوْفِ بِأَرْشِ جَائِفَتَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ أَنْفَذَهُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَنْفَذَهُ مِنْ مَوْضِعٍ بِضَرْبَتَيْنِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 وَلَوْ أَدْخَلَ شَخْصٌ يَدَهُ فِي جَائِفَةِ إنْسَانٍ، فَحَزَقَ بَطْنَهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ؛ لَزِمَهُ أَرْشُ جَائِفَةٍ بِلَا خِلَافٍ. (وَإِنْ جَرَحَ وِرْكَهُ، فَوَصَلَ) الْجُرْحُ (جَوْفَهُ أَوْ أَوْضَحَهُ) فِي رَأْسِهِ (فَوَصَلَ) الْإِيضَاحُ (قَفَاهُ) فَعَلَى مَنْ جَرَحَ الْوِرْكَ فَوَصَلَ الْجَوْفَ (مَعَ دِيَةِ جَائِفَةٍ) حُكُومَةٌ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَعَلَى مَنْ أَوْضَحَ شَخْصًا فَوَصَلَ قَفَاهُ مَعَ دِيَةِ (مُوضِحَةٍ حُكُومَةٌ بِجُرْحِ قَفَاهُ أَوْ) جُرْحِ (وِرْكِهِ) ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجَائِفَةِ، فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمُوضِحَةِ فَانْفَرَدَ بِالضَّمَانِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ جَائِفَةٌ أَوْ مُوضِحَةٌ. (وَمَنْ وَسَّعَ فَقَطْ جَائِفَةً) أَجَافَهَا غَيْرُهُ (ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) فَعَلَيْهِ دِيَةُ جَائِفَةٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَوْ انْفَرَدَ فَهُوَ جَائِفَةٌ؛ فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُهُ بِانْضِمَامِهِ إلَى غَيْرِهِ. (أَوْ فَتَقَ جَائِفَةً مُنْدَمِلَةً) أَوْ فَتَقَ (مُوضِحَةً نَبَتَ شَعْرُهَا) (فَ) عَلَيْهِ (جَائِفَةٌ) فِي الْأُولَى (وَمُوضِحَةٌ) فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ إذَا الْتَحَمَ صَارَ كَالصَّحِيحِ؛ لِعَوْدِهِ إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَهُ جِنَايَةٌ أُخْرَى مُتَجَدِّدَةٌ (وَإِلَّا) يُوَسِّعْ بَاطِنَ الْجَائِفَةِ وَظَاهِرَهَا بَلْ وَسَّعَ أَحَدَهُمَا فَقَطْ، وَلَمْ تَكُنْ الْجَائِفَةُ مُنْدَمِلَةً أَوْ الْمُوضِحَةُ نَبَتَ شَعْرُهَا فَفَتَقَهَا (فَ) عَلَيْهِ (حُكُومَةٌ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ جَائِفَةً، وَلَا مُوضِحَةً، وَلَا مُقَدَّرَ فِيهِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْخَيْطِ. وَإِنْ وَسَّعَ طَبِيبٌ جَائِفَةً بِإِذْنِ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ مُكَلَّفٍ، أَوْ أَذِنَ وَلِيُّ غَيْرَهُ لِمَصْلَحَةٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَمَنْ وَطِئَ زَوْجَةً صَغِيرَةً) لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا (أَوْ) وَطِئَ زَوْجَةً (نَحِيفَةً لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فَخَرَقَ) بِوَطْئِهِ (مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَ) مَخْرَجِ (مَنِيٍّ، أَوْ) خُرِقَ بِوَطْئِهِ (مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ فَ) عَلَيْهِ (الدِّيَةُ) كَامِلَةً (إنْ لَمْ يُسْتَمْسَكْ بَوْلٌ) ؛ لِإِبْطَالِهِ نَفْعَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى شَخْصٍ فَصَارَ لَا يَسْتَمْسِكُ الْغَائِطَ (وَإِلَّا) بِأَنْ اسْتَمْسَكَ الْبَوْلَ (فَ) عَلَيْهِ أَرْشُ (جَائِفَةٍ) ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِقَضَاءِ عُمَرَ: فِي الْإِفْضَاءِ ثُلُثُ الدِّيَةِ: وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. (وَإِنْ كَانَتْ) الزَّوْجَةُ (مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ، أَوْ) كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ (أَجْنَبِيَّةً) ؛ أَيْ: غَيْرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 زَوْجَةِ (وَاطِئٍ كَبِيرَةً حُرَّةً مُطَاوِعَةً، وَلَا شُبْهَةَ) لِوَاطِئٍ فِي وَطْئِهَا (فَوَقَعَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: خَرَقَ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ؛ فَهُوَ هَدْرٌ؛ لِحُصُولِهِ مِنْ فِعْلِ مَأْذُونٍ فِيهِ كَأَرْشِ بَكَارَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا (وَكَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ يَدِهَا فَسَرَى إلَى نَفْسِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَتْ فِي وَطْئِهَا) فَقَطَعَ يَدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَلَا مِنْ ضَرُورَتِهِ (وَلَهَا) ؛ أَيْ: الْمَوْطُوءَةِ (مَعَ شُبْهَةٍ أَوْ مَعَ إكْرَاهٍ الْمَهْرُ) ؛ لِاسْتِيفَائِهِ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ، (وَ) لَهَا (الدِّيَةُ) كَامِلَةً (إنْ لَمْ يُسْتَمْسَكْ بَوْلٌ) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَذِنَتْ فِي الْفِعْلِ مَعَ الشُّبْهَةِ؛ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ، فَإِذَا كَانَ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَثَبَتَ الضَّمَانُ كَمَنْ أَذِنَ فِي قَبْضِ دَيْنٍ ظَانًّا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فَبَانَ غَيْرُهُ، وَأَمَّا مَعَ الْإِكْرَاهِ؛ فَلِأَنَّهُ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ (وَإِلَّا) بِأَنْ اسْتَمْسَكَ بَوْلٌ مَعَ خَرْقِهِ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ مَعَ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ؛ (فَ) عَلَيْهِ مَعَ الْمِثْلِ (ثُلُثُهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ كَجِنَايَةِ جَائِفَةٍ؛ لِقَضَاءِ عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَجِبُ أَرْشُ بَكَارَةٍ) ؛ أَيْ: حُكُومَةٌ (مَعَ فَتْقٍ بِغَيْرِ وَطْءٍ) ؛ لِعُدْوَانِهِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ. (وَإِنْ الْتَحَمَ مَا) ؛ أَيْ: جُرْحٌ (أَرْشُهُ مُقَدَّرٌ) كَجَائِفَةٍ وَمُوضِحَةٍ وَمَا فَوْقَهَا وَلَوْ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ (لَمْ يَسْقُطْ) أَرْشُهُ؛ لِعَدَمِ النُّصُوصِ، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَخَالَفَ فِي " الْإِقْنَاعِ " هُنَا، فَجَعَلَهَا حُكُومَةً، وَوَافَقَ الْمُصَنِّفَ قَبْلَ بَابِ الشِّجَاجِ فَقَالَ: وَلَوْ الْتَحَمَتْ الْجَائِفَةُ وَالْمُوضِحَةُ وَمَا فَوْقَهَا عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ لَمْ يَسْقُطْ مُوجِبُهَا. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ الْتَزَمَهُ. [فَصْلٌ فِي دِيَةِ كَسْرِ الضِّلْع] فَصْلٌ: (وَفِي كَسْرِ ضِلْعٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِهَا (جُبِرَ مُسْتَقِيمًا) كَمَا كَانَ بِأَنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهُ (بَعِيرٌ، وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَالضِّلْعِ إذَا جُبِرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 مُسْتَقِيمًا (تَرْقُوَةٌ) بِفَتْحِ التَّاءِ أُجْبِرَتْ، كَمَا كَانَتْ فَفِيهَا بَعِيرٌ نَصًّا، فَفِي التَّرْقُوَتَيْنِ بَعِيرٌ، أَيْ: لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: فِي الضِّلْعِ جَمَلٌ، وَفِي التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ وَالتَّرْقُوَةُ: الْعَظْمُ الْمُسْتَدِيرُ حَوْلَ الْفَتْقِ مِنْ ثُغْرَةِ النَّحْرِ إلَى الْكَتِفِ لِكُلِّ إنْسَانٍ تَرْقُوَتَانِ (وَإِلَّا) يُجْبَرْ الضِّلْعُ وَالتَّرْقُوَةُ مُسْتَقِيمَيْنِ (فَ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (حُكُومَةٌ) وَتَأْتِي. (وَفِي كَسْرِ كُلِّ) عَظْمٍ (مِنْ زَنْدٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ (وَ) مِنْ (عَضُدٍ وَفَخِذٍ وَسَاقٍ وَذِرَاعٍ جُبِرَ مُسْتَقِيمًا وَهُوَ السَّاعِدُ الْجَامِعُ لِعَظْمِ الزَّنْدِ) بَعِيرَانِ نَصًّا، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ: فِي أَحَدِ الزَّنْدَيْنِ إذَا كُسِرَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: أَنَّ فِيهِ بَعِيرَيْنِ، وَإِذَا كُسِرَ الزَّنْدَانِ فَفِيهِمَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأُلْحِقَ بِالزَّنْدِ فِي ذَلِكَ بَاقِي الْعِظَامِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهَا مِثْلُهُ (وَفِيمَا عَدَا مَا ذُكِرَ مِنْ جُرْحٍ وَ) مِنْ (كَسْرِ عَظْمٍ كَ) كَسْرِ (خَرَزَةٍ صُلْبٍ وَ) كَسْرِ (عُصْعُصٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَقَدْ تُفْتَحُ الثَّانِيَةُ؛ أَيْ: عُجْبُ ذَنَبٍ (وَ) كَسْرِ (عَانَةٍ حُكُومَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا لَا مُقَدَّرَ فِيهَا (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الْحُكُومَةُ (أَنْ يُقَوَّمَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قِنٌّ لَا جِنَايَةَ بِهِ، ثُمَّ) يُقَوَّمَ (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الْجِنَايَةُ (بِهِ قَدْ بَرِئَتْ فَمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ) بِالْجِنَايَةِ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى جَانٍ (كَنِسْبَتِهِ) ؛ أَيْ: نَقْصِ الْقِيمَةِ (مِنْ الدِّيَةِ) فَيَجِبُ (فِيمَنْ قُوِّمَ) لَوْ كَانَ قِنًّا (صَحِيحًا بِعِشْرِينَ وَ) قُوِّمَ لَوْ كَانَ (مَجْنِيًّا عَلَيْهِ) تِلْكَ الْجِنَايَةَ (بِتِسْعَةَ عَشَرَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِنَقْصِهِ بِالْجِنَايَةِ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا، وَلَوْ قُوِّمَ سَلِيمًا بِسِتِّينَ، ثُمَّ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ بِخَمْسِينَ، فَفِيهِ سُدُسُ دِيَتِهِ؛ لِنَقْصِهِ بِالْجِنَايَةِ سُدُسَ قِيمَتِهِ. (وَلَا يُبْلَغُ بِحُكُومَةِ) جِنَايَةٍ فِي (مَحَلٍّ لَهُ) ؛ أَيْ: فِيهِ (مُقَدَّرٌ) شَرْعًا (مُقَدَّرَةً) ؛ أَيْ: مَا قُدِّرَ فِيهِ (فَلَا يُبْلَغُ بِهَا) ؛ أَيْ: الْحُكُومَةِ (أَرْشَ مُوضِحَةٍ فِي شَجَّةٍ دُونَهَا) كَالسِّمْحَاقِ (وَلَا) يُبْلَغُ بِحُكُومَةٍ (دِيَةَ أُصْبُعٍ أَوْ) دِيَةَ (أُنْمُلَةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 فِيمَا دُونَهُمَا) ؛ أَيْ: الْأُصْبُعِ وَالْأُنْمُلَةِ. وَلَا يُقَوَّمُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْرَأَ؛ لِيَسْتَقِرَّ الْأَرْشُ؛ (فَلَوْ لَمْ تُنْقِصْهُ الْجِنَايَةُ) حَالَ بُرْءٍ؛ (قُوِّمَ حَالَ جَرَيَانِ دَمٍ) ؛ لِئَلَّا تَذْهَبَ الْجِنَايَةُ عَلَى مَعْصُومٍ هَدْرًا (فَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهُ) الْجِنَايَةُ (أَيْضًا) ؛ أَيْ: حَالَ جَرَيَانِ دَمٍ (أَوْ زَادَتْهُ) الْجِنَايَةُ (حُسْنًا) ؛ لِقَطْعِ سَلْعَةٍ أَوْ ثُؤْلُولٍ (فَلَا شَيْءَ فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَقْصَ بِهَا. [بَابُ الْعَاقِلَةِ وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ مِنْ الدِّيَةِ] (وَهِيَ) أَيْ: الْعَاقِلَةُ (مَنْ غَرِمَ ثُلُثَ دِيَةِ ذَكَرٍ مُسْلِمٍ فَأَكْثَرَ) مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ (بِسَبَبِ جِنَايَةِ غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: الْغَارِمِ، سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ، يُقَالُ: عَقَلْتُ فُلَانًا إذَا أَعْطَيْتُ دِيَتَهُ، وَعَقَلْتُ عَنْ فُلَانٍ إذَا غَرِمْت عَنْهُ دِيَةَ جِنَايَةٍ، وَأَصْلُهُ مِنْ عَقْلِ الْإِبِلِ وَهِيَ الْحِبَالُ الَّتِي تُثْنَى بِهَا أَيْدِيهَا ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَقِيلَ مِنْ الْعَقْلِ؛ أَيْ: الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ عَنْ الْقَاتِلِ، أَوْ؛ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ لِسَانَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، وَلَمَّا عَرَّفَ الْعَاقِلَةَ بِالْحُكْمِ الْمُنْتَقَدِ بِالدَّوْرِ؛ احْتَاجَ إلَى دَفْعِهِ فَقَالَ: (وَعَاقِلَةُ جَانٍ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (ذُكُورُ عَصَبَتِهِ نَسَبًا) كَالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَالْأَعْمَامُ كَذَلِكَ (وَوَلَاءً) كَالْمُعْتَقِ وَعَصَبَتِهِ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ، قَرِيبِهِمْ وَبَعِيدِهِمْ، حَاضِرِهِمْ وَغَائِبِهِمْ، صَحِيحِهِمْ وَمَرِيضِهِمْ، وَلَوْ هَرَمًا وَزَمِنًا وَأَعْمَى (لَكِنْ يَعْقِلُ عَنْ مُعْتَقَةٍ عَصَبَتُهَا الذُّكُورُ) وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ؛ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ مِيرَاثَهَا لَبِنْتَيْهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 أَنْ يَعْقِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ عَصَبَتُهَا مَنْ كَانُوا، وَلَا يَرِثُونَ مِنْهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهَا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. (وَيَعْقِلُ عَمُودُ نَسَبِهِ) آبَاؤُهُ وَإِنْ عَلَوْا بِمَحْضِ الذُّكُورِ، وَأَبْنَاؤُهُ وَإِنْ نَزَلُوا بِمَحْضِ الذُّكُورِ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ الْعَصَبَاتِ بِمِيرَاثِهِ، فَكَانُوا أَوْلَى بِتَحَمُّلِ عَقْلِهِ (وَ) يَعْقِلُ عَنْهُ الْجَانِي (مَنْ بَعُدَ) مِنْ ذُكُورِ عَصَبَتِهِ كَابْنِ ابْنِ ابْنِ عَمِّ جَدِّهِ؛ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْعَاقِلَةِ كَوْنُهُمْ وَارِثِينَ حَالَ الْعَقْلِ بَلْ مَتَى كَانُوا يَرِثُونَ لَوْلَا الْحَجْبُ عَقَلُوا؛ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ أَشْبَهَ سَائِرَ الْعَصَبَاتِ، يُحَقِّقُهُ: أَنَّ الْعَقْلَ مَوْضُوعٌ عَلَى التَّنَاصُرِ وَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ، فَاسْتَوَى قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ فِي الْعَقْلِ، وَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُهُ: «لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ» ؛ أَيْ: إثْمُ جِنَايَتِك لَا يَتَخَطَّاك إلَيْهِ، وَإِثْمُ جِنَايَتِهِ لَا يَتَخَطَّاهُ إلَيْك؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَلَيْسَ مِنْ الْعَاقِلَةِ الزَّوْجُ وَلَا الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ وَهُوَ الْعَتِيقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ، وَلَا مَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَهُوَ الَّذِي يُوَالِي رَجُلًا يَجْعَلُ لَهُ وَلَاءَهُ وَنُصْرَتَهُ؛ لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَلَا الْحَلِيفُ الَّذِي يُحَالِفُ آخَرَ عَلَى التَّنَاصُرِ، وَلَا الْعَدِيدُ وَهُوَ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ يَنْضَمُّ إلَى عَشِيرَةٍ فَيُعَدُّ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ (لَكِنْ لَوْ عُرِفَ نَسَبُهُ) ؛ أَيْ: الْقَاتِلِ (مِنْ قَبِيلَتِهِ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيْ بُطُونِهَا) هُوَ (لَمْ يَعْقِلُوا) ؛ أَيْ: رِجَالُ الْقَبِيلَةِ (عَنْهُ) فَلَوْ قَتَلَ قُرَشِيٌّ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ بُطُونِ قُرَيْشٍ لَمْ تَعْقِلْ قُرَيْشٌ عَنْهُ، كَمَا لَا يَرِثُونَهُ؛ لِتَفَرُّقِهِمْ وَصَيْرُورَةِ كُلِّ قَوْمٍ مِنْهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى أَبٍ أَدْنَى يَتَمَيَّزُونَ بِهِ، وَلَا مَدْخَلَ لِأَهْلِ الدِّيوَانِ فِي الْمُعَاقَلَةِ، فَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْ دِيوَانٍ لَهُمْ لَمْ يَعْقِلُوا عَنْهُ كَأَهْلِ مَحَلَّتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ. (وَيَعْقِلُ) عَصَبَةُ (هَرِمٍ) غَنِيٍّ (وَزَمِنٍ) غَنِيٍّ (وَأَعْمَى) غَنِيٍّ (وَغَائِبٍ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 غَنِيٍّ (كَضِدِّهِمْ) ؛ أَيْ: كَشَابٍّ وَصَحِيحٍ وَبَصِيرٍ وَحَاضِرٍ؛ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي التَّعْصِيبِ؛ وَكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمُسَاوَاةِ. . وَ (لَا) يَعْقِلُ (فَقِيرٌ وَلَوْ) كَانَ (مُعْتَمِلًا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمُوَاسَاةِ كَالزَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفٌ عَنْ الْقَاتِلِ، فَلَا يَجُوزُ التَّثْقِيلُ عَلَى الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهُ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ (بَلْ) يَعْقِلُ (الْمُوسِرُ وَهُوَ هُنَا مَنْ مَلَكَ نِصَابًا عِنْدَ حُلُولِ حَوْلٍ فَاضِلًا عَنْهُ كَحَجٍّ وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ) (وَلَا) يَعْقِلُ (صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْمُعَاضَدَةِ (أَوْ امْرَأَةٌ) وَلَوْ مُعْتَقَةً (أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٌ) ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً (أَوْ قِنٌّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ (أَوْ مُبَايِنٌ لِدِينِ جَانٍ) ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا لِلنُّصْرَةِ، وَلَا نُصْرَةَ لِمُخَالِفٍ فِي دِينِهِ (وَإِخْوَةٌ لِأُمٍّ أَوْ ذُو رَحِمٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ. (وَلَا تَعَاقُلَ بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ) ؛ لِانْقِطَاعِ التَّنَاصُرِ بَيْنَهُمَا (وَيَتَعَاقَلُ أَهْلُ ذِمَّةٍ اتَّحَدَتْ مِلَلُهُمْ) كَمَا يَتَوَارَثُونَ؛ وَلِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ كَالْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ؛ فَلَا تَعَاقُلَ كَمَا لَا تَوَارُثَ وَلَا يَعْقِلُ عَنْ الْمُرْتَدِّ أَحَدٌ لَا مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ فَخَطَؤُهُ فِي مَالِهِ. (وَخَطَأُ إمَامٍ وَ) خَطَأُ (حَاكِمٍ فِي حُكْمِهِمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ) لَا تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَيُجْحِفُ بِالْعَاقِلَةِ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْحَاكِمَ نَائِبَانِ عَنْ اللَّهِ، فَيَكُونُ أَرْشُ خَطَئِهِمَا فِي مَالِ اللَّهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لِلْإِمَامِ عَزْلُ نَفْسِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " الْمُبْدِعِ " وَ " التَّنْقِيحِ " وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ زَادَ سَوْطًا كَخَطَأٍ فِي حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ جَهْلِ الْإِمَامِ أَوْ الْحَاكِمِ حَمْلًا أَوْ بَانَ مَنْ حَكَمَا بِشَهَادَتِهِ غَيْرَ أَهْلٍ، فَإِنَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ كَخَطَأِ وَكِيلٍ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ مِنْهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ، بَلْ يَضَعُ عَلَى مُوَكِّلِهِ، أَوْ كَخَطَأِ وَكِيلٍ يَتَصَرَّفُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ كَالْوُزَرَاءِ، فَخَطَؤُهُ فِي حُكْمِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَخَطَؤُهُمَا) ؛ أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ (فِي غَيْرِ حُكْمٍ) كَرَمْيِهِمَا صَيْدًا فَيُصِيبَا آدَمِيًّا (عَلَى عَاقِلَتِهِمَا) كَخَطَأِ غَيْرِهِمَا. (وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ كَلَقِيطٍ أَوْ لَهُ) عَاقِلَةٌ (وَعَجَزَتْ عَنْ الْجَمِيعِ) أَيْ: جَمِيعِ مَا وَجَبَ بِجِنَايَتِهِ خَطَأً (فَالْوَاجِبُ) مِنْ الدِّيَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةً أَوْ كَانَتْ وَعَجَزَتْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا (أَوْ تَتِمَّتِهِ) إنْ عَجَزَتْ عَنْ بَعْضِهِ وَقَدَرَتْ عَلَى الْبَعْضِ (مَعَ كُفْرِ جَانٍ عَلَيْهِ) فِي مَالِهِ حَالًّا (وَمَعَ إسْلَامِهِ) ؛ أَيْ: الْجَانِي؛ الْوَاجِبُ أَوْ تَتِمَّتُهُ (فِي بَيْتِ الْمَالِ حَالًّا) . «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَدَى الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ فِي بَيْتِ الْمَالِ» ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ؛ فَيَعْقِلُونَ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمَ عَاقِلَتِهِ. (وَتَسْقُطُ) الدِّيَةُ (بِتَعَذُّرِ أَخْذٍ مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ وَجَبَتْ فِيهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ عَنْدَ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ " وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ ابْتِدَاءً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا غَيْرُهُمْ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَحَمُّلُهُمْ وَلَا رِضَاهُمْ بِهَا، فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ عَدِمَ الْقَاتِلُ، وَحَيْثُ سَقَطَتْ الدِّيَةُ بِتَعَذُّرِ أَخْذِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَ (لَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ) أَيْضًا؛ لِعَجْزِهَا عَنْ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا مِنْ الدِّيَةِ؛ وَهُوَ رِوَايَةٌ حَكَاهَا صَاحِبُ الْفُرُوعِ ". (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهَا (لَوْ أَيْسَرَتْ) الْعَاقِلَةُ (بَعْدَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: بَعْدَ عَجْزِهَا؛ وَسُقُوطِ الدِّيَةِ عَنْهَا بِالْعَجْزِ (أُخِذَتْ) الدِّيَةُ (مِنْهَا) كَامِلَةً لِئَلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 يَضِيعَ دَمُ الْمُسْلِمِ هَدْرًا، وَهَذَا (مُتَّجِهٌ) . وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ أَخْذُ الدِّيَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَتَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ (وَلَا يَسْقُطُ مَا وَجَبَ عَلَى جَانٍ وَلَوْ عَجَزَ عَنْهُ) فِي رِوَايَةٍ. قَالَ: فِي " الْمُقْنِعِ ": وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ دَمِ الْأَحْرَارِ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ؛ فَإِنَّهُ لَا تَكَادُ تُوجَدُ عَاقِلَةٌ تَحْمِلُ الدِّيَةَ كُلَّهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَخْذِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَتَضِيعُ الدِّمَاءُ، وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ، ثُمَّ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَإِنْ سَلَّمْنَا وُجُوبَهَا عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً لَكِنْ مَعَ وُجُودِهِمْ كَمَا قَالُوا فِي الْمُرْتَدِّ: يَجِبُ أَرْشُ خَطَئِهِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ تَحْمِلُهَا وَعَجَزَ، هَذَا الِاتِّجَاهُ فِيهِ مَا فِيهِ وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ (وَمَنْ تَغَيَّرَ دِينُهُ) بِأَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ (أَوْ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ) عَنْ مَوَالِي أُمِّهِ لِمُعْتِقِ أَبِيهِ (وَقَدْ رَمَى) صَيْدًا (ثُمَّ أَصَابَ) آدَمِيًّا، فَقَتَلَهُ (بَعْدَ تَغْيِيرِ دِينِهِ أَوْ) بَعْدَ (انْجِرَارِ وَلَائِهِ) بِعِتْقِ أَبِيهِ (فَالْوَاجِبُ) مِنْ الدِّيَةِ (فِي مَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 قَتَلَ مَعْصُومًا، تَعَذَّرَ حَمْلُ عَاقِلَتِهِ عَقْلَهُ؛ فَوَجَبَ عَلَى قَاتِلِهِ، وَلَا يَعْقِلُهُ عَصَبَةُ الْقَاتِلِ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا حَالَ رَمْيِهِ وَلَا الْمُعَاهَدُونَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ إلَّا وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ لَا يَعْقِلُهُ مَوَالِي أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ حِينَ كَانَ تَابِعًا لَهَا فِي الْوَلَاءِ وَلَا مَوْلَى أَبِيهِ؛ لِجِنَايَتِهِ قَبْلَ انْجِرَارِ الْوَلَاءِ إلَيْهِ؛ فَتَعَيَّنَ عَقْلُهُ عَنْ نَفْسِهِ. (وَإِنْ تَغَيَّرَ دِينُ جَارِحٍ) بِأَنْ جَرَحَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ تَغَيَّرَ دِينُهُ، أَوْ وَهُوَ ذِمِّيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ (أَوْ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ) لِمُعْتِقِ أَبِيهِ (حَالَتَيْ جُرْحٍ وَزُهُوقِ) رُوحِ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ (حَمَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ) ؛ أَيْ: الْجَارِحِ (حَالَ جُرْحٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ بَعْدَ الْجُرْحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَخَالَفَ فِي " الْإِقْنَاعِ " فَجَعَلَ أَرْشَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا انْجَرَّ الْوَلَاءُ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ. [فَصْلٌ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَجَبَ فِيهِ قَوَدٌ] فَصْلٌ: (وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا) وَجَبَ فِيهِ قَوَدٌ أَوْ لَا كَجَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ، (وَلَا) تَحْمِلُ (صُلْحَ إنْكَارٍ، وَلَا تَحْمِلُ اعْتِرَافًا بِأَنْ يُقِرَّ) جَانٍ (عَلَى نَفْسِهِ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ تُوجِبُ ثُلُثَ دِيَةٍ فَأَكْثَرَ وَتُنْكِرُ الْعَاقِلَةُ، وَلَا تَحْمِلُ قِيمَةَ دَابَّةٍ أَوْ قِيمَةَ قِنٍّ أَوْ قِيمَةَ طَرَفِهِ، وَلَا تَحْمِلُ جِنَايَتَهُ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 الْقَاتِلَ عَمْدًا غَيْرُ مَعْذُورٍ؛ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُوَاسَاةَ وَلَا التَّخْفِيفَ؛ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ يَثْبُتُ بِفِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ كَالِاعْتِرَافِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي مُوَاطَأَةِ الْمُقَرِّ لَهُمْ بِالْقَتْلِ؛ لِيَأْخُذُوا الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَتِهِ، فَيُقَاسِمُهُمْ إيَّاهَا؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ يَضْمَنُ ضَمَانَ الْمَالِ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْأَمْوَالِ. (وَلَا) تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ (مَا دُونَ ثُلُثِ دِيَةِ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ) كَثَلَاثِ أَصَابِعَ وَأَرْشِ مُوضِحَةٍ؛ لِقَضَاءِ عُمَرَ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ شَيْئًا يَبْلُغُ عَقْلَ الْمَأْمُومَةِ؛ وَلِأَنَّ أَصْلَ الضَّمَانِ عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ، خُولِفَ فِي ثُلُثِ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ؛ لِإِجْحَافِهِ بِالْجَانِي لِكَثْرَتِهِ؛ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (إلَّا غُرَّةَ جَنِينٍ مَاتَ مَعَ أُمِّهِ أَوْ مَاتَ بَعْدَهَا) ؛ أَيْ: أُمِّهِ (بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ) فَتَحْمِلُ الْغُرَّةَ تَبَعًا لِدِيَةِ الْأُمِّ نَصًّا؛ لِاتِّحَادِ الْجِنَايَةِ، وَلَا تَحْمِلُ الْغُرَّةَ إنْ مَاتَ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ أُمِّهِ، أَوْ مَاتَ (قَبْلَهَا) ؛ أَيْ: أُمِّهِ بِأَنْ أَجْهَضَتْهُ مَيِّتًا، ثُمَّ مَاتَتْ، وَلَوْ اتَّحَدَتْ الْجِنَايَةُ؛ لِنَقْصِ مَا وَجَبَ فِي الْجَنِينِ مِنْ الْغُرَّةِ عَنْ الثُّلُثِ، وَلَا تَبَعِيَّةَ لِمَوْتِهِ قَبْلَهَا. (وَتَحْمِلُ) الْعَاقِلَةُ (شِبْهَ عَمْدٍ، وَ) تَحْمِلُ (خَطَأً) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ» وَتَقَدَّمَ. وَلِأَنَّهُ نَوْعُ قَتْلٍ لَا يُوجِبُ قِصَاصًا " مُؤَجَّلًا " مَا وَجَبَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُ دِيَةِ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ، وَلَوْ أَنَّ الْمَقْتُولَ امْرَأَةٌ) أَوْ كِتَابِيٌّ يَعْنِي يَجِبُ ثُلُثَاهَا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَبَاقِيهَا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الثَّانِي. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ. وَكَوْنُ دِيَةِ الذَّكَرِ الْمُسْلِمِ تُؤْخَذُ مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَضَيَا بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ " وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي عَصْرِهِمَا؛ وَلِأَنَّهَا تَحْمِلُهُ مُوَاسَاةً، فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ تَخْفِيفَهُ عَلَيْهَا. (وَيَجْتَهِدُ حَاكِمٌ فِي تَحْمِيلِ) كُلٍّ مِنْ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، فَرَجَعَ فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 إلَى اجْتِهَادِهِ كَتَقْدِيرِ النَّفَقَةِ (فَيُحَمِّلُ) الْحَاكِمُ (كُلًّا) مِنْهُمْ (مَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ وَلَا يَشُقُّ) ؛ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِلْقَاتِلِ، وَالتَّخْفِيفِ عَنْهُ، وَلَا يُخَفَّفُ عَنْ الْجَانِي مَا يُثَقَّلُ عَلَى غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْإِجْحَافَ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا كَانَ الْجَانِي أَحَقَّ بِهِ (وَيَبْدَأُ) الْحَاكِمُ (بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَإِرْثٍ، لَكِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْآبَاءِ، ثُمَّ الْأَبْنَاءِ ثُمَّ الْإِخْوَةِ) يُقَدِّمُ مَنْ يُدْلِي بِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِأَبٍ، ثُمَّ بَنِي الْإِخْوَةِ كَذَلِكَ، ثُمَّ الْأَعْمَامَ ثُمَّ بَنِيهِمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَعْمَامَ الْأَبِ ثُمَّ بَنِيهِمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَعْمَامَ الْجَدِّ ثُمَّ بَنِيهِمْ كَذَلِكَ (وَهَكَذَا) أَبَدًا حَتَّى تَنْقَرِضَ عَصَبَةُ النَّسَبِ، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَلَى عَصَبَاتِهِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَالْمِيرَاثِ (وَلَا يَعْدِلُ لِلْأَبْعَدِ إلَّا إنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ (مَالُ الْأَقْرَبِ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يُسْتَحَقُّ بِالتَّعْصِيبِ فَقُدِّمَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَالْمِيرَاثِ؛ وَلِأَنَّ الْأَقْرَبَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا تَعَلَّقَتْ الدِّيَةُ بِمَنْ يَلِيهِ، فَكَذَا إذَا تَحَمَّلَ الْأَقْرَبُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ (لَكِنْ تُؤْخَذُ) الدِّيَةُ (مِنْ بَعِيدٍ لِغَيْبَةِ قَرِيبٍ) لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْبَعِيدِ إذَا كَانَ الْقَرِيبُ غَائِبًا (مَسَافَةَ قَصْرٍ) أَمَّا لَوْ كَانَ دُونَ الْمَسَافَةِ فَحُكْمُهُ كَالْحَاضِرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْقُرْبِ وَكَثُرُوا) كَالْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (وَزَّعَ الْوَاجِبَ بَيْنَهُمْ) كَالْمِيرَاثِ (وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَنْ) يَعْقِلُ (وَارِثًا فِي الْحَالِ) ؛ أَيْ: حَالِ الْعَقْلِ (بَلْ مَتَى كَانَ يَرِثُ لَوْلَا الْحَجْبُ عَقَلَ) ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ. [فَائِدَةٌ عَاقِلَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَالْمَنْفِيِّ بِلِعَانٍ عَصَبَةُ أُمِّهِ] ِ؛ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةُ الْوَارِثِينَ لَهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 (وَمَا أَوْجَبَ ثُلُثَ دِيَةٍ فَقَطْ كَجَائِفَةٍ أُخِذَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ) ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ حَالًّا، (وَ) مَا أَوْجَبَ (ثُلُثَيْهَا) ؛ أَيْ: كَجَائِفَةٍ مَعَ مَأْمُومَةٍ (فَأَقَلَّ) كَدِيَةِ امْرَأَةٍ وَعَيْنٍ وَيَدٍ مِنْ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (أُخِذَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ ثُلُثُ) دِيَةٍ، (وَ) أُخِذَتْ (التَّتِمَّةُ) مِنْ الْوَاجِبِ (فِي رَأْسِ) حَوْلٍ (آخَرَ) رِفْقًا بِالْعَاقِلَةِ. (وَإِنْ زَادَ الْوَاجِبُ عَلَى ثُلُثَيْ الدِّيَةِ) وَلَمْ يَبْلُغْ دِيَةً كَامِلَةً كَأَرْشِ سَبْعِ أَصَابِعَ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ (أُخِذَ رَأْسَ كُلِّ حَوْلٍ ثُلُثُ دِيَةٍ وَ) أُخِذَتْ (التَّتِمَّةُ) مِنْ الْوَاجِبِ (فِي رَأْسِ) حَوْلٍ (ثَالِثٍ) . (وَإِنْ أَوْجَبَ) خَطَأٌ أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ (دِيَةً أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ دِيَةٍ كَامِلَةٍ (بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ كَضَرْبَةٍ أَذْهَبَتْ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَفِي سِتِّ سِنِينَ) فَيُؤْخَذُ مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي (كُلِّ حَوْلٍ ثُلُثُ دِيَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَوْ كَانَ دُونَ الدِّيَةِ لَمْ يَنْقُصْ فِي السَّنَةِ عَنْ الثُّلُثِ، فَكَذَا لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَتْ الضَّرْبَةُ الْأُمَّ وَجَنِينَهَا بَعْدَ مَا اسْتَهَلَّ لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ؛ فَفِيهِمَا دِيَتُهَا وَدِيَةُ الْجَنِينِ، لَمْ يَزِدْ فِي كُلِّ حَوْلٍ عَلَى ثُلُثِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا كَالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ. (وَ) إنْ ذَهَبَ السَّمْعُ، وَالْبَصَرُ وَنَحْوُهُمَا (بِجِنَايَتَيْنِ) بِأَنْ ضَرَبَهُ فَأَذْهَب سَمْعَهُ، ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ فَأَذْهَبَ بَصَرَهُ؛ فَدِيَتُهُمَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ (أَوْ قَتَلَ اثْنَيْنِ) وَلَوْ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ (فَدِيَتُهُمَا تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) ؛ لِانْفِرَادِ كُلٍّ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ بِحُكْمِهِ. (وَابْتِدَاءُ حَوْلِ قَتْلٍ مِنْ) حِينِ (زُهُوقِ) رُوحٍ، (وَ) ابْتِدَاءً حَوْلٍ فِي (جُرْحٍ مِنْ بُرْءٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِقْرَارِ. (وَلَا دِيَةَ لِسِنٍّ وَظُفْرٍ وَمَنْفَعَةٍ) مِنْ الْمَنَافِعِ (إلَّا إنْ أَيِسَ مِنْ عَوْدِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ صَارَ) مِنْ الْعَاقِلَةِ (أَهْلًا عِنْدَ الْحَوْلِ كَصَبِيٍّ بَلَغَ) وَفَقِيرٍ اسْتَغْنَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 (وَمَجْنُونٍ أَفَاقَ؛ لَزِمَهُ) مَا كَانَ يَلْزَمُهُ مَا كَانَ كَذَلِكَ جَمِيعَ الْحَوْلِ؛ لِوُجُودِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ. (وَإِنْ حَدَثَ بِهِ مَانِعٌ بَعْدَ الْحَوْلِ) كَأَنْ جُنَّ فَعَلَيْهِ (قِسْطُهُ) ؛ أَيْ: ذَلِكَ الْحَوْلِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ، (وَ) إنْ حَدَثَ بِهِ (قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: بِالْحَوْلِ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ مَعَهُ (سَقَطَ) قِسْطُ ذَلِكَ الْحَوْلِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ مُوَاسَاةً فَسَقَطَ بِحُدُوثِ الْمَانِعِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ. [بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ] الْكَفَّارَةُ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكَفْرِ، وَهُوَ السَّتْرُ؛ لِأَنَّهُ غَطَّى الذَّنْبَ وَسَتَرَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِجْمَاعُ، وَسَنَدَهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92] الْآيَةَ، فَذَكَرَ فِي الْآيَةِ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ: إحْدَاهُنَّ: بِقَتْلِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ خَطَأً. الثَّانِيَةُ: بِقَتْلِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إيمَانُهُ. الثَّالِثَةُ: بِقَتْلِ الْمُعَاهَدِ وَهُوَ الذِّمِّيُّ. (تَلْزَمُ) الْكَفَّارَةُ (كَامِلَةً فِي مَالِ قَاتِلٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ) الْقَتْلَ بِأَنْ قَتَلَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ؛ لِلْآيَةِ وَأُلْحِقَ بِالْخَطَأِ شِبْهُ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، بِخِلَافِ الْعَمْدِ الْمَحْضِ (وَلَوْ كَانَ) الْقَاتِلُ (كَافِرًا أَوْ قِنًّا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ، أَشْبَهَتْ الدِّيَةَ، وَأَيْضًا هِيَ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ أَشْبَهَتْ الزَّكَاةَ (أَوْ إمَامًا فِي خَطَأٍ يَحْمِلُهُ بَيْتُ الْمَالِ أَوْ مُشَارِكًا) فِي الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ (قَتْلِ آدَمِيٍّ) ، فَوَجَبَ إكْمَالُهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِيهِ كَالْقِصَاصِ، (وَسَوَاءٌ قَتَلَ بِمُبَاشَرَةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 أَوْ بِسَبَبٍ) كَنَصْبِ سِكِّينٍ تَعَدِّيًا، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ بِهَا (بَعْدَ مَوْتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُتَسَبِّبِ (كَشَهَادَةِ زُورٍ، وَحَفْرِ بِئْرٍ تَعَدِّيًا نَفْسًا) مَفْعُولٌ لِقَاتِلِ (مُحَرَّمَةً، وَلَوْ نَفْسَهُ) ؛ أَيْ: الْقَاتِلِ (أَوْ) نَفْسَ (قِنِّهِ) ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] (أَوْ) كَانَ الْمَقْتُولُ (مُسْتَأْمَنًا) ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ قُتِلَ ظُلْمًا، أَشْبَهَ الْمُسْلِمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] " (أَوْ) كَانَ الْقَتِيلُ (جَنِينًا) بِأَنْ ضَرَبَ بَطْنَ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مُحَرَّمَةٌ، وَلَا كَفَّارَةَ؛ بِإِلْقَاءِ مُضْغَةٍ لَمْ تَتَصَوَّرْ (غَيْرَ أَسِيرٍ حَرْبِيٍّ يُمْكِنُهُ) ؛ أَيْ: الَّذِي أَسَرَهُ (أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُهُ، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، (وَغَيْرَ نِسَاءِ) أَهْلِ (حَرْبٍ وَذُرِّيَّتِهِمْ) غَيْرَ (مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ) ؛ أَيْ: دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ؛ فَيَحْرُمُ قَتْلُهُمْ وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 92] الْآيَةَ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا أَمَانَ لَهُمْ وَلَا إيمَانَ، وَالْمَنْعُ مِنْ قَتْلِهِمْ؛ لِلِافْتِئَاتِ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ انْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ؛ أَوْ لِعَدَمِ الدَّعْوَةِ؛ وَلِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَضْمُونِينَ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ، أَشْبَهُوا مُبَاحَ الدَّمِ. وَ (لَا) كَفَّارَةَ (عَلَى قَاتِلِ نَفْسٍ مُبَاحَةٍ كَبَاغٍ وَمُرْتَدٍّ، وَزَانٍ مُحْصَنٍ) وَمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ لِلْمُحَارَبَةِ، وَ (لَا) كَفَّارَةَ فِي (الْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا أَوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ) لِصَوْلِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ لِمَحْوِ الْمَأْذُونِ بِهِ، وَهُوَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؛ لِلْآيَةِ وَلَا إطْعَامَ فِيهَا. (وَيُكَفِّرُ قِنٌّ بِصَوْمٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ يَعْتِقُ مِنْهُ (وَيُكَفِّرُ مِنْ مَالِ غَيْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 مُكَلَّفٍ فِيهِ) كَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ (وَلِيُّهُ) فَيَعْتِقُ مِنْهُ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ الصَّوْمِ مِنْهُمَا، وَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ وَيُكَفِّرُ سَفِيهٌ كَمُفْلِسٍ بِصَوْمٍ. (وَتَتَعَدَّدُ) الْكَفَّارَةُ (بِتَعَدُّدِ مَقْتُولٍ) كَتَعَدُّدِ الدِّيَةِ بِذَلِكَ؛ لِقِيَامِ كُلِّ قَتِيلٍ بِنَفْسِهِ، وَعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِغَيْرِهِ. (وَ) تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ (بِتَعَدُّدِ شُرَكَاءَ فِي قَتْلٍ) فَلَوْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ شَخْصًا لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ عَلَى حِدَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، مَضْمُونًا كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَقْتُولٌ ظُلْمًا، فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَالْمُسْلِمِ. (وَتُجْزِئُ) الْكَفَّارَةُ؛ أَيْ. إخْرَاجُهَا (بَعْدَ جُرْحٍ وَقَبْلَ مَوْتٍ) كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. (وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمًا، فَارْتَدَّ، وَمَاتَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْجُرْحِ (فَعَلَى جَارِحِهِ كَفَّارَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ حَالَ الْجُرْحِ كَانَ مُسْلِمًا. [تَتِمَّةٌ لَا كَفَّارَةَ فِي قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ قَتْلِ بَهِيمَةٍ] : وَلَا كَفَّارَةَ فِي قَطْعِ طَرَفٍ كَأَنْفٍ وَيَدٍ، وَلَا فِي قَتْلِ بَهِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهَا وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ. وَقَتْلُ الْخَطَأِ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا إبَاحَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَقَتْلِ الْمَجْنُونِ، لَكِنَّ النَّفْسَ الذَّاهِبَةَ بِهِ مَعْصُومَةٌ مُحَرَّمَةٌ؛ فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِيهَا. وَأَكْبَرُ الذُّنُوبِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ثُمَّ الْقَتْلُ ثُمَّ الزِّنَا، لِلْخَبَرِ. [بَابُ الْقَسَامَةِ] (الْقَسَامَةُ) بِفَتْحِ الْقَافِ (وَهِيَ) : اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ أَقْسَمَ إقْسَامًا وَقَسَامَةً. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَهُمْ الْقَوْمُ يُقْسِمُونَ فِي دَعْوَاهُمْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ صَاحِبَهُمْ، سُمُّوا قَسَامَةً بِاسْمِ الْمَصْدَرِ كَعَدْلٍ وَرِضًى، وَشَرْعًا: (أَيْمَانٌ مُكَرَّرَةٌ فِي دَعْوَى قَتْلِ مَعْصُومٍ) لَا نَحْوِ مُرْتَدٍّ وَلَوْ جَرَحَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 مُسْلِمًا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي " الْمَعَارِفِ: " أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِالْقَسَامَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِسْلَامِ. انْتَهَى. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَنْصَارِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. (فَلَا تَكُونُ) الْقَسَامَةُ (فِي) دَعْوَى (قَطْعِ طَرَفٍ وَ) لَا فِي (جُرْحٍ) ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي النَّفْسِ؛ لِحُرْمَتِهَا فَاخْتَصَّتْ بِهَا كَالْكَفَّارَةِ. [شُرُوطُ صِحَّةِ الْقَسَامَة] (وَشُرُوطُ صِحَّتِهَا عَشَرَةٌ) : أَحَدُهَا: (تَكْلِيفُ قَاتِلٍ) ؛ أَيْ: مُدَّعًى عَلَيْهِ الْقَتْلَ؛ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي (إمْكَانُ قَتْلٍ مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا يُمْكِنْهُ أَنْ يَقْتُلَ كَمَرِيضٍ وَزَمِنٍ لَمْ تَصِحَّ عَلَيْهِ دَعْوَى، كَبَقِيَّةِ الدَّعَاوَى، وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ الْقَتْلِ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ مِنْ بَلَدِ الْمَقْتُولِ لَا يُمْكِنُ مَجِيئُهُ مِنْهُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؛ بَطَلَتْ الدَّعْوَى قَالَهُ الشَّارِحُ (وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ: (طَلَبُ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ) ، فَلَا يَكْفِي طَلَبُ بَعْضِهِمْ؛ لِعَدَمِ انْفِرَادِهِ بِالْحَقِّ. . (وَ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ: (اتِّفَاقُهُمْ) أَيْ: جَمِيعِ الْوَرَثَةِ (عَلَى الدَّعْوَى) لِلْقَتْلِ فَلَا يَكْفِي عَدَمُ تَكْذِيبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، إذْ السَّاكِتُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ حُكْمٌ (وَ) الشَّرْطُ الْخَامِسُ: اتِّفَاقُهُمْ (عَلَى الْقَتْلِ) فَإِنْ أَنْكَرَ الْقَتْلَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَلَا قَسَامَةَ. (وَ) الشَّرْطُ السَّادِسُ: اتِّفَاقُهُمْ (عَلَى عَيْنِ الْقَاتِلِ) نَصًّا، فَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ: قَتَلَهُ زَيْدٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَتَلَهُ عَمْرٌو؛ فَلَا قَسَامَةَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَتَلَهُ زَيْدٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقْتُلْهُ زَيْدٌ، عَدْلًا كَانَ الْمُكَذِّبُ أَوْ فَاسِقًا؛ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِتَبْرِئَةِ زَيْدٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُ ابْنَيْ الْقَتِيلِ: قَتَلَهُ زَيْدٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَا أَعْلَمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 قَاتِلَهُ؛ فَلَا قَسَامَةَ كَمَا لَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ فِي الْأَيْمَانِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى. (وَ) الشَّرْطُ السَّابِعُ: (وَصْفُ الْقَتْلِ) ؛ أَيْ: أَنْ يَصِفَهُ الْمُدَّعِي (فِي الدَّعْوَى) كَأَنْ يَقُولَ جَرَحَهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ وَنَحْوِهِ فِي مَحَلِّ كَذَا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ خَنَقَهُ أَوْ ضَرَبَهُ بِنَحْوِ لُتٍّ فِي رَأْسِهِ وَنَحْوِهِ (فَلَا يُعْتَدُّ بِحَلِفٍ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ وَصْفِ مُدَّعِي الْقَتْلِ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى. (وَ) الشَّرْطُ (الثَّامِنُ: اللَّوْثُ وَهُوَ: الْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ وُجِدَ مَعَهَا) ؛ أَيْ: الْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ (أَثَرُ قَتْلٍ) كَدَمٍ فِي أُذُنِهِ أَوْ أَنْفِهِ (أَوْ لَا لِحُصُولِ الْقَتْلِ بِمَا لَا أَثَرَ لَهُ) كَضَمِّ الْوَجْهِ وَالْخَنْقِ وَعَصْرِ الْخُصْيَتَيْنِ،؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْأَلْ الْأَنْصَارَ هَلْ بِقَتِيلِهِمْ أَثَرٌ أَوْ لَا؟ (وَلَوْ) كَانَتْ الْعَدَاوَةُ (مَعَ سَيِّدِ مَقْتُولٍ) ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِدَمِهِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فِي ذَلِكَ كَالْقِنِّ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مَعْصُومَةٌ أَشْبَهَ الْحُرَّ، وَالْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ (نَحْوَ مَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ) ، وَمَا بَيْنَ الْقَبَائِلِ الَّتِي يَطْلُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِثَأْرٍ وَمَا بَيْنَ الْبُغَاةِ وَأَهْلِ الْعَدْلِ، وَمَا بَيْنَ الشُّرْطَةِ كَفِرْقَةٍ وَاللُّصُوصِ. (وَ) كَذَلِكَ (أَهْلُ الْقُرَى) مِنْ أَعْمَالِ نَابُلُسَ وَالْخَلِيلِ وَنَحْوِهِمْ (بَيْنَهُمْ الدِّمَاءُ وَالْحُرُوبُ) وَلَا يُشْتَرَطُ مَعَ اللَّوْثِ أَنْ لَا يَكُونَ بِمَوْضِعِ الْقَتْلِ غَيْرُ الْعَدُوِّ نَصًّا «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْأَلْ الْأَنْصَارَ هَلْ كَانَ بِخَيْبَرَ غَيْرُ الْيَهُودِ أَوْ لَا» مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُ غَيْرِهِمْ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَمْلَاكًا لِلْمُسْلِمِينَ يَقْصِدُونَهَا؛ لِاسْتِغْلَالِهَا. تَنْبِيهٌ: سَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ قَتِيلٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ قَالَ: هَذَا قَسَامَةٌ، قَالَ الْمَرْوَزِيِّ: احْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عُمَرَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الْحَيِيَّيْنِ قَالَ: أَيُّهُمَا كَانَ أَقْرَبَ فَخُذْهُمْ بِهِ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذُرِعَ مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إلَى إحْدَاهُمَا أَقْرَبُ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى شِبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 فَقَالَ لَهُ أَلْقِهِ عَلَى أَقْرَبِهِمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. (وَلَيْسَ مُغَلِّبٌ) اسْمُ فَاعِلٍ (عَلَى الظَّنِّ؛ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى) ؛ أَيْ: دَعْوَى الْقَتْلِ (بِلَوْثِ تَفَرُّقِ جَمَاعَةٍ عَنْ قَتِيلٍ وَوُجُودِهِ) ؛ أَيْ: الْقَتِيلِ (عِنْدَ مَنْ مَعَهُ مُحَدَّدٌ مُلَطَّخٌ بِدَمٍ، وَشَهَادَةِ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِمْ قَتْلٌ كَصِبْيَانٍ وَنِسَاءٍ) وَأَهْلِ فِسْقٍ. وَكَذَلِكَ لَيْسَ بِلَوْثٍ لَوْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ عَدْلٌ وَاحِدٌ وَفَسَقَةٌ، أَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْقَتِيلَيْنِ، أَوْ شَهِدَا أَنْ الْقَتِيلَ قَتَلَهُ أَحَدُ هَذَيْنِ (أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ " قَتَلَهُ بِسَيْفٍ، وَقَالَ الْآخَرُ) : إنَّهُ قَتَلَهُ (بِسِكِّينٍ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ» الْخَبَرَ وَقَوْلُ الْقَتِيلِ: فُلَانُ قَتَلَنِي لَيْسَ بِلَوْثٍ؛ لِلْخَبَرِ (كَقَوْلِ مَجْرُوحٍ: فُلَانٌ جَرَحَنِي) وَأَمَّا قَوْلُ بَنْيِ إسْرَائِيلَ: فُلَانٌ قَتَلَنِي، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ قَسَامَةٌ؛ بَلْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُعْجِزَاتِهِ، ثُمَّ بَيَّنَهُ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ ذَلِكَ فِي تَبْرِئَةِ الْمُتَّهَمِينَ، فَلَا يَجُوزُ تَعْدِيَتُهُ إلَى تُهْمَةِ الْبَرِيئِينَ؛ لِأَنَّ اللَّوْثَ الْعَدَاوَةُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ مَعَ الْعَدَاوَةِ بِقَضِيَّةِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ. وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِالْمَظِنَّةِ، وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ فِي الْمَظَانِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يَتَعَدَّى بِتَعَدُّدِ سَبَبِهِ، وَالْقِيَاسُ فِي الْمَظَانِّ جَمْعٌ بِمُجَرَّدِ الْحِكْمَةِ وَغَلَبَةِ الظُّنُونِ، وَالْحُكْمِ بِالظُّنُونِ يَخْتَلِفُ وَلَا يَأْتَلِفُ، وَيَتَخَبَّطُ وَلَا يَنْضَبِطُ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ؛ فَلَا يُمْكِنُ رَبْطُ الْحُكْمِ بِهَا وَلَا تَعْدِيَتُهُ بِتَعَدِّيهَا؛ وَلِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي التَّعْدِيَةِ. وَالْقِيَاسُ التَّسَاوِي بَيْنَ الظَّنَّيْنِ؛ لِكَثْرَةِ الِاحْتِمَالَاتِ وَتَرَدُّدِهَا، وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. (وَمَتَى فُقِدَ) اللَّوْثُ (وَلَيْسَتْ الدَّعْوَى بِ) قَتْلٍ (عَمْدٍ) ؛ بِأَنْ كَانَتْ بِخَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ (حَلَفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً) وَبَرِئَ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى (وَلَا يَمِينَ فِي) دَعْوَى قَتْلِ (عَمْدٍ) مَعَ فَقْدِ لَوْثٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ (فَيُخَلَّى سَبِيلُهُ) ؛ أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلَ عَمْدًا حَيْثُ أَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ قَالَ الْخِرَقِيِّ: وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَشْهَرُ قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": لَمْ يَحْلِفْ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ (وَعَلَى رِوَايَةٍ قَوِيَّةٍ يَحْلِفُ) يَمِينًا وَاحِدَةً قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهِيَ الْأُولَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْقَوْلُ بِالْحَلِفِ هُوَ الْحَقُّ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ " " وَغَيْرِهِمَا (فَ) عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ (لَوْ نَكَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الدِّيَةِ) احْتِيَاطًا لِلدِّمَاءِ. . الشَّرْطُ التَّاسِعُ: كَوْنُهُ فِي الْوَرَثَةِ ذُكُورًا مُكَلَّفِينَ «؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْسِمُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» . وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ يَثْبُتُ بِهَا قَتْلُ الْعَمْدِ فَلَمْ تُسْمَعْ مِنْ النِّسَاءِ كَالشَّهَادَةِ؛ وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْمُدَّعَاةَ الَّتِي تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَيْهَا هِيَ الْقَتْلُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي إثْبَاتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الدِّيَةُ ضِمْنًا، فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى رَجُلٍ ادَّعَى زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ بَعْدَ مَوْتِهَا لِيَرِثَهَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الْمَالَ (وَلَا يَقْدَحُ غَيْبَةُ بَعْضِهِمْ) ؛ أَيْ: بَعْضِ الْوَرَثَةِ (وَلَا عَدَمُ تَكْلِيفِهِ) بِأَنْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا. (وَ) لَا يُقَدَّمُ (نُكُولُهُ) ؛ أَيْ: نُكُولُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَنْ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ حَقٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ؛ فَقِيَامُ الْمَانِعِ بِصَاحِبِهِ لَا يَمْنَعُ حَلِفَهُ وَاسْتِحْقَاقَ نَصِيبِهِ كَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا (فَلِذَكَرٍ حَاضِرٍ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْلِفَ بِقِسْطِهِ) مِنْ الْأَيْمَانِ (وَيَسْتَحِقُّ مِنْ الدِّيَةِ نَصِيبَهُ) كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ حَاضِرِينَ مُكَلَّفِينَ. (وَلِمَنْ قَدِمَ) مِنْ الْغَائِبِينَ (أَوْ كُلِّفَ) مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ بِأَنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ عَقَلَ الْمَجْنُونُ (أَنْ يَحْلِفَ بِقِسْطِ نَصِيبِهِ) مِنْ الْأَيْمَانِ (وَيَأْخُذَهُ) ؛ أَيْ: نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِبِنَائِهِ عَلَى أَيْمَانِ صَاحِبِهِ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا مُكَلَّفًا ابْتِدَاءً. (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى (: لِلْأَوْلِيَاءِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ) أَنْ زَيْدًا قَتَلَهُ (الْحَلِفُ) عَلَى ذَلِكَ، (وَلَوْ كَانُوا غَائِبِينَ عَنْ مَكَانِ الْقَتْلِ) ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تُقَارِبُ الْيَقِينَ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْأَنْصَارِ: تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» وَكَانُوا بِالْمَدِينَةِ وَالْقَتِيلُ بِخَيْبَرَ وَفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 بَعْضِ النُّسَخِ: (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ مِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: مَسْأَلَةُ الشَّهَادَةِ، وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُ قَضِيَّةٍ (أَنْ يَشْهَدَ بِخَبَرٍ مَنْ) ؛ أَيْ: ثِقَةٍ (ظَنَّ صِدْقَهُ) فِيهِ بِصِحَّةِ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ كَمَا لَوْ سَمِعَ إنْسَانًا يُقِرُّ بِنَسَبِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ، وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ سَكَتَ (وَاحْتَمَلَ) صِدْقُهُ كَكَوْنِ الْمُقِرِّ بِأُبُوَّةٍ أَوْ بُنُوَّةٍ يَحْتَمِلُ سِنُّهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": إذَا سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِصَبِيٍّ هَذَا ابْنِي جَازَ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِذَا سَمِعَ الصَّبِيُّ يَقُولُ: هَذَا أَبِي وَالرَّجُلُ يَسْمَعُهُ، فَسَكَتَ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ الشَّهَادَةَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا أُقِيمَ السُّكُوتُ مَقَامَ النُّطْقِ؛ لِأَنَّهُ الْإِقْرَارُ عَلَى الِانْتِسَابِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْأَبِ إقْرَارٌ، وَالْإِقْرَارُ يُثْبِتُ النَّسَبَ، فَجَازَتْ، الْفَاسِدُ لَا يَجُوزُ؛ بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعَاوَى، (وَلَوْ) كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ (الْمُدَّعِيَ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَيْثُ أَمْكَنَ يَغْلِبُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَحَيْثُ كَانَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ (فَمَنْ اشْتَرَى مِنْ إنْسَانٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 شَيْئًا، فَجَاءَ آخَرُ يَدَّعِيهِ فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي (الْحَلِفُ أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي لَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ (مِلْكُ الَّذِي بَاعَهُ) لَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ شَيْئًا بِخَطِّهِ أَوْ بِخَطِّ أَبِيهِ فِي دَفْتَرِهِ جَازَ أَنْ يَحْلِفَ إذَا عَلِمَ مِنْهُ الصِّدْقَ وَالْأَمَانَةَ، وَأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا حَقًّا. . الشَّرْطُ (الْعَاشِرُ: كَوْنُ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ لَا أَكْثَرَ، مُعَيَّنٍ لَا مُبْهَمٍ) «؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْأَنْصَارِيِّ: يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ» ؛ وَلِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ ضَعِيفَةٌ خُولِفَ فِي قَتْلِ الْوَاحِدِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، وَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ فِيمَا عَدَاهُ. وَبَيَانُ مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ بِهَا أَنَّهَا ثَبَتَتْ بِاللَّوْثِ شُبْهَةٌ مُغَلِّبَةٌ عَلَى الظَّنِّ صِدْقَ الْمُدَّعِي. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَلَوْ قَالُوا) ؛ أَيْ: وَرَثَةُ الْقَتِيلِ (قَتَلَهُ هَذَا مَعَ آخَرَ) فَلَا قَسَامَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ؛ (أَوْ) قَالُوا: قَتَلَهُ (أَحَدُهُمَا فَلَا قَسَامَةَ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مُعَيَّنٍ. (وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا) ؛ أَيْ: كَوْنُ الْقَسَامَةِ (بِقَتْلٍ عَمْدٍ) ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِهَا الْخَطَأُ كَالْعَمْدِ (وَيَجُوزُ الْقَوَدُ فِيهَا) ؛ أَيْ: فِي الْقَسَامَةِ (إذَا تَمَّتْ الشُّرُوطُ) الْعَشَرَةُ وَشُرُوطُ الْقَوَدِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ فَيُدْفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ» . وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «وَيُسَلَّمُ إلَيْكُمْ» وَالرُّمَّةُ: الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ مَنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ يَثْبُتُ بِهَا الْعَمْدُ فَيَجِبُ بِهَا الْقَوَدُ كَالْبَيِّنَةِ، قَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَادَ فِي الْقَسَامَةِ فِي الطَّائِفِ» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْبَدْءِ فِي الْقَسَامَةِ] فَصْلٌ (وَيُبْدَأُ فِيهَا) ؛ أَيْ: الْقَسَامَةِ (بِأَيْمَانِ ذُكُورِ عَصَبَتِهِ) ، أَيْ: الْقَتِيلِ (الْوَارِثِينَ) بَدَلٌ مِنْ الْعَصَبَةِ؛ أَيْ: بِذُكُورِ الْوَارِثِينَ عُدُولًا كَانُوا أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَ (لَا) يُبْدَأُ بِأَيْمَانِ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ: فَلَا يَمْلِكُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَنَا الَّذِي أَحْلِفُ مَعَ وُجُودِ ذَكَرٍ مِنْ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ وَمَعَ وُجُودِ شَرْطِ الْقَسَامَةِ؛ لِقِيَامِ أَيْمَانِهِمْ مَقَامَ بَيِّنَتِهِمْ هُنَا خَاصَّةً؛ لِلْخَبَرِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَصَبَةَ غَيْرَ الْوَارِثِ لَا يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ، لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا مِنْ الدَّمِ. وَلَا تَخْتَصُّ الْقَسَامَةُ بِالْعَصَبَةِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ، بَلْ بِذُكُورِ الْوَرَثَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. تَنْبِيهٌ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي إلَّا بَعْدَ الِاسْتِثْبَاتِ، وَغَلَبَةِ ظَنٍّ تُقَارِبُ الْيَقِينِ، وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعِظَهُمْ وَيَقُولَ لَهُمْ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاسْبُتُوا، وَيَقْرَأَ عَلَيْهِمْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ وَيُعَرِّفَهُمْ مَا فِي الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ مِنْ الْإِثْمِ وَإِنَّهَا تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا بِقَدْرِ إرْثِهِمْ) مِنْ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ ثَبَتَ تَبَعًا لِلْمِيرَاثِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يُقَسَّمَ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ كَالْمَالِ (وَيُكْمِلُ الْكَسْرَ كَابْنٍ وَزَوْجَةٍ) قَتِيلَةٍ (فَيَحْلِفُ الِابْنُ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ وَ) يَحْلِفُ (الزَّوْجُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ) يَمِينًا؛ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ الرُّبُعَ، وَهُوَ مِنْ الْخَمْسِينَ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ، فَيُكْمِلُ؛ (فَتَصِيرُ ثَلَاثَ عَشَرَةَ) وَلِلِابْنِ الْبَاقِي وَهُوَ سَبْعٌ وَثَلَاثُونَ وَنِصْفٌ، فَيُكْمِلُ؛ فَتَصِيرُ كَمَا ذَكَرَ. (فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ وَالِابْنِ (بِنْتٌ حَلَفَ زَوْجٌ سَبْعَ عَشَرَةَ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 يَمِينًا (وَ) حَلَفَ (ابْنٌ أَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ) لِأَنَّ حِصَّةَ الْبِنْتِ وَهِيَ الرُّبْعُ تُرَدُّ عَلَى الزَّوْجِ وَالِابْنِ بِقَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا، فَتُقَسَّمُ الْخَمْسُونَ بَيْنَ الِابْنِ وَالزَّوْجِ عَلَى ثَلَاثَةٍ كَمَسَائِلِ الرَّدِّ وَيَكْمُلُ الْكَسْرُ. (وَإِنْ كَانُوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ (ثَلَاثَةَ بَنِينَ) فَقَطْ أَوْ مَعَ بَنَاتٍ وَزَوْجَةٍ (حَلَفَ كُلُّ) ابْنٍ مِنْهُمْ (سَبْعَةَ عَشَرَةَ) يَمِينًا لِيُكْمِلَ الْكَسْرَ. (وَمَنْ مَاتَ) مِنْ مُسْتَحِقِّ الْقَسَامَةِ (قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ) فَيَحْلِفُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَيْمَانِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْضُ وَرَثَةِ الْمُسْتَحَقِّينَ لِلْقَسَامَةِ، قُسِّمَ نَصِيبُهُ فِي الْأَيْمَانِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ عَلَى حَسَبِ مَوَارِيثِهِمْ؛ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ، فَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ ثَلَاثَةُ بَنِينَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ عَشَرَ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ عَنْ ثَلَاثَةِ بَنِينَ قُسِّمَتْ أَيْمَانُهُ بَيْنَهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَيْمَانٍ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ، بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْأَيْمَانِ وَحَلِفِهِ بَعْضَهَا اسْتَأْنَفَهَا وَرَثَتُهُ وَلَا يَبْنُونَ عَلَى أَيْمَانِهِ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ جَرَتْ مَجْرَى الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ، فَلَا تَتَبَعَّضُ. وَإِنْ جُنَّ فِي أَثْنَاءِ الْأَيْمَانِ، ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ تَشَاغَلَ عَنْهُ الْحَاكِمُ فِي أَثْنَائِهَا تَمَّمَ الْأَيْمَانَ، وَبَنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ لَا تَبْطُلُ بِالتَّفْرِيقِ؛ وَكَذَا إنْ عُزِلَ الْحَاكِمُ فِي أَثْنَاءِ الْأَيْمَانِ أَتَمَّهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ الثَّانِي، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَسَامَةِ أَنْ تَكُونَ الْأَيْمَانُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَكَذَا لَوْ سَأَلَ الْحَالِفُ الْحَاكِمَ فِي أَثْنَائِهَا إنْظَارَهُ، فَأَنْظَرَهُ، ثُمَّ أَرَادَ إتْمَامَهَا؛ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا سَبَقَ. (وَإِنْ انْفَرَدَ ذَكَرٌ وَاحِدٌ بِالْإِرْثِ) أَوْ انْفَرَدَ بِمِلْكِ الْقِنِّ أَوْ كَانَ مَعَهُ نِسَاءٌ (حَلَفَهَا) ؛ أَيْ: الْخَمْسِينَ يَمِينًا؛ لِاعْتِبَارِ عَدَدِهَا كَنِصَابِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ خَمْسِينَ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً تَعْدِيلًا بَيْنَهُمْ (وَإِنْ جَاوَزُوا) ؛ أَيْ: ذُكُورُ الْوَرَثَةِ (خَمْسِينَ) رَجُلًا (حَلَفَ) مِنْهُمْ (خَمْسُونَ) رَجُلًا بِاخْتِيَارِهِمْ (كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا) وَاحِدَةً، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يُقْسِمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ» وَإِنْ تَشَاحُّوا حَلَفَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ بِقُرْعَةٍ. [فَائِدَةٌ يُقْسِمُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ سَيِّدُهُ] فَائِدَةٌ: وَيُقْسِمُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ سَيِّدُهُ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ وَارِثِهِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا كَالْقِنِّ، يُقْسِمُ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ. وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَيُقْسِمُ عَلَيْهِ وَارِثُهُ وَسَيِّدُهُ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ فَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْجَانِي، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْجَانِي؛ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ؛ لِعَوْدِهِ إلَيْهِ هُوَ وَمَا كَانَ بِيَدِهِ. وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ عَبْدًا أَوْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ عَبْدًا، فَقُتِلَ؛ فَالْقَسَامَةُ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لِامْرَأَةٍ أَوْ نِسَاءٍ فَكَمَا لَوْ كَانَ وَرَثَةٌ لِحُرٍّ كُلُّهُمْ نِسَاءٌ، وَيَأْتِي (وَيُعْتَبَرُ لَحَلِفٍ حُضُورُ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَقْتَهُ) ؛ أَيْ: وَقْتَ الْحَلِفِ (كَبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْقَتْلِ فَلَا تُسْمَعُ إلَّا بِحَضْرَةِ كُلٍّ مِنْ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ. وَ (لَا) يُعْتَبَرُ فِيهَا (مُوَالَاةُ الْأَيْمَانِ وَلَا كَوْنُهَا فِي مَجْلِسٍ) وَاحِدٍ، فَلَوْ جِيءَ بِهَا فِي مَجَالِسَ أَجْزَأَتْهُ كَمَا لَوْ أَتَى مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ بِشَاهِدٍ (وَمَتَى حَلَفَ الذُّكُورُ) مِنْ الْوَرَثَةِ (فَالْحَقُّ) الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ (حَتَّى فِي) قَتْلِ (عَمْدٍ لِلْجَمِيعِ) ؛ أَيْ: جَمِيعِ الْوَرَثَةِ ذُكُورٍ أَوْ نِسَاءٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْمَيِّتِ فَصَارَ لِوَرَثَتِهِ كَالدَّيْنِ. . وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ عَالِمُ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، لَقَدْ قَتَلَ فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ فُلَانًا ابْنِي أَوْ أَخِي أَوْ نَحْوَهُ مُنْفَرِدًا بِقَتْلِهِ، مَا شَارَكَهُ غَيْرُهُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً بِسَيْفٍ أَوْ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى، فَإِنْ اقْتَصَرَ الْحَالِفُ عَلَى لَفْظَةِ " وَاَللَّهِ " كَفَّرَ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ تَغْلِيظٌ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ كَمَا يَأْتِي فَلَا يَكُونُ نَاكِلًا بِتَرْكِهِ، " وَيَكُونُ لَفْظُ الْجَلَالَةِ بِالْجَرِّ، فَلَوْ قَالَ: " وَاَللَّهُ " مَضْمُومًا أَوْ مَنْصُوبًا أَجْزَأَهُ. قَالَ الْقَاضِي: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 تَعَمَّدَهُ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ؛ لِأَنَّهُ لَحْنٌ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى، وَبِأَيِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ حَلَفَ إذَا كَانَ إطْلَاقُهُ يَنْصَرِفُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. (وَإِنْ نَكَلُوا) ؛ أَيْ: ذُكُورُ الْوَرَثَةِ عَنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ (أَوْ كَانُوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ (كُلُّهُمْ خَنَاثَى أَوْ نِسَاءٌ؛ حَلَفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا؛ كَ) قَوْلِهِ وَاَللَّهِ: مَا قَتَلْتُهُ وَلَا شَارَكْتُ فِي قَتْلِهِ وَلَا فَعَلْتُ شَيْئًا (مَاتَ مِنْهُ) وَلَا كَانَ سَبَبًا فِي مَوْتِهِ وَلَا مُعِينًا عَلَى مَوْتِهِ، وَيَبْرَأُ إنْ رَضُوا بِأَيْمَانِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ» أَيْ: يَبْرَءُونَ مِنْكُمْ وَفِي لَفْظٍ: " فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَبْرَءُونَ مِنْ دَمِهِ " (إنْ رَضُوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ بِأَيْمَانِهِ؛ أَيْ: أَيْمَانِ مُدَّعًى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُحَلِّفْ الْيَهُودَ حِينَ قَالَ الْأَنْصَارُ: كَيْف تَأْخُذُ بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ. (فَإِنْ نَكَلَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْخَمْسِينَ يَمِينًا (لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِالنُّكُولِ؛ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى، وَلَوْ رَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي؛ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ؛ بَلْ يُقَالُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إمَّا أَنْ تَحْلِفَ؛ أَوْ جَعَلْتُكَ نَاكِلًا، وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنُّكُولِ. (وَإِنْ نَكَلُوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ عَنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ (وَلَمْ يَرْضَوْا بِيَمِينِهِ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَدَى الْإِمَامُ الْقَتِيلَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) وَخَلَّى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَدَى الْأَنْصَارِيَّ مِنْ عِنْدِهِ لَمَّا لَمْ تَرْضَ الْأَنْصَارُ بِيَمِينِ الْيَهُودِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ سَبِيلٌ إلَى الثُّبُوتِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ السُّقُوطَ؛ فَوَجَبَ الْغُرْمُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِئَلَّا يَضِيعَ الْمَعْصُومُ هَدَرًا (كَمَيِّتٍ فِي زَحْمَةٍ نَحْوِ جُمُعَةٍ وَطَوَافٍ) فَيُفْدَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَمِنْهُ مَا رَوَى سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ " عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ قُتِلَ رَجُلٌ فِي زِحَامِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، فَجَاءَ أَهْلُهُ إلَى عُمَرَ فَقَالَ: بَيِّنَتَكُمْ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ: فَقَالَ عَلِيٌّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَا تُبْطِلْ دَمَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إنْ عَلِمْتَ قَاتِلَهُ، وَإِلَّا فَأَعْطِ دِيَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 (وَإِنْ وُجِدَ قَتِيلٌ وَثَمَّ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ؛ أَيْ: هُنَاكَ فِي مَحَلِّ الْقَتْلِ فِي الزَّحْمَةِ (مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ) ؛ أَيْ: الْقَتِيلِ (عَدَاوَةٌ أُخِذَ بِهِ) نَقَلَهُ مُهَنَّا وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا بِقَسَامَةٍ وَدُونِهَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَتِيلِ (أَيْ:) إنْ أَتَى الْمُدَّعِي (بِالْقَسَامَةِ) وَهِيَ حَلِفُهُ خَمْسِينَ يَمِينًا (بِشُرُوطِهَا) الْعَشَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَإِلَّا) تُشْتَرَطْ الْقَسَامَةُ فِي ذَلِكَ (فَ) أَخْذُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَتِيلِ (ضَعِيفٌ) . قَالَ الْقَاضِي فِي قَوْمٍ ازْدَحَمُوا فِي مَضِيقٍ وَتَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ فَقَالَ: إنْ كَانَ فِي الْقَوْمِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ قَتَلَهُ؛ فَهُوَ لَوْثٌ، انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ مُطْلَقًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَسَامَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [كِتَابُ الْحُدُودِ] (الْحُدُودُ) وَهِيَ جَمْعُ حَدٍّ، وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ، وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَ مَحَارِمُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] وَهِيَ مَا حَدَّهُ وَقَدَّرَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُتَعَدَّى كَتَزَوُّجِ الْأَرْبَعِ، وَمَا حَدَّهُ الشَّرْعُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَلَا النُّقْصَانُ وَالْحُدُودُ وَالْعُقُوبَاتُ الْمُقَدَّرَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الذَّنْبِ، وَأَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ بِالْحُدُودِ الَّتِي هِيَ الْمَحَارِمُ؛ لِكَوْنِهَا زَوَاجِرَ عَنْهَا، أَوْ بِالْحُدُودِ الَّتِي هِيَ الْمُقَدَّرَاتُ. وَالْحَدُّ عُرْفًا (عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا فِي مَعْصِيَةٍ) مِنْ زِنًا وَقَذْفٍ وَشُرْبٍ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَسَرِقَةٍ، وَإِنَّمَا شُرِعَ الْحَدُّ (لِيَمْنَعَ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِهَا) ؛ أَيْ: الْمَعْصِيَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 (وَلَا يَجِبُ حَدٌّ) إلَّا عَلَى مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ إذَا سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْإِثْمُ فِي الْمَعَاصِي؛ فَالْحَدُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى الدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ أَوْلَى، وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَى نَائِمٍ وَنَائِمَةٍ (عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ) لِقَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ: لَا حَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ. فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ جَهِلَهُ كَمَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا أَوْ عَيْنَ الْمَرْأَةِ كَأَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ، وَطِئَهَا ظَنًّا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَنَحْوُهُ، لِحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (مُلْتَزِمٍ) أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ (كَذِمِّيٍّ لَا) حَرْبِيٍّ " مُعَاهِدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ " وَتَقَدَّمَ فِي هُدْنَةٍ يُؤْخَذُ مُهَادَنٌ بِحَدٍّ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ وَسَرِقَةٍ لَا بِحَدٍّ لِلَّهِ كَزِنًا. (وَإِقَامَتُهُ) ؛ أَيْ: الْحَدِّ (لِإِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ مُطْلَقًا) : أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْحَدُّ لِلَّهِ كَحَدِّ زِنًا أَوْ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ؛ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الِاجْتِهَادِ، وَلَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْحَيْفُ؛ فَوَجَبَ تَفْوِيضُهُ إلَى نَائِبِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي حَيَاتِهِ وَكَذَا خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَيَقُومُ نَائِبُ الْإِمَامِ فِيهِ مَقَامَهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا» . وَأَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَلَمْ يَحْضُرْهُ وَقَالَ فِي سَارِقٍ أُتِيَ بِهِ: «اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ» . (وَتَحْرُمُ شَفَاعَةٌ) فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَ، (وَ) يَحْرُمُ (قَبُولُهَا) ؛ أَيْ: الشَّفَاعَةِ فِي (حَدٍّ لِلَّهِ) تَعَالَى (بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ الْحَاكِمَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» وَلِأَنَّ الشَّفَاعَةَ طَلَبُ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ عَلَى مَنْ طَلَبَهُ مِنْهُ. (وَلِسَيِّدٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ عَالِمٍ بِهِ) ؛ أَيْ: الْحَدِّ (وَبِشُرُوطِهِ، وَلَوْ) كَانَ، السَّيِّدُ (فَاسِقًا أَوْ امْرَأَةً إقَامَتُهُ) ؛ أَيْ: الْحَدَّ (بِجَلْدِ خَاصَّتِهِ) عَلَى رَقِيقِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ. (وَ) لِلسَّيِّدِ (إقَامَةُ تَعْزِيرٍ عَلَى رَقِيقٍ كُلِّهِ) لَا مُبَعِّضٍ لَهُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ تَأْدِيبَ رَقِيقِهِ وَضَرَبَهُ عَلَى الذَّنْبِ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِهِ، وَلِكَوْنِ سَبَبِ وِلَايَتِهِ الْمِلْكَ، اسْتَوَى الْعَدْلُ وَالذَّكَرُ فِيهِ وَضِدُّهُمَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِمُكَاتَبٍ وَلَا شَرِيكٍ فِي قِنٍّ إقَامَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ، وَلَا لِغَيْرِ مُكَلَّفٍ، لِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ، (وَ) لَوْ كَانَ الرَّقِيقُ (مُكَاتَبًا) عَلَى مَا قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ ". وَتَبِعَهُ صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " " وَالْإِقْنَاعِ " قَالَ فِي " الْمُنَوِّرِ " وَيَمْلِكُهُ " السَّيِّدُ مُطْلَقًا عَلَى قِنٍّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَقَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " إنَّهُ هُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (أَوْ مَرْهُونًا أَوْ مُسْتَأْجَرًا) ؛ أَيْ: فَلِلسَّيِّدِ إقَامَتُهُ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا مِلْكُهُ. (وَلَا) يُقِيمُهُ سَيِّدٌ عَلَى أَمَةٍ (مُزَوَّجَةٍ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُزَوَّجَةً رُفِعَتْ إلَى السُّلْطَانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ جَلَدَهَا سَيِّدُهَا نِصْفَ مَا عَلَى الْمُحْصَنِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ مِلْكًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ، أَشْبَهَتْ الْمُشْتَرَكَةَ (وَمَا ثَبَتَ) مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى رَقِيقٍ (بِعِلْمِ سَيِّدٍ لَا حَاكِمٍ) بِرُؤْيَةٍ (أَوْ بِإِقْرَارِ) رَقِيقٍ (كَ) كَالثَّابِتِ (بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّأْدِيبِ، بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ. وَلِلسَّيِّدِ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَى رَقِيقِهِ إذَا عَلِمَ شُرُوطَهَا. (وَلَيْسَ لَهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ (قَتْلٌ فِي رِدَّةٍ وَلَا قَطْعٌ فِي سَرِقَةٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ تَفْوِيضُ إقَامَةِ الْحَدِّ إلَى الْإِمَامِ وَإِنَّمَا فُوِّضَ إلَى السَّيِّدِ الْجَلْدُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ تَأْدِيبٌ. وَالْحَدِيثُ جَاءَ فِي جَارِيَةٍ زَنَتْ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ الْحَدَّ وَشِبْهَهُ، وَلِأَنَّ فِي الْجَلْدِ سِتْرًا عَلَى رَقِيقِهِ، لِئَلَّا يَفْتَضِحَ بِإِقَامَةِ الْإِمَامِ الْحَدَّ عَلَيْهِ، فَتَنْقُصُ قِيمَتُهُ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا. (وَتَجِبُ إقَامَةُ الْحُدُودِ وَلَوْ كَانَ مَنْ يُقِيمُهُ) ؛ أَيْ: الْحَدَّ (شَرِيكًا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 لِمُقَامٍ عَلَيْهِ الْحَدُّ (أَوْ) كَانَ مَنْ يُقِيمُهُ (عَوْنًا لِمُقَامٍ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ) ، لِأَنَّ مُشَارَكَتَهُ أَوْ إعَانَتَهُ لَهُ مَعْصِيَةٌ وَعَدَمَ إقَامَتِهِ مَعْصِيَةٌ؛ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مَعْصِيَتَيْنِ (وَكَذَا أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ) لَا يَسْقُطُ بِالْمُشَارَكَةِ أَوْ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى (فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مَعْصِيَتَيْنِ بَلْ يَجِبُ الْإِقْلَاعُ عَنْهُمَا) . (وَتَحْرُمُ إقَامَتُهُ) ؛ أَيْ: الْحَدِّ (بِمَسْجِدٍ) جَلْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِمَا رَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ تُقَامَ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ» . وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِرَجُلٍ زَنَى فَقَالَ؛ أَخْرِجُوهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَاضْرِبُوهُ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَقَطَعَ يَدَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ، فَيُنَجِّسَهُ وَيُؤْذِيَهُ، فَإِنْ أُقِيمَ بِهِ لَمْ يَعُدْ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الزَّجْرِ. (وَ) يَحْرُمُ (أَنْ يُقِيمَهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ بِعِلْمِهِ) ؛ أَيْ: بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكَلُّمُ بِهِ؛ فَالْعَمَلُ أَوْلَى حَتَّى وَلَوْ رَمَاهُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْهُ كَانَ قَاذِفًا يُحَدُّ لِلْقَذْفِ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ (وَصِيٌّ عَلَى رَقِيقِ مُوَلِّيهِ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ (كَأَجْنَبِيٍّ) فَلَا يُقِيمُهُ عَلَى رَقِيقِ غَيْرِهِ (وَلَا يَضْمَنُ مَنْ) أَقَامَ حَدًّا عَلَى مَنْ (لَا لَهُ إقَامَتُهُ) عَلَيْهِ (فِيمَا حَدُّهُ الْإِتْلَافُ) مِنْ عُضْوٍ أَوْ نَفْسٍ كَقَتْلِ زَانٍ مُحْصَنٍ وَقَطْعٍ فِي سَرِقَةٍ، فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَهُ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ يُؤَدَّبُ لِافْتِئَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ. (وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ) الْحَدَّ (قَائِمًا) لِيُعْطَى كُلُّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنْ الضَّرْبِ (بِسَوْطٍ لَا خَلَقٍ) نَصًّا (بِفَتْحِ اللَّامِ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْلِمُ (وَلَا جَدِيدٍ) لِئَلَّا يَجْرَحَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 (غَيْرَ جِلْدٍ) بَيْنَ الْيَابِسِ وَالرَّطْبِ، (قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ " فَوْقَ الْقَضِيبِ وَدُونَ الْعَصَا) وَلَا يُضْرَبُ فِي الْحَدِّ بِعَصًا وَلَا غَيْرِهَا مِنْ جِلْدٍ أَوْ نَحْوِهِ، نَقُولُ: عَلَى ضَرْبٍ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ، وَسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ يَعْنِي لَا شَدِيدٍ فَيَقْتُلَ، وَلَا ضَعِيفٍ فَلَا يَرْدَعُ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا: «أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَى بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا، فَأَتَى بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُكْسَرْ ثَمَرَتُهُ، فَقَالَ: بَيْنَ هَذَيْنِ» (بِلَا مَدٍّ وَلَا رَبْطٍ وَلَا تَجْرِيدٍ) مِنْ ثَبَاتٍ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَيْسَ فِي دِينِنَا مَدٌّ وَلَا قَيْدٌ وَلَا تَجْرِيدٌ (لِلْمَحْدُودِ) وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِعْلُ ذَلِكَ (بَلْ) يَكُونُ الْمَحْدُودُ (فِي قَمِيصٍ أَوْ قَمِيصَيْنِ) وَيُنْزَعُ عَنْهُ فَرْوٌ وَجُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِالضَّرْبِ. (وَلَا يُبَالَغُ فِي ضَرْبٍ) بِحَيْثُ يَشُقُّ الْجِلْدَ، لِأَنَّ الْقَصْدَ أَدَبُهُ لَا إهْلَاكُهُ. (وَلَا يُبْدِي ضَارِبٌ إبْطَهُ فِي رَفْعِ يَدٍ) لِلضَّرْبِ نَصًّا (وَسُنَّ تَفْرِيقُهُ) ؛ أَيْ: الضَّرْبِ (عَلَى الْأَعْضَاءِ) لِيَأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ حَظَّهُ، وَتَوَالِي الضَّرْبِ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِعَدَمِهِ. (وَيُضْرَبُ مِنْ جَالِسٍ ظَهْرُهُ وَمَا قَارَبَهُ) ؛ أَيْ: الظَّهْرَ (وَ) وَيُكْثَرُ مِنْهُ (فِي مَوَاضِعِ اللَّحْمِ كَالْأَلْيَتَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ) لِأَنَّهُمَا أَشَدُّ تَحَمُّلًا، (وَ) يَجِبُ فِي الْجَلْدِ (اتِّقَاءُ وَجْهٍ وَ) اتِّقَاءُ (رَأْسٍ وَ) اتِّقَاءُ (فَرْجٍ وَ) اتِّقَاءُ (مَقْتَلٍ) كَفُؤَادٍ وَخُصْيَتَيْنِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ ضَرْبُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إلَى قَتْلِهِ أَوْ ذَهَابِ مَنْفَعَتِهِ، وَالْقَصْدُ أَدَبُهُ فَقَطْ (وَامْرَأَةٌ كَرَجُلٍ إلَّا أَنَّهَا تُضْرَبُ جَالِسَةً) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: تُضْرَبُ الْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ، وَهَذَا سَتْرٌ لَهَا وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، (وَتُمْسَكُ يَدَاهَا) لِئَلَّا تَنْكَشِفَ. (وَيُجْزِئُ ضَرْبٌ فِي حَدٍّ بِسَوْطٍ مَغْصُوبٍ) عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّهْيِ؛ لِلْإِجْمَاعِ، ذَكَرَهُ فِي " التَّمْهِيدِ (وَلَا تُعْتَبَرُ) لِإِقَامَةِ حَدٍّ (مُوَالَاةُ) الضَّرْبِ فِي الْجَلْدِ لِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ وَالسُّقُوطِ بِالشُّبْهَةِ، (بَلْ) تُعْتَبَرُ (نِيَّةٌ لِيَصِيرَ قُرْبَةً، فَيَضْرِبُهُ لِلَّهِ، وَلَمَّا وَضَعَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ) لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 بِالنِّيَّاتِ» (فَإِنَّ جَلْدَهُ لِلتَّشَفِّي إثْمٌ) لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ وَلَيْسَ بِحَدٍّ (وَلَا يُعِيدُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمَحْدُودِ، قَطَعَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " (وَفِي نُسَخِ الْإِنْصَافِ " " وَالْفُرُوعِ " وَيُعِيدُهُ) ذَكَرَهُ فِي " الْمَنْثُورِ " عَنْ الْقَاضِي (وَهُوَ أَنْسَبُ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ) . قَالَ فِي " الْفُصُولِ: يُحْتَاجُ عِنْدَ إقَامَتِهِ إلَى نِيَّةِ الْإِمَامِ أَنْ يَضْرِبَ لِلَّهِ وَلِمَا وَضَعَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْجَلَّادُ، لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَوَلَّى أَوْ أَمَرَ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا يَضْرِبُ لَا عِلْمَ لَهُ بِالنِّيَّةِ؛ أَجْزَأَتْ نِيَّتُهُ، وَالْعَبْدُ كَالْآلَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَلَى الْمُقِيمِ لِلْحُدُودِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا النَّفْعَ وَالْإِحْسَانَ، كَمَا يَقْصِدُ الْوَالِدُ بِعُقُوبَةِ الْوَلَدِ وَالطَّبِيبُ بِدَوَاءِ الْمَرِيضِ، فَلَمْ يَأْمُرْ الشَّرْعُ إلَّا بِمَا هُوَ نَفْعٌ لِلْعِبَادِ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَقْصِدَ ذَلِكَ (وَأَشَدُّهُ) ؛ أَيْ: [الْجَلْدِ] فِي الْحُدُودِ (جَلْدُ زِنًا فَ) جَلْدُ (قَذْفٍ فَ) جَلْدُ (شُرْبِ) خَمْرٍ (فَ) جَلْدُ (تَعْزِيرٍ) لِأَنَّهُ تَعَالَى خَصَّ الزِّنَا بِمَزِيدِ تَأْكِيدٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ فَيَكُونُ فِي الصِّفَةِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَهُ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْعَدَدِ فَكَذَا فِي الصِّفَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا خَفَّ عَدَدُهُ خَفَّ فِي صِفَتِهِ. (وَإِنْ رَأَى إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ الضَّرْبَ فِي حَدِّ شُرْبِ) مُسْكِرٍ (بِجَرِيدٍ أَوْ بِنِعَالٍ) فَلَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " " وَالشَّرْحِ " " وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ جَمْعٌ: مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْهِدَايَةِ " " وَالْمُذَهَّبِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " " وَالرِّعَايَتَيْنِ " " وَالْحَاوِي " " وَالْبُلْغَةِ " وَغَيْرِهِمْ وَبِأَيْدٍ، أَيْضًا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ. وَكَذَلِكَ اسْتَدَلَّ الشَّارِحُ بِذَلِكَ (قَالَ الْمُنَقِّحُ: وَهُوَ أَظْهَرُ فَلَهُ ذَلِكَ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقَالَ: اضْرِبُوهُ» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ وَالضَّارِبُ بِيَدِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 (وَلَا يُؤَخَّرُ) اسْتِيفَاءُ (حَدٍّ لِمَرَضٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (وَلَوْ رُجِيَ زَوَالُهُ) لِأَنَّ عُمَرَ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي مَرَضِهِ، وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ، وَانْتَشَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ؛ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (وَلَا تُؤَخَّرُ النُّفَسَاءُ فَتُحَدُّ) النُّفَسَاءُ (بِمُجَرَّدِ وَضْعٍ) (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ؛ أَيْ: الْحَدُّ جَلْدًا، فَإِذَا وَضَعَتْهُ وَانْقَطَعَ النِّفَاسُ، وَكَانَتْ قَوِيَّةً يُؤْمَنُ تَلَفُهَا؛ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَتْ فِي نِفَاسِهَا أَوْ ضَعِيفَةً يُخَافُ عَلَيْهَا، لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَحَتَّى تَقْوَى. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي تَقْتَضِيهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يُؤَخَّرُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ. (وَلَا) يُؤَخَّرُ الِاسْتِيفَاءُ (لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ) وَلَوْ مُفْرِطَيْنِ (أَوْ ضَعْفٍ لِوُجُوبِهِ فَوْرًا) لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ كَانَ) الْمَحْدُودُ مَرِيضًا أَوْ نَصَفَ الْخِلْقَةِ أَوْ فِي شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ كَانَ الْحَدُّ (جَلْدًا، أَوْ خِيفَ) عَلَى الْمَحْدُودِ: (مِنْ السَّوْطِ لَمْ يَتَعَيَّنْ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِطَرَفِ ثَوْبٍ أَوْ عُثْكُولِ نَخْلٍ) وَالْعُثْكُولُ بِوَزْنِ عُصْفُورٍ هُوَ الضِّغْثُ بِالضَّادِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ (فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ، فَيَضْرِبُ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً) أَوْ يَضْرِبُ بِخَمْسِينَ شِمْرَاخًا ضَرْبَتَيْنِ. لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ رَجُلًا اشْتَكَى حَتَّى ضَنِيَ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ، فَهَشَّ لَهَا، فَوَقَعَ بِهَا، فَسُئِلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْ يَأْخُذُوا مِائَةَ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَلِأَنَّ ضَرْبَهُ التَّامَّ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِهِ، وَتَرْكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ غَيْرُ جَائِزٍ؛ فَتَعَيَّنَ مَا ذُكِرَ. [تَتِمَّةٌ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى حَامِلٍ] تَتِمَّةٌ: وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ رَجْمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى حَامِلٍ وَلَوْ مِنْ زِنًا حَتَّى تَضَعَ؛ لِئَلَّا يَتَعَدَّى إلَى الْحَمْلِ، فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ، ثُمَّ إنْ كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ تَكَفَّلَ أَحَدٌ بِرَضَاعِهِ، رُجِمَتْ، وَإِلَّا تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَمْلُ الزَّانِيَةِ لَمْ تُؤَخَّرْ، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ وَاجِبَةٌ فَوْرًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ - أَيْ الْحَمْلِ - وَإِنْ ادَّعَتْ الزَّانِيَةُ الْحَمْلَ قَبْلَ قَبُولِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. (وَيُؤَخَّرُ) الْحَدُّ (لِسُكْرٍ حَتَّى يَصْحُوَ) الشَّارِبُ نَصًّا لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ وَهُوَ الزَّجْرُ (فَلَوْ خَالَفَ) وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ فِي سُكْرِهِ (سَقَطَ الْحَدُّ إنْ أَحَسَّ) بِأَلَمِ الضَّرْبِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ سَكْرَانَ (وَإِلَّا) يُحِسَّ بِأَلَمِ الضَّرْبِ (فَلَا) يَسْقُطُ الْحَدُّ (لِأَنَّ كُلَّ حَدٍّ شَرْطُهُ التَّأْلِيمُ) وَلَمْ يُوجَدْ (وَيُؤَخَّرُ قَطْعٌ) فِي سَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا (خَوْفَ تَلَفٍ) مَحْدُودٍ بِقَطْعِهِ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَصْدَ زَجْرُهُ لَا إهْلَاكُهُ. (وَيَحْرُمُ بَعْدَ) إقَامَةِ (حَدٍّ حَبْسٌ وَإِيذَاءٌ بِكَلَامٍ) نَصَّ عَلَيْهِ كَالتَّعْيِيرِ؛ لِنَسْخِهِ بِمَشْرُوعِيَّةِ الْحَدِّ كَنَسْخِ حَبْسِ الْمَرْأَةِ. (وَمَنْ مَاتَ) بِجَلْدٍ (فِي تَعْزِيرٍ أَوْ حَدٍّ بِقَطْعٍ) فِي سَرِقَةٍ (أَوْ جَلْدٍ) أَوْ تَأْدِيبٍ مُعْتَادٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ مُعَلِّمٍ أَوْ وَالِدٍ أَوْ زَوْجٍ (وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَأْخِيرٌ) ، أَيْ: الْحَدِّ (فَ) هُوَ (هَدَرٌ) لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ شَرْعًا، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ نَائِبٌ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَكَانَ التَّلَفُ مَنْسُوبٌ إلَى اللَّهِ، فَإِنْ لَزِمَ تَأْخِيرُ الْحَدِّ بِأَنْ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ كَانَ مَرِيضًا، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، فَاسْتَوْفَاهُ حِينَئِذٍ، (فَتَلِفَ الْمَحْدُودُ) ضَمِنَهُ، لِعِدْوَانِهِ. (وَمَنْ زَادَ) فِي عَدَدِ جَلْدٍ (وَلَوْ) كَانَ الزَّائِدُ (جَلْدَةً أَوْ) زَادَ (فِي السَّوْطِ) الَّذِي ضَرَبَهُ بِهِ؛ بِأَنْ ضَرَبَهُ بِأَكْبَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ (أَوْ اعْتَمَدَ) الْجَلَّادُ (فِي ضَرْبِهِ) فَتَلِفَ الْمَحْدُودُ، ضَمِنَهُ بِدِيَتِهِ، (أَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ لَا يَحْتَمِلُهُ) لِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَتَلِفَ؛ ضَمِنَهُ) لِأَنَّهُ تَلِفَ بِعُدْوَانِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ ضَرَبَهُ فِي غَيْرِ الْحَدِّ (بِدِيَتِهِ) كَامِلَةٍ؛ لِحُصُولِ تَلَفِهِ بِعُدْوَانِهِ، وَكَمَا لَوْ أَلْقَى حَجَرًا أَوْ نَحْوَهُ عَلَى سَفِينَةٍ مَوْقُورَةٍ فَخَرَقَهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 (وَمَنْ أُمِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِزِيَادَةٍ) عَلَى الْجَلْدِ الْوَاجِبِ فِي الْحَدِّ (فَزَادَ جَهْلًا) بِعَدَدِ الضَّرْبِ الْوَاجِبِ أَوْ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ مُحَرَّمَةٌ، فَمَاتَ الْمَضْرُوبُ (ضَمِنَهُ آمِرٌ) لِأَنَّ الْجَلَّادَ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ، (وَإِلَّا) يَجْهَلْ الْجَلَّادُ ذَلِكَ. (فَضَارِبٌ) يَضْمَنُهُ وَحْدَهُ، كَمَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِالْقَتْلِ ظُلْمًا فَقَتَلَ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ (وَإِنْ تَعَمَّدَهُ) ؛ أَيْ: الزَّائِدَ (الْعَادُّ فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ الْآمِرِ وَالضَّارِبِ؛ ضَمِنَهُ الْعَادُّ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبِ تَعَمُّدِهِ (أَوْ أَخْطَأَ) الْعَادُّ (وَادَّعَى ضَارِبٌ الْجَهْلَ) بِالزِّيَادَةِ (ضَمِنَهُ الْعَادُّ) لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبِهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ ضَارِبٍ فِي الْجَهْلِ بِذَلِكَ بِيَمِينِهِ (وَتَعَمُّدُ إمَامٍ لِزِيَادَةٍ شِبْهِ عَمْدٍ؛ تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ) لِأَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ بِخَطَئِهِ فَكَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ، كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَقَتَلَ آدَمِيًّا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِ فِي حُكْمِهِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. (وَلَا يُحْفَرُ لِمَرْجُومٍ وَلَوْ) كَانَ الْمَرْجُومُ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ [قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَمَّا «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِ مَاعِزٍ] خَرَجْنَا بِهِ إلَى الْبَقِيعِ فَوَاَللَّهِ مَا حَفَرْنَا لَهُ وَلَا أَوْثَقْنَاهُ؛ وَلَكِنْ قَامَ لَنَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ. نَصَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ عَلَى تَرْكِ الْحَفْرِ، وَسَوَاءٌ ثَبَتَ الزِّنَا بِإِقْرَارٍ أَوْ (ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَحْفِرْ لِلْجُهَنِيَّةِ وَالْيَهُودِيِّينَ» ، وَتُشَدُّ ثِيَابُ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا؛ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَيَجِبُ فِي) إقَامَةِ (حَدِّ زِنًا حُضُورُ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " (وَ) يَجِبُ فِي حَدٍّ حُضُورُ (طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) ، وَلَوْ وَاحِدًا؛ أَيْ: مَعَ مَنْ يُقِيمُ الْحَدَّ نَقَلَهُ فِي " الْكَافِي " عَنْ الْأَصْحَابِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] . (وَسُنَّ حُضُورُ مَنْ شَهِدَ) بِزِنًا، (وَ) سُنَّ (بَدْأَتُهُمْ) ؛ أَيْ: الشُّهُودِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 (بِرَجْمٍ وَأَنْ يَدُورَ النَّاسُ حَوْلَ مَرْجُومٍ) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (كَالدَّائِرَةِ إنْ كَانَ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَمْكِينِهِ مِنْ الْهَرَبِ. وَ (لَا) يُسَنُّ ذَلِكَ إنْ كَانَ زِنَاهُ ثَبَتَ (بِإِقْرَارٍ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَهْرُبَ، فَيُتْرَكُ) وَلَا يُتَمَّمُ عَلَيْهِ الْحَدُّ (فَلَوْ ثَبَتَ الزِّنَا بِإِقْرَارٍ سُنَّ بُدَاءَةُ إمَامٍ أَوْ مَنْ يُقِيمُهُ) إمَامٌ مُقَامَهُ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ: الرَّجْمُ رَجْمَانِ؛ فَمَا كَانَ مِنْهُ بِإِقْرَارٍ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْإِمَامُ، وَمَا كَانَ بِبَيِّنَةٍ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ النَّاسُ، وَلِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ. (وَمَتَى رَجَعَ مُقِرٌّ بِهِ) ؛ أَيْ: بِزِنًا عَنْ إقْرَارٍ، لَمْ يُقَمْ، أَوْ رَجَعَ مُقِرٌّ (بِسَرِقَةِ شَيْءٍ أَوْ شُرْبِ) خَمْرٍ عَنْ إقْرَارِهِ (قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ (وَلَوْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِهِ) بِالزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الشُّرْبِ (لَمْ يُقَمْ) عَلَيْهِ (وَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ حَدٍّ لِلَّهِ) تَعَالَى (أَوْ هَرَبَ) ؛ (تُرِكَ وُجُوبًا) لِأَنَّ مَاعِزًا هَرَبَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَمَعْمَرِ بْنِ هَزَّالٍ وَغَيْرِهِمْ. وَلِأَنَّ رُجُوعَهُ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَكَمَا لَوْ رَجَعَتْ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَفَارَقَ سَائِرَ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. (فَإِنْ تُمِّمَ) حَدٌّ عَلَى رَاجِعٍ عَنْ إقْرَارِهِ (فَلَا قَوَدَ) فِيهِ؛ لِلشُّبْهَةِ (وَضَمِنَ رَاجِعٌ) صَرِيحًا (لَا هَارِبٌ بِالدِّيَةِ) لِزَوَالِ إقْرَارِهِ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْهَارِبِ، فَإِنْ قَالَ: رُدُّونِي لِلْحَاكِمِ، وَجَبَ رَدُّهُ، فَلَوْ لَمْ يَرُدُّوهُ حَتَّى تَمَّ الْحَدُّ؛ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي رُجُوعِهِ. (وَإِنْ ثَبَتَ) زِنًا أَوْ سَرِقَةٌ أَوْ شُرْبٌ (بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْفِعْلِ) ، أَيْ: فِعْلِ مَا ذَكَرَ لَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ (فَهَرَبَ) مَحْدُودٌ (لَمْ يُتْرَكْ) لِثُبُوتِ فِعْلِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ، فَلَا يُؤَثِّرُ رُجُوعُهُ وَلَا هَرَبُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 (وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ يُجَنُّ - أَحْيَانًا - بِزِنًا، وَلَمْ يُضِفْهُ لِإِفَاقَتِهِ) فَلَا حَدَّ (أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِزِنًا، وَلَمْ تُضِفْهُ) لِإِفَاقَتِهِ (فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ؛ لِلشُّبْهَةِ. (وَمَنْ أَتَى) مَا يُوجِبُ (حَدًّا سَتَرَ نَفْسَهُ) اسْتِحْبَابًا (وَلَمْ) يَجِبْ، وَلَمْ (يُسَنَّ أَنْ يُقِرَّ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ) لِحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ سِتِّيرٌ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ السِّتِّيرَ» . (وَمَنْ قَالَ لَحَاكِمٍ أَصَبْت حَدًّا) فَقَطْ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَصًّا، وَيُحَدُّ مَنْ زَنَى هَزِيلًا وَلَوْ بَعْدَ سُمْنَةٍ، وَكَذَا عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ كَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ زَنَى أُعِيدَتْ بَعْدَ بَعْثِهِ وَعُوقِبَ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُنُونِ ". (وَالْحَدُّ كَفَّارَةٌ لِذَلِكَ الذَّنْبِ) الَّذِي أَوْجَبَهُ نَصًّا؛ لِلْخَبَرِ. [فَصْلٌ اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ] فَصْلٌ (وَإِنْ اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ لِلَّهِ) تَعَالَى (مِنْ جِنْسٍ) وَاحِدٍ (بِأَنْ زَنَى) مِرَارًا (أَوْ سَرَقَ) مِرَارًا (أَوْ شَرِبَ) الْخَمْرَ (مِرَارًا تَدَاخَلَتْ، فَلَا يُحَدُّ سِوَى مَرَّةٍ) وَاحِدَةٍ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعُ كُلِّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ الْغَرَضَ الزَّجْرُ عَنْ إتْيَانِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِحَدٍّ وَاحِدٍ وَكَالْكَفَّارَاتِ مِنْ جِنْسٍ. (وَ) إنْ اجْتَمَعَتْ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى (مِنْ أَجْنَاسٍ) كَأَنْ زَنَى وَسَرَقَ وَشَرِبَ الْخَمْرَ (وَفِيهَا قَتْلٌ) بِأَنْ كَانَ فِي الْمِثَالِ مُحْصَنًا (اسْتَوْفَى) الْقَتْلَ (وَحْدَهُ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا اجْتَمَعَ حَدَّانِ أَحَدُهُمَا الْقَتْلُ أَحَاطَ الْقَتْلُ بِذَلِكَ. وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَكَالْمُحَارِبِ إذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ الزَّجْرُ، وَمَعَ الْقَتْلِ لَا حَاجَةَ إلَى زَجْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ مَا يُوجِبُ الرَّجْمَ وَالْقَتْلَ لِلْمُحَارَبَةِ وَالرِّدَّةِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ لِلْمُحَارَبَةِ، وَيَسْقُطُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ آدَمِيٍّ فِي الْقِصَاصِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 وَالْمُحَارَبَةُ إنَّمَا أَثَّرَتْ بِتَحَتُّمِهِ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ، (وَإِلَّا) يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ وَهِيَ مِنْ أَجْنَاسٍ كَبِكْرٍ زَنَى وَشُرْبٍ وَسَرِقَةٍ (وَجَبَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَحَقِّ فَالْأَحَقُّ) فَيَحُدُّ أَوَّلًا لِشُرْبٍ ثُمَّ لِزِنًا ثُمَّ لِقَطْعٍ (وَتُسْتَوْفَى حُقُوقُ آدَمِيٍّ كُلُّهَا) فِيهَا قَتْلٌ أَوْ لَا كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَ الْقَتْلِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ؛ فَلَا يَسْقُطُ بِالْقَتْلِ كَالدُّيُونِ، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ. (وَيَبْدَأُ بِغَيْرِ قَتْلٍ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفُّ وُجُوبًا) فَمَنْ قَذَفَ وَقَطَعَ عُضْوًا وَقَتَلَ مُكَافِئًا؛ حُدَّ أَوَّلًا لِقَذْفٍ ثُمَّ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ (وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَتْ) حُقُوقُ آدَمِيٍّ (مَعَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى) فَيَسْتَوْفِي كُلَّهَا (وَيُبْدَأُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ، فَلَوْ زَنَى وَشَرِبَ، وَقَذَفَ، وَقَطَعَ يَدًا؛ قُطِعَ) ؛ أَيْ: قُطِعَتْ يَدُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ آدَمِيٍّ؛ لِسُقُوطِهِ بِإِسْقَاطِهِ؛ (ثُمَّ حُدَّ لِقَذْفٍ) لِلِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ حَقًّا لِآدَمِيٍّ (فَشُرْبٍ فَزِنًا لَكِنْ لَوْ قَتَلَ) مُكَافِئًا عَمْدًا (وَارْتَدَّ أَوْ سَرَقَ) مَا يُوجِبُ الْقَطْعَ (وَقَطَعَ يَدًا، قُتِلَ لَهُمَا أَوْ قُطِعَ لَهُمَا) لِاتِّحَادِ حَقِّ مَحِلِّ الْحَقَّيْنِ، فَتَدَاخَلَا. (وَلَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ حَتَّى يَبْرَأَ مَا قَبْلَهُ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَوَالِي الْحُدُودِ عَلَيْهِ إلَى تَلَفِهِ. [تَتِمَّةٌ سَرَقَ وَقَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ] تَتِمَّةٌ وَإِنْ سَرَقَ وَقَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ؛ قُتِلَ حَتْمًا لِلْقَتْلِ وَلَمْ يُطْلَبْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا، وَلَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ لِلسَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ حُدَّ لِلَّهِ فَيَدْخُلُ فِي الْقَتْلِ. وَإِنْ قَتَلَ مَعَ الْمُحَارَبَةِ جَمَاعَةً قُتِلَ بِالْأَوَّلِ حَتْمًا، وَلِأَوْلِيَاءِ الْبَاقِينَ مِنْ الْقَتْلَى دِيَاتُهُمْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ كَمَا لَوْ مَاتَ، لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 [فَصْلٌ قَتَلَ أَتَى حَدًّا خَارِجَ مَكَّةَ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهَا أَوْ لَجَأَ حَرْبِيٌّ أومرتد إلَيْهِ] فَصْلٌ (وَمَنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ طَرَفًا) أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ حَرَمِ مَكَّةَ لَا الْمَدِينَةِ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ، (أَوْ) لَجَأَ (حَرْبِيٌّ أَوْ) لَجَأَ مُرْتَدٌّ (إلَيْهِ؛ حَرُمَ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحَرَمِ (بِقَتْلٍ وَغَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] وَهُوَ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ؛ أَيْ: أَمِّنُوهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَرَّمَ سَفْكَ الدِّمَاءِ بِمَكَّةَ» ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُولُوا إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ» . وَقَوْلُهُ: «إنَّ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ» ) رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ عُمَرَ فِي الْحَرَمِ مَا هَيَّجْتُهُ (لَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى وَلَا يُكَلَّمُ) وَلَا يُطْعَمُ وَلَا يُسْقَى وَلَا يُؤَاكَلُ وَلَا يُشَارَبُ وَلَا يُجَالَسُ؛ وَيُهْجَرُ (حَتَّى يَخْرُجَ) مِنْ الْحَرَمِ، (فَيُقَامُ عَلَيْهِ) لِئَلَّا يَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِقَامَةِ دَائِمًا، فَيَضِيعُ الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ. (وَمَنْ فَعَلَهُ) ؛ أَيْ: قَتَلَ أَوْ أَتَى حَدًّا فِيهِ - أَيْ فِي الْحَرَمِ أُخِذَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِهِ) ؛ أَيْ بِمَا فَعَلَهُ (فِيهِ) -، أَيْ: فِي الْحَرَمِ - قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 191] الْآيَةَ، فَأَبَاحَ قَتْلَهُمْ عِنْدَ قِتَالِهِمْ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ يَحْتَاجُونَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 إلَى الزَّجْرِ عَنْ الْمَعَاصِي حِفْظًا لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ الْحَدُّ فِيهِ لَتَعَطَّلَتْ الْحُدُودُ فِي حَقِّهِمْ، وَفَاتَتْ الْمَصَالِحُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا. (وَمَنْ قُوتِلَ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحَرَمِ (دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 191] قُرِئَ بِهِمَا، ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ مُجَاهِدًا وَغَيْرَهُ قَالُوا: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ. وَفِي التَّمْهِيدِ " أَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ تُقَاتَلُ الْبُغَاةُ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بَغْيُهُمْ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، وَحِفْظُهَا فِي حَرَمِهِ أَوْلَى مِنْ إضَاعَتِهَا، وَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَحَمَلَ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَعُمُّ إتْلَافَهُ كَالْمَنْجَنِيقِ إذَا أَمْكَنَ إصْلَاحٌ بِدُونِ ذَلِكَ. (وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ لَوْ تَغَلَّبَ فِيهِ كُفَّارٌ أَوْ بُغَاةٌ، وَجَبَ قِتَالُهُمْ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحَرَمِ (بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ تَعَدَّى أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى الرَّكْبِ؛ فَإِنَّهُ (يُدْفَعُ مُتَعَدٍّ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحَرَمِ (كَ) مَا يُدْفَعُ (الصَّائِلُ) وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ مَعَ الرَّكْبِ، بَلْ يَجِبُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ. وَفِي " الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ " الطَّائِفَةُ الْمُمْتَنِعَةُ بِالْحَرَمِ مِنْ مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ لَا تُقَاتَلُ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ لَهَا تَأْوِيلٌ. (وَلَا تَعْصِمُ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ وَسَائِرُ الْبِقَاعِ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ) فَلَوْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ شَهْرٌ حَرَامٌ؛ أُقِيم عَلَيْهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ. (وَإِذَا أَتَى غَازٍ حَدًّا، أَوْ أَتَى قَوَدًا) وَهُوَ (بِأَرْضِ الْعَدُوِّ أَوْ خَارِجِهَا، ثُمَّ دَخَلَ إلَيْهَا؛ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ) ؛ أَيْ: الْحَدِّ أَوْ الْقَوَدِ (حَتَّى يَرْجِعَ لِدَارِ الْإِسْلَامِ) لِخَبَرِ بَشِيرِ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّهُ أَتَى بِرَجُلٍ فِي الْغَزَاةِ قَدْ سَرَقَ بُخْتِيَّةً فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَوْ تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزَاةِ لَقَطَعْتُكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَهُوَ إجْمَاعٌ لِلصَّحَابَةِ، فَإِذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 الْإِسْلَامِ يُقَامُ عَلَيْهِ، لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ. وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى النَّاسِ أَنْ لَا يَجْلِدَنَّ أَمِيرُ الْجَيْشِ وَلَا سَرِيَّةٍ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَدًّا وَهُوَ غَازٍ حَتَّى يَقْطَعَ الدَّرْبَ قَافِلًا، وَإِنَّمَا أُخِّرَ لِعَارِضٍ وَقَدْ زَالَ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلْحَقُهُ حَمِيَّةُ الشَّيْطَانِ فَيَلْحَقُ بِالْكُفَّارِ. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ أَتَى بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا فِي الثُّغُورِ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهَا قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ "؛ لِأَنَّهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى زَجْرِ أَهْلِهَا كَالْحَاجَةِ إلَى زَجْرِ غَيْرِهِمْ؛ وَإِنْ أَتَى حَدًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ أُسِرَ؛ أُقِيمَ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ مِنْهَا. [بَابٌ حَدُّ الزِّنَا] الزِّنَا، بِالْقَصْرِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ وَالْمَدِّ عِنْدَ تَمِيمٍ، وَالزِّنَا اسْمٌ لِفِعْلٍ مَعْلُومٍ، وَهُوَ إيلَاجُ فَرْجٍ فِي مَحِلٍّ مُحَرَّمٍ مُشْتَهًى، وَمَعْنَاهُ قَضَاءُ شَهْوَةِ الْفَرْجِ بِسَفْحِ الْمَاءِ فِي مَحِلٍّ مُحَرَّمٍ مُشْتَهًى مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةٍ لِلْوَلَدِ، وَيُسَمَّى سِفَاحًا (وَهُوَ فِعْلُ الْفَاحِشَةِ فِي قُبُلٍ أَوْ فِي دُبُرٍ وَهُوَ) ؛ أَيْ: الزِّنَا (أَكْبَرُ الذُّنُوبِ) الْمُوبِقَاتِ (بَعْدَ شِرْكٍ) قُدِّمَ الشِّرْكُ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ، وَأَبَاحَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَهْلَهُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَأَنْ يَتَّخِذُوهُمْ عَبِيدًا لَهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْقِيَامَ بِعُبُودِيَّةِ اللَّهِ، وَأَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُشْرِكٍ عَمَلًا أَوْ يَقْبَلَ فِيهِ شَفَاعَةً، أَوْ يَسْتَجِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ دَعْوَةً، فَإِنَّ الْمُشْرِكَ أَجْهَلُ الْجَاهِلِينَ بِاَللَّهِ حَيْثُ جَعَلَ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ نِدًّا، وَذَلِكَ غَايَةُ الْجَهْلِ بِهِ، كَمَا أَنَّهُ غَايَةُ الظُّلْمِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُ لَمْ يَظْلِمْ رَبَّهُ وَإِنَّمَا ظَلَمَ نَفْسَهُ [ (وَقَتْلٍ) قَدْ جَعَلَ اللَّهُ] الْقَتْلَ بِإِزَاءِ الشِّرْكِ، وَيَقْرَبُ مِنْهُ الزِّنَا وَاللُّوَاطَةُ؛ فَإِنَّ هَذَا يُفْسِدُ الْأَدْيَانَ، وَهَذَا يُفْسِدُ الْأَبْدَانَ، وَهَذَا يُفْسِدُ الْأَنْسَابَ (قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ بَعْدَ الْقَتْلِ ذَنْبًا أَعْظَمُ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 الزِّنَا) وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ: الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قَالَ: قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَصْدِيقَهَا {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] الْآيَةَ» . وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَعْلَاهُ لِيُطَابِقَ جَوَابُهُ سُؤَالَ السَّائِلِ؛ فَإِنْ سَأَلَهُ عَنْ أَعْظَمِ الذَّنْبِ فَأَجَابَهُ بِمَا تَضَمَّنَ ذِكْرَ أَعْظَمِ أَنْوَاعِهَا، وَمَا هُوَ أَعْظَمُ كُلِّ نَوْعٍ. فَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدُ لِلَّهِ نِدًّا، وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَ وَلَدَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الزِّنَا أَنْ يَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِهِ؛ فَإِنَّ مَفْسَدَةَ الزِّنَا تُضَاعَفُ بِتَضَاعُفِ مَا انْتَهَكَهُ مِنْ الْحَقِّ. (وَ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الزِّنَا (يَتَفَاوَتُ) إثْمُهُ وَيَعْظُمُ جُرْمُهُ بِحَسَبِ مَوَارِدِهِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (فَزِنًا بِذَاتِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) لَهُ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (أَعْظَمُ مِنْ زِنًا بِمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ) إذْ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الزَّوْجِ، وَإِفْسَادُ فِرَاشِهِ، وَتَعْلِيقُ نَسَبٍ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ أَذَاهُ، فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا وَجُرْمًا مِنْ الزِّنَا بِغَيْرِ ذَاتِ الْبَعْلِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ (فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا جَارًا انْضَمَّ لَهُ سُوءُ الْجِوَارِ) وَإِيذَاءُ جَارٍ بِأَعْلَى أَنْوَاعِ الْأَذَى، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَوَائِقِ أَوْ كَانَ الْجَارُ أَخًا (أَوْ قَرِيبًا) مِنْ أَقَارِبِهِ (انْضَمَّ لَهُ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ) فَيَتَضَاعَفُ الْإِثْمُ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» وَلَا بَائِقَةَ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَا بِامْرَأَةِ الْجَارِ، فَإِنْ كَانَ الْجَارُ غَائِبًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ كَالْعِبَادَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ تَضَاعَفَ الْإِثْمُ حَتَّى إنَّ الزَّانِيَ بِامْرَأَةِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوقَفُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ: خُذْ عَلَى حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ. «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا: ظَنُّكُمْ؟» [أَيْ:] مَا ظَنُّكُمْ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ قَدْ حَكَمَ فِي أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا شَاءَ عَلَى شِدَّةِ الْحَاجَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 إلَى حَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، حَيْثُ لَا يَتْرُكُ الْأَبُ لِابْنِهِ، وَلَا الصِّدِّيقُ لِصِدِّيقِهِ حَقًّا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَحِمًا لَهُ انْضَافَ إلَى ذَلِكَ قَطِيعَةُ رَحِمِهَا، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ الزَّانِي مُحْصَنًا كَانَ الْإِثْمُ أَعْظَمَ، فَإِنْ كَانَ شَيْخًا كَانَ أَعْظَمَ إثْمًا وَعُقُوبَةً، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، فَإِنْ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ أَوْ بَلَدٍ حَرَامٍ أَوْ وَقْتٍ مُعَظَّمٍ عِنْدَ اللَّهِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ تَضَاعَفَ الْإِثْمُ، وَعَلَى هَذَا فَاعْتُبِرَ مَفَاسِدُ الذُّنُوبِ وَتَضَاعُفُ دَرَجَاتِهَا فِي الْإِثْمِ وَالْعُقُوبَةِ. وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى الزِّنَا مَوْجُودًا فِي اللِّوَاطِ مِنْ كَوْنِهِ إيلَاجَ فَرْجٍ فِي مَحِلٍّ مُحَرَّمٍ إلَى آخِرِهِ، بَلْ هُوَ فَوْقَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعَقْلًا، تَعَدَّى الْحُكْمُ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَلِذَلِكَ قَالَ: (وَيَتَّجِهُ وَأَفْظَعُهُ) ؛ أَيْ: أَفْظَعُ أَنْوَاعِ الزِّنَا (اللِّوَاطُ) وَإِنْ كَانَ الزِّنَا وَاللِّوَاطُ مُشْتَرِكَيْنِ فِي الْفُحْشِ، وَفِي كُلِّ فَسَادٍ يُنَافِي حِكْمَةَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، فَإِنَّ فِي اللِّوَاطِ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا يَفُوتُ الْحَصْرَ وَالتَّعْدَادَ، وَلَأَنْ يُقْتَلَ الْمَفْعُولُ بِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُؤْتَى فَإِنَّهُ يَفْسُدُ فَسَادًا لَا يُرْجَى لَهُ بَعْدَهُ صَلَاحٌ أَبَدًا، وَيَذْهَبُ خَيْرُهُ كُلُّهُ، وَتَمْتَصُّ الْأَرْضُ مَاوِيَّةَ الْحَيَاءِ مِنْ وَجْهِهِ، فَلَا يَسْتَحْيِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ خَلْقِهِ، وَتَعْمَلُ فِي قَلْبِهِ وَرُوحِهِ نُطْفَةُ الْفَاعِلِ مَا يَعْمَلُ السُّمُّ فِي الْبَدَنِ، وَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يُوَفَّقَ لِخَيْرٍ، وَأَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَكُلَّمَا عَمِلَ خَيْرًا قُيِّضَ لَهُ مَا يُفْسِدُهُ عُقُوبَةً لَهُ؛ وَقَلَّ أَنْ تَرَى مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي صِغَرِهِ إلَّا وَهُوَ فِي كِبَرِهِ شَرٌّ مِمَّا كَانَ، وَلَا يُوَفَّقُ لِعِلْمٍ نَافِعٍ، وَلَا عَمَلٍ صَالِحٍ، وَلَا تَوْبَةٍ نَصُوحٍ غَالِبًا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَمَفْسَدَةُ اللِّوَاطِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ، وَعُقُوبَاتُهُ مِنْ أَعْظَمِ الْعُقُوبَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. لِقَوْلِ [اللَّهِ تَعَالَى: " {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80] . وَقَالَ فِي الزِّنَا: " {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32] وَلَمْ يَقُلْ مَا سَبَقَكُمْ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ اللِّوَاطَ أَفْظَعُ مِنْ الزِّنَا، وَلِذَلِكَ قَالَ] (كَثِيرٌ) مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 وَعَلِيٌّ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْمَرٍ (بِقَتْلِهِ) ؛ أَيْ: اللَّائِطِ وَالْمَلُوطِ بِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَمِمَّنْ قَالَ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِقَتْلِهِ الزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ (عَلَى كُلِّ حَالٍ) مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ، وَقَدْ أَطْبَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَتْلِهِ، لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي صِفَةِ قَتْلِهِ؛ فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مِنْهُمْ فِي قَتْلِهِ، فَحَكَاهَا مَسْأَلَةَ نِزَاعٍ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَهِيَ بَيْنَهُمْ مَسْأَلَةُ إجْمَاعٍ، لَا مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ. رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ. وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّ حَدَّ اللُّوطِيِّ كَالزَّانِي سَوَاءٌ، وَيَأْتِي (وَنَقَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ) فِي " الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ " وَغَيْرِهِ (قَالَ) بَعْضُ (الْأَصْحَابِ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ تَحْرِيقَ اللُّوطِيِّ فَلَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ) ، أَيْ: الْقَوْلُ بِتَحْرِيقِ اللُّوطِيِّ (مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَمِنْ ذَلِكَ مَا يَثْبُتُ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ ضَوَاحِي الْعَرَبِ رَجُلًا يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ فَكَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَاسْتَشَارَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةَ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَشَدَّهُمْ قَوْلًا فِيهِ. فَقَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا إلَّا أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِهَا أَرَى أَنْ يُحْرَقَ؛ بِالنَّارِ. فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى خَالِدٍ فَحَرَقَهُ. (فَإِذَا زَنَى مُحْصَنٌ. وَجَبَ رَجْمُهُ حَتَّى يَمُوتَ بِحِجَارَةٍ مُتَوَسِّطَةٍ) كَالْكَفِّ (فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُثْخَنَ بِصَخْرَةٍ كَبِيرَةٍ، وَلَا أَنْ يُطَوَّلَ عَلَيْهِ بِحَصَيَاتٍ صَغِيرَةٍ) حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَمَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فِي أَخْبَارٍ تُشْبِهُ التَّوَاتُرَ، وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ نَسَخَ رَسْمَهُ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ الْخَبَرُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ فِي الْمَصَاحِفِ لَاجْتَمَعَ الْعَمَلُ بِحُكْمِهَا، وَثَوَابُ تِلَاوَتِهَا. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَجَابَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ مِقْدَارُ طَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى بَذْلِ النُّفُوسِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ لِطَلَبِ طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، كَمَا سَارَعَ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ بِمَنَامٍ، وَهُوَ أَدْنَى طُرُقِ الْوَحْيِ وَأَقَلُّهَا. وَيَتَّقِي الرَّاجِمُ الْوَجْهَ (وَلَا يُجْلَدُ) الْمَرْجُومُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الرَّجْمِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ، وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا» . وَقَالَ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِجَلْدِهَا، وَكَانَ هَذَا آخَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تُرْشِدُ إلَيْهِ رِوَايَةُ الْأَثْرَمِ عَنْ أَحْمَدَ، وَلِأَنَّهُ حَدٌّ فِيهِ قَتْلٌ فَلَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ الْجَلْدُ كَالرِّدَّةِ (وَلَا يُنْفَى الْمَرْجُومُ) قَبْلَ رَجْمِهِ. (وَالْمُحْصَنُ مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ) لَا سُرِّيَّتُهُ (بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) لَا بَاطِلٍ وَلَا فَاسِدٍ (وَلَوْ) كَانَتْ (كِتَابِيَّةً فِي قُبُلِهَا) وَطْئًا حَصَلَ بِهِ تَغِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا (وَلَوْ) كَانَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا (فِي حَيْضٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ وَنَحْوِهِ) كَفِي نِفَاسٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ مَعَ ضِيقِ وَقْتِ فَرِيضَةٍ (وَهُمَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَانِ (مُكَلَّفَانِ حُرَّانِ) فَلَا إحْصَانَ مَعَ صِغَرِ أَحَدِهِمَا (أَوْ جُنُونِهِ أَوْ رِقِّهِ، وَلَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُسْتَأْمَنَيْنِ بِنِكَاحٍ يُقَرَّانِ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَا) فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمَجُوسِيُّ الْمُتَزَوِّجُ بِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَأُخْتِهِ؛ إذْ تَزْوِيجُهُ بِنَحْوِ أُخْتِهِ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ لَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا، وَكَذَا الْيَهُودِيُّ إذَا نَكَحَ بِنْتَ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا إحْصَانَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا بِالْخَلْوَةِ وَلَا الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ وَمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا بِوَطْءِ زِنًا أَوْ شُبْهَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِحْصَانِ الْإِسْلَامُ؛ «لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِرَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ، فَرُجِمَا» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَيُفَارِقَ الْإِحْصَانُ إحْلَالٌ حَيْثُ تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا بِوَطْءِ زَوْجٍ وَلَوْ رَقِيقًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ أَوْ مَجْنُونًا؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ اُعْتُبِرَ لِكَمَالِ النِّعْمَةِ، فَمَنْ كَمُلَتْ النِّعْمَةُ فِي حَقِّهِ؛ فَجِنَايَتُهُ أَفْحَشُ وَأَحَقُّ بِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ، وَالنِّعْمَةُ فِي حَقِّ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ أَكْمَلُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 بِخِلَافِ الْإِحْلَالِ؛ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْمُطَلِّقِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً لَهُ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ؛ فَإِنَّهُ مِمَّا تَأْبَاهُ الطِّبَاعُ وَيَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ (لَكِنْ لَا حَدَّ عَلَى مُسْتَأْمَنٍ نَصًّا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِحُكْمِنَا بَلْ يَكُونُ مُحْصَنًا، فَإِذَا زَنَى بَعْدَ إسْلَامٍ أَوْ بَعْدَ كَوْنِهِ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ يُحَدُّ اكْتِفَاءً بِإِحْصَانِهِ بِالنِّكَاحِ فِي أَمَانِهِ السَّابِقِ. (وَلَا يَسْقُطُ إحْصَانُ) مَنْ أَحْصَنَ كَافِرًا (بِإِسْلَامٍ) نَصًّا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. (وَيَتَّجِهُ وَيَسْقُطُ) إحْصَانُ كَافِرٍ زَنَى بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ (بِطُرُوءِ) عَلَيْهِ (مُدَّتِهِ) ؛ أَيْ: الرِّقِّ، فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِزِنَاهُ السَّابِقِ عَلَى الِاسْتِرْقَاقِ مَا دَامَ رَقِيقًا، مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْمَالِكِ، فَإِذَا زَنَى فِي مُدَّةِ رِقِّهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَكَذَا لَوْ صَارَ حُرًّا فَإِنَّهُ يُحَدُّ اكْتِفَاءً بِإِحْصَانِهِ السَّابِقِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَصِيرُ هِيَ) ؛ أَيْ: الزَّوْجَةُ (أَيْضًا مُحْصَنَةً) حَيْثُ كَانَا بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ حَالَ الْوَطْءِ (وَلَا إحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ (مَعَ فَقْدِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ) مِنْ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ. (وَيَثْبُتُ) إحْصَانُهُ (بِقَوْلِهِ) ؛ أَيْ: الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ (وَطِئْتُهَا أَوْ جَامَعْتُهَا وَنَحْوِهِ) كَبَاضَعْتُهَا (أَوْ دَخَلْتُ بِهَا) لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ الْوَطْءُ بِخِلَافِ أَصَبْتُهَا أَوْ بَاشَرْتُهَا أَوْ أَتَيْتُهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ إحْصَانٌ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا دُونَ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ كَثِيرًا، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ". وَكَذَا لَوْ قَالَتْ هِيَ شَيْئًا مِمَّا سَبَقَ، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَفِي " الْإِقْنَاعِ " وَإِنْ قَالَتْ: بَاشَرَهَا أَوْ مَسَّهَا أَوْ أَصَابَهَا أَوْ أَتَاهَا أَوْ دَخَلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 بِهَا أَوْ قَالَهُ هُوَ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَثْبُتَ بِهِ إحْصَانٌ. انْتَهَى. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ (بِالشَّهَادَةِ) مِنْ عَدْلَيْنِ (عَلَى فِعْلِهِ) الْوَطْءَ وَأَمَّا لَوْ شَهِدَا بِدُخُولِهِ بِزَوْجَتِهِ فَلَا يَكُونُ إحْصَانًا عَلَى الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ. وَيَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ مُقِرٌّ بِهِ) أَيْ: بِالْوَطْءِ عَنْ إقْرَارِهِ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ (قُبِلَ) مِنْهُ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ شُبْهَةٌ؛ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَثْبُتُ) إحْصَانٌ (بِوَلَدِهِ) مِنْ امْرَأَتِهِ (مَعَ إنْكَارِ وَطْئِهَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ، وَالْإِحْصَانُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ وَكَذَا لَوْ كَانَ لِامْرَأَةٍ وَلَدٌ مِنْ زَوْجِهَا فَأَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا؛ لَمْ يَثْبُتْ إحْصَانُهَا لِذَلِكَ، وَإِذَا جُلِدَ زَانٍ عَلَى أَنَّهُ بِكْرٌ، فَبَانَ مُحْصَنًا، رُجِمَ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ: إنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ، «فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجُلِدَ الْحَدَّ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ، فَرُجِمَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَيُكَفَّنُ الْمَحْدُودُ بِالرَّجْمِ، وَيُغَسَّلُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا. قَالَ أَحْمَدُ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ شُرَاحَةَ، وَكَانَ رَجَمَهَا، فَقَالَ: اصْنَعُوا بِهَا مَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ، وَصَلَّى عَلِيٌّ عَلَيْهَا. وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الْجُهَنِيَّةِ «فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَتْ، وَصَلَّى عَلَيْهَا» وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. [تَتِمَّةٌ زَنَى حُرٌّ ذِمِّيٌّ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَ فَاسْتُرِقَّ] تَتِمَّةٌ: وَلَوْ زَنَى حُرٌّ ذِمِّيٌّ، ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ سُبِيَ، فَاسْتُرِقَّ؛ حُدَّ حَدَّ الْأَحْرَارِ مِنْ رَجْمٍ أَوْ جَلْدٍ أَوْ تَغْرِيبٍ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الْوُجُوبِ، وَقَدْ كَانَ حُرًّا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 (وَإِنْ زَنَى غَيْرُ مُحْصَنٍ حُرٌّ جُلِدَ مِائَةً) بِلَا خِلَافٍ لِلْخَبَرِ (وَغُرِّبَ، عَامًا وَلَوْ أُنْثَى) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ حَدٌّ تَرَتَّبَ عَلَى الزِّنَا فَوَجَبَ عَلَى الْكَافِرِ كَالْقَوَدِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ وَغَرَّبَ» ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، (وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ) . وَيَكُونُ تَغْرِيبُ أُنْثَى (بِمَحْرَمٍ بَاذِلٍ نَفْسَهُ) مَعَهَا (وُجُوبًا) لِعُمُومِ نَهْيِهَا عَنْ السَّفَرِ بِلَا مَحْرَمٍ (وَعَلَيْهَا أُجْرَتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَحْرَمِ، لِصَرْفِ نَفْسِهِ فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا (فَإِنْ تَعَذَّرَتْ) أُجْرَتُهُ (مِنْهَا) لِعَدَمٍ أَوْ امْتِنَاعٍ (فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ. (فَإِنْ أَبَى) الْمَحْرَمُ السَّفَرَ مَعَهَا (أَوْ تَعَذَّرَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ (فَوَحْدَهَا) تُغَرَّبُ (إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ بِحَيْثُ عَيَّنَهُ حَاكِمٌ) لِلْحَاجَةِ كَسَفَرِ الْهِجْرَةِ وَكَالْحَجِّ إذَا مَاتَ الْمَحْرَمُ فِي الطَّرِيقِ (وَيُغَرَّبُ غَرِيبٌ) . زَنَى (وَ) يُغَرَّبُ (مُغَرَّبٌ) زَنَى مِنْ رَبَّتِهِ (إلَى غَيْرِ وَطَنِهِمَا) لِأَنَّ عَوْدَهُ إلَى وَطَنِهِ لَيْسَ تَغْرِيبًا، (وَيَتَدَاخَلُ تَغْرِيبٌ كَحَدٍّ) وَتَدْخُلُ بَقِيَّةُ مُدَّةِ التَّغْرِيبِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْحَدَّيْنِ مِنْ جِنْسٍ فَتَدَاخَلَا، وَإِنْ عَادَ إلَى وَطَنِهِ قَبْلَ الْحُلُولِ مُنِعَ، وَأُعِيدَ تَغْرِيبُهُ حَتَّى يُكْمِلَ الْحَوْلَ مُسَافِرًا، وَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى قَبْلَ عَوْدِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لِزِيَادَتِهِ إذَنْ عَنْ الْعَامِ، وَالْبَدَوِيُّ يُغَرَّبُ عَنْ حِلَّتِهِ وَقَوْمِهِ إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ بَيْنَ قَوْمِهِ حَتَّى يَمْضِيَ الْعَامُ؛ لِيَحْصُلَ التَّغْرِيبُ. وَلَوْ أَرَادَ الْحَاكِمُ تَغْرِيبَهُ، فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَغَابَ سَنَةً ثُمَّ عَادَ؛ لَمْ يَكْفِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الزَّجْرُ، كَمَا لَوْ جَلَدَ نَفْسَهُ، وَلَا يُحْبَسُ الْمُغَرَّبُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إلَيْهِ؛ لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (وَإِنْ زَنَى قِنٌّ وَلَوْ عَتَقَ بَعْدَ جَلْدِ خَمْسِينَ) جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالْعَذَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ مِائَةُ جَلْدَةٍ، فَيَنْصَرِفُ التَّنْصِيفُ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالرَّجْمُ لَا يَتَأَتَّى بِهِ تَنْصِيفُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 (وَلَا يُغَرَّبُ) قِنٌّ، زَنَى، لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ، إذْ الْعَبْدُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي تَغْرِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرِيبٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَيَتَرَفَّهُ فِيهِ بِتَرْكِ الْخِدْمَةِ، وَيَتَضَرَّرُ سَيِّدُهُ بِذَلِكَ. (وَلَا يُعَيَّرُ) زَانٍ بَعْدَ الْحَدِّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ» يُقَالُ ثَرَّبَهُ عَلَيْهِ، أَيْ: لَامَهُ وَعَيَّرَهُ بِذَنْبِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ. (وَإِنْ زَنَى) رَقِيقٌ (بَعْدَ عِتْقٍ وَقَبْلَ عِلْمٍ بِهِ) ؛ أَيْ: الْعِتْقِ (حُدَّ كَحُرٍّ) وَلَا أَثَرَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْعِتْقِ، وَإِنْ أُقِيمَ حَدُّ الرَّقِيقِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِحُرِّيَّتِهِ، ثُمَّ عُلِمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ تُمِّمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْأَحْرَارِ اسْتِدْرَاكًا لِلْوَاجِبِ، وَإِنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ، وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْإِحْصَانِ كُلُّهَا؛ رُجِمَ كَمَا سَبَقَ فِي الْحُرِّ الْأَصْلِيِّ. (وَيُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ مُبَعَّضٌ بِحِسَابِهِ) فَالْمُتَنَصَّفُ يُجْلَدُ خَمْسًا وَسَبْعِينَ جَلْدَةً، وَيُغَرَّبُ نِصْفَ عَامٍ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ تَغْرِيبُهُ عَامٌ، وَالْعَبْدُ لَا تَغْرِيبَ عَلَيْهِ، فَنِصْفُ الْوَاجِبِ مِنْ التَّغْرِيبِ نِصْفٌ مَحْسُوبًا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ نَصِيبِهِ الْحُرِّ، وَلِلسَّيِّدِ نِصْفُ عَامٍ بَدَلًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ السَّيِّدِ لَا تَغْرِيبَ فِيهِ، وَمَا زَادَ مِنْ الْحُرِّيَّةِ عَلَى النِّصْفِ وَنَقَصَ عَنْهَا فَبِحِسَابِ ذَلِكَ مِنْ جَلْدٍ وَتَعْزِيرٍ (فَإِنْ كَانَ) فِي الْجَلَدَاتِ (كَسْرٌ كَمَنْ ثُلُثُهُ حُرٌّ؛ فَحَدُّهُ سِتٌّ وَسِتُّونَ) جَلْدَةً (وَثُلُثَا جَلْدَةٍ فَيَنْبَغِي سُقُوطُ الْكَسْرِ) لِئَلَّا يَحْصُلَ الْعُدْوَانِ بِمُجَاوَزَةِ الْوَاجِبِ، وَلَمْ تُجْعَلْ كَالْيَمِينِ فِي الْقَسَامَةِ، لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ حَسَبَ الِاسْتِطَاعَةِ، وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ لِحَدِيثِ «الْمُكَاتَبُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَنْ عَبْدِهِ الزَّانِي وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ لِأَنَّهُ لِلَّهِ فَلَا يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ. (وَإِنْ زَنَى مُحْصَنٌ بِبِكْرٍ) أَوْ عَكْسُهُ (أَوْ) زَنَى (حُرٌّ بِقِنٍّ فَلِكُلٍّ حَدُّهُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: «فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 افْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَقَالُوا: إنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالرَّجْمُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً، وَغَرَّبَهُ عَامًا، وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ يَأْتِي امْرَأَةَ الْآخَرِ، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الْعَسِيفُ الْأَجِيرُ. (وَزَانٍ بِذَاتِ مَحْرَمٍ) كَأُخْتِهِ (كَ) زَانٍ (بِغَيْرِهَا) عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ؛ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ (وَعَنْهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (يُقْتَلُ) زَانٍ بِذَاتِ مَحْرَمٍ (بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ: مُحْصَنًا كَانَ أَوْ لَا، قِيلَ لَهُ: فَالْمَرْأَةُ؟ قَالَ: كِلَاهُمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ. وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ. (وَلُوطِيٌّ فَاعِلٌ وَمَفْعُولٌ بِهِ كَزَانٍ) فَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا مُحْصَنًا رُجِمَ، وَغَيْرُ الْمُحْصَنِ الْحُرِّ يُجْلَدُ مِائَةً وَيُغَرَّبُ عَامًا، وَالرَّقِيقُ يُجْلَدُ خَمْسِينَ وَالْمُبَعَّضُ بِحِسَابِهِ؛ لِحَدِيثِ «إذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ» : وَلِأَنَّهُ فَرْجٌ مَقْصُودٌ بِالِاسْتِمْتَاعِ؛ أَشْبَهَ فَرْجَ الْمَرْأَةِ. (وَمَمْلُوكُهُ) إذَا لَاطَ بِهِ (كَأَجْنَبِيٍّ) لِأَنَّ الذَّكَرَ لَيْسَ لِلْوَطْءِ فَلَا يُؤَثِّرُ مِلْكُهُ لَهُ. (وَدُبُرُ أَجْنَبِيَّةٍ) ؛ أَيْ: غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَسُرِّيَّتِهِ (كَلِوَاطٍ) وَيُعَزَّرُ مَنْ أَتَى زَوْجَتَهُ أَوْ سُرِّيَّتَهُ فِي دُبُرِهَا (وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً) وَلَوْ سَمَكَةً (عُزِّرَ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ يَصِحُّ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى فَرْجِ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَالنُّفُوسُ تَعَافُهُ، وَيُبَالَغُ فِي تَعْزِيرِهِ؛ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ فِيهِ كَوَطْءِ الْمَيِّتَةِ (وَقُتِلَتْ) الْبَهِيمَةُ الْمَأْتِيَّةُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَأْكُولَةً أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ؛ لِئَلَّا يُعَيَّرَ بِهَا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ» ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ. وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَالُ الْبَهِيمَةِ؟ قَالَ: لِئَلَّا يُقَالَ هَذِهِ بِهَذِهِ» وَقِيلَ فِي التَّعْلِيلِ لِئَلَّا تَلِدَ خَلْقًا مُشَوَّهًا، وَبِهِ عَلَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 فِي " التَّذْكِرَةِ " وَقِيلَ لِئَلَّا تُؤْكَلَ، أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَعْلِيلِهِ، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ (لَكِنْ) لَا تُقْتَلُ إلَّا (بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى فِعْلِهِ بِهَا) إنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ. (وَيَكْفِي إقْرَارُهُ مَرَّةً إنْ مَلَكَهَا) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَيَحْرُمُ أَكْلُهَا) ؛ أَيْ: الْمَأْتِيَّةِ - وَلَوْ مَأْكُولَةً - لِأَنَّهَا حَيَوَانٌ وَجَبَ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ أَشْبَهَ سَائِرَ الْمَأْكُولَاتِ (فَيَضْمَنُهَا) الْآتِي لَهَا بِقِيمَتِهَا لِإِتْلَافِهَا بِسَبَبِهِ، كَمَا لَوْ جَرَحَهَا فَمَاتَتْ. (وَيَتَّجِهُ الْأَصَحُّ لَا تُقْتَلُ) الْبَهِيمَةُ الْمَأْتِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَا ذَنْبَ لَهَا، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَهُوَ رِوَايَةٌ؛ (فَإِنَّ) الْإِمَامَ (أَحْمَدَ سُئِلَ) عَنْ حَدِيثِ قَتْلِهَا فَلَمْ يُثْبِتْهُ، (وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْحَدِيثُ) الْوَارِدُ فِي قَتْلِهَا (ضَعِيفٌ) لَكِنْ قَالَ: فِي " الْإِنْصَافِ " وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيِّ صَاحِبُ " الْهِدَايَةِ " " وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " " وَالْكَافِي " " وَالْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الِاخْتِيَارُ قَتْلُهَا، انْتَهَى. فَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الِاتِّجَاهَ فِيهِ مَا فِيهِ (وَعَنْهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (مَنْ أَتَى بَهِيمَةً حُدَّ كَلُوطِيٍّ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يُعَزَّرُ فَقَطْ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. (وَمَنْ مَكَّنَتْ مِنْهَا قِرْدًا) حَتَّى وَطِئَهَا (عُزِّرَتْ) تَعْزِيرًا بَلِيغًا كَوَاطِئِ الْبَهِيمَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. [فَصْلٌ شُرُوطُ حَدِّ الزِّنَا] فَصْلٌ (وَشُرُوطُ حَدِّ زِنًا ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا - تَغْيِيبُ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ مِنْ عَاقِلٍ، وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنْ يَكُونَ (بِلَا حَائِلٍ) قِيَاسًا عَلَى الْغُسْلِ، إذْ لَوْ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ بِحَائِلٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، فَدَلَّ أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 يَلْزَمُ مَنْ نَفَى وُجُوبَ الْغُسْلِ نَفْيُ الْحَدِّ وَأَوْلَى " قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " " وَالْمُبْدِعِ " فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ غَيَّبَ بِحَائِلٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (مِنْ آدَمِيٍّ) ، وَلَوْ مِنْ خَصِيٍّ (أَوْ مِنْ جَاهِلِ) الْعُقُوبَةِ (أَوْ) تَغْيِيبُ (قَدْرِهَا) ؛ أَيْ: الْحَشَفَةِ (لِعَدَمِهَا فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ مِنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ، وَلَوْ دُبُرًا) لِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى؛ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً فِي الْبُسْتَانِ فَأَصَبْتُ مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَنْكِحْهَا، فَقَرَأَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] » رَوَاهُ النَّسَائِيّ فَلَا حَدَّ بِتَغْيِيبِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَلَا بِتَغْيِيبِ ذَكَرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَلَا بِالتَّغْيِيبِ فِي فَرْجِهِ، وَلَا بِالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا بِإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَيُعَزَّرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَدْ جَاءَ تَائِبًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ حَالِهِ، عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ تَرْكَ التَّعْزِيرِ إذَا رَآهُ، كَمَا فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ ". الشَّرْطُ (الثَّانِي - انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ) لِحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (فَلَا يُحَدُّ مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ) أَوْ سُرِّيَّتَهُ (فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ دُبُرٍ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ مِلْكًا (أَوْ) وَطِئَ (أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ أَبَدًا بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أُمِّ زَوْجَتِهِ، أَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ (الْمُزَوَّجَةَ) أَوْ (أَمَتَهُ) الْمُعْتَدَّةَ أَوْ (أَمَتَهُ) (الْمُرْتَدَّةَ أَوْ) أَمَتَهُ (الْمَجُوسِيَّةَ) (أَوْ) وَطِئَ أَمَةً (لَهُ فِيهَا) شِرْكٌ (أَوْ) لِوَلَدِهِ (فِيهَا) شِرْكٌ (أَوْ لِمُكَاتَبِهِ) فِيهَا شِرْكٌ (أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ فِيهَا شِرْكٌ، وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْوَاطِئُ (مُسْلِمٌ حُرٌّ) فَلَا حَدَّ لِشُبْهَةِ مِلْكِ الْوَاطِئِ أَوْ لِوَلَدِهِ؛ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي مِلْكِ وَلَدِهِ؛ لِحَدِيثِ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَلِشُبْهَةِ مِلْكِ مُكَاتَبٍ الْوَاطِئَ، وَكَذَا إنْ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ فِيهَا شِرْكٌ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِيهِ حَقًّا. وَفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ لَا حَدَّ عَلَى الرَّقِيقِ) الْمُسْلِمِ إذَا وَطِئَ أَمَةً لِبَيْتِ الْمَالِ فِيهَا شِرْكٌ (قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ) الْآتِيَةِ فِي بَابِهَا؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا هُنَا: الشَّرْطُ السَّادِسُ انْتِقَاءُ الشُّبْهَةِ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مُسْلِمٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ قِنًّا، وَفِي " الْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِ هُنَا الْحُرِّيَّةُ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّ لِلْحُرِّ حَقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الرَّقِيقِ فَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّةِ نِسْبَةِ هَذَا الِاتِّجَاهِ إلَى الْمُصَنِّفِ؛ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِصَرِيحِ " الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ. (أَوْ) وَطِئَ (فِي نِكَاحِ) مُخْتَلَفٍ فِيهِ (أَوْ فِي مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ يُعْتَقَدُ تَحْرِيمُهُ كَنِكَاحِ بِنْتِهِ مِنْ زِنًا وَنِكَاحِ مُتْعَةٍ كَ) قَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ (أَمْتِعِينِي نَفْسَكِ؛ فَتَقُولُ هِيَ أَمْتَعْتُكَ) نَفْسِي (بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ) فَلَا حَدَّ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا حَدَّ بِوَطْئِهِ امْرَأَةً مُطَلَّقَةً مِنْهُ (ثَلَاثًا دُفْعَةً أَوْ) مُطَلَّقَةً مِنْهُ ثَلَاثًا فِي دُفُعَاتٍ (فِي طُهْرٍ) وَاحِدٍ (لِقَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ فَقَطْ) وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ فَلْيُرَاجَعْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا حَدَّ بِوَطْءٍ بِشِرَاءٍ (فَاسِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِإِقْبَاضِهِ الْأَمَةَ كَأَنَّهُ أَذِنَهُ فِي فِعْلِ مَا يَمْلِكُهُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَمِنْهُ الْوَطْءُ (لَا قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: الْقَبْضِ، فَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ قَبْضِ مَبِيعَةٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ حُدَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (ذَكَرَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ") أَوْ وَطِئَ فِي مِلْكٍ (بِعَقْدٍ) فُضُولِيٍّ، (وَلَوْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ) فَلَا حَدَّ، أَوْ وَطِئَ (امْرَأَةً وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ فِي مَنْزِلِهِ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ) فَلَا حَدَّ (وَيَتَّجِهُ وَ) لَوْ وَجَدَهَا (بِغَيْرِ فِرَاشِهِ وَ) كَذَلِكَ (بِغَيْرِ مَنْزِلِهِ؛ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ الظَّنَّ) أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ (حَيْثُ لَا قَرِينَةَ) عَلَى صِدْقِ ظَنِّهِ، أَمَّا إنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ تُصَدِّقُهُ كَكَوْنِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 مَعَهُ فِي مَنْزِلِ الْغَيْرِ؛ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِجَوَازِ الِاشْتِبَاهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) وَطِئَ أَمَةً (ظَنَّ أَنْ لَهُ فِيهَا شُرَكَاءَ أَوْ لِوَلَدِهِ فِيهَا شُرَكَاءَ) فَلَا حَدَّ، أَوْ دَعَّى ضَرِيرٌ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا، فَوَطِئَهَا؛ فَلَا حَدَّ؛ لِاعْتِقَادِهِ إبَاحَةَ الْوَطْءِ فِيمَا يُعْذَرُ فِيهِ مِثْلُهُ (أَشْبَهَ مَنْ أُدْخِلَ عَلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ) ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَّى مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا، فَوَطِئَهَا يَظُنُّهَا الْمَدْعُوَّةَ؛ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَدْعُوَّةُ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا شُبْهَةٌ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِهَذَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا يَظُنُّهُ ابْنَهُ فَبَانَ أَجْنَبِيًّا. (أَوْ جَهِلَ) زَانٍ (تَحْرِيمَهُ) ؛ أَيْ: الزِّنَا، وَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْهَلَهُ (لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أَوْ نَشْؤُهُ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ) عَنْ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِ النَّاشِئِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْعِلْمِ، وَادَّعَى جَهْلَ تَحْرِيمِ ذَلِكَ؛ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الزِّنَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ هُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ عُلِمَ كَذِبُهُ (أَوْ) ادَّعَى جَهْلَ (تَحْرِيمِ نِكَاحٍ بَاطِلٍ إجْمَاعًا، وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ) بِأَنْ لَا يَكُونَ فَقِيهًا، فَلَا يُحَدُّ، لِأَنَّ عُمَرَ قَبِلَ قَبُولَ الْمُدَّعِي الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ، وَلِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُجْهَلُ كَثِيرًا، وَيَخْفَى عَلَى غَيْرِ أَهْل الْعِلْمِ. (أَوْ ادَّعَى) وَاطِئُ امْرَأَةٍ (أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَأَنْكَرَتْ) زَوْجِيَّتَهُ؛ فَلَا يُحَدُّ لِأَنَّ دَعْوَاهُ ذَلِكَ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُ، لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ الْحَدُّ فَادْرَأْ مَا اسْتَطَعْتَ (فَإِنْ أَقَرَّتْ هِيَ) أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (أَنَّهُ زَنَى) بِهَا مُطَاوِعَةً عَالِمَةً بِتَحْرِيمِهِ (حُدَّتْ) وَحْدَهَا وَلَا مَهْرَ نَصًّا مُؤَاخَذَةً لَهَا بِإِقْرَارِهَا. (وَيُحَدُّ) مُكَلَّفٌ (بِوَطْءٍ فِي نِكَاحٍ بَاطِلٍ) [ (إجْمَاعًا مَعَ عِلْمِهِ) ] بِبُطْلَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 النِّكَاحِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ كَنِكَاحِ مُزَوَّجَةٍ أَوْ مُعْتَدَّةٍ مِنْ غَيْرِ زِنًا، لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّةِ نِكَاحِهَا أَوْ خَامِسَةٍ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ [لَمْ] يُصَادِفْ مِلْكًا وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، رَوَى أَبُو نَصْرٍ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رُفِعَ إلَيْهِ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَقَالَ هَلْ عَلِمْتُمَا؟ قَالَا: لَا، [فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُمَا لَرَجَمْتُكُمَا. (أَوْ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ) حُدَّ، لِأَنَّ الْأَمَانَ] . لَا يُبِيحُ الْبُضْعَ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ) أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى وَاطِئِ الْحَرْبِيَّةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَأْمَنَةً أَوْ لَا، لَكِنَّ وَطْءَ غَيْرِ الْمُسْتَأْمَنَةِ [مُوجِبٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى (نَحْوِ أَسِيرٍ) كَتَاجِرٍ بِدَارِ حَرْبٍ؛ إذْ الْبُضْعُ مُحَرَّمٌ إلَّا] عَلَى الْأَزْوَاجِ أَوْ مَا مَلَكَتْ الْأَيْمَانُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَ نَحْوِ الْأَسِيرِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِوَطْءِ الْحَرْبِيَّةِ الَّتِي لَا أَمَانَ لَهَا بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ (أَوْ) زَنَى بِحَرْبِيَّةِ مُسْتَأْمَنَةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) زَنَى (بِمَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِزِنًا أَوْ غَيْرِهِ) حُدَّ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُسْتَبَاحُ بِالْإِجَارَةِ (أَوْ زَنَى بِمَنْ لَهُ عَلَيْهَا قَوَدٌ) حُدَّ؛ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ مَنْ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ (أَوْ) زَنَى (بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) (أَوْ) زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ (مَلَكَهَا) حُدَّ؛ لِوُجُوبِهِ بِوَطْئِهَا أَجْنَبِيَّةً؛ فَلَا يَسْقُطُ بِتَغَيُّرِ حَالِهَا، كَمَا لَوْ مَاتَتْ أَوْ أَقَرَّ عَلَيْهَا بِأَنْ قَالَ زَنَيْت بِفُلَانَةَ وَهِيَ حَاضِرَةٌ فَسَكَتَتْ، فَلَمْ تُصَدِّقْهُ وَلَمْ تُكَذِّبْهُ أَوْ جَحَدَتْ؛ حُدَّ. [ (أَوْ) زَنَى] (بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ يُوطَأُ مِثْلُهَا) كَبِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ؛ حُدَّ بِلَا نِزَاعٍ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِأَنَّ الْوَاطِئَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْ الْمَوْطُوءَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 لَا يَكُونُ سَبَبًا لِسُقُوطِهِ عَنْ الْوَاطِئِ لِأَنَّ سَبَبَ السُّقُوطِ فِي الْمَوْطُوءَةِ [غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْوَاطِئِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْوَاطِئِ دُونَ الْمَوْطُوءَةِ] لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا؛ فَلَا يُحَدُّ عَلَى الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ (أَوْ) وَطِئَ (أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ) عَلَيْهِ (بِنَسَبٍ) كَأُخْتِهِ وَنَحْوِهَا، (حُدَّ لِعِتْقِهَا) عَلَيْهِ (بِمُجَرَّدِ مِلْكِهِ) إيَّاهَا؛ فَلَمْ تُوجَدْ الشُّبْهَةُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ تَعْلِيلِهِمْ. بِأَنَّهَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ (فَلَوْ كَانَ) وَاطِئُ أَمَتِهِ (مُكَاتَبًا) حِينَ الْوَطْءِ (فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمِلْكِهِ لَهَا، وَلَا يَمْلِكُ عِتْقَهَا وَلَوْ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهَا لِأَنَّهُ نَوْعُ إعْتَاقٍ؛ أَشْبَهَ الْعِتْقَ بِغَيْرِ مَالٍ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ زَنَى مُكْرَهًا) حُدَّ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالِانْتِشَارِ الْحَادِثِ بِالِاخْتِيَارِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ، فَإِنَّهُمْ اخْتَارُوا عَدَمَ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْمُكْرَهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُحَدُّ الْمُكْرَهُ (إلَّا إنْ أُكْرِهَ) عَلَى إيلَاجِ ذَكَرِهِ بِأُصْبُعِهِ (فَأَدْخَلَهُ بِلَا انْتِشَارٍ) أَوْ بَاشَرَ الْمُكْرِهُ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) أَوْ مَأْمُورُهُ إيلَاجَ الذَّكَرِ بِالْأُصْبُعِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ يُنْسَبُ إلَيْهِ. (وَإِنْ مَكَّنَتْ مُكَلَّفَةٌ مِنْ نَفْسِهَا مَجْنُونًا [أَوْ مُمَيِّزًا] ) حُدَّتْ. (وَيَتَّجِهُ الْأَصَحُّ) أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْحَدُّ إنْ كَانَ الْمُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونُ (يَطَأُ مِثْلُهُ كَعَكْسِهِ) ؛ أَيْ: كَمَا لَوْ وَطِئَ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً يُوطَأُ مِثْلُهَا (وَأَوْلَى) كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ مَكَّنَتْ مَنْ يَجْهَلُهُ) ، أَيْ: التَّحْرِيمَ (أَوْ مَكَّنَتْ) (حَرْبِيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا أَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ) فِي فَرْجِهَا (حُدَّتْ) وَحْدَهَا؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ عَنْ أَحَدِ الْمُتَوَاطِئَيْنِ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْ الْآخَرِ. وَلَا تُحَدُّ الْمَرْأَةُ (إنْ أُكْرِهَتْ) عَلَى الزِّنَا (أَوْ أُكْرِهَ مَلُوطٌ بِهِ بِالْفِعْلِ) كَالضَّرْبِ (أَوْ بِتَهْدِيدٍ أَوْ مَنْعٍ مِنْ طَعَامٍ) (أَوْ شَرَابٍ مَعَ اضْطِرَارٍ وَنَحْوِهِ) إلَيْهِ كَمَنْعِ الدِّفْءِ فِي الشِّتَاءِ وَلَيَالِيِهِ الْبَارِدَةِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا حُرْمَةَ) عَلَى مُكْرَهٍ (إذَنْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ) . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ امْرَأَةً اُسْتُكْرِهَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ» ) رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ وَلِأَنَّ هَذَا شُبْهَةٌ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [تَتِمَّةٌ زَنَى مُكَلَّفٌ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ عَلَى الزِّنَا مَعَ عِلْمِهِ تَحْرِيمَهُ] تَتِمَّةٌ: لَوْ زَنَى مُكَلَّفٌ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ عَلَى الزِّنَا مَعَ عِلْمِهِ تَحْرِيمَهُ (حُدَّ كَقِصَّةِ مَاعِزٍ) ، وَكَذَا لَوْ زَنَى سَكْرَانُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ فِي سُكْرِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 الشَّرْطُ (الثَّالِثُ ثُبُوتُهُ) ؛ أَيْ: الزِّنَا (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الثُّبُوتِ (صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يُقِرَّ بِهِ مُكَلَّفٌ) [ (وَلَوْ) كَانَ (قِنًّا) ] أَوْ مُبَعَّضًا (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) لِحَدِيثِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ: «اعْتَرَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ؛ وَرَدَّهُ فَقِيلَ لَهُ إنَّكَ إنْ اعْتَرَفَتْ عِنْدَهُ الرَّابِعَةَ رَجَمَكَ، فَاعْتَرَفَ الرَّابِعَةَ، فَحَبَسَهُ ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، فَأَمَرَ بِهِ، فَرُجِمَ» ) . وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: إنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ فَقَالَ أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا قَالَ هَلْ أُحْصِنْتَ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ الِاعْتِرَافُ أَرْبَعًا فِي مَجَالِسَ لِأَنَّ مَاعِزًا أَقَرَّ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَالْغَامِدِيَّةَ أَقَرَّتْ عِنْدَهُ بِذَلِكَ فِي مَجَالِسَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ. (أَوْ كَذَّبَتْهُ مُزْنًى بِهَا فَيُحَدُّ) دُونَهَا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ. (وَيُعْتَبَرُ أَنْ يُصَرِّحَ) مُقِرٌّ (بِذِكْرِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ. قَالَ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنِكْتَهَا لَا تُكَنِّي؟ قَالَ نَعَمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ» ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لِلْأَسْلَمِيِّ: «أَنِكْتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ كَمَا تُغَيِّبُ الْمِرْوَدَ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءَ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا. قَالَ: فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي. قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ؛ فَلَا تَكْفِي فِيهِ الْكِنَايَةُ وَ (لَا) يُعْتَبَرُ أَنْ يُصَرِّحَ بِمَنْ (زَنَى) بِهَا (وَلَا ذِكْرِ مَكَانِهِ) ؛ أَيْ الزِّنَا. قَالَ فِي الْإِنْصَافِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَمَالَ إلَيْهِ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 ذَلِكَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَجْنُونِ، وَلَا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِنَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. (وَ) يُعْتَبَرُ (أَنْ لَا يَرْجِعَ) مُقِرٌّ بِزِنًا (حَتَّى يَتِمَّ الْحَدُّ) فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ، أَوْ هَرَبَ تُرِكَ. (وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ) ؛ أَيْ: الزِّنَا (أَرْبَعًا فَأَنْكَرَ) إقْرَارَهُ بِهِ (أَوْ صَدَّقَهُمْ دُونَ أَرْبَعِ) مَرَّاتٍ (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِرُجُوعِهِ (وَلَا) حَدَّ (عَلَى شُهُودٍ) لِكَمَالِهِمْ فِي النِّصَابِ (وَيُسْتَحَبُّ لِإِمَامٍ أَوْ حَاكِمٍ) يَثْبُتُ عِنْدَهُ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ (التَّعْرِيضُ لِمُقِرِّ) إذَا تَمَّ الْإِقْرَارُ (لِيَرْجِعَ) عَنْهُ، فَالتَّعْرِيضُ لَهُ بِالتَّوَقُّفِ عَنْ الْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَتِمَّ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَنَّهُ «أَعْرَضَ عَنْ مَاعِزٍ حِينَ أَقَرَّ عِنْدَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى تَمَّمَ إقْرَارُهُ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ لَعَلَّكَ لَمَسْتَ» ) . وَرُوِيَ «أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ: مَا أَخَالُكَ فَعَلْتَ كَذَا» رَوَاهُ سَعِيدٌ. تَتِمَّةٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ إنْ أَقَرَّ، أَوْ يَعْرِضُوا لَهُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ لَا يُقِرَّ، لِأَنَّ سَتْرَ نَفْسِهِ أَوْلَى، وَيُكْرَهُ لِمَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ أَنْ يَحُثَّهُ عَلَى الْإِقْرَارِ، لِمَا فِيهِ مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ. الصُّورَةُ (الثَّانِيَةُ) لِثُبُوتِ الزِّنَا (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ) أَيْ الزَّانِي فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عُدُولٍ ( [وَلَوْ جَاءُوا] مُتَفَرِّقِينَ) وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ (أَوْ صَدَّقَهُمْ) زَانٍ، تَبِعَ فِي ذَلِكَ عِبَارَةَ الْمُنْتَهَى وَهِيَ دَخِيلَةٌ لَا مَحِلَّ فِيهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ لَكَانَ أَرْشَقَ فِي الْعِبَارَةِ (بِزِنًا وَاحِدٍ) مُتَعَلِّقٍ بِيَشْهَدُ (وَيَصِفُونَهُ) ؛ أَيْ: الزِّنَا (وَيَكْفِي) فِي الْوَصْفِ قَوْلُهُمْ (رَأَيْنَا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا) أَوْ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ أَوْ الرِّشَاءِ فِي الْبِئْرِ. (وَالتَّشْبِيهُ) بِمَا ذَكَرَ (تَأْكِيدٌ، وَيَجُوزُ لِلشُّهُودِ نَظَرُ ذَلِكَ) مِنْ الزَّانِيَيْنِ (لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا؛ لِيَحْصُلَ الرَّدْعُ) [بِالْحَدِّ (فَإِنْ شَهِدُوا) فِي] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 (مَجْلِسَيْنِ فَأَكْثَرَ) مِنْ مَجْلِسَيْنِ فَإِنْ شَهِدَ الْبَعْضُ وَلَمْ يَشْهَدْ الْبَاقِي حَتَّى قَامَ الْحَاكِمُ مِنْ مَجْلِسِهِ، حُدَّ الْجَمِيعُ لِلْقَذْفِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ، وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُ الْمَجْلِسِ لَمْ يُذْكَرْ فِي (الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ أَيْضًا وَوَصْفَ الزِّنَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا مَعَ اعْتِبَارِهِمَا) ؛ لِدَلِيلٍ آخَرَ. (أَوْ) شَهِدَ بَعْضٌ بِالزِّنَا وَ (امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ) مِنْ الشَّهَادَةِ أَوْ لَمْ يُكْمِلُهَا؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ؛ (حُدَّ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ لِلْقَذْفِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَهَذَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى رَامٍ لَمْ يَشْهَدْ بِمَا قَالَهُ أَرْبَعَةً، وَلِأَنَّ عُمَرَ جَلَدَ أَبَا بَكْرَةَ وَصَاحِبَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُكْمِلْ الرَّابِعُ شَهَادَتَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَاحِدٌ؛ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (أَوْ كَانُوا) ؛ أَيْ: الشُّهُودُ. (أَوْ) كَانَ (بَعْضُهُمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الزِّنَا لِعَمًى أَوْ فِسْقٍ أَوْ لِكَوْنِ (أَحَدِهِمْ زَوْجًا) [؛ (حُدُّوا لِلْقَذْفِ) ] لِعَدَمِ كَمَالِ شَهَادَتِهِمْ كَمَا (لَوْ لَمْ يَكْمُلْ الْعَدَدُ) (وَكَمَا لَوْ بَانَ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ بِزِنًا مَجْبُوبًا أَوْ) بَانَتْ مَشْهُودٌ عَلَيْهَا (رَتْقَاءَ) فَيُحَدُّونَ؛ لِظُهُورِ كَذِبِهِمْ. (وَلَا) يُحَدُّ (زَوْجٌ لَاعَنَ) زَوْجَتَهُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا: وَتَقَدَّمَ (أَوْ كَانُوا) ؛ أَيْ: الْأَرْبَعَةُ (مَسْتُورِي الْحَالِ، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ) ؛ أَيْ الْأَرْبَعَةِ (قَبْلَ وَصْفِهِ عُدُولًا كَانُوا أَوْ مَسْتُورِينَ) ؛ [فَلَا يُحَدُّونَ] أَوْ (بَانَتْ [مَشْهُودٌ عَلَيْهَا عَذْرَاءَ] بِقَوْلِ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ فَيُكْتَفَى بِشَهَادَتِهَا بِعُذْرَتِهَا كَسَائِرِ عُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ) ، وَحَيْثُ شَهِدَتْ فَلَا يُحَدُّونَ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] وَقَدْ جِيءَ هُنَا بِالْأَرْبَعِ، وَلَا تُحَدُّ هِيَ وَلَا الرَّجُلُ. (وَإِنْ عَيَّنَ اثْنَانِ) مِنْ أَرْبَعَةٍ شَهِدَا بِزِنًا (زَاوِيَةً زَنَى بِهَا فِيهَا مِنْ بَيْتٍ صَغِيرٍ عُرْفًا، وَ) عَيَّنَ (اثْنَانِ) مِنْهُمْ زَاوِيَةً (أُخْرَى مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْبَيْتِ الصَّغِيرِ؛ كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِمْ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهُ فِي أَحَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 الزَّاوِيَتَيْنِ وَتَمَامُهُ فِي الْأُخْرَى، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا. (أَوْ قَالَ اثْنَانِ) فِي شَهَادَتِهِمَا زَنَى بِهَا (فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ أَوْ) قَالَ زَنَى بِهَا (قَائِمَةً، وَقَالَ اثْنَانِ) فِي شَهَادَتِهِمَا زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ (أَحْمَرَ أَوْ) زَنَى بِهَا (نَائِمَةً كَمَلَتْ شَهَادَتُهُمْ) لِعَدَمِ التَّنَافِي؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ تَحْتَهُ قَمِيصٌ أَحْمَرُ، ثُمَّ خَلَعَ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَلِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ابْتَدَأَ بِهَا الْفِعْلَ قَائِمَةً، وَأَتَمَّهُ نَائِمَةً. (وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ كَبِيرًا) عَرَّفَا وَعَيَّنَ اثْنَانِ زَاوِيَةً وَاثْنَانِ أُخْرَى فَقَذْفَةٌ (أَوْ عَيَّنَ اثْنَانِ بَيْتًا أَوْ) عَيْنًا (بَلَدًا أَوْ) عَيْنًا (يَوْمًا وَ) عَيَّنَ (اثْنَانِ) فِي شَهَادَتِهِمَا بَيْتًا أَوْ بَلَدًا أَوْ يَوْمًا (آخَرَ) (فَ) الْأَرْبَعَةُ (قَذْفَةٌ) لِشَهَادَةِ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ بِزِنًا غَيْرِ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ الْآخَرَانِ، وَلَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ فَيُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ (وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الزِّنَا وَاحِدٌ) لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِمْ. (وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ) مِنْ أَرْبَعَةٍ زَنَى بِهَا مُطَاوَعَةً، (وَقَالَ: اثْنَانِ) زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً؛ (لَمْ تَكْمُلْ) شَهَادَتُهُمْ؛ لِاخْتِلَافِهِمْ (وَعَلَى شَاهِدَيْ الْمُطَاوَعَةِ حَدَّانِ) حَدٌّ لِقَذْفِ الرَّجُلِ، وَحْدٌ لِقَذْفِ الْمَرْأَةِ (وَعَلَى شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ حَدٌّ وَاحِدٌ لِقَذْفِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ) لِشَهَادَتِهِمَا أَنَّهَا كَانَتْ مُكْرَهَةً. (وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ) مِنْ أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا بِالزِّنَا بِهَا (وَهِيَ بَيْضَاءُ، وَقَالَ اثْنَانِ) مِنْهُمْ (غَيْرَهُ) ؛ أَيْ: زَنَى بِهَا وَهِيَ سَوْدَاءُ وَنَحْوُهُ (لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ. (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ) بِزِنًا (فَرَجَعُوا) كُلُّهُمْ، (أَوْ) رَجَعَ (بَعْضُهُمْ قَبْلَ حَدِّ) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ (وَلَوْ بَعْدَ حُكْمٍ) يُحَدُّ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ، وَ (حُدَّ) الشُّهُودُ (الْجَمِيعُ) أَمَّا مَعَ رُجُوعِهِمْ فَلِإِقْرَارِهِمْ بِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ، وَأَمَّا مَعَ رُجُوعِ بَعْضِهِمْ فَلِنَقْصِ عَدَدِ الشُّهُودِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُ ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ. (وَ) إنْ رَجَعَ بَعْضُهُمْ (بَعْدَ حَدٍّ) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ (يُحَدُّ رَاجِعٌ) عَنْ شَهَادَتِهِ (فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ فَلَا يُنْقَضُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 بِرُجُوعِ الشُّهُودِ أَوْ بَعْضِهِمْ، لَكِنْ يُحَدُّ الرَّاجِعُ لِإِقْرَارِهِ بِالْقَذْفِ، فَيَلْزَمُهُ حَدُّهُ إذَا كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا أَوْ رَجْمًا وَطَالَبَهُ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَيُحَدُّ بِطَلَبِ الْوَرَثَةِ. (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهُ) ، أَيْ: فُلَانٍ (بِفُلَانَةَ، فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ [أَنْ الشُّهُودَ هُمْ الزُّنَاةُ بِهَا] ) دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (حُدَّ) الْأَرْبَعَةُ (الْأَوَّلُونَ) الشَّاهِدُونَ بِهِ (فَقَطْ) دُونَ الشُّهُودِ عَلَيْهِ لِقَدْحِ الْآخَرِينَ فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ (لِلْقَذْفِ وَالزِّنَا) لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزِنًا لَمْ يَثْبُتْ فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَيَثْبُتُ عَلَيْهِمْ الزِّنَا بِشَهَادَةِ الْآخَرِينَ. وَإِذَا كَمَلَتْ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ، ثُمَّ مَاتَ الشُّهُودُ أَوْ غَابُوا، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إقَامَةَ الْحَدِّ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَاحْتِمَالُ رُجُوعِهِمْ لَيْسَ شُبْهَةً يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ، لِبُعْدِهِ، وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنًا قَدِيمٍ، أَوْ أَقَرَّ الزَّانِي بِهِ، وَجَبَ الْحَدُّ، لِعُمُومِ الْآيَةِ وَكَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالْحَدِّ مِنْ غَيْرِ مُدَّعٍ نَصَّصَ عَلَيْهِ لِقِصَّةِ أَبِي بَكْرَةَ. (وَإِنْ حَمَلَتْ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ، لَمْ تُحَدَّ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ) الْحَمْلِ، لَكِنْ تُسْأَلُ وَلَا يَجِبُ سُؤَالُهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَإِنْ ادَّعَتْ إكْرَاهًا أَوْ وَطْئًا بِشُبْهَةٍ، أَوْ لَمْ تُقِرَّ بِزِنًا أَرْبَعًا، لَمْ تُحَدَّ، وَرَوَى سَعِيدٌ أَنَّ امْرَأَةً رُفِعَتْ إلَى عُمَرَ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ وَقَدْ حَمَلَتْ، وَسَأَلَهَا عُمَرُ فَقَالَتْ: إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةُ الرَّأْسِ وَقَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَمَا اسْتَيْقَظْتُ حَتَّى نَزَعَ، فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ إذَا كَانَ فِي الْحَدِّ لَعَلَّ وَعَسَى فَهُوَ مُعَطَّلٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ. [بَابُ الْقَذْفِ] ِ (الْقَذْفُ وَهُوَ) لُغَةً الرَّمْيُ بِقُوَّةٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى (الرَّمْيِ بِزِنًا أَوْ لِوَاطٍ أَوْ شَهَادَةٍ بِأَحَدِهِمَا) ، أَيْ: الزِّنَا وَاللِّوَاطِ (وَلَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ) بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَمَنْ) (قَذَفَ وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْقَاذِفُ (مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ وَلَوْ أَخْرَسَ) وَقَذَفَ (بِإِشَارَةٍ) مَفْهُومَةٍ لَا بِكِتَابَةٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ (مُحْصَنًا وَلَوْ مَجْبُوبًا) ؛ أَيْ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ (أَوْ) كَانَتْ مَقْذُوفَةً (ذَاتَ مَحْرَمٍ) مِنْ قَاذِفٍ (أَوْ) كَانَتْ مَقْذُوفَةً (رَتْقَاءَ) (حُدَّ) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ (ثَمَانِينَ) جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] . (وَ) حَدُّ قَاذِفُ (قِنٍّ وَلَوْ عَتَقَ عَقِبَ قَذْفٍ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ كَالْقِصَاصِ (أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً (وَ) حَدُّ قَاذِفِ (مُبَعَّضٍ بِحِسَابِهِ) فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ يُجْلَدُ سِتِّينَ، لِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَبَعَّضُ؛ فَكَانَ عَلَى الْقِنِّ فِيهِ نِصْفُ مَا عَلَى الْحُرِّ وَالْمُبَعَّضُ بِالْحِسَابِ كَحَدِّ الزِّنَا، وَهُوَ يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ. (وَيَجِبُ) حَدُّ قَذْفٍ (بِقَذْفٍ) نَحْوُ (قَرِيبٍ) كَأُخْتٍ وَلَوْ (عَلَى وَجْهِ الْغَيْرَةِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (كَقَوْلِهِ لِأُخْتِهِ) وَنَحْوِهَا (يَا زَانِيَةُ زَجْرًا لَهَا) كَأَجْنَبِيٍّ، لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَ (لَا) يَجِبُ حَدُّ قَذْفٍ (عَلَى أَبَوَيْنِ وَإِنْ عَلَوَا بِقَذْفِ وَلَدِهِمَا) وَإِنْ سَفَلَ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، كَمَا لَا يَجِبُ قَوَدٌ لِوَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى أَبَوَيْهِ (وَإِنْ عَلَوَا فَلَا يَرِثُهُ) ؛ أَيْ حَدَّ قَذْفِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ (عَلَيْهِمَا) ؛ أَيْ: عَلَى أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوَا (وَإِنْ وَرِثَهُ) ؛ أَيْ: الْحَدَّ (أَخُوهُ) ؛ أَيْ: أَخُو الْوَلَدِ (لِأُمِّهِ) كَأَنْ قَذَفَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ، وَطَالَبَتْهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ، ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 الْقَاذِفِ، فَلَا يَرِثُ الْحَدَّ عَلَى أَبِيهِ (وَحَدُّ الْقَاذِفِ لَهُ) ، أَيْ: لِلْقَذْفِ بِطَلَبِ الْوَلَدِ الْآخَرِ (لِتَبَعُّضِهِ) ؛ أَيْ: مَلَكَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ الطَّلَبَ بِهِ كَامِلًا مَعَ تَرْكِ بَاقِيهِمْ إذَا طَالَبَ بِهِ مُوَرِّثُهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ، لِلُحُوقِ الْعَارِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى انْفِرَادِهِ. (وَالْحَقُّ فِي حَدِّهِ) أَيْ الْقَذْفِ (لِلْآدَمِيِّ) كَالْقَوَدِ (فَلَا يُقَامُ) حَدُّ قَذْفٍ (بِلَا طَلَبٍ) ؛ أَيْ: الْمَقْذُوفِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ إلَّا بِطَلَبِهِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْمَاعًا (لَكِنْ لَا يَسْتَوْفِيهِ) مَقْذُوفٌ (بِنَفْسِهِ، فَلَوْ فَعَلَ) بِأَنْ اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ (لَمْ يَسْقُطْ) لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ نِيَّةَ الْإِمَامِ أَنَّهُ حَدٌّ. (وَيَسْقُطُ) حَدُّ قَذْفٍ (بِعَفْوِهِ) ؛ أَيْ: الْمَقْذُوفِ (وَلَوْ عَفَا بَعْدَ طَلَبِهِ) بِهِ، كَمَا لَوْ عَفَا قَبْلَهُ، وَكَذَا يَسْقُطُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا قَذَفَهُ بِهِ، وَبِتَصْدِيقِ مَقْذُوفٍ لَهُ فِيهِ، وَبِلِعَانِهِ إنْ كَانَ زَوْجًا، وَلَا يَسْقُطُ حَدُّ قَذْفٍ بِعَفْوٍ (عَنْ بَعْضِهِ، قَالَهُ الْقَاضِي) كَمَا لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ لِجَمِيعِهِمْ حَدًّا وَاحِدًا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقٌّ فِي مُطَالَبَتِهِ، فَلَوْ كَانُوا خَمْسَةً مَثَلًا، وَعَفَا أَحَدُهُمْ عَنْ حَقِّهِ، لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِينَ، فَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمْ حَقَّهُ، فَلَمَّا جَلَدَ عِشْرِينَ قَالَ: عَفَوْتُ عَنْ بَاقِي الْحَدِّ؛ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ مِنْ تَتِمَّتِهِ الْحَدَّ، فَلَوْ طَلَبَهَا أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ فَلَمَّا جَلَدَ عِشْرِينَ أُخْرَى قَالَ عَفَوْتُ عَنْ بَاقِي الْحَدِّ؛ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الِاثْنَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ مِنْ تَتِمَّتِهِ [فَلَوْ طَلَبَهَا] أَحَدُهُمَا فَلَمَّا جَلَدَ عِشْرِينَ قَالَ عَفَوْتُ عَنْ تَتِمَّتِهِ؛ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْوَاحِدِ الْبَاقِي؛ فَلَهُ طَلَبُ جَلْدِ الْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةِ مِنْ الثَّمَانِينَ. (وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ) ؛ أَيْ الْمَقْذُوفِينَ عَنْ الْقَاذِفِ، وَلَمْ يَعْفُ بَاقِيهِمْ (فَلِمَنْ لَمْ يَعْفُ إقَامَتُهُ) ؛ أَيْ: الْحَدَّ (كَامِلًا) فَلَا يَسْقُطُ بِالْمُصَالَحَةِ عَلَيْهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ بِمَالٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ عَفْوِ بَعْضِ مُسْتَحِقِّي الْقَوَدِ عَنْ حَقِّهِ؛ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِذَلِكَ حَقُّ بَاقِيهِمْ؛ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ، فَلَا حَقَّ لِلْعَافِي فَلَمْ يَتَبَعَّضْ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 لِأَنَّهُ لَيْسَ كَقَوَدٍ فَيَسْقُطُ، وَلَا يُسْتَوْفَى نَاقِصًا كَبَاقِي الْحُدُودِ. (وَمَنْ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ [وَلَوْ قِنَّهُ] ) ؛ أَيْ: قِنَّ قَاذِفٍ (أَوْ) قَذَفَ (مَنْ أَقَرَّ بِزِنًا وَلَوْ دُونَ أَرْبَعِ) مَرَّاتٍ (عُزِّرَ) رَدْعًا لَهُ عَنْ أَعْرَاضِ الْمَعْصُومِينَ، وَكَفًّا عَنْ إيذَائِهِمْ (وَالْمُحْصَنُ هُنَا) ؛ أَيْ: فِي بَابِ الْقَذْفِ (الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ) [الَّذِي يَطَأُ] : مِثْلُهُ كَابْنِ عَشْرٍ (أَوْ يُوطَأُ مِثْلُهَا) كَبِنْتِ تِسْعٍ؛ لِلُحُوقِ الْعَارِ لَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا بَالِغَيْنِ؛ إذْ الْبُلُوغُ لَيْسَ شَرْطًا لِلْوَطْءِ (الْعَفِيفِ عَنْ الزِّنَا ظَاهِرًا) أَيْ: فِي ظَاهِرِ حَالِهِ (وَلَوْ) كَانَ (تَائِبًا مِنْهُ) ؛ أَيْ: الزِّنَا؛ لِأَنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. (وَمُلَاعَنَةٌ وَوَلَدُهَا وَوَلَدُ زِنًا [كَغَيْرِهِمْ] نَصًّا) فَيُحَدّ بِقَذْفِ كُلٍّ مِنْهُمْ إنْ كَانَ مُحْصَنًا. (وَلَا يُحَدُّ قَاذِفٌ غَيْرُ بَالِغٍ حَتَّى يَبْلُغَ) وَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ؛ إذْ لَا أَثَرَ لِطَلَبِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ كَلَامِهِ، وَلَا طَلَبَ لِوَلِيِّهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ التَّشَفِّي؛ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ كَالْقَوَدِ (وَكَذَا لَوْ جُنَّ) مَقْذُوفٌ (أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ طَلَبِهِ) فَلَا يَسْتَوْفِي حَتَّى يُفِيقَ وَيُطَالِبَ بِهِ، (وَ) إنْ جُنَّ مَقْذُوفٌ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ (بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: بَعْدَ الطَّلَبِ بِهِ (يُقَامُ) ، أَيْ: يُقِيمُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ عَلَى الْقَاذِفِ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَانْتِفَاءِ مَانِعِهِ. (وَمَنْ قَذَفَ) مُحْصَنًا (غَائِبًا لَمْ يُحَدَّ) قَاذِفُهُ (حَتَّى يَثْبُتَ طَلَبُهُ) ؛ أَيْ: الْمَقْذُوفِ الْغَائِبِ (فِي غَيْبَتِهِ) بِشَرْطِهِ (أَوْ يَحْضُرَ وَيَطْلُبَ) بِنَفْسِهِ. (وَمَنْ قَالَ لِمُحْصَنَةٍ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِدُونِ تِسْعِ سِنِينَ عُزِّرَ) أَوْ قَالَهُ؛ أَيْ: زَنَيْت وَأَنْتَ صَغِيرٌ لِمُحْصَنٍ (ذَكَرَ، وَفَسَّرَهُ بِدُونِ عَشْرِ) سِنِينَ؛ عُزِّرَ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) يُفَسِّرْهُ بِدُونِ ذَلِكَ (حُدَّ) لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ مَقْذُوفٍ. (وَإِنْ قَالَ) لِمُحْصَنَةٍ زَنَيْت (وَأَنْتِ كَافِرَةٌ، أَوْ) وَأَنْتِ (أَمَةٌ، أَوْ) وَأَنْتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 (مَجْنُونَةٌ، وَلَمْ يُثْبِتْ كَوْنَهَا كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: كَافِرَةً أَوْ أَمَةً أَوْ مَجْنُونَةً (حُدَّ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ (كَمَا لَوْ قَذَفَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ، وَادَّعَى رِقَّهَا فَأَنْكَرَتْ) فَيُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ (وَإِنْ ثَبَتَ كَوْنُهَا كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: كَانَتْ كَافِرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ أَمَةً (لَمْ يُحَدَّ) لِإِضَافَةِ الزِّنَا إلَى حَالٍ لَمْ تَكُنْ فِيهَا مُحْصَنَةً. (وَلَوْ قَالَتْ أَرَدْتُ قَذْفِي حَالًا) ؛ أَيْ فِي الْحَالِ (وَأَنْكَرَهَا) لَمْ يُحَدَّ؛ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي نِيَّتِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا، وَقَوْلُهُ وَأَنْتِ كَافِرَةٌ وَنَحْوُهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، (وَيُصَدَّقُ قَاذِفٌ) مُحْصَنٌ (ادَّعَى أَنْ [قَذْفَهُ) كَانَ] (حَالَ صِغَرِ مَقْذُوفٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صِغَرِهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْحَدِّ (فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ وَكَانَتَا مُطْلَقَتَيْنِ) بِأَنْ قَالَتْ إحْدَاهُمَا قَذَفَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَالْأُخْرَى وَهُوَ [كَبِيرٌ (أَوْ) كَانَتَا (مُؤَرِّخَتَيْنِ تَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ) بِأَنْ قَالَتْ إحْدَاهُمَا قَذَفَهُ: وَهُوَ صَغِيرٌ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَالْأُخْرَى وَهُوَ كَبِيرٌ سَنَةَ ثَلَاثِينَ، مَثَلًا (فَهُمَا قَذْفَانِ مُوجَبُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (أَحَدِهِمَا الْحَدُّ) وَهُوَ] الْقَذْفُ فِي الْكِبَرِ (وَ) مُوجَبُ (الْآخَرِ) وَهُوَ الْقَذْفُ زَمَنَ الصِّغَرِ (التَّعْزِيرُ) إعْمَالًا لِلْبَيِّنَتَيْنِ؛ لِعَدَمِ التَّنَافِي وَإِنْ أَرَّخَتَا تَارِيخًا وَاحِدًا (وَقَالَتْ: إحْدَاهُمَا وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْمَقْذُوفُ حَالَ قَذْفِهِ (صَغِيرٌ وَ) قَالَتْ (الْأُخْرَى وَهُوَ) إذْ (ذَاكَ كَبِيرٌ؛ فَعَارَضَتَا، وَسَقَطَتَا) لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى (وَكَذَا لَوْ كَانَ تَارِيخُ بَيِّنَةِ الْمَقْذُوفِ) الشَّاهِدَةِ بِكِبَرِهِ (قَبْلَ تَارِيخِ بَيِّنَةِ الْقَاذِفِ) الشَّاهِدَةِ بِصِغَرِ مَقْذُوفٍ؛ فَيَتَعَارَضَانِ؛ وَيَسْقُطَانِ؛ وَيُرْجَعُ لِقَوْلِ قَاذِفٍ أَنَّ الْقَذْفَ كَانَ حِينَ صِغَرِ الْمَقْذُوفِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْحَدِّ. (وَمَنْ قَالَ لِابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً زَنَيْت مِنْ ثَلَاثِينَ عَامًا) لَمْ يُحَدَّ (أَوْ) قَالَ لَهُ زَنَيْت (مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ) عَامًا (لَمْ يُحَدَّ) لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ (وَلَا يَسْقُطُ) حَدُّ قَذْفٍ (بِرِدَّةِ مَقْذُوفٍ بَعْدَ طَلَبٍ أَوْ زَوَالِ إحْصَانٍ وَلَوْ لَمْ يُحْكَمْ بِوُجُوبِهِ) ، أَيْ: الْحَدِّ، اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ، وَكَمَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 [فَصْلٌ تَحْرِيمُ الْقَذْفُ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ] فَصْلٌ (وَيَحْرُمُ الْقَذْفُ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرَى زَوْجَتَهُ تَزْنِي [فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْ] ) هَا (فِيهِ، فَيَعْتَزِلُهَا، ثُمَّ تَلِدُ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ الزَّانِي، فَيَلْزَمُهُ قَذْفُهَا وَنَفْيِهِ) ؛ أَيْ: الْوَلَدِ بِاللِّعَانِ؛ لِجَرَيَانِ ذَلِكَ مَجْرَى الْيَقِينِ فِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي حَيْثُ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْئِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ [لَحِقَهُ،] وَوَرِثَهُ وَوَرِثَ أَقَارِبَهُ، وَوَرِثُوا مِنْهُ وَنَظَرَ إلَى بَنَاتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَنَحْوِهِنَّ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ فَوَجَبَ نَفْيُهُ إزَالَةً لِذَلِكَ، وَلِحَدِيثِ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَوْلُهُ: وَيَنْظُرُ إلَيْهِ، يَعْنِي يَرَى الْوَلَدَ مِنْهُ، فَكَمَا حَرَّمَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَالرَّجُلُ مِثْلُهَا وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا، وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهَا؛ فَهُوَ كَمَا لَوَرَآهَا تَزْنِي (وَكَذَا إنْ وَطِئَهَا) هُوَ؛ أَيْ: زَوْجُهَا (فِي طُهْرٍ زَنَتْ فِيهِ، وَقَوِيَ فِي ظَنِّهِ) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ (أَنْ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي لِشَبَهِهِ بِهِ) ؛ أَيْ: الزَّانِي (وَنَحْوِهِ كَعُقُمِ زَوْجٍ) ؛ أَيْ: كَكَوْنِ الزَّوْجِ عَقِيمًا، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ تَحَقُّقِ الزِّنَا دَلِيلٌ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي، وَلِقِيَامِ غَلَبَةِ الظَّنِّ مَقَامَ التَّحْقِيقِ. الْمَوْضِعُ (الثَّانِي أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي، وَلَمْ تَلِدْ مَا) ؛ أَيْ: وَلَدًا (يَلْزَمُهُ نَفْيُهُ) بِأَنْ لَمْ تَلِدْ، أَوْ وَلَدَتْ مَا لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْ زَانٍ (أَوْ يَسْتَفِيضَ زِنَاهَا) بَيْنَ النَّاسِ أَوْ يُخْبِرَهُ بِهِ ثِقَةٌ لَا عَدَاوَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا (أَوْ يَرَى رَجُلًا مَعْرُوفًا بِهِ) ؛ أَيْ: الزِّنَا (عِنْدَهَا؛ فَيُبَاحُ لِزَوْجِهَا قَذْفُهَا بِهِ) ؛ أَيْ: بِالرَّجُلِ الْمَعْرُوفِ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا يُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ زِنَاهَا، وَلَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى غَيْرِهَا حَيْثُ لَمْ تَلِدْ، وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ [يُمْكِنُ فِرَاقُهَا، (وَفِرَاقُهَا أَوْلَى) مِنْ قَذْفِهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَلِأَنَّ قَذْفَهَا يُفْضِي إلَى حَلِفِ] أَحَدِهِمَا كَاذِبًا إنْ تَلَاعَنَا أَوْ إقْرَارِهَا؛ فَتَفْتَضِحُ. وَلَا يَجُوزُ قَذْفُهَا بِخَبَرِ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهَا، وَلَا بِرُؤْيَتِهِ رَجُلًا عِنْدَهَا غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالزِّنَا إنْ لَمْ يَسْتَفِضْ زِنَاهَا؛ لِجَوَازِ دُخُولِهِ سَارِقًا وَنَحْوِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 (وَإِنْ أَتَتْ) زَوْجَةُ شَخْصٍ (بِوَلَدٍ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهُمَا) كَأَسْوَدَ. وَالزَّوْجَانِ أَبْيَضَانِ (لَمْ يُبَحْ) لِزَوْجِهَا (نَفْيُهُ بِذَلِكَ) أَيْ: بِمُخَالِفَةِ لَوْنِهِ لَوْنَهُمَا؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي جَاءَتْ بِوَلَدٍ أَسْوَدَ يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: إنَّ فِيهَا لَوُرْقًا. قَالَ: فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟ قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: فَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ» . قَالَ: وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَأَلْوَانُهُمْ وَخَلْقُهُمْ مُخْتَلِفٍ، فَلَوْلَا مُخَالَفَتُهُمْ صِفَةَ أَبَوَيْهِمْ لَكَانُوا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ (بِلَا قَرِينَةٍ) فَإِنْ؛ كَانَتْ بِأَنْ رَأَى عِنْدَهَا رَجُلًا يُشْبِهُ مَا وَلَدَتْهُ؛ فَلَهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ الشُّبْهَةِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ. [فَصْلٌ لِلْقَذْفِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ] فَصْلٌ وَلِلْقَذْفِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ (وَصَرِيحُهُ يَا مَنْيُوكَةَ إنْ لَمْ يُفَسِّرْهُ) قَاذِفٌ (بِفِعْلِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ) فَإِنْ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ قَذْفًا (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ ذَلِكَ بِفِعْلِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ (وَلَوْ تَرَاخَى) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (يَا مَنْيُوكَةَ يَا زَانِي يَا عَاهِرُ، أَوْ قَدْ زَنَيْتِ أَوْ زَنَى فَرْجُكِ وَنَحْوُهُ) كَ رَأَيْتُكِ تَزْنِي، وَأَصْلُ الْعِهْرِ إتْيَانُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ لَيْلًا لِلْفُجُورِ بِهَا، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الزِّنَا، سَوَاءٌ جَاءَهَا أَوْ جَاءَتْهُ؛ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، (أَوْ) قَالَ لَهُ (يَا مَفْعُوجٍ) بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ نَصًّا، لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ لَهُ بِمَعْنَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، وَأَصْلُهُ الضَّرْبُ (أَوْ) قَالَ لَهُ (يَا لُوطِيُّ) لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ مَنْ يَأْتِي الذُّكُورَ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ (فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ) بِقَوْلِي: يَا زَانِي وَنَحْوُهُ (زَانِي الْعَيْنِ) وَنَحْوَهُ، (أَوْ) أَرَدْتُ بِقَوْلِي يَا عَاهِرُ (عَاهِرَ الْيَدِ) (أَوْ) قَالَ أَرَدْتُ بِقَوْلِي يَا لُوطِيُّ (أَنَّكَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ، أَوْ إنَّكَ تَعْمَلُ عَمَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ إتْيَانِ الذُّكُورِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ (وَحُدَّ) لِإِتْيَانِهِ بِصَرِيحِ الْقَذْفِ. (وَ) قَوْلُ الْمُكَلَّفِ لِشَخْصٍ (لَسْت لِأَبِيك أَوْ) لَسْت (بِوَلَدِ فُلَانٍ) الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ (قَذْفٌ لِأُمِّهِ) ؛ أَيْ: الْمَقُولِ لَهُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّنَا لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِذَا نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ أَثْبَتَ لِغَيْرِهِ، وَالْغَيْرُ لَا يُمْكِنُ إحْبَالُهُ لَهَا فِي زَوْجِيَّةِ أَبِيهِ إلَّا بِزِنًا، فَكَانَ قَذْفًا، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا لِاحْتِمَالِ الشُّبْهَةِ؛ لِبُعْدِهِ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَسْأَلْ عَمَّا أَرَادَ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ. قَوْلُهُ (وَيَتَّجِهُ الْأَصَحُّ) أَنَّ قَوْلَهُ لَسْتَ لِأَبِيكَ، أَوْ لَسْتَ بِوَلَدِ فُلَانٍ (لَا) يَكُونُ ذَلِكَ قَذْفًا لِأُمِّهِ؛ لِاحْتِمَالِ إرَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ أَبَاهُ فِي كَرَمِهِ وَأَخْلَاقِهِ، أَوْ أَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ (مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ مُلَاعِنٌ) بَعْدَ نَفْيِهِ، فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ فَهُوَ قَذْفٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ مُلَاعِنٌ (وَلَمْ يُفَسِّرْ) قَائِلُ ذَلِكَ (بِزِنَا أُمِّهِ) فَلَا يَكُونُ قَذْفًا لَهَا وَلَا حَدَّ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَى الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ بِاللِّعَانِ عَنْ أَبِيهِ، إلَّا أَنْ يُفَسِّرَهُ بِأَنَّ أُمَّهُ زَنَتْ (وَكَذَا إنْ نَفَاهُ عَنْ قَبِيلَتِهِ) بِأَنْ قَالَ: لَسْت مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَذْفًا لِأُمِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ أَبُوهُ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ بِزِنَا أُمِّهِ. لِحَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مَرْفُوعًا «لَا أُوتَى بِرَجُلٍ يَقُولُ إنَّ كِنَانَةَ لَيْسَتْ مِنْ قُرَيْشٍ إلَّا جَلَدْتُهُ» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: " لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 أَجْلِدُ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٍ قَذَفَ مُحْصَنَةً أَوْ نَفَى رَجُلًا عَنْ أَبِيهِ " (وَ) قَوْلُهُ لِآخَر (مَا أَنْتَ ابْنُ فُلَانَةَ لَيْسَ بِقَذْفٍ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَرَادَ قَذْفَهُ بِهِ أَوْ لَا إذْ الْوَلَدُ مِنْ أُمِّهِ بِكُلِّ حَالٍ، (وَ) قَوْلُهُ لِوَلَدِهِ: (لَسْت بِوَلَدِي كِنَايَةٌ فِي قَذْفِ [أُمِّهِ] ) نَصًّا، لِأَنَّ الْوَالِدَ إذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ وَلَدِهِ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ كَثِيرًا، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ؛ لَا أَنَّهُ لَيْسَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ؛ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا لِأُمِّهِ مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَّا مَعَ إرَادَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. (وَ) قَوْلُ إنْسَانٍ لِغَيْرِهِ: (أَنْتِ أَزَنَى النَّاسِ أَوْ) : أَنْتِ أَزَنَى (مِنْ فُلَانَةَ) أَوْ فُلَانٍ صَرِيحٌ فِي الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ فَقَطْ؛ لِاسْتِعْمَالِ أَفْعَلَ فِي الْمُنْفَرِدِ بِالْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: " {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي} [يونس: 35] وَقَوْلِهِ: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ} [الأنعام: 81] . (وَ) قَوْلِهِمْ: الْعَسَلُ أَحْلَى مِنْ الْخَلِّ (أَوْ قَالَ لَهُ) ؛ أَيْ: الرَّجُلِ (يَا زَانِيَةُ أَوْ قَالَ) [ (لَهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (يَا زَانِي) ] (صَرِيحٌ فِي الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ) لِأَنَّ مَا كَانَ قَذْفًا لِأَحَدِ الصِّنْفَيْنِ كَانَ قَذْفًا لِلْمُخَاطَبِ، وَقَدْ يَكُونُ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ بِمُلَاحَظَةِ الذَّاتِ وَالشَّخْصِ وَ (كَفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا لَهُمَا) ؛ أَيْ: الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (فِي زَنَيْتِ) لِأَنَّهُ خِطَابٌ لَهُمَا، وَإِشَارَةٌ إلَيْهِمَا بِلَفْظِ الزِّنَا كَقَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ: يَا شَخْصًا زَانِيًا، وَلِرَجُلٍ: يَا نَسَمَةٌ زَانِيَةٌ (وَلَيْسَ) الْقَائِلُ أَنْتِ أَزَنَى مِنْ فُلَانَةَ (بِقَاذِفٍ لِفُلَانَةَ) ، وَلِمَا تَقَدَّمَ، لِقَوْمِ لُوطٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] ، أَيْ: مِنْ أَدْبَارِ الذُّكُورِ، وَلَا طَهَارَةَ فِيهَا. (وَمَنْ قَالَ عَنْ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا زَانٍ، فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا أَنَا، فَقَالَ لَا فَهُوَ قَذْفٌ لِلْآخَرِ) لِتَعَيُّنِهِ بِنَفْيِهِ عَنْ الْآخَرِ، (وَ) قَوْلِهِ لِآخَرَ (زَنَأَتْ مَهْمُوزًا صَرِيحٌ) فِي قَذْفِهِ (وَلَوْ زَادَ فِي الْحِيَلِ أَوْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ) لِأَنَّ عَامَّةَ النَّاسِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْهُ إلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 الْقَذْفَ كَغَيْرِ الْمَهْمُوزِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ طَلَعْتَ (أَوْ) قَالَ لِرَجُلٍ (يَا نَاكِحَ أُمِّهِ) وَهِيَ حَيَّةٌ (يَلْزَمُهُ حَدَّانِ) نَصًّا (وَكَذَا:) لَوْ قَالَ لَهُ (يَا زَانِي ابْنَ الزَّانِي) إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ، فَقَاذِفٌ [لَهَا] ) فَيَلْزَمُهُ حَدُّهُ (وَلَمْ يَلْزَمْهُ حَدُّ الزِّنَا) بِإِقْرَارِهِ بِأَنْ لَمْ يُقِرَّ أَرْبَعًا، أَوْ أَقَرَّ أَرْبَعًا ثُمَّ رَجَعَ. (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ: بِكَ زَنَيْت) لَمْ تَكُنْ، قَاذِفَةً لَهُ، لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ (وَسَقَطَ حَقُّهَا) مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ (بِتَصْدِيقِهَا لَهُ وَ) لَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّهَا (لَمْ تَقْذِفْهُ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الزِّنَا مِنْهَا بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ زَانِيًا بِهَا بِأَنْ يَكُونَ قَدْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ، وَهِيَ عَالِمَةٌ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا، لِأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (وَيُحَدَّانِ) ، أَيْ: الْمُتَكَلِّمَانِ (فِيمَا إذَا قَالَ) لِامْرَأَتِهِ (زَنَى بِكِ فُلَانٌ، فَقَالَتْ: بَلْ أَنْتِ زَنَى بِكَ أَوْ) قَالَ لَهَا (يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ بَلْ: أَنْتَ زَانٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ الْآخَرَ. [فَصْلٌ كِنَايَةُ الْقَذْفِ وَالتَّعْرِيضِ بِهِ] فَصْلٌ (وَكِنَايَتُهُ) ، أَيْ الْقَذْفِ وَالتَّعْرِيضِ بِهِ نَحْوُ (زَنَتْ يَدَاكَ، أَوْ) زَنَتْ (رِجْلَاكَ، أَوْ) زَنَتْ (يَدُكَ أَوْ) زَنَتْ (رِجْلُكَ) لِأَنَّ زِنَا هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ» (أَوْ) زَنَى بَدَنُكَ لِأَنَّ زِنَاهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِزِنَا شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ عَلَى الْمَعْنَى السَّابِقِ غَيْرِ الْفَرْجِ (أَوْ يَا خَنِثُ بِالنُّونِ يَا نَظِيفُ يَا عَفِيفُ) لِامْرَأَةٍ (يَا قَحْبَةُ يَا فَاجِرَةُ يَا خَبِيثَةُ) فَإِنَّ ظَاهِرَهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ كَنِسْبَةِ الزِّنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 إلَيْهَا مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْفُجُورَ فِي اللُّغَةِ: الْكَذِبُ وَالِانْبِعَاثُ فِي الْمَعَاصِي، وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ الزِّنَا، وَالْقَحْبَةُ فِي الْعُرْفِ: هِيَ الْمُتَصَنِّعَةُ لِلْفُجُورِ، فَإِطْلَاقُ الْقَبْحَةِ عَلَيْهَا لَا يُوجِبُ إضَافَةَ الزِّنَا إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَتَصَنَّعُ فِي نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ فُجُورٍ، وَأَقْحَبَتْ أَعَمُّ مِنْ الْفُجُورِ، فَلَا يَتَعَيَّنُ الْفُجُورُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْفُجُورِ مِنْ خُبْثِ النَّفْسِ وَالطَّوِيَةِ وَالْأَفْعَالِ، وَإِذَا احْتَمَلَ مِثْلَ هَذَا الْمَعَانِيَ لَا يَكُونُ صَرِيحًا فِيهِ. (وَ) قَوْلُهُ (لِزَوْجَةِ شَخْصٍ قَدْ فَضَحْته وَغَطَّيْتِ) رَأْسَهُ (أَوْ نَكَّسْتِ رَأْسَهُ) ؛ أَيْ: حَيَاءً مِنْ النَّاسِ بِشَكْوَاكِ (وَجَعَلْتِ لَهُ قُرُونًا) ؛ أَيْ: أَنَّهُ مُسَخَّرٌ لَكَ، مُنْقَادٌ كَالثَّوْرِ، (وَعَلِقْتِ عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: مِنْ زَوْجٍ آخَرَ، أَوْ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (وَأَفْسَدْتِ فِرَاشَهُ) ؛ أَيْ: بِالنُّشُوزِ أَوْ الشِّقَاقِ وَبِمَنْعِ الْوَطْءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَ) قَوْلُهُ (لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ يَا فَارِسِيُّ يَا رُومِيُّ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ نَبَطِيَّ اللِّسَانِ، أَوْ فَارِسِيَّ الطَّبْعِ، أَوْ رُومِيَّ الْخِلْقَةِ؛ (وَ) قَوْلُهُ (لِأَحَدِهِمْ) ؛ أَيْ: النَّبَطِيِّ أَوْ فَارِسِيِّ أَوْ رُومِيِّ (يَا عَرَبِيُّ) وَالنَّبَطُ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ بِالْبَطَائِحِ بَيْنَ الْعِرَاقِيِّينَ. [وَفَارِسُ] بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ، وَأَهْلُهَا الْفُرْسُ، وَفَارِسٌ أَبُوهُمْ، وَالرُّومُ فِي الْأَصْلِ ابْنُ عِيصِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَلَوْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ: يَا أَعْجَمِيُّ بِالْأَلِفِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا، لِأَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى الْعُجْمَةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْعَرَبِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَا غَيْرَ فَصِيحٍ، (وَ) قَوْلُهُ (لِمَنْ يُخَاصِمُهُ يَا حَلَالُ ابْنَ الْحَلَالِ مَا يَعْرِفُكَ النَّاسُ بِالزِّنَا) فَإِنَّ هَذَا فِي الظَّاهِرِ مِنْ اللَّفْظِ لَيْسَ بِقَذْفٍ. وَ (التَّعْرِيضُ) فِي الْقَذْفِ كَقَوْلِهِ لِآخَرَ (مَا أَنَا بِزَانٍ، أَوْ مَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ أَوْ يَسْمَعُ مَنْ يَقْذِفُ شَخْصًا ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: صَدَقْت، أَوْ صَدَقْت فِيمَا قُلْت، أَوْ أَخْبَرَنِي) فُلَانٌ أَنَّكَ زَنَيْت (أَوْ أَشْهَدَنِي فُلَانٌ أَنَّكَ زَنَيْت وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ) لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ قَذَفَ، فَلَمْ يَكُنْ قَذْفًا، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ رَجُلًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ أَوْ قَالَ لَهَا: لَمْ أَجِدْكِ عَذْرَاءَ كِنَايَةً. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَة حَنْبَلٍ: لَا أَرَى الْحَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِالْقَذْفِ أَوْ الشَّتْمَةِ (فَإِنْ نَوَى بِمَا) مَرَّ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ الزِّنَا، (لَزِمَهُ الْحَدُّ بَاطِنًا، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا إظْهَارُ نِيَّتِهِ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 آدَمِيٍّ، (وَإِلَّا) يَنْوِ بِذَلِكَ الزِّنَا (عُزِّرَ، وَلَوْ لَمْ يُفَسِّرْهُ بِمُحْتَمَلٍ غَيْرِ قَذْفٍ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِمُحْتَمَلٍ غَيْرِ الْقَذْفِ، قُبِلَ وَعُزِّرَ، فَيُفْهَمُ مِنْ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُفَسِّرْهُ أَوْ فَسَّرَهُ بِغَيْرِ مُحْتَمَلٍ يَكُونُ قَاذِفًا، وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ لَا تُؤَدِّي غَيْرَ مَا يُفْهَمُ مِنْ " الْمُنْتَهَى " فَلَوْ أَشَارَ لِخِلَافِهِمَا لَكَانَ ظَاهِرًا، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ (أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَاذِفًا إلَّا إنْ فَسَّرَهُ بِالزِّنَا) أَوْ نَوَاهُ؛ فَيَلْزَمُهُ بَاطِنًا، وَيَلْزَمُهُ إظْهَارُ مَا نَوَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَاخْتَارَ) أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيُّ (ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ أَلْفَاظَ الْكِنَايَاتِ مَعَ دَلَالَةِ الْحَالِ) كَمَا لَوْ نَشَأَتْ عَنْ خُصُومَةٍ (صَرَائِحُ) لِاسْتِحَالَةِ إرَادَةِ عَكْسِ الْمَفْهُومِ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمُشْكَلِ " التَّعْرِيضُ تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرًا، فَتَبْلُغُ بِهِ إرَادَتَهَا بِوَجْهٍ لَطِيفٍ أَحْسَنَ مِنْ الْكَشْفِ وَالتَّصْرِيحِ؛ وَبِذَلِكَ يَقُولُ: إيَّاكَ - أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ. فَقَرِينَةُ الْحَالِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ تُحِيلُ الْمَعَانِيَ وَتَصْرِفُهَا عَنْ مَوْضِعِهَا لِعَدَمِ إمْكَانِ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ التَّعْرِيضُ هُنَا كَالتَّصْرِيحِ، لِظُهُورِ دَلَالَةِ الْحَالِ فِيهِ. وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اسْتَبَّا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: وَاَللَّهِ مَا أَنَا بِزَانٍ وَمَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ، فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ قَائِلٌ: مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْ كَانَ لِأُمِّهِ وَأَبِيهِ مَدِيحٌ سِوَى هَذَا؛ نَرَى أَنْ يَجْلِدَهُ الْحَدَّ، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ ثَمَانِينَ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ " فِي طَرِيقِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اُشْتُهِرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مُخَالِفٌ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، فَأَمَّا فِي غَيْرِ حَالَةِ الْخُصُومَةِ، وَلَا وُجِدَتْ قَرِينَةٌ؛ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا، قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْوَجِيزِ " وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ الْمَذْهَبُ. (وَيُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ: يَا كَافِرُ يَا فَاسِقُ يَا فَاجِرُ يَا حِمَارُ يَا تَيْسُ يَا رَافِضِيُّ وَيَا خَبِيثَ الْبَطْنِ أَوْ) (يَا خَبِيثَ الْفَرْجِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ يَا ظَالِمُ يَا كَذَّابُ) يَا سَارِقُ يَا مُنَافِقُ يَا أَعْوَرُ يَا أَقْطَعُ يَا أَعْمَى يَا مُقْعَدُ يَا ابْنَ الزَّمِنِ الْأَعْمَى الْأَعْرَجِ (يَا خَائِنُ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا قَرْنَانُ يَا دَيُّوثُ) وَهُوَ الَّذِي يُقِرُّ السُّوءَ عَلَى أَهْلِهِ، وَقِيلَ الَّذِي يَدْخُلُ الرِّجَالُ عَلَى امْرَأَتِهِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ (يَا كَشْخَان) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا الدَّيُّوثُ، قَالَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ (يَا قَرْطَبَانُ) قَالَ ثَعْلَبٌ: الْقَرْطُبَانُ الَّذِي يَرْضَى أَنْ يَدْخُلَ الرِّجَالُ عَلَى نِسَائِهِ، وَقَالَ: الْقَرْنَانُ وَالْكَشْخَانُ لَمْ أَرَهُمَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمَعْنَاهُمَا عِنْدَ الْعَامَّةِ مِثْلُ مَعْنَى الدَّيُّوثِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ (وَبِكُلِّ لَفْظٍ أَشْعَرَ بِالسَّبِّ كَيَا جَائِرُ يَا مُرَائِي يَا قَوَّادُ) ، وَهُوَ عِنْدَ الْعَامَّةِ السِّمْسَارُ فِي الزِّنَا، وَيَا مُعَرِّصُ يَا عَرِصَةُ، وَيَنْبَغِي فِيهِمَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ أَنْ يَكُونَا صَرِيحَيْنِ، وَيَا حَرُورِيُّ نِسْبَةً إلَى الْحَرُورِيَّةِ فِرْقَةٍ مِنْ الْخَوَارِجِ (وَكَذَا) ؛ أَيْ: وَمِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ قَوْلُ شَخْصٍ لِآخَرَ (يَا مُخَنَّثُ يَا عِلْقُ يَا مَأْبُونُ) ؛ أَيْ: مَعْيُوبُ، وَفِي عُرْفِ زَمَنِنَا مَنْ بِهِ دَاءٌ فِي دُبُرِهِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهَا) ؛ أَيْ: هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ بِصَرَائِحَ، بَلْ هِيَ كِنَايَةٌ لِأَنَّهَا لَا تُعْطِي أَنْ يَفْعَلَ بِمُقْتَضَاهَا إلَّا بِقَوْلِ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْفِعْلِ، كَقَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ يَا شَبِقَةُ يَا مُغْتَلِمَةُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا عَالِمُ يَا فَاضِلُ يَا كَرِيمُ إنْ كَانَ أَهْلًا) لِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَهُوَ مَدْحٌ، (وَإِلَّا) يَكُنْ أَهْلًا (فَ) هُوَ (اسْتِهْزَاءٌ) فَيُعَزَّرُ خُصُوصًا مَعَ الْخِصَامِ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 لِاقْتِضَاءِ قَرِينَةِ الْحَالِ إرَادَةَ عَكْسِ الْمَفْهُومِ مِنْ اللَّفْظِ. (وَ) قَالَ (فِي الرِّعَايَةِ " مَنْ قَالَ لِظَالِمِ ابْنِ ظَالِمٍ جَبَرَكَ اللَّهُ وَيَرْحَمُ سَلَفَك احْتَمَلَ الْمَدْحَ) لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ (وَ) احْتَمَلَ (التَّهَزُّؤُ وَأَنَّهُ) ؛ أَيْ: التَّهَزُّؤُ؛ (أَظْهَرُ مِنْهُ؛ فَيُعَزَّرُ) لِعَدَمِ إمْكَانِ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ. [فَصْلٌ قَذَفَ أَهْلَ بَلْدَةٍ] فَصْلٌ (وَمَنْ قَذَفَ أَهْلَ بَلْدَةٍ) عُزِّرَ (أَوْ) قَذَفَ (جَمَاعَةً لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْهُمْ عَادَةً) عُزِّرَ؛ لِأَنَّهُ لَا عَارَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ؛ لِلْقَطْعِ بِكَذِبِ الْقَاذِفِ (أَوْ اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: الْكَاذِبُ ابْنُ الزَّانِيَةِ؛ عُزِّرَ، وَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ نَصًّا؛ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْقَاذِفِ (كَقَوْلِهِ مَنْ رَمَانِي بِالزِّنَا فَهُوَ ابْنُ الزَّانِيَةِ) وَيُعَزَّرُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " لَكِنْ يُتَوَجَّهُ أَنَّهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِ غِيبَةِ أَهْلِ قَرْيَةٍ لَا أَحَدَ هَؤُلَاءِ. أَوْ وَصَفَ رَجُلًا بِمَكْرُوهٍ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَذَّى غَيْرُ الْمُعَيَّنِ، كَقَوْلِهِ فِي الْعَالِمِ مَنْ يَزْنِي وَنَحْوَهُ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ بَعْدَ الْبَحْثِ. (وَمَنْ قَالَ لِمُكَلَّفٍ: اقْذِفْنِي، فَقَذَفَهُ؛ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْحَدَّ (حَقٌّ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمَقْذُوفِ وَقَدْ سَقَطَ بِالْإِذْنِ فِيهِ (وَعُزِّرَ) لِفِعْلِهِ مَعْصِيَةً، وَ (لِأَنَّهُ رَضِيَ أَنْ يُشْتَمَ أَوْ يُغْتَابَ أَوْ يُجْنَى عَلَيْهِ وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ بِعَرْضِهِ عَلَى النَّاسِ؛ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَمْ يُبَحْ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 (وَلَيْسَ لِوَلَدِ مُحْصَنٍ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (قُدِفَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مُطَالَبَةٌ) عَلَى قَاذِفِ وَالِدِهِ (مَا دَامَ وَالِدُهُ) أَيْ وَالِدُ الْمَقْذُوفِ (حَيًّا) ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ مَوْجُودٌ؛ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ الْمُطَالَبَةُ بِدُونِ تَوْكِيلِهِ. (فَإِنْ مَاتَ) مَقْذُوفٌ (وَلَمْ يُطَالِبْ) قَاذِفًا (بِهِ) ؛ أَيْ: الْحَدِّ (سَقَطَ) كَالشَّفِيعِ إذَا مَاتَ قَبْلَ طَلَبِ الشُّفْعَةِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ طَالَبَ بِهِ مَقْذُوفٌ قَبْلَ مَوْتِهِ (فَلَا) يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ بِمُطَالَبَةِ الْمَيِّتِ قَبْلَ مَوْتِهِ عُلِمَ أَنَّهُ قَائِمٌ عَلَى حَقِّهِ؛ فَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ. (وَهُوَ) ؛ أَيْ: حَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ (لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَلَوْ زَوْجًا) أَوْ زَوْجَةً (كَإِرْثٍ) لِأَنَّهُ حَقٌّ وُرِثَ عَنْ الْمَيِّتِ؛ فَاشْتَرَكَ فِيهِ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (فَلَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةِ (حُدَّ لِبَاقٍ) مِنْ الْوَرَثَةِ الَّذِي لَمْ يَعْفُ (كَامِلًا) لِلُحُوقِ الْعَارِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ؛ فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمْ إسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِ؛ فَوَجَبَ لِمَنْ لَمْ يَعْفُ كَامِلًا، كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ مَوْتِهِ (وَمَنْ قَذَفَ مَيِّتًا، وَلَوْ) كَانَ الْمَيِّتُ (غَيْرَ مُحْصَنٍ؛ حُدَّ) قَاذِفٌ (بِطَلَبِ وَارِثٍ مُحْصَنٍ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعَارِ؛ فَاعْتُبِرَ إحْصَانُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمَقْذُوفَ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي بِسَبَبِ الطَّعْنِ وَالْفَرِيَّةِ، وَكَمَا يَلْحَقُ الْعَارُ بِقَذْفِهِ كَذَلِكَ يَلْحَقُ الْعَارُ وَارِثَ الْمَيِّتِ بِقَذْفِ مُوَرِّثِهِ؛ لِأَنَّهُ طَعْنٌ فِي أَصْلِهِ الَّذِي يَسْتَنِدُ إلَيْهِ؛ فَثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ رَفْعًا لِلْعَارِ عَنْهُ. (وَمَنْ قَذَفَ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ) - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُفِّرَ (أَوْ) قَذَفَ (أُمَّهُ) ؛ أَيْ: أُمَّ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (كُفِّرَ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْقَدْحِ بِالنُّبُوَّةِ الْمُوجِبِ لِلْكُفْرِ (وَقُتِلَ) حَتَّى (وَلَوْ تَابَ) نَصًّا؛ لِأَنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُقْبَلُ ظَاهِرًا (أَوْ كَانَ) الْقَاذِفُ فِي الصُّورَتَيْنِ (كَافِرًا مُلْتَزِمًا) لِأَحْكَامِنَا (فَأَسْلَمَ) بَعْدَ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ هَا هُنَا حَدٌّ لِلْقَذْفِ. وَحَدُّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَقَذْفِ غَيْرِهِمَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ لَسَقَطَ حَدُّهُ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ؛ فَيَصِيرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 أَحَقَّ حُكْمًا مِنْ قَذْفِ آحَادِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ حَدَّ غَيْرِهِمْ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَيُسْتَوْفَى مِنْهُ الْحَدُّ مَعَ تَوْبَتِهِ، وَكَوْنِهِ يُقْتَلُ - وَلَوْ قَذَفَ وَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ - لِأَنَّ الْقَتْلَ هُوَ حَدُّ قَذْفِ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَّهَاتِهِمْ؛ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ كَحَدِّ غَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَذْفُ نِسَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَقَذْفِهِ؛ لِقَدْحِهِ فِي دِينِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا قَبْلَ عِلْمِهِ بَرَاءَتَهَا وَأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِإِمْكَانِ الْمُفَارَقَةِ فَتَخْرُجُ بِهَا مِنْهُنَّ، وَتَحِلُّ لِغَيْرِهِ. وَلَا يُقْتَلُ كَافِرٌ سَبَّ نَبِيًّا بِغَيْرِ الْقَذْفِ ثُمَّ أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ سَبَّ اللَّهِ تَعَالَى يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ، فَسَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى، وَتَقَدَّمَ آخِرَ بَابِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ (وَلَا يُكَفَّرُ مَنْ قَذَفَ أَبَا شَخْصٍ إلَى آدَم) نَصًّا وَسَأَلَهُ حَرْبٌ عَنْ رَجُلٍ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ يَا ابْنَ كَذَا وَكَذَا إلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ، فَعَظَّمَهُ جِدًّا، وَقَالَ عَنْ الْحَدِّ لَمْ يَبْلُغْنِي فِيهِ شَيْءٌ، وَذَهَبَ إلَى حَدٍّ وَاحِدٍ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يُكَفَّرُ مَنْ (لَعَنَ شَرِيفًا وَأَجْدَادَهُ، أَوْ) لَعَنَ رَجُلًا (مُخْتَلَفٌ فِي نُبُوَّتِهِ كَالْخَضِرِ وَلُقْمَانَ) - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - إذَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْظًا أَوْ سَفَهًا أَوْ عَبَثًا وَلَعْنًا كَسَبِّ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - سَبًّا لَا يَقْدَحُ فِي دِينِهِمْ أَوْ عَدَالَتِهِمْ كَسَبِّهِ أَحَدَهُمْ أَوْ إيَّاهُ سَبًّا يَقْصِدُ غَيْظَهُ وَالْكَذِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْغِيبَةَ لَهُمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ الَّتِي عَلَّمَ اللَّهِ تَحْرِيمَهَا؛ فَإِنَّهُ مِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا؛ كُفِّرَ، لِأَنَّ اقْتِرَانَ السَّبِّ مَعَ اعْتِقَادِ حِلِّهِ كُفْرٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً يُتَصَوَّرُ زِنَاهُمْ عَادَةً بِكَلِمَةٍ) وَاحِدَةٍ كَقَوْلِهِ هُمْ زُنَاةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ كَرَّرَهَا) ؛ أَيْ: الْكَلِمَةَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَطَالَبُوهُ) كُلُّهُمْ وَلَوْ مُتَفَرِّقِينَ (أَوْ) طَالَبَهُ (أَحَدُهُمْ) (فَ) عَلَيْهِ (حَدٌّ وَاحِدٌ) فَيُحَدُّ لِمَنْ طَلَبَهُ ثُمَّ لَا حَدَّ بَعْدَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ قَذَفَ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً، وَلِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجِبُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ حَدٍّ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا وَجَبَ بِإِدْخَالِ الْمَعَرَّةِ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِقَذْفِهِ، وَبِحَدٍّ وَاحِدٍ يَظْهَرُ كَذِبُ هَذَا الْقَاذِفِ وَتَزُولُ الْمَعَرَّةُ؛ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَذَفَ كُلًّا مِنْهُمْ قَذْفًا مُنْفَرِدًا، فَإِنَّ كَذَّبَهُ فِي قَذْفِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَذِبُهُ فِي قَذْفِ آخَرَ، وَلَا تَزُولُ الْمَعَرَّةُ، وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِإِسْقَاطِ أَحَدِهِمْ؛ فَلِغَيْرِهِ الطَّلَبُ؛ لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ لَمْ تَزُلْ عَنْهُ بِعَفْوِ صَاحِبِهِ. (وَ) إنْ قَذَفَهُمْ (بِكَلِمَاتٍ) بِأَنْ قَذَفَ (كُلَّ وَاحِدٍ بِكَلِمَةٍ) ؛ أَيْ: جُمْلَةٍ (فَ) عَلَيْهِ (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (حَدٌّ) ؛ لِتَعَدُّدِ الْقَذْفِ وَتَعَدُّدِ مَحِلِّهِ، كَمَا لَوْ قَذَفَ كُلًّا مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْذِفَ الْآخَرَ. (وَمَنْ حُدَّ لِقَذْفٍ، ثُمَّ أَعَادَهُ) ؛ أَيْ: الْقَذْفَ عُزِّرَ لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ حُدَّ لَهُ؛ فَلَا يُعَادُ كَمَا لَوْ أَعَادَهُ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ أَعَادَ مُلَاعِنٌ الْقَذْفَ (بَعْدَ لِعَانِهِ؛ عُزِّرَ، وَلَا) يُعَادُ (لِعَانٌ) لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ لَاعَنَ عَلَيْهِ مَرَّةً، كَمَا لَوْ أَعَادَهُ قَبْلَ اللِّعَانِ، (وَ) إنْ قَذَفَ (بِزِنًا آخَرَ) غَيْرَ الَّذِي حُدَّ لَهُ (حُدَّ مَعَ طُولِ الزَّمَنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَحُرْمَةُ الْمَقْذُوفِ لَا تَسْقُطُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَاذِفِ أَبَدًا بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَذْفِهِ بِكُلِّ حَالٍ (وَإِلَّا) يَطُلْ الزَّمَنُ بَيْنَ الْحَدِّ الْأَوَّلِ وَالْقَذْفِ الثَّانِي (فَلَا) يُحَدُّ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُدَّ مَرَّةً فَلَمْ يُحَدَّ لَهُ بِالْقَذْفِ (عَقِبَهُ) كَمَا لَوْ قَذَفَهُ بِالزِّنَا الْأَوَّلِ. [تَتِمَّةٌ وُجُوبُ التَّوْبَةُ فَوْرًا مِنْ الْقَذْفِ وَالْغَيْبَةِ وَغَيْرِهِمَا] تَجِبُ التَّوْبَةُ فَوْرًا مِنْ الْقَذْفِ وَالْغَيْبَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 مِنْ ذَلِكَ إعْلَامُ مَقْذُوفٍ أَوْ مُغْتَابٍ وَنَحْوِهِمَا. نَقَلَ مُهَنَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهُ؛ لِأَنَّ فِي إعْلَامِهِ دُخُولَ غَمٍّ عَلَيْهِ وَزِيَادَةَ إيذَاءٍ. وَقَالَ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: يَحْرُمُ عَلَى الْقَاذِفِ وَنَحْوِهِ إعْلَامُ مَقْذُوفٍ وَمُغْتَابٍ وَنَحْوِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصَّحِيحُ لَا يَجِبُ الِاعْتِرَافُ لِلْمَظْلُومِ، وَلَوْ سَأَلَهُ فَيُعَرِّضُ فِي إنْكَارِهِ حِذَارًا (مِنْ الْكَذِبِ - وَلَوْ مَعَ اسْتِحْلَافِهِ - لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ؛ لِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ فَيَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ وَمَعَ عَدَمِ التَّوْبَةِ وَإِلَّا لَكَانَ تَعْرِيضُهُ فِي الْإِنْكَارِ كَذِبٌ، وَيَمِينُهُ غَمُوسٌ، لِأَنَّهُ ظَالِمٌ) فَلَا يَنْفَعُهُ تَعْرِيضُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَاخْتَارَ أَصْحَابُنَا لَا يُعْلِمُهُ، بَلْ يَدْعُو لَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَظْلَمَتِهِ. وَقَالَ: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَتَمْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً» . الْحَدِيثَ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَيْضًا: زِنَاهُ بِزَوْجَةِ غَيْرِهِ كَالْغِيبَةِ. وَذَكَرَ فِي " الْغُنْيَةِ " إنْ تَأَذَّى بِمَعْرِفَتِهِ كَزِنَاهُ بِجَارِيَتِهِ أَوْ أَهْلِهِ وَغِيبَتُهُ بِعَيْبٍ خَفِيٍّ يَعْظُمُ أَذَاهُ، فَهُنَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى أَنْ يَسْتَحِلَّهُ، وَيَبْقَى لَهُ عَلَيْهِ مَظْلِمَةٌ فَيَجْبُرُهَا بِالْحَسَنَاتِ كَمَا تُجْبَرُ مَظْلِمَةُ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ، وَلَوْ أَعْلَمَهُ بِمَا فَعَلَ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ، فَحَلَّلَهُ فَهُوَ كَإِبْرَاءٍ مِنْ مَجْهُولٍ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ. [بَابُ حَدِّ الْمُسْكِرِ] ِ السُّكْرُ اخْتِلَاطُ الْعَقْلِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: السَّكْرَانُ خِلَافُ الصَّاحِي، وَالْجَمْعُ سَكْرَى وَسَكَارَى بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَالْمَرْأَةُ سَكْرَى، وَلُغَةُ بَنِي أَسَدٍ سَكْرَانَةُ، وَالْمُسْكِرُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَسْكَرَ الشَّرَابُ إذَا جَعَلَ صَاحِبَهُ سَكْرَانَ، أَوْ كَانَ فِيهِ قُوَّةٌ تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا نُقِلَ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سَهْلِ أَنَّهَا حَلَالٌ فَمَرْجُوعٌ عَنْهُ، نَقَلَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، وَسَنَدُهُمَا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90] الْآيَةَ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» وَفِي لَفْظِ «كُلُّ مُسْكَرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٌ خَمْرٌ يَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءً كَانَ مِنْ الْعِنَبِ أَوْ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ. لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ، قَالَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَوْ) شَرِبَ الْمُسْكِرَ (لِعَطَشٍ) لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ رَيٌّ بَلْ مَا فِيهِ مِنْ الْحَرَارَةِ يَزِيدُ الْعَطَشَ (بِخِلَافِ مَاءٍ نَجَسٍ) فَيَجُوزُ شُرْبُهُ لِعَطَشٍ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَرْدِ وَالرُّطُوبَةِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِدَوَاءٍ (إلَّا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا؛ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْكِرِ (وَخَافَ تَلَفًا) فَيَجُوزُ، لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ (وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْخَمْرِ فِي دَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا (بَوْلٌ) لِوُجُوبِ الْحَدِّ بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْكِرِ دُونَ الْبَوْلِ (أَوْ) يُقَدَّمُ (عَلَيْهِمَا) ؛ أَيْ الْمُسْكِرِ وَالْبَوْلِ. (أَوْ) شُرْبُ (مَا خُلِطَ بِهِ) ؛ أَيْ: الْمُسْكِرِ (وَلَمْ يُسْتَهْلَكْ) الْمُسْكِرُ (فِيهِ) ؛ أَيْ: الْمَاءِ؛ (حُدَّ) ؛ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ فِي الْمَاءِ فَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلُبْ عَنْ الْمَاءِ اسْمَهُ (أَوْ أُسْقِطَ) بِمُسْكِرٍ (أَوْ احْتَقَنَ بِهِ، أَوْ أَكَلَ عَجِينًا لُتَّ بِهِ) ؛ أَيْ: الْمُسْكِرِ، لَا إنْ خُبِزَ فَأَكَلَهُ (مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ) لَا صَغِيرٌ وَمَجْنُونٌ (عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ وَيُصَدَّقُ إنْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِهِ) أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ (مُخْتَارًا) لِشُرْبِهِ. (فَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ يُحَدَّ لِحِلِّهِ) ؛ أَيْ: الْمُسْكِرِ (لِمُكْرَهٍ) عَلَى شُرْبِهِ بِإِلْجَاءٍ أَوْ وَعِيدٍ مِنْ قَادِرٍ؛ لِحَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ) . (وَصَبْرُهُ) أَيْ: الْمُكْرَهِ عَنْ شُرْبِ مُسْكِرٍ (عَلَى الْأَذَى أَفْضَلُ) مِنْ شُرْبِهَا مُكْرَهًا نَصًّا، وَكَذَا كُلُّ مَا جَازَ لِمُكْرَهٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ) لَا يَجُوزُ لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ تَرْكُهُ (إنْ أَدَّى الْإِكْرَاهُ إلَى قَتْلِهِ) بَلْ إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّخَلُّفُ اسْتِبْقَاءً لِنَفْسِهِ وَإِنْجَاءً لَهَا مِنْ التَّهْلُكَةِ (بِخِلَافِهِ) ؛ أَيْ: الْإِكْرَاهِ عَلَى الدُّخُولِ (فِي الْكُفْرِ) فَإِنَّ صَبْرَهُ عَلَى الْأَذَى وَتَلَقِّيَ الْقَضَاءِ بِالرِّضَا أَفْضَلُ، وَلَوْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ وُجِدَ) مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ (سَكْرَانُ أَوْ تُقَيَّأهَا بِهِ) ؛ أَيْ: الْخَمْرَ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ. (وَيَتَّجِهُ) الْقَوْلُ بِلُزُومِ هَذَا الْحُكْمِ (فِي) وُجُودِ سُكْرٍ أَوْ قَيْءٍ مِنْ شَخْصٍ (مُرْتَابٍ) ؛ أَيْ: مُتَّهَمٍ (بِشُرْبِهَا) ؛ أَيْ الْخَمْرِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلرِّيبَةِ وَوُجِدَ عَلَى هَذَا الْحَالِ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْإِغْضَاءُ عَنْهُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَرِبَهَا جَاهِلًا أَنَّهَا خَمْرٌ أَوْ مُكْرَهًا عَلَى شُرْبِهَا، وَفِي كُلُّ شُبْهَةٍ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (حُدَّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْكَرْ أَوْ يَتَقَيَّأْهَا إلَّا وَقَدْ شَرِبَهَا (حُرٌّ) وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ (ثَمَانِينَ) جَلْدَةً؛ لِمَا رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: اجْعَلْهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ، فَضَرَبَ عُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكَتَبَ بِهِ إلَى خَالِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بِالشَّامِ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَشُورَةِ إنَّهُ إذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، فَحُدُّوهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي. وَحَدُّ (قِنٍّ) فِيمَا تَقَدَّمَ (نِصْفُهَا) ؛ أَيْ: أَرْبَعِينَ جَلْدَةً ذَكَرًا كَانَ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 أُنْثَى، وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ (وَلَوْ ادَّعَى) شَارِبٌ وَنَحْوُهُ حُرًّا كَانَ أَوْ قِنًّا (جَهْلَ وُجُوبِ الْحَدِّ) حَيْثُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزِّنَا. (وَيُعَزَّرُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَتُهَا) ؛ أَيْ: الْخَمْرِ، وَلَا يُحَدُّ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ بِهَا، أَوْ ظَنَّهَا مَاءً، فَلَمَّا صَارَتْ فِي فِيهِ مَجَّهَا وَنَحْوَهُ (أَوْ) أَيْ: وَيُعَزَّرُ مَنْ (حَضَرَ شُرْبَهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا كُلُّ مَنْ حَضَرَ) وَهُوَ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ (مَجْلِسًا مُحَرَّمًا) كَمَجْلِسٍ لِاسْتِمَاعِ آلَةِ لَهْوٍ أَوْ لَعِبٍ بِشِطْرَنْجٍ أَوْ نَرْدٍ وَنَحْوِهِ؛ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ؛ لِإِقْرَارِهِ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَلَا حَدَّ عَلَى شَارِبِ خَمْرٍ جَهِلَ تَحْرِيمَهَا؛ لِقَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ لَا حَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ. وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ مَنْ شَرِبَهَا غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّهَا خَمْرٌ (وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْجَهْلِ) بِالتَّحْرِيمِ (مِمَّنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْفَى، بِخِلَافِ حَدِيثِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ وَنَاشِئٍ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْإِسْلَامِ؛ فَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ. (وَلَا حَدَّ عَلَى كَافِرٍ) وَلَوْ ذِمِّيًّا (لِشُرْبِ) خَمْرٍ لِاعْتِقَادِهِ حِلَّهُ كَنِكَاحِ مَجُوسِيٍّ ذَاتَ مَحْرَمٍ. (وَيَثْبُتُ) شُرْبُ مُسْكِرٍ (بِإِقْرَارٍ بِهِ مَرَّةً كَقَذْفٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا، بِخِلَافِ زِنًا وَسَرِقَةٍ (وَ) كَذَا حَدُّ (قَوَدٍ) فَيَثْبُتُ بِإِقْرَارٍ بِهِ مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ (أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ) عَلَى الشُّرْبِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ (وَلَوْ لَمْ يَقُولَا) شَرِبَ (مُخْتَارًا عَالِمًا تَحْرِيمَهُ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَتَقَدَّمَ يُقْبَلُ رُجُوعُ مُقِرٌّ بِهِ؛ فَلَا يُحَدُّ. (وَيَحْرُمُ وَيَنْجَسُ عَصِيرُ) عِنَبٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ رُمَّانٍ (غَلَى) كَغَلَيَانِ الْقِدْرِ؛ بِأَنْ قَذَفَ بِزَبَدِهِ نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 يَسْكَرْ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الشِّدَّةُ الْحَادِثَةُ فِيهِ، وَهِيَ تُوجَدُ بِوُجُودِ الْغَلَيَانِ، فَإِذَا غَلَى حَرُمَ. لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ فَتَحَيَّنْتُ فِطْرَهُ بِنَبِيذٍ صَنَعْتُهُ فِي دُبَّاءَ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِهِ، فَإِذَا هُوَ يَنِشُّ، فَقَالَ: اضْرِبْ بِهَذَا الْحَائِطَ، فَإِنَّ هَذَا شُرْبُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَحْرُمُ عَصِيرٌ (أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ) وَإِنْ لَمْ يُغْلَ نَصًّا؛ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَشْرَبُهُ إلَى مَسَاءِ ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى الْخَدَمَ، أَوْ يُهْرَاقُ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الشَّالَنْجِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اشْرَبُوا الْعَصِيرَ ثَلَاثَةً مَا لَمْ يَغْلِ» ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعَصِيرِ: أَشْرَبُهُ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ شَيْطَانُهُ. قِيلَ وَفِي كَمْ يَأْخُذُهُ شَيْطَانُهُ؟ قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ. حَكَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّ الشِّدَّةَ تَحْصُلُ فِي ثَلَاثٍ غَالِبًا، وَهِيَ خَفِيَّةٌ تَحْتَاجُ إلَى ضَابِطٍ، وَالثَّلَاثُ تَصْلُحُ لِذَلِكَ؛ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا بِهَا. (وَإِنْ طُبِخَ) الْعَصِيرُ (قَبْلَ تَحْرِيمِهِ) ؛ أَيْ: قَبْلَ غَلَيَانِهِ وَقَبْلَ إتْيَانِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ عَلَيْهِ (حَلَّ إنْ ذَهَبَ) بِطَبْخِهِ (ثُلُثَاهُ) فَأَكْثَرُ نَصًّا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَشْرَبُ مِنْ الطِّلَاءِ مَا بَقِيَ ثُلُثُهُ وَذَهَبَ ثُلُثَاهُ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَلَهُ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَلِأَنَّ الْعَصِيرَ إنَّمَا يَغْلِي لِمَا فِيهِ مِنْ الرُّطُوبَةِ، فَإِذَا غَلَى عَلَى النَّارِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ فَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ رُطُوبَتِهِ، فَلَا يَكَادُ يَغْلِي، وَإِذَا لَمْ يَغْلِ لَمْ تَحْصُلْ فِيهِ الشِّدَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالرُّبَّى، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ حِينَ قَالَ لَهُ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ يُسْكِرُ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ يُسْكِرُ مَا أَحَلَّهُ عُمَرُ. (وَلَا) يَحِلُّ عَصِيرٌ طُبِخَ فَذَهَبَ بِطَبْخِهِ (أَقَلُّ) مِنْ ثُلُثَيْهِ (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) وَالشَّارِحِ فَإِنَّهُمَا اعْتَبَرَا فِي حِلِّهِ عَدَمَ إسْكَارِهِ؛ سَوَاءٌ ذَهَبَ بِطَبْخِهِ ثُلُثَاهُ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 [تَنْبِيهٌ النَّبِيذُ مُبَاحٌ مَا لَمْ يَغْلِ أَوْ تَأْتِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا] ، وَهُوَ مَاءٌ يُلْقَى فِيهِ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ أَوْ عُنَّابٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ لِيُحَلُّوا بِهِ الْمَاءَ، وَتَذْهَبَ مُلُوحَتُهُ. رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَنْقَعُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّبِيبَ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إلَى مَسَاءِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُسْقَى ذَلِكَ الْخَدَمَ أَوْ يُهْرَاقُ» . وَقَوْلُهُ إلَى مَسَاءِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ يَكُونُ قَبْلَ تَمَامِ الثَّلَاثِ بِقَلِيلٍ، فَيُسْقَى ذَلِكَ الْخَدَمُ إنْ شَاءَ أَوْ يَشْرَبُهُ أَوْ يُهْرَاقُ قَبْلَ أَنْ تَتِمَّ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ لِيُنْبَذَ غَيْرُهُ فِي وِعَائِهِ، فَإِنْ طُبِخَ قَبْلَ غَلَيَانِهِ حَتَّى صَارَ غَيْرَ مُسْكِرٍ كَرِبَ الْخَرُّوبِ وَغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ، وَذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَصِيرِ. (وَوَضْعُ زَبِيبٍ فِي خَرْدَلٍ كَعَصِيرٍ؛ فَيَحْرُمُ إنْ غَلَى وَنَحْوُهُ) كَأَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ (وَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى زَبِيبٍ فِي خَرْدَلٍ (خَلٌّ قَبْلَ ذَلِكَ) ، أَيْ قَبْلَ أَنْ يَغْلِيَ، أَوْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ (أُكِلَ) وَلَوْ بَعْدَ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ الْخَلَّ يَمْنَعُ غَلَيَانَهُ. (وَيُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ كَنَبِيذِ تَمْرٍ مَعَ زَبِيبٍ) أَوْ بُسْرٍ مَعَ تَمْرٍ أَوْ رُطَبٍ (وَكَذَا) نَبِيذُ (مُذْنِبٍ) ؛ أَيْ: مَا نِصْفُهُ بُسْرٌ وَنِصْفُهُ رُطَبٌ (وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ كَنَبِيذِ بُسْرٍ مَعَ رُطَبٍ (لِمَا رَوَى جَابِرٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا» ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَخْلِطَ بُسْرًا بِتَمْرٍ، وَزَبِيبًا بِتَمْرٍ، أَوْ زَبِيبًا بِبُسْرٍ، وَقَالَ: مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا أَوْ تَمْرًا فَرْدًا أَوْ بُسْرًا فَرْدًا» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يَنْقَعُ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ الْهِنْدِيَّ وَالْعُنَّابَ وَنَحْوَهُ يَنْقَعُهُ غُدْوَةً وَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً لِلدَّوَاءِ: أَكْرَهُهُ؛ لِأَنَّهُ يُنْبَذُ، وَلَكِنْ يَطْبُخُهُ وَيَشْرَبُ عَلَى الْمَكَانِ. وَ (لَا) يُكْرَهُ (وَضْعُ تَمْرٍ وَحْدَهُ أَوْ) وَضْعُ (زَبِيبٍ أَوْ) وَضْعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 (مِشْمِشٍ أَوْ) وَضْعُ (عُنَّابٍ فِي مَاءٍ لِتَحْلِيَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَاءِ مَا لَمْ (يَشْتَدَّ) ؛ أَيْ: يَغْلِ (أَوْ تَتِمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا؛ فَيَحْرُمُ؛ لِمَا سَبَقَ. [فَائِدَةٌ لَا يُكْرَهُ فُقَّاعٌ حَيْثُ لَمْ يَشْتَدَّ وَلَمْ يَغْلِ] ِ؛ لِأَنَّهُ نَبِيذٌ يُتَّخَذُ لِهَضْمِ الطَّعَامِ وَصَدْقِ الشَّهْوَةِ لَا لِلْإِسْكَارِ، وَمِثْلُهُ الْأَقْسَمَا إذَا كَانَ مِنْ زَبِيبٍ وَحْدَهُ، مَا لَمْ يَغْلِ أَوْ تَأْتِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، وَالْفُقَّاعُ شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنْ الشَّعِيرِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا يَعْلُوهُ مِنْ الزَّبَدِ. (وَلَا) يُكْرَهُ (انْتِبَاذٌ فِي دُبَّاءَ) بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ (وَهِيَ الْقَرْعُ وَ) لَا فِي (حَنْتَمٍ) ؛ أَيْ: إنَاءٍ أَخْضَرَ وَلَا فِي نَقِيرٍ (وَهُوَ مَا حُفِرَ مِنْ خَشَبٍ) كَقَصْعَةٍ وَقَدَحٍ (وَ) لَا فِي (مُزَفَّتٍ) ؛ أَيْ: مُلَطَّخٍ بِالزِّفْتِ؛ (لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَشْرِبَةِ إلَّا فِي ظُرُوفِ الْأُدْمِ؛ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا. (وَإِنْ غَلَا عِنَبٌ وَهُوَ عِنَبٌ) بِلَا عَصْرٍ (فَلَا بَأْسَ) بِهِ، وَمِثْلُهُ بِطِّيخٌ وَنَحْوُهُ، وَإِنْ اسْتَحَالَ خَمْرًا حَرُمَ وَتَنَجَّسَ. [فَصْلٌ حُكْمِ الْقَهْوَةِ] فَصْلٌ (فَرْعٌ سُئِلَ صَاحِبُ الْعُبَابِ) هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْيَمَنِيُّ الشَّافِعِيُّ عَنْ حُكْمِ (الْقَهْوَةِ فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْقَهْوَةُ يَحْصُلُ لِشَارِبِهَا مِنْ النَّشَاطِ وَالرُّوحَانِيَّةِ وَطِيبِ الْخَاطِرِ مَا لَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا تُجَفِّفُ الرُّطُوبَةَ، وَيَحْصُلُ لِلْبَدَنِ مِنْهَا خِفَّةٌ عَظِيمَةٌ، فَيَنْشَطُ وَيَذْهَبُ عَنْهُ الْكَسَلُ وَالنُّعَاسُ، وَيَنْشَأُ عَنْ هَذَا النَّشَاطِ انْبِعَاثٌ لِمَا الشَّخْصُ بِصَدَدِهِ مِنْ الْأَشْغَالِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَهَذَا النَّشَاطُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَمْزِجَةِ النَّاسِ، وَأَقْرَبُ مَا تُشْبِهُ حَالَةُ صَاحِبِهِ حِينَئِذٍ حَالَةَ مَنْ يَرِدُ عَلَيْهِ وَارِدٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 بَسْطٌ مَجْهُولُ السَّبَبِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ قَالَ: وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، (فَإِنْ قُصِدَتْ لِلْإِعَانَةِ عَلَى قُرْبَةٍ) كَالتَّقْوِيَةِ عَلَى السَّهَرِ لِمُطَالَعَةِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، أَوْ الْمُذَاكَرَةِ لِفَهْمِ الْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ وَنَحْوِهِ ذَلِكَ (كَانَتْ قُرْبَةً، أَوْ) قُصِدَتْ لِلْإِعَانَةِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ (مُبَاحٍ) كَمُسَامَرَةِ الْإِخْوَانِ وَالْأَهْلِ (فَهِيَ مُبَاحَةٌ أَوْ) قُصِدَتْ لِلْإِعَانَةِ عَلَى (مَكْرُوهٍ) كَتَطْوِيلِ السَّهَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ مَعَ غَيْرِ أَهْلٍ وَضَيْفٍ (فَ) هِيَ وَنَحْوُهُ (مَكْرُوهَةٌ، أَوْ) قُصِدَتْ لِلْإِعَانَةِ عَلَى (حَرَامٍ) كَالسَّهَرِ لِسَمَاعِ الْغِنَاءِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ، (فَ) هِيَ (مُحَرَّمَةٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ) لِأَنَّ الْأُمُورَ بِمَقَاصِدِهَا. (وَيَتَّجِهُ حِلُّ شُرْبِ الدُّخَانِ وَالْأَوْلَى لِكُلِّ ذِي مُرُوءَةٍ تَرْكُهُمَا) ؛ أَيْ: الْقَهْوَةِ وَالدُّخَانِ، لِمَا فِيهِمَا مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَعَنْ تَحْصِيلِ الْكِمَالَاتِ؛ إذْ مَنْ اعْتَادَهُمَا قَدْ يَعْجِزُ عَنْ تَحْصِيلِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، أَوْ يَكُونُ مَجْلِسٌ لَا يَنْفِي اسْتِعْمَالَهُمَا فِيهِ أَوْ يَسْتَحِي مِمَّنْ حَضَرَ فَيَتَشَوَّشُ خَاطِرُهُ لِفَقْدِهِمَا وَقَدْ يَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ؛ فَيَفُوتُهُ بَعْضُ مُطَالَبِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 خُصُوصًا الدُّخَانَ، فَقَدْ كَثُرَ فِيهِ الْقِيلُ وَالْقَالُ، وَأُلِّفَ فِيهِ الرَّسَائِلُ الْقِصَارُ وَالطِّوَالُ، فَتَشَتَّتَ فِيهِ فِكْرُ الْأَنَامِ وَتَحَيَّرَ فِي شَأْنِهِ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ، وَمَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي شُرْبِهِ بِالْكَلَامِ إلَى أَنْ صَارُوا فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، قِسْمٍ سَاكِتُونَ عَنْ الْبَحْثِ عَنْهُ، وَقِسْمٍ قَائِلُونَ بِإِبَاحَتِهِ كَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ، وَقِسْمٍ قَائِلُونَ بِكَرَاهَتِهِ، وَقِسْمٍ آخَرَ مُتَعَصِّبُونَ لِحُرْمَتِهِ مِمَّنْ يَنْتَسِبُونَ إلَى الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُمْ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا كُلُّ عَالِمٍ مُحَقِّقٌ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ إذَا خَلَا مِنْ الْمَيْلِ مَعَ الْهَوَى النَّفْسَانِيِّ سُئِلَ الْآنَ عَنْ شُرْبِهِ بَعْدَ اشْتِهَارِهِ وَمَعْرِفَةِ النَّاسِ بِهِ، وَبُطْلَانِ دَعْوَى الْمُدَلِّسِينَ فِيهِ بِإِضْرَارِهِ لِلْعَقْلِ وَالْبَدَنِ لَا يُجِيبُ إلَّا بِإِبَاحَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا ضَرَرَ فِيهَا وَلَا نَصَّ تَحْرِيمٍ الْحِلُّ وَالْإِبَاحَةُ حَتَّى يَرِدَ الشَّرْعُ بِالتَّحْرِيمِ لَا الْحَظْرِ. وَاتَّفَقَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ تَحَكُّمَ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ بَاطِلٌ؛ إذْ لَيْسَ الصَّلَاحُ بِتَحْرِيمِهِ وَالتَّحَكُّمِ فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ بِالْآرَاءِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْقِيَاسَاتِ الْوَهْمِيَّةِ، وَإِنَّمَا الصَّلَاحُ وَالدِّينُ الْمُحَافَظَةُ بِالِاتِّبَاعِ لِلْأَحْكَامِ الْوَارِدَةِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ فَرَائِضَ وَمُسْتَحَبَّاتٍ وَمُحَرَّمَاتٍ وَمَكْرُوهَاتٍ وَمُبَاحَاتٍ بِلَا تَفْسِيرٍ وَلَا تَبْدِيلٍ فِي سَائِرِ الْحَالَاتِ، وَهَلْ الطَّعْنُ فِي أَكْثَرِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَالْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ وَالطُّغْيَانِ صَلَاحٌ أَمْ فَسَادٌ بَيْنَ الْإِخْوَانِ، وَالْعَامَّةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَضْلًا عَنْ الْخَاصَّةِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ. وَقَدْ وَثَّقَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وقَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] ؛ أَيْ: عُدُولًا، فَإِنْ قِيلَ مَتَى حَدَثَ شُرْبُ هَذَا الدُّخَانَ؟ أُجِيبُ أَنَّهُ حَدَثَ فِي حُدُودِ الْأَلْفِ، وَكَانَ حُدُوثُهُ أَوَّلًا فِي بِلَادِ الْإِنْكِلِيزِ، وَأَتَى بِهِ رَجُلٌ مِنْ الْحُكَمَاءِ إلَى أَرْضِ الْمَغْرِبِ، وَعَرَضَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 عَلَى النَّاسِ، وَذَكَرَ لَهُمْ مَنَافِعَهُ، فَلَمَّا انْتَشَرَ، حَرَّمَهُ بَعْضٌ، وَكَرِهَهُ بَعْضٌ، وَأَبَاحَهُ بَعْضٌ، وَسَكَتَ عَنْهُ بَعْضٌ، وَكُلُّ أَهْلِ مَذْهَبٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِيهِمْ مَنْ حَرَّمَهُ، وَفِيهِمْ مَنْ كَرِهَهُ، وَفِيهِمْ مَنْ أَبَاحَهُ، وَلَكِنَّ غَالِبَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ قَالُوا إنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ مَكْرُوهٌ، وَبَعْضُهُمْ مَنْ حَرَّمَهُ، وَغَالِبُ الْمَالِكِيَّةِ حَرَّمَهُ، وَبَعْضٌ مِنْهُمْ كَرِهَهُ، وَكَذَا أَصْحَابُنَا سِيَّمَا النَّجْدِيُّونَ إلَّا أَنِّي لَمْ أَرَ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ صَرَّحَ فِي تَأْلِيفِهِ بِالْحُرْمَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي رِسَالَةٍ أَلَّفَهَا فِيهِ: الْإِبَاحَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ مَنْصُورٍ فِي آدَابِ النِّسَاءِ " الْكَرَاهَةُ ". وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ مَنْ يُسْكِرُهُ وَمَنْ لَا يُسْكِرُهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ إذْ الْإِنْسَانُ لَوْ تَنَاوَلَ مُبَاحًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَسَكِرَ مِنْهُ، حُرِّمَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّهُ فِي عَقْلِهِ وَدِينِهِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَشُكُّ فِي كَرَاهَتِهِ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ النَّقْصِ فِي الْمَالِ، وَلِكَرَاهَةِ رَائِحَةِ فَمِ شَارِبِهِ كَأَكْلِ الْبَصَلِ النِّيءِ وَالثُّومِ وَالْكُرَّاثِ وَنَحْوِهَا، وَلِإِخْلَالِهِ بِالْمُرُوءَةِ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ الْفَضَائِلِ وَالْكَمَالَاتِ، وَكَانَ أَحْمَدُ لَا يَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا. وَأَمَّا التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ فَلَمْ أَقْطَعْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِقِصَرِ بَاعِي وَقِلَّةِ اطِّلَاعِي، وَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ الصَّرِيحِ. . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا شَكَكْنَا فِي الْمَطْعُومِ أَوْ الْمَشْرُوبِ هَلْ يُسْكِرُ أَمْ لَا؟ لَمْ يَحْرُمْ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ، وَلَمْ يُقَمْ الْحَدُّ عَلَى صَاحِبِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَأَمَّا اخْتِصَاصُ الْخَمْرِ بِالْحَدِّ؛ فَإِنَّ فِي النُّفُوسِ بَاعِثًا رَادِئًا إلَى الْخَمْرِ، فَنُصِبَ لِذَلِكَ رَادِعٌ شَرْعِيٌّ، وَزَاجِرٌ دُنْيَوِيٌّ أَيْضًا؛ لِيَتَقَابَلَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُهَا، انْتَهَى. هَذَا مَا ظَهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَتِمَّةٌ التَّشَبُّهُ بِشُرَّابِ الْخَمْرِ] تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ التَّشَبُّهُ بِشُرَّابِ الْخَمْرِ، وَيُعَزَّرُ فَاعِلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوبُ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ، وَرَتَّبُوا مَجْلِسًا، وَأَحْضَرُوا آلَاتِ الشَّرَابِ وَأَقْدَاحَهُ، وَصَبُّوا فِيهَا السَّكَنْجَبِينَ وَنَحْوَهُ، وَنَصَّبُوا سَاقِيًّا يَدُورُ عَلَيْهِمْ وَيَسْقِيهِمْ، فَيَأْخُذُونَ مِنْ السَّاقِي وَيَشْرَبُونَ، وَيُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِكَلِمَاتِهِمْ الْمُعْتَادَةِ بَيْنَهُمْ؛ حَرُمَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوبُ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ - لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَشْبِيهًا بِأَهْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 الْفَسَادِ. قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي " الْإِحْيَاءِ " وَهَذَا مُنْشَأُ مَا وَقَعَ فِي الْقَهْوَةِ حَيْثُ اسْتَنَدَ إلَيْهِ مَنْ أَفْتَى بِتَحْرِيمِهَا، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْمُحَرَّمَ التَّشَبُّهُ لَا ذَاتُهَا، حَيْثُ لَا دَلِيلَ يَخُصُّ؛ لِعَدَمِ إسْكَارِهَا كَمَا هُوَ مَحْسُوسٌ، وَهَذَا يَشْهَدُهُ الْوِجْدَانُ الصَّادِقُ بَعْدَ التَّأَمُّلِ الْفَائِقِ. [بَابُ التَّعْزِيرِ] ِ (وَهُوَ) لُغَةً الْمَنْعُ، وَاصْطِلَاحًا (التَّأْدِيبُ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ تَعَاطِي الْقَبِيحِ. وَعَزَّرْتُهُ بِمَعْنَى نَصَرْتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ عَدُوَّهُ مِنْ أَذَاهُ. وَقَالَ السَّعْدِيُّ: يُقَالُ عَزَّرْتُهُ وَقَّرْتُهُ، وَأَيْضًا أَدَّبْتُهُ، وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، وَهُوَ طَرِيقٌ إلَى التَّوْقِيرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ بِهِ وَصُرِفَ عَنْ الدَّنَاءَةِ؛ حَصَلَ لَهُ الْوَقَارُ وَالنَّزَاهَةُ. (وَيَجِبُ) التَّعْزِيرُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ؛ نَصَّ عَلَيْهِ فِي سَبِّ صَحَابِيٍّ، وَكَحَدٍّ وَكَحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ (فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ) خَرَجَ بِهِ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَشِبْهُ الْعَمْدِ. (وَيَتَّجِهُ لَا يُعَزِّرُ حَاكِمٌ مَنْ) ؛ أَيْ: شَخْصًا (قَلَّدَ غَيْرَ مَذْهَبِهِ فِيمَا) أَيْ: فَعَلَ (لَا يُنْقَضُ فِيهِ حُكْمٌ) كَمَا لَوْ قَلَّدَ حَنْبَلِيٌّ أَبَا حَنِيفَةَ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ؛ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ الْحَنْبَلِيِّ أَنْ يُعَزِّرَهُ (لِانْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ) بِتَقْلِيدِهِ إمَامًا يَرَى صِحَّةَ ذَلِكَ الْعَقْدَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ الْحَنَفِيُّ؛ وَرُفِعَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْحَنْبَلِيِّ؛ لَوَجَبَ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى (مُعْتَقِدِ حِلِّ) شَيْءٍ فَعَلَهُ (فَأَخْطَأَ) لِظُهُورِ عَدَمِ جَوَازِ فِعْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِلشُّبْهَةِ (لَا إنْ) عَزَمَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ وَ (تَرَدَّدَ) هَلْ يَجُوزُ فِعْلُهُ أَوْ لَا؟ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ (إذْ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ) الْمُتَرَدَّدِ فِيهِ إذَنْ، فَلَوْ فَعَلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلِلْحَاكِمِ تَعْزِيرُهُ؛ لِارْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ؛ وَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 مُتَّجِهٌ (كَمُبَاشَرَةٍ دُونَ فَرْجٍ وَ) إتْيَانِ (امْرَأَةٍ لِامْرَأَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا) لِفَقْدِ حِرْزٍ وَنَقْصِ نِصَابٍ، وَكَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا (وَكَجِنَايَةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا) كَصَفْعٍ وَوَكْزٍ وَهُوَ الدَّفْعُ وَالضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ (وَكَقَذْفِ غَيْرِ وَلَدِهِ بِغَيْرِ زِنًا) وَلِوَاطٍ كَقَوْلِهِ: يَا فَاسِقُ وَنَحْوُهُ يَا شَاهِدَ زُورٍ (وَكَلَعْنِهِ، وَلَيْسَ لِمَنْ لَعَنَ رَدُّهَا) عَلَى مَنْ لَعَنَهُ (وَكَدُعَاءٍ عَلَيْهِ وَشَتْمِهِ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ) ؛ أَيْ: قَذْفٍ، فَإِنْ شَتَمَهُ بِالْفِرْيَةِ؛ حُدَّ (وَكَذَا اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَيْكَ وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَقَوْلِهِ خَصْمُكُ اللَّهُ، وَكَذَا تَرْكُ الْوَاجِبَاتِ. (وَفِي " الرَّوْضَةِ " إذَا زَنَى ابْنُ عَشَرَ وَبِنْتُ تِسْعٍ؛ عُزِّرَا، قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ كَالْمُمَيِّزِ يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا وَكَذَا الْمَجْنُونُ يُضْرَبُ عَلَى فِعْلِ) ؛ أَيْ: مِمَّا لَا يَجُوزُ لِلْعَاقِلِ فِعْلُهُ (لِيَنْزَجِرَ) لَكِنْ لَا عُقُوبَةَ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ. (وَإِنْ ضَرَبَ صَبِيٌّ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونٌ مَجْنُونًا أَوْ بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً؛ اُقْتُصَّ لِلْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ زَجْرٌ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، لَكِنْ (لِاشْتِفَاءِ الْمَظْلُومِ) وَأَخْذِ حَقِّهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ يُفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا يَخْلُو عَنْ رَدْعٍ وَزَجْرٍ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ذَلِكَ لِلْعَدْلِ بَيْنَ خَلْقِهِ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْقِصَاصُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَالشَّجَرِ وَالْعِيدَانِ جَائِزٌ شَرْعًا بِإِيقَاعِ مِثْلِ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا (وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا) مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ " وَغَيْرُهُ (مَا أَوْجَبَ حَدًّا عَلَى مُكَلَّفٍ عُزِّرَ بِهِ الْمُمَيِّزُ كَقَذْفٍ) انْتَهَى (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَعْزِيرَ بِشَتْمِ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ) فَيُعَزَّرُ الْوَلَدُ إذَا شَتَمَ وَالِدَهُ لِحَقِّهِ كَمَا يُحَدُّ لِقَذْفِهِ، وَيُقَادُ بِهِ (لَكِنْ) لَا يُعَزَّرُ الْوَلَدُ بِشَتْمِ وَالِدِهِ إلَّا (بِطَلَبِ وَالِدِهِ) تَعْزِيرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ " وَظَاهِرُ " الْمُنْتَهَى " خِلَافُهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلْوَالِدِ تَعْزِيرَهُ بِنَفْسِهِ لِلتَّأْدِيبِ، وَلَا يَحْتَاجُ التَّعْزِيرُ إلَى مُطَالَبَةٍ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلتَّأْدِيبِ فَيُقِيمُهُ الْإِمَامُ إذَا رَآهُ. (وَإِنْ تَشَاتَمَ اثْنَانِ) غَيْرُ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ (عُزِّرَا) وَلَوْ كَانَ جَدًّا وَوَلَدَهُ، أَوْ أُمًّا وَوَلَدَهَا، أَوْ أَخَوَيْنِ (وَقَالَ جَمْعٌ مَنْ شَتَمَ مَنْ شَتَمَهُ، أَوْ دَعَا عَلَى مَنْ دَعَا عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ فَلَا تَعْزِيرَ) لِلتَّعَادُلِ. (وَإِقَامَةُ التَّعْزِيرِ حَقٌّ لِلَّهِ) تَعَالَى (فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطٍ، وَلَا يَحْتَاجُ) فِي إقَامَتِهِ (لِمُطَالَبَةٍ؛) لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلتَّأْدِيبِ (فَيُعَزَّرُ مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا وَلَوْ كَانَ لَهُ وَارِثًا وَلَمْ يُطَالِبْ) بِالتَّعْزِيرِ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَقَدْ سَبَّنِي، وَمَنْ سَبَّنِي فَقَدْ سَبَّ اللَّهَ» . رَوَاهُ ابْنُ الْبَنَّا. وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي» وَلِمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: كَانَ يُقَالُ شَتْمُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَإِذَا كَانَ شَتْمُهُمْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَأَقَلُّ مَا فِيهِ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ. وَقَدْ أَجْمَعَ (أَهْلُ) السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ، وَالتَّرَحُّمُ عَلَيْهِمْ، وَالتَّرَضِّي عَنْهُمْ، وَاعْتِقَادُ مَحَبَّتِهِمْ وَمُوَالَاتِهِمْ، وَعُقُوبَةُ مَنْ أَسَاءَ فِيهِمْ الْقَوْلَ. (وَيُعَزَّرُ بِعِشْرِينَ سَوْطًا بِشُرْبِ مُسْكِرٍ نَهَارَ رَمَضَانَ مَعَ الْحَدِّ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِالنَّجَاشِيِّ قَدْ شَرِبَ خَمْرًا فِي رَمَضَانَ، فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ الْحَدِّ، وَعِشْرِينَ سَوْطًا؛ لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ. (وَ) يُعَزَّرُ (بِمِائَةِ) سَوْطٍ (بِوَطْءِ أَمَةِ امْرَأَتِهِ الَّتِي أَحَلَّتْهَا لَهُ، وَإِلَّا تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ امْرَأَتُهُ حُدَّ) وَلَا تَغْرِيبَ عَلَيْهِ؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ: «أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُنَيْنٌ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَرُفِعَ إلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْكُوفَةِ، فَقَالَ: لَأَقْضِيَنَّ فِيكَ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 إنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَكَ جَلَدْتُكَ مِائَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَكَ رَجَمْتُكَ بِالْحِجَارَةِ فَوَجَدَهَا أَحَلَّتْهَا لَهُ فَجَلَدَهُ مِائَةً» (وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ) إنْ وَلَدَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَلَا شُبْهَةَ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ (فِيهِمَا) ؛ أَيْ: فِيمَا إذَا شَرِبَ مُسْكِرًا نَهَارَ رَمَضَانَ، أَوْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ الَّتِي أَحَلَّتْهَا لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فَرْجًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا مِلْكٍ؛ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَوَطْءِ أَمَةِ غَيْرِ زَوْجَتِهِ. (وَلَا يَسْقُطُ حَدٌّ بِإِبَاحَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ) ؛ أَيْ: مَا إذَا أَحَلَّتْ امْرَأَةٌ أَمَتَهَا لِزَوْجِهَا؛ لِعُمُومِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي (وَ) يُعَزَّرُ (بِمِائَةٍ إلَّا سَوْطًا بِوَطْءِ أَمَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ) نَصًّا؛ لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ فِي أَمَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا: يُجْلَدُ الْحَدُّ إلَّا سَوْطًا. وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ (وَيَلْحَقُهُ نَسَبُهُ) لِلشُّبْهَةِ (وَلَا يُزَادُ فِي جَلْدٍ) تَعْزِيرٌ (عَلَى عَشْرٍ) مِنْ الْأَسْوَاطِ (فِي غَيْرِ مَا مَرَّ) ؛ أَيْ إبَاحَةِ الزَّوْجَةِ أَمَتَهَا لِزَوْجِهَا، وَشُرْبِ مُسْكِرٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَوَطْءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلِلْحَاكِمِ نَقْصُهُ) ؛ أَيْ: التَّعْزِيرِ (عَنْ عَشْرِ) جَلَدَاتٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّرَ أَكْثَرَهُ، وَلَمْ يُقَدِّرْ أَقَلَّهُ؛ فَرَجَعَ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَيُشْهَرُ لِمَصْلَحَةٍ، نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي شَاهِدِ زُورٍ. (وَيَكُونُ التَّعْزِيرُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَالصَّفْعِ وَالتَّوْبِيخِ وَالْعَزْلِ عَنْ الْوِلَايَةِ، وَبِإِقَامَةٍ مِنْ الْمَجْلِسِ، وَبِالنِّيلِ مِنْ عِرْضِهِ كَ) قَوْلِ: الْحَاكِمِ لَهُ (يَا ظَالِمُ يَا مُعْتَدِي) حَسْبَمَا يَرَاهُ. وَقَالَ فِي: " الِاخْتِيَارَاتِ " إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ دَفْعُ الْفَسَادِ، وَلَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ قُتِلَ، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ جِنْسُ الْفَسَادِ وَلَمْ يَرْتَدِعْ بِالْحُدُودِ الْمُقَدَّرَةِ، بَلْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْفَسَادِ؛ فَهُوَ كَالصَّائِلِ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ؛ فَيُقْتَلُ. (وَلَا بَأْسَ بِتَسْوِيدِ وَجْهِهِ، وَنِدَاءٍ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ، وَيُطَافُ بِهِ مَعَ ضَرْبِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 وَيَجُوزُ صَلْبُهُ) حَيًّا (وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَكْلٍ وَوُضُوءٍ، وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَلَا يُعِيدُ) وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْعَفْوَ عَنْهُ جَازَ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَالشَّرْحِ " وَقَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": مَا كَانَ مِنْ التَّعْزِيرِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ كَوَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ؛ يَجِبُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِيهِ. وَمَا لَمْ يَكُنْ وَرَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَجَبَ كَالْحُدُودِ، وَإِنْ رَأَى الْعَفْوَ جَازَ لِلْأَخْبَارِ، وَإِنْ كَانَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ فَطَلَبَهُ؛ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ. (وَحُرِّمَ تَعْزِيرٌ بِحَلْقِ لِحْيَةٍ وَقَطْع طَرَفٍ وَجُرْحٍ) لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ (وَكَذَا) يَحْرُمُ تَعْزِيرٌ (بِأَخْذِ مَالٍ أَوْ إتْلَافِهِ) لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ أَدَبُهُ وَالْأَدَبُ لَا يَكُونُ بِالْإِتْلَافِ (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ؛ فَإِنَّ عِنْدَهُ التَّعْزِيرَ بِالْمَالِ سَائِغٌ إتْلَافًا وَأَخْذًا. (وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ) أُدِّبَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْبِيهِهِمْ فِي قَصْدِ كَنَائِسِهِمْ لِقُصَّادِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لِذَلِكَ (أَوْ لَعَنَهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ أُدِّبَ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " (أَدَبًا خَفِيفًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْعَنَهُ إلَّا إنْ صَدَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (فِيمَنْ اتَّخَذَ الطَّوَافَ بِالصَّخْرَةِ دِينًا أَوْ قَالَ: أَنْذِرُوا لِي لِتُقْضَى حَاجَتُكُمْ) وَاسْتُغِيثُوا بِي إنْ أَصَرَّ، وَلَمْ يَتُبْ قُتِلَ، (وَكَذَا مَنْ تَكَرَّرَ شُرْبُهُ الْخَمْرَ مَا لَمْ يَنْتَهِ بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: الْقَتْلِ. (وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ قَتْلَ مُسْلِمٍ جَاسُوسٍ لِلْكُفَّارِ، وَفِي " الْفُنُونِ " لِابْنِ عَقِيلٍ: لِلسُّلْطَانِ سُلُوكُ السِّيَاسَةِ وَهُوَ الْحَزْمُ عِنْدَنَا، وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ) انْتَهَى. (وَمَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ) وَأَذَى مَا لَهُمْ (حَتَّى بِعَيْنِهِ حُبِسَ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ يَتُوبَ) قَالَ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ": لِلْوَالِي فِعْلُهُ لَا لِلْقَاضِي (وَنَفَقَتُهُ) مُدَّةَ حَبْسِهِ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) مَعَ عَجْزِهِ؛ لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ، وَقَالَ (الْمُنَقِّحُ لَا يُبْعَدُ أَنْ يُقْتَلَ الْعَائِنُ إذَا كَانَ يَقْتُلُ بِعَيْنِهِ غَالِبًا، وَأَمَّا مَا أَتْلَفَهُ فَيَغْرَمُهُ) انْتَهَى (قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَقَعَ الْإِتْلَافُ بِغَيْرِ قَصْدِهِ؛ فَيُتَوَجَّهُ عَدَمُ الضَّمَانِ؛) لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِالْعَيْنِ نَادِرٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْقَصْدُ (وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ) فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ ": (لَا يُقْتَلُ الْعَائِنُ بِالسَّيْفِ) إنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، بَلْ غَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ. وَإِنْ عَمَدَ بِهِ ذَلِكَ، وَقَدَرَ عَلَى رَدِّهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَقْتُلَ بِهِ سَاغَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ (بِالْعَيْنِ) ؛ أَيْ: فَيُعَيِّنُهُ إنْ شَاءَ كَمَا عَانَ هُوَ الْمَقْتُولَ، فَيَقْتُلُهُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَلَا هُوَ مُمَاثِلٌ لِجِنَايَتِهِ (وَكَذَا) قَالَ: سَأَلْتُ شَيْخَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ (مَنْ يُقْتَلُ بِالْحَالِ فَ) قَالَ (لِوَلِيِّهِ) ؛ أَيْ: الْمَقْتُولِ (قَتْلُهُ بِالْحَالِ) كَمَا قَتَلَ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْقَتْلِ بِالسِّحْرِ؟ قُلْنَا: الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا: أَنَّ السَّحَرَ يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا كَثِيرٌ فِي السِّحْرِ، وَفِيهِ مَقَالَاتٌ وَأَبْوَابٌ مَعْرُوفَةٌ لِلْقَتْلِ عِنْدَ أَرْبَابِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ؛ لِكَوْنِهِ مُحَرَّمًا لِحَقِّ اللَّهِ؛ فَهُوَ كَمَا (لَوْ) قَتَلَهُ بِاللِّوَاطِ وَتَجْرِيعِ الْخَمْرِ؛ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالسَّيْفِ انْتَهَى. (وَمَنْ اسْتَمْنَى مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ؛ حَرُمَ) فِعْلُهُ ذَلِكَ (وَعُزِّرَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ (وَ) إنْ فَعَلَهُ (خَوْفًا) عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ (أَوْ) خَوْفًا (عَلَى بَدَنِهِ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَأْمُرُونَ فِتْيَانَهُمْ يَسْتَغْنُوا بِهِ (فَلَا يُبَاحُ) الِاسْتِمْنَاءُ (إلَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نِكَاحٍ، وَلَوْ أَمَةً) لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ، وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِذَلِكَ، وَقِيَاسُهُ الْمَرْأَةُ؛ فَلَا يُبَاحُ لَهَا (إلَّا) إذَا لَمْ يَرْغَبْ أَحَدٌ فِي نِكَاحِهَا (وَلَهُ أَنْ يَسْتَمْنِيَ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ) الْمُبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ كَتَقْبِيلِهَا (وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى جِمَاعٍ، وَلَيْسَ مَنْ يُبَاحُ وَطْؤُهَا؛ حَرُمَ الْوَطْءُ) بِخِلَافِ أَكْلِهِ فِي الْمَخْمَصَةِ مَا لَا يُبَاحُ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْأَكْلِ لَا تَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ، فَإِبَاحَةُ الْفَرْجِ بِالْعَقْدِ دُونَ الضَّرُورَةِ، وَإِبَاحَتُهُ الْمَيْتَةَ بِالضَّرُورَةِ دُونَ الْعَقْدِ. (فُرُوعٌ: لَا يَجُوزُ لِلْجَذْمَاءِ مُخَالَطَةُ الْأَصِحَّاءِ عُمُومًا، وَلَا مُخَالَطَةُ صَحِيحٍ مُعَيَّنٍ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَعَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ إلْزَامُهُمْ بِذَلِكَ بِأَنْ يَسْكُنُوا فِي مَكَان مُنْفَرِدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 لَهُمْ، فَإِنْ امْتَنَعَ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَوْ الْمَجْذُومُ مِنْ ذَلِكَ؛ أَثِمَ، وَإِذَا أَصَرَّ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ؛ فَسَقَ) قَالَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " وَقَالَ كَمَا جَاءَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ كَمَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ (وَالْقَوَّادَةُ: الَّتِي تُفْسِدُ النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ تُعَزَّرُ بَلِيغًا وَيَنْبَغِي شُهْرَةُ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَسْتَفِيضُ فِي النَّاسِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: لِوَلِيِّ الْأَمْرِ صَرْفُ ضَرَرِهَا إمَّا بِحَبْسِهَا أَوْ بِنَقْلِهَا عَنْ الْجِيرَانِ) دَفْعًا لِمَفْسَدَتِهَا. (وَقَالَ: سُكْنَى الْمَرْأَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ، وَعَكْسُهُ) ؛ أَيْ: سُكْنَى الرَّجُلِ بَيْنَ النِّسَاءِ (يُمْنَعُ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى (وَمَنَعَ الْإِمَامُ عُمَرُ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (الْعَزَبَ أَنْ يَسْكُنَ بَيْنَ الْمُتَأَهِّلِينَ وَعَكْسَهُ) ؛ أَيْ تَسْكُنَ الْمَرْأَةُ الْأَيِّمُ بَيْنَ الْمُتَأَهِّلِينَ، (وَنَفَى) الْإِمَامُ عُمَرُ (شَابًّا) جَمِيلَ الْوَجْهِ ارْتَابَ مِنْهُ وَ (خَافَ الْفِتْنَةَ بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ) لِتَشَبُّبِ النِّسَاءِ بِهِ، «وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْيِ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الْبُيُوتِ» . (وَقَالَ) الشَّيْخُ أَيْضًا (يُعَزَّرُ مَنْ يَمْسِكُ الْحَيَّةَ) لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَجِنَايَةٌ، وَتَقَدَّمَ لَوْ قَتَلَتْ مُمْسِكًا مِمَّنْ يَدَّعِي مَشْيَخَةً وَنَحْوَهُ فَقَاتِلٌ نَفْسَهُ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيُعَزَّرُ مَنْ (يَدْخُلُ النَّارَ وَنَحْوَهُ) مِمَّنْ يَعْمَلُ الشَّعْبَذَةَ وَنَحْوَهَا. (وَكَذَا) يُعَزَّرُ (مَنْ تَنَقَّصَ مُسْلِمًا بِكَوْنِهِ مَسْلَمَانِيًّا مَعَ حُسْنِ إسْلَامِهِ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً بِإِيذَائِهِ تَتِمَّةٌ: إذَا كَانَ ذَنْبُ الظَّالِمِ إفْسَادُ دِينِ الْمَظْلُومِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْهِ دِينَهُ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ بِمَا يُفْسِدُ بِهِ دِينَهُ مِثْلَ مَا فَعَلَ، وَكَذَا لَوْ افْتَرَى إنْسَانٌ عَلَيْهِ الْكَذِبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ (لَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عَلَيْهِ بِمَنْ يَفْتَرِي عَلَيْهِ الْكَذِبَ نَظِيرَ مَا افْتَرَاهُ) وَإِنْ كَانَ هَذَا الِافْتِرَاءُ مُحَرَّمًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ إذَا عَاقَبَهُ بِمَا يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ؛ لَمْ يَقْبُحْ مِنْهُ سُبْحَانُهُ وَلَا ظُلْمَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَفْعَلُ فِي مِلْكِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمَخْلُوقٍ مِنْ وَكِيلٍ وَوَالٍ وَغَيْرِهِمَا فَاسْتِعَانَتُهُ بِخَالِقِهِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 الْإِمَامُ أَحْمَدُ الدُّعَاءُ قِصَاصٌ، فَمَنْ دَعَا فَمَا صَبَرَ؛ أَيْ: فَقَدْ انْتَصَرَ لِنَفْسِهِ {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى: 43] . [بَابُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ] ِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» إلَى غَيْرِهِ مِنْ النُّصُوصِ. [شُرُوطُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ] (وَشُرُوطُهُ) ؛ أَيْ: الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ (ثَمَانِيَةٌ:) . (أَحَدُهَا: السَّرِقَةُ) لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّارِقِ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ السَّرِقَةُ لَمْ يَكُنْ الْفَاعِلُ سَارِقًا (وَهِيَ) ؛ أَيْ: السَّرِقَةُ (أَخْذُ مَالٍ مُحْتَرَمٍ لِغَيْرِهِ) ؛ أَيْ السَّارِقِ (عَلَى وَجْهِ الِاخْتِفَاءِ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ) مِنْ (نَائِبِهِ) ؛ أَيْ: الْمَالِكِ، وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ وَمُسَارَقَةُ النَّظَرِ إذَا كَانَ يَسْتَخْفِي بِذَلِكَ (فَيُقْطَعُ الطَّرَّارُ) مِنْ الطَّرِّ - بِفَتْحِ الطَّاءِ - أَيْ: الْقَطْعِ (وَهُوَ مِنْ يَبُطُّ) ؛ أَيْ: يَشُقُّ (جَيْبًا أَوْ كُمًّا) أَوْ صَفْنًا (وَيَأْخُذُ مِنْهُ) نِصَابًا، أَوْ يَأْخُذُ (بَعْدَ سُقُوطِهِ) مِنْ نَحْوِ جَيْبٍ (نِصَابًا) لِأَنَّهُ سَرِقَةٌ مِنْ حِرْزٍ (وَكَذَا) يُقْطَعُ (جَاحِدُ عَارِيَّةٍ) يُمْكِنُ إخْفَاؤُهَا (قِيمَتُهَا نِصَابٌ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «كَانَتْ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ يَدِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ عَائِشَة مِثْلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مُطَوَّلًا. قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْرِفُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ، وَفِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ هُوَ حُكْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ يَدْفَعُهُ شَيْءٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 (وَلَا) يُقْطَعُ جَاحِدُ (وَدِيعَةٍ، وَلَا) يُقْطَعُ (مُنْتَهِبٌ) وَهُوَ (مَنْ يَعْتَمِدُ الْقُوَّةَ وَالْغَلَبَةَ) فَيَأْخُذُ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْغَنِيمَةِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ مَرْفُوعًا قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُنْتَهِبِ قَطْعٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَلَا مُخْتَلِسٌ) وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ الْهَرَبَ فَيَخْتَطِفُ الشَّيْءَ؛ وَيَمُرُّ بِهِ (وَلَا غَاصِبٌ وَلَا خَائِنٌ فِي وَدِيعَةٍ) ؛ أَيْ: يُؤْتَمَنُ عَلَى شَيْءٍ فَيَخْفِيهِ أَوْ بَعْضَهُ، أَوْ يَجْحَدُ؛ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّخَوُّنِ، وَهُوَ التَّنْقِيصُ لِحَدِيثٍ: «لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ وَالْمُخْتَلِسِ قَطْعٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: بَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ. وَلِأَنَّ الِاخْتِلَاسَ مِنْ نَوْعِ النَّهْبِ، وَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ الْخَائِنُ وَالْمُخْتَلِسُ فَالْغَاصِبُ أَوْلَى. (الشَّرْطُ: الثَّانِي كَوْنُ سَارِقٍ مُكَلَّفًا) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ (مُخْتَارًا) لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مَعْذُورٌ (عَالِمًا بِمَسْرُوقٍ وَتَحْرِيمِهِ) أَيْ الْمَسْرُوقِ عَلَيْهِ (اعْتِبَارًا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ) ؛ فَلَا قَطْعَ عَلَى صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ (وَمُكْرَهٍ عَلَى السَّرِقَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا بِسَرِقَةِ مِنْدِيلٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (بِطَرَفِهِ نِصَابٌ مَشْدُودٌ) (وَلَمْ يَعْلَمْ سَارِقُهُ؛ أَيْ: النِّصَابَ الْمَشْدُودِ بِطَرَفِهِ) (وَلَا) بِسَرِقَةِ جَوْهَرٍ يَظُنُّ السَّارِقُ (أَنْ قِيمَتَهُ دُونَ نِصَابٍ) فَبَانَتْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا خَوَاصُّ النَّاسِ (وَلَا) قَطْعَ (عَلَى جَاهِلِ تَحْرِيمِ) سَرِقَةٍ، لَكِنْ لَا تُقْبَلُ مِمَّنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ كَوْنُ مَسْرُوقٍ مَالًا) لِأَنَّ غَيْرَ الْمَالِ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةُ الْمَالِ وَلَا يُسَاوِيه؛ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ وَالْأَخْبَارُ مُقَيِّدَةٌ لِلْآيَةِ (مُحْتَرَمًا) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَرَمًا كَمَالِ الْحَرْبِيِّ تَجُوزُ سَرِقَتُهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَجَوَازُ الْأَخْذِ مِنْهُ يَنْفِي وُجُوبَ الْقَطْعِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَسْرُوقُ (مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ عَلَى مُعَيَّنٍ، وَلَيْسَ) السَّارِقُ (مِنْ مُسْتَحَقِّيهِ) ؛ أَيْ: مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ، لِأَنَّهُ مَالٌ مُحْتَرَمٌ لِغَيْرِهِ، وَلَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ؛ أَشْبَهَ مَالَ غَيْرِ الْوَقْفِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 وَ (لَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةٍ مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَكُتُبِ عِلْمٍ وَسِلَاحٍ) مَوْقُوفٍ ذَلِكَ (عَلَى طَلَبَةٍ أَوْ غُزَاةٍ أَوْ) كَانَتْ الْكُتُبُ مَوْقُوفَةً (عَلَى مَسَاجِدَ) وَمَدَارِسَ، وَلَا مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. (وَلَا) يُقْطَعُ (إنْ سَرَقَ مِنْ سَارِقٍ أَوْ غَاصِبٍ مَا سَرَقَهُ) السَّارِقُ (أَوْ غَصَبَهُ) الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنْ مَالِكِهِ وَلَا نَائِبِهِ. (وَثَمِينٌ) مُبْتَدَأٌ (كَجَوْهَرٍ وَمَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ كَفَاكِهَةٍ) كَغَيْرِهِ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّمْرِ: «مَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا، فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ الْقَطْعُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. ، وَرَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ: أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ أُتْرُجَّةً فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، فَأَمَرَ عُثْمَانُ أَنْ تُقَوَّمَ؛ فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشْرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ، فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ: الْأُتْرُجَّةُ الَّتِي تَأْكُلُهَا النَّاسُ. (وَمَا أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ كَمَلْحٍ وَتُرَابٍ وَحَجَرٍ وَلَبِنٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (وَكَلَأٍ وَثَلْجٍ وَصَيْدٍ كَغَيْرِهِ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، فَيُقْطَعُ السَّارِقُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا لِلْعُمُومَاتِ (سِوَى مَاءٍ) فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُتَمَوَّلُ عَادَةً (وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سِرْجِينٍ طَاهِرٍ وَإِنَاءِ نَقْدٍ وَدَنَانِيرَ) أَوْ دَرَاهِمَ فِيهَا تَمَاثِيلُ لِأَنَّ صِنَاعَتَهَا الْمُحَرَّمَةَ لَا تُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا مَالًا مُحْتَرَمًا. (وَ) يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ (كُتُبُ عِلْمٍ) مُبَاحٍ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ حَقِيقَةً وَشَرْعًا لَا مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا. (وَ) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ (قِنٍّ نَائِمٍ أَوْ قِنٍّ أَعْجَمِيٍّ وَلَوْ كَانَا كَبِيرَيْنِ) لَا كَبِيرٍ غَيْرِ نَائِمٍ وَلَا غَيْرِ أَعْجَمِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْرَقُ، وَإِنَّمَا يُخْدَعُ. (وَ) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ قِنٍّ (صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ) لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابًا، أَشْبَهَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ، وَرُوِيَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بِرَجُلٍ يَسْرِقُ الصِّبْيَانَ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ فَيَبِيعُهُمْ فِي أَرْضٍ أُخْرَى، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ فَقُطِعَتْ.» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 وَ (لَا) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ (مُكَاتَبٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَمَامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ وَلَا اسْتِخْدَامَهُ وَلَا أَخْذَ أَرْشِ جِنَايَاتٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُمَلِّكُهُ نَفْسَهُ؛ أَشْبَهَ الْحُرَّ (وَ) لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ (أُمِّ وَلَدٍ، وَلَا حُرٍّ وَلَوْ صَغِيرًا، وَلَا مُصْحَفٍ، وَلَا بِمَا عَلَيْهِمَا مِنْ حُلِيٍّ وَنَحْوِهِ) كَثَوْبٍ صَغِيرٍ، وَكِيسِ مُصْحَفٍ وَلَوْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمَا لَا يَقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ. (وَلَا بِ) سَرِقَةَ (كُتُبِ بِدَعٍ أَوْ) كُتُبِ (تَصَاوِيرَ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةُ الْإِتْلَافِ، وَمِثْلُهَا سَائِرُ الْكُتُبِ الْمُحَرَّمَةِ (وَلَا بِ) سَرِقَةِ (آلَةِ لَهْوٍ) كَزَمْرِ وَطَبْلِ غَيْرِ حَرْبٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ كَالْخَمْرِ، وَمِثْلُهُ نَرْدٌ وَشِطْرَنْجٌ، وَلِأَنَّ لِلسَّارِقِ حَقًّا فِي أَخْذِهَا لِكَسْرٍ؛ فَهُوَ شُبْهَةٌ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ تَبْلُغُ نِصَابًا لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا لَا يُقْطَعُ بِهِ، (وَلَا) يُقْطَعُ (بِ) سَرِقَةِ (صَلِيبٍ) نَقْدًا (أَوْ صَنَمِ نَقْدٍ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ تَبَعًا لِلصِّنَاعَةِ الْمُحَرَّمَةِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا، بِخِلَافِ صِنَاعَةِ الْآنِيَةِ؛ أَشْبَهَتْ الْأَوْتَارَ الَّتِي بِالطُّنْبُورِ. (وَيَتَّجِهُ) هَذَا إنْ وَجَدَتْ الصَّلِيبُ وَالصَّنَمُ (عِنْدَ مَنْ يُعَظِّمُهَا) أَمَّا لَوْ وُجِدَا عِنْدَ مُسْلِمٍ فَيُقْطَعُ سَارِقُهُمَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُرِيدُ كَسْرَهَا لِيُصِيغَ مِنْهُمَا حُلِيًّا مُبَاحًا، أَوْ يَبِيعُهُمَا بَعْدَ الْكَسْرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) : يُقْطَعُ (بِ) سَرِقَةِ (آنِيَةٍ فِيهَا خَمْرٌ أَوْ) فِيهَا (مَاءٌ) لِاتِّصَالِهَا بِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ تَخَيَّلَ) سَارِقُ الْآنِيَةِ (بِوَصْفِهِ) ؛ أَيْ: الْخَمْرِ أَوْ الْمَاءِ (فِيهَا) أَيْ الْآنِيَةِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا مِنْ الْحِرْزِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا كَذَلِكَ؛ فَلَا يُقْطَعُ؛ لِاتِّصَالِ الْآنِيَةِ بِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ شَيْئًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 مُتَّجِهٌ لَوْ لَمْ تُعَارِضْهُ حُرْمَةُ التَّحَيُّلِ. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ كَوْنُهُ) ؛ أَيْ: الْمَسْرُوقِ (نِصَابًا وَهُوَ) ؛ أَيْ: نِصَابِ السَّرِقَةِ (ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ خَالِصَةٍ أَوْ) ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ (تُخَلَّصُ بِهِ مِنْ) فِضَّةٍ (مَغْشُوشَةٍ) بِنَحْوِ نُحَاسٍ (أَوْ رُبْعِ دِينَارٍ) ؛ أَيْ: مِثْقَالَ ذَهَبٍ، وَيَكْفِي الْوَزْنُ مِنْ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ أَوْ التِّبْرِ الْخَالِصِ (وَلَوْ لَمْ يَضْرِبَا) فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَا دُونَ ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ: «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «اقْطَعُوا فِي رُبْعِ دِينَارٍ، وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ» وَكَانَ رُبْعُ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَالدِّينَارُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَهَذَانِ يَخُصَّانِ عُمُومَ الْآيَةِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْحَبْلَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْبَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَيُحْمَلُ عَلَى حَبْلٍ يُسَاوِي ذَلِكَ، وَكَذَا الْبَيْضَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا بَيْضَةُ السِّلَاحِ، وَهِيَ تُسَاوِي ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ. (وَيُكَمَّلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ) فَلَوْ سَرَقَ أَحَدٌ دِرْهَمًا وَنِصْفَ دِرْهَمٍ خَالِصٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَثُمُنَ دِينَارٍ مِنْ خَالِصِ الذَّهَبِ؛ قُطِعَ لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا (أَوْ) سَرَقَ (مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (مِنْ غَيْرِهِمَا) كَثَوْبٍ (وَنَحْوِهِ) يُسَاوِي ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ سَرَقَ بُرْنُسًا مِنْ صِيغَةِ النِّسَاءِ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِيمَا دُونَ ثَمَنِ الْمِجَنِّ قِيلَ لِعَائِشَةَ مَا ثَمَنُ الْمِجَنِّ؟ قَالَتْ: رُبْعُ دِينَارٍ.» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ النَّقْدَيْنِ أَصْلٌ، وَالْمِجَنُّ التُّرْسِ. (وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ) ؛ أَيْ: قِيمَةُ مَسْرُوقٍ لَيْسَ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً (حَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ السَّرِقَةِ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ لِوُجُوبِ السَّبَبِ فِيهِ، لَا مَا حَدَثَ بَعْدُ (فَلَوْ نَقَصَتْ) قِيمَةُ مَسْرُوقٍ (بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْهُ؛ قُطِعَ) لِوُجُودِ النَّقْصِ بَعْدَ السَّرِقَةِ، كَمَا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ. (وَلَا) يُقْطَعُ (إنْ أَتْلَفَهُ) ؛ أَيْ: الْمَسْرُوقَ (فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحِرْزِ (بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَإِرَاقَةِ مَائِعٍ (أَوْ نَقَصَهُ بِذَبْحٍ) كَشَاةٍ قِيمَتُهَا نِصَابٌ، فَذَبَحَهَا فِي الْحِرْزِ، فَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا؛ فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الْحِرْزِ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا (أَوْ) نَقَصَهُ (بِغَيْرِهِ) ؛ أَيْ: الذَّبْحِ بِأَنْ شَقَّ فِيهِ ثَوْبًا، فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ النِّصَابِ (ثُمَّ أَخْرَجَهُ) فَلَا قَطْعَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ مَلَكَهُ) ؛ أَيْ: النِّصَابَ (سَارِقٌ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ) أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ حِرْزِهِ (وَبَعْدَ تَرَافُعٍ إلَى الْحَاكِمِ؛ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ) قَوْلًا وَاحِدًا وَلَيْسَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ الْعَفْوُ عَنْ السَّارِقِ نَصًّا؛ لِحَدِيثِ «صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّهُ نَامَ عَلَى رِدَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَأُخِذَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، فَجَاءَ بِسَارِقِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، فَقَالَ صَفْوَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُرِدْ هَذَا، رِدَائِي عَلَيْهِ صَدَقَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْجُوزَجَانِيُّ. وَفِي لَفْظٍ. قَالَ: «فَأَتَيْته، فَقُلْت أَتَقْطَعُهُ مِنْ أَجْلِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا؟ أَنَا أَبِيعُهُ وَأُنْسِئُهُ ثَمَنَهَا، قَالَ: فَهَلَّا كَانَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَأَبُو دَاوُد فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الرَّفْعِ لَدَرَأَ الْقَطْعَ؛ لِتَعَذُّرِ شَرْطِ الْقَطْعِ. قَالَ " فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ ". يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ وَالْمُطَالَبَةِ بِهَا عِنْدَهُ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. (وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَةُ كُلٍّ) مِنْهُمَا (مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ، وَ) قِيمَةُ الْمُنْفَرِدَيْنِ (مَعًا عَشَرَةُ) دَرَاهِمَ (لَمْ يُقْطَعْ) السَّارِقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ نِصَابًا (وَعَلَيْهِ) إنْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْفَرْدِ الَّذِي سَرَقَهُ (ثَمَانِيَةُ) دَرَاهِمَ (قِيمَةُ) الْفَرْدِ (الْمُتْلَفِ اثْنَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 وَنَقْصُ التَّفْرِقَةِ سِتَّةُ) دَرَاهِمَ (وَكَذَا جُزْءٌ مِنْ كِتَابٍ سَرَقَهُ) وَأَتْلَفَهُ وَنَقَصَ بِالتَّفْرِيقِ، وَنَظَائِرُهُ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ. (وَيَضْمَنُ) مُتَعَدٍّ (مَا فِي وَثِيقَةٍ) مِنْ نَحْوِ دَيْنٍ (أَتْلَفَهَا إنْ تَعَذَّرَ ثُبُوتُ الْحَقِّ بِدُونِهَا) وَكَذَا لَوْ تَلِفَتْ بِتَعَدِّيهِ (وَهِيَ كَالْكَفَالَةِ تَقْضِي إحْضَارَ الْمَكْفُولِ أَوْ ضَمَانَ مَا عَلَيْهِ وَيَتَّجِهُ وَعَلَى قِيَاسِهِ) ؛ أَيْ: ضَمَانِ مَا فِي الْوَثِيقَةِ لَوْ أَتْلَفَ مُتَعَدٍّ (حُجَّةٌ) فِيهَا (وَظِيفَةٌ) لِغَيْرِهِ؛ فَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْوَظِيفَةِ بِدُونِ إحْضَارِ الْحُجَّةِ؛ فَيَضْمَنُهَا مُتْلِفُهَا؛ لِتَعَدِّيهِ، فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةً، وَتَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ لَمْ يَضْمَنْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي) سَرِقَةٍ (نِصَابٍ قُطِعُوا) كُلُّهُمْ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الْقَطْعِ مِنْهُمْ كَالْقَتْلِ (حَتَّى مَنْ لَمْ يُخْرِجْ) مِنْهُمْ (نِصَابًا) كَامِلًا نَصًّا؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي هَتْكِ الْحِرْزِ وَإِخْرَاجِ النِّصَابِ كَمَا لَوْ كَانَ ثَقِيلًا فَحَمَلُوهُ (وَلَوْ لَمْ يُقْطَعْ بَعْضُهُمْ لِنَحْوِ شُبْهَةٍ) كَكَوْنِهِ شَرِيكًا لِأَبِي رَبِّ الْمَالِ أَوْ عَبْدًا لَهُ أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ (قُطِعَ الْبَاقِي) إنْ أَخَذَ نِصَابًا، وَقِيلَ أَوْ أَقَلَّ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ "؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْقَطْعِ عَنْ أَحَدِهِمْ لِمَعْنًى لَيْسَ فِي غَيْرِهِ أَنْ يَسْقُطَ عَنْ الْغَيْرِ كَشَرِيكِ أَبٍ قَتَلَ وَلَدَهُ. (وَإِنْ اعْتَرَفَا) ؛ أَيْ: اثْنَانِ (بِسَرِقَةِ نِصَابٍ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا) عَنْ إقْرَارِهِ (قُطِعَ الْآخَرُ) وَحْدَهُ دُونَ الرَّاجِعِ (وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِمُشَارَكَةِ آخَرَ) فِي سَرِقَةِ نِصَابٍ (فَأَنْكَرَهُ) وَلَمْ يَقْرَبَا لِسَرِقَةٍ قُطِعَ الْمُقِرُّ (وَيُقْطَعُ سَارِقُ نِصَابٍ لِجَمَاعَةٍ) ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ وَالنِّصَابَ شَرْطَانِ لِلْقَطْعِ، وَقَدْ وُجِدَا، فَوَجَبَ الْقَطْعُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَالُ وَاحِدٌ. (وَإِنْ هَتَكَ اثْنَانِ حِرْزًا فَدَخَلَاهُ فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْمَالَ) دُونَ الْآخَرِ؛ قُطِعَا نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمُخْرِجَ أَخْرَجَهُ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَمَعُونَتِهِ، أَوْ هَتَكَ اثْنَانِ حِرْزًا (أَوْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا) الْحِرْزَ (فَقَرَّبَهُ) ؛ أَيْ: النِّصَابَ الْمَسْرُوقَ (مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 النَّقْبِ، وَأَدْخَلَ الْآخَرُ يَدَهُ فَأَخْرُجَهُ) ؛ أَيْ: النِّصَابَ قُطِعَا؛ لِأَنَّهُمَا ااشْتَرَكَا فِي هَتْكِ الْحِرْزِ وَإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ، (أَوْ) هَتَكَ اثْنَانِ حِرْزًا؛ وَدَخَلَ أَحَدُهُمَا (فَوَضَعَهُ وَسَطَ النَّقْبِ، فَأَخَذَهُ الْخَارِجُ) مِنْهُمَا (قُطِعَا) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْهَتْكِ وَالْإِخْرَاجِ: (وَإِنْ رَمَاهُ) ؛ أَيْ: النِّصَابَ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمَا (إلَى) رَفِيقِهِ (الْخَارِجِ) مِنْ الْحِرْزِ (أَوْ نَاوَلَهُ) إيَّاهُ (فَأَخَذَهُ) الْخَارِجُ (أَوَّلًا) ؛ أَيْ: لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ (أَوْ أَعَادَهُ) ؛ أَيْ: الْمَتَاعَ (فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحِرْزِ (أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ (قُطِعَ الدَّاخِلُ) مِنْهُمَا الْحِرْزَ (وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ الْمُخْرِجُ لِلنِّصَابِ وَحْدَهُ، فَاخْتَصَّ الْقَطْعُ بِهِ. (وَإِنْ هَتَكَهُ) ؛ أَيْ: الْحِرْزَ (أَحَدُهُمَا، وَدَخَلَ الْآخَرُ، فَأَخْرَجَ الْمَالَ) وَحْدَهُ (فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا) ؛ أَيْ: عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَسْرِقْ؛ وَالثَّانِيَ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ (وَلَوْ تَوَاطَئَا) عَلَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى: هَذَا الْمَذْهَبُ؛؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِأَحَدِهِمَا فِيمَا فَعَلَهُ الْآخَرُ؛ فَلَا يَبْقَى إلَّا الْقَصْدُ، وَالْقَصْدُ إذَا لَمْ يُقَارِنْهُ الْفِعْلُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ. (وَمَنْ نَقَبَ وَدَخَلَ) الْحِرْزَ (فَابْتَلَعَ) فِيهِ (ذَهَبًا أَوْ جَوْهَرًا) أَوْ نَحْوَهُمَا (وَخَرَجَ بِهِ) قُطِعَ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ فِي كُمِّهِ (أَوْ تَرَكَ الْمَتَاعَ) فِي الْحِرْزِ (عَلَى بَهِيمَةٍ، فَخَرَجَتْ بِهِ) الْبَهِيمَةُ - وَلَوْ بِلَا سَوْقٍ - قُطِعَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مَشْيُ الْبَهِيمَةِ بِمَا وُضِعَ عَلَيْهَا (أَوْ) تَرَكَ الْمَتَاعَ (فِي مَاءِ جَارٍ) فَأَخْرَجَهُ الْمَاءُ؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ وَالْمَاءَ لَا إرَادَةَ لَهُمَا فِي الْإِخْرَاجِ (أَوْ أَمَرَ) مَنْ هَتَكَ الْحِرْزَ (غَيْرَ مُكَلَّفٍ) كَصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ (بِإِخْرَاجِهِ) ؛ أَيْ: النِّصَابِ (فَأَخْرَجَهُ) غَيْرُ الْمُكَلَّفِ قُطِعَ الْآمِرُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا حُكْمَ لِفِعْلِهِ؛ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْبَهِيمَةِ (أَوْ تَرَكَ هَاتِكُ) الْحِرْزِ الْمَتَاعَ (عَلَى جِدَارٍ) دَاخِلِ الْحِرْزِ (فَأَخْرَجَتْهُ رِيحٌ) قُطِعَ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ مِنْهُ؛ فَلَا أَثَرَ لِلرِّيحِ (أَوْ) هَتَكَ الْحِرْزَ، وَ (رَمَى بِهِ) ؛ أَيْ: الْمَتَاعَ (خَارِجًا) عَنْ الْحِرْزِ؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ، أَوْ هَتَكَ الْحِرْزَ (وَجَذَبَهُ) ؛ أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 الْمَتَاعَ بِشَيْءٍ وَهُوَ خَارِجُ الْحِرْزِ؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ (أَوْ اسْتَتْبَعَ سَخْلَ شَاةِ) بِأَنَّهُ قَرَّبَ إلَيْهِ أُمَّهُ؛ وَهُوَ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ، فَتَبِعَهَا، وَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا؛ قُطِعَ، لَا أَنَّ تَبِعَهَا السَّخْلُ بِلَا اسْتِتْبَاعٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، وَكَذَا عَكْسُهَا (أَوْ) هَتَكَ الْحِرْزَ (وَتَطَيَّبَ فِيهِ) بِطِيبٍ كَانَ فِيهِ، خَرَجَ بِهِ مِنْ الْحِرْزِ، (وَ) كَانَ مَا تَطَيَّبَ بِهِ (لَوْ اجْتَمَعَ بَلَغَ) مَا يُسَاوِي (نِصَابًا) ؛ قُطِعَ؛ لِهَتْكِهِ الْحِرْزَ وَإِخْرَاجِهِ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا، كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ طِيبٍ. (أَوْ هَتَكَ الْحِرْزَ) وَقْتًا (وَأَخَذَ الْمَالَ وَقْتًا آخَرَ) وَقَرُبَ مَا بَيْنَهُمَا؛ قُطِعَ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ عَقِبَ الْهَتْكِ، (أَوْ) هَتَكَ الْحِرْزَ (وَأَخَذَ بَعْضَهُ) ؛ أَيْ: النِّصَابِ (ثُمَّ أَخَذَ بَقِيَّتَهُ) ؛ أَيْ: النِّصَابِ (وَقَرُبَ مَا بَيْنَهُمَا) مِنْ الزَّمَنِ؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّهَا سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلِأَنَّ فِعْلَ الْوَاحِدِ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ أَوْلَى مِنْ بِنَاءِ فِعْلِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ، وَإِنْ بَعُدَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَا فِي لَيْلَتَيْنِ؛ فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَرِقَةٍ مِنْهُمَا لَا تَبْلُغُ نِصَابًا، وَإِنَّ عَلِمَ الْمَالِكُ هَتْكَ الْحِرْزِ، وَأَهْمَلَهُ، فَلَا قَطْعَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ أَوْ هَتَكَ حِرْزًا (أَوْ فَتَحَ أَسْفَلَ كِوَارَةٍ، فَخَرَجَ الْعَسَلُ شَيْئًا فَشَيْئًا) أَوْ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ حَتَّى بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُهْمِلْ الْأَخَذَ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ جُمْلَةً (أَوْ أَخْرَجَهُ) أَيْ: الْمَتَاعَ السَّارِقُ (إلَى سَاحَةِ دَارٍ مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ مِنْهَا) ؛ أَيْ: الدَّارِ الَّتِي بِهَا الْبَيْتُ (مُغْلَقٌ؛ قُطِعَ) ؛ لِأَنَّهُ هَتَكَ الْحِرْزَ، وَأَخْرَجَ مِنْهُ نِصَابًا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّارِ بَابٌ آخَرُ. (وَلَوْ عَلَّمَ) إنْسَانٌ (قِرْدًا أَوْ عُصْفُورًا) وَنَحْوَهُ (السَّرِقَةَ) فَسَرَقَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَعَلَى مُعَلِّمِهِ (الْغُرْمُ) ؛ أَيْ: غُرْمُ قِيمَةِ مَا أَخَذَهُ (فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ الْقَطْعِ؛؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ. الشَّرْطُ (الْخَامِسُ إخْرَاجُهُ) ؛ أَيْ النِّصَابِ (مِنْ حِرْزٍ) ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثِّمَارِ، فَقَالَ: مَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِ أَكْمَامِهِ، وَاحْتَمَلَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ وَمِثْلُهُ مَعَهُ، وَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 كَانَ فِي الْجَرِينِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِلْآيَةِ (فَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ) بِأَنْ وَجَدَ حِرْزًا مَهْتُوكًا أَوْ بَابًا مَفْتُوحًا فَأَخَذَ مِنْهُ نِصَابًا (فَلَا قَطَعَ) لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، دَاخِلَ الْحِرْزِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ. (وَمِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ) ؛ أَيْ بَعْضِ الثَّوْبِ (نِصَابٌ؛ قُطِعَ بِهِ) أَيْ بِالْبَعْضِ الَّذِي أَخْرَجَهُ (إنْ قَطَعَهُ) مِنْ الثَّوْبِ؛ لِتَحَقُّقِ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ (وَإِلَّا) يُقْطَعُ مَا أَخْرَجَهُ (فَلَا قَطَعَ) عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ خَشَبَةٍ وَبَاقِيهَا دَاخِلُ الْحِرْزِ، وَلَمْ يَقْطَعْهَا لِلتَّبَعِيَّةِ. (وَلَوْ أَمْسَكَ غَاصِبٌ طَرَفَ عِمَامَتِهِ وَالطَّرَفُ الْآخَرُ فِي يَدِ مَالِكِهَا؛ لَمْ يَضْمَنْهَا) لِأَنَّ بَعْضَهَا لَا يَنْفَرِدُ عَنْ بَعْضٍ، وَمَنْ هَتَكَ حِرْزًا أَوْ احْتَلَبَ لَبَنَ مَاشِيَةٍ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ وَبَلَغَ نِصَابًا، قُطِعَ، وَإِنْ شَرِبَهُ دَاخِلَهُ أَوْ أَخْرَجَ دُونَ نِصَابٍ؛ فَلَا قَطْعَ. (وَحِرْزُ كُلُّ مَالٍ مَا حُفِظَ فِيهِ عَادَةً) ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْحِرْزِ الْحِفْظُ وَمِنْهُ اُحْتُرِزَ مِنْ كَذَا، وَلَمْ يَرِدْ مِنْ الشَّرْعِ بَيَانُهُ، وَلَا لَهُ عُرْفٌ لُغَوِيٌّ يَتَقَدَّرُ بِهِ كَالْقَبْضِ وَالتَّفَرُّقِ فِي الْبَيْعِ. (وَيَخْتَلِفُ) الْحِرْزُ (بِاخْتِلَافِ) جِنْسِ الْمَالِ وَبِاخْتِلَافِ بَلَدٍ (5) كِبَرًا أَوْ صِغَرًا؛ لِخَفَاءِ السَّارِقِ بِالْبَلَدِ الْكَبِيرِ لِسَعَةِ أَقْطَارِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْبَلَدِ الصَّغِيرِ، وَيَخْتَلِفُ الْحِرْزُ أَيْضًا بِاخْتِلَافِ (عَدْلِ سُلْطَانٍ وَقُوَّتِهِ وَجَوْرِهِ وَعَجْزِهِ وَضَعْفِهِ) ؛ فَإِنَّ السُّلْطَانَ الْعَدْلَ يُقِيمُ الْحُدُودَ فَتَقِلُّ السُّرَّاقُ خَوْفًا مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ؛ فَيَقْطَعُ؛ فَلَا يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ إلَى زِيَادَةِ حِرْزٍ، وَإِنْ كَانَ جَائِرًا يُشَارِكُ مَنْ الْتَجَأَ إلَيْهِ مِنْ الذُّعَّارِ وَيَذُبُّ عَنْهُمْ قَوِيَتْ صَوْلَتُهُمْ، فَيَحْتَاجُ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ لِزِيَادَةِ التَّحَفُّظِ، وَكَذَا الْحَالُ مَعَ قُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ. (فَحِرْزُ جَوْهَرٍ وَنَقْدٍ) ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (وَقُمَاشٍ فِي الْعُمْرَانِ) ؛ أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 الْأَبْنِيَةِ الْحَصِينَةِ فِي الْمَحَالِّ الْمَسْكُونَةِ مِنْ الْبَلَدِ (بِدَارٍ وَدُكَّانٍ وَرَاءَ غَلْقٍ وَثِيقٍ) أَيْ: قُفْلِ خَشْبٍ أَوْ حَدِيدٍ فَإِنْ كَانَتْ الْأَبْوَابُ مُفَتَّحَةً وَلَا حَافِظَ فِيهَا فَلَيْسَتْ حِرْزًا (فَإِنْ كَانَتْ فِيهَا خَزَائِنُ مُغْلَقَةٌ فَالْخَزَائِنُ حِرْزٌ لَهَا وَمَا خَرَجَ عَنْهَا فَلَيْسَ بِمُحَرَّزٍ) كَمَا لَا يَخْفَى. (وَصُنْدُوقٌ) مُبْتَدَأٌ (بِسُوقٍ، وَثَمَّ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (حَارِسٌ) بِالسُّوقِ (حِرْزٌ) خَبَرٌ لِمَا فِي الصُّنْدُوقِ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ نِصَابًا، قُطِعَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَارِسٌ؛ فَلَيْسَ حِرْزًا. (وَحِرْزُ بَقْلٍ وَقُدُورِ بَاقِلَّا وَقِدْرِ طَبِيخٍ، وَحِرْزُ خَذَفٍ وَثَمَّ حَارِسٌ وَرَاءَ الشَّرَائِجِ) جَمْعُ شَرِيجَةٍ شَيْءٌ مِنْ نَحْوِ قَصَبٍ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بِنَحْوِ حَبْلٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إحْرَازُ ذَلِكَ بِذَلِكَ. (وَحِرْزُ خَشَبٍ وَحَطَبٍ الْحَظَائِرُ) جَمْعُ حَظِيرَةٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مَا يُعْمَلُ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مِنْ الشَّجَرِ تَأْوِي إلَيْهِ فَيُعَبَّرُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَيُرْبَطُ بِحَيْثُ يَعْسُرُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَصْلُ الْحَظْرِ الْمَنْعُ، وَإِنْ كَانَتْ بِخَانٍ فَهُوَ أَحْرَزُ (وَ) حِرْزُ (مَاشِيَةٍ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ الصِّيَرُ جَمْعُ صِيرَةٍ، وَهِيَ حَظِيرَةُ الْغَنَمِ (وَ) حِرْزُ مَاشِيَةٍ (فِي مَرْعًى بِرَاعٍ يَرَاهَا فِيهِ غَالِبًا) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ حِرْزُهَا بِذَلِكَ، فَمَا غَابَ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ خَرَجَ عَنْ الْحِرْزِ. (وَحِرْزُ سُفُنٍ فِي شَطٍّ بِرَبْطِهَا فِيهِ) بِهِ عَلَى الْعَادَةِ. (وَحِرْزُ إبِلٍ بَارِكَةٍ مَعْقُولَةٍ بِحَافِظٍ حَتَّى نَائِمٍ) ؛ لِأَنَّ عَادَةَ مُلَّاكِهَا عَقْلُهَا إذَا نَامُوا (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً) فَبِحَافِظٍ يَقْظَانَ (وَ) حِرْزُ (حُمُولَتِهَا) بِفَتْحِ الْحَاءِ؛ أَيْ: الْإِبِلِ الْمُحَمَّلَةِ (بِتَقْطِيرِهَا مَعَ قَائِدٍ يَرَاهَا بِحَيْثُ يَكْثُرُ الْتِفَاتُهُ إلَيْهَا) وَكَذَا مَعَ سَائِقٍ يَرَاهَا بَلْ أَوْلَى (وَمَعَ عَدَمِ تَقْطِيرِ) الْإِبِلِ الْمُحَمَّلَةِ (بِسَائِقِ يَرَاهَا) لِأَنَّهُ الْعَادَةُ فِي حِفْظِهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 (وَمَنْ سَرَقَ الْجَمَلَ بِمَا عَلَيْهِ وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ؛ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ؛ قُطِعَ. (وَحِرْزُ بُيُوتٍ فِي صَحْرَاءَ وَبَسَاتِينَ بِمُلَاحَظٍ) يَرَاهَا إنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً فَإِنْ كَانَتْ مُغْلَقَةً (فَبِنَائِمٍ) فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ وَلَا مُلَاحِظٌ ثَمَّ يَرَاهَا؛ فَلَيْسَتْ حِرْزًا، مُغْلَقَةً كَانَتْ أَوْ مَفْتُوحَةً، (وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَالْبُيُوتِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبَسَاتِينِ (نَحْوُ خَيْمَةٍ) كَخَرْكَاةٍ وَبَيْتِ شَعْرٍ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُلَاحِظٌ أَوْ كَانَتْ مُغْلَقَةً وَفِيهَا نَائِمٌ؛ فَمُحَرَّزَةٌ، وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهَا وَلَا عَلَى سَارِقٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّزَةٍ عَادَةً. (وَحِرْزُ ثِيَابٍ فِي حَمَّامٍ وَ) (حِرْزُ أَعْدَالٍ وَ) حِرْزُ (غَزْلٍ بِسُوقٍ أَوْ فِي خَانٍ وَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا فِي دُخُولٍ) كَرِبَاطٍ (بِحَافِظٍ) يَرَاهَا (كَقُعُودِهِ عَلَى مَتَاعٍ وَتَوَسُّدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ) فِي قَطْعِ سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُتَوَسِّدُهُ (وَإِنْ فَرَّطَ حَافِظٌ) فِي حَمَّامٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ مَكَانٍ مُشْتَرَكِ الدُّخُولِ كَالْمَضْيَفَةِ وَالتَّكِيَّةِ وَالْخَانِكَاتِ فَنَامَ أَوْ اُشْتُغِلَ، (فَلَا قَطْعَ) عَلَى السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مِنْ حِرْزٍ (ضَمِنَ) الْمَسْرُوقَ حَافِظٌ (مُعَدٌّ) لِلْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ (فَرَّطَ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَحْفَظْ) لِتَفْرِيطِهِ. (وَمَنْ كَانَ مَتَاعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَبَزْرِ بَزَّارٍ وَخُبْزِ خَبَّازٍ بِحَيْثُ يُشَاهِدُهُ، فَهُوَ حِرْزٌ) يُقْطَعُ سَارِقُهُ بِسَرِقَتِهِ. (وَمَنْ اسْتَحْفَظَ شَخْصًا مَتَاعَهُ بِمَسْجِدٍ، فَسُرِقَ بِتَفْرِيطِهِ فِي حِفْظِهِ؛ فَلَا قَطَعَ) عَلَى سَارِقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْرَقْ مِنْ حِرْزٍ (وَلَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ مَنْ اُسْتُحْفِظَ (الْغُرْمُ إنْ كَانَ الْتَزَمَ حِفْظَهُ وَأَجَابَهُ إلَى مَا سَأَلَهُ) صَرِيحًا (وَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ، لَكِنْ سَكَتَ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ غُرْمٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَا قَبِلَ الِاسْتِيدَاعَ وَلَا قَبَضَ الْمَتَاعَ، وَإِنْ حَفِظَ الْمَتَاعَ بِنَظَرِهِ إلَيْهِ، وَقُرْبِهِ مِنْهُ، فَسُرِقَ، فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، وَعَلَى السَّارِقِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ. (وَحِرْزُ كَفَنٍ مَشْرُوعٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 بِقَبْرٍ طُمَّ كَوْنُهُ عَلَى مَيِّتٍ) وَلَوْ بَعُدَ الْقَبْرُ عَلَى الْعُمْرَانِ، فَمَنْ نَبَشَ قَبْرًا، وَأَخَذَ مِنْهُ كَفَنًا أَوْ بَعْضَهُ يُسَاوِي نِصَابًا؛ قُطِعَ لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَقَوْلِ عَائِشَةَ: سَارِقُ أَمْوَاتِنَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَطَعَ نَبَّاشًا، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الْكَفَنَ مِنْ الْقَبْرِ بَلْ مِنْ اللَّحْدِ، وَوَضَعَهُ فِي الْقَبْرِ؛ فَلَا قَطْعَ كَنَقْلِ الْمَتَاعِ فِي الْبَيْتِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ، وَكَذَا إنْ أُكِلَ الْمَيِّتُ وَنَحْوُهُ وَبَقِيَ الْكَفَنُ؛ فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهِ كَمَا لَوْ زَالَ نَائِمٌ بِنَحْوِ مَسْجِدٍ عَنْ رِدَائِهِ ثُمَّ سُرِقَ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْكَفَنُ (مِلْكٌ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتِ اسْتِصْحَابًا لِلْحَيَاةِ (يُوَفَّى مِنْهُ دَيْنُهُ لَوْ عَدِمَ) وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا عَمَّا لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ (وَالْخَصْمُ فِيهِ الْوَرَثَةُ) لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ كَوَلِيِّ غَيْرِ مُكَلَّفٍ (فَإِنْ عُدِمُوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ (ف) الْخَصْمُ فِيهِ (نَائِبُ الْإِمَامِ) لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ كَالْقَوَدِ، وَإِنْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ مُتَبَرِّعٌ فَكَذَلِكَ، وَهُوَ الْخَصْمُ فِيهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ؛ لِانْتِفَاءِ صِحَّةِ تَمْلِيكِ الْمَيِّتِ، بَلْ هُوَ إبَاحَةٌ. (وَمَنْ سَرَقَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثِ لَفَائِفَ رَجُلٍ وَخَمْسِ لَفَائِفَ امْرَأَةٍ) لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ (أَوْ) تُرِكَ الْمَيِّتُ فِي تَابُوتٍ فَأَخَذَ السَّارِقُ (تَابُوتَه أَوْ أَخَذَ مَا مَعَهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ لَمْ يُقْطَعْ) السَّارِقُ (لِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْمَذْكُورُ سَفَهٌ (غَيْرُ مَشْرُوعٍ) وَتَرْكُ غَيْرِهِ مَعَهُ يَضِيعُ فَلَا يَكُونُ مُحَرَّزًا بِالْقَبْرِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يُقْطَعُ سَارِقٌ إنْ (سَرَقَ الْمَيِّتَ بِكَفَنِهِ) لِاتِّصَالِ الْكَفَنِ بِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَحِرْزُ بَابٍ تَرْكِيبُهُ بِمَوْضِعِهِ) مَفْتُوحًا كَانَ أَوْ مُغْلَقًا؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ (وَ) حِرْزُ (حَلَقَتِهِ) ؛ أَيْ: الْبَابِ (بِتَرْكِيبِهَا فِيهِ) ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ كَبَعْضِهِ، فَمَنْ أَخَذَ بَابًا مَنْصُوبًا أَوْ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا؛ قُطِعَ؛ (وَتَازِيرٌ) ؛ أَيْ: مَا يُجْعَلُ فِي أَسْفَلِ الْحَائِطِ مِنْ لِبَادٍ أَوْ رُفُوفٍ وَنَحْوِهَا (وَ) حِرْزُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 (جِدَارِ دَارٍ) كَوْنُهُ مَبْنِيًّا فِيهَا إذَا كَانَتْ فِي الْعُمْرَانِ. (وَحِرْزُ) سَقْفٍ (كَبَابٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ) الدَّارُ (بِالصَّحْرَاءِ وَفِيهَا حَافِظٌ) فَإِنْ أَخَذَ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّارِ أَوْ خَشَبِهِ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا؛ وَجَبَ قَطْعُهُ؛؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ حِرْزٌ لِغَيْرِهِ، فَيَكُونُ حِرْزًا لِنَفْسِهِ، وَلَا يُقْطَعُ إنْ هَدَمَ الْحَائِطَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَتَاعَ بِحِرْزٍ، بَلْ يَغْرَمُ أَرْشَ الْهَدْمِ إنْ تَعَدَّى بِهِ. وَأَمَّا أَبْوَابُ الْخَزَائِنِ فِي الدَّارِ فَإِنْ كَانَتْ أَبْوَابُ الدِّيَارِ مُغْلَقَةً فَهِيَ مُحَرَّزَةٌ (مُغْلَقَةً) كَانَتْ (أَبْوَابُ الْخَزَائِنِ) أَوْ مَفْتُوحَةً وَإِنْ كَانَ بَابُ الدَّارِ مَفْتُوحًا لَمْ تَكُنْ أَبْوَابُ الْخَزَائِنِ مُحْرَزَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ مُغْلَقَةً أَوْ يَكُونَ فِي الدَّارِ حَافِظٌ يَحْفَظُهَا (وَنَوْمٌ) مُبْتَدَأٌ (عَلَى رِدَاءِ) بِمَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ عَلَى مِجَرِّ فَرَسٍ وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ) ؛ أَيْ: الرِّدَاءِ أَوْ مَجَرِّ الْفَرَسِ (وَنَعْلٌ بِرِجْلٍ) وَمِثْلُهُ خُفٌّ (وَعِمَامَةٌ عَلَى الرَّأْسِ حِرْزٌ) خَبَرٌ؛ لِأَنَّهُ هَكَذَا يُحْرَزُ عَادَةً؛؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مُتَوَسِّدُهُ» ، فَإِنْ زَالَ النَّائِمُ عَنْ الرِّدَاءِ أَوْ مَجَرِّ الْفَرَسِ، أَوْ كَانَتْ النَّعْلُ بِغَيْرِ رِجْلِهِ؛ فَلَا قَطْعَ إنْ لَمْ يَكُنْ بِنَحْوِ دَارٍ. (فَمَنْ نَبَشَ قَبْرًا أَوْ أَخَذَ الْكَفَنَ) الْمَشْرُوعَ وَبَلَغَ نِصَابًا؛ قُطِعَ، لَا مَنْ وَجَدَ قَبْرًا مَنْبُوشًا، فَأَخَذَ مِنْهُ كَفَنًا. (أَوْ سَرَقَ رِتَاجَ الْكَعْبَةِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ بَابُهَا الْعَظِيمُ؛ قُطِعَ؛ (أَوْ) إنْ سَرَقَ (بَابَ مَسْجِدٍ) قُطِعَ (أَوْ سَقْفَهُ أَوْ تَازِيرُهُ) قُطِعَ (أَوْ سَحَبَ رِدَاءَهُ) ؛ أَيْ: النَّائِمِ مِنْ تَحْتِهِ، (أَوْ) سَحَبَ (مَجَرَّ فَرَسٍ مِنْ تَحْتِهِ، أَوْ سَحَبَ نَعْلًا مِنْ رِجْلٍ، وَبَلَغَ) مَا أَخَذَهُ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ (نِصَابًا؛ قُطِعَ) سَارِقُهُ؛ لِسَرِقَتِهِ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مِثْلِهِ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِلْإِمَامِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَ (لَا) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ (سِتَارَةِ الْكَعْبَةِ الْخَارِجِيَّةِ) نَصًّا (وَلَوْ) كَانَتْ (مَخِيطَةً عَلَيْهَا) كَغَيْرِ الْمَخِيطَةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّزَةٍ (وَلَا بِ) سَرِقَةِ (قَنَادِيلِ مَسْجِدٍ، وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَتْ الْقَنَادِيلُ (لِزِينَةٍ) وَهَذَا الِاتِّجَاهُ حَشْوٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ؛ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَقْطَعْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 بِقَنَادِيلِ الشَّعْلِ، فَلَأَنْ لَا يُقْطَعَ بِقَنَادِيلِ الزِّينَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قَنَادِيلَ الزِّينَةِ لَا حُرْمَةَ لَهَا، وَكَذَلِكَ قَنَادِيلُ الشَّعْلِ؛ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْمَسْجِدِ (وَحُصْرِهِ) وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُعَدٌّ لِنَفْعِ الْمُصَلِّينَ كَقَفَصٍ يَضَعُونَ نِعَالَهُمْ فِيهِ وَخَابِيَةٍ يَشْرَبُونَ مِنْهَا (إنْ كَانَ) السَّارِقُ (مُسْلِمًا) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا كَسَرِقَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا؛ قُطِعَ. (وَمَنْ سَرَقَ ثَمَرًا) يَنْتَفِعُ بِهِ، سَوَاءً كَانَ مَأْكُولًا أَوْ لَا (أَوْ) سَرَقَ (طَلْعًا أَوْ) سَرَقَ (جُمَّارًا) وَهُوَ قَلْبُ النَّخْلَةِ، وَمِنْهُ يَخْرُجُ التَّمْرُ وَالسَّعَفُ وَتَمُوتُ بِقَطْعِهِ، وَيُرَادِفُهُ الْكُثْرُ (أَوْ) سَرَقَ (مَاشِيَةً) فِي الْمَرْعَى (مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ كَمِنْ شَجَرَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ الشَّجَرَةُ (بِبُسْتَانٍ مَحُوطٍ عَلَيْهِ فِيهِ حَافِظٌ؛ فَلَا قَطْعَ) لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا. «لَا قَطْعَ فِي تَمْرٍ وَلَا كَثَرٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. (وَأُضْعِفَتْ) عَلَى سَارِقِهِ (قِيمَتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَسْرُوقِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ طَلْعٍ أَوْ جُمَّارٍ أَوْ مَاشِيَةٍ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَيَضْمَنُ عِوَضًا عَمَّا سَرَقَهُ مَرَّتَيْنِ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ مِنْهُ بُغْيَةً مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ فَعَلَيْهِ غَرَامَةٌ مِثْلِيَّةٌ وَالْعُقُوبَةُ وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْد أَنْ يَأْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ؛ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ لَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ غَرَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ حِينَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 نَحَرَ غِلْمَانُهُ نَاقَةَ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةُ مِثْلَيْ قِيمَتِهَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالْخُبْنَةُ بِخَاءِ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ بَاءَ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ نُونٍ الْحُجْزَةُ - وَهِيَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ، وَمِنْ السَّرَاوِيلِ مَوْضِعُ التِّكَّةِ. قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": نُكِلَ الطَّعَامَ غَيَّبَهُ وَخَبَّأَهُ لِلشِّدَّةِ، وَالْخُبْنَةُ بِالضَّمِّ مَا تَحْمِلهُ فِي حِصْنِك. انْتَهَى. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ سَارِقَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ مَرَّتَيْنِ (وَلَوْ) كَانَ (مِثْلِيًّا) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (كَمَاشِيَةٍ تُسْرَقُ مِنْ الْمَرْعَى بِلَا حِرْزٍ وَكَكَاتِمٍ مُحَرَّمٍ الْتِقَاطُهُ فَتَلِفَ) فَلَا يُقْطَعُ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ مَرَّتَيْنِ. (وَيُقْطَعُ) مَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ (بَعْدَ وَضْعٍ بِجَرِينٍ وَنَحْوِهِ) كَمِسْطَاحٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُحَرَّزًا، (أَوْ) سَرَقَ نِصَابًا مِنْ ثَمَرٍ (مِنْ شَجَرَةٍ بِدَارٍ مُحَرَّزَةٍ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ السَّابِقِ، وَلَا تُضَعَّفُ الْقِيمَةُ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلنَّصِّ. (وَلَا قَطْعَ) بِسَرِقَةٍ (عَامَ مَجَاعَةٍ غَلَاءٍ إنْ لَمْ يَجِدْ) سَارِقٌ (مَا يَشْتَرِيه أَوْ مَا يَشْتَرِي بِهِ) نَصًّا. قَالَ جَمَاعَةٌ: مَا لَمْ يُبْذَلْ لَهُ وَلَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ. وَفِي " التَّرْغِيبِ " مَا تَحْيَا بِهِ نَفْسُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ. (الشَّرْطُ السَّادِسُ انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ؛ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةٍ) [ (مِنْ) مَالٍ (عَمُودَيْ نَسَبِهِ) ] ؛ أَيْ: السَّارِقِ، أَمَّا سَرِقَتُهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فَلِحَدِيثِ: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيكَ» ) وَأَمَّا سَرِقَتُهُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدَّتِهِ وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 عَلَوْا، أَوْ مِنْ مَالِ وَلَدِ ابْنِهِ أَوْ وَلَدِ بِنْتِهِ وَإِنْ سَفُلَا؛ فَلِأَنَّ بَيْنهمْ قَرَابَةً تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِأَحَدِهِمْ عَلَى الْآخَرِ حِفْظًا لَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ إتْلَافُهُ حِفْظًا لِلْمَالِ. (وَلَا) قَطْعَ بِسَرِقَةٍ (مِنْ مَالٍ لَهُ) ؛ أَيْ: السَّارِقِ (فِيهِ شِرْكٌ، أَوْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَا يُقْطَعُ) السَّارِقُ (بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ) فِيهِ شِرْكٌ كَأَبِيهِ وَوَلَدِهِ؛ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ فِيهِ بِالْبَعْضِ الَّذِي لَا يَجِبُ بِسَرِقَتِهِ قَطْعٌ، وَ (لَا) قَطْعَ بِسَرِقَةٍ (مِنْ غَنِيمَةٍ لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ) مِنْ سَارِقٍ وَعَمُودَيْ نَسَبِهِ (فِيهَا حَقٌّ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ قِنٌّ مِنْ غَنِيمَةٍ لِسَيِّدِهِ فِيهَا حَقٌّ. (وَلَا) قَطْعَ بِسَرِقَةِ (مُسْلِمٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا قَطْعَ، مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ. وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ: لَيْسَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَطْعٌ (وَلَوْ) كَانَ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (قِنًّا) صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي " التَّنْقِيحِ "؛ لِأَنَّ قِنَّ الْمُسْلِمِ لَهُ شُبْهَةٌ، وَهُوَ أَنَّ سَيِّدَهُ لَوْ افْتَقَرَ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْقِنِّ كَسْبٌ فِي نَفْسِهِ؛ كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَ) ؛ لِأَنَّهُ (لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ مِنْ مَالٍ لَا يُقْطَعُ بِهِ سَيِّدُهُ) وَسَيِّدُهُ لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا هُوَ، (وَلَا) قَطْعَ (بِسَرِقَةِ) مُكَاتَبٍ مِنْ مَكَاتِبِهِ (وَعَكْسُهُ كَقِنِّهِ) إذْ الْمُكَاتَبُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ، فَرُفِعَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَقَالَ: مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا» . (وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ مِنْ الْآخَرِ وَلَوْ أُحْرِزَ عَنْهُ) رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عَمْرٍو بِإِسْنَادِ جَيِّد، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرِثُ صَاحِبَهُ بِغَيْرِ حَجْبٍ يَتَبَسَّطُ فِي مَالِهِ، أَشْبَهَ الْوَلَدَ مَعَ الْوَالِدِ، وَكَمَا لَوْ مَنَعَهَا نَفَقَتَهَا. (وَلَا) قَطْعَ (بِسَرِقَةِ مَسْرُوقٍ مِنْهُ أَوْ) سَرِقَةِ (مَغْصُوبٍ مِنْهُ مَالُ سَارِقٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 أَوْ) مَالُ (غَاصِبٍ مِنْ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ أَوْ) مِنْ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ (الْمَغْصُوبَةُ) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مِنْهُمَا شُبْهَةً فِي هَتْكِ الْحِرْزِ إذَنْ لِأَخْذِ عَيْنِ مَالِهِ، فَإِذَا هَتَكَهُ صَارَ كَأَنَّ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ مِنْ ذَلِكَ الْحِرْزِ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ (وَإِنْ سَرَقَهُ) ؛ أَيْ: سَرَقَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَوْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَالَ سَارِقٍ أَوْ غَاصِبٍ (مِنْ حِرْزٍ آخَرَ) غَيْرِ الَّذِي بِهِ مَا سَرَقَ مِنْهُ أَوْ غَصَبَ مِنْهُ؛ قُطِعَ بِسَرِقَتِهِ مِنْ حِرْزِ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بِسَرِقَتِهِ مِنْ مَالِ سَارِقٍ أَوْ غَاصِبٍ مِنْ حِرْزٍ غَيْرِ الَّذِي بِهِ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ أَوْ الْمَغْصُوبُ [ (عَلَى تَوَهُّمٍ أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْمَالَ الْمَسْرُوقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ فِيهِ] لِلشُّبْهَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ) قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْمَالِ وَلَا فِي الْحِرْزِ (لَا) إنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَدِينِهِ (بِقَدْرِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ (لِعَجْزِهِ) عَنْ اسْتِخْلَاصِهِ بِحَاكِمٍ؛ لِإِبَاحَةِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْأَخْذَ إذَنْ كَالْوَطْءِ فِي نِكَاحِ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، فَإِنْ سَرَقَ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ، وَبَلَغَ الزَّائِدُ نِصَابًا قُطِعَ (أَوْ) سَرَقَ (عَيْنًا قُطِعَ بِهَا) ؛ أَيْ: بِسَرِقَتِهَا (فِي سَرِقَةٍ أُخْرَى) مُتَقَدِّمَةٍ مِنْ حِرْزِهَا الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْقَطْعِ الْأَوَّلِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ غَيْرَهَا؛ بِخِلَافِ حَدِّ قَذْفٍ فَلَا يُعَادُ بِإِعَادَةِ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ إظْهَارُ كَذِبِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ (أَوْ أَجَّرَ إنْسَانٌ دَارِهِ أَوْ أَعَارَ دَارِهِ، ثُمَّ سَرَقَ) مُؤَجِّرٌ (مِنْهَا مَالُ مُسْتَأْجِرٍ، أَوْ) سَرَقَ مِنْهَا مَالُ (مُسْتَعِيرٍ) قُطِعَ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْمَالِ وَلَا فِي هَتْكِ الْحِرْزِ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَغْصُوبَ دَارُهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ بِسَرِقَتِهِ مِنْهَا. (أَوْ) سَرَقَ (مِنْ) مَالِ (قَرَابَةٍ) لَهُ (غَيْرِ عَمُودَيْ نَسَبِهِ كَأَخِيهِ) وَعَمِّهِ وَخَالِهِ؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّ قَرَابَتَهُ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ؛ فَلَا تَمْنَعُ الْقَطْعَ. (أَوْ) سَرَقَ (مُسْلِمٌ مِنْ ذِمِّيٍّ أَوْ مِنْ مُسْتَأْمَنٍ) أَوْ سَرَقَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 (قُطِعَ) سَارِقٌ؛ لِأَنَّ مَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْصُومٌ كَسَرِقَةِ مُسْلِمٍ مِنْ مُسْلِمٍ، وَيُقْطَعُ الْمُرْتَدُّ إذَا سَرَقَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قُتِلَ لِلرِّدَّةِ اُكْتُفِيَ بِقَتْلِهِ. (وَمَنْ سَرَقَ) وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ السَّرِقَةُ (بِبَيِّنَةٍ) شَهِدَتْ أَنَّهُ سَرَقَ (عَيْنًا) فَأَنْكَرَ؛ لَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ. وَإِنْ قَالَ: احْلِفُوا أَنِّي سَرَقْت مِنْهُ لَمْ يُجَبْ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ثَبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ، وَفِي الْإِحْلَافِ قَدْحٌ فِي الشَّهَادَةِ (ف) إنْ (ادَّعَى مِلْكَهَا) ؛ أَيْ: الْعَيْنِ (أَوْ) ادَّعَى مِلْكَ (بَعْضِهَا) وَأَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ رَهْنًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ غَصْبًا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ ثَبَتَتْ لَهُ، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَى السَّارِقِ، وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ، وَلِهَذَا حَلَّفْنَا الْمَسْرُوقَ مِنْهُ، وَإِنْ نَكَلَ قَضَيْنَا عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ (أَوْ) سَرَقَ عَيْنًا وَادَّعَى الْإِذْنَ مِنْ صَاحِبِ الْحِرْزِ (فِي دُخُولٍ؛ لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ) كَانَ (مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ) لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مُحْتَمَلٌ؛ فَهُوَ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ الْحَدِّ، وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ السَّارِقَ الظَّرِيفَ (وَ) حَيْثُ تَقَرَّرَ أَنْ لَا قَطْعَ فَإِنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ (يَأْخُذُهَا) مِنْ السَّارِقِ الْمُدَّعِي مِلْكَهَا أَوْ مِلْكَ بَعْضِهَا (مَسْرُوقٌ مِنْهُ بِيَمِينِهِ) أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَيْسَ لِلسَّارِقِ فِيهَا مِلْكٌ. الشَّرْطُ (السَّابِعُ ثُبُوتُهَا) ؛ أَيْ السَّرِقَةِ (بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَكَانَ الْقِيَاسُ قَبُولَ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ شَهَادَةٍ، لَكِنْ خُولِفَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ النَّصِّ فِيهِ فَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى عُمُومِهِ (يَصِفَانِهَا) ؛ أَيْ: السَّرِقَةَ فِي شَهَادَتِهِمَا، وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ فَيُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ كَالزِّنَا (وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُمَا قَبْلَ الدَّعْوَى) مِنْ مَالِك الْمَسْرُوقِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَوْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي وَقْتِ السَّرِقَةِ أَوْ مَكَانِهَا أَوْ فِي الْمَسْرُوقِ؛ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ، أَوْ سَرَقَ ثَوْرًا أَوْ ثَوْبًا أَبْيَضَ أَوْ هُرُوبًا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ مِنْ الْبَيْتِ أَوْ بَقَرَةً أَوْ حِمَارًا أَوْ ثَوْبًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 أَسْوَدَ أَوْ مَرْوِيًّا؛ لَمْ يُقْطَعُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الذُّكُورِيَّةِ وَالْأُنُوثِيَّةِ، (أَوْ بِإِقْرَارِ) السَّارِقِ (مَرَّتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا، فَاعْتُبِرَ تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ فِيهِ كَالزِّنَا، أَوْ يُقَالُ إنَّ الْإِقْرَارَ أَحَدُ حُجَّتَيْ الْقَطْعِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا التَّكْرَارُ كَالشَّهَادَةِ، وَقَدْ رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ مَرَّتَيْنِ، حَكَاهَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ مِنْهَا، وَاحْتَجَّ بِهِ (وَيَضَعُهَا) ؛ أَيْ: السَّرِقَةَ السَّارِقُ (فِي كُلِّ مَرَّةٍ) لِاحْتِمَالِ ظَنِّهِ وُجُوبَ الْقَطْعِ عَلَيْهِ مَعَ فَقْدِ بَعْضِ شُرُوطِهِ (وَلَا يَرْجِعُ) عَنْ إقْرَارِهِ (حَتَّى يُقْطَعَ) فَإِنْ رَجَعَ؛ تُرِكَ (وَلَا بَأْسَ بِتَلْقِينِهِ) ؛ أَيْ: السَّارِقِ (الْإِنْكَارَ) لِحَدِيثِ ابْنِ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلِصٍّ قَدْ اعْتَرَفَ فَقَالَ: مَا أَخَالُكَ سَرَقْت قَالَ: بَلَى، فَأَعَادَهُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ قَالَ بَلَى: فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. الشَّرْطُ (الثَّامِنُ مُطَالَبَةُ مَسْرُوقٍ مِنْهُ بِمَالِهِ هُوَ أَوْ) مُطَالَبَةُ (وَكِيلِهِ أَوْ) مُطَالَبَةُ (وَلِيِّهِ) إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِحَظِّهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يُبَاحُ بِالْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ، فَيُحْتَمَلُ إبَاحَةُ مَالِكِهِ إيَّاهُ وَإِذْنُهُ لَهُ فِي دُخُولِ حِرْزِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسْقِطُ الْقَطْعَ، فَإِذَا طَالَبَ رَبُّ الْمَالِ زَالَ هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَانْتَفَتْ الشُّبْهَةُ. وَلَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُمْ (جَمَاعَةً) فَلَا بُدَّ أَنْ يُطَالِبَ (كُلُّهُمْ) بِالسَّرِقَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ بِطَلَبِ بَعْضِهِمْ كَأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا. (فَلَوْ أَقَرَّ) شَخْصٌ بِسَرِقَةٍ مِنْ غَائِبٍ أَوْ قَامَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ (اُنْتُظِرَ حُضُورُهُ وَدَعْوَاهُ) أَيْ الْغَائِبِ (وَمُطَالَبَتِهِ) لِلسَّارِقِ؛ لِتَكْمُلَ شُرُوطُ الْقَطْعِ، وَلَكِنْ لَا يُخْلَى سَبِيلُهُ (فَيُحْبَسُ السَّارِقُ) إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ وَطَلَبِهِ أَوْ تَرْكِهِ (وَتُعَادُ) شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَهَا عَلَيْهَا شَرْطٌ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا (وَإِنْ كَذَّبَ مُدَّعٍ نَفْسَهُ) فِي شَيْءٍ مِمَّا يُوجِبُ الْقَطْعَ (سَقَطَ الْقَطْعُ) لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَلَا بُدَّ فِي السَّارِقِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ شُبْهَةٌ فِي جَوَازِ السَّرِقَةِ، فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْقَذْفِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 تَتِمَّةٌ: وَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ، ثُمَّ جَحَدَ، وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ أَقَرَّ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ ثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ إقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ؛ لَزِمَهُ غَرَامَةُ الْمَسْرُوقِ، وَلَا قَطْعَ، وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ وَقَدْ قُطِعَ بَعْضُ الْمَفْصِلِ لَمْ يُتَمِّمْ إنْ كَانَ يُرْجَى بُرْؤُهُ، لِكَوْنِهِ قَطَعَ الْأَقَلَّ، وَإِنْ قُطِعَ لِأَكْثَرَ فَالْمَقْطُوعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَهُ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعْلِيقِ كَفِّهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَلَا يَلْزَمُ الْقَاطِعَ قَطْعُهُ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ تَدَاوٍ وَلَيْسَ بِحَدٍّ. وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ رَجُلَيْنِ، فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا، فَطَالَبَ، وَلَمْ يُطَالِبْ الْآخَرُ، لَمْ يُقْطَعْ، فَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ شَخْصٍ شَيْئًا يَبْلُغُ نِصَابًا، فَقَالَ الشَّخْصُ قَدْ فَقَدْتُهُ مِنْ مَالِي، فَيَنْغِي أَنْ يُقْطَعَ. [فَصْلٌ إذَا وَجَبَ قَطْعُ السَّارِقِ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى] فَصْلٌ (وَإِذَا أُوجِبَ الْقَطْعُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى) لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " فَاقْطَعُوا " أَيْمَانَهُمَا وَهُوَ إمَّا قِرَاءَةٌ أَوْ تَفْسِيرٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ إذْ لَا يُظَنُّ بِمِثْلِهِ أَنْ يُثْبِتَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ (لِإِهْدَارِهَا) بِسَبَبِ جِنَايَتِهَا؛ إذْ السَّرِقَةُ لَا تَكُونُ غَالِبًا إلَّا بِهَا فَأُهْدِرَتْ لِذَلِكَ (مِنْ مِفْصَلِ كَفِّهِ) لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الْكُوعِ وَلِأَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ عَلَيْهَا إلَى الْكُوعِ وَإِلَى الْمِرْفَقِ وَإِلَى الْمَنْكِبِ، وَإِرَادَةُ مَا سِوَى الْأَوَّلِ مَشْكُوكٌ فِيهِ؛ فَلَا يُقْطَعُ مَعَ الشَّكِّ. (وَحُسِمَتْ وُجُوبًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَارِقٍ: «اقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَحَسْمُهَا بِغَمْسِهَا فِي زَيْتٍ مَغْلِيٍّ لِسَدِّ أَفْوَاهِ الْعُرُوقِ، فَيَنْقَطِعُ الدَّمُ، إذْ لَوْ تُرِكَ بِلَا حَسْمٍ لَنَزَفَ الدَّمُ، فَأَدَّى إلَى مَوْتِهِ الْعُرُوقُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 (وَسُنَّ تَعْلِيقُهَا) ؛ أَيْ: يَدُ السَّارِقِ الْمَقْطُوعَةِ (فِي عُنُقِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامِ إنْ رَآهُ الْإِمَامُ) ؛ أَيْ: أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ لِتَتَّعِظَ السُّرَّاقُ (فَإِنْ عَادَ) مَنْ قُطِعَتْ يَمِينُهُ إلَى السَّرِقَةِ (قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) مَعَ بُرْءِ يَدِهِ (الْأُولَى) ؛ أَيْ: الَّتِي قُطِعَتْ أَوَّلًا (وَإِلَّا) بِأَنْ عَادَ ثَانِيًا إلَى السَّرِقَةِ قَبْلَ الْبُرْءِ (ف) لَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ (حَتَّى تَنْدَمِلَ) يَدُهُ؛ أَيْ يَبْرَأَ جُرْحَهَا (مِنْ مِفْصَلِ كَعْبِهِ بِتَرْكِ عَقِبِهِ) لِفِعْلِ عُمَرَ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ مِنْ شَطْرِ الْقَدَمِ مِنْ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَيَتْرُكُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهَا، وَالْأَصْلُ فِي قَطْعِ الرَّجُلِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي السَّارِقِ: إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» . وَلِأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا قُطِعَتْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمُحَارَبَةِ ثَبَتَ فِي السَّرِقَةِ قِيَاسًا عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ قَطْعَ الرِّجْلِ الْيُسْرَى أَرْفَقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَلَى الرِّجْلِ الْيُمْنَى أَسْهَلُ وَأَمْكَنُ، وَيَبْعُدُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْمَشْيِ عَلَى الْيُسْرَى، فَوَجَبَ قَطْعُ الْيُسْرَى لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ بِلَا ضَرُورَةٍ (وَحُسِمَتْ) وُجُوبًا، وَصِفَةُ الْقَطْعِ أَنْ يَجْلِسَ السَّارِقُ وَيُضْبَطَ، لِئَلَّا يَتَحَرَّكَ فَيَجْنِيَ عَلَى نَفْسِهِ، وَتُشَدَّ يَدُهُ بِحَبْلٍ، أَوْ تُجَرَّ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْمِفْصَلَ، ثُمَّ تُوضَعُ السِّكِّينُ، وَتُجَرُّ بِقُوَّةٍ لِيُقْطَعَ فِي مَرَّةٍ (فَإِنْ عَادَ) فَسَرَقَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ (حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ، وَيَحْرُمُ أَنْ يُقْطَعَ) . رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " حَضَرْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: اقْطَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: أَقْتُلُهُ إذَنْ، وَمَا عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ؛ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ؛ بِأَيِّ شَيْءٍ يَقُومُ لِحَاجَتِهِ؟ فَرَدَّهُ إلَى السِّجْنِ أَيَّامًا ثُمَّ أَخْرَجَهُ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ، فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ الْأَوَّلِ؛ وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ؛ فَجَلَدَهُ جَلْدًا شَدِيدًا ثُمَّ أَرْسَلَهُ ". رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ يَدِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 الْأُخْرَى تَفْوِيتًا لِمَنْفَعَةِ جِنْسِ الْيَدِ وَذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ وَحِكْمَةُ حَبْسِهِ كَفُّهُ عَنْ السَّرِقَةِ وَتَعْزِيرُهُ. (فَلَوْ سَرَقَ) شَخْصٌ (وَيَمِينُهُ) ؛ أَيْ: يَمِينُ يَدَيْهِ ذَاهِبَةٌ (أَوْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ذَاهِبَةٌ قُطِعَ الْبَاقِي مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: مِنْ يَمِينِ يَدَيْهِ وَيُسْرَى رِجْلَيْهِ، فَتُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمَّا خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا مَحَلًّا لِلْقَطْعِ انْتَقَلَ الْقَطْعُ إلَى مَا يَلِي ذَلِكَ، وَهُوَ الرِّجْلُ الْيُسْرَى، وَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا الْآلَةُ أَوْ مَحَلُّ الْقَطْعِ، لِأَنَّهُ مَنْفَعَةُ الْجِنْسِ لَا تَتَعَطَّلُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ شِقٍّ وَاحِدٍ. (وَلَوْ كَانَ الذَّاهِبُ) مِنْ السَّارِقِ (يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى؛ لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ) لِتَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ بِذَلِكَ الْقَطْعِ لَوْ فَعَلَ (وَلَوْ كَانَ) الذَّاهِبُ (يَدَيْهِ أَوْ يُسْرَاهُمَا؛ لَمْ تُقْطَعْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) لِذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ (وَلَوْ كَانَ) الذَّاهِبُ (رِجْلَيْهِ أَوْ يُمْنَاهُمَا) أَيْ يُمْنَى رِجْلَيْهِ (قُطِعَتْ يُمْنَا يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهَا الْآلَةُ، وَمَحَلُّ النَّصِّ) وَلَا يَذْهَبُ بِقَطْعِهَا مَنْفَعَةُ جِنْسِهَا (وَلَوْ ذَهَبَ بَعْدَ سَرِقَتِهِ يُمْنَى) يَدَيْهِ (أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ أَوْ) ذَهَبَ بَعْدَ سَرِقَتِهِ يُمْنَى أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ (مَعَ رِجْلَيْهِ أَوْ) ذَهَبَ يُمْنَى أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ مَعَ (إحْدَاهُمَا) ؛ أَيْ: إحْدَى رِجْلَيْهِ (سَقَطَ الْقَطْعُ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِتَلَفِ مَحَلِّ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ، وَأَمَّا سُقُوطُهُ فِي الثَّانِيَةِ فَلِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ بِقَطْعِ يُمْنَاهُ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَكَذَلِكَ وَأَوْلَى. وَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعَ (إنْ كَانَ الذَّاهِبُ) بَعْدَ سَرِقَتِهِ (يُمْنَى) رِجْلَيْهِ (أَوْ يُسْرَى رِجْلَيْهِ أَوْ هُمَا) ، أَيْ: رِجْلَيْهِ؛ لِبَقَاءِ مَنْفَعَةِ جِنْسِ الْمَقْطُوعَةِ. (وَالشَّلَّاءُ) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (وَلَوْ أَمِنَ تَلَفَهُ بِقَطْعِهَا) كَمَعْدُومَةٍ (وَمَا ذَهَبَ مُعْظَمُ نَفْعِهَا) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (كَمَعْدُومَةٍ) كَأَنْ ذَهَبَ مِنْهَا ثَلَاثُ أَصَابِعَ (لَا مَا) أَيْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (ذَهَبَ مِنْهَا خِنْصِرٌ أَوْ بِنْصِرٌ) بِكَسْرِ الصَّادِ فِيهِمَا فَقَطْ (أَوْ) ذَهَبَ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (أُصْبُعٌ سِوَاهُمَا) أَيْ الْخِنْصِرِ وَالْبِنْصِرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 (وَلَوْ) كَانَتْ الْإِصْبَعُ الذَّاهِبَةُ (الْإِبْهَامَ) فَلَيْسَتْ كَالْمَعْدُومَةِ؛ لِبَقَاءِ مُعْظَمِ نَفْعِهَا؛ فَيُقْطَعُ مِنْ السَّارِقِ مَا وَجَبَ قَطْعُهُ. (وَإِنْ وَجَبَ قَطْعُ يُمْنَاهُ) هُوَ، أَيْ: السَّارِقِ (فَقَطَعَ قَاطِعٌ يُسْرَاهُ) بِلَا إذْنِهِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ (الْقَوَدُ) لِقَطْعِهِ عُضْوًا مَعْصُومًا، كَمَا لَوْ لَمْ يَجِبْ قَطْعُ يُمْنَاهُ (وَإِلَّا يَتَعَمَّدْ قَطْعَ يُسْرَاهُ؛ ف) عَلَيْهِ (الدِّيَةُ) ؛ أَيْ: دِيَةُ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ. (وَلَا تُقْطَعُ يُمْنَى السَّارِقِ) بَعْدَ قَطْعِ يُسْرَاهُ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَقَدَّمَهُ فِي الْمُنْتَهَى "؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مَرَّةً ثَالِثَةً لَا تُقْطَعُ يُسْرَى يَدَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَفِي " التَّنْقِيحِ " بَلَى) قَالَ: " وَإِنْ قَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَاهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً قُطِعَتْ يُمْنَاهُ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. (وَيَجْتَمِعُ قَطْعٌ وَضَمَانٌ) عَلَى سَارِقٍ نَصًّا؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ يَجِبَانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ؛ فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَالْجَزَاءِ وَالْقِيمَةِ فِي صَيْدِ مَمْلُوكٍ مِنْ الْحَرَمِ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيَرُدُّ) سَارِقٌ " مَا سَرَقَهُ " (لِمَالِكِهِ، وَإِنْ تَلَفَ) مَسْرُوقٌ فَعَلَى سَارِقٍ (بَدَلُهُ) وَيَكُونُ مِثْلَ مِثْلَيْ وَقِيمَةَ مُتَقَوِّمٍ؛ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا. وَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرْفُوعًا: «إذَا أَقَمْتُمْ الْحَدَّ عَلَى السَّارِقِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْحَدِيثُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ (وَيُعِيدُ) السَّارِقُ (مَا خَرَّبَ مِنْ حِرْزٍ) مُحْتَرَمٍ بِالنِّسْبَةِ لَهُ، لِتَعَدِّيهِ، لَا إنْ كَانَ لَهُ شُبْهَةٌ فِي هَتْكِهِ وَمِثْلُهُ مُحْرَزٌ كَمَا لَوْ سَرَقَ حَدِيدًا وَصَنَعَهُ إبَرًا، أَوْ أَوْ سَرَقَ ثَوْبًا، وَقَطَعَهُ، فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْإِبَرِ كَمَا كَانَتْ، وَرَدُّ الثَّوْبِ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ، لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ كَالْغَاصِبِ. (وَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: السَّارِقِ (أُجْرَةُ قَاطِعٍ) يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهُ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَ) عَلَيْهِ (ثَمَنُ زَيْتٍ حُسِمَ) حِفْظًا لِنَفْسِهِ؛ إذْ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا التَّلَفُ بِدُونِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " " وَالنَّظْمِ " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. [بَابُ حَدِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ] ِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ نَزَلَتْ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ: " {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] " وَالْكُفَّارُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ وَقَبْلَهَا، وَأَمَّا الْحَدُّ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ وُجُوبِهِ. (وَهُمْ الْمُكَلَّفُونَ الْمُلْتَزِمُونَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ ذِمَّةٍ وَيُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُهُمْ (وَلَوْ) كَانَ الْمُكَلَّفُ الْمُلْتَزِمُ (أُنْثَى) ؛ لِأَنَّهَا تُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ، فَلَزِمَهَا حُكْمُ الْمُحَارَبَةِ كَالرَّجُلِ بِجَامِعِ التَّكْلِيفِ (الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ بِسِلَاحٍ وَلَوْ) كَانَ سِلَاحُهُمْ (عِصِيًّا أَوْ حَجَرًا فِي صَحْرَاءَ أَوْ بُنْيَانٍ أَوْ بَحْرٍ) لِعُمُومِ الْآيَةِ بَلْ ضَرَرُهُمْ فِي الْبُنْيَانِ أَعْظَمُ (فَيَغْصِبُونَ مَالًا مُحْتَرَمًا مُجَاهَرَةً) فَخَرَجَ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْحَرْبِيُّ وَمَنْ يَعْرِضُ لِنَحْوِ صَيْدٍ، أَوْ يَعْرِضُ لِلنَّاسِ بِلَا سِلَاحٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ مَنْ قَصَدَهُمْ، وَخَرَجَ أَيْضًا مَنْ يَغْصِبُ نَحْوَ كَلْبٍ أَوْ سِرْجِينٍ نَجِسٍ أَوْ مَالٍ حَرْبِيٍّ وَنَحْوِهِ (وَمَنْ يَأْخُذُ خِفْيَةً) ؛ لِأَنَّهُ سَارِقٌ، وَأَمَّا الْمُحَارِبُ فَيَعْتَصِمُ بِالْقِتَالِ دُونَ الْخُفْيَةِ؛ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنْ أَخَذُوا الْمَالَ مُخْتَفِينَ فَهُمْ (سُرَّاقٌ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ إلَى مَنَعَةٍ وَقُوَّةٍ، فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ (وَ) إنْ خَطَفُوا الْمَالَ (خَطْفًا) وَهَرَبُوا بِهِ (ف) هُوَ (نَهْبٌ لَا قَطْعٌ عَلَيْهِمْ) . لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا قُطَّاعَ طَرِيقٍ. [شُرُوطُ قَطْعِ الْمُحَارَبَةِ] (وَيُعْتَبَرُ) لِوُجُوبِ قَطْعِ الْمُحَارَبَةِ ثَلَاثُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا (ثُبُوتُهُ) ؛ أَيْ: قَطْعِ الطَّرِيقِ (بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ) كَالسَّرِقَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 (وَ) الثَّانِي (الْحِرْزُ) بِأَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ مُسْتَحِقِّيهِ وَهُوَ بِالْقَافِلَةِ، فَلَوْ وَجَدَهُ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ سَارِقِهِ أَوْ غَاصِبِهِ أَوْ مُنْفَرِدًا عَنْ قَافِلَةٍ، لَمْ يَكُنْ مُحَارِبًا (وَ) الثَّالِثُ (النِّصَابُ) الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ (فَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُحَارِبِينَ (وَقَدْ قَتَلَ) إنْسَانًا فِي الْمُحَارَبَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ بِمُثْقَلٍ أَوْ سَوْطٍ أَوْ عِصِيٍّ وَلَوْ قَتَلَ (مَنْ لَا يُقَادُ بِهِ) الْمُحَارِبُ لَوْ قَتَلَهُ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ (كَوَلَدِهِ وَكَقِنٍّ) يَقْتُلُهُ حُرٌّ (وَكَذِمِّيٍّ) يَقْتُلُهُ مُسْلِمٌ، وَكَانَ قَتْلُ كُلٍّ مِمَّنْ ذُكِرَ لِقَصْدِ مَالِهِ، وَأَخَذَ مَالًا، (قُتِلَ حَتْمًا وَلَوْ عَفَا وَلِيٌّ) لِوُجُوبِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ (ثُمَّ صُلِبَ عَقِبَهُ) ؛ أَيْ بَعْدَ الْقَتْلِ وَقَبْلَ التَّغْسِيلِ وَالتَّكْفِينِ (قَاتَلَ مَنْ يُقَادُ بِهِ) لَوْ قَتَلَهُ فِي الْمُحَارَبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] " (حَتَّى يَشْتَهِرَ) فَيَرْتَدِعَ غَيْرُهُ بِهِ، ثُمَّ يُنْزَلُ (أَوْ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصْلَبُ بَعْدَ ذَلِكَ) ، وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ صَلْبِهِ زَجْرُ غَيْرِهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّغْسِيلِ وَالتَّكْفِينِ أَوْ بَعْدَهُ (وَلَا يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: مَعَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ مَعَهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ: «إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا، وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصْلَبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ، وَلَمْ يَقْتُلُوا؛ قُطِعَتْ أَيْدِيهُمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا؛ نُفُوا مِنْ الْأَرْضِ» ) وَرَوَى نَحْوَهُ مَرْفُوعًا، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ عُقُوبَتَانِ تَتَضَمَّنُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْبَدَنِ يَتَضَمَّنُ إتْلَافَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، فَاكْتَفَى بِقَتْلِهِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ وَرِجْلَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ فِي الْحَالِ. (وَلَوْ مَاتَ) مَنْ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ فِي الْمُحَارَبَةِ (أَوْ قُتِلَ قَبْلَ قَتْلِهِ لِلْمُحَارَبَةِ؛ لَمْ يُصْلَبْ) لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، وَهِيَ إشْهَارُ أَمْرِهِ فِي الْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ فِيهَا وَكَذَا قَاتِلُ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ كَوَلَدِهِ وَذِمِّيٍّ وَقِنٍّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 (وَلَا يَتَحَتَّمُ قَوَدٌ فِيمَا دُونَ نَفْسٍ) عَلَى مُحَارِبٍ، فَإِنْ قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَنَحْوَهُمَا، فَلِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْقَوَدُ أَوْ الْعَفْوُ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ إنَّمَا يَتَحَتَّمُ إذَا قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ حَدُّ الْمُحَارَبَةِ؛ بِخِلَافِ الطَّرَفِ؛ فَإِنَّهُ يُسْتَوْفَى قِصَاصًا لَا حَدًّا، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَغَيْرِ الْمُحَارِبِ، فَإِذَا عَفَا وَلِيُّ الْقَوَدِ؛ سَقَطَ لِذَلِكَ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " يَتَحَتَّمُ الْقَوَدُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إذَا كَانَ قَدْ قَتَلَ بَعْدَ أَنَّ جَنَى عَلَى غَيْرِ الْمَقْتُولِ، فَهُنَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ، وَعِبَارَةُ " الْإِنْصَافِ " تُوهِمُ ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فِي النَّفْسِ بِتَحَتُّمِ الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ التَّحَتُّمُ فِي الطَّرَفِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ. (وَرِدْءُ) مُحَارِبٍ: مُبْتَدَأٌ؛ أَيْ مُسَاعِدُهُ وَمُعِينِهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ (وَطُلَيْعٌ) يَكْشِفُ لِلْمُحَارِبِ حَالَ الْقَافِلَةِ لِيَأْتُوا إلَيْهَا (كَمُبَاشِرٍ) : خَبَرٌ، كَاشْتِرَاكِ الْجَيْشِ فِي الْغَنِيمَةِ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ وَبَاشَرَ بَعْضُهُمْ الْقِتَالَ وَوَقَفَ الْبَاقُونَ لِلْحِرَاسَةِ مِمَّنْ يَدْهَمُهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَكَذَا الْعَيْنُ الَّذِي يُرْسِلُهُ الْإِمَامُ لِيَعْرِفَ أَحْوَالَ الْعَدُوِّ، وَظَاهِرُهُ فِي ضَمَانِ الْمَالِ، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (فَرِدْءُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَهُوَ) ؛ أَيْ: كَالْمُبَاشِرِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّ الرِّدْءَ تَبَعٌ لِلْمُبَاشِرِ، وَدِيَةُ قَتْلِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ. (وَلَوْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ) ؛ أَيْ؛ الْمُحَارِبِينَ الْمُكَلَّفِينَ، وَلَمْ يَأْخُذْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَالًا (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ لَا) إنْ كَانَ الْقَتْلُ (خَطَأً) أَوْ مِمَّنْ بِهِ جُنُونٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (ثَبَتَ حُكْمُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ) فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَتُوبُوا قُتِلَ مَنْ قَتَلَ وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الرِّدْءِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ. (وَإِنْ قَتَلَ بَعْضٌ مِنْهُمْ) لِأَخْذِ الْمَالِ (وَأَخَذَ الْمَالَ بَعْضٌ آخَرُ؛ تَحَتَّمَ قَتْلُ الْجَمِيعِ وَصَلْبُهُمْ) كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلٌّ مِنْهُمْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 (وَيَتَّجِهُ إهْدَارُ دَمٍ مُتَحَتِّمٍ) ؛ أَيْ: إذَا تَحَتَّمَ قَتْلُ شَخْصٍ مِنْ الْمُحَارَبِينَ وَقَتَلَهُ غَيْرُ الْحَاكِمِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ؛ لِأَنَّ دَمَهُ مُهْدَرٌ كَالْحَرْبِيِّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ قُتِلَ) مُحَارِبٌ (فَقَطْ لِقَصْدِ الْمَالِ؛ قُتِلَ حَتْمًا، وَلَمْ يُصْلَبْ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّ جِنَايَتَهُمْ بِالْقَتْلِ، وَأَخْذِ الْمَالِ تَزِيدُ عَلَى جِنَايَتِهِمْ بِالْقَتْلِ وَحْدَهُ، فَوَجَبَ اخْتِلَافُ الْعُقُوبَتَيْنِ. (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ) مُحَارِبٌ (وَأَخَذَ نِصَابًا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ) مِنْ بَيْنِ الْقَافِلَةِ (لَا مِنْ مُفْرَدٍ عَنْ قَافِلَةٍ؛ قُطِعَتْ يَدُهُ) ؛ أَيْ: يَدُ كُلِّ مِنْ الْمُحَارِبِينَ (الْيُمْنَى ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ حَتْمًا) فَلَا يَنْتَظِرُ بِقَطْعِ إحْدَاهُمَا انْدِمَالَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَطْعِهِمَا بِلَا تَعَرُّضٍ لِتَأْخِيرٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: [ {مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] وَرِفْقًا بِهِ فِي إمْكَانِ مَشْيِهِ،] وَالْأَمْرُ لِلْفَوْرِ فَتُقْطَعُ يُمْنَى يَدَيْهِ، وَتُحْسَمُ، ثُمَّ رِجْلُهُ الْيَسَرَيْ وَتُحْسَمُ (وَحُسِمَتَا) وُجُوبًا؛ لِحَدِيثِ: «اقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» (وَخُلِّيَ) سَبِيلَهُ؛ لِاسْتِيفَاءِ مَا لَزِمَهُ كَالْمَدِينِ يُوفِي دَيْنَهُ (فَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَفْقُودَةً) قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فَقَطْ (أَوْ) كَانَتْ (يَمِينُهُ؛ شَلَّاءَ أَوْ) كَانَتْ يَمِينُهُ (مَقْطُوعَةً أَوْ) كَانَتْ يَمِينُهُ (مُسْتَحَقَّةً فِي قَوَدٍ؛ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فَقَطْ) لِئَلَّا تَذْهَبَ مَنْفَعَةُ جِنْسِ الْيَدِ (وَإِنْ عَدِمَ يَمِينَ يَدَيْهِ، لَمْ تُقْطَعْ يُمْنَى رِجْلَيْهِ) بَلْ يُسْرَاهُمَا فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ حَارَبَ) مَرَّةً (ثَانِيَةً) بَعْدَ قَطْعِ يُمْنَى يَدَيْهِ وَيُسْرَى رِجْلَيْهِ (لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي السَّارِقِ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ (وَيَتَعَيَّنُ دِيَةُ قَوَدٍ لَزِمَ بَعْدَ مُحَارَبَتِهِ) بِأَنْ قَتَلَ بَعْدَهُمَا عَمْدًا مُكَافِئًا (لِتَقْدِيمِهَا) ؛ أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 الْمُحَارَبَةِ (بِسَبَقِهَا، وَكَذَا لَوْ مَاتَ) مُحَارِبٌ لَزِمَهُ قَوَدٌ بَعْدَ مُحَارَبَتِهِ (قَبْلَ قَتْلِهِ لِلْمُحَارَبَةِ) فَتَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ؛ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْقَوَدِ (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ) أَحَدٌ مِنْ الْمُحَارِبِينَ أَحَدًا (وَلَا أَخَذَ مَالًا يَبْلُغُ نِصَابًا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ مِنْ حِرْزِهِ نُفِيَ وَشُرِّدَ وَلَوْ قِنًّا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّفْيَ يَكُونُ فِي هَذَا الْحَالِ، وَلِأَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَكُونَ الْأَخَفُّ بِإِزَاءِ الْأَخَفِّ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ أَوْ فِي الْآيَةِ لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ، وَلَا لِلشَّكِّ، بَلْ لِلتَّنْوِيعِ (فَلَا يُتْرَكُ يَأْوِي إلَى بَلَدٍ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ) عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ (وَتُنْفَى الْجَمَاعَةُ مُتَفَرِّقَةً) كُلٌّ إلَى جِهَةٍ لِئَلَّا يَجْتَمِعُوا عَلَى الْمُحَارَبَةِ ثَانِيًا. (وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: الْمُحَارِبِينَ (قَبْلَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صَلْبٍ وَقَطْعِ) يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (وَنَفْيٍ وَتَحَتُّمِ قَتْلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34] (وَكَذَا خَارِجِيٌّ وَبَاغٍ وَمُرْتَدٌّ وَمُحَارِبٌ) تَابَ قَبْلَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ تَابَ مِنْهُمْ بَعْدَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ؛ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] وَلِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ مَنْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَنَّ تَوْبَتَهُ تَوْبَةُ إخْلَاصٍ، وَمَا بَعْدَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَوْبَةُ تَقِيَّةٍ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ قَبْلَ الْحَدِّ تَرْغِيبًا لَهُ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرْغِيبِهِ فِيهَا. (وَيُؤْخَذُ ذِمِّيٌّ) وَمُعَاهَدٌ وَمُسْتَأْمَنٌ (أَسْلَمَ بِحَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى: إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَالَ كُفْرِهِ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ لَا حَدِّ زِنًا وَنَحْوِهِ (بِحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ مِنْ قِصَاصٍ فِي نَفْسٍ أَوْ دُونَهَا وَغَرَامَةِ مَالٍ وَدِيَةِ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ وَحَدِّ قَذْفٍ كَمَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وقَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَحَدِيثُ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» فِي الْحَرْبِيِّينَ، أَوْ خَاصٌّ فِي الْكُفْرِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ سَرِقَةٍ أَوْ) حَدُّ (زِنًا أَوْ) حَدُّ (شُرْبٍ، فَتَابَ) مِنْهُ (قَبْلَ ثُبُوتِهِ) عِنْدَ حَاكِمٍ (سَقَطَ) عَنْهُ (بِمُجَرَّدِ تَوْبَتِهِ قَبْلَ إصْلَاحِ عَمَلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] وَقَوْلِهِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِّ السَّارِقِ: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: 39] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» . «وَلِإِعْرَاضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] عَنْ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعًا» . فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَسْقُطْ بِالتَّوْبَةِ؛ لِحَدِيثِ: «تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (ك) مَا يَسْقُطُ حَدُّهُ مُطْلَقًا (بِمَوْتٍ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ كَسُقُوطِ غُسْلِ مَا ذَهَبَ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ. (وَيَتَّجِهُ) لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى شَخْصٍ بِمُوجَبِ حَدٍّ، فَأَنْكَرَ، فَشَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِمُوجَبِ الْحَدِّ، فَادَّعَى وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَأَنَّهُ تَابَ قَبْلَ ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ ظَانًّا أَنَّهُ يَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ (لَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ تَقَدُّمَ تَوْبَتِهِ) عَلَى الثُّبُوتِ، كَمَا لَوْ تَابَ بَعْدَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 [فَصْلٌ فِي الدفاع عَنْ النَّفْس والعرض والمال] فَصْلٌ (وَمَنْ أُرِيدَتْ) ؛ أَيْ: قُصِدَتْ (نَفْسُهُ) لِيُقْتَلَ (أَوْ) يُفْعَلَ بِهَا الْفَاحِشَةُ، أَوْ أُرِيدَتْ (حُرْمَتُهُ) كَأُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهِنَّ لِزِنًا أَوْ قَتْلٍ، أَوْ أُرِيدَ أَخْذُ مَالِهِ (وَلَوْ قَلَّ) مَا أُرِيدَ مِنْ مَالِهِ (أَوْ لَمْ يَكْفِ) مَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ أَوْ حُرْمَتُهُ أَوْ مَالُهُ (الْمَرِيدَ) لِذَلِكَ (فَلَهُ دَفْعُهُ) عَنْ نَفْسِهِ وَحُرْمَتِهِ وَمَالِهِ (إنْ لَمْ يَخَفْ) الدَّافِعُ (مُبَادَرَتَهُ لَهُ بِالْقَتْلِ بِأَسْهَلِ مَا) ؛ أَيْ: شَيْءٍ (يَظُنُّ انْدِفَاعَهُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى تَلَفِهِ وَأَذًى فِي نَفْسِهِ وَحُرْمَتِهِ وَمَالِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَتَسَلَّطَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [، وَأَدَّى إلَى الْهَرَجِ وَالْمَرَجِ، وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ] . قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «أَوَّلًا أَنْشِدْهُ اللَّهَ قَالَ: فَإِنْ أَبَى عَلَيَّ؟ قَالَ: قَاتِلْهُ» . لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذَلِكَ الدَّفْعُ؛ فَإِنْ انْدَفَعَ بِالْأَسْهَلِ حَرُمَ الْأَصْعَبُ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ أُبِيحَ) قَتْلُهُ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَإِنْ قُتِلَ) الدَّافِعُ (كَانَ شَهِيدًا) لِلْخَبَرِ، (وَمَعَ عِلْمِ مَزْحٍ) يَحْرُمُ عَلَى دَافِعٍ (قَتْلٌ، وَيُقَادُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الدَّفْعِ إذَنْ. (وَلَا يَضْمَنُ بَهِيمَةً صَالَتْ عَلَيْهِ) وَلَمْ تَنْدَفِعْ بِدُونِ قَتْلٍ، فَقَتَلَهَا دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ مَالِهِ كَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ صَائِلٍ بِجَامِعِ الصَّوْلِ. (وَلَا) يَضْمَنُ إذَا قَتَلَ (مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا) ؛ أَيْ: طَالِبًا لِلسَّرِقَةِ (حَيْثُ دَفَعَهُ بِالْأَسْهَلِ) فَيَأْمُرُهُ رَبُّ الْمَنْزِلِ أَوَّلًا بِالْخُرُوجِ، فَإِنْ خَرَجَ لَمْ يَفْعَلْ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 شَيْئًا؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ ضَرَبَهُ بِأَسْهَلِ مَا يَظُنُّهُ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ، فَإِنْ انْدَفَعَ بِعَصَى لَمْ يَضْرِبْهُ بِحَدِيدٍ، وَإِنْ وَلَّى هَارِبًا لَمْ يَقْتُلْهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ كَالْبُغَاةِ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً غَلِيظَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ أَرْشٌ؛ لِأَنَّهُ، كُفِيَ، شَرُّهُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ فَوَلَّى هَارِبًا، فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ؛ ضَمِنَهَا بِخِلَافِ الْيَدِ، فَإِنْ مَاتَ بِسِرَايَةِ الْقَطْعَيْنِ؛ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ، فَقَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى؛ فَالْيَدَانِ غَيْرُ مَضْمُونَتَيْنِ. (فَإِنْ) قَتَلَ رَجُلًا، وَ (ادَّعَى أَنَّهُ هَجَمَ مَنْزِلَهُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِحَدِيثِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» . (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ مَا ذَكَرَ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ (حَيْثُ لَا قَرِينَةَ) فَإِنْ كَانَتْ ثَمَّ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ بِأَنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مَشْهُورًا بِالْفَسَادِ وَالتَّسَلُّطِ عَلَى نَهْبِ أَمْوَالِ الْعِبَادِ؛ فَلَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ رَبِّ الْمَنْزِلِ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ حَيْثُ كَانَ ثِقَةً مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ، لِدَلَالَةِ الْحَالِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ لَكِنَّهُ مَرْجُوحٌ؛ لِمُخَالَفَتِهِ صُنْعَ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ. (وَلَوْ عُرِفَ) الْمَقْتُولُ (بِسَرِقِهِ) قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْمَقْتُولَ مُقْبِلًا إلَى الْقَاتِلِ بِسِلَاحٍ مَشْهُورٍ، فَضَرَبَهُ هَذَا الْقَاتِلُ؛ فَدَمُهُ هَدَرٌ؛ لِثُبُوتِ صِيَالَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا الْمَقْتُولَ دَاخِلَ دَارِهِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا سِلَاحًا أَوْ ذَكَرُوا سِلَاحًا غَيْرَ مَشْهُورٍ؛ لَمْ يَسْقُطْ الْقَوَدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ لِحَاجَةٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 (وَيَجِبُ دَفْعُهُ عَنْ حَرِيمِهِ) إذَا أَرَدْنَ نَصًّا، فَمَنْ رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتِهِ وَنَحْوِهَا رَجُلًا يَزْنِي بِهَا أَوْ مَعَ وَلَدِهِ، وَنَحْوِهِ رَجُلًا كَانَ يَلُوطُ بِهِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي بِهِ حَقَّ اللَّهِ مِنْ الْكَفِّ عَنْ الْفَاحِشَةِ وَحَقَّ نَفْسِهِ بِالْمَنْعِ عَنْ أَهْلِهِ؛ فَلَا يَسَعُهُ إضَاعَةُ الْحَقَّيْنِ (وَكَذَا) يَجِبُ الدَّفْعُ (فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ عَنْ نَفْسِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] فَكَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إبَاحَتُهَا (وَ) كَذَا يَجِبُ الدَّفْعُ فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ عَنْ (نَفْسِ غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ إيثَارُ الشَّهَادَةِ كَإِحْيَائِهِ بِبَذْلِ طَعَامِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ فِتْنَةٌ لَمْ يَجِبْ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا نَفْسِ غَيْرِهِ، لِقِصَّةِ عُثْمَانَ (لَا عَنْ مَالِهِ) ؛ أَيْ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ مَنْ أَرَادَ مَالَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْمَحْذُورِ مَا فِي النَّفْسِ (وَلَا يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: رَبَّ الْمَالِ (حِفْظُهُ عَنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ لُزُومِ حِفْظِهِ مَالَهُ عَنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ (مَا لَمْ تَضِعْ عَائِلَتُهُ) بِسَبَبِ ذَلِكَ، أَمَّا إنْ خَشِيَ ضَيَاعَ عَائِلَتِهِ؛ فَيَلْزَمُهُ حِفْظُ مَالِهِ مِنْ أَجْلِهَا، (أَوْ) مَا لَمْ (يَعْجَزْ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ) فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ مَالَهُ يَضِيعُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِهِ تَبْرِئَةً لِذِمَّتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَهُ بَذْلُهُ) ؛ أَيْ: بَذْلُ مَالَهُ (لِظَالِمٍ) أَرَادَهُ مِنْهُ، وَلَوْ (أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ) ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ بَذْلَهُ أَفْضَلُ مِنْ الدَّفْعِ عَنْهُ، وَأَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ وَلَفْظُهُ: أَرَى دَفْعَهُ إلَيْهِ، وَلَا يَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا عِوَضَ لَهَا. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: لَا بَأْسَ. قَالَ: الْمَرْوَزِيِّ وَغَيْرُهُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا. (وَيَجِبُ) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (أَنْ يَدْفَعَ عَنْ حُرْمَةِ) غَيْرِهِ (وَ) كَذَا عَنْ (مَالِهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 أَيْ: الْغَيْرِ؛ لِئَلَّا تَذْهَبَ الْأَنْفُسُ أَوْ الْأَمْوَالُ أَوْ تُسْتَبَاحَ الْحُرَمُ. قَدَّمَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ " وَلَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ مَالِهِ وَلَا حِفْظُهُ مِنْ الضَّيَاعِ كَمَالِ غَيْرِهِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ (مَعَ ظَنِّ سَلَامَةِ دَافِعٍ وَمَدْفُوعٍ عَنْهُ، وَإِلَّا) تُظَنُّ سَلَامَتُهُمَا مَعَ الدَّفْعِ (حَرُمَ) لِإِلْقَائِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ وَيَسْقُطُ (وُجُوبُ الدَّفْعِ) حَيْثُ وَجَبَ (بِإِيَاسِهِ) مِنْ فَائِدَةِ دَفْعِهِ (لَا بِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ) لِتَيَقُّنِ الْوُجُوبِ فَلَا يُتْرَكُ بِالظَّنِّ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا كُلُّ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ) يَسْقُطُ وُجُوبُهُ بِإِيَاسِهِ فِي امْتِثَالِهِ لَا بِظَنِّهِ أَنَّ أَمْرَهُ لَا يُفِيدُ (وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ) كَذَا قَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي جُنْدٍ قَاتَلُوا عَرَبًا نَهَبُوا أَمْوَالَ تُجَّارٍ لِيَرُدُّوهُ لِمَالِكِيهِ: هُمْ مُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُمْ نَاهُونَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَنْ قَتَلُوهُ مِنْ الْعَرَبِ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ حَيْثُ لَمْ يَنْدَفِعُوا إلَّا بِذَلِكَ كَالصَّائِلِ، فَإِنْ قَاتَلُوهُمْ لِيَأْخُذُوا لِأَنْفُسِهِمْ فَهُمَا ظَالِمَتَانِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ عَضَّ يَدَ شَخْصٍ وَحَرُمَ) أَيْ فِي الْحَالِ أَنَّهُ عَضٌّ مُحَرَّمٌ لِكَوْنِهِ مُعْتَدِيًا؛ لِأَنَّ الْعَضَّ لَا يُبَاحُ إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ الْعَاضُّ عَلَى التَّخَلُّصِ إلَّا بِهِ (فَانْتَزَعَهَا) مِنْ فَمِهِ (وَلَوْ) كَانَ نَزْعُهُ (بِعُنْفٍ) ؛ أَيْ: بِشِدَّةٍ (فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ) [؛ أَيْ: ثَنَايَا] الْعَاضِّ (فَهَدَرٌ) ؛ أَيْ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ثَنَايَا الْعَاضِّ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلًا عَضَّ رَجُلًا، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ، فَاخْتَصَمُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَعَضُّ أَحَدُكُمْ يَدَ أَخِيهِ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ، لَا دِيَةَ لَك» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد. لِأَنَّهُ عُضْوٌ تَلِفَ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّ صَاحِبِهِ فَلَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَطْعِ يَدِهِ (وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ) نَحْوُ أَنْ حَبَسَهُ فِي بَيْتِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 أَوْ رَبَطَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، فَخَلَّصَ نَفْسَهُ، فَتَلِفَ بِتَخْلِيصِهِ شَيْءٌ؛ لَمْ يَضْمَنْ (فَإِنْ عَجَزَ) الْمَعْضُوضُ عَنْ التَّخَلُّصِ (دَفَعَهُ) ؛ أَيْ: الْعَاضَّ (كَصَائِلٍ) بِأَسْهَلِ مَا يُظَنُّ انْدِفَاعُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَضُّ مُبَاحًا مِثْلَ أَنْ يُمْسِكَهُ بِمَوْضِعٍ يَتَضَرَّرُ بِإِمْسَاكِهِ كَخُصْيَتَيْهِ، أَوْ يَعَضُّ بِيَدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ إلَّا بِعَضِّهِ، فَعَضَّهُ فَمَا سَقَطَ مِنْ أَسْنَانِهِ، ضَمِنَ الْمَعْضُوضُ. (وَمَنْ نَظَرَ وَيَتَّجِهُ) كَوْنُ النَّاظِرِ (مُكَلَّفًا) إذْ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فِي بَيْتِ غَيْرِهِ مِنْ خُرُوقِ بَابٍ مُغْلَقٍ وَنَحْوِهِ) كَفُرُوجٍ بِحَائِطٍ أَوْ بَيْتِ شَعْرٍ وَكُوَّةٍ وَنَحْوِهَا (وَلَوْ لَمْ يَعْمِدْ) النَّاظِرُ الِاطِّلَاعَ (لَكِنْ ظَنَّهُ) ؛ أَيْ: رَبُّ الْبَيْتِ (مُتَعَمِّدًا) وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الدَّارِ نِسَاءٌ أَوْ لَا، أَوْ كَانَ مَحْرَمًا، أَوْ نَظَرَ مِنْ الطَّرِيقِ، أَوْ مِلْكِهِ أَوْ لَا (فَحَذَفَ) ؛ أَيْ: رَمَى (عَيْنَهُ) بِحَصَاةٍ (أَوْ طَعَنَهُ بِعُودٍ فَتَلِفَتْ) عَيْنُهُ أَوْ حَاجِبُهُ (فَهَدَرٌ) لَا شَيْءَ فِيهِ، لَا إنْ رَمَى بِحَجَرٍ كَبِيرٍ، أَوْ رَشَقَهُ بِسَهْمٍ، أَوْ طَعَنَهُ بِحَدِيدَةٍ (وَلَا يَتْبَعُهُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتٍ فَفَقَئُوا عَيْنَهُ؛ فَلَا دِيَةَ وَلَا قِصَاصَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ؛ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّائِلِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِنَ حِمَى سَاكِنِهَا، وَالْقَصْدَ مِنْهَا سَتْرُ عَوْرَاتِهِمْ عَنْ النَّاسِ، وَالْعَيْنُ آلَةُ النَّظَرِ (بِخِلَافِ مُتَسَمِّعٍ) أَعْمَى أَوْ بَصِيرٍ (وَضَعَ أُذُنَهُ) فِي خَصَاصِ الْبَابِ الْمُغْلَقِ فَلَيْسَ لَهُ قَصْدُ أُذُنِهِ بِطَعْنٍ وَنَحْوِهِ (قَبْلَ إنْذَارِهِ) اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَلِأَنَّ النَّظَرَ أَبْلُغُ مِنْ السَّمْعِ، فَإِنْ أُنْذِرَ فَأَبَى فَلَهُ طَعْنُهُ كَدَفْعِ الصَّائِلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 (وَ) بِخِلَافِ (نَاظِرٍ مِنْ) بَابٍ (مُنْفَتِحٍ) لِتَفْرِيطِ رَبِّهِ بِتَرْكِهِ مَفْتُوحًا، وَإِنْ عَقَرَتْ كَلْبَةٌ مَنْ قَرُبَ إلَى أَوْلَادِهَا، أَوْ خَرَقَتْ ثَوْبَهُ؛ لَمْ تُقْتَلْ بِذَلِكَ؛ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْعَقُورِ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ جُبِلَتْ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْوَلَدِ، بَلْ تُنْقَلُ إلَى مَكَان مُنْفَرِدٍ دَفْعًا لِأَذَاهَا. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ رَاوَدَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَنْ نَفْسِهَا لِيَفْجُرَ بِهَا، فَقَتَلَتْهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهَا إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ؛ لَمْ تَضْمَنْهُ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي قَتْلِهِ شَرْعًا لِدَفْعِهِ عَنْهَا. (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى صَيْحِهِ لَيْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ مَاذَا يَكُونُ) نَقَلَهُ صَالِحٌ. [بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ] ِ أَيْ: الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَالْعُدُولِ عَنْ الْحَقِّ. وَالْبَغِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ: الزَّانِيَةُ (وَهُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى إمَامٍ) الْمُعْتَدُونَ عَلَيْهِ (وَلَوْ غَيْرَ عَدْلٍ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ، وَلَهُمْ شَوْكَةٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُطَاعٌ) سُمُّوا بُغَاةً؛ لِعُدُولِهِمْ عَنْ الْحَقِّ وَمَا عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْأَصْلُ فِي قِتَالِهِمْ قَوْله تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] " وَحَدِيثُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ وَيُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَاتَلَ عَلِيٌّ أَهْلَ النَّهْرَوَانُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ (فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ) بِأَنْ لَمْ يَخْرُجُوا عَلَى إمَامٍ، أَوْ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 تَأْوِيلٍ أَوْ بِتَأْوِيلٍ غَيْرِ سَائِغٍ، أَوْ كَانُوا جَمْعًا يَسِيرًا لَا شَوْكَةَ لَهُمْ كَالْعَشَرَةِ (ف) هُمْ (قُطَّاعُ طَرِيقٍ) وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُمْ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ. (وَنَصْبُ الْإِمَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) ؛ لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً لِذَلِكَ لِحِمَايَةِ الْبَيْضَةِ، وَالذَّبِّ عَنْ الْحَوْزَةِ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَابْتِغَاءِ الْحُقُوقِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَيُخَاطَبُ بِذَلِكَ طَائِفَتَانِ: أَحَدُهُمَا: أَهْلُ الِاجْتِهَادِ حَتَّى يَخْتَارُوا. الثَّانِيَةُ: مَنْ تُوجَدُ فِيهِمْ شَرَائِطُ الْإِمَامَةِ حَتَّى يَنْتَصِبَ لَهَا أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَهْلُ الِاخْتِيَارِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِمْ الْعَدَالَةُ وَالْعِلْمُ الْمُوَصِّلُ إلَى مَعْرِفَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِمَامَةَ وَالرَّأْيُ وَالتَّدْبِيرُ الْمُؤَدِّي إلَى اخْتِيَارِ مَنْ هُوَ لِلْإِمَامَةِ أَصْلَحُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْإِمَامِ) لِمَا قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّنَافُرِ الْمُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ وَالشِّقَاقِ وَوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي بَعْضِ الْأَطْرَافِ، وَهُوَ مُنَافٍ لِاسْتِقَامَةِ الْحَالِ، يُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُمْ: " وَإِنْ تَنَازَعَ فِي الْإِمَامَةِ كُفُؤَانِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا إذْ لَوْ جَازَ التَّعَدُّدُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْقُرْعَةِ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَوْ تَغَلَّبَ كُلُّ سُلْطَانٍ عَلَى نَاحِيَةٍ) مِنْ نَوَاحِي الْأَرْضِ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا (ك) مَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي (زَمَانِنَا فَحُكْمُهُ) ؛ أَيْ: الْمُتَغَلِّبِ (فِيهَا) ؛ أَيْ: النَّاحِيَةِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا (ك) حُكْمِ (الْإِمَامِ) مِنْ وُجُوبِ طَاعَتِهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَالصَّلَاةِ خَلْفَهُ وَتَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَنُفُوذِ أَحْكَامِهِمْ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حَالِهِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ شَقِّ الْعَصَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَثْبُتُ نَصْبُ الْإِمَامِ بِإِجْمَاعِ) الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ كَإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَيْعَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ الَّذِينَ بِصِفَةِ الشُّهُودِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِلْمِ الْمُوَصِّلِ إلَى مَعْرِفَةِ مُسْتَحِقِّ الْإِمَامَةِ، وَأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 الْمُؤَدِّيَيْنِ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ هُوَ لِلْإِمَامَةِ صُلْحٌ، (وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا (بِنَصٍّ) ؛ أَيْ: عَهْدِ مَنْ قَبْلَهُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَعْهَدَ الْإِمَامُ بِالْإِمَامَةِ إلَى إنْسَانٍ يَنُصُّ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ بِالْإِمَامَةِ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا (بِاجْتِهَادٍ) لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ أَمْرَ الْإِمَامَةِ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا (بِقَهْرِ) مَنْ يَصْلُحُ لَهَا غَيْرَهُ عَلَيْهَا (وَيَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ طَاعَتُهُ) قَالَ: أَحْمَدُ وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً، وَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ يَبِيتُ وَلَا يَرَاهُ إمَامًا بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا انْتَهَى؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ خَرَجَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَتَلَهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَادِ وَأَهْلِهَا حَتَّى بَايَعُوهُ طَوْعًا وَكَرْهًا وَدَعَوْهُ، وَلِمَا فِي الْخُرُوجِ عَلَى مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِالْقَهْرِ مِنْ شَقِّ عَصَى الْمُسْلِمِينَ وَإِرَاقَةِ دِمَائِهِمْ وَإِذْهَابِ أَمْوَالِهِمْ. (وَإِنَّمَا يُنَصَّبُ قُرَشِيٌّ) لِحَدِيثِ: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَحَدِيثِ: «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» وَقَوْلِ الْمُهَاجِرِينَ لِلْأَنْصَارِ: إنَّ الْعَرَبَ لَا تَدِينُ إلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ. وَرَوَوْا لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْأَخْبَارَ قَالَ: أَحْمَدُ: " لَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ خَلِيفَةٌ (حُرٌّ) فَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ رَقِيقًا وَلَا مُبَعَّضًا؛ لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ؛ فَلَا يَكُونُ مُوَلًّى عَلَيْهِ (ذَكَرٌ) لِحَدِيثِ: «خَابَ قَوْمٌ وَلِيَ أَمْرَهُمْ امْرَأَةٌ» (عَدْلٌ) لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَهِيَ دُونَ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى (نَاطِقٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأُمُورِ السِّيَاسَةِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُهُ بَالِغًا عَاقِلًا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ يَحْتَاجُ لِمَنْ يَلِي أَمْرَهُ، فَلَا يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ (عَالِمٌ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ) ؛ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مُرَاعَاتِهَا فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ (كُفُؤٌ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا) ؛ أَيْ: قَائِمًا بِأَمْرِ الْحَرْبِ وَالسِّيَاسَةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ، لَا تَلْحَقُهُ رَأْفَةٌ فِي ذَلِكَ وَلَا فِي الذَّبِّ عَنْ الْإِمَامَةِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَا بَصِيرَةٍ، وَالْإِغْمَاءُ لَا يَمْنَعُ عَقْدَهَا وَلَا اسْتِدَامَتَهَا؛؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ» ، وَيَمْنَعُهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 الْجُنُونُ وَالْخَبَلُ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا إفَاقَةٌ وَإِنْ كَانَا أَكْثَرَ زَمَانِهِ مَنَعَا الِابْتِدَاءَ وَالِاسْتِدَامَةَ. وَلَا يَمْنَعُهَا ضَعْفُ الْبَصَرِ إنْ عَرَفَ بِهِ الْأَشْخَاصَ إذَا رَآهَا، وَلَا فَقْدُ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي الرَّأْيِ وَلَا تَمْتَمَةُ اللِّسَانِ وَلَا ثِقْلُ السَّمْعِ مَعَ إدْرَاكِهِ؛ أَيْ: الصَّوْتِ إذَا عَلَا، وَلَا فَقْدُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِعَجْزِهِ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ الْأُمَّةِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْيَدِ أَوْ النَّهْضَةِ بِالرِّجْلِ، وَإِنْ قَهَرَهُ مِنْ أَعْوَانِهِ مَنْ يَسْتَبِدُّ بِتَدْبِيرِ الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ تَظَاهُرٍ بِمَعْصِيَةٍ وَلَا مُجَاهَرَةٍ بِشِقَاقٍ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ اسْتِدَامَتَهُ، ثُمَّ إنْ جَرَتْ أَفْعَالُهُ عَلَى أَحْكَامِ الدِّينِ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا تَنْفِيذًا لَهَا وَإِمْضَاءً؛ لِئَلَّا يَعُودَ الْأَمْرُ بِفَسَادٍ عَلَى الْأُمَّةِ وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ الدِّينِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا، وَلَزِمَهُ أَنْ يَسْتَنْصِرَ مَنْ يَقْبِضُ عَلَى يَدَيْهِ وَيُزِيلُ تَغَلُّبَهُ. (وَلَا يَنْعَزِلُ) الْإِمَامُ (بِفِسْقِهِ) بِخِلَافِ الْقَاضِي، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ، وَلَا بِمَوْتِ مَنْ يُبَايِعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْهُ بَلْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ (وَيُجْبَرُ) عَلَى إمَامَةٍ (مُتَعَيِّنٌ لَهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ حَاكِمٍ؛ لِئَلَّا تَذْهَبَ حُقُوقُ النَّاسِ. (وَهُوَ) أَيْ: الْإِمَامُ (وَكِيلُ) الْمُسْلِمِينَ (فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ) مُطْلَقًا كَسَائِرِ الْوُكَلَاءِ (وَلَهُمْ) ، أَيْ: أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ (عَزْلُهُ إنْ سَأَلَهَا) ؛ أَيْ: الْعُزْلَةَ بِمَعْنَى الْعَزْلِ؛ لَا الْإِمَامَةِ لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ: " أَقِيلُونِي أَقِيلُونِي " قَالُوا: لَا نُقِيلُكَ (وَإِلَّا) يَسْأَلْ الْعُزْلَةَ (فَلَا) يَعْزِلُونَهُ، سَأَلَ الْإِمَامَةَ أَوْ لَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ شَقِّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ. (وَيَحْرُمُ قِتَالُهُ) ؛ أَيْ الْإِمَامِ؛ لِحَدِيثِ «مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي وَهُمْ جَمْعٌ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» . (وَإِنْ تَنَازَعَهَا) ، أَيْ: الْإِمَامَةَ (كُفُؤَانِ) ابْتِدَاءً وَدَوَامًا (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا؛ فَيُبَايَعُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (وَإِنْ بُويِعَا) وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ (فَالْإِمَامُ) هُوَ (الْأَوَّلُ) مِنْهُمَا (وَ) لَوْ بُويِعَا (مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ) مِنْهُمَا (بَطَلَ الْعَقْدُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 لِامْتِنَاعِ تَعَدُّدِ الْإِمَامِ، وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِهِمَا، وَصِفَةُ الْعَقْدِ أَنْ يَقُولَ لَهُ كُلٌّ مِنْ أَهَلْ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ: قَدْ بَايَعْنَاك عَلَى إقَامَةِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْقِيَامِ بِفُرُوضِ الْإِمَامَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ إلَى صَفْقَةِ الْيَدِ. [يَلْزَمُ الْإِمَامَ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ] (وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ) عَشَرَةُ أَشْيَاءَ (حِفْظُ الدِّينِ) عَلَى الْأُصُولِ الَّتِي أَجْمَعَ عَلَيْهَا سَلَفُ الْأُمَّةِ، فَإِنْ زَاغَ ذُو شُبْهَةِ عَنْهُ بَيَّنَ لَهُ الْحُجَّةَ وَأَخَذَهُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْحُقُوقِ؛ لِيَكُونَ الدِّينُ مَحْرُوسًا مِنْ الْخَلَلِ (وَتَنْفِيذُ الْأَحْكَامِ) بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ، وَقَطْعُ مَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْخُصُومَةِ، وَحِمَايَةُ الْبَيْضَةِ، (وَالذَّبُّ عَنْ الْحَوْزَةِ) ؛ أَيْ: حِفْظُ الرَّعِيَّةِ، (وَإِنْصَافُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ) لِيَتَصَرَّفَ النَّاسُ فِي مَعَايِشِهِمْ، وَيَسِيرُوا فِي الْأَسْفَارِ آمَنِينَ (وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ وَتَحْصِينُ الثُّغُورِ) لِتُصَانَ مَحَارِمُ اللَّهِ عَنْ الِانْتِهَاكِ، وَتُحْفَظَ حُقُوقُ عِبَادِهِ مِنْ الْإِتْلَافِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، وَجِهَادُ مَنْ عَانَدَ الْإِسْلَامَ بِالْعُدَّةِ الْمَانِعَةِ وَالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ حَتَّى لَا تَظْفَرَ الْأَعْدَاءُ بِغِرَّةٍ يَنْتَهِكُونَ بِهَا مَحْرَمًا، أَوْ يَسْفِكُونَ بِهَا دَمًا مَعْصُومًا (وَجِهَادُ مَنْ عَانَدَ الْإِسْلَامَ) بَعْدَ الدَّعْوَةِ حَتَّى يُسْلِمَ، أَوْ يَدْخُلَ فِي الذِّمَّةِ (وَجِبَايَةُ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ) الْمُطَهَّرُ (وَتَقْدِيرُ الْعَطَاءِ لِمُسْتَحِقِّهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِلَا إسْرَافٍ) وَلَا تَقْصِيرٍ وَدَفْعُهُ فِي وَقْتِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ وَلَا تَأْخِيرٍ (وَاسْتِكْفَاءُ الْأُمَنَاءِ وَتَقْلِيدُ النُّصَحَاءِ فِيمَا يُفَوَّضُ إلَيْهِمْ مِنْ الْأَعْمَالِ) وَالْأَمْوَالِ، لِتَكُونَ مَحْفُوظَةً مَضْبُوطَةً (وَأَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ مُشَارَفَةَ الْأُمُورِ وَتَصَفُّحَ الْأَحْوَالِ) لِيَنْهَض بِسِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَحِرَاسَةِ الْمِلَّةِ (وَلَا يُعَوِّلُ عَلَى التَّفْوِيضِ) تَشَاغُلًا (فَقَدْ يَخُونُ الْأَمِينُ) ، وَيَغُشُّ النَّاصِحُ، فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ بِحُقُوقِ الْأُمَّةِ، وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِمْ حَقَّانِ الطَّاعَةُ وَالنُّصْرَةُ إجْمَاعًا: وَيَحْرُمُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ وَلَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، (خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَذَكَرَا خُرُوجَ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى يَزِيدَ) حِين بُويِعَ سَنَةَ سِتِّينَ، أَرْسَلَ لِعَامِلِهِ بِالْمَدِينَةِ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ الْبَيْعَةَ عَلَى الْحُسَيْنِ، فَفَرَّ لِمَكَّةَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَنْ يَأْتُوهُ لِيُبَايِعُوهُ، وَيَمْحِيَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْجَوْرِ، فَنَهَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَبَيَّنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 لَهُ غَدْرَهُمْ وَقَتْلَهُمْ لِأَبِيهِ وَخِذْلَانَهُمْ لِأَخِيهِ؛ وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِأَهْلِهِ إنْ ذَهَبَ؛ فَأَبَى، فَبَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ: وَاحُسَيْنَاه وَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ نَحْوَ ذَلِكَ، فَأَبَى فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُك اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ، وَكَذَلِكَ نَهَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، بَلْ لَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ إلَّا مَنْ حَزِنَ لِمَسِيرِهِ، وَلَمَّا بَلَغَ أَخَاهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ بَكَى حَتَّى مَلَأ طَسْتًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدَّمَ أَمَامَهُ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ، فَبَايَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ اثْنَا عَشْرَ أَلْفًا، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ يَزِيدُ بْنَ زِيَادٍ، فَقَتَلَهُ، وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ خُرُوجَ الْحُسَيْنِ عَلَى يَزِيدَ كَانَ جَائِزًا، وَإِنْ سَبَقَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَذَلِكَ كَانَ فِي ثُبُوتِ الْإِمَامَةِ لَهُ، وَإِنْ بَلَغَ مِنْ قَبَائِحِ الْفِسْقِ وَالِانْحِلَالِ عَنْ التَّقْوَى مَبْلَغًا وَافِرًا، وَاجْتِهَادُ الْحُسَيْنِ اقْتَضَى جَوَازَ أَوْ وُجُوبَ الْخُرُوجِ عَلَى يَزِيدَ؛ لِجَوْرِهِ وَقَبَائِحِهِ الَّتِي تُصَمُّ عَنْهَا الْآذَانُ؛ فَهُوَ مُحِقٌّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عِنْدَهُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ حَالُ مُعَاوِيَةَ مَعَ الْحَسَنِ قَبْلَ نُزُولِهِ لَهُ عَنْ الْخِلَافَةِ، وَمَعَ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ كَانَ مُتَغَلِّبًا بَاغِيًا عَلَيْهِمَا، لَكِنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ، لِاجْتِهَادِهِ، فَالْحُسَيْنُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَحْكَامِ وَانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ الْخُرُوجِ عَلَى الْجَائِرِ، فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ. [فَصْلٌ يَلْزَمُ الْإِمَامُ مُرَاسَلَةُ الْبُغَاةِ] فَصْلٌ (وَيَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامَ (مُرَاسَلَةُ بُغَاةٍ) ؛ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ إلَى الصُّلْحِ وَرُجُوعِهِمْ إلَى الْحَقِّ وَسُؤَالُهُمْ عَمَّا يَنْقِمُونَهُ مِنْ أَمْرِهِ (وَإِزَالَةُ شُبَهِهِمْ وَ) إزَالَةُ (مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ مَظْلَمَةٌ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إلَى رُجُوعِهِمْ إلَى الْحَقِّ الْمَأْمُورِ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] فَإِنْ نَقَمُوا مِمَّا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مِنْ الْمَظَالِمِ وَنَحْوِهَا أَزَالَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحِلُّ فِعْلُهُ، لَكِنْ تَلَبَّسَ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ فِيهِ بِاعْتِقَادِهِ مُخَالِفًا لِلْحَقِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 بَيَّنَ لَهُمْ دَلِيلَهُ، وَأَظْهَرَ لَهُمْ وَجْهَهُ؛ فَإِنَّ عَلِيًّا بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ إلَى الْخَوَارِجِ، لَمَّا تَظَاهَرُوا بِالْعِبَادَةِ وَالْخُشُوعِ وَحَمْلِ الْمَصَاحِفِ فِي أَعْنَاقِهِمْ لِيَسْأَلَهُمْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ الشُّبْهَةَ الَّتِي تَمَسَّكُوا بِهَا، فَرَجَعَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا وَبَقِيَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَقُتِلُوا؛ وَهِيَ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ (فَإِنْ فَاءُوا) ؛ أَيْ: رَجَعُوا عَنْ الْبَغْيِ وَطَلَبِ الْقِتَالِ؛ تَرَكَهُمْ، (وَإِلَّا) يَفِيئُوا (لَزِمَ) إمَامًا (قَادِرًا قِتَالُهُمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] . (وَ) يَجِبُ (عَلَى رَعِيَّتِهِ مَعُونَتُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَرِبْقَةُ الْإِسْلَامِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا اسْتِعَادَةٌ لِمَا يَلْزَمُ الْعُنُقَ مِنْ حُدُودِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ (فَإِنْ اسْتَنْظَرُوهُ) ؛ أَيْ: قَالُوا: " أَنْظِرْنَا مُدَّةً حَتَّى نَرَى أَمْرَنَا (وَرَجَا فَيْئَتَهُمْ؛) فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ (أَنْظَرَهُمْ) (وُجُوبًا) ، حِفْظًا لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ خَافَ مَكِيدَةً) كَمَدَدٍ يَأْتِيهِمْ أَوْ تَحَيُّزِهِمْ إلَى فِئَةٍ تَمْنَعُهُمْ؛ وَيَكْثُرُ بِهَا جَمْعُهُمْ وَنَحْوِهِ (فَلَا يَجُوزُ إنْظَارُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى قَهْرِ أَهْلِ الْحَقِّ (وَلَوْ أَعْطَوْهُ مَالًا أَوْ رَهْنًا) عَلَى تَأْخِيرِ الْقِتَالِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ يُخَلَّى سَبِيلُهُ إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ كَالْأَسَارَى وَإِنْ سَأَلُوهُ الْإِنْظَارَ أَبَدًا وَيَدَعُهُمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ، وَيَكُفُّوا عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، فَإِنْ قَوِيَ عَلَيْهِمْ؛ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُمْ، وَإِلَّا جَازَ. (وَيَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ) الْمُقَاتِلِ وَغَيْرِهِ وَالْمَالِ (كَمَنْجَنِيقٍ وَنَارٍ) ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ أَمْوَالِهِمْ وَغَيْرِ الْمُقَاتِلِ لَا يَجُوزُ، إلَّا لِضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ كَدَفْعِ الصَّائِلِ، (وَ) يَحْرُمُ (اسْتِعَانَةٌ) عَلَيْهِمْ (بِكَافِرٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ لَهُ عَلَى دِمَاءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَعَجْزِ أَهْلِ الْحَقِّ عَنْهُمْ (وَكَفِعْلِهِمْ) بِنَا (إنْ لَمْ نَفْعَلْهُ) بِهِمْ؛ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ إذَا فَعَلُوهُ بِنَا لَوْ لَمْ نَفْعَلْهُ؛ وَكَذَا الِاسْتِعَانَةُ بِكَافِرٍ. (وَ) يَحْرُمُ (أَخْذُ مَا لَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ، (وَ) يَحْرُمُ أَخْذُ وَقَتْلُ (ذُرِّيَّتِهِمْ) لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ لَا قِتَالَ مِنْهُمْ وَلَا بَغْيَ؛ وَيَحْرُمُ (قَتْلُ مُدَبَّرِهِمْ وَ) وَقَتْلُ (جَرِيحِهِمْ) وَلَوْ مِنْ نَحْوِ خَوَارِجَ إنْ لَمْ نَقُلْ بِكُفْرِهِمْ، وَمَا فِي الْإِقْنَاعِ " مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِكُفْرِهِمْ كَمَا فِي " الْكَافِي " لِعِصْمَتِهِ وَزَوَالِ قِتَالِهِ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: " صَرَخَ صَارِخٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلْنَ مُدَبَّرٌ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ؛ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ وَعَنْ عَمَّارٍ نَحْوُهُ وَكَالصَّائِلِ، وَلِأَنَّهُ قَتْلُ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ قَالَ: فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": الْمُدَبَّرُ مَنْ انْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُ لَا الْمُنْحَرِفُ إلَى مَوْضِعٍ. (وَ) يَحْرُمُ قَتْلُ (تَارِكِ الْقِتَالِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا قَوَدَ فِيهِ) أَيْ: فِي قَتْلِ مَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ مِنْهُمْ؛ لِلشُّبْهَةِ (وَيُضْمَنُ) بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ (وَقَتِيلُنَا شَهِيدٌ) كَالْمَصُولِ عَلَيْهِ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا بَعْدَ نَزْعِ لَأْمَةِ حَرْبٍ وَنَحْوِ خُفٍّ وَفَرْوٍ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ فِي قِتَالٍ أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَكَشَهِيدٍ فِي مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ (وَقَتِيلُهُمْ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِالْبَغْيِ عَنْ الْإِسْلَامِ (وَقِيلَ) إنَّ قَتِيلَهُمْ (لَا) يُغَسَّلُ وَلَا يُكَفَّنُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا بُغَاةً (لِقَضِيَّةِ) وَقْعَةِ (أَهْلِ صِفِّينَ) فَإِنَّ مَنْ قُتِلَ فِيهَا عُومِلَ مُعَامَلَةَ شُهَدَاءِ الْمَعْرَكَةِ مَعَ أَنَّهُ مُقَرَّرٌ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لِعَمَّارٍ تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» . (وَيَتَّجِهُ صِحَّتُهُ) ؛ أَيْ: صِحَّةُ الْقَوْلِ بِمُعَامَلَتِهِمْ مُعَامَلَةَ الشُّهَدَاءِ (مَعَ) حُصُولِ (مَشَقَّةٍ) بِدُونِهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَشَقَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّغْسِيلِ وَالصَّلَاةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 وَالدَّفْنِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. تَنْبِيهٌ: إذَا لَمْ تَكُنْ الْبُغَاةُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَيْسُوا بِفَاسِقِينَ، بَلْ مُخْطِئِينَ فِي تَأْوِيلِهِمْ؛ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ. (وَيُكْرَهُ) لِعَدْلٍ (قَصْدُ رَحِمِهِ الْبَاغِي) كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ (بِقَتْلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «كَفَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُقْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ» . (وَتُبَاحُ اسْتِعَانَةٌ عَلَيْهِمْ) ؛ أَيْ: الْبُغَاةِ (بِسِلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَخَيْلِهِمْ) وَعَبِيدِهِمْ (وَصِبْيَانِهِمْ لِضَرُورَةٍ فَقَطْ) لِعِصْمَةِ الْإِسْلَامِ أَمْوَالَهُمْ وَذُرِّيَّتَهُمْ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُهُمْ لِرَدِّهِمْ إلَى الطَّاعَةِ، وَأَمَّا جَوَازُهُ مَعَ الضَّرُورَةِ فَكَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ فِي الْمُخْصَمَةِ. (وَمَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: الْبُغَاةِ (وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ أُنْثَى حُبِسَ حَتَّى لَا شَوْكَةَ وَلَا حَرْبَ) دَفْعًا لِضَرَرِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَحْصُلُ مِنْهُ مُسَاعَدَةُ الْمُقَاتِلَةِ، وَفِي حَبْسِهِمْ كَسْرُ قُلُوبِ الْبُغَاةِ. (وَإِذَا انْقَضَتْ) الْحَرْبُ (فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: الْبُغَاةِ (مَالُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ) مِنْ أَهْلِ عَدْلٍ أَوْ بَغْيٍ (أَخَذَهُ) مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ كَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ اغْتِنَامُهَا؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِمْ عَلَيْهَا: وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: يَوْمَ الْجَمَلِ: مَنْ عَرَفَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ مَعَ أَحَدٍ فَلْيَأْخُذْهُ، فَعَرَفَ بَعْضُهُمْ قِدْرًا مَعَ أَصْحَابِ عَلِيٍّ - وَهُوَ يَطْبُخُ فِيهَا - فَسَأَلَهُ إمْهَالَهُ حَتَّى يَنْضَجَ الطَّبِيخُ، فَأَبَى وَكَبَّهُ وَأَخَذَهَا. (وَلَا يَضْمَنُ بُغَاةٌ مَا أَتْلَفُوهُ) عَلَى أَهْلِ عَدْلٍ (حَالَ حَرْبٍ ك) مَا لَا يَضْمَنُ (أَهْلُ عَدْلٍ) مَا أَتْلَفُوهُ لِبُغَاةٍ حَالَ حَرْبٍ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُضَمِّنْ الْبُغَاةَ مَا أَتْلَفُوهُ حَالَ الْحَرْبِ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ. قَالَ: الزُّهْرِيُّ هَاجَتْ: الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُقَادُ أَحَدٌ، وَلَا يُؤْخَذُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 مَالٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا مَا وُجِدَ بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ مُحْتَجًّا بِهِ. (وَيَضْمَنَانِ) ؛ أَيْ: أَهْلُ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةُ (مَا أَتْلَفَاهُ فِي غَيْرِ حَرْبٍ) ؛ أَيْ: يَضْمَنُ كُلٌّ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فِي غَيْرِ حَرْبٍ؛ لِإِتْلَافِهِ مَعْصُومًا بِلَا حَقٍّ وَلَا ضَرُورَةِ دَفْعٍ (وَمَا أَخَذُوا) ؛ أَيْ: الْبُغَاةُ (حَالَ امْتِنَاعِهِمْ) عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ حَالَ شَوْكَتِهِمْ؛ أَيْ: (مِنْ زَكَاةٍ وَخَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ، اُعْتُدَّ بِهِ) لِدَافِعِهِ إلَيْهِمْ؛ فَلَا يُؤْخَذُ ثَانِيًا إذَا ظَفَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمَّا ظَفَرَ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمْ يُطَالِبْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَبَاهُ الْبُغَاةُ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ يَأْتِيهِمْ سَاعِي نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ فَيَدْفَعُونَ إلَيْهِ زَكَاتَهُمْ؛ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الِاحْتِسَابِ بِذَلِكَ ضَرَرًا عَظِيمًا عَلَى الرَّعَايَا. (وَيُقْبَلُ بِلَا يَمِينٍ) مِمَّنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ دَعْوَى (دَفْعِ زَكَاةٍ إلَيْهِمْ) ؛ أَيْ: الْبُغَاةِ كَدَعْوَى دَفْعِهَا إلَى الْفُقَرَاءِ، وَلِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ فَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهَا كَالصَّلَوَاتِ. (وَ) لَا تُقْبَلُ دَعْوَى دَفْعِ (خَرَاجٍ) إلَيْهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَ) لَا دَعْوَى دَفْعِ (جِزْيَةٍ) إلَيْهِمْ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا عِوَضٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الدَّفْعِ. (وَهُمْ) ؛ أَيْ؛ الْبُغَاةُ (فِي شَهَادَتِهِمْ وَفِي إمْضَاءِ حُكْمِ حَاكِمْهُمْ كَأَهْلِ عَدْلٍ) ؛ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ الَّذِي لَهُ مَسَاغٌ فِي الشَّرْعِ لَا يُوجِبُ تَفْسِيقَ قَائِلِهِ، وَالذَّاهِبِ إلَيْهِ أَشْبَهَ الْخَطَأَ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي فَرْعٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَيُقْضَى بِشَهَادَتِهِمْ إذَا كَانُوا عُدُولًا، وَلَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ إلَّا مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةً صَحِيحَةٍ أَوْ إجْمَاعًا، وَيَجُوزُ قَبُولُ كِتَابِهِ وَإِمْضَائِهِ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ. قَالَ: ابْنُ عَقِيلٍ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَيُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ مَا لَمْ يَكُونُوا دُعَاةً. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (لَا إنْ كَانُوا) ؛ أَيْ: الْبُغَاةُ (أَهْلَ بِدَعٍ) كَالْخَوَارِجِ؛ فَلَا تُقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةٌ، وَلَا يَنْفُذُ لِقَاضِيهِمْ حُكْمٌ لِفِسْقِهِمْ. (وَإِنْ اسْتَعَانُوا) ؛ أَيْ: الْبُغَاةُ (بِأَهْلِ ذِمَّةٍ) أَهْلِ (عَهْدٍ؛ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 وَصَارُوا) كُلُّهُمْ (كَأَهْلِ حَرْبٍ) لِقِتَالِهِمْ لَنَا كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا بِهِ (لَا إنْ ادَّعَوْا) ؛ أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ أَوْ الْعَهْدِ (شُبْهَةً ك) ظَنِّ (وُجُوبِ إجَابَتِهِمْ) ؛ أَيْ: الْبُغَاةِ؛ لِكَوْنِهِمْ مُسْلِمِينَ؛ وَقَالُوا: لَا نَعْلَمُ الْبُغَاةُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، أَوْ ظَنَنَّا أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا الْقِتَالُ مَعَهُمْ، وَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ سَبَبُ النَّقْضِ. (وَيَضْمَنُونَ) ؛ أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدُ (مَا أَتْلَفُوهُ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ (مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ) كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا بِإِتْلَافِهِ، بِخِلَافِ الْبُغَاةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالتَّضْمِينُ يُنَافِيه؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَعَدَاوَتُهُمْ قَائِمَةٌ مَا دَامُوا كَذَلِكَ؛ فَلَا ضَرَرَ فِي تَضْمِينِهِمْ. (وَإِنْ اسْتَعَانُوا) ؛ أَيْ: الْبُغَاةُ (بِأَهْلِ حَرْبٍ وَأَمَّنُوهُمْ ف) أَمَانُهُمْ (كَعَدَمِهِ) ؛ لِأَنَّهُمْ عَقَدُوهُ عَلَى قِتَالِنَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ؛ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِعِصْمَتِهِمْ، فَيُبَاحُ قَتْلُهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ، وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ، وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ (إلَّا أَنَّهُمْ فِي أَمَانٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى بُغَاةٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَمَنُّوهُمْ، فَلَا يَغْدِرُونَهُمْ. [فَصْلٌ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَلَمْ يَخْرُجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ] فَصْلٌ (وَإِنْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ) كَتَكْفِيرِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ مِثْلِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، وَاسْتِحْلَالِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ (وَلَمْ يَخْرُجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ) ؛ أَيْ: لَمْ يَجْتَمِعُوا لِلْحَرْبِ (لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمْ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَخْطُبُ، فَقَالَ رَجُلٌ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ: لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ، تَعْرِيضًا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ فِيمَا كَانَ مِنْ تَحْكِيمِهِ، فَقَالَ: عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، ثُمَّ قَالَ: لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ، وَلَا نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا، وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 (وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ عَلَيْهِمْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ) فِي ضَمَانِ نَفْسٍ وَمَالٍ وَوُجُوبِ حَدٍّ؛ لِلُزُومِ الْإِمَامِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ فِي قَبْضَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِلَا اعْتِبَارٍ لِاعْتِقَادِهِمْ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) ؛ أَيْ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ (إنْ لَمْ يَمْتَنِعُوا مِنْ الْتِزَامِهِمْ) الْقِيَامَ بِأَوَامِرِ (الشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ) الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَنَحْوِهَا، وَإِلَّا بِأَنْ امْتَنَعُوا مِنْ إقَامَةِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ (وَجَبَ) عَلَى الْإِمَامِ (جِهَادُهُمْ) حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ كَالْمُحَارِبِينَ وَأَوْلَى (قَالَ: الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ) وَعَلَى رَعِيَّتِهِ (مَعُونَتُهُ عَلَى حَرْبِهِمْ، كَمَا قَاتَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَانِعِي الزَّكَاةِ بِمَحْضَرٍ) مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ صَرَّحُوا بِ) سَبِّ إمَامٍ أَوْ (سَبِّ عَدْلٍ، أَوْ عَرَّضُوا بِهِ) ؛ أَيْ: السَّبِّ (عُزِّرُوا) لِارْتِكَابِهِمْ مُحَرَّمًا لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ (وَمَنْ كَفَّرَ أَهْلَ الْحَقِّ وَالصَّحَابَةَ وَاسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ) وَأَمْوَالَهُمْ (بِتَأْوِيلٍ ف) هُمْ (خَوَارِجُ بُغَاةٌ فَسَقَةٌ) بِاعْتِقَادِهِمْ الْفَاسِدِ قَالَ: فِي " الْمُبْدِعِ " تَتَعَيَّنُ اسْتِتَابَتُهُمْ، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا قُتِلُوا عَلَى إفْسَادِهِمْ لَا عَلَى كُفْرِهِمْ، وَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ نُصُوصُهُ عَلَى عَدَمِ كُفْرِ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا كَفَّرَ الْجَهْمِيَّةَ لَا أَعْيَانَهُمْ، قَالَ: وَطَائِفَةٌ تَحْكِي عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ مُطْلَقًا حَتَّى الْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ الْمُفَضِّلَةِ لِعَلِيٍّ (وَعَنْهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ إنَّ الَّذِينَ كَفَّرُوا أَهْلَ الْحَقِّ وَالصَّحَابَةَ، وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 الْمُسْلِمِينَ بِتَأْوِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ (كُفَّارٌ) قَالَ: (الْمُنَقِّحُ: وَهُوَ أَظْهَرُ) انْتَهَى. قَالَ: فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاَلَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ، وَنَقَلَ مُحَمَّدٌ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ: مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْإِسْلَامِ الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ وَالرَّافِضَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ فَقَالَ: لَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ، وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ. وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ مَنْ قَالَ: عِلْمُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ كَفَرَ، (وَ) . قَالَ: (فِي " الْمُغْنِي " يُخَرَّجُ مِثْلُهُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ اُسْتُحِلَّ بِتَأْوِيلٍ) كَالْخَوَارِجِ، وَمَنْ كَفَّرَهُمْ فَحُكْمُهُمْ عِنْدَهُ كَمُرْتَدِّينَ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِرْشَادِ " وَعَنْ أَصْحَابِنَا تَكْفِيرُ مَنْ خَالَفَ فِي أَصْلٍ كَخَوَارِجَ وَرَوَافِضَ وَمُرْجِئَةٍ، (وَ) قَالَ: (فِي " نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ " مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا مُسْتَحِلًّا كَفَرَ، وَإِلَّا) يَكُنْ مُسْتَحِلًّا (فَسَقَ، وَالْمُرَادُ وَلَا تَأْوِيلَ، وَلِذَا لَمْ يَحْكُمْ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِكُفْرِ ابْنِ مُلْجِمٍ، قَاتِلِ عَلِيٍّ) فَإِنَّهُ قَالَ: حِينَ جَرَحَهُ أَطْعِمُوهُ وَاسْقُوهُ وَاحْبِسُوهُ، فَإِنْ عِشْتُ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي، وَإِنْ مِتُّ فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تُمَثِّلُوا بِهِ (وَلَا يُحْكَمُ بِكُفْرِ مَادِحِهِ) ؛ أَيْ: مَادِحِ ابْنِ مُلْجِمٍ (عَلَى قَتْلِهِ لِعَلِيٍّ) (وَإِنْ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ) طَلَبِ (رِيَاسَةٍ فَهُمَا ظَالِمَتَانِ تَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا أَتْلَفَتْ عَلَى الْأُخْرَى) ؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ نَفْسًا مَعْصُومَةً وَمَالًا مَعْصُومًا. قَالَ: فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " فَأَوْجَبُوا الضَّمَانَ عَلَى مَجْمُوعِ الطَّائِفَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ الْمُتْلَفِ، وَإِنْ تَقَابَلَا (تَقَاصَّا) ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ وَالْمُعِينَ سَوَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَضَمِنَتَا) ؛ أَيْ: الطَّائِفَتَانِ (سَوَاءٌ) أَيْ بِالسَّوِيَّةِ؛ (مَا) أَيْ: مَالًا (جُهِلَ مُتْلِفُهُ) قَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ مَا نَهَبَهُ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ الْأُخْرَى تَسَاوَيَا يَعْنِي فِي ضَمَانِهِ. قَالَ: كَمَا لَوْ جُهِلَ قَدْرُ الْحَرَامِ الْمُخْتَلِطِ بِمَالِهِ، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ نِصْفَهُ، وَالْبَاقِي لَهُ انْتَهَى (كَمَا لَوْ قُتِلَ دَاخِلٌ بَيْنَهُمَا لِصُلْحٍ؛ وَجُهِلَ قَاتِلُهُ) مِنْ كَوْنِهِ مِنْ أَيِّ الطَّائِفَتَيْنِ (وَإِنْ عُلِمَ قَاتِلُهُ مِنْ طَائِفَةٍ) بِعَيْنِهَا (وَجُهِلَ) عَيْنُهُ (ضَمِنَتْهُ وَحْدَهَا) قَالَ: ابْنُ عَقِيلٍ: وَيُفَارِقُ الْمَقْتُولَ فِي زِحَامِ الْجَامِعِ وَالطَّوَافِ لِأَنَّ الزِّحَامَ وَالطَّوَافَ لَيْسَ فِيهِمَا تَعَدٍّ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 [بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ] ِّ (وَهُوَ) لُغَةً الرَّاجِعُ، يُقَالُ ارْتَدَّ فَهُوَ مُرْتَدٌّ إذَا رَجَعَ قَالَ: تَعَالَى: {وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21] وَشَرْعًا (مَنْ كَفَرَ) نُطْقًا أَوْ اعْتِقَادًا أَوْ شَكًّا (وَلَوْ) كَانَ (مُمَيِّزًا) فَتَصِحُّ رِدَّتُهُ كَإِسْلَامِهِ، وَيَأْتِي (طَوْعًا) وَلَوْ كَانَ هَازِلًا بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَلَوْ كَانَ إسْلَامُهُ (كُرْهًا بِحَقٍّ) كَمَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كَعَابِدِ وَثَنٍ إذَا قُوتِلَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ (وَكَحَرْبِيٍّ) مِنْ أُمِّ وَلَدٍ لِمُسْلِمٍ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْحَرْبِيُّونَ، ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْهُمْ، وَقَدْ أَتَتْ مِنْهُمْ بِهِ (وَذِمِّيٍّ) انْتَقَضَ عَهْدُهُ (وَأُكْرِهَا عَلَى الْإِسْلَامِ) بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ، فَامْتَنَعَا مِنْهُ (وَأُرِيدَ قَتْلُهُمَا) فَإِذَا أَسْلَمَا، ثُمَّ ارْتَدَّا كَانَا كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُرْتَدِّينَ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهُ الْمُسْلِمِينَ بِحَقٍّ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يَتُبْ، وَسَنَدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ. قَالَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ) . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَخَالِدِ بْنَ الْوَلِيدِ وَغَيْرِهِمْ، وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ مَرْوَانَ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَبَلَغَ أَمْرُهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ أَنْ تُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ» ) وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ حِينَ رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً وَكَانَتْ كَافِرَةً أَصْلِيَّةً، وَيُخَالِفُ الْكُفْرَ الْأَصْلِيَّ الطَّارِئُ؛ إذْ الْمَرْأَةُ لَا تُجْبَرُ عَلَى تَرْكِ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ بِضَرْبٍ وَلَا حَبْسٍ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 (فَمَنْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، أَوْ صَدَّقَهُ) ؛ أَيْ: مَنْ صَدَّقَ مَنْ ادَّعَاهَا؛ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] وَلِحَدِيثِ: «لَا نَبِيَّ بَعْدِي» . وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ» (أَوْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى) كَفَرَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] (أَوْ سَبَّهُ) ؛ أَيْ: اللَّهَ تَعَالَى: (أَوْ) سَبَّ (رَسُولًا لَهُ أَوْ مَلَكًا لَهُ) كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُبُّهُ إلَّا وَهُوَ جَاحِدٌ لَهُ (أَوْ جَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ) ؛ أَيْ: اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ) جَحَدَ (وَحْدَانِيَّتَهُ أَوْ) جَحَدَ (صِفَةً) مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ اللَّازِمَةِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ "؛ أَيْ: فَإِنَّهُ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ كَجَاحِدِ الْوَحْدَانِيَّةِ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ كُفْرِ جَاحِدٍ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مُتَّفَقٌ عَلَى إثْبَاتِهَا (كَقَدِيرٍ وَبَصِيرٍ) وَنَحْوِهِمَا كَسَمِيعٍ؛ إذْ هَذِهِ صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ مُؤَثِّرَةٌ بِالْمَقْدُورَاتِ الْمُمْكِنَةِ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهَا، وَمُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُبْصِرَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ بِاتِّفَاقِ؛ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَ (لَا) يَكْفُرُ بِجَحْدِهِ (الْقُدْرَةَ وَالْبَصَرَ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهِمَا إذْ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَقُولُ عَنْ الْقُدْرَةِ إنَّهَا الْعِلْمُ بِالْمَقْدُورَاتِ، وَعَنْ الْبَصَرِ إنَّهُ الْعِلْمُ بِالْمُبْصَرَاتِ وَهَكَذَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ مَذْهَبُ سَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقُدْرَةِ وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ صِفَةٌ مُغَايِرَةٌ لِلْعِلْمِ زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ؛ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَالْآيَاتِ. قَالَ: فِي " الْمَوَاقِفِ " بَعْدَ تَقْرِيرِ الْمَسْأَلَةِ: وَظَوَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَة وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ انْتَهَى. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ قُدْرَةً وَبَصَرًا قَدِيمِينَ زَائِدَيْنِ عَلَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ؛ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ الْقُدْرَةِ قِدَمُ الْمَقْدُورَاتِ، وَلَا مِنْ (قِدَمِ) الْبَصَرِ قِدَمُ الْمُبْصَرَاتِ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ السَّمْعِ وَالْعِلْمِ قِدَمُ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمَعْلُومَاتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 لِأَنَّهَا صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ تَحْدُثُ لَهَا تَعَلُّقَاتٌ بِالْحَوَادِثِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. أَوْ جَحَدَ (كِتَابًا أَوْ رَسُولًا) مُجْمَعًا عَلَيْهِ، أَوْ ثَبَتَ تَوَاتُرًا لَا أَحَادًا كَخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ (أَوْ جَحَدَ مَلَكًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الرُّسُلِ وَالْمَلَائِكَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِمْ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ جَحْدَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَجَحْدِ الْكُلِّ، أَوْ جَحَدَ الْبَعْثَ (أَوْ وُجُوبَ عِبَادَةٍ مِنْ) الْعِبَادَاتِ (الْخَمْسِ) الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي حَدِيثِ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ» . (وَمِنْهَا) ؛ أَيْ: مِثْلُهَا (الطَّهَارَةُ) فَيُكَفَّرُ مَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا (حُكْمًا ظَاهِرًا) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ فَرْضِ السُّدُسِ لِبِنْتِ الِابْنِ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ (مُجْمَعًا عَلَيْهِ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا) لَا سُكُوتِيًّا؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةً (بِلَا تَأْوِيلٍ) أَمَّا إذَا كَانَ بِتَأْوِيلٍ كَاسْتِحْلَالِ الْخَوَارِجِ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ لَا يُكَفِّرُونَهُمْ لِادِّعَائِهِمْ أَنَّهُمْ يَتَقَرَّبُونَ بِذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ: عُمْرَانِ بْن حِطَّانَ يَمْدَحُ ابْنَ مُلْجِمٍ لِقَتْلِهِ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا ... إلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ رِضْوَانًا إنِّي لَأَذْكُرُهُ يَوْمًا فَأَحْسِبُهُ ... أَوْفَى الْبَرِيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 وَمَا أَحْسَنَ مَا رَدَّ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمَّادٍ السَّاهِرِيُّ، عَلَى ابْنِ حِطَّانَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ مِنْهَا قَوْلُهُ: قُلْ لِابْنِ مُلْجَمٍ وَالْأَقْدَارُ غَالِبَةٌ ... هَدَمْتَ وَيْلَكَ لِلْإِسْلَامِ أَرْكَانًا إلَى أَنْ قَالَ: إنِّي لَأَحْسَبُهُ مَا كَانَ مِنْ بَشَرٍ ... يَخْشَى الْمَعَادَ وَلَكِنْ كَانَ شَيْطَانًا أَشْقَى مُرَادٍ إذَا عَنَّتْ قَبَائِلُهَا ... وَأَخْسَرُ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانًا كَعَاقِرِ النَّاقَةِ الْأُولَى الَّتِي جَلَبَتْ ... عَلَى ثَمُودَ بِأَرْضِ الْحِجْرِ خُسْرَانًا قَدْ كَانَ يُخْبِرُهُمْ أَنْ سَوْفَ يَخْضِبُهَا ... قَبْلَ الْمُنْيَةِ أَزْمَانًا وَأَزْمَانًا فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ مَا تَحَمَّلَهُ ... وَلَا سَقَى قَبْرَ عُمْرَانِ بْنِ حَطَّانَا لِقَوْلِهِ فِي شَقِيٍّ ظَلَّ مُحْتَرَمًا ... وَنَالَ مَا نَالَهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا يَا ضَرْبَةً مِنْ غَوِيٍّ أَوْرَثَتْهُ لَظًى ... فَسَوْفَ يَلْقَى بِهَا الرَّحْمَنَ غَضْبَانَا فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَصْدًا بِضَرْبَتِهِ ... إلَّا لِيَصْلَى عَذَابَ الْخُلْدِ نِيرَانًا (بِخِلَافِ مَنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ، بِلَا تَأْوِيلٍ ك) . جَحْدِ (تَحْرِيمِ زِنًا أَوْ) جَحْدِ تَحْرِيمِ (لَحْمِ) مَيْتَةٍ مُجْمَعٍ عَلَى تَحْرِيمِهَا كَفَرَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِتَحْرِيمِهَا لَا يَكَادُ يَخْفَى (لَا) إنْ جَحَدَ تَحْرِيمَ (شَحْمِ الْخِنْزِيرِ) وَكُلْيَتِهِ وَكَبِدِهِ وَطِحَالِهِ؛ لِلِاخْتِلَافِ بِحِلِّ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ، بِخِلَافِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ؛ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، أَوْ جَحَدَ تَحْرِيمَ (حَشِيشَةٍ) كَفَرَ بِلَا نِزَاعٍ. (أَوْ) جَحَدَ (حِلَّ خُبْزٍ وَنَحْوِهِ) كَلَحْمِ مُذَكَّاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَالدَّجَاجِ (أَوْ شَكَّ فِيهِ) أَيْ فِي تَحْرِيمِ زِنًا وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ فِي حِلِّ خُبْزٍ وَنَحْوِهِ (وَمِثْلُهُ لَا يَجْهَلُهُ) لِكَوْنِهِ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ (أَوْ) كَانَ (يَجْهَلُهُ) مِثْلُهُ (وَعَرَفَ) حُكْمَهُ؛ (وَأَصَرَّ عَلَى الْجَحْدِ وَالشَّكِّ) ؛ كَفَرَ؛ لِمُعَانِدَتِهِ الْإِسْلَامَ؛ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ قَبُولِ الْأَحْكَامِ غَيْرَ قَابِلٍ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. (أَوْ سَجَدَ لِصَنَمٍ أَوْ كَوْكَبٍ) كَشَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ؛ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَكَ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. (وَيَتَّجِهُ السُّجُودُ لِلْحُكَّامِ وَالْمَوْتَى بِقَصْدِ الْعِبَادَةِ كَفْرٌ) قَوْلًا وَاحِدًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ (وَالتَّحِيَّةُ) لِمَخْلُوقٍ بِالسُّجُودِ لَهُ (كَبِيرَةٌ) مِنْ الْكَبَائِرِ الْعِظَامِ، وَالسُّجُودُ لِمَخْلُوقٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ (مَعَ الْإِطْلَاقِ) الْعَارِي عَنْ كَوْنِهِ لِخَالِقٍ أَوْ مِخْلَاقٍ (أَكْبَرُ إثْمًا وَأَعْظَمُ جُرْمًا إذْ السُّجُودُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ) . (أَوْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَسَائِطَ يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِمْ وَيَدْعُوهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ) كَفَرَ (إجْمَاعًا قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: أَوْ كَانَ مُبْغِضًا لِرَسُولِهِ أَوْ لِمَا جَاءَ بِهِ كَفَرَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَفِعْلِ عَابِدِي الْأَصْنَامِ قَائِلِينَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيَقْرَبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى (أَوْ أَتَى بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ صَرِيحٍ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ) الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ اسْتَهْزَأَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ كُتُبِهِ أَوْ رُسُلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66] قَالَ: فِي " الْمُغْنِي " وَالشَّرْحِ " وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي الْهَازِئِ بِذَلِكَ؛ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يُؤَدَّبَ أَدَبًا يَزْجُرُهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُكْتَفَ مِمَّنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّوْبَةِ؛ فَهَذَا أَوْلَى (أَوْ امْتَهَنَ الْقُرْآنَ الَّذِي صَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ ادَّعَى اخْتِلَافَهُ أَوْ اخْتِلَاقَهُ، أَوْ ادَّعَى الْقُدْرَةَ عَلَى مِثْلِهِ، أَوْ أَسْقَطَ حُرْمَتَهُ، كَفَرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وَقَوْلِهِ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: 88] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21] وَ (لَا) يُكَفَّرُ (مَنْ حَكَى كُفْرًا سَمِعَهُ وَلَا يَعْتَقِدُهُ) قَالَ: فِي " الْفُرُوعِ " وَلَعَلَّ هَذَا إجْمَاعٌ. وَفِي " الِانْتِصَارِ " مَنْ تَزَيَّا بِزِيِّ كُفْرٍ مِنْ لُبْسِ غِيَارٍ وَشَدِّ زُنَّارٍ وَتَعْلِيقِ صَلِيبٍ بِصَدْرِهِ؛ حَرُمَ، وَلَمْ يُكَفَّرْ (أَوْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ كُفْرٍ، وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهَا) فَلَا يُكَفَّرُ بِذَلِكَ، وَلَا مَنْ جَرَى الْكُفْرُ عَلَى لِسَانِهِ سَبْقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ؛ لِشِدَّةِ فَرَحٍ أَوْ دَهْشٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَقَوْلِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتِ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك فَقَالَ: غَلَطًا أَنْتِ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك لِحَدِيثِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ» . (وَإِنْ تَرَكَ مُكَلَّفٌ عِبَادَةً مِنْ الْخَمْسِ تَهَاوُنًا) مَعَ إقْرَارِهِ بِوُجُوبِهَا (لَمْ يُكَفَّرْ) سَوَاءٌ عَزَمَ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهَا أَبَدًا أَوْ عَلَى تَأْخِيرِهَا إلَى زَمَنٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ دُخُولَ النَّارِ. قَالَ: مُعَاذٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَخْبَرَ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: إذَنْ يَتَّكِلُوا، فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مَنْ أَتَى بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. وَلَوْ كَفَرَ بِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي مَشِيئَةِ الْغُفْرَانِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُغْفَرُ (إلَّا بِالصَّلَاةِ أَوْ بِشَرْطٍ لَهَا أَوْ رُكْنٍ لَهَا مُجْمَعٍ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ لَهَا (إذَا دَعَاهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ) إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي تَرَكَهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ شَرْطِهَا أَوْ رُكْنِهَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ (وَامْتَنَعَ) مِنْ فِعْلِهِ حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَ الصَّلَاةِ الَّتِي دُعِيَ لَهَا؛ فَيُكَفَّرُ (عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ) مُفَصَّلًا، وَيُسْتَتَابُ كَمُرْتَدٍّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا، فَإِنْ تَابَ بِفِعْلِهَا خُلِّيَ سَبِيلُهُ، وَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ كُفْرًا بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ وَدِعَايَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، أَوْ يُقْتَلُ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 مِنْ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا وَرُكْنِهَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ حَدًّا، لِمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ. (وَمَنْ اعْتَقَدَ قِدَمَ الْعَالَمِ، أَوْ اعْتَقَدَ حُدُوثَ الصَّانِعِ، أَوْ سَخِرَ بِوَعْدِ اللَّهِ أَوْ وَعِيدِهِ) فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِهْزَاءِ بِاَللَّهِ وَالْعِيَاذِ بِاَللَّهِ (أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ) ؛ أَيْ: تَدَيَّنَ (بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ) كَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ (أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ) أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُ؛ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] الْآيَةَ. (أَوْ قَالَ: قَوْلًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَضْلِيلِ الْأُمَّةِ) ؛ أَيْ: أُمَّةِ الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ (أَوْ كَفَّرَ الصَّحَابَةَ) بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ (فَهُوَ كَافِرٌ) ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلرَّسُولِ فِي قَوْلِهِ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ» ) وَغَيْرِهِ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْخَوَارِجِ وَنَحْوِهِمْ. (قَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ) وَكَذَا مَنْ اعْتَقَدَ أَنْ الْكَنَائِسَ بُيُوتُ اللَّهِ، أَوْ أَنَّهُ يُعْبَدُ (فِيهَا،) أَوْ أَنْ مَا يَفْعَلُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عِبَادَةٌ لِلَّهِ وَطَاعَةٌ لَهُ وَلِرَسُولِهِ، أَوْ أَنَّهُ يُحِبُّ ذَلِكَ، أَوْ (يَرْضَاهُ) فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ اعْتِقَادُهُ صِحَّةَ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ كُفْرٌ (أَوْ أَعَانَهُمْ عَلَى فَتْحِهَا) ؛ أَيْ: الْكَنَائِسِ (وَإِقَامَةِ دِينِهِمْ؛ وَ) اعْتَقَدَ (أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ أَوْ طَاعَةٌ) فَهُوَ كَافِرٌ لِتَضَمُّنِهِ اعْتِقَادَ صِحَّةِ دِينِهِمْ. وَقَالَ: الشَّيْخُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنْ زِيَارَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَنَائِسَهُمْ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ؛ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَإِنْ جَهِلَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عُرِّفَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَصَرَّ صَارَ مُرْتَدًّا؛ لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيبَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19] وَقَالَ: قَوْلُ الْقَائِلِ مَا ثَمَّ إلَّا اللَّهُ، إنْ أَرَادَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْإِلْحَادِ مِنْ أَنَّ مَا ثَمَّ مَوْجُودٌ إلَّا اللَّهُ، وَيَقُولُونَ إنَّ وُجُودَ الْخَالِقِ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ، وَالْخَالِقُ هُوَ الْمَخْلُوقُ، وَالْمَخْلُوقُ هُوَ الْخَالِقُ، وَالْعَبْدُ هُوَ الرَّبُّ، وَالرَّبُّ هُوَ الْعَبْدُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِهَا، فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا الْقَتْلُ. وَقَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (أَوْ) اعْتَقَدَ (أَنْ لِأَحَدٍ طَرِيقًا إلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِ مُتَابَعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ) أَوْ أَنَّ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ خُرُوجًا عَنْ اتِّبَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَخْذِ مَا بُعِثَ بِهِ (أَوْ قَالَ: أَنَا مُحْتَاجٌ إلَى مُحَمَّدٍ فِي عِلْمِ الظَّاهِرِ دُونَ عِلْمِ الْبَاطِنِ، أَوْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، أَوْ قَالَ: إنَّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ مَنْ يَسَعُهُ الْخُرُوجُ عَنْ شَرِيعَتِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كَمَا وَسِعَ الْخَضِرُ الْخُرُوجَ عَنْ شَرِيعَةِ مُوسَى) - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيبَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] أَوْ اعْتَقَدَ أَنْ غَيْرَ هَدْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلُ مِنْ هَدْيِهِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَخِفَّ بِالتَّوْرَاةِ (أَوْ) يَلْعَنَهَا، بَلْ مَنْ (لَعَنَ التَّوْرَاةَ) فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، وَحِينَئِذٍ فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْرَفُ أَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا؛ فَهَذَا يُقْتَلُ بِشَتْمِهِ لَهَا، وَ (لَا) يُكَفَّرُ بِشَتْمِهِ (مَا بِأَيْدِيهِمْ) ؛ أَيْ: الْيَهُودِ (الْآنَ مِنْهَا) بِمَا يُبَيِّنُ أَنَّ قَصْدَهُ ذِكْرُ تَحْرِيفِهَا مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: نُسَخُ هَذِهِ التَّوْرَاةِ مُبَدَّلَةٌ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهَا، وَمَنْ عَمِلَ الْيَوْمَ بِشَرَائِعِهَا الْمُبَدَّلَةِ وَالْمَنْسُوخَةِ؛ فَهُوَ كَافِرٌ، أَوْ لَعَنَ دِينَ الْيَهُودِ الَّذِينَ هُمْ عَلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ فَهَذَا الْكَلَامُ وَنَحْوُهُ لَا بَأْسَ عَلَى قَائِلِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (أَوْ زَعَمَ أَنْ اللَّهَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ مُخْتَلِطًا بِالْمَخْلُوقَاتِ) يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ (أَوْ قَالَ: إنَّ) قَوْله تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] بِمَعْنَى قَدَّرَ فَإِنَّ اللَّهَ مَا قَدَّرَ شَيْئًا إلَّا وَقَعَ وَجَعَلَ (عُبَّادَ الْأَصْنَامِ مَا عَبَدُوا [إلَّا] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 اللَّهَ) فَإِنَّ هَذَا الْمُعْتَقَدَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كُفْرًا بِالْكُتُبِ كُلِّهَا، لِتَكْذِيبِهِ لَهَا فِيمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ ثُبُوتِ وَحْدَانِيِّتِهِ تَعَالَى، بَلْ مَعْنَى قَضَى هُنَا أَوْجَبَ، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَذِهِ الْفِرَقِ وَأَفْسَدَ كَثِيرًا مِنْ عَقَائِدِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ. (أَوْ ادَّعَى أُلُوهِيَّةَ عَلَيَّ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَالنُّصَيْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِحُلُولِ الْإِلَهِ فِيهِ وَبِالتَّنَاسُخِ وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَأَنَّ جَنَّةَ الْإِنْسَانِ الْمَعِيشَةُ الْهَنِيَّةُ وَنَارَهُ هِيَ الْمَعِيشَةُ الرَّزِيَّةُ، وَأَنَّ لَيَالِيَ رَمَضَانَ أَسْمَاءُ ثَلَاثِينَ امْرَأَةً، هُنَّ فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ وَفُلَانَةُ وَأَيَّامُهُ أَسْمَاءُ لِثَلَاثِينَ رَجُلًا هُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَأَنَّ الْخَمْرَ مُبَاحٌ شُرْبُهَا، وَيَلْعَنُونَ مَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْهَذَيَانَاتِ الَّتِي هِيَ صَرِيحَةٌ بِكُفْرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ (أَوْ ادَّعَى نُبُوَّتَهُ) ؛ أَيْ: عَلَيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أَوْ) ادَّعَى (أَنْ جِبْرِيلَ) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (غَلَطَ) كَغُلَاةِ الرَّوَافِضِ؛ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ نَصَّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، بَلْ لَا شَكَّ فِي كُفْرِ مَنْ تَوَقَّفَ فِي تَكْفِيرِهِ. (أَوْ) ؛ أَيِّ: وَكَذَلِكَ مَنْ زَعَمَ (أَنْ الْقُرْآنَ نَقَصَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ كُتِمَ مِنْهُ شَيْءٌ وَأَنَّ لَهُ تَأْوِيلَاتٌ بَاطِنَةٌ تُسْقِطُ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ) مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَزَكَاةٍ وَغَيْرِهَا (كَالْقَرَامِطَةِ وَهِيَ الْبَاطِنِيَّةُ) الْقَائِلُونَ إنَّ اللَّهَ احْتَجَبَ بِالْحُكْمِ بِأَمْرِ اللَّهِ، كَمَا احْتَجَبَ بِالشَّجَرَةِ حِينَ كَلَّمَ مُوسَى، وَهُوَ أَحَقُّ بِأَنْ يَنْطِقَ الْبَارِّي عَلَى لِسَانِهِ، وَيُظْهِرُ لِلْعَالَمِينَ قُدْرَتَهُ، وَيَحْتَجِبُ عَنْهُمْ فِيهِ فَلَمَّا حَلَّ فِيهِ صَارَ هُوَ هُوَ، وَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ الْقُرْآنَ وَأَنَّ الْقُرْآنَ لَهُ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ، مَنْ قَالَ: بِظَاهِرِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَالصَّلَاةُ هِيَ الْعَهْدُ الْمَأْلُوفُ، وَسُمِّيَتْ صَلَاةً؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ بَيْنَ الْمُسْتَجِيبِينَ وَبَيْنَ الْحَاكِمِ، فَالصَّلَاةُ الْحَقِيقِيَّةُ صِلَةُ الْقُلُوبِ بِتَوْحِيدِ الْحَاكِمِ، فَمَنْ تَرَكَ تَوْحِيدَهُ فَقَدْ كَفَرَ وَالزَّكَاةُ هِيَ وِلَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَقَدْ أَسْقَطَهَا الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ تَوْحِيدُهُ. وَقَالُوا: الصَّوْمُ هُوَ الصَّمْتُ، وَالْحَجُّ تَوْحِيدُهُ، وَالْجِهَادُ هُوَ فِي الْحَشْوِيَّةِ النَّوَاصِبُ، وَفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 الْحَقِيقَةِ بَذْلُ الْجَهْدِ فِي تَوْحِيدِ الْحَاكِمِ وَالنَّاطِقُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْأَسَاسُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ نَسَخَ الْحَاكِمُ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ بِالْكَمَالِ، وَالْعَرْشُ هُوَ عِلْمُ التَّوْحِيدِ، وَالْعَذَابُ الْأَلِيمُ تَجْدِيدُ الظَّاهِرِ فِي الْقُلُوبِ، وَقَالُوا: إنَّ الْبَارِيَ أَظْهَرَ مِنْ نُورِهِ صُورَةً كَامِلَةً، سَمَّاهَا الْعَقْلَ وَهُوَ عِلَّةُ الْعِلَلِ، وَهُوَ السَّابِقُ الْحَقِيقِيُّ؛ لِأَنَّهُ هُيُولِيٌّ كُلِّ شَيْءٍ وَبِهِ تَكْوِينُهُ، فَسَأَلَ الْعَقْلُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ مُعِينًا عَلَى الضِّدِّ الْمُخَالِفِ - وَهُوَ إبْلِيسُ - فَأَبْدَعَ لَهُ الشَّوْقَ وَهُوَ التَّالِي، وَجَعَلَهُ سَامِعًا لِلسَّابِقِ مُطِيعًا لِأَمْرِهِ، وَقَالُوا إنَّ: الْحَاكِمَ مُعْلٍ عِلَّةَ الْعِلَلِ، يَظْهَرُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فِي صُورَةٍ بَشَرِيَّةٍ وَصِفَةٍ مَرْئِيَّةٍ كَيْف شَاءَ حَيْثُ يَشَاءُ، وَهُوَ مُبْدِعُ الْإِبْدَاعِ، وَخَالِقُ الْأَنْوَاعِ، مُنَزَّهٌ عَنْ الصِّفَاتِ وَالْمُبْدَعَاتِ، لَا تُحِيطُ بِهِ الْجِهَاتُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى وَصْفِهِ اللُّغَاتُ، بَلْ هُوَ مَعْبُودُ جَمِيعِ الْأَنَامِ، وَهُوَ الصُّورَةُ الْمَرْئِيَّةُ الظَّاهِرَةُ لِخَلْقِهِ بِالْبَشَرِيَّةِ، الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَالِمِ الْحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَى جَمِيعِ النُّطَقَاءِ، وَيَسْتَعْبِدُهُمْ تَحْتَ حُكْمِهِ وَسُلْطَانِهِ، ثُمَّ نَسَخَ جَمِيعَ الشَّرَائِعِ؛ لِأَنَّهَا مُنْكَرَاتٌ قَالَ: لِمُحَمَّدٍ: وَإِنَّهُ عَنْ الْمُنْكَرِ يَعْنِي الشَّرِيعَةَ، وَأَرْسَلَ حَمْزَةَ، وَسَمَّاهُ هَادِيَ الْمُسْتَجِيبِينَ، يَهْدِي الْعَالَمَ إلَى دِينِ الْحَقِّ، وَهُوَ دِينُ الْحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَفْظُ الْجَلَالَةِ كَيْف مَا وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ هِيَ لَاهُوتُ الْحَاكِمِ وَلَفْظُ الرَّسُولِ هُوَ حَمْزَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ أَحْمَدَ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ ذُو معة؛ لِأَنَّهُ وِعَاءُ تَوْحِيدِ الْحَاكِمِ، وَإِنَّ الْحَاكِمَ يَظْهَرُ فِي سَبْعِينَ عَصْرًا، وَظُهُورُهُ فِي النَّاسُوتِ الْبَشَرِيِّ دَلِيلٌ عَلَى تَغْيِيرِ الشَّرِيعَةِ، وَإِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ، وَإِظْهَارُهُ الشَّرِيعَةَ الشَّرِيفَةَ الرُّوحَانِيَّةَ عَلَى يَدِ عَبْدِهِ حَمْزَةَ، وَقَالُوا: النَّارُ عِلْمُ الْحَقِيقَةِ، وَالْجَنَّةُ الدَّعْوَةُ التَّوْحِيدِيَّةُ، وَالنُّطَقَاءُ هُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَلِكُلِّ نَاطِقٍ أَسَاسٌ، وَخَاتَمُ النُّطَقَاءُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ خَتَمَ الشَّرَائِعَ، وَتَمَّمَهَا، وَنَسَخَ جَمِيعَ الشَّرَائِعِ، فَلَا يَكُونُ بَعْدَهُ شَرِيعَةٌ تَكْلِيفِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الشَّرَائِعَ كُلَّهَا تَدْعُوَا إلَى عِبَادَةِ الْعَدَمِ، وَكَذَلِكَ ظَهَرَ الْحَاكِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ بِالصُّورَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَسَمَّى نَفْسَهُ بِالْقَائِمِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلَ مَا ظَهَرَ لِخَلْقِهِ بِالْمُلْكِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 وَالْبَشَرِيَّةِ وَالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ حَتَّى يُعْرَفَ وَلَا يُنْكَرُ، وَيُطَاعَ وَلَا يُكْفَرَ، وَأَرْسَلَ عَبْدَهُ حَمْزَةَ، وَسَمَّاهُ هَادِيَ الْمُسْتَجِيبِينَ، الْمُنْتَقِمَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ كِتَابٍ لَهُمْ مَرْسُومٍ بِكَشْفِ الْحَقَائِقِ. وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة هُمْ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الْأَمَانَةَ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرَ الصَّادِقِ، وَمِنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّ اللَّهَ لَا مَوْجُودَ وَلَا مَعْدُومَ وَلَا عَالِمَ وَلَا جَاهِلَ، وَلَا قَادِرَ وَلَا عَاجِزَ، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِثْبَاتَ لِحَقِيقِيَّتِهِ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْجُودَاتِ وَهُوَ تَشْبِيهٌ، وَالنَّفْيُ الْمُطْلَقُ يَقْتَضِي مُشَارَكَتَهُ لِلْمَعْدُومَاتِ، وَهُوَ تَعْطِيلٌ، بَلْ هُوَ وَاهِبُ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَرَبُّ الْمُتَضَادَّاتِ انْتَهَى مِنْ تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ. وَكَذَا الدُّرُوزُ والتيامنة الَّذِينَ يَنْتَحِلُونَ عَقَائِدَ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ، وَجَمِيعُ الطَّوَائِفِ الْمَذْكُورُونَ زَنَادِقَةٌ مَلَاحِدَةٌ مُتَقَارِبُونَ فِي الِاعْتِقَادِ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ مِثْلُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ كُفْرًا مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ فَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ بِجِزْيَةٍ وَلَا بِغَيْرِ جِزْيَةٍ وَلَا فِي حُصُونِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُمْ أَشَدُّ كُفْرًا مِنْ الْمُرْتَدِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ تَنَاسُخَ الْأَرْوَاحِ، وَحُلُولَ الْإِلَهِ فِي عَلِيٍّ وَالْحَاكِمِ، وَقَالَ: لَيْسَ هُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ، بَلْ بِمَنْزِلَةِ الْكُفْرِ وَالصَّابِئِينَ؛ فَيُبَاحُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ، وَسَبْيُ نِسَائِهِمْ - لَا افْتِرَاشُهَا - لِأَنَّهُمْ زَنَادِقَةٌ فُجَّارٌ، لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ، بَلْ يُقْتَلُونَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا، وَيُلْعَنُونَ كَمَا وُصِفُوا، وَلَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُمْ لِلْحِرَاسَةِ وَالْبِوَابَةِ؛ وَيَجُوزُ قَتْلُ عُلَمَائِهِمْ وَصُلَحَائِهِمْ لِئَلَّا؛ يُضِلُّوا غَيْرَهُمْ، وَيَحْرُمُ النَّوْمُ مَعَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَرُفْقَتُهُمْ وَالْمَشْيُ مَعَهُمْ وَتَشْيِيعُ جَنَائِزِهِمْ إذَا عُلِمَ مَوْتُهَا، وَيَحْرُمُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ إضَاعَةُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ انْتَهَى. وَقَالَ: فِي الِانْتِصَارِ: مَالُ كَافِرٍ مُصَالِحٍ مُبَاحٌ بِطِيبِ نَفْسِهِ، وَالْحَرْبِيُّ مُبَاحٌ أَخْذُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ. (أَوْ قَذَفَ عَائِشَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ) مِنْهُ؛ كُفْرٌ بِلَا خِلَافٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ (وَفِي قَذْفِ غَيْرِهَا مِنْ نِسَائِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلَانِ؛ صَحَّحَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (أَنَّهُ كَهُوَ) ؛ أَيْ كَقَذْفِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالثَّانِي أَنَّهُ كَسَبِّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، لِعَدَمِ نَصٍّ خَاصٍّ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلَّ كَوْنِ قَذْفِ إحْدَى نِسَائِهِ الطَّاهِرَاتِ غَيْرَ عَائِشَةَ (فِي حَيَاتِهِ خَاصَّةً لِتَنْقِيصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْغَضَاضَةِ وَالْعَارِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهَذَا مَفْقُودٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَذَا قَالَ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ وُقُوعِ ذَلِكَ، فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ كَذَا قَالَ: مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبُ الِاحْتِرَامِ حَيًّا وَمَيِّتًا، بَلْ جُرْمُ مُتَنَقَّصِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَعْظَمُ مِنْ جُرْمِ مَنْ تَنَقَّصَهُ فِي حَيَاتِهِ؛ إذْ يُمْكِنُ فِي حَيَاتِهِ الْعَفْوُ عَمَّنْ فَرَطَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْعَفْوُ مُتَعَذَّرٌ وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَذَاهُ بِقَذْفِ نِسَائِهِ الطَّاهِرَاتِ أَعْظَمُ مِنْ أَذَاهُ بِنِكَاحِهِنَّ بَعْدَهُ (أَوْ زَعَمَ أَنْ الصَّحَابَةَ ارْتَدُّوا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا نَفَرًا قَلِيلًا لَا يَبْلُغُونَ بِضْعَةَ عَشْرَ) نَفْسًا (أَوْ زَعَمَ أَنَّهُمْ فَسَقَوْا، كَفَرَ فِي الْكُلِّ) ؛ أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِمَا نَصَّهُ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الرِّضَا عَنْهُمْ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، بَلْ مَنْ شَكَّ فِي مِثْلِ هَذَا فَكُفْرُهُ مُتَعَيَّنٌ فَإِنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنَّ نَقَلَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كُفَّارٌ أَوْ فُسَّاقٌ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ الَّتِي هِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَخَيْرُهَا هُوَ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ كَانَ عَامَّتُهُمْ كُفَّارًا أَوْ فُسَّاقًا، وَمَضْمُونُهَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ شَرُّ الْأُمَمِ، وَأَنَّ سَابِقِي هَذِهِ الْأُمَّةِ هُمْ شِرَارُهَا، وَكُفْرُ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. (قَالَ: الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (فِي) كِتَابِهِ (الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ) وَقَالَ: وَلِهَذَا تَجِدُ عَامَّةَ مَنْ ظَهَرَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ؛ فَإِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ، وَعَامَّةُ الزَّنَادِقَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 إنَّمَا يَسْتَتِرُونَ بِمَذْهَبِهِمْ؛ وَقَدْ ظَهَرَتْ لِلَّهِ فِيهِمْ مُثُلَاتٌ وَتَوَاتَرَ النَّقْلُ بِأَنَّ وُجُوهَهُمْ تُمْسَخُ خَنَازِيرَ فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ انْتَهَى. (وَكَذَا مَنْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ) بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَقَدْ كَفَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} [التوبة: 40] فَإِنْكَارُ صُحْبَتِهِ تَكْذِيبٌ لِلَّهِ، وَكَذَا يَكْفُرُ مُنْكِرُ صُحْبَتِهِ نَحْوَ عُمَرَ كَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ؛ لِتَكْذِيبِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَحَابِيَّتِهِ، وَلِأَنَّهُ يَعْرِفُهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ، فَنَافِي صَحَابِيَّتِهِ أَحَدِهِمْ مُكَذِّبٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [تَتِمَّةٌ سَبَّ الصَّحَابَةَ سَبَّا لَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمْ وَلَا دِينِهِمْ] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ سَبَّا لَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمْ وَلَا دِينِهِمْ مِثْلُ مَنْ وَصَفَ بَعْضُهُمْ بِبُخْلٍ أَوْ جُبْنٍ أَوْ قِلَّةِ عِلْمٍ أَوْ عَدَمِ زُهْدٍ وَنَحْوِهِ؛ فَهَذَا يَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ وَالتَّعْزِيرَ، وَلَا يُكَفَّرُ، وَأَمَّا مَنْ لَعَنَ وَقَبَّحَ مُطْلَقًا، فَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ أَعْنِي هَلْ يُكَفَّرُ أَوْ يُفَسَّقُ؟ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي كُفْرِهِ وَقَتْلِهِ، وَقَالَ: يُعَاقَبُ وَيُجْلَدُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ، وَفِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ يَسْتَحِقُّ عُقُوبَةً بَلِيغَةً بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. (أَوْ شُفِعَ عِنْدَهُ) فِي رَجُلٍ فَقَالَ: " لَوْ جَاءَ النَّبِيُّ " - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِيَشْفَعَ فِيهِ مَا قَبِلْت مِنْهُ؛ كَفَرَ وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِ قَائِلِ ذَلِكَ (إنْ قَالَهُ اسْتِخْفَافًا) بِمَقَامِهِ الرَّفِيعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتُوبَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَوْ قَبْلَهَا فَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ قُتِلَ (لَا) إنْ تَابَ قَبْلَهَا. أَوْ قَالَ ذَلِكَ (لِلتَّأْكِيدِ) دُونَ الِاسْتِخْفَافِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُكَفَّرُ، وَلَا يُقْتَلُ كَالْمُحَارِبِ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ أَفَادَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 [فَصْلٌ فِي مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا] فَصْلٌ (فَمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا - وَلَوْ أُنْثَى - دُعِيَ إلَيْهِ وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا) رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رَجُلٌ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ هَلْ كَانَ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، فَقَالَ: مَا فَعَلْتُمْ بِهِ؟ قَالَ: قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ قَالَ عُمَرُ: فَهَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا وَأَسْقَيْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ أَوْ يُرَاجِعُ اللَّهَ؟ اللَّهُمَّ إنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ، وَلَمْ أَرْضَ إذْ بَلَغَنِي وَلَوْ لَمْ تَجِبْ الِاسْتِتَابَةُ لَمَا بَرِئَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَأَحَادِيثُ الْأَمْرِ بِقَتْلِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُضَيَّقَ عَلَيْهِ) مُدَّةَ الِاسْتِتَابَةِ (وَيُحْبَسَ) لِقَوْلِ عُمَرَ فَهَلَّا حَبَسْتُمُوهُ، وَلِئَلَّا يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَيَنْبَغِي أَنْ تُكَرَّرَ دِعَايَتُهُ، لَعَلَّهُ يُرَاجِعُ دِينَهُ (فَإِنْ تَابَ لَمْ يُعَزَّرْ) وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ لِأَنَّ فِيهِ تَنْفِيرًا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ (وَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى رِدَّتِهِ (قُتِلَ بِالسَّيْفِ، وَلَا يُحْرَقُ بِالنَّارِ) لِحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَحَدِيث: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» يَعْنِي النَّارَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد. (وَلَا يُقْتَلُ رَسُولُ كُفَّارٍ مُرْتَدٌّ بِدَلِيلِ رَسُولَيْ مُسَيْلِمَةَ) الْكَذَّابِ حَارَبَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقُتِلَ عَلَى يَدِ وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَقُولُ: قَتَلْت خَيْرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ -؛ أَيْ: جَاهِلِيَّتِهِ - وَشَرَّهَا فِي الْإِسْلَامِ الْكَذَّابَ مُسَيْلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ، - وَهُمَا ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أَثَالٍ جَاءَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقْتُلْهُمَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 (وَلَا يَقْتُلُ الْمُرْتَدَّ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَكَانَ إلَى الْإِمَامِ كَرَجْمِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» لِأَنَّ قَتْلَ الْمُرْتَدِّ لِكُفْرِهِ لَا حَدًّا (فَإِنْ قَتَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَدَّ (غَيْرُهُمَا) ؛ أَيْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا (أَسَاءَ وَعُزِّرَ) لِافْتِئَاتِهِ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ. (وَلَا ضَمَانَ) بِقَتْلِ مُرْتَدٍّ (وَلَوْ كَانَ) قَتْلُهُ (قَبْلَ اسْتِتَابَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ، وَرِدَّتُهُ أَبَاحَتْ دَمَهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَهَا (أَوْ) كَانَ الْمَقْتُولُ (مُمَيِّزًا) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ الضَّمَانُ بِدَلِيلِ نِسَاءِ حَرْبٍ وَذُرِّيَّتِهِمْ (إلَّا أَنْ يَلْحَقَ) الْمُرْتَدُّ (بِدَارِ حَرْبٍ ف) يَجُوزُ (لِكُلِّ أَحَدٍ قَتْلُهُ) بِلَا اسْتِتَابَةٍ (وَأَخْذُ مَا مَعَهُ) مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ صَارَ حَرْبِيًّا، وَمَا تَرَكَهُ بِدَارِنَا مَعْصُومٌ نَصَّ عَلَيْهِ، وَالطِّفْلُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونُ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِنَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَلَا إسْلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ، فَإِنْ ارْتَدَّ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يُقْتَلْ فِي حَالِ جُنُونِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَإِنْ أَفَاقَ اُسْتُتِيبَ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. (وَمَنْ أَطْلَقَ الشَّارِعُ) ؛ أَيْ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كُفْرَهُ كَدَعْوَاهُ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَمَنْ أَتَى عَرَّافًا) وَهُوَ الَّذِي يَحْدُسُ وَيَتَخَرَّصُ (فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَهُوَ تَشْدِيدٌ) وَتَأْكِيدٌ (لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ) ؛ أَيْ: وَقِيلَ (كُفْرُ نِعْمَةٍ أَوْ قَارَبَ الْكُفْرَ أَوْ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ) نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَعَنْهُ يَجِبُ الْوَقْفُ وَلَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يُنْقَلُ عَنْ الْمِلَّةِ (وَنَصَّ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْكُفْرِ دُونَ بَعْضٍ) وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» ؛ أَيْ: جَحَدَ تَصْدِيقَهُ بِكَذِبِهِمْ؛ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى هَذَا إذَا اعْتَقَدَ تَصْدِيقَهُمْ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرًا حَقِيقَةً انْتَهَى. (وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ جَوَازُ إطْلَاقِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ عَلَى بَعْضِ الذُّنُوبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 الَّتِي لَا تُخْرِجُ عَنْ الْمِلَّةِ) وَأَنْكَرَ الْقَاضِي جَوَازَ إطْلَاقِ اسْمِ كُفْرِ النِّعْمَةِ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ": وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ، وَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَقَّى الْكَلَامَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ النُّصُوصِ تَوَرُّعًا، وَيَمُرُّ بِهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تُخْرِجُ عَنْ الْمِلَّةِ. (وَيَصِحُّ إسْلَامُ مُمَيِّزٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (عَقَلَهُ) ؛ أَيْ: الْإِسْلَامَ؛ بِأَنْ عَلِمَ أَنْ اللَّهَ تَعَالَى رَبُّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً؛ لِإِسْلَامِ عَلِيٍّ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، وَعُدَّ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ وَسَبْقِهِ، وَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا صَبِيًّا مَا بَلَغْت أَوَانَ حُلُمِي وَيُقَالُ: إنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الصِّبْيَانِ، وَمِنْ الرِّجَالِ أَبُو بَكْرٍ، وَمِنْ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وَمِنْ الْعَبِيدِ بِلَالٌ. وَقَالَ عُرْوَةُ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَهُمَا ابْنَا ثَمَانِ سِنِينَ. وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» . وَالصَّبِيُّ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَصَحَّتْ مِنْ الصَّبِيِّ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، وَلِأَنَّ اللَّهَ دَعَا إلَى دَارِ السَّلَامِ، وَجَعَلَ طَرِيقَهَا الْإِسْلَامَ؛ فَلَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ مِنْ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ وَسُلُوكِ طَرِيقِهَا. لَا يُقَالُ الْإِسْلَامُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي مَالِهِ، وَنَفَقَةَ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ، وَحِرْمَانَ مِيرَاثِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ، وَفَسْخَ نِكَاحِهِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ نَفْعٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ مُحْصِنَةٌ لِلْمَالِ، وَالْمِيرَاثُ وَالنَّفَقَةُ أَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ، وَذَلِكَ مَجْبُورٌ بِحُصُولِ الْمِيرَاثِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَسُقُوطِ نَفَقَةِ أَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الضَّرَرَ مَغْمُورٌ فِي جَنْبِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ سَعَادَةِ الدَّارَيْنِ. (وَتَصِحُّ رِدَّتُهُ) ؛ أَيْ: الْمُمَيِّزِ (فَإِنْ أَسْلَمَ) وَهُوَ يَعْقِلُهُ (حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُفَّارٍ) صَوْنًا لَهُ؛ لِضَعْفِ عَقْلِهِ فَرُبَّمَا أَفْسَدُوهُ (فَإِنْ قَالَ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَمْ أُرِدْ مَا قُلْت فَكَمَا لَوْ ارْتَدَّ) ؛ أَيْ: لَمْ يَبْطُلْ إسْلَامُهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَيَكُونُ كَالْبَالِغِ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ. (وَلَا يُقْتَلُ هُوَ) ؛ أَيْ: الْمُمَيِّزُ حَيْثُ ارْتَدَّ (وَلَا سَكْرَانُ إنْ ارْتَدَّ حَتَّى يُسْتَتَابَا) ؛ أَيْ: الصَّغِيرُ (بَعْدَ بُلُوغِهِ وَ) السَّكْرَانُ (بَعْدَ صَحْوِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِأَنَّ الْبُلُوغَ وَالصَّحْوَ أَوَّلُ زَمَنٍ صَارَا فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ حَتَّى يَحْتَلِمَ لِلْخَبَرِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَلِأَنَّ الْحَدَّ شُرِعَ لِلزَّجْرِ، وَلَا يَحْصُلُ الزَّجْرُ فِي حَالِ سُكْرِهِ. (وَإِنْ مَاتَ) مَنْ ارْتَدَّ وَهُوَ سَكْرَانُ (فِي سُكْرٍ) ؛ أَيْ: قَبْلَ أَنْ يَصْحُوَ مَاتَ كَافِرًا؛ لِمَوْتِهِ قَبْلَ تَوْبَتِهِ، فَلَا يَرِثُهُ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ، وَلَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَنُ مَعَنَا (أَوْ) مَاتَ مُمَيِّزٌ ارْتَدَّ (قَبْلَ بُلُوغٍ) وَقَبْلَ تَوْبَتِهِ (مَاتَ كَافِرًا) لِمَوْتِهِ فِي الرِّدَّةِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ) السَّكْرَانُ وَلَوْ أَصْلِيًّا (فِي حَالِ سُكْرِهِ) ، صَحَّ إسْلَامُهُ، ثُمَّ يُسْأَلُ بَعْدَ صَحْوِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى إسْلَامِهِ حَالَ سُكْرِهِ، فَيَقْضِي الصَّلَاةَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَفَرَ فَهُوَ كَافِرٌ مِنْ حِينِ كُفْرِهِ بَعْدَ صَحْوِهِ فَيُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) قَوِيٌّ مَحِلَّ صِحَّةِ إسْلَامِهِ إنْ ارْتَدَّ فِي حَالِ سُكْرِهِ لَا إنْ حَصَلَتْ مِنْهُ الرِّدَّةُ فِي حَالِ عَقْلِهِ ثُمَّ سَكِرَ بِشُرْبِهِ مُحَرَّمًا عَمْدًا؛ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ حَتَّى يَصْحُوَ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكْمُلْ عَقْلُهُ وَلَا يُدْرِكُ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ إذَا أَسْلَمَ فِي سُكْرِهِ؛ فَيَصِحُّ مِنْهُ، وَيُؤْمَرُ بَعْدَ صَحْوِهِ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا تُقْبَلُ فِي) أَحْكَامِ (الدُّنْيَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ) بِحَيْثُ يُتْرَكُ قَتْلُهُمْ وَتَثْبُتُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ (تَوْبَةُ زِنْدِيقٍ وَهُوَ الْمُنَافِقُ الَّذِي يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: 160] وَالزِّنْدِيقُ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ عَلَى مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ رُجُوعُهُ وَتَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّ الزِّنْدِيقَ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ خِلَافُ مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفِي الْكُفْرَ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَلْبُهُ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَكُونُ لِمَا قَالَهُ حُكْمٌ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَدْفِعُ الْقَتْلَ بِإِظْهَارِ التَّوْبَةِ فِي ذَلِكَ. وَالْمَشْهُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ الزِّنْدِيقَ هُوَ الَّذِي لَا يَتَمَسَّكُ بِشَرِيعَةٍ، وَيَقُولُ بِدَوَامِ الدَّهْرِ. وَالْعَرَبُ تُعَبِّرُ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِمْ: مُلْحِدٌ؛ أَيْ: طَاعِنٌ فِي الْأَدْيَانِ. (وَلَا) تُقْبَلُ فِي الدُّنْيَا تَوْبَةُ (مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} [آل عمران: 90] (وَيَتَّجِهُ أَقَلُّهُ) ؛ أَيْ: أَقَلُّ مَا يَثْبُتُ بِهِ تَكْرَارُ الِارْتِدَادِ (ثَلَاثًا) ؛ أَيْ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (ك) ثُبُوتِ (عَادَةِ حَائِضٍ) بِتَكْرَارِ ثَلَاثٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا} [النساء: 137] وَالِازْدِيَادُ يَقْتَضِي كُفْرًا مُتَجَدِّدًا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْإِيمَانِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ تَكْرَارَ رِدَّتِهِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 (أَوْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرِيحًا) ؛ أَيْ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ؛ لِعِظَمِ ذَنْبِهِ جِدًّا، فَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ، (أَوْ) سَبَّ (رَسُولًا أَوْ مَلِكًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِلَّهِ تَعَالَى: (أَوْ تَنَقَّصَهُ) ؛ أَيْ: اللَّهَ تَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ أَوْ وَاحِدًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ؛ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِاسْتِخْفَافِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (أَوْ) ؛ أَيْ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ سَاحِرٍ (كَفَرَ بِسِحْرِهِ) كَاَلَّذِي يَرْكَبُ الْمِكْنَسَةَ فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ؛ لِمَا رَوَى جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، فَسَمَّاهُ حَدًّا، وَالْحَدُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى إخْلَاصِهِ فِي تَوْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُضْمِرُ السِّحْرَ وَلَا يَجْهَرُ بِهِ، فَيَكُونُ إظْهَارُهُ لِلْإِسْلَامِ وَالتَّوْبَةِ خَوْفًا مِنْ الْقَتْلِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ. (وَكَالْحُلُولِيَّةِ) وَالْمُبَاحِيَّةِ، وَكَمَنْ يُفَضِّلُ مَتْبُوعَهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَالزَّاعِمِ أَنَّهُ إذَا حَصَلَتْ لَهُ الْمَعْرِفَةُ وَالتَّحْقِيقُ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ؛ أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَارِفَ الْمُحَقِّقَ يَجُوزُ لَهُ التَّدَيُّنُ بِدِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ الْمَارِقِينَ مِنْ الدِّينِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ فِي الظَّاهِرِ (وَيُقْتَلُونَ بِكُلِّ حَالٍ) كَالْمُنَافِقِينَ وَأَوْلَى (وَمَنْ صَدَقَ مِنْهُمْ فِي تَوْبَتِهِ) قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ بَاطِنًا (وَنَفَعَتْهُ فِي الْآخِرَةِ) (وَمَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ مِنْ الْبِدَعِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَلَوْ كَانَ دَاعِيَةً إلَى بِدْعَتِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ) وَمَنْ أَظْهَر الْخَيْرَ وَأَبْطَنَ الْفِسْقَ فَهُوَ كَزِنْدِيقٍ فِي تَوْبَتِهِ لِمُؤَاخَذَتِهِ بِالْبَاطِنِ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ ظَاهِرًا لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: بِإِظْهَارِ الْخَيْرِ وَإِبْطَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 الْفِسْقِ، لِأَنَّهُ كَالْمُنَافِقِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [تَتِمَّةٌ قَبُولُ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ] تَتِمَّةٌ: وَتُقْبَلُ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ لِحَدِيثِ «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» فَلَوْ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَعُفِيَ عَنْهُ فَهَلْ يُطَالِبُهُ الْمَقْتُولُ فِي الْآخِرَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَتْلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ. حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَحَقٌّ لِلْمَقْتُولِ، وَحَقٌّ لِلْوَلِيِّ، فَإِذَا أَسْلَمَ الْقَاتِلُ نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا إلَى الْوَلِيِّ نِدَامًا عَلَى مَا فَعَلَ، وَخَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْبَةً نَصُوحًا؛ سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ، وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الصُّلْحِ أَوْ الْعَفْوِ، وَبَقِيَ حَقُّ الْمَقْتُولِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيمَةِ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ، وَيُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجِنَايَاتِ. [فَصْلٌ تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ وَالْكَافِرِ الْإِتْيَانُ بِالشَّهَادَتَيْنِ] فَصْلٌ (وَتَوْبَةُ مُرْتَدٍّ) إتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ (وَ) تَوْبَةُ (كُلِّ كَافِرٍ) مِنْ كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (إتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ) ؛ أَيْ: قَوْلُهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَنِيسَةَ فَإِذَا؛ بِيَهُودِيٍّ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ التَّوْرَاةَ، فَقَرَأَ حَتَّى أَتَى عَلَى صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ صِفَتُك وَصِفَةُ أُمَّتِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: لَوْ أَخَاكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ أَبِي صَخْرٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: «حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الْأَعْرَابِ قَالَ جَلَبْت حَلُوبَةً إلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا فَرَغْت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 مِنْ بَيْعَتِي قُلْت: لَأَلْقِيَنَّ هَذَا الرَّجُلَ فَلَأَسْمَعَنَّ مِنْهُ، فَلَقِيتُهُ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ، فَتَبِعْتُهُمْ فِي أَقْفَائِهِمْ حَتَّى أَتَوْا عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ نَاشِرًا التَّوْرَاةَ يَقْرَأهَا يُعَزِّي نَفْسَهُ عَنْ ابْنٍ لَهُ فِي الْمَوْتِ كَأَحْسَنِ الْفِتْيَانِ وَأَجْمَلِهَا؛ فَقَالَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْشُدُكَ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِك ذَا صِفَتِي وَمَخْرَجِي؟ فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا، أَيْ لَا قَالَ: فَقَالَ ابْنُهُ إي وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ إنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِنَا صِفَتَك وَمَخْرَجَك، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَقِيمُوا الْيَهُودَ عَنْ أَخِيكُمْ، ثُمَّ وَلِيَ كَفَنَهُ وَدَفْنَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ ، فَجَعَلَهُ أَخًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَوَلِيَ كَفَنَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا كَالْمُسْلِمِ، فَإِذَا أَتَى الْكَافِرُ وَالْمُرْتَدُّ بِهِمَا ثَبَتَ إسْلَامُهُ، وَانْتَفَى كُفْرُهُ وَرِدَّتُهُ، وَيَكْفِي ذَلِكَ الْقَوْلُ لِعَدَمِ زِيَادَةِ النَّصِّ عَلَيْهِ وَالْحَلُوبَةُ: الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ الْوَاحِدَةُ مِنْهُ فَصَاعِدًا. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) إتْيَانُهُ (بِصَلَاةِ رَكْعَةٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا» الْخَبَرَ، لِأَنَّهَا رُكْنٌ يَخْتَصُّ بِهِ الْإِسْلَامُ؛ فَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ كَالشَّهَادَتَيْنِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ: وَلَا يَثْبُتُ الْإِسْلَامُ حَتَّى يَأْتِيَ بِصَلَاةٍ تَتَمَيَّزُ عَنْ صَلَاةِ الْكُهَّانِ، وَلَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ. وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَرْتِيبٌ لِلشَّهَادَتَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، بَلْ لَوْ شَهِدَ بِالرِّسَالَةِ ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ وَأَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ تَلْزَمُ (مُوَالَاةٌ فِيهِمَا) أَيْ؛ الشَّهَادَتَيْنِ بَلْ لَوْ أَتَى بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ سَكَتَ أَوْ تَكَلَّمَ بِمَا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ؛ ثَبَتَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 إسْلَامُهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (مَعَ إقْرَارِ مُرْتَدٍّ جَاحِدٍ لِغَرَضٍ أَوْ) جَاحِدِ (تَحْلِيلٍ أَوْ) جَاحِدِ (تَحْرِيمٍ أَوْ) جَاحِدِ (نَبِيٍّ أَوْ) جَاحِدِ (كِتَابٍ) مِنْ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ) جَاحِدِ (رِسَالَةِ نَبِيِّنَا) مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إلَى غَيْرِ الْعَرَبِ بِمَا جَحَدَهُ) مِنْ ذَلِكَ؛ (وَإِلَّا) يُقِرُّ بِمَا جَحَدَهُ (لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ) ، لِأَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا يَكْفُرُ بِجُحُودِهِ لَا يُكْتَفَى مِنْهُ الْإِتْيَانُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَضَمَّنَانِ الْإِقْرَارَ بِمَا جَحَدَهُ؛ فَكُفْرُهُ بَاقٍ؛ فَلَا بُدَّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ جَحْدِهِ، لِأَنَّهُ كَذَبَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَا اعْتَقَدَهُ مِنْ الْجَحْدِ، فَلَا بُدَّ فِي إسْلَامِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِمَا جَحَدَهُ (أَوْ قَوْلُهُ أَنَا مُسْلِمٌ) يَعْنِي أَنَّ تَوْبَةَ الْمُرْتَدِّ وَكُلِّ كَافِرٍ إتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، أَوْ قَوْلُهُ أَنَا مُسْلِمٌ وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِهِمَا لِأَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، بِمَا تَضَمَّنَ الشَّهَادَتَيْنِ كَانَ مُخْبِرًا بِهِمَا. وَعَنْ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ لَقِيت رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إحْدَى يَدِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ: أَسْلَمْت أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا قَالَ: لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْته، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِك قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَهَا» وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنِّي مُسْلِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ كُنْت قُلْت وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ أَوْ مَنْ جَحَدَ الْوَحْدَانِيَّةَ، أَمَّا مَنْ كَفَرَ بِجَحْدِ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ أَوْ فَرِيضَةٍ وَنَحْوِ هَذَا فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْإِسْلَامَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ كُلَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُسْلِمُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ كَافِرٌ. (وَلَا يُغْنِي قَوْلُهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 أَيْ: الْكَافِرِ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ شَهَادَةِ التَّوْحِيدِ) أَيْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ (وَلَوْ مِنْ مُقِرٍّ بِهِ) ؛ أَيْ: التَّوْحِيدِ كَيَهُودِيٍّ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لَا تَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدَ كَعَكْسِهِ، فَلَا يَكْفِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَك بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ. (وَقَوْلُ مَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِرِدَّةٍ: بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ أَوْ قَوْلُهُ أَنَا مُسْلِمٌ: تَوْبَةٌ) كَمَا لَوْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ ارْتَدَّ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ (وَإِنْ كَتَبَ كَافِرٌ الشَّهَادَتَيْنِ) بِيَدِهِ (وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ كِتَابَتِهِ الشَّهَادَتَيْنِ (اسْتِقْلَالًا) فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ وَثَبَاتِ فَهْمِهِ (لَا) إنْ كَتَبَهُمَا (تَبَعًا) كَمَا لَوْ كَانَ نَسَّاخًا فَكَتَبَهُمَا ذُهُولًا مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ (نَسْخِ كِتَابٍ هُمَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَتَانِ (فِيهِ) ؛ أَيْ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ؛ فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَكَمَا لَوْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ: لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ طَوْعًا، وَيَأْتِي، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (صَارَ مُسْلِمًا) لِأَنَّ الْخَطَّ كَاللَّفْظِ (كَنَاطِقٍ بِهِمَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَتَيْنِ (وَكَذَلِكَ قَائِلٍ: أَسْلَمْت أَوْ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ أَنَا مُؤْمِنٌ) صَارَ مُسْلِمًا بِذَلِكَ أَوْ إنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ عَادَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ كَتَبَهُمَا أَوْ تَلَفَّظَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ مِمَّا يَصِيرُ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 مُسْلِمًا (وَقَالَ لَمْ أُرِدْ الْإِسْلَامَ وَلَمْ أَعْتَقِدْهُ) ؛ أَيْ: الْإِسْلَامَ (أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ) وَلَا يُخَلَّى. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ فِي الْيَهُودِيِّ إنْ قَالَ: قَدْ أَسْلَمْت أَوْ أَنَا مُسْلِمٌ يُجْبَرُ عَلَيْهِ قَدْ عَلِمَ مَا يُرَادُ مِنْهُ انْتَهَى. (وَإِنْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ وَلَا أَنْطِقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمَا) لِحَدِيثِ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» . (وَمَنْ) (شُهِدَ عَلَيْهِ بِرِدَّةٍ وَلَوْ) كَانَتْ الشَّهَادَةُ أَنْ رِدَّتَهُ (بِجَحْدِ) تَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (فَأَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ) (فَهُوَ مُسْلِمٌ) إذَا لَمْ يُنْكِرْ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الرِّدَّةِ وَنَحْوِهَا، وَلَمْ يَكْشِفْ عَنْ شَيْءٍ، لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ مَعَ ثُبُوتِ إسْلَامِهِ إلَى الْكَشْفِ عَنْ صِحَّةِ رِدَّتِهِ. (وَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ بِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ) مِنْ الرِّدَّةِ؛ بِصِحَّةِ الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ مُسْلِمٍ وَمُرْتَدٍّ (بِخِلَافِ تَوْبَةٍ مِنْ بِدْعَةٍ؛ فَيُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ بِهَا) لِأَنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ لَا يَعْتَقِدُونَ مَا هُمْ عَلَيْهِ، (وَيَكْفِي جَحْدُهُ) أَيْ: الْمُرْتَدِّ (لِرِدَّةٍ) أَقَرَّ بِهَا كَرُجُوعٍ عَنْ (إقْرَارٍ) بِحَدٍّ أَوْ صَوَابِهِ لَا أَنْ (شُهِدَ عَلَيْهِ بِهَا) ؛ أَيْ: الرِّدَّةِ؛ أَيْ: فَلَا يَكْفِي جُحُودُهُ لِرِدَّتِهِ بَعْدَ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِهَا، بَلْ يُجَدِّدُ إسْلَامَهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ مَا يَتَضَمَّنُهَا وَيُسْتَتَابَ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ الْمَشْهُودُ بِهَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ مِنْهَا، وَإِلَّا قُتِلَ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ جَحْدَ الرِّدَّةِ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ فَلَا يُقْبَلُ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى (وَمَنْ شَهِدَ اثْنَانِ بِكُفْرِهِ) وَلَمْ يُذْكَرْ كَيْفِيَّتُهُ (فَادَّعَى الْإِكْرَاهَ) عَلَى مَا قَالَهُ مَثَلًا (قُبِلَ) ذَلِكَ مِنْهُ (بِقَرِينَةٍ) دَالَّةٍ عَلَى صِدْقِهِ كَحَبْسٍ وَقَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِكْرَاهِ، وَلَا يُكَلَّفُ مَعَ ذَلِكَ بَيِّنَةً، وَإِلَّا تَكُنْ قَرِينَةً فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. (وَ) لَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ نَطَقَ (بِكَلِمَةِ كُفْرٍ) كَقَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ أَوْ يَهُودِيٌّ (فَادَّعَاهُ) ؛ أَيْ: الْإِكْرَاهَ عَلَيْهَا (قُبِلَ قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ: مَعَ قَرِينَةٍ وَبِدُونِهَا؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ، وَلَمْ يَصِرْ كَافِرًا بِإِتْيَانِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَعَ الْإِكْرَاهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] . (وَإِنْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ) أَوْ مُسْتَأْمَنٌ (عَلَى إسْلَامٍ) فَأَقَرَّ بِهِ (لَمْ يَصِحَّ) إسْلَامُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُهُ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ طَوْعًا؛ مِثْلُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ عَنْهُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ عَنْهُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى دِينِ الْكُفَّارِ، لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ وَلَا إكْرَاهُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ إكْرَاهُهُ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ كَالْمُسْلِمِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] وَإِنْ قَصَدَ الْإِسْلَامَ لَا دَفْعَ الْإِكْرَاهِ أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَثُبُوتِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ فَمُسَلَّمٌ. (وَ) مَنْ قَالَ لِكَافِرٍ (أَسْلِمْ وَخُذْ مِنِّي أَلْفًا وَنَحْوَهُ) كَأَسْلَم وَخُذْ مِنِّي فَرَسًا أَوْ بَعِيرًا (فَأَسْلَمَ فَلَمْ يُعْطِهِ) مَا وَعَدَهُ (فَأَبَى الْإِسْلَامَ؛ قُتِلَ) بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَعِدْهُ (وَيَنْبَغِي) لِمَنْ وَعَدَ (أَنْ يَفِيَ) لَهُ بِمَا وَعَدَهُ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَخَلْفُ الْوَعْدِ مِنْ آيَاتِ النِّفَاقِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: «وَلَمْ يُشَارِطْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُؤَلَّفَةَ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَيُعْطِيَهُمْ جَمَلًا عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمْ عَطَايَا بِأَنَّهُ يَتَأَلَّفُهُمْ» . (وَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ) الصَّلَاةِ (الْخَمْسِ) كَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى صَلَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ (قُبِلَ مِنْهُ) الْإِسْلَامُ تَرْغِيبًا لَهُ فِيهِ (وَأُمِرَ بِالْخَمْسِ) كُلِّهَا كَغَيْرِهِ. (وَإِذَا مَاتَ مُرْتَدًّا فَأَقَامَ وَارِثُهُ) الْمُسْلِمُ (بَيِّنَةً أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَهَا) ؛ أَيْ: رِدَّتِهِ (حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالصَّلَاةِ وَأُعْطِيَ حَقَّهُ مِنْ تَرِكَتِهِ) ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا» . الْخَبَرَ، وَسَوَاءٌ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا فِي دَارِ إسْلَامٍ أَوْ حَرْبٍ، وَ (لَا) يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ (بِصَوْمٍ وَحَجٍّ وَزَكَاةٍ) فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَحُجُّونَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى مَنَعَهُمْ بِقَوْلِهِ: «لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ» وَالزَّكَاةُ صَدَقَةٌ، وَهُمْ يَتَصَدَّقُونَ وَقَدْ فَرَضَ عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ مِنْ الزَّكَاةِ مَثَلًا مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَصِيرُوا بِذَلِكَ مُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الصِّيَامُ فَلِكُلِّ أَهْلِ دِينٍ صِيَامٌ، وَلِأَنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ أَفْعَالًا وَإِنَّمَا هُوَ إمْسَاكٌ عَنْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ، وَقَدْ يَتَّفِقُ هَذَا مِنْ الْكَافِرِ كَاتِّفَاقِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَلَا عِبْرَةَ بِنِيَّةِ الصِّيَامِ لِأَنَّهَا أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا أَفْعَالٌ تَتَمَيَّزُ عَنْ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ، وَيَخْتَصُّ بِهَا عَنْ صَلَاةِ الْكُفَّارِ مِنْ اسْتِقْبَالِ قِبْلَتِنَا وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ فِي صَلَاتِهِمْ. (وَلَا يَبْطُلُ إحْصَانُ مُرْتَدٍّ) بِرِدَّتِهِ، فَإِذَا أُحْصِنَ فِي إسْلَامِهِ ثُمَّ زَنَى فِي إسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ؛ يَسْقُطُ عَنْهُ الرَّجْمُ لَوْ تَابَ، وَكَذَا إحْصَانُ قَذْفٍ؛ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ قَاذِفِهِ بِرِدَّتِهِ بَعْدَ طَلَبٍ. (وَلَا) تَبْطُلُ (عِبَادَةٌ فَعَلَهَا) مُرْتَدٌّ (قَبْلَ رِدَّتِهِ وَ) لَا صُحْبَتُهُ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (إذَا تَابَ) مِنْهَا لِأَنَّهُ فَعَلَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهَا كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ (فَلَا يُعِيدُ الْحَجَّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: 217] . وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَطُلَتْ عِبَادَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 [فَصْلٌ الْمُرْتَدّ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ] فَصْلٌ (وَمَنْ ارْتَدَّ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ) عَنْ مَالِهِ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ كَزِنَا الْمُحْصَنِ وَكَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارِبَةِ (وَيَمْلِكُ) مُرْتَدٌّ (بِتَمْلِيكٍ) مِنْ هِبَةٍ وَاحْتِشَاشٍ وَصَيْدٍ وَشِرَاءٍ وَإِيجَارِ نَفْسِهِ إجَارَةٍ خَاصَّةً أَوْ مُشْتَرَكَةً لِأَنَّ عَدَمَ عِصْمَتِهِ لَا يُنَافِي صِحَّةَ ذَلِكَ كَالْحَرْبِيِّ. (وَيُمْنَعُ) مُرْتَدٌّ (التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً) كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَوَقْفٍ وَإِجَارَةٍ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ كَمَالِ الْمُفْلِسِ (لَا) إنْ تَصَرَّفَ (بِوَكَالَةٍ عَنْ غَيْرِهِ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَغَيْرُهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَأُرُوشُ جِنَايَاتِهِ، وَلَوْ جَنَاهَا بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ فِي فِئَةٍ مُرْتَدَّةٍ مُمْتَنِعَةٍ) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ تَحْتَ حُكْمِنَا بِخِلَافِ الْبُغَاةِ (أَوْ) كَانَ الْمُرْتَدُّ (قَتَلَ) إنْسَانًا (خَطَأً) وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ وَكَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ. قَالَ الْقَاضِي: تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا كَانَتْ تُؤْخَذُ مِنْ عَاقِلَةٍ، فَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ أُخِذَتْ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تَأْجِيلٍ. [تَنْبِيهٌ إذَا تَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ لَمْ يَصِحَّ] تَنْبِيهٌ: وَإِنْ تَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى النِّكَاحِ كَنِكَاحِ الْكَافِرِ مُسْلِمَةً، أَوْ زُوِّجَ مُوَلِّيَتَهُ مِنْ نَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ، أَوْ زُوِّجَ أَمَتَهُ؛ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ مَوْقُوفًا، وَلِزَوَالِ وِلَايَتِهِ بِالرِّدَّةِ. (وَيُنْفَقُ) مِنْ مَالِ الْمُرْتَدِّ (عَلَيْهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ شَرْعًا كَالدَّيْنِ (فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ) فِي مَالِهِ، (وَإِلَّا) يُسْلَمُ بِأَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ مُرْتَدًّا (صَارَ مَالُهُ فَيْئًا مِنْ حِينِ مَوْتِهِ مُرْتَدًّا) لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ، وَبَطَلَ تَصَرُّفُهُ الَّذِي كَانَ تَصَرَّفَهُ فِي رِدَّتِهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ بِقَطْعِ ثَوَابِهِ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 (وَإِنْ لَحِقَ) مُرْتَدٌّ (بِدَارِ حَرْبٍ فَهُوَ وَمَا مَعَهُ) مِنْ مَالٍ (كَحَرْبِيٍّ) يُبَاحُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ، وَأَخْذُ مَا مَعَهُ مِنْ مَالٍ؛ دَفْعًا لِفَسَادِهِ، وَلِزَوَالِ الْعَاصِمِ لَهُ وَهُوَ دَارُ الْإِسْلَامِ (وَأَمَّا مَا بِدَارِنَا) مِنْ مَالٍ (فَهُوَ فَيْءٌ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ) وَمَا دَامَ حَيًّا فَمِلْكُهُ بَاقٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حِلَّ دَمِهِ لَا يُوجِبُ تَوْرِيثَ مَالِهِ كَالْحَرْبِيِّ الْأَصْلِيِّ (فَإِنْ طَالَ) زَمَنُ لُحُوقِهِ بِدَارِ حَرْبٍ، وَتَعَذَّرَ قَتْلُهُ (فَعَلَ حَاكِمٌ) فِي مَالِهِ مَا يَرَى (الْحَظَّ) وَالْمَصْلَحَةَ (مِنْ بَيْعِ نَحْوِ حَيَوَانِهِ) الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى نَفَقَةٍ (أَوْ إجَارَتِهِ) إنْ أَمْكَنَ بَقَاؤُهُ لِوِلَايَتِهِ الْعَامَّةِ، وَمُكَاتَبُهُ يُؤَدِّي إلَى الْحَاكِمِ وَيُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ لَوْ أَدَّى إلَيْهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ. (وَلَوْ ارْتَدَّ أَهْلُ بَلَدٍ، وَجَرَى فِيهِ حُكْمُهُمْ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَدِّينَ (ف) هُمْ كَأَهْلِ (دَارِ حَرْبٍ يُغْنَمُ مَالُهُمْ وَ) يَجُوزُ اسْتِرْقَاقٌ (حَدَثَ مِنْهُمْ بَعْدَ الرِّدَّةِ) وَعَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ رُبَّمَا أَغْرَى أَمْثَالَهُمْ بِالتَّشَبُّهِ بِهِمْ، وَقَاتَلَ الصِّدِّيقُ بِجَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ وَإِذَا قَاتَلَهُمْ قَتَلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَيُقْتَلُ مُدَبَّرُهُمْ، وَتُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ إقْرَارُ مَنْ حَدَثَ مِنْ جِزْيَة إذَا كَانَ عَلَى دِينِ مَنْ يُقَرُّ بِهَا كَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس، وَإِلَّا لَمْ يُقَرَّ كَمَا فِي الدُّرُوزِ والتيامنة وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ وَلَا يَجْرِي عَلَى الْمُرْتَدِّ رِقٌّ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَقَامَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى الرِّدَّةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيُؤْخَذُ مُرْتَدٌّ بِحَدٍّ) ؛ أَيْ: مَا يُوجِبُهُ كَزِنًا وَقَذْفٍ وَسَرِقَةٍ (أَتَاهُ فِي رِدَّتِهِ) وَإِنْ أَسْلَمَ نَصًّا؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُزِيدُهُ إلَّا تَغْلِيظًا. (وَلَا) يُؤْخَذُ مُرْتَدٌّ (بِقَضَاءِ مَا تَرَكَ) أَيْ: زَمَنَ الرِّدَّةِ (مِنْ عِبَادَةٍ) كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَلَمْ يَأْمُرْ الصِّدِّيقُ الْمُرْتَدِّينَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُمْ وَكَالْحَرْبِيِّ. (وَإِنْ لَحِقَ زَوْجَانِ مُرْتَدَّانِ بِدَارِ حَرْبٍ؛ لَمْ يُسْتَرَقَّا) وَلَا أَحَدُهُمَا (لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَى الْمُرْتَدِّ رِقٌّ بِحَالٍ) بَلْ يُقْتَلُ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ. (وَلَا) يُسْتَرَقُّ (مَنْ وُلِدَ لَهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ رِدَّةٍ إذَا ارْتَدَّا وَلَحِقَا بِدَارِ حَرْبٍ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يُسْتَرَقُّ (حَمْلٌ) مِنْهُمَا حَمَلَتْ بِهِ (قَبْلَ رِدَّةٍ) لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَلَا يَتْبَعُهُمَا فِي الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو، فَقَدْ تَبِعُوهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يَتْبَعُونَهُمْ فِي الرِّدَّةِ. (وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: مِنْ أَوْلَادِهِمْ الَّذِينَ وُلِدُوا، أَوْ حُمِلَ بِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ (قُتِلَ) بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاسْتِتَابَتِهِ؛ لِخَبَرِ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ) الْوَلَدِ (الْحَادِثِ فِيهَا) أَيْ: رِدَّةِ زَوْجَيْنِ لَحِقَا بِدَارِ حَرْبٍ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ وُلِدَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ وَلَيْسَ بِمُرْتَدٍّ نَصًّا (وَ) يَجُوزُ (إقْرَارُهُ عَلَى كُفْرِهِ) إذَا كَانَ كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا (بِجِزْيَةٍ) كَأَوْلَادِ الْحَرْبِيِّينَ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي جَوَازِ الِاسْتِرْقَاقِ. [فَصْلٌ فِي السِّحْرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] ِ يَحْرُمُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ وَفِعْلُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى (وَالسِّحْرُ كَبِيرَةٌ) مِنْ الْكَبَائِرِ الْعِظَامِ، وَهُوَ عُقَدٌ وَرُقًى وَكَلَامٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ فَاعِلُهُ أَوْ يَكْتُبُهُ أَوْ يَعْمَلُ شَيْئًا يُؤَثِّرُ فِي بَدَنِ الْمَسْحُورِ أَوْ قَلْبِهِ أَوْ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَهُ (وَلَهُ حَقِيقَةٌ) فَمِنْهُ (مَا يَقْتُلُ وَ) مِنْهُ مَا (يُمْرِضُ وَمِنْهُ) مَا (يَأْخُذُ الرَّجُلُ عَنْ زَوْجَتِهِ فَيَمْنَعُهُ وَطْأَهَا وَ) مِنْهُ مَا (يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَيُبَغِّضُ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ، أَوْ يُحَبِّبُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102] وَمَا كَانَ مِثْلُ فِعْلِ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ حِينَ سَحَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ - بِضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا - مَا يَسْقُطُ مِنْ الشَّعْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 عِنْدَ مَشْطِهِ. رَوَتْ عَائِشَةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُحِرَ حَتَّى إنَّهُ لَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ» (فَسَاحِرٌ يَرْكَبُ الْمِكْنَسَةَ فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ أَوْ يَدَّعِي أَنْ الْكَوَاكِبَ تُخَاطِبُهُ كَافِرٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] وَقَوْلِهِ {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] ؛ أَيْ: لَا تَتَعَلَّمْهُ فَتَكْفُرْ بِذَلِكَ (كَمُعْتَقِدِ حِلِّهِ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ؛ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَ (لَا) يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ (مَنْ يُسْحِرُ بِأَدْوِيَةٍ وَتَدْخِينٍ وَسَقْيِ شَيْءٍ يَضُرُّ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعِصْمَةُ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُزِيلُهَا (وَيُعَزَّرُ) سَاحِرٌ بِذَلِكَ (بَلِيغًا) لِيَنْكَفَّ هُوَ وَمَنْ مِثْلُهُ (بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْقَتْلَ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً (وَقِيلَ) لَهُ تَعْزِيرُهُ (بِالْقَتْلِ) وَيُقْتَلُ السَّاحِرُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا بِالسَّيْفِ؛ لِمَا رَوَى جُنْدُبٌ مَرْفُوعًا، قَالَ: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ جُنْدُبٍ مَوْقُوفٌ وَعَنْ بَجَالَةَ بْنِ عَبْدٍ قَالَ: كُنْت كَاتِبًا لِجُزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ فَأَتَانَا كِتَابُ مُعَاوِيَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: أَنْ اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَسَعِيدٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَتَلْنَا ثَلَاثَةَ سَوَاحِرَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَقَتَلَتْ حَفْصَةُ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا. رَوَاهُ مَالِكٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ. (وَلَا) يَكْفُرُ (مَنْ يُعَزِّمُ عَلَى الْجِنِّ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَجْمَعُهَا وَتُطِيعُهُ) وَلَا يُقْتَلُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَى قَتْلِهِ بِالسِّحْرِ؛ وَيُعَزَّرُ تَعْزِيرًا بَلِيغًا دُونَ الْقَتْلِ، لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً. (وَلَا يَكْفُرُ كَاهِنٌ) ؛ أَيْ: مَنْ (لَهُ رَئِيٌّ مِنْ الْجِنِّ يَأْتِيه بِالْأَخْبَارِ، وَلَا عَرَّافٌ وَهُوَ الْخَرَّاصُ، وَلَا مُنَجِّمٌ يَسْتَدِلُّ بِنَظَرِهِ فِي النُّجُومِ عَلَى الْحَوَادِثِ، فَإِنْ أَوْهَمَ قَوْمًا أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ؛ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 التَّنْجِيمُ كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَحْوَالِ الْفَلَكِيَّةِ عَلَى الْحَوَادِثِ الْأَرْضِيَّةِ مِنْ السِّحْرِ وَيَحْرُمُ إجْمَاعًا؛ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَدْفَعُ عَنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ بِبَرَكَتِهِ مَا زَعَمُوا أَنَّ الْأَفْلَاكَ تُوجِبُهُ، وَأَنَّ لَهُمْ مِنْ ثَوَابِ الدَّارَيْنِ مَا لَا تَقْوَى الْأَفْلَاكُ أَنْ تَجْلُبَهُ. (وَلَا يُقْتَلُ سَاحِرٌ كِتَابِيٌّ نَصًّا وَنَحْوُهُ) كَمَجُوسِيٍّ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ بِسِحْرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا؛ فَيُقْتَلُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ سَحَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَلِأَنَّ كُفْرَهُ أَعْظَمُ مِنْ سِحْرِهِ، وَلَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَالْأَخْبَارُ فِي سَاحِرِ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَفَرَ بِسِحْرِهِ. (وَلَا) يَكْفُرُ (مُشَعْبِذٌ وَ) لَا (قَائِلَ بِزَجْرِ طَيْرٍ وَلَا ضَارِبٌ بِحَصَى وَشَعِيرٍ وَقِدَاحٍ) ؛ أَيْ: سِهَامٍ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ " وَالنَّظَرُ فِي أَلْوَاحِ الْأَكْتَافِ (إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ إبَاحَتَهُ) ؛ أَيْ: فَعَلَ مَا سَبَقَ (وَ) لَمْ يَعْتَقِدْ (أَنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ الْأُمُورَ الْمُغَيَّبَةَ، وَيُعَزَّرُ) لِفِعْلِهِ مَعْصِيَةً، وَيُكَفُّ عَنْهُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ وَأَنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ الْأُمُورَ الْمُغَيَّبَةَ (كَفَرَ) فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. (وَيَحْرُمُ طَلْسَمٌ وَحِرْزٌ وَرُقْيَةٌ) وَعَزِيمَةٌ (بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ) إنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَبًّا وَكُفْرًا (وَ) وَكَذَا تَحْرُمُ (رُقْيَةٌ بِاسْمِ كَوْكَبٍ وَمَا وُضِعَ عَلَى نَجْمٍ مِنْ صُورَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.) وَفِي نُسْخَةٍ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (إنَّ رُقَى الْبَخُورِ، وَرُقَاهُ - يَعْنِي بِاسْمِ كَوْكَبٍ - هُوَ دِينُ النَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ) انْتَهَى. (وَيَجُوزُ الْحَلُّ) ؛ أَيْ؛ حَلُّ السِّحْرِ بِالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالْأَقْسَامِ وَالْكَلَامِ الْمُبَاحِ، وَيَجُوزُ حَلُّهُ أَيْضًا (بِسِحْرٍ ضَرُورَةً) ؛ أَيْ: لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْحَلِّ وَهُوَ إلَى الْجَوَازِ أَمْيَلُ، وَسَأَلْتُ مُهَنَّا عَمَّنْ تَأْتِيه مَسْحُورَةٌ فَيُطْلِقُهُ عَنْهَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ؛ قَالَ الْخَلَّالُ: إنَّمَا كُرِهَ فِعَالُهُ وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا كَمَا بَيَّنَهُ مُهَنَّا، وَهَذَا مِنْ الضَّرُورَةِ الَّتِي تُبِيحُ فِعْلَهَا، وَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ ضَرُورَةً (وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَمِنْ السِّحْرِ السَّعْيُ بِالنَّمِيمَةِ وَالْإِفْشَاءُ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ غَرِيبٌ) وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْأَذَى بِكَلَامِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ أَشْبَهَ السِّحْرَ، وَلِهَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ، وَيَنْتُجُ مَا يَفْعَلُهُ السِّحْرُ أَوْ أَكْثَرَ فَيُعْطَى حُكْمَهُ سَوِيَّةً بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ أَوْ الْمُتَقَارِبَيْنِ، وَلَا سِيَّمَا إنْ قُلْنَا يَقْتُلُ الْآمِرُ بِالْقَتْلِ عَلَى رِوَايَةٍ فَهُنَا أَوْلَى. [فُرُوعٌ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي النَّارِ] (فُرُوعٌ: أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ) فِي النَّارِ نَصًّا (وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ مَجْنُونًا مَعَهُمْ فِي النَّارِ) تَبَعًا لَهُمْ، وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَبِمَوْتِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا بِدَارِنَا، بِخِلَافِ مَنْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ، وَيُقَسَّمُ لِلطِّفْلِ أَوْ الْمُمَيِّزِ الْمِيرَاثُ مِنْ أَبِيهِ الْكَافِرِ أَوْ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَأَمَّا الْحَمْلُ فَلَا يَرِثُ مِنْ أَبِيهِ الْكَافِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مِيرَاثِ الْحَمْلِ. وَلَوْ عُدِمَ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِلَا مَوْتٍ كَزِنَا ذِمِّيَّةٍ وَلَوْ بِكَافِرٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ اشْتِبَاهِ وَلَدِ مُسْلِمٍ بِوَلَدِ كَافِرٍ؛ فَمُسْلِمٌ نَصًّا (قَالَ الْقَاضِي هُوَ) أَيْ: كَوْنُ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ مَجْنُونًا مَعَهُمْ فِي النَّارِ (مَنْصُوصُ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ) وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ. (غَلِطَ الْقَاضِي عَلَى) الْإِمَامِ أَحْمَدَ (بَلْ يُقَالُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) فَلَا يُحْكَمُ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ لَا بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ (وَهُوَ حَسَنٌ) ؛ أَيْ: قَوْلُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ (وَعَنْهُ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (الْوَقْفُ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فِي " الْمُغْنِي " ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ (وَ) اخْتَارَ (الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (تَكْلِيفَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) فَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ. فَمَنْ أَطَاعَ مِنْهُمْ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَى دَخَلَ النَّارَ، وَقَالَ أَيْضًا: أَصَحُّ الْأَجْوِبَةِ فِيهِمْ مَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ سُئِلَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ". (وَمَنْ وُلِدَ أَعْمَى أَبْكَمَ أَصَمَّ) وَصَارَ رَجُلًا (فَ) هُوَ (مَعَ أَبَوَيْهِ كَافِرَيْنِ أَوْ مُسْلِمَيْنِ وَلَوْ) كَانَا كَافِرَيْنِ ثُمَّ (أَسْلَمَا بَعْدَ مَا بَلَغَ) قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مَعَهُمَا؛ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُمَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا. وَذُكِرَ فِي " الْفُنُونِ " عَنْ أَصْحَابِنَا لَا يُعَاقَبُ، وَفِي " نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ " كَذَلِكَ (وَذَكَرَ جَمْعٌ) مِنْ أَصْحَابِنَا (أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ لَا تَجِبُ عَقْلًا) خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِهَا عَقْلًا، قَالُوا: لِأَنَّهَا دَافِعَةٌ لِلضَّرَرِ الْمَظْنُونِ وَهُوَ خَوْفُ الْعِقَابِ فِي الْآخِرَةِ (وَإِنَّمَا تَجِبُ) مَعْرِفَتُهُ تَعَالَى (بِالشَّرْعِ) نَصًّا (وَهُوَ بِعْثَةُ الرُّسُلِ) صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، وَالْمُرَادُ بِمَعْرِفَتِهِ تَعَالَى مَعْرِفَةُ وُجُودِ ذَاتِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ فِيمَا لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، دُونَ مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ ذَاتِهِ، لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَقْلًا لِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الْحَقَائِقِ، وَتَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ شَرْعًا، وَالْعَقْلُ آلَةُ الْإِدْرَاكِ، فَبِهِ يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ. وَأَوَّلُ نِعَمِ اللَّهِ الدِّينِيَّةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَأَعْظَمُهَا وَأَنْفَعُهَا أَنْ أَقْدَرَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَوَّلُ نِعَمِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْحَيَاةُ الْعَرِيَّةُ عَنْ ضَرَرٍ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَلَوْ مَاتَ الْإِنْسَانُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَهُ الدَّعْوَةُ (لَمْ يُقْطَعْ عَلَيْهِ بِالنَّارِ) بَلْ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: لَا يُعَاقَبُ. قَالَ فِي " الْفُنُونِ ": وَإِذَا مَنَعَ حَائِلُ الْبُعْدِ شُرُوطَ التَّكْلِيفِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ فِيمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ وُلِدَ أَعْمَى أَبْكَمَ أَصَمَّ؛ لِعَدَمِ جَوَازِ إرْسَالِ رَسُولٍ إلَيْهِمَا، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا تَجِبُ مَعْرِفَتُهُ بِالشَّرْعِ (لِآيَةِ {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] ؛ أَيْ: لَا يُعَذَّبُ فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ إلَّا بِقِيَامِ حُجَّةِ السَّمْعِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ أَسْلَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَسْمَعْ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهِمَا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا، لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ حُجَّةِ السَّمْعِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قِصَّةُ أَهْلِ قُبَاءَ، حِينَ اسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ، وَلَمْ يَسْتَأْنِفُوا. وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِفَرْضِ الصَّلَاةِ؛ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى النَّاسَ يُصَلُّونَ فِي الْمَسَاجِدِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَذَلِكَ دُعَاءٌ إلَيْهِمَا. ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. (وَمَعْرِفَةُ اللَّهِ) تَعَالَى (أَوَّلُ وَاجِبٍ لِنَفْسِهِ، وَيَجِبُ قَبْلَهَا) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 (النَّظَرُ) فِي الْوُجُودِ وَالْمَوْجُودِ، وَوُجُوبُ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ دُونَ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُوجِبُ وَلَا يُحَرِّمُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ (لِتَوَقُّفِهَا) ؛ أَيْ: الْمَعْرِفَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى النَّظَرِ (فَهُوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ لِغَيْرِهِ، وَالْمُخْتَارُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلِيُّ) قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ (وَغَيْرُهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالشَّهَادَتَيْنِ يَتَضَمَّنُ الْمَعْرِفَةَ خِلَافًا لِمَنْ أَوْجَبَهَا) أَيْ الْمَعْرِفَةَ (قَبْلَهُمَا) أَيْ: قَبْلَ الشَّهَادَتَيْنِ. [كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ] ِ (وَاحِدُهَا طَعَامٌ، وَهُوَ مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ) قَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ مَا يَأْكُلُ، وَرُبَّمَا خَصَّ بِهِ الْبُرَّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا بَيَانُ مَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَمَا يُبَاحُ (وَأَصْلُهَا الْحِلُّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَقَوْلِهِ: {كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا} [البقرة: 168] وَقَوْلِهِ: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] . (فَيَحِلُّ كُلُّ طَعَامٍ طَاهِرٍ) لَا نَجَسٍ أَوْ مُتَنَجِّسٍ (لَا مَضَرَّةَ فِيهِ) مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالنَّبَاتَاتِ غَيْرِ الْمُضِرَّةِ (وَلَا مُسْتَقْذَرٍ حَتَّى نَحْوُ مَسَكٍ) مِمَّا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً كَالْفَاكِهَةِ الْمُسَوَّسَةِ وَالْمُدَوِّدَةِ (وَقِشْرِ بَيْضٍ وَقَرْنِ) حَيَوَانٍ مُذَكَّى إذَا دُقَّا وَنَحْوِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 (وَيَحْرُمُ نَجَسٌ كَدَمٍ وَمَيْتَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] (وَ) يَحْرُمُ (مُضِرٌّ كَسُمٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَالسُّمُّ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا وَلِذَا عُدَّ مُطْعِمُهُ لِغَيْرِهِ قَاتِلًا، وَفِي الْوَاضِحِ أَنَّ السُّمَّ نَجِسٌ وَفِيهِ احْتِمَالٌ؛ «لِأَكْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ» . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً أَنَّ السَّمُومَ نَجِسَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَكَذَا مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ انْتَهَى. وَأَمَّا السَّقَمُونْيَا وَالزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُهُمَا فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ، وَيَجُوزُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ لِقِلَّتِهِ أَوْ إضَافَةِ مَا يُصْلِحُهُ. (وَ) يَحْرُمُ أَكْلُ (مُسْتَقْذَرٍ كَرَوْثٍ وَبَوْلٍ وَلَوْ طَاهِرَيْنِ) بِلَا ضَرُورَةٍ، لِاسْتِقْذَارِهِمَا (وَ) كَذَا يَحْرُمُ أَكْلُ نَحْوِ (قَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ) لِاسْتِقْذَارِهِمَا أَيْضًا (وَ) يَحْرُمُ (مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ حُمُرٌ أَهْلِيَّةٌ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَحُكْمُ لَبَنِهَا حُكْمُهَا (وَقِيلَ) قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ هُوَ مِنْ أَطْعِمَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ مَسْخٌ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِهَا نَابًا، وَلِأَنَّهُ مُسْتَخْبَثٌ فَيَدْخُلُ فِي {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] . (وَ) يَحْرُمُ (مَا يَفْتَرِسُ بِنَابِهِ) ؛ أَيْ: يَنْهَشُ (كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَفَهْدٍ وَكَلْبٍ) لِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «كُلُّ ذِي نَابٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَاتِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا يَبْدَأُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 بِالْعَدْوَى وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِمَنْ يَبْدَأُ بِالْعَدْوَى كَالْأَسَدِ (وَخِنْزِيرٍ) لِلْآيَةِ (وَقِرْدٍ) وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَلِأَنَّ لَهُ نَابًا وَهُوَ مَسْخٌ؛ فَهُوَ مِنْ الْخَبَائِثِ (وَدُبٌّ وَنِمْسٌ وَابْنُ آوَى وَابْنُ عُرْسٍ وَسِنَّوْرٌ وَلَوْ بَرِّيًّا) لِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْمَذْكُورِ، وَمِنْ أَنْوَاعِهِ ": التُّفَّةُ كَثُبَةٍ. قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": عَنَاقُ الْأَرْضِ (وَثَعْلَبٌ وَسِنْجَابٌ وَسَمُّورٌ وَفَنَكٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ نَوْعٌ مِنْ وَلَدِ الثَّعْلَبِ التُّرْكِيِّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ السِّبَاعِ ذَوَاتِ النَّابِ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ النَّهْيِ (سِوَى ضَبُعٍ) لِأَنَّ الرُّخْصَةَ رُوِيَتْ فِيهِ عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: مَا زَالَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُ الضَّبُعَ لَا تَرَى بِأَكْلِهِ بَأْسًا. وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَكْلِ الضَّبُعِ، قُلْت صَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: «قُلْت لِجَابِرٍ الضَّبُعُ؛ أَصَيْدٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: أَقَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. لَا يُقَالُ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى حِلِّهِ خَاصٌّ وَالنَّهْيُ عَامٌّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ. (وَ) يَحْرُمُ (مِنْ طَيْرٍ مَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ كَعُقَابٍ وَبَازٍ وَصَقْرٍ وَبَاشِقٍ وَشَاهِينِ وَحِدَأَةٍ وَبُومَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» وَحَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مَرْفُوعًا: «حَرَامٌ عَلَيْكُمْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد، وَهُوَ يُخَصِّصُ عُمُومَ الْآيَاتِ (وَ) يَحْرُمُ مِنْ الطَّيْرِ (مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ كَنَسْرٍ وَرَخَمٍ وَلَقْلَقٍ) طَائِرٌ نَحْوُ الْإِوَزَّةِ طَوِيلُ الْعُنُقِ يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ (وَعَقْعَقٍ وَهُوَ الْقَاقُ) طَائِرٌ نَحْوُ الْحَمَامَةِ طَوِيلُ الذَّنَبِ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ نَوْعٌ مِنْ الْغِرْبَانِ (وَغُرَابِ الْبَيْنِ وَالْأَبْقَعِ) قَالَ عُرْوَةُ: وَمَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسِقًا؟ ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَاحَ قَتْلَ الْغُرَابِ بِالْحَرَمِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ صَيْدٍ مَأْكُولٍ فِي الْحَرَمِ. (وَ) يَحْرُمُ كُلُّ (مَا تَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ ذُو الْيَسَارِ) وَهُمْ أَهْلُ الْحِجَازِ (مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ) لِأَنَّهُمْ هُمْ أُولُو النُّهَى، وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْكِتَابُ، وَخُوطِبُوا بِهِ وَبِالسُّنَّةِ، فَرَجَعَ فِي مُطْلَقِ أَلْفَاظِهِمَا إلَى عُرْفِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْأَعْرَابِ الْجُفَاةِ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي؛ لِأَنَّهُمْ لِلضَّرُورَةِ وَالْمَجَاعَةِ يَأْكُلُونَ كُلَّ مَا وَجَدُوهُ، وَلِهَذَا سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَمَّا يَأْكُلُونَ. فَقَالَ: مَا دَبَّ وَدَرَجَ إلَّا أُمَّ حُبَيْنٍ - بِمُهْمَلَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ - فَقَالَ: لِيُهِنْ أُمَّ حُبَيْنٍ الْعَافِيَةَ تَأْمَنُ أَنْ تُطْلَبَ فَتُؤْكَلَ، وَأُمُّ حُبَيْنٍ: الْخَنَافِسُ الْكِبَارُ. وَاَلَّذِي تَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ ذُو الْيَسَارِ (كَوَطْوَاطٍ وَيُسَمَّى خُفَّاشًا وَخَشَّافًا) قَالَ الشَّاعِرُ: مِثْلُ النَّهَارِ يَزِيدُ أَبْصَارَ الْوَرَى ... نُورًا وَيُعْمِي أَعْيُنَ الْخُفَّاشِ قَالَ أَحْمَدُ: وَمَنْ يَأْكُلُ الْخُفَّاشَ،؟ (وَفَأْرٍ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ؛ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ صَيْدٍ مَأْكُولٍ فِي الْحَرَمِ (وَزُنْبُورٍ وَنَحْلٍ وَذُبَابٍ وَفَرَاشٍ) ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ غَيْرُ مُسْتَطَابَةٍ؛ وَلِحَدِيثِ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ» حَيْثُ أَمَرَ بِطَرْحِهِ، وَلَوْ جَازَ أَكْلُهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِطَرْحِهِ (وَهُدْهُدٍ وَصُرَدٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالصُّرَدُ - بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ - طَائِرٌ ضَخْمُ الرَّأْسِ يَصْطَادُ الْعَصَافِيرَ، وَهُوَ أَوَّلُ طَائِرٍ صَامَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْجَمْعُ صِرْدَانٍ بِكَسْرِ الصَّادِ كَجُرَذٍ - وَجِرْذَانٍ وَهُوَ الْفَأْرَةُ أَوْ الذَّكَرُ مِنْهَا (وَغُدَافٍ) وَهُوَ غُرَابُ الْغَيْطِ (وسنونو) وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْخُطَّافِ (وَأَبِي زُرَيْقٍ) طَائِرٌ مَعْرُوفٌ، وَيُقَالُ لَهُ الدَّرْبَابُ قِيلَ أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الشِّقَرَّاقِ وَالْغُرَابِ (وَخُطَّافٍ) طَائِرٌ أَسْوَدُ مَعْرُوفٌ أَيْضًا، وَأَخْيَلُ هُوَ الشِّقَرَّاقُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الْقَافِ مُشَدَّدَةٍ وَبِكَسْرِ الشِّينِ مَعَ التَّثْقِيلِ، وَأَنْكَرَهَا بَعْضُهُمْ، وَبِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ، وَهُوَ دُونَ الْحَمَامَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 أَخْضَرُ اللَّوْنِ، أَسْوَدُ الْمِنْقَارِ، بِأَطْرَافِ جَنَاحَيْهِ سَوَادٌ، وَبِظَاهِرِهَا حُمْرَةٌ (وَقُنْفُذٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَذَكَرَهُ؛ أَيْ: الْقُنْفُذَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «هُوَ خَبِيثَةٌ مِنْ الْخَبَائِثِ» (وَنَيْصٍ وَهُوَ كِبَارُ الْقَنَافِذِ عَلَى ظَهْرِهِ شَوْكٌ طَوِيلٌ) وَيُقَالُ لَهُ الدَّلْدَلُ (وَحَيَّةٍ وَحَشَرَاتٍ) كَدِيدَانٍ وَجُرْذَانٍ وَبَنَاتِ وَرْدَانٍ حُمُرِ اللَّوْنِ، وَأَكْثَرُ مَا تَكُونُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَالْكَنَفِ وَخَنَافِسَ وَأَوْزَاغٍ وَحِرْبَاتٍ وَعَقْرَبٍ وَعِضَاه وَخُلْدٍ وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ اللَّكْمَةِ وَهِيَ دُوَيْبَّةٌ سَوْدَاءُ كَالسَّمَكَةِ تَسْكُنُ الْبَرَّ إذَا رَأَتْ الْإِنْسَانَ غَابَتْ وَزُنْبُورٍ وَنَحْلٍ وَنَمْلٍ وَذُبَابٍ وَطَبَابِيعَ وَهِيَ الْقُمَّلُ الْأَحْمَرُ فَهِيَ حَرَامٌ. (وَ) يَحْرُمُ (كُلُّ مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِقَتْلِهِ كَعَقَارِبَ أَوْ نَهَى عَنْهُ) ؛ أَيْ: عَنْ قَتْلِهِ كَنَمْلٍ، وَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ (كَبَغْلٍ) مُتَوَلِّدٍ مِنْ خَيْلٍ وَحُمُرٍ أَهْلِيَّةٍ، وَكَحِمَارٍ مُتَوَلِّدٍ بَيْنَ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ وَوَحْشِيٍّ (وَكَسِمْعٍ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ (وَلَدُ ضَبُعٍ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا، وَجَمْعُهُ ضِبَاعٌ (مِنْ ذِئْبٍ وَكَعِسْبَارٍ وَلَدِ ذِئْبَةٍ مِنْ) ذَيْخٍ وَهُوَ (الضَّبِعَانِ) بِكَسْرِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَجَمْعُهُ ضَبَاعِينُ كَمَسَاكِينَ، وَهُوَ ذَكَرُ الضِّبَاعِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ. وَ (لَا) يَحْرُمُ (مُتَوَلِّدٌ مِنْ مُبَاحَيْنِ كَبَغْلٍ مِنْ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَخَيْلٍ) بِخِلَافِ حَيَوَانٍ نِصْفُهُ خَرُوفٌ وَنِصْفُهُ كَلْبٌ؛ فَيَحْرُمُ تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ (وَمَا تَجْهَلُهُ الْعَرَبُ) مِنْ الْحَيَوَانِ (وَلَا ذُكِرَ فِي الشَّرْعِ يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ بِالْحِجَازِ) ؛ فَإِنْ أَشْبَهَ مُحَرَّمًا أَوْ حَلَالًا أُلْحِقَ بِهِ (وَلَوْ أَشْبَهَ) حَيَوَانًا (مُبَاحًا وَ) حَيَوَانًا (مُحَرَّمًا؛ غَلَبَ التَّحْرِيمُ) احْتِيَاطًا لِحَدِيثِ: «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَقَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ اشْتَبَهَ عَلَيْك فَدَعْهُ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ شَيْئًا بِالْحِجَازِ فَمُبَاحٌ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام: 145] الْآيَةَ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ: مَا سَكَتَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَى عَنْهُ. (وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ طَاهِرٍ كَذُبَابِ بَاقِلَاءَ وَدُودِ خَلٍّ وَ) دُودِ (جُبْنٍ وَ) دُودِ (فَاكِهَةٍ يُؤْكَلُ) جَوَازًا (تَبَعًا لَا انْفِرَادًا) وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْبَاقِلَّانِيِّ الْمُدَوَّدِ: تَجَنُّبُهُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ فَأَرْجُو، وَقَالَ عَنْ تَفْتِيشِ التَّمْرِ الْمُدَوَّدِ: لَا بَأْسَ بِهِ. (وَمَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ الْمَأْكُولَيْنِ مَغْصُوبٌ فَكَأُمِّهِ) فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ مَغْصُوبَةً لَمْ تَحِلَّ هِيَ وَلَا شَيْءٌ مِنْ أَوْلَادِهَا لِغَاصِبٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ الْفَحْلَ وَالْأُمُّ مِلْكٌ لِلْغَاصِبِ؛ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَوْلَادِهَا. تَتِمَّةٌ: وَيَحْرُمُ مَا لَيْسَ مِلْكًا لِآكِلِهِ وَلَا أَذِنَ فِيهِ رَبُّهُ وَلَا الشَّارِعُ؛ لِحَدِيثِ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» . فَإِنْ أَذِنَ فِيهِ رَبُّهُ جَازَ أَكْلُهُ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ الشَّارِعُ كَأَكْلِ الْوَلِيِّ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ مِنْهُ، وَالْمُضْطَرِّ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ. [فَصْلٌ فِي الْمُبَاح مِنْ الْأَطْعِمَة] فَصْلٌ (وَيُبَاحُ مَا عَدَا هَذَا) الْمُتَقَدِّمِ تَحْرِيمُهُ؛ لِعُمُومِ نُصُوصِ الْإِبَاحَةِ (كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1] (وَالْخَيْلِ) كُلِّهَا عِرَابُهَا وَبَرَاذِينُهَا نَصًّا، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 وَقَالَتْ أَسْمَاءُ: «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ خَالِدٍ مَرْفُوعًا: «حَرَامٌ عَلَيْكُمْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَخَيْلُهَا وَبِغَالُهَا» . فَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ جَيِّدٌ (وَكَبَاقِي الْوُحُوشِ كَزَرَافَةٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ. زَادَ الصَّغَانِيُّ وَالْفَاءُ تُشَدَّدُ وَتُخَفَّفُ فِي الْوَجْهَيْنِ، قِيلَ هِيَ مُسَمَّاةٌ بِاسْمِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي صُورَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَهِيَ دَابَّةٌ تُشْبِهُ الْبَعِيرَ إلَّا أَنَّ عُنُقَهَا أَطْوَلُ مِنْ عُنُقِهِ، وَجِسْمَهَا أَلْطَفُ مِنْ جِسْمِهِ، وَيَدَاهَا أَطْوَلُ مِنْ رِجْلَيْهَا، وَوَجْهُ حِلِّهَا أَنَّهَا مُسْتَطَابَةٌ لَيْسَ لَهَا نَابٌ؛ أَشْبَهَتْ الْإِبِلَ (وَكَأَرْنَبٍ) أَكَلَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَرَخَّصَ فِيهَا أَبُو سَعِيدٍ. وَعَنْ أَنْسَ قَالَ: «أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا فَأَخَذْتهَا، فَجِئْت بِهَا إلَى أَبِي طَلْحَةَ، فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ بِوَرِكِهَا أَوْ قَالَ بِفَخِذِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَبِلَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَوَبْرٍ) ، لِأَنَّهَا تُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ، وَمُسْتَطَابٍ يَأْكُلُ النَّبَاتَ كَالْأَرْنَبِ (وَيَرْبُوعٍ) نَصًّا لِحُكْمِ عُمَرَ فِيهِ بِجَفَرَةٍ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (وَبَقَرِ وَحْشٍ) عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا كَأُيَّلٍ وَتَيْتُلٍ وَوَعِلٍ وَمَهَا (وَحُمُرِهِ) ؛ أَيْ: الْوَحْشِ (وَضَبٍّ) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: " كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَنْ يُهْدَى إلَى أَحَدِنَا ضَبٌّ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ دَجَاجَةٍ ". قَالَ الْحَجَّاوِيُّ: وَهُوَ دَابَّةٌ تُشْبِهُ الْحِرْدَوْنَ مِنْ عَجِيبِ خِلْقَتِهِ أَنَّ الذَّكَرَ لَهُ ذَكَرَانِ، وَالْأُنْثَى لَهَا فَرْجَانِ تَبِيضُ مِنْهُمَا (وَظِبَاءَ) وَهِيَ الْغِزْلَانُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، لِأَنَّهَا تُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ. (وَبَاقِي الطَّيْرِ كَنَعَامٍ وَدَجَاجٍ وَطَاوُوسٍ وَبَبَّغَاءَ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ (وَهِيَ الدَّرَّةُ وَزَاغٍ) طَائِرٌ صَغِيرٌ أَغْبَرُ (وَغُرَابِ زَرْعٍ) يَطِيرُ مَعَ الزَّاغِ يَأْكُلُ الزَّرْعَ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلِ؛ لِأَنَّ مَرْعَاهُمَا الزَّرْعُ أَشْبَهَا الْحَجَلَ، وَكَالْحَمَامِ بِأَنْوَاعِهِ مِنْ فَوَاخِتَ وَقَمَارِيِّ وَجَوَازِلَ وَرَقْطَى وَدَبَاسِي وَحَجَلٍ وَقَطَا وَحُبَارَى. قَالَ سَفِينَةُ: «أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُبَارَى» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَكَزُرْزُورٍ وَعَصَافِيرَ وَقَنَابِرَ وَصَعْوَةٍ جَمْعُهُ صِعَاءُ، وَهُوَ صِغَارُ الْعَصَافِيرِ أَحْمَرُ الرَّأْسِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 وَكُرْكِيٍّ مِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّهُ يَبِرُّ وَالِدَيْهِ إذَا كَبُرَ، وَإِذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَأَرَادُوا النَّوْمَ يَسْهَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَيَقِفُ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، وَيَتَنَاوَبُونَ السَّهَرَ، وَبَطٍّ وَأُوَزٍّ وَغَرَانِيقَ جَمْعُ غُرْنَقٍ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ، طَوِيلُ الْعُنُقِ. وَطَيْرُ الْمَاءِ كُلُّهُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِمَّا يَلْتَقِطُ الْحَبَّ، أَوْ يُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ؛ فَيُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطَابٌ فَيَتَنَاوَلُهُ {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157] . (وَيَحِلُّ كُلُّ حَيَوَانٍ بَحْرِيٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» . رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ (غَيْرَ ضُفْدَعٍ) فَيَحْرُمُ نَصًّا " وَاحْتُجَّ بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ وَلِاسْتِخْبَاثِهَا، فَتَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] (وَ) غَيْرَ (حَيَّةٍ) لِأَنَّهَا مِنْ الْمُسْتَخْبَثَاتِ (وَ) غَيْرَ (تِمْسَاحٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّ لَهُ نَابًا يَفْتَرِسُ النَّاسَ وَغَيْرَهُمْ، وَالْكَوْسَجُ هُوَ سَمَكَةٌ لَهَا خُرْطُومٌ كَالْمِنْشَارِ، وَتُسَمَّى الْقِرْشِيَّ؛ فَتُبَاحُ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ وَكَلْبِهِ وَإِنْسَانِهِ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَكِبَ عَلَى سَرْجٍ عَلَيْهِ مِنْ جُلُودِ كِلَابِ الْمَاءِ. (وَتَحْرُمُ الْجَلَّالَةُ) وَهِيَ (الَّتِي أَكْثَرُ عَلَفِهَا نَجَاسَةٌ، وَيَحْرُمُ لَبَنُهَا وَبَيْضُهَا) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا.» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: «نَهَى عَنْ رُكُوبِ جَلَّالَةِ الْإِبِلِ» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شُرْبِ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَبَيْضُهَا كَلَبَنِهَا لِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ (لَمْ تَحْرُمْ) وَلَا لَبَنُهَا وَلَا بَيْضُهَا (حَتَّى تُحْبَسَ ثَلَاثًا) مِنْ اللَّيَالِي بِأَيَّامِهَا؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 أَكْلَهَا يَحْبِسُهَا ثَلَاثًا (وَتُطْعَمُ الطَّاهِرَ فَقَطْ) لِزَوَالِ مَانِعِ حِلِّهَا (وَيُكْرَهُ رُكُوبُهَا) لِأَجْلِ عَرَقِهَا؛ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَمِثْلُهُ خَرُوفٌ ارْتَضَعَ مِنْ كَلْبَةٍ، ثُمَّ شَرِبَ لَبَنًا طَاهِرًا، أَوْ أَكَلَ شَيْئًا طَاهِرًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ. (وَيَتَّجِهُ طَهَارَةٌ نَحْوَ عِرْقِ الْآدَمِيِّ) كَبُصَاقِهِ وَمُخَاطِهِ (وَلَبَنِهِ وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَجَاسَةً لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ) عَنْ ذَلِكَ، (وَلِأَنَّ مَا فِي جَوْفِهِ نَجِسٌ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ غِذَاؤُهُ نَجِسًا أَوْ طَاهِرًا. قُلْت: وَكَذَا لَوْ نَزَا حِمَارٌ عَلَى فَرَسٍ فَأَتَتْ بِبَغْلَةٍ؛ فَلَبَنُهَا طَاهِرٌ؛ لِطَهَارَةِ عَيْنِ الْفَرَسِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ بَلْ مُصَرَّحٌ بِهِ. (وَيُبَاحُ أَنْ يَعْلِفَ النَّجَاسَةَ مَا لَا يُذْبَحُ قَرِيبًا أَوْ لَا يُحْلَبُ قَرِيبًا) لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهَا فِي الرَّعْيِ عَلَى اخْتِيَارِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا تُعْلَفُ النَّجَاسَةَ. قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ ". [فَائِدَةٌ عَضَّ كَلْبٌ شَاةً وَنَحْوَهَا فَكُلِّبَتْ] فَائِدَةٌ: وَإِذَا عَضَّ كَلْبٌ شَاةً وَنَحْوَهَا، فَكُلِّبَتْ ذُبِحَتْ؛ دَفْعًا لِضَرَرِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْكَلَ لَحْمُهَا لِضَرَرِهَا. (وَمَا سُقِيَ) مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ بِنَجِسٍ (أَوْ سُمِّدَ) ؛ أَيْ: جُعِلَ فِيهِ السِّمَادُ كَسَلَامِ مَا يَصْلُحُ بِهِ الزَّرْعُ مِنْ سِرْجِينٍ أَوْ رَمَادٍ (بِنَجَسٍ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ مُحَرَّمٍ؛ نَجِسٌ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كُنَّا نُكْرِي أَرَاضِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَشْتَرِطُ عَلَيْهَا أَنْ لَا يَدْمُلُوهَا بِعَذِرَةِ النَّاسِ ". قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": وَدَمَلَ الْأَرْضَ دَمْلًا وَدَمَلَانًا أَصْلَحَهَا أَوْ سَرْقَنَهَا، فَتَدَمَّلَتْ: صَلُحَتْ بِهِ انْتَهَى. وَلَوْلَا أَنَّ مَا فِيهَا يَحْرُمُ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّهُ تَتَرَبَّى بِالنَّجَاسَةِ أَجْزَاؤُهُ وَالِاسْتِحَالَةُ لَا تَطْهُرُ عِنْدَنَا (حَتَّى يُسْقَى) الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ (بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: النَّجَسِ الَّذِي سُقِيَهُ أَوْ سُمِّدَ بِهِ (بِمَاءٍ طَاهِرٍ) ؛ أَيْ: طَهُورٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 (يَسْتَهْلِكُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ) فَيَطْهُرُ وَيَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ، وَكَالْجَلَّالَةِ إذَا حُبِسَتْ وَطُعِمَتْ الطَّاهِرَاتِ، وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ. (وَيُكْرَهُ أَكْلُ فَحْمٍ وَتُرَابٍ وَطِينٍ) لَا يُتَدَاوَى بِهِ؛ لِضَرَرِهِ نَصًّا، بِخِلَافِ الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ لِلدَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَكَذَا يَسِيرُ تُرَابٍ وَطِينٍ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّهُ؛ فَلَا يُكْرَهُ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: أَكْلُ الطِّينِ (عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ) نَقَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْلُبُهُ إلَّا مَنْ بِهِ مَرَضٌ (وَ) يُكْرَهُ أَكْلُ (غُدَّةٍ وَأُذُنِ قَلْبٍ) نَصًّا. قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «كَرِهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْلَ الْغُدَّةِ» . وَنَقَلَ أَبُو الطَّالِبِ: «نَهْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ أُذُنِ الْقَلْبِ» ، وَذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَضَرَّةِ الَّتِي تَعْرِضُ لِآكِلِهِمَا. (وَ) يُكْرَهُ أَكْلُ (نَحْوِ بَصَلٍ وَثُومٍ) كَفُجْلٍ (وَكُرَّاثٍ مَا لَمْ يَنْضَجْ بِطَبْخٍ) . قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ كَرِهَهُ لِمَكَانِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنْ أَكْلَهُ كُرِهَ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَكَلَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ الْخَبِيثَةَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» . وَيُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا حُضُورُ جَمَاعَةٍ وَلَوْ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ. (وَ) يُكْرَهُ أَكْلُ (حَبٍّ دِيسَ بِحُمُرٍ) أَهْلِيَّةٍ (وَبِغَالٍ) نَصًّا، وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدُوسَهُ بِهَا. وَقَالَ حَرْبٌ: كَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْسَلَ. (وَ) يُكْرَهُ (مُدَاوَمَةُ أَكْلِ لَحْمٍ) قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ قَسْوَةَ الْقَلْبِ. (وَ) يُكْرَهُ (مَاءُ بِئْرٍ بَيْنَ قُبُورٍ وَشَوْكُهَا وَبَقْلُهَا) ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: كَمَا سُمِّدَ بِنَجَسٍ وَالْجَلَّالَةُ. وَ (لَا) يُكْرَهُ أَكْلُ (لَحْمٍ نَيِّئْ) نَقَلَهُ مُهَنَّا (وَمُنْتِنٍ) نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ، وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الْمُنْتَهَى " وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ فِي " الْإِقْنَاعِ " بِالْكَرَاهَةِ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 وَيَحْرُمُ التِّرْيَاقُ وَهُوَ دَوَاءٌ يُعَالَجُ بِهِ مِنْ السُّمُوم يُجْعَلُ فِيهِ لُحُومُ الْحَيَّاتِ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الْحَيَّةِ حَرَامٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَيَحْرُمُ أَيْضًا التَّدَاوِي بِأَلْبَانِ الْأُتُنِ وَكُلِّ مُحَرَّمٍ. [فَصْلٌ فِي حُكْم الْمُضْطَرّ] فَصْلٌ (وَمَنْ اُضْطُرَّ بِأَنْ خَافَ التَّلَفَ) إنْ لَمْ يَأْكُلْ. نَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا عَلِمَ أَنَّ النَّفْسَ تَكَادُ تَتْلَفُ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ " أَوْ خَافَ مَرَضًا أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ الرُّفْقَةِ؛ أَيْ: بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ فَيَهْلَكُ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ؛ لِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فِي ذَلِكَ (أَكَلَ وُجُوبًا مِنْهُ) نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] قَالَ مَسْرُوقٌ: مَنْ اُضْطُرَّ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ (مِنْ غَيْرِ سُمٍّ وَنَحْوِهِ) مِمَّا يَضُرُّ (مِنْ مُحَرَّمٍ) مِمَّا ذَكَرْنَا (مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ) ؛ أَيْ: بَقِيَّةَ رُوحِهِ أَوْ قُوتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] وَقَوْلِهِ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3] (فَقَطْ) ؛ أَيْ: لَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ؛ فَلَيْسَ لَهُ الشِّبَعُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ، وَاسْتَثْنَى مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، فَإِذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ لَمْ تَحِلَّ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ (إنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَفَرٍ مُحَرَّمٍ) كَسَفَرٍ لِقَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ زِنًا أَوْ لِوَاطٍ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ كَانَ فِيهِ) ؛ أَيْ: السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ (وَلَمْ يَتُبْ فَلَا) يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ أَكْلَهَا رُخْصَةٌ وَالْعَاصِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) حُكْمُ مُقِيمِ إقَامَةَ مَعْصِيَةٍ كَإِقَامَتِهِ فِي نَحْوِ بَلْدَةٍ (لِزِنًا) أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ تَعَلُّمِ اسْتِعْمَالِ آلَاتِ لَهْوٍ؛ فَيَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ هَذَا حَالُهُ، وَاضْطُرَّ لِأَكْلِ مَيْتَةٍ الْأَكْلُ مِنْهَا لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ، وَلَا يَسْتَبِيحُهَا مَنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُضْطَرِّ فِي غَيْرِ سَفَرٍ مُحَرَّمٍ (التَّزَوُّدُ إنْ خَافَ) الْحَاجَةَ إنْ لَمْ يَتَزَوَّدْ كَجَوَازِ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إنْ خَافَ عَطَشًا بِاسْتِعْمَالِهِ (وَلَيْسَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُضْطَرِّ (الشِّبَعُ) مِنْ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، وَاسْتَثْنَى مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، فَإِذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلُ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ، كَمَا يَحْرُمُ فَوْقَ الشِّبَعِ إجْمَاعًا ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " " وَالْمُبْدِعِ " (وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَجَمْعٌ) مِنْ عُلَمَائِنَا (إنْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ مُسْتَمِرَّةً جَازَ الشِّبَعُ، وَإِنْ كَانَتْ) الْحَاجَةُ (مَرْجُوَّةَ الزَّوَالِ، فَلَا) يَشْبَعُ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. (وَيَجِبُ عَلَى) مَنْ تَزَوَّدَ لَحْمَ مَيْتَةٍ وَهُوَ (غَيْرُ مُضْطَرٍّ) إلَيْهِ فِي الْحَالِ (بَذْلُهُ لِمُضْطَرٍّ) طَلَبَهُ مِنْهُ (بِلَا عِوَضٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ (وَيَجِبُ) عَلَى الْمُضْطَرِّ (تَقْدِيمُ السُّؤَالِ عَلَى أَكْلِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ لِلسَّائِلِ: قُمْ قَائِمًا لِيَكُونَ لَك عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ الْقَاضِي يَأْثَمُ إذَا لَمْ يَسْأَلْ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: إنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَسْأَلَةِ. فَهِيَ مُبَاحَةٌ قِيلَ فَإِنْ تَوَقَّفَ؟ قَالَ مَا أَظُنُّ أَحَدًا يَمُوتُ مِنْ الْجُوعِ، اللَّهُ يَأْتِيه بِرِزْقِهِ (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ: قَالَ لَا يَجِبُ؛ أَيْ: تَقْدِيمُ السُّؤَالِ وَلَا يَأْثَمُ أَيْ: بِعَدَمِهِ. تَنْبِيهٌ: فَإِنْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيه لَمْ يَحِلَّ لَهُ الِامْتِنَاعُ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 إلْقَاءٌ بِنَفْسِهِ إلَى الْهَلَاكِ، وَلَيْسَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الْمَيْتَةِ، لِعَدَمِ اضْطِرَارِهِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مَسْمُومًا، أَوْ يَكُونَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ الْمُضِرَّةِ وَيَخَافُ مَعَهُ الْهَلَاكَ فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ، وَيَعْدِلُ إلَى الْمَيْتَةِ، لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهَا، وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا مَعَ صَاحِبِهِ، وَامْتَنَعَ مِنْ بَذْلِهِ أَوْ بَيْعِهِ مِنْهُ، وَوَجَدَ الْمُضْطَرُّ ثَمَنَهُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ مُكَابَرَتُهُ عَلَيْهِ وَأَخْذُهُ مِنْهُ، وَيَعْدِلُ إلَى الْمَيْتَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَوِيًّا يَخَافُ مُكَابَرَتُهُ التَّلَفَ أَوْ لَمْ يَخَفْ، وَإِنْ بَذَلَهُ رَبُّهُ لِلْمُضْطَرِّ بِثَمَنِ مِثْلِهِ، وَقَدَرَ عَلَى الثَّمَنِ؛ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ؛ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا بِالْمُبَاحِ، وَإِنْ بَذَلَهُ بِزِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ؛ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الثَّمَنِ؛ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْعَادِمِ، فَتَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ. (وَإِنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامًا وَيَجْهَلُ مَالِكَهُ) قَدَّمَ الْمَيْتَةَ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي " الِاخْتِيَارَاتِ " إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى رَبِّهِ بِعَيْنِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْأَمَانَاتِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ أَرْبَابُهَا، قَدَّمَ أَكْلَهُ عَلَى الْمَيْتَةِ (أَوْ) وَجَدَ مُضْطَرٌّ (خِنْزِيرًا) أَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ مُحْرِمًا، وَوَجَدَ (صَيْدًا حَيًّا) ، أَوْ وَجَدَ مَيْتَةً وَ (بَيْضَ صَيْدٍ سَلِيمًا) ؛ أَيْ: الْبَيْضَ (وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَدَّمَ الْمَيْتَةَ) لِأَنَّ ذَبْحَ الصَّيْدِ جِنَايَةٌ لَا تَجُوزُ لَهُ حَالَ الْإِحْرَامِ. (وَيُقَدِّمُ) مُضْطَرٌّ (عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: الْمَيْتَةِ (لَحْمَ صَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ) قَالَهُ الْقَاضِي، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي " التَّنْقِيحِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَتَمَيَّزُ ذَبْحُ الْمُحْرِمِ بِالِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ مُذَكًّى، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُحْرِمُ الْمُضْطَرُّ إلَّا صَيْدًا ذَبَحَهُ، وَكَانَ ذَكِيًّا طَاهِرًا؛ وَلَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَا مَيْتَةٍ فِي حَقِّهِ؛ لِإِبَاحَتِهِ لَهُ إذَنْ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ، وَتُعْتَبَرُ شُرُوطُ الذَّكَاةِ فِيهِ (وَلَهُ الشِّبَعُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ ذَكِيٌّ لَا مَيْتَةٌ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ إذَنْ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَكَاتِهِ كَالْأَهْلِيِّ الْمَأْكُولِ، وَهُوَ مَيْتَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَا يُبَاحُ إلَّا لِمَنْ تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ (وَيُقَدِّمُ) مُضْطَرٌّ مُحْرِمٌ (عَلَى صَيْدٍ حَيٍّ طَعَامًا يَجْهَلُ مَالِكَهُ) لِأَنَّهُ أَكَلَ مَالَ غَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ، فَجَازَ بِشَرْطِ الضَّمَانِ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّيْدَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ، بِخِلَافِ طَعَامِ الْغَيْرِ؛ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فِي حَالِ بَيْعِ مَالِكِهِ لَهُ وَهِبَتِهِ، فَكَانَ أَخَفَّ حُكْمًا لِذَلِكَ (وَلَمْ أَقِفْ) فِي كَلَامِهِمْ (عَلَى مَفْهُومِ) قَوْلِهِمْ (يَجْهَلُ مَالِكَهُ) وَلَعَلَّ مَفْهُومَهُ إذَا كَانَ مَالِكُ الطَّعَامِ مَعْلُومًا، وَاضْطُرَّ إلَيْهِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَضْطَرَّ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِحَدِيثِ: «ابْدَأْ بِنَفْسِك» . وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُضْطَرٍّ وَلَا خَائِفَ الِاضْطِرَارِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ لِلْمُضْطَرِّ مَا يَسُدُّ مَعَهُ رَمَقَهُ كَمَا يَأْتِي بِخِلَافِ الْمَجْهُولِ مَالِكُهُ؛ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ، بَلْ هُوَ كَمَا ذَكَرَهُ. (وَتُقَدَّمُ مَيْتَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا) ؛ أَيْ: فِي إبَاحَتِهَا (عَلَى) مَيْتَةٍ (مُجْمَعٍ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى تَحْرِيمِهَا؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا مُبَاحَةٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا وَجَدَهَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمُبَاحِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى. (وَيَتَّجِهُ) تَقْدِيمُ مَيْتَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا عَلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهَا (وُجُوبًا) لِأَنَّهَا أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهَا (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ الْكَلْبَ يُقَدَّمُ) عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَى أَكْلِهِ (عَلَى الْخِنْزِيرِ) لِقَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ بِإِبَاحَتِهِ، (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يُقَدَّمُ نَحْوُ شَحْمِ) وَكُلْيَةِ (وَكَبِدِ) وَطِحَالِ (خِنْزِيرٍ عَلَى مَيْتَةٍ) لِأَنَّ الْمَيْتَةَ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ شَحْمِهِ (لِقَوْلِ) الْإِمَامِ (دَاوُد) الظَّاهِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (بِحِلِّهِ) أَيْ: الشَّحْمِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ صَرِيحٌ فِي اللَّحْمِ فَقَطْ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، فَأَكَلَ نَحْوَ الشَّحْمِ؛ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَتَحَرَّى) مُضْطَرٌّ (فِي مُذَكَّاةٍ اشْتَبَهَتْ بِمَيْتَةٍ) لِأَنَّهَا غَايَةُ مَقْدُورِهِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا حَتَّى يَعْلَمَ الْمُذَكَّاةَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ) مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ (إلَّا طَعَامَ غَيْرِهِ [فَرَبُّهُ] الْمُضْطَرُّ أَوْ الْخَائِفُ يُضْطَرُّ أَحَقُّ بِهِ) مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ سَاوَاهُ فِي الِاضْطِرَارِ، وَانْفَرَدَ عَنْهُ بِالْمِلْكِ؛ أَشْبَهَ غَيْرَ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ (وَلَيْسَ لَهُ) ؛ أَيْ: رَبِّ الطَّعَامِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ (إيثَارُ غَيْرِهِ بِهِ) لِأَنَّهُ إذَا آثَرَ غَيْرَهُ بِهِ، فَهَلَكَ جُوعًا كَانَ كَالْمُلْقِي بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ، وَفِي " الْهَدْيِ " فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ يَجُوزُ، وَإِنَّهُ غَايَةُ الْجُودِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] . وَلِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي فُتُوحِ الشَّامِ، وَعُدَّ ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِهِمْ. ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَعَلَّهُ لِعِلْمِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ. (وَإِلَّا) يَكُنْ رَبُّ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا وَلَا خَائِفًا أَنْ يَضْطَرَّ (لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: رَبَّ الطَّعَامِ (بَذْلُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ) ؛ أَيْ: الْمُضْطَرِّ (فَقَطْ) لِأَنَّهُ إنْقَاذٌ لِمَعْصُومٍ مِنْ الْهَلَكَةِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ (بِقِيمَتِهِ) ؛ أَيْ: الطَّعَامِ نَصًّا لَا مَجَّانًا (وَلَوْ فِي ذِمَّةِ مُعْسِرٍ) لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ، (فَإِذَا أَبَى) رَبُّ الطَّعَامِ بَذْلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ (أَخَذَهُ) مِنْهُ مُضْطَرٌّ (بِالْأَسْهَلِ) فَالْأَسْهَلِ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ (قَهْرًا) ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ مَالِكِهِ؛ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ (وَيُعْطِيه عِوَضَهُ مِنْ مِثْلِ مِثْلِيٍّ وَقِيمَةِ مُتَقَوِّمٍ) لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَى رَبِّ الْعَيْنِ فَوَاتُ الْمَالِ وَالْبَدَلِ، وَيَعْتَبِرُ قِيمَةُ مُتَقَوِّمٍ (يَوْمَ أَخْذِهِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ تَلَفِهِ (فَإِنْ مَنَعَهُ) رَبُّ الطَّعَامِ أَخْذَهُ بِعِوَضِهِ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُضْطَرِّ (قِتَالُهُ عَلَيْهِ) لِكَوْنِهِ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُ؛ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ وَهُوَ مَنَعَهُ (فَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ؛ ضَمِنَهُ رَبُّ الطَّعَامِ) لِقَتْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ (لَا عَكْسُهُ) بِأَنْ قُتِلَ رَبُّ الطَّعَامِ؛ فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُضْطَرُّ، وَيَذْهَبُ هَدَرًا؛ لِظُلْمِهِ بِقِتَالِهِ لِلْمُضْطَرِّ؛ أَشْبَهَ الصَّائِلَ (وَإِنْ مَنَعَهُ) أَيْ الطَّعَامَ مِنْ الْمُضْطَرِّ رَبُّهُ (إلَّا بِمَا فَوْقَ الْقِيمَةِ، فَاشْتَرَاهُ) الْمُضْطَرُّ مِنْهُ (بِذَلِكَ) الَّذِي طَلَبَهُ لِاضْطِرَارِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 إلَيْهِ (كَرَاهَةَ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمَا دَمٌ؛ أَوْ عَجَزَ عَنْ قِتَالِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ) ؛ أَيْ: الْمُضْطَرَّ (إلَّا الْقِيمَةُ) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ لَهُ، وَالزَّائِدُ أُكْرِهَ عَلَى الْتِزَامِهِ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ؛ رَجَعَ بِهِ (وَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ الْعَطْشَانِ وَيَتَّجِهُ) وَكَذَا كَانَ لَهُ أَخْذُ (الطَّعَامِ) مِنْ الْجَائِعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) كَانَ (عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَكَانَ لَهُ طَلَبُ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا اشْتَدَّتْ الْمَخْمَصَةُ فِي سَنَةِ الْمَجَاعَةِ، وَكَانَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ فَقَطْ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُ شَيْءٍ مِنْهُ لِلْمُضْطَرِّينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْهُ كُرْهًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْدَفِعَ عَنْ الْمُضْطَرِّينَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي سَفَرٍ وَمَعَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَضْلَةٍ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ مَا مَعَهُ لِلْمُضْطَرِّينَ، كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ غَرِيقٍ بِتَغْرِيقِ نَفْسِهِ. (وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمَالِ كَثِيَابٍ لِدَفْعِ بَرْدٍ وَمِقْدَحَةٍ وَنَحْوِهِ وَدَلْوٍ وَحَبْلٍ لِاسْتِقَاءِ مَاءٍ (وَجَبَ) عَلَى رَبِّ الْمَالِ (بَذْلُهُ) لِمَنْ اُضْطُرَّ لِنَفْعِهِ (مَجَّانًا) بِلَا عِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّ عَلَى مَنْعِهِ بِقَوْلِهِ: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] وَمَا لَا يَجِبُ بَذْلُهُ لَا يُذَمُّ عَلَى مَنْعِهِ، وَمَا وَجَبَ فِعْلُهُ لَا يَقِفُ عَلَى بَذْلِهِ الْعِوَضُ، بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ فَلِرَبِّهَا مَنْعُهَا بِدُونِ عِوَضٍ وَلَا يُذَمُّ عَلَى ذَلِكَ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ بَذْلِ نَحْوِ مَاعُونٍ (مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ) ؛ أَيْ: رَبِّهِ (إلَيْهِ) فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِتَمَيُّزِهِ بِالْمِلْكِ. (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ) مِنْ مُضْطَرِّينَ (إلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ كَحَرْبِيٍّ وَزَانٍ مُحْصِنٍ) وَمُرْتَدٍّ (فَلَهُ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ) لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ؛ أَشْبَهَ السِّبَاعَ، وَكَذَا إنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا، و (لَا) يَجُوزُ لِمُضْطَرٍّ (أَكْلُ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَوْجُودٍ لِتَحْصِيلِ مَوْهُومٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ مَعْصُومٍ وَأَكْلُهُ وَإِتْلَافُ عُضْوٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْمُضْطَرِّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْقَاءُ نَفْسِهِ بِإِتْلَافِ مِثْلِهِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَيْسَ لَهُ أَكْلُ (مَعْصُومٍ وَلَوْ) وَجَدَهُ (مَيِّتًا) ؛ لِأَنَّهُ: كَالْحَيِّ فِي الْحُرْمَةِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا» . (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ إلَّا زَانِيًا مُحْصَنًا وَكَلْبًا، فَلَهُ (قَتْلُ زَانٍ) مُحْصَنٍ وَأَكْلُهُ لِإِهْدَارِ الشَّارِعِ دَمَهُ، وَ (لَا) يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ (كَلْبٍ وَأَكْلُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ) فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. تَتِمَّةٌ: وَإِنْ لَمْ يَبْقَ دِرْهَمٌ مُبَاحٌ جَازَ الْأَكْلُ عَلَى الْعَادَةِ، لَا مَا لِلْإِنْسَانِ عَنْهُ غِنًى، كَحَلْوَى وَفَاكِهَةٍ قَالَهُ فِي " النَّوَادِرِ ". [فَصْلٌ فِي مَنْ مَرَّ بِثَمَرَةِ بُسْتَانٍ وَلَا حَائِطَ عَلَيْهِ وَلَا نَاظِرَ لَهُ] فَصْلٌ (وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرَةِ بُسْتَانٍ وَلَا حَائِطَ عَلَيْهِ وَلَا نَاظِرَ لَهُ) ؛ أَيْ: حَارِسَ (فَلَهُ الْأَكْلُ) مِنْهَا سَاقِطَةً كَانَتْ أَوْ بِشَجَرِهَا (وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ) لِأَكْلِهَا (مَجَّانًا) بِلَا عِوَضٍ عَمَّا يَأْكُلُهُ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي زَيْنَبَ التَّيْمِيُّ قَالَ: " سَافَرْت مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي بَرْزَةَ، فَكَانُوا يَمُرُّونَ بِالثِّمَارِ فَيَأْكُلُونَ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ عُمَرُ: " يَأْكُلُ؛ وَلَا يَتَّخِذُ خُبْنَةً " وَهِيَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مَا يَحْمِلُهُ فِي حِضْنِهِ. وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَتَيْت حَائِطَ بُسْتَانٍ، فَنَادِ يَا صَاحِبَ الْبُسْتَانِ، فَإِنْ أَجَابَك؛ وَإِلَّا فَكُلْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَكَوْنُ سَعْدٍ أَبَى الْأَكْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتْرُكُ الْمُبَاحَ غِنَاءً عَنْهُ أَوْ تَوَرُّعًا، فَإِنْ كَانَ الْبُسْتَانُ مَحُوطًا لَمْ يَجُزْ الدُّخُولُ إلَيْهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِطٌ فَهُوَ حِرْزٌ فَلَا تَأْكُلْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا حَائِطٌ فَلَا بَأْسَ. وَكَذَا إنْ كَانَ ثَمَّ حَارِسٌ؛ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى شُحِّ صَاحِبِهِ وَعَدَمِ الْمُسَامَحَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 وَ (لَا) يَجُوزُ (صُعُودُ شَجَرِهِ) ؛ أَيْ: الثَّمَرِ (وَلَا ضَرْبُهُ أَوْ رَمْيُهُ بِشَيْءٍ) نَصًّا وَلَوْ كَانَ الْبُسْتَانُ غَيْرَ مَحُوطٍ وَلَا حَارِسَ، لِحَدِيثِ الْأَثْرَمِ: «وَكُلْ مِمَّا وَقَعَ أَشْبَعَك اللَّهُ وَأَرْوَاك» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَلِأَنَّ الضَّرْبَ وَالرَّمْيَ يُفْسِدُ الثَّمَرَ. (وَاسْتَحَبَّ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ " التَّرْغِيبِ " (أَنْ يُنَادِي الْمَارُّ قَبْلَ الْأَكْلِ ثَلَاثًا يَا صَاحِبَ الْبُسْتَانِ، فَإِنْ أَجَابَهُ، وَإِلَّا أَكَلَ، وَلَا يَحْمِلُ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَلَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ ثَمَرٍ مَجْنِيٍّ مَجْمُوعٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ) بِأَنْ كَانَ مُضْطَرًّا كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ. (وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَثَمَرِ الشَّجَرِ (زَرْعٌ قَائِمٌ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَكْلِ الْفَرِيكَةِ (وَشُرْبُ لَبَنِ مَاشِيَةٍ) لِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلِيَسْتَأْذِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَلْيَسْتَحْلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ (وَأَلْحَقَ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ (بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: الزَّرْعِ الْقَائِمِ (بَاقِلَّاءَ وَحِمَّصًا أَخْضَرَيْنِ) وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ رَطْبًا عَادَةً؛ لِمَا سَبَقَ (قَالَ الْمُنَقِّحُ: وَهُوَ قَوِيٌّ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ: حَسَنٌ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا وَرَقُ نَحْوِ فُجْلٍ وَبَصَلٍ) وَلِفْتٍ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (لَا نَحْوُ شَعِيرٍ) مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ رَطْبًا؛ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ؛ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ شَرْعًا وَعَادَةً. (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ جُبْنِ الْمَجُوسِ وَغَيْرِهِمْ) مِنْ الْكُفَّارِ، وَلَوْ كَانَتْ، إنْفَحَتُهُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، وَكَذَا الدُّرُوزُ وَالنُّصَيْرِيَّةُ وَالتَّيَامِنَةُ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة جِيلٌ مِنْ النَّاسِ يَتَزَوَّجُونَ مَحَارِمَهُمْ، وَيَفْعَلُونَ كَثِيرًا مِنْ الْبِدَعِ، سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْجُبْنِ فَقَالَ: يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، فَقِيلَ لَهُ عَنْ الْجُبْنِ الَّذِي يَصْنَعُهُ الْمَجُوسُ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي، وَذَكَرَ أَنَّ أَصَحَّ حَدِيثٍ فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ: " أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجُبْنِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 وَقِيلَ لَهُ يُعْمَلُ فِيهِ إنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ، قَالَ: سَمُّوا اسْمَ اللَّهِ، وَكُلُوا. تَنْبِيهٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَوْزَ وَلَا الْبَيْضَ الَّذِي اُكْتُسِبَ مِنْ الْقِمَارِ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَلَا يَمْلِكُونَهُ، وَكَذَا أَكْلُ مَا أُخِذَ بِالْقِمَارِ. (وَيَلْزَمُ مُسْلِمًا) لَا ذِمِّيًّا (ضِيَافَةُ مُسْلِمٍ) لَا ذِمِّيٍّ (مُسَافِرٍ) لَا مُقِيمٍ (فِي قَرْيَةٍ لَا مِصْرٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً قَدْرَ كِفَايَتِهِ مَعَ أُدْمٍ) وَفِي " الْوَاضِحِ " لِفَرَسِهِ تِبْنٌ لَا شَعِيرٌ. قَالَ: فِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ كَأُدْمِهِ، وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْمَعْرُوفَ عَادَةً. قَالَ كَزَوْجَةٍ وَقَرِيبٍ وَرَفِيقٍ؛ لِمَا رَوَى الْمِقْدَادُ بْنُ كَرِيمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْلَةُ الضَّيْفِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ مَحْرُومًا كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اقْتَضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، «فَإِنْ لَمْ يُقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يَعْقُبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ» . وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: «قُلْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَنَا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ: إنْ نَزَلْتُمْ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلَوْ لَمْ تَجِبْ الضِّيَافَةُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْأَخْذِ، وَاخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِ وَالْمُسَافِرِ؛ لِقَوْلِ عُقْبَةَ: إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ، وَبِأَهْلِ الْقُرَى؛ لِقَوْلِهِ: بِقَوْمٍ، وَالْقَوْمُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْجَمَاعَاتِ دُونَ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَلِأَنَّ الْقُرَى مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إلَى الضِّيَافَةِ، وَالْإِيوَاءِ لِبُعْدِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، بِخِلَافِ الْمِصْرِ فَفِيهِ السُّوقُ وَالْمَسَاجِدُ. (وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ (إنْزَالُهُ) ؛ أَيْ: الضَّيْفِ (بِبَيْتِهِ مَعَ عَدَمِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) كَخَانٍ وَرِبَاطٍ يَنْزِلُ فِيهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِيوَاءِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ (فَإِنْ أَبَى) الْمُضِيفُ الضِّيَافَةَ (فَلِلضَّيْفِ طَلَبُهُ بِهِ) ؛ أَيْ: مَا وَجَبَ لَهُ (عِنْدَ الْحَاكِمِ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَالزَّوْجَةِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَى) الضَّيْفِ أَنْ يُحَاكِمَهُ (جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِ) بِقَدْرِ ضِيَافَتِهِ الْوَاجِبَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 (وَتُسْتَحَبُّ) الضِّيَافَةُ (ثَلَاثَةً) ؛ أَيْ: ثَلَاثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا، وَالْمُرَادُ يَوْمَانِ مَعَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ (وَمَا زَادَ) عَلَيْهَا (فَصَدَقَةٌ) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ يَرْفَعُهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ قَالُوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُؤْثِمَهُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُؤْثِمُهُ؟ قَالَ يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَقْرِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَيْسَ لَضَيْفَانِ قِسْمَةُ طَعَامٍ قُدِّمَ لَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ (وَ) يَجُوزُ (لِضَيْفٍ شُرْبٌ مِنْ إنَاءِ رَبِّ الْبَيْتِ وَاتِّكَاءٌ عَلَى وِسَادَتِهِ وَقَضَاءُ حَاجَتِهِ فِي مِرْحَاضِهِ [بِلَا اسْتِئْذَانٍ] ) بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا كَطَرْقِ بَابِهِ عَلَيْهِ وَحَلَقَتِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَمُبْتَدِعٌ مَذْمُومٌ) قَالَ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} [البقرة: 172] فَإِنْ كَانَ لِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ كَطِيبٍ فِيهِ شُبْهَةٌ، أَوْ عَلَيْهِ فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَا بِدَعَ. (وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْبِطِّيخِ؛ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِكَيْفِيَّةِ أَكْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَذِبٌ) عَلَيْهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. تَتِمَّةٌ: ذُكِرَ فِي " عُمْدَةِ الصَّفْوَةِ فِي حِلِّ الْقَهْوَةِ " لِلْجَزَرِيِّ نَقْلًا عَنْ تَارِيخِ الْمَقْرِيزِي الْمُسَمَّى بِ " الْمُقَفَّى «أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عِيسَى بْنِ سِرَاجٍ النَّاسِخَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِينَ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُؤْكَلُ الْبِطِّيخُ؟ فَقَطَعَ شَقَّةً وَأَكَلَهَا مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ إلَى نِصْفِهَا، ثُمَّ حَوَّلَهَا إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَأَكَلَهَا حَتَّى فَرَغَتْ، وَقَالَ: هَكَذَا يُؤْكَلُ الْبِطِّيخُ» : انْتَهَى. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ رُؤْيَا الْمَنَامِ لَا تَثْبُتُ بِهَا الْأَحْكَامُ، لَكِنَّهُ اسْتِئْنَاسٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 [كِتَابُ الذَّكَاةِ] ِ قَالَ الزَّجَّاجُ: الذَّكَاةُ تَمَامُ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ الذَّكَاةُ فِي السِّنِّ وَهُوَ تَمَامُ السِّنِّ، وَسُمِّيَ الذَّبْحُ ذَكَاةً لِأَنَّهُ إتْمَامُ الزَّهُوقِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ؛ أَيْ: مَا أَدْرَكْتُمُوهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ، فَأَتْمَمْتُمُوهُ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الذَّبْحِ، سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ جُرْحٍ سَابِقٍ أَوْ ابْتِدَاءً، يُقَالُ ذَكَّى الشَّاةَ وَنَحْوَهَا تَذْكِيَةً؛ أَيْ: ذَبَحَهَا، وَالِاسْمُ الذَّكَاةُ، وَالْمَذْبُوحُ ذَكِيٌّ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. (وَهُوَ) شَرْعًا (ذَبْحُ أَوْ نَحْرُ حَيَوَانٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مُبَاحٍ أَكْلُهُ فِي الْبَرِّ لَا جَرَادٍ وَنَحْوِهِ) كَجُنْدُبِ وَدَبَا بِوَزْنِ عَصَى الْجَرَادِ يَتَحَرَّك قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أَجْنِحَتُهُ (بِقَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ) وَيَأْتِي بَيَانُهُمَا (أَوْ عَقْرِ) حَيَوَانٍ (مُمْتَنِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَمَا لَمْ يُذْكَرْ فَهُوَ مَيْتَةٌ، فَذَبْحُ نَحْوِ كَلْبٍ وَسَبُعٍ لَا يُسَمَّى ذَكَاةً. (وَيُبَاحُ جَرَادٌ وَسَمَكٌ وَمَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ بِدُونِهَا) ؛ أَيْ: الذَّكَاةِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ سَوَاءٌ مَاتَ الْجَرَادُ بِسَبَبٍ كَكَبْسِهِ وَتَفْرِيقِهِ أَوْ لَا، وَلَا بَيْنَ الطَّافِي مِنْ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ مَا صَادَهُ مَجُوسِيٌّ مِنْ سَمَكٍ وَجَرَادِ أَوْ صَادَهُ غَيْرُهُ. وَ (لَا) يُبَاحُ (مَا يَعِيشُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْمَاءِ (وَفِي بَرٍّ كَكَلْبِ مَاءٍ وَطَيْرِهِ وَسُلَحْفَاةٍ وَسَرَطَانٍ إلَّا بِهَا) ؛ أَيْ: الذَّكَاةِ. قَالَ أَحْمَدُ: كَلْبُ الْمَاءِ نَذْبَحُهُ، وَلَا نَرَى بَأْسًا بِالسُّلَحْفَاةِ إذَا ذُبِحَ إلْحَاقًا لِذَلِكَ بِحَيَوَانِ الْبَرِّ؛ كَكَوْنِهِ يَعِيشُ فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 احْتِيَاطًا. (وَذَكَاةُ سَرَطَانٍ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا يُمَوِّتُهُ) بِأَنْ يُعْقَرَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَمُلْتَوَى عُنُقِهِ (وَيَحْرُمُ بَلْعُ سَمَكٍ حَيًّا وَكُرِهَ شَيُّهُ) ؛ أَيْ: السَّمَكِ (حَيًّا) لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهُ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَمُوتُ بِسُرْعَةٍ، (لَا) شَيُّ (جَرَادٍ) حَيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا دَمَ لَهُ وَلَا يَمُوتُ فِي الْحَالِ، وَفِي " مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ " أَنَّ كَعْبًا كَانَ مُحْرِمًا، فَمَرَّتْ بِهِ رَجْلُ جَرَادٍ فَنَسِيَ وَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ، فَأَلْقَاهُمَا فِي النَّارِ، فَشَوَاهُمَا وَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَلَمْ يُنْكِرْ عُمَرُ تَرْكَهُمَا فِي النَّارِ (وَيَجُوزُ أَكْلُ سَمَكٍ وَجَرَادٍ بِمَا فِيهِمَا) بِأَنْ يُقْلَى أَوْ يُشْوَى بِلَا شَقِّ بَطْنٍ كَدُودِ فَاكِهَةٍ تَبَعًا. [شُرُوطُ صِحَّةِ الذَّكَاة] (وَشُرُوطُ) صِحَّةِ (ذَكَاةٍ) ذَبْحًا كَانَتْ أَوْ نَحْرًا أَوْ عَقْرًا لِمُمْتَنِعٍ أَرْبَعَةٌ. (أَحَدُهَا كَوْنُ فَاعِلٍ) لِذَبْحٍ أَوْ عَقْرٍ أَوْ نَحْرٍ (عَاقِلًا لِيَصِحَّ) مِنْهُ (قَصْدُ التَّذْكِيَةِ) فَلَا يُبَاحُ مَا ذَكَّاهُ مَجْنُونٌ أَوْ طِفْلٌ لَمْ يُمَيِّزْ؛ لِأَنَّهُمَا لَا قَصْدَ لَهُمَا كَمَا لَوْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بِسَيْفٍ، فَقَطَعَ عُنُقَ شَاةٍ؛ وَلِأَنَّ الذَّكَاةَ أَمْرٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الدِّينُ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْعَقْلُ كَالْغُسْلِ، فَتَصِحُّ ذَكَاةُ عَاقِلٍ (وَلَوْ) كَانَ (مُتَعَدِّيًا بِهِ أَوْ) كَانَ (مُكْرَهًا) عَلَى ذَبْحٍ مِلْكَهُ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا صَحِيحًا (أَوْ مُمَيِّزًا) فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ كَالْبَالِغِ، (أَوْ) كَانَ (أُنْثَى) وَلَوْ حَائِضًا، (أَوْ) كَانَ قِنًّا (أَوْ أَقْلَفَ) وَتُكْرَهُ ذَبِيحَتُهُ، وَتُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ، (أَوْ) كَانَ (جُنُبًا) لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ: لَا تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أُرْسِلَ إلَيْهِ فَأَمَرَ مَنْ يَسْأَلُهُ وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. فَفِيهِ إبَاحَةُ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَالْأَمَةِ وَالْحَائِضِ وَالْجُنُبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْهَا. وَفِيهِ أَيْضًا إبَاحَةُ الذَّبْحِ بِالْحَجِرِ عِنْدَ خَوْفِهِ عَلَيْهِ الْمَوْتَ، وَكَذَا حِلُّ ذَكَاةِ الْأَقْلَفِ وَالْفَاسِقِ (أَوْ) كَانَ (كِتَابِيًّا وَلَوْ حَرْبِيًّا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، (أَوْ) كَانَ الْكِتَابِيُّ (مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِب) لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَ (لَا) تَحِلُّ (مِنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ غَيْرِ كِتَابِيٍّ) تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، (وَلَا) ذَبِيحَةُ (وَثَنِيٍّ وَ) لَا (مَجُوسِيٍّ وَلَا زِنْدِيقٍ وَلَا مُرْتَدٍّ) لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] وَإِنَّمَا (أُخِذَتْ) مِنْ الْمَجُوسِ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ تَقْضِي تَحْرِيمَ دِمَائِهِمْ، فَكَمَا غَلَبَ التَّحْرِيمُ فِيهَا غَلَبَ عَدَمُ الْكِتَابِ فِي تَحْرِيمِ ذَبَائِحِهِمْ وَنِسَائِهِمْ احْتِيَاطًا لِلتَّحْرِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. (وَ) لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ (سَكْرَانَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ (وَ) لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ (دُرْزِيٍّ وَإِسْمَاعِيلِيٍّ) لِمَفْهُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ (فَلَوْ احْتَكَّ) حَيَوَانٌ (مَأْكُولٌ بِمُحَدَّدٍ بِيَدِهِ) ؛ أَيْ: السَّكْرَانِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، أَوْ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّذْكِيَةَ فَانْقَطَعَ بِاحْتِكَاكِهِ حُلْقُومُهُ وَمَرِيئُهُ (لَمْ يَحِلَّ) لِعَدَمِ قَصْدِ التَّذْكِيَةِ. (وَلَا يُعْتَبَرُ) فِي التَّذْكِيَةِ (قَصْدُ الْأَكْلِ) اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ التَّذْكِيَةِ؛ لِتَضَمُّنِهَا إيَّاهَا. الشَّرْطُ (الثَّانِي الْآلَةُ) بِأَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَنْحَرَ بِمُحَدَّدٍ يَقْطَعُ؛ أَيْ: يَنْهَرُ الدَّمَ بِحَدِّهِ (فَتَحِلُّ) الذَّكَاةُ (بِكُلِّ مُحَدَّدٍ حَتَّى حَجَرٍ وَقَصَبٍ وَفِضَةٍ [وَعَظْمٍ غَيْرِ] سِنٍّ وَظُفُرٍ) نَصًّا؛ لِحَدِيثِ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعٍ (وَلَوْ) كَانَ الْمَحْدُودُ (مَغْصُوبًا) لِعُمُومِ الْخَبَرِ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ قَطْعُ حُلْقُومٍ) ؛ أَيْ: مَجْرَى النَّفَسِ (وَمَرِيئِهِ) بِالْمَدِّ، (وَهُوَ الْبُلْعُومُ) مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ فَوْقَ الْغَلْصَمَةِ، وَهِيَ الْمَوْضِعُ النَّاتِئُ مِنْ الْحَلْقِ أَوْ دُونَهَا وَ (لَا) يُعْتَبَرُ قَطْعُ (شَيْءٍ غَيْرِهِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 كَالْوَدَجَيْنِ وَالْأَوْلَى قَطْعُهُمَا) ؛ أَيْ: الْوَدَجَيْنِ احْتِيَاطًا. قَالَ عُمَرُ النَّحْرُ فِي اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ لِمَنْ قَدَرَ. احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. وَرَوَى سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. (وَلَا) يُشْتَرَطُ (إبَانَتُهُمَا) ؛ أَيْ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ (وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ يَدِهِ) ؛ أَيْ الذَّابِحِ (إنْ أَتَمَّ الذَّكَاةَ مِنْ الْفَوْرِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَرْفَعْهَا؛ فَإِنْ تَرَاخَى وَوَصَلَ الْحَيَوَانُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَأَتَمَّهَا؛ لَمْ يَحِلَّ. (وَمَحَلُّ الذَّكَاةِ الْحَلْقُ وَاللَّبَّةُ وَهِيَ الْوَهْدَةُ الَّتِي بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالصَّدْرِ) لِمَا تَقَدَّمَ، فَيَذْبَحُ، فِي الْحَلْقِ، وَيَنْحَرُ فِي اللَّبَّةِ، وَاخْتَصَّ الذَّبْحُ بِالْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْعُرُوقِ، فَيُخْرِجُ الذَّبْحُ فِيهِ الدِّمَاءَ السَّيَّالَةَ، وَيُسْرِعُ زَهُوقَ الرُّوحِ؛ فَيَكُونُ أَطْيَبَ لِلَّحْمِ، وَأَخَفَّ عَلَى الْحَيَوَانِ (وَسُنَّ نَحْرُ إبِلٍ بِطَعْنٍ بِمُحَدَّدٍ فِي لَبَّتِهَا) وَتَقَدَّمَتْ (وَ) السُّنَّةُ (ذَبْحُ غَيْرِهَا) ؛ أَيْ: الْإِبِلِ، قَالَ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قَالَ: " {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَثَبَتَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ بَدَنَةً، وَضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَمَنْ عَكَسَ) ؛ أَيْ: ذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ غَيْرَهَا (أَجْزَأَهُ) ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ: «أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» وَقَالَتْ أَسْمَاءُ: «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ» . وَعَنْ عَائِشَةَ «نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً وَاحِدَةً» . (وَذَكَاةُ مَا عَجَزَ عَنْهُ كَوَاقِعٍ فِي بِئْرٍ وَمُتَوَحِّشٍ يَجْرَحُهُ حَيْثُ كَانَ) ؛ أَيْ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَ جَرْحُهُ فِيهِ مِنْ بَدَنِهِ. رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ؛ لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 فَنَدَّ بَعِيرٌ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرٌ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ كَذَا.» وَفِي لَفْظٍ: «فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاعْتِبَارًا لِلْحَيَوَانِ بِحَالِ الذَّكَاةِ لَا بِأَصْلِهِ بِدَلِيلِ الْوَحْشِيِّ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَالْمُتَرَدِّي إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَذْكِيَتِهِ يُشْبِهُ الْوَحْشِيَّ فِي الْعَجْزِ عَنْ تَذْكِيَتِهِ (فَإِنْ أَعَانَهُ) ؛ أَيْ: الْجُرْحَ عَلَى قَتْلِهِ (غَيْرُهُ كَكَوْنِ رَأْسِهِ) ؛ أَيْ: الْوَاقِعِ فِي نَحْوِ بِئْرٍ (بِمَاءٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا يُقْتَلُ لَوْ انْفَرَدَ (لَمْ يَحِلَّ) لِحُصُولِ قَتْلِهِ بِمُبِيحٍ وَحَاظِرٍ، فَغَلَبَ الْحَظْرُ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ فِي ذَبْحِهِ. (وَمَا ذُبِحَ مِنْ قَفَاهُ وَلَوْ عَمْدًا إنْ [أَتَتْ الْآلَةُ] ) الَّتِي ذَبَحَ بِهَا مِنْ نَحْوِ سِكِّينٍ (عَلَى مَحَلِّ ذَبْحِهِ) ؛ أَيْ: الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ (وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ) لِبَقَاءِ الْحَيَاةِ مَعَ الْجُرْحِ فِي الْقَفَا وَإِنْ كَانَ غَائِرًا مَا لَمْ يُقْطَعْ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَكَأَكِيلَةِ السَّبُعِ إذَا أُدْرِكَتْ وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَذُبِحَتْ؛ حَلَّتْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعِيشُ مَعَ ذَلِكَ غَالِبًا (وَإِلَّا) تَأْتِ الْآلَةُ عَلَى مَحَلِّ الذَّبْحِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ (فَلَا) ، وَتُعْتَبَرُ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ بِالْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ، فَإِنْ شَكَّ هَلْ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَبْلَ قَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ؛ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ بَقَاءَ ذَلِكَ لِحِدَةِ الْآلَةِ وَسُرْعَةِ الْقَطْعِ؛ حَلَّ، وَإِنْ كَانَتْ الْآلَةُ كَالَّةً، وَأَبْطَأَ فِعْلُهُ، وَطَالَ تَعْذِيبُهُ؛ لَمْ يُبَحْ (وَلَوْ أَبَانَ رَأْسَهُ) ؛ أَيْ: الْمَأْكُولِ مُرِيدًا بِذَلِكَ تَذْكِيَتَهُ (حَلَّ مُطْلَقًا) ؛ أَيْ؛ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ وَجْهِهِ أَوْ قَفَاهُ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ فِيمَنْ ضَرَبَ وَجْهَ ثَوْرٍ بِالسَّيْفِ: تِلْكَ ذَكَاةٌ. وَأَفْتَى بِأَكْلِهَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ قَطْعُ مَا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ مَعَ الذَّبْحِ. (وَ) حَيَوَانٌ (مُلْتَوٍ عُنُقُهُ كَمَعْجُوزٍ عَنْهُ) لِلْعَجْزِ عَنْ الذَّبْحِ فِي مَحَلِّهِ كَالْمُتَرَدِّيَةِ فِي بِئْرٍ (وَمَا أَصَابَهُ سَبَبُ مَوْتٍ) مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ (مِنْ مُنْخَنِقَةٍ) الَّتِي تَخْنُقُ حَلْقَهَا (وَمَوْقُوذَةٍ) ؛ أَيْ: مَضْرُوبَةٍ حَتَّى تُشْرِفَ عَلَى الْمَوْتِ (وَمُتَرَدِّيَةٍ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 أَيْ: وَاقِعَةٍ مِنْ عُلُوٍّ كَجَبَلٍ وَحَائِطٍ وَسَاقِطَةٍ فِي نَحْوِ بِئْرٍ (وَنَطِيحَةٍ) ؛ بِأَنْ نَطَحَتْهَا نَحْوُ بَقَرَةٍ (وَأَكِيلَةِ سَبُعٍ) أَيْ: حَيَوَانٍ مُفْتَرِسٍ؛ بِأَنْ أَكَلَ بَعْضَهَا نَحْوُ ذِئْبٍ أَوْ نَمِرٍ (وَمَرِيضَةٍ وَمَا صِيدَ بِشَبَكَةٍ أَوْ شَرَكٍ أَوْ أُحْبُولَةٍ أَوْ فَخٍّ) فَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى حَدٍّ لَا يَعِيشُ مَعَهُ. (أَوْ أَنْقَذَهُ) ؛ أَيْ: الْحَيَوَانَ (مِنْ مَهْلَكَةٍ) وَلَمْ يَصِلْ إلَى مَا لَمْ تَبْقَ الْحَيَاةُ مَعَهُ (فَذَكَّاهُ وَحَيَاتُهُ تُمْكِنُ زِيَادَتُهَا عَلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ؛ وَلَوْ انْتَهَى إلَى حَالٍ لَا يَعِيشُ مَعَهُ؛ حَلَّ أَكْلُهُ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ تَحَرُّكِهِ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ أَوْ مَصْعِ ذَنَبٍ) ؛ أَيْ: تَحَرُّكِهِ وَضَرْبِ الْأَرْضِ بِهِ (وَالِاحْتِيَاطُ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: أَنْ لَا يُؤْكَلَ مَا ذُبِحَ مِمَّا ذُكِرَ إلَّا مَعَ تَحَرُّكٍ وَلَوْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ أَوْ مَصْعِ ذَنَبٍ وَتَحْرِيكِ أُذُنٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ صَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ شَاةٍ مَرِيضَةٍ ذُبِحَتْ، فَلَمْ يُعْلَمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ تَحَرَّكَتْ يَدُهَا أَوْ رِجْلُهَا أَوْ ذَنَبُهَا بِضَعْفٍ، فَنَهَرَ الدَّمُ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ وَمَا وُجِدَ مِنْهُ مَا يُقَارِبُ الْحَرَكَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الذَّبْحِ الْمُعْتَادِ بَعْدَ ذَبْحِهِ دَلَّ عَلَى إمْكَانِ الزِّيَادَةِ قَبْلَهُ؛ فَيَحِلُّ نَصًّا، وَمَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ لَمْ يَحِلَّ بِالذَّبْحِ (وَمَا قُطِعَ حُلْقُومُهُ أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ وَنَحْوُهُ) مِمَّا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ (فَوُجُودُ حَيَاتِهِ كَعَدَمِهَا) فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةٍ. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ عِنْدَ حَرَكَةِ يَدِهِ) ؛ أَيْ: الذَّابِحِ (لَا يَقُومُ مَقَامَهَا غَيْرُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وَالْفِسْقُ الْحَرَامُ (وَلَا يَضُرُّ فَصْلُهُ) ؛ أَيْ الذَّبْحِ (بِنَحْوِ أَكْلِ) لُقْمَةٍ (وَشُرْبِ) مَاءٍ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَإِنْ أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا، وَسَمَّى، ثُمَّ أَلْقَى السِّكِّينَ وَأَخَذَ أُخْرَى، أَوْ رَدَّ سَلَامًا، أَوْ كَلَّمَ إنْسَانًا أَوْ اسْتَسْقَى مَاءً وَذَبَحَ؛ حَلَّ لِأَنَّهُ سَمَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 عَلَى تِلْكَ الشَّاةِ بِعَيْنِهَا وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِفَصْلٍ يَسِيرٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ. انْتَهَى. وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِلَفْظِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ التَّسْمِيَةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ (وَتُجْزِئُ) التَّسْمِيَةُ بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ (وَلَوْ أَحْسَنَهَا) ؛ أَيْ: الْعَرَبِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيَاسُهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ، بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ وَالسَّلَامِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لَفْظُهُ (وَ) يُجْزِئُ (أَنْ يُشِيرَ أَخْرَسُ) بِالتَّسْمِيَةِ بِرَأْسِهِ أَوْ طَرْفِهِ إلَى السَّمَاءِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ النُّطْقِ (وَسُنَّ مَعَ تَسْمِيَةٍ تَكْبِيرٌ) لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كَانَ إذَا ذَبَحَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ قَوْلَ بِسْمِ اللَّهِ يُجْزِئُهُ. وَ (لَا) يُسَنُّ (صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عِنْدَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرِدْ وَلَا تَلِيقُ بِالْمَقَامِ كَزِيَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (وَمَنْ بَدَا لَهُ ذَبْحٌ غَيْرُ مَا سُمِّيَ عَلَيْهِ) بِأَنْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ مَثَلًا، ثُمَّ أَرَادَ ذَبْحَ غَيْرِهَا (أَعَادَ التَّسْمِيَةَ وُجُوبًا) فَإِنْ ذَبَحَ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، لَمْ تَحِلَّ سَوَاءٌ أَرْسَلَ الْأُولَى أَوْ ذَبَحَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ. (وَتَسْقُطُ) التَّسْمِيَةُ (بِسَهْوٍ لَا جَهْلٍ) فَلَوْ ذَكَرَ التَّسْمِيَةَ فِي الثَّانِيَةِ أَتَى بِهَا وُجُوبًا؛ لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا: «ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ» أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ. وَلِحَدِيثِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ» وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَمْدِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ (وَيَضْمَنُ أَجِيرٌ تَرْكَهَا) ؛ أَيْ: التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ (إنْ حُرِّمَتْ) بِأَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا قَالَ فِي " النَّوَادِرِ " لِغَيْرِ شَافِعِيٍّ لِحِلِّهَا لَهُ. وَفِي " الْفُرُوعِ " يَتَوَجَّهُ تَضْمِينُهُ النَّقْصَ إنْ حَلَّتْ عَلَيْهِ. (وَمَنْ ذَكَرَ) عِنْدَ الذَّبْحِ (مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى اسْمَ غَيْرِهِ؛ حُرِّمَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ شِرْكٌ (وَلَمْ يَحِلَّ) الْمَذْبُوحُ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ (وَإِنْ جَهِلَ تَسْمِيَةً ذَابِحٌ) بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَسَمَّى الذَّابِحُ (أَمْ) لَا وَلَمْ يُعْلَمْ (هَلْ ذَكَرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ غَيْرَهُ أَمْ لَا فَحَلَالٌ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 يَأْتُونَنَا بِلَحْمٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا، قَالَ سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [فَصْلٌ فِي ذَكَاةُ الْجَنِينِ] فَصْلٌ (وَذَكَاةُ جَنِينٍ مُبَاحٍ) احْتِرَازًا عَنْ الْمُحَرَّمِ كَجَنِينِ فَرَسٍ مِنْ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ وَجَنِينِ ضَبُعٍ مِنْ ذِئْبٍ (خَرَجَ) مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ الْمُذَكَّاةِ (مَيِّتًا أَوْ مُتَحَرِّكًا كَ) حَرَكَةِ (مَذْبُوحٍ أَشْعَرَ) ؛ أَيْ: أَنْبَتَ شَعْرُ الْجَنِينِ (أَوْ لَا بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَابْنِ مَاجَهْ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ مُتَّصِلٌ بِأُمِّهِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا، فَتَكُونُ ذَكَاتُهُ بِذَكَاتِهَا كَأَعْضَائِهَا، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ذَكَاةُ أُمِّهِ» فِيهِ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ فَمَنْ رَفَعَ جَعَلَهُ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: هِيَ ذَكَاةُ أُمِّهِ، فَلَا يَحْتَاجُ الْجَنِينُ إلَى تَذْكِيَةٍ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. وَمَنْ نَصَبَ قَدَّرَهُ كَذَكَاةِ أُمِّهِ، فَلَمَّا حُذِفَ الْجَارُّ نُصِبَ، فَعَلَيْهِ يَفْتَقِرُ الْجَنِينُ إلَى ذَكَاةٍ، لَكِنْ قَدَّرَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ النَّصْبِ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَةِ الرَّفْعِ الْمَشْهُورَةِ. (وَاسْتَحَبَّ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (ذَبْحَهُ) لِيَخْرُجَ دَمُهُ (وَلَمْ يُبَحْ) جَنِينٌ خَرَجَ (مَعَ حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ إلَّا بِذَبْحِهِ) نَصًّا، لِأَنَّهُ نَفْسٌ أُخْرَى، وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ بِحَيَاتِهِ (وَلَا يُؤَثِّرُ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ كَسَبُعٍ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ) الْمُبَاحَةِ، وَهِيَ الضَّبُعُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ، فَلَا يَمْنَعُ حِلَّ مَتْبُوعِهِ. (وَمِنْ وَجَأَ بَطْنَ أُمِّ جَنِينٍ) بِمُحَدِّدٍ (مُسَمِّيًا، فَأَصَابَ مَذْبَحَهُ) ، أَيْ: الْجَنِينِ (فَهُوَ مُذَكًّى) لِوُجُودِ الذَّكَاةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ (وَالْأُمُّ مَيْتَةٌ) لِفَوَاتِ شَرْطِ الذَّكَاةِ، وَهُوَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مَعَ الْقُدْرَةِ. (وَكُرِهَ ذَبْحٌ بِآلَةٍ كَالَّةٍ) لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ بِالْكَالَّةِ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ. (وَ) كُرِهَ (حَدُّهَا) ، أَيْ: الْآلَةِ (وَالْحَيَوَانُ يَرَاهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُحَدَّ الشِّفَارُ وَأَنْ تَوَارَى عَنْ الْبَهَائِمِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. (وَ) كُرِهَ (سَلْخُهُ) ، أَيْ: الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ (وَكَسْرُ عُنُقِهِ أَوْ نَتْفُ رِيشِهِ) قَبْلَ زَهُوقِ نَفْسِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ، يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى بِكَلِمَاتٍ مِنْهَا: لَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تُزْهَقَ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَبِعَالٍ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَكَسْرُ الْعُنُقِ إعْجَالُ زَهُوقِ الرَّوْحِ، وَفِي مَعْنَاهُ السَّلْخُ، وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي حِلِّهَا لِتَمَامِ الذَّكَاةِ بِالذَّبْحِ، وَالْبِعَالُ: الْجِمَاعُ وَمُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ. (وَ) كُرِهَ (نَفْخُ لَحْمٍ يُبَاعُ) ؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ. (وَسُنَّ تَوْجِيهُهُ) ، أَيْ: الْمُذَكَّى يُجْعَلُ وَجْهُهُ (لِلْقِبْلَةِ) ، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا حَلَّ وَلَوْ عَمْدًا وَسُنَّ كَوْنُهُ (عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَرِفْقٌ بِهِ وَحَمْلٌ عَلَى الْآلَةِ بِقُوَّةٍ وَإِسْرَاعٌ بِالشَّحْطِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ» . (وَإِنْ ذَبَحَ كِتَابِيٌّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ يَقِينًا كَذِي الظُّفْرِ) ، أَيْ: مَا لَيْسَ بِمُنْفَرِجِ الْأَصَابِعِ (مِنْ نَحْوِ إبِلٍ وَنَعَامٍ وَبَطٍّ) لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا، لِوُجُودِ الذَّكَاةِ، وَقَصْدُ حِلِّهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، (أَوْ) ذَبَحَ كِتَابِيٌّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ (ظَنًّا، فَكَانَ كَمَا ظَنَّ أَوْ لَا) ، أَيْ: أَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا ظَنَّ (كَحَالِ الرِّئَةِ زَاعِمِينَ) ، أَيْ: الْيَهُودَ (تَحْرِيمَهَا) ، أَيْ: الْمَذْبُوحَةِ (إنْ وُجِدَتْ) رِئَتُهَا (لَاصِقَةً بِالْأَضْلَاعِ) وَيُسَمُّونَهَا اللَّازِقَةَ، وَيَمْنَعُونَ مِنْ أَكْلِهَا، وَإِنْ وُجِدَتْ غَيْرَ لَاصِقَةٍ بِالْأَضْلَاعِ أَكَلُوهَا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 (أَوْ) ذَبَحَ (كِتَابِيٌّ لِعِيدِهِ أَوْ لِيَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى شَيْءٍ يُعَظِّمُهُ، لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا إذَا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَقَطْ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ طَعَامِهِمْ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَلِقَصْدِهِ الذَّكَاةَ وَحِلَّ ذَبِيحَتِهِ. فَإِنْ ذَكَرَ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِهِ - تَعَالَى - وَحْدَهُ أَوْ مَعَ اسْمِهِ - تَعَالَى - لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ (لَكِنْ يُكْرَهُ مَا ذَبَحَهُ كِتَابِيٌّ لِعِيدِهِ أَوْ لِمَنْ يُعَظِّمُهُ) كَمَرْيَمَ وَعِيسَى إنْ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ اسْمِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ طَعَامِهِمْ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ الذَّكَاةَ وَهُوَ مِمَّنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتَهُ، وَكَوْنُهُ يُكْرَهُ لِلْخِلَافِ فِيهِ. (وَعَنْهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (أَنَّهُ يَحْرُمُ) ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمَنْوِيُّ بِهِ ذَلِكَ) ، أَيْ: لِأَنَّهُ لِلْعِيدِ أَوْ لِمَنْ يُعَظِّمُهُ؛ لِأَنَّهُ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَالْأَوَّلُ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا وَذَكَرَ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ مَعَهُ أَوْ مُنْفَرِدًا، لَمْ يَحِلَّ. (وَإِنْ ذَبَحَ كِتَابِيٌّ مَا يَحِلُّ لَهُ) مِنْ الْحَيَوَانِ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (لَمْ تَحْرُمُ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ، وَهِيَ شَحْمُ الْكُلْيَتَيْنِ) وَأَحَدُهُمَا كُلْيَةٌ أَوْ كُلْوَةٌ بِضَمِّ الْكَافِ فِيهَا، وَالْجَمْعُ كُلُيَاتٍ وَكُلًى (وَ) شَحْمُ (الثَّرْبِ) بِوَزْنِ فَلْسِ، أَيْ: (شَحْمُ رَقِيقٌ يُغَشِّي الْكَرِشَ وَالْأَمْعَاءَ) وَذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146] ، وَإِنَّمَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ هَذَانِ الشَّحْمَانِ (كَذَبْحِ مَالِكِيٍّ فَرَسًا) مُسَمِّيًا فَتَحِلُّ لَنَا، وَإِنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهَا (وَ) كَذَبْحِ (حَنَفِيٍّ حَيَوَانًا) مَأْكُولًا (فَيَبِينُ حَامِلًا) فَيَحِلُّ لَنَا جَنِينُهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً بِغَيْرِ ذَكَاةٍ مَعَ اعْتِقَادِ الْحَنَفِيِّ تَحْرِيمَهُ. (وَيَحْرُمُ عَلَيْنَا إطْعَامُهُمْ) ، أَيْ: الْيَهُودِ (شَحْمًا) مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ (مِنْ ذَبِيحَتِنَا لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ) عَلَيْهِمْ نَصًّا، لِثُبُوتِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ بِنَصِّ الْكِتَابِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 فَإِطْعَامُهُمْ مِنْهُ حَمْلٌ لَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (كَمَا لَا يَجُوزُ إطْعَامُ مُسْلِمٍ مَا حُرِّمَ) عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ إطْعَامُهُ لِمُسْلِمٍ آخَرَ إذَا كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ مُحَرَّمًا (عِنْدَ طَاعِمٍ) ، أَيْ: آكِلٍ، كَمَا لَوْ ذَبَحَ حَنْبَلِيٌّ بَهِيمَةً، فَوَجَدَ جَنِينَهَا مَيِّتًا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ لِحَنَفِيٍّ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عِنْدَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُنَا لَهُمْ) ، أَيْ: لِأَهْلِ الْكِتَابِ (مَعَ اعْتِقَادِهِمْ تَحْرِيمَهَا اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِنَا) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] . (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إطْعَامُ) حَنْبَلِيٍّ (لِشَافِعِيٍّ أَفْطَرَ) يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ مَعَ وُجُودِ غَيْمٍ لَيْلَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَى الْحَنْبَلِيِّ الصَّوْمُ (لِأَنَّهُ) ، أَيْ: الْوُجُوبُ (اعْتِقَادٌ ظَنِّيٌّ) لَا قَطْعِيٌّ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى شَافِعِيٍّ إطْعَامُ حَنْبَلِيٍّ) فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (لِأَنَّهُ) ، أَيْ: الطَّعَامَ (إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ) فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَحِلُّ) حَيَوَانٌ (مَذْبُوحٌ مَنْبُوذٌ بِمَحِلٍّ يَحِلُّ ذَبْحُ أَكْثَرِ أَهْلِهِ) كَكَوْنِ أَكْثَرِهِمْ مُسْلِمِينَ أَوْ كِتَابِيِّينَ، وَلَوْ جُهِلَتْ تَسْمِيَةُ ذَابِحٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَتَقَدَّمَ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى كُلِّ ذَابِحٍ لَيَعْلَمَ هَلْ سَمَّى أَمْ لَا؟ (وَيَحِلُّ مَا وُجِدَ بِبَطْنِ سَمَكٍ أَوْ) بِبَطْنِ (مَأْكُولٍ مُذَكًّى أَوْ) وُجِدَ (بِحَوْصَلَتِهِ أَوْ فِي رَوْثِهِ مِنْ سَمَكٍ وَجَرَادٍ) أَمَّا السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَلِحَدِيثِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» الْخَبَرَ، وَأَمَّا الْحَبُّ فَلِأَنَّهُ طَعَامٌ طَاهِرٌ وُجِدَ فِي مَحِلٍّ طَاهِرٍ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ أَشْبَهَ مَا لَوْ وُجِدَ مُلْقًى. (وَتَحْرُمُ الْمَصْبُورَةُ) وَالْمُجَثَّمَةُ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجُثَمَةِ وَعَنْ أَكْلِهَا وَعَنْ الْمَصْبُورَةِ وَعَنْ أَكْلِهَا» (وَهِيَ) ، أَيْ: الْمُجَثَّمَةُ (الطَّائِرُ أَوْ الْأَرْنَبُ يُجْعَلُ غَرَضًا يُرْمَى بِالسِّهَامِ حَتَّى يُقْتَلَ) فَلَا يَحِلُّ، لِعَدَمِ الذَّكَاةِ، وَلَكِنَّهُ يُذْبَحُ ثُمَّ يَرْمُونَ إنْ شَاءُوا، وَالْمَصْبُورَةُ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّ الْمُجَثَّمَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الطَّائِرِ أَوْ الْأَرْنَبِ وَأَشْبَاهِهَا. (وَ) الْمَصْبُورَةُ (كُلُّ حَيَوَانٍ يُحْبَسُ لِلْقَتْلِ) ، أَيْ: يُحْبَسُ ثُمَّ يُرْمَى حَتَّى يُقْتَلَ فَهُوَ (مَصْبُورَةٌ) [تَتِمَّةٌ يَحْرُمُ بَوْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ مَأْكُولٍ] ٍ كَرَوْثٍ؛ لِأَنَّهُ رَجِيعٌ مُسْتَخْبَثٌ، وَتَقَدَّمَ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِبَوْلِ إبِلٍ، لِلْخَبَرِ. وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ الذَّبِيحُ عَلَى الصَّحِيحِ، لَا إِسْحَاقُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَتَشْهَدُ بِهِ الْأَخْبَارُ. [كِتَابُ الصَّيْدِ] ِ مَصْدَرُ صَائِدٍ، وَشَرْعًا (اقْتِنَاصُ حَيَوَانٍ حَلَالٍ مُتَوَحِّشٍ طَبْعًا غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ) وَلَا مَمْلُوكٍ، فَاقْتِنَاصُ نَحْوِ ذِئْبٍ وَنَمِرٍ، وَمَا نَدَّ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ، وَمَا تَأَهَّلَ مِنْ نَحْوِ غِزْلَانٍ، أَوْ مُلِكَ مِنْهَا لَيْسَ صَيْدًا (وَالْمُرَادُ بِهِ) ، أَيْ: الصَّيْدِ (هُنَا الْمَصْيُودُ، وَهُوَ حَيَوَانٌ مُقْتَنَصٌ) بِفَتْحِ النُّونِ (إلَى آخِرِ الْحَدِّ) ، أَيْ: مُتَوَحِّشٌ طَبْعًا غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَلَا مَمْلُوكٍ (وَيُبَاحُ لِقَاصِدِهِ) إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] وَقَوْلِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] وَحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي بِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي، وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيُكْرَهُ) الصَّيْدُ (لَهْوًا) ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ (وَإِنْ آذَى بِهِ النَّاسَ فِي زَرْعِهِمْ وَمَالِهِمْ فَحَرَامٌ) ؛ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا أَحْكَامُ الْمَقَاصِدِ (فَإِنْ احْتَاجَهُ) أَيْ: الصَّيْدَ لِقُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (وَجَبَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ. (وَهُوَ) ، أَيْ: الصَّيْدُ (أَفْضَلُ مَأْكُولٍ) ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ. (وَالزِّرَاعَةُ أَفْضَلُ مُكْتَسَبٍ) ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ لِخَبَرِ: «لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ» قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " وَأَفْضَلُ الْمَعَاشِ التِّجَارَةُ (وَأَفْضَلُ التِّجَارَةِ فِي بَزٍّ وَعِطْرٍ وَزَرْعٍ وَغَرْسٍ وَمَاشِيَةٍ) لِبُعْدِهَا عَنْ الشُّبْهَةِ وَالْكَذِبِ (وَأَبْغَضُهَا) ، أَيْ: التِّجَارَةِ (فِي رَقِيقٍ وَصَرْفٍ) لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِيهَا. (وَأَفْضَلُ الصِّنَاعَةِ خِيَاطَةٌ، وَنَصَّ) أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ (أَنَّ كُلَّ مَا نُصِحَ فِيهِ فَحَسَنٌ) وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: حَثَّنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى لُزُومِ الصَّنْعَةِ، لِلْخَبَرِ. (وَأَدْنَاهَا) ، أَيْ: الصِّنَاعَةِ (نَحْوُ حِيَاكَةٍ وَحِجَامَةٍ) وَقُمَامَةٍ وَزُبَالَةٍ وَدَبْغٍ، وَفِي الْحَدِيثِ «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» (وَأَشَدُّهَا) ، أَيْ: الصَّنَائِعِ (كَرَاهَةً صَبْغٌ وَصِبَاغَةٌ وَحِدَادَةٌ وَجِزَارَةٌ) لِمَا يَدْخُلُهَا مِنْ الْغِشِّ وَمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ (فَيُكْرَهُ كَسْبُ مَنْ صَنَعْتُهُ دَنِيئَةٌ) . قَالَ فِي الْفُرُوعِ (مَعَ إمْكَانِ) مَا هُوَ (أَصْلَحُ مِنْهَا) وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُحْتَاجًا إلَى هَذَا الْكَسْبِ لَيْسَ لَهُ مَا يُغْنِيهِ عَنْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 إلَّا الْمَسْأَلَةَ لِلنَّاسِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ أَنَّ الصَّنَائِعَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَيَنْبَغِي لِكُلِّ ذِي صِنَاعَةٍ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الْقِيَامَ بِذَلِكَ الْفَرْضِ لِتَنْقَلِبَ طَاعَةً، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . (وَيُسْتَحَبُّ الْغَرْسُ وَالْحَرْثُ) ، أَيْ: الزَّرْعُ (وَاِتِّخَاذُ الْغَنَمِ) لِلْخَبَرِ (وَيُسَنُّ التَّكَسُّبُ وَمَعْرِفَةُ أَحْكَامِهِ حَتَّى مَعَ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ) قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15] وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَالطَّيْرِ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَعُودُ بِطَانًا» . وَالْأَخْذُ فِي الْأَسْبَابِ مِنْ التَّوَكُّلِ. (وَيُقَدَّمُ الْكَسْبُ لِعِيَالِهِ عَلَى كُلِّ نَفْلٍ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّطَوُّعِ. (وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ) ، أَيْ: التَّكَسُّبِ (وَالِاتِّكَالُ عَلَى النَّاسِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ أَرَ مِثْلَ الْغِنَى عَنْ النَّاسِ. وَقَالَ فِي قَوْمٍ لَا يَعْمَلُونَ وَيَقُولُونَ: مُتَوَكِّلُونَ: هَؤُلَاءِ مُبْتَدِعُونَ) لِتَعْطِيلِهِمْ الْأَسْبَابَ (وَدَعَا) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (لِعَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِيهِ: أَلْزِمْهُ السُّوقَ وَجَنِّبْهُ أَقْرَانَهُ) قَالَ الْقَاضِي: الْكَسْبُ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّكَاثُرُ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّوَسُّلُ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ مِنْ صِلَةِ الْإِخْوَانِ وَالتَّعَفُّفِ عَنْ وُجُوهِ النَّاسِ، فَهُوَ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ غَيْرِهِ وَمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّفَرُّغِ إلَى طَلَبِ الْعِبَادَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ مَنَافِعَ النَّاسِ، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ. (وَفِي الرِّعَايَةِ يُبَاحُ كَسْبُ الْحَلَالِ لِزِيَادَةِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالتَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ مَعَ سَلَامَةِ الدِّينِ وَالْعِرْضِ) وَالْمُرُوءَةِ (وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ إذَنْ. (وَيَجِبُ) التَّكَسُّبُ (عَلَى مَنْ لَا قُوتَ لَهُ) وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، لِحِفْظِ نَفْسِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قُلْتُ وَكَذَا مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَاجِبٌ لِأَدَائِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 (وَيَتَّجِهُ وَيُسْتَحَبُّ) كَسْبُ (مَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ الْكِفَايَةِ لِيُوَاسِيَ) الْمُكْتَسِبُ (بِهِ) ، أَيْ: الزَّائِدِ (فَقِيرًا، وَيَصِلَ بِهِ قَرِيبًا) طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يَحْرُمُ) الْكَسْبُ (لِلتَّفَاخُرِ وَالتَّكَاثُرِ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَاظُمِ الْمُفْضِي إلَى هَلَاكِ صَاحِبِهِ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ [فَصْلٌ فِي حُكْم الصَّيْد المجروح] فَصْلٌ (فَمَنْ أَدْرَكَ صَيْدًا مَجْرُوحًا مُتَحَرِّكًا فَوْقَ حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ، وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَذْكِيَتِهِ، لَمْ يُبَحْ إلَّا بِهَا) ، أَيْ: بِتَذْكِيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ وَفِي حُكْمِ الْحَيِّ حَتَّى (وَلَوْ خَشِيَ مَوْتَهُ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُذْكِيهِ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ مَعَ وُجُودِ آلَتِهَا، فَكَذَا مَعَ عَدَمِهَا كَسَائِرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ امْتَنَعَ) صَيْدٌ جُرِحَ (بِعَدْوِهِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ حَتَّى مَاتَ تَعَبًا، فَهُوَ حَلَالٌ) بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَذْكِيَتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ. (وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ) الْوَقْتُ (لَهَا) ، أَيْ: التَّذْكِيَةِ (فَكَمَيِّتٍ يَحِلُّ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا كَوْنُ صَائِدٍ أَهْلًا لِذَكَاةٍ) ، أَيْ: تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالصَّائِدُ بِمَنْزِلَةِ الْمُذْكِي (وَلَوْ) كَانَ الصَّائِدُ (أَعْمَى) فَيَحِلُّ صَيْدُهُ كَذَكَاتِهِ (فَلَا يَحِلُّ صَيْدٌ) يَفْتَقِرُ إلَى ذَكَاةٍ، بِخِلَافِ سَمَكٍ وَجَرَادٍ (شَارَكَ فِي قَتْلِهِ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ فِيمَا تُشْتَرَطُ ذَكَاتُهُ) مِنْ الطَّيْرِ وَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (بِخِلَافِ سَمَكٍ كَمَجُوسِيٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِلَا تَحِلُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 (وَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كِتَابِيٍّ، وَلَوْ قَتَلَهُ بِجَارِحَةٍ حَتَّى وَلَوْ أَسْلَمَ) الْمَجُوسِيُّ وَنَحْوُهُ (بَعْدَ إرْسَالِهِ) ، أَيْ الْجَارِحِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِرْسَالِ، وَلِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ سَبَبُ قَتْلٍ وَسَبَبُ تَحْرِيمٍ، فَغَلَبَ التَّحْرِيمُ (وَإِنْ لَمْ يُصِبْ مَقْتَلَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدِ (إلَّا أَحَدُهُمَا) ، أَيْ: أَحَدُ جَارِحَيْ الْمُسْلِمِ وَنَحْوِ الْيَهُودِيِّ (عُمِلَ بِهِ،) فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ مَقْتَلَهُ جَارِحُ مَنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ حَلَّ، وَبِالْعَكْسِ لَا يَحِلُّ. (وَلَوْ أَثْخَنَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ (كَلْبُ مُسْلِمٍ، ثُمَّ قَتَلَهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَرُمَ) الصَّيْدُ وَضَمِنَهُ الْمَجُوسِيُّ (لَهُ) ، أَيْ لِلْمُسْلِمِ بِقِيمَتِهِ مَجْرُوحًا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ) لِصَيْدٍ (فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَادَ عَدْوُهُ) بِزَجْرِ الْمَجُوسِيِّ لَهُ، فَقَتَلَ صَيْدًا حَلَّ؛ لِأَنَّ الصَّائِدَ هُوَ الْمُسْلِمُ (أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى كَلْبِ مُسْلِمٍ (كَلْبُ مَجُوسِيٍّ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ) كَلْبُ الْمُسْلِمِ حَلَّ لِانْفِرَادِ جَارِحِ الْمُسْلِمِ بِقَتْلِهِ كَمَا لَوْ أَمْسَكَ مَجُوسِيٌّ شَاةً فَذَبَحَهَا مُسْلِمٌ (أَوْ ذَبَحَ) مُسْلِمٌ (مَا) ، أَيْ: صِيدًا (مَسَكَهُ لَهُ مَجُوسِيٌّ بِكَلْبِهِ، وَقَدْ جَرَحَهُ) كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ جُرْحًا (غَيْرَ مُوحٍ وَيَتَّجِهُ بَلْ وَ) لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ الْمُسْلِمِ (فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً) ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ كَذَلِكَ وَذَبَحَهُ - حَلَّ، لِحُصُولِ ذَكَاتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ ارْتَدَّ) الْمُسْلِمُ بَيْنَ رَمْيِهِ وَإِصَابَتِهِ (أَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ بَيْنَ رَمْيِهِ وَإِصَابَتِهِ، حَلَّ) الصَّيْدُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الرَّمْيِ. تَنْبِيهٌ: وَإِنْ صَادَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ، حَلَّ وَلَمْ يُكْرَهْ. قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ. (وَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ، ثُمَّ رَمَاهُ) ثَانِيًا، أَوْ رَمَاهُ (آخَرُ فَقَتَلَهُ، أَوْ أَوْحَاهُ) الثَّانِي (بَعْدَ إيحَاءِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَحِلَّ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِإِثْبَاتِهِ فَلَا يُبَاحُ إلَّا بِذَبْحِهِ (وَلِمُثْبِتِهِ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا) عَلَى رَامِيهِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ (حَتَّى وَلَوْ أَدْرَكَ الْأَوَّلُ ذَكَاتَهُ فَلَمْ يُذَكِّهِ إلَّا أَنْ يُصِيبَ الرَّامِي الْأَوَّلُ مَقْتَلَهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 كَحُلْقُومِهِ أَوْ مَنْحَرِهِ أَوْ قَلْبِهِ، وَجِرَاحَةُ الثَّانِي غَيْرُ مُوحِيَةٍ، فَيَحِلُّ لَنَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْتُولًا بِالرَّمْيَةِ الْأُولَى، فَلَا تُؤَثِّرُ الثَّانِيَةُ تَحْرِيمَهُ (أَوْ) يُصِيبُ الرَّامِي (الثَّانِي مَذْبَحَهُ فَيَحِلُّ) ؛ لِأَنَّهُ مُذَكًّى (وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ خَرْقِ جِلْدِهِ) لِتَنْقِيصِهِ لَهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَلَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ. (فَلَوْ كَانَ الْمَرْمِيُّ قِنًّا) لِلْغَيْرِ (أَوْ شَاةً لِلْغَيْرِ) ، أَيْ: غَيْرِ الرَّامِيَيْنِ (وَلَمْ يُوحِيَاهُ، وَسَرَيَا) ، أَيْ: الْجُرْحَانِ (فَعَلَى الثَّانِي نِصْفُ قِيمَتِهِ) ، أَيْ: الْمَرْمِيِّ (مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ فِي قَتْلِهِ بِغَيْرِ جُرْحِ الْأَوَّلِ لَهُ (وَيُكَمِّلُهَا) ، أَيْ: قِيمَةَ الْمَرْمِيِّ حَالَ كَوْنِهِ (سَلِيمًا الْأَوَّلُ) لِمُشَارَكَتِهِ فِي قَتْلِهِ، وَلَا جِرَاحَةَ بِهِ حَالَ جِنَايَتِهِ. (وَصَيْدُ قَتْلٍ بِإِصَابَتِهِمَا) ، أَيْ: إصَابَةِ اثْنَيْنِ يَحِلُّ ذَبْحُهَا (مَعًا) أَيْ فِي آنٍ وَاحِدٍ (حَلَالٌ بَيْنَهُمَا) نِصْفَيْنِ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي إصَابَتِهِ (كَذَبْحِهِ مُشْتَرِكَيْنِ) يَعْنِي كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي ذَبْحِ حَيَوَانٍ بِأَنْ تَحَرَّكَتْ أَيْدِيهِمَا فِي آنٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حَلَالًا؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي حِلِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا. (وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَوَجَدَاهُ مَيِّتًا، وَجُهِلَ قَاتِلُهُ) مِنْهُمَا، فَهُوَ حَلَالٌ بَيْنَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ بَعْدَ إصَابَةِ الْأَوَّلِ، وَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ (فَإِنْ قَالَ الرَّامِي الْأَوَّلُ: أَنَا أَثْبَتُّهُ ثُمَّ قَتَلْته أَنْتِ فَتَضْمَنُهُ، فَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَهُ لَمْ يَحِلَّ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَحْرِيمِهِ (وَيَتَحَالَفَانِ) ، أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَلَا ضَمَانَ) عَلَى أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ (وَإِنْ قَالَ الثَّانِي: أَنَا قَتَلْتُهُ، وَلَمْ تُثَبِّتْهُ أَنْتَ) فَيَحِلُّ لِي، وَلَا ضَمَانَ عَلَيَّ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَهُوَ) ، أَيْ: الصَّيْدُ (لَهُ) وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَى مُدَّعٍ إثْبَاتُهُ، لِاعْتِرَافِهِ بِالتَّحْرِيمِ. الشَّرْطُ (الثَّانِي) - لِحِلِّ صَيْدٍ وُجِدَ مَيِّتًا أَوْ فِي حُكْمِهِ (الْآلَةُ وَهِيَ نَوْعَانِ) : أَحَدُهُمَا (مُحَدَّدٌ فَهُوَ كَآلَةِ ذَبْحٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَشُرِطَ جَرْحُهُ) ، أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 الصَّيْدِ (بِهِ) ، أَيْ: الْمُحَدَّدِ، لِحَدِيثِ: «وَمَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» وَحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مَرْفُوعًا: «إذَا رَمَيْتَ فَسَمَّيْتَ فَخَرَقْتَ فَكُلْ وَإِنْ لَمْ تَخْرِقْ فَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْمِعْرَاضِ إلَّا مَا ذَكَّيْت وَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْبُنْدُقِ إلَّا مَا ذَكَّيْتَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ (فَإِنْ قَتَلَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ (بِثِقَلِهِ كَشَبَكَةٍ وَفَخٍّ وَعَصًا وَبُنْدُقَةٍ وَرَصَاصٍ وَلَوْ مَعَ شَدْخٍ أَوْ قَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ أَوْ بِعَرْضِ مِعْرَاضٍ وَهُوَ خَشَبَةٌ مُحَدَّدَةُ الطَّرَفِ) وَرُبَّمَا جَعَلَ فِي رَأْسِهِ حَدِيدَةً، لَكِنَّهُ يُصِيبُ غَالِبًا بِوَسَطِهِ دُونَ حَدِّهِ (وَلَمْ يَجْرَحْهُ، لَمْ يُبَحْ) أَكْلُهُ، لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ، فَقَالَ إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَرَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضٍ فَلَا تَأْكُلْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَمَنْ نَصَبَ مِنْجَلًا أَوْ سِكِّينًا أَوْ سَيْفًا مُسَمِّيًا حَلَّ مَا قَتَلَهُ) ذَلِكَ (بِجُرْحٍ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ نَاصِبٍ أَوْ رِدَّتِهِ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ النَّصْبِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا يَقْتُلْهُ ذَلِكَ بِجُرْحِهِ، أَوْ لَمْ يُسَمِّ عِنْدَ النَّصْبِ، فَلَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ وَقِيذٌ (وَالْحَجَرُ إنْ كَانَ لَهُ حَدٌّ فَكَمِعْرَاضٍ) يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ بِحَدِّهِ لَا بِعَرْضِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ حَدٌّ (فَكَبُنْدُقَةٍ) لَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ (وَلَوْ خَزَقَ) ؛ لِأَنَّهُ وَقِيذٌ. (وَلَا يُبَاحُ مَا قَتَلَ بِمُحَدَّدٍ فِيهِ سُمٌّ مَعَ احْتِمَالِ إعَانَتِهِ) أَيْ: السُّمِّ (عَلَى قَتْلِهِ) ، أَيْ الصَّيْدِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ. (وَمَا رَمَى مِنْ صَيْدٍ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ وَلَمْ يَكُنْ طَيْرَ مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلُوٍّ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَكُلُّ مِنْ ذَلِكَ) ، أَيْ: الْوُقُوعِ مِنْ عُلُوٍّ وَالتَّرَدِّي فِي مَاءٍ وَوَطْءِ شَيْءٍ عَلَيْهِ (يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ لَمْ يَحِلَّ) لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قُتِلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي: الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالتَّرَدِّي وَالْوَطْءُ عَلَيْهِ كَالْمَاءِ فِي ذَلِكَ وَتَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْتُلُهُ مِثْلَ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْحَيَوَانِ خَارِجَ الْمَاءِ، أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 كَانَ مِنْ طَيْرِهِ حَلَّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَقْتُلْهُ (وَلَوْ) كَانَ (مَعَ إيحَاءِ جُرْحٍ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَقِيَامِ الِاحْتِمَالِ. (وَإِنْ رَمَاهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ (بِالْهَوَاءِ أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ أَوْ عَلَى حَائِطٍ، فَسَقَطَ، فَمَاتَ، حَلَّ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ بِالْإِصَابَةِ) وَوُقُوعَهُ بِالْأَرْضِ لَا بُدَّ مِنْهُ، فَلَوْ حُرِّمَ بِهِ أَدَّى إلَى أَنْ لَا يَحِلَّ طَيْرٌ أَبَدًا (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيِّ التَّحْرِيمُ لَوْ رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ فَسَقَطَ عَلَى حَائِطٍ ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ) لِاحْتِمَالِ حُصُولِ الْمَوْتِ بِسَبَبِهِ، أَيْ سَبَبِ وُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) رَمَى صَيْدًا، فَعَقَرَهُ، ثُمَّ (غَابَ مَا عَقَرَ، أَوْ غَابَ مَا أُصِيبَ) بِرَمْيِهِ (يَقِينًا، وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (لَيْلًا، ثُمَّ وَجَدَ) الصَّيْدَ (وَلَوْ بَعْدَ يَوْمِهِ) الَّذِي رَمَاهُ فِيهِ (مَيِّتًا، حَلَّ) لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرْضُنَا أَرْضُ صَيْدٍ فَيَرْمِي أَحَدُنَا الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ، فَيَجِدُ فِيهِ سَهْمَهُ؟ فَقَالَ: إذَا وَجَدْتَ سَهْمَكَ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِهِ، وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «عَلِمْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرْمِي الصَّيْدَ فَأَجِدُ فِيهِ سَهْمِي مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ إذَا عَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ، وَلَمْ تَجِدْ أَثَرَ سَبْعٍ فَكُلْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ (كَمَا لَوْ وَجَدَهُ) ، أَيْ الصَّيْدَ (بِفَمِ جَارِحِهِ، أَوْ وَجَدَهُ هُوَ يَعْبَثُ بِهِ أَوْ فِيهِ سَهْمُهُ) فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَذَلِكَ بِلَا أَثَرٍ لِغَيْرِهِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ مَوْتِهِ بِجَارِحِهِ أَوْ بِسَهْمِهِ، أَوْ وَجَدَ فِيهِ أَثَرًا لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ، مِثْلُ أَكْلِ حَيَوَانٍ ضَعِيفٍ كَنُسُورٍ وَثَعْلَبٍ مِنْ حَيَوَانٍ قَوِيٍّ، (أَوْ) فِيهِ (تَهَشُّمٌ) مِنْ وَقْعَتِهِ، فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَمْ يَقْتُلْهُ. (وَلَا يَحِلُّ مَا) ، أَيْ صَيْدٌ (وُجِدَ بِهِ أَثَرٌ آخَرَ) لِغَيْرِ جَارِحِهِ أَوْ سَهْمِهِ (يُحْتَمَلُ إعَانَتِهِ فِي قَتْلِهِ) كَأَكْلِ سَبْعٍ لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 (وَمَا غَابَ) مِنْ صَيْدٍ (قَبْلَ عَقْرِهِ، ثُمَّ وَجَدَهُ وَفِيهِ سَهْمُهُ أَوْ عَلَيْهِ جَارِحُهُ حَلَّ) كَمَا لَوْ غَابَ بَعْدَ عَقْرِهِ (فَلَوْ وَجَدَ مَعَ جَارِحِهِ) جَارِحًا (آخَرَ وَجَهِلَ هَلْ سُمِّيَ عَلَيْهِ) أَوْ لَا لَمْ يَحِلَّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ. قُلْتُ أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ، قَالَ: لَا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ) وَجَدَ مَعَ جَارِحِهِ آخَرَ وَجَهِلَ هَلْ (اسْتَرْسَلَ) الْجَارِحُ الْآخَرُ (بِنَفْسِهِ أَوْ لَا) لَمْ يُبَحْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّيْدِ الْحَظْرُ، وَلَمْ يُعْلَمْ الْمُبِيحُ، وَإِرْسَالُ الْآلَةِ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ، وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ عَنْهُ إرْسَالُهَا (أَوْ جَهِلَ حَالَ مُرْسَلِهِ) ، أَيْ: الْجَارِحِ الَّذِي وَجَدَهُ مَعَ جَارِحِهِ (هَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّيْدِ أَوْ لَا؟ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيُّ الْجَارِحَيْنِ قَتَلَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدَ، لَمْ يُبَحْ (أَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ مَعًا، أَوْ عَلِمَ أَنَّ مَنْ جَهِلَ هُوَ الْقَاتِلُ، لَمْ يُبَحْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَهُ غَيْرَهُ فَلَا تَأْكُلْ» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ، وَقَدْ شَكَّ فِي الْمُبِيحِ. (وَإِنْ عَلِمَ كَوْنَهُ، أَيْ: مُرْسِلِ الْجَارِحِ مِنْ أَهْلِ الصَّيْدِ) وَكَانَ (مُسَمِّيًا) عِنْدَ إرْسَالِهِ (حَلَّ، ثُمَّ إنْ كَانَ) ، أَيْ: الْجَارِحَانِ (قَتَلَاهُ مَعًا) أَيْ: فِي آنٍ وَاحِدٍ (فَ) الصَّيْدُ (بَيْنَ صَاحِبَيْهِمَا) ، أَيْ: الْجَارِحَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا (وَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا مُتَعَلِّقًا بِهِ فَ) هُوَ (لِصَاحِبِهِ) أَيْ: الْجَارِحِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الَّذِي قَتَلَهُ (وَيَحْلِفُ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِهِ) ، أَيْ: الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِدَعْوَى الْآخَرِ. وَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ أَحَدُ الْجَارِحَيْنِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجَارِحِ الْقَاتِلِ لَهُ، لِإِثْبَاتِهِ لَهُ، وَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ فَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ قَتَلَهُ الْجَارِحَانِ مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْ عُلِمَ أَنْ أَحَدَهُمَا قَتَلَهُ وَحْدَهُ وَجُهِلَتْ عَيْنُهُ، فَإِنْ وُجِدَا مُتَعَلَّقَيْنِ بِالصَّيْدِ، فَبَيْنَ صَاحِبَيْ الْجَارِحَيْنِ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ جَارِحَيْهِمَا قَتَلَاهُ (وَإِنْ وُجِدَا) ، أَيْ: الْجَارِحَانِ (نَاحِيَةً) مِنْ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ (وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 الْآخَرِ (فَإِنْ خِيفَ فَسَادُهُ) ، أَيْ: الصَّيْدِ لِتَأَخُّرِ صُلْحِهِمَا (بِيعَ) ، أَيْ: بَاعَهُ الْحَاكِمُ (وَاصْطَلَحَا عَلَى ثَمَنِهِ) لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِهِ لِأَحَدِهِمَا. (وَيَحْرُمُ عُضْوٌ أَبَانَهُ صَائِدٌ) مِنْ صَيْدٍ (بِمُحَدِّدٍ مِمَّا بِهِ) ، أَيْ: الْمُبَانِ مِنْهُ (حَيَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ) لِحَدِيثِ «مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ كَمَيْتَةٍ» (لَا إنْ مَاتَ) الصَّيْدُ الْمُبَانُ مِنْهُ (فِي الْحَالِ) فَيَحِلُّ كَمَا لَوْ لَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَالَ أَحْمَدُ إنَّمَا حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا قَطَعْتَ مِنْ الْحَيِّ مَيْتَةٌ» إذَا قُطِعَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ تَمْشِي وَتَذْهَبُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ الْبَيْنُونَةُ وَالْمَوْتُ جَمِيعًا أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ إذَا كَانَ فِي عِلَاجِ الْمَوْتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَلَا تَرَى الَّذِي يُذْبَحُ رُبَّمَا يَمْكُثُ سَاعَةً وَرُبَّمَا مَشَى حَتَّى يَمُوتَ؟ وَكَذَا لَوْ قَدَّهُ الصَّائِدُ نِصْفَيْنِ (أَوْ كَانَ) الْمُبَانُ (مِنْ حُوتٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا تَحِلُّ مَيْتَتُهُ؛ لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً، وَمَيْتَةُ السَّمَكِ مُبَاحَةٌ (وَإِنْ بَقِيَ) الْمَقْطُوعُ مِنْ غَيْرِ الْحُوتِ وَنَحْوِهِ (مُعَلَّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ بِحِلِّهِ) وَلِأَنَّهُ لَمْ يُبِنْ. (وَتَحِلُّ طَرِيدَةٌ وَهِيَ الصَّيْدُ بَيْنَ قَوْمٍ) لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَكَاتِهِ (فَيَأْخُذُونَهُ قَطْعًا) قَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِالطَّرِيدَةِ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي مَغَازِيهِمْ وَمَا زَالَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ فِي مَغَازِيهِمْ. وَاسْتَحَبَّهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (وَكَذَا النَّادُّ) مِنْ الْإِبِلِ وَنَحْوِهَا إذَا تَوَحَّشَتْ، وَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَذْكِيَتِهَا. (النَّوْعُ الثَّانِي) مِنْ آلَةِ الصَّيْدِ (جَارِحٌ فَيُبَاحُ مَا قَتَلَ) جَارِحٌ (مُعَلَّمٌ) مِمَّا يَصِيدُ بِنَابِهِ كَالْفُهُودِ وَالْكِلَابِ أَوْ بِمِخْلَبِهِ مِنْ الطَّيْرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ وَكُلُّ طَيْرٍ تَعَلَّمَ الصَّيْدَ وَالْفُهُودُ وَالصُّقُورُ وَأَشْبَاهُهَا. وَالْجَارِحُ لُغَةً الْكَاسِبُ قَالَ - تَعَالَى - {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60] ، أَيْ: كَسَبْتُمْ، وَيُقَالُ فُلَانٌ جَارِحَةُ أَهْلِهِ، أَيْ: كَاسِبُهُمْ، وَمُكَلِّبِينَ مِنْ التَّكْلِيبِ وَهُوَ الْإِغْرَاءُ (غَيْرُ كَلْبٍ أَسْوَدَ بَهِيمٍ وَهُوَ مَا لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 بَيَاضَ فِيهِ نَصًّا، فَيَحْرُمُ صَيْدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَقَالَ إنَّهُ شَيْطَانٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ «لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَتْلِهِ» ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ اقْتِنَاؤُهُ لَمْ يَجُزْ تَعْلِيمُهُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ جَوَازِ الْإِمْسَاكِ، فَيَكُونُ التَّعْلِيمُ حَرَامًا، وَالْحِلُّ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمُحَرَّمِ، وَلِأَنَّهُ عَلَّلَ بِكَوْنِهِ شَيْطَانًا، وَمَا قَتَلَهُ الشَّيْطَانُ لَا يُبَاحُ أَكْلُهُ كَالْمُنْخَنِقَةِ. (وَاقْتِنَاؤُهُ وَتَعْلِيمُهُ وَيُبَاحُ قَتْلُهُ) ، أَيْ: الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ، نَقَلَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ لَا بَأْسَ بِهِ. وَكَذَا نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَتْلِ الْخِنْزِيرِ لَا بَأْسَ وَيَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ. (وَلَا يُسَنُّ) قَتْلُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ. (وَلَيْسَ بَهِيمًا مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ الَّذِي لَا بَيَاضَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ مَا لَا بَيَاضَ فِيهِ فِي الْأَشْهَرِ قَالَ الشَّارِحُ هُوَ الَّذِي لَا لَوْنَ فِيهِ سِوَى السَّوَادِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِيهِمَا، أَيْ: فِي قَوْلِهِ عَنْ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَهُوَ مَا لَا بَيَاضَ فِيهِ أَوْ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُكْتَتَانِ وَفِي قَوْلِهِ: وَيُسَنُّ قَتْلُهُ مَعَ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا مَسْنُونٌ. (وَيَجِبُ قَتْلُ كَلْبٍ عَقُورٍ) لِيُدْفَعَ شَرُّهُ عَنْ النَّاسِ (لَا إنْ عَقَرَتْ كَلْبَةٌ مَنْ قَرُبَ مِنْ وَلَدِهَا، أَوْ خَزَقَتْ ثَوْبَهُ) فَلَا يُبَاحُ قَتْلُهُ لَهَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْرَهَا لَيْسَ عَادَةً لَهَا. (وَلَا يُبَاحُ قَتْلُ غَيْرِ أَسْوَدَ وَعَقُورٍ لِلنَّهْيِ) عَنْهُ. رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا» الْحَدِيثَ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يُبَاحُ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْ الْكِلَابِ سِوَى الْأَسْوَدِ وَالْعَقُورِ (إلَّا إنْ حَصَلَ بِهَا ضَرَرٌ أَوْ تَنَجُّسٌ كَكِلَابِ أَسْوَاقِ مِصْرَ) فَيُبَاحُ قَتْلُهَا إلْحَاقًا لَهَا بِبَاقِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 الْمُؤْذِيَاتِ عَلَى قَوْلٍ أَفْتَى بِهِ الْقَاضِي زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. (ثُمَّ تَعْلِيمُ مَا يَصِيدُ بِنَابِهِ كَفَهْدٍ وَكَلْبٍ) بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: (أَنْ يَسْتَرْسِلَ إذَا أُرْسِلَ، وَيَنْزَجِرَ إذَا زُجِرَ، لَا فِي وَقْتِ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ) قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَمَعْنَاهُ فِي الْوَجِيزِ وَإِذَا أَمْسَكَ صَيْدًا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، لِحَدِيثِ: «فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ عَادَةَ الْمُعَلَّمِ أَنْ يَنْتَظِرَ صَاحِبَهُ إذَا أَطْعَمَهُ (وَلَا) يُعْتَبَرُ (تَكَرُّرُ ذَلِكَ) ، أَيْ: تَرْكُ الْأَكْلِ (فَلَوْ أَكَلَ بَعْدُ) ، أَيْ: بَعْدَ أَنْ صَادَ صَيْدًا، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ (لَمْ يَخْرُجْ) بِذَلِكَ (عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا) ؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ إذَنْ قَدْ يَكُونُ لِجُوعٍ أَوْ تَوَحُّشٍ (وَلَمْ يَحْرُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَيْدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ صَادَ حَالَ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ. وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُحَرِّمُهُ (وَلَمْ يُبَحْ مَا) ، أَيْ: صَيْدٌ (أُكِلَ مِنْهُ) لِلْخَبَرِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وَهَذَا إنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ إنْ صَادَ بَعْدَ ذَلِكَ حَلَّ مَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِمَّا أَكَلَ مِنْهُ لِعَدَمِ تَعَلُّمِهِ بَلْ لِجُوعٍ أَوْ تَوَحُّشٍ. (وَلَوْ شَرِبَ الصَّائِدُ دَمَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدِ (لَمْ يَحْرُمْ) بِذَلِكَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ (وَيَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ فَمُ كَلْبٍ) لِتَنَجُّسِهِ، كَمَا لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ وَنَحْوَهُ (وَيَتَّجِهُ) وَيَجِبُ أَيْضًا غَسْلُ مَا أَصَابَهُ فَمُ (نَحْوِ فَهْدٍ) كَنَمِرٍ (لِنَجَاسَتِهِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَعْلِيمُ مَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (كَبَازٍ وَصَقْرٍ وَعُقَابٍ) (بِ) أَمْرَيْنِ (أَنْ يَسْتَرْسِلَ إذَا أُرْسِلَ وَيَرْجِعَ إذَا دُعِيَ) لَا بِتَرْكِ الْأَكْلِ لِقَوْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ الصَّقْرُ فَكُلْ. رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَلِأَنَّ تَعْلِيمَهُ بِالْأَكْلِ، وَيَتَعَذَّرُ تَعْلِيمُهُ بِدُونِهِ، بِخِلَافِ مَا يَصِيدُ بِنَابِهِ (وَيُعْتَبَرُ) لِحِلِّ صَيْدِ ذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ (جَرَحَهُ) لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْقَتْلِ كَالْمُحَدَّدِ (فَلَوْ قَتَلَهُ) الْجَارِحُ (بِصَدْمٍ أَوْ خَنْقٍ) (لَمْ يُبَحْ) لِعَدَمِ جُرْحِهِ كَالْمِعْرَاضِ إذَا قَتَلَ بِثِقَلِهِ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ قَصْدُ الْفِعْلِ) بِأَنْ يَرْمِيَ السَّهْمَ أَوْ يَنْصِبَ نَحْوَ الْمِنْجَلِ أَوْ يُرْسِلَ الْجَارِحَ قَاصِدًا الصَّيْدَ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ أَمْرٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الدِّينُ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الْقَصْدُ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ (وَهُوَ إرْسَالُ الْآلَةِ لِقَصْدِ صَيْدٍ) لِحَدِيثِ: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ إرْسَالَ الْجَارِحِ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ مَعَهُ (فَلَوْ احْتَكَّ صَيْدٌ بِمُحَدَّدٍ) فَعَقَرَهُ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يَحِلَّ (أَوْ سَقَطَ) مُحَدَّدٌ عَلَى صَيْدٍ (فَعَقَرَهُ بِلَا قَصْدٍ) لَمْ يُبَحْ (أَوْ اسْتَرْسَلَ جَارِحٌ بِنَفْسِهِ، فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ، وَلَوْ زَجَرَهُ) أَيْ: الْجَارِحَ رَبُّهُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ (مَا لَمْ يَزِدْ الْجَارِحُ فِي طَلَبِهِ) ، أَيْ: الصَّيْدِ (بِزَجْرِهِ) فَيَحِلُّ حَيْثُ سَمَّى عِنْدَ زَجْرِهِ وَجَرْحِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ زَجْرَهُ أَثَّرَ فِي عَدْوِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَرْسَلَهُ. (وَمَنْ رَمَى هَدَفًا) ، أَيْ: مُرْتَفِعًا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ كَثِيبِ رَمْلٍ أَوْ جَبَلٍ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ (أَوْ رَمَى رَائِدًا صَيْدًا، وَلَمْ يَرَهُ) ، أَيْ: يَعْلَمُهُ، لِحِلِّ صَيْدِ الْأَعْمَى إذَا عَلَّمَهُ بِالْحِسِّ (أَوْ رَمَى حَجَرًا يَظُنُّهُ صَيْدًا) فَقَتَلَ صَيْدًا، لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا عَلَى الْحَقِيقَةِ (أَوْ رَمَى مَا عَلِمَهُ) غَيْرَ صَيْدٍ (أَوْ رَمَى مَا ظَنَّهُ غَيْرَ صَيْدٍ، فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ) لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَصْدُ الصَّيْدِ. (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا رَآهُ، فَأَصَابَ غَيْرَهُ) حَلَّ (أَوْ) رَمَى صَيْدًا (وَاحِدًا) مِنْ صَيُودٍ (فَأَصَابَ عَدَدًا حَلَّ الْكُلُّ، وَكَذَا جَارِحٌ) أَرْسَلَ عَلَى صَيْدٍ، فَقَتَلَ غَيْرَهُ، أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فَقَتَلَ عَدَدًا، فَيَحِلُّ الْجَمِيعُ نَصًّا، لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ بِقَصْدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 الصَّيْدِ فَحَلَّ مَا صَادَهُ كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى كِبَارٍ فَتَفَرَّقَتْ عَنْ صِغَارٍ، أَوْ أَخَذَ صَيْدًا فِي طَرِيقِهِ. (وَإِنْ أَعَانَتْ رِيحُ مَا رَمَى بِهِ) مِنْ سَهْمٍ (فَقَتَلَ، وَلَوْلَاهَا) ، أَيْ: الرِّيحُ (مَا وَصَلَ) السَّهْمُ لَمْ يَحْرُمْ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْ الرِّيحِ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا، وَرَمْيُ السَّهْمِ لَهُ حُكْمُ الْحِلِّ (أَوْ رَدَّهُ) ، أَيْ: مَا رَمَى بِهِ الصَّائِدُ مِنْ نَحْوِ سَهْمٍ (حَجَرٌ أَوْ غَيْرُهُ) عَلَى الصَّيْدِ (فَقُتِلَ، لَمْ يَحْرُمْ) الصَّيْدُ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ أَثْبَتَ صَيْدًا مَلَكَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ امْتِنَاعَهُ بِإِثْبَاتِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ، فَإِنْ تَحَامَلَ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ، لَمْ يَمْلِكْهُ (فَيَرُدُّهُ آخِذُهُ) لِمَنْ أَثْبَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَدَخَلَ مَحَلَّ غَيْرِهِ) ، أَيْ: غَيْرِ رَامِيهِ الَّذِي لَمْ يُثْبِتْهُ (فَأَخَذَهُ رَبُّ الْمَحَلِّ) مَلَكَهُ بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ. (أَوْ وَثَبَ حُوتٌ فَوَقَعَ بِحَجَرِ شَخْصٍ وَلَوْ بِسَفِينَةٍ) مَلَكَهُ بِذَلِكَ، لِسَبْقِهِ إلَى مُبَاحٍ وَحِيَازَتِهِ لَهُ (لَا) إنْ وَثَبَ الْحُوتُ (بِفِعْلِ صَيَّادٍ يَقْصِدُ الصَّيْدَ) أَمَّا لَوْ وَثَبَ الصَّيْدُ بِفِعْلِهِ، فَوَقَعَ بِحَجَرِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَصِرْ مِلْكَهُ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الصَّيَّادِ (أَوْ دَخَلَ ظَبْيٌ دَارِهِ، فَأَغْلَقَ بَابَهَا، وَلَوْ جَهِلَهُ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهُ) مَلَكَهُ، كَمَا لَوْ فَتَحَ حُجْرَةً لِأَخْذِهِ، فَإِنْ لَمْ يُغْلَقْ بَابُهَا عَلَيْهِ لَمْ يَمْلِكْهُ (أَوْ فَرْخٌ فِي بُرْجِهِ الْمُعَدُّ لِصَيْدِ طَائِرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ) مَلَكَهُ صَاحِبُ الْبُرْجِ - وَلَوْ مُسْتَأْجِرًا لَهُ أَوْ مُسْتَعِيرًا - لِحِيَازَتِهِ لَهُ (وَفَرْخُ طَيْرٍ مَمْلُوكٍ لِمَالِكِهِ) نَصًّا كَالْوَلَدِ يَتْبَعُ. قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَلَوْ تَحَوَّلَ الطَّيْرُ مِنْ بُرْجِ زَيْدٍ إلَى بُرْجِ عَمْرٍو، (لَزِمَ عَمْرًا) رَدُّهُ، وَإِنْ اخْتَلَطَ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ، مُنِعَ عَمْرٌو مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يَنْقُلُ الْمِلْكَ حَتَّى يَصْطَلِحَا، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ حَقَّهُ أَوْ وَهَبَهُ، صَحَّ فِي الْأَقْيَسِ (أَوْ أَحْيَا أَرْضًا بِهَا كَنْزٌ مَلَكَهُ) بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ بِهَا. ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَصَحَّحَهُ شَارِحُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مُودِعٌ فِيهَا لِلنَّقْلِ مِنْهَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى الْمَعْدِنِ الْجَامِدِ؛ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ (كَنَصْبِ خَيْمَتِهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 لِذَلِكَ (وَفَتْحِ حُجْرَةٍ لِذَلِكَ) ، أَيْ: لِلصَّيْدِ (وَكَعَمَلِ بِرْكَةٍ لِ) صَيْدِ (سَمَكٍ) فَمَا حَصَلَ مِنْهُ بِهَا مَلَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا ذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْهُ (وَ) كَنَصَبِ (شَبَكَةٍ وَشَرَكٍ وَفَخٍّ) نَصًّا، (وَ) نَصْبِ (مِنْجَلٍ) لِصَيْدٍ (كَحَبْسِ جَارِحٍ لَهُ) ، أَيْ: الصَّيْدِ (بِ) أَنْ أَلْجَأَهُ إلَى (مَضِيقٍ لَا يُفْلِتُ مِنْهُ) فَيَمْلِكُهُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ أَثْبَتَهُ. (وَلَوْ كَانَتْ آلَةُ الصَّيْدِ كَشَبَكَةٍ وَشَرَكٍ غَيْرِ مَنْصُوبَةٍ لِلصَّيْدِ، وَلَا قَصَدَ بِهَا الِاصْطِيَادَ، فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ، لَمْ يَمْلِكْهُ صَاحِبُهَا) لِعَدَمِ الْقَصْدِ (وَمَنْ وَقَعَ بِشَبْكَتِهِ صَيْدٌ فَذَهَبَ) الصَّيْدُ (بِهَا) أَيْ: الشَّبَكَةِ (فَصَادَهُ آخَرُ) غَيْرُ صَاحِبِ الشَّبَكَةِ، (فَ) الصَّيْدُ (لِلثَّانِي) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ، لِبَقَاءِ امْتِنَاعِهِ وَتُرَدُّ الشَّبَكَةُ لِرَبِّهَا، وَكَذَا لَوْ وَقَعَ بِشَرَكٍ أَوْ فَخٍّ فَذَهَبَ بِهِ، فَصَادَهُ آخَرُ، وَإِنْ كَانَ يَمْشِي بِالشَّبَكَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِمَّنْ يَقْصِدُ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ أَمْسَكَهُ الصَّائِدُ مِنْ نَحْوِ شَبَكَةٍ، وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْفَلَتَتْ مِنْهُ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ بِأَخْذِ غَيْرِهِ كَدَابَّةٍ شَرَدَتْ. (وَإِنْ وَقَعَتْ سَمَكَةٌ بِسَفِينَةٍ لَا بِحَجَرِ أَحَدٍ، فَالسَّمَكَةُ لِرَبِّهَا) ، أَيْ: السَّفِينَةِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَيَدُهُ عَلَيْهَا. (وَمَنْ حَصَلَ) بِمِلْكِهِ غَيْرِ الْمُعَدِّ (أَوْ عَشَّشَ بِمِلْكِهِ غَيْرِ الْمُعَدِّ) لِلِاصْطِيَادِ (صَيْدٌ أَوْ طَائِرٌ، لَمْ يَمْلِكْهُ) بِذَلِكَ، وَلِغَيْرِهِ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ وَنَحْوَهَا لَمْ تُعَدْ لِلصَّيْدِ كَالْبَرَكَةِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الِاصْطِيَادُ (وَإِنْ سَقَطَ) مِمَّا عَشَّشَ بِمِلْكِهِ (بِرَمْيٍ بِهِ، فَهُوَ، لِرَامٍ) نَصًّا، نَقَلَ صَالِحٌ فِيمَنْ صَادَ مِنْ نَخْلَةٍ بِدَارِ قَوْمٍ، هُوَ لِلصَّيَّادِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِإِزَالَةِ امْتِنَاعِهِ. قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَجَعَلَهُ فِي الْمُنْتَهَى لِرَبِّ الْمِلْكِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ. (وَلَوْ أَعَدَّ أَرْضًا لِلْمِلْحِ، فَحَصَلَ فِيهَا) ، أَيْ: الْأَرْضِ (الْمَاءُ الْمِلْحُ مَلَكَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 (وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مِلْكِهِ مُعَدًّا لِصَيْدٍ) كَشَبَكَةٍ وَبِرْكَةٍ (وَنَحْوِهِ) كَأَرْضٍ مُعَدَّةٍ لِلْمِلْحِ (وَحَصَلَ فِيهِ) ، أَيْ: فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مُبَاحٌ (مَلَكَهُ) بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ (وَمَا لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا) لِلصَّيْدِ وَنَحْوِهِ كَدَارِهِ وَبُسْتَانِهِ (فَلَا) يَمْلِكُ مَا حَصَلَ بِهِمَا مِنْ صَيْدٍ وَنَحْوِهِ، لِعَدَمِ الْإِعْدَادِ لِذَلِكَ. (وَيَحْرُمُ صَيْدُ سَمَكٍ وَغَيْرِهِ بِنَجَاسَةٍ يَأْكُلُهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْجَلَّالَةِ (وَعَنْهُ) ، أَيْ: الْإِمَامِ (أَحْمَدَ يُكْرَهُ) الصَّيْدُ بِنَجَاسَةٍ (وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَيُكْرَهُ الصَّيْدُ بِبَنَاتِ وَرْدَانَ؛ لِأَنَّ مَأْوَاهَا الْحُشُوشُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا بِالضَّفَادِعِ، وَقَالَ: الضُّفْدَعُ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ (وَيُكْرَهُ) صَيْدُ الطَّيْرِ (بِشْبَاشٌ، وَهُوَ طَائِرٌ) كَالْبُومَةِ (تُخَيَّطُ عَيْنَاهُ وَيُرْبَطُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لِلْحَيَوَانِ، (وَيُكْرَهُ) أَنْ يُصَادَ صَيْدٌ (مِنْ وَكْرِهِ) لِخَوْفِ الْأَذَى، وَ (لَا) يُكْرَهُ صَيْدُ (الْفَرْخِ) مِنْ وَكْرِهِ، (وَلَا) يُكْرَهُ الصَّيْدُ (لَيْلًا أَوْ بِمَا يُسْكِرُ) الصَّيْدَ نَصًّا. (وَيُبَاحُ) الصَّيْدُ (بِشَبَكَةٍ وَفَخِّ وَدَبْقٍ وَكُلِّ حِيلَةٍ) وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ بِمُثْقَلٍ كَبُنْدُقٍ، وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الرَّمْيَ بِالْبُنْدُقِ مُطْلَقًا، لِنَهْيِ عُثْمَانَ، وَنَصِّ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُنْدُقِ يُرْمَى بِهَا الصَّيْدُ لَا لِلْعَبَثِ. وَ (لَا) يُبَاحُ الصَّيْدُ (بِمَنْعِ مَاءٍ) عَنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِهِ، فَإِنْ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ حَتَّى صَادَهُ حَلَّ أَكْلُهُ. (وَمَنْ أَرْسَلَ صَيْدًا وَقَالَ أَعْتَقْتُكَ) ، أَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عِنْدَ إرْسَالِهِ (وَيَحْرُمُ) عَلَيْهِ إرْسَالُهُ كَفِعْلِهِ ذَلِكَ، بِبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ) ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا يَجُوزُ أَعْتَقْتُكَ فِي حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْجَاهِلِيَّةِ (وَكَانْفِلَاتِهِ) ، أَيْ: الصَّيْدِ بِلَا إرْسَالٍ (وَكَإِرْسَالِهِ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً) وَنَحْوَهَا مِنْ الْبَهَائِمِ الْمَمْلُوكَةِ، فَإِنَّ مِلْكَهُ عَنْهَا لَا يَزُولُ بِذَلِكَ، وَلَا يَمْلِكُهَا آخِذُهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 بِإِعْرَاضِ مَالِكِهَا عَنْهَا (بِخِلَافِ نَحْوِ كِسْرَةٍ أَعْرَضَ عَنْهَا، فَيَمْلِكُهَا آخِذُهَا) ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ، وَعَادَةُ النَّاسِ الْإِعْرَاضُ عَنْ مِثْلِهَا (وَمَنْ وَجَدَ فِيمَا صَادَ عَلَامَةَ مِلْكٍ كَقِلَادَةٍ بِرَقَبَتِهِ وَكَحَلْقَةٍ بِأُذُنِهِ وَكَقَصِّ جُنَاحِ طَائِرٍ، فَهُوَ لُقَطَةٌ) يُعَرِّفُهُ وَاجِدُهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ بِاصْطِيَادِهِ لِلْقَرِينَةِ (فَرْعٌ كَانَ الْجَاهِلِيَّةُ يَتَقَرَّبُونَ إلَى اللَّهِ بِأُمُورٍ أَرْبَعَةٍ أَبْطَلَهَا) - سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى - بِقَوْلِهِ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} [المائدة: 103] الْآيَةَ. (فَالْبَحِيرَةُ هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي تُنْتِجُ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ آخِرَهَا ذَكَرٌ، فَيَشُقُّ مَالِكُهَا، أُذُنَهَا، وَيُخَلِّي سَبِيلَهَا، وَلَا يَنْتَفِعُ) هُوَ وَلَا عِيَالُهُ (بِهَا وَلَا بِلَبَنِهَا وَلَا يَجُزُّ وَبَرَهَا [وَلَا] يَمْنَعَهَا الْمَاءَ وَالْكَلَأَ، بَلْ يُخَلِّيهِ) ، أَيْ: لَبَنَهَا (لِلضُّيُوفِ) فَقَطْ. (وَالسَّائِبَةُ نَوْعَانِ) إحْدَاهُمَا: (الْعَبْدُ يَعْتِقُهُ مَالِكُهُ سَائِبَةً لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا بِوَلَائِهِ. وَالثَّانِي: الْبَعِيرُ يُسَيِّبُهُ مَالِكُهُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَلَا يَحْبِسُهُ عَنْ مَرْعَى وَلَا مَاءٍ وَلَا يَرْكَبُهُ، وَتَجْعَلُهُ كَالْبَحِيرَةِ فِي تَحْرِيمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ) . (وَالْوَصِيلَةُ نَوْعَانِ) أَيْضًا (إحْدَاهُمَا: الشَّاةُ تُنْتِجُ سَبْعَةَ أَبْطُنٍ عِنَاقَيْنِ عِنَاقَيْنِ، فَإِنْ نَتَجَتْ فِي الْمَرَّةِ الثَّامِنَةِ جَدْيًا وَعِنَاقًا) مَعًا، أَيْ: ذَكَرًا وَأُنْثَى (قَالُوا وَصَلَتْ أَخَاهَا، فَلَا يَذْبَحُونَهُ لِأَجْلِهَا، وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَ الْأُمِّ إلَّا الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَجَرَتْ مَجْرَى السَّائِبَةِ) وَتَقَدَّمَ. (وَالثَّانِي: الشَّاةُ كَانَتْ إذَا نَتَجَتْ ذَكَرًا ذَبَحُوهُ لِآلِهَتِهِمْ، أَوْ) ، أَيْ: وَإِذَا نَتَجَتْ (أُنْثَى) فَهِيَ لَهُمْ أَوْ نَتَجَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى قَالُوا وَصَلَتْ أَخَاهَا فَلَمْ يَذْبَحُوا الذَّكَرَ لِآلِهَتِهِمْ. (وَالْحَامِي هُوَ الْفَحْلُ مِنْ الْإِبِلِ يَضْرِبُ فِي إبِلِ الشَّخْصِ عَشْرَ سِنِينَ فَيُخَلَّى سَبِيلُهُ، وَيَقُولُونَ قَدْ حَمَى ظَهْرَهُ، فَلَا يَنْتَفِعُونَ مِنْ ظَهْرِهِ بِشَيْءٍ) وَلَا يُمْنَعُ مِنْ مَاءٍ وَلَا مَرْعَى، وَإِذَا مَاتَ أَكَلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لِأَكْثَمَ الْخُزَاعِيِّ يَا أَكْثَمُ رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ، فَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 رَأَيْنَا مِنْ رَجُلٍ أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ، وَلَا بِهِ مِنْكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إسْمَاعِيلَ، وَنَصَبَ الْأَوْثَانَ، وَبَحَرَ الْبَحِيرَةِ، وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ، وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ، وَحَمَى الْحَامِيَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ بِرِيحِ قَصَبِهِ، فَقَالَ أَكْثَمُ، أَيَضُرُّنِي شَبَهُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، إنَّكَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ» ، وَالْمَعْنَى مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ وَلَا أَمَرَ بِالتَّبْحِيرِ وَلَا التَّسْيِيبِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ الشَّرْطُ (الرَّابِعُ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ) لَا مِنْ أَخْرَسَ (عِنْدَ إرْسَالٍ) أَوْ رَمْيٍ لِنَحْوِ سَهْمٍ أَوْ مِعْرَاضٍ أَوْ نَصْبِ نَحْوِ مِنْجَلٍ؛ لِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْمَوْجُودُ مِنْ الصَّائِدِ، فَاعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ (كَمَا) تُعْتَبَرُ (فِي ذَكَاةٍ) وَتُجْزِئُ بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ، وَلَوْ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ (إلَّا أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ هُنَا) ، أَيْ فِي الصَّيْدِ (سَهْوًا) وَلَا جَهْلًا، لِلنُّصُوصِ الْخَاصَّةِ، وَلِأَنَّ الذَّبِيحَةَ (تَكْثُرُ فَيَكْثُرُ السَّهْوُ فِيهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الذَّبِيحَةِ) وَالصَّيْدِ بِأَنَّ الذَّبْحَ يَقَعُ فِي الذَّبِيحَةِ فِي مَحِلِّهِ، فَجَازَ أَنْ يُسَامَحَ فِيهِ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ (وَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمُ التَّسْمِيَةِ) بِزَمَنٍ (يَسِيرٍ) عُرْفًا كَالْعِبَادَاتِ (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ (تَأْخِيرٌ كَثِيرٌ) لِلتَّسْمِيَةِ (فِي جَارِحٍ إذَا زَجَرَهُ فَانْزَجَرَ) إقَامَةً لِذَلِكَ مَقَامَ ابْتِدَاءِ إرْسَالِهِ. (وَلَوْ سَمَّى عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ، لَا إنْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ وَرَمَى بِغَيْرِهِ) فَلَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ، اُعْتُبِرَ فِي آلَتِهِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ سَمَّى عَلَى سِكِّينٍ ثُمَّ أَلْقَاهَا وَذَبَحَ بِغَيْرِهَا) لِوُجُودِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ بِعَيْنِهَا، وَتَقَدَّمَ لَوْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَ غَيْرِهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ، لَمْ تَحِلَّ، سَوَاءٌ أَرْسَلَ الْأُولَى أَوْ ذَبَحَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا يَقْصِدْ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ. وَإِنْ رَأَى قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ فَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ " ثُمَّ أَخَذَ شَاةً فَذَبَحَهَا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ لَمْ يَحِلَّ - وَلَوْ جَهْلًا -؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ يُؤَاخَذُ، بِخِلَافِ النَّاسِي. تَتِمَّةٌ دَمُ السَّمَكِ طَاهِرٌ مَأْكُولٌ كَمَيْتِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] ِ (الْأَيْمَانُ وَاحِدُهَا يَمِينٌ وَهِيَ الْقَسَمُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالسِّينِ (وَالْإِيلَاءُ وَالْحَلِفُ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ) تَأْتِي أَمْثِلَتُهَا (فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِ يَمِينِ الْأَخْرَسِ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْفُرُوعِ فِي) بَابِ (صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِانْعِقَادِهَا) ، أَيْ: الْيَمِينِ (مِنْهُ) كَالنِّيَّةِ. وَأَصْلُ الْيَمِينِ الْيَدُ الْمَعْرُوفَةُ، سُمِّيَ بِهَا الْحَلِفُ، لِإِعْطَاءِ الْحَالِفِ يَمِينَهُ فِيهِ كَالْعَهْدِ وَالْمُعَاقَدَةِ. (فَالْيَمِينُ تَوْكِيدُ حُكْمٍ) ، أَيْ: مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ (بِذِكْرِ مُعَظَّمٍ) ، وَهُوَ الْمَحْلُوفُ بِهِ (عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {حم} [الدخان: 1] {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ - إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 2 - 3] (وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ (وَجَوَابُهَا كَشَرْطٍ وَجَزَاءٍ) وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] ، وَالسُّنَّةُ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: «إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَوَضْعُهَا فِي الْأَصْلِ لِتَأْكِيدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53] وَ {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] (وَالْحَلِفُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ إرَادَةُ تَحْقِيقِ خَبَرٍ) أَيْ: حُكْمٌ يَصِحُّ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 (فِيهِ) أَيْ: الْمُسْتَقْبَلِ (مُمْكِنٌ) كَقِيَامٍ وَسَفَرٍ وَضَرْبٍ (بِقَوْلٍ يُقْصَدُ بِهِ الْحَثُّ عَلَى فِعْلِ الْمُمْكِنِ أَوْ تَرْكِهِ) نَحْوَ وَاَللَّهِ لَأَقُومَنَّ أَوْ لَيَقُومَنَّ زَيْدٌ وَالْحَثُّ عَلَى تَرْكِهِ كَقَوْلِهِ: {وَاَللَّهِ لَا أَزْنِي أَبَدًا} . (أَوْ الْحَلِفُ عَلَى) شَيْءٍ (مَاضٍ إمَّا بِرٌّ وَهُوَ الصَّادِقُ) فِي يَمِينِهِ (أَوْ غُمُوسٌ وَهُوَ الْكَاذِبُ) وَيَأْتِي وَجْهُ التَّسْمِيَةِ (أَوْ لَغْوٌ وَهُوَ مَا) ، أَيْ: حَلَفَ (لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا إثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ) فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ كَحَلِفِهِ ظَانًّا صِدْقَ نَفْسِهِ، فَيَبِينُ بِخِلَافِهِ. (وَالْيَمِينُ الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ بِشَرْطِ: الْحِنْثِ، هِيَ) الْيَمِينُ (الَّتِي بِاسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - الَّذِي لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ، وَالْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ، وَالْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَالْآخِرِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَخَالِقِ الْخَلْقِ، وَرَازِقِ الْعَالَمِينَ أَوْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَالَمِ بِكُلِّ شَيْءٍ) وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَرَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِينَ (وَالرَّحْمَنِ) يَمِينٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ قِيلَ هُوَ اسْمٌ أَوْ صِفَةٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110] الْآيَةَ، فَجَعَلَ لَفْظَةَ اللَّهِ وَلَفْظَةَ الرَّحْمَنِ سَوَاءً فِي الدُّعَاءِ، فَيَكُونُ سَوَاءً فِي الْحَلِفِ (أَوْ) اسْمُ اللَّهِ الَّذِي (يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ الْغَيْرُ كَالرَّحِيمِ) قَالَ - تَعَالَى -: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] (وَالْعَظِيمِ) قَالَ - تَعَالَى -: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] وَكَذَا الْقَادِرِ، لِقَوْلِهِمْ، فُلَانٌ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ (وَالرَّبِّ) قَالَ - تَعَالَى -: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] ، الْآيَةَ (وَالْمَوْلَى) لِقَوْلِهِمْ: الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ (وَالرَّازِقِ) قَالَ - تَعَالَى -: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] (وَالْخَالِقِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي} [المائدة: 110] (وَالْقَوِيِّ) قَالَ - تَعَالَى -: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26] وَكَذَا السَّيِّدُ قَالَ - تَعَالَى -: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] . (أَوْ) الْيَمِينُ (بِصِفَةٍ لَهُ - تَعَالَى - كَوَجْهِ اللَّهِ) نَصًّا قَالَ - تَعَالَى -: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] (وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ وَعِزَّتِهِ وَعَهْدِهِ) لِأَنَّ عَهْدَهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَلَامُهُ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ وَنَهَانَا، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ} [يس: 60] (وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اسْتِحْقَاقُهُ لِمَا تَعَبَّدَنَا بِهِ) وَمِيثَاقُهُ وَحَقُّهُ وَأَمَانَتُهُ وَإِرَادَتُهُ وَقُدْرَتُهُ وَعِلْمُهُ وَجَبَرُوتُهُ، (وَلَوْ نَوَى مُرَادَهُ أَوْ مَقْدُورَهُ أَوْ مَعْلُومَهُ) - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ - تَعَالَى - صَارَ يَمِينًا بِذَكَرِ اسْمِهِ - تَعَالَى - مَعَهُ (وَإِنْ لَمْ يُضِفْهَا لِلَّهِ) ، أَيْ: إذَا لَمْ يُضِفْهَا إلَى اسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - (لَمْ يَكُنْ) حَلِفُهُ بِهَا (يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا صِفَتَهُ - تَعَالَى) وَتَقَدَّسَ -، فَتَكُونَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِضَافَةِ كَوُجُودِهَا (وَأَمَّا مَا لَا يُعَدُّ مِنْ أَسْمَائِهِ - تَعَالَى - وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ أَوْ الَّذِي لَا يَنْصَرِفُ إطْلَاقُهُ إلَيْهِ - تَعَالَى -، وَيَحْتَمِلُهُ كَالْحَيِّ وَالْوَاحِدِ وَالْكَرِيمِ وَالْعَالَمِ وَالْمُؤْمِنِ فَإِنْ نَوَى بِهِ اللَّهَ - تَعَالَى - فَهُوَ يَمِينٌ) لِنِيَّتِهِ بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ كَالرَّحِيمِ وَالْقَادِرِ (وَإِلَّا) يَنْوِ بِهِ اللَّهَ - تَعَالَى - (فَلَا) يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ - تَعَالَى - (وَقَوْلُهُ) ، أَيْ: الْحَالِفِ (وَأَيْمُ اللَّهِ) يَمِينٌ كَقَوْلِهِ وَأَيْمُنُ اللَّهِ، وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنُّونِ مَعَ كَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا، قَالَ الْكُوفِيُّونَ: هُوَ جَمْعُ يَمِينٍ وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ قَطْعٍ، فَكَانُوا يَحْلِفُونَ بِالْيَمِينِ، فَيَقُولُونَ وَيَمِينُ اللَّهِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْيَمِينِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 بِمَعْنَى الْبَرَكَةِ (أَوْ) قَوْلُهُ (لَعَمْرُ اللَّهِ) - تَعَالَى - (يَمِينٌ) كَالْحَلِفِ بِبَقَائِهِ - تَعَالَى -، قَالَ - تَعَالَى -: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] وَالْعَمْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا الْحَيَاةُ وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي الْقَسَمِ الْمَفْتُوحُ خَاصَّةً، وَاللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا تَقْدِيرُهُ: قَسَمِي. (لَا هَا اللَّهِ) مَعَ قَطْعِ هَمْزَةِ اللَّهِ وَوَصْلِهَا وَمَدِّهَا وَقَصْرِهَا فِيهِمَا، فَلَيْسَ يَمِينًا (إلَّا بِنِيَّتِهِ) فَيَكُونُ قَسَمًا، لِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ قَلِيلًا (وَأَقْسَمْت) بِاَللَّهِ (أَوْ أُقْسِمُ) بِاَللَّهِ (وَشَهِدْتُ) بِاَللَّهِ (أَوْ أَشْهَدُ) بِاَللَّهِ (وَحَلَفْتُ) بِاَللَّهِ (أَوْ أَحْلِفُ) بِاَللَّهِ (وَعَزَمْتُ) بِاَللَّهِ (أَوْ أَعْزِمُ) بِاَللَّهِ (وَآلَيْتُ) بِاَللَّهِ (أَوْ آلِي) بِاَللَّهِ (وَقَسَمًا) بِاَللَّهِ (وَحَلِفًا) بِاَللَّهِ (وَأَلْيَةً) بِاَللَّهِ (وَشَهَادَةً) بِاَللَّهِ (وَيَمِينًا بِاَللَّهِ وَعَزِيمَةً بِاَللَّهِ يَمِينٌ) نَوَاهُ بِذَلِكَ أَوْ أَطْلَقَ. قَالَ تَعَالَى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} [الأنعام: 109] {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ أُقْسِمُ وَنَحْوَهُ كَانَ يَمِينًا، فَإِذَا ضَمَّ إلَيْهِ مَا يُؤَكِّدُهُ كَانَ أَوْلَى وَآكَدَ (فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ فِيهَا) ، أَيْ: الْكَلِمَاتِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ أَقْسَمْتُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا (كُلِّهَا، وَلَمْ يَنْوِ يَمِينًا) فَلَا تَكُونُ يَمِينًا (أَوْ ذَكَرَهُ) ، أَيْ: ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ - تَعَالَى - (وَنَوَى) بِقَوْلِهِ أَقْسَمْتُ بِاَللَّهِ وَنَحْوِهِ (خَبَرًا فِيمَا يَحْتَمِلُهُ) كَنِيَّتِهِ بِذَلِكَ عَنْ قَسَمٍ سَبَقَ أَوْ نَوَى بِأُقْسِمُ وَنَحْوِهِ الْخَبَرَ عَنْ يَمِينٍ يَأْتِي، أَوْ نَوَى بِأَعْزِمُ الْقَصْدَ دُونَ الْيَمِينِ (فَلَا يَمِينَ) أَيْ: فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، وَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ، لِاحْتِمَالِهِ، وَحَيْثُ كَانَ صَادِقًا فَلَا كَفَّارَةَ. [تَنْبِيهٌ قَالَ الْحَالِفُ أَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ أَوْ أَعْتَصِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ] تَنْبِيهٌ: وَإِنْ قَالَ أَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ، أَوْ أَعْتَصِمُ بِاَللَّهِ، أَوْ أَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ، أَوْ عَلِمَ اللَّهُ، أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 أَعَزَّ اللَّهُ، أَوْ تَبَارَكَ اللَّهُ وَنَحْوَهُ كَالْحَمْدِ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، وَلَوْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرْعَ وَلَا لُغَةَ وَلَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ. (وَالْحَلِفُ بِكَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - أَوْ الْمُصْحَفِ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ بِسُورَةٍ مِنْهُ أَوْ آيَةٍ مِنْهُ يَمِينٌ) ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ - تَعَالَى -، فَمَنْ حَلَفَ بِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ كَانَ حَالِفًا بِصِفَتِهِ - تَعَالَى -، وَالْمُصْحَفُ يَتَضَمَّنُ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ - تَعَالَى -، وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فِي حَدِيثٍ: «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا بَيْنَ دَفَّتِيِ الْمُصْحَفِ كَلَامُ اللَّهِ (فِيهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَالْكَلَامُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ. (وَكَذَا) الْحَلِفُ (بِنَحْوِ تَوْرَاةٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ - تَعَالَى -) كَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ فَهِيَ يَمِينٌ فِيهَا كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - تَعَالَى -، لَا الْمُغَيِّرِ وَالْمُبَدِّلِ، وَلَا تَسْقُطُ حُرْمَةُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ نُسِخَ الْحُكْمَ بِالْقُرْآنِ كَالْمَنْسُوخِ حُكْمُهُ فِي الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَإِذَا كَانَتْ كَلَامَهُ فَهِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ كَالْقُرْآنِ. [فَصْلٌ فِي حُرُوفُ الْقَسَمِ] فَصْلٌ (حُرُوفُ الْقَسَمِ) ثَلَاثَةٌ (بَاءٌ) وَهِيَ الْأَصْلُ، وَلِذَلِكَ بَدَأَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا حَرْفُ تَعْدِيَةٍ، وَ (يَلِيهَا) مُظْهَرٌ، نَحْوُ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ (وَ) يَلِيهَا (مُضْمَرٌ) نَحْوُ: اللَّهَ أُقْسِمُ بِهِ لَأَفْعَلَنَّ. (وَ) الثَّانِي (وَاوٌ: يَلِيهَا مُظْهَرٌ) فَقَطْ، كَ: وَاَللَّهِ وَالنَّجْمِ، وَهِيَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا. (وَ) الثَّالِثُ (تَاءٌ) وَأَصْلُهَا الْوَاوُ (يَلِيهَا اسْمُ اللَّهِ - تَعَالَى - خَاصَّةً) نَحْوُ {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] (فَلَوْ قَالَ تَالرَّحْمَنِ أَوْ تَالرَّحِيمِ، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا) ؛ لِأَنَّهُ شَاذٌّ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، فَإِنْ ادَّعَى مَنْ أَتَى بِأَحَدِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ فِي مَوْضِعِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْقَسَمَ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَقَوْلُهُ لَأَفْعَلَنَّ يَمِينٌ) وَلَوْ قَالَ أَرَدْتُ أَنِّي أَفْعَلُ بِمَعُونَةِ اللَّهِ، وَلَمْ أُرِدْ الْقَسَمَ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ (وَقَوْلُهُ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ نِيَّتَهُ) فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ انْعَقَدَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ أَسْأَلُكَ، وَإِنْ نَوَى السُّؤَالَ دُونَ الْيَمِينِ، لَمْ تَنْعَقِدْ، (فَإِنْ أَطْلَقَ) فَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا (لَمْ تَنْعَقِدْ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْيَمِينَ وَغَيْرَهُ، فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِنِيَّتِهِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ قَائِلٍ لِغَيْرِهِ أَسْأَلُكَ (بِاَللَّهِ لَتَأْكُلَنَّ) هَذَا الطَّعَامَ وَنَحْوَهُ كَ: لَتَرْكَبَنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ (فِي مَقَامِ التَّوَدُّدِ أَوْ الْإِكْرَامِ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ قَسَمٌ بِغَيْرِ حُرُوفِهِ نَحْوُ: اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ جَرًّا وَنَصَبًا لِلِاسْمِ الْكَرِيمِ لَهُ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لُغَةٌ صَحِيحَةٌ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِرُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ: اللَّهِ مَا أَرَدْتَ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً؟» وَقَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهُ: «اللَّهِ إنَّكَ قَتَلْتَهُ؟ قَالَ اللَّهِ إنِّي قَتَلْتُهُ» (فَإِنْ نَصَبَهُ) ، أَيْ: الِاسْمَ الْكَرِيمَ (بِوَاوٍ) أَيْ: مَعَ وَاوِ الْقَسَمِ (أَوْ رَفَعَهُ مَعَهَا أَوْ) رَفَعَهُ (دُونَهَا) فَذَلِكَ (يَمِينٌ) ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَرِّ وَغَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِالْجَوَابِ إرَادَةُ الْيَمِينِ (إلَّا أَنْ لَا يَنْوِيَهَا) ، أَيْ: الْيَمِينَ (عَرَبِيٌّ) ، أَيْ: مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، فَلَا تَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْمُقْسَمَ بِهِ لَا يَكُونُ مَرْفُوعًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُبْتَدَأٌ وَعُطِفَ عَلَى شَيْءٍ تَقَدَّمَ، وَلَا يَكُونُ مَنْصُوبًا مَعَ الْوَاوِ، إذْ لَا تَكُونُ هَهُنَا إلَّا عَاطِفَةً، فَعُدُولُهُ عَنْ الْجَرِّ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ غَيْرِ الْيَمِينِ، فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ، لِأَنَّهُ لَاحِنٌ، وَاللَّحْنُ لَا يُقَاوِمُ النِّيَّةَ كَلَحْنِهِ فِي الْقُرْآنِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (الْأَحْكَامُ) مِنْ قَسَمٍ وَغَيْرِهِ (تَتَعَلَّقُ بِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 أَرَادَهُ النَّاسُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَلْحُونَةِ كَ: بِاَللَّهِ رَفْعًا وَنَصْبًا. وَبِاَللَّهِ يَصُومُ وَيُصَلِّي، وَقَوْلِ الْكَافِرِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) بِرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي، وَأَوْصَيْتُ لِزَيْدًا بِمِائَةٍ وَأَعْتَقْتُ سَالِمٍ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) ، وَقَالَ: مَنْ رَامَ جَعْلَ النَّاسِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بِحَسَبِ عَادَةِ قَوْمٍ بِعَيْنِهِمْ، فَقَدْ رَامَ مَا لَا يُمْكِنُ عَقْلًا، وَلَا يَصِحُّ شَرْعًا انْتَهَى. (وَيُجَابُ قَسَمٌ فِي إثْبَاتٍ بِأَنْ خَفِيفَةً) كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4] (وَبِأَنَّ ثَقِيلَةً) كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6] (وَبِلَامٍ) كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] (وَنُونَيْ تَوْكِيدٍ) أَيْ: الثَّقِيلَةِ وَالْخَفِيفَةِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا} [يوسف: 32] (وَقَدْ) نَحْوُ قَوْلِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] (وَبِ: بَلْ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ) كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1] {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص: 2] وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ جَوَابُ الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ، وَبَيْنَهُمْ فِي تَقْدِيرِهِ خِلَافٌ. (وَ) يُجَابُ الْقَسَمُ (فِي نَفْيٍ بِمَا) النَّافِيَةِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1] {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2] (وَإِنْ بِمَعْنَاهَا) ، أَيْ: النَّافِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى} [التوبة: 107] (وَبِلَا) النَّافِيَةِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَآلَيْتُ لَا أَرْثِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ ... وَلَا مِنْ حَفْيٍ حَتَّى تُلَاقِيَ مُحَمَّدَا (وَبِحَذْفِ لَا) مِنْ جَوَابِ قَسَمٍ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مُضَارِعًا (لَفْظًا نَحْوُ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ) وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ أَفْعَلُ بِغَيْرِ حَرْفٍ، فَالْمَحْذُوفُ هَهُنَا لَا وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ لَهُ بِالْآيَةِ وَغَيْرِهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 (وَيُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ) حَلِفٌ بِالْأَمَانَةِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِي جَعْلِهِ الْحَلِفَ بِالْأَمَانَةِ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَيُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالْأَمَانَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى. وَفِي الْمُنْتَهَى (وَ) يُكْرَهُ (حَلِفٌ بِالْأَمَانَةِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. كَمَا يُكْرَهُ الْحَلِفُ (بِعِتْقٍ وَطَلَاقٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ، وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. (وَيَحْرُمُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ) - تَعَالَى - وَغَيْرِ صِفَتِهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَهُوَ عَلَى التَّغْلِيظِ، كَذَا فَسَّرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ (سَوَاءٌ أَضَافَهُ) ، أَيْ: الْمَحْلُوفُ بِهِ (إلَيْهِ - تَعَالَى - كَقَوْلِهِ) ، أَيْ: الْحَالِفِ (وَمَخْلُوقِ اللَّهِ وَمَقْدُورِهِ وَمَعْلُومِهِ وَكَعْبَتِهِ، وَرَسُولِهِ أَوْ لَا كَقَوْلِهِ وَالْكَعْبَةِ: وَالرَّسُولِ وَأَبِي) وَلَا كَفَّارَةَ لِاشْتِرَاكِهِمَا بِالْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى -. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: " لِأَنَّ حَسَنَةَ التَّوْحِيدِ أَعْظَمُ مِنْ حَسَنَةِ الصِّدْقِ، وَسَيِّئَةُ الْكَذِبِ أَسْهَلُ مِنْ سَيِّئَةِ الشِّرْكِ " يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَتَابَ (وَلَا كَفَّارَةَ) فِي الْحَلِفِ بِذَلِكَ وَلَوْ حَنِثَ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ صِيَانَةً لِأَسْمَائِهِ - تَعَالَى - وَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ فِي ذَلِكَ (وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْ أَصْحَابِنَا (إلَّا) فِي حَلِفٍ (بِ) نَبِيِّنَا (مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِهِ إذَا حَلَفَ وَحَنِثَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَصِيرُ بِهَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ كَهُوَ، وَالْأَشْهَرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْأَحَادِيثِ. وَيَنْقَسِمُ حُكْمُ الْيَمِينِ إلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَمُبَاحٍ وَمَكْرُوهٍ وَحَرَامٍ، أُشِيرَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: (وَيَجِبُ الْحَلِفُ لِإِنْجَاءِ مَعْصُومٍ) مِنْ مَهْلَكَةٍ وَلَوْ نَفْسِهِ كَأَيْمَانِ قَسَامَةٍ، تَوَجَّهَتْ عَلَى (بَرِيءٍ مِنْ دَعْوَى قَتْلٍ) . وَأُشِيرَ إلَى الثَّانِي مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (وَيُنْدَبُ) الْحَلِفُ (لِمَصْلَحَةٍ) كَإِزَالَةِ حِقْدٍ وَإِصْلَاحٍ بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ (وَدَفْعِ شَرٍّ) وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ. وَأُشِيرَ إلَى الثَّالِثِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (وَيُبَاحُ) الْحَلِفُ (عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكِهِ) كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمَكًا مَثَلًا أَوْ لَيَأْكُلَنَّهُ، وَكَالْحَلِفِ عَلَى الْخَبَرِ بِشَيْءٍ هُوَ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ يُظَنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ. وَأُشِيرَ إلَى الرَّابِعِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (وَيُكْرَهُ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلٍ مَكْرُوهٍ) كَمَنْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَنَّ وَهُوَ حَاقِنٌ، أَوْ لَيَأْكُلَنَّ بَصَلًا نِيئًا، وَنَحْوَهُ، وَمِنْهُ الْحَلِفُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَلِفُ مُنْفِقٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقٌ لِلْبَرَكَةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (أَوْ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ) كَحَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ صَلَاةِ الضُّحَى. وَأُشِيرَ إلَى الْخَامِسِ بِقَوْلِهِ: (وَيَحْرُمُ) الْحَلِفُ (عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ) كَشُرْبِ خَمْرٍ (أَوْ) عَلَى تَرْكِ (وَاجِبٍ) كَمَنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ رَمَضَانَ (أَوْ) يَحْلِفُ (كَاذِبًا) عَالِمًا بِكَذِبِهِ. (فَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ أَوْ) حَلَفَ عَلَى (تَرْكِ مَنْدُوبٍ، سُنَّ حِنْثُهُ وَكُرِهَ بِرُّهُ) لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بِرِّهِ مِنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبِ قَادِرًا (وَ) مَنْ حَلَفَ (عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ، كُرِهَ حِنْثُهُ، وَسُنَّ بِرُّهُ) لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بِرِّهِ مِنْ الثَّوَابِ بِفِعْلِ الْمَنْدُوبِ، وَتَرْكِ الْمَكْرُوهِ امْتِثَالًا. (وَ) مَنْ حَلَفَ (عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ عَلَى تَرْكِ مُحَرَّمٍ، حَرُمَ حِنْثُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ، (وَوَجَبَ بِرُّهُ) لِمَا مَرَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 (وَ) مَنْ حَلَفَ (عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، وَجَبَ حِنْثُهُ) لِئَلَّا يَأْثَمُ بِفِعْلِ الْمُحَرَّمِ أَوْ تَرْكِ الْوَاجِبِ (وَحَرُمَ بِرُّهُ لِمَا سَبَقَ) . (وَيُخَيَّرُ) مَنْ حَلَفَ (فِي مُبَاحٍ) لَيَفْعَلَنَّهُ أَوْ لَا يَفْعَلُهُ بَيْنَ حِنْثِهِ وَبِرِّهِ (وَحِفْظُهَا فِيهِ أَوْلَى) مِنْ حِنْثِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] (كَافْتِدَاءِ مُحِقٍّ) فِي دَعْوَى عَلَيْهِ (لِ) يَمِينٍ (وَاجِبَةٍ) ، أَيْ: وُجِّهَتْ (عَلَيْهِ عِنْدَ حَاكِمٍ) فَافْتِدَاؤُهُ أَوْلَى مِنْ حَلِفِهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ وَالْمِقْدَادَ تَحَاكَمَا إلَى عُمَرَ فِي مَالٍ اسْتَقْرَضَهُ الْمِقْدَادُ، فَجَعَلَ عُمَرُ الْيَمِينَ عَلَى الْمِقْدَادِ، فَرَدَّهَا الْمِقْدَادُ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ أَنْصَفَك، فَأَخَذَ عُثْمَانُ مَا أَعْطَاهُ الْمِقْدَادُ، وَلَمْ يَحْلِفْ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: خِفْتُ أَنْ يُوَافِقَ قَدْرَ بَلَاءٍ، فَيُقَالَ يَمِينُ عُثْمَانَ. (وَيُبَاحُ الْحَلِفُ) عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عُمَرَ وَأُبَيًّا احْتَكَمَا إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي نَخْلٍ ادَّعَاهُ أُبَيٌّ، فَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَعْفِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ لِمَ يُعْفَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ إنْ عَرَفْتُ شَيْئًا اسْتَحْقَقْتُهُ بِيَمِينِي، وَإِلَّا تَرَكْتُهُ، فَوَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنَّ النَّخْلَ لَنَخْلِي وَمَا لِأُبَيٍّ فِيهِ حَقٌّ، فَلَمَّا خَرَجَ وَهَبَ النَّخْلَ لِأُبَيٍّ، فَقِيلَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَّا كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ، فَقَالَ: خِفْتُ أَنْ لَا أَحْلِفَ فَلَا يَحْلِفَ النَّاسُ عَلَى حُقُوقِهِمْ بَعْدِي، فَيَكُونَ سُنَّةً، وَلِأَنَّهُ حَلِفُ صِدْقٍ عَلَى حَقٍّ فَأَشْبَهَ الْحَلِفُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ: يُسْتَحَبُّ لِمَصْلَحَةٍ كَزِيَادَةِ طُمَأْنِينَةٍ وَتَوْكِيدِ الْأَمْرِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ: وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتهَا تَطْيِيبًا مِنْهُ لِقَلْبِهِ» (بَلْ) ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ (فِي) كِتَابِ (الْهَدْيِ) مِنْ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ: فِيهَا جَوَازُ الْحَلِفِ ثُمَّ قَالَ: بَلْ (اسْتِحْبَابُهُ عَلَى الْخَبَرِ الدِّينِيِّ الَّذِي يُرَادُ تَأْكِيدُهُ وَقَدْ حُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَلِفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا) انْتَهَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 (وَلَا يَلْزَمُ) مَحْلُوفًا عَلَيْهِ (إبْرَارُ قَسَمِ حَالِفٍ كَمَا لَا تَلْزَمُ إجَابَةُ سُؤَالٍ بِاَللَّهِ - تَعَالَى -) ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ، وَلَا تَوْقِيفَ فِيهِ. (وَيُسَنُّ) إبْرَارُ قَسَمٍ كَإِجَابَةِ سُؤَالٍ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، (قَالَ) «وَأُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ؟ قُلْنَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الَّذِي يُسْأَلُ بِاَللَّهِ، وَلَا يُعْطِي بِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَ (لَا) يُسَنُّ (تَكْرَارُ حَلِفٍ فَإِنْ أَفْرَطَ) فِي التَّكْرَارِ (كُرِهَ) ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ} [القلم: 10] وَهُوَ ذَمٌّ لَهُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الْإِكْثَارِ، نَقَلَ حَنْبَلٌ لَا تُكْثِرْ الْحَلِفَ، فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ. [فَصْلٌ وُجُوبُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِأَرْبَعَةُ شُرُوطٍ] فَصْلٌ (وَلِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ) بِالْيَمِينِ (أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ) : (أَحَدُهَا قَصْدُ عَقْدِ الْيَمِينِ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] (فَلَا تَنْعَقِدُ) الْيَمِينُ لَغْوًا (بِأَنْ سَبَقَتْ الْيَمِينُ عَلَى لِسَانِهِ) ، أَيْ: الْحَالِفِ (بِلَا قَصْدٍ، كَقَوْلِهِ لَا وَاَللَّهِ، بَلَى وَاَللَّهِ فِي عُرْضِ حَدِيثِهِ) فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا، لِحَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مَوْقُوفًا. وَالْعُرْضُ بِالضَّمِّ الْجَانِبُ، وَبِالْفَتْحِ خِلَافُ الطُّولِ. (وَلَا) تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ (مِنْ نَحْوِ نَائِمٍ) كَمُغْمَى عَلَيْهِ (وَمَجْنُونٍ وَصَغِيرٍ) وَمَعْتُوهٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا قَصْدَ لَهُمْ (وَعَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ) أَيْ: الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 الشَّرْطُ (الثَّانِي كَوْنُهَا) ، أَيْ: الْيَمِينِ (عَلَى مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ) لِيَتَأَتَّى بِرُّهُ وَحِنْثُهُ، بِخِلَافِ الْمَاضِي وَغَيْرِ الْمُمْكِنِ (فَلَا تَنْعَقِدُ) الْيَمِينُ بِحَلِفٍ (عَلَى مَاضٍ كَاذِبًا جَاهِلًا) صِدْقَ نَفْسِهِ (أَوْ ظَانًّا صِدْقَ نَفْسِهِ) فَيَبِينُ بِخِلَافِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا (أَوْ كَاذِبًا عَالِمًا بِكَذِبِهِ، وَهِيَ) الْيَمِينُ عَلَى مَاضٍ (الْغَمُوسُ) سُمِّيَتْ غَمُوسًا (لِغَمْسِهِ) ، أَيْ: الْحَالِفِ بِهَا (فِي الْإِثْمِ ثُمَّ فِي النَّارِ) ، أَيْ: لِتَرَتُّبِ ذَلِكَ عَلَيْهَا (وَعَنْ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (أَوْ حَلَفَ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ ظَانًّا صِدْقَ نَفْسِهِ، فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ) فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ (وَكَحَلِفٍ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى غَيْرِهِ (يَظُنُّ أَنَّهُ يُطِيعُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ) فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَغْوٌ. قَالَ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ فُلَانٌ كَذَا، أَوْ لَا يَفْعَلَنَّ، أَوْ حَلَفَ عَلَى حَاضِرٍ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لَا تَفْعَلْنَ كَذَا، فَلَمْ يُطِعْهُ، حَنِثَ الْحَالِفُ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ لَا عَلَى مَنْ أَحْنَثَهُ، انْتَهَى. (أَوْ) حَلَفَ (نَافِيًا لِفِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ لِذَاتِهِ) كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ (لَا شَرِبْتُ مَاءَ الْكُوزِ) ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ، أَيْ: الْكُوزِ، وَكَذَا لَا جَمَعْتُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ (أَوْ) لَا رَدَدْتُ أَمْسِ، أَوْ حَلَفَ عَلَى وُجُودِ فِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ (لِغَيْرِهِ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَحِيلًا عَادَةً (كَ) قَوْلِهِ وَاَللَّهِ (لَا قَتَلْتُ الْمَيِّتَ أَوْ لَا أَحْيَيْتُهُ) أَوْ لَا طِرْتُ أَوْ لَا صَعِدْتُ السَّمَاءَ أَوْ لَا قَلَبْتُ الْحَجَرَ ذَهَبًا، فَلَا تَنْعَقِدُ فِي هَذِهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا لَغْوٌ، (وَ) لَوْ حَلَفَ (مُثْبِتًا لَهُ) ، أَيْ: لِفِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ لِذَاتِهِ أَوْ مُسْتَحِيلٍ عَادَةً كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ (أَوْ لَيَقْتُلَنَّهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتَ (أَوْ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ تَنْعَقِدُ) ، يَمِينُهُ (وَيَحْنَثُ) بِهَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (فِي الْحَالِ) لِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَحِيلِ. (وَظِهَارٌ وَنَذْرٌ) وَكُلُّ مَقَالَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْكَفَّارَةِ كَقَوْلِهِ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ وَنَحْوِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 (كَيَمِينٍ بِاَللَّهِ) فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ قَوْلِنَا: إنَّ الظِّهَارَ وَالنَّذْرَ كَالْيَمِينِ (فَلَا يَنْعَقِدُ ظِهَارٌ وَلَا نَذْرٌ عَلَى مَاضٍ مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ قِيلَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِفِ عَلَى مَاضٍ أَوْ لَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَغْوِ الْأَيْمَانِ (وَتَقَدَّمَ الطَّلَاقُ) وَالْعَتَاقُ أَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ، وَيَحْنَثُ بِهِمَا مُطْلَقًا. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: كَوْنُ حَالِفٍ مُخْتَارًا) لِلْيَمِينِ (فَلَا تَنْعَقِدُ مِنْ مُكْرَهٍ عَلَيْهَا) لِحَدِيثِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . الشَّرْطُ (الرَّابِعُ:) الْحِنْثُ بِفِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ بِتَرْكِ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ فَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ حُرْمَةَ الْقَسَمِ، (وَلَوْ) كَانَ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ وَتَرَكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ (مُحَرَّمَيْنِ،) كَمَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْخَمْرِ فَشَرِبَهَا، أَوْ صَلَاةِ فَرْضٍ فَتَرَكَهَا، فَيُكَفِّرُ لِوُجُودِ الْحِنْثِ. وَ (لَا) حِنْثَ إنْ خَالَفَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ (مُكْرَهًا) فَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَحُمِلَ مُكْرَهًا فَأُدْخِلَهَا، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ، لِلْخَبَرِ (أَوْ) خَالَفَ (جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا) كَمَا لَوْ دَخَلَ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ أَوْ جَاهِلًا أَنَّهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا، فَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ لِلْخَبَرِ، وَكَذَا إنْ فَعَلَهُ مَجْنُونًا. (وَمَنْ اسْتَثْنَى فِيمَا يُكَفِّرُ مِنْ حَلِفٍ بِاَللَّهِ وَنَذْرٍ وَظِهَارٍ، وَنَحْو هُوَ يَهُودِيٌّ) كَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ (إنْ فَعَلَ كَذَا بِ) قَوْلِهِ: - مُتَعَلِّقٌ بِاسْتَثْنَى - (إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ بِقَوْلِهِ إنْ أَرَادَ اللَّهُ، أَوْ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَقَصَدَ ذَلِكَ) ، أَيْ تَعْلِيقَ الْفِعْلِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ، بِخِلَافِ مَنْ قَالَهُ تَبَرُّكًا أَوْ سَبَقَ بِهِ لِسَانُهُ بِلَا قَصْدٍ (وَاتَّصَلَ) اسْتِثْنَاؤُهُ بِيَمِينِهِ (لَفْظًا) ، بِأَنْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِسُكُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ، (أَوْ) اتَّصَلَ (حُكْمًا كَقَطْعِهِ بِنَحْوِ تَنَفُّسٍ وَسُعَالٍ) (لَمْ يَحْنَثْ، فَعَلَ) مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ (أَوْ تَرَكَ) مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. (وَقَالَ:) فَلَهُ ثُنْيَاهُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد، وَلِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -، فَمَنْ قَالَ: لَا أَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَفَعَلَ عَلِمَ أَنَّهُ - تَعَالَى - لَمْ يَشَأْ تَرْكَهُ، وَإِذَا قَالَ لَأَفْعَلَنَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَفْعَلْ عَلِمَ أَنَّهُ - تَعَالَى - لَمْ يَشَأْ فِعْلَهُ وَهُوَ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى الْفِعْلِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَشِيئَةِ، وَلَمْ تُوجَد. وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ» وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَكَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا. (وَيُعْتَبَرُ نُطْقُ غَيْرِ مَظْلُومٍ وَخَائِفٍ) بِأَنْ يَلْفِظَ بِالِاسْتِثْنَاءِ نَصًّا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ وَالْقَوْلُ بِاللِّسَانِ، وَأَمَّا الْمَظْلُومُ الْخَائِفُ فَتَكْفِيهِ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ، أَوْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَأَوَّلِ. (وَ) يُعْتَبَرُ (قَصْدُ اسْتِثْنَاءٍ قَبْلَ تَمَامِ مُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ بَعْدَهُ) ، أَيْ: بَعْدَ تَمَامِ مُسْتَثْنَى مِنْهُ (قَبْلَ فَرَاغِهِ) مِنْ كَلَامِهِ، لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (فَلَوْ) حَلَفَ غَيْرَ قَاصِدٍ الِاسْتِثْنَاءَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ فَ (اسْتَثْنَى بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْيَمِينِ) لَمْ يَنْفَعْهُ الِاسْتِثْنَاءُ لِعَدَمِ قَصْدِهِ لَهُ أَوَّلًا (أَوْ أَرَادَ الْجَزْمَ) بِيَمِينِهِ (فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ) بِلَا قَصْدٍ (أَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ جَارِيَةً بِهِ) ، أَيْ: الِاسْتِثْنَاءِ (فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ، لَمْ يَنْفَعْهُ الِاسْتِثْنَاءُ) لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . (وَمَنْ شَكَّ فِيهِ) ، أَيْ: الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ لَمْ يَدْرِ أَتَى بِهِ أَوْ لَا (فَكَمَنْ لَمْ يَسْتَثْنِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. (وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَعَيَّنَ وَقْتًا) لِفِعْلِهِ كَلَأُعْطِيَنَّ زَيْدًا دِرْهَمًا يَوْمَ كَذَا أَوْ سَنَةَ كَذَا (تَعَيَّنَ) ذَلِكَ الْوَقْتُ لِذَلِكَ الْفِعْلِ، فَإِنْ فَعَلَهُ فِيهِ بَرَّ، وَإِلَّا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى يَمِينِهِ، (وَإِلَّا) يُعَيِّنْ لِلْفِعْلِ وَقْتًا بِأَنْ قَالَ لَأُعْطِيَنَّ زَيْدًا دِرْهَمًا (لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ فِعْلِهِ) الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ (بِتَلَفِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ أَوْ مَوْتِ حَالِفٍ) «لِقَوْلِ عُمَرَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تُخْبِرْنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَتَطُوفُ بِهِ» . وَلِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَى فِعْلِهِ لَمْ يَتَوَقَّفْ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَفِعْلُهُ مُمْكِنٌ، فَلَمْ تَحْصُلْ مُخَالَفَةُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ عَدَمَ الْحِنْثِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 (وَ) يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ (عِتْقِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ حَلَفَ لَيَبِيعَنهُ) لِاسْتِحَالَةِ بَيْعِهِ بَعْدَ ذَلِكَ (وَ) كَذَلِكَ يَحْنَثُ (بِلِعَانِ زَوْجَةٍ حَلَفَ لَيُطَلِّقَهَا) لِبَيْنُونَتِهَا مِنْهُ بِاللِّعَانِ. [فَصْلٌ فِي مَنْ حَرَّمَ حَلَالًا سِوَى زَوْجَتِهِ] فَصْلٌ (مَنْ حَرَّمَ حَلَالًا سِوَى زَوْجَتِهِ مِنْ طَعَامٍ) كَثَوْبٍ وَفِرَاشٍ (كَقَوْلِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَلَا زَوْجَةَ لَهُ) كَقَوْلِهِ: كَسْبُهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ (أَوْ طَعَامُهُ عَلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ) أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ لَمْ يَحْرُمْ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَأَمَّا تَحْرِيمُ زَوْجَتِهِ فَظِهَارٌ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ (أَوْ عَلَّقَ) ، أَيْ: تَحْرِيمَ حَلَالٍ سِوَى زَوْجَتِهِ (بِشَرْطٍ) كَقَوْلِهِ عِنْدَ طَعَامٍ (إنْ أَكَلْتُهُ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ لَمْ يَحْرُمْ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَالْيَمِينُ عَلَى الشَّيْءِ لَا تُحَرِّمُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حَرَّمَ بِذَلِكَ لَتَقَدَّمَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ كَالظِّهَارِ، وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِعْلِهِ وَسَمَّاهُ خَيْرًا (وَعَلَيْهِ إنْ فَعَلَهُ كَفَّارَةٌ) نَصًّا لِلْآيَةِ (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ كَالشَّافِعِيَّةِ) الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِذَلِكَ قَصْدَ تَغْيِيرَ الْمَشْرُوعِ، فَلَغَا مَا قَصَدَهُ. وَهَذَا صَرِيحُ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَرُدُّهُ، إذْ سَبَبُ نُزُولِهَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: لَنْ أَعُودَ إلَى شُرْبِ الْعَسَلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عَمْرٍو وَابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينًا» فَإِنْ تَرَكَ مَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَقَوْلُهُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ، فَهُوَ ظِهَارٌ وَتُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ لِتَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ وَالْمَالِ) بِذَلِكَ. (وَمَنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ) إنْ فَعَلَ كَذَا أَوْ لَيَفْعَلَنَّهُ (أَوْ هُوَ يَعْبُدُ الصَّلِيبَ أَوْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 أَوْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقُرْآنِ) لَيَفْعَلَنَّ كَذَا، (أَوْ) إنْ فَعَلَهُ أَوْ قَالَ: هُوَ (يَكْفُرُ بِاَللَّهِ أَوْ لَا يَرَاهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا) لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ إنْ فَعَلَ كَذَا (أَوْ قَالَ هُوَ يَسْتَحِلُّ الزِّنَا أَوْ الْخَمْرَ أَوْ أَكْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الزَّكَاةِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الطَّهَارَةِ مُنَجِّزًا كَلَيَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ مُعَلِّقًا كَإِنْ فَعَلَ كَذَا، فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا) لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ الضَّحَّاكِ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ خَالَفَ) فَفَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، أَوْ تَرَكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ حَيْثُ يَحْنَثُ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي الْيَمِينِ يَحْلِفُ بِهَا فَيَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَقَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ يُوجِبُ هَتْكَ الْحُرْمَةِ، فَكَانَ يَمِينًا كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى -، بِخِلَافِ هُوَ فَاسِقٌ وَنَحْوُهُ إنْ فَعَلَ كَذَا، وَهَلْ يَصِيرُ كَافِرًا بِتَرْكِهِ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ، وَفِعْلُهُ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْحَلِفَ لَمْ يَكْفُرْ. (وَإِنْ قَصَدَ أَنَّهُ يَكْفُرُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَعْطَيْتُمُونِي أَلْفًا فَأَنَا أَسْتَحِلُّ الزِّنَا وَنَحْوَهُ، وَنِيَّتُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِلُّ إذَا أَعْطَوْهُ (كَفَرَ مُنَجِّزًا) ، أَيْ: يُتَنَجَّزُ كُفْرُهُ (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ بِمَعْنَاهُ فِي كِتَابِهِ قَاعِدَةِ الْعُقُودِ. (وَإِنْ قَالَ: عَصَيْتُ اللَّهَ أَوْ أَنَا أَعْصِي اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ، وَمَحَوْتُ الْمُصْحَفَ، أَوْ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ) أَوْ هُوَ زَانٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ (أَوْ قَطَعَ) اللَّهُ (يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، أَوْ لَعَمْرُهُ) أَوْ لَعَمْرُ أَبِيهِ وَنَحْوَهُ (لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا) فَلَغْوٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُوجِبُ هَتْكَ الْحُرْمَةِ، فَلَمْ تَكُنْ يَمِينًا، فَبَقِيَ الْحَالِفُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ (أَوْ قَالَ إنْ فَعَلَهُ) ، أَيْ: كَذَا (فَعَبْدُ زَيْدٍ حُرٌّ أَوْ مَالُهُ) ، أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 زَيْدٍ (صَدَقَةٌ وَنَحْوَهُ) كَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَعَلَى زَيْدٍ الْحَجُّ أَوْ فَزَيْدٌ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ، (فَ) هُوَ لَغْوٌ لِمَا مَرَّ. (وَيَلْزَمُ بِحَلِفٍ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ ظِهَارٌ وَطَلَاقٌ وَعَتَاقٌ وَنَذْرٌ وَيَمِينٌ بِاَللَّهِ) - تَعَالَى - (مَعَ النِّيَّةِ) كَمَا لَوْ حَلَفَ بِكُلٍّ عَلَى انْفِرَادِهِ. (وَيَتَّجِهُ) لَوْ حَلَفَ إنْسَانٌ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ (مَعَ نِيَّةِ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ) حَلِفُهُ (بِهِ) ، أَيْ: بِذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَنْوِيِّ وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِهَا (مَعَ الْإِطْلَاقِ) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ بِحَلِفِهِ ذَلِكَ كُلَّهَا وَلَا بَعْضَهَا (لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، فَلَمْ تَكُنْ يَمِينًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) يَلْزَمُ بِحَلِفٍ (بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ) ، أَيْ: مُبَايَعَةِ الْإِسْلَامِ (وَهِيَ يَمِينٌ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ) بْنُ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ وَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ قِتَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَحَاصَرَهُ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ، فَوَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحِجَازَ ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ وَلَّاهُ الْعِرَاقَ، فَوَلِيَهَا عِشْرِينَ (تَتَضَمَّنُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَالطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَصَدَقَةَ الْمَالِ مَا فِيهَا) فَاعِلُ يَلْزَمُ، أَيْ هَذِهِ الْأَيْمَانُ (إنْ عَرَفَهَا) أَيْ أَيْمَانَ الْبَيْعَةِ (وَنَوَاهَا) لِانْعِقَادِ الْأَيْمَانِ بِالْكِتَابَةِ الْمَنْوِيَّةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَكَمَا لَوْ لَفَظَ بِيَمِينٍ وَحَدَّهَا (وَإِلَّا) يَعْرِفْ مَعْنَاهَا أَوْ عَرَفَهَا وَلَمْ يَنْوِهَا، أَوْ نَوَاهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا (فَ) كَلَامُهُ ذَلِكَ (لَغْوٌ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ هَذِهِ الْأَيْمَانِ فَتُعْتَبَرُ فِيهَا النِّيَّةُ، وَالنِّيَّةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَنْوِيِّ، فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الْمَعْرِفَةُ أَوْ النِّيَّةُ لَمْ تَنْعَقِدْ. (وَلَوْ حَلَفَ بِإِحْدَاهَا) ، أَيْ: الْأَيْمَانِ الْمَذْكُورَةِ (فَقَالَ لَهُ آخَرُ يَمِينِي فِي يَمِينِكَ، أَوْ) قَالَ لَهُ آخَرُ (أَنَا عَلَى مِثْلِ يَمِينِكَ أَوْ) قَالَ لَهُ (أَنَا مَعَكَ فِي يَمِينِكَ يُرِيدُ الْآخَرُ الْتِزَامَ مِثْلِهَا) أَيْ: يَمِينِ الْحَالِفِ (لَزِمَهُ) أَيْ: الْآخَرَ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَمِينِ بِمَا حَلَفَ بِهِ وَقَدْ نَوَاهُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ (إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى -) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا لِمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ اسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - الْمُعَظَّمِ الْمُحْتَرَمِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الْكِنَايَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فِيهَا بِالْكِنَايَةِ. قَالَ الشَّيْخُ عُثْمَانُ: وَقَدْ يُفَرَّقُ أَنَّهَا إنَّمَا انْعَقَدَتْ الْكِنَايَةُ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ تَبَعًا لِغَيْرِهَا مِمَّا يَنْعَقِدُ بِهَا كَالطَّلَاقِ، بِخِلَافِ حَالَةِ الِاسْتِقْلَالِ، وَرُبَّ شَيْءٍ جَازَ تَبَعًا وَلَمْ يَجُزْ اسْتِقْلَالًا. (وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ) إنْ فَعَلْت كَذَا، وَفَعَلَهُ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (أَوْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ عَلَيَّ مِيثَاقُهُ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَفَعَلَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَمَنْ قَالَ مَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَأَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَمَنْ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِحَلِفٍ بِاَللَّهِ، وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ، فَكِذْبَةٌ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا نَصًّا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ [فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ] (وَتُجْمَعُ تَخْيِيرًا ثُمَّ تَرْتِيبًا) تَكُونُ تَخْيِيرًا تَارَةً وَتَرْتِيبًا أُخْرَى، فَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالْعِتْقِ، وَالتَّرْتِيبُ فِيهَا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الصِّيَامِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] الْآيَةَ: (فَيُخَيَّرُ مَنْ لَزِمَتْهُ) كَفَّارَةُ يَمِينٍ (بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) مُسْلِمِينَ أَحْرَارٍ وَلَوْ صِغَارًا كَالزَّكَاةِ (مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 يُجْزِئُ مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَأَقِطٍ) بِأَنْ أَطْعَمَ بَعْضَهُمْ بُرًّا وَبَعْضَهُمْ تَمْرًا مَثَلًا (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) وَهِيَ (لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ) الْفَرْضَ (فِيهِ، وَلِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ) أَيْ: قَمِيصٌ (وَخِمَارٌ كَذَلِكَ) ، أَيْ: تُجْزِئُهَا صَلَاتُهَا فِيهِمَا (أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ) مُسْلِمَةٍ سَلِيمَةٍ مِمَّا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضِرَارٍ بَيِّنًا، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الظِّهَارِ. وَتُجْزِئُ الْكِسْوَةُ مِنْ كَتَّانٍ وَقُطْنٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ، وَلِلنِّسَاءِ مِنْ حَرِيرٍ؛ لِأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَطْلَقَ كِسْوَتَهُمْ، فَأَيَّ جِنْسٍ كَسَاهُمْ خَرَجَ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ (وَيُجْزِئُ) جَدِيدٌ وَ (لَبِيسٌ) ، أَيْ: عَتِيقٌ (مَا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ) لِعُمُومِ الْآيَةِ، فَإِنْ ذَهَبَتْ قُوَّتُهُ لَمْ يُجْزِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعِيبًا كَالْمُسَوِّسِ فِي الْإِطْعَامِ (فَإِنْ عَجَزَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (كَعَجْزِهِ عَنْ فِطْرَةٍ) وَتَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ (صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ وُجُوبًا) لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ وَكَصَوْمِ الْمُظَاهِرِ بِجَامِعِ أَنَّهُ صَوْمٌ فِي كَفَّارَةٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْعِتْقِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) لِلْمُكَفِّرِ (عُذْرٌ) فِي تَرْكِ التَّتَابُعِ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ. (وَيُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ أَنْ يُطْعِمَ بَعْضًا) مِنْ الْمَسَاكِينِ (وَ) أَنْ (يَكْسُوَ بَعْضًا) كَأَنْ أَطْعَمَ خَمْسًا وَكَسَا خَمْسًا؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - خَيَّرَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فَكَانَ مَرْجِعُهُمَا إلَى اخْتِيَارِهِ فِي الْعَشَرَةِ وَفِي بَعْضِهِمْ. وَ (لَا) يُجْزِئُهُ (تَكْمِيلُ عِتْقٍ بِإِطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ) بِأَنْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ أَوْ أَطْعَمَ أَوْ كَسَا خَمْسَةَ مَسَاكِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ رَقَبَةً، وَلَمْ يُطْعِمْ أَوْ يَكْسُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ (وَ) كَذَا (لَا) يُجْزِئُهُ تَكْمِيلُ (إطْعَامٍ) أَوْ كِسْوَةٍ (بِصَوْمٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ يَكْسُ أَوْ يُطْعِمْ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ (كَبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ) فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا تَكْمِيلُ عِتْقٍ بِصَوْمٍ أَوْ إطْعَامٍ، وَلَا تَكْمِيلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 إطْعَامٍ بِصَوْمٍ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ هُنَا أَنْ يُطْعِمَ الْمِسْكِينَ بَعْضَ الطَّعَامِ وَيَكْسُوَهُ بَعْضَ الْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْعِمْهُ وَلَمْ يَكْسُهُ. (وَمَنْ مَالُهُ غَائِبٌ عَنْهُ يَسْتَدِينُ) وَيُكَفِّرُ (إنْ قَدَرَ) عَلَى الِاسْتِدَانَةِ، (وَإِلَّا) يَقْدِرْ عَلَيْهَا (صَامَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ. (وَتَجِبُ كَفَّارَةٌ وَنَذْرٌ) ، أَيْ: إخْرَاجُهُمَا (فَوْرًا بِحِنْثٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ (وَإِخْرَاجُهَا) ، أَيْ: الْكَفَّارَةِ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: الْحِنْثِ (وَبَعْدَهُ) فِي الْفَضِيلَةِ (حَيْثُ حَلَفَ سَوَاءٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي لَفْظٍ: «وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مَرْفُوعًا، وَلِأَنَّهُ كَفَّرَ بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ كَفَّرَ فِي الْقَتْلِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَقَبْلَ الزُّهُوقِ وَالسَّبَبُ هُوَ الْيَمِينُ، لِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ، وَتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِهِ، وَالْحِنْثُ شَرْطٌ (فَ) الْكَفَّارَةُ (قَبْلَهُ) ، أَيْ الْحِنْثِ (مُحَلِّلَةٌ لِيَمِينِهِ، وَبَعْدَهُ مُكَفِّرَةٌ لَهَا، لَكِنْ لَوْ كَفَّرَ بِصَوْمٍ) قَبْلَ الْحِنْثِ (لِفَقْرِهِ) حِينَئِذٍ (ثُمَّ حَنِثَ وَهُوَ مُوسِرٌ، لَمْ يُجْزِهِ) الصَّوْمُ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْكَفَّارَةِ وَقْتُ الْوُجُوبِ، وَهُوَ هُنَا وَقْتُ الْحِنْثِ، وَقَدْ صَارَ مُوسِرًا فَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، كَمَا لَوْ صَامَ إذَنْ. (وَلَا تُجْزِئُ) كَفَّارَةٌ أُخْرِجَتْ (قَبْلَ حَلِفٍ) إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ لِلْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ كَتَقَدُّمِ الزَّكَاةِ عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ. (وَمَنْ لَزِمَتْهُ أَيْمَانٌ مُوجِبِهَا وَاحِدٌ وَلَوْ عَلَى أَفْعَالٍ) نَحْوُ: وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ، وَاَللَّهِ لَا أَكَلْتُ كَذَا، وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت كَذَا، وَحَنِثَ فِي الْكُلِّ (قَبْلَ تَكْفِيرٍ) ، (فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) نَصًّا؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ مِنْ جِنْسٍ، فَتَدَاخَلَتْ كُلُّهَا كَالْحُدُودِ مِنْ جِنْسٍ - وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَحَالُّهَا - كَمَا لَوْ زَنَا بِنِسَاءٍ أَوْ سَرَقَ مِنْ جَمَاعَةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 (وَكَذَا حَلَفَ بِنُذُورٍ مُكَرَّرَةٍ) أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا وَفَعَلَهُ، أَجْزَأَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِلزَّجْرِ وَالتَّطْهِيرِ، فَهِيَ كَالْحُدُودِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ. (وَإِنْ حَنِثَ فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ وَكَفَّرَ عَنْهَا، ثُمَّ حَلَفَ) يَمِينًا (أُخْرَى، لَزِمَتْهُ) كَفَّارَةٌ (ثَانِيَةٌ) وَكَذَا لَوْ كَفَّرَ عَنْ الثَّانِيَةِ ثُمَّ حَلَفَ يَمِينًا أُخْرَى، لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ ثَالِثَةٌ (وَهَلُمَّ جَرًّا) لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ بَعْدَ أَنْ كَفَّرَ عَنْ الَّتِي قَبْلَهَا، كَمَا لَوْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَكَفَّرَ، ثُمَّ وَطِئَ فِيهِ أُخْرَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَنِثَ فِي الْكُلِّ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ اخْتَلَفَ مُوجِبُ الْكَفَّارَةِ كَظِهَارٍ وَيَمِينٍ بِاَللَّهِ - تَعَالَى -، لَزِمَتَاهُ) ، أَيْ: الْكَفَّارَتَانِ (وَلَمْ تَتَدَاخَلَا) لِاخْتِلَافِ جِنْسِهِمَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ الْيَمِينُ) بِاَللَّهِ - تَعَالَى - (وَالنَّذْرُ وَاحِدٌ) فَلَوْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَفَّارَةُ نَذْرٍ، وَأَخْرَجَ عَنْهُمَا كَفَّارَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَتْهُ عَنْهُمَا وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِنُذُورٍ مُكَرَّرَةٍ، فَتُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَى أَجْنَاسٍ) مُخْتَلِفَةٍ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَكَلْتُ وَلَا شَرِبْتُ وَلَا لَبِسْتُ (فَ) عَلَيْهِ (كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، سَوَاءٌ حَنِثَ فِي الْجَمِيعِ أَوْ فِي وَاحِدٍ، وَتَنْحَلُّ) الْيَمِينُ (فِي الْبَقِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَحِنْثُهَا وَاحِدٌ. (وَلَيْسَ لِقِنٍّ أَنْ يُكَفِّرَ بِغَيْرِ صَوْمٍ) ؛ لِأَنَّهُ (لَا) مَالَ لَهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ (وَلَا لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ (وَلَوْ أَضَرَّ) الصَّوْمُ (بِهِ) كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ (أَوْ كَانَ حَلِفُهُ وَحِنْثُهُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّوْمِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 وَكَذَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ صَوْمِ نَذْرٍ، لِوُجُوبِهِ لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) إذَا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ (كَحُرٍّ) كَامِلِ الْحُرِّيَّةِ مَعَ قُدْرَةٍ أَوْ عَجْزٍ. (وَيُكَفِّرُ كَافِرٌ) لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ (وَلَوْ مُرْتَدًّا بِغَيْرِ صَوْمٍ) ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ وَلَا تَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ، وَيُتَصَوَّرُ عِتْقُهُ لِلْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ لِمُسْلِمٍ: أَعْتِقْ عَبْدِي عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَيَفْعَلُ، أَوْ يَكُونُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِنَحْوِ إرْثٍ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ بَعْضُ أَحْكَامِ الْكَفَّارَةِ فَلْيُعَاوَدْ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ. [فَرْعٌ تَجِبُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ] (فَرْعٌ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي ثَلَاثَةِ) أَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ: (مَا كَانَ مُبَاحَ الْأَصْلِ ثُمَّ عَرَضَ تَحْرِيمُهُ فَفُعِلَ فِي حَالِ التَّحْرِيمِ كَوَطْءٍ فِي إحْرَامِ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَصِيَامٍ) . وَالثَّانِي: (مَا عَقَدَهُ) الْإِنْسَانُ (لِلَّهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ بِاَللَّهِ مِنْ يَمِينٍ، أَوْ حَرَّمَهُ ثُمَّ أَرَادَ حِلَّهُ فَ) حِلُّهُ (بِالْكَفَّارَةِ وَسَمَّاهَا اللَّهَ تَحِلَّةً) فِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] . (وَ) الثَّالِثُ: (مَا لَا إثْمَ فِيهِ كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ وَالصَّيْدِ خَطَأً، فَالْكَفَّارَةُ هُنَا جَابِرَةٌ لِمَا فَاتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) هُنَاكَ (إثْمٌ فَكَفَّارَتُهُ) ، أَيْ: هَذَا الْقَسَمِ (مِنْ بَابِ الْجَوَابِرِ، وَكَفَّارَةُ) الْقَسَمِ (الْأَوَّلِ مِنْ بَابِ الزَّوَاجِرِ، وَكَفَّارَةُ) الْقَسَمِ (الْوَسَطِ مِنْ بَابِ التَّحِلَّةِ) . [بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ] ِ (جَامِعُ الْأَيْمَانِ) أَيْ: مَسَائِلُهَا (يُرْجَعُ فِيهَا) أَيْ: الْأَيْمَانِ (إلَى نِيَّةِ حَالِفٍ) فَهِيَ مَبْنَاهَا ابْتِدَاءً (لَيْسَ بِهَا) ، أَيْ: الْيَمِينِ أَوْ النِّيَّةِ (ظَالِمًا) نَصًّا مَظْلُومًا كَانَ أَوْ لَا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 وَأَمَّا الظَّالِمُ الَّذِي يَسْتَحْلِفُهُ حَاكِمٌ لِحَقٍّ عَلَيْهِ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُصَدِّقُهُ (صَاحِبُهُ) وَتَقَدَّمَ. (إذَا احْتَمَلَهَا) ، أَيْ: النِّيَّةَ (لَفْظُهُ) ، أَيْ: الْحَالِفِ (كَنِيَّتِهِ بِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ السَّمَاءَ، وَكَنِيَّتِهِ بِالْفِرَاشِ وَبِالْبِسَاطِ الْأَرْضَ) وَكَنِيَّتِهِ بِاللِّبَاسِ اللَّيْلَ، وَبِالْأُخُوَّةِ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ، وَمَا ذَكَرْتُ فُلَانًا، أَيْ: قَطَعْتُ ذِكْرَهُ، وَمَا رَأَيْتُهُ، أَيْ ضَرَبْتُ رِئَتَهُ (وَ) كَنِيَّتِهِ (بِنِسَائِهِ طَوَالِقُ أَقَارِبَهُ النِّسَاءَ، وَكَنِيَّتِهِ بِجَوَارِيهِ أَحْرَارٍ سُفُنَهُ، وَبِقَوْلِهِ مَا كَاتَبْتَ فُلَانًا مُكَاتَبَةً الرَّقِيقِ، وَبِمَا عَرَفْتُهُ مَا جَعَلْتُهُ عَرِيفًا، وَبِمَا أَعْلَمْتُهُ) ، أَيْ: جَعَلْتُهُ أَعْلَمَ، (وَلَا بِبَيْتِي فُرُشٌ وَهِيَ صِغَارُ الْإِبِلِ، وَلَا حَصِيرٌ وَهُوَ الْحَبْسُ، وَلَا بَارِيَةٌ وَهِيَ السِّكِّينُ) يَبْرَأُ بِهَا وَنَحْوُهُ (وَيُقْبَلُ حُكْمًا) دَعْوَى إرَادَةِ مَا ذَكَرَهُ (مَعَ قُرْبِ احْتِمَالِ) مَنْوِيِّهِ (مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ وَمَعَ تَوَسُّطِهِ) ، أَيْ: الِاحْتِمَالِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا وَلَا بَعِيدًا (أَمَّا لَوْ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ كَنِيَّتِهِ بِلَا يَأْكُلُ لَا يَقُومُ أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا، فَإِنَّ يَمِينَهُ لَا تَنْصَرِفُ لِمَا نَوَاهُ، بَلْ تَنْصَرِفُ لِمَا لَفَظَهُ) ؛ لِأَنَّهَا نِيَّةٌ مُجَرَّدَةٌ لَا يَحْتَمِلُهَا لَفْظُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى ذَلِكَ بِلَا يَمِينٍ (وَيُقَدَّمُ فِيمَا يَحْتَمِلُ لَفْظُهُ مَا نَوَاهُ عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ) . وَعَلَى السَّبَبِ الَّذِي هَيَّجَ الْيَمِينَ، سَوَاءٌ كَانَ مَا نَوَاهُ الْحَالِفُ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ، فَالْمُوَافِقُ مِنْ نِيَّتِهِ لِلظَّاهِرِ وَمِنْ لَفْظِهِ أَنْ يَنْوِيَ بِاللَّفْظِ مَوْضُوعَهُ الْأَصْلِيَّ، مِثْلُ أَنْ يَنْوِيَ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ الْعُمُومَ، وَبِالْمُطْلَقِ الْإِطْلَاقَ، وَبِسَائِرِ الْأَلْفَاظِ مَا يَتَبَادَرُ إلَى الْأَفْهَامِ مِنْهَا، وَالْمُخَالِفُ مِنْ النِّيَّةِ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ يَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا مِنْهَا: أَنْ يَنْوِيَ بِالْعَامِّ الْخَاصَّ، مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَلَا فَاكِهَةَ، وَيُرِيدُ بِاللَّحْمِ لَحْمًا بِعَيْنِهِ، وَبِالْفَاكِهَةِ فَاكِهَةً بِعَيْنِهَا، وَنَظِيرُهُ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173] . فَالنَّاسُ الْأَوَّلُ أُرِيدَ بِهِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ، وَالنَّاسُ الثَّانِي أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ، وَحَيْثُ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ وَجَبَ صَرْفُ الْيَمِينِ إلَيْهِ بِالنِّيَّةِ، لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ يُحْمَلُ عَلَى مَا دَلَّ دَلِيلٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 عَلَى إرَادَتِهِ بِهِ، فَكَذَا كَلَامُ غَيْرِهِ. (فَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَقَالَ نَوَيْت الْيَوْمَ، [قُبِلَ] مِنْهُ حُكْمًا) ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، وَلَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ (فَلَا يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ) لِلدَّارِ (فِي غَيْرِهِ) ، أَيْ: غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي نَوَاهُ (وَلَوْ) كَانَ حَلِفُهُ الْيَوْمَ (بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ) لِعَدَمِ مُخَالِفَتِهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلِتَعَلُّقِ قَصْدِهِ بِمَا نَوَاهُ، فَاخْتَصَّ الْحِنْثُ بِهِ (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ -، أَيْ: الْيَمِينُ - بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ، لَمْ يُقْبَلْ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ. مَعَ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْإِنْصَافِ وَلَا الْفُرُوعِ وَلَا الْمُبْدِعِ وَلَا الْمُنْتَهَى بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا فَرْقَ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ فِي مَوَاضِعَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِعَدَمِ مُخَالِفَتِهِ الظَّاهِرَ. (وَ) إنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ (لَا يَأْوِي مَعَهَا بِدَارِ فُلَانٍ يَنْوِي جَفَاءَهَا، وَلَا سَبَبَ) يَخُصُّ الدَّارَ (فَأَوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا) ، أَيْ: غَيْرِ الَّتِي سَمَّاهَا (حَنِثَ) لِمُخَالِفَتِهِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ جَفَائِهَا إلْغَاءً لِذِكْرِ الدَّارِ مَعَ عَدَمِ السَّبَبِ، لِدَلَالَةِ نِيَّةِ الْجَفَاءِ عَلَيْهِ، كَأَنْ حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَهَا، كَقَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ: " وَاقَعْتُ أَهْلِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتِقْ رَقَبَةً» فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ ذِكْرُ أَهْلِهِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ حُذِفَ مِنْ السَّبَبِ، وَجُعِلَ السَّبَبُ الْوِقَاعُ سَوَاءٌ كَانَ لِأَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ لِلدَّارِ أَثَرٌ فِي يَمِينِهِ كَكَرَاهَةِ سُكْنَاهَا أَوْ مُخَاصِمَتِهِ أَهْلَهَا، أَوْ اُمْتُنَّ عَلَيْهِ بِهَا، لَمْ يَحْنَثْ إنْ أَوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَدِمَ السَّبَبَ وَالنِّيَّةَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْإِيوَاءِ مَعَهَا فِي تِلْكَ الدَّارِ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ مُقْتَضٍ وَلَا صَارِفَ لَهُ عَنْهُ. (وَأَقَلُّ الْإِيوَاءِ سَاعَةً وَإِنْ قَلَّتْ) كَلَحْظَةٍ، فَمَتَى حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي دَارٍ، فَدَخَلَهَا مَعَهَا حَنِثَ، قَلِيلًا كَانَ لُبْثُهُمَا أَوْ كَثِيرًا. قَالَ - تَعَالَى - مُخْبِرًا عَنْ فَتَى مُوسَى: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الكهف: 63] يُقَالُ أَوَيْتُ أَنَا وَآوَيْتُ غَيْرِي، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 قَالَ - تَعَالَى - {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 10] ، وَقَالَ: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ} [المؤمنون: 50] . (وَمَنْ أَرَادَ بِلَفْظِهِ الْخَاصِّ الْعَامَّ) كَحَالِفٍ لَا يَشْرَبُ لِفُلَانٍ مَاءً، يُرِيدُ قَطْعُ مِنَّتِهِ، أَوْ كَانَ السَّبَبُ قَطْعَ الْمِنَّةِ (عُمِلَ بِهِ، فَيَحْنَثُ بِكُلِّ مَا لَهُ فِيهِ مِنَّةٌ كَهَدِيَّةٍ وَاسْتِعَارَةِ) دَابَّةٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِيَمِينِهِ مَا يَحْمِلُهُ، وَيُسَوَّغُ فِي اللُّغَةِ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْهُ، فَتَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إلَيْهِ كَالْمَعَارِيضِ، قَالَ - تَعَالَى -: {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر: 13] ، {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} [النساء: 49] {فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [النساء: 53] وَالْقِطْمِيرُ لِفَافَةُ النَّوَاةِ، وَالْفَتِيلُ مَا فِي شِقِّهَا، وَالنَّقِيرُ النَّقْرَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِهَا، وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، بَلْ نَفَى كُلَّ شَيْءٍ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ: وَلَا يَظْلِمُوا النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلٍ ، أَيْ: لَا يَظْلِمُونَهُمْ شَيْئًا. (وَيَجُوزُ التَّعْرِيضُ فِي مُخَاطَبَةٍ لِغَيْرِ عَالِمٍ وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ. وَالتَّعْرِيضُ هُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ) كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ لِمَ فَعَلْتَ (كَ) ذَا؟ فَقَالَ: (هَذَا مَا فَعَلْتُهُ وَيَنْوِي بِمَا الَّذِي) وَكَذَا لَوْ سُئِلَ عَنْ شَخْصٍ فَقَالَ: مَا هُوَ هُنَا مُشِيرًا إلَى نَحْوِ كَفِّهِ. [فَصْلٌ إذَا عُدِمَتْ النِّيَّةُ تَرْجِعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ] فَصْلٌ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ شَيْئًا رَجَعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا) لِدَلَالَتِهِ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 النِّيَّةِ (فَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ زَيْدًا حَقَّهُ غَدًا فَقَضَاهُ قَبْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ حَيْثُ كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ قَطْعَ الْمَطْلِ) أَوْ قَصْدَ عَدَمِ تَجَاوُزِ الْغَدِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْيَمِينِ تَعْجِيلُ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ سَبَبٌ يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ، وَلَا قَصْدُ عَدَمِ التَّجَاوُزِ (حَنِثَ) بِقَضَائِهِ قَبْلَهُ، كَمَا لَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَرْكُ فِعْلِ مَا تَنَاوَلَهُ يَمِينُهُ لَفْظًا، وَلَمْ يَصْرِفْهَا عَنْهُ نِيَّةٌ وَلَا سَبَبٌ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ شَعْبَانَ فَصَامَ رَجَبَ (وَكَذَا) لَوْ حَلَفَ عَلَى (أَكْلِ شَيْءٍ وَبَيْعِهِ وَفِعْلِهِ غَدًا) فَإِنْ قَصَدَ عَدَمَ تَجَاوُزِهِ أَوْ اقْتَضَاهُ السَّبَبُ، فَفَعَلَهُ قَبْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ. (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَأَقْضِيَنه) حَقَّهُ غَدًا (أَوْ لَأَقْضِيَنه غَدًا، وَقَصَدَ مَطْلَهُ فَقَضَاهُ قَبْلَهُ، حَنِثَ) لِفِعْلِهِ خِلَافَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَفْظًا وَنِيَّةً. (وَ) مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ (لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِمِائَةٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ) مِنْهَا فَ (لَا) يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَبِعْهُ أَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ (أَوْ بِأَكْثَرَ) مِنْهَا، لِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ (وَ) لَوْ حَلَفَ (لَا يَبِيعُهُ بِهَا) أَيْ: الْمِائَةِ (حَنِثَ) بِبَيْعِهِ (بِهَا) ، أَيْ: الْمِائَةِ (وَبِأَقَلَّ) مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِي هَذَا، بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ بِمِائَةٍ فَبَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ بَيِّنَةٌ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ بَيْعِهِ بِدُونِ الْمِائَةِ، وَإِنْ قَالَ أَخَذْتُهُ بِالْمِائَةِ، لَكِنْ هَبْ لِي كَذَا، فَقَالَ أَحْمَدُ: هَذَا حِيلَةٌ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ أَبِيعُكَ بِكَذَا وَهَبْ لِفُلَانٍ شَيْئًا، قَالَ: هَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَكَرِهَهُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا اشْتَرَيْتُهُ بِمِائَةٍ، فَاشْتَرَاهُ بِهَا أَوْ بِأَكْثَرَ حَنِثَ (لَا) بِأَقَلَّ. (وَمَنْ دُعِيَ لِغَدَاءٍ فَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى، لَمْ يَحْنَثْ) إنْ تَغَدَّى (بِغَدَاءٍ غَيْرِهِ مَعَ سَبَبٍ) أَوْ قَصْدٍ (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ لَهُ) ، أَيْ: لِفُلَانٍ الْمَاءَ مِنْ عَطَشٍ، (وَنِيَّتُهُ أَوْ السَّبَبُ قَطْعُ مِنَّتِهِ، حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِهِ وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ وَكُلِّ مَا فِيهِ مِنَّةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ، وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِأَقَلَّ) مِنْهُ (كَقُعُودِهِ فِي ضَوْءِ نَارِهِ) وَظِلِّ حَائِطِهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَلَا نِيَّتُهُ (وَ) إنْ حَلَفَ عَلَى نَحْوِ امْرَأَتِهِ (لَا تَخْرُجُ لِتَهْنِئَةٍ وَلَا تَعْزِيَةٍ، وَنِيَّتُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 بِيَمِينِهِ قَطْعًا لِخُرُوجِهَا، فَخَرَجَتْ لِغَيْرِهِمَا) حَنِثَ لِلْمُخَالِفِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا قَطْعًا لِلْمِنَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنْهُ) ، أَيْ الثَّوْبِ (فَبَاعَهُ، وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا) وَلَبِسَهُ (أَوْ انْتَفَعَ بِهِ) ، أَيْ: بِثَمَنِهِ (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ تَلْحَقُ فِيهِ الْمِنَّةُ، وَكَذَا لَوْ امْتَنَّ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَحَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ قَطْعًا لِمِنَّةٍ بِهِ، وَلَوْ قَطَعَهُ، وَانْتَفَعَ بِهِ بِغَيْرِ اللُّبْسِ، حَنِثَ، وَ (لَا) حِنْثَ (إنْ انْتَفَعَ) مِنْ مَالِهَا (بِغَيْرِ الْغَزْلِ) وَثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينُهُ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ (لَا إنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ قَطْعًا لِلْمِنَّةِ، فَانْتَفَعَ بِهِ هُوَ) ، أَيْ: الْحَالِفُ، (أَوْ) انْتَفَعَ بِهِ (أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ فِي كَنَفِهِ) ، أَيْ: حِيَازَتِهِ وَتَحْتَ نَفَقَتِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ وَلَدٍ صَغِيرٍ (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِهِ. (وَ) إنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ (لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي هَذَا الْعِيدِ، حَنِثَ بِدُخُولِهِ مَعَهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ لَا بِدُخُولِهِ بَعْدَهَا) لِانْقِضَائِهِ بِصَلَاتِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ أَنْ يُكَبِّرُوا حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ عِيدِهِمْ، أَيْ: مِنْ صَلَاتِهِمْ (وَإِنْ قَالَ) وَاَللَّهِ لَا أَوَيْتُ مَعَهَا (أَيَّامَ الْعِيدِ، أُخِذَ) الْحَالِفُ بِالْعُرْفِ فَيَحْنَثُ بِدُخُولِهِ مَعَهَا فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْعِيدِ عُرْفًا فِي كُلِّ بَلَدٍ بِحَسَبِهِ، لَا بَعْدَ ذَلِكَ (وَ) وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ (لَا عُدْت رَأَيْتُكِ تَدْخُلِينَهَا) ، أَيْ: دَارَ كَذَا (وَالسَّبَبُ) الْمُقْتَضِي لِحَلِفِهِ (مَنْعُهَا) مِنْ دُخُولِهَا (فَدَخَلَتْ: حَنِثَ وَلَوْ لَمْ يَرَهَا) دَاخَلَتْهَا إلْغَاءً لِقَوْلِهِ رَأَيْتُكِ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا وَاَللَّهِ (لَا تَرَكْت هَذَا) الصَّبِيَّ وَنَحْوَهُ (يَخْرُجُ، فَأَفْلَتَ، أَوْ قَامَتْ تُصَلِّي) فَخَرَجَ (أَوْ) قَامَتْ (لِحَاجَةٍ، فَخَرَجَ وَنِيَّتُهُ أَوْ السَّبَبُ أَنْ لَا يَخْرُجَ أَصْلًا، حَنِثَ) بِخُرُوجِهِ إلْغَاءً لِقَوْلِهِ تَرَكْتِ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا تَدَعَهُ يَخْرُجُ، فَلَا) حِنْثَ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (إلَّا إنْ خَرَجَ بِفِعْلِهَا أَوْ تَفْرِيطِهَا) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِتَرْكِهَا لَهُ وَعَدَمِ مُبَالَاتِهَا بِخُرُوجِهِ. (وَإِنْ) جُنَّ الْحَالِفُ أَوْ مَاتَ وَ (لَمْ تُعْلَمْ نِيَّتُهُ، انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى فِعْلِهَا) ، أَيْ: الزَّوْجَةِ دُونَ تَفْرِيطِهَا، وَإِنْ عُدِمَتْ بِهِ النِّيَّةُ وَالسَّبَبُ، فَلَا حِنْثَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 [فَصْلٌ الْعِبْرَةُ فِي الْيَمِينِ بِخُصُوصِ السَّبَبِ] فَصْلٌ (وَالْعِبْرَةُ فِي الْيَمِينِ بِخُصُوصِ السَّبَبِ) لِدَلَالَتِهِ عَلَى النِّيَّةِ (لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ) فَيُقَدَّمُ خُصُوصُ السَّبَبِ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ. (فَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهَا، فَزَالَ) الظُّلْمُ مِنْهَا، وَدَخَلَهَا بَعْدَ زَوَالِهِ، فَلَا حِنْثَ (أَوْ حَلَفَ لِوَالٍ) مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ (لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ) فَعُزِلَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَنَحْوِهِ) كَلَا يُسَافِرُ إلَّا بِإِذْنِهِ (فَعُزِلَ، أَوْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ) لَا تَفْعَلُ كَذَا إلَّا بِإِذْنِهِ (فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا، أَوْ حَلَفَ عَلَى رَقِيقِهِ) لَا يَفْعَلُ كَذَا إلَّا بِإِذْنِهِ (فَأَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ) أَوْ وَهَبَهُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ عَلَى أَجِيرِهِ لَا يَفْعَلُ كَذَا إلَّا بِإِذْنِهِ، فَانْقَضَتْ إجَارَتُهُ (لَمْ يَحْنَثْ حَالِفٌ بِذَلِكَ) ، أَيْ: بِالْمُخَالَفَةِ لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الظُّلْمِ أَوْ الْعَزْلِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ وَنَحْوِهِ، تَقْدِيمًا لِلسَّبَبِ عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ (وَلَوْ لَمْ يُرِدْ حَالِفٌ مَا دَامَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ) لِأَنَّ الْحَالَ يَصْرِفُ الْيَمِينَ إلَيْهِ، وَالسَّبَبُ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ فِي الْخُصُوصِ كَدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ فِي الْعُمُومِ، وَلَوْ نَوَى الْخُصُوصَ لَا اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ، فَكَذَا إذَا وَجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا (إلَّا) إذَا وُجِدَ مَحْلُوفٌ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ تُرِكَ مَحْلُوفٌ عَلَى فِعْلِهِ (حَالَ وُجُودِ صِفَةٍ عَادَتْ) بِأَنْ عَادَ الظُّلْمُ، فَدَخَلَ وَهُوَ مَوْجُودٌ، أَوْ عَادَ الْوَالِي لِوِلَايَتِهِ فَرَأَى مُنْكَرًا وَلَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ، أَوْ عَادَتْ الْمَرْأَةُ لِنِكَاحِهِ أَوْ الرَّقِيقُ لِمِلْكِهِ أَوْ الْأَجِيرُ، وَفَعَلَ مَا كَانَ حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ، فَيَحْنَثُ لِعَوْدِ الصِّفَةِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ (فَلَوْ رَأَى) مَنْ حَلَفَ لِوَالٍ لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ (الْمُنْكَرَ فِي وِلَايَتِهِ وَأَمْكَنَ رَفْعُهُ) الْمُنْكَرِ إلَيْهِ (وَلَمْ يَرْفَعْهُ حَتَّى عُزِلَ، وَيَتَّجِهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 أَوْ مَاتَ، أَوْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ مِنْ غَيْرِهِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (حَنِثَ) ، بِعَزْلِهِ وَنَحْوُهُ لِلْيَأْسِ مِنْ رَفْعِهِ إلَيْهِ ظَاهِرًا (وَلَوْ رَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَ) عَزْلِهِ لِفَوَاتِ، رَفْعِهِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ مَاتَ (وَيَتَّجِهُ) حَنِثَ مَنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُ الْمُنْكَرِ لِلْوَالِي فَتَوَانَى عَنْ رَفْعِهِ إلَيْهِ حَتَّى عُزِلَ، (وَلَوْ) عَادَ الْوَالِي (تَوَلَّى ثَانِيًا وَرَفَعَهُ) إلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَالٍ مَحْلُوفٌ لَهُ قَبْلَ إمْكَانِ رَفْعِهِ) ، أَيْ: الْحَالِفِ إلَيْهِ (لَا حِنْثَ) عَلَيْهِ لِعَدَمِ مُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُهُ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى، وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ رَفْعِهِ إلَيْهِ حَنِثَ وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ رَفْعِهِ إلَيْهِ - حَنِثَ، وَمَا قَالَاهُ صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَشَرْحِ الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ دَفْعُهُ إلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنِّ عَبْدَهُ فِي غَدٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ الْيَوْمَ، وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قُلْتُ وَهُوَ أَوْلَى، (كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ بِمُنْكَرٍ إلَّا بَعْدَ عِلْمِ وَالٍ بِهِ) سَوَاءٌ عَيَّنَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 فِي حَلِفِهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، أَوْ (كَمَا لَوْ رَآهُ) الْحَالِفُ (مَعَهُ) ، أَيْ: مَعَ الْوَالِي (فَيَفُوتُ الْبِرُّ، وَلَا حِنْثَ) ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ مَعْذُورٌ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الرَّفْعِ كَالْمُكْرَهِ (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْحَالِفُ الْوَالِيَ إذَنْ) ، أَيْ: وَقْتَ الْحَلِفِ بِأَنْ حَلَفَ لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ لِذِي الْوِلَايَةِ (لَمْ يَتَعَيَّنْ) مَنْ كَانَ وَالِيًا حَالَ الْحَلِفِ، لِانْصِرَافِهِ إلَى الْجِنْسِ، فَإِنْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ بَرَّ الْحَالِفُ بِرَفْعِهِ لِمَنْ يَلِي بَعْدَهُ، وَإِنْ حَلَفَ (لِلِّصٍّ لَا يُخْبِرُ بِهِ، أَوْ يَغْمِزُ عَلَيْهِ فَسُئِلَ عَمَّنْ هُوَ مَعَهُمْ فَبَرَّأَهُمْ دُونَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَيْهِ حَنِثَ) لِقِيَامِ ذَلِكَ مَقَامَ الْإِخْبَارِ بِهِ أَوْ الْغَمْزِ عَلَيْهِ (إنْ لَمْ يَنْوِ حَقِيقَةَ النُّطْقِ أَوْ الْغَمْزِ فَإِنْ نَوَاهَا فَلَا حِنْثَ بِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. (وَمَنْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ يَبَرُّ بِعَقْدِ) نِكَاحٍ (صَحِيحٍ) لَا فَاسِدٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَحِلُّ بِهِ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (وَإِنْ حَلَفَ لِيَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْهَا) ، أَيْ: عَلَى زَوْجَتِهِ (وَلَا نِيَّةَ وَلَا سَبَبَ) هَيَّجَ يَمِينَهُ (يَبِرُّ بِدُخُولِهِ بِزَوْجَةٍ نَظِيرَتِهَا) نَصًّا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ يَمِينِهِ قَصْدُ إغَارَتِهَا بِذَلِكَ وَغَيْظِهَا وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهَا فِي حُقُوقِهَا مِنْ قَسْمٍ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ مَنْ يُسَاوِيهَا فِي حُكْمِ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ إلَّا بِالدُّخُولِ، فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْيَمِينِ بِدُونِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، (أَوْ) بِدُخُولِهِ (بِمَنْ تَغُمُّهَا أَوْ تَتَأَذَّى بِهَا) كَأَعْلَى مِنْهَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَبَرُّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ (وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) ؛ لِأَنَّ الْإِغَارَةَ وَالْغَيْظَ يَحْصُلَانِ بِمُجَرَّدِ الْخِطْبَةِ، وَإِنْ حَصَلَ بِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ زِيَادَةٌ فِي الْغَيْظِ فَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْغَيْظِ الَّذِي يَحْصُلُ بِمَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نِكَاحُ اثْنَتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ وَلَا أَعْلَى مِنْ نَظِيرَتِهَا، وَاَلَّذِي تَنَاوَلَتْهُ يَمِينُهُ مُجَرَّدَ التَّزْوِيجِ، وَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَى امْرَأَتِهِ - حَنِثَ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَكَذَلِكَ يَحْصُلُ الْبِرُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى وَاحِدٌ فَمَا تَنَاوَلَهُ النَّفْيُ تَنَاوَلَهُ الْإِثْبَاتُ (خِلَافًا لَهُمَا) ، أَيْ: الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى فِي جَعْلِهِمَا مَنْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ لَا يَبَرُّ إلَّا بِدُخُولِهِ بِنَظِيرَتِهَا أَوْ بِمَنْ تَغُمُّهَا أَوْ تَتَأَذَّى مِنْهَا انْتَهَيَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 بِالْمَعْنَى (إلَّا إنْ كَانَ مَا) أَنْشَأَهُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (عَقْدَ حِيلَةٍ) عَلَى حِلِّ يَمِينِهِ (لِيَتَخَلَّصَ) مِنْهَا مِثْلُ أَنْ يُوَاطِئَ امْرَأَتَهُ عَلَى نِكَاحٍ لَا يَغِيظُهَا بِهِ لِتَبَرَّ يَمِينُهُ (فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِدُخُولٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُنَا جَعَلَهُ حِيلَةً، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَبَرُّ فِي عَقْدِ الْحِيلَةِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَالْبَيَانِ، أَفَادَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ فَإِنْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَتَزَوَّجَ بِعَجُوزٍ زِنْجِيَّةٍ، لَمْ يَبَرَّ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُغِيرَهَا وَيَغُمَّهَا، وَبِهَذَا لَا تَغَارُ وَلَا تَغْتَمُّ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ تَزْوِيجَ الْعَجُوزِ يَغِيظُهَا وَالزِّنْجِيَّةِ، لَبَرَّ بِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَغِيظُهَا؛ لِأَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً، لِئَلَّا يَغِيظَهَا، أَفَادَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. (وَإِنْ حَلَفَ) لِامْرَأَتِهِ (لَيُطَلِّقَنَّ ضَرَّتَهَا وَلَا نِيَّةَ وَلَا سَبَبَ فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، بَرَّ) ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ، فَإِنْ كَانَ نِيَّةٌ أَوْ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي الْإِبَانَةَ، فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِهَا (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يُكَلِّمُهَا هَجْرًا، فَوَطِئَهَا حَنِثَ) لِزَوَالِ الْهَجْرِ بِهِ وَلَا نِيَّةَ وَلَا سَبَبَ وَيَزُولُ أَيْضًا بِالسَّلَامِ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ تَمْرًا لِحَلَاوَتِهِ حَنِثَ بِكُلِّ حُلْوٍ بِخِلَافِ أَعْتَقْتُهُ) لِأَنَّهُ أَسْوَدُ أَوْ لِسَوَادِهِ فَيُعْتَقُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ السَّوَادُ لَا تَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَنْ يُعْتَقْ فَقَدْ يَكُونُ الْعَتِيقُ أَبْيَضَ، بِخِلَافِ الْعِلَّةِ فِي التَّمْرِ وَهِيَ الْحَلَاوَةُ، لِاطِّرَادِهَا فِي كُلِّ حُلْوٍ يُؤْكَلُ، وَقَالَ الْقَاضِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 وَأَبُو الْخَطَّابِ: لِأَنَّ عِلَّتَهُ يَجُوزُ أَنْ تُنْتَقَضَ. وَقَوْلُهُ لَا يَطَّرِدُ (أَوْ) بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ (اعْتِقْهُ) ، أَيْ: عَبْدِي فُلَانًا (لِأَنَّهُ أَسْوَدُ أَوْ لِسَوَادِهِ، فَلَا يَتَجَاوَزُهُ) بِالْعِتْقِ لِجَوَازِ الْمُنَاقَضَةِ عَلَيْهِ وَالْبَدْءِ (وَ) إنْ قَالَ لِشَخْصٍ (إذَا أَمَرْتُك بِشَيْءٍ لِعِلَّةٍ فَقِسْ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ مَالِي وَجَدْتُ فِيهِ تِلْكَ الْعِلَّةَ، ثُمَّ قَالَ اعْتِقْ عَبْدِي فُلَانًا؛ لِأَنَّهُ أَسْوَدُ، صَحَّ أَنْ يَعْتِقَ كُلَّ عَبْدٍ لَهُ أَسْوَدَ) وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَبَّدَنَا بِالْقِيَاسِ. وَقَالَ فِي الْعُدَّةِ وَإِنَّ الْمُخَالِفَ احْتَجَّ بِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا تَسْتَعْمِلُ الْقِيَاسَ، فَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: اشْتَرِ لِي سَكَنْجَبِينًا، فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِلصَّفْرَاءِ، لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ رُمَّانًا وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ وَالْجَوَابُ أَنَّ السَّكَنْجَبِينَ يَخْتَصُّ بِمَعَانٍ لَا تُوجَدُ فِي الرُّمَّانِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَا يُوجِبُ الْقَوْلَ بِالْقِيَاسِ، فَإِنَّ اثْنَيْنِ لَوْ ضَرَبَا أُمَّهُمَا، فَضَرَبَ الْأَبُ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ ضَرَبَ أُمَّهُ، صَلُحَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْآخَرَ ضَرَبَهَا فَلِمَ لَا تَضْرِبْهُ؟ (وَ) كَذَلِكَ (لَوْ قَالَ: لَا تُعْطِ فُلَانًا إبْرَةً يُرِيدُ عَدَمَ تَعَدِّيهِ بِهَا فَأَعْطَاهُ سِكِّينَةً، حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَنَعَهُ مِنْ إعْطَائِهِ مَا يَتَعَدَّى بِهِ، وَقَدْ وُجِدَ بِإِعْطَاءِ السِّكِّينِ، عَلَى أَنَّا نَقُولُ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي دَلَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ وَكَلَّفَنَا إيَّاهُ، وَفِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَدُلَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُصْلَحْ الْقَوْلُ بِهِ. فَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي بِوَجْهَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كَاخْتِيَارِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ قِسْ عَلَيْهِ كُلَّ مَا صَلُحَ لِلصَّفْرَاءِ، جَازَ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتِقْ غَيْرَ مَا أَعْتَقَهُ مَعَ أَنَّهُ أَسْوَدُ، أَنَّ لِكُلِّ عَاقِلٍ مُنَاقَضَتُهُ وَيَقُولُ لَهُ لِمَ لَا تَعْتِقْ غَيْرَهُ مِنْ السُّودِ؟ وَكَذَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ قِيسُوا كَلَامِي بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْتُ السُّكَّرَ؛ لِأَنَّهُ حُلْوٌ شَرَكَ فِيهِ كُلَّ حُلْوٍ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا لِشُرْبِهِ الْخَمْرَ، فَكَلَّمَهُ، وَقَدْ تَرَكَهُ) ، أَيْ: شُرْبَ الْخَمْرِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا دَامَ يَشْرَبُهَا، وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ (وَلَا يُقْبَلُ تَعْلِيلٌ بِكَذِبٍ) ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ (فَمَنْ قَالَ لِقِنِّهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 وَهُوَ) أَيْ: قِنُّهُ (أَكْبَرُ مِنْهُ أَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّك ابْنِي وَنَحْوُهُ) كَكَوْنِهِ أَصْغَرَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّكَ أَبِي (أَوْ) قَالَ (لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَصْغَرُ مِنْهُ أَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّكِ جَدَّتِي، وَقَعَا) ، أَيْ: وَقَعَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ، لِصُدُورِهِمَا مِنْ أَهْلِهِمَا فِي مَحَلِّهِمَا. [فَصْلٌ انعدام السَّبَبِ وَالنِّيَّةِ فِي الْيَمِين] فَصْلٌ (فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ) وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ السَّبَبِ وَالنِّيَّةِ (رَجَعَ إلَى التَّعْيِينِ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلُغُ مِنْ دَلَالَةِ الِاسْمِ عَلَى مُسَمَّاهُ، لِنَفْيِهِ الْإِبْهَامَ بِالْكُلِّيَّةِ (فَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ) وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ فَدَخَلَهَا وَقَدْ بَاعَهَا حَنِثَ بِلَا نِزَاعٍ إنْ أَرَادَ الدَّارَ دُونَ الْإِضَافَةِ، فَإِنْ قَصَدَ الْإِضَافَةَ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهِ لَهَا بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ فُلَانٍ عَنْهَا (أَوْ) لَا يَدْخُلُ (دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَدَخَلَهَا وَقَدْ بَاعَهَا، أَوْ دَخَلَهَا وَهِيَ فَضَاءٌ أَوْ وَهِيَ مَسْجِدٌ أَوْ وَهِيَ حَمَّامٌ) حَنِثَ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ عُلَمَائِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ أَصَحُّ. (أَوْ) (حَلَفَ لَا لَبِسْت هَذَا الْقَمِيصَ فَلَبِسَهُ وَهُوَ رِدَاءٌ أَوْ) لَبِسَهُ وَهُوَ (عِمَامَةٌ أَوْ) وَهُوَ (سَرَاوِيلُ) حَنِثَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا كَلَّمْت هَذَا الصَّبِيَّ فَصَارَ شَيْخًا) (أَوْ) حَلَفَ لَا كَلَّمْت (امْرَأَةَ فُلَانٍ هَذِهِ أَوْ) حَلَفَ (لَا كَلَّمْت عَبْدَهُ) أَيْ: عَبْدَ فُلَانٍ هَذَا (أَوْ) حَلَفَ (لَا كَلَّمْت صَدِيقَهُ هَذَا فَزَالَ ذَلِكَ) بِأَنْ بَانَتْ الزَّوْجَةُ وَزَالَ مِلْكُهُ لِلْعَبْدِ وَصَدَاقَتُهُ لِلْمُعَيَّنِ (ثُمَّ كَلَّمَهُمْ) حَنِثَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا أَكَلْتُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ، وَهُوَ الصَّغِيرُ مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ (فَصَارَ كَبْشًا أَوْ) حَلَفَ لَا أَكَلْتُ (هَذَا الرُّطَبَ، فَصَارَ تَمْرًا أَوْ صَارَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 دِبْسًا أَوْ خَلًّا، أَوْ) حَلَفَ (لَا أَكَلْتُ هَذَا اللَّبَنَ فَصَارَ جُبْنًا وَنَحْوَهُ) بِأَنْ صَارَ أَقِطًا (ثُمَّ أَكَلَهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَلَا سَبَبَ - حَنِثَ) لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، كَحَلِفِهِ لَا لَبِسْت هَذَا الْغَزْلَ فَصَارَ ثَوْبًا وَ (كَقَوْلِهِ) لَا أَكَلْتُ (هَذَا التَّمْرَ الْحَدِيثَ فَعَتَقَ أَوْ) لَا كَلَّمْتُ هَذَا (الرَّجُلَ الصَّحِيحَ فَمَرِضَ، وَكَالسَّفِينَةِ) إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا (فَتُنْقَضُ ثُمَّ تُعَادُ وَيَدْخُلُهَا، وَكَالْبَيْضَةِ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهَا (فَتَصِيرُ فَرْخًا) فَيَأْكُلُهُ، فَيَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ، لِقُوَّةِ التَّعْيِينِ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا كَلَّمْت صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ بَيْعِهِ (فَلَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ أَوْ التُّفَّاحَةِ، فَعَمِلَ مِنْهَا) ، أَيْ: التُّفَّاحَةِ (شَرَابًا، أَوْ) عَمِلَ مِنْ الْبَيْضَةِ (نَاطِفًا فَأَكَلَهُ، بَرَّ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّعْيِينَ أَبْلَغُ مِنْ دَلَالَةِ الِاسْمِ عَلَى الْمُسَمَّى (وَكَهَاتَيْنِ) أَيْ الْبَيْضَةِ وَالتُّفَّاحَةِ وَ (نَحْوِهِمَا) . تَتِمَّةٌ إذَا نَوَى بِيَمِينِهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَالْإِضَافَةِ أَوْ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، أَوْ كَانَ السَّبَبُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْيِينِ. [فَصْلٌ انعدام النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ وَالتَّعْيِينِ فِي الْيَمِين] فَصْلٌ (فَإِنْ عَدِمَ ذَلِكَ) أَيْ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ وَالتَّعْيِينِ (رَجَعَ فِي الْيَمِينِ إلَى مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ) ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَاهُ وَلَا صَارِفَ عَنْهُ (وَيُقَدَّمُ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ (شَرْعِيٌّ فَعُرْفِيٌّ فَلُغَوِيٌّ) فَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مُسَمًّى وَاحِدٌ كَسَمَاءٍ وَأَرْضٍ وَرَجُلٍ وَإِنْسَانٍ وَنَحْوِهَا، انْصَرَفَ الْيَمِينُ إلَى مُسَمَّاهُ بِلَا خِلَافٍ. (ثُمَّ الِاسْمُ الشَّرْعِيُّ مَا لَهُ مَوْضُوعٌ شَرْعًا وَمَوْضُوعٌ لُغَةً، كَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 وَصَوْمٍ وَحَجٍّ) وَعُمْرَةٍ وَوُضُوءٍ وَبَيْعٍ (فَالْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ) عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ تَرْكِهِ (تَنْصَرِفُ) لِلْمَوْضُوعِ (الشَّرْعِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لِلْفَهْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلِذَلِكَ حُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِعِ حَيْثُ لَا صَارِفَ. (وَتَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ، بِخِلَافِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ شَرْعًا (فَمَنْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ أَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي وَالشَّرِكَةُ شِرَاءٌ وَالتَّوْلِيَةُ شِرَاءٌ وَالسَّلَمُ شِرَاءٌ وَالصُّلْحُ عَلَى مَالٍ شِرَاءٌ، فَعَقَدَ عَقْدًا فَاسِدًا) مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ شِرَاءٍ (لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَإِنَّمَا أَحَلَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ. وَكَذَا النِّكَاحُ وَغَيْرُهُ (إلَّا إنْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ، فَحَجَّ حَجًّا فَاسِدًا) فَيَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا أَعْتَمَرَ فَاعْتَمَرَ عُمْرَةً فَاسِدَةً، حَنِثَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، لِوُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهِمَا وَكَوْنِهِ كَالصَّحِيحِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيَلْزَمُ مِنْ فِدْيَةٍ، وَيَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي فَفَعَلَ وَلَوْ بِشَرْطِ خِيَارٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِصَحِيحٍ كَاللَّازِمِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ) أَوْ عَقَدَ مَنْ حَلَفَ لَا يَعْقِدُ عَقْدًا مِنْ الْعُقُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَاسِدًا (وَحَكَمَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الْعَقْدِ حَاكِمٌ) يَرَاهُ، فَيَحْنَثُ الْعَاقِدُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ قَيَّدَ حَالِفٌ يَمِينَهُ بِمُمْتَنِعِ الصِّحَّةِ كَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ أَوْ لَا يَبِيعُ الْحُرَّ، أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ سَرَقْت مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتنِيهِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ لَهَا إنْ (طَلَّقْت فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَفَعَلَتْ) أَيْ: سَرَقَتْ مِنْهُ شَيْئًا فَبَاعَتْهُ إيَّاهُ (أَوْ فَعَلَ) هُوَ بِأَنْ بَاعَ الْخَمْرَ أَوْ قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 (حَنِثَ بِصُورَةِ ذَلِكَ) لِتَعَذُّرِ الصَّحِيحِ، فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى مَا كَانَ عَلَى صُورَتِهِ كَالْحَقِيقَةِ إذَا تَعَذَّرَتْ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى مَجَازِهِ، وَالْحَلِفُ عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَتَنَاوَلُهُ فِي الْمَاضِي. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ أَوْ حَلَفَ لَا يَعْتَمِرُ حَنِثَ) حَالِفٌ (بِإِحْرَامٍ بِهِ) أَيْ: الْحَجِّ (أَوْ) ، أَيْ: وَحَنِثَ حَالِفٌ لَا يَعْتَمِرُ بِإِحْرَامٍ (بِهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ. (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَصُومُ) حَنِثَ (بِشُرُوعٍ صَحِيحٍ) فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَلَوْ نَفْلًا بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ لِلصَّوْمِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ) أَنَّهُ يَحْنَثُ (إنْ تَمَّ) صَوْمُهُ (صَحِيحًا) لِإِتْيَانِهِ بِمَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ (كَامِلًا، فَإِذَا صَامَ يَوْمًا كَامِلًا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ حَنِثَ مُنْذُ شَرَعَ، فَلَوْ كَانَ حَلَفَ وَوَلَدَتْ بَعْدَهُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا. وَإِنْ كَانَ حَلِفُهُ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ، وَمَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَرِثْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ) . فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ حَالَ حَلِفِهِ لَا يَفْعَلَنَّ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ مُتَلَبِّسًا بِهِ فَاسْتَدَامَهُ حَنِثَ بِالِاسْتِدَامَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ بَعْدَهُ، خِلَافًا لِلْإِقْنَاعِ هُنَا. (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يُصَلِّي حَنِثَ بِالتَّكْبِيرِ) ، أَيْ: تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (وَلَوْ عَلَى جِنَازَةٍ) لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ. وَ (لَا) يَحْنَثُ (مَنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ صَوْمًا حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا، أَوْ) حَلَفَ (لَا يُصَلِّي صَلَاةً حَتَّى يَفْرَغَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً اُعْتُبِرَ فِعْلُ صَوْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ صَلَاةٍ كَذَلِكَ، وَأَقَلُّهُمَا مَا ذُكِرَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ أَوْ لِيُصَلِّيَن فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِصَوْمِ يَوْمٍ (أَوْ) صَلَاةِ رَكْعَةٍ. وَمَنْ (حَلَفَ لَيَبِيعَنَّ كَذَا، فَبَاعَهُ بِعَرَضٍ أَوْ نَسِيئَةً بَرَّ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَهَبُ أَوْ) حَلَفَ (لَا يُهْدِي، أَوْ حَلَفَ لَا يُوصِي أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ، أَوْ لَا يُعِيرُ حَنِثَ بِفِعْلِهِ) ، أَيْ: إيجَابِهِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا عِوَضَ فِيهَا، فَسَمَّاهَا الْإِيجَابَ فَقَطْ، وَأَمَّا الْقَبُولُ فَشَرْطٌ لِنَقْلِ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ السَّبَبِ، وَيَشْهَدُ لِلْوَصِيَّةِ قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] الْآيَةَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الْإِيجَابَ دُونَ الْقَبُولِ، وَالْهِبَةُ وَنَحْوُهَا فِي مَعْنَاهَا بِجَامِعِ عَدَمِ الْعِوَضِ. وَ (لَا) يَحْنَثُ (إنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فُلَانًا أَوْ لَا يُؤَجِّرُ أَوْ لَا يُزَوِّجُ فُلَانًا حَتَّى يَقْبَلَ) فُلَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْعًا وَلَا إجَارَةً وَلَا تَزْوِيجًا إلَّا بَعْدَ الْقَبُولِ. (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَهَبُ زَيْدًا شَيْئًا، فَأَهْدَى إلَيْهِ) شَيْئًا (أَوْ بَاعَهُ) شَيْئًا (أَوْ حَابَاهُ) فِيهِ (أَوْ وَقَفَ) عَلَيْهِ (أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ - حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِبَةِ. وَ (لَا) يَحْنَثُ (إنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ) الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ (وَاجِبَةً) كَالزَّكَاةِ (أَوْ كَانَتْ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ ضَيَّفَهُ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ) مِنْ ضِيَافَةٍ، فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يُسَمَّى هِبَةً (أَوْ أَبْرَأَهُ) مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا دَيْنٌ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَلَوْ) كَانَ إبْرَاؤُهُ مِنْ زَيْدٍ مِنْ دَيْنٍ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ (بِلَفْظِ هِبَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ إبْرَاءٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ أَعَارَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ) فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ، وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْهِبَةُ تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ، فَهُمَا غَيْرَانِ (أَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَوَهَبَهُ) فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْهِبَةِ، وَلَا يَحْنَثُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 حَالِفٌ عَلَى نَوْعٍ بِفِعْلِ نَوْعٍ آخَرَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيمُ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ، (أَوْ) حَلَفَ (لَا أَتَصَدَّقُ فَأَطْعَمَ عِيَالَهٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى صَدَقَةً عُرْفًا، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ كَالصَّدَقَةِ. (وَإِنْ نَذَرَ) أَنْ يَهَبَ لِفُلَانٍ شَيْئًا (أَوْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ لَهُ) شَيْئًا (بَرَّ بِالْإِيجَابِ) لِلْهِبَةِ، سَوَاءٌ قَبْلَ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ لَا. [فَصْلٌ الِاسْمُ الْعُرْفِيُّ] فَصْلٌ (وَالِاسْمُ الْعُرْفِيُّ مَا اشْتَهَرَ مَجَازُهُ حَتَّى غَلَبَ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُهَا) أَيْ: الْحَقِيقَةَ (أَكْثَرُ النَّاسِ كَالرَّاوِيَةِ فِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِلْمَزَادَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِمَا يُسْتَسْقَى عَلَيْهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ) وَالْمَزَادَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْقِيَاسُ كَسْرُهَا وَهِيَ شَطْرُ الرَّاوِيَةِ وَالْجَمْعُ مَزَايِدُ (وَالظَّعِينَةُ فِي الْعُرْفِ الْمَرْأَةُ) فِي الْهَوْدَجِ (وَفِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِلنَّاقَةِ الَّتِي يُظْعَنُ عَلَيْهَا، وَالدَّابَّةُ فِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ خَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ، وَفِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِمَا دَبَّ وَدَرَجَ، وَالْعَذِرَةُ وَالْغَائِطُ فِي الْعُرْفِ الْفَضْلَةُ الْمُسْتَقْذَرَةُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ فِنَاءُ الدَّارِ، وَالْغَائِطُ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ فَهَذَا الْمَذْكُورُ وَنَحْوُهُ) مَا غَلَبَ مَجَازُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ (تَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ فِيهِ بِالْعُرْفِ دُونَ الْحَقِيقَةِ) . قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ الْمِثَالُ الثَّانِي مِمَّا تَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَتْوَى لِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ مُوجِبَاتُ الْأَيْمَانِ وَالْإِقْرَارُ وَالنُّذُورُ وَغَيْرُهَا، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَالِفَ إذَا حَلَفَ لَا رَكِبْت دَابَّةً وَكَانَ فِي بَلَدٍ عُرْفُهُمْ فِي لَفْظِ الدَّابَّةِ الْحِمَارُ اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِ الْفَرَسِ وَلَا الْجَمَلِ، وَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ فِي لَفْظِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 الدَّابَّةِ الْفَرَسُ خَاصَّةً حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَيْهَا دُونَ الْحِمَارِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مِمَّا عَادَتُهُ رُكُوبُ نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ الدَّوَابِّ كَالْأُمَرَاءِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ، حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا اعْتَادَهُ مِنْ رُكُوبِ الدَّوَابِّ، فَيُفْتَى فِي كُلِّ بَلَدٍ بِحَسَبِ عُرْفِ أَهْلِهِ، وَيُفْتَى كُلُّ أَحَدٍ بِحَسَبِ عَادَتِهِ. وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا أَكَلْتُ رَأْسًا فِي بَلَدٍ عَادَةُ أَهْلِهِ أَكْلُ رُءُوسِ الضَّأْنِ خَاصَّةً، لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ رُءُوسِ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمْ أَكْلُ السَّمَكِ حَنِثَ بِأَكْلِ رُءُوسِهَا، وَكَذَلِكَ وَإِذَا حَلَفَ لَا اشْتَرَيْتُ كَذَا وَلَا بِعْتُهُ وَلَا حَرَثْتُ هَذِهِ الْأَرْضَ وَلَا زَرَعْتُهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَعَادَتُهُ أَنْ لَا يُبَاشِرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ كَالْمُلُوكِ - حَنِثَ قَطْعًا بِالْإِذْنِ وَالتَّوْكِيلِ فِيهِ، فَإِنَّهُ نَفْسُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُ مُبَاشَرَةُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ كَآحَادِ النَّاسِ، فَإِنْ قَصَدَ مَنْعَ (نَفْسِهِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ، لَمْ يَحْنَثْ بِالتَّوْكِيلِ، وَإِنْ قَصَدَ عَدَمَ الْفِعْلِ وَالْمَنْعَ مِنْهُ) جُمْلَةً - حَنِثَ بِالتَّوْكِيلِ، وَإِنْ أَطْلَقَ اُعْتُبِرَ سَبَبُ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا انْتَهَى. (فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عَيْشًا وَهُوَ لُغَةً الْحَيَاةُ حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزٍ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ، (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَطَأُ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، حَنِثَ بِجِمَاعِهَا) ، أَيْ: الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا، لِانْصِرَافِ اللَّفْظِ إلَيْهِ عُرْفًا، وَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ كَانَ مُولِيًا، (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَتَسَرَّى حَنِثَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ) سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ؛ لِأَنَّ التَّسَرِّي مَأْخُوذٌ مِنْ السِّرِّ قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] وَقَالَ الشَّاعِرُ: أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي ... كَبِرْتُ وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَطَأُ دَارًا أَوْ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارٍ حَنِثَ بِدُخُولِهَا رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَحَافِيًا وَمُنْتَعِلًا) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 الْقَصْدَ امْتِنَاعُهُ مِنْ دُخُولِهَا، وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِدُخُولِ مَقْبَرَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَارًا عُرْفًا (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا حَنِثَ بِرُكُوبِ سَفِينَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى رُكُوبًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41] {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [العنكبوت: 65] (وَ) حَنِثَ بِ (دُخُولِ مَسْجِدٍ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 96] {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] (وَ) حَنِثَ بِدُخُولِ (حَمَّامٍ) لِحَدِيثِ: «بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ (وَ) حَنِثَ بِدُخُولِ (بَيْتِ شَعْرٍ وَبَيْتِ أُدُمٍ وَخَيْمَةٍ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا} [النحل: 80] الْآيَةَ، وَالْخَيْمَةُ فِي مَعْنَى بَيْتِ الشَّعْرِ، وَ (لَا) يَحْنَثُ بِدُخُولِ (صِفَةِ دَارٍ وَدِهْلِيزِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ الْبَيْتُوتَةِ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَضْرِبُ فُلَانَةَ فَخَنَقَهَا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهَا أَوْ عَضَّهَا لَا تَلَذُّذًا حَنِثَ) لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ بِالضَّرْبِ وَهُوَ التَّأَلُّمُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بَرَّ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَشُمُّ الرَّيْحَانَ فَشَمَّ وَرْدًا أَوْ بَنَفْسَجًا أَوْ يَاسَمِينًا) وَلَوْ يَابِسًا حَنِثَ، وَكَذَا لَوْ شَمَّ زَنْبَقًا أَوْ نِسْرِينًا أَوْ نَرْجِسًا وَنَحْوَهُ مِنْ كُلِّ زَهْرٍ طَيِّبِ الرَّائِحَةِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشُمُّ طِيبًا فَشَمَّ نَبْتًا رِيحُهُ طَيِّبٌ) كَالْخُزَامَى حَنِثَ لِطِيبِ رَائِحَتِهِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَذُوقُ شَيْئًا فَازْدَرَدَهُ - وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ مَذَاقَهُ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الذَّوْقَ عُرْفًا الْأَكْلُ، يُقَالُ مَا ذُقْتُ لِزَيْدٍ طَعَامًا أَيْ: مَا أَكَلْتُ. تَتِمَّةٌ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي فِي " أَلْ " الْجِنْسِيَّةِ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَلَا أَلْبَسُ الثِّيَابَ يَقَعُ الْحِنْثُ فِي الْوَاحِدَةِ مِنْهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 [فَصْلٌ الِاسْمُ اللُّغَوِيُّ] فَصْلٌ (وَالِاسْمُ اللُّغَوِيُّ مَا لَمْ يَغْلِبْ مَجَازُهُ) عَلَى حَقِيقَتِهِ (فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا - حَنِثَ بِأَكْلِ سَمَكٍ وَأَكْلِ لَحْمٍ يَحْرُمُ) كَغَيْرِ مَأْكُولٍ، لِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّى اللَّحْمِ، وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِمَرَقِ لَحْمٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَحْمًا (وَ) لَا بِأَكْلِ (مُخٍّ وَشَحْمٍ وَكَبِدٍ وَكُلْيَةٍ وَمُصْرَانٍ وَطِحَالٍ وَقَلْبٍ وَأَلْيَةٍ وَدِمَاغٍ وَقَانِصَةٍ) وَاحِدَةُ الْقَوَانِصِ وَهِيَ لِلطَّيْرِ بِمَنْزِلَةِ الْمَصَارِينِ لِغَيْرِهَا (وَكَارِعٍ وَلَحْمِ رَأْسٍ وَلِسَانٍ) ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّحْمِ لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَبَائِعُ الرُّءُوسِ يُسَمَّى رَوَّاسًا لَا لَحَّامًا. وَحَدِيثُ: «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ لَيْسَ بِلَحْمٍ، وَهَذَا مَعَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ كَانَ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ فَكَمَا تَقَدَّمَ (إلَّا بِنِيَّتِهِ اجْتِنَابُ الدَّسَمِ) فَيَحْنَثُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَذَا لَوْ اقْتَضَاهُ السَّبَبُ، (وَ) (مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا، فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ أَوْ الْجَنْبِ، أَوْ أَكَلَ سَمِينَهَا أَوْ الْأَلْيَةَ أَوْ السَّنَامَ - حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الشَّحْمَ مَا يَذُوبُ مِنْ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا عَلَى الظَّهْرِ مِنْ ذَلِكَ شَحْمًا بِقَوْلِهِ: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] الْآيَةَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ وَ (لَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا (إنْ أَكَلَ لَحْمًا أَحْمَرَ) وَلَا بِكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَرَأْسٍ وَكُلْيَةٍ وَقَلْبٍ وَقَانِصَةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِشَحْمٍ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، فَأَكَلَهُ - وَلَوْ مِنْ صَيْدٍ أَوْ مِنْ آدَمِيَّةٍ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، سَوَاءٌ كَانَ حَلِيبًا أَوْ رَائِبًا أَوْ مُجَمَّدًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ: وَلَوْ مُحَرَّمًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّحْمِ، وَ (لَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا (إنْ أَكَلَ زُبْدًا أَوْ سَمْنًا أَوْ كِشْكًا أَوْ مَصْلًا أَوْ جُبْنًا أَوْ أَقِطًا وَنَحْوَهُ) مِمَّا يُعْمَلُ مِنْ اللَّبَنِ وَيَخْتَصُّ بِاسْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى اللَّبَنِ، وَالْمَصْلُ وَالْمُصَالَةُ مَا سَالَ مِنْ الْأَقِطِ إذَا طُبِخَ ثُمَّ عُصِرَ. قَالَ: فِي الْقَامُوسِ وَالْأَقِطُ بِكَسْرِ الْقَافِ اللَّبَنُ الْمُجَفَّفُ (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ زُبْدًا وَسَمْنًا، فَأَكَلَ الْآخَرَ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ طَعْمُهُ) ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمًا يَخْتَصُّ بِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ طَعْمُهُ - حَنِثَ (أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُمَا) ، أَيْ: الزُّبْدَ وَالسَّمْنَ (فَأَكَلَ لَبَنًا) فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ فِي مُسَمَّاهُ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا وَلَا بَيْضًا، حَنِثَ بِأَكْلِ رَأْسِ طَيْرٍ وَرَأْسِ سَمَكٍ وَرَأْسِ جَرَادٍ وَبَيْضِ ذَلِكَ) لِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّى الرَّأْسِ وَالْبَيْضِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَاسْتَفَّهُ أَوْ خَبَزَهُ وَأَكَلَهُ حَنِثَ) لِفِعْلِهِ مَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً حَنِثَ بِأَكْلِ تَمْرٍ وَرُمَّانٍ وَبِطِّيخٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْضَجُ وَيَحْلُو وَيُتَفَكَّهُ بِهِ فَيَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْفَاكِهَةِ، وَسَوَاءٌ الْأَصْفَرُ أَوْ غَيْرُهُ (وَ) بِأَكْلِ (كُلِّ ثَمَرِ شَجَرٍ غَيْرِ بَرِّيٍّ) كَبَلَحٍ وَعِنَبٍ وَتُفَّاحٍ وَكُمَّثْرَى وَخَوْخٍ وَمِشْمِشٍ وَسَفَرْجَلٍ وَتُوتٍ وَتِينٍ وَمَوْزٍ وَأُتْرُجٍّ وَجُمَّيْزٍ، وَعَطْفُ النَّخْلِ عَلَى الْفَاكِهَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] لِلتَّشْرِيفِ لَا لِلْمُغَايَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] . (وَلَوْ) كَانَ ثَمَرُ الشَّجَرِ غَيْرِ الْبَرِّيِّ (يَابِسًا كَصَنَوْبَرٍ وَعُنَّابٍ وَجَوْزٍ وَلَوْزٍ وَبُنْدُقٍ وَفُسْتُقٍ وَتُوتٍ وَزَبِيبٍ وَتِينٍ وَمِشْمِشٍ وَإِجَّاصٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ؛ لِأَنَّ يُبْسَ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ فَاكِهَةً وَ (لَا) يَحْنَثُ بِأَكْلِ (قِثَّاءٍ وَخِيَارٍ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 لِأَنَّهُمَا مِنْ الْخُضَرِ لَا مِنْ الْفَاكِهَةِ (وَ) لَا بِأَكْلِ (زَيْتُونٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ زَيْتُهُ، وَلَا يُتَفَكَّهُ بِهِ (وَ) لَا بِأَكْلِ (بَلُّوطٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْكَلُ لِلْمَجَاعَةِ أَوْ التَّدَاوِي، لَا لِلتَّفَكُّهِ (وَ) لَا بِأَكْلِ (بُطْمٍ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزَّيْتُونِ (وَ) لَا بِأَكْلِ زُعْرُورٍ بِضَمِّ الزَّايِ (أَحْمَرَ) بِخِلَافِ الْأَبْيَضِ (وَ) لَا بِأَكْلِ (آسٍ) ، أَيْ: مُرْسِينَ (وَسَائِرِ ثَمَرِ شَجَرٍ بَرِّيٍّ لَا يُسْتَطَابُ) كَالْقَيْقَبِ وَالْعَفْصِ، بِخِلَافِ الْخُرْنُوبِ (وَلَا بِأَكْلِ قَرْعٍ وَبَاذِنْجَانٍ) وَنَحْوِ كُرُنْبٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخُضَرِ (وَلَا بِأَكْلِ مَا يَكُونُ بِالْأَرْضِ كَجَزَرٍ وَلِفْتٍ وَفُجْلٍ وَقُلْقَاسٍ وَنَحْوِهِ) كَكَمْأَةٍ وَسَوْطَلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فَاكِهَةً. (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ) لَا يَأْكُلُ (بُسْرًا، فَأَكَلَ مُذَنِّبًا) بِكَسْرِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ، أَيْ: مَا بَدَأَ الْإِرْطَابُ فِيهِ مِنْ ذَنَبِهِ (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ بُسْرًا وَرُطَبًا وَلَا يَحْنَثُ إنْ أَكَلَ تَمْرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ بُسْرًا وَلَا رُطَبًا. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَحْنَثُ (إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا) وَهُوَ التَّمْرُ قَبْلَ إرْطَابِهِ (فَأَكَلَ الْآخَرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا، فَأَكَلَ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا أَوْ دِبْسًا أَوْ نَاطِفًا) مَعْمُولَيْنِ مِنْ التَّمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ تَمْرًا. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ أُدْمًا حَنِثَ بِأَكْلِ بَيْضٍ وَشَوِيٍّ) بِمَعْنَى مَشْوِيٍّ (وَجُبْنٍ وَمِلْحٍ وَتَمْرٍ) ، لِحَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ، وَقَالَ: هَذِهِ إدَامٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْأُدْمُ اللَّحْمُ» وَقَالَ: «سَيِّدُ إدَامِكُمْ اللَّحْمُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (وَ) أَكْلُ (زَيْتُونٍ وَلَبَنٍ وَخَلٍّ وَكُلِّ مُصْطَبَغٍ بِهِ) أَيْ: مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ بِهِ كَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ، لِحَدِيثِ: «ائْتَدِمُوا بِالزَّيْتِ وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نِعْمَ الْأُدْمُ الْخَلُّ» وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 قُوتًا حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزٍ وَتَمْرٍ وَلَحْمٍ وَلَبَنٍ وَكُلِّ مَا تَبْقَى مَعَهُ الْبَيِّنَةُ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ يُقْتَاتُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، وَكَذَا إنْ أَكَلَ سَوِيقًا أَوْ سَفَّ دَقِيقًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَاتُ، وَكَذَا حَبٌّ يُقْتَاتُ خُبْزُهُ، لِحَدِيثِ: «إنَّهُ كَانَ يَدَّخِرُ قُوتَ عِيَالِهِ سَنَةً» ، وَإِنَّمَا كَانَ يَدَّخِرُ الْحَبَّ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ طَعَامًا حَنِثَ بِاسْتِعْمَالِ مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ) مِنْ قُوتٍ وَأُدْمٍ وَحَلْوَى وَفَاكِهَةٍ وَجَامِدٍ وَمَائِعٍ، قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93] الْآيَةَ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا أَعْلَمُ مَا يُجْزِئُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَّا اللَّبَنَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَ (لَا) يَحْنَثُ بِشُرْبِ (مَاءٍ وَ) اسْتِعْمَالِ (دَوَاءٍ وَ) لَا بِأَكْلِ (وَرَقِ شَجَرٍ وَتُرَابٍ وَنِشَارَةِ خَشَبٍ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ لَا يَتَنَاوَلُهُ عُرْفًا. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً حَنِثَ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ وَمَاءٍ نَجِسٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ (لَا) بِشُرْبِ (جُلَّابٍ وَمَاءِ وَرْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ حَلَفَ لَا يَتَعَشَّى فَأَكَلَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، أَوْ حَلَفَ لَا يَتَسَحَّرُ فَأَكَلَ قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ (لَمْ يَحْنَثْ) حَيْثُ لَا نِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْغَدَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَدْوَةِ، وَهِيَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ، وَالْعَشَاءَ مِنْ الْعَشِيِّ، وَهُوَ مِنْ الزَّوَالِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَالسُّحُورَ مِنْ السَّحَرِ وَهُوَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ الْحِنْثِ (حَيْثُ لَا عُرْفَ بِخِلَافِهِ) أَمَّا لَوْ كَانَ عُرْفٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَتَعَلَّقَ الْيَمِينُ بِهِ كَمَنْ عَادَتُهُ وَأَهْلُ بَلْدَتِهِ الْغَدَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْعَشَاءِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَحَلَفَ لَا يَتَعَشَّى، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، أَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالسُّحُورِ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَحَلَفَ لَا يَتَسَحَّرُ، فَيَحْنَثُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 بِأَكْلِهِ قَبْلَهُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَالْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ أَنْ يَأْكُلَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ شِبَعِهِ) وَالْأَكْلَةُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ أَكْلَةً، وَبِالضَّمِّ اللُّقْمَةُ. (وَمَنْ أَكَلَ مَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ مُسْتَهْلَكًا فِي غَيْرِهِ كَمَنْ) حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ (فَأَكَلَهُ فِي خَبِيصٍ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا فَأَكَلَ نَاطِفًا، أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّ مَا أَكَلَهُ لَا يُسَمَّى سَمْنًا وَلَا بَيْضًا وَالْحِنْطَةُ فِيهَا شَعِيرًا لَا تُسَمَّى شَعِيرًا (إلَّا إذَا ظَهَرَ طَعْمُ شَيْءٍ مِنْ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ) كَظُهُورِ طَعْمِ السَّمْنِ فِي الْخَبِيصِ أَوْ الْبَيْضِ فِي النَّاطِفِ أَوْ الشَّعِيرِ فِي الْحِنْطَةِ فَيَحْنَثُ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا، أَوْ هَذَا السَّوِيقَ فَشَرِبَهُ، أَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُهُ، فَأَكَلَهُ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى تَرْكِ أَكْلِ شَيْءٍ أَوْ شُرْبِهِ يُقْصَدُ بِهَا عُرْفًا اجْتِنَابُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] وَقَوْلِ الطَّبِيبِ لِلْمَرِيضِ لَا تَأْكُلْ عَسَلًا. (وَ) وَإِنْ حَلَفَ عَنْ شَيْءٍ (لَا يَطْعَمُهُ حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَمَصِّهِ) ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْأَكْلَ يَتَنَاوَلُ الشُّرْبَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] وَالْمَصُّ لَا يَخْلُو عَنْ كَوْنِهِ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا وَ (لَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَطْعَمُهُ (بِذَوْقِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ اللِّسَانَ فَلَيْسَ طَعَامًا، بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَيُجَاوِزَانِ الْحَلْقَ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ أَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُمَا) أَيْ: الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ (لَمْ يَحْنَثْ بِمَصِّ قَصَبِ سُكَّرٍ وَمَصِّ رُمَّانٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَكْلًا وَشُرْبًا؛ عُرْفًا، وَلَا يَحْنَثُ بِبَلْعِ ذَوْبِ سُكَّرٍ فِي فِيهِ بِحَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 سُكَّرًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَصِّ الْقَصَبِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ) مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا، فَتَرَكَهُ فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَ وَابْتَلَعَهُ (لِأَنَّ ذَوْبَهُ) كَذَلِكَ (هُوَ أَكْلُهُ عُرْفًا) كَذَا قَالَ، وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَكْلًا حَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَائِعًا، فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ) حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى أَكْلًا، لِحَدِيثِ «كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ» . (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ مِنْ النَّهْرِ، أَوْ) حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْبِئْرِ (فَاغْتَرَفَ) مِنْ أَحَدِهِمَا (بِإِنَاءٍ وَشَرِبَ) مِنْهُ، (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا آلَةَ شُرْبٍ عَادَةً، بَلْ الشُّرْبُ مِنْهُمَا عُرْفًا بِالِاغْتِرَافِ بِالْيَدِ أَوْ الْإِنَاءِ وَ (لَا) يَحْنَثُ (إنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْكُوزِ) فَصَبَّ مِنْهُ فِي إنَاءٍ وَشَرِبَهُ (لِأَنَّ الْكُوزَ آلَةُ شُرْبٍ) ، فَالشُّرْبُ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْكَرْعِ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ. (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ حَنِثَ بِثَمَرَتِهَا) إنْ أَكَلَهَا (فَقَطْ) دُونَ وَرَقِهَا وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يَتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ فَاخْتَصَّ الْيَمِينُ بِهَا (وَلَوْ لَقَطَهَا مِنْ تَحْتِهَا) أَوْ أَكَلَهَا فِي إنَاءٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّجَرَةِ (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ: حِنْثُ مِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ بِأَكْلِ ثَمَرَتِهَا (فِيمَا) أَيْ: شَجَرَةٍ (لَهَا ثَمَرٌ) أَيْ: مِنْ شَأْنِهَا أَنَّهَا تُثْمِرُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُثْمِرَةً إذْ ذَاكَ (وَإِلَّا) تَكُنْ ذَاتَ ثَمَرٍ كَغَالِبِ الشَّجَرِ الْبَرِّيِّ الَّذِي يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ (حَنِثَ حَالِفٌ بِأَكْلِ وَرَقِهَا وَغُصْنِهَا) لِصِدْقِهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ لَا يَعُمُّ وَلَدًا وَلَبَنًا) ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَجْزَائِهَا، قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ (وَفِي الْقَوَاعِدِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ حَنِثَ بِأَكْلِ لَبَنِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ عَادَةً إلَّا اللَّبَنُ (وَيَتَّجِهُ وَهُوَ) أَيْ: حِنْثُهُ (بِأَكْلِ لَبَنِهَا أَصَحُّ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 402 لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ ذَاتِهَا، فَيَصْدُقُ عَلَى مَنْ أَكَلَ مِنْ لَبَنِهَا أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مَوْجُودًا مُسْتَتِرًا فِي ضَرْعِهَا حَالَ الْحَلِفِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ مِمَّا اشْتَرَى فُلَانٌ فَأَكَلَ مِنْ لَبَنِهِ أَوْ بَيْضِهِ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُ (وَإِنْ قَالَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ، فَأَكَلَ مِنْ لَبَنِهِ أَوْ بَيْضِهِ لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا، فَلَبِسَ ثَوْبًا أَوْ دِرْعًا أَوْ جَوْشَنًا) أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ عِمَامَةً أَوْ خُفًّا أَوْ نَعْلًا، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا كَالثِّيَابِ، «وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إنَّكَ تَلْبَسُ هَذِهِ النِّعَالَ، قَالَ إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُهَا» . لَكِنَّهُ إنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْخُفِّ أَوْ النَّعْلِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَابِسًا عُرْفًا (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا حَنِثَ كَيْفَ لَبِسَهُ، وَلَوْ تَعَمَّمَ بِهِ، أَوْ ارْتَدَى بِسَرَاوِيلَ) حَلَفَ لَا يَلْبَسُهَا (أَوْ اتَّزَرَ بِقَمِيصٍ) حَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَ وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِطَيِّهِ وَتَرْكِهِ عَلَى رَأْسِهِ) مَطْوِيًّا (وَلَا بِنَوْمِهِ عَلَيْهِ، أَوْ تَدَثُّرِهِ) ، أَيْ: جَعْلِهِ دِثَارًا، أَوْ الْتِحَافِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لُبْسًا (وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ) أَيْ: جَعَلَهُ مَكَانَ الرِّدَاءِ (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدِيَ، لَابِسٌ (وَلَا يَحْنَثُ إنْ اتَّزَرَ بِهِ) بِأَنْ جَعَلَهُ مَكَانَ الْإِزَارِ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا، فَلَبِسَ حِلْيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ، أَوْ لَبِسَ مِنْطَقَةً مُحَلَّاةً) بِذَلِكَ، أَوْ لَبِسَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَلَوْ فِي غَيْرِ خِنْصَرٍ، أَوْ) لَبِسَ (دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي مُرْسَلَةٍ) ، أَيْ: مِخْنَقَةٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ أَوْ جَوْهَرٍ وَحْدَهُ (حَنِثَ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 403 {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12] {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: 23] وَلِأَنَّ الْفِضَّةَ حُلِيٌّ إذَا كَانَتْ سِوَارًا أَوْ خَلْخَالًا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ خَاتَمًا، وَلِأَنَّ اللُّؤْلُؤَ وَالْجَوْهَرَ حُلِيٌّ مَعَ غَيْرِهِ، فَكَانَ حُلِيًّا وَحْدَهُ كَالذَّهَبِ وَ (لَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا إنْ لَبِسَ (عَقِيقًا أَوْ سَيْحًا أَوْ حَرِيرًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حُلِيًّا كَخَرَزِ الزُّجَاجِ (وَلَا إنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً، فَلَبِسَهَا فِي رِجْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِبْسًا لَهَا. (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، أَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ، أَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ - حَنِثَ بِمَا جَعَلَهُ) فُلَانٌ (لِعَبْدِهِ) مِنْ دَارٍ وَدَابَّةٍ وَثَوْبٍ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ سَيِّدِهِ (أَوْ بِمَا أَجَرَهُ) فُلَانٌ مِنْ هَذِهِ (أَوْ اسْتَأْجَرَهُ) مِنْهَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِ لِلْمُؤَجِّرِ وَكَمِلْكِ مَنَافِعِ مَا اسْتَأْجَرَهُ وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِمَا اسْتَعَارَهُ) فُلَانٌ مِنْ هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ، بَلْ الْإِعَارَةُ إبَاحَةٌ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَسْكَنَهُ) أَيْ: فُلَانٍ (حَنِثَ بِمُسْتَأْجَرٍ) يَسْكُنُهُ وَبِمُسْتَعَارٍ يَسْكُنُهُ (وَبِمَغْصُوبٍ يَسْكُنُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَسْكَنُهُ، وَ (لَا) يَحْنَثُ بِدُخُولِ (مِلْكِهِ الَّذِي لَا يَسْكُنُهُ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى مَسْكَنِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَسْكَنًا لَهُ (وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مِلْكَهُ، لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِ مُسْتَأْجَرٍ وَلَا مُسْتَعَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ عَبْدِ فُلَانٍ حَنِثَ بِمَا جَعَلَ) مِنْ الدَّوَابِّ بِرَسْمِهِ أَيْ: الْعَبْدِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ (كَحِنْثِهِ) بِحَلِفِهِ (لَا يَرْكَبُ رَحْلَ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَوْ لَا يَبِيعُهُ) إذَا رَكِبَ أَوْ بَاعَ مَا جَعَلَ رَحْلًا لَهَا. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارًا مُعَيَّنَةً فَدَخَلَ سَطْحَهَا) حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ (أَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَابَهَا فَحَوَّلَ الْبَابَ وَدَخَلَهُ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْمُحْدَثَ هُوَ بَابُهَا (وَلَا يَحْنَثُ إنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ) ؛ لِأَنَّ الدَّارَ عُرْفًا مَا يَغْلِقُ عَلَيْهِ بَابَهَا، وَطَاقُ الْبَابِ خَارِجٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهَا (أَوْ وَقَفَ عَلَى حَائِطِهَا) فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دُخُولًا كَمَا لَوْ تَعَلَّقَ بِغُصْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 404 شَجَرَةٍ خَارِجَ الدَّارِ وَأَصْلُهَا بِهَا، فَإِنْ صَعِدَ عَلَى الشَّجَرَةِ حَتَّى صَارَ فِي مُقَابَلَةِ سَطْحِهَا بَيْنَ حِيطَانِهَا - حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ كَمَا لَوْ أَقَامَ عَلَى سَطْحِهَا أَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ فِي غَيْرِ الدَّارِ، فَتَعَلَّقَ بِفَرْعٍ مَادٍّ عَلَى الدَّارِ مُقَابَلَةَ سَطْحِهَا - حَنِثَ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَخْرُجَنَّ مِنْهَا فَصَعِدَ سَطْحَهَا، لَمْ يَبَرَّ) ؛ لِأَنَّ سَطْحَهَا مِنْهَا (وَإِنْ) حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَصَعِدَهُ، أَيْ: سَطْحَهَا (لَمْ يَحْنَثْ) ، فَإِنْ كَانَتْ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ عَمِلَ بِهَا. تَتِمَّةٌ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي الدَّارِ وَلَا يَطَؤُهَا، فَدَخَلَهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ حَافِيًا أَوْ مُنْتَعِلًا حَنِثَ. وَإِنْ حَلَفَ (لَا يُكَلِّمُ إنْسَانًا حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ إنْسَانٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ رَقِيقٍ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَيَعُمُّ (حَتَّى) بِقَوْلِهِ لَهُ (تَنَحَّ أَوْ اُسْكُتْ) أَوْ زَجَرَهُ بِكُلِّ لَفْظٍ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ فَيَدْخُلُ فِيمَا حَلَفَ عَلَى عَدَمِهِ وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِسَلَامٍ مِنْ صَلَاةٍ صَلَّاهَا إمَامًا) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ كَالتَّكْبِيرَةِ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا كَلَّمْت زَيْدًا، فَكَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ حَنِثَ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] وَحَدِيثُ «مَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامُ اللَّهِ» (مَا لَمْ يَنْوِ حَالِفٌ مُشَافَهَتَهُ) (بِالْكَلَامِ) ، فَلَا يَحْنَثُ بِالْمُكَاتَبَةِ وَلَا الْمُرَاسَلَةِ، لِعَدَمِ الْمُشَافَهَةِ فِيهِمَا وَ (لَا) يَحْنَثُ (إذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ (فِي صَلَاةٍ، فَفَتَحَ عَلَيْهِ) . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا لَهُ، وَلَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ، قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ فَسَمِعَ الْقُرْآنَ حَنِثَ إجْمَاعًا (وَإِنْ حَلَفَ لَا بَدَأْته بِكَلَامٍ، فَتَكَلَّمَا مَعًا لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْدَأْهُ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ بِهِ، (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا كَلَّمْته) ، أَيْ: فُلَانًا (حَتَّى يُكَلِّمَنِي أَوْ حَتَّى يَبْدَأَنِي بِكَلَامٍ فَتَكَلَّمَا مَعًا حَنِثَ) لِمُخَالَفَتِهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا كَلَّمْته حِينًا أَوْ) حَلَفَ لَا كَلَّمْته (الزَّمَانَ وَلَا نِيَّةَ) لِحَالِفٍ تَخُصُّ مَنْ قَدَّرَ مُعَيَّنًا (وَ) الْمُدَّةُ (سِتَّةُ أَشْهُرٍ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَوْلَى لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25] إنَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 405 عِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالزَّمَانُ مُعَرَّفًا، فِي مَعْنَاهُ (وَ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْت زَيْدًا (زَمَنًا أَوْ أَمَدًا أَوْ دَهْرًا أَوْ بَعِيدًا أَوْ مَلِيًّا أَوْ عُمْرًا أَوْ طَوِيلًا أَوْ حُقُبًا بِضَمِّ الْقَافِ أَوْ وَقْتًا فَالْمُدَّةُ أَقَلُّ زَمَانٍ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا حَدَّ لَهَا لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا، بَلْ تَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى أَقَلَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ، وَقَدْ يَكُونُ الْبَعِيدُ قَرِيبًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ وَبِالْعَكْسِ، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالتَّحَكُّمِ. (وَ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْته (الْعُمُرَ) مُعَرَّفًا أَوْ حَلَفَ لَا كَلَّمْتُهُ الْأَبَدَ مُعَرَّفًا (أَوْ) حَلَفَ لَا كَلَّمْتُهُ (الدَّهْرَ) مُعَرَّفًا، فَذَلِكَ كُلُّ الزَّمَانِ حَمْلًا لِأَلْ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لِتَبَادُرِهِ (وَ) الْحُقْبُ مُعَرَّفًا بِسُكُونِ الْقَافِ، (ثَمَانُونَ سَنَةً) جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ (وَ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْته أَشْهُرًا، أَوْ لَا كَلَّمْته شُهُورًا، أَوْ لَا كَلَّمْته أَيَّامًا، فَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ أَيَّامٍ فِي الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ، وَالزَّائِدُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنْ عَيَّنَ بِحَلِفِهِ أَيَّامًا تَبِعَهَا اللَّيَالِي (وَيَدْخُلُ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ: الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ (مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَإِنْ عَيَّنَ أَيَّامًا تَبِعَتْهَا اللَّيَالِي. (وَ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْته (إلَى الْحَصَادِ أَوْ) إلَى الْجِذَاذِ، فَإِنَّهُ تَنْتَهِي مُدَّةُ حَلِفِهِ (إلَى أَوَّلِ مُدَّتِهِ) أَيْ الْحَصَادِ أَوْ الْجِذَاذِ؛ لِأَنَّ " إلَى " لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، فَلَا تَدْخُلُ مُدَّتُهَا فِي حَلِفِهِ. (وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ أَوَّلِ مُدَّةِ الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ (بِبَلَدِ حَالِفٍ) فَلَا اعْتِبَارَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ بِبَلَدِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْقُرْبِ مِنْهُ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يُعْتَبَرُ) ابْتِدَاءُ الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ بِبَلْدَةٍ كَانَ فِيهَا الْحَالِفُ (حَالَ حَلِفٍ، لَا) حَالَ (حِنْثٍ) ، فَلَوْ حَلَفَ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي مِصْرَ مَثَلًا: لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا إلَى الْحَصَادِ أَوْ الْجِذَاذِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الشَّام، وَكَلَّمَهُ قَبْلَ وُقُوعِ ذَلِكَ فِيهَا بِشَهْرٍ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَلَّمَهُ بَعْدَ وُقُوعِ ذَلِكَ بِمِصْرَ، فَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ بِشُرُوعِ أَهْلِ مِصْرَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْرَعُونَ فِي الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ قَبْلَ أَهْلِ الشَّامِ بِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ ضَرُورَةً، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406 وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْت زَيْدًا (الْحَوْلَ) فَمُدَّةُ حَلِفِهِ (حَوْلٌ) كَامِلٌ مِنْ الْيَمِينِ (لَا تَتِمَّتُهُ) إنْ حَلَفَ فِي أَثْنَاءِ حَوْلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ. (وَيَتَّجِهُ بَلْ) حُكْمُ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا لِحَوْلٍ (كَتَفْصِيلِ طَلَاقٍ) فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الشَّهْرَ أَوْ الْحَوْلَ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِمُضِيِّهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وُقُوعَهُ فِي الْحَالِ، فَيَقَعُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ غَايَةً لِلْوُقُوعِ - وَلَا غَايَةَ لِآخِرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَجْعَلَ غَايَةً لِأَوَّلِهِ، وَلِأَنَّ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَقَّتًا لِإِيقَاعِهِ فَلَمْ يَقَعْ بِالشَّكِّ، وَأَمَّا إذَا نَوَى وُقُوعَهُ فِي الْحَالِ، فَيَقَعُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ، وَلَفْظُهُ يَحْتَمِلُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ قَالَ لِمَنْ دَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] يَقْصِدُ الْقُرْآنَ وَتَنْبِيهَهُ، لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عُرْفًا كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ خَاصَّةً، لِحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ، وَقَدْ أَحْدَثَ أَلَّا تَتَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ» . وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407 فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ، وَقَالَ تَعَالَى: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} [آل عمران: 41] ، وَلِأَنَّ مَا لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ بِهِ خَارِجَهَا (وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ) بِقَوْلِهِ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] (الْقُرْآنَ - حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ (وَيَتَّجِهُ اعْتِبَارُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ) لَا فِي الْحِنْثِ وَأَنَّهُ، أَيْ: الْمُبْطِلُ لِلصَّلَاةِ (خَاصٌّ بِمَا) ، أَيْ: لَفْظٍ يُخَاطِبُ بِهِ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، (وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَهَذَا) الْمَذْكُورِ (وَنَحْوِ) قَوْله تَعَالَى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] وَقَوْلِهِ: {يَا مُوسَى لا تَخَفْ} [النمل: 10] وَقَوْلِهِ: {آتِنَا غَدَاءَنَا} [الكهف: 62] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْخِطَابِ (بِخِلَافِ نَحْوِ قَوْلِهِ: {حم} [الزخرف: 1] {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الزخرف: 2] وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ} [القمر: 54] وَقَوْلِهِ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] ، (فَلَا يَحْنَثُ) بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَشْبَاهِهِ (وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ) أَيْضًا (وَلَوْ قَصَدَ التَّنْبِيهَ خَاصَّةً، بِدَلِيلِ مَنْ سَهَا إمَامُهُ أَوْ اُسْتُؤْذِنَ فَسَبَّحَ بِهِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَحَقِيقَةُ الذِّكْرِ مَا نَطَقَ) ، أَيْ: حَرَّكَ لِسَانَهُ (بِهِ) وَلَوْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ بِهِ (فَلَا يَبَرُّ بِدُونِهِ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْطِقُ بِهِ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408 (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا مِلْكَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِدَيْنٍ) لَهُ، لِاخْتِصَاصِ الْمِلْكِ بِالْأَعْيَانِ الْمَالِيَّةِ، وَالدَّيْنُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْمِلْكُ فِيمَا يَقْبِضُهُ مِنْهُ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا مَالَ لَهُ أَوْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَالًا حَنِثَ حَتَّى بِمِلْكِ مَالٍ غَيْرِ زَكَوِيٍّ، وَبِدَيْنٍ لَهُ، وَضَائِعٍ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ عَوْدِهِ وَمَغْصُوبٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا تَنَاوَلَهُ النَّاسُ عَادَةً لِطَلَبِ الرِّبْحِ مِنْ الْمَيْلِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ، وَمِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ، سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا لِقَوْلِ عُمَرَ: أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «خَيْرُ الْمَالِ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ، أَوْ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ» . وَالسِّكَّةُ الطَّرِيقَةُ مِنْ النَّخْلِ الْمُصْطَفَّةُ، وَالتَّأْبِيرُ التَّلْقِيحُ وَقِيلَ: السِّكَّةُ سِكَّةُ الْحَرْثِ. وَأَمَّا حِنْثُهُ بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ مَالٌ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ حَوْلُ الزَّكَاةِ، وَيَصِحُّ إخْرَاجُهَا عَنْهُ، وَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ وَالْحَوَالَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ عَنْهُ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، وَالتَّوْكِيلُ فِي اسْتِيفَائِهِ، وَأَمَّا حِنْثُهُ بِالضَّائِعِ الَّذِي لَمْ يَيْأَسْ مِنْ عَوْدِهِ وَبِالْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِهِ، فَحَنِثَ بِهِ، وَلَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ أَوْ (لَا) يَمْلِكُ مَالًا (بِمُسْتَأْجَرٍ وَلَا بِوَاجِبِ حَقِّ شُفْعَةٍ) قَبْلَ أَخْذِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى (مَالًا) عُرْفًا. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَضْرِبَنَّهُ بِمِائَةٍ، فَجَمَعَهَا وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً بَرَّ) ؛ لِأَنَّهُ ضَرَبَهُ بِالْمِائَةِ، وَ (لَا) يَبَرُّ (إنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةً) فَجَمَعَهَا وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً (وَلَوْ آلَمَهُ) بِهَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ يَمِينِهِ أَنْ يَضْرِبَهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ لِيَتَكَرَّرَ أَلَمُهُ بِتَكْرَارِ الضَّرْبِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَهُ مِائَةً بِسَوْطٍ وَاحِدٍ بَرَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَوْ عَادَ الْعَدَدُ إلَى السَّوْطِ لَمْ يَبَرَّ بِالضَّرْبِ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ بِمِائَةِ سَوْطٍ، وَلِأَنَّ السَّوْطَ هُنَا آلَةٌ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَصْدَرِ، وَانْتَصَبَ انْتِصَابَهُ، فَمَعْنَى كَلَامِهِ لَأَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ بِسَوْطٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِ، وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ، فَلَا يَبَرُّ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، أَمَّا أَيُّوبُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّ اللَّه - تَعَالَى - أَرْخَصَ لَهُ رِفْقًا بِامْرَأَتِهِ لِبِرِّهَا بِهِ وَإِحْسَانِهَا إلَيْهِ، لِيَجْمَعَ لَهُ بَيْنَ بِرِّهِ فِي يَمِينِهِ وَرِفْقِهِ بِامْرَأَتِهِ، وَلِذَلِكَ امْتَنَّ عَلَيْهَا بِهَذَا، وَذَكَرَهُ فِي جُمْلَةِ مَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ مِنْ مُعَافَاتِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 409 إيَّاهُ مِنْ بَلَائِهِ وَإِخْرَاجِ الْمَاءِ لَهُ، فَيَخْتَصُّ هَذَا بِهِ كَاخْتِصَاصِهِ بِمَا ذُكِرَ مَعَهُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ عَامًّا لِكُلِّ أَحَدٍ لَمَا خَصَّ أَيُّوبَ بِالْمِنَّةِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ الَّذِي يَخَافُ تَلَفَهُ رَخَّصَ لَهُ بِذَلِكَ فِي الْحُدُودِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَدَّهُ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْحَدِّ الَّذِي وَرَدَ النَّصُّ بِهِ، فَلَأَنْ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى الْيَمِينِ أَوْلَى. [فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا] فَصْلٌ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا) ، أَيْ: امْرَأَةٍ عَيَّنَهَا (وَعَلَيْهِ مِنْهُ) فَاسْتَدَامَهُ حَنِثَ نَصًّا؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ لُبْسٌ، وَلِهَذَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى ذَكَرٍ أَحْرَمَ فِي مِخْيَطٍ وَاسْتَدَامَهُ، (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَلْبَسُ أَوْ لَا يَقُومُ أَوْ لَا يَقْعُدُ أَوْ لَا يُسَافِرُ) وَاسْتَدَامَ ذَلِكَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ رَكِبْتُ يَوْمًا، وَلَبِسْتُ يَوْمًا، وَقُمْتُ يَوْمًا، وَقَعَدْتُ يَوْمًا، وَسَافَرْتُ شَهْرًا. (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَطَأُ) وَاسْتَدَامَ ذَلِكَ، حَنِثَ، لِمَا سَبَقَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يُمْسِكُ) شَيْئًا هُوَ مَاسِكُهُ، وَاسْتَدَامَ ذَلِكَ حَنِثَ، لِوُجُودِ الْإِمْسَاكِ، وَلِذَلِكَ مَنْ أَحْرَمَ وَبِيَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ، صَيْدٌ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يُشَارِكُ) وَاسْتَدَامَ الشَّرِكَةَ حَنِثَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَطُوفُ) أَوْ لَا يَسْعَى (وَهُوَ كَذَلِكَ) ، أَيْ: مُتَلَبِّسٌ بِهِ، وَاسْتَدَامَ ذَلِكَ، حَنِثَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ دَاخِلُهَا) وَدَامَ حَنِثَ إذْ اسْتِدَامَةُ الْمُقَامِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَابْتِدَائِهِ فِي التَّحْرِيمِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يُضَاجِعُهَا عَلَى فِرَاشٍ فَضَاجَعَتْهُ، وَدَامَ كَذَلِكَ) حَنِثَ بِالِاسْتِدَامَةِ كَالِابْتِدَاءِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، فَدَخَلَ فُلَانٌ) بَيْتًا (فَأَقَامَ مَعَهُ حَنِثَ) قِيَاسًا عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا. وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ يَنْقَضِي وَيَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ كَالْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ وَاسْتَدَامَ حَنِثَ (مَا لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 410 تَكُنْ) لِحَالِفٍ (نِيَّةٌ) كَأَنْ نَوَى لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا غَيْرَ مَا هُوَ لَابِسُهُ أَوْ غَيْرَ هَذَا الْيَوْمَ، أَوْ لَا يُسَافِرُ أَوْ لَا يَطَأُ غَيْرَ هَذِهِ الْمَرَّةِ، فَيَرْجِعُ إلَى نِيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ فَإِلَى سَبَبِ الْيَمِينِ إنْ كَانَ. (وَكَذَا) إنْ حَلَفَ (لَا يَصُومُ) وَاسْتَدَامَ الصِّيَامَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَحُجُّ وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ: مُتَلَبِّسٌ بِمَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ مِمَّا سَبَقَ وَدَامَ حَنِثَ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: صَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَحُجُّ وَلَا يَعْتَمِرُ - حَنِثَ بِإِحْرَامٍ، وَلَا يَصُومُ، حَنِثَ بِشُرُوعٍ صَحِيحٍ، وَلَوْ كَانَ حَالَ حَلِفِهِ صَائِمًا أَوْ حَاجًّا فَاسْتَدَامَ، لَمْ يَحْنَثْ انْتَهَى. وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ أَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْمُنْتَهَى. وَ (لَا) يَحْنَثُ (إنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ أَوْ لَا يَتَطَيَّبُ فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفِعْلِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا يُطْلَقُ عَلَى مُسْتَدِيمِهَا، فَلَا يُقَالُ تَزَوَّجْتُ أَوْ تَطَهَّرْتُ أَوْ تَطَيَّبْتُ شَهْرًا، بَلْ مُنْذُ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا انْقَضَى فَلَا يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ، وَالْبَاقِي أَثَرُهُ، وَلَمْ يُنَزِّلْ الشَّرْعُ اسْتِدَامَةَ التَّزْوِيجِ وَالطِّيبِ مَنْزِلَةَ ابْتِدَائِهِمَا فِي الْإِحْرَامِ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَسْكُنُ دَارَ كَذَا، أَوْ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَهُوَ سَاكِنٌ مَعَهُ أَوْ مُسَاكِنٌ لَهُ فَأَقَامَ فَوْقَ زَمَنٍ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ فِيهِ عَادَةً نَهَارًا بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ الْمَقْصُودِ، حَنِثَ) بِالِاسْتِدَامَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ السَّكَنِ سُكْنَى إلَّا أَنْ يُقِيمَ لِنَقْلِ مَتَاعِهِ وَأَهْلِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ وَإِنْ تَرَدَّدَ إلَى الدَّارِ لِنَقْلِ الْمَتَاعِ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ، لَمْ يَحْنَثْ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَيْسَ سُكْنَى، وَلَوْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ خَرَجَ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ إلَى أَنْ يُمْكِنَهُ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَإِزَالَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا، فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ النَّهْيِ، وَيَكُونُ خُرُوجُهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، لَا لَيْلًا، فَلَوْ كَانَ ذَا مَتَاعٍ كَثِيرٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 411 فَنَقَلَهُ قَلِيلًا عَلَى الْعَادَةِ بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُ النَّقْلَ الْمُعْتَادَ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ أَيَّامًا لِلْحَاجَةِ. (وَلَا يَلْزَمُهُ جَمْعُ دَوَابِّ الْبَلَدِ لِنَقْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْضًا (النَّقْلُ وَقْتَ اسْتِرَاحَةٍ عِنْدَ تَعَبٍ وَأَوْقَاتِ صَلَاةٍ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُعْتَادِ، وَإِنْ خَرَجَ دُونَ مَتَاعِهِ الْمَقْصُودِ بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ. فَائِدَةٌ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ مُدَّةَ كَذَا - وَنِيَّتُهُ بِحَلِفِهِ ذَلِكَ نَفْسُهُ دُونَ أَهْلِهِ خَرَجَ مِنْهَا بِنَفْسِهِ وَمَا يَتَأَثَّثُ بِهِ، وَيَسْتَعْمِلُهُ مِنْ مَتَاعِهِ مُنْفَرِدًا عَنْ أَهْلِهِ الَّذِينَ فِي الدَّارِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (وَلَوْ بَنَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ حَاجِزًا - وَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ حَنِثَ) لِتَسَاكُنِهِمَا قَبْلَ انْتِهَاءِ بِنَاءِ الْحَاجِزِ، (وَلَا يَحْنَثُ إنْ أَوْدَعَ مَتَاعَهُ أَوْ أَعَادَهُ أَوْ مَلَكَهُ) لِغَيْرِهِ بِلَا حِيلَةٍ، (أَوْ لَمْ يَجِدْ مِسْكِينًا) يَنْتَقِلُ إلَيْهِ، (أَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَنْقُلُهُ) ، أَيْ: مَتَاعَهُ (بِهِ أَوْ أَبَتْ زَوْجَتُهُ الْخُرُوجَ مَعَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ إجْبَارُهَا وَلَا النُّقْلَةُ بِدُونِهَا) فَأَقَامَ (مَعَ نِيَّةِ النُّقْلَةِ) إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا، (أَوْ أَمْكَنَتْهُ) نَقَلَهُ (بِدُونِهَا) ، أَيْ: زَوْجَتِهِ (فَخَرَجَ وَحْدَهُ) لِوُجُودِ مَقْدُورِهِ مِنْ النُّقْلَةِ، وَكَذَا إنْ كَانَ الْحَلِفُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فِي وَقْتٍ لَا يَجِدُ مَنْزِلًا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ، أَوْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنْزِلِ الَّذِي يُرِيدُ التَّحَوُّلَ إلَيْهِ أَبْوَابٌ مُغْلَقَةٌ لَا يُمْكِنُهُ فَتْحُهَا، أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ، فَأَقَامَ فِي طَلَبِ النُّقْلَةِ أَوْ انْتِظَارِ زَوَالِ الْمَانِعِ، أَوْ خَرَجَ طَالِبًا لِلنُّقْلَةِ، فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَجِدْ بَهَائِمَ يَنْقُلُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُمْكِنْهُ النُّقْلَةَ بِدُونِهَا، فَأَقَامَ نَاوِيًا لِلنُّقْلَةِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا، لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ أَقَامَ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ عِنْدَهُ غَيْرُ اخْتِيَارٍ مِنْهُ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ النُّقْلَةِ كَالْمُقِيمِ لِلْإِكْرَاهِ، فَلَوْ أَمْكَنَتْهُ النُّقْلَةُ بِحَمَّالِينَ بِلَا بَهَائِمَ، أَوْ أَقَامَ غَيْرَ نَاوٍ لِلنُّقْلَةِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا - حَنِثَ، (جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ أَوْ كَانَ بِالدَّارِ حُجْرَتَانِ لِكُلِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 412 حُجْرَةٍ) أَيْ: مَسْكَنٍ (بَابٌ وَمِرْفَقٌ) أَيْ: مِرْحَاضٌ يَخْتَصُّ بِهَا (فَسَكَّنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ حُجْرَةً، وَلَا نِيَّةَ) لِحَالِفٍ تَمْنَعُ ذَلِكَ (وَلَا سَبَبَ) لِيَمِينِهِ يَقْتَضِي مَنْعَهُ مِنْهُ (لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسَاكِنًا لَهُ، بَلْ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ رَجَعَ إلَيْهِ. (وَلَا) يَحْنَثُ (إنْ حَلَفَ عَلَى دَارٍ مُعَيَّنَةٍ لَا سَاكَنْته) ، أَيْ: فُلَانًا (بِهَا، وَهُمْ) ، أَيْ: الْحَالِفُ وَفُلَانٌ (غَيْرُ مُتَسَاكِنَيْنِ) عِنْدَ حَلِفٍ (فَبَنَيَا بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: الْمَوْضِعَيْنِ الَّذِي يُرِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَسْكُنَهُ (حَائِطًا، وَفَتَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ بَابًا وَسَكَنَاهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَاكِنْهُ. (وَإِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ) مِنْ هَذِهِ الدَّارِ (أَوْ حَلَفَ لَيَرْحَلَنَّ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، أَوْ حَلَفَ لَا يَأْوِي) فِي هَذِهِ الدَّارِ (أَوْ حَلَفَ لَا يَنْزِلُ فِيهَا) فَهُوَ كَحَلِفِهِ (لَا يَسْكُنُهَا) فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، (وَكَذَا) إذَا حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ أَوْ لَيَرْحَلَنَّ مِنْ هَذِهِ (الْبَلَدِ إلَّا أَنَّهُ يَبَرُّ بِخُرُوجِهِ) مِنْ الْبَلَدِ (وَحْدَهُ إذَا حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْهُ) ، أَيْ: الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ إذَنْ، بِخِلَافِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَخْرُجُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّاتٍ عَادَةً فَظَاهِرُ حَالِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَ ذَلِكَ الْمُعْتَادِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِخُرُوجِهِ وَحْدَهُ إذَا حَلَفَ لَيَرْحَلَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَلَدِ بَلْ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ الْمَقْصُودِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الدَّارِ، (وَلَا يَحْنَثُ بِعَوْدِهِ) إلَى الدَّارِ أَوْ الْبَلَدِ (إذَا حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ أَوْ لَيَرْحَلَنَّ مِنْ الدَّارِ) لَا إنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا (أَوْ مِنْ الْبَلَدِ وَخَرَجَ) ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِالْخُرُوجِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ) يَكُنْ هُنَاكَ (سَبَبٌ) يَقْتَضِي هِجْرَانَ مَا حَلَفَ عَلَى الرَّحِيلِ مِنْهُ (كَظُلْمٍ لَمْ يَزُلْ) فَيَحْنَثُ بِعَوْدِهِ. (وَالسَّفَرُ الْقَصِيرُ سَفَرٌ يَبَرُّ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَيُسَافِرَنَّ، وَيَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ) لِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّى السَّفَرِ (وَكَذَا النَّوْمُ الْيَسِيرُ) ، وَلَوْ لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ يَبَرُّ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَيَنَامَن، وَيَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ. (وَ) لَوْ حَلَفَ (لِيَأْكُلْنَ أَكْلَةً بِالْفَتْحِ) ، أَيْ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (لَمْ يَبَرَّ حَتَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 413 يَأْكُلَ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ أَكْلَةً) وَهِيَ الْمَرَّةُ مِنْ الْأَكْلِ (وَالْأُكْلَةُ بِالضَّمِّ اللُّقْمَةُ) وَمِنْهُ حَدِيثُ «فَلْيُنَاوِلْهُ فِي يَدِهِ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ» . (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَسْكُنُ الدَّارَ) أَوْ الْبَلَدَ (فَدَخَلَهَا، أَوْ كَانَ فِيهَا غَيْرَ سَاكِنٍ) كَالزَّائِرِ (فَدَامَ جُلُوسُهُ، لَمْ يَحْنَثْ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الزِّيَارَةُ لَيْسَتْ بِسُكْنَى اتِّفَاقًا، وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارًا) أَوْ نَحْوَهَا (فَحُمِلَ وَأُدْخِلَهَا، وَأَمْكَنَهُ الِامْتِنَاعُ فَلَمْ يَمْتَنِعْ) حَنِثَ، لِدُخُولِهِ غَيْرَ مُكْرَهٍ، وَمَتَى دَخَلَهَا بَعْدَ اخْتِيَارٍ - حَنِثَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَسْتَخْدِمُ رَجُلًا) مَثَلًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا (فَخَدَمَهُ) الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (وَهُوَ) ، أَيْ: الْحَالِفُ (سَاكِنٌ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى خِدْمَتِهِ اسْتِخْدَامٌ لَهُ، وَلِهَذَا يُقَالُ: فُلَانٌ اسْتَخْدَمَ عَبْدَهُ إذَا خَدَمَهُ وَلَوْ بِلَا أَمْرِهِ. (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) ، أَيْ: الْمُكْرَهَ (الِامْتِنَاعُ لَمْ يَحْنَثْ) نَصًّا؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ، (وَيَحْنَثُ مَنْ أُكْرِهَ بِالِاسْتِدَامَةِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ) ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الدُّخُولِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَائِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ مُخْتَارًا، وَمَتَى دَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ - حَنِثَ سَوَاءٌ كَانَ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا، أَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَاءٍ فَجَرَّهُ إلَيْهَا أَوْ سَبَحَ فِيهَا فَدَخَلَهَا، وَسَوَاءٌ دَخَلَ مِنْ بَابِهَا أَوْ تَسَوَّرَ حَائِطَهَا، أَوْ دَخَلَ مِنْ طَاقَةٍ فِيهَا، أَوْ نَقَبَ حَائِطَهَا وَدَخَلَ مِنْ ظَهْرِهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. . [فَصْلٌ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ هَذَا الْمَاءَ غَدًا] فَصْلٌ (وَمَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ هَذَا الْمَاءَ غَدًا) أَوْ فِي غَدٍ (أَوْ) حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ (فَتَلِفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْمَاءُ بِأَنْ أُرِيقَ وَنَحْوِهِ، أَوْ الْغُلَامُ بِأَنْ مَاتَ (قَبْلَ الْغَدِ أَوْ فِيهِ) ، أَيْ: الْغَدِ (قَبْلَ الشُّرْبِ أَوْ الضَّرْبِ - حَنِثَ حَالَ تَلَفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ فِي وَقْتِهِ بِلَا إكْرَاهٍ وَلَا نِسْيَانَ، وَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 414 مِنْ أَهْلِ الْحِنْثِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِاخْتِيَارٍ، (وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَحُجَّنَّ الْعَامَ فَلَمْ يَقْدِرْ لِمَرَضٍ أَوْ عَدَمِ نَفَقَةٍ) فَيَحْنَثُ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) لَوْ حَلَفَ (لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا، فَأَعْسَرَ) قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ أَوْ فِيهِ، أَوْ مَاتَ الْحَالِفُ، فَيَحْنَثُ لِلْيَأْسِ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَ (لَا) يَحْنَثُ (إنْ جُنَّ حَالِفٌ) لَيَفْعَلَنَّ كَذَا غَدًا أَوْ فِي غَدٍ (قَبْلَ الْغَدِ حَتَّى خَرَجَ الْغَدُ) ، أَيْ: الْمَجْنُونُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ فِعْلٌ وَلَا تَرْكٌ يُعْتَدُّ بِهِ، (وَإِنْ أَفَاقَ) مِنْ جُنُونِهِ (قَبْلَ خُرُوجِهِ، أَيْ: الْغَدِ حَنِثَ أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ) بِأَنْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ الْغَدِ يَسَعُهُ (أَوْ لَا) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا يَصِحُّ أَنْ يَنْسُبَ إلَيْهِ الْحِنْثَ، وَيَحْكُمَ بِحِنْثِهِ (مِنْ أَوَّلِ الْغَدِ) كَمَا لَوْ أَفَاقَ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ وَلَوْ لَمْ يَتَّسِعْ لِلْعَقْلِ ثُمَّ جُنَّ بَقِيَّتَهُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ مَا لَمْ يَتْلَفْ) مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ (حَالَ جُنُونِهِ) ، أَيْ: الْحَالِفِ، فَإِنْ أَفَاقَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْغَدِ وَوُجِدَ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ تَالِفًا، فَلَا يَحْنَثُ، لِتَعَذُّرِ فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ إغْمَاءً وَنَوْمًا) طَرَأَ عَلَى الْحَالِفِ (كَجُنُونٍ) لِفَقْدِهِ شُعُورَهُ بِطُرُوءِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ لِسُقُوطِ اخْتِيَارِهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) لَا يَحْنَثُ (إنْ مَاتَ حَالِفٌ قَبْلَ الْغَدِ أَوْ أُكْرِهَ) عَلَى تَرْكِ شُرْبِهِ أَوْ ضَرَبِهِ حَتَّى خَرَجَ الْغَدُ (وَإِنْ قَالَ:) وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ هَذَا الْمَاءَ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ غُلَامِي وَنَحْوَهُ (الْيَوْمَ، وَيَتَّجِهُ أَوْ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ الْيَوْمَ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى (فَأَمْكَنَهُ) فِعْلُ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ بِأَنْ مَضَى بَعْدَ يَمِينِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 415 مَا (يَتَّسِعُ لِفِعْلِهِ) فَتَلِفَ (مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ قَبْلَهُ) (حَنِثَ عَقِبَهُ) لِلْيَأْسِ مِنْ فِعْلِهِ بِتَلَفِهِ، وَقَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا، أَيْ: لِلْمُنْتَهَى مِنْ وَجْهٍ وَلِلْإِقْنَاعِ مِنْ وَجْهَيْنِ، فَصَاحِبُ الْمُنْتَهَى لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِطْلَاقِ هُنَا، وَعِبَارَتُهُ: " وَإِنْ قَالَ الْيَوْمَ فَأَمْكَنَهُ، فَتَلِفَ - حَنِثَ عَقِبَهُ ". وَصَاحِبُ الْإِقْنَاعِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِطْلَاقِ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِتَلَفِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَكُّنُهُ مِنْ فِعْلِهِ، وَعِبَارَتُهُ: " وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ هَذَا الْغُلَامَ أَوْ لِيَأْكُلْنَ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ، وَمَاتَ الْحَالِفُ حَنِثَ " وَنُصُوصُهُمْ تَأْبَى مَا قَالَاهُ مِنْ عَدَمِ الْإِطْلَاقِ، وَلَكِنَّهَا صَرِيحَةٌ بِظَاهِرِ الْإِقْنَاعِ مِنْ أَنَّهُ يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِتَلَفِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهِ. قَالَ فِي الْإِنْصَافِ لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا وَعَيَّنَ وَقْتًا أَوْ أَطْلَقَ، فَمَاتَ الْحَالِفُ، وَتَلِفَ، الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ وَقْتٌ يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِيهِ حَنِثَ، نَصَّ عَلَيْهِ كَإِمْكَانِهِ (وَلَا يَبَرُّ) مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ أَوْ يَوْمِ كَذَا (بِضَرْبِهِ قَبْلَ وَقْتٍ عَيَّنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ الْجُمُعَةَ فَصَامَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَمَحَلُّ هَذَا مَا لَمْ يَقْصِدْ عَدَمَ مُجَاوَزَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ (وَ) لَا يَبَرُّ بِضَرْبِهِ (مَيِّتًا) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْصَرِفُ لِضَرْبِهِ حَيًّا تَأْلِيمًا لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 416 (وَلِهَذَا لَا يَبَرُّ بِضَرْبٍ لَا يُؤْلِمُ) الْمَضْرُوبَ، (وَيَبَرُّ) الْحَالِفُ (بِضَرْبِهِ مَجْنُونًا) حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَلَّمُ مِنْ الضَّرْبِ كَالْعَاقِلِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ ضَرَبَ الْحَالِفُ كَذَلِكَ) ، أَيْ: لَوْ جُنَّ الْحَالِفُ وَضَرَبَ مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ، فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِيَمِينِهِ، إذْ الْمَقْصُودُ تَأْلِيمُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَقَدْ حَصَلَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ حَلَفَ لِرَبِّ حَقٍّ (لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا فَأَبْرَأَهُ) رَبُّ الْحَقِّ (الْيَوْمَ) ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ بِإِبْرَائِهِ مِنْ قَضَائِهِ أَشْبَهَ الْمُكْرَهَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَ الْيَمِينِ الْبَرَاءَةُ إلَيْهِ فِي الْغُدُوِّ، (وَقَدْ حَصَلَتْ) أَوْ أَخَذَ رَبُّ الْحَقِّ (عَنْهُ عَرَضًا) لِحُصُولِ الْإِيفَاءِ كَحُصُولِهِ بِجِنْسِ الْحَقِّ (أَوْ مُنِعَ الْحَالِفُ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ قَضَاءِ الْحَقِّ (كُرْهًا) بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ، فَلَا حِنْثَ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ فِعْلٍ فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ، (أَوْ مَاتَ) رَبُّ الْحَقِّ (فَقَضَاهُ) الْحَالِفُ (لِوَرَثَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ) لِقِيَامِ وَارِثِهِ فِي الْقَضَاءِ مَقَامَهُ كَوَكِيلِهِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا لَوْ غَابَ) مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ (فَدَفَعَهُ) ، أَيْ: الْحَقَّ (لِوَكِيلِهِ) أَيْ: وَكِيلِ رَبِّ الْحَقِّ (لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا) يَدْفَعْهُ لِوَكِيلِهِ، بِأَنْ أَبْقَاهُ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ جَعَلَهُ أَمَانَةً عِنْدَ مَنْ لَمْ يَسْتَأْمِنْهُ رَبُّ الْحَقِّ (حَنِثَ) الْحَالِفُ، لِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَقْضِيَنَّهُ) حَقَّهُ (عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ أَوْ مَعَ) رَأْسِهِ (أَوْ إلَى رَأْسِهِ أَوْ) إلَى اسْتِهْلَالِهِ (أَوْ عِنْدَ) رَأْسِ الشَّهْرِ (أَوْ مَعَ رَأْسِ الشَّهْرِ فَمَحَلُّهُ) أَيْ الْقَضَاءُ الَّذِي يُبَرِّئُهُ (عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخَرِ الشَّهْرِ) فَيَبَرُّ بِقَضَائِهِ فِيهِ (وَيَحْنَثُ) بِقَضَائِهِ (بَعْدَهُ) أَيْ: غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ، لِفَوَاتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ (وَلَا يَضُرُّ تَأَخُّرُ فَرَاغِ كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَعَدِّهِ وَذَرْعِهِ) لِكَثْرَتِهِ حَيْثُ شَرَعَ مِنْ الْغُرُوبِ، (وَ) لَا يَضُرُّ تَأَخُّرُ فَرَاغِ (أَكْلِهِ) إذَا حَلَفَ لَيَأْكُلْنَهُ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ وَنَحْوِهِ، وَشَرَعَ فِيهِ إذَا تَأَخَّرَ لِكَثْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ وَعَمَلًا بِالْعُرْفِ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى غَرِيمِهِ (لَا أَخَذْتَ حَقَّكَ الْحَالَّ مِنِّي، فَأُكْرِهَ عَلَى دَفْعِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 417 أَوْ أَخَذَهُ مِنْهُ حَاكِمٌ فَدَفَعَهُ لِغَرِيمِهِ فَأَخَذَهُ غَرِيمُهُ حَنِثَ) الْحَالِفُ نَصًّا لِحَلِفِهِ (لَا تَأْخُذُ حَقَّكَ عَلَيَّ) فَأَخَذَهُ لِوُجُودِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ اخْتِيَارًا، وَهُوَ الْأَخْذُ (لَا إنْ أُكْرِهَ قَابِضٌ) عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ فِعْلُ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ بِلَا حَقٍّ (وَلَا إنْ وَضَعَهُ) حَالِفٌ (بَيْنَ يَدَيْهِ) ، أَيْ: الْغَرِيمِ، أَوْ وَضَعَهُ (فِي حِجْرِهِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، وَلَمْ يَأْخُذْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمَحْلُوفُ عَلَى تَرْكِهِ، وَهُوَ الْأَخْذُ (إلَّا إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا أُعْطِيكَهُ) فَيَحْنَثُ بِوَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ فِي حِجْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ (لِبَرَاءَتِهِ) ، أَيْ: مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ (بِمِثْلِ هَذَا) الْفِعْلِ، أَيْ: الْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ فِي حِجْرِهِ (مِنْ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ وَأُجْرَةٍ وَزَكَاةٍ) وَنَحْوِهَا. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَدِينِهِ لَا فَارَقَتْنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك، فَفَارَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ طَوْعًا لَا كَرْهًا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَالِفٍ حَقَّهُ (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا حَصَلَ هُنَا فِرْقَةً وَقَدْ حَصَلَتْ طَوْعًا، وَإِنْ حَلَفَ لَافْتَرَقْنَا أَوْ لَا فَارَقْتُكَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك، فَهَرَبَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنْهُ حَنِثَ نَصًّا، لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ بِذَلِكَ (أَوْ فَلَّسَهُ حَاكِمٌ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْحَالِفِ (بِفِرَاقِهِ) فَفَارَقَهُ حَنِثَ لِمَا تَقَدَّمَ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِغَرَامَةٍ فَفَارَقَهُ لِعِلْمِهِ، بِوُجُوبِ فِرَاقِهِ لِعُسْرَتِهِ حَنِثَ لِمَا سَبَقَ. وَكَذَا إنْ أَبْرَأَهُ الْحَالِفُ مِنْ حَقِّهِ، فَفَارَقَهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ، فَفَارَقَهُ، أَوْ فَارَقَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ لَهُ فِي الْفِرْقَةِ، فَيَحْنَثُ، لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ قَضَاهُ الدَّيْنَ قَدْرَ حَقِّهِ، فَفَارَقَهُ ظَنًّا أَنَّهُ قَدْ وَفَّاهُ، فَخَرَجَ رَدِيئًا أَوْ مُسْتَحَقًّا فَكَنَاسٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، فَيَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ لَا فِي يَمِينٍ بِاَللَّهِ وَنَذْرٍ، وَلَا يَحْنَثُ (إذَا أُكْرِهَا) أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى فِرَاقِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَا يُنْسَبُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَوْ قَضَاهُ بِحَقِّهِ عَرَضًا) قَبْلَ فُرْقَتِهِ، لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ بِأَخْذِ الْعَرَضِ كَحُصُولِهِ بِجِنْسِ الْحَقِّ. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) أَعْطَاهُ الْعَرَضَ الْمَقْضِيَّ (بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ) كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 418 بِذِمَّتِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَقَضَاهُ عَنْهَا عَرَضًا يُسَاوِي ثَمَانِيَةً، وَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَلَا حَنِثَ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ وَهُوَ الْقَضَاءُ، لَا إنْ فَعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً عَلَى عَدَمِ الْحِنْثِ، إذْ الْحِيلَةُ لَا تُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ حُكْمِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَفِعْلُ وَكِيلِهِ) ، أَيْ: الْحَالِفِ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ وَنَظَائِرُهُ كَفِعْلِهِ (هُوَ، فَمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا، فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ فَفَعَلَهُ) الْوَكِيلُ (حَنِثَ) الْحَالِفُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُبَاشَرَةَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ وَكِيلِهِ كَفِعْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، (وَ) كَذَا (لَوْ) حَلَفَ (لَيَفْعَلَنَّ كَذَا فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ) بَرَّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُضَافُ إلَى الْمُوَكِّلِ فِيهِ وَالْآمِرِ بِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ فَأَمَرَ مَنْ حَلَقَهُ، (وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ زَيْدًا فَبَاعَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لَهُ) فَيَحْنَثُ، لِقِيَامِ وَكِيلِ زَيْدٍ مَقَامَهُ، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْحَالِفُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَاهُ لِزَيْدٍ (فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ حَتَّى فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ، وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ تَوَكَّلَ حَالِفٌ لَا يَبِيعُ وَنَحْوَهُ) كَلَا يَسْتَأْجِرَ فِي (بَيْعٍ) أَوْ فِي إجَارَةٍ، وَبَاعَ أَوْ اسْتَأْجَرَ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُضَافٌ إلَى مُوَكِّلِهِ دُونَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا إذَا (أَضَافَهُ لِمُوَكِّلِهِ) بِأَنْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي بِعْتُكَ هَذَا عَنْ مُوَكِّلِي فُلَانٍ وَنَحْوَهُ أَوْ لَا بِأَنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُضَافًا لِمُوَكَّلِهِ دُونَهُ. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ نِيَّةُ أَوْ سَبَبُ الْيَمِينِ الِامْتِنَاعَ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، فَيَحْنَثُ إذَنْ بِذَلِكَ. وَإِنْ حَلَفَ مَدِينٌ (لَا فَارَقْتُكَ حَتَّى أُوَفِّيك حَقَّكَ فَأُبْرِئَ) مَدِينُهُ مِنْهُ، لَمْ يَحْنَثْ بِفِرَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ يُوَفِّيهِ لَهُ (أَوْ أُكْرِهَ عَلَى فِرَاقِهِ) فَفَارَقَهُ (لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ، (وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَيْنًا) كَعَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ (فَوُهِبَتْ لَهُ) ، أَيْ: الْغَرِيمِ الْحَالِفِ (وَقَبِلَ الْهِبَةَ - حَنِثَ) بِفِرَاقِهِ؛ لِتَرْكِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 419 الْوَفَاءَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا يَحْنَثُ (إنْ أَقْبَضَهَا حَالِفٌ) لِرَبِّهَا قَبْلَ الْهِبَةِ ثُمَّ وَهَبَهُ إيَّاهَا ثُمَّ فَارَقَهُ لِحُصُولِ الْوَفَاءِ. وَإِنْ كَانَ حَلَفَ مَنْ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ الْحَقُّ لَا أُفَارِقُكَ وَلَك فِي قِبَلِي حَقٌّ فَأُبْرِئَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ وُهِبَ لَهُ الدَّيْنُ أَوْ الْعَيْنُ لَمْ يَحْنَثْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَقْبَضَهُ الْعَيْنَ قَبْلَ الْهِبَةِ أَوْ لَا، إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حَالَ الْفُرْقَةِ قِبَلَهُ حَقٌّ. وَقَدْرُ الْفِرَاقِ مَا عُدَّ فِرَاقًا كَفِرَاقٍ فِي بَيْعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَدَّ لَهُ حَدٌّ شَرْعًا فَرَجَعَ فِيهِ لِلْعُرْفِ كَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَكْفُلُ مَالًا فَكَفَلَ بَدَنًا، وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْمَالِ إنْ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْفُلْ مَالًا، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الْبَرَاءَةَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ. [بَابُ النَّذْرِ] ِ مَصْدَرُ نَذَرْتُ أَنْذِرُ بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا، يُقَالُ نَذَرَ دَمَ فُلَانٍ؛ أَيْ: أَوْجَبَ قَتْلَهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] ، وَقَوْلُهُ {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَيَتَعَيَّنُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ التَّبَرُّرِ. (وَالنَّذْرُ) فِي الشَّرْعِ (إلْزَامُ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا بِعِبَادَةٍ) لِحَدِيثِ عُمَرَ: «إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 420 أَوْفِ بِنَذْرِكَ» . وَلِأَنَّ نَذْرَ الْعِبَادَةِ لَيْسَ عِبَادَةَ (نَفْسَهُ) مَفْعُولُ إلْزَامٍ (لِلَّهِ تَعَالَى) مُتَعَلِّقٌ بِإِلْزَامٍ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (وَبِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ: الْإِلْزَامِ؛ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ، لِلَّهِ عَلَيَّ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ الْقَوْلِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ (شَيْئًا) مَفْعُولٌ ثَانٍ لِإِلْزَامٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ (الشَّيْءُ لَازِمًا بِأَصْلِ الشَّرْعِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَأْتِي؛ وَفِي " الْإِقْنَاعِ " وَالْمُنْتَهَى " " غَيْرُ لَازِمٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُمَا هُنَا غَيْرُ مُحَالٍ كَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَوَّى انْعِقَادُهُ وَلَا الْوَفَاءُ بِهِ؛ أَشْبَهَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ؛ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَيَأْتِي (فَلَا تَكْفِي نِيَّتُهُ) ؛ أَيْ: النَّاذِرِ النَّذْرَ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ كَالْيَمِينِ، لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِغَيْرِ الْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ انْعِقَادُهُ) أَيْ: النَّذْرِ (بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ) إذَا فُهِمَتْ مِنْهُ كَيَمِينِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَهُوَ) أَيْ: النَّذْرُ عَقْدُهُ وَالِالْتِزَامُ بِهِ (مَكْرُوهٌ، وَلَوْ عِبَادَةً) لِحَدِيثِ: «النَّذْرُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: لَا يَرُدُّ قَضَاءً وَلَا يَمْلِكُ بِهِ شَيْئًا مُحْدَثًا، قَالَ تَعَالَى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68] (بَلْ حَرَّمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ) وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيُصَلِّي النَّفَلَ كَمَا هُوَ أَيْ: لَا يَنْذُرُهُ ثُمَّ يُصَلِّيهِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْحَدِيثُ: (إيجَابُ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ، أَيْ: إذَا أَوْجَبَ الْمُؤْمِنُ عَلَى نَفْسِهِ، إيجَابًا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ بِنَذْرِهِ إيَّاهُ وَعَهْدِهِ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَطَلَبُ) حُصُولِ أَمْرٍ غَيْرِ حَاصِلٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ (وَسَوَاءٌ ذَلِكَ جَهْلٌ مِنْهُ أَوْ ظُلْمٌ) مَنْهِيٌّ عَنْهُ، إذْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَقَوْلُهُ: لَوْ ابْتَلَانِي اللَّهُ لَصَبَرْت وَنَحْوُ ذَلِكَ إنْ كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 421 وَعْدًا أَوْ الْتِزَامًا، فَنَذْرٌ، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ الْحَالِ فَفِيهِ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ، وَجَهْلٌ بِحَقِيقَةِ حَالِهَا انْتَهَى. (وَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ كَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ رَمَضَانَ) وَنَحْوِهِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": إنَّهُ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِكَفَّارَةِ يَمِينٍ إنْ تَرَكَهُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ فَفَعَلَهُ؛ فَإِنَّ النَّذْرَ كَالْيَمِينِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ إذَا نَذَرَهُ الْعَبْدُ، أَوْ عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ، أَوْ بَايَعَ عَلَيْهِ الرَّسُولَ أَوْ الْإِمَامَ، أَوْ تَحَالَفَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ تَقْتَضِي لَهُ وُجُوبًا ثَانِيًا غَيْرَ الْوُجُوبِ الثَّابِتِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ وَاجِبًا مِنْ وَجْهَيْنِ، وَيَكُونُ تَرْكُهُ مُوجِبًا لِتَرْكِ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ وَالْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ. هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ (فَيُكَفِّرُ نَاذِرٌ إنْ لَمْ يَصُمْهُ) ؛ أَيْ: مَا نَذَرَهُ مِنْ الْوَاجِبِ (كَحَلِفِهِ عَلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ رَمَضَانَ ثُمَّ لَمْ يَصُمْهُ؛ فَيُكَفِّرُ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا التَّغْلِبِيُّ، وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ لَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ فِي وَاجِبٍ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ الْتِزَامُ، (مَا) هُوَ لَازِمٌ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ: (لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمُحَالِ) لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَتَقَدَّمَ. [أَنْوَاعُ النَّذْرِ الْمُنْعَقِدَةُ سِتَّةٌ] (وَأَنْوَاعُ النَّذْرِ الْمُنْعَقِدَةُ سِتَّةٌ) (أَحَدُهَا) : النَّذْرُ (الْمُطْلَقُ) كَقَوْلِهِ (لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ) ، أَوْ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ تُخَصَّصُ بِمَحَلٍّ أَوْ زَمَنٍ، وَفِعْلِهِ؛ أَيْ: مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ نَذْرَهُ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةَ يَمِينٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. النَّوْعُ (الثَّانِي نَذْرُ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ، وَهُوَ تَعْلِيقُهُ) ؛ أَيْ: النَّذْرِ بِهِ (بِشَرْطِ قَصْدِ الْمَنْعِ مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ) أَوْ بِقَصْدِ الْحَمْلِ؛ أَيْ: الْحَثِّ عَلَيْهِ، وَالتَّصْدِيقِ إذَا كَانَ خَبَرًا. فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ: (إنْ كَلَّمْتُك فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الصَّوْمُ سَنَةً، أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 422 أَوْ، أَيْ: وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ (إنْ لَمْ أُخْبِرْكَ بِكَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الْعِتْقُ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْفِعْلِ، أَيْ: فِعْلِ مَا الْتَزَمَهُ أَوْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ) لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا نَذْرَ فِي غَضَبٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ فَيُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى (وَلَا يَضُرُّ قَوْلُهُ) فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ (عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُلْزِمُ بِذَلِكَ) الْمَنْذُورِ كَمَالِكٍ (أَوْ قَوْلِهِ لَا أُقَلِّدُ وَمَنْ يَرَى الْكَفَّارَةَ وَنَحْوَهُ) لِأَنَّهُ تَوْكِيدٌ وَالشَّرْعُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ (وَمَنْ عَلَّقَ صَدَقَةَ شَيْءٍ بِبَيْعِهِ، وَعَلَّقَهَا آخَرُ بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ، كَفَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ) نَصًّا، كَمَا لَوْ حَلَفَا عَلَيْهِ، وَحَنِثَ قَالَ فِي: شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: إنْ تَصَدَّقَ بِهِ الْمُشْتَرِي خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ انْتَهَى. (وَمَنْ حَلَفَ فَقَالَ: عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ) إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَنَحْوُهُ (فَحَنِثَ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) إنْ لَمْ يَعْتِقْ رَقَبَةً. (النَّوْعُ الثَّالِثُ: نَذْرُ فِعْلٍ مُبَاحٍ كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَلْبَسَ ثَوْبِي، وَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَرْكَبَ دَابَّتِي، فَيُخَيَّرُ أَيْضًا) بَيْنَ فِعْلِهِ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ، كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد: «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ، فَقَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ» . النَّوْعُ (الرَّابِعُ نَذْرُ فِعْلِ مَكْرُوهٍ كَنَذْرِ طَلَاقٍ وَنَحْوِهِ، وَيَتَّجِهُ كَإِفْرَادِ صَوْمِ شَهْرِ رَجَبٍ أَوْ إفْرَادِ جُمُعَةٍ أَوْ إفْرَادِ سَبْتٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِمَنْ يُعَظِّمُ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ نَذْرُ أَكْلِ بَصَلٍ نِيءٍ وَثُومٍ وَفُجْلٍ وَكُرَّاثٍ، لِلنَّهْيِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَيُسَنُّ أَنْ يُكَفِّرَ) لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ (وَلَا يَفْعَلُهُ) لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى، فَإِنْ فَعَلَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ وَفَّى بِنَذْرِهِ. النَّوْعُ (الْخَامِسُ: نَذْرُ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَصَوْمِ يَوْمِ عِيدٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ أَيَّامِ تَشْرِيقٍ) أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ (فَيَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 423 لِحَدِيثِ: «وَمَنْ نَذَرَ؛ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» . وَلِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تُبَاحُ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ (وَيُكَفِّرُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ) ؛ أَيْ: نَذْرَ الْمَعْصِيَةِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَمُرَةَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لِيَفْعَلَنَّهُ. وَلَمْ يَفْعَلْهُ. (وَيَقْضِي صَوْمَ مَا نَذَرَهُ غَيْرَ يَوْمِ حَيْضٍ) لِانْعِقَادِ نَذْرِهِ؛ فَتَصِحُّ مِنْهُ الْقُرْبَةُ، وَيَلْغُو تَعْيِينُهُ؛ لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً كَنَذْرِ مَرِيضٍ صَوْمًا يُخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ، يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَحْرُمُ صَوْمُهُ، وَكَذَا الصَّلَاةُ فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ (مَعَ الْكَفَّارَةِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَلِأَنَّ النَّذْرَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ نَذَرَ صَوْمَ لَيْلَةٍ أَوْ يَوْمٍ أَكَلَ فِيهِ، وَيَوْمَ حَيْضٍ بِمُفْرَدِهِ؛ فَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَيْسَتْ بِزَمَنِ صَوْمٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنَّ الْحَيْضَ وَالْأَكْلَ مُنَافِيَانِ لِلصَّوْمِ لِمَعْنًى فِيهِمَا، وَالْعِيدُ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ لَيْسَ مُنَافِيَيْنِ لِلصَّوْمِ لِمَعْنًى فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ فِي ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَشَارَ إلَيْهِ فِي " الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ ". (وَمَنْ نَذَرَ ذَبْحَ مَعْصُومٍ حَتَّى نَفْسِهِ) فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِحَدِيثِ «النَّذْرُ حَلِفَةٌ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . (وَتَتَعَدَّدُ) كَفَّارَةٌ عَلَى مَنْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ بِتَعَدُّدِ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، مَا لَمْ يَنْوِ بِنَذْرِهِ وَلَدًا مُعَيَّنًا يَذْبَحُهُ؛ فَتُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَكَذَا فِي " الْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِ مَعَ قَوْلِهِمْ بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ خِصَالًا كَثِيرَةً أَجْزَأَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَاحِدٌ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ. (وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: النَّذْرُ لِلْقُبُورِ أَوْ لِأَهْلِ الْقُبُورِ كَالنَّذْرِ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَالشَّيْخِ فُلَانٍ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ: بِمَا نَذَرَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْفُقَرَاءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 424 وَالصَّالِحِينَ؛ فَهُوَ (خَيْرٌ لَهُ) عِنْدَ اللَّهِ وَأَنْفَعُ، وَقَالَ: مَنْ نَذَرَ إسْرَاجَ بِئْرٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ نَذَرَ لَهُ أَوْ لِسُكَّانِهِ أَوْ الْمُضَافِينَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ (وَكَذَا النَّذْرُ لِلْمُقِيمِ عِنْدَ الْقَبْرِ لِتَنْوِيرِهِ وَتَبْخِيرِهِ) لَمْ يَجُزْ، وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ إجْمَاعًا، وَيُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ مَا لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ، وَمِنْ الْحَسَنِ صَرْفُهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْمَشْرُوعِ، وَقَالَ فِيمَنْ نَذَرَ قِنْدِيلَ نَقْدٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَصْرِفُ لِجِيرَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيمَتَهُ. وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْخِتْمَةِ. (وَقَالَ: وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ لِلْمَسَاجِدِ لِمَصَالِحِهَا) مِنْ تَعْمِيرٍ وَتَنْوِيرٍ فَهَذَا نَذْرُ (بِرٍّ يَلْزَمُ وَفَاؤُهُ) بِهِ، لِأَنَّ تَعْمِيرَهَا وَتَنْوِيرَهَا مَطْلُوبٌ. النَّوْعُ (السَّادِسُ) (نَذْرُ تَبَرُّرٍ كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ) وَصَدَقَةٍ بِمَا لَا يَضُرُّهُ وَلَا عِيَالَهُ وَلَا غَرِيمَهُ (وَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ) وَزِيَارَةِ أَخٍ فِي اللَّهِ وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَشُهُودِ جِنَازَةٍ (يَقْصِدُ التَّقَرُّبَ بِلَا شَرْطٍ أَوْ عَلَّقَ بِشَرْطِ وُجُودِ نِعْمَةٍ) يَرْجُوهَا (أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ) يَخَافُهَا (كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ سَلَّمَ مَالِي) لَأَتَصَدَّقَنَّ بِكَذَا، أَوْ حَلَفَ بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ كَ: وَاَللَّهِ لَئِنْ سَلِمَ مَالِي لَأَتَصَدَّقَنَّ بِكَذَا (فَوَجَدَ شَرْطَهُ، لَزِمَهُ) الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ نَصًّا، وَكَذَا إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا. ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَذَمَّ تَعَالَى الَّذِينَ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَقَالَ تَعَالَى: " {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة: 75] الْآيَاتِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ نَذْرَ التَّبَرُّرِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ. أَحَدُهَا مَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ اسْتَجْلَبَهَا أَوْ نِقْمَةٍ اسْتَدْفَعَهَا، وَكَذَا إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ وَنَحْوُهُ فَعَلْتُ كَذَا. الثَّانِي: الْتِزَامُ طَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ وَنَحْوُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 425 الثَّالِثُ نَذْرُ طَاعَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْوُجُوبِ كَالِاعْتِكَافِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ. [تَتِمَّةٌ تَعْلِيقُ النَّذْرِ بِالْمِلْكِ] تَتِمَّةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَعْلِيقُ النَّذْرِ بِالْمِلْكِ نَحْوُ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ مَالًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 75] الْآيَةَ. (وَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ) ؛ أَيْ: النَّذْرِ (قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ كَإِخْرَاجِ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَبْلَ الْحِنْثِ (وَقَالَ الشَّيْخُ فِيمَنْ قَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَصُومُ كَذَا: هَذَا نَذْرٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا) وَمَنْ قَالَ لَيْسَ بِنَذْرٍ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَقَالَ: قَوْلُ الْقَائِلِ: لَئِنْ ابْتَلَانِي اللَّهُ لَأَصْبِرَنَّ وَلَئِنْ لَقِيتُ الْعَدُوَّ لَأُجَاهِدَنَّ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَيَّ الْعَمَلِ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ لَعَمِلْتُهُ نَذْرٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، كَقَوْلِ الْآخَرِ: {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة: 75] الْآيَةَ. وَنَظِيرُ ابْتِدَاءِ الْإِيجَابِ تَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَيُشْبِهُهُ سُؤَالُ الْإِمَارَةِ (وَنَصَّ. الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَيْهِ فِي إنْ قَدِمَ فُلَانٌ تَصَدَّقْتُ بِكَذَا) أَنَّهُ نَذْرٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَرَّحْ بِذِكْرِ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ النَّذْرِ. (وَمَنْ نَذَرَ فِعْلَ طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ، لَزِمَهُ فِعْلُ الطَّاعَةِ، وَكَفَّرَ لِلْمَعْصِيَةِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الشَّالَنْجِيِّ (وَلَوْ) (نَذَرَ الصَّدَقَةَ مَنْ تُسَنُّ لَهُ) بِأَنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِذَلِكَ نَفْسَهُ أَوْ عِيَالَهُ أَوْ غَرِيمَهُ (بِكُلِّ مَالِهِ أَوْ بِأَلْفٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْأَعْدَادِ (وَهُوَ) أَيْ: الْأَلْفُ وَنَحْوُهُ (كُلُّ مَالِهِ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِنَذْرٍ؛ أَجْزَأَ ثُلُثُهُ يَوْمَ نَذْرِهِ يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ نَصًّا؛ «لِقَوْلِ كَعْبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً، فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ هُوَ خَيْرٌ لَكَ» . وَفِي قِصَّةِ تَوْبَةِ أَبِي لُبَابَةَ: وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 426 رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِالْجَمِيعِ مَكْرُوهَةٌ. قَالَ فِي " الرَّوْضَةِ ": لَيْسَ لَنَا فِي نَذْرِ الطَّاعَةِ مَا يُجْزِئُ بَعْضُهُ إلَّا هَذَا الْمَوْضِعَ، وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ مَنْ تُسَنُّ لَهُ بِقَصْدِ التَّوْبَةِ (بِبَعْضٍ مِنْ مَالٍ مُسَمًّى) كَنِصْفٍ أَوْ أَلْفٍ، وَهُوَ بَعْضُ مَالِهِ؛ لَزِمَهُ مَا سَمَّاهُ، وَلَوْ كَانَ مَا سَمَّاهُ (أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مَالِهِ) لِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَا لَا يَمْنَعُ مِنْهُ شَيْءٌ كَسَائِرِ النُّذُورِ (وَإِنْ نَوَى) بِنَذْرِهِ الصَّدَقَةَ شَيْئًا (ثَمِينًا مِنْ مَالِهِ، أَوْ نَوَى مَالًا دُونَ مَالٍ؛ أُخِذَ بِنِيَّتِهِ) كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تُسَنَّ لَهُ الصَّدَقَةُ بِأَنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ أَوْ غَرِيمِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذُكِرَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْبَةَ؛ بِأَنْ كَانَ فِي لِجَاحِّ، أَجْزَأَتْهُ الْكَفَّارَةُ. (وَإِنْ نَذَرَهَا بِمَالٍ وَنِيَّتُهُ أَلْفٌ يُخْرِجُ مَا شَاءَ) مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَمَا نَوَاهُ زِيَادَةٌ عَمَّا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ، وَالنَّذْرُ لَا يَلْزَمُ بِالنِّيَّةِ (وَيَصْرِفُهُ لِلْمَسَاكِينِ) وَيُجْزِئُ لِوَاحِدٍ كَنَذْرِ (صَدَقَةٍ مُطْلَقَةٍ) فَإِنْ عُيِّنَتْ لِزَيْدٍ مَثَلًا لَزِمَ دَفْعُهَا إلَيْهِ، وَلَا يُجْزِئُهُ مِنْ نَذْرِ الصَّدَقَةِ بِمَالِهِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ بِمَالٍ (إسْقَاطُ دَيْنٍ) عَنْ مَدِينِهِ، وَلَوْ فَقِيرًا. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ؛ أَيْ: لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَمْلِيكٌ، وَهَذَا إسْقَاطٌ كَالزَّكَاةِ. (وَمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ) ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِمَّا يَمْلِكُهُ أَجْزَأَهُ إخْرَاجٌ ثُلُثِهِ يَوْمَ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ. قَالَ فِي " الْهَدْيِ ": يُخْرِجُ قَدْرَ الثُّلُثِ يَوْمَ نَذْرِهِ، وَلَا يُدْخِلُ (مَا طَرَأَ) أَيْ: تَجَدَّدَ لَهُ مِنْ الْمَالِ (بَعْدَ نَذْرِهِ، وَمَنْ حَلَفَ) لَا رَدَدْتُ سَائِلًا أَوْ (نَذَرَ لَا رَدَدْت سَائِلًا، فَهُوَ كَمَنْ حَلَفَ) عَلَى الصَّدَقَةِ بِمَالِهِ (أَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، فَيُجْزِئُهُ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ (فَإِنْ لَمْ يَتَحَصَّلْ لَهُ) أَيْ: الْحَالِفِ أَوْ النَّاذِرُ مِنْ نَحْوِ كَسْبِهِ (إلَّا مَا يَحْتَاجُهُ) لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ (يَمِينٍ) لِتَرْكِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ نَذَرَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَحَصَّلَ لَهُ فَوْقَ مَا يَحْتَاجُهُ (تَصَدَّقَ بِثُلُثِ الزَّائِدِ عَنْ حَاجَتِهِ وَنَحْوِ حَبَّةِ بُرٍّ) كَأَرْزَةٍ وَشَعِيرَةٍ (لَيْسَتْ سُؤَالَ السَّائِلِ) اعْتِبَارًا بِالْمَقَاصِدِ، وَحَدِيثِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 427 «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» يَدُلُّ عَلَى إجْزَاءِ نِصْفِ التَّمْرَةِ وَنَحْوِهَا فَأَكْثَرَ لَا أَقَلَّ. وَمَنْ قَالَ: (إنْ مَلَكْت مَالَ فُلَانٍ فَعَلَيَّ الصَّدَقَةُ بِهِ، فَمَلَكَهُ؛ فَهُوَ كَمَالِهِ) يُجْزِئُهُ التَّصَدُّقُ بِثُلُثِهِ، وَلَوْ قَالَ: إنَّ مَلَكَتْ عَبْدَ زَيْدٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ (أَعْتِقَهُ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ الْتَزَمَ بِعِتْقِهِ) إذَا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ تَبَرُّرٍ، وَإِنْ كَانَ فِي لَجَاجٍ وَغَضَبٍ؛ خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ فَمَاتَ قَبْلَ عِتْقِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُ غَيْرِهِ؛ لِفَوَاتِ مَحَلِّ النَّذْرِ، وَيُكَفِّرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ السَّيِّدُ فَالْكَفَّارَةُ فَقَطْ، وَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقُ غَيْرِهِ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقٌّ لِلْمَنْذُورِ عِتْقُهُ، وَقَدْ فَاتَ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ غَيْرُ سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِ إلَى سَيِّدِهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ. وَلَهُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهَا فِي الْعِتْقِ. [فَصْلٌ فِي مَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ] فَصْلٌ (وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَيَوْمَا الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يَقْبَلُ صَوْمَ غَيْرِهِ، وَأَيَّامُ النَّهْيِ لَا تَقْبَلُ صَوْمَ النَّذْرِ كَاللَّيْلِ؛ فَلَا كَفَّارَةَ بِفِطْرِهَا وَلَا قَضَاءَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ) كَالْمُحَرَّمِ (فَلَمْ يَصُمْهُ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِوُجُوبِهِ بِالنَّذْرِ (كَرَمَضَانَ مُتَتَابِعًا) لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَذَلِكَ بِتَعْبِيرِهِ بِالشَّهْرِ؛ إذْ الْقَضَاءُ يَكُونُ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ فِيمَا يُمْكِنُ، وَعَلَيْهِ (كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَإِنْ صَامَ قَبْلَهُ) أَيْ: الشَّهْرَ الْمُعَيَّنَ (لَمْ يُجْزِئْهُ) كَصَوْمِ شَعْبَانَ عَنْ رَمَضَانَ الَّذِي بَعْدَهُ (وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهُ) يَوْمًا فَأَكْثَرَ (لِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ شَهْرًا مِنْ يَوْمِ فِطْرِهِ) لِوُجُوبِ التَّتَابُعِ، وَلَوْ بَنَى عَلَى مَا مَضَى لَبَطَلَ التَّتَابُعُ، (وَكَفَّرَ) لِفَوَاتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 428 الْمَحَلِّ فِيمَا يَصُومُهُ بَعْدَ الشَّهْرِ. (وَ) إنْ أَفْطَرَ مِنْهُ يَوْمًا فَأَكْثَرَ (لِعُذْرٍ) كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَحَيْضٍ بَنَى عَلَى مَا صَامَهُ (وَقَضَى مَا أَفْطَرَهُ مُتَتَابِعًا مُتَّصِلًا بِتَمَامِهِ، وَكَفَّرَ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ جَنَّهُ) أَيْ: الشَّهْرُ الَّذِي نَذَرَ (صَوْمِهِ كُلَّهُ لَمْ يَقْضِهِ) وَلَا كَفَّارَةَ، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ فِيهِ كَرَمَضَانَ (وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَهُ فَيَقْضِي بَعْضَهُ فَقَطْ، وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ، وَأَطْلَقَ) فَلَمْ يُعَيِّنْهُ (لَزِمَ التَّتَابُعُ) لِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّهْرِ يَقْتَضِيهِ؛ سَوَاءٌ صَامَ شَهْرًا هِلَالِيًّا أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِالْعَدِّ (فَإِنْ قَطَعَهُ) أَيْ: الصَّوْمَ (بِلَا عُذْرٍ اسْتَأْنَفَهُ) ، لِئَلَّا يَفُوتَ التَّتَابُعُ (وَ) إنْ قَطَعَهُ (لِعُذْرٍ يُخَيَّرُ بَيْنَهُ) أَيْ: الِاسْتِئْنَافِ (بِلَا كَفَّارَةٍ، لِفِعْلِهِ الْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ، وَبَيْنَ الْبِنَاءِ) عَلَى مَا مَضَى (وَيُتِمُّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَيُكَفِّرُ لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ) كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ (وَكَذَا) لَوْ نَذَرَ صَوْمَ (سَنَةٍ فِي لُزُومِ التَّتَابُعِ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَصُومُ) مَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ (اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا سِوَى رَمَضَانَ) وَسِوَى (أَيَّامِ النَّهْيِ) أَيْ: يَوْمِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِانْصِرَافِ نَذْرِهِ إلَى صَوْمِ سَنَةٍ كَامِلَةٍ بِالنَّذْرِ. (وَلَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فَيَقْضِي) عَلَى مَا شَرَطَ مَا عَدَا رَمَضَانَ وَأَيَّامَ النَّهْيِ. (وَ) إنْ نَذَرَ صَوْمَ (سَنَةٍ مِنْ الْآنِ، أَوْ) نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ (مِنْ وَقْتِ كَذَا) فَكَنَذْرِ صَوْمِ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَا يَدْخُلُ فِي نَذْرِهِ رَمَضَانُ وَأَيَّامُ النَّهْيِ فَلَا يَقْضِيهَا، وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ أَوَّلِهَا تَعْيِينٌ لَهَا. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] فَإِذَا عَيَّنَ أَوَّلَهَا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا انْتِهَاءَ الثَّانِيَ عَشَرَ. (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ لَزِمَهُ) كَسَائِرِ النَّذْرِ، إذْ جِنْسُ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَشْرُوعٌ (فَإِنْ أَفْطَرَ كَفَّرَ فَقَطْ) أَيْ: بِلَا قَضَاءٍ (بِغَيْرِ صَوْمٍ) لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 429 الزَّمَنَ مُسْتَغْرَقٌ لِلصَّوْمِ الْمَنْدُوبِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهِ إلَّا بِتَرْكِ الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ، وَتَرْكُهُ يُوجِبُ كَفَّارَةً؛ فَيُفْضِي إلَى التَّسَلْسُلِ وَتَرْكِهِ الْمَنْذُورَ بِالْكُلِّيَّةِ (وَلَا يَدْخُلُ) فِي نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ (رَمَضَانَ وَلَا يَوْمَ نَهْيِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَقْضِي فِطْرَهُ بِهِ) ؛ أَيْ: بِرَمَضَانَ لِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى النَّذْرِ كَتَقْدِيمِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَنْذُورَةِ وَيُكَفِّرُ إنْ أَفْطَرَ بِرَمَضَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ، وَإِنْ أَفْطَرَ بِهِ أَيْ: بِرَمَضَانَ لِعُذْرٍ (فَلَا) كَفَّارَةَ (وَيُصَامُ لِظِهَارٍ) إذَا عَدِمَ الْمُظَاهِرُ الرَّقَبَةَ (وَنَحْوِهِ) كَالْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَالْقَتْلِ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: الدَّهْرِ الْمَنْذُورِ صَوْمُهُ كَقَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ (وَيُكَفِّرُ مَعَ صَوْمِ ظِهَارٍ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّهُ سَبَبُهُ. (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَنَحْوِهِ) كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَوَافَقَ يَوْمُ نَذْرِهِ عِيدًا أَوْ حَيْضًا أَوْ نِفَاسًا أَوْ أَيَّامَ تَشْرِيقٍ؛ أَفْطَرَ وُجُوبًا؛ لِتَحْرِيمِ صَوْمِهَا (وَقَضَى) لِانْعِقَادِ نَذْرِهِ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ (وَكَفَّرَ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَصُمْهُ لِمَرَضٍ. وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ يَوْمًا مُعَيَّنًا (وَجَهِلَ الْمَنْذُورَ تَحَرَّى) وَصَامَ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ (قَالَهُ الشَّيْخُ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَلْزَمُهُ مَعَ) ذَلِكَ إخْرَاجَ (كَفَّارَةٍ) لِفَوَاتِ (التَّعْيِينِ) وَعَمَلًا بِالْأَحْوَطِ. (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ، فَقَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: النَّاذِرِ؛ لِتَبَيُّنِ أَنَّ نَذْرَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ (وَيُنْدَبُ) وَإِنْ قَدِمَ (نَهَارًا وَهُوَ صَائِمٌ وَقَدْ بَيَّتَ النِّيَّةَ بِخَبَرٍ سَمِعَهُ؛ صَحَّ صَوْمُهُ وَأَجْزَأَهُ) لِوَفَائِهِ بِنَذْرِهِ، وَإِلَّا يَكُنْ بَيَّتَ النِّيَّةَ بِخَبَرٍ سَمِعَهُ (أَوْ كَانَ مُفْطِرًا أَوْ وَافَقَ قُدُومُهُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ) وَافَقَ قُدُومُهُ (يَوْمَ عِيدٍ) أَوْ وَافَقَ (يَوْمَ حَيْضِ) نَاذِرَةٍ (قَضَى وَكَفَّرَ) لِأَنَّهُ نَذْرٌ مُنْعَقِدٌ لَمْ يَفِ بِهِ كَسَائِرِ النُّذُورِ. (وَإِنْ وَافَقَ قُدُومُهُ) ؛ أَيْ: فُلَانٍ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: النَّاذِرُ (صَائِمٌ عَنْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ أَتَمَّهُ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ (وَلَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ، وَيَقْضِي نَذْرُ الْقُدُومِ) كَمَا لَوْ قَدِمَ زَيْدٌ وَالنَّاذِرُ (صَائِمٌ فِي قَضَاءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 430 رَمَضَانَ أَوْ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ) فَيُتِمُّهُ، وَيَقْضِي نَذْرَ الْقُدُومِ (وَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ نَذْرِهِ) ؛ أَيْ: يَوْمَ قُدُومِ فُلَانٍ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: النَّاذِرُ (مَجْنُونٌ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ فِيهِ، كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَجَنَّهُ. (وَنَذْرُ اعْتِكَافِهِ) فِيمَا تَقَدَّمَ كَنَذْرِ (صَوْمِهِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ. (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَلَوْ كَانَتْ ثَلَاثِينَ لَمْ يَلْزَمْ تَتَابُعُ) صَوْمِهَا نَصًّا، لِأَنَّ الْأَيَّامَ لَا دَلَالَةَ لَهَا مِنْ التَّتَابُعِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] (إلَّا بِشَرْطٍ) بِأَنْ يَقُولَ مُتَتَابِعَةً؛ فَيَلْزَمُهُ وَفَاءٌ بِنَذْرِهِ (أَوْ) إلَّا (بِنِيَّةِ) التَّتَابُعِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ التَّلَفُّظِ بِهِ. وَإِنْ شَرَطَ تَفَرُّقَهَا لَزِمَهُ فِي الْأَقْيَسِ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " (وَمَنْ نَذَرَ مُتَتَابِعًا غَيْرَ، مُعَيَّنٍ) كَشَهْرٍ (فَأَفْطَرَ فِيهِ لِمَرَضٍ يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ) كَخَوْفِهِ تَلَفًا بِصَوْمِهِ، أَوْ أَفْطَرَتْ فِيهِ امْرَأَةٌ (لِحَيْضٍ، خُيِّرَ) نَاذِرٌ (بَيْنَ اسْتِئْنَافِهِ) ؛ أَيْ: الصَّوْمِ، بِأَنْ يَبْتَدِئَهُ مِنْ أَوَّلِهِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ (وَبَيْنَ الْبِنَاءِ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَوْمِهِ (وَيُكَفِّرُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِ (وَلِسَفَرٍ أَوْ مَا) ، أَيْ: شَيْءٍ (يُبِيحُ الْفِطْرَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّوْمِ) كَمَرَضٍ يَجُوزُ مَعَهُ الْفِطْرُ (لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ) فِي وَجْهٍ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ) وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الِاسْتِئْنَافِ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا قَبْلَهُ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَالْأَصْحَابِ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيقِهِمْ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَقَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " آخِرًا لَا يَعْدِلُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِكَوْنِ الْمَرَضِ الَّذِي يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَالْفِطْرُ فِي السَّفَرِ لَا يَقْطَعُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 431 وَإِنْ أَفْطَرَ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا مُتَتَابِعًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ (لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ) تَدَارُكًا لِمَا تَرَكَهُ مِنْ التَّتَابُعِ الْمَنْذُورِ بِلَا عُذْرٍ (بِلَا كَفَّارَةٍ) لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ. (وَمَنْ نَذَرَ صَوْمًا فَعَجَزَ عَنْهُ كَثِيرًا أَوْ مَرِضَ مَرَضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، حَمْلًا لِلْمَنْذُورِ عَلَى الْمَشْرُوعِ، وَسَبَبُ الْكَفَّارَةِ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ، وَسَبَبُ الْإِطْعَامِ الْعَجْزُ عَنْ وَاجِبِ الصَّوْمِ، فَاخْتَلَفَ السَّبَبَانِ وَاجْتَمَعَا، فَلَمْ يَسْقُطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ (أَوْ نَذَرَهُ) ؛ أَيْ: الصَّوْمَ (لِحَالِ عَجْزِهِ) عَنْهُ لِمَا سَبَقَ (أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ) وَعُلِمَ مِنْهُ انْعِقَادُ نَذْرِهِ إذَنْ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ؛ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . وَلِأَنَّ الْعَجْزَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ فِعْلِ الْمَنْذُورِ؛ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ حَالَ عَقْدِ النَّذْرِ وَيَسْتَمِرُّ أَوْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً وَنَحْوَهَا كَجِهَادٍ وَعَجَزَ عَنْهُ؛ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ، وَإِنْ عَجَزَ لِعَارِضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ كَمَرَضٍ؛ انْتَظَرَ، وَلَا كَفَّارَةٌ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَجْزُهُ حَتَّى صَارَ غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ، فَكَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) إنْ نَذَرَ (حَجًّا لَزِمَهُ) مَعَ قُدْرَتِهِ كَبَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ (فَإِنْ لَمْ يُطِقْهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ؛ حَجَّ عَنْهُ) كَمَنْ عَجَزَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَإِلَّا بِأَنْ أَطَاقَ بَعْضَ مَا نَذَرَهُ كَأَنْ نَذَرَ حَجَّاتٍ وَقَدَرَ عَلَى بَعْضِهَا (أَتَى بِمَا يُطِيقُهُ مِنْ الْحَجَّاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَكَفَّرَ لِلْبَاقِي) الَّذِي لَمْ يُطِقْهُ (وَمَعَ عَجْزِهِ عَنْ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ حَالَ نَذْرِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ (ثُمَّ إنْ وَجَدَهُمَا) ؛ أَيْ: الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ (لَزِمَهُ) بِالنَّذْرِ السَّابِقِ فَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِالْعَجْزِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ نَذَرَ مُكَلَّفٌ صَوْمًا) أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ نَذَرَ (صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ) كَنِصْفِهِ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ تَامٍّ (بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ أَقَلُّ الصَّوْمِ. (وَ) مَنْ نَذَرَ (صَوْمَ لَيْلَةٍ لَا يَنْعَقِدُ كَمُسْتَحِيلٍ، وَلَا كَفَّارَةَ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 432 (لِلصَّوْمِ) وَكَذَا (نَذْرُ صَوْمِ يَوْمٍ أَتَى فِيهِ بِمُنَافٍ) لِلصَّوْمِ نَحْوَ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ. (وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً) وَأَطْلَقَ؛ فَعَلَيْهِ رَكْعَتَانِ (قَائِمًا لِقَادِرٍ) عَلَى قِيَامٍ (لِأَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تُجْزِئُ فِي فَرْضٍ) وَلَوْ حَلَفَ لِيُوتِرَن اللَّيْلَةَ أَجْزَأَتْهُ رَكْعَةٌ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّهُ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ (أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَتَيْنِ، أَوْ أَطْلَقَ) فَلَمْ يَقُلْ بِتَسْلِيمَةٍ وَلَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ (تُجْزِئُ) صَلَاتُهُ أَرْبَعًا (بِتَسْلِيمَةٍ كَعَكْسِهِ) بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَصَلَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ. (وَلِمَنْ نَذَرَ صَلَاةً جَالِسًا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَائِمًا) لِإِتْيَانِهِ بِأَفْضَلَ مِمَّا نَذَرَهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَا كَفَّارَةَ (وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ مَكَّةَ) كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَجَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ (أَوْ إلَى حَرَمِهَا وَأَطْلَقَ) فَلَمْ يَقُلْ فِي حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَلَا غَيْرِهَا (أَوْ قَالَ غَيْرَ حَاجٍّ وَلَا مُعْتَمِرٍ؛ لَزِمَهُ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ) أَوْ فِي عُمْرَةٍ؛ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ وَإِلْغَاءً لِإِرَادَتِهِ غَيْرَهُ (مِنْ مَكَانِهِ) ؛ أَيْ: النَّذْرِ، أَيْ: رُؤْيَةِ أَهْلِهِ كَمَا فِي حَجِّ الْفَرْضِ إلَى أَنْ يَتَحَلَّلَ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ ذَلِكَ (لِأَنَّ الْمَشْيَ إلَى الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ. وَلَا يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ قَبْلَ مِيقَاتِهِ) كَحَجِّ الْفَرْضِ (مَا لَمْ يَنْوِ مَكَانًا بِعَيْنِهِ) لِلْمَشْيِ مِنْهُ وَالْإِحْرَامِ فَيَلْزَمُهُ، لِعُمُومِ حَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» أَوْ يَنْوِ بِنَذْرِهِ، الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ (إتْيَانَهُ لَا حَقِيقَةَ الْمَشْيِ) فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ، وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ، لِحُصُولِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَوْضِعٍ خَارِجِ الْحَرَمِ كَعَرَفَةَ وَمَوَاقِيتِ إحْرَامٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَالْكَفَّارَةِ (وَإِنْ رَكِبَ) وَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ (لِعَجْزٍ أَوْ غَيْرِهِ) فَكَفَّارَةُ (يَمِينٍ) لِحَدِيثِ «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» . وَالْمَشْيُ وَالرُّكُوبُ لَا يُوجِبُهُ الْإِحْرَامُ لِيَجِبَ بِهِ دَمٌ. (وَلَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ مَاشِيًا) أَوْ رَاكِبًا (لَزِمَ الْقَضَاءُ مَاشِيًا) أَوْ رَاكِبًا لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى صِفَةِ الْأَدَاءِ، وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِ حَجٍّ نَذَرَهُ مَاشِيًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 433 أَوْ رَاكِبًا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُ بِالتَّحْلِيلَيْنِ، كَمَا فِي الْحَجِّ الصَّحِيحِ، وَإِنْ طَلَعَ عَلَيْهِ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ سَقَطَ عَنْهُ تَوَابِعُ الْوُقُوفِ مِنْ مَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَرَمْيٍ وَتَحَلُّلٍ بِعُمْرَةٍ إنْ لَمْ يَخْتَرْ الْبَقَاءَ عَلَى إحْرَامِهِ لِيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ. (وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ أَوْ) إلَى الْمَسْجِدِ (الْأَقْصَى لَزِمَهُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَشْيُ إلَيْهِ (وَالصَّلَاةُ فِيهِ) رَكْعَتَيْنِ؛ إذْ الْقَصْدُ بِالنَّذْرِ الْقُرْبَةُ وَالطَّاعَةُ؛ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ نَذْرَهَا. (وَيَتَّجِهُ) أَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى أَعْلَى مِنْهُ كَنَذْرِهِ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ حَيْثُ وَجَبَ بِهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لَمْ تُجْزِئْهُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ، وَإِنْ نَذَرَهَا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَجْزَأَتْهُ فِيهِ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَإِنْ نَذَرَهَا فِي الْأَقْصَى أَجْزَأَتْهُ فِيهِ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ. (وَإِنْ عَيَّنَ) بِنَذْرِهِ أَنْ يَأْتِيَ (مَسْجِدًا فِي غَيْرِ حَرَمٍ) ؛ أَيْ: غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ (لَمْ يَلْزَمْهُ إتْيَانُهُ) فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَالتَّكْفِيرِ؛ لِحَدِيثِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» (وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهِ) ؛ أَيْ: فِيمَا سِوَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ؛ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» . (وَصَلَّاهَا بِأَيِّ مَكَان شَاءَ) وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (فَإِنْ جَاءَهُ لَزِمَهُ عِنْدَ وُصُولِهِ رَكْعَتَانِ) لِمَا سَبَقَ. (وَإِنْ نَذَرَ عِتْقَ رَقَبَةٍ فَعَلَيْهِ مَا يُجْزِئُ عَنْ وَاجِبٍ) فِي نَحْوِ ظِهَارٍ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَةِ (إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهَا) ؛ أَيْ: الرَّقَبَةَ كَهَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذِهِ الْأَمَةِ (فَيُجْزِئُهُ مَا عَيَّنَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ سِوَاهُ (لَكِنْ لَوْ مَاتَ الْمَنْذُورُ الْمُعَيَّنُ أَوْ أَتْلَفَهُ نَاذِرٌ قَبْلَ عِتْقِهِ؛ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِلَا عِتْقٍ) نَصًّا، لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (وَعَلَى مُتْلِفِ) مَنْذُورٍ عِتْقُهُ قَبْلَهُ (غَيْرِهِ؛ أَيْ: النَّاذِرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 434 قِيمَتُهُ لَهُ) أَيْ: النَّاذِرِ؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهَا فِي الْعِتْقِ (وَيُكَفِّرُ لِفَوَاتِ نَذْرِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ نَذَرَ طَوَافًا أَوْ نَذَرَ سَعْيًا) وَأَطْلَقَ (فَأَقَلُّهُ أُسْبُوعٌ) لِأَنَّهُ الْمَشْرُوعُ، وَمَنْ نَذَرَ طَوَافًا أَوْ سَعْيًا (عَلَى أَرْبَعٍ؛ فَعَلَيْهِ طَوَافَانِ أَوْ سَعْيَانِ) أَحَدُهُمَا عَنْ يَدَيْهِ وَالْآخَرُ عَنْ رِجْلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الطَّوَافِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِكَبْشَةَ بِنْتِ مَعْدِي كَرِبَ حَيْثُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: آلَيْتَ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَبْوًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طُوفِي عَلَى رِجْلَيْكِ سَبْعَيْنِ، سَبْعًا عَنْ يَدَيْكِ وَسَبْعًا عَنْ رِجْلَيْكِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ الطَّوَافَ عَلَى أَرْبَعٍ مِثْلُهُ وَقِيسَ عَلَيْهِ السَّعْيُ. (وَمَنْ نَذَرَ طَاعَةً عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ كَالصَّلَاةِ عُرْيَانًا أَوْ الْحَجِّ حَافِيًا حَاسِرًا وَنَحْوِهِ) كَالصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ نَجَسٍ أَوْ حَرِيرٍ (وَفَّى بِهَا) ؛ أَيْ: الطَّاعَةِ الْمَنْذُورَةِ (عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ،) كَمَا لَوْ أَطْلَقَ (وَتُلْغَى تِلْكَ الصِّفَةُ) لِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي سَفَرٍ فَحَانَتْ مِنْهُ نَظْرَةٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا، قَالَ: فَمُرُوهَا فَلْتَخْتَمِرْ وَمَرَّ بِرَجُلَيْنِ مَقْرُونَيْنِ فَقَالَ: أَطْلِقَا قَرْنَيْكُمَا» . وَيُكَفِّرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ عَلَى وَجْهِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَصْلُ النَّذْرِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (لَوْ أَتَى النَّاذِرُ بِالصِّفَةِ الْمَنْذُورَةِ) عَلَى وَجْهِهَا (لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا فِي نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ عِيدٍ وَأَيَّامِ تَشْرِيقٍ) لِعَدَمِ إخْلَالِهِ بِنَذْرِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [فَرْعٌ لَا يَلْزَمُ حُكْمًا الْوَفَاءُ بِوَعْدٍ] (فَرْعٌ: لَا يَلْزَمُ حُكْمًا) ؛ أَيْ: فِي الظَّاهِرِ (الْوَفَاءُ بِوَعْدٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ (وَيَحْرُمُ حَلِفُهُ) عَلَى مُسْتَقْبَلٍ (بِلَا اسْتِثْنَاءٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] أَيْ: لَا تَقُولَنَّ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 435 ذَلِكَ إلَّا مُعَلَّقًا بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ؛ فَإِنَّ " إلَّا " لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ، " وَأَنْ " الْمَفْتُوحَةُ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ، فَمَا بَقِيَ فِي الْآيَةِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ وَلَا الِالْتِزَامِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِشَيْءٍ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَطُولَ الْأَيَّامِ يُحَاوِلُونَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا يَكَادُ يُتَفَطَّنُ لِوَجْهِ الدَّلِيلِ مِنْهَا، وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ وَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ، وَمَا هُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ؛ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَهُوَ أَصْلٌ فِي اشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْأَفْعَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّا نَقُولُ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالْمُسْتَثْنَى حَالَةٌ مِنْ الْأَحْوَالِ وَهِيَ مَحْذُوفَةٌ قَبْلَ النَّاصِبَةِ، وَلَا يَفْعَلُونَ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ عَامِلٌ فِي " أَنْ " النَّاصِبَةِ، وَتَقْرِيرُهُ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا مُعَلَّقًا بِأَنْ النَّاصِبَةِ، الشَّرْطِيَّةِ، وَلَا يَفْعَلُونَ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ؛ أَيْ: يَشَاءُ اللَّهُ، ثُمَّ حَذَفْتَ مُعَلَّقًا وَالْبَاءَ مِنْ أَنْ، فَيَكُونُ النَّهْيُ الْمُتَقَدِّمُ مَعَ إلَّا الْمُتَأَخِّرَةِ قَدْ حَصَرَتْ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ دُونَ سَائِرِ الْأَحْوَالِ، فَتَخْتَصُّ هَذِهِ الْحَالُ بِالْإِبَاحَةِ، وَغَيْرُهَا بِالتَّحْرِيمِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ شَيْءٌ هُنَاكَ يُتْرَكُ بِهِ الْحَرَامُ إلَّا هَذِهِ؛ فَتَكُونُ وَاجِبَةً، فَهَذَا مُدْرَكُ الْوُجُوبِ، وَأَمَّا مُدْرَكُ التَّعْلِيقِ فَهُوَ كَقَوْلِنَا مُعَلَّقًا؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَلَّقَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، كَمَا إذَا قَالَ لَا تَخْرُجْ إلَّا ضَاحِكًا، فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْأَمْرَ بِالضَّحِكِ وَالْخُرُوجِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. (وَيَتَّجِهُ) لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِوَعْدٍ لِوَاعِدٍ (مُتَرَدِّدٌ) بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ (أَوْ عَازِمٍ عَلَى التَّرْكِ) أَيْ: تَرْكِ الْوَفَاءِ مِنْ حِينِ الْوَعْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَادِقًا بِوَعْدِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفِيَ (لَا) إنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى (الْفِعْلِ حَالَ الْوَعْدِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ؛ فَيَلْزَمُهُ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ: الْوَعْدَ الْمُصَمِّمَ عَلَى فِعْلِهِ (إذَنْ لَيْسَ بِكَذِبٍ) وَحِينَئِذٍ فَيَحْرُمُ حَلِفُهُ عَلَى إنْجَازِ الْوَعْدِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ، وَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 436 {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] وَحَدِيثِ: " الْعِدَةُ عَطِيَّةٌ ". وَقِيلَ لِأَحْمَدَ بِمَ يُعْرَفُ الْكَذَّابُونَ؟ قَالَ بِخُلْفِ الْمَوَاعِيدِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. [كِتَابُ الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا] قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَبَدَأَ بِأَحْكَامِهَا قَبْلَهُ لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. (وَهِيَ) أَيْ: الْفُتْيَا اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ أَفْتَى يُفْتِي إفْتَاءً (تَبْيِينُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ) لِلسَّائِلِ عَنْهُ وَالْإِخْبَارُ بِلَا إلْزَامٍ، وَالْقَضَاءُ تَبْيِينُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالْإِلْزَامُ بِهِ، فَامْتَازَ بِالْإِلْزَامِ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَصَفَّحَ أَحْوَالَ الْمُفْتِينَ، فَمَنْ صَلَحَ لِلْفُتْيَا أَقَرَّهُ، وَمَنْ لَا يَصْلُحُ مَنَعَهُ وَنَهَاهُ أَنْ يَعُودَ، وَتَوَاعَدَهُ بِالْعُقُوبَةِ إنْ عَادَ، وَطَرِيقُ الْإِمَامِ إلَى مَعْرِفَةِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى أَنْ يَسْأَلَ عُلَمَاءَ وَقْتِهِ، وَيَعْتَمِدَ أَخْبَارَ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: مَا أَفْتَيْتُ حَتَّى شَهِدَ لِي سَبْعُونَ أَنِّي أَهْلٌ لِذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ: مَا أَفْتَيْتُ حَتَّى سَأَلْتُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي هَلْ تُرَانِي مَوْضِعًا لِذَلِكَ؟ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِشَيْءٍ حَتَّى يَسْأَلَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ. (وَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يَحْفَظَ الْأَدَبَ مَعَ الْمُفْتِي وَيُجِلَّهُ وَيُعَظِّمَهُ، وَلَا يَفْعَلُ مَا جَرَتْ عَادَةُ الْعَوَامّ بِهِ كَإِيمَاءٍ بِيَدِهِ فِي وَجْهِهِ، أَوْ يَقُولُ لَهُ مَا مَذْهَبُ إمَامِكَ فِي كَذَا؟ أَوْ مَا تَحْفَظُهُ) أَيْ: فِي كَذَا، أَوْ أَفْتَانِي غَيْرُكَ بِكَذَا، أَوْ كَذَا قُلْتُ أَنَا (أَوْ إنْ كَانَ جَوَابُكَ مُوَافِقًا فَاكْتُبْ وَإِلَّا فَلَا تَكْتُبْ، وَلَا يُطَالِبُهُ بِالْحُجَّةِ) ؛ أَيْ: لَا يَطْلُبُ الْمُسْتَفْتِي مِنْ الْمُفْتِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 437 الدَّلِيلَ عَلَى مَا قَالَهُ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ اتِّهَامًا لَهُ (لَكِنْ إنْ عَلِمَ الْمُفْتِي غَرَضَ السَّائِلِ فِي شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكْتُبَ بِغَيْرِهِ) لِأَنَّهُ يُفْسِدُ عَلَيْهِ رُقْعَتَهُ وَيُحْوِجُهُ إلَى إبْدَالِهَا. (وَيَحْرُمُ الْحُكْمُ وَالْفُتْيَا بِالْهَوَى) وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الْقَضَاءُ وَالْفُتْيَا (بِقَوْلٍ) وَثَمَّ غَيْرُهُ (أَوْ وَجْهٍ) وَثَمَّ غَيْرُهُ (مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ إجْمَاعًا؛ وَيَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ بِمُوجِبِ اعْتِقَادِهِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَكَانَ السَّلَفُ) رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى (يَهَابُونَ الْفُتْيَا وَيُشَدِّدُونَ فِيهَا وَيَتَدَافَعُونَهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ: رَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ الْأَنْصَارِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ أَحَدُهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَيَرُدُّهَا هَذَا إلَى هَذَا وَهَذَا إلَى هَذَا حَتَّى تَرْجِعَ إلَى الْأَوَّلِ، (وَأَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ يَهْجُمُ عَلَى الْجَوَابِ) لِخَبَرِ: «أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ» (وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ مَا يُسْتَفْتَى فِيهِ، وَقَالَ: إذَا هَابَ الرَّجُلُ شَيْئًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يَقُولُ) . (وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلْفُتْيَا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ) أَوَّلُهَا (أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ) أَيْ: أَنْ يُخْلِصَ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَقْصِدُ رِئَاسَةً وَنَحْوَهَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نُورٌ، وَلَا عَلَى كَلَامِهِ نُورٌ) إذْ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. وَالثَّانِيَةُ (أَنْ يَكُونَ لَهُ حِلْمٌ وَوَقَارٌ وَسَكِينَةٌ) وَإِلَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْلِ مَا تَصَدَّى لَهُ مِنْ بَيَانِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. وَالثَّالِثَةُ (أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا عَلَى مَا هُوَ فِيهِ وَعَلَى مَعْرِفَتِهِ) وَإِلَّا فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِعَظِيمٍ. (وَ) الرَّابِعَةُ (أَنْ يَكُونَ لَهُ كِفَايَةٌ وَإِلَّا بَغَضَهُ النَّاسُ؛ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ) تَكُنْ لَهُ كِفَايَةٌ (احْتَاجَ) إلَى النَّاسِ وَإِلَى الْأَخْذِ، فَأَخَذَ (مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ) فَيَنْفِرُونَ مِنْهُ. وَالْخَامِسَةُ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِالْأَحْوَالِ وَالِاصْطِلَاحَاتِ (لِيَعْرِفَ مَكْرَ النَّاسِ وَخِدَاعَهُمْ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِهِمْ، بَلْ يَكُونُ حَذِرًا فَطِنًا مِمَّا يُصَوِّرُونَهُ فِي سُؤَالَاتِهِمْ) لِئَلَّا يُوقِعُوهُ فِي الْمَكْرُوهِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «احْتَرِسُوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 438 مِنْ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ» . (وَسُئِلَ أَحْمَدُ أَيَكْفِي الرَّجُلَ مِائَةُ أَلْفِ حَدِيثٍ حَتَّى يُفْتِيَ؟ قَالَ لَا، حَتَّى قِيلَ لَهُ خَمْسُمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ قَالَ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَاعْتَرَضَ) أَيْ: اعْتَرَضَ بَعْضُ النَّاسِ (عَلَى) أَبِي إِسْحَاقَ (بْنِ شَاقِلَا بِهَذَا) فَقِيلَ لَهُ أَنْتَ تُفْتِي وَلَسْتَ تَحْفَظُ هَذَا الْقَدْرَ (فَقَالَ: إنْ كُنْتُ لَا أَحْفَظُهُ، فَإِنِّي أُفْتِي بِقَوْلِ مَنْ يَحْفَظُ أَكْثَرَ مِنْهُ) يَعْنِي بِهِ الْإِمَامَ أَحْمَدَ، وَقَالَ: إنَّهُ يَحْفَظُ أَلْفَ أَلْفِ حَدِيثٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ يُعْتَبَرُ فِي الْمُجْتَهِدِ، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَغَرَضُهُ مَعْرِفَةُ مَذْهَبِ إمَامِهِ بِالنَّقْلِ عَنْهُ، وَلَا يَحْصُلُ غَرَضُهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ الْجَمْعُ، وَلَا يَعْلَمُ التَّارِيخَ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِ، وَلَا التَّرْجِيحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا، لِتَعَذُّرِهِ مِنْهُ. (وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ: ابْنُ بَشَّارٍ: مَا أَعِيبُ عَلَى مَنْ يَحْفَظُ خَمْسَ مَسَائِلَ لِأَحْمَدَ يُفْتِي بِهَا) قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مِنْ ابْنِ بَشَّارٍ مُتَابَعَةٌ فِي فَضْلِهِ، وَظَاهِرُ نَقْلِ عَبْدِ اللَّهِ: يُفْتِي غَيْرُ مُجْتَهِدٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى الْحَاجَةِ، (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (النَّاظِرُ الْمُجَرَّدُ) إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَبَحِّرًا فِي الْمَذْهَبِ الَّذِي يُفْتِي بِهِ عَالِمًا بِغَوَامِضِهِ وَحَقَائِقِهِ؛ (يَكُونُ حَاكِيًا) مَذْهَبَ مَنْ قَلَّدَهُ (لَا مُفْتِيًا بِهِ) ، فَلَا يَنْسِبُ مَا قَالَهُ لِنَفْسِهِ، بَلْ يُضِيفُهُ إلَيَّ غَيْرِهِ، وَيَحْكِيهِ عَنْ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ؛ لِصِحَّةِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدِينَ لَيْسَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُفْتِينَ، وَلَكِنْ قَامُوا مَقَامَهُمْ، وَأَدَّوْا عَنْهُمْ فَعُدُوا مَعَهُمْ، وَسَبِيلُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولُوا مَثَلًا: مَذْهَبُ أَحْمَدَ كَذَا وَكَذَا، وَمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ: كَذَا وَكَذَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ. (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ: لَا تَجُوزُ (مُخَالَفَةُ الْمُفْتِي) الْمُقَلِّدِ (نَصَّ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ) ، بَلْ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ أَلْفَاظِ إمَامِهِ وَمُتَأَخِّرِهَا، وَيُقَلِّدُ كِبَارَ مَذْهَبِهِ، فَإِنْ خَالَفَ حَرُمَ عَلَيْهِ (كَمُخَالَفَةِ الْمُفْتِي) الْمُجْتَهِدَ (نَصَّ الشَّارِعِ) الصَّرِيحَ انْتَهَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439 (وَحَرُمَ أَنْ يُفْتِيَ فِي حَالِ لَا يَحْكُمُ فِيهَا كَغَضَبٍ وَنَحْوِهِ كَحَرٍّ) مُفْرِطٍ وَبَرْدٍ مُفْرِطٍ وَمَلَلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُغَيِّرُ الْفِكْرَ، (فَإِنْ أَفْتَى) فِي تِلْكَ الْحَالِ (وَأَصَابَ الْحَقَّ) ؛ صَحَّ جَوَابُهُ، وَكُرِهَ. [فَصْلٌ حُكْمُ الْفَتْوَى مِنْ الْعَبْد وَالْمَرْأَة وَالْقَرِيب وَالْأُمِّيّ وَالْأَخْرَسَ] فَصْلٌ (وَيَصِحُّ فَتْوَى عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَقَرِيبٍ وَأُمِّيٍّ وَأَخْرَسَ) بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ كَخَبَرِهِمْ، وَتَصِحُّ الْفُتْيَا (مَعَ جَرِّ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضَرَرٍ وَعَلَى عَدُوٍّ) وَأَنْ يُفْتِيَ أَبَاهُ وَابْنَهُ وَشَرِيكَهُ وَسَائِرَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَزَوْجَتِهِ وَمُكَاتَبِهِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ بَيَانُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ، وَلَيْسَ مِنْهُ إلْزَامٌ، بِخِلَافِ الْحَاكِمِ. وَلَا (تَصِحُّ) الْفُتْيَا، (مِنْ فَاسِقٍ) لِغَيْرِهِ (وَلَوْ مَسْتُورًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمِينٍ عَلَى مَا يَقُولُ (وَيُفْتِي مُجْتَهِدٌ فَاسِقٌ نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْفَاسِقِ فِي الْفُتْيَا أَنْ يَسْأَلَهُ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْوُثُوقِ بِهِ، وَالْحَاكِمُ كَغَيْرِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ. (وَيُقَلِّدُ) الْمُجْتَهِدَ (الْعَدْلَ وَلَوْ مَيِّتًا، وَهُوَ) ؛ أَيْ: تَقْلِيدُهُ (كَالْإِجْمَاعِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ) لِقُصُورِ الْهِمَمِ عَنْ تَحْصِيلِ الْكِمَالَاتِ، وَلِبَقَاءِ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْإِجْمَاعِ، وَكَالْحَاكِمِ وَالشَّاهِد لَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ بِمَوْتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَذَاهِبُ لَا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ (يُقَلِّدَ عَامِّيٌّ مَنْ ظَنَّهُ عَالِمًا) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ أُنْثَى أَوْ أَخْرَسَ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ، وَكَذَا مَنْ رَآهُ مُنْتَصِبًا لِلْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ مُعَظَّمًا لِأَنَّهُ دَلِيلُ عِلْمِهِ (لَا إنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ فِي " الرَّوْضَةِ " وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَالطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ " وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ جَوَازِ التَّقْلِيدِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 440 (وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ مَفْضُولٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ) مَعَ وُجُودِ أَفْضَلَ مِنْهُ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» وَفِيهِمْ الْأَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ الْمَفْضُولُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ يُفْتِي مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ بِلَا نَكِيرٍ، خُصُوصًا وَالْعَامِّيُّ يُقَصِّرُ عَنْ التَّرْجِيحِ. [فَائِدَةٌ التَّقْلِيدُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ] فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَذَكَرَهُ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ؛ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَمْرِهِ تَعَالَى بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ وَفِي " صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ " لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [آل عمران: 190] الْآيَةَ. قَالَ: " وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهُنَّ وَلَمْ يَتَدَبَّرْهُنَّ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ " وَالْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَحْصُلُ بِتَقْلِيدٍ، لِجَوَازِ كَذِبِ الْمُخْبِرِ وَاسْتِحَالَةِ حُصُولِهِ، كَمَنْ قَلَّدَ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ وَكَمَنْ قَلَّدَ فِي قِدَمِهِ، وَلِأَنَّ التَّقْلِيدَ لَوْ أَفَادَ عِلْمًا فَإِمَّا بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِمَّا بِالنَّظَرِ فَيَسْتَلْزِمُ الدَّلِيلَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَالْعِلْمُ يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ، وَاحْتِمَالِ الْخَطَأِ لِعَدَمِ تَمَامِ مُرَاعَاةِ الْقَانُونِ الصَّحِيحِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ التَّقْلِيدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى " {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22] وَهِيَ فِيمَا يُطْلَبُ لِلْعِلْمِ فَلَا يَلْزَمُ الْفُرُوعُ. (وَيَحْرُمُ تَسَاهُلُ مُفْتٍ) بِالْإِفْتَاءِ، لِئَلَّا يَقُولَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَيَحْرُمُ (تَقْلِيدُ مَعْرُوفٍ بِهِ) أَيْ: بِالتَّسَاهُلِ فِي الْإِفْتَاءِ، (لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِهِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (لَا يَجُوزُ اسْتِفْتَاءٌ إلَّا مَنْ يُفْتِي بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ) لِأَنَّ أَمْرَ الْفُتْيَا خَطَرٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْتَاطَ. (وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يَجِبُ سُؤَالُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ، فَإِنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ حَرُمَ تَقْلِيدُهُ) لِاحْتِمَالِ فِسْقِهِ (وَيَلْزَمُ الْمُفْتِيَ تَكْرِيرُ النَّظَرِ عِنْدَ تَكْرَارِ الْوَاقِعَةِ) كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ يَجْتَهِدُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، أَمَّا الْعَامِّيُّ إذَا وَقَعَتْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 441 لَهُ مَسْأَلَةٌ فَسَأَلَ عَنْهَا، ثُمَّ وَقَعَتْ لَهُ ثَانِيًا فَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهَا شَيْئًا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ: يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ ثَانِيًا، إلَّا أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةً يَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَيَشُقُّ عَلَيْهِ إعَادَةُ السُّؤَالِ عَنْهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَكْفِيهِ السُّؤَالُ الْأَوَّلُ لِلْمَشَقَّةِ، نَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ "، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا يَلْزَمُهُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ، وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُ الْمُفْتِي عَلَيْهِ انْتَهَى. قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " (وَإِنْ حَدَثَ مَا لَا قَوْلَ فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ تَكَلَّمَ فِيهِ حَاكِمٌ وَمُجْتَهِدٌ وَمُفْتٍ فَيَرُدُّهُ إلَى الْأُصُولِ وَالْقَوَاعِدِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ) مَنْ عِنْدَهُ (مَنْ يَثِقُ بِعِلْمِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إفْشَاءُ سِرِّ السَّائِلِ أَوْ تَعْرِيضُهُ لِلْأَذَى أَوْ) يَكُونُ (فِيهِ مَفْسَدَةٌ لِبَعْضِ الْحَاضِرِينَ) فَيُخْفِيهِ إزَالَةً لِذَلِكَ (وَفِي آدَابِ الْمُفْتِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِ الْكَلَامِ مُفَصَّلًا، بَلْ يَمْنَعُ السَّائِلَ وَسَائِرَ الْعَامَّةِ مِنْ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا) قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " لَا تَجُوزُ الْفَتْوَى فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، بَلْ يَنْهَى السَّائِلَ عَنْهُ وَالْعَامَّةَ أَوْلَى، وَيَأْمُرُ الْكُلَّ بِالْإِيمَانِ الْمُجْمَلِ وَمَا يَلِيقُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيمَا يُطْلَبُ بِهِ الْجَزْمُ، وَلَا إثْبَاتُهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَلَا الِاجْتِهَادُ فِيهِ، وَيَجُوزُ فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ الظَّنُّ وَإِثْبَاتُهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَالِاجْتِهَادُ فِيهِ. (وَلَا يَلْزَمُ الْمُفْتِيَ جَوَابُ مَا لَمْ يَقَعْ) لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَا تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ. (وَيُنْدَبُ) لِلْمُفْتِي إجَابَةُ السَّائِلِ عَمَّا لَمْ يَقَعْ؛ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي خَبَرِ: «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا سُئِلَهُ» الْحَدِيثُ. وَلَا يَلْزَمُ جَوَابُ (مَا لَا يَحْتَمِلُهُ سَائِلٌ) قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُرِيدُونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَفِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إلَّا كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ. وَلَا يَلْزَمُ جَوَابُ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ؛ لِخَبَرِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ عَنْ الصَّحَابَةِ: مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إلَّا عَمَّا يَنْفَعُهُمْ (وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) أَمُسْلِمُونَ هُمْ (فَقَالَ لِلسَّائِلِ: أَحْكَمْتَ الْعِلْمَ حَتَّى تَسْأَلَ) عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 442 ذَا. وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي اللِّعَانِ، فَقَالَ: سَلْ رَحِمَكَ اللَّهُ (عَمَّا اُبْتُلِيتَ) بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعِكْرِمَةَ: مَنْ سَأَلَكَ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ فَلَا تُفْتِهِ. وَسَأَلَ مُهَنَّا أَحْمَدَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَغَضِبَ وَقَالَ: خُذْ وَيْحَكَ تَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِيَّاكَ وَهَذِهِ الْمَسَائِلَ الْمُحْدَثَةَ، وَخُذْ فِيمَا فِيهِ حَدِيثٌ. (وَمَنْ عَدِمَ مُفْتِيًا فِي بَلَدِهِ وَغَيْرِهِ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا قَبْلَ الشَّرْعِ) عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ: الْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرِ وَالْوَقْفِ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ (وَقِيلَ مَتَى خَلَتْ الْبَلَدُ مِنْ مُفْتٍ حَرُمَ السُّكْنَى بِهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْأَصَحُّ لَا يَحْرُمُ إنْ أَمْكَنَ الذَّهَابُ إلَى مُفْتٍ. (وَلِمُفْتٍ رَدُّ الْفُتْيَا إنْ) خَافَ غَائِلَتَهَا (أَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ قَائِمٌ مَقَامَهُ) فِي الْفُتْيَا، لِأَنَّ الْإِفْتَاءَ فِي حَقِّهِ مَعَ وُجُودِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ سُنَّةٌ، وَإِلَّا أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (لَمْ يَجُزْ لَهُ) رَدُّ الْفُتْيَا (وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ) وَالتَّعْلِيمُ كَذَلِكَ، كَمَا لَا يَجُوزُ (قَوْلُ حَاكِمٍ لِمَنْ ارْتَفَعَ إلَيْهِ) فِي حُكُومَةٍ (امْضِ إلَى غَيْرِي) وَلَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (مِنْ الْحُكَّامِ) لِأَنَّ تَدَافُعَ الْحُكُومَاتِ يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ. تَنْبِيهٌ: إذَا كَانَ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَهُ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَامَّةِ مُفْتِيًا وَهُوَ جَاهِلٌ؛ تَعَيَّنَ الْجَوَابُ عَلَى الْعَالِمِ؛ لِتَعَيُّنِ الْإِفْتَاءِ عَلَيْهِ؛ إذَنْ قَالَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " الْحُكْمُ يَتَعَيَّنُ بِوِلَايَتِهِ؛ أَيْ: الْحُكْمِ حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ رَدُّ مُحْتَكِمَيْنِ إلَيْهِ، وَيُمْكِنُهُ رَدُّ مَنْ يَسْتَشْهِدُهُ وَإِنْ كَانَ مُتَحَمِّلًا شَهَادَةً فَنَادِرٌ أَنْ لَا يَكُونَ سِوَاهُ، أَيْ: مَعَهُ مُتَحَمِّلًا لِتِلْكَ الشَّهَادَةِ، فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا؛ إذْ يُمْكِنُ نِيَابَةُ غَيْرِهِ عَنْهُ، وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَا يَنُوبُ الْبَعْضُ عَنْ الْبَعْضِ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى مُفْتٍ (إطْلَاقُ الْفُتْيَا فِي أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ إجْمَاعًا) قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ (وَالْمُرَادُ حَيْثُ لَا ظَاهِرَ) فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ ظَاهِرًا فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى تَفْصِيلِ الْجَوَابِ (وَمَنْ سُئِلَ أَيُؤْكَلُ بِرَمَضَانَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؟ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 443 الْأَوَّلِ أَوْ الْفَجْرِ الثَّانِي، أَوْ) سُئِلَ (هَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً مَنْ قَصَّرَ ثَوْبًا وَجَحَدَهُ؟ فَيَقُولُ إنْ قَصَّرَهُ الْقَصَّارُ قَبْلَ جُحُودِهِ فَلَهُ) الْأُجْرَةُ. (وَإِنْ) قَصَّرَهُ (بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: الْجُحُودِ فَلَا أَجْرَ لَهُ (لِأَنَّهُ قَصَّرَهُ لِنَفْسِهِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (هِيَ مَسْأَلَةُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ) كَانَ امْتَحَنَهُ بِهَا، وَقَالَ إنْ قَالَ نَعَمْ أَوْ لَا أَخْطَأَ، فَفَطِنَ أَبُو يُوسُفَ، وَأَجَابَ بِمَا ذُكِرَ، وَسَأَلَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ بَيْعِ رَطْلِ تَمْرٍ بِرَطْلِ تَمْرٍ، فَقَالُوا: يَجُوزُ، فَخَطَّأَهُمْ فَقَالُوا: لَا، فَخَطَّأَهُمْ، فَخَجِلُوا، فَقَالَ: إنْ تَسَاوَيَا كَيْلًا جَازَ، فَهَذَا يُوَضِّحُ خَطَأَ الْمُطْلَقِ فِي كُلِّ مَا يَحْتَمِلُ التَّفْصِيلَ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ الْمَذْكُورِ كَذَا قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ عَمَلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا بِظَاهِرِ. انْتَهَى. قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: وَلَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ يُجِيبُونَ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ الْمُتَبَادَرِ إلَى الْفَهْمِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جِبْرِيلَ لَمَّا سَأَلَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ السُّؤَالُ عَنْ حَقَائِقِهَا أَوْ شُرُوطِهَا أَوْ أَرْكَانِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا. (وَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُفْتِي (أَنْ يَذْكُرَ الْمَانِعَ فِي الْمِيرَاثِ مِنْ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْعُقُودِ مِنْ إجَارَةٍ وَنِكَاحٍ) وَبَيْعٍ وَصُلْحٍ وَنَحْوِهَا (فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَذْكُرَ الْجُنُونَ وَالْإِكْرَاهَ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَالِ) وَهُوَ الصِّحَّةُ، وَيَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يُكْثِرَ الدُّعَاءَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَهُوَ: " «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» ) . وَيَقُولُ إذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ: يَا مُعَلِّمَ إبْرَاهِيمُ عَلِّمْنِي (وَإِذَا سُئِلَ عَنْ شَرْطِ الْوَاقِفِ لَمْ يُفْتِ بِإِلْزَامِ الْعَمَلِ بِهِ حَتَّى يَعْلَمَ هَلْ الشَّرْطُ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الشَّرْعِ أَوْ لَا، كَشَرْطِ صَلَاةٍ فِي تُرْبَةٍ دُفِنَ بِهَا وَاقِفٌ، وَشُعِلَ قِنْدِيلٌ بِهَا) ، أَيْ: التُّرْبَةِ (وَشَرْطُ سُكَّانٍ نَحْوِ زَاوِيَةٍ) كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ (مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ كَشِيعَةٍ) وَخَوَارِجَ وَمُعْتَزِلَةٍ وَجَهْمِيَّةٍ (وَمُشْتَغِلِينَ بِرَقْصٍ) وَإِشَارَاتٍ وَأَكْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 444 حَيَّاتٍ وَأَشْبَاهِ الذُّبَابِ؛ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فَضْلًا عَنْ وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ. [فَصْلٌ لِلْمُفْتِي تَخْيِيرُ مَنْ اسْتَفْتَاهُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مُخَالِفِهِ] فَصْلٌ (وَلِلْمُفْتِي تَخْيِيرُ مَنْ اسْتَفْتَاهُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مُخَالِفِهِ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ عَقِيلٍ كَمَا هُوَ فِي الْخُلْعِ وَيَتَخَيَّرُ) مُسْتَفْتٍ (وَإِنْ لَمْ يُخَيِّرْهُ مُفْتٍ) لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ بِالْأَخْذِ بِقَوْلٍ مُعَيَّنٍ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ (وَلُزُومُ الْمُتَمَذْهِبِ بِمَذْهَبٍ وَامْتِنَاعُ الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهِ الْأَشْهَرُ عَدَمُهُ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَامِّيُّ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا يَأْخُذُ بِعَزَائِمِهِ وَرُخَصِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَالْجُمْهُورُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ لَا يُوجِبُونَ ذَلِكَ، وَاَلَّذِينَ يُوجِبُونَ يَقُولُونَ إذَا الْتَزَمَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ مَا دَامَ مُلْتَزِمًا لَهُ، أَوْ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى بِالِالْتِزَامِ مِنْهُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْتِزَامَ الْمَذَاهِبِ وَالْخُرُوجَ عَنْهَا إنْ كَانَ لِغَيْرِ أَمْرٍ دِينِيٍّ مِثْلُ أَنْ يَلْتَمِسَ مَذْهَبًا لِحُصُولِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ وَنَحْوِهِ ذَلِكَ، فَهَذَا مِمَّا لَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ، بَلْ يُذَمُّ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَوْ كَانَ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا انْتَقَلَ مِنْهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُسْلِمُ لَا يُسْلِمُ إلَّا لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، أَوْ يُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ لِامْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا أَوْ دُنْيَا يُصِيبُهَا. قَالَ: وَأَمَّا إنْ كَانَ انْتِقَالُهُ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ لِأَمْرٍ دِينِيٍّ فَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْهُ، وَلَا يَتَّبِعَ أَحَدًا فِي مُخَالَفَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ فَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ. انْتَهَى. وَفِي " الرِّعَايَةِ " مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرَ عَلَيْهِ مُخَالَفَتُهُ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا تَقْلِيدٍ سَائِغٍ وَلَا عُذْرٍ، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ بِلَا دَلِيلٍ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَقَوْلُهُ وَلَا تَقْلِيدٍ سَائِغٍ، أَيْ: لِعَالِمٍ أَفْتَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلِاجْتِهَادِ وَقَوْلُهُ وَلَا عُذْرٍ أَيْ: يُبِيحُ لَهُ مَا فَعَلَهُ، فَيُنْكِرُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 445 (وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِّيَّ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ كَمَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ فِي عَصْرِ أَوَائِلِ الْأُمَّةِ) كَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَإِنَّ مَذَاهِبَهُمْ كَانَتْ كَثِيرَةً مُتَبَايِنَةً، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ اسْتَفْتَاهُ: الْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُرَاعِيَ أَحْكَامَ مَذْهَبِ مَنْ قَلَّدْتَهُ؛ لِئَلَّا تُلَفِّقَ فِي عِبَادَتِكَ بَيْنَ مَذْهَبَيْنِ فَأَكْثَرَ، بَلْ كَانَ مَنْ سَأَلَ مِنْهُمْ عَنْ مَسْأَلَةٍ أَفْتَاهُ فِيهَا بِمَا يَرَاهُ مَذْهَبُهُ مُجِيزًا لَهُ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ فَحْصٍ وَلَا تَفْصِيلٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لَمَا أَهْمَلُوهُ، خُصُوصًا مَعَ كَثْرَةِ تَبَايُنِ أَقْوَالِهِمْ. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ (فِي " الْمُغْنِي " النِّسْبَةُ إلَى إمَامٍ فِي الْفُرُوعِ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَتْ بِمَذْمُومَةٍ، فَإِنَّ اخْتِلَافَهُمْ رَحْمَةٌ، وَاتِّفَاقَهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ. قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: وَفِيهِ) أَيْ: قَوْلِ الْمُوَفَّقِ (نَظَرٌ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِمْ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ) أَيْ: الْمُوَفَّقِ (مَا فَهِمَهُ هَذَا الْحَنَفِيُّ. انْتَهَى) قَالَ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرُهُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ» ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْوَصَايَا (وَفِي الْإِفْصَاحِ) لِابْنِ هُبَيْرَةَ: الْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ عَلَى تَقْلِيدِ كُلٍّ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، انْتَهَى. (وَيَتَّجِهُ وَفِيهِ) ؛ أَيْ: كَلَامِ الْإِفْصَاحِ (نَظَرٌ بَلْ يَجُوزُ) تَقْلِيدُ غَيْرِهِمْ مِنْ الثِّقَاتِ (حَيْثُ لَا تَحْتَمِلُ الْمَسْأَلَةُ قَيْدًا كَمُقَلِّدِ دَاوُد) الظَّاهِرِيِّ (فِي حِلِّ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَمُقَلِّدِ ابْنِ حَزْمٍ فِي اللُّبْثِ بِمَسْجِدٍ لِلْجُنُبِ وَمُقَلِّدِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ) وَابْنِ الْقَيِّمِ (وَغَيْرِهِمَا) مِمَّنْ يُفْتِي (فِي أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ إذَا كَانَ دَفْعَةً) كَأَنْتَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَنَحْوُهُ (لَا يَقَعُ غَيْرَ وَاحِدَةٍ، وَفِي عَلَيَّ الطَّلَاقُ) لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَلَمْ يَفْعَلْهُ (لَا يَقَعُ شَيْءٌ، فَإِنْ احْتَمَلَ التَّقَيُّدَ امْتَنَعَ كَمُقَلَّدِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي حِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مَعَ الْحِيلَةِ) لِأَنَّ الْحِيَلَ لَا تَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ (وَمُقَلَّدُ نَافِعٍ وَابْنِ عُمَرَ فِي الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ حَالَةَ الْحَيْضِ وَأَمْثَالِ هَذَا الِاحْتِمَالُ أَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ ذَلِكَ حِينَئِذٍ) وَلِانْفِرَادِهِمَا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 446 وَمُعَاصِرُوهُمَا فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَقَالُوا: لَيْسَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ دَاوُد فَإِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ. لَا يَأْبَاهَا، وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ ابْنِ حَزْمٍ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَدْ قَالَ بِهَا، وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِهَا كَثِيرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ وَقَدْ أَنْهَيْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَثَبَتَ عِنْدَهُ صِحَّةُ نِسْبَتِهَا لِهَؤُلَاءِ الرِّجَالِ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ خُصُوصًا إذَا دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي وَلَا لِغَيْرِهِ تَتَبُّعُ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ، وَلَا تَتَبُّعُ الرُّخَص لِمَنْ أَرَادَ نَفْعَهُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ: تَتَبَّعَ الْحِيَلَ الْمَكْرُوهَةَ وَالْمُحَرَّمَةَ وَالرُّخَصَ (فَسَقَ، وَحَرُمَ اسْتِفْتَاؤُهُ وَإِنْ حَسُنَ قَصْدُهُ) . ، أَيْ: الْمُفْتِي (فِي حِيلَةٍ جَائِزَةٍ، وَلَا شُبْهَةَ فِيهَا، وَلَا مَفْسَدَةَ، لِيَتَخَلَّصَ الْمُسْتَفْتِي بِهَا مِنْ حَرَجٍ جَازَ كَمَا «أَرْشَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا إلَى بَيْعِ التَّمْرِ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ تَمْرًا؛ فَيَتَخَلَّصُ مِنْ الرِّبَا» ) بِذَلِكَ، وَهَذَا إذَا كَانَ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ، أَوْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ بِدَرَاهِمَ مِنْ جِنْسِ الْأُولَى عَلَى صِفَتِهَا؛ فَتَحْصُلُ الْمُقَاصَّةُ، وَيَتَخَلَّصُ مِنْ الرِّبَا وَمَا إذَا اشْتَرَى بِعَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ قَبْلَ قَبْضِهَا مِمَّا يُشَارِكُهُ فِي الْعِلَّةِ فَلَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ (وَلَيْسَ لِمَنْ انْتَسَبَ إلَى مَذْهَبِ إمَامٍ أَنْ يَتَخَيَّرَ فِي مَسْأَلَةٍ ذَاتِ قَوْلَيْنِ) لِإِمَامِهِ، أَوْ وَجْهَيْنِ لِأَحَدِ أَصْحَابِهِ؛ فَيُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ بِحَسَبِ مَا يَخْتَارُهُ مِنْهُمَا (بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ أَيُّهُمَا أَرْجَحُ، فَيَعْمَلُ بِهِ، لِقُوَّتِهِ وَقَالَ الْقَاضِي فِيمَا إذَا اعْتَدِلْ عِنْدَهُ قَوْلَانِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، يُفْتِي بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 447 (وَمَنْ قَوِيَ عِنْدَهُ مَذْهَبُ غَيْرِ إمَامِهِ) لِظُهُورِ الدَّلِيلِ مَعَهُ، أَفْتَى بِهِ، أَيْ: بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ مِنْ مَذْهَبِ غَيْرِ إمَامِهِ (وَأَعْلَمَ السَّائِلَ) بِذَلِكَ؛ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي تَقْلِيدِهِ. (قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إذَا جَاءَتْ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَ فِيهَا أَثَرٌ) أَيْ: حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَلَا مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُ حُجَّةٌ إذَا لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ (فَأَفْتِ فِيهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 448 بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ) وَفِي " الْمُبْدِعِ " قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: إذَا سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ أَعْرِفْ فِيهَا خَبَرًا قُلْتُ فِيهَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ إمَامٌ عَالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا» (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مُفْتِيًا) وَاحِدًا (لَزِمَهُ أَخْذُهُ بِقَوْلِهِ، كَمَا لَوْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ حَاكِمٌ) قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الْتِزَامِهِ وَلَا سُكُونِ نَفْسِهِ إلَى صِحَّتِهِ (وَكَذَا مُلْتَزِمُ قَوْلِ مُفْتٍ وَثَمَّ غَيْرُهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 449 قَالَ فِي " شَرَحَ التَّحْرِيرِ " (فَلَوْ أَفْتَى الْمُقَلِّدَ مُفْتٍ) وَاحِدٌ (وَعَمِلَ بِهِ الْمُقَلِّدُ؛ لَزِمَهُ قَطْعًا، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَى فَتْوَى غَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ إجْمَاعًا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا) وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ ": هَذَا الْأَشْهَرُ [تَتِمَّةٌ جَعَلَ أَهْلُ بَلَدٍ لِلْمُفْتِي رِزْقًا لِيَتَفَرَّغَ لَهُمْ] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ جَعَلَ أَهْلُ بَلَدٍ لِلْمُفْتِي رِزْقًا لِيَتَفَرَّغَ لَهُمْ؛ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ، وَجَعْلُ الْأَرْزَاقِ مَعْرُوفٌ غَيْرُ لَازِمٍ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ. قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَلَا يُورَثُ، بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ قَالَ: وَبَابُ الْأَرْزَاقِ أَدْخَلُ فِي بَابِ الْإِحْسَانِ وَأَبْعَدُ فِي بَابِ الْمُعَاوَضَةِ، وَبَابُ الْإِجَارَةِ أَبْعَدُ عَنْ بَابِ الْمُسَامَحَةِ وَأَدْخَلُ فِي بَابِ الْمُكَاسَبَةِ، وَلِلْمُفْتِي قَبُولُ هَدِيَّةٍ لَا لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُهُ مِمَّا لَا يُفْتِي بِهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ أَخَذَهَا لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُهُ؛ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا. [فَصْلٌ فِي مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَفْتَى كِتَابَةً] فَصْلٌ (يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَفْتَى خَطًّا) ؛ أَيْ: كِتَابَةً لَا لَفْظًا (أَنْ يَكْتُبَ فِي أَوَّلِ فَتْوَاهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَفِي آخِرِهَا: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَتَبَهُ فُلَانٌ الْحَنْبَلِيُّ أَوْ الشَّافِعِيُّ وَنَحْوُهُ) كَالْمَالِكِيِّ وَالْحَنَفِيِّ اقْتِدَاءً بِمَنْ سَلَفَ وَ (يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْتَبَ الْجَوَابُ بِخَطٍّ وَاضِحٍ، وَيُقَارِبُ سُطُورَهُ وَخَطَّهُ لِئَلَّا يُزَوِّرَ أَحَدٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَتَأَمَّلُ الْجَوَابَ بَعْدَ كِتَابَتِهِ خَوْفَ غَلَطٍ أَوْ سَهْوٍ، وَإِذَا رَأَى فِي آخِرِ سَطْرٍ الْفُتْيَا أَوْ فِي خِلَالِهَا بَيَاضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ مَا يُفْسِدُ الْجَوَابَ؛ فَلْيَحْتَرِزْ مِنْهُ بِالْأَمْرِ بِكِتَابَةِ غَيْرِ الْوَرَقَةِ أَوْ يَشْغَلُهُ بِشَيْءٍ) لِيَأْمَنَ مِنْ الزِّيَادَةِ (وَإِنْ رَأَى لَحْنًا فَاحِشًا فِي الرُّقْعَةِ) الْمَكْتُوبِ فِيهَا السُّؤَالُ (أَوْ رَأَى خَطًّا يُحِيلُ بِهِ الْمَعْنَى أَصْلَحَهُ) لِأَنَّ إجَابَتَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ الْفَهْمِ الْمَقْصُودِ (وَيَنْبَغِي) لِلْمُفْتِي (أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ مَوْصُولًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 450 بِآخِرِ سَطْرٍ فِي الْوَرَقَةِ) وَلَا يَدَعُ بَيْنَهُمَا فُرْجَةً خَوْفًا مِنْ أَنْ يُثْبِتَ السَّائِلُ فِيهَا غَرَضًا لَهُ ضَارًّا. تَنْبِيهٌ: إذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ وَرَقَةٌ مُلْتَزِقَةٌ كَتَبَ عَلَى مَوْضِعِ الِالْتِزَاقِ، وَشَغَلَهُ بِشَيْءٍ؛ لِئَلَّا يُحَلَّ اللَّزُوقُ، وَيُوصَلَ بِرُقْعَةٍ أُخْرَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُلْتَزِقٍ، وَطَلَبَ مِنْهُ الْكِتَابَةَ لِيَلْزَقَ؛ لَمْ يُجِبْ، لِئَلَّا يَلْزَقَ بِغَيْرِ مَا سُئِلَ عَنْهُ مِمَّا يُخَالِفُهُ فِي الْحُكْمِ. (وَلَهُ أَنْ يَقُولَ مَعَ جَوَابِ مَنْ تَقَدَّمَهُ) بِالْفُتْيَا (جَوَابِي كَذَلِكَ، أَوْ الْجَوَابُ صَحِيحٌ) وَبِهِ أَقُولُ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَإِذَا عَلِمَ صَوَابَ جَوَابِهِ وَمُوَافَقَتِهِ، وَكَانَ أَهْلًا) لِلْفُتْيَا (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَوَابَهُ (اسْتَقَلَّ بِالْجَوَابِ) مَعَهُ فِي الْوَرَقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ تَقَدَّمَ الْمُفْتِيَ أَهْلًا لِلْفُتْيَا، لَمْ يُفْتِ مَعَهُ، لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِلْمُنْكَرِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْمُفْتِي اسْمَ مَنْ كَتَبَ قَبْلَهُ، فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْفُتْيَا مَعَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ أَهْلٍ، فَيَكُونُ تَقْرِيرًا لِلْمُنْكَرِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُشِيرَ عَلَى صَاحِبِ الرُّقْعَةِ بِإِبْدَالِهَا إذَا جَهِلَ الْمُفْتِي قَبْلَهُ فِيهَا، فَإِنْ أَبَى إبْدَالَهَا أَجَابَهُ شِفَاهًا (وَإِذَا كَانَ هُوَ الْمُبْتَدِئَ بِالْإِفْتَاءِ فِي الرُّقْعَةِ كَتَبَ فِي النَّاحِيَةِ الْيُسْرَى) لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَإِنْ كَتَبَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَسْفَلِ جَازَ وَلَا يَكْتُبُ فَوْقَ الْبَسْمَلَةِ احْتِرَامًا لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى (وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَصِرَ جَوَابَهُ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ إشْغَالٌ لِلرُّقْعَةِ بِمَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَقَدْ لَا يُرْضِي رَبَّهَا بِذَلِكَ، وَدَلَالَةُ الْحَالِ أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ فِي قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُبَ بَعْدَ جَوَابِهِ عَمَّا فِي الرُّقْعَةِ: زَادَ السَّائِلُ مِنْ لَفْظِهِ كَذَا وَكَذَا وَالْجَوَابُ عَنْهُ كَذَا وَكَذَا، لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْوَاقِعِ. (وَإِنْ جَهِلَ الْمُفْتِي لِسَانَ السَّائِلِ) أَيْ: لُغَتَهُ (أَجْزَأَتْ تَرْجَمَةُ وَاحِدٍ ثِقَةٍ) كَالْإِخْبَارِ بِالْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا، بِخِلَافِ التَّرْجَمَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ؛ فَحُكْمُهَا كَالشَّهَادَةِ، وَيَأْتِي (وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ) كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَيْمَانِ وَالْأَقَارِيرِ (بِمَا اعْتَادَهُ هُوَ مِنْ فَهْمِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ، دُونَ أَنْ يَعْرِفَ عُرْفَ أَهْلِهَا وَالْمُتَكَلِّمِينَ بِهَا، بَلْ يَحْمِلُهَا عَلَى مَا اعْتَادُوهُ وَعَرَفُوهُ، وَإِنْ كَانَ) الَّذِي اعْتَادَ (مُخَالِفًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 451 لِحَقَائِقِهَا الْأَصْلِيَّةِ) أَيْ: اللُّغَوِيَّةِ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الْعُرْفِيَّ يُقَدَّمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمَهْجُورَةِ. (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُلْقِيَ السَّائِلَ فِي الْحَيْرَةِ، كَأَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْفَرَائِضِ تُقْسَمُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ) تَعَالَى، أَوْ يَقُولَ: فِيهَا، أَيْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا (قَوْلَانِ، بَلْ يُبَيِّنُ بَيَانًا مُزِيلًا لِلْإِشْكَالِ) لِأَنَّ الْفُتْيَا تُبَيِّنُ الْحُكْمَ. (وَمَنْ كَتَبَ عَلَى فُتْيَا أَوْ شَهَادَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُكَبِّرَ خَطَّهُ، وَلَا أَنْ يُوَسِّعَ السُّطُورَ بِلَا إذْنٍ أَوْ حَاجَةٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ لَفْظًا وَلَا عُرْفًا (وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ بِخَطِّهِ لَا بِإِمْلَائِهِ) وَتَهْذِيبِهِ (وَإِذَا كَانَ فِي رُقْعَةِ الِاسْتِفْتَاءِ مَسَائِلُ؛ فَالْأَحْسَنُ تَرْتِيبُ الْجَوَابِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمَسَائِلِ) لِيَحْصُلَ التَّنَاسُبُ. (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ الْجَوَابَ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ مِنْ صُورَةِ الْوَاقِعَةِ) إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الرُّقْعَةِ تَعَرُّضٌ لَهُ (بَلْ يَذْكُرُ جَوَابَ مَا فِي الرُّقْعَةِ؛ فَإِنْ أَرَادَ الْجَوَابَ عَلَى خِلَافِ مَا فِيهَا؛ فَلْيَقُلْ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَا فَجَوَابُهُ كَذَا) ، وَإِنْ أَمَرَ السَّائِلُ بِتَغْيِيرِ الرُّقْعَةِ فَهُوَ أَوْلَى (وَلَهُ) أَيْ: الْمُفْتِي الْعُدُولُ (عَنْ جَوَابِ السُّؤَالِ إلَى مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلسَّائِلِ) قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] . وَيَجُوزُ لِلْمُفْتِي (أَنْ يُجِيبَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ) عَنْهُ؛ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلِلْمُفْتِي (أَنْ يُنَبِّهَهُ) أَيْ: الْمُسْتَفْتِيَ (عَلَى مَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْهِدَايَةِ لِدَفْعِ الْمَضَارِّ (وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مُسْتَغْرَبًا وَطَّأَ قَبْلَهُ مَا هُوَ كَالْمُقَدِّمَةِ) لَهُ لِيُزِيلَ اسْتِغْرَابَهُ. (وَلْيَحْذَرْ الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ فِي فُتْيَاهُ مَعَ الْمُسْتَفْتِي أَوْ مَعَ خَصْمِهِ بِأَنْ يَكْتُبَ فِي جَوَابِهِ مَا هُوَ لَهُ) أَيْ: لِلْمُسْتَفْتِي (وَيَسْكُتَ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ) كَأَنْ يُحَاوِلَ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَجْعَلَهُ كَالْمُعْمَى فَيَنْفِرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ السَّائِلُ أَوْ خَصْمُهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 452 وَلَهُ؛ أَيْ: الْمُسْتَفْتِي (الْعَمَلُ بِخَطِّ الْمُفْتِي، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْفَتْوَى مِنْ لَفْظِهِ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ خَطُّهُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَكْتُبُ لِعُمَّالِهِ وَوُلَاتِهِ وَسُعَاتِهِ، وَيَعْمَلُونَ بِذَلِكَ. وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ حُكْمِ الْحَاكِمِ. قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: وَمِنْ ذَلِكَ الْعَمَلُ بِكُتُبِ الْأَئِمَّةِ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا خَطُّهُمْ، أَوْ نَقَلَهَا الثِّقَةُ مِنْ خَطِّهِمْ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْقَضَاءُ] فَصْلٌ (وَالْقَضَاءُ هُوَ) فِي اللُّغَةِ إحْكَامُ الشَّيْءِ وَالْفَرَاغُ مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12] وَبِمَعْنَى أَوْجَبَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] وَبِمَعْنَى أَمْضَى الْحُكْمَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: " {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: 4] ، أَيْ: وَأَمْضَيْنَا وَأَنْهَيْنَا، وَسُمِّيَ الْحَاكِمُ قَاضِيًا، لِأَنَّهُ يُمْضِي الْأَحْكَامَ وَيُحْكِمُهَا أَوْ لِإِيجَابِ الْحُكْمِ عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ. وَاصْطِلَاحًا: (تَبَيُّنُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالْإِلْزَامُ بِهِ وَفَصْلُ الْحُكُومَاتِ) ؛ أَيْ: الْخُصُومَاتِ. وَالْحُكْمُ إنْشَاءٌ لِذَلِكَ الْإِلْزَامِ إنْ كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ، أَوْ لِلْإِبَاحَةِ إحْيَاؤُهُ صَارَ مُبَاحًا لِجَمِيعِ النَّاسِ. وَالْإِطْلَاقُ، إنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي الْإِبَاحَةِ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ الْمَالِكِيِّ بِأَنَّ الْمَوَاتَ إذَا بَطَلَ إحْيَاؤُهُ صَارَ مُبَاحًا لِجَمِيعِ النَّاسِ قَالَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ وَفِي " الِاخْتِيَارَاتِ الْحَاكِمُ فِيهِ صِفَاتٌ ثَلَاثٌ، فَمِنْ جِهَةِ الْإِثْبَاتِ هُوَ شَاهِدٌ وَمِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ " وَالنَّهْيِ هُوَ مُفْتٍ، وَمِنْ جِهَةِ الْإِلْزَامِ بِذَلِكَ هُوَ ذُو سُلْطَانٍ. انْتَهَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 453 وَأَرْكَانُ الْقَضَاءِ خَمْسَةٌ: الْقَاضِي وَالْمَقْضِيُّ بِهِ وَالْمَقْضِيُّ فِيهِ وَالْمَقْضِيُّ لَهُ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26] وقَوْله تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ؛ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَصْبِ الْقُضَاةِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ النَّاسِ. (وَهُوَ) ؛ أَيْ الْقَضَاءُ (فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالْإِمَامَةِ) الْعُظْمَى. قَالَ أَحْمَدُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ، أَتَذْهَبُ حُقُوقُ النَّاسِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَدْ أَوْجَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأْمِيرَ الْوَاحِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْقَلِيلِ الْعَارِضِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنْوَاعِ الِاجْتِمَاعِ، وَإِذَا أَجْمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ أَثِمُوا. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إنْ لَمْ يَحْتَكِمُوا فِي غَيْرِهِ، لَكِنَّ الْمُخَاطَبَ بِنَصَبِ الْقُضَاةِ الْإِمَامُ كَمَا يَأْتِي. (وَوِلَايَتُهُ) ؛ أَيْ: الْقَضَاءِ (رُتْبَةٌ دِينِيَّةٌ) وَنَصَبَةُ شَرْعِيَّةٌ (وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِمَنْ قَوِيَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ وَأَدَاءِ الْحَقِّ فِيهِ) قَالَ. مَسْرُوقٌ: لَأَنْ أَحْكُمَ يَوْمًا بِحَقٍّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْزُوَ سَنَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْوَاجِبُ اتِّخَاذُ الْوِلَايَةِ دِينًا وَقُرْبَةً؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى (وَإِنَّمَا فَسَدَ حَالُ الْأَكْثَرِ لِطَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ بِهِ) ، أَيْ: الْقَضَاءِ: (وَفِيهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ وَوِزْرٌ كَبِيرٌ لِمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الْحَقَّ فِيهِ) وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. أَيْ: مَنْ تَصَدَّى لِلْقَضَاءِ وَتَوَلَّاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلذَّبْحِ، فَلْيَحْذَرْهُ، وَالذَّبْحُ هَاهُنَا مَجَازٌ عَنْ الْهَلَاكِ. فَإِنَّهُ مِنْ أَسْرَعِ أَسْبَابِهِ (فَمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ) أَوْ قَضَى عَلَى جَهْلٍ فَفِي النَّارِ، (وَمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَفِي الْجَنَّةِ) لِحَدِيثِ: «قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 454 وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ بِكُلِّ إقْلِيمٍ قَاضِيًا لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الرَّعِيَّةِ الْمُتَكَلِّمُ بِمَصْلَحَتِهِمْ الْمَسْئُولِ عَنْهُمْ، فَيَبْعَثُ الْقُضَاةَ إلَى الْأَمْصَارِ كَفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ، وَلِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، لِئَلَّا يَتَوَقَّفَ الْأَمْرُ عَلَى السَّفَرِ إلَى الْإِمَامِ، فَتَضِيعُ الْحُقُوقُ ؛ لِمَا فِي السَّفَرِ إلَيْهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَكُلْفَةِ النَّفَقَةِ. وَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاضِيًا إلَى الْيَمَنِ، وَوَلَّى عُمَرُ شُرَيْحًا قَضَاءَ الْكُوفَةِ، وَكَعْبَ بْنَ سَوَّارٍ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَالْإِقْلِيمُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ، وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ (أَنْ يَخْتَارَ لِذَلِكَ أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ عِلْمًا وَوَرَعًا) لِأَنَّ الْإِمَامَ يَنْظُرُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ الْأَصْلَحِ لَهُمْ، فَيَخْتَارُ أَفْضَلَهُمْ عِلْمًا، لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ الْعِلْمِ بِهِ، الْأَفْضَلُ أَثْبَتُ وَأَمْكَنُ وَكَذَا مِنْ وَرَعِهِ أَشَدُّ، سُكُونُ النَّفْسِ إلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ أَعْظَمُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْإِمَامُ الْأَفْضَلَ سَأَلَ عَمَّنْ يَصْلُحُ، فَإِنْ ذُكِرَ لَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ أَحْضَرَهُ، وَسَأَلَهُ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ لِلْمَسْئُولِ غَرَضٌ غَيْرُ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُ وَلَّاهُ، وَإِلَّا بَحَثَ عَنْهَا، فَإِذَا عَرَفَهَا وَلَّاهُ، وَإِلَّا لَمْ يُوَلِّهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ (وَيَأْمُرُهُ بِالتَّقْوَى) وَإِيثَارِ الطَّاعَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ. (وَتَحَرِّي الْعَدْلِ) وَالِاجْتِهَادِ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَذْكِرَةٌ لَهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، وَإِعَانَةٌ لَهُ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ، وَتَقْوِيَةٌ لِقَلْبِهِ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى اعْتِنَاءِ الْإِمَامِ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَأَهْلِهِ، وَيَكْتُبُ الْإِمَامُ لِلْقَاضِي إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُ عَهْدًا يَذْكُرُ لَهُ فِيهِ أَنَّهُ وَلَّاهُ، أَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ إلَى آخِرِهِ (وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي كُلِّ صُقْعٍ) بِضَمِّ الصَّادِ، أَيْ: نَاحِيَةٍ (أَفْضَلُ مَنْ يَجِدُ لَهُمْ) عِلْمًا وَوَرَعًا، لِحَدِيثِ: «مَنْ وُلِّيَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، فَوَلَّى رَجُلًا وَهُوَ يَجِدُ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ ". (وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ) لِلْقَضَاءِ (إذَا طُلِبَ لَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ إنْ لَمْ يَشْغَلْهُ عَمَّا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ) لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 455 بِهِ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ، وَلِئَلَّا تَضِيعَ حُقُوقُ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ لَهُ أَوْ وُجِدَ مَوْثُوقٌ بِهِ غَيْرُهُ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ الدُّخُولُ فِيهِ (وَمَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ) مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ (الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُجِيبَ) إذَا طُلِبَ لِلْقَضَاءِ، طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ، وَرَفْعًا لِلْخَطَرِ، وَاتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْهُ وَالتَّوَقِّي لَهُ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ حَاكِمٍ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ إلَّا حُبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَلَكٌ آخِذٌ بِقَفَاهُ حَتَّى يَقِفَهُ عَلَى جَهَنَّمَ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ قَالَ أَلْقِهِ أَلْقَاهُ فِي مَهْوًى أَيْ: فَهَوَى أَرْبَعِينَ خَرِيفًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. (وَكُرِهَ لَهُ طَلَبُهُ) أَيْ: الْقَضَاءِ إذًا أَيْ: مَعَ وُجُودِ صَالِحٍ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ جُبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: «إنَّا وَاَللَّهِ لَا نُوَلِّي هَذَا الْعَمَلَ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ» . وَيُكْرَهُ أَيْضًا طَلَبُ الْإِمَارَةِ: لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: «لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَطَرِيقَةُ السَّلَفِ الِامْتِنَاعُ) طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ بِالْوَاجِبِ لِظُلْمِ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ؛ حَرُمَ عَلَيْهِ) الدُّخُولُ فِيهِ (وَتَأَكَّدَ الِامْتِنَاعُ) مِنْ الْإِجَابَةِ إلَيْهِ (وَيَحْرُمُ بَذْلُ مَالٍ فِيهِ) أَيْ: الْقَضَاءِ، وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ بُذِلَ لَهُ الْمَالُ فِي الْقَضَاءِ (أَخْذُهُ) وَهُوَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (وَ) يَحْرُمُ (دُخُولُ مَنْ لَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (وَ) يَحْرُمُ (طَلَبُهُ وَفِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ) أَيْ: صَالِحٌ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ أَذَى الْقَائِمِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ؛ لَمْ يَحْرُمْ طَلَبُهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ قَصْدِهِ إزَالَتَهُ أُثِيبَ، وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ لِيَخْتَصَّ بِالنَّظَرِ أُبِيحَ، وَيَحْرُمُ الدُّخُولُ فِي الْقَضَاءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 456 عَلَى مَنْ لَا يُحْسِنُهُ، وَلَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ شُرُوطُهُ، وَالشَّفَاعَةُ لَهُ وَإِعَانَتُهُ عَلَى التَّوْلِيَةِ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. (وَتَصِحُّ تَوْلِيَةُ مَفْضُولٍ) مَعَ وُجُودِ أَفْضَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ يُوَلَّى مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ مَعَ الِاشْتِهَارِ وَالتَّكْرَارِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَتَصِحُّ تَوْلِيَةُ (حَرِيصٍ عَلَيْهَا) بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ فِي أَهْلِيَّتِهِ، لَكِنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى. وَيَصِحُّ (تَعْلِيقُ وِلَايَةِ قَضَاءٍ) وَتَعْلِيقُ وِلَايَةِ (إمَارَةٍ) بِبَلَدٍ أَوْ جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ (بِشَرْطٍ) نَحْوِ قَوْلِ الْإِمَامِ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ الْقَاضِي أَوْ الْأَمِيرُ فَفُلَانٌ عِوَضُهُ؛ لِحَدِيثِ: «أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» . (وَشُرِطَ لِصِحَّتِهَا) أَيْ: وِلَايَةِ الْقَضَاءِ، (كَوْنُهَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِيهِ) أَيْ: الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ فَلَا يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ (وَأَنْ يَعْرِفَ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فِي الْقَضَاءِ (أَنَّ الْمُوَلَّى) بِفَتْحِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً (صَالِحٌ لِلْقَضَاءِ) لِأَنَّ الْجَهْلَ؛ بِصَلَاحِيَّتِهِ كَالْعِلْمِ بِعَدَمِهَا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ سَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْخِبْرَةِ (وَتَعْيِينُ مَا يُوَلِّيهِ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فِي الْقَضَاءِ (الْحُكْمُ فِيهِ مِنْ) الْأَعْمَالِ كَدِمَشْقَ وَنَوَاحِيهَا (وَالْبُلْدَانِ) كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِيَعْلَمَ مَحَلَّ وِلَايَتِهِ، فَيَحْكُمُ فِيهِ وَلَا يَحْكُمُ فِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وِلَايَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْوَكَالَةِ. وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا (مُشَافَهَتُهُ) بِهَا أَيْ: الْوِلَايَةِ إنْ كَانَ بِمَجْلِسِهِ (أَوْ مُكَاتَبَتُهُ) فَيَكْتُبُ عَهْدًا بِمَا وَلَّاهُ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ» ، وَكَتَبَ عَمْرٌو إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إلَيْكُمْ عَمَّارًا أَمِيرًا، وَعَبْدَ اللَّهِ قَاضِيًا فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَأَطِيعُوا (وَإِشْهَادُ عَدْلَيْنِ) عَلَيْهِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 457 أَيْ: التَّوْلِيَةِ إنْ بَعْدَمَا وَلَّاهُ فِيهِ عَنْ بَلَدِ الْإِمَامِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَيَكْتُبُ الْعَهْدَ وَيَقْرَؤُهُ عَلَى الْعَدْلَيْنِ، وَيَقُولُ لَهُمَا الْمُوَلِّي: اشْهَدَا عَلَيَّ أَنِّي قَدْ وَلَّيْتُ فُلَانًا قَضَاءَ كَذَا، وَتَقَدَّمْتُ إلَيْهِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْعَهْدُ لِيَمْضِيَا إلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، فَيُقِيمَا لَهُ الشَّهَادَةَ هُنَاكَ (أَوْ اسْتِفَاضَتُهَا) أَيْ: الْوِلَايَةِ (إذَا كَانَ بَلَدُ الْإِمَامِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ لِحَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةِ مَعْنَاهُ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي وُلِّيَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ آكَدُ مِنْ الشَّهَادَةِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِهَا النَّسَبُ وَالْمَوْتُ؛ فَلَا حَاجَةَ مَعَهَا إلَى الشَّهَادَةِ. وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوِلَايَةِ (عَدَالَةُ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ) لِئَلَّا يُفْضِيَ تَعَذُّرَ التَّوْلِيَةِ. (وَأَلْفَاظُهَا) أَيْ: التَّوْلِيَةِ (الصَّرِيحَةُ سَبْعَةٌ: وَلَّيْتُكَ الْحُكْمَ، وَقَلَّدْتُكَ الْحُكْمَ، وَفَوَّضْتُ إلَيْكَ الْحُكْمَ، وَرَدَدْتُ) إلَيْكَ الْحُكْمَ (وَجَعَلْتُ إلَيْكَ الْحُكْمَ، وَاسْتَخْلَفْتُكَ فِي الْحُكْمِ، وَاسْتَنَبْتُك فِي الْحُكْمِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهَا) أَيْ: أَحَدُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ السَّبْعَةِ (وَقَبِلَ مُوَلَّى) بِفَتْحِ اللَّامِ (حَاضِرٌ فِي الْمَجْلِسِ) انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، أَوْ قَبِلَ التَّوْلِيَةَ (غَائِبٌ عَنْ) الْمَجْلِسِ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ بُلُوغِ الْوِلَايَةِ لَهُ (أَوْ شَرَعَ غَائِبٌ فِي الْعَمَلِ، انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَدُلُّ عَلَى وِلَايَةِ الْقَضَاءِ دَلَالَةً لَا تَفْتَقِرُ مَعَهَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ. (وَالْكِنَايَةُ) مِنْ أَلْفَاظِ التَّوْلِيَةِ (نَحْوُ اعْتَمَدْتُ عَلَيْك، أَوْ عَوَّلْت عَلَيْك، أَوْ وَكَلْتُ إلَيْكَ، أَوْ اسْتَنَدْتُ إلَيْكَ) ، لَا تَنْعَقِدُ الْوِلَايَةُ (بِهَا) ؛ أَيْ: الْكِتَابَةِ إلَّا بِقَرِينَةٍ (نَحْوُ فَاحْكُمْ) أَوْ اقْضِ فِيهِ (أَوْ فَتَوَلَّ مَا عَوَّلْتُ عَلَيْكَ فِيهِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ الْوِلَايَةَ، وَغَيْرَهَا، كَالْأَخْذِ بِرَأْيِهِ وَنَحْوِهِ، فَلَا تَنْصَرِفُ إلَى التَّوْلِيَةِ إلَّا بِقَرِينَةٍ تَنْفِي الِاحْتِمَالَ. (وَإِنْ قَالَ) مَنْ لَهُ تَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ مَنْ نَظَرَ فِي الْحُكْمِ فِي بَلَدِ كَذَا مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَقَدْ وَلَّيْته؛ لَمْ تَنْعَقِدْ الْوِلَايَةُ (لِمَنْ نَظَرَ لِجَهَالَتِهِ) حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْ بِالْوِلَايَةِ وَاحِدًا مِنْهَا؛ كَقَوْلِهِ بِعْتُ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 458 (وَإِنْ قَالَ وَلَّيْتُ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَمَنْ نَظَرَ مِنْهُمَا) فِي الْحُكْمِ (فَهُوَ خَلِيفَتِي) انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ لَهُمَا جَمِيعًا بِقَوْلِهِ وَلَّيْتُ فُلَانًا وَفُلَانًا (وَيَتَعَيَّنُ مَنْ سَبَقَ) مِنْهُمَا بِالنَّظَرِ بِقَوْلِهِ: مَنْ نَظَرَ مِنْهُمَا فَهُوَ خَلِيفَتِي. [فَصْلٌ فِي مَا تُفِيدُهُ الْوِلَايَةُ الْعَامَّة] فَصْلٌ (وَتُفِيدُ وِلَايَةُ حُكْمٍ عَامَّةٍ) أَيْ: لَمْ تُقَيَّدْ بِحَالٍ دُونَ أُخْرَى (النَّظَرَ فِي أَشْيَاءَ وَالْإِلْزَامَ بِهَا) أَيْ: بِأَشْيَاءَ (وَهِيَ فَصْلُ الْحُكُومَةِ وَأَخْذُ الْحَقِّ) مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ (وَدَفْعُهُ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَالنَّظَرَ فِي مَالِ يَتِيمٍ وَمَالِ مَجْنُونٍ وَمَالِ سَفِيهٍ) لَا وَلِيَّ لَهُمْ غَيْرُهُ (وَمَالِ غَائِبٍ، وَالْحَجْرُ لِسَفَهٍ، وَالْحَجْرُ لِفَلَسٍ، وَالنَّظَرَ فِي وُقُوفِ عَمَلِهِ لِتَجْرِيَ عَلَى شَرْطِهَا، وَالنَّظَرَ فِي مَصَالِحِ طُرُقِ عَمَلِهِ وَأَفْنِيَتِهِ) جَمْعُ فِنَاءٍ مَا اتَّسَعَ أَمَامَ دُورِ عَمَلِهِ (وَتَنْفِيذَ الْوَصَايَا، وَتَزْوِيجَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا) مِنْ النِّسَاءِ (وَتَصَفُّحَ حَالِ شُهُودِهِ وَأُمَنَائِهِ لِيَسْتَبْدِلَ بِمَنْ ثَبَتَ جُرْحُهُ، وَإِقَامَةِ حَدٍّ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقِيمُ ذَلِكَ» وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ. (وَيَتَّجِهُ) وَتُفِيدُ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ أَيْضًا (دِعَايَةً لِصَلَاةٍ) لِأَنَّهَا مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِمَامَةَ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ مَا لَمْ يُخَصَّا بِإِمَامٍ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ أَوْ الْوَاقِفِ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ (وَجِبَايَةَ خَرَاجٍ وَجِبَايَةَ زَكَاةٍ مَا لَمْ يُخَصَّا بِعَامِلٍ) يَجْبِيهِمَا كَالْآنِ (وَلَا) تُفِيدُ وِلَايَةُ حُكْمٍ (الِاحْتِبَاسَ عَلَى الْبَاعَةِ وَالْمُشْتَرِينَ وَلَا إلْزَامَهُمْ بِالشَّرْعِ) لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَوَلِّي الْقَضَاءِ لِذَلِكَ. هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 459 الْمَذْهَبُ (خِلَافًا " لِلتَّبْصِرَةِ " وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (مَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْوِلَايَةِ لَا حَدَّ لَهُ شَرْعًا، بَلْ يَتَلَقَّى مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْأَحْوَالِ وَالْعُرْفِ) لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يُحَدُّ شَرْعًا يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: أَمِيرُ الْبَلَدِ إنَّمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْأَدَبِ، وَلَيْسَ لَهُ الْمَوَارِيثُ وَالْوَصَايَا وَالْفُرُوجُ وَالْحُدُودُ وَالرَّجْمُ إنَّمَا يَكُونُ هَذَا إلَى الْقَاضِي. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْقَاضِي (طَلَبُ رِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِنَفْسِهِ وَأُمَنَائِهِ وَخُلَفَائِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَلَى الْقَضَاءِ، وَفَرَضَ لَهُ رِزْقًا، وَرَزَقَ شُرَيْحًا فِي كُلِّ شَهْرٍ مِائَةَ دِرْهَمِ وَبَعَثَ إلَى الْكُوفَةِ عَمَّارًا وَابْنَ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، وَرِزْقُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ شَاةٌ، نِصْفُهَا لِعَمَّارٍ، وَنِصْفُهَا لِابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَاضِيَهُمْ وَمُعَلِّمَهُمْ وَكَتَبَ إلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى الشَّامِ أَنْ اُنْظُرَا رِجَالًا مِنْ صَالِحِي مَنْ قِبَلَكُمْ فَاسْتَعْمِلُوهُمْ عَلَى الْقَضَاءِ، وَوَسِّعُوا عَلَيْهِمْ وَارْزُقُوهُمْ وَاكْفُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى (حَتَّى مَعَ عَدَمٍ حَاجَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى الْقَضَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ الْفَرْضُ لَهُمْ لَتَعَطَّلَ الْقَضَاءُ، وَضَاعَتْ الْحُقُوقُ ، وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا وُلِّيَ الْخِلَافَةَ فَرَضُوا لَهُ رِزْقًا كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ. (فَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ؛ أَيْ: الْقَاضِي شَيْءٌ) مِنْ بَيْتٍ الْمَالِ (وَلَيْسَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ) وَعِيَالَهُ (وَقَالَ لِلْخَصْمَيْنِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا إلَّا بِجُعَلٍ جَازَ) لَهُ أَخْذُ الْجُعْلِ إلَّا الْأُجْرَةَ. قَالَ عُمَرُ: لَا يَنْبَغِي لِقَاضِي الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الْقَضَاءِ أُجْرَةً. وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ؛ أَشْبَهَ الصَّلَاةَ. قُلْتُ: وَالْمُحَكَّمُ مِثْلُهُ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجُعْلَ (لَا مَنْ تَعَيَّنَ أَنْ يُفْتِيَ وَلَهُ كِفَايَةٌ) فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَى الْإِفْتَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِأَنْ كَانَ بِالْبَلَدِ عَالِمٌ يَقُومُ مَقَامَهُ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ كِفَايَةٌ؛ جَازَ. (وَمَنْ يَأْخُذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) مِنْ الْمُفْتِينَ (لَا يَأْخُذُ) مِنْ مُسْتَفْتٍ (أُجْرَةً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 460 لِفُتْيَاهُ وَلَا لِخَطِّهِ اكْتِفَاءً بِمَا أَخَذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِلَّا يَأْخُذُ رِزْقًا، أَوْ أَخَذَ مَا لَا يَكْفِيهِ؛ أَخَذَ) أُجْرَةَ خَطِّهِ فَقَطْ. (وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فَرْضُ رِزْقٍ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (يُغْنِي عَنْ التَّكَسُّبِ، فَمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِتَدْرِيسِ عِلْمٍ وَفُتْيَا) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى قِيَامِ ذَلِكَ وَالِانْقِطَاعِ لَهُ ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْإِمَامَةِ وَالْقَضَاءِ. [فَصْلٌ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَاضِيَ عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ] فَصْلٌ (وَيَجُوزُ) لِلْإِمَامِ (أَنْ يُوَلِّيَ الْقَاضِيَ عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ) بِأَنْ يُوَلِّيَهُ سَائِرَ الْأَحْكَامِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ، وَيَجُوزُ (أَنْ يُوَلِّيَهُ خَالِصًا فِي أَحَدِهِمَا) أَوْ خَاصًّا فِيهِمَا، فَيُوَلِّيهِ عُمُومَ النَّظَرِ بِمَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ، أَوْ يُوَلِّيَهُ (خَالِصًا) كَعُقُودِ الْأَنْكِحَةِ مَثَلًا (بِمُحِلَّةٍ خَاصَّةٍ، فَيُنَفِّذُ حُكْمَهُ فِي مُقِيمٍ بِهَا) أَيْ: تِلْكَ الْمَحَلَّةِ (أَوْ فِي طَارِئٍ إلَيْهَا) وَمِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ أَهْلِهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ بِدَلِيلِ أَنَّ الدِّمَاءَ الْوَاجِبَةَ لِأَهْلِ مَكَّةَ يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا فِي الطَّارِئِ إلَيْهَا كَأَهْلِهَا (فَقَطْ) فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيمَنْ لَيْسَ مُقِيمًا بِهَا وَلَا طَارِئًا إلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ (لَكِنْ لَوْ أَذِنَتْ لَهُ) امْرَأَةٌ (فِي تَزْوِيجِهَا) وَهِيَ فِي عَمَلِهِ (فَلَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ عَمَلِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ) تَزْوِيجُهَا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَيْسَتْ فِي وِلَايَتِهِ (كَمَا لَوْ أَذِنَتْ لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا، وَهِيَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ) ثُمَّ زَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ دَخَلَتْ إلَى عَمَلِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ، إذْ لَا أَثَرَ فِي إذْنِهَا بِغَيْرِ عَمَلِهِ؛ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهَا إذَنْ، كَمَا لَوْ لَمْ تَدْخُلْ إلَى عَمَلِهِ بَعْدَ إذْنِهَا لَهُ (فَلَوْ عَلَّقَتْ الْإِذْنَ) فِي تَزْوِيجِهَا (بِدُخُولِهِ عَمَلَهُ، صَحَّ) تَزْوِيجُهُ لَهَا، لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ، وَالْإِذْنِ فِي مُعَيِّنِ الْوَكَالَةِ، وَلَيْسَ وَكَالَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ عَزْلَهُ. (وَلَا يَحْكُمُ) قَاضٍ (وَلَا يُوَلِّي، وَلَا يَسْمَعُ بَيِّنَةً فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، وَهُوَ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 461 عَمَلُهُ (مَحَلُّ) نُفُوذِ (حُكْمِهِ) فَمَنْ وُلِّيَ الْقَضَاءَ بِمَجْلِسٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ إلَّا فِيهِ، وَلَا يَسْمَعُ بَيِّنَتَهُ إلَّا فِيهِ (وَتَجِبُ إعَادَةُ الشَّهَادَةِ) إذَا سَمِعَهَا فِي غَيْرِ عَمَلِهِ (فِيهِ) ؛ أَيْ: فِي عَمَلِهِ (كَتَعْدِيلِهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةِ؛ فَلَا يَسْمَعُهُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، فَإِنْ سَمِعَهُ فِي غَيْرِهِ أَعَادَهُ فِيهِ كَالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ عَمَلِهِ كَسَمَاعِهِ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ. (وَإِنْ تَرَافَعَ إلَيْهِ خَصْمَانِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ؛ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ وِلَايَتِهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ (فَإِنْ حَكَّمَاهُ) الْخَصْمَانِ بَيْنَهُمَا (صَحَّ) مِنْهُ (كَغَيْرِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، أَوْ يُوَلِّيهِ) أَيْ: يُوَلِّي الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فِيهِ (الْحُكْمَ فِي الْمُدَايَنَاتِ خَاصَّةً، أَوْ يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ فِي قَدْرٍ مِنْ الْمَالِ لَا يَتَجَاوَزُهُ كَأَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا فِي عَشَرَةٍ فَمَا دُونُ، أَوْ يُجْعَلَ إلَيْهِ) أَيْ: الْقَاضِي (عُقُودُ الْأَنْكِحَةِ خَاصَّةً) فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ أَوْ فِي بَلَدٍ خَاصٍّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ، فَمَلَكَ الِاسْتِنَابَةَ فِي جَمِيعِهِ وَبَعْضِهِ، وَقَدْ صَحَّ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَسْتَنِيبُ أَصْحَابَهُ كُلًّا فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَوَلَّى عُمَرُ الْقَضَاءَ، وَبَعَثَ عَلِيًّا قَاضِيًا إلَى الْيَمَنِ، وَكَانَ يَبْعَثُ أَصْحَابَهُ فِي جَمْعِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا، وَخُلَفَاءَهُ» . (وَلَهُ) أَيْ: الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ (أَنْ يُوَلِّيَ) قَاضِيًا (مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِهِ) لِأَنَّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فِي قَضَائِهِ (وَلَهُ) أَنْ يُوَلِّيَ (قَاضِيَيْنِ فَأَكْثَرَ بِبَلَدٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ اتَّحَدَ عَمَلُهُمَا) لِأَنَّ الْغَرَضَ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ وَإِيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ؛ فَأَشْبَهَ الْقَاضِيَ وَخُلَفَاءَهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ (وَلِنَائِبِ الْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ مَعَ الْإِطْلَاقِ) . قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ، وَجَعْلًا لَهُ كَالْوَصِيِّ (لَا إنْ نَهَاهُ) عَنْ الِاسْتِخْلَافِ، فَإِنْ نَهَاهُ الْإِمَامُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ قَاصِرَةٌ. (وَيَتَّجِهُ بَلْ) لِلْقَاضِي (أَنْ يَسْتَنِيبَ وَلَوْ نَهَاهُ) الْإِمَامُ (حَيْثُ قُلْنَا هُوَ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 462 أَيْ: الْقَاضِي نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ لَا نَائِبُ (الْإِمَامِ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ مَنْ وَلَّاهُ وَلَا بِمَوْتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ الْقَضَاءَ لِوَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26] وَالْحَقُّ لَا يَتَعَيَّنُ فِي مَذْهَبٍ، وَقَدْ يَظْهَرُ الْحَقُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ، فَإِنْ وَلَّاهُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ بَطَلَ الشَّرْطُ، وَصَحَّتْ الْوِلَايَةُ كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ. (وَيَتَّجِهُ حَمْلُهُ) أَيْ: عَدَمُ الْجَوَازِ عَلَى قَاضٍ مُجْتَهِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادِهِ؛ فَتَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ غَيْرِهِ غَيْرُ جَائِزٍ (وَإِلَّا) ، نَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ، فَلَا يَصِحُّ؛ (لِأَنَّ عَمَلَ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ إمَامٍ بِعَيْنِهِ اُسْتُتِيبَ وَإِلَّا قُتِلَ. قَالَ: وَإِنْ قَالَ يَنْبَغِي تَقْلِيدُ إمَامٍ بِعَيْنِهِ كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا، وَقَالَ: وَمَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِإِمَامٍ فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ، أَوْ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا أَعْلَمَ أَوْ أَتْقَى؛ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَلَمْ يَقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ: وَفِي هَذِهِ الْحَالِ، أَيْ: حَالِ قُوَّةِ الدَّلِيلِ، أَوْ كَوْنِ أَحَدِهِمَا أَعْلَمَ أَوْ أَتْقَى يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ عَنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 463 (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ وَالِدَهُ، وَ) لَا أَنْ يُوَلِّيَ (وَلَدَهُ مِنْ أَيِّ: إنْسَانٍ فَرَضَ لَهُ الْإِمَامُ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ) كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي صَدَقَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا دَفْعُهُ إلَى هَذَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ. (وَيَتَّجِهُ بَلْ) يَجُوزُ لَهُ أَيْ: لِمَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْقَضَاءَ (ذَلِكَ) أَيْ: أَنْ يُوَلِّيَ وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ كَغَيْرِهِمَا (لِمَا يَأْتِي) قَرِيبًا أَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ، لَا نَائِبُ الْإِمَامِ، وَإِذَا كَانَ نَائِبًا عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُ تَوْلِيَةُ مَنْ شَاءَ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: " لِلْإِقْنَاعِ " (هُنَا) فِي قَوْلِهِ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ نَفْسَهُ وَلَا وَالِدَهُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الصَّدَقَةِ بِمَالٍ، فَجَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الْوَكِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُقَدَّمُ قَوْلُ طَالِبٍ) إذَا تَنَازَعَ خَصْمَانِ، وَطَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْحُكْمَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا؛ فَيُقَدَّمُ مُدَّعٍ (وَلَوْ عِنْدَ نَائِبٍ) وَالْآخَرُ عِنْدَ مُسْتَنِيبٍ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى حَقٌّ لِلْمُدَّعِي (فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ: الْخَصْمَانِ فِي الطَّلَبِ (كَمُدَّعَيْنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِ مَبِيعٍ بَاقٍ؛ فَأَقْرَبُ الْحَاكِمَيْنِ) يُقَدَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى كُلْفَةِ الْمُضِيِّ لِلْأَبْعَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 464 (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَى الْحَاكِمَانِ أَيْضًا فِي الْقُرْبِ، يُقَدَّمُ مِنْ الْحَاكِمَيْنِ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ (قُرْعَةٌ) لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا. (وَإِنْ زَالَتْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ أَوْ عُزِلَ الْإِمَامُ وَمَنْ وَلَّاهُ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ) لِلْقَضَاءِ، (لَمْ تَبْطُلْ وِلَايَتُهُ، لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ، لَا الْإِمَامِ) لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ الصَّادِرَةَ مِنْ الْإِمَامِ لِلْقَاضِي عَقْدٌ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَمْلِكْ عَزْلَهُ مَعَ سَدَادِ حَالِهِ، كَمَا لَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ، وَلِأَنَّ الْخُلَفَاءَ وَلَّوْا حُكَّامًا فِي زَمَانِهِمْ فَلَمْ يَنْعَزِلُوا بِمَوْتِهِمْ، وَلِمَا فِي عَزْلِهِ بِمَوْتِ الْإِمَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِتَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ وَتَوَفُّقِهَا إلَى أَنْ يَتَوَلَّى الثَّانِي. (وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَنِيبُ قَاضِيًا، فَعَزَلَ نُوَّابَهُ فِي قَضَاءٍ أَوْ نَظَرِ وَقْفٍ أَوْ عَلَى أَيْتَامٍ أَوْ بَيْعِ تَرِكَةِ مَيِّتٍ أَوْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ بِمَوْتٍ، أَوْ زَالَتْ بِنَحْوِ فِسْقٍ) كَاخْتِلَالِ بَعْضِ شُرُوطِهِ (انْعَزَلُوا عَلَى الصَّحِيحِ) مِنْ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُمْ نُوَّابُهُ كَالْوُكَلَاءِ، بِخِلَافِ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ قَاضِيًا، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ قَضَايَا النَّاسِ وَأَحْكَامُهُمْ عِنْدَهُ وَعِنْدَ نُوَّابِهِ بِالْبُلْدَانِ، فَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (لَا إنْ قَالَ) الْإِمَامُ لِلْقَاضِي (اسْتَخْلِفْ عَنِّي) فَاسْتَخْلَفَ شَخْصًا ثُمَّ عَزَلَهُ، لَمْ يَنْعَزِلْ، لِأَنَّهُ نَائِبُ الْإِمَامِ لَا الْقَاضِي. (وَكَقَاضٍ) فِي الْحُكْمِ (وَالٍ وَمُحْتَسِبٍ وَأَمِيرِ جِهَادٍ وَوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ) وَمَنْ نُصِّبَ لِجِبَايَةِ مَالٍ كَخَرَاجٍ وَصَرْفِهِ (وَيَتَّجِهُ إذَا وَلَّاهُمْ الْإِمَامُ) فَلَا يَنْعَزِلُونَ بِعَزْلِهِ وَلَا مَوْتِهِ، لِأَنَّهَا عُقُودٌ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَإِلَّا) يَكُنْ وَلَّاهُمْ الْإِمَامُ فَهُمْ (كَنُوَّابِ قَاضٍ) يَنْعَزِلُونَ بِعَزْلِ مَنْ وَلَّاهُمْ، وَلِأَنَّهُمْ وُكَلَاؤُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَبْطُلُ مَا فَرَضَهُ فَارِضٌ) مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَأُجْرَةِ مَسْكَنٍ وَخَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ وَعَطَاءٍ مِنْ دِيوَانِ الْمَصْلَحَةِ (فِي الْمُسْتَقْبَلِ ثُمَّ) مَاتَ مَنْ فَرَضَهُ، أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 465 عُزِلَ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ تَغْيِيرُهُ، مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السَّبَبُ. (وَمَنْ عَزَلَ نَفْسَهُ) مِنْ إمَامٍ وَقَاضٍ وَوَالٍ وَمُحْتَسِبٍ وَنَحْوهمْ (انْعَزَلَ) سَوَاءٌ كَانَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ (بِعَزْلٍ قَبْلَ عِلْمِهِ) لِتَعَلُّقِ قَضَايَا النَّاسِ وَأَحْكَامِهِمْ بِهِ؛ فَيَشُقُّ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ. (وَمَنْ أُخْبِرَ بِمَوْتِ مُوَلًّى بِبَلَدٍ، وَوُلِّيَ غَيْرُهُ، فَبَانَ) الْمَخْبَرُ عَنْهُ (حَيًّا لَمْ يَنْعَزِلْ مَنْ أُشِيعَ مَوْتُهُ) لِأَنَّهَا كَالْمُعَلَّقَةِ عَلَى صِحَّةِ الْأَخْبَارِ (وَكَذَا كُلُّ) مَا رَتَّبَ عَلَى إنْهَاءِ فَاسِدٍ (كَمَنْ أَنْهَى شَيْئًا فَوُلِّيَ بِسَبَبِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ لَمْ) تَصِحَّ، لِأَنَّهَا كَالْمُعَلَّقَةِ عَلَى صِحَّةِ الْإِنْهَاءِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فَلْيَنْتَبْهُ لَهَا. [فَصْلٌ فِي شُرُوط الْقَاضِي] فَصْلٌ (يُشْتَرَطُ كَوْنُ قَاضٍ) مُتَّصِفًا بِعَشْرِ صِفَاتٍ أُشِيرَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (بَالِغًا عَاقِلًا) ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَنْفُذُ قَوْلُهُ فِي (نَفْسِهِ) فَلَأَنْ لَا يَنْفُذَ فِي غَيْرِهِ أَوْلَى، وَهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا، وَالْقَاضِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَبَيْنَ الْحَالَتَيْنِ مَسَافَاتٌ (ذِكْرًا) لِحَدِيثِ: «مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» . وَلِأَنَّهَا ضَعِيفَةُ الرَّأْيِ، نَاقِصَةُ الْعَقْلِ، لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْحُضُورِ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ، وَلَمْ يُوَلِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ امْرَأَةً قَضَاءً (حُرًّا) كُلُّهُ، لِأَنَّ الْعَبْدَ مَنْقُوصٌ بِرِقِّهِ، مَشْغُولٌ بِحُقُوقِ سَيِّدِهِ (مُسْلِمًا) ، لِأَنَّ الْكُفْرَ يَقْتَضِي إذْلَالَ صَاحِبِهِ، وَالْقَضَاءُ يَقْتَضِي احْتِرَامَهُ، وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ، وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الشَّهَادَةِ فَهُنَا أَوْلَى (عَدْلًا وَلَوْ ظَاهِرًا كَإِمَامَةِ صَلَاةٍ) عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ، وَالْمَذْهَبُ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ بَاطِنًا فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ (وَكَوَلِيِّ يَتِيمٍ وَحَاضِنٍ) صَغِيرٍ، وَلَوْ كَانَ الْعَدْلُ (تَائِبًا مِنْ قَذْفٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ فَلَا تَجُوزُ تَوْلِيَةُ فَاسِقٍ، وَلَا مَنْ فِيهِ نَقْصٌ يَمْنَعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 466 قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَيَجِبُ التَّبَيُّنُ عِنْدَ حُكْمِهِ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ وَالْفَاسِقَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ قَاضِيًا (سَمِيعًا) لِأَنَّ الْأَصَمَّ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ الْخَصْمَيْنِ (بَصِيرًا) لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يُمَيِّزُ الْمُدَّعِيَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا الْمُقِرَّ مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ (مُتَكَلِّمًا) لِأَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يُمْكِنُهُ النُّطْقُ بِالْحُكْمِ، وَلَا يَفْهَمُ جَمِيعُ النَّاسِ إشَارَتَهُ (مُجْتَهِدًا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إجْمَاعًا) لِأَنَّ فَاقِدَ الِاجْتِهَادِ إنَّمَا يَحْكُمُ بِالتَّقْلِيدِ، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] (وَلَوْ) كَانَ اجْتِهَادُهُ (فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ) إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ (لِلضَّرُورَةِ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ مُطْلَقٌ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ مِنْهُمْ) صَاحِبُ " الْإِفْصَاحِ " وَصَاحِبُ " الرِّعَايَةِ " (أَوْ مُقَلِّدًا) ، وَقَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ أَحْكَامُ النَّاسِ انْتَهَى. (وَكَذَا الْمُفْتِي) وَعَلَيْهِ فَيُرَاعِي كُلٌّ مِنْهُمَا أَلْفَاظَ إمَامِهِ، وَيُرَاعِي مِنْ أَقْوَالِهِ مُتَأَخِّرَهَا، وَيُقَلِّدُ كِبَارَ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ، (وَيْحَكُمْ بِهِ - وَلَوْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ) وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الظَّاهِرِ عَنْهُ، وَيَحْرُمُ الْحُكْمُ وَالْفَتْوَى بِالْهَوَى إجْمَاعًا، وَبِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ إجْمَاعًا وَيَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ بِمُوجِبِ اعْتِقَادِهِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ إجْمَاعًا. ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذِهِ الشُّرُوطُ تُعْتَبَرُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ، وَتَجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَمْثَلِ. فَالْأَمْثَلِ قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ (وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَيْضًا) : يُوَلَّى لِعَدَمِ أَنْفَعِ الْفَاسِقَيْنِ وَأَقَلِّهِمَا شَرًّا، (وَأَعْدَلِ - الْمُقَلِّدَيْنِ وَأَعْرَفُهُمَا بِالتَّقْلِيدِ) وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا تَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ، وَاخْتَلَّ النِّظَامُ. (وَلَوْ وَلَّاهُ فِي الْمَوَارِيثِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَعْرِفَ إلَّا الْفَرَائِضَ وَالْوَصَايَا وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، وَإِنْ وَلَّاهُ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ وَفَسْخَهَا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَعْرِفَ إلَّا ذَلِكَ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 467 وَعَلَى هَذَا فَقُضَاةُ الْأَطْرَافِ يَجُوزُ أَنْ لَا يَقْضُوا فِي الْأُمُورِ الْكَبَائِرِ كَالدِّمَاءِ وَالْقَضَايَا الْمُشْكِلَةِ. (وَيَجُوزُ) أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ لِلْقَاضِي (اقْضِ فِيمَا تَعْلَمُ) كَمَا يَقُولُ لِمُفْتٍ (أَفْتِ بِمَا تَعْلَمُ، وَيَبْقَى مَا لَا يَعْلَمُ خَارِجًا عَنْ وِلَايَتِهِ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ لَا تَقْضِ فِيمَا مَضَى لَهُ عَشْرُ سِنِينَ وَنَحْوُهُ) لِخُصُوصِ وِلَايَتِهِ (وَإِنْ نَهَاهُ الْإِمَامُ بَعْدَ أَنْ وَلَّاهُ عَنْ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةٍ، فَلَهُ الْحُكْمُ) كَمَا لَوْ لَمْ يَنْهَهُ صَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا وَلَّاهُ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ شَيْءٍ. (وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ قَاضٍ كَاتِبًا) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أُمِّيًّا، وَهُوَ سَيِّدُ الْحُكَّامِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ الْكِتَابَةُ، أَيْ: وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ (وَرِعًا أَوْ زَاهِدًا أَوْ يَقِظًا أَوْ مُثْبِتًا لِلْقِيَاسِ أَوْ حَسَنَ الْخُلُقِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ (وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ كَذَلِكَ) لِأَنَّهُ أَكْمَلُ كَالْأَسَنِّ إذَا سَاوَى الشَّابَّ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ. (وَمَا يَمْنَعُ التَّوْلِيَةَ أَبَدًا) كَالْجُنُونِ وَالْفِسْقِ وَالصَّمَمِ وَالْعَمَى (يَمْنَعُهَا دَوَامًا) لِيَنْعَزِلَ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، لِفَقْدِ شَرْطِ التَّوْلِيَةِ (فَمَتَى فَسَقَ أَوْ جُنَّ، انْعَزَلَ إلَّا فَقْدَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ) وَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ) حَتَّى عَمِيَ أَوْ طَرِشَ (فَإِنَّ وِلَايَةَ حُكْمِهِ بَاقِيَةٌ فِيهِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ الْأَعْمَى وَالْأَصَمَّ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ، وَالْأَصَمُّ لَا يَعْرِفُ مَا يُقَالُ فَلَا يُمْكِنُهُ الْحُكْمُ، فَإِذَا كَانَ قَدْ عَرَفَهُمَا قَبْلَ الْعَمَى، وَسَمِعَ مِنْهُمَا قَبْلَ الصَّمَمِ، وَثَبَتَ عِنْدَهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَصْمِ وَاللَّفْظِ، وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ أَنْ (يَحْكُمَ بِهِ بَعْدَ) الْعَمَى وَالصَّمَمِ، لِأَنَّ فَقْدَهُمَا لَيْسَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الِاجْتِهَادِ، فَيَصِحُّ الْحُكْمُ مِنْهُ مُسْتَنِدًا إلَى حَالِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا. (وَيَتَعَيَّنُ عَزْلُهُ) ؛ أَيْ: الْقَاضِي (مَعَ مَرَضٍ يَمْنَعُهُ الْقَضَاءَ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى إقَامَةِ غَيْرِهِ (وَيَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى عَبْدٌ إمَارَةَ سَرِيَّةً وَقَسْمَ صَدَقَةٍ) وَقَسْمٍ (فِي فَيْءٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 468 وَإِقَامَةِ صَلَاةٍ، وَيَتَّجِهُ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ. تَتِمَّةٌ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْوِلَايَةُ لَهَا رُكْنَانِ، الْقُوَّةُ وَالْأَمَانَةُ، فَالْقُوَّةُ فِي الْحُكْمِ تَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ بِالْعَدْلِ وَتَنْفِيذِ الْحُكْمِ، وَالْأَمَانَةُ تَرْجِعُ إلَى خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى. (وَالْمُجْتَهِدُ) مَأْخُوذٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ (مَنْ يَعْرِفُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْحَقِيقَةَ) أَيْ: اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي وَضْعٍ أَوَّلَ (وَالْمَجَازَ) ، أَيْ: اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ وَضْعٍ أَوَّلَ، أَيْ: لِعَلَاقَةٍ (وَالْأَمْرَ) أَيْ اقْتِضَاءُ الطَّلَبِ (وَالنَّهْيَ) أَيْ: اقْتِضَاءُ الْكَفِّ عَنْ فِعْلٍ لَا بِقَوْلِ كُفَّ (وَالْمُجْمَلَ) أَيْ: مَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ، (وَالْمُبَيَّنَ) ، أَيْ: الْمُخْرَجُ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي وَالْوُضُوحِ (وَالْمُحْكَمَ) ، أَيْ: اللَّفْظُ الْمُتَّضِحُ الْمَعْنَى (وَالْمُتَشَابِهَ) مُقَابِلُهُ إمَّا الِاشْتِرَاكُ أَوْ ظُهُورُ تَشْبِيهٍ أَوْ غَيْرِهِ كَالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ أَوَائِلَ السُّوَرِ (وَالْعَامَّ) مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُطْلَقًا (وَالْخَاصَّ) الْمَقْصُورُ مِنْ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ (وَالْمُطْلَقَ) مَا دَلَّ عَلَى شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ (وَالْمُقَيَّدَ) (مَا دَلَّ) عَلَى مُعَيَّنٍ (وَالنَّاسِخَ) أَيْ: رَافِعُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (وَالْمَنْسُوخَ) أَيْ: مَا انْتَسَخَ حُكْمُهُ شَرْعًا بَعْدَ ثُبُوتِهِ شَرْعًا (وَالْمُسْتَثْنَى) أَيْ: الْمُخَرَّجُ بِإِلَّا أَوْ بِإِحْدَى أَخَوَاتِهَا (وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ) هُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 469 الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ بِإِلَّا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا (وَيَعْرِفُ صَحِيحَ السُّنَّةِ) أَيْ: مَا نَقَلَهُ الْعَدْلُ الضَّابِطُ عَنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ شُذُوذٍ وَلَا عِلَّةٍ قَادِحَةٍ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْحَسَنَ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ (وَسَقِيمَهَا) أَيْ: السُّنَّةِ وَهُوَ مَا لَا تُوجَدُ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ كَالْمُنْقَطِعِ وَالْمُنْكَرِ وَالشَّاذِّ وَغَيْرِهَا، وَيَعْرِفُ (مُتَوَاتِرَهَا) : هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي نَقَلَهُ جَمْعٌ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ مُسْتَوِيًا فِي ذَلِكَ طَرَفَاهُ وَوَسْطُهُ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي عَدَدٍ بَلْ يُسْتَدَلُّ بِحُصُولِ الْعِلْمِ عَلَى حُصُولِ الْعَدَدِ، وَالْعِلْمُ الْحَاصِلُ عَنْهُ ضَرُورِيٌّ، وَيَعْرِفُ (آحَادَهَا) أَيْ: السُّنَّةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا رَاوِيهِ وَاحِدٌ بَلْ مَا لَا يَبْلُغُ التَّوَاتُرَ فَهُوَ آحَادٌ، وَيَعْرِفُ (مُسْنَدَهَا) أَيْ: السُّنَّةِ أَيْ: مَا اتَّصَلَ إسْنَادُهُ مِنْ رَاوِيَةِ إلَى مُنْتَهَاهُ، وَيُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا فِي الْمَرْفُوعِ. وَيَعْرِفُ (الْمُنْقَطِعَ) مِنْ السُّنَّةِ وَهُوَ مَا لَا يَتَّصِلُ سَنَدُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ الِانْقِطَاعُ (مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ) خَاصَّةً. وَيَعْرِفُ (الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفَ فِيهِ) لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا اجْتِهَادَ فِيهِ، وَالْمُخْتَلَفَ فِيهِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ فِيهِ، لِئَلَّا يَقُولَ فِيهِ قَوْلًا يَخْرُجُ عَنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَعْضِ (وَ) يَعْرِفُ (الْقِيَاسَ) وَهُوَ رَدُّ فَرْعٍ إلَى أَصْلِهِ. وَيَعْرِفُ (شُرُوطَهُ) أَيْ: الْقِيَاسِ لِيَرُدَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنْ الْفُرُوعِ إلَى أَصْلِهِ (وَيَعْرِفُ كَيْفَ يَسْتَنْبِطُ) الْأَحْكَامَ مِنْ أَدِلَّتِهَا، وَمَحَلُّ بَسْطِ ذَلِكَ كُتُبُ أُصُولِ الْفِقْهِ (وَيَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ وَهِيَ اللُّغَةُ الْمُتَدَاوَلَةُ بِحِجَازٍ وَشَامٍ وَعِرَاقٍ) قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " وَالْيَمَنِ (وَمَا يُوَالِيهِمْ) أَيْ: وَمَنْ فِي بِوَادِي هَذِهِ الْبِلَادِ، قِيلَ الْمُرَادُ بِالْعَرَبِيَّةِ الْإِعْرَابُ وَالْأَلْفَاظُ الْعَرَبِيَّةُ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهَا اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ مِنْ حَيْثُ اخْتِصَاصُهَا بِأَحْوَالٍ هِيَ الْإِعْرَابُ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ اللُّغَاتِ لِيَعْرِفَ بِذَلِكَ اسْتِنْبَاطَ الْأَحْكَامِ مِنْ أَصْنَافِ عُلُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، (وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ حِفْظُ الْقُرْآنِ) بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ حِفْظُ نَحْوِ خَمْسِمِائَةِ آيَةٍ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَحْكَامِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُعَظَّمُ، لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ وَهُوَ مَنْ يَعْرِفُ الصَّوَابَ بِدَلِيلِهِ كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ مِمَّا ذُكِرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 470 وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا إلَّا بِمَعْرِفَتِهِ، فَوَجَبَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ لِتُعْرَفَ دَلَالَتُهُ، وَتَوَقَّفَ الِاجْتِهَادُ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ (فَمَنْ عَرَفَ أَكْثَرَ ذَلِكَ) وَرُزِقَ فَهْمَهُ (فَقَطْ، صَلَحَ لِلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِنْبَاطِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ. قَالَ فِي " آدَابِ الْمُفْتِي " وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِذَلِكَ لِشُبْهَةٍ أَوْ إشْكَالٍ، لَكِنْ يَكْفِيهِ مَعْرِفَةُ وُجُودِ دَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ وَأَخْذُ الْأَحْكَامِ مِنْ لَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا (زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ " وَيَعْرِفُ الِاسْتِدْلَالَ، وَاسْتِصْحَابَ الْحَالِ، وَالْقُدْرَةَ عَلَى إبْطَالِ شُبْهَةِ الْمُخَالِفِ، وَإِقَامَةَ الدَّلَائِلِ عَلَى مَذْهَبِهِ) لِأَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْعُلُومِ، وَوَضْعِهَا مَوَاضِعَهَا، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: وَمَنْ حَصَّلَ أُصُولَ الْفِقْهِ وَفُرُوعَهُ فَمُجْتَهِدٌ، وَلَا يُقَلِّدُ أَحَدًا. [فَصْلٌ حَكَّمَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ بَيْنَهُمَا شَخْصًا صَالِحًا لِلْقَضَاءِ] فَصْلٌ (وَإِنْ حَكَّمَ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ (اثْنَانِ فَأَكْثَرُ بَيْنَهُمَا شَخْصًا، أَيْ: رَجُلًا صَالِحًا لِلْقَضَاءِ) بِأَنْ اتَّصَفَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شُرُوطِ الْقَاضِي (نَفَذَ حُكْمُهُ فِي كُلِّ مَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُ مَنْ وَلَّاهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ حَتَّى فِي الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ وَالنِّكَاحِ وَاللِّعَانِ) وَغَيْرِهَا حَتَّى مَعَ وُجُودِ قَاضٍ. (وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ) فِيمَا لَا يُنْقَضُ فِيهِ حُكْمُ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ (كَنَائِبِ إمَامٍ) لِمَا رَوَى أَبُو شُرَيْحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «إنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: إنَّ قَوْمِي إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ، فَرَضِيَ عَلَيَّ الْفَرِيقَانِ قَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا؟ فَمَنْ أَكْبَرُ وَلَدِكَ؟ قَالَ: شُرَيْحٌ قَالَ: فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَرَاضَيَا بِهِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ مَلْعُونٌ» . وَتَحَاكَمَ عُمَرُ وَأُبَيُّ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ إلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَاضِيًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 471 (وَيَلْزَمُ مَنْ يَكْتُبُ إلَيْهِ قَبُولُ حُكْمِهِ وَتَنْفِيذُهُ) لِأَنَّهُ حَاكِمٌ نَافِذُ الْأَحْكَامِ، فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ (لَكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَحَاكِمَيْنِ الرُّجُوعُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْحُكْمِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ إلَّا بِرِضَى الْخَصْمَيْنِ؛ أَشْبَهَ رُجُوعَ الْمُوَكِّلِ عَنْ التَّوْكِيلِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيمَا وَكَّلَ فِيهِ، أَمَّا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْحُكْمِ قَبْلَ تَمَامِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُ أَحَدِهِمَا كَرُجُوعِ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ صُدُورِ مَا وَكَّلَ فِيهِ مِنْ وَكِيلِهِ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ حَكَّمَ أَحَدُهُمَا خَصْمَهُ أَوْ حَكَمًا مُفْتِيًا فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ؛ جَازَ، وَقَالَ: يَكْفِي وَصْفُ الْقِصَّةِ؛ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَعُوهُ. وَقَالَ: (وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُحَكِّمُهُ الْخَصْمَانِ شُرُوطُ الْقَاضِي) أَيْ: الصِّفَاتُ الْعَشَرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي " الْمُجَرَّدِ " فِي الْقَاضِي (وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى مُقْدِمُو الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ الْوَسَاطَاتِ وَالصُّلْحَ) عِنْدَ الْفَوْرَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ، وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَتَفْوِيضُ الْأَمْوَالِ إلَى الْأَوْصِيَاءِ، وَتَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى رَقِيقِهِ، وَخُرُوجُ طَائِفَةٍ إلَى الْجِهَادِ تَلَصُّصًا وَبَيَانًا، وَعِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ (وَالتَّغْرِيرِ لِعَبِيدٍ وَإِمَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ) انْتَهَى. قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: فِي بَعْضِ ذَلِكَ مَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ. تَتِمَّةٌ يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ الْمُتَحَكِّمُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ بِالرِّضَى بِحُكْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا؛ لِئَلَّا يَجْحَدَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا أَنَّهُ حُكْمُهُ؛ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. [بَابُ أَدَبِ الْقَاضِي] الْأَدَبُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ يُقَالُ أَدِبَ الرَّجُلُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَضَمِّهَا لُغَةً إذَا صَارَ أَدِيبًا فِي خُلُقٍ أَوْ عِلْمٍ (وَهُوَ أَخْلَاقُهُ الَّتِي يَنْبَغِي لَهُ التَّخَلُّقُ بِهَا) ، وَالْمَقْصُودُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 472 مِنْ هَذَا الْبَابِ بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي، أَوْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِنَفْسِهِ وَأَعْوَانِهِ مِنْ الْآدَابِ وَالْقَوَانِينِ (وَالْخُلُقُ) بِضَمِّ اللَّامِ (صُورَتُهُ الْبَاطِنَةُ) وَهِيَ نَفْسُهُ وَأَوْصَافَهَا وَمَعَانِيهَا، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: حُسْنُ الْخُلُقِ اخْتِيَارُ الْفَضَائِلِ وَتَرْكُ الرَّذَائِلِ. (يُسَنُّ كَوْنُهُ) أَيْ: الْقَاضِي (قَوِيًّا بِلَا عُنْفٍ) لِئَلَّا يَطْمَعَ فِيهِ الظَّالِمُ، وَالْعُنْفُ ضِدُّ الرِّفْقِ (لَيِّنًا بِلَا ضَعْفٍ) لِئَلَّا يَهَابَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ (حَلِيمًا) لِئَلَّا يَغْضَبَ مِنْ كَلَامِ الْخَصْمِ، فَيَمْنَعَهُ الْحُكْمَ (مُتَأَنِّيًا) مِنْ التَّأَنِّي، وَهُوَ ضِدُّ الْعَجَلَةِ؛ لِئَلَّا تُؤَدِّيَ عَجَلَتُهُ إلَى مَا لَا يَنْبَغِي (مُتَفَطِّنًا) لِئَلَّا يُخْدَعَ مِنْ بَعْضِ الْخُصُومِ لِغُرَّةٍ (عَفِيفًا) أَيْ: كَافًّا نَفْسَهُ عَنْ الْحَرَامِ، لِئَلَّا يَطْمَعَ فِي مَسْأَلَةٍ بِإِطْمَاعِهِ (وَرِعًا نَزِهًا) أَيْ: بَعِيدًا مِنْ الطَّمَعِ صَدُوقَ اللَّهْجَةِ، بَصِيرًا بِأَحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ (يَخَافُ) اللَّهَ تَعَالَى وَيُرَاقِبُهُ. (لَا يُؤْتَى مِنْ غَفْلَةٍ، وَلَا يُخْدَعُ لِغُرَّةٍ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا حَتَّى تَكْمُلَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ: عَفِيفٌ حَلِيمٌ عَالِمٌ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ يَسْتَشِيرُ ذَوِي الْأَلْبَابِ لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ (صَحِيحَ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ عَالِمًا بِلُغَاتِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْكَنُ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُتَرْجِمَ قَدْ يُخْفِي شَيْئًا مِنْ كَلَامِ أَحَدِهِمَا (لَا يَهْزِلُ) وَلَا يَمْجُنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِهَيْبَتِهِ (ذَا رَأْيٍ وَمَشُورَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَلِيٍّ (لِكَلَامِهِ لِينٌ إذَا قَرُبَ، وَهَيْبَةٌ إذَا أَوْعَدَ، وَوَفَاءٌ إذَا وَعَدَ) يُقَالُ وَعَدَ فِي الْخَيْرِ، وَأَوْعَدَ فِي ضِدِّهِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَيُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الْآخَرِ، وَ (لَا) يَكُونُ (جَبَّارًا وَلَا عَسُوفًا) لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَعْقُودُ بِتَوْلِيَتِهِ مِنْ إيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ. . (وَسُنَّ سُؤَالُهُ إنْ وُلِّيَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ عَنْ عُلَمَائِهِ) يُشَاوِرُهُمْ فِي الْحَوَادِثِ، وَيَسْتَعِينُ بِهِمْ عَلَى قَضَائِهِ (وَعَنْ عُدُولِهِ) لِاسْتِنَادِ أَحْكَامِهِمْ إلَيْهِ، وَثُبُوتِ الْحُقُوقِ عِنْدَهُ بِهِمْ، فَيَقْبَلُ أَوْ يَرُدُّ مَنْ يَرَاهُ لِذَلِكَ أَهْلًا، وَيَكُونُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهُمْ. (وَ) يُسَنُّ (إعْلَامُهُمْ) بِأَنْ يَنْفُذَ عِنْدَ مَسِيرِهِ مَنْ يُعْلِمُهُمْ (بِيَوْمِ دُخُولِهِ الْبَلَدَ لِيَتَلَقَّوْهُ) لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ، وَأَعْظَمُ لِحِشْمَتِهِ (مِنْ غَيْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 473 أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِتَلَقِّيهِ) لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِمَقَامِهِ، (وَ) يُسَنُّ (دُخُولُهُ يَوْمَ اثْنَيْنِ أَوْ يَوْمَ خَمِيسٍ أَوْ يَوْمَ سَبْتٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ فِي الْهِجْرَةِ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَكَذَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَالَ: بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي سَبْتِهَا وَخَمِيسِهَا» . وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَهَا (ضَحْوَةً) تَفَاؤُلًا لِاسْتِقْبَالِ الشَّهْرِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَكَانَ اسْتِقْبَالُ الشَّهْرِ تَفَاؤُلًا كَأَوَّلِ النَّهَارِ، (لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ) أَيْ: أَحْسَنَهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَقَالَ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] لِأَنَّهَا مَجَامِعُ النَّاسِ، وَهُنَا يَجْتَمِعُ مَا لَا يَجْتَمِعُ فِي الْمَسَاجِدِ فَهُوَ أَوْلَى بِالزِّينَةِ (وَكَذَا أَصْحَابُهُ) لِأَنَّهُ أَعْظَمُ لَهُ وَلَهُمْ فِي النُّفُوسِ (وَلَا يَتَطَيَّرُ) أَيْ يَتَشَاءَمُ (وَإِنْ تَفَاءَلَ فَحَسَنٌ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ، وَيَنْهَى عَنْ الطِّيَرَةِ، (فَيَأْتِي الْجَامِعَ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) تَحِيَّتَهُ (وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلًا) الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّ خَيْرَ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ، (وَيَأْمُرُ الْقَاضِيَ بِعَهْدِهِ فَيَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ) لِيَعْلَمُوا تَوْلِيَتَهُ وَاحْتِفَاظَ الْإِمَامِ عَلَى اتِّبَاعِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَقَدْرَ الْمُوَلَّى بِفَتْحِ اللَّامِ عِنْدَهُ، وَحُدُودَ وِلَايَتِهِ، وَمَا فُوِّضَ إلَيْهِ الْحُكْمُ فِيهِ، (وَيَأْمُرُ بِمَنْ يُنَادِيهِمْ بِيَوْمِ جُلُوسِهِ لِلْحُكْمِ) لِيَعْلَمَهُ مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فَيَأْتِيَ فِيهِ (وَيُقِلُّ مِنْ كَلَامِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ) لِلْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَهَيْبُ (ثُمَّ يَمْضِي إلَى مَنْزِلِهِ الَّذِي أُعِدَّ لَهُ) لِيَسْتَرِيحَ. (وَيُنْفِذُ) أَيْ: يَبْعَثُ ثِقَةً (فَيَتَسَلَّمُ دِيوَانَ الْحُكْمِ) بِكَسْرِ الدَّالِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا، وَهُوَ الدَّفْتَرُ الْمُعَدُّ لِكَتْبِ الْوَثَائِقِ وَالسِّجِلَّاتِ وَالْوَدَائِعِ (مِمَّنْ) كَانَ قَاضِيًا (قَبْلَهُ) لِأَنَّهُ الْأَسَاسُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ وَهُوَ فِي يَدِ الْحَاكِمِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَقَدْ صَارَتْ إلَيْهِ (وَيَأْمُرُ كَاتِبًا ثِقَةً يُثْبِتُ مَا تَسَلَّمَهُ بِمَحْضَرٍ عَدْلَيْنِ) احْتِيَاطًا. . (ثُمَّ يَخْرُجُ يَوْمَ الْوَعْدِ أَيْ:) الَّذِي وَعَدَ النَّاسَ بِالْجُلُوسِ فِيهِ لِلْحُكْمِ (بِأَعْدَلِ أَحْوَالِهِ غَيْرَ غَضْبَانَ وَلَا جَوْعَانَ وَلَا حَاقِنٍ وَلَا مَهْمُومٍ بِمَا يَشْغَلُهُ عَنْ الْفَهْمِ) لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِقَلْبِهِ وَأَبْلَغُ فِي تَيَقُّظِهِ لِلصَّوَابِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 474 (فَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِهِ وَلَوْ صَبِيًّا) لِأَنَّهُ إمَّا رَاكِبٌ أَوْ مَاشٍ، وَالسُّنَّةُ، لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ يَمُرّ بِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ (عَلَى مَنْ بِمَجْلِسِهِ) لِحَدِيثِ «إنَّ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ» (وَيُصَلِّي إنْ كَانَ بِمَسْجِدٍ تَحِيَّتَهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ نَهْيٍ كَغَيْرِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ بِمَسْجِدٍ (خُيِّرَ) بَيْنَ الصَّلَاةِ وَتَرْكِهَا كَسَائِرِ الْمَجَالِسِ (وَالْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ) لِيَنَالَ ثَوَابَهَا. (وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ وَنَحْوِهِ) يَخْتَصُّ بِهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ جُلَسَائِهِ (وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تُرَابٍ وَحُصُرِ مَسْجِدٍ؛ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ هَيْبَتَهُ مِنْ أَعْيُنِ الْخُصُومِ) وَلِأَنَّهُ مَقَامٌ عَظِيمٌ يَجِبُ فِيهِ إظْهَارُ الْحُرْمَةِ تَعْظِيمًا لِلشَّرْعِ (وَيَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى بِالتَّوْفِيقِ) لِلْحَقِّ وَالْعِصْمَةِ مِنْ زَلَلِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ مَقَامٌ خَطَرٌ، وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ عُمَرَ: اللَّهُمَّ أَرِنِي الْحَقَّ حَقًّا، وَوَفِّقْنِي لِاتِّبَاعِهِ، وَأَرِنِي الْبَاطِلَ بَاطِلًا، وَوَفِّقْنِي لِاجْتِنَابِهِ (مُسْتَعِينًا) أَيْ: طَالِبًا الْمَعُونَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (مُتَوَكِّلًا) أَيْ: مُفَوِّضًا أَمْرَهُ إلَيْهِ، وَلْيَكُنْ دُعَاؤُهُ سِرًّا؛ لِأَنَّهُ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ، وَأَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ. . (وَلْيَكُنْ مَجْلِسُهُ) فِي مَوْضِعٍ (لَا يَتَأَذَّى فِيهِ بِشَيْءٍ) لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بَالُهُ بِمَا يُؤْذِيهِ (فَسِيحًا كَجَامِعٍ؛ فَيَجُوزُ، وَلَا يُكْرَهُ الْقَضَاءُ فِيهِ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ مَالِكٌ: الْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ فِي الْفُتْيَا وَالْحُكْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَوَائِجِ النَّاسِ، وَأَمَّا الْجُنُبُ فَيَغْتَسِلُ وَالْحَائِضُ تُوَكِّلُ أَوْ تَأْتِي الْقَاضِيَ فِي مَنْزِلِهِ (وَيَصُونُهُ) ، أَيْ الْمَسْجِدَ (عَمَّا يُكْرَهُ) فِيهِ مِنْ نَحْوِ رَفْعِ صَوْتٍ (وَكَدَارٍ وَاسِعَةٍ وَسَطَ الْبَلَدِ إنْ أَمْكَنَ) تَسَاوِي أَهْلِ الْبَلَدِ فِي الْمُضِيِّ إلَيْهِ. . (وَلَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا وَلَا بَوَّابًا نَدْبًا بِلَا عُذْرٍ إلَّا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ حُكْمٍ إنْ شَاءَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْتَجِبَ إلَّا فِي أَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ) لِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ مُرَّةَ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ إمَامٍ أَوْ وَالٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَاتِ وَالْخَلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ إلَّا أَغْلَقَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلِأَنَّهُمَا رُبَّمَا مَنَعَا ذَا الْحَاجَةِ لِغَرَضِ النَّفْسِ أَوْ غَرَضِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 475 الْحُطَامِ. (وَيَعْرِضُ الْقِصَصَ) لِيَقْضِيَ حَوَائِجَ أَصْحَابِهَا (وَيَجِبُ تَقْدِيمُ سَابِقٍ كَسَبْقِهِ الْمُبَاحِ) وَفِي مَعْنَاهُ الْمُعَلِّمُ إذَا اجْتَمَعَ عِنْده الطَّلَبَةُ (وَيَتَّجِهُ، وَكَذَا) يَجِبُ تَقْدِيمُ سَابِقٍ إلَى (نَحْوِ مُسْتَحِمٍّ) كَمَعْصَرَةٍ وَمَدْبَغَةٍ (وَرَحَى وَبَيْتٍ خَلَاءٍ) وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ؛ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ غَيْرِ صَاحِبِ النَّوْبَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَلَا يُقَدِّمُ (سَابِقٍ فِي أَكْثَرَ مِنْ حُكُومَةٍ) لِئَلَّا يَسْتَوْعِبَ الْمَجْلِسَ فَيَضُرَّ غَيْرَهُ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي حَكَمَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ فِي الدَّعْوَى، لَا فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَيُقْرِعُ بَيْنَهُمْ إنْ حَضَرُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَتَشَاحُّوا) فِي التَّقْدِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرَهَا. (وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْ: الْقَاضِي الْعَدْلُ بَيْنَ مُتَحَاكِمَيْنِ) تَرَافَعَا إلَيْهِ (فِي لَحْظِهِ) أَيْ: مُلَاحَظَتِهِ (وَلَفْظِهِ) أَيْ: كَلَامِهِ لَهُمَا (وَمَجْلِسِهِ وَدُخُولٍ عَلَيْهِ إلَّا إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَيَرُدُّ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْتَظِرُ سَلَامَ الثَّانِي) لِوُجُوبِ الرَّدِّ فَوْرًا (وَإِلَّا الْمُسْلِمَ) إذَا تَرَافَعَ إلَيْهِ (مَعَ الْكَافِرِ فَيُقَدِّمُ الْمُسْلِمَ) عَلَيْهِ أَيْ: الْقَاضِي دُخُولًا (وَيَرْفَعُ فِي الْجُلُوسِ) لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ. قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وَدَلِيلُ وُجُوبِ الْعَدْلِ بَيْن الْخَصْمَيْنِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَعْدِلْ بَيْنَهُمْ فِي لَفْظِهِ وَإِشَارَتِهِ وَمَقْصِدِهِ، وَلَا يَرْفَعَنَّ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَلَا يَرْفَعُهُ عَلَى الْآخَرِ وَفِي رِوَايَةٍ: فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي النَّظَرِ وَالْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ» ، وَلِأَنَّهُ إذَا مَيَّزَ أَحَدَهُمَا حُصِرَ الْآخَرُ وَانْكَسَرَ فَرُبَّمَا لَمْ يَفْهَمْ حُجَّتُهُ؛ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى ظُلْمِهِ، وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ لِلْقَاضِي فِي رَفْعِ خَصْمِهِ عَلَيْهِ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 476 جَازَ لِإِسْقَاطِ خَصْمِهِ حَقَّهُ بِإِذْنِهِ فِيهِ (وَلَا يُكْرَهُ قِيَامُهُ لِلْخَصْمَيْنِ) فَإِنْ قَامَ لِأَحَدِهِمَا؛ وَجَبَ أَنْ يَقُومَ لِلْآخَرِ. (وَيَحْرُمُ قِيَامُ الْقَاضِي لِأَحَدِهِمَا) أَيْ: أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ (أَنْ يُسَارّهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ، وَرُبَّمَا أَضْعَفَهُ ذَلِكَ عَنْ إقَامَةِ حُجَّتِهِ (أَوْ يُلَقِّنَهُ حُجَّتَهُ) لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى صَاحِبِهِ (أَوْ يُضَيِّفَهُ) إلَّا أَنْ يُضَيِّفَ خَصْمَهُ مَعَهُ؛ لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَلَكَ خَصْمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ تَحَوَّلْ عَنَّا؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا تُضَيِّفُوا أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ» . (أَوْ يُعَلِّمَهُ كَيْفَ يَدَّعِي) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى خَصْمِهِ (إلَّا أَنْ يَتْرُكَ مَا يَلْزَمُ ذِكْرُهُ) فِي الدَّعْوَى (كَشَرْطِ عَقْدٍ وَسَبَبِ إرْثٍ وَنَحْوِهِ فَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ) ضَرُورَةَ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى، وَلَا ضَرَرَ عَلَى صَاحِبِهِ فِي ذَلِكَ، وَأَكْثَرُ الْخُصُومِ لَا يَعْلَمُهُ، وَلْيَتَّضِحْ لِلْقَاضِي وَجْهُ الْحُكْمِ. (وَلَهُ) أَيْ: الْقَاضِي (أَنْ يَزِنَ) أَيْ: يَدْفَعَ عَنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لِلْخَصْمِ الْآخَرِ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، أَوْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ بَعْضَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِخَصْمِهِ (وَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ) لَهُ عِنْدَ خَصْمِهِ (لِيَضَعَ عَنْ خَصْمِهِ) وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهَا شَفَاعَةٌ حَسَنَةٌ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء: 85] «وَلِأَنَّ مُعَاذًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَّمَهُ لِيُكَلِّمَ غُرَمَاءَهُ فَلَوْ تَرَكُوا لِأَحَدٍ لَتَرَكُوا مُعَاذًا لِأَجْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: «أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ وَأَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. قَالَ: فَعَلْتُ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُمْ فَأَعْطِهِ» . قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا حُكْمٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ) أَيْ: وَيَجُوزُ أَنْ (يُنْظِرَهُ) أَيْ: يُمْهِلَ الْمَدِينَ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الْوَضْعِ. وَ (لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَدِّبَ خَصْمًا افْتَاتَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: حَكَمْتَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 477 عَلَيَّ بِغَيْرِ الْحَقِّ، أَوْ ارْتَشَيْتَ وَنَحْوَهُ) كَ ظَلَمْتَنِي بِضَرْبٍ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةٍ وَحَبْسٍ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ (وَلَوْ لَمْ يُثْبِتْ) افْتِيَاتُهُ عَلَيْهِ (بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِثْبَاتِ حَرَجًا، وَرُبَّمَا يَكُونُ ذَرِيعَةً لِلِافْتِيَاتِ (وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (وَلَهُ أَنْ يَنْتَهِرَهُ إذَا الْتَوَى) عَنْ الْحَقِّ لِئَلَّا يَطْمَعَ فِيهِ. [فَصْلٌ يُسَنُّ لِلْقَاضِي أَنْ يُحْضِرَ مَجْلِسَهُ فُقَهَاءَ الْمَذَاهِبِ وَمُشَاوَرَتُهُمْ] فَصْلٌ (وَيُسَنُّ لِقَاضٍ أَنْ يُحْضِرَ مَجْلِسَهُ فُقَهَاءَ الْمَذَاهِبِ وَمُشَاوَرَتُهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ) إنْ أَمْكَنَ، وَسُؤَالُهُمْ إذَا حَدَثَتْ حَادِثَةٌ لِيَذْكُرُوا جَوَابَهُمْ وَأَدِلَّتَهُمْ فِيهَا؛ فَإِنَّهُ أَسْرَعُ لِاجْتِهَادِهِ وَأَقْرَبُ لِصَوَابِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] قَالَ الْحَسَنُ إنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَغَنِيٌّ عَنْ مُشَاوَرَتِهِمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ ذَلِكَ الْحَاكِمُ بَعْدَهُ. (قَالَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا وُلِّيَ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ كَانَ يَجْلِسُ بَيْنَ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ يُشَاوِرُهُمَا، وَوُلِّيَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَضَاءَ الْكُوفَةِ، فَكَانَ يَجْلِسُ بَيْنَ الْحَكَمِ وَحَمَّادٍ يُشَاوِرُهُمَا (مَا أَحْسَنَهُ لَوْ فَعَلَهُ الْحُكَّامُ يُشَاوِرُونَ وَيَنْظُرُونَ) ، فَإِنْ اتَّضَحَ لَهُ الْحُكْمُ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ فَوْرًا وَلَا: اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) يَتَّضِحُ لَهُ الْحُكْمُ أَخَّرَهُ حَتَّى يَتَّضِحَ لَهُ الْحَقُّ؛ فَيَحْكُمَ بِهِ. (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ) إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا (تَقْلِيدُ غَيْرِهِ وَلَوْ أَعْلَمَ مِنْهُ) لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ. قَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ مَا يَدْرِي عُمَرُ أَصَابَ الْحَقَّ أَمْ أَخْطَأَ، وَلَوْ كَانَ حَكَمَ بِحُكْمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ هَذَا. (قَالَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (لَا تُقَلِّدْ أُمُورَك أَحَدًا غَيْرَكَ وَعَلَيْكَ بِالْأَثَرِ) وَقَالَ لِلْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ: لَا تُقَلِّدْ دِينَكَ الرِّجَالَ؛ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْلَمُوا أَنْ يَغْلَطُوا (فَإِنْ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ لَمْ يُعْتَرَضْ عَلَيْهِ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ افْتِيَاتًا عَلَيْهِ (إلَّا إنْ خَالَفَ نَصًّا) مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 478 كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ آحَادًا (أَوْ إجْمَاعًا) لِوُجُوبِ إنْكَارِهِ وَنَقْضِ حُكْمِهِ بِهِ. (وَلَوْ حَكَمَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ؛ لَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ، وَلَوْ أَصَابَ الْحَقَّ) إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ. (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ غَضْبَانُ كَثِيرًا) لِخَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَقْضِيَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا حَمَلَهُ الْغَضَبُ عَلَى الْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ، بِخِلَافِ غَضَبٍ يَسِيرٍ لَا يَمْنَعُ فَهْمَ الْحُكْمِ هُوَ (أَوْ حَاقِنٌ) أَوْ حَاقِبٌ (أَوْ فِي شِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ مَلَلٍ أَوْ كَسَلٍ أَوْ نُعَاسٍ أَوْ بَرْدٍ مُؤْلِمٍ أَوْ حَرٍّ مُزْعِجٍ) أَوْ تَوَقَانِ جِمَاعٍ أَوْ شِدَّةِ (مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ فَزَعٍ) غَالِبٍ أَوْ حُزْنٍ، قِيَاسًا عَلَى الْغَضَبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ حُضُورَ الْقَلْبِ وَاسْتِيفَاءَ الْفِكْرِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إصَابَةِ الْحَقِّ فِي الْغَالِبِ؛ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْغَضَبِ (فَإِنْ خَالَفَ الْقَاضِي، وَحَكَمَ) فِي حَالٍّ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ فَأَصَابَ الْحَقَّ نَفَذَ حُكْمُهُ؛ وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذْ. (وَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَضَاءُ مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ غَلَطٌ يُقِرُّ عَلَيْهِ لَا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا فِي حُكْمٍ) وَتَقَدَّمَ فِي الْخَصَائِصِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَّةِ، وَقَوْلُهُ: " فِي حُكْمٍ " احْتِرَازٌ عَمَّا وَقَعَ «لَمَّا مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ، فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ حَالُهُ، فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: مَا لِنَخْلِكُمْ؟ قَالُوا قُلْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى الْحَاكِمِ (قَبُولُهُ رِشْوَةً) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي " زَادِ الْمُسَافِرِ " وَزَادَ: " وَالرَّائِشَ " وَهُوَ السَّفِيرُ بَيْنَهُمَا، وَالرِّشْوَةُ: مَا يُعْطَى بَعْدَ طَلَبِهِ لَهَا، وَيَحْرُمُ (بَذْلُهَا) مِنْ الرَّاشِي لِيَحْكُمَ لَهُ بِبَاطِلٍ، أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُ حَقَّهُ إلَّا أَنْ يَبْذُلَهَا (لِدَفْعِ ظُلْمِهِ) وَإِبْرَائِهِ عَلَى وَاجِبِهِ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 479 فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي حَقِّهِ. قَالَ عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَانِعَ عَنْ نَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ مَا لَهُ كَمَا يَسْتَفِيدَ الرَّجُلُ أَسِيرَهُ. (وَكَذَا) يَحْرُمُ عَلَى حَاكِمٍ قَبُولُ (هَدِيَّةٍ) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَجِيءُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ، أَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا نَبْعَثُ أَحَدًا مِنْكُمْ فَيَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رَأَيْتُ عُفْرَةَ إبْطَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ قَرَأْتُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ: الْهَدِيَّةُ تَفْقَأُ عَيْنَ الْحُكْمِ. وَظَاهِرُهُ (وَلَوْ) أُهْدِيَتْ إلَيْهِ (فِي غَيْرِ عَمَلِهِ) لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا اسْتِمَالَةُ الْحَاكِمِ لِيَعْتَنِيَ بِهِ فِي الْحُكْمِ فَتُشْبِهُ الرِّشْوَةَ (إلَّا مِمَّنْ كَانَ يُهَادِيهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ حُكُومَةٌ، فَيُبَاحُ) لَهُ أَخْذُهَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ إذَنْ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ مِنْ (ذِي رَحِمِهِ) الْمَحْرَمِ مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ صَدِيقٍ كَانَ يُلَاطِفُهُ أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ خَصْمٌ (وَكَمُفْتٍ) فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَهِيَ الدَّفْعُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ (وَرَدُّهَا) ؛ أَيْ: رَدُّ الْقَاضِي الْهَدِيَّةَ حَيْثُ جَازَ لَهُ أَخْذُهَا (أَوْلَى) لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ لِحُكُومَةٍ مُنْتَظَرَةٍ (فَإِنْ خَالَفَ) الْحَاكِمُ فَأَخَذَ الرِّشْوَةَ أَوْ الْهَدِيَّةَ (حَيْثُ حُرِّمَ) أَخْذُهُمَا (رُدَّتَا لِمُعْطٍ) لِأَنَّهُ أَخَذَهُمَا بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْمَأْخُوذِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (وَاسْتِعَارَتُهُ) أَيْ: الْقَاضِي مِنْ غَيْرِهِ (كَالْهَدِيَّةِ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْأَعْيَانِ (وَكَذَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ) وَنَحْوَهُ (فَأَهْدَى لِوَلَدِهِ) وَلَوْ قُلْنَا إنَّهَا لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَى الرِّشْوَةِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ عَلَى التَّفْصِيلِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 480 السَّابِقِ (وَإِنْ أَهْدَى لِمَنْ يَشْفَعُ لَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ) مِنْ أَرْبَابِ الْوِلَايَةِ (لَمْ يَجُزْ) لِلشَّافِعِ (أَخْذُهَا) لِيَشْفَعَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُ مَظْلَمَةٌ، أَوْ يُوَصِّلَ إلَيْهِ حَقَّهُ، أَوْ يُوَلِّيَهُ وِلَايَةً يَسْتَحِقُّهَا، أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ فِي الْجُنْدِ الْمُقَاتِلَةِ، وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ (لِأَنَّهَا) أَيْ: الْهَدِيَّةَ لِلشَّافِعِ (كَالْأُجْرَةِ وَالشَّفَاعَةُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ) فَيَحْرُمُ أَخْذُ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَتِهَا. وَيَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَنْ يَبْذُلَ فِي ذَلِكَ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى أَخْذِ حَقِّهِ، أَوْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَكَابِرِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، قَالَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " (وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ) فِيمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ السُّلْطَانِ: لَا أُجِيزُ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ شَيْئًا، يُرْوَى: «هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ» وَالْحَاكِمُ خَاصَّةً لَا أُحِبُّ لَهُ إلَّا مِمَّنْ كَانَ لَهُ بِهِ خَلْطَةٌ وَوَصْلَةٌ وَمُكَافَأَةٌ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ. انْتَهَى. (وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَأَدَّاهَا فَأُهْدِيَتْ لَهُ هَدِيَّةٌ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا إلَّا بِنِيَّةِ الْمُكَافَأَةِ) وَمِثْلُهُ دَفْعُ رَبِّ اللُّقَطَةِ لِوَاجِدِهَا عِنْدَ رَدِّهَا إلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْجَعَالَةِ. (وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ) أَيْ: الْقَاضِي (وَشِرَاؤُهُ إلَّا بِوَكِيلٍ لَا يُعْرَفُ بِهِ) أَيْ: أَنَّهُ وَكِيلُهُ؛ لِئَلَّا يُحَابَى، وَالْمُحَابَاةُ كَالْهَدِيَّةِ، وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِمُفْتٍ - وَلَوْ فِي مَجْلِسِ فَتْوَاهُ - لِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يُحَابِيَ (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الْقَاضِي (وَلَا لِوَالٍ أَنْ يَتَّجِرَ بِنَفْسِهِ) لِمَا رَوَى أَبُو الْأَسْوَدِ الْمَالِكِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «مَا عَدَلَ وَالٍ اتَّجَرَ فِي رَعِيَّتِهِ أَبَدًا» . وَإِنْ احْتَاجَ إلَى التِّجَارَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَكْفِيهِ؛ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَصَدَ السُّوقَ لِيَتَّجِرَ فِيهِ حَتَّى فَرَضُوا لَهُ مَالًا يَكْفِيهِ، وَلِوُجُوبِ الْقِيَامِ بِعِيَالِهِ؛ فَلَا يَتْرُكْهُ لِوَهْمِ مَضَرَّةٍ. (وَتُسَنُّ لَهُ) أَيْ: الْقَاضِي (عِيَادَةُ الْمَرْضَى وَشَهَادَةُ الْجَنَائِزِ وَتَوْدِيعُ غَازٍ وَحَاجٍّ، مَا لَمْ يَشْغَلْهُ) ذَلِكَ عَنْ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقُرَبِ، وَفِيهِ أَجْرٌ عَظِيمٌ، وَلَهُ حُضُورُ بَعْضِ ذَلِكَ وَتَرْكُ بَعْضِهِ، لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ لِنَفْعِ نَفْسِهِ بِتَحْصِيلِ الْأَجْرِ وَالْقُرْبَةِ، بِخِلَافِ الْوَلَائِمِ؛ فَإِنَّهُ يُرَاعِي فِيهَا حَقَّ الدَّاعِي؛ فَيَنْكَسِرُ فِيهَا قَلْبُ مِنْ لَمْ يُجِبْهُ إنْ أَجَابَ غَيْرَهُ (وَهُوَ) أَيْ: الْقَاضِي (فِي دَعَوَاتٍ) إلَى الْوَلَائِمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 481 (كَغَيْرِهِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَحْضُرُهَا، وَأَمَرَ بِحُضُورِهَا، وَقَالَ: «مَنْ لَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . وَمَتَى كَثُرَتْ وَازْدَحَمَتْ تَرَكَهَا كُلَّهَا. (وَيُتَّجَهُ وَحُكْمُ ضِيَافَةٍ خُصَّ بِهَا) الْقَاضِي كَحُكْمِ (هَدِيَّةٍ) وَتَقَدَّمَ آنِفًا، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. (وَلَا يُجِيبُ قَوْمًا وَيَدَعُ قَوْمًا بِلَا عُذْرٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا عُذْرٌ كَمُنْكَرٍ أَوْ بُعْدِ مَكَان أَوْ اشْتِغَالٍ زَمَنًا طَوِيلًا دُونَ الْأُخْرَى أَجَابَ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي تَرْكِهَا. (وَيُوصِي الْقَاضِي نَفْسَهُ وُجُوبًا ثُمَّ الْوُكَلَاءَ وَالْأَعْوَانَ بِبَابِهِ بِالرِّفْقِ بِالْخُصُومِ وَقِلَّةِ الطَّمَعِ) لِئَلَّا يَضُرَّ النَّاسَ، (وَيَجْتَهِدُ أَنْ يَكُونُوا شُيُوخًا أَوْ كُهُولًا مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ) لِيَكُونُوا أَقَلَّ شَرًّا، فَإِنَّ الشَّبَابَ شُعْبَةٌ مِنْ الْجُنُونِ، وَالْحَاكِمُ تَأْتِيهِ النِّسَاءُ وَفِي اجْتِمَاعِ الشَّبَابِ بِهِنَّ مَفْسَدَةٌ. (وَيُبَاحُ) لِقَاضٍ قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَالْأَشْهَرُ يُسَنُّ لَهُ (أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَكْتَبَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرَهُمَا» ، وَلِكَثْرَةِ اشْتِغَالِ الْحَاكِمِ وَنَظَرِهِ فِي أَمْرِ النَّاسِ؛ فَلَا يُمْكِنُهُ تَوَلِّي الْكِتَابَةِ بِنَفْسِهِ. (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ: كَاتِبِ الْقَاضِي (مُسْلِمًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} [آل عمران: 118] وَقَالَ عُمَرُ: " لَا تُؤَمِّنُوهُمْ وَقَدْ خَوَّنَهُمْ اللَّهُ، وَلَا تُقَرِّبُوهُمْ وَقَدْ أَبْعَدَهُمْ اللَّهُ، وَلَا تُعِزُّوهُمْ وَقَدْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ " (عَدْلًا) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ أَمَانَةٍ (وَسُنَّ كَوْنُهُ حَافِظًا عَالِمًا) لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى أَمْرِهِ (فَقِيهًا أَمِينًا حُرًّا) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (وَرِعًا نَزِهًا لَا يُسْتَمَالُ بِهَدِيَّةٍ) لِئَلَّا يُخْدَعَ (جَيِّدَ الْخَطِّ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ سَبْعَةٌ بِتِسْعَةٍ، صَحِيحَ الضَّبْطِ) لِئَلَّا يُفْسِدَ مَا يَكْتُبُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 482 بِجَهْلِهِ (وَيَجْلِسُ الْكَاتِبُ بِحَيْثُ يُشَاهِدُ الْقَاضِي مَا يَكْتُبُهُ) لِأَنَّهُ أَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ، وَأَمْكَنُ لِإِمْلَائِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَعَدَ نَاحِيَةً جَازَ؛ لِأَنَّ مَا يَكْتُبُهُ يُعْرَضُ عَلَى الْقَاضِي (وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ) أَيْ: الْكَاتِبِ (بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ: الْقَاضِي، لَيُشَافِهَهُ (بِمَا يُمْلِي عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ تَوَلَّى الْقَاضِي الْكِتَابَةَ بِنَفْسِهِ جَازَ) وَالْأَوْلَى الِاسْتِنَابَةُ (وَيَجْعَلُ الْقَاضِي الْقِمَطْرَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَهُوَ مَا يُجْمَعُ فِيهِ الْقَضَايَا؛ مَخْتُومًا بَيْنَ يَدَيْهِ) لِيُنَزِّلَ فِيهِ مَا يَجْتَمِعُ مِنْ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهُ مِنْ أَنْ يُغَيَّرَ. (وَسُنَّ حُكْمُهُ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ) بِحَيْثُ (يَسْمَعُونَ كَلَامَ الْمُتَحَاكِمَيْنِ) لِيَسْتَوْفِيَ بِهِمْ الْحُقُوقَ وَتَثْبُتَ بِهِمْ الْحِجَجُ وَالْمَحَاضِرُ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى قَاضٍ (تَعْيِينُهُ قَوْمًا بِالْقَبُولِ) أَيْ: قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ؛ لِوُجُوبِ قَبُولِ شَهَادَةِ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ (لَكِنْ لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ شُهُودًا يَشْهَدُهُمْ النَّاسُ يَسْتَغْنُونَ بِإِشْهَادِهِمْ عَنْ تَعْدِيلِهِمْ) (وَيَسْتَغْنِي الْحَاكِمُ عَنْ الْكَشْفِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ) لِأَنَّ فِيهِ رِفْقًا بِالنَّاسِ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الْقَاضِي (مَنْعُ الْفُقَهَاءِ مِنْ عَقْدِ عُقُودٍ وَكِتَابَةِ حِجَجٍ) أَيْ: الْإِشْهَادَاتِ (وَمَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الشَّرْعِ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إذَا كَانَ الْكَاتِبُ فَقِيهًا) عَالِمًا بِأُمُورِ الشَّرْعِ وَشُرُوطِ الْعَقْدِ (كَأَنْ يُزَوِّجَ الْمَرْأَةَ وَلِيُّهَا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ؛ فَيَكْتُبُ كَاتِبٌ عَقْدَهَا، أَوْ يَكْتُبُ رَجُلٌ عَقْدَ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (أَوْ كَانَ ذَلِكَ حِرْفَةَ الْكَاتِبِ) يَرْتَزِقُ بِهَا (فَإِنْ مَنَعَ الْقَاضِي ذَلِكَ حَرُمَ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَكْسِ نَظِيرُ مَنْ يَسْتَأْجِرُ حَانُوتًا مِنْ حَاكِمِ الْقَرْيَةِ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ غَيْرَهُ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يُرِيدُ مَنْعَ الْجَاهِلِينَ؛ لِئَلَّا يَعْقِدَ عَقْدًا فَاسِدًا؛ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بِتَعْزِيرِ مَنْ يَعْقِدُ نِكَاحًا فَاسِدًا، كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَفِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 483 (وَلَا يَصِحُّ، وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ) أَيْ: الْقَاضِي (عَلَى عَدُوِّهِ) كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ (وَلَا لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهَا، وَيَتَحَاكَمُ هُوَ وَخَصْمُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَوْ بَعْضِ خُلَفَائِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ حَاكَمَ أُبَيًّا إلَى زَيْدٍ، وَحَاكَمَ عُثْمَانُ طَلْحَةَ إلَى جُبَيْرٍ (وَلَا لِمَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ) كَزَوْجَتِهِ وَعَمُودَيْ نَسَبِهِ كَالشَّهَادَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ وَالِدَيْهِ، أَوْ بَيْنَ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ، لِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلِلْقَاضِي الْحُكْمُ عَلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَأَبِيهِ وَوَلَدِهِ كَشَهَادَتِهِ عَلَيْهِ (وَيُحَكِّمُ بَيْنَهُمْ بَعْضَ نُوَّابِهِ) أَوْ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ؛ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ (وَلَهُ اسْتِخْلَافُهُمْ) أَيْ: لِلْقَاضِي اسْتِنَابَةُ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَنَحْوِهِمَا عَنْهُ فِي الْحُكْمِ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِمْ كَغَيْرِهِمْ (كَحُكْمِهِ لِغَيْرِهِمْ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِغَيْرِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ (بِشَهَادَتِهِمْ) كَأَنْ حَكَمَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِشَهَادَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَكَحُكْمِهِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ: عَلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ؛ فَيَصِحُّ حُكْمُهُ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ وَنَحْوِهِمْ كَشَهَادَتِهِ عَلَيْهِمْ. [فَصْلٌ يُسَنُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَبْدَأَ بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْمَحْبُوسِينَ] فَصْلٌ (وَيُسَنُّ لِقَاضٍ أَنْ يَبْدَأَ) بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِ (الْمَحْبُوسِينَ) لِأَنَّ الْحَبْسَ عَذَابٌ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْبَقَاءَ فِيهِ (فَيَنْفُذُ ثِقَةً) إلَى الْحَبْسِ (يَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ مَنْ حَبَسَهُمْ، وَفِيمَ ذَلِكَ) أَيْ: حَبَسَهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ فِي رُقْعَةٍ مُنْفَرِدَةٍ؛ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ النَّظَرُ فِي حَالِ الْأَوَّلِ لَوْ كُتِبُوا فِي رُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيُخْرِجُ وَاحِدَةً مِنْ الرِّقَاعِ بِالِاتِّفَاقِ كَالْقُرْعَةِ (ثُمَّ يُنَادِي فِي الْبَلَدِ أَنَّهُ) أَيْ: الْقَاضِي (يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِمْ) أَيْ: الْمَحْبُوسِينَ فِي يَوْمِ كَذَا، فَمَنْ لَهُ خَصْمٌ مَحْبُوسٌ فَلْيَحْضُرْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ لِحُضُورِهِمْ مِنْ التَّفْتِيشِ عَلَيْهِمْ (فَإِذَا جَلَسَ الْقَاضِي لِمَوْعِدِهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 484 نَظَرَ ابْتِدَاءً فِي رِقَاعِ الْمَحْبُوسِينَ، فَيُخْرِجُ رُقْعَةً مِنْهَا، وَيُقَالُ هَذِهِ رُقْعَةُ فُلَانٍ فَمَنْ خَصْمُهُ (فَمَنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ نَظَرَ بَيْنَهُمَا) ، فَإِنْ كَانَ الْمَحْبُوسُ (حُبِسَ لِتُعَدَّلَ بِهِ الْبَيِّنَةُ) أَيْ: بَيِّنَةُ خَصْمِهِ عَلَيْهِ (حُبِسَ) ؛ أُعِيدَ إلَى الْحَبْسِ ثَانِيًا، وَيُقْبَلُ قَوْلُ خَصْمِهِ الْمَحْبُوسِ فِي أَنَّهُ أَيْ: الْقَاضِي إنَّمَا حَبَسَهُ (بَعْدَ تَكْمِيلِ بَيِّنَتِهِ وَبَعْدَ تَعْدِيلِهَا) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ حُبِسَ (بِقِيمَةِ كَلْبٍ) وَلَوْ مُعَلَّمِ الصَّيْدِ (أَوْ خَمْرِ ذِمِّيٍّ وَصَدَّقَهُ غَرِيمُهُ) فِي ذَلِكَ خُلِّيَ سَبِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ غَرِيمُهُ، وَقَالَ: بَلْ بِحَقٍّ وَاجِبٍ غَيْرِ هَذَا؛ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ. (وَيُتَّجَهُ) أَنَّهُ يُخَلَّى سَبِيلُهُ (مَا لَمْ يُحْكَمْ بِهِ) أَيْ: حَبْسِهِ عَلَى ثَمَنِ ذَلِكَ مَنْ يَرَاهُ فَإِنْ حَكَمَ بِقِيمَةِ كَلْبِ الصَّيْدِ أَوْ ثَمَنِ خَمْرِ الذِّمِّيِّ، أَوْ الْحَلَالِ (مَنْ يَرَاهُ) أُعِيدَ إلَى الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُبِسَ بِحَقٍّ، وَهُوَ مُتَّجِهُ. (وَإِنْ بَانَ حَبْسُهُ فِي تُهْمَةٍ أَوْ تَعْزِيرٍ كَافْتِيَاتٍ عَلَى قَاضٍ قَبْلَهُ وَنَحْوِهِ) كَكَوْنِهِ عَائِنًا (خَلَّاهُ) أَيْ: أَطْلَقَهُ (أَوْ أَبْقَاهُ) فِي الْحَبْسِ (بِقَدْرِ مَا يَرَى) بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ (فَإِطْلَاقُهُ) أَيْ الْمَحْبُوسِ أَوْ إذْنُهُ أَيْ: الْقَاضِي (وَلَوْ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَفِي نَفَقَةٍ لِيَرْجِعَ) قَاضِي الدَّيْنِ وَالْمُنْفِقُ حُكْمٌ (وَإِذْنُهُ فِي وَضْعِ مِيزَابٍ وَوَضْعِ بِنَاءٍ) مِنْ جَنَاحٍ وَسَابَاطٍ بِدَرْبٍ نَافِذٍ بِلَا ضَرَرٍ حُكْمٌ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا (لِيَزُولَ الضَّمَانُ) بِمَا يُتْلِفُ مِنْ ذَلِكَ (وَإِذْنُهُ فِي وَضْعِ خَشَبَةٍ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ) بِشَرْطٍ حُكْمٌ (وَأَمْرُهُ) أَيْ: الْقَاضِي (بِإِرَاقَةِ نَبِيذٍ) حُكْمٌ، ذَكَرَهُ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " فِي الْمُحْتَسَبِ (وَقُرْعَتُهُ حُكْمٌ يَرْفَعُ الْخِلَافَ) إنْ كَانَ ثَمَّ خِلَافٌ؛ لِصُدُورِهِ عَنْ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالْحُكْمِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ لِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا الْحَاكِمُ لَيْسَ هُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 485 الْفَاسِخُ، وَإِنَّمَا يَأْذَنُ أَوْ يَحْكُمُ بِهِ، فَمَتَى أَذِنَ أَوْ حَكَمَ لِأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حُكْمٍ بِصِحَّتِهِ بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَوْ عَقَدَ هُوَ أَوْ فَسَخَ فَهُوَ فِعْلُهُ، وَهَلْ فِعْلُهُ حُكْمٌ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ. [فَائِدَةٌ فُتْيَا الْقَاضِي لَيْسَتْ حُكْمًا] ، فَلَوْ حَكَمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ مَا أَفْتَى لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِحُكْمِهِ، وَلَا تَكُونُ فُتْيَا الْقَاضِي كَالْحُكْمِ إذْ لَا إلْزَامَ فِي الْفُتْيَا، وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ الْحَاضِرَ وَالْغَائِبَ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ (وَكَذَا نَوْعُ مَنْ فَعَلَهُ) أَيْ: الْحَاكِمُ الَّذِي يَفْتَقِرُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَيَسْتَفِيدُ بِوِلَايَاتِ الْحُكْمِ (بِخِلَافِ) فِعْلٍ لَمْ يَسْتَفِدْهُ كَبَيْعِ عَقَارِ نَفْسِهِ الْغَائِبِ أَوْ بَيْعٍ (عَلَى يَتِيمٍ) هُوَ أَيْ: الْحَاكِمُ وَصِيُّهُ أَوْ بِوَكَالَةٍ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ عَنْ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُسْتَفَادُ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ (كَتَزْوِيجِهِ يَتِيمَةً) لَا وَلِيَّ لَهَا بِإِذْنِهَا إذَا تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ (وَبَيْعِ مَالِ غَائِبٍ) وَشِرَاءِ عَيْنٍ غَائِبَةٍ فِي الصِّفَةِ لِقَضَاءِ دَيْنِ نَحْوِ غَائِبٍ وَمُمْتَنِعٍ (وَعَقْدِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ) حَيْثُ رَآهُ وَفَسْخِ لَعْنَةٍ وَعَيْبٍ؛ فَهُوَ حُكْمٌ يَرْفَعُ الْخِلَافَ إنْ كَانَ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ فِي بَيْعِ مَا فُتِحَ عَنْوَةً: إنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا صَحَّ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَفِيهِ أَيْضًا لَا شُفْعَةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِبَيْعِهِ حَاكِمٌ أَوْ يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ لَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقَضَاءُ نَوْعَانِ إخْبَارٌ وَهُوَ إظْهَارٌ، وَالثَّانِي ابْتِدَاءٌ وَأَمْرٌ وَهُوَ إنْشَاءٌ وَابْتِدَاءٌ، فَالْخَبَرُ يَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُهُ عَنْ حُكْمِهِ وَعَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَعَنْ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ، وَالْآخَرُ أَيْ: الْإِنْشَاءُ هُوَ حَقِيقَةُ الْحُكْمِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَإِبَاحَةٌ، وَيَحْصُلُ الْحُكْمُ بِقَوْلِهِ: أَعْطِهِ وَلَا تُكَلِّمْهُ وَأَلْزِمْهُ، وَبِقَوْلِهِ حَكَمْتُ وَأَلْزَمْتُ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: وَكُلُّ مَا أَدَّى هَذَا الْمَعْنَى. (وَحُكْمُهُ) أَيْ: الْقَاضِي (بِشَيْءٍ حُكْمٌ بِلَازِمِهِ) فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ؛ كَانَ حُكْمًا بِإِبْطَالِ الْعِتْقِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ بُطْلَانُ الْعِتْقِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي أَحْكَامِ الْمَفْقُودِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 486 قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ " فِي إعَادَةِ فَاسِقٍ شَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ لَهَا حُكْمٌ بِالرَّدِّ، فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ لِإِلْغَاءِ قَوْلِهِمَا. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رَدِّ عَبْدٍ: لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى، وَالْمُخَالَفَةُ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ نَقْضٌ مَعَ الْعِلْمِ، وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ شَيْءٌ عِنْدَ الْقَاضِي كَوَقْفٍ وَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ؛ فَثُبُوتُهُ لَيْسَ حُكْمًا بِهِ، بِخِلَافِ إثْبَاتِ صِفَةٍ كَعَدَالَةٍ وَأَهْلِيَّةِ وَصِيَّةٍ، فَهُوَ حُكْمٌ، وَكَذَا ثُبُوتُ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ كَفَرْضِهِ مَهْرَ مِثْلٍ أَوْ نَفَقَةً أَوْ أُجْرَةً كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيُتَّجَهُ فَحُكْمُهُ) أَيْ الْقَاضِي (بِصِحَّةِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ) حَيْثُ رَآهُ (حُكْمٌ بِلَازِمِهِ) أَيْ: النِّكَاحِ (مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَمَهْرٍ) وَهَذَا مِمَّا لَا رَيْبَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِيهِ (وَإِقْرَارُهُ) أَيْ: الْقَاضِي مُكَلِّفٌ غَيْرَهُ (عَلَى فِعْلٍ مُخْتَلِفٍ فِيهِ) كَتَزْوِيجٍ بِلَا وَلِيٍّ فُعِلَ بِحَضْرَتِهِ، أَوْ بَلَغَهُ وَسَكَتَ لَيْسَ حُكْمًا بِصِحَّتِهِ أَوْ حِلِّهِ إذْ الْإِقْرَارُ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُ (وَبِثُبُوتِ شَيْءٍ عِنْدَهُ) أَيْ: الْقَاضِي كَوَقْفٍ وَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ (لَيْسَ حُكْمًا بِهِ) . [فَصْلٌ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمُنَفَّذِ] فَصْلٌ (وَتَنْفِيذُ الْحُكْمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمُنَفَّذِ) قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لَا أَنَّهُ أَيْ: التَّنْفِيذُ (حُكْمٌ) بِالْمَحْكُومِ بِهِ (إذْ الْحُكْمُ بِالْمَحْكُومِ بِهِ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ، وَفِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ: التَّنْفِيذُ (حُكْمٌ) أَيْ: إذَا كَانَ التَّرَافُعُ عَنْ خُصُومَةٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّرْحِ " وَشَرْحُ الْمُحَرَّرِ " (لِأَنَّ الْحَادِثَةَ) الشَّخْصِيَّةَ الْوَاحِدَةَ (يَجُوزُ شَرْعًا تَوَارُدُ أَحْكَامٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 487 مُتَعَدِّدَةٍ) مُتَّفِقَةٍ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (عَلَيْهَا) وَالتَّنْفِيذُ الْمُتَعَارَفُ الْآنَ الْمُسْتَعْمَلُ غَالِبًا مَعْنَاهُ إحَاطَةُ الْقَاضِي عِلْمًا بِحُكْمِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَرَضٍ عِنْدَهُ، وَيُسَمَّى اتِّصَالًا وَيَتَجَوَّزُ بِذِكْرِ الثُّبُوتِ وَالتَّنْفِيذِ فِيهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْفَرَسِ الْحَنَفِيُّ (وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ (أَنَّهُ) أَيْ: التَّنْفِيذُ (عَمَلٌ بِالْحُكْمِ) الْمُنَفَّذِ (وَإِجَازَةٌ لَهُ وَإِمْضَاءٌ كَتَنْفِيذِ) الْوَارِثِ (الْوَصِيَّةَ) حَيْثُ تَوَقَّفَتْ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ التَّنْفِيذَ لَيْسَ بِحُكْمٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَحْكُومَ بِهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ بِالْحُكْمِ وَإِمْضَاءٌ لَهُ كَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ وَإِجَازَةٌ لَهُ، فَكَأَنَّهُ يُجِيزُ هَذَا الْمَحْكُومَ بِهِ بِعَيْنِهِ، - لِحُرْمَةِ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ حَبْسُ ذَلِكَ الْمَحْكُومِ بِهِ غَيْرَهُ، وَمَعْنَى التَّنْفِيذِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ الْخَصْمِ مُنَازَعَةٌ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ وَيُرْفَعُ إلَيْهِ حُكْمُ الْأَوَّلِ، فَيُمْضِيهِ وَيُنْفِذُهُ، وَيَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ. (وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَالْحِيَازَةِ قَطْعًا) فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا، وَاعْتَرَفَ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ حَتَّى يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ بَاعَهُ الْعَيْنَ الْمَذْكُورَةَ وَهُوَ مَالِكٌ أَوْ مَأْذُونٌ لَهُ، وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ، فَأَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ لَهُ الْبَائِعُ بِذَلِكَ فَلَا يَكْفِي فِي جَوَازِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ يَقْتَضِي ادِّعَاءَهُ مِلْكَ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِمِلْكِهِ وَحِيَازَتِهِ حَالَةَ الْبَيْعِ حَتَّى يُسَوَّغَ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ. (وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - حُكْمٌ بِمُوجَبِ الدَّعْوَى الثَّابِتَةِ بَيِّنَتُهُ أَوْ غَيْرِهَا) أَيْ: بِمَا تَرَتَّبَ عَلَى الدَّعْوَةِ الثَّابِتَةِ بِذَلِكَ (كَ: بِإِقْرَارٍ) وَنُكُولٍ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الشَّيْءِ هُوَ أَثَرُهُ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ (فَالدَّعْوَى الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُدَّعَى بِهِ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (الْحُكْمُ فِيهَا بِالْمُوجَبِ حُكْمٌ بِالصِّحَّةِ) لِأَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ مُوجَبِهِ كَسَائِرِ آثَارِهِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ حِينَئِذٍ أَقْوَى مُطْلَقًا لِسِعَتِهِ وَتَنَاوُلِهِ الصِّحَّةَ. (وَ) آثَارُهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 488 وَالدَّعْوَى (غَيْرُ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُدَّعَى بِهِ كَأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ الْعَيْنَ فَقَطْ (الْحُكْمُ فِيهَا بِالْمُوجَبِ لَيْسَ حُكْمًا بِهَا) أَيْ: الصِّحَّةِ، إذْ مُوجَبُ الدَّعْوَى حِينَئِذٍ حُصُولُ صُورَةِ بَيْعٍ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَشْتَمِلْ الدَّعْوَى عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ لِلْبَائِعِ مِلْكًا؛ وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَتُهُ وَصِحَّةُ الْعَقْدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ. لَا يُقَالُ هُوَ أَيْضًا فِي الْأُولَى لَمْ يَدَعْ الصِّحَّةَ فَكَيْفَ يُحْكَمُ لَهُ بِهَا؟ لِأَنَّ دَعْوَاهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَرِيحَةً فَهِيَ وَاقِعَةٌ ضِمْنًا؛ لِأَنَّهَا مَقْصُودُ الْمُشْتَرِي (وَقَالَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ) وَتَبِعَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ (الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَسْتَدْعِي صِحَّةَ الصِّيغَةِ) أَيْ: الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ قَوْلَيْنِ كَانَا أَوْ فِعْلَيْنِ أَوْ صِيغَةَ الْوَقْفِ أَوْ الْعِتْقِ كَذَلِكَ (وَأَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ) مِنْ بَائِعٍ وَوَاقِفٍ وَنَحْوِهِمَا (وَيَزِيدُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ كَوْنُ تَصَرُّفِهِ فِي مَحَلِّهِ) بِأَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ. (وَقَالَ السُّبْكِيُّ أَيْضًا، الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ هُوَ الْأَثَرُ) أَيْ: الْحُكْمُ بِالْأَثَرِ (الَّذِي يُوجِبُهُ اللَّفْظُ) أَيْ: يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صِيغَةُ الْعَاقِدِ (وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ كَوْنُ اللَّفْظِ) أَيْ: الصِّيغَةِ (بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَثَرُ) مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَنَحْوِهِ؛ فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ بِمُقْتَضَى عَقْدِهِ، لَا حُكْمٌ بِالْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ، وَهُمَا أَيْ: الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ (مُخْتَلِفَانِ فَلَا يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ) أَيْ: شُرُوطِ الْعَقْدِ الْمَحْكُومِ بِصِحَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَجْتَمِعْ فَهُوَ حُكْمٌ بِالْمُوجَبِ (وَالْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ) وَنَحْوِهِ كَالنُّكُولِ (كَالْحُكْمِ بِمُوجَبِهِ) إذْ مَعْنَاهُ إلْزَامُ الْمُقِرِّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ، وَهُوَ أَثَرُ إقْرَارِهِ وَلَا يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ. نَقَلَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيِّ، وَقَالَ: وَلَا يَظْهَرُ لِهَذَا مَعْنًى، فَلْيُتَأَمَّلْ. وَقَدْ رَجَعَ الشَّيْخُ إلَى مَا ذُكِرَ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ (وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ لَا يَشْمَلُ الْفَسَادَ انْتَهَى) هَذَا رَدٌّ لِقَوْلِ الْقَائِلِ إنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ لَا فَائِدَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ حَكَمْتُ بِصِحَّتِهِ إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَبِفَسَادِهِ إنْ كَانَ فَاسِدًا، فَهُوَ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 489 أَنَّ مُوجَبَهُ هِيَ آثَارُهُ الَّتِي تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَالْفَسَادُ لَيْسَ مِنْهَا؛ فَلَا يَشْمَلُهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ (قَالَ الْمُنَقَّحُ: وَالْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالُوا أَيْ:) الْأَصْحَابُ (الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ بِمُقْتَضَى مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَقْدِ، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ مَنْ يَرَاهُ؛ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ سَمَاعُ دَعْوَى الْوَاقِفِ فِي إبْطَالِ الْوَقْفِ بِمُقْتَضَى مَا ثَبَتَ كَوْنُهُ وَقْفًا عَلَى النَّفْسِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مُوجَبُهُ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ، كَكَوْنِ الْمَوْقُوفِ مَرْهُونًا. (وَتَلْخِيصُهُ) أَيْ: مَا ذُكِرَ (عَلَى مَا أَفَادَهُ) الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَشَيْخُهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ بِاسْتِيفَاءِ شُرُوطِ عَقْدٍ يُرَادُ الْحُكْمُ بِهِ؛ (حُكِمَ بِصِحَّتِهِ، وَإِلَّا) تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِاسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ (حُكِمَ بِمُوجَبِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا؛ فَالْحُكْمُ (بِالْمُوجَبِ) عِنْدَهُمَا (أَحَطُّ رُتْبَةً) مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ. (وَقَدْ يَسْتَوِيَانِ) أَيْ: الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ (فِي مَسَائِلَ كَحُكْمِ حَنَفِيٍّ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ بِمُوجَبِهِ أَوْ بِشُفْعَةِ جَارٍ أَوْ وَقْفٍ عَلَى نَفْسٍ؛ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَقْضُهُ) سَوَاءٌ حَكَمَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ أَوْ بِمُوجَبِهِ (وَكَحُكْمِ شَافِعِيٍّ بِصِحَّةِ أَوْ مُوجَبِ إجَارَةِ) جُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (فَلَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ نَقْضُهُ) سَوَاءٌ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ أَوْ بِالْمُوجَبِ (وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ) فِي مَسَائِلَ يَكُونُ فِي بَعْضِهَا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ أَقْوَى، وَفِي بَعْضِهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَقْوَى. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (كَحُكْمِ حَنَفِيٍّ بِصِحَّةِ تَدْبِيرٍ، فَيُسَوَّغُ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ يُبَاعُ، فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِهِ) ؛ أَيْ: التَّدْبِيرِ (لَمْ يَكُنْ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِ التَّدْبِيرِ عِنْدَهُ عَدَمُ بَيْعِهِ، وَ) مِنْهُ أَيْضًا (لَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ شِرَاءِ دَارٍ لَهَا جَارٌ؛ سَاغَ لِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عِنْدَهُ صَحِيحٌ مُسَلَّطٌ لِأَخْذِ الْجَارِ) كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي بَيْعِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ (وَلَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِمُوجَبِ الشِّرَاءِ) لِلدَّارِ الْمَذْكُورَةِ (لَمْ يَكُنْ لِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِهَا) أَيْ: بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ (لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِهِ عِنْدَهُ) أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 490 الشَّافِعِيِّ (دَوَامَهُ) أَيْ: دَوَامَ الْحُكْمِ (وَاسْتِمْرَارَهُ. وَالْقَضِيَّةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَمَا كَانَ مِنْهَا قَدْ جَاءَ وَقْتُ الْحُكْمِ فِيهَا؛ نَفَذَ، وَمَا لَا) يَكُونُ قَدْ جَاءَ وَقْتُ الْحُكْمِ فِيهِ (فَلَا يَنْفُذُ، فَالْأَوَّلُ كَحُكْمِ حَنَفِيٍّ بِمُوجَبِ التَّدْبِيرِ بَعْدَ صُدُورِهِ؛ فَحُكْمُهُ بِهِ فِي وَقْتِهِ) بَعْدَ وُجُودِهِ (فَلَا يُسَوَّغُ نَقْضُهُ، وَصَارَ الْمُدَبَّرُ كَأُمِّ الْوَلَدِ) فِي الْحُكْمِ (وَالثَّانِي أَنْ يُعَلِّقَ شَخْصٌ طَلَاقَ أَجْنَبِيَّةٍ. بِتَزْوِيجِهَا؛ فَيَحْكُمُ مَالِكِيٌّ أَوْ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِهِ، فَإِذَا تَزَوَّجَ بِهَا، وَبَادَرَ شَافِعِيٌّ، وَحَكَمَ بِاسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ؛ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَكُنْ) حُكْمُ الشَّافِعِيِّ (نَقْضًا لِلْحُكْمِ وَحُكْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ) أَيْ الْحَنَفِيِّ وَالْمَالِكِيِّ بِمُوجَبِ تَعْلِيقِ طَلَاقِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى التَّزْوِيجِ بِهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِهَا (لَمْ يَتَنَاوَلْ الطَّلَاقَ) وَلَا دَخَلَ فِي مُوجَبِ وُقُوعِهِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ (لِأَنَّهُ أَيْ:) الطَّلَاقُ (أَمْرٌ لَمْ يَقَعْ) لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ عِصْمَةً (حِينَ الْحُكْمِ) الصَّادِرِ مِنْ الْحَنَفِيِّ أَوْ الْمَالِكِيِّ، فَإِنَّ التَّزَوُّجَ إلَى الْآنَ لَمْ يَقَعْ، وَقَدْ لَا يُوجَدُ (فَكَيْفَ يُحْكَمُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ) وَلَا يَدْرِي هَلْ يَقَعُ أَوْ لَا (فَمَا هَذَا الصَّادِرُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ (إلَّا مُجَرَّدُ فَتْوَى لَا حُكْمَ) ؛ إذْ لَوْ كَانَ حُكْمًا لَرُفِعَ الْخِلَافُ، وَامْتَنَعَ عَلَى مَنْ لَا يَرَاهُ نَقْضُهُ (وَتَسْمِيَتُهُ حُكْمًا إمَّا جَهْلٌ أَوْ تَجَوُّزٌ) . انْتَهَى. وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ بِمُقْتَضَى عَقْدِهِ، لَا حُكْمٌ بِالْعَقْدِ، وَتَقَدَّمَ، وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَذَكَرَ الْغَزِّيِّ فُرُوقًا بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ مِنْهَا مَا سَبَقَ، وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ دَعْوَى كَانَ الْمَطْلُوبُ فِيهَا إلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْإِلْزَامِ هُوَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ، وَلَا يَكُونُ بِالصِّحَّةِ، لَكِنْ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ، إقْرَارًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَمِنْهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْحُكْمَ يَتَضَمَّنُ أَشْيَاءَ لَا يَتَضَمَّنُهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ؛ فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إثْبَاتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَلَا فَسْخَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجَبِهِ وَالْإِلْزَامِ بِمُقْتَضَاهُ؛ امْتَنَعَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْفَسْخِ. انْتَهَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 491 وَقَدْ صَنَّفَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ الشَّافِعِيُّ وُرَيْقَاتٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ، وَأَوْرَدَهَا الْفَتُوحِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْمُنْتَهَى، وَهِيَ نَافِعَةٌ جَيِّدَةٌ مُوضِحَةٌ لِمَا سَبَقَ. [فَصْلٌ فِي مَنْ لَمْ يَعْرِفْ خَصْمُهُ وَأَنْكَرَهُ الْمَحْبُوسُ] فَصْلٌ ثُمَّ رَجَعَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَمْرِ الْمَحَابِيسِ فَقَالَ (وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ خَصْمُهُ، وَأَنْكَرَهُ) الْمَحْبُوسُ بِأَنْ قَالَ: حُبِسْت ظُلْمًا وَلَا حَقَّ عَلَيَّ وَلَا خَصْمَ لِي (نُودِيَ بِذَلِكَ) فِي الْبَلَدِ. قَالَ فِي " الْمُقْنِعِ " وَمَنْ تَبِعَهُ: ثَلَاثًا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " " وَالْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِمَا، وَلَعَلَّ التَّقَيُّدَ بِالثَّلَاثِ أَنَّهُ يَشْتَهِرُ بِذَلِكَ وَيَظْهَرُ الْغَرِيمُ إنْ كَانَ غَائِبًا، وَمَنْ لَمْ يُقَيِّدْ فَمُرَادُهُ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَرِيمٌ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ غَالِبًا فِي ثَلَاثٍ، فَالْمَعْنَى فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ) خَصْمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ (حَلَّفَهُ) أَيْ: الْمَحْبُوسَ حَاكِمٌ (وَخَلَّاهُ) أَيْ: أَطْلَقَهُ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ خَصْمٌ لَظَهَرَ (وَمَعَ غَيْبَةِ خَصْمِهِ) الْمَعْرُوفِ (يَبْعَثُ إلَيْهِ) لَيَحْضُرَ لِلْبَحْثِ عَنْ أَمْرِ الْمَحْبُوسِ (وَمَعَ تَأَخُّرِهِ بِلَا عُذْرٍ) يُخَلِّي سَبِيلَهُ (وَالْأَوْلَى) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (بِكَفِيلٍ) احْتِيَاطًا. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ: وَلَعَلَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَبَسَهُ بِدَيْنٍ شَرْعِيٍّ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إطْلَاقُهُ إلَّا إذَا أَدَّى أَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ، كَمَا فِي بَابِ الْحَجْرِ. ثُمَّ إذَا تَمَّ أَمْرُ الْمَحْبُوسِينَ (يَنْظُرُ فِي أَمْرِ أَيْتَامٍ وَمَجَانِينَ وَوُقُوفٍ وَوَصَايَا لَا وَلِيَّ لَهُمْ) أَيْ: الْأَيْتَامِ وَالْمَجَانِينَ (وَلَا نَاظِرَ) لِلْوُقُوفِ وَالْوَصَايَا، لِأَنَّ هَذِهِ أَمْوَالٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا حِفْظُهَا وَصَرْفُهَا فِي وُجُوهِهَا؛ فَلَا يَجُوزُ إهْمَالُهَا، وَلَا نَظَرَ لَهُ مَعَ الْوَلِيِّ وَالنَّاظِرِ الْخَاصِّ، لَكِنْ لَهُ الِاعْتِرَاضُ إنْ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ (فَلَوْ نَفَّذَ) الْقَاضِي (الْأَوَّلُ وَصِيَّةَ مُوصًى إلَيْهِ أَمْضَاهَا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 492 الْقَاضِي (الثَّانِي) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُنَفِّذْهَا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَهْلِيَّتِهِ، وَيُرَاعِيهِ، فَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ بِفِسْقٍ أَوْ ضَعْفٍ ضَمَّ إلَيْهِ قَوِيًّا أَمِينًا يُعِينُهُ، وَإِنْ لَمْ يُنَفِّذْ الْأَوَّلُ وَصِيَّتَهُ نَظَرَ الثَّانِي فِيهِ، فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا أَمِينًا أَقَرَّهُ، وَإِنْ كَانَ أَمِينًا ضَعِيفًا ضَمَّ إلَيْهِ قَوِيًّا أَمِينًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَصَرَّفَ أَوْ فَرَّقَ الْوَصِيَّةَ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْوَصِيَّةِ، نَفَذَ تَصَرُّفُهُ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِأَهْلٍ وَالْمُوصَى إلَيْهِمْ بَالِغِينَ عَاقِلِينَ مُعَيَّنِينَ؛ صَحَّ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَبَضُوا حُقُوقَهُمْ (فَدَلَّ) وُجُوبُ إمْضَاءِ الثَّانِي مَا نَفَّذَهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْوَصَايَا (أَنَّ إثْبَاتَ) حَاكِمٍ (صِفَةً كَعَدَالَةِ وَجَرْحِ وَأَهْلِيَّةِ مُوصًى إلَيْهِ وَنَحْوِهِ) كَأَهْلِيَّةِ نَاظِرِ وَقْفٍ وَحَضَانَةٍ (حُكْمٌ يَقْبَلُهُ حَاكِمٌ آخَرُ) فَيُمْضِيهِ، وَلَا يَنْقُضُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحَالُ. (وَمَنْ كَانَ مِنْ أُمَنَاءِ الْحَاكِمِ لِلْأَطْفَالِ أَوْ الْوَصَايَا الَّتِي لَا وَصِيَّ لَهَا وَنَحْوَهُ) كَنُظَّارِ أَوْقَافٍ لَا شُرُوطَ فِيهَا (بِحَالِهِ أَقَرَّهُ) لِأَنَّ تَفْوِيضَهُ إلَيْهِ كَحُكْمِهِ؛ فَلَيْسُوا كَنُوَّابِهِ فِي الْحُكْمِ. (وَمَنْ فَسَقَ مِنْهُمْ عَزَلَهُ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ (وَيَضُمُّ إلَى ضَعِيفٍ) قَوِيًّا (أَمِينًا) لِيُعِينَهُ (وَلَهُ إبْدَالُهُ) لِعَدَمِ حُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ (وَلَهُ النَّظَرُ فِي حَالِ قَاضٍ قَبْلَهُ، وَلَا يَجِبُ) عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ أَحْكَامِهِ. (وَيَحْرُمُ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ) قَاضٍ (صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ؛ وَإِلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمٌ أَصْلًا (غَيْرَ مَا) أَيْ: حُكْمٍ (خَالَفَ نَصَّ كِتَابِ اللَّهِ) تَعَالَى أَوْ خَالَفَ نَصَّ (سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ، أَوْ) خَالَفَ (آحَادًا) أَيْ: نَصَّ سُنَّةِ آحَادٍ كَالْحُكْمِ (بِقَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ وَحُرٍّ بِقِنٍّ) فَيَلْزَمُ نَقْضُهُ نَصًّا، وَكَذَا (جَعْلُ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ، عِنْدَ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ أُسْوَةً بِالْغُرَمَاءِ) فَيُنْقَضُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لَمْ يُصَادِفْ شَرْطَهُ إذْ شَرْطُ الِاجْتِهَادِ عَدَمُ النَّصِّ؛ لِخَبَرِ مُعَاذٍ، وَلِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ (أَوْ) خَالَفَ (إجْمَاعًا قَطْعِيًّا) فَيُنْقَضُ؛ لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ، بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ، أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا، أَوْ حَكَمَ (بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُ) صِحَّتَهُ وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 493 الْأَرْبَعَةِ، وَحَكَاهُ الْقَرَافِيُّ (إجْمَاعًا، فَيَلْزَمُ نَقْضُهُ) لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَهُ، وَيَأْثَمُ وَيَعْصِي بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] فَإِنْ اعْتَقَدَهُ صَحِيحًا وَقْتَ الْحُكْمِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ - وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ - لَمْ يُنْقَضْ؛ لِقَضَاءِ عُمَرَ فِي الْمُشَرَّكَةِ حَيْثُ أَسْقَطَ الْإِخْوَةَ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ شَرَكَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ بَعْدُ، وَقَالَ: تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا، وَهَذِهِ عَلَى مَا نَقْضِي، وَقَضَى بِإِرْثِ الْجَدِّ بِقَضَايَا مُخْتَلِفَةٍ، وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ عَمَلَ بِالْأَخِيرِ؛ لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ مَا قَبْلَهُ. (وَلَا يُنْقَضُ حُكْمٌ بِتَزْوِيجِهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ (نَفْسَهَا) وَلَوْ مَعَ حُضُورِ وَلِيِّهَا؛ لِاخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا يُنْقَضُ حُكْمٌ (لِمُخَالَفَةِ قِيَاسٍ) وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ جَلِيًّا؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُنْقَضُ لِمُخَالَفَةِ (إجْمَاعٍ ظَنِّيٍّ وَلَا) يُنْقَضُ حُكْمُهُ (لِعَدَمِ عِلْمِهِ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ) لِأَنَّ عِلْمَهُ بِالْخِلَافِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ وَلَا فِي بُطْلَانِهِ حَيْثُ وَافَقَ مُقْتَضَى الشَّرْعِ (أَوْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) لَمْ يَنْتَقِضْ حُكْمُهُ. حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ إجْمَاعًا، وَيَأْتِي «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي الْمَالِ» (أَوْ حَكَمَ بِبَيِّنَةِ خَارِجٍ) وَجَهِلَ عِلْمَهُ بِبَيِّنَةٍ تُقَابِلُهَا أَوْ حَكَمَ بِبَيِّنَةِ (دَاخِلٍ وَجَهِلَ عِلْمَهُ بِبَيِّنَةٍ تَقَابُلُهَا) حَيْثُ وَقَعَ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ (وَمَا قُلْنَا إنَّهُ يُنْقَضُ فَالنَّاقِضُ لَهُ حَاكِمٌ إنْ كَانَ) مَوْجُودًا (فَيَثْبُتُ) عِنْدَهُ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لِنَقْضِهِ (وَيُنْقِضُهُ) حَاكِمٌ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ نَقْضِ طَلَبِ رَبِّ الْحَقِّ نَقَضَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَنْقُضُهُ حَاكِمُهُ (إنْ بَانَ بِمَنْ شَهِدَ) عِنْدَهُ مَا (أَيْ) شَيْءٌ (لَا يُرَى) لِحَاكِمٍ (مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ) كَكَوْنِ الشَّاهِدِ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبٍ مَشْهُودٍ لَهُ (وَكَذَا كُلُّ مَا صَادَفَ مَا حُكِمَ بِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ) صِفَةٌ " لِمَا " الْأُولَى؛ أَيْ: لَا يَرَى الْحَاكِمُ الْقَاضِي الْحُكْمَ مَعَهُ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ) قَاضٍ عِنْدَ حُكْمِهِ (كَبَيْعِ عَبْدٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَنْذُورٌ) عِتْقُهُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ فَيَنْقُضُهُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ (وَتُنْقَضُ أَحْكَامٌ مَنْ) أَيْ: قَاضٍ (لَا يَصْلُحُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 494 لِلْحُكْمِ لِفَقْدِ بَعْضِ الشُّرُوطِ (وَإِنْ وَافَقَتْ الصَّوَابَ) لِأَنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) وَهَذَا فِي غَيْرِ قُضَاةِ الضَّرُورَةِ، أَمَّا هُمْ فَلَا يُنْقَضُ مِنْ أَحْكَامِهِمْ مَا وَافَقَ الصَّوَابَ. اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ " وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " " وَالْمُنَوِّرِ " وَقَدَّمَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْبَنَّا حَيْثُ أَطْلَقُوا أَنْ لَا يُنْقَضَ مِنْ الْحُكْمِ إلَّا مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ مُدَّةٍ، وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ. [فَصْلٌ فِي مَنْ اسْتَعْدَاهُ الْقَاضِي عَلَى خَصْمٍ بِالْبَلَدِ الَّذِي بِهِ الْقَاضِي] فَصْلٌ (وَمَنْ اسْتَعْدَاهُ) أَيْ: الْقَاضِي (عَلَى خَصْمٍ بِالْبَلَدِ) الَّذِي بِهِ الْقَاضِي أَيْ: طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُحْضِرَهُ لَهُ (بِمَا) أَيْ: شَيْءٍ (تَتْبَعُهُ التُّهْمَةُ؛ لَزِمَهُ) أَيْ: الْقَاضِيَ (إحْضَارُهُ) أَيْ: الْخَصْمِ (وَلَوْ لَمْ يُحَرِّرْ) الْمُسْتَعْدِي الدَّعْوَى نَصًّا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً؛ لِئَلَّا يُضَيِّعَ الْحُقُوقَ وَيُقِرَّ الظَّالِمَ، وَقَدْ يَثْبُتُ حَقُّ الْأَدْنَى عَلَى الْأَرْفَعِ بِغَصْبٍ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يُوَفِّيهِ ثَمَنَهُ، أَوْ إيدَاعٍ أَوْ إعَادَةٍ وَلَا يَرُدُّ إلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ ذَهَبَ حَقُّهُ، وَهَذَا أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ فِيهِ وَقَدْ حَضَرَ عُمَرُ وَأُبَيُّ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَضَرَ عُمَرُ وَآخَرُ عِنْدَ شُرَيْحٍ. وَلِلْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ أَنْ يُوَكِّلَ إنْ كَرِهَ الْحُضُورَ. (وَمَنْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ) لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لَزِمَهُ الْحُضُورُ (أَوْ طَلَبَهُ حَاكِمٌ حَيْثُ يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ، بِخِلَافِ مُعْسِرٍ ثَبَتَ إعْسَارُهُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لَزِمَهُ الْحُضُورُ إلَيْهِ) وَلَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي الْحَلِفِ، فَإِنْ حَضَرَ (وَإِلَّا أَعْلَمَ الْوَالِي بِهِ) أَيْ: بِامْتِنَاعِهِ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 495 الْحُضُورِ لِيُحْضِرَهُ (وَمَتَى حَضَرَ) بَعْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ؛ فَلَهُ تَأْدِيبُهُ عَلَى امْتِنَاعِهِ (بِمَا يَرَاهُ مِنْ كَلَامٍ وَكَشْفِ رَأْسٍ وَضَرْبٍ وَحَبْسٍ) لِأَنَّ التَّعْزِيرَ إلَى رَأْيِهِ. تَنْبِيهٌ: فَإِنْ اخْتَفَى مُسْتَعْدًى عَلَيْهِ بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ يُنَادِي عَلَى بَابِهِ ثَلَاثًا بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ سَمَّرَ بَابَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ؛ لِتَزُولَ مَعْذِرَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَسَأَلَ الْمُدَّعِي أَنْ يُسَمِّرَ عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ وَيَخْتِمَهُ؛ أَجَابَهُ إلَيْهِ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ حَكَمَ عَلَيْهِ كَغَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. (وَيُعْتَبَرُ تَحْرِيرُهَا) أَيْ: الدَّعْوَى فِيمَا إذَا اسْتَعْدَاهُ عَلَى (حَاكِمٍ مَعْزُولٍ مَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَكَابِرِ) ذَوِي الْمَنَاصِبِ كَالْخَلِيفَةِ وَالْعَالِمِ الْكَبِيرِ وَالشَّيْخِ الْمَتْبُوعِ وَكُلِّ مَنْ خِيفَ تَبْذِيلُهُ وَنَقْصُ حُرْمَتِهِ بِإِحْضَارِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ حَاكِمَانِ فَأَكْثَرُ وَاسْتَعْدَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لَمْ يَعِدْهُ حَتَّى يُحَرِّرَ دَعْوَاهُ بِأَنْ يَعْرِفَ مَا يَدَّعِيهِ (ثُمَّ يُرَاسِلُهُ) بَعْدَ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى، وَيَسْأَلُهُ عَنْهَا صِيَانَةً لَهُ عَنْ الِامْتِهَانِ، فَإِنْ ذَكَرَ الْمُسْتَعْدِي أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ رِشْوَةٍ أَخَذَهَا مِنْهُ عَلَى الْحُكْمِ رَاسِلُهُ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْعُهْدَةِ لِتَوَجُّهِ الْحَقِّ عَلَيْهِ بِاعْتِرَافِهِ (فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ) لِمَا ذُكِرَ؛ لَمْ يَحْتَجْ لِحُضُورٍ، وَإِلَّا يَخْرُجُ مِنْهَا أَحْضَرَهُ كَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَيَّنَ طَرِيقًا إلَى اسْتِخْلَاصِ حَقِّ الْمُدَّعِي، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى الْقَاضِي الْمَعْزُولِ الْجَوْرَ فِي الْحُكْمِ، وَكَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ أَحْضَرَهُ، وَحَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، وَأَنْكَرَ الْقَاضِي دَعْوَاهُ؛ فَقَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ (وَلَا يُعْتَبَرُ لِإِحْضَارِ مَنْ) أَيْ: امْرَأَةٍ (تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا) إذَا اسْتَعْدَى عَلَيْهَا (مَحْرَمٌ) لَهَا يَخْرُجُ مَعَهَا نَصًّا لِأَنَّهُ لَا سَفَرَ (وَغَيْرُ الْبَرْزَةِ) وَهِيَ الْمُخَدَّرَةُ الَّتِي لَا تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا إذَا اسْتَعْدَى عَلَيْهَا تُوَكِّلُ كَمَرِيضٍ (وَنَحْوِهِ) مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ (وَإِنْ وَجَبَتْ) عَلَيْهَا (يَمِينٌ أَرْسَلَ) الْحَاكِمُ (مَنْ) أَيْ: أَمِينًا مَعَهُ شَاهِدَانِ يُحَلِّفُهَا بِحَضْرَتِهِمَا. (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ بِمَوْضِعٍ) مِنْ عَمَلِ الْقَاضِي (لَا حَاكِمَ بِهِ بَعَثَ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 496 الْقَاضِي (إلَى مَنْ) أَيْ: ثِقَةٍ (يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَنْ يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا، أَوْ لَمْ يَقْبَلَاهُ (حَرَّرَ) الْقَاضِي (دَعْوَاهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْتَعْدِي؛ لِئَلَّا يَكُونَ مَا يَدَّعِيه لَيْسَ حَقًّا كَشُفْعَةِ جِوَارٍ وَقِيمَةِ كَلْبٍ (ثُمَّ أَحْضَرَهُ) الْقَاضِي (وَلَوْ بَعُدَ) مَكَانُهُ إذَا كَانَ (بِعَمَلِهِ) لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِلْحَاقُ الْمَشَقَّةِ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْلَى بِإِلْحَاقِهَا بِمَنْ يُنْفِذُهُ الْحَاكِمُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِعَمَلِ الْقَاضِي لَمْ يَعُدَّ عَلَيْهِ. (وَمَنْ ادَّعَى قِبَلَ إنْسَانٍ شَهَادَةً؛ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَلَمْ يُعَدَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْلِفْ) خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. (وَمَنْ قَالَ لِحَاكِمٍ حَكَمْتَ عَلَيَّ) بِشَهَادَةِ (فَاسِقَيْنِ عَمْدًا فَأَنْكَرَ) الْقَاضِي (لَمْ يَحْلِفْ) لِئَلَّا يَتَطَرَّقْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ لِإِبْطَالِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُقُوقِ بِذَلِكَ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، وَالْيَمِينُ إنَّمَا تَجِبُ لِلتُّهْمَةِ، وَالْقَاضِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. (وَإِنْ قَالَ قَاضٍ مَعْزُولٌ عَدْلٌ لَا يُتَّهَمُ: كُنْتُ حَكَمْتُ فِي وِلَايَتِي لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا وَبَيَّنَهُ، وَهُوَ مِمَّنْ يُسَوَّغُ لَهُ الْحُكْمُ لَهُ كَغَيْرِ أَصْلٍ وَفَرْعٍ؛ قُبِلَ) قَوْلُهُ نَصًّا (وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ) الْقَاضِي (مُسْتَنَدَهُ فِي حُكْمِهِ) كَأَنْ يَقُولَ (حَكَمْت بِشَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَلَوْ أَنَّ الْعَادَةَ تَسْجِيلُ أَحْكَامِهِ وَضَبْطِهَا بِشُهُودِ) لِأَنَّ عَزْلَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ، كَمَا لَوْ كَتَبَ كِتَابًا إلَى قَاضٍ آخَرَ ثُمَّ عُزِلَ، وَوَصَلَ الْكِتَابُ بَعْدَ عَزْلِهِ؛ لَزِمَ قَبُولُ كِتَابِهِ، وَلِأَنَّهُ أَخْبَرُ بِمَا حَكَمَ بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ؛ أَشْبَهَ حَالَ وِلَايَتِهِ (مَا لَمْ يَشْتَمِلْ) الْحُكْمُ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ الْحَاكِمُ بَعْدَ عَزْلِهِ (عَلَى إبْطَالِ حُكْمِ حَاكِمٍ آخَرَ) فَلَا يُقْبَلُ إذَنْ (فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِرُجُوعِ وَاقِفٍ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَخْبَرَ حَنْبَلِيٌّ أَنَّهُ كَانَ حَكَمَ قَبْلَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ؛ لَمْ يُقْبَلْ) إخْبَارُ الْحَنْبَلِيِّ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، قَالَهُ الْقَاضِي مَجْدُ الدِّينِ. قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 497 ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَهُوَ حَسَنٌ. (وَإِنْ أَخْبَرَ حَاكِمٌ حَاكِمًا) آخَرَ (بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا) أَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ فِي عَمَلِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ (قَبِلَ الْخَبَرُ، وَعَمِلَ بِهِ) الْمُخْبَرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ إذَا بَلَغَ عَمَلَهُ، كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِحُكْمٍ بَعْدَ عَزْلِهِ، وَلَا يَقْبَلُ الْمُخْبَرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَلَا يَعْمَلُ إذَا أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ كَذَا وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ (مَعَ حُضُورِ مُخْبِرٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (وَهُمَا بِعَمَلِهِمَا) إذَا أَخْبَرَهُ بِالثُّبُوتِ عِنْدَهُ بِلَا حُكْمٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَنَقْلِ الشَّهَادَةِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (وَكَذَا إخْبَارُ أَمِيرِ جِهَادٍ وَأَمِينِ صَدَقَةٍ وَنَاظِرِ وَقْفٍ مُتَبَرِّعَيْنِ) فَيُقْبَلُ إخْبَارُ كُلٍّ مِنْهُمْ بَعْدَ عَزْلِهِ بِأَمْرٍ صَدَرَ مِنْهُ حَالَ وِلَايَتِهِ، كَمَا يُقْبَلُ فِي وِلَايَتِهِ. وَكُلُّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ إنْشَاءُ أَمْرٍ؛ صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ ". [بَابُ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ] ِ أَيْ: كَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ (طَرِيقُ كُلُّ شَيْءٍ) حُكْمٍ أَوْ غَيْرِهِ (مَا تُوُصِّلَ بِهِ إلَيْهِ) أَيْ: الشَّيْءِ. وَالْحُكْمُ لُغَةً الْمَنْعُ وَاصْطِلَاحًا (الْفَصْلُ) وَقَدْ لَا يَكُونُ خُصُومَةً كَعَقْدٍ دُفِعَ إلَيْهِ لِيَحْكُمَ بِهِ؛ فَهُوَ إلْزَامٌ لِلْعَمَلِ بِهِ؛ وَسُمِّيَ الْقَاضِي حَاكِمًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الظَّالِمَ مِنْ ظُلْمِهِ. (إذَا أُحْضِرَ إلَيْهِ) أَيْ: الْقَاضِي (خَصْمَانِ) اُسْتُحِبَّ أَنْ يَجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد: (لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 498 الْحَاكِمِ» ) . وَقَالَ عَلِيٌّ حِينَ خَاصَمَ الْيَهُودِيَّ دِرْعَهُ إلَى شُرَيْحٍ: لَوْ أَنَّ خَصْمِي مُسْلِمٌ لَجَلَسْتُ مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ. وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِلْحَاكِمِ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا فَإِذَا جَلَسَا (فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئَا) أَيْ: الْخَصْمَانِ بِالدَّعْوَى (وَلَهُ أَنْ يَقُولَ: أَيُّكُمَا الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ فِي ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا (وَمِنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى مِنْهُمَا نُطْقًا؛ قُدِّمَ) أَيْ: قَدَّمَهُ الْحَاكِمُ عَلَى خَصْمِهِ لِتَرْجِيحِهِ بِالسَّبَقِ؛ فَإِنْ قَالَ خَصْمُهُ أَنَا الْمُدَّعِي لَمْ يَلْتَفِتْ الْحَاكِمُ إلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: أَجِبْ عَنْ دَعْوَاهُ ثُمَّ ادَّعِ بَعْدُ مَا شِئْتَ (ثُمَّ) إنْ ادَّعَيَا مَعًا قُدِّمَ (مَنْ قُرِعَ) أَيْ: خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ لِأَنَّهَا تُعَيِّنُ الْمُسْتَحِقَّ (فَإِذَا انْتَهَتْ حُكُومَتُهُ) أَيْ: الْأَوَّلِ (ادَّعَى الْآخَرُ) لِاسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ حَقَّهُ. (وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى مَقْلُوبَةٌ) لِأَنَّ الْأَصْحَابَ عَرَّفُوا الْمُدَّعِيَ بِأَنَّهُ الَّذِي يُطَالِبُ غَيْرَهُ بِحَقٍّ يُذْكَرُ اسْتِحْقَاقًا عَلَيْهِ، وَلَا يَنْطَبِقُ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى مَنْ ادَّعَى دَعْوَى مَقْلُوبَةً، وَهِيَ (بِأَنْ يَدَّعِيَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ أَوْ لِيَسْتَحْلِفَهُ) سُمِّيَتْ مَقْلُوبَةً؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ فِيهَا يَطْلُبُ أَنْ يُعْطِيَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمُدَّعِي فِي غَيْرِهَا يَطْلُبُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ فَانْقَلَبَ فِيهَا الْقَصْدُ الْمُعْتَادُ. (وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى حِسْبَةٍ بِحَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى كَعِبَادَةٍ مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ وَنَحْوِهَا وَحَدِّ زِنًا أَوْ شُرْبٍ (وَعِدَّةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ) كَيَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَجَزَاءِ صَيْدٍ قَتَلَهُ مُحْرِمًا أَوْ فِي الْحَرَمِ (وَتُسْمَعُ) بِلَا دَعْوَى (بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، وَيَعْتِقُ، وَلَوْ أَنْكَرَ مَعْتُوقٌ) الْعِتْقَ الْمَشْهُودَ بِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَتُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بِلَا دَعْوَى (بِحَقٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَوَقْفٍ) عَلَى فُقَرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ (وَوَصِيَّةٍ عَلَى فُقَرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ) أَوْ رِبَاطٍ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ مُسْتَحِقُّهُ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، أَشْبَهَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى. وَتُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بِلَا دَعْوَى بِوَكَالَةٍ (وَاسْتِنَادِ وَصِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ خَصْمٍ مُسَخَّرٍ) وَلَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 499 وَلَا تُسْمَعُ (بَيِّنَةٌ) بِحَقِّ (آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ قَبْلَ دَعْوَاهُ) بِحَقِّهِ وَتَحْرِيرِهَا (وَلَا) تُسْمَعُ (يَمِينُهُ) أَيْ: الْمُدَّعِي (إلَّا بَعْدَهَا) أَيْ: الدَّعْوَى (وَبَعْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ إنْ كَانَ) حَيْثُ يَقْضِي بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (وَأَجَازَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ سَمَاعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ لِحِفْظِ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ بِالثَّبَاتِ بِخَصْمٍ مُسَخَّرٍ) أَيْ: يُنَصَّبُ لِيُنَازَعَ صُورَةً، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا سَمَاعَهُمَا لِذَلِكَ بِلَا خَصْمٍ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": الثُّبُوتُ الْمَحْضُ يَصِحُّ بِلَا مُدَّعًى عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرُهُ قَوْمٌ مِنْ " الْفُقَهَاءِ "، وَفَعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْقُضَاةِ انْتَهَى. وَأَمَّا فِي الْعُقُودِ وَالْأَقَارِيرِ وَغَيْرِهَا فَأَجَازَهُمَا الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِخَصْمٍ مُسَخَّرٍ يُظْهِرُ النِّزَاعَ، وَلَيْسَ مُنَازِعًا فِي الْحَقِيقَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَأَمَّا عَلَى أَصْلِنَا وَأَصْلِ مَالِكٍ فَإِمَّا أَنْ تُمْنَعَ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ مُنَازِعٍ؛ فَتَثْبُتُ الْحُقُوقُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَإِمَّا أَنْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ وَيُحْكَمُ بِهَا بِلَا خَصْمٍ. وَذَكَرُهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ فِي مَوَاضِعَ؛ لِأَنَّا نَسْمَعُهُمَا عَلَى غَائِبٍ وَمُمْتَنِعٍ وَنَحْوِهِ كَمَيِّتٍ، وَكَذَا عَلَى الْحَاضِرِ فِي الْبَلَدِ فِي الْمَنْصُوصِ، فَمَعَ عَدَمِ خَصْمٍ أَوْلَى؛ فَإِنْ الْمُشْتَرِي مَثَلًا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ؛ فَلَا يَدَّعِي وَلَا يُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ سَمَاعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَحُكْمُهُ بِمُوجَبِهَا مِنْ غَيْرِ وُجُودِ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ مُدَّعٍ عَلَى أَحَدٍ، لَكِنْ خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ خَصْمٍ مُسْتَقْبَلٍ وَحَاجَةِ النَّاسِ خُصُوصًا فِيمَا قَالَ فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ خِلَافٌ لِرَفْعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الشُّبْهَةِ أَوْ الْخِلَافِ انْتَهَى. الْمُنَقَّحُ: وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَا يَقَعُ مِنْ عُقُودِ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ يُرْفَعُ لِلْحَاكِمِ وَتَشَهَّدُ بِهِ الْبَيِّنَةُ؛ فَيَحْكُمُ بِهِ بِلَا خَصْمٍ، وَهُوَ قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: وَإِذَا حَكَمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ مُقَابِلًا لِمَا قَدَّمُوهُ؛ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 500 [فَصْلٌ شُرُوطُ صِحَّةِ الدَّعْوَى] فَصْلٌ (وَتَصِحُّ الدَّعْوَى بِالْقَلِيلِ وَلَوْ لَمْ تَتْبَعْهُ التُّهْمَةُ) بِخِلَافِ الِاسْتِعْدَاءِ لِلْمَشَقَّةِ (وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الدَّعْوَى شُرُوطٌ: أَحَدُهَا (تَحْرِيرُهَا) لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّمَا أَقْضِي عَلَى مَا أَسْمَعُ» ) . وَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا مَعَ عَدَمِ تَحْرِيرِهَا (فَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِدَيْنٍ عَلَى مَيِّتٍ ذَكَرَ مَوْتَهُ وَحَرَّرَ الدَّيْنَ بِذِكْرِ جِنْسٍ وَنَوْعٍ وَصِفَةٍ) وَقَدْرٍ وَحَرَّرَ التَّرِكَةَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَفِي " الْمُغْنِي " (أَوْ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ مُوَرِّثِهِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ) وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَارِثٍ فِي عَدَمِ التَّرِكَةِ بِيَمِينِهِ، وَيَكْفِيه أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ شَيْءٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يُخْلِفْ شَيْئًا، لِأَنَّهُ قَدْ يُخْلِفُ شَيْئًا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيفَاءُ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي (كَوْنُهَا) أَيْ: الدَّعْوَى (مَعْلُومَةً) أَيْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ لَيَتَمَكَّنَ الْحَاكِمُ مِنْ الْإِلْزَامِ بِهِ إذَا ثَبَتَ (إلَّا فِي وَصِيَّةٍ) بِمَجْهُولٍ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِدَابَّةٍ أَوْ بِشَيْءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَإِلَّا فِي إقْرَارٍ) بِمَجْهُولٍ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمُجْمَلٍ؛ فَتَصِحُّ، وَإِذَا ثَبَتَ طُولِبَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِالْبَيَانِ، وَإِلَّا فِي خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ عَلَى مَجْهُولٍ كَأَنْ سَأَلَتْهُ الْخُلْعَ أَوْ الطَّلَاقَ عَلَى أَحَدِ دَوَابِّهَا، فَأَجَابَهَا، وَتَنَازَعَا. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ: وَكَذَا جَعَلَ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ إذَا سُمِّيَ مَجْهُولًا لِصِحَّتِهِ كَمَا سَبَقَ، فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ مَعَ جَهَالَتِهِ (فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ) أَيْ: الْمُدَّعِي (عَنْ دَعْوَى بِوَرَقَةٍ ادَّعَى بِمَا فِيهَا مُصَرِّحًا بِهَا، فَلَا يَكْفِي لِي عِنْدَهُ كَذَا حَتَّى يَقُولَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 501 وَأَنَا مُطَالِبُهُ بِهِ) ذَكَرُهُ فِي " التَّرْغِيبِ " قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يَكْفِي الظَّاهِرُ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ مُدَّعٍ (أَنَّهُ أَقَرَّ لِي بِكَذَا، وَلَوْ) كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ (مَجْهُولًا حَتَّى يَقُولَ) مُدَّعٍ: وَأُطَالِبُهُ بِهِ، أَوْ أُطَالِبُهُ بِمَا يُفَسِّرُهُ بِهِ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى (مُتَعَلِّقَةً بِالْحَالِ، فَلَا تَصِحُّ) الدَّعْوَى بِدَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ لِإِثْبَاتِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الطَّلَبَ بِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ (وَفِي " التَّرْغِيبِ " إلَّا إنْ خَافَ) الْمُدَّعِي (سَفَرَ الشُّهُودِ) أَوْ خَافَ سَفَرَ الْمَدْيُونِ؛ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى حِينَئِذٍ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ حِفْظًا لِلْمَالِ. (وَتَصِحُّ الدَّعْوَى بِتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ وَاسْتِيلَادٍ) لِصِحَّةِ الْحُكْمِ بِهَا، وَإِنْ تَأَخَّرَ أَثَرُهَا. الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى (مُنْفَكَّةً عَمَّا يُكَذِّبُهَا؛ فَلَا تَصِحُّ) الدَّعْوَى عَلَى شَخْصٍ (بِأَنَّهُ قَتَلَ أَوْ سَرَقَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةٍ وَسَنَةٍ دُونَهَا وَنَحْوِهِ) لِأَنَّ الْحِسَّ يُكَذِّبُهَا وَمِنْهُ لَوْ ادَّعَى أَنْ الْخَلِيفَةَ اشْتَرَى مِنْهُ حُزْمَةَ بَقْلٍ وَحَمَلَهَا بِيَدِهِ؛ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَهُ فِي " الْقَوَاعِدِ " (وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ الْمُشَارَكَةَ) فِي قَتْلِ أَبِيهِ (لَمْ تُسْمَعْ) الدَّعْوَى (الثَّانِيَةُ) لِأَنَّهُ كَذَّبَهَا بِدَعْوَاهُ الْأُولَى، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْآخَرُ الِانْفِرَادَ بِهِ؛ فَلَا تُسْمَعُ (وَلَوْ أَقَرَّ الثَّانِي) لِتَكْذِيبِهِ لَهُ أَوَّلًا (إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي غَلِطْتُ أَوْ كَذَبْتُ فِي الْأُولَى) فَتُقْبَلُ الثَّانِيَةُ؛ لِإِمْكَانِهِ، وَالْحَقُّ لَا يَعْدُوهُمَا، وَإِنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ ذُكِرَ تَلَقِّيهِ مِنْهُ؛ سُمِعَ مِنْهُ مَا ادَّعَاهُ، وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ، وَإِلَّا يَذْكُرُ تَلَقِّيهِ مِنْهُ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ الْآنَ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمْسِ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ أَمْسِ؛ لِعَدَمِ التَّطَابُقِ. وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى (ذِكْرُ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ) لَعَيْنٍ أَوْ لِدَيْنٍ لِكَثْرَةِ سَبَبِهِ وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْمُدَّعِي (وَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُ مُدَّعًى بِهِ) إنْ حَضَرَ (بِالْمَجْلِسِ بِإِشَارَةٍ) لِنَفْيِ اللَّبْسِ بِالتَّعْيِينِ، وَيُعْتَبَرُ (إحْضَارُ عَيْنٍ) مُدَّعًى بِهَا إنْ كَانَتْ (بِالْبَلَدِ وَأَمْكَنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 502 إحْضَارُهَا) بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ (لِتُعَيَّنَ) بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا نَفْيًا لِلَّبْسِ (وَيَجِبُ الْإِحْضَارُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَقَرَّ أَنَّ بِيَدِهِ مِثْلُهَا) أَنْ يُحْضِرَهُ، وَيُوَكِّلَ بِهِ حَتَّى يُحْضِرَهَا، فَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِغَصْبٍ نَحْوَ عَبْدٍ صِفَتُهُ كَذَا، أَوْ أَقَرَّ أَنْ بِيَدِهِ عَبْدًا كَذَلِكَ، وَأَنْكَرَ الْغَصْبَ، وَقَالَ: الْعَبْدُ مِلْكِي أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِإِحْضَارِهِ؛ لِتَكُونَ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهِ (وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهَا) أَيْ: الْعَيْنُ الْمُدَّعَى بِهَا (بِيَدِهِ) أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا (بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ؛ حُبِسَ حَتَّى يُحْضِرَهَا) لِتَقَعَ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهَا (أَوْ حَتَّى يَدَّعِيَ تَلَفَهَا؛ فَيُصَدَّقُ لِلضَّرُورَةِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَيَكْفِي ذِكْرُ الْقِيمَةِ) بِأَنْ يَقُولَ مُدَّعٍ: قِيمَتُهَا كَذَا حَيْثُ تَلِفَتْ، (وَإِنْ كَانَتْ) الْعَيْنُ الْمُدَّعَى بِهَا (غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ، أَوْ) كَانَتْ (تَالِفَةً، أَوْ) كَانَتْ (فِي الذِّمَّةِ وَلَوْ غَيْرَ مِثْلِيَّةٍ) كَالْمَبِيعِ فِي الذِّمَّةِ بِالصِّفَةِ وَكَوَاجِبِ الْكِسْوَةِ (وَصَفَهَا مُدَّعٍ كَسَلَمٍ) بِأَنْ يَذْكُرَ مَا يَضْبِطُهَا مِنْ الصِّفَاتِ (وَالْأَوْلَى ذِكْرُ قِيمَتِهَا أَيْضًا) أَيْ: مَعَ وَصْفِهَا؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ. وَفِي " التَّرْغِيبِ " يَكْفِي قِيمَةُ غَيْرٍ مِثْلِيٍّ، وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ، وَيَكْفِي فِي الدَّعْوَى بِنَقْدِهِ (ذِكْرُ قَدْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) إنْ اتَّحَدَ، وَذِكْرُ (قِيمَةِ جَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِ سَلَمٌ؛ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ صِفَاتِهِ. (وَمَنْ ادَّعَى دَارًا) غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ (بَيَّنَ مَوْضِعَهَا وَحُدُودَهَا، فَيَدَّعِي أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ) الْمُدَّعَى بِهَا (بِحُقُوقِهَا وَحُدُودِهَا مِلْكِي وَأَنَّهُ غَصَبَنِيهَا أَوْ) هِيَ (بِيَدِهِ ظُلْمًا، وَأَنَا مُطَالَبُهُ بِرَدِّهَا، وَتَكْفِي شُهْرَةُ عَقَارٍ عِنْدَهُمَا) أَيْ: الْمُتَدَاعِيَيْنِ (وَعِنْدَ حَاكِمٍ عَنْ تَحْدِيدِهِ) لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ وَيَأْتِي. (وَلَوْ قَالَ مُدَّعٍ: أُطَالِبُهُ بِثَوْبٍ غَصَبَنِيهِ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ) فَيَرُدَّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، أَوْ قَالَ: أُطَالِبُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ (أَخَذَهُ مِنِّي لِيَبِيعَهُ بِعِشْرِينَ) وَأَبَى رَدَّهُ وَإِعْطَاءَ ثَمَنِهِ (فَيُعْطِينِيهَا) ؛ أَيْ: الْعِشْرِينَ (إنْ كَانَ بَاعَهُ، أَوْ) يُعْطِينِي (الثَّوْبَ إنْ كَانَ بَاقِيًا) أَوْ يُعْطِينِي (قِيمَتَهُ) الْعَشَرَةَ (إنْ كَانَ تَلِفَ؛ صَحَّ) ذَلِكَ اصْطِلَاحًا مِنْ الْقُضَاةِ عَلَى قَبُولِ هَذِهِ الدَّعْوَى الْمُرَدَّدَةِ لِلْحَاجَةِ. (وَمَنْ ادَّعَى عَقْدًا، وَلَوْ غَيْرَ نِكَاحٍ) كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ (ذَكَرَ شُرُوطَهُ لُزُومًا) لِلِاخْتِلَافِ فِي الشُّرُوطِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ صَحِيحًا عِنْدَ الْقَاضِي، فَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 503 يَنَالُهُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ مَعَ جَهْلِهِ بِهَا (فَيَقُولُ فِي بَيْعٍ: اشْتَرَيْتُ مِنْهُ هَذِهِ الْعَيْنَ بِكَذَا، أَوْ هُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ وَتَفَرَّقْنَا عَنْ تَرَاضٍ، وَكَذَا إنْ ادَّعَى عَقْدَ إجَارَةٍ) وَيَقُولُ (فِي) دَعْوَى (نِكَاحٍ تَزَوَّجْتهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَبِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَاهَا إنْ كَانَتْ لَا تُجْبَرُ) بِأَنْ لَا تَكُونَ لَا بِكْرًا وَلَا ثَيِّبًا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ مَعَ أَبٍ أَوْ وَصِيِّهِ (وَلَا يَحْتَاجُ) أَنْ يَقُولَ (وَلَيْسَتْ مُرْتَدَّةً وَلَا مُعْتَدَّةً) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ (وَإِنْ كَانَتْ) الزَّوْجَةُ (أَمَةً) وَهُوَ حُرٌّ (ذَكَرَ عَدَمَ طَوْلٍ وَخَوْفَ عَنَتٍ) مَعَ الْوَلِيِّ وَشَاهِدَيْ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ. فَائِدَةٌ: وَإِنْ ادَّعَى زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ فَأَقَرَّتْ لَهُ بِهَا؛ سُمِعَ إقْرَارُهَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَالْغُرْبَةِ وَالْوَطَنِ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِحَقٍّ عَلَيْهَا؛ فَقُبِلَ إقْرَارُهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. (وَإِنْ ادَّعَى اسْتِدَامَةَ الزَّوْجِيَّةِ فَقَطْ) ؛ أَيْ: وَلَمْ يَدَّعِ الْعَقْدَ (لَمْ يَحْتَجْ لِذِكْرِ شُرُوطِ الْعَقْدِ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالِاسْتِعَاضَةِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ مَعَهَا اجْتِمَاعُ الشُّرُوطِ. (وَيُجْزِئُ عَنْ تَعْيِينِ الْمَرْأَةِ) الْمُدَّعَى نِكَاحُهَا (إنْ غَابَتْ ذِكْرُ اسْمِهَا وَنَسَبِهَا، وَإِنْ ادَّعَتْ هِيَ) أَيْ: الْمَرْأَةُ (عَقْدَ النِّكَاحِ، وَادَّعَتْ مَعَهُ نَحْوَ نَفَقَةٍ أَوْ مَهْرٍ؛ سُمِعَتْ دَعْوَاهَا) لِأَنَّهَا تَدْعِي حَقًّا لَهَا، نُضِيفُهُ إلَى سَبَبِهِ؛ أَشْبَهَ سَائِرَ الدَّعَاوَى، وَلَا تَدَّعِي سِوَى النِّكَاحِ؛ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا؛ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا بِحَقٍّ لِغَيْرِهَا. (وَمَتَى جَحَدَ) الزَّوْجُ (الزَّوْجِيَّةَ، وَنَوَى بِهِ) أَيْ: بِجَحْدِهِ (الطَّلَاقَ؛ لَمْ تَطْلُقْ) بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ النِّكَاحَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ (وَيُتَّجَهُ) ، وَلَوْ كَانَ جُحُودُهُ الزَّوْجِيَّةَ (بِلَفْظِ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ) أَيْ: مَعَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ؛ لَمْ تَطْلُقْ، كَذَا قَالَ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ لَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الْكِنَايَةَ الْخَفِيَّةَ يَقَعُ بِهَا طَلْقَةٌ مَعَ النِّيَّةِ بِلَا نِزَاعٍ (لِأَنَّ الْجُحُودَ هُنَا) أَيْ: قَبْلَ الِاتِّجَاهِ (لِعَقْدِ النِّكَاحِ، لَا لِكَوْنِهَا امْرَأَتَهُ) وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ بِعَدَمِ عَقْدٍ أَوْ لِبَيْنُونَتِهَا مِنْهُ؛ لَمْ تَحِلَّ لَهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 504 (وَمَنْ ادَّعَى قَتْلَ مَوْرُوثِهِ ذَكَرَ الْمُدَّعِي الْقَتْلَ) وَكَوْنَهُ (عَمْدًا أَوْ شِبْهَهُ أَوْ خَطَأً، أَوْ يَصِفُهُ) لِاخْتِلَافِ الْحَالِ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ: فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِهِ، لِيَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ (وَذِكْرِ أَنَّ الْقَاتِلَ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ أَوَّلًا) أَيْ: أَنَّهُ شُورِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَلَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ؛ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ. (وَلَوْ قَالَ) مُدَّعٍ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدَّهُ أَيْ: مُوَرِّثَهُ (نِصْفَيْنِ، وَكَانَ حَيًّا) حِينَ قَدَّهُ أَوْ أَنَّهُ ضَرَبَهُ (وَهُوَ حَيٌّ) فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ صَحَّ فَيُطَالَبُ خَصْمُهُ بِالْجَوَابِ. (وَإِنْ ادَّعَى شَخْصٌ) عَلَى آخَرَ (إرْثًا: ذَكَرَ سَبَبَهُ) وُجُوبًا، لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِ الْإِرْثِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ، فَكَذَا الدَّعْوَى. (وَإِنْ ادَّعَى مُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ، وَكَانَ تَالِفًا، قَوَّمَهُ) بِالنَّقْدِ الْآخَرِ، فَإِنْ ادَّعَى مُحَلًّى بِذَهَبٍ؛ قَوَّمَهُ بِفِضَّةٍ، وَإِنْ ادَّعَى مُحَلًّى بِفِضَّةٍ؛ قَوَّمَهُ بِذَهَبٍ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ تَقْوِيمُهُ بِجِنْسِهِ إلَى الرِّبَا، قَالَ الْبُهُوتِيُّ قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ ادَّعَى مَصُوغًا مِنْ أَحَدِهِمَا صِنَاعَةً مُبَاحَةً تَزِيدُ بِهَا قِيمَتُهُ أَوْ تِبْرًا تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ (فَبِأَيِّهِمَا) ، أَيْ: النَّقْدَيْنِ شَاءَ يُقَوِّمُ (لِلْحَاجَةِ) أَيْ: انْحِصَارِ الثَّمَنِيَّةِ فِيهِمَا (وَيُعْطَى بِقِيمَتِهِ عِوَضًا) . [فَصْلٌ إذَا حَرَّرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ] فَصْلٌ (وَإِذَا حَرَّرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ؛ فَلِلْحَاكِمِ سُؤَالُ خَصْمِهِ) أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (ابْتِدَاءَ الْجَوَابَ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْمُدَّعِي لِلْقَاضِي سُئِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِحْضَارَهُ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ تُرَادُ لِذَلِكَ (فَإِنْ أَقَرَّ) مُدَّعًى عَلَيْهِ بِالدَّعْوَى (لَمْ يُحْكَمْ لَهُ) أَيْ: الْمُدَّعِي (إلَّا بِسُؤَالِهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 505 الْحَاكِمَ الْحُكْمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِأَنَّهُ حَقُّهُ) فَلَا يَسْتَوْفِيه الْحَاكِمُ إلَّا بِمَسْأَلَتِهِ (وَالْحُكْمُ أَنْ يَقُولَ الْحَاكِمُ قَدْ أَلْزَمْتُكَ ذَلِكَ، أَوْ قَضَيْتُ عَلَيْكَ لَهُ، أَوْ حَكَمْتُ بِذَلِكَ) أَوْ يَقُولَ أَخْرِجْ لَهُ مِنْ حَقِّهِ (وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ وَقَعَ الْحُكْمُ لَازِمًا لَا يَجُوزُ) لِلْحَاكِمِ (الرُّجُوعُ فِيهِ) أَيْ: الْحُكْمِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ (نَقْضُهُ) حَيْثُ وَافَقَ الصَّوَابَ. وَإِنْ أَنْكَرَ الْخَصْمُ الدَّعْوَى بِأَنْ قَالَ مُدَّعٍ عَلَيْهِ لِمُدَّعٍ قَرْضًا أَوْ لِمُدَّعٍ ثَمَنًا: مَا أَقْرَضَنِي؛ أَوْ قَالَ: (مَا بَاعَنِي أَوْ قَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، أَوْ قَالَ: لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ؛ صَحَّ الْجَوَابُ) لِنَفْيِهِ عَيْنَ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " لَا حَقَّ لَهُ " نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ كُلَّ حَقٍّ (مَا لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ بِسَبَبِ الْحَقِّ) فَلَا يَكُونُ قَوْلَهُ: لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَمَا بَعْدَهُ جَوَابًا، فَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا عَلَى مُعْتَرِفٍ بِزَوْجِيَّتِهَا، فَقَالَ: لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا؛ لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ، وَلَزِمَهُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِإِسْقَاطِهِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةً أَوْ كِسْوَةً، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ قَرْضًا، فَاعْتَرَفَ بِهِ. وَقَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا؛ لِثُبُوتِ سَبَبِ الْحَقِّ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَلَمْ يُعْلَمْ مُزِيلُهُ (وَلِهَذَا) (لَوْ أَقَرَّتْ) مَرِيضَةٌ (بِمَرَضِهَا) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (وَأَنْ لَا مَهْرَ لَهَا) عَلَى زَوْجِهَا (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهَا ذَلِكَ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا أَخَذَتْهُ) نَصًّا. نَقَلَهُ مُهَنَّا (أَوْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ عَنْهُ فِي الصِّحَّةِ) يَعْنِي غَيْرَ مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ. وَلَوْ قَالَ مُدَّعٍ لِمُدَّعًى عَلَيْهِ (لِي عَلَيْك مِائَةٌ) أُطَالِبَكَ بِهَا (فَقَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَيْسَ لَك عَلَيَّ مِائَةٌ؛ اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ) أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَلَا شَيْءَ مِنْهَا) لِأَنَّ نَفْيَ الْمِائَةِ لَا يَنْفِي دُونَهَا كَ (يَمِينٍ) فَيَحْلِفُ إذَا وُجِّهَتْ عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا، وَلَا يَكْفِي الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ الْمِائَةِ (فَإِنْ نَكِلَ) عَنْ الْيَمِينِ (عَمَّا دُونَ الْمِائَةِ) بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ مِائَةٌ، وَنَكِلَ أَنْ يَقُولَ وَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 506 شَيْءٌ مِنْهَا (حُكِمَ لَهُ) أَيْ: لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِمِائَةٍ إلَّا جُزْءًا) مِنْ أَجْزَاءِ الْمِائَةِ. (وَمَنْ أَجَابَ مُدَّعِي اسْتِحْقَاقِ مَبِيعٍ بِقَوْلِهِ: مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْ زَيْدٍ مَثَلًا، وَهُوَ مِلْكُهُ؛ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ رُجُوعَهُ عَلَى زَيْدٍ بِالثَّمَنِ) أَيْ: ثَمَنِ الْمَبِيعِ الْمُسْتَحَقِّ إذَا أَثْبَتَهُ رَبُّهُ. قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَهُوَ الصَّوَابُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا وَالْإِضَافَةُ إلَى مِلْكِهِ فِي الظَّاهِرِ (كَمَا لَوْ أَجَابَ) مُشْتَرٍ (بِمُجَرَّدِ إنْكَارٍ) أَنَّهُ لَهُ (أَوْ اُنْتُزِعَ مِنْ يَدِهِ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (بِبَيِّنَةِ مِلْكٍ سَابِقٍ) عَلَى شِرَائِهِ؛ فَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ فِيهِمَا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ اُنْتُزِعَ مِنْ يَدِهِ بِبَيِّنَةِ مِلْكِهِ (مُطْلَقٍ) عَنْ التَّارِيخِ فَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. (وَلَوْ قَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (لِمُدَّعٍ دِينَارًا: لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ حَبَّةً؛ صَحَّ الْجَوَابُ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ) إذْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ حَبَّةً لَيْسَ بِجَوَابٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي دَفْعِ الدَّعْوَى إلَّا بِنَصٍّ لَا بِظَاهِرٍ (وَيَعُمُّ الْحَبَّاتِ) ؛ أَيْ: حَبَّاتِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ؛ فَتَعُمُّ (وَيَعُمُّ مَا لَمْ يَنْدَرِجْ فِي لَفْظَةِ حَبَّةٍ) أَيْ: مَا دُونُهَا (مِنْ بَابِ الْفَحْوَى) أَيْ: الظَّاهِرِ مِنْ عَرْضِ الْكَلَامِ، أَوْ يَعُمُّ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً؛ إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ نَفْيُ اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مِنْ الدِّينَارِ. وَلَوْ قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ (لَك عَلَيَّ شَيْءٌ فَقَالَ) الْمُدَّعِي لَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ، وَإِنَّمَا لِي عَلَيْك أَلْفِ دِرْهَمٍ؛ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ دَعْوَى الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ نَفَاهَا بِنَفْيِ الشَّيْءِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ (لَكَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، فَقَالَ: لَيْسَ لِي عَلَيْك دِرْهَمٌ وَلَا دَانِقٌ، بَلْ) لِي عَلَيْكَ (أَلْفٌ) قُبِلَ مِنْهُ دَعْوَى الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى نَفْيِهِ لَيْسَ حَقِّي هَذَا الْقَدْرَ، وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا دِرْهَمٌ؛ صَحَّ ذَلِكَ. قَالَهُ الْأَزَجِيُّ. وَإِنْ قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ (إنْ ادَّعَيْت أَلْفًا بِرَهْنِ كَذَا لِي بِيَدِكَ أَجَبْتُ أَوْ إنْ ادَّعَيْت هَذَا الَّذِي ادَّعَيْته ثَمَنَ كَذَا بِعْتنِيهِ وَلَمْ أَقْبِضْهُ فَنَعَمْ، وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَك عَلَيَّ فَجَوَابٌ) صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى قَيْدٍ يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا سِوَاهُ، مُنْكِرٌ لَهُ فِيمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 507 سِوَاهُ. قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ " (لَا إنْ قَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (لِي مَخْرَجٌ مِمَّا ادَّعَاهُ) فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ ذَلِكَ جَوَابًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ (وَلِمُدَّعٍ) أَنْكَرَ خَصْمُهُ (أَنْ يَقُولَ لِي بَيِّنَةٌ) لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُهَا (وَلِلْحَاكِمِ) إنْ لَمْ يَقُلْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ (أَنْ يَقُولَ أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟) لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضْرَمِيٌّ وَكِنْدِيٌّ، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ هِيَ أَرْضِي وَفِي يَدِي، فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَضْرَمِيِّ أَلَك بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ فَلَكَ يَمِينُهُ» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (فَإِنْ قَالَ) مُدَّعٍ سَأَلَهُ حَاكِمٌ أَلَك بَيِّنَةٌ؟ (نَعَمْ قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ: إنْ شِئْت فَأَحْضِرْهَا، فَإِنْ أَحْضَرَهَا لَمْ يَسْأَلْهَا) الْحَاكِمُ عَمَّا عِنْدَهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِلَا إذْنِهِ (وَلَمْ يُلَقِّنْهَا) الْحَاكِمُ الشَّهَادَةَ، بَلْ إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي سُؤَالَهُ الْبَيِّنَةَ قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فَلْيَذْكُرْهَا إنْ شَاءَ، وَلَا يَقُولُ لَهُمَا: اشْهَدَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ، وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ لِلشَّاهِدَيْنِ: مَا أَنَا دَعَوْتُكُمَا وَلَا أَنْهَاكُمَا أَنْ تَرْجِعَا، وَمَا يَقْضِي عَلَى هَذَا الْمُسْلِمِ غَيْرُكُمَا، وَإِنِّي بِكَمَا أَقْضِي الْيَوْمَ، وَبِكَمَا أَتَّقِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فَإِذَا شَهِدَتْ) عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ (سَمِعَهَا، وَلَزِمَهُ فِي الْحَالِ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا بِسُؤَالِ مُدَّعٍ، وَحَرُمَ) عَلَيْهِ (تَرْدِيدُهَا، وَيُكْرَهُ) لَهُ (تَعَنُّتُهَا) أَيْ: طَلَبُ زَلَّتِهَا (وَانْتِهَارُهَا) أَيْ: زَجْرُهَا؛ لِئَلَّا يَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الْكِتْمَانِ، وَلَا يُكْرَهُ (قَوْلُهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (لِمُدَّعًى عَلَيْهِ أَلَك فِيهَا دَافِعٌ أَوْ مَطْعَنٌ؟) بَلْ يُسْتَحَبُّ قَوْلُهُ قَدْ شَهِدَا عَلَيْك، فَإِنْ كَانَ لَكَ قَادِحٌ فَبَيِّنْهُ لِي. وَقَيَّدَهُ فِي " الْمُذَهَّبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " بِمَا إذَا ارْتَابَ فِيهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِقَادِحٍ (وَاتَّضَحَ) لِلْحَاكِمِ (الْحُكْمُ، وَكَانَ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ وَسَأَلَهُ) ؛ أَيْ الْحَاكِمُ (الْحُكْمَ؛ لَزِمَهُ) الْحُكْمُ فَوْرًا، وَلَا يَحْكُمُ بِدُونِ سُؤَالِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يَحْلِفُ مُدَّعٍ مَعَ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ) لِلِاسْتِغْنَاءِ بِهَا عَنْ الْيَمِينِ. (وَيَحْرُمُ الْحُكْمُ وَلَا يَصِحُّ مَعَ عِلْمِهِ بِضِدِّهِ) أَيْ: ضِدِّ مَا يَعْلَمُهُ، بَلْ يَتَوَقَّفُ (أَوْ مَعَ لَبْسٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 508 قَبْلَ الْبَيَانِ) وَيَأْمُرُ بِالصُّلْحِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] وَمَعَ عِلْمِهِ بِضِدِّهِ أَوْ اللَّبْسِ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا يَحْكُمُ بِهِ. (وَيَحْرُمَ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْحَاكِمِ (لِتَرْكِهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ لَهُ طَلَبَ تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَدْحِ بِالِاتِّفَاقِ (وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ حَكَمْتُ بِكَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ) فَيَحْرُمُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ (لِذَلِكَ) . (وَلَهُ الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ وَبِإِقْرَارٍ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ) (وَيُتَّجَهُ احْتِمَالُ) الْحُكْمِ بِبَيِّنَةٍ (لَا) أَيْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ (فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ مَحَلِّ عَمَله) عِنْدَ انْفِرَادِهِ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ، بَلْ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ حُكْمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ غَيْرِهِ دَفْعًا لِلرِّيبَةِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ (وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ غَيْرُهُ) نَصًّا نَقَلَهُ حَرْبٌ؛ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ قَضَاءِ الْقَاضِي هُوَ الْحُجَجُ الشَّرْعِيَّةُ، وَهِيَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ، فَجَازَ الْحُكْمُ بِهِمَا إذَا سَمِعَهُمَا فِي مَجْلِسِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ؛ لِمَا رَوَتْ أُمُّ مَسْلَمَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ؛ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّار» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. فَجَعَلَ مُسْتَنَدَ قَضَائِهِ مَا سَمِعَهُ لَا غَيْرَهُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِ فَبِسَمَاعِهِ أَوْلَى، وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ. وَلَا يَحْكُمُ قَاضٍ (بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ) الْمَسْأَلَةِ (وَفِي افْتِيَاتٍ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ) وَلَوْ فِي غَيْرِ حَدٍّ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا جَهْمٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَاحَاهُ رَجُلٌ فِي فَرِيضَةٍ؛ فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا شِجَاجٌ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُمْ الْأَرْشَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 509 ثُمَّ قَالَ: إنِّي خَاطِبٌ وَمُخْبِرُهُمْ أَنَّكُمْ قَدْ رَضِيتُمْ أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَر الْقِصَّةَ، وَقَالَ أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: لَا، فَهَمَّ بِهِمْ الْمُهَاجِرُونَ فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ صَعِدَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ» ) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيُّ هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْخُذْ بِعِلْمِهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ رَأَيْتُ حَدًّا عَلَى رَجُلٍ لَمْ آخُذْهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ. وَلِأَنَّ تَجْوِيزَ الْقَضَاءِ بِعِلْمِ الْقَاضِي يُفْضِي إلَى تُهْمَتِهِ وَحُكْمِهِ بِمَا يَشْتَهِي وَيُحِيلُهُ عَلَى عِلْمِهِ، لَكِنْ يَجُوزُ اعْتِمَادُ الْحَاكِمِ عَلَى عِلْمِهِ بِالِاسْتِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَظْهَرِ الْبَيِّنَاتِ؛ وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْحَاكِمِ تُهْمَةٌ إذَا اسْتَنَدَ إلَيْهَا فَحُكْمُهُ بِهَا حُكْمٌ بِحُجَّةٍ لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ. ذَكَرَهُ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ (إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ مَرْجُوحَةٍ) قَالَ الْمُنَقَّحُ: وَقَرِيبٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ عَمَلُ الْحُكَّامِ بِصُورَةٍ تُسَمَّى بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (قَبُولِي الشَّاهِدِ الْبَاقِي) مِنْ شَاهِدَيْنِ بَعْدَ رَفِيقِهِ (الْقَضَاءَ) لِعُذْرٍ، فَيَقْضِي بِمَا سَمِعَهُ بَيْنَ الْمُقِرِّ، وَقَدْ عَمِلَ بِالطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ كَثِيرٌ مِنْ حُكَّامِنَا وَأَعْظَمُهُمْ الشَّارِحُ. (وَيْحُكُمْ وَيَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَةٍ بَيِّنَةٍ وَجَرْحِهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ؛ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مَعْرِفَةِ عَدَالَةِ الْمُزَكِّينَ أَوْ جَرْحِهِمْ، فَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ لَاحْتَاجَ كُلٌّ مِنْ الْمُزَكِّينَ إلَى مُزَكِّينَ، ثُمَّ يَحْتَاجُونَ أَيْضًا إلَى مُزَكِّينَ، وَهَكَذَا. (وَمَنْ جَاءَ) مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ (بِبَيِّنَةٍ فَاسِدَةٍ اسْتَشْهَدَهَا الْحَاكِمُ) لِئَلَّا يَفْضَحَهَا (وَقَالَ لِمُدَّعٍ زِدْنِي شُهُودًا) وَلَمْ يَقْبَلْهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 510 [فَصْلٌ يُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا] فَصْلٌ (وَيُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا، وَكَذَا) وَتُعْتَبَرُ (بَاطِنًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَوْلُهُ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَقَوْلُهُ: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَالْفَاسِقُ لَا يُؤْمَنُ كَذِبُهُ (لَا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ) فَتَكْفِي الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا، فَلَا يَبْطُلُ لَوْ بَانَا فَاسِقَيْنِ، وَتَقَدَّمَ. وَيُعْتَبَرُ فِي قَبُولِ (مُزَكِّينَ مَعْرِفَةُ حَاكِمٍ خِبْرَتَهُمَا بِصُحْبَةٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ) أَوْ جِوَارٍ، وَيُعْتَبَرُ، (مَعْرِفَتُهُمْ) ؛ أَيْ: الْمُزَكِّينَ (كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: كَالْمَعْرِفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (لِمَنْ يُزَكُّونَهُ) مِنْ الشُّهُودِ (فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِهَا) ؛ أَيْ: الْعَدَالَةِ لِأَنَّهَا شَرْطٌ (وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لِأَنَّ الْغَالِبَ الْخُرُوجُ عَنْهَا (أَوْ لَمْ يَطْعَنْ فِيهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةِ (الْخَصْمُ) فَيُجِيبُ الْعِلْمُ بِالْعَدَالَةِ كَالْإِسْلَامِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ قَالَ إنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ الْعَدَالَةُ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَإِنَّمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْجَهْلُ وَالظُّلْمُ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72] انْتَهَى. فَالْفِسْقُ وَالْعَدَالَةُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَطْرَأُ عَلَى الْآخَرِ، وَعَنْهُ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ) لِقَبُولِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ. وَقَوْلِ عُمَرَ: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ وَلِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 511 ظَاهِرَ الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ لِأَنَّهَا أَمْرٌ، فَفِي سَبَبِهَا الْخَوْفُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، دَلِيلُهُ الْإِسْلَامُ فَإِذَا وُجِدَ اُكْتُفِيَ بِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ رُجِعَ إلَى قَوْلِهِ. وَقَوْلُهُمْ: ظَاهِرُ الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ مَمْنُوعٌ، بَلْ الظَّاهِرُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إظْهَارُ الطَّاعَةِ وَإِسْرَارُ الْمَعْصِيَةِ. وَقَوْلُ عُمَرَ مُعَارِضُ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِشَاهِدَيْنِ فَقَالَ لَهُمَا: لَسْت أَعْرِفُكُمَا، وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمَا، وَالْأَعْرَابِيُّ الَّذِي قَبِلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَهَادَتَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ صَحَابِيٌّ، وَهُمْ عُدُولٌ. (وَيَكْفِي فِي تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ) عَدْلَانِ يَقُولَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا: (أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ) وَلَوْ لَمْ يَقُلْ: أَرْضَاهُ لِي وَعَلَيَّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَدْلًا لَزِمَ قَبُولُهُ عَلَى مُزَكِّيهِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ لَا أَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا (وَيَكْفِي فِيهَا) ؛ أَيْ: التَّزْكِيَةِ (الظَّنُّ، بِخِلَافِ الْجَرْحِ، وَتَجِبُ فِيهَا الْمُشَافَهَةُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لَا إخْبَارٌ، فَلَا تَكْفِي فِيهَا رُقْعَةُ الْمُزَكِّي؛ لِأَنَّ الْخَطَّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الشَّهَادَةِ) وَهَذِهِ مِنْهَا (وَلَوْ رَضِيَ) مَشْهُودٌ عَلَيْهِ (أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ، لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا) ؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ حَقٌّ لِلَّهِ (وَبَيِّنَةٌ بِجَرْحٍ مُقَدَّمَةٌ) عَلَى بَيِّنَةٍ بِتَعْدِيلٍ؛ لِأَنَّ الْجَارِحَ يُخْبِرُ بِأَمْرٍ بَاطِنٍ خَفِيٍّ عَلَى الْعَدْلِ، وَشَاهِدُ الْعَدَالَةِ يُخْبِرُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْجَارِحَ مُثْبِتٌ لِلْجَرْحِ وَالْمُعَدِّلُ نَافٍ لَهُ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَإِذَا عَصَى فِي بَلَدِهِ، فَانْتَقَلَ فَجَرَّحَهُ اثْنَانِ فِي بَلْدَةٍ وَعَدَّلَهُ اثْنَانِ فِي الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ، قُدِّمَتْ التَّزْكِيَةُ (وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ وَحْدَهُ) لِشَاهِدٍ عَلَيْهِ تَعْدِيلٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ عَدَالَتِهِ لَحِقَهُ، وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ بِعَدَالَتِهِ إقْرَارٌ بِمَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ لِخَصْمِهِ، فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ (أَوْ تَصْدِيقِهِ) ؛ أَيْ: الْخَصْمِ (لِلشَّاهِدِ) عَلَيْهِ (تَعْدِيلٌ لَهُ) فَيُؤْخَذُ بِتَصْدِيقِهِ الشَّاهِدَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدُونِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ. (وَلَا يَصِحُّ مِنْ نِسَاءٍ تَزْكِيَةٌ وَتَجْرِيحٌ) لِقُصُورِ مَعْرِفَتِهِنَّ (وَلَا تَصِحُّ تَزْكِيَةٌ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ) كَقَوْلِ مُزَكٍّ (أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ فِي شَهَادَتِهِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْعَدَالَةُ الْمُطْلَقَةُ، وَلَمْ تُوجَدْ. (وَمَنْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ مَرَّةً) بِأَنْ شَهِدَ فَعُدِّلَ، ثُمَّ شَهِدَ فِي قَضِيَّةٍ أُخْرَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 512 (لَزِمَ الْبَحْثُ عَنْهَا) ؛ أَيْ: الْعَدَالَةِ (مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ) بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ (عُرْفًا) لِأَنَّ الْأَحْوَالَ تَتَغَيَّرُ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ، فَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ عُرْفًا لَمْ يُبْحَثْ عَنْ عَدَالَتِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهَا. (وَمَتَى ارْتَابَ الْحَاكِمُ عَلَى عَدْلَيْنِ لَمْ يَخْتَبِرْ قُوَّةَ ضَبْطِهِمَا وَقُوَّةَ دِينِهِمَا؛ لَزِمَهُ الْبَحْثُ) عَمَّا شَهِدَا بِهِ (وَسُؤَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا عَنْ كَيْفِيَّةِ تَحَمُّلِهِ) بِأَنْ يَقُولَ: هَلْ هُوَ مَا شَهِدْت بِهِ أَوْ أَخْبَرْت بِهِ أَوْ أُقِرَّ عِنْدِي (بِهِ رُؤْيَةً أَوْ سَمَاعًا أَوْ إقْرَارًا وَمَتَى) تَحَمَّلْتَ الشَّهَادَةَ؟ لِيَذْكُرَ تَارِيخَ التَّحَمُّلِ، وَأَيْنَ تَحَمَّلْتهَا فِي مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ بَيْتٍ؟ (وَ) يَسْأَلُهُ (هَلْ تَحَمَّلَ) الشَّهَادَةَ (وَحْدَهُ) بِأَنْ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ غَيْرَهُ حِينَ التَّحَمُّلِ، (أَوْ) كَانَ (مَعَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ اتَّفَقَا) فِي جَوَابِهِمَا عَنْ ذَلِكَ (وَعَظَهُمَا وَخَوَّفَهُمَا) لِحَدِيثِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: كُنْت عِنْدَ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَهُوَ قَاضٍ بِالْكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ حَقًّا، فَأَنْكَرَهُ فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا لَهُ، فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: وَاَلَّذِي تَقُومُ بِهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَقَدْ كَذَبَا عَلَيَّ، وَكَانَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ مُتَّكِئًا، فَاسْتَوَى جَالِسًا وَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ الطَّيْرَ لَتَخْفِقُ بِأَجْنِحَتِهَا وَتَرْمِي مِمَّا فِي حَوَاصِلِهَا مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ شَاهِدَ الزُّورِ لَا تَزُولُ قَدَمَاهُ حَتَّى يَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» فَإِنْ صَدَقْتُمَا فَاثْبُتَا، وَإِنْ كَذَبْتُمَا فَغَطِّيَا رُءُوسَكُمَا وَانْصَرِفَا، فَغَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَانْصَرَفَا (فَإِنْ ثَبَتَا) بَعْدَ وَعْظِهِمَا (حُكِمَ) بِشَهَادَتِهِمَا بِسُؤَالِ مُدَّعٍ (وَإِلَّا) يَثْبُتَا (لَمْ يَقْبَلْهُمَا) قَالَ أَحْمَدُ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شُهُودِهِ كُلَّ قَلِيلٍ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ. (وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ - لَا إنْ لَمْ يُقِمْهَا وَسَأَلَ حَبْسَ خَصْمِهِ) فِي غَيْرِ حَدٍّ حَتَّى تُزَكَّى بَيِّنَتُهُ أُجِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُقَالُ لَهُ: إنْ جِئْت بِالْمُزَكِّينَ فِيهَا، وَإِلَّا أَطْلَقْنَاهُ (أَوْ أَقَامَ، بَيِّنَةً) وَسَأَلَ (كَفِيلًا) ؛ أَيْ: بِخَصْمَيْهِ (فِي غَيْرِ حَدٍّ) حَتَّى تُزَكَّى شُهُودُهُ أُجِيبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً وَسَأَلَ (جَعْلَ مُدَّعًى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 513 بِهِ) مِنْ عَيْنٍ مَعْلُومَةٍ بِيَدِ عَدْلٍ حَتَّى بَيِّنَتُهُ تُزَكَّى أُجِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً بِطَلَاقِهَا، وَسَأَلَتْ (تَجَنُّبَ مُطَلِّقِهَا بَائِنًا إيَّاهَا) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (حَتَّى تُزَكِّي) بَيِّنَتَهَا أُجِيبَتْ إلَى ذَلِكَ، وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا احْتِيَاطًا، وَإِنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا لَمْ يُحَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَثْبُتُ بِهِ طَلَاقٌ فَأَشْبَهَ عَدَمَهُ (أَوْ أَقَامَ) مُدَّعٍ (شَاهِدًا) عَلَى خَصْمِهِ (بِمَالٍ وَسَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخَرَ أُجِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْبَحْثِ فِيهَا، فَلَا حَاجَةَ إلَى أَكْثَرَ مِنْهَا، بَلْ فِي حَبْسِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا ضَرَرٌ كَثِيرٌ، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَى الْمُدَّعِي إحْضَارُ الْمُزَكِّينَ أَوْ الشَّاهِدِ الثَّانِي فِيهَا وَلَا يُحْبَسُ مُدَّعًى عَلَيْهِ (إنْ أَقَامَهُ) ؛ أَيْ: الشَّاهِدَ مُدَّعٍ (بِغَيْرِ مَالٍ) وَسَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخَرَ (أَوْ سَأَلَ حَبْسَهُ لِغَيْبَةِ بَيِّنَةٍ) فَلَا يُجِيبُهُ (لَكِنْ يُجَابُ الْمُدَّعِي لِلْمُلَازَمَةِ) لِخَصْمِهِ (وَيَأْتِي، وَإِنْ جَرَحَهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةَ (الْحُكْمُ بَعْدَ تَعْدِيلِهَا، أَوْ أَرَادَ جَرْحَهَا، كُلِّفَ) الْخَصْمُ بِهِ؛ أَيْ: الْجَرْحِ بِبَيِّنَةٍ لِحَدِيثِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» (وَيُنْظَرُ لِجَرْحٍ وَإِرَادَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِقَوْلِ عُمَرَ فِي كِتَابِهِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: وَاجْعَلْ لِمَنْ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ، فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً أَخَذْتَ لَهُ حَقَّهُ، وَإِلَّا اسْتَحْلَلْتَ الْقَضِيَّةَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ أَنْفَى لِلشَّكِّ وَأَجْلَى لِلْغَمِّ (وَيُلَازَمُ الْمُدَّعِي) فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِئَلَّا يَهْرَبَ، فَيَضِيعَ حَقُّهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِيهَا (فَإِنْ أَتَى بِهَا) ؛ أَيْ: بَيِّنَةِ الْجَرْحِ عُمِلَ بِهَا، وَإِلَّا يَأْتِ بِهَا فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ (حُكِمَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ عَجْزَهُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ مُدَّعَاهُ مِنْ الْجَرْحِ. (وَيَتَّجِهُ ثُمَّ إنْ أَتَى بَعْدَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: بَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ (بِبَيِّنَةِ جَرْحٍ عُمِلَ بِهَا) لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ أَمْرًا مُمْكِنًا سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يُسْمَعُ جَرْحٌ لَمْ يُبَيَّنْ سَبَبُهُ) (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) أَقْوَى أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ جَرْحٌ لَمْ يُبَيِّنْ جَارِحٌ سَبَبَهُ إنْ اخْتَلَفَ مَذْهَبُ قَادِحٍ وَحَاكِمٍ، أَمَّا (مَعَ اتِّحَادِ مَذْهَبِ حَاكِمٍ، وَمُجَرِّحٍ) بِأَنْ كَانَا يَرَيَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 514 عَدَمَ بَيَانِ سَبَبِ الْجَرْحِ، فَيُسْمَعُ الْجَرْحُ، وَلَا يُكَلَّفُ جَارِحٌ بَيَانَ السَّبَبِ؛ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (بِذِكْرِ قَادِحٍ فِيهِ عَنْ رُؤْيَةٍ أَوْ اسْتِفَاضَةٍ) بِأَنْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ ذَلِكَ؛ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي أَسْبَابِ الْجَرْحِ كَشَارِبِ يَسِيرِ النَّبِيذِ فَقَدْ يُجَرِّحُهُ بِمَا لَا يَرَاهُ الْقَاضِي جُرْحًا (فَلَا يَكْفِي) قَوْلُ شَاهِدٍ (أَشْهَدُ أَنَّهُ فَاسِقٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ كَذَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] (بَلْ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْته يَشْرَبُ الْخَمْرَ) أَوْ رَأَيْته يَظْلِمُ النَّاسَ بِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ أَوْ ضَرْبِهِمْ أَوْ يُعَامِلُ بِالرِّبَا (أَوْ) عَنْ سَمَاعٍ مِنْهُ بِأَنْ يَقُولَ: (سَمِعْته يَقْذِفُ) وَنَحْوَهُ (وَيُعَرِّضُ جَارِحٌ بِزِنًا) أَوْ لِوَاطٍ. (فَإِنْ صَرَّحَ) بِالرَّمْيِ بِالزِّنَا (وَلَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ) بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ ثَلَاثَةٌ (حُدَّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 13] وَإِنْ أَقَامَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَا بِهَذَا الْمُدَّعَى بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ، فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِفِسْقِهِمَا بِطَلَبِ شَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّهَا إذَا رُدَّتْ لِفِسْقٍ لَمْ تُقْبَلْ مَرَّةً ثَانِيَةً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 515 تَتِمَّةٌ: وَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ، وَجَرَّحَهُ وَاحِدٌ قُدِّمَ التَّعْدِيلُ؛ لِتَمَامِ نِصَابِهِ، وَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ قُدِّمَ الْجَرْحُ وُجُوبًا، وَإِنْ قَالَ الَّذِينَ عَدَّلُوهُ مَا جَرَّحَاهُ بِهِ قَدْ تَابَ مِنْهُ قُدِّمَ التَّعْدِيلُ لِمَا مَعَ بَيِّنَتِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ. (وَإِنْ جَهِلَ حَاكِمٌ لِسَانَ خَصْمٍ تَرْجَمَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ عَنْ الْخَصْمِ (مَنْ يَعْرِفُهُ) ؛ أَيْ: لِسَانَ الْخَصْمِ. قَالَ أَبُو حُمْرَةَ: كُنْت أُتَرْجِمُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ قَالَ: حَتَّى كُنْت أَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُتُبَهُ، وَأَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إذَا كَتَبُوا إلَيْهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. (وَلَا يُقْبَلُ فِي تَرْجَمَةٍ وَفِي جَرْحٍ وَفِي تَعْدِيلٍ وَفِي رِسَالَةٍ) ؛ أَيْ: مَنْ يُرْسِلُهُ الْحَاكِمُ لِيَبْحَثَ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ (وَفِي تَعْرِيفٍ عِنْدَ حَاكِمٍ) وَأَمَّا التَّعْرِيفُ عِنْدَ شَاهِدٍ فَيَأْتِي فِي الشَّهَادَةِ (فِي حَدِّ زِنًا) وَلِوَاطٍ (إلَّا أَرْبَعَةُ) رِجَالٍ عُدُولٍ كَشُهُودِ الْأَصْلِ، (وَلَا) يُقْبَلُ فِي تَرْجَمَةٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا (فِي غَيْرِ مَالٍ) كَنِكَاحٍ وَنَسَبٍ وَطَلَاقٍ وَقَذْفٍ وَقِصَاصٍ (إلَّا رَجُلَانِ وَ) لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ (فِي مَالٍ إلَّا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لِأَنَّهُ نَقَلَ مَا يَخْفَى عَلَى الْحَاكِمِ بِمَا يَسْتَنِدُ الْحَاكِمُ إلَيْهِ أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ (وَذَلِكَ شَهَادَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ) ؛ أَيْ: فِيمَنْ يُتَرْجِمُ أَوْ يَجْرَحُ أَوْ يُعَدِّلُ أَوْ يُرْسَلُ أَوْ يُعَرِّفُ (وَفِي مَنْ رَتَّبَهُ حَاكِمٌ يَسْأَلُ سِرًّا عَنْ الشُّهُودِ لِتَزْكِيَةٍ أَوْ جَرْحٍ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ الْآتِيَةِ وَتَجِبُ الْمُشَافَهَةُ) فِيمَنْ يُعَدِّلُ أَوْ يَجْرَحُ وَنَحْوِهِ؛ فَلَا تَكْفِي كِتَابَتُهُ أَنَّهُ عَدْلٌ أَوْ ضِدُّهُ وَنَحْوُهُ كَالشَّهَادَةِ، وَإِذَا رَتَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَسْأَلُ سِرًّا عَنْ الشُّهُودِ فَإِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ مَنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ كَتَبَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ وَكُنْيَتَهُ وَصَنْعَتَهُ وَسُوقَهُ وَمَسْكَنَهُ وَمَنْ شَهِدَ لَهُ وَعَلَيْهِ. وَمَا شَهِدَ بِهِ فِي رِقَاعٍ وَدَفَعَهَا إلَى أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ، وَيَجْتَهِدُ أَنْ لَا يَعْرِفَهُمْ الْمَشْهُودُ لَهُ وَلَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَلَا الشُّهُودُ، وَيَدْفَعُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ رُقْعَةً، وَلَا يُعْلِمُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَسْأَلُوا عَنْهُ، فَإِنْ رَجَعُوا بِتَعْدِيلِهِ قَبِلَهُ مِنْ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَيَشْهَدَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ. (وَمَنْ نُصِّبَ لِلْحُكْمِ بِجَرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ، أَوْ نُصِّبَ لِسَمَاعِ بَيِّنَةٍ؛ قَنَعَ الْحَاكِمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 516 بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ) لِأَنَّهُ حَاكِمٌ أَشْبَهَ غَيْرَهُ مِنْ الْحُكَّامِ (وَإِنْ سَأَلَهُ حَاكِمٌ عَنْ تَزْكِيَةِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ أَخْبَرَهُ) وُجُوبًا بِالْوَاقِعِ (وَإِلَّا) يَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ (لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ. [فَصْلٌ قَالَ الْمُدَّعِي مَالِي بَيِّنَةٌ] فَصْلٌ (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي مَالِي بَيِّنَةٌ فَقَوْلُ مُنْكِرٍ بِيَمِينِهِ) لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ (إلَّا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) إذَا ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ؛ أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَحَدٌ (فَقَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ) لِعِصْمَتِهِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: وَكَذَا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ؛ لِتَعْلِيلِهِمْ بِالْعِصْمَةِ، وَالْكُلُّ مَعْصُومُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا (فَيُعْلِمُهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي (حَاكِمٌ بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: أَنَّ لَهُ الْيَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ (فَإِنْ سَأَلَ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي (إحْلَافَهُ) ؛ أَيْ: الْمُنْكِر (وَلَوْ عَلِمَ) وَقْتَ إحْلَافِهِ (عَدَمَ قُدْرَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُنْكِرِ (عَلَى حَقِّهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " هَذَا الْمَذْهَبُ (وَيُكْرَهُ) ؛ لَهُ إحْلَافُهُ إذَنْ؛ لِئَلَّا يَضْطَرَّهُ إلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ؛ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْحَبْسِ إذَا أَقَرَّ لِعُسْرَتِهِ (احْلِفْ عَلَى صِفَةِ جَوَابِهِ نَصًّا مِنْ نَحْوِ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ) لَا عَلَى صِفَةِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لِجَوَابٍ، فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَلَفَ خُلِّيَ سَبِيلُهُ؛ لِانْقِطَاعِ الْخُصُومَةِ. (وَحُرِّمَ دَعْوَاهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي (ثَانِيًا وَتَحْلِيفُهُ) أَيْضًا كَبَرِيءٍ؛ أَيْ: كَمَا تَحْرُمُ دَعْوَاهُ عَلَى بَرِيءٍ وَتَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لَهُ (وَتَخْتَصُّ الْيَمِينُ بِمُدَّعًى عَلَيْهِ دُونَ مُدَّعٍ) بِلَا نِزَاعٍ (إلَّا فِي الْقَسَامَةِ) إذَا تَوَفَّرَتْ شُرُوطُهُمَا (وَإِلَّا مَعَ الشَّاهِدِ) عَلَى مُدَّعٍ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا يُعْتَدُّ بِيَمِينِ) مُنْكِرٍ إلَّا إنْ كَانَتْ (بِأَمْرِ حَاكِمٍ لَا بِسُؤَالِ مُدَّعٍ طَوْعًا) فَإِنْ حَلَفَ بِلَا أَمْرِ حَاكِمٍ، أَوْ حَلَّفَهُ حَاكِمٌ بِلَا سُؤَالِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 517 مُدَّعٍ أَوْ بِسُؤَالِهِ كَرْهًا؛ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْيَمِينُ، فَإِذَا سَأَلَ الْمُدَّعِي الْحَاكِمَ إعَادَتَهَا أَعَادَهَا، وَكَذَا لَوْ حَلَّفَهُ الْمُدَّعِي، أَوْ حَلَفَ هُوَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالِ الْمُدَّعِي، لَمْ يُعْتَدَّ بِيَمِينِهِ (وَلَا يَصِلُهَا) ؛ أَيْ: الْيَمِينَ مُنْكِرٌ (بِاسْتِثْنَاءٍ) وَلِأَنَّهُ يُزِيلُ حُكْمَهَا قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَكَذَا بِمَا لَا يُفْهَمُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَاكِمُ الْمُحَلِّفُ لَهُ. (وَحُرِّمَ تَوْرِيَةٌ) فِي حَلِفٍ وَهِيَ إطْلَاقُ لَفْظٍ لَهُ مَعْنَيَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ، وَيُرَادُ الْبَعِيدُ اعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةٍ خَفِيَّةٍ. (وَيَحْرُمُ تَأْوِيلٌ) فِي حَلِفٍ بِأَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِهِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ (إلَّا لِحَالِفٍ مَظْلُومٍ) فَيَجُوزُ لَهُ التَّوْرِيَةُ وَالتَّأْوِيلُ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ. (وَيَحْرُمُ حَلِفُ مُعْسِرٍ حَيًّا) إنْ أَقَرَّ بِمَا عَلَيْهِ (أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي (لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ، وَلَوْ نَوَى) لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ (السَّاعَةَ) لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا، خَافَ حَبْسًا أَوْ لَا. (وَمَرَّ فِي الْحَجْرِ) مُسْتَوْفًى. (وَ) يَحْرُمُ (حَلِفُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ أَرَادَ غَرِيمُهُ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرِهِ) فَأَنْكَرَ، وَحَلَفَ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَوَى السَّاعَةَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهُ السَّاعَةَ لَمْ يَصِحَّ نَفْيُهُ؛ لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّتِهِ؛ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي يَمِينِهِ. (وَلَا يَحْلِفُ) مُدَّعًى عَلَيْهِ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ (فِي شَيْءٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يَعْتَقِدُهُ) مُدَّعًى عَلَيْهِ حَقًّا (نَصًّا وَحَمَلَهُ) ؛ أَيْ: النَّصَّ (الْمُوَفَّقُ عَلَى الْوَرَعِ) دُونَ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ (وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ حَمْلِهِ) ؛ أَيْ: النَّصِّ (عَلَى مَا إذَا حَكَمَ بِهِ) ؛ أَيْ: الشَّيْءِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ (مَنْ) ؛ أَيْ: حَاكِمٌ (يَرَاهُ، أَوْ عَلَى مَا إذَا قَلَّدَهُ) ؛ أَيْ: قَلَّدَ مُدَّعًى عَلَيْهِ (فِيهِ) ؛ أَيْ: الْمُخْتَلَفِ فِيهِ (حَالَ فِعْلِهِ) أَمَّا إذَا كَانَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَنُقِلَ عَنْهُ) ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 518 أَيْ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّهُ قَالَ: (لَا يُعْجِبُنِي) ؛ أَيْ: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يَعْتَقِدُهُ، فَلَوْ بَاعَ شَافِعِيٌّ حَنْبَلِيًّا لَحْمًا مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ بِدِينَارٍ مَثَلًا، ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ فَأَجَابَ الْحَنْبَلِيُّ بِأَنْ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ، فَالْتَمَسَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ، فَمُقْتَضَى الْإِمَامِ لَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ بِهَذِهِ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمُدَّعِي مَا لَا عِنْدَهُ (وَتَوَقَّفَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (فِيهَا) أَيْ: فِي الْيَمِينِ (فِيمَنْ عَامَلَ بِحِيلَةٍ رِبَوِيَّةٍ كَعِينَةٍ) إذَا أَنْكَرَ الْآخِذُ الزِّيَادَةَ وَأَرَادَ الْحَلِفَ عَلَيْهَا هَلْ يَحْلِفُ أَنَّ مَا عَلَيْهِ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ؟ نَقَلَهُ حَرْبٌ قَالَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ هُنَا عَلَى الْقَطْعِ، وَمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ ظَنِّيَّةٌ (فَلَوْ أُبْرِئَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (مِنْهَا) ؛ أَيْ: الْيَمِينِ؛ بِأَنْ قَالَ لَهُ مُدَّعٍ: أَبْرَأْتُك مِنْ الْيَمِينِ بَرِئَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مِنْهَا) ؛ أَيْ: الْيَمِينِ (فِي هَذِهِ الدَّعْوَى فَقَطْ) فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ فِيهَا لِإِسْقَاطِهِ (فَلَوْ جَدَّدَهَا) ؛ أَيْ: اسْتَأْنَفَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَ (وَطَلَبَ) الْمُدَّعِي (الْيَمِينَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ) لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَحْلِفْ مَرَّةً أُخْرَى (وَلَوْ أَمْسَكَ مُدَّعٍ عَنْ إحْلَافِهِ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الدَّعْوَى (وَأَرَادَهُ) ؛ أَيْ: أَرَادَ الْمُدَّعِي إحْلَافَهُ (بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ دَعْوَاهُ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي. (وَمَنْ) أَنْكَرَ فَوُجِّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ (فَلَمْ يَحْلِفْ) وَامْتَنَعَ (قَالَ لَهُ حَاكِمٌ: إنْ لَمْ تَحْلِفْ قَضَيْتُ عَلَيْك بِالنُّكُولِ نَصًّا، وَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ) ؛ أَيْ: قَوْلِ إنْ لَمْ تَحْلِفْ قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنُّكُولِ (ثَلَاثًا) قَطْعًا لِحُجَّتِهِ (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَضَى عَلَيْهِ) بِالنُّكُولِ (بِسُؤَالِ مُدَّعٍ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ قَضَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ بِنُكُولِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَحَصَرَهَا فِي جِهَتِهِ؛ فَلَمْ تُشْرَعْ لِغَيْرِهِ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: النُّكُولُ (كَإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ لَا كَإِقْرَارٍ) بِالْحَقِّ، لِأَنَّ النَّاكِلَ قَدْ صَرَّحَ بِالْإِنْكَارِ وَبِأَنَّ الْمُدَّعِي لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى بِهِ، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى ذَلِكَ مُتَوَرِّعٌ عَنْ الْيَمِينِ؛ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُقِرٌّ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَيُجْعَلُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ (فَيَرْجِعُ) مَقْضِيٌّ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 519 (بِمَا أُخِذَ مِنْهُ لَوْ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ) وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا لَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ بَيِّنَةٌ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ وَأَيْضًا الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُقِرًّا شَاهِدًا عَلَى نَفْسِهِ بِسُكُوتِهِ (وَلَا كَبَذْلِ) الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الْبَذْلَ قَدْ يَكُونُ تَبَرُّعًا، وَلَا تَبَرُّعَ هُنَا (مِنْ رَأْسِ مَالِ مَرِيضٍ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ، وَلَوْ كَانَ النُّكُولُ بَذْلًا لَاعْتُبِرَ خُرُوجُ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَحَيْثُ انْتَفَى أَنْ يَكُونَ كَالْإِقْرَارِ وَالْبَذْلِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ كَالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ، وَنُكُولُهُ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ الَّتِي يَبْرَأُ بِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى خَصْمِهِ (لَكِنْ لَا يُشَارِكُ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِهِ) ؛ أَيْ: بِالنُّكُولِ، (عَلَى مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسِ غُرَمَائِهِ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ الثَّابِتِ حَقُّهُمْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، لِاحْتِمَالِ تَوَاطُؤِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَعَ الْمُدَّعِي عَلَى الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ وَالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ لِيَقْطَعَا بِذَلِكَ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي الْحَجْرِ. (وَإِنْ قَالَ مُدَّعٍ) سُئِلَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ خَصْمُهُ (لَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً، ثُمَّ أَتَى بِهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةِ سُمِعَتْ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا، وَنَفْيُ الْعِلْمِ لَا يَنْفِيهَا؛ فَلَا تَكْذِيبَ لِنَفْسِهِ (أَوْ قَالَ) مُدَّعٍ سُئِلَ عَنْ بَيِّنَةٍ: لَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً، فَقَالَ (عَدْلَانِ نَحْنُ نَشْهَدُ لَك فَقَالَ: هَذِهِ بَيِّنَتِي؛ سُمِعَتْ) لِمَا سَبَقَ، (وَ) لَا تُسْمَعُ (إنْ قَالَ مُدَّعٍ مَالِي بَيِّنَةٌ، ثُمَّ أَتَى بِهَا) لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لَهَا (أَوْ قَالَ) مَنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ (كَذَبَ شُهُودِي، أَوْ قَالَ) مُدَّعٍ (كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا فَهِيَ زُورٌ؛ أَوْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ أَوْ فَلَا حَقَّ لِي فِيهَا) فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ بَعْدُ؛ لِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ (وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الدَّلِيلِ بُطْلَانُ الْمُدَّعِي؛ فَلَهُ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُحِقٌّ، وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ. (وَلَا تُرَدُّ الْبَيِّنَةُ بِذِكْرِ السَّبَبِ) إذَا سَكَتَ عَنْهُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ؛ لِعَدَمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 520 الْمُنَافَاةِ حِينَئِذٍ (بَلْ تُرَدُّ بِذِكْرِ سَبَبِ الْمُدَّعِي) فِي دَعْوَاهُ سَبَبًا (غَيْرَهُ) كَأَنْ طَالَبَهُ بِأَلْفٍ قَرْضًا، فَأَنْكَرَهُ، فَشَهِدَتْ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعِ أُجْرَةٍ أَوْ غَصْبٍ لِلتَّنَافِي (وَمَتَى شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِغَيْرِ مُدَّعًى بِهِ) كَأَنْ ادَّعَى دِينَارًا، فَشَهِدَتْ بِدَرَاهِمَ، أَوْ فِضَّةً، فَشَهِدَتْ بِفُلُوسٍ، أَوْ غَصَبَ فَرَسِي، فَشَهِدَتْ بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ (فَهُوَ) أَيْ: الْمُدَّعِي (مُكَذِّبٌ لَهَا) ؛ أَيْ: لِشَهَادَتِهِمَا نَصًّا؛ فَلَا تُسْمَعُ (وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا أَنَّهُ لَهُ) ؛ أَيْ: يَمْلِكُهُ (الْآنَ؛ لَمْ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ) إنْ شَهِدَتْ (أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمْسِ، أَوْ أَنَّهُ فِي يَدِهِ أَمْسِ) ؛ لِعَدَمِ التَّطَابُقِ (حَتَّى تُبَيِّنَ الْبَيِّنَةُ سَبَبَ يَدِ الثَّانِي كَغَصْبٍ) أَوْ اسْتِعَارَةٍ (بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَتْ) الْبَيِّنَةُ (أَنَّهُ كَانَ مِلْكَهُ بِالْأَمْسِ اشْتَرَاهُ مِنْ رَبِّ الْيَدِ) ، فَيُقْبَلُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا؛ قُبِلَ، وَقَالَ (لَا يُعْتَبَرُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ) بِالدَّيْنِ (قَوْلُهُ) ؛ أَيْ: الشَّاهِدِ (وَإِنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ إلَى الْآنِ بَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَبْقُ الْحَقِّ إجْمَاعًا) اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ، وَقَالَ فِيمَنْ بِيَدِهِ عَقَارٌ فَادَّعَى رَجُلٌ بِثُبُوتٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَانَ لِجَدِّهِ إلَى مَوْتِهِ، ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مُخَلَّفٌ عَنْ مُوَرِّثِهِ لَا يُنْتَزَعُ مِنْهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَيْنِ تَعَارَضَا، وَأَسْبَابُ انْتِقَالِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِرْثِ؛ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِسُكُوتِهِمَا الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ، وَقَالَ فِي بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُ بِمِلْكِهِ إلَى حِينِ وَقْفِهِ، وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّ مُوَرِّثَهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَقْفِهِ؛ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ وَارِثٍ؛ لِأَنَّ مَعَهَا مَزِيدَ عِلْمٍ كَتَقْدِيمِ مَنْ شَهِدَ أَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ وَآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ. (وَمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَأَقَرَّ بِغَيْرِهِ؛ لَزِمَهُ) مَا أَقَرَّ لَهُ (إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِحَدِيثِ: «لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ» . (وَالدَّعْوَى) بَاقِيَةٌ (بِحَالِهَا) نَصًّا فَلَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِهَا، أَوْ تَحْلِيفُهُ. (وَإِنْ سَأَلَ مُدَّعٍ لَهُ بَيِّنَةً) بِدَعْوَاهُ (إحْلَافَهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَلَا يُقِيمُهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةَ (فَحَلَفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَلَهُ إقَامَتُهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةِ (تَامَّةً) لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالِاسْتِخْلَافِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 521 كَمَا لَوْ غَابَتْ عَنْ الْبَلَدِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ (حَلِفُهُ مَعَ إقَامَةِ شَاهِدٍ) وَاحِدٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إقَامَةِ شَاهِدٍ آخَرَ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إقَامَتِهَا تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ لِمُدَّعٍ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْمَالِ، وَأَقَامَهُ عَرَّفَهُ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَيَسْتَحِقُّ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَحْلِفُ وَرَضِيَ بِيَمِينِهِ اُسْتُحْلِفَ لَهُ، وَانْقَطَعَ النِّزَاعُ، فَإِنْ عَادَ الْمُدَّعِي وَقَالَ أَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِي؛ لَمْ يُسْمَعُ مِنْهُ. نَقَلَهُ فِي " الشَّرْحِ " عَنْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِعْلُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا، فَأَمْكَنَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْبُهُوتِيِّ فِي شَرْحِهِ " عَلَى " الْمُنْتَهَى " فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَقَطَعَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَ " الْإِقْنَاعِ " وَ " الْإِنْصَافِ " فِي أَحْكَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ يُسْتَحْلَفُ؛ فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ صَاحِبُ " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " لَمْ يَقْطَعَا بِذَلِكَ، وَصَاحِبُ " الْمُبْدِعِ " جَعَلَ الْأَشْهَرَ عَدَمَ الِاسْتِحْلَافِ، فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ حَلِفِ مُدَّعًى عَلَيْهِ، فَبَذَلَ الْيَمِينَ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنْ وَجَدَ مُدَّعٍ مَعَ شَاهِدِهِ آخَرَ، فَشَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي بِحَقِّهِ كَمُلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَقَضَى لَهُ بِهَا. (وَإِنْ قَالَ مُدَّعٍ: لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ يَمِينَهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً بِالْمَجْلِسِ؛ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا إحْدَاهُمَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةِ أَوْ تَحْلِيفِ خَصْمِهِ؛ لِحَدِيثِ: «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» . وَأَوْ لِلتَّخْيِيرِ؛ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَلِإِمْكَانِ فَصْلِ الْخُصُومَةِ بِالْبَيِّنَةِ فَلَمْ يُشْرَعْ غَيْرُهَا مَعَ إرَادَةِ مُدَّعٍ إقَامَتَهَا وَحُضُورَهَا، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَدَلِهَا كَسَائِرِ الْأَبْدَالِ مَعَ مُبْدَلَاتِهَا، (وَإِلَّا) تَكُنْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً بِالْمَجْلِسِ (فَلَهُ ذَلِكَ) ، أَيْ: تَحْلِيفُهُ ثُمَّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: الْبَيِّنَةُ الصَّادِقَةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وَيَلْزَمُ مِنْ صِدْقِ الْبَيِّنَةِ فُجُورُ الْيَمِينِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَتَكُونُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ يَجِبُ الْحَقُّ فِيهَا بِإِقْرَارِهِ يَجِبُ عَلَيْهَا بِالْبَيِّنَةِ، كَمَا قُبِلَ الْيَمِينُ. (وَإِنْ سَأَلَ مُدَّعٍ مُلَازَمَتَهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (حَتَّى يُقِيمَهَا) أَيْ: الْبَيِّنَةَ (أُجِيبَ فِي الْمَجْلِسِ فَقَطْ) حَيْثُ أَمْكَنَ إحْضَارُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 522 إقَامَتِهَا، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَعُدَتْ، وَلَمْ يُمْكِنْ إحْضَارُهَا؛ فَإِنَّ إلْزَامَهُ الْإِقَامَةَ إلَى إحْضَارِهَا يَحْتَاجُ إلَى حَبْسٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا) الْمُدَّعِي (فِيهِ) ؛ أَيْ: الْمَجْلِسِ (صَرَفَهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَلَا مُلَازَمَةَ) لِغَرِيمِهِ نَصًّا، وَلَا لِلْحَاكِمِ إلْزَامُهُ (بِكَفِيلٍ وَلَا غَيْرِهِ) كَرَهْنٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ يُحْبَسُ بِهِ أَوْ يُقِيمُ بِهِ كَفِيلًا أَوْ يُوَثَّقُ بِهِ رَهْنٌ، وَلِأَنَّ الْحَبْسَ عَذَابٌ؛ فَلَا يَلْزَمُ مَعْصُومًا مَا لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَتَمَكَّنَّ كُلُّ ظَالِمٍ مِنْ حَبْسِ مَنْ شَاءَ مِنْ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ. (وَإِنْ سَكَتَ مُدَّعًى عَلَيْهِ) بِأَنْ لَمْ يُقِرَّ بِالدَّعْوَى وَلَمْ يُنْكِرْهَا (أَوْ قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَا أَقُولُ وَلَا أُنْكِرُ، أَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِمُدَّعٍ بِدَعْوَاهُ. قَالَ الْحَاكِمُ: إنْ أَجَبْتَ وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلًا، وَقَضَيْتُ عَلَيْك بِالنُّكُولِ، وَسُنَّ تَكْرَارُهُ) ثَلَاثًا، فَإِنْ أَجَابَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ نَاكِلٌ عَمَّا تَوَجَّهَ مِنْ الْجَوَابِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْهُ، كَالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ. وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ، وَطَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَأُحْلِفَ لَهُ، ثُمَّ أَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ كَمُلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَقُضِيَ لَهُ بِهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ اسْتَحْلَفَهُ الْمُدَّعِي. (فَلَوْ قَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى: (لِي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ) وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ، أُنْظِرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُلَازِمُهُ الْمُدَّعِي فِيهَا؛ لِإِمْكَانِ مَا يَدَّعِيهِ، وَتَكْلِيفُهُ الْإِقْرَارَ فِي الْحَالِ إلْزَامٌ لَهُ بِمَا لَا يَتَحَقَّقُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ أَوْ يَخَافُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ كَاذِبًا، أَوْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ حَقٌّ، فَيُقِرَّ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ، فَوَجَبَ إنْظَارُهُ مَا لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُدَّعِي فِي إنْظَارِهِ إلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، أَوْ قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ (بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّعْوَى) عَلَيْهِ (بِبَيِّنَةٍ قَضَيْته) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى بِهِ، وَلِي بَيِّنَةٌ بِقَضَائِهِ (أَوْ قَالَ أَبْرَأَنِي) مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ (وَلِي بَيِّنَةٌ بِهِ) ؛ أَيْ: إبْرَائِهِ (يَعْنِي غَيْرَ غَائِبَةٍ وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ، لَزِمَ إنْظَارُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ) لِأَنَّ إلْزَامَهُ فِي الْحَالِ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِ؛ وَإِنْظَارُهُ أَكْثَرَ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 523 ذَلِكَ تَأْخِيرٌ لِلْحَقِّ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ بِلَا ضَرُورَةٍ؛ فَجُمِعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ (وَلِمُدَّعٍ مُلَازَمَتُهُ) زَمَنَ الْإِنْظَارِ؛ لِئَلَّا يَهْرُبَ، وَظَاهِرُهُ لَا يَحْبِسُهُ، وَعَمَلُ الْحُكَّامِ عَلَى خِلَافِهِ. (وَلَا يُنْظَرُ إنْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ تَدْفَعُ دَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ الدَّفْعِ (فَإِنْ عَجَزَ) مُدَّعِي الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِنْظَارِ (حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ دَعْوَاهُ) مِنْ قَضَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ (وَاسْتَحَقَّ) مَا ادَّعَى بِهِ (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ عَلَى ذَلِكَ (حُكِمَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ (وَصُرِفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي إذَنْ مُنْكِرٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَنَكَلَ عَنْهَا؛ فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، كَمَا لَوْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. (هَذَا) ؛ أَيْ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ إنْظَارِ مُدَّعِي الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ وَقَبُولِ بَيِّنَتِهِ إنْ أَحْضَرَهَا بِذَلِكَ (إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَ سَبَبَ الْحَقِّ) ابْتِدَاءً (فَأَمَّا إنْ كَانَ أَنْكَرَهُ ثُمَّ ثَبَتَ فَادَّعَى قَضَاءَ أَوْ إبْرَاءَ) مُدَّعٍ لَهُ (سَابِقًا عَلَى زَمَنِ إنْكَارِهِ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ، فَقَالَ: مَا اقْتَرَضْت مِنْهُ وَمَا اشْتَرَيْت مِنْهُ، فَثَبَتَ أَنَّهُ اقْتَرَضَ مِنْهُ أَوْ اشْتَرَى بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، فَقَالَ قَضَيْته، أَوْ أَبْرَأَنِي قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (وَلَوْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّ إنْكَارَ الْحَقِّ يَقْتَضِي نَفْيَ الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ؛ فَيَكُونُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ؛ وَإِنْ ادَّعَى قَضَاءً أَوْ إبْرَاءً بَعْدَ إنْكَارِهِ؛ قُبِلَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بَعْدَ إنْكَارِهِ كَالْإِقْرَارِ بِهِ؛ فَيَكُونُ قَاضِيًا لِمَا هُوَ مُقِرٌّ بِهِ؛ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِهِ كَغَيْرِ الْمُنْكِرِ، وَإِبْرَاءُ الْمُدَّعِي بَعْدَ إنْكَارِهِ إقْرَارٌ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ فَلَا تَنَافِيَ. (وَإِنْ قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ) بِعَيْنٍ جَوَابًا لِمُدَّعِيهَا (كَانَتْ بِيَدِكَ) أَمْسِ (أَوْ) كَانَتْ (لَك أَمْسِ؛ لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إثْبَاتُ سَبَبِ زَوَالِ يَدِهِ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي عَنْ الْعَيْنِ الْمُدَّعَى بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْيَدِ أَوْ الْمِلْكِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 524 إثْبَاتِهِ حَلَفَ مُدَّعٍ عَلَى بَقَائِهِ، وَأَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْهُ بِوَجْهٍ (وَانْتُزِعَتْ) الْعَيْنُ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ الْمُدَّعِي. [تَتِمَّةٌ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي بِمَا ادَّعَاهُ] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي بِمَا ادَّعَاهُ، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَحْلِفُوهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ؛ لَمْ يَحْلِفْ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» . وَلِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً لِلْبَيِّنَةِ، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ أَقَالَهُ فِي بَيْعٍ وَأَنْكَرَهُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِقَالَةِ، وَإِنْ قَالَ قَتَلْتُ دَابَّتِي وَلِي عَلَيْكَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ، وَقَالَ لَا يَلْزَمُنِي أَوْ لَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ فَقَدْ أَجَابَ. [فَصْلٌ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِعَيْنٍ بِيَدِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِمُدَّعِيهَا] فَصْلٌ (وَمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِعَيْنٍ بِيَدِهِ) وَلَا بَيِّنَةَ لِمُدَّعِيهَا (فَأَقَرَّ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (بِهَا) ؛ أَيْ: الْعَيْنِ (لِحَاضِرٍ مُكَلَّفٍ) غَيْرِ الْمُدَّعِي (جُعِلَ) الْمُقَرُّ لَهُ (الْخَصْمَ فِيهَا إنْ صَدَّقَ) الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ؛ لِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْيَدِ بِنِيَابَةِ يَدِهِ عَنْ يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِي يَدِهِ لِغَيْرِهِ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ قَالَ أَنَا مُسْتَأْجِرٌ مِنْهُ أَوْ مُسْتَعِيرٌ أَوْ لَا. (وَحَلَفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ) أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا لِمُدَّعٍ (فَإِنْ نَكَلَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ (أُخِذَ مِنْهُ) لِلْمُدَّعِي (بَدَلُهَا) كَإِقْرَارِهِ بِهَا لِلْمُدَّعِي بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهَا لِغَيْرِهِ (ثُمَّ إنْ صَدَّقَهُ) ؛ أَيْ: الْمُقِرَّ (الْمُقَرُّ لَهُ) بِالْعَيْنِ أَنَّهَا مِلْكُهُ (فَهُوَ) ؛ أَيْ: الْمُقَرُّ لَهُ (كَأَحَدِ مُدَّعِيَيْنِ عَلَى ثَالِثٍ أَقَرَّ لَهُ الثَّالِثُ عَلَى مَا يَأْتِي) فِي بَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ. (وَإِنْ قَالَ) مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ (لَيْسَتْ لِي وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ) وَجُهِلَ لِمَنْ هِيَ؛ سُلِّمَتْ لِمُدَّعٍ (أَوْ قَالَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: لَيْسَتْ لِي وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ (الْمُقَرُّ لَهُ وَجُهِلَ لِمَنْ هِيَ؛ سُلِّمَتْ لِمُدَّعٍ) بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهَا، وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهَا (فَإِنْ كَانَا) ؛ أَيْ: مُدَّعِيَاهَا (اثْنَيْنِ اقْتَرَعَا عَلَيْهَا، وَلَزِمَ الْمُقِرَّ يَمِينٌ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 525 وَإِنْ عَادَ) الْمُقِرُّ بِالْعَيْنِ (وَادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ، أَوْ) ادَّعَاهَا (لِثَالِثٍ) غَيْرِ مُدَّعِيهَا وَغَيْرِ الْمُقَرِّ لَهُ أَوَّلًا؛ لَمْ يُقْبَلْ (أَوْ عَادَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوَّلًا إلَى دَعْوَاهُ) الْعَيْنَ (وَلَوْ قَبْلَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَهَا الْمُقِرُّ لِنَفْسِهِ (لَمْ يُقْبَلْ) لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِهَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: هِيَ لِفُلَانٍ، أَوْ بِقَوْلِهِ: لَيْسَتْ لِي وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْيٌ لَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ؛ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ خِلَافُهُ. (وَإِنْ أَقَرَّ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ (بِهَا لِغَائِبٍ) عَنْ الْبَلَدِ (أَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ) مِنْ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ (وَلِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ) شَهِدَتْ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ (فَهِيَ) ؛ أَيْ: الْعَيْنُ لَهُ؛ لِتَرَجُّحِ جَانِبِهِ بِالْبَيِّنَةِ (بِلَا يَمِينٍ) اكْتِفَاءً بِالْبَيِّنَةِ؛ لِخَبَرِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» . (وَيَتَّجِهُ) وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ مُدَّعٍ (عَلَى بَيِّنَةِ مُدَّعًى عَلَيْهِ) لِلْخَبَرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمُدَّعٍ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا) ؛ أَيْ: الْعَيْنَ الْمُدَّعَى بِهَا (لِمَنْ سَمَّاهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا (لَمْ يَحْلِفْ) اكْتِفَاءً بِالْبَيِّنَةِ وَسُمِعَتْ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ وَسُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ. (وَلَا تَثْبُتُ) الْعَيْنُ (لِغَائِبٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِهَا هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ (وَإِنْ لَمْ يُقِمْ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بَيِّنَةً) أَنَّ الْعَيْنَ لِمَنْ سَمَّاهُ (اُسْتُحْلِفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ لِمُدَّعِيهَا، وَأُقِرَّتْ بِيَدِهِ؛ لِانْدِفَاعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِالْيَمِينِ (فَإِنْ نَكَلَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ (غَرِمَ بَدَلَهَا) ؛ أَيْ: مِثْلَ الْعَيْنِ إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَقِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً (لِمُدَّعٍ) لِمَا سَبَقَ (فَإِنْ كَانَا) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِيَانِ لَهَا (اثْنَيْنِ) كُلّ مِنْهُمَا يَدَّعِي جَمِيعَهَا (فَ) عَلَى نَاكِلٍ (بَدَلَانِ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَدَلٌ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا) مُدَّعًى عَلَيْهِ بِعَيْنِ يَدِهِ (لِمَجْهُولٍ) بِأَنْ قَالَ: هِيَ لِإِنْسَانٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 526 لَا أُسَمِّيه وَلَا أَعْرِفُهُ (قَالَ لَهُ حَاكِمٌ: عَرِّفْهُ وَإِلَّا جَعَلْتُك نَاكِلًا، وَقَضَيْت عَلَيْك بِالنُّكُولِ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا لِمَجْهُولٍ عُدُولٌ عَنْ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْخَصْمَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تُعَيِّنَ الْمُقَرَّ لَهُ لِتَنْتَقِلَ الْخُصُومَةُ إلَيْهِ، أَوْ تَدَّعِيَهَا لِنَفْسِك لِتَكُونَ الْخُصُومَةُ مَعَك، أَوْ تُقِرَّ بِهَا لِلْمُدَّعِي لِتَنْدَفِعَ الْخُصُومَةُ عَنْك، فَإِنْ عَيَّنَ الْمَجْهُولَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ بِهَا (فَإِنْ عَادَ) الْمُقِرُّ (ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا) فَدَعْوَاهَا ثَانِيًا لِنَفْسِهِ مُخَالِفَةٌ لَدَعْوَاهُ الْأُولَى. [فَصْلٌ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ مَسَافَةَ قَصْرٍ بِعَمَلِ الْقَاضِي] فَصْلٌ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ مَسَافَةَ قَصْرٍ بِعَمَلِهِ) ؛ أَيْ: الْقَاضِي (أَوْ لَا) ؛ أَيْ: بِغَيْرِ عَمَلِهِ (أَوْ) ادَّعَى عَلَى (مُسْتَتِرٍ بِالْبَلَدِ أَوْ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ) عَلَى (مَيِّتٍ أَوْ) عَلَى (غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ) كَامِلَةٌ (وَيَتَّجِهُ لَا شَاهِدَ وَيَمِينَ) وَلَوْ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ؛ لِضَعْفِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (سُمِعَتْ وَحُكِمَ بِهَا) فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ؛ لِحَدِيثِ «هِنْدَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، فَقَضَى لَهَا، وَلَمْ يَكُنْ أَبُو سُفْيَانَ حَاضِرًا. وَلِأَنَّ الْمُدَّعِي هُنَا لَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، فَجَازَ الْحُكْمُ بِهَا، كَمَا لَوْ كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا. وَأَمَّا تَقْيِيدُ الْغَيْبَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ، وَأَمَّا الْمُسْتَتِرُ فَلِأَنَّهُ مُتَعَذِّرُ الْحُضُورِ؛ أَشْبَهَ الْغَائِبَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا، بِخِلَافِ الْمُسْتَتِرِ، وَالْمَيِّتُ كَالْغَائِبِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ: صَرِيحُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا تُسْمَعُ بِعَمَلِهِ كَغَيْرِهِ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ ": وَلَوْ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، فَمُقْتَضَاهُ كَالْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِعَمَلِهِ تُسْمَعُ عَلَيْهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 527 وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ " الِاخْتِيَارَاتِ " وَظَاهِرٌ إطْلَاقُ غَيْرِهِ، وَقُيِّدَ فِي الْمُنْتَهَى " بِمَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، وَقَالَ فِي " شَرْحِهِ ": لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِعَمَلِهِ أَحْضَرَهُ لِيَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ مَعَ حُضُورِهِ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَ " الْإِقْنَاعُ " لِمُوَافَقَتِهِ لِكَلَامِهِمْ، وَكَانَ عَلَيْهِ الْإِشَارَةُ إلَى الْخِلَافِ. (وَلَا) تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ، وَلَا يُحْكَمُ عَلَى غَائِبٍ وَنَحْوِهِ (فِي حَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى (فَيُقْضَى فِي سَرِقَةٍ) ثَبَتَتْ عَلَى غَائِبٍ (بِغُرْمِ) مَالٍ مَسْرُوقٍ (فَقَطْ) دُونَ قَطْعٍ. (وَيَتَّجِهُ وَ) يُقْضَى (فِي زِنَاهُ) ؛ أَيْ: الْغَائِبِ (بِأَمَتِهِ) الْمُزَوَّجَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ (بِمَهْرٍ فَقَطْ) دُونَ حَدٍّ؛ لِحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَلِأَنَّ مَبْنَى حَقِّ اللَّهِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلَيْسَ تَقَدُّمُ الْإِنْكَارِ فِي الدَّعْوَى عَلَى غَائِبٍ وَنَحْوِهِ شَرْطًا؛ إذْ الْغَيْبَةُ وَنَحْوُهَا كَالسُّكُوتِ، وَالْبَيِّنَةُ تُسْمَعُ عَلَى سَاكِتٍ، لَكِنْ لَوْ قَالَ هُوَ مُعْتَرِفٌ، وَأَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ اسْتِظْهَارًا، لَمْ تُسْمَعْ. قَالَهُ الْآدَمِيُّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمَحْكُومِ لَهُ عَلَى غَائِبٍ وَنَحْوِهِ (يَمِينٌ عَلَى بَقَاءِ حَقِّهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 528 فِي ذِمَّةِ غَائِبٍ أَوْ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ مُسْتَتِرٍ؛ لِحَدِيثِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . فَحُصِرَ الْيَمِينُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ؛ فَلَا تَجِبُ مَعَهَا الْيَمِينُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى حَاضِرٍ (إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ. قَالَ الْمُنَقَّحُ وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ) انْتَهَى؛ لِفَسَادِ أَحْوَالِ غَالِبِ النَّاسِ (وَلَهُ تَحْلِيفُهُ احْتِيَاطًا) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اسْتَوْفَى مَا شَهِدَتْ بِهَا الْبَيِّنَةُ (ثُمَّ إذَا كُلِّفَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَرَشَدَ) بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ؛ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ، (أَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ، أَوْ ظَهَرَ الْمُسْتَتِرُ؛ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ) إنْ كَانَتْ؛ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ أَصْلِ الْحَقِّ لَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسْقِطُ الْحَقَّ، وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ الْحُكْمِ وُقِفَ عَلَى حُضُورِهِ، وَلَا تَجِبُ إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ، بَلْ يُخْبِرُهُ الْحَاكِمُ بِالْحَالِ، وَيُمَكِّنُهُ مِنْ الْجَرْحِ (فَإِنْ جَرَحَ) مَحْكُومٌ عَلَيْهِ (الْبَيِّنَةَ بِأَمْرٍ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ مُطْلَقًا) بِأَنْ جَرَحَهَا، وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَا قَبْلَهُ (لَمْ يُقْبَلُ) تَجْرِيحُهُ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يُبْطِلُهَا، وَإِذَا أَطْلَقَ اُحْتُمِلَ الْأَمْرَانِ؛ فَلَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ؛ لِجَوَازِ حُدُوثِ الْجَرْحِ بَعْدَهُ. وَإِنْ جَرَحَهَا (بِأَمْرٍ سَابِقٍ) الْأَدَاءِ (قَبْلَ تَجْرِيحِهِ) . وَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْحُكْمِ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَهُوَ عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ. (وَالْغَائِبُ دُونَ الْمَسَافَةِ) ؛ أَيْ: مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إنْ كَانَ (غَيْرَ مُسْتَتِرٍ لَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ دَعْوَى وَلَا بَيِّنَةٌ حَتَّى يَحْضُرَ) مَجْلِسَ الْحُكْمِ (كَحَاضِرٍ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ: «إذَا تَقَاضَى إلَيْك رَجُلَانِ فَلَا تَقْضِ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ؛ فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا تَقْضِي» . حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ سُؤَالُهُ؛ فَلَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ الْغَائِبِ الْبَعِيدِ (إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ) الْحَاضِرُ بِالْبَلَدِ أَوْ الْغَائِبُ دُونَ الْمَسَافَةِ عَنْ الْحُضُورِ (فَيُسْمَعَا) ؛ أَيْ: الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ؛ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يُهْجَمُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ) بَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، جَزَمَ بِهِ فِي " التَّرْغِيبِ ". وَحَيْثُ سُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُمْتَنِعِ بِبَيِّنَةٍ؛ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا؛ لِتَعَذُّرِ حُضُورِهِ كَالْغَائِبِ الْبَعِيدِ (ثُمَّ إنْ) كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ عَلَى الْغَائِبِ عَيْنًا سَلَّمَهَا الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 529 كَمَا لَوْ حَضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا، فَإِنْ (وَجَدَ) الْحَاكِمُ (لَهُ مَالًا وَفَّاهُ) ؛ أَيْ: دَيْنَهُ (مِنْهُ) لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ظُلْمٌ لَهُ، (وَإِلَّا) يَجِدْ لِلْغَائِبِ مَالًا (قَالَ لِمُدَّعٍ إنْ عَرَفْت لَهُ) ؛ أَيْ: الْغَائِبِ (مَالًا وَثَبَتَ عِنْدِي) أَنَّهُ مَالُهُ (وَفَّيْتُك مِنْهُ) دَيْنَهُ. (وَالْحُكْمُ لِلْغَائِبِ لَا يَصِحُّ) لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى مِنْهُ وَمِنْ وَكِيلِهِ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِلْغَائِبِ (تَبَعًا) لِمُدَّعٍ حَاضِرٍ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ (كَمَنْ ادَّعَى مَوْتَ أَبِيهِ) أَوْ ادَّعَاهُ وَكِيلُهُ أَوْ وَلِيُّهُ (عَنْهُ وَعَنْ أَخٍ لَهُ غَائِبٍ أَوْ غَيْرِ رَشِيدٍ، وَلِلْمَيِّتِ عِنْدَ فُلَانٍ عَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ، فَثَبَتَ) الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى فُلَانٍ (بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ) أَوْ نُكُولٍ (فَيَأْخُذُ الْمُدَّعِي) أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ وَلِيُّهُ (نَصِيبَهُ، وَ) يَأْخُذُ (الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْغَائِبِ) أَوْ غَيْرِ الرَّشِيدِ؛ فَيَجْعَلُهُ فِي يَدِ أَمِينٍ أَمَانَةً، وَيُكْرِيه لَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُكْرَى، أَوْ يَحْفَظُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ بِيَدِ الْغَرِيمِ أَوْ ذِمَّتِهِ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ بِغَيْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ وَعَزْلِ الْحَاكِمِ وَتَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ حُضُورِ الْغَائِبِ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَنْ الطَّلَبُ بِضَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ طَعْنٌ عَلَى الشُّهُودِ (وَكَالْحُكْمِ بِوَقْفٍ يَدْخُلُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَقْفِ (مَنْ لَمْ يُخْلَقْ) مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ (تَبَعًا) لِمَحْكُومٍ لَهُ الْآنَ (وَكَإِثْبَاتِ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ الْوَكَالَةَ فِي غَيْبَةِ) الْوَكِيلِ (الْآخَرِ فَتَثْبُتُ لَهُ) ؛ أَيْ: لِلْغَائِبِ (تَبَعًا) فَلَا تُعَادُ الْبَيِّنَةُ إذَا حَضَرَ (وَسُؤَالُ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ الْحَجْرَ) عَلَى الْمُفْلِسِ (كَسُؤَالِ الْكُلِّ) ؛ أَيْ: كُلِّ الْغُرَمَاءِ (فَالْقَضِيَّةُ الْوَاحِدَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى مُتَعَدِّدٍ) أَوْ عَلَى أَعْيَانٍ مَحْكُومٍ بِهَا (كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ) فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَعْرُوفَةِ (الْمُشَرِّكَةِ) وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَوَلَدَاهَا وَعَصَبَةٌ شَقِيقٌ (الْحُكْمُ فِيهَا لِوَاحِدٍ) مِنْ الْعَصَبَةِ بِأَنَّهُ يُشَارِكُ الْإِخْوَةَ لِأُمٍّ وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، (أَوْ) الْحُكْمُ (عَلَيْهِ) بِأَنَّهُ سَاقِطٌ لِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ التَّرِكَةَ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ (يَعُمُّهُ) ؛ أَيْ: الْمَحْكُومَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ (وَيَعُمُّ غَيْرَهُ) مِنْ الْعَصَبَةِ لِتَسَاوِيهِمْ فِي الْحُكْمِ (وَحُكْمُهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ (لِطَبَقَةٍ) مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ (حُكْمٌ لِلطَّبَقَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 530 الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ الشَّرْطُ وَاحِدًا) غَيْرَ مُخْتَلِفٍ (ثُمَّ مَنْ أَبْدَى) مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ (مَا) ؛ أَيْ: أَمْرًا يُمْكِنُ أَنْ (يَمْنَعَ بِهِ الْأَوَّلَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُسْتَحِقِّ مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى (لَوْ عَلِمَهُ؛ فَلِثَانٍ) ؛ أَيْ: الْمُبْدِي لِذَلِكَ الْأَمْرِ (الدَّفْعُ بِهِ) كَالْأَوَّلِ لَوْ عَلِمَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَطْنٍ يَتَلَقَّاهُ عَنْ وَاقِفِهِ فَهُوَ أَصْلٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ، وَيَبِيعُ مَالَهُ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ لِلْغَائِبِ، وَأَعْلَى طُرُقِهِ الْبَيِّنَةُ، فَيَكُونُ مِنْ الدَّعْوَى لِلْغَائِبِ تَبَعًا أَوْ مُطْلَقًا، لِلْحَاجَةِ إلَى إيفَاءِ الْحَاضِرِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْغَائِبِ. [فَصْلٌ ادَّعَى أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ بِحَقٍّ فَصَدَّقَهُ الْحَاكِمُ فِي دَعْوَاهُ] فَصْلٌ (وَمَنْ ادَّعَى أَنْ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ بِحَقٍّ، فَصَدَّقَهُ) الْحَاكِمُ فِي دَعْوَاهُ ذَلِكَ (قُبِلَ قَوْلُ الْحَاكِمِ وَحْدَهُ) فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ عَدْلًا، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ بِالْحُكْمِ، وَيُلْزِمُ خَصْمَهُ بِمَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ حُكْمًا بِالْعِلْمِ، بَلْ إمْضَاءً لِلْحُكْمِ السَّابِقِ (كَقَوْلِهِ) ؛ أَيْ: (ابْتِدَاءً حَكَمْت بِكَذَا) فَيُقْبَلُ مِنْهُ (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ) ؛ أَيْ: الْحُكْمَ حَاكِمٌ (فَشَهِدَ بِهِ) ؛ أَيْ: بِحُكْمِهِ (عَدْلَانِ) فَقَالَا لِلْحَاكِمِ نَشْهَدُ عِنْدَك أَنَّك حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا (قَبِلَهُمَا) الْحَاكِمُ (وَأَمْضَاهُ) ؛ أَيْ: حُكْمَهُ (وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدَك بِكَذَا) قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا، وَأَمْضَى حُكْمَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إمْضَائِهِ (مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ صَوَابَ نَفْسِهِ) . (فِيهِمَا) ؛ أَيْ: الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمِ غَيْرِهِ قَبِلَهُمَا، فَكَذَا إذَا شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمِهِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ صَوَابَ نَفْسِهِ لَمْ يَقْبَلْهُمَا، وَلَمْ يُمْضِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ، وَالْيَقِينُ أَقْوَى (بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ شَهَادَتَهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 531 فَشَهِدَا) ؛ أَيْ: الْعَدْلَانِ (عِنْدَهُ) ؛ أَيْ: النَّاسِي لِشَهَادَتِهِ بِهَا بِأَنْ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّكَ شَهِدْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا (فَلَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ) لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ شَهَادَتِهِ، وَإِنَّمَا يُمْضِيهَا الْحَاكِمُ، فَفَارَقَ الْحَاكِمَ بِذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِحُكْمِهِ) أَحَدٌ يَعْنِي عَدْلَيْنِ (وَوَجَدَهُ) ؛ أَيْ: حُكْمَهُ مَكْتُوبًا (وَلَوْ فِي قِمْطَرِهِ تَحْتَ حُكْمِهِ) وَلَمْ يَذْكُرْ؛ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ كَحُكْمِ غَيْرِهِ، وَلِجَوَازِ أَنْ يُزَوَّرَ عَلَيْهِ وَعَلَى خَطِّهِ وَخَتْمِهِ، وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ (أَوْ وَجَدَ) شَاهِدٌ (شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ، وَتَيَقَّنَهُ) ؛ أَيْ: الْخَطَّ (وَلَمْ يَذْكُرْهُ) ؛ أَيْ: الْمَشْهُودَ بِهِ (لَمْ يُعْمَلْ بِهِ) ؛ أَيْ: بِمَا وَجَدَهُ بِخَطِّهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ نَصًّا؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زُوِّرَ عَلَيْهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كَثِيرًا، (كَوِجْدَانِ خَطِّ أَبِيهِ بِحُكْمٍ) لِأَبِيهِ؛ أَيْ: لَوْ وَجَدَ الْحَاكِمُ حُكْمَ أَبِيهِ مَكْتُوبًا بِخَطِّ أَبِيهِ، فَلَيْسَ لَهُ إنْفَاذُهُ (أَوْ) وِجْدَانِ خَطِّ أَبِيهِ (بِشَهَادَةٍ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِ كَشَهَادَةِ غَيْرِهِ إذَا وَجَدَهَا بِخَطِّهِ، وَلَوْ تَيَقَّنَهُ (إلَّا عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ) قَالَ الْمُنَقِّحُ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَهَذَا الَّذِي رَأَيْته عَنْ أَحْمَدَ فِي الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي قِمْطَرِهِ وَتَحْتَ حُكْمِهِ لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا. (وَمَنْ تَحَقَّقَ الْحَاكِمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ) الَّتِي يَشْهَدُ بِهَا (أَوْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ) فَيَتَسَاهَلَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ، (لَمْ يَجُزْ) لِلْحَاكِمِ الْمُتَحَقِّقِ لِذَلِكَ (قَبُولُ شَهَادَتِهِ) كَمُغَفَّلٍ، (وَإِلَّا) يَتَحَقَّقْ الْحَاكِمُ مِنْهُ (حَرُمَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ الْحَالِ) لِقَدْحِهِ فِيهِ (وَلَا يَجِبُ) عَلَى الشَّاهِدِ (أَنْ يُخْبِرَهُ بِالصِّفَةِ) الَّتِي شَهِدَ بِهَا؛ أَيْ: أَنَّهُ ذَكَرَ الشَّهَادَةَ أَوْ اعْتَمَدَ عَلَى خَطِّهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 532 [فَصْلٌ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ] فَصْلٌ (وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ) ؛ أَيْ: يُحِيلُهُ (عَنْ صِفَتِهِ بَاطِنًا) وَلَوْ عَقْدًا أَوْ فَسْخًا؛ لِحَدِيثِ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) ؛ أَيْ: كَوْنُ حُكْمِ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ بَاطِنًا (فِيمَا) ؛ أَيْ: فِي الْحُكْمِ الَّذِي (يُنْقَضُ) وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْفَتْوَى كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا لَوْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ كُفْرُ الشُّهُودِ أَوْ فِسْقُهُمْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَمَتَى كَانَتْ الْبَيِّنَةُ كَاذِبَةً) وَحَكَمَ بِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِهَا (لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ حَتَّى وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَفَسْخٍ) وَطَلَاقٍ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ (فَمَنْ حَكَمَ لَهُ) حَاكِمٌ (بِبَيِّنَةٍ زُورٍ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ) فَلَا تَحِلُّ لَهُ بَاطِنًا، وَيَلْزَمُهَا حُكْمُهُ فِي الظَّاهِرِ، لِعَدَمِ مَا يَدْفَعُهُ (فَإِنْ وَطِئَ مَعَ الْعِلْمِ) بِالْحَالِ (فَزِنًا يَحُدُّ مَعَ أَنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ) وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا، فَرُفِعَا إلَى عَلِيٍّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِذَلِكَ، فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ، فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا تَزَوَّجَنِي اعْقِدْ بَيْنَنَا عَقْدًا حَتَّى أَحِلَّ لَهُ، فَقَالَ شَاهِدَاك زَوَّجَاك. فَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا حُجَّةَ فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 533 لِلْمُخَالِفِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّزْوِيجَ إلَى الشَّاهِدَيْنِ، لَا إلَى حُكْمِهِ، وَلَمْ يُجِبْهَا إلَى التَّزْوِيجِ، لِأَنَّ فِيهِ طَعْنًا عَلَى الشُّهُودِ، لَكِنَّ اللِّعَانَ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا لِأَنَّ الشَّرْعَ وَضَعَهُ لِسِتْرِ الزَّانِيَةِ وَصِيَانَةِ النَّسَبِ، فَتَعَقَّبَهُ الْفَسْخُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ إلَّا بِهِ، وَلَيْسَ كَمَسْأَلَتِنَا (وَيَجِبُ امْتِنَاعُهَا مِنْهُ) مَا أَمْكَنَهَا (فَإِنْ أَكْرَهَهَا وَوَطِئَهَا فَهُوَ الْآثِمُ) لَا هِيَ؛ لِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ (وَيَصِحُّ نِكَاحُهَا) ؛ أَيْ: الْمَرْأَةِ الْمَحْكُومِ بِنِكَاحِهَا لِرَجُلٍ بِبَيِّنَةٍ زُورٍ (غَيْرَهُ) لِخُلُوِّهَا مِنْ النِّكَاحِ. (وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا بِشُهُودِ زُورٍ، فَهِيَ زَوْجَةٌ بَاطِنًا نَصًّا، وَيُكْرَهُ لَهُ اجْتِمَاعُهُ بِهَا ظَاهِرًا) خَوْفًا مِنْ مَكْرُوهٍ يَنَالُهُ لِسَبَبِ طَعْنِهِ عَلَى الْحَاكِمِ (وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ بِالْحَالِ) مِنْ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا، لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ فِي عِصْمَةِ الْأَوَّلِ. (وَمَنْ حَكَمَ لِمُجْتَهِدٍ، أَوْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِمَا يُخَالِفُ اجْتِهَادَهُ؛ عَمِلَ) الْمُجْتَهِدُ (بِالْحُكْمِ حَتَّى بَاطِنًا، لَا بِاجْتِهَادِهِ) لِرَفْعِ حُكْمِهِ الْخِلَافَ فِي الْمَحْكُومِ (بِهِ وَإِنْ بَاعَ حَنْبَلِيٌّ لَحْمًا مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ) عَمْدًا (فَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ) ؛ أَيْ: الْبَيْعِ حَاكِمٌ (شَافِعِيٌّ نُفِّذَ حُكْمُهُ) فَيَدْخُلُ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ أَوْ النَّجَاسَةِ تَبَعًا لَا اسْتِقْلَالًا، وَكَذَا إنْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِحَنْبَلِيٍّ بِشُفْعَةِ جِوَارٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْإِمَامِ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِشُفْعَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ وَهُوَ فِي حَالِ طَلَبِهِ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ طَلَبِ شَيْءٍ وَبَيْنَ اعْتِقَادِهِ تَحْرِيمَهُ. قَالَ: لَكِنْ لَوْ كَانَ الطَّالِبُ غَيْرَهُ أَوْ ابْتَدَأَ الْإِمَامُ بِحُكْمٍ أَوْ قَسْمٍ فَهُنَا يَتَوَجَّهُ الْقَوْلُ بِالْحِلِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، ثُمَّ قَالَ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ رَدَّ حَاكِمٌ شَهَادَةَ وَاحِدٍ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ لَمْ يُؤَثِّرْ) ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ بِعَدَالَتِهِ، وَيَلْزَمُ الصَّوْمُ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ (كَرَدٍّ) بِشَهَادَةِ (مَنْ شَهِدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 534 بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ) فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ، (وَ) عَدَمُ التَّأْثِيرِ بِرَدِّ شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ بِهِلَالِ رَمَضَانَ (أَوْلَى) مِنْ عَدَمِهِ بِرَدِّهَا بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ (لِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمَ (لَا مَدْخَلَ لِحُكْمِهِ فِي عِبَادَةٍ وَوَقْتٍ) . (وَيَتَّجِهُ وَلَا مَدْخَلَ) لِحُكْمِ الْحَاكِمِ (فِي طَهَارَةٍ) وَتَنْجِيسٍ (ك) مَا لَوْ حَكَمَ حَنْبَلِيٌّ بِنَجَاسَةِ لَحْمٍ مَذْبُوحٍ (مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ) عَمْدًا؛ فَلَا يَصِيرُ مُتَنَجِّسًا بِحُكْمِهِ أَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِطَهَارَتِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ حُكْمُهُ فِي طَهَارَتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (وَإِنَّمَا هُوَ) ؛ أَيْ: رَدُّ شَهَادَتِهِ بِرَمَضَانَ (فَتْوَى، فَلَا يُقَالُ حَكَمَ بِكَذِبِهِ أَوْ حَكَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ) ؛ أَيْ: الْهِلَالَ؛ فَيَلْزَمُ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ الصَّوْمُ، وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَرَى قَبُولَ الْوَاحِدِ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (أُمُورُ الدِّينِ وَالْعِبَادَاتِ لَا يَحْكُمُ فِيهَا إلَّا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إجْمَاعًا) قَالَ الْغَزِّيِّ: طَهَارَةُ الشَّيْءِ وَنَجَاسَتُهُ لَا يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ اسْتِقْلَالًا، لَكِنْ يَدْخُلُهَا تَضَمُّنًا كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا عَلَى طَهَارَةِ شَيْءٍ أَوْ نَجَاسَتِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَحُكِمَ بِصِحَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ بِمُوجِبِ مَا صَدَرَ مِنْ الْمُعَلِّقِ وَوُجُودِ الصِّفَةِ كَانَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِذَلِكَ. (وَلَوْ رُفِعَ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ (حُكْمٌ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ) لِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا أَوْ مَا يَعْتَقِدُهُ (لِيُنَفِّذَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِرُفِعَ (لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمَ (تَنْفِيذُهُ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ) الْمَرْفُوعُ إلَيْهِ صَحِيحًا، لِأَنَّهُ حُكْمٌ سَاغَ الْخِلَافُ فِيهِ، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ؛ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهُ (وَكَذَا إنْ كَانَ نَفْسُ الْحُكْمِ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَحُكْمِهِ بِعِلْمِهِ، وَتَزْوِيجِهِ يَتِيمَةً) بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَكَحُكْمِهِ (عَلَى غَائِبٍ) أَوْ بِنُكُولِ الْخَصْمِ، أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، أَوْ بِالثُّبُوتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 535 بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْحُكْمَ بِشَيْءٍ حُكْمٌ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ بِهِ، وَفِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ " نَفْسُ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْحُكْمِ، لَكِنْ لَوْ أَنْفَذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ لَزِمَهُ إنْفَاذُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ صَارَ مَحْكُومًا بِهِ؛ فَلَزِمَ تَنْفِيذُهُ كَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّنْفِيذَ حُكْمٌ، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ. (وَإِنْ رَفَعَ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ (خَصْمَانِ عَقْدًا فَاسِدًا عِنْدَهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ (فَقَطْ) دُونَ غَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ صَحِيحًا عِنْدَ غَيْرِهِ كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ (وَأَقَرَّا) أَيْ: الْخَصْمَانِ (بِأَنَّ حَاكِمًا نَافِذَ الْحُكْمِ كَحَنَفِيٍّ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ) ؛ أَيْ: بِكَوْنِ ذَلِكَ الْعَقْدِ صَحِيحًا (وَلَمْ يُقِيمَا بِذَلِكَ بَيِّنَةً؛ فَلَهُ إلْزَامُهُمَا ذَلِكَ) الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ أَقَرَّا بِهِ؛ فَلَزِمَهُمَا، كَمَا لَوْ أَقَرَّا بِغَيْرِهِ (وَلَهُ رَدُّهُ) ؛ أَيْ: قَوْلِهِمَا، (وَالْحُكْمُ عَلَيْهِمَا بِمَذْهَبِهِ) مِنْ فَسَادِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمَا بِلَا بَيِّنَةٍ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ. (وَمَنْ قَلَّدَ مُجْتَهِدًا فِي صِحَّةِ نِكَاحِ) زَوْجَتِهِ (لَمْ يُفَارِقْهَا بِتَغْيِيرِ اجْتِهَادِهِ) ؛ أَيْ: الْمُجْتَهِدِ الَّذِي قَلَّدَهُ فِي صِحَّتِهِ (لِحُكْمٍ) ؛ أَيْ: كَمَا لَوْ حَكَمَ لَهُ حَاكِمٌ مُجْتَهِدٌ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إلَى صِحَّتِهِ؛ فَلَا يُفَارِقُ (بِخِلَافِ مُجْتَهِدٍ نَكَحَ) امْرَأَةً بِعَقْدٍ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى صِحَّتِهِ (ثُمَّ رَأَى بُطْلَانَهُ) ؛ أَيْ: أَدَّاهُ الِاجْتِهَادُ إلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ؛ فَيَلْزَمُهُ فِرَاقُ زَوْجَتِهِ؛ لِاعْتِقَادِهِ تَحْرِيمَ وَطْئِهَا (وَلَا يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْمُجْتَهِدَ الَّذِي قَلَّدَهُ الْعَامِّيُّ فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ (إعْلَامُ مُقَلِّدٍ لَهُ) فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ (بِتَغْيِيرِهِ) ؛ أَيْ: الِاجْتِهَادِ؛ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْفِرَاقُ بِتَغْيِيرِ اجْتِهَادِ مَنْ قَلَّدَهُ. (وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ فِي حُكْمِهِ (فِي إتْلَافٍ بِمُخَالَفَةِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ) لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ (أَوْ بَانَ خَطَأُ مُفْتٍ لَيْسَ أَهْلًا) لِلْفُتْيَا بِإِتْلَافٍ كَقَتْلٍ فِي شَيْءٍ ظَنَّاهُ رِدَّةً، أَوْ قَطْعٍ فِي سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا، أَوْ جَلْدٍ بِشُرْبٍ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ كَشَارِبِ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ حَدَّهُ، فَمَاتَ (ضَمِنَا) ؛ أَيْ: الْحَاكِمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 536 وَالْمُفْتِي مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِمَا، كَمَا لَوْ بَاشَرَاهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْطَأَ فِيمَا لَيْسَ بِقَاطِعٍ مِمَّا يَقْبَلُ الِاجْتِهَادَ لَا ضَمَانَ. [فَصْلٌ فِي مَنْ غَصَبَهُ إنْسَانٌ مَالًا جَهْرًا أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالِهِ] فَصْلٌ (وَمَنْ غَصَبَهُ إنْسَانٌ مَالًا جَهْرًا أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالِهِ) ؛ أَيْ: عَيْنُ مَالِ غَيْرِهِ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمَغْصُوبِ مَالُهُ جَهْرًا (أَخْذُ قَدْرِ مَالِهِ الْمَغْصُوبِ) مِنْ مَالِ غَاصِبٍ (جَهْرًا) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ (وَلَهُ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ) مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ (وَلَوْ قَهْرًا) قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " مَا لَمْ يُفْضِ إلَى فِتْنَةٍ (لَا أَخْذُ قَدْرِ دَيْنِهِ) الَّذِي لَهُ بِذِمَّةِ غَيْرِهِ (مِنْ مَالِ مَدِينٍ تَعَذَّرَ أَخْذُ دَيْنِهِ مِنْهُ بِحَاكِمٍ أَوْ بِحُجَّةٍ) ؛ أَيْ: بَيِّنَةٍ (أَوْ غَيْرِهِ) كَسُكَّانِ بَوَادٍ يَتَعَذَّرُ إحْضَارُ الْخُصُومِ مِنْهَا نَصًّا؛ لِحَدِيثِ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَأَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ حَقِّهِ بِلَا إذْنِهِ خِيَانَةٌ لَهُ. وَحَدِيثُ «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» . وَلِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ دَيْنِهِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ تَرَاضٍ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ جِنْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ حَقِّهِ بِغَيْرِ رِضَى صَاحِبِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا آخُذُ حَقِّي إلَّا مِنْ هَذَا الْكِيسِ دُونَ هَذَا، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ، فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إنْ بَقِيَ، وَبَدَلُهُ إنْ تَلِفَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ تَقَاصَّا. وَعَنْهُ يَجُوزُ لِرَبِّ الدَّيْنِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ مِنْ الْمَدِينِ بِالْحَاكِمِ لِجَحْدٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَدِينُ مُعْسِرًا بِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا؛ الْأَخْذُ، فَيَأْخُذُ قَدْرَ حَقِّهِ مِنْ جِنْسِهِ إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا قَوَّمَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 537 وَأَخَذَ بِقَدْرِهِ فِي الْبَاطِنِ مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ هِنْدَ، وَتَقَدَّمَ وَلِحَدِيثِ: «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ بِنَفَقَتِهِ» . وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ هِنْدَ قَدْ أَشَارَ أَحْمَدُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ بِأَنَّ حَقَّهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، بِخِلَافِ الْمُدِينِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ الْمُدِينُ عَلَى اسْتِخْلَاصِ دَيْنِهِ بِالْحَاكِمِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ خِلَافٍ (إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عَلَى ضَيْفٍ أَخْذُ حَقِّهِ بِحَاكِمٍ) فَيَأْخُذَهُ، وَتَقَدَّمَ بِدَلِيلِهِ فِي الْأَطْعِمَةِ (أَوْ مَنَعَ زَوْجٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ كَقَرِيبٍ أَوْ سَيِّدٍ) وَمُعْتَقٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ وَمَوْلَاهُ (مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ نَفَقَةٍ) كَكِسْوَةٍ، فَلِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ الْأَخْذُ لِحَدِيثِ هِنْدَ (وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ كَانَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا ذَهَبًا وَدَيْنُ الْآخَرِ فِضَّةً (فَجَحَدَ أَحَدُهُمَا) دَيْنَ صَاحِبِهِ (فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَ) دَيْنَ الْجَاحِدِ (لِأَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ) قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " لَا يَجُوزُ وَلَوْ رَضِيَا، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ جِنْسٍ تَقَاصَّا بِشَرْطِهِ. [بَابُ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي] وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 29] {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل: 30] الْآيَةَ. وَكَتَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَمُلُوكِ الْأَطْرَافِ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَ يَكْتُبُ إلَى عُمَّالِهِ وَسُعَاتِهِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى قَبُولِهِ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ وَالطَّلَبُ بِهِ بِغَيْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 538 ذَلِكَ؛ إذْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِالشُّهُودِ، وَرُبَّمَا كَانُوا غَيْرَ مَعْرُوفِينَ بِالْبَلَدِ الَّذِي يُسَافِرُونَ إلَيْهِ؛ فَيَتَعَذَّرُ إثْبَاتُ الْحَقِّ عِنْدَ حَاكِمِهِمْ؛ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ الْمُكَاتَبَةُ فِيهِ. (يُقْبَلُ) كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ) كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ وَغَصْبٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ وَوَصِيَّةٍ بِمَالٍ وَرَهْنٍ وَجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (حَتَّى مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ كَقَوَدٍ وَقَذْفٍ وَطَلَاقٍ وَنَسَبٍ وَعِتْقٍ) وَنِكَاحٍ وَتَوْكِيلٍ وَإِيصَاءٍ فِي غَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَلَا يُقْبَلُ (فِي حَدِّ اللَّهِ) تَعَالَى (كَزِنًا وَشُرْبِ) مُسْكِرٍ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّتْرِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَكَذَا كِتَابُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا (وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) ؛ أَيْ: كَوْنِهِ يُقْبَلُ فِي غَيْرِ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى (ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي) إلَى الْقَاضِي (حُكْمُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةُ الْقَاضِي عَلَى شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ (وَذَكَرُوا) ؛ أَيْ: الْأَصْحَابُ (فِيمَا إذَا تَغَيَّرَ) (حَالُهُ) ؛ أَيْ: الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِفِسْقٍ أَوْ نَحْوِهِ (أَنَّهُ أَصْلٌ) لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ (وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَرْعٌ لَهُ؛ فَلَا يَسُوغُ نَقْضُ حُكْمٍ مَكْتُوبٍ إلَيْهِ بِإِنْكَارِ) قَاضٍ (كَاتِبٍ كِتَابَهُ، وَلَا يَقْدَحُ إنْكَارُهُ فِي عَدَالَةِ بَيِّنَتِهِ) كَإِنْكَارِ شُهُودِ الْأَصْلِ بَعْدَ الْحُكْمِ (بَلْ يُمْنَعُ إنْكَارُهُ) ؛ أَيْ: الْقَاضِي الْكَاتِبِ لِكِتَابَةِ (الْحُكْمِ) مِنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إذَا أَنْكَرَهُ قَبْلَ حُكْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (كَمَا يَمْنَعُهُ) ؛ أَيْ: الْحُكْمَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (رُجُوعُ شُهُودِ الْأَصْلِ) قَبْلَ الْحُكْمِ (فَدَلَّ) مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مِمَّا تَقَدَّمَ (أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ (فَرْعٌ لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ، وَأَصْلٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ) وَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا (أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ فَرْعٍ أَصْلًا لِفَرْعٍ آخَرَ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) . (وَيُقْبَلُ) كِتَابُ الْقَاضِي (فِيمَا حَكَمَ بِهِ) الْكَاتِبُ (لِيُنَفِّذَهُ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (وَإِنْ كَانَا) ؛ أَيْ: الْكَاتِبُ وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (بِبَلَدٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ الْحُكْمَ يَجِبُ إمْضَاؤُهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يُقْبَلُ (فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ) ؛ أَيْ: الْكَاتِبِ (لِيَحْكُمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 539 بِهِ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (إلَّا فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ) فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ نَقْلُ شَهَادَةٍ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ؛ فَلَمْ يَجُزْ مَعَ الْقُرْبِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (وَكَذَا لَوْ سَمِعَ) الْكَاتِبُ الْبَيِّنَةَ (وَجَعَلَ تَعْدِيلَهَا لِقَاضٍ آخَرَ) وَهُوَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ بُعْدٍ لِمَسَافَةٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ، بَلْ خَبَرٌ بِالثُّبُوتِ، كَشَهَادَةِ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ يَتَضَمَّنُ إلْزَامًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ وَيَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ يُخَيَّرُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ. قَالَ: وَلِلْحَاكِمِ الَّذِي اتَّصَلَ بِهِ ذَلِكَ الثُّبُوتُ الْحُكْمُ بِهِ إذَا كَانَ يَرَى صِحَّتَهُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ لَوْ أَثْبَتَ حَاكِمٌ مَالِكِيٌّ وَقْفًا لَا يَرَاهُ كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَإِنْ حَكَمَ لِلْخِلَافِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ؛ فَلِحَاكِمٍ حَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَهُ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، وَإِنْ لَمْ لَمْ يَحْكُمْ بَلْ قَالَ: ثَبَتَ هَذَا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ، ثُمَّ إذَا رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا نَفَّذَهُ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي قُرْبِ الْمَسَافَةِ. قَالَ: وَلِلْحَاكِمِ الْحَنْبَلِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ بُعْدِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَمَعَ قُرْبِهَا الْخِلَافُ. وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي (فِي عَيْنٍ مُدَّعًى بِهَا بِبَلَدِ الْحَاكِمِ) بَلْ يُسَلِّمُهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ لِلْمُدَّعِي، وَلَا حَاجَةَ إلَى كِتَابٍ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُمْتَنِعِ، فَيَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَسْلِيمِ الْعَيْنِ كَوَلِيِّ الصَّغِيرِ. (وَإِنْ كَانَ) الْمَحْكُومُ بِهِ (دَيْنًا أَوْ عَيْنًا بِبَلَدٍ آخَرَ) غَيْرِ بَلَدِ الْحَاكِمِ كَتَبَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقِفُ عَلَى الْكِتَابِ لِيُسَلِّمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْعَيْنَ لِرَبِّهَا، أَوْ يَأْمُرَ لِمَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِوَفَاءِ الدَّيْنِ. تَنْبِيهٌ: هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ مُتَدَاخِلَاتٍ مَسْأَلَةُ إحْضَارِ الْخَصْمِ إذَا كَانَ غَائِبًا بِعَمَلِ الْقَاضِي وَلَوْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ، وَمَسْأَلَةُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ أَوْ مُسْتَتِرًا وَلَوْ بِالْبَلَدِ، وَمَسْأَلَةُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، وَتَقَدَّمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 540 بَعْضُهُ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " وَلَوْ قِيلَ إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ حَاضِرًا؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً وَهِيَ تَسْلِيمُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ غَائِبًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُكَاتِبَ الْحَاكِمَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ شَهَادَةِ الشُّهُودِ حَتَّى يَكُونَ الْحُكْمُ فِي بَلَدِ التَّسْلِيمِ لَكَانَ مُتَوَجِّهًا. (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْقَاضِي الْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ لِقَاضٍ (مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَأَنْ يُكَاتِبَ (إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ) الْكِتَابُ (مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) وَحُكَّامِهِمْ بِلَا تَعْيِينٍ، وَيَلْزَمُ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ كِتَابُ حَاكِمٍ مِنْ وِلَايَتِهِ وَصَلَ إلَى حَاكِمٍ؛ فَلَزِمَ قَبُولُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ. (وَيُشْتَرَطُ لِقَبُولِهِ) ؛ أَيْ: كِتَابِ الْقَاضِي وَالْعَمَلِ بِهِ (أَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَى عَدْلَيْنِ، وَيُعْتَبَرُ ضَبْطُهُمَا لِمَعْنَاهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ نَصًّا، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (ثُمَّ يَقُولُ) الْقَاضِي الْكَاتِبُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمَا (هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانِ) بْنِ فُلَانٍ (أَوْ إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ، وَيَدْفَعُهُ إلَيْهِمَا) ؛ أَيْ: الْعَدْلَيْنِ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِمَا (فَإِذَا وَصَلَا) بِالْكِتَابِ إلَى عَمَلِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (دَفَعَاهُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَقَالَا نَشْهَدُ أَنَّهُ) ؛ أَيْ: هَذَا الْكِتَابَ (كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ إلَيْك كَتَبَهُ بِعَمَلِهِ) وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَتَعْيِينُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ كَتَعْيِينِ شُهُودِ الْأَصْلِ؛ أَيْ: فَيُشْتَرَطُ (وَالِاحْتِيَاطُ) خَتْمُهُ بَعْدَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِمَا صَوْنًا لِمَا فِيهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ) الْخَتْمُ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا، لَا عَلَى الْخَتْمِ، «وَكَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابًا إلَى قَيْصَرَ وَلَمْ يَخْتِمْهُ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ لَا يَقْبَلُ كِتَابًا غَيْرَ مَخْتُومٍ، فَاِتَّخَذَ الْخَاتَمَ.» وَاقْتِصَارُهُ أَوَّلًا عَلَى الْكِتَابِ دُونَ الْخَتْمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِيُقْرَأَ كِتَابُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُمَا) ؛ أَيْ: الْعَدْلَيْنِ (وَقُرِئَ عَلَيْنَا وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ) اعْتِمَادًا عَلَى الظَّاهِرِ (وَلَا قَوْلُ كَاتِبٍ اشْهَدْا عَلَيَّ) بِمَا فِيهِ كَسَائِرِ مَا يُتَحَمَّلُ بِهِ الشَّهَادَةُ (وَإِنْ أَشْهَدَهُمَا عَلَيْهِ) أَيْ: الْكِتَابِ (مَدْرُوجًا مَخْتُومًا لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ مَا أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بِالشَّهَادَاتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 541 لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ كَإِثْبَاتِ الْعُقُودِ، وَلِأَنَّ الْخَطَّ يَشْتَبِهُ، وَكَذَا الْخَتْمُ، فَيُمْكِنُ التَّزْوِيرُ عَلَيْهِ. (وَكِتَابُهُ) ؛ أَيْ: الْقَاضِي (فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ كِتَابُهُ بَعْدَ عَزْلِهِ كَخَبَرِهِ) بِغَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ؛ أَيْ: فَيُقْبَلُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَصِلَ الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَسْمَعُهَا فِي غَيْرِهِ (وَإِنْ وَصَلَهُ الْكِتَابُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ؛ لَمْ يَقْبَلْهُ حَتَّى يَصِلَ لِمَحِلِّهِ) لِأَنَّهُ مَحَلُّ نُفُوذِ حُكْمِهِ (وَيُقْبَلُ كِتَابُهُ) ؛ أَيْ: الْقَاضِي فِي حَيَوَانٍ بِالصِّفَةِ (اكْتِفَاءً بِهَا) ؛ أَيْ: الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ كَالدَّيْنِ (كَمَشْهُودٍ عَلَيْهِ) بِالصِّفَةِ فَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَجِيءُ إنْسَانٍ فِي صِفَتِهِ فَيَقُولُ أَنَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَلَا تَكْفِي الصِّفَةُ فِي الْمَشْهُودِ (لَهُ) بِأَنْ يَقُولَا نَشْهَدُ لِشَخْصٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا؛ لِاشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ دَعْوَاهُ (فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ مُشَارَكَتُهُ لَهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ وَالْحَيَوَانِ الْمَشْهُودِ فِيهِ بِالصِّفَةِ (فِي صِفَتِهِ) بِأَنْ زَالَ اللَّبْسُ بِعَدَمِ مَا يُشَارِكُهُ فِي صِفَتِهِ (أَخَذَهُ مُدَّعِيهِ) الْمَشْهُودُ لَهُ بِكَفِيلٍ (مَخْتُومًا عُنُقُهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ وَالْحَيَوَانِ الْمَشْهُودِ فِيهِ بِالصِّفَةِ، بِأَنْ يَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ نَحْوَ خَيْطٍ، وَيَخْتِمَ عَلَيْهِ بِنَحْوِ شَمْعٍ (فَيَأْتِي بِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ) لِزَوَالِ الْإِشْكَالِ (وَيَقْضِي لَهُ بِهِ، وَيَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا) آخَرَ؛ أَيْ: إلَى الْقَاضِي الَّذِي سَلَّمَهُ لَهُ بِكَفِيلٍ (لِيَبْرَأَ كَفِيلُهُ) مِنْ الطَّلَبِ بِهِ بَعْدُ (وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ) بِأَنْ قَالَ الشُّهُودُ: إنَّهُ لَيْسَ الْمَشْهُودَ بِهِ فَهُوَ فِي يَدِهِ (كَمَغْصُوبٍ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَمُؤْنَتُهُ وَنَقْصُهُ وَأُجْرَتُهُ مُنْذُ تَسَلُّمِهِ إلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ) لِوَضْعِهِ يَدَهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. (وَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي عَلَى مَشْهُودٍ عَلَيْهِ بِالصِّفَةِ) بِأَنْ قَالَا نَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا أَنَّهُ اقْتَرَضَ مِنْ هَذَا كَذَا (حَتَّى يُسَمَّى وَيُنْسَبَ) وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْجَدِّ إنْ عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ (أَوْ) حَتَّى (تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ) لِيَزُولَ اللَّبْسُ (وَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي) الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (وَأَحْضَرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 542 الْخَصْمَ الْمَذْكُورَ فِيهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَحِلْيَتِهِ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِالْمَذْكُورِ) فِي الْكِتَابِ (قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قُضِيَ عَلَيْهِ) بِنُكُولِهِ (وَإِنْ أَقَرَّ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ أَوْ ثَبَتَ اسْمُهُ) وَنَسَبُهُ (بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ: الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرِي لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ بِالْبَلَدِ) شَخْصًا (آخَرَ كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: يُسَاوِيهِ فِي اسْمِهِ وَنَسَبِهِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمُسَاوِي لَهُ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ (مَيِّتًا يَقَعُ بِهِ إشْكَالٌ، فَيَتَوَقَّفُ) الْحُكْمُ (حَتَّى يُعْلَمَ الْخَصْمُ مِنْهُمَا) ، فَيُحْضِرَ الْقَاضِي الْمُسَاوِيَ لَهُ إنْ أَمْكَنَ وَيَسْأَلُهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ أَلْزَمَهُ وَتَخَلَّصَ الْأَوَّلُ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَقَفَ الْحُكْمَ، وَيَكْتُبُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ يُعْلِمُهُ بِمَا حَصَلَ مِنْ اللَّبْسِ حَتَّى يُرْسِلَ الشَّاهِدَيْنِ، فَيَشْهَدَا عِنْدَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَيَلْزَمَهُ الْحَقُّ، وَإِنَّ الْمَيِّتَ لَا يَقَعُ بِهِ اللَّبْسُ؛ فَلَا أَثَرَ. (وَإِنْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ لَمْ يَضُرَّ) ؛ أَيْ: لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ قَبُولَ كِتَابِهِ وَالْعَمَلَ بِهِ (ك) مَوْتِ (بَيِّنَةٍ أَصْلٍ) فَيُحْكَمُ بِشُهُودِ الْفَرْعِ. (وَإِنْ فَسَقَ) الْقَاضِي الْكَاتِبُ (قَبْلَ حُكْمٍ لَا بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: الْحُكْمِ (قَدَحَ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ؛ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ لِأَنَّ الْكَاتِبَ أَصْلٌ، وَبَقَاءُ عَدَالَةِ الْأَصْلِ شَرْطٌ فِي الْحُكْمِ بِشَاهِدَيْ الْفَرْعِ (خَاصَّةً) أَيْ: دُونَ مَا حَكَمَ بِهِ الْكَاتِبُ وَكَتَبَ بِهِ؛ فَلَا يَقْدَحُ فِسْقُهُ فِيهِ؛ فَلِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يُنْقَضُ بِفِسْقِهِ (وَعَلَى مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ الْكِتَابُ مِمَّنْ قَامَ مَقَامَهُ الْعَمَلُ بِهِ) ؛ أَيْ: الْكِتَابِ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابُ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ لَا (اكْتِفَاءً بِالْبَيِّنَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ ضَاعَ) الْكِتَابُ (أَوْ انْمَحَى) وَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِهِمَا، وَقِيَاسُهُ لَوْ حَمَلَ الشَّاهِدَانِ إلَى غَيْرِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حَالَ حَيَاتِهِ، وَشَهِدَا عِنْدَهُ عَمِلَ بِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ خَلِيفَةَ الْكَاتِبِ، فَمَاتَ الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ؛ انْعَزَلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ؛ فَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَعَزْلِهِ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 543 (وَلَوْ شَهِدَا) ؛ أَيْ: حَامِلَا الْكِتَابِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (بِخِلَافِ مَا فِيهِ) أَيْ: الْكِتَابِ (قَبِلَ) مَا شَهِدَا بِهِ (اعْتِمَادًا عَلَى الْعِلْمِ) بِمَا أَشْهَدَهُمَا بِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ عَلَى نَفْسِهِ (وَمَتَى قَدِمَ الْخَصْمُ الْمُثْبَتُ عَلَيْهِ) الْحَقُّ عِنْدَ الْكَاتِبِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (بَلَدَ الْكَاتِبِ؛ فَلَهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْخَصْمِ بِالْحَقِّ (بِلَا إعَادَةِ شَهَادَةٍ) عَلَيْهِ إذَا سَأَلَهُ رَبُّ الْحَقِّ ذَلِكَ؛ لِسَبْقِ الشَّهَادَةِ. [فَصْلٌ إذَا حَكَمَ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ فَسَأَلَهُ أَنْ يَشْهَد عَلَيْهِ بِمَا جَرَى] فَصْلٌ (وَإِذَا) حَكَمَ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكَاتِبِ مِنْ الْحَقِّ (فَسَأَلَهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا جَرَى) عِنْدَهُ مِنْ حُكْمِهِ عَلَيْهِ (لِئَلَّا يَحْكُمَ عَلَيْهِ) الْقَاضِي (الْكَاتِبُ) ثَانِيًا أَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِضَرَرِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَقِيَهُ الْخَصْمُ فِي بَلَدِ الْكَاتِبِ، فَطَالَبَهُ بِالْحَقِّ مَرَّةً أُخْرَى (أَوْ سَأَلَ مَنْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ) عِنْدَ الْحَاكِمِ (كَمُنْكِرٍ حَلَفَ بِهِ، أَوْ) سَأَلَهُ (مَنْ ثَبَتَ حَقُّهُ عِنْدَهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ، (أَنْ يَشْهَدَ لَهُ) عَلَيْهِ (بِمَا جَرَى مِنْ بَرَاءَةٍ أَوْ ثُبُوتِ مُجَرَّدٍ عِنْدَهُ، أَوْ) ثُبُوتِ (مُتَّصِلٍ بِحُكْمٍ) أَوْ ثُبُوتِ مُتَّصِلٍ بِحُكْمٍ (وَتَنْفِيذٍ، أَوْ) سَأَلَهُ الْحُكْمَ لَهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ (أَجَابَهُ) سَوَاءٌ ثَبَتَ حَقُّهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ؛ لِاحْتِمَالِ طُولِ الزَّمَانِ عَلَى الْحَقِّ، فَإِذَا أَرَادَ بِهِ الْمُطَالَبَةَ بِهِ لَمْ تَكُنْ بِيَدِهِ حُجَّةٌ، وَرُبَّمَا نَسِيَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ، أَوْ يُطَالِبُهُ الْغَرِيمُ فِي صُورَةِ الْبَرَاءَةِ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَهُ إذَا نَسِيَ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ (وَإِنْ سَأَلَهُ) ؛ أَيْ: سَأَلَ الْخَصْمُ الْحَاكِمَ (مَعَ الْإِشْهَادِ) بِمَا جَرَى مِمَّا تَقَدَّمَ (كِتَابَتَهُ) ؛ أَيْ: الْوَاقِعِ (وَأَتَاهُ بِوَرَقَةٍ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 544 أَوْ كَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَرَقٌ مُعَدٌّ لِذَلِكَ (لَزِمَهُ) إجَابَتُهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَهُ كَكِتَابِ (سَاعٍ بِأَخْذِ زَكَاةٍ) لِئَلَّا يُطَالِبَهُ بِهَا سَاعٍ آخَرُ، وَكَذَا مُعَشِّرُ أَمْوَالِ تُجَّارِ حَرْبٍ وَذِمَّةٍ؛ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ دَفْعُ وَثِيقَةٍ بِهِ إذَا اسْتَوْفَاهُ، بَلْ الْإِشْهَادُ بِاسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ مَا قَبَضَ مُسْتَحَقًّا فَيَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ بِحَقِّهِ، وَكَذَا بَائِعُ عَقَارٍ لَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ كِتَابِ ابْتِيَاعِهِ إلَى الْمُشْتَرَى مِنْهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ لَهُ عِنْدَ الدَّرَكِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ". (وَمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ يُسَمَّى حُجَّةً) وَالسِّجِلُّ لُغَةُ الْكُتَّابِ، وَلِأَنَّ الدَّفْتَرَ تُنَزَّلُ فِيهِ الْوَقَائِعُ وَالْوَثَائِقُ (وَغَيْرُهُ) ؛ أَيْ: غَيْرُ مَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِبَيِّنَةٍ وَهُوَ مَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِإِقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ يُسَمَّى (مَحْضَرًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الصَّكِّ سُمِّيَ مَحْضَرًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ حُضُورِ الْخَصْمَيْنِ وَالشُّهُودِ (وَالْمَحْضَرُ شَرْحُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ (لَا الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ) وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ اصْطِلَاحِيَّةٌ، وَأَمَّا السِّجِلُّ فَأَصْلُهُ الصَّحِيفَةُ الْمَكْتُوبَةُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: السِّجِلُّ الْكِتَابُ. إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ اصْطِلَاحًا (وَالْأَوْلَى جَعْلُ السِّجِلِّ نُسْخَتَيْنِ نُسْخَةً يَدْفَعُهَا) الْحَاكِم (إلَيْهِ) ؛ أَيْ: الطَّالِبِ لَهَا، لِتَكُونَ وَثِيقَةً بِحَقِّهِ، (وَالنُّسْخَةُ الْأُخْرَى تُجْعَلُ عِنْدَهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ لِيَرْجِعَ إلَيْهَا عِنْدَ ضَيَاعِ مَا بِيَدِ الْخَصْمِ أَوْ الِاخْتِلَافِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ. فِي زَمَنِنَا تُنَزَّلُ الْوَثَائِقُ بِكِتَابٍ يَجْمَعُهَا مُدَّةً ثُمَّ مُدَّةً بِحَسَبِ مَا يَتَّسِعُ لَهَا وَفِيهِ مِنْ الْحِفْظِ مَا لَا يَخْفَى، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا تَقَدَّمَ أَيْضًا. (وَصِفَةُ الْمَحْضَرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَضَرَ الْقَاضِيَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ اهْتِمَامًا وَتَعْظِيمًا (فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ) وَيَذْكُرُ مَا يُمَيِّزُهُ (قَاضِيَ عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامِ) عَلَى مَدِينَةِ كَذَا، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي نَائِبًا كَتَبَ خَلِيفَةَ الْقَاضِي فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامِ عَلَى كَذَا (فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا مُدَّعٍ) هُوَ فَاعِلُ حَضَرَ (عِنْدَهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ) وَيَذْكُرُ مَا يُمَيِّزُهُ (وَأَحْضَرَ مَعَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 545 مُدَّعًى عَلَيْهِ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ) وَيَذْكُرُ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا (وَلَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْحَدِّ بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ (وَالْأَوْلَى ذِكْرُ حِلْيَتِهِمَا) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إنْ جَهِلَهُمَا) فَيُكْتَبُ أَبْيَضُ أَوْ أَسْوَدُ، أَوْ أَنْزَعُ أَوْ أَغَمُّ أَوْ أَشْهَلُ أَوْ أَكْحَلُ، أَوْ أَقْنَى الْأَنْفِ أَوْ أَفْطَسُ، دَقِيقُ الشَّفَتَيْنِ أَوْ غَلِيظُهُمَا، طَوِيلٌ أَوْ قَصِيرٌ أَوْ رَبْعَةٌ وَنَحْوُ هَذَا التَّمْيِيزِ، وَلَا يَقَعُ اسْمٌ عَلَى اسْمٍ احْتِيَاطًا خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَكَثْرَةِ الْحِيَلِ وَالتَّوَسُّلِ إلَى الْبَاطِلِ فَإِنْ لَمْ يَجْهَلْهُمَا الْقَاضِي كَتَبَ فُلَانًا وَفُلَانًا وَنَسَبَهُمَا، وَإِنْ جَهِلَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَتَبَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يُنَاسِبُهُ (فَادَّعَى عَلَيْهِ بِكَذَا فَأَقَرَّ لَهُ أَوْ فَأَنْكَرَ، فَقَالَ) الْقَاضِي (لِلْمُدَّعِي: أَلَك بَيِّنَةٌ قَالَ: نَعَمْ فَسَأُحْضِرُهَا وَسَأَلَهُ) ؛ أَيْ: سَأَلَ الْمُدَّعِي الْحَاكِمُ (سَمَاعَهَا فَفَعَلَ أَوْ فَأَنْكَرَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَلَا بَيِّنَةَ) لِلْمُدَّعِي (وَسَأَلَ) الْمُدَّعِي (تَحْلِيفَهُ، فَحَلَّفَهُ، وَإِنْ نَكَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ عَنْ الْجَوَابِ (ذَكَّرَهُ، وَأَنَّهُ حَكَمَ بِنُكُولِهِ وَسَأَلَهُ) الْمُدَّعِي (كِتَابَةَ مَحْضَرٍ) بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا (فَأَجَابَهُ) الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ، وَجَرَى ذَلِكَ (فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا، وَيُعْلِمُ) الْقَاضِي (فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَالْإِحْلَافِ) عَلَى رَأْسِ الْمَحْضَرِ (جَرَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُعْلِمُ فِي شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَتَضَمَّنُ كُلَّ مَا هُوَ مِنْ مُقَدَّمَاتِهَا مِنْ الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ يُقَالُ عَادَةُ بَلَدِهِ أَوْلَى لِسُهُولَةِ فَهْمِ مَعْنَاهَا (وَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَمْ يَحْتَجْ) أَنْ يُقَالَ (أَقَرَّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ) لِأَنَّ الِاعْتِرَافَ يَصِحُّ مِنْهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَإِنْ كَتَبَ وَإِنَّهُ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ شَاهِدَانِ كَانَ آكَدَ. (وَأَمَّا السِّجِلُّ) بِكَسْرِ السِّينِ وَالْجِيمِ قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " الْكِتَابُ الْكَبِيرُ (فَهُوَ لِإِنْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالْحُكْمِ بِهِ) هَذَا بَيَانُ مَعْنَاهُ (وَصِفَتُهُ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (هَذَا مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ كَمَا تَقَدَّمَ) أَوَّلَ الْمَحْضَرِ (مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الشُّهُودِ. أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 546 وَقَدْ عَرَفَهُمَا بِمَا رَأَى مَعَهُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمَا بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ، وَيَذْكُرُهُمَا إنْ كَانَا مَعْرُوفَيْنِ، وَإِلَّا قَالَ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ جَازَ حُضُورُهُمَا وَسَمَاعُ الدَّعْوَى مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَعْرِفَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ) مَعْرِفَةُ بِالرَّفْعِ فَاعِلُ ثَبَتَ عِنْدَهُ (وَيَذْكُرُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَصْلٌ (وَإِقْرَارُهُ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ فُلَانٍ وَالتَّقْدِيرُ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَعْرِفَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَإِقْرَارُهُ، وَيَصِحُّ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ أَيْ: وَيَذْكُرُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَإِقْرَارَهُ (طَوْعًا فِي صِحَّةٍ مِنْهُ وَجَوَازِ أَمْرٍ) لِيَخْرُجَ الْمُكْرَهُ وَنَحْوُهُ (بِجَمِيعِ مَا سُمِّيَ وَوُصِفَ بِهِ فِي كِتَابٍ نُسْخَتُهُ كَذَا، وَيَنْسَخُ الْكِتَابَ الْمُثْبَتَ وَالْمَحْضَرَ جَمِيعَهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ نُسْخَةٍ قَالَ: وَإِنَّ الْقَاضِيَ أَمْضَاهُ وَحَكَمَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي مِثْلِهِ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ ذَلِكَ وَسَأَلَ الْإِشْهَادَ بِهِ الْخَصْمُ الْمُدَّعِي، وَيَنْسِبُهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ خَصْمُهُ) الْحَاضِرُ مَعَهُ (بِحُجَّةٍ وَجَعَلَ) الْقَاضِي (كُلَّ ذِي حُجَّةٍ) فِي ذَلِكَ (عَلَى حُجَّتِهِ، وَأَشْهَدَ الْقَاضِي فُلَانٌ عَلَى إنْفَاذِهِ وَحُكْمِهِ وَإِمْضَائِهِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الشُّهُودِ فِي مَجْلِسٍ فِي الْيَوْمِ الْمُؤَرَّخِ أَعْلَاهُ، وَأَمَرَ بِكَتْبِ هَذَا السِّجِلِّ نُسْخَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ) لِأَنَّهُمَا الَّتِي تَقُومُ إحْدَاهُمَا مَقَامَ الْأُخْرَى (نُسْخَةً) مِنْهُمَا تَخْلُدُ (بِدِيوَانِ الْحُكْمِ، وَنُسْخَةً يَأْخُذُهَا مَنْ كَتَبَهَا لَهُ) لِتَكُونَ كُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ، وَثِيقَةً بِمَا أَنْفَذَهُ، وَيَكْتُبُ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا نُسْخَةٌ أُخْرَى، وَهَذَا كُلُّهُ اصْطِلَاحُ نُسَخٍ (وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ) فِي السِّجِلِّ (بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ جَازَ ذَلِكَ؛ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ) شَرْطُهُ (وَيَضُمُّ) الْقَاضِي وَالشَّاهِدُ (مَا اجْتَمَعَ مِنْ مَحْضَرٍ وَسِجِلٍّ، وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُجْتَمِعِ (مَحَاضِرُ كَذَا مِنْ وَقْتِ كَذَا) لِسُهُولَةِ الْكَشْفِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ. وَصِفَةُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبَبُ هَذِهِ الْمُكَاتَبَةِ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَ مَنْ تَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي فِي مَجْلِسِ حُكْمِي وَقَضَائِي الَّذِي أَتَوَلَّاهُ فِي مَكَانِ كَذَا، وَإِنْ كَانَ نَائِبًا ذَكَرَ الَّذِي أُنِيبَ فِيهِ عَنْ الْقَاضِي فُلَانٍ بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 547 جَازَ اسْتِمَاعُ الدَّعْوَى مِنْهُمَا، وَقَبُولُ الْبَيِّنَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَهُمَا مِنْ الشُّهُودِ الْمُعَدَّلِينَ عِنْدِي، عَرَفْتُهُمَا وَقَبِلْتُ شَهَادَتَهُمَا بِمَا رَأَيْتُ مَعَهُ قَبُولَهَا مَعْرِفَةَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ بِعَيْنِهِ وَنَسَبِهِ وَاسْمِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي إثْبَاتِ أَسْرِ أَسِيرٍ قَالَ: وَإِنَّ الْفِرِنْجَ خَذَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَسَرُوهُ مِنْ مَكَانِ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا، وَحَمَلُوهُ إلَى مَكَان فِي كَذَا، وَهُوَ مُقِيمٌ تَحْتَ حَوْطَتِهِمْ، وَأَنَّهُ فَقِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا لَا يَقْدِرُ عَلَى فِكَاكِ نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ عَلَى مَا يَقْتَضِيه كِتَابُ الْمَحْضَرِ الْمُتَّصِلِ أَوَّلُهُ بِآخِرِ كِتَابِي الْمُؤَرَّخِ بِكَذَا، وَإِنْ كَانَ فِي إثْبَاتِ دَيْنٍ قَالَ وَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ فِي ذِمَّةِ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَيَرْفَعُ فِي نَسَبِهِ وَيَضَعُهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ الْمَدِينِ كَذَا وَكَذَا دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ حَالًّا، وَحَقًّا وَاجِبًا لَازِمًا، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ وَاسْتِيفَاءَهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي إثْبَاتِ عَيْنٍ كَتَبَ وَأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِ فُلَانٍ مِنْ الشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ، وَيَصِفُهُ بِصِفَةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا مُسْتَحَقٌّ لِأَخْذِهِ وَتَسْلِيمٍ عَلَى مَا يَقْتَضِيه كِتَابُ الْمَحْضَرِ الْمُتَّصِلِ بِآخِرِ كِتَابِي هَذَا الْمُؤَرَّخِ بِتَارِيخِ كَذَا، وَقَالَ الشَّاهِدَانِ الْمَذْكُورَانِ إنَّهُمَا عَالِمَانِ بِمَا شَهِدَا بِهِ وَلَهُ مُحَقِّقَانِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ خِلَافَ مَا شَهِدَا بِهِ إلَى حِينِ أَقَامَا الشَّهَادَةَ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ، فَأَمْضَيْتُ مَا ثَبَتَ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ، وَحَكَمْتُ بِمُوجَبِهِ بِسُؤَالِ مَنْ جَازَ مَسْأَلَتُهُ، أَوْ سَأَلَنِي مَنْ جَازَ سُؤَالُهُ، وَشَرَعَتْ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ إجَابَتَهُ الْمُكَاتَبَةَ إلَى الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ، فَأَجَبْتُهُ إلَى مَا الْتَمَسَهُ لِجَوَازِهِ شَرْعًا، وَتَقَدَّمْتُ بِهَذَا فَكَتَبَ وَبِإِلْصَاقِهِ الْمَحْضَرَ الْمُشَارَ إلَيْهِ فَأُلْصِقَ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَتَأَمَّلَ مَا ذَكَرْتُهُ؛ وَتَصَفَّحَ مَا سَطَرْتُهُ، وَاعْتَمَدَ فِي إنْفَاذِهِ وَالْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ مَا يُوجِبُهُ الشَّرْعُ الْمُطَهَّرُ؛ أَحْرَزَ مِنْ الْأَجْرِ أَجْزَلَهُ، وَكَتَبَ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ الْمَحْرُوسِ مِنْ مَكَانِ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا. وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الْقَاضِي اسْمَهُ فِي الْعِنْوَانِ وَلَا ذِكْرَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فِي بَاطِنِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ فِيهِ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبِ بِالْحُكْمِ، وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ، وَلَوْ ضَاعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 548 الْكِتَابُ وَانْمَحَى سُمِعَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَحُكِمَ بِهَا. [بَابُ الْقِسْمَةِ] (بَابُ الْقِسْمَةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ اسْمُ مَصْدَرِ قَسَمَ يَقْسِمُ قِسْمًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقِسْمُ مَصْدَرُ قَسَمْتُ الشَّيْءَ فَانْقَسَمَ، وَقَاسَمَهُ الْمَالَ وَتَقَاسَمَاهُ وَقَسَمَاهُ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: تَعْدِيلٌ وَرَدٌّ وَإِفْرَازٌ. فَقِسْمَةُ التَّعْدِيلِ هِيَ أَنْ يَحْضُرَ مُقَوِّمَانِ يُقَوِّمَانِ الْأَعْيَانَ كُلَّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ، وَيَدْفَعُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَعْيَانًا بِقَدْرِ مَالِهِ بِالْقِيمَةِ. وَقِسْمَةُ الرَّدِّ هِيَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عَبْدَانِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا سِتُّمِائَةٍ وَالْآخَرِ سَبْعُمِائَةٍ فَيَرُدُّ خَمْسِينَ. وَقِسْمَةُ الْإِفْرَازِ مَا أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (تَمْيِيزُ بَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ عَنْ بَعْضٍ، وَإِفْرَازُهَا مِنْهَا) وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] الْآيَةُ. وَقَوْلِهِ: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] وَحَدِيثِ: «إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» . «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَقَسَّمَ خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا» ، وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ لِيَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِهِ، وَيَتَخَلَّصَ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَكَثْرَةِ الْأَيْدِي، وَذُكِرَتْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ مِنْهَا مَا يَقَعُ بِإِجْبَارِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ، وَيُقَاسِمُ بِنَصِيبِهِ. (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الْقِسْمَةُ (نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا قِسْمَةُ تَرَاضٍ) بِأَنْ يَتَّفِقَ عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 549 جَمِيعُ الشُّرَكَاءِ (وَهِيَ مَا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا بِضَرَرٍ كَنَقْصِ الْقِيمَةِ بِهَا) ؛ أَيْ: الْقِسْمَةِ (أَوْ رَدِّ عِوَضٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (كَحَمَّامٍ وَدُورٍ صِغَارٍ وَشَجَرٍ مُفْرَدٍ وَأَرْضٍ بِبَعْضِهَا بِئْرٌ أَوْ بِنَاءٌ أَوْ مَعْدِنٌ وَلَا تَتَعَدَّلُ) ؛ أَيْ: بِجَعْلِهَا (أَجْزَاءَ وَلَا قِيمَةً فَتَحْرُمُ إلَّا بِرِضَى الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ أَوْ رِضَى وَلِيِّ) غَيْرِ مُكَلَّفٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إمَّا ضَرَرٌ أَوْ رَدُّ عِوَضٍ، وَكِلَاهُمَا لَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ. (وَحُكْمُهَا) أَيْ: الْقِسْمَةِ (كَبَيْعٍ يَجُوزُ فِيهَا مَا يَجُوزُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْبَيْعِ (مِنْ رَدٍّ بِعَيْبٍ وَخِيَارِ مَجْلِسٍ وَخِيَارِ شَرْطٍ وَغَبْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ أَنْوَاعِ الْخِيَارِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بَيْعًا لِبَذْلِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ عِوَضًا عَمَّا حَصَلَ لَهُ مِنْ حَقِّ شَرِيكِهِ، وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ. قَالَ الْمَجْدُ: الَّذِي تَحَرَّرَ عِنْدِي فِي مَا فِيهِ رَدٌّ أَنَّهُ بَيْعٌ فِيمَا يُقَابِلُ الرَّدَّ، وَإِفْرَازٌ فِي الْبَاقِي انْتَهَى. فَلَا يَفْعَلُهَا الْوَلِيُّ إلَّا إنْ رَآهَا مَصْلَحَةً، وَإِلَّا فَلَا كَبَيْعِ عَقَارِ مُوَلِّيهِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِنَاءٌ أَعْلَى وَبِنَاءٌ أَدْنَى (فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا آخُذُ الْأَدْنَى) ؛ أَيْ: الْأَسْفَلَ (وَيَبْقَى لِي فِي الْأَعْلَى تَتِمَّةُ حِصَّتِي؛ فَلَا إجْبَارَ) لِشَرِيكِهِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّ شَرِيكِهِ مِنْ الْأَدْنَى بِغَيْرِ رِضَاهُ. (وَمَنْ دَعَا شَرِيكَهُ فِيهَا) ؛ أَيْ: قِسْمَةِ التَّرَاضِي (إلَى بَيْعٍ أُجْبِرَ) عَلَى الْبَيْعِ مَعَهُ (فَإِنْ أَبَى) ؛ أَيْ: امْتَنَعَ شَرِيكُهُ مِنْ بَيْعٍ مَعَهُ (بِيعَ) ؛ أَيْ: بَاعَهُ حَاكِمٌ (عَلَيْهِمَا، وَقَسَمَ الثَّمَنَ) بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا نَصًّا. (وَكَذَا لَوْ طَلَبَ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (الْإِجَارَةُ) ؛ أَيْ: أَنْ يُؤَجِّرَ شَرِيكُهُ مَعَهُ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي؛ فَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ، وَلَوْ شَرِيكًا فِي وَقْفٍ، فَإِنْ أَبَى أَجَّرَهُ حَاكِمٌ عَلَيْهِمَا، وَقَسَمَ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا، وَالضَّرَرُ الْمَانِعُ مِنْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ نَقْصُ الْقِيمَةِ بِهَا سَوَاءٌ انْتَفَعُوا بِهِ مَقْسُومًا أَوْ لَا إذْ نَقْصُ قِيمَتِهِ ضَرَرٌ، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا (وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ (بِالضَّرَرِ كَرَبِّ ثُلُثٍ مَعَ رَبِّ ثُلُثَيْنِ) وَتَضَرَّرَ بِهَا رَبُّ الثُّلُثِ وَحْدَهُ، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ، فَلَا إجْبَارَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 550 كَمَا لَوْ تَضَرَّرَا وَلَوْ طَلَبَهَا الْمُتَضَرِّرُ - لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَلِأَنَّ طَلَبَهَا مِنْ الْمُتَضَرِّرِ سَفَهٌ؛ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ. (وَمَا تَلَاصَقَ مِنْ دُورٍ) مُشْتَرَكَةٍ وَعَضَائِدَ (جَمْعُ عِضَادَةٍ) ، وَهِيَ: مَا يُصْنَعُ لِجَرَيَانِ الْمَاءِ فِيهِ مِنْ السَّوَّاقِي ذَوَاتِ الْكَتِفَيْنِ، وَمِنْهُ عِضَادَتَا الْبَابِ، وَهُمَا جَنْبَاهُ مِنْ جَنْبِهِ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَفِي " الْإِقْنَاعِ " هِيَ الدَّكَاكِينُ اللِّطَافُ الضَّيِّقَةُ (وَأَقْرِحَةٍ وَهِيَ الْأَرَاضِي الَّتِي لَا مَاءَ فِيهَا وَلَا شَجَرَ، فَكَمُتَفَرِّقٍ، فَيُعْتَبَرُ الضَّرَرُ وَعَدَمُهُ فِي كُلِّ عَيْنٍ مِنْهُ عَلَى انْفِرَادِهَا) لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ، كُلُّ عَيْنٍ مِنْهَا تَخْتَصُّ بِاسْمٍ وَصُورَةٍ، وَلَوْ أُبِيعَتْ إحْدَاهَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِمَالِكِ الْأُخْرَى. (وَمَنْ بَيْنَهُمَا نَحْوُ عَبِيدٍ أَوْ بَهَائِمَ وَثِيَابٍ مِنْ جِنْسٍ) ؛ أَيْ: نَوْعٍ وَاحِدٍ كَأَنْ تَكُونَ الْعَبِيدُ كُلُّهُمْ نُوبَةً أَوْ حَبَشًا وَنَحْوَهُ، وَالْبَهَائِمُ كُلُّهَا إبِلًا أَوْ بَقَرًا وَنَحْوَهُ، وَالثِّيَابُ كُلُّهَا مِنْ كَتَّانٍ وَنَحْوِهِ، وَالْأَوَانِي كُلُّهَا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ زُجَاجٍ وَنَحْوِهِ (فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا (قَسْمَهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ بِأَنْ تُعَدَّلَ بِهَا) وَأَبَى شَرِيكُهُ (أُجْبِرَ مُمْتَنِعٌ إنْ تَسَاوَتْ الْقِيَمُ) لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» وَهَذِهِ قِسْمَةٌ لَهُمْ وَلِأَنَّهَا أَعْيَانٌ أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا رَدِّ عِوَضٍ؛ أَشْبَهَتْ الْأَرْضَ (وَإِلَّا) تَكُنْ مُتَسَاوِيَةً (فَلَا، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ) بِأَنْ كَانَ بَعْضُ الثِّيَابِ قُطْنًا وَبَعْضُهَا كَتَّانًا وَنَحْوَهُ. (وَلَوْ أَوْصَى إنْسَانٌ بِخَاتَمِهِ لِشَخْصٍ، وَأَوْصَى لِآخَرَ بِفَصِّهِ فَأَيُّهُمَا طَلَبَ قَلْعَ الْفَصِّ أُجِيبَ، وَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، وَآجُرٌّ) مُبْتَدَأٌ وَهُوَ اللَّبِنُ الْمَشْوِيُّ (لَبِنٌ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ غَيْرُ الْمَشْوِيِّ (مُتَسَاوِي الْقَوَالِبِ) كُبْرًا وَصِغَرًا (مِنْ قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ) خَيْرٌ لِلتَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ (وَ) آجُرٌّ وَلَبِنٌ (مُتَفَاوِتُهَا) ؛ أَيْ: الْقَوَالِبِ (مِنْ قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ) بِالْقِيمَةِ (وَمَنْ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ أَوْ بَيْنَهُمَا عَرْصَةُ حَائِطٍ وَهِيَ الَّتِي) كَانَ بِهَا حَائِطٌ وَصَارَتْ (لَا بِنَاءَ فِيهَا، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا) ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 551 أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ (قَسْمُهُ) ؛ أَيْ: الْحَائِطِ أَوْ عَرْصَتِهِ، وَلَوْ طَلَبَ الْقَسْمَ (طُولًا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ) بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْحَائِطِ قِطْعَةٌ مِنْ أَسْفَلِهَا، إلَى أَعْلَاهَا فِي كَمَالِ عَرْضِ الْحَائِطِ، وَأَبَى شَرِيكُهُ الْقِسْمَةَ؛ لَمْ يُجْبَرْ، أَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ (الْعَرْضِ عَرْضًا، وَلَوْ وَسِعَتْ حَائِطَيْنِ) وَأَبَى شَرِيكُهُ (لَمْ يُجْبَرْ مُمْتَنِعٌ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَائِطُ مَبْنِيًّا لَمْ يُمْكِنْ قَسْمُهُ عَرْضًا فِي كَمَالِ طُولِهِ بِدُونِ نَقْصِهِ لِيَنْفَصِلَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يَجُوزُ الْإِجْبَارُ عَلَيْهِ، وَلَا طُولًا فِي تَمَامِ الْعَرْضِ لِأَنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْ الْحَائِطِ يُنْتَفَعُ بِهَا عَلَى حِدَتِهَا، وَالنَّفْعُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ؛ فَلَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى تَرْكِ انْتِفَاعِهِ بِمَكَانِ الْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ؛ فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِجَمِيعِهَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَبْنِيٍّ فَهُوَ يُرَادُ لِذَلِكَ كَالْمُبَيَّنِ (كَمَنْ بَيْنَهُمَا دَارٌ بِهَا عُلُوٌّ وَسُفْلٌ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ (جَعْلَ السُّفْلِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَعْلَ الْعُلُوِّ لِآخَرَ) وَامْتَنَعَ شَرِيكُهُ؛ فَلَا إجْبَارَ؛ لِاخْتِلَافِ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ فِي الِانْتِفَاعِ وَالِاسْمِ، وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِوَاحِدٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا فَلَا شُفْعَةَ لِلْآخَرِ، كَدَارَيْنِ مُتَلَاصِقَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا جَعْلَ كُلِّ دَارٍ لِوَاحِدٍ، وَأَبَى الْآخَرُ، وَلِأَنَّهُ نَقَلَ حَقَّهُ مِنْ عَيْنٍ إلَى أُخْرَى بِغَيْرِ رِضَى شَرِيكِهِ، أَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا (قَسْمَ سُفْلٍ لَا) قَسْمَ (عُلُوٍّ أَوْ عَكْسَهُ) بِأَنْ طَلَبَ قَسْمَ عُلُوٍّ لَا سُفْلٍ أَوْ طَلَبَ قَسْمَ (كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ (عَلَى حِدَةٍ) وَأَبَى الْآخَرُ؛ فَلَا إجْبَارَ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ طَلَبَ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (قَسْمَهُمَا) ؛ أَيْ: السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ (مَعًا، وَلَا ضَرَرَ) وَلَا رَدَّ عِوَضٍ (وَجَبَ) الْقَسْمُ، وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ مُمْتَنِعٌ (وَعُدِّلَ) الْقَسْمُ فِي ذَلِكَ (بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَلَا يُجْعَلُ ذِرَاعُ سُفْلٍ بِذِرَاعِ عُلُوٍّ وَعَكْسِهِ وَ (لَا ذِرَاعٌ) مِنْ سُفْلٍ (بِذِرَاعٍ) مِنْ عُلُوٍّ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا. (وَلَا إجْبَارَ فِي قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ) بِأَنْ يَنْتَفِعَ أَحَدُهُمَا بِمَكَانٍ وَالْآخَرُ بِآخَرَ، أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَنْتَفِعُ شَهْرًا وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالزَّمَانِ يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَلَا تَسْوِيَةَ؛ لِتَأَخُّرِ حَقِّ الْآخَرِ (وَإِنْ اقْتَسَمَاهَا) ؛ أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 552 الْمَنَافِعَ (بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان صَحَّ ذَلِكَ جَائِزًا) غَيْرَ لَازِمٍ، سَوَاءٌ عَيَّنَ مُدَّةً أَوْ لَا كَالْعَارِيَّةِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ (فَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ نَوْبَتِهِ؛ غَرِمَ مَا انْفَرَدَ بِهِ) ؛ أَيْ: أُجْرَةَ مِثْلِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مُدَّةَ انْتِفَاعِهِ (وَنَفَقَةُ الْحَيَوَانِ) إذَا تَهَايَأَهُ الشَّرِيكَانِ (مُدَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: زَمَنَ نَوْبَتِهِ فِي الْمُهَايَأَةِ عَلَيْهِ، لِتَرَاضِيهِمَا بِالْمُهَايَأَةِ، فَإِذَا تَهَايَآ عَبْدًا أَوْ نَحْوَهُ اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِمَنْفَعَتِهِ وَكَسْبِهِ فِي مُدَّتِهِ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُ الْقَسِيمَةِ، لَكِنْ لَا يَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ الْكَسْبُ النَّادِرُ فِي وَجْهٍ كَاللُّقَطَةِ وَالْهِبَةِ وَالرِّكَازِ إذَا وَجَدَهُ الْعَبْدُ؛ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ هُوَ فِي نَوْبَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ نَفَقَةُ إصْلَاحِ (الْعَقَارِ) فِي مُدَّةِ الْمُهَايَأَةِ عَلَى مُسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةِ إذْ ذَاكَ، بَلْ تَكُونُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْحَيَوَانُ) الْمُتَهَايَأُ عَلَيْهِ (يَضْمَنُ) ؛ أَيْ: يَضْمَنُهُ مَنْ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ فِي مُدَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَارِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا فِي صُوَرٍ مَذْكُورَةٍ كَذَا قَالَ فِي الشَّرْحِ وَ " الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: فَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا يَسْتَوْفِيه شَرِيكُهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ لَا الْعَارِيَّةِ انْتَهَى. [تَتِمَّةٌ تَهَايَآ فِي الْحَيَوَانِ اللَّبُونِ لِيَحْتَلِبَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ تَهَايَآ فِي الْحَيَوَانِ اللَّبُونِ لِيَحْتَلِبَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا؛ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ تَهَايَآ فِي الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ لِتَكُونَ ثَمَرَتُهَا لِهَذَا عَامًا وَلِهَذَا عَامًا؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاوُتِ الظَّاهِرِ، لَكِنَّ طَرِيقَهُ أَنْ يُبِيحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تَكُونُ بِيَدِهِ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمِنْحَةِ وَالْإِبَاحَةِ لَا الْقِسْمَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 553 (وَمَنْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ مَزْرُوعَةٌ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا دُونَ زَرْعٍ) وَأَبَى الْآخَرُ؛ أُجْبِرَ، وَ (قُسِّمَتْ كَخَالِيَةٍ) مِنْ الزَّرْعِ؛ إذْ الزَّرْعُ فِيهَا كَالْقُمَاشِ فِي الدَّارِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّرْعُ بَذْرًا أَوْ قَصِيلًا أَوْ مُشْتَدَّ الْحَبِّ، وَإِنْ طَلَبَ الْأَرْضَ (مَعَهُ) أَيْ: الزَّرْعِ، أَوْ طَلَبَ قَسْمَ (الزَّرْعِ دُونَهَا) ؛ أَيْ: الْأَرْضِ (لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الزَّرْعَ مُودَعٌ فِي الْأَرْضِ لِلنَّقْلِ عَنْهَا؛ فَلَا يُقْسَمُ مَعَهَا كَالْقُمَاشِ فِي الدَّارِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ تَعْدِيلَ الزَّرْعِ فِي السِّهَامِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ مِنْهُ الْجَيِّدَ وَالرَّدِيءَ، فَإِذَا أُرِيدَتْ قِسْمَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ جَعْلِ الْكَثِيرِ مِنْ الرَّدِيءِ فِي مُقَابِلَةِ الْقَلِيلِ مِنْ الْجَيِّدِ، فَصَاحِبُ الرَّدِيءِ يَنْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ؛ لِوُجُوبِ بَقَاءِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ إلَى حَصَادِهِ (فَإِنْ تَرَاضَيَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَانِ (عَلَى أَحَدِهِمَا؛ أَيْ: قَسْمِ الزَّرْعِ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ قَسْمِهِ هُوَ) ؛ أَيْ: الزَّرْعِ (فَقَطْ، وَهُوَ) قَصِيلٌ (أَخْضَرُ) لَمْ يَشْتَدَّ حَبُّهُ، أَوْ كَانَ الزَّرْعُ قُطْنًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَلَا مَحْذُورَ، لِجَوَازِ التَّفَاضُلِ إذَنْ وَالْمُرَادُ بِالْقُطْنِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَالٍ يَكُونُ فِيهَا مَوْزُونًا، وَإِلَّا فَكَالْحَبِّ الْمُشْتَدِّ (وَإِنْ كَانَ) الزَّرْعُ (بَذْرًا أَوْ سُنْبُلًا مُشْتَدًّا بِحَبٍّ فَلَا) يَجُوزُ لَهُمَا ذَلِكَ (لِلرِّبَا) الْحَاصِلِ فِي بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ حَبٍّ بِحَبٍّ مِنْ جِنْسِهِ مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي، وَهُوَ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ: (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (نَهْرٌ أَوْ قَنَاةٌ أَوْ عَيْنٌ فَالنَّفَقَةُ) عَلَى ذَلِكَ (لِحَاجَةٍ) إلَيْهَا (بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا) كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) الْحُكْمُ فِي اشْتَرَاك اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي اسْتِخْرَاجِ مَاءٍ فَعَمِلَا أَوْ عَمِلُوا فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ خَرَجَ (الْمَاءُ) فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوِيَّةِ؛ لِاقْتِضَاءِ الشَّرِكَةِ ذَلِكَ (فَإِنْ عَمِلَ الْبَعْضُ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ (أَوْ أَنْفَقَ) فِي الِاسْتِخْرَاجِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، (وَ) كَانَ قَدْ (شَرَطَ) لَهُ شَرِيكُهُ أَوْ شُرَكَاؤُهُ (كَثْرَةَ مَاءٍ) (ف) الشَّرْطُ صَحِيحٌ لَازِمٌ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ يُخْرَجُ " بَيْنَهُمَا " أَوْ بَيْنَهُمْ (عَلَى مَا شَرَطَا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 554 أَوْ شَرَطُوا (عِنْدَ الِاسْتِخْرَاجِ) ؛ أَيْ: اسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَلِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ مُبَاحٌ، فَيُتَّبَعُ فِيهِ الشَّرْطُ كَالِاشْتِرَاطِ فِي الِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ وَالنَّفَقَةُ سَوَاءً لَمْ يَصِحَّ شَرْطُ التَّفَاضُلِ بِالْمَاءِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَهَا قِسْمَتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَاءِ (بِمُهَايَأَةٍ بِزَمَنٍ) كَشَهْرٍ لِلتَّسَاوِي غَالِبًا فِي الْعَادَةِ، أَوْ قِسْمَتُهُ (بِنَصْبِ خَشَبَةٍ أَوْ نَصْبِ حَجَرٍ مُسْتَوْفِي مُصْطَدَمِ الْمَاءِ فِيهِ) أَيْ: الْمَنْصُوبِ (ثُقْبَانِ بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا) لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا كَقَسْمِ الْأَرَاضِي بِالتَّعْدِيلِ، وَلِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (سَقْيُ أَرْضٍ لَا شِرْبٌ) بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ؛ أَيْ: نَصِيبٌ مِنْ الْمَاءِ (لَهَا مِنْهُ بِنَصِيبِهِ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَيَفْعَلُ بِهِ مَا يَشَاءُ. النَّوْعُ (الثَّانِي) مِنْ نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ (قِسْمَةُ إجْبَارٍ، وَهِيَ مَا لَا ضَرَرَ فِيهَا) عَلَى أَحَدِ الشُّرَكَاءِ (وَلَا رَدَّ عِوَضٍ) مِنْ وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِهِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِإِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهَا إذَا كَمُلَتْ شُرُوطُهُ (فَيُجْبَرُ شَرِيكٌ أَوْ وَلِيُّهُ) إنْ كَانَ الشَّرِيكُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ وَلِيُّهُ حَاكِمَا بِطَلَبِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ أَوْ وَلِيِّهِ (وَيَقْسِمُ حَاكِمٌ عَلَى غَائِبٍ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكِ وَوَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَيْهِ، فَجَازَ الْحُكْمُ بِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (بِطَلَبِ شَرِيكٍ أَوْ وَلِيِّهِ) إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ (قَسْمَ مُشْتَرَكٍ) مَفْعُولُ طَلَبَ (مِنْ مَكِيلِ جِنْسٍ) كَحُبُوبٍ وَمَائِعٍ وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَلَوْزٍ وَفُسْتُقٍ وَبُنْدُقٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْ الثِّمَارِ، وَكَذَا أُشْنَانُ وَنَحْوُهُ (أَوْ مَوْزُونِهِ) ؛ أَيْ: الْجِنْسِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَنَحْوِهِ (وَلَبَنٍ وَخَلِّ عِنَبٍ وَمِنْ قَرْيَةٍ وَدَارٍ كَبِيرَةٍ وَدُكَّانٍ وَأَرْضٍ وَاسِعَتَيْنِ وَبَسَاتِينَ وَلَوْ لَمْ تَتَسَاوَ أَجْزَاؤُهَا إذَا أَمْكَنَ قَسْمُهَا بِالتَّعْدِيلِ بِأَنْ لَا يُجْعَلَ مَعَهَا شَيْءٌ) وَيُشْتَرَطُ لِإِجْبَارِ الْحَاكِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: ثُبُوتُ مِلْكِ الشُّرَكَاءِ، وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَثُبُوتُ أَنْ لَا ضَرَرَ فِيهَا وَثُبُوتُ إمْكَانِ تَعْدِيلِ السِّهَامِ فِي الْمَقْسُومِ بِلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 555 شَيْءٍ يُجْعَلُ مَعَهَا، وَإِلَّا فَلَا إجْبَارَ لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ اجْتَمَعَتْ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ لِتَضَمُّنِهَا إزَالَةَ ضَرَرِ الشَّرِيكِ وَحُصُولَ النَّفْعِ لِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلٍّ مِنْهُمَا إذَا تَمَيَّزَ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِحَسَبِ اخْتِيَارِهِ، وَأَنْ يَغْرِسَ وَيَسْقِيَ وَيَجْعَلَ سَاقِيَةً، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ مَعَ الِاشْتِرَاكِ. (وَمَنْ دَعَا شَرِيكَهُ فِي بُسْتَانٍ إلَى قَسْمِ شَجَرِهِ فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ أَرْضِهِ (لَمْ يُجْبَرْ) شَرِيكُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ الْمَغْرُوسَ تَابِعٌ لِأَرْضِهِ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ فِيهِ شُفْعَةٌ إذَا بِيعَ بِدُونِ أَرْضِهِ، وَإِنْ دَعَا شَرِيكَهُ فِي بُسْتَانٍ (إلَى قَسْمِ أَرْضِهِ أُجْبِرَ، وَدَخَلَ شَجَرٌ) فِي الْقِسْمَةِ (لَا زَرْعٌ تَبَعًا) لِلْأَرْضِ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ. (وَمَنْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ فِي بَعْضِهَا نَخْلٌ وَفِي بَعْضِهَا شَجَرٌ غَيْرُهُ) ؛ أَيْ: النَّخْلِ كَالْمِشْمِشِ وَالْجَوْزِ أَوْ بَعْضُهَا (يَشْرَبُ سَيْحًا وَبَعْضُهَا) يَشْرَبُ بَعْلًا، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ، وَطَلَبَ الْآخَرُ قِسْمَتَهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ (قُدِّمَ مَنْ يَطْلُبُ قِسْمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ إنْ أَمْكَنَتْ تَسْوِيَةٌ فِي جَيِّدِهِ وَرَدِيئِهِ) لِأَنَّهُ قَرُبَ إلَى التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا فِي الْجَمِيعِ (وَإِلَّا) يُمْكِنْ التَّسْوِيَةُ فِي جَيِّدِهِ وَرَدِيئِهِ (قُسِّمَتْ أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ إنْ أَمْكَنَ التَّعْدِيلُ) بِالْقِيمَةِ، وَإِلَّا يُمْكِنْ التَّعْدِيلُ بِهَا (فَأَبَى أَحَدُهُمَا) الْقِسْمَةَ؛ لَمْ يُجْبَرْ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَعْدِيلِ السِّهَامِ الَّذِي هُوَ شَرْطُهَا (وَهَذَا النَّوْعُ) ؛ أَيْ: قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ إفْرَازُ حَقِّ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، يُقَالُ فَرَزْت الشَّيْءَ وَأَفْرَزْته إذَا عَزَلْته مِنْ الْفِرْزَةِ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ، فَكَأَنَّ الْإِفْرَازَ اقْتِطَاعُ حَقِّ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلَيْسَتْ بَيْعًا، لِأَنَّهَا تُخَالِفُهُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْأَسْبَابِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمْ تَصِحَّ بِغَيْرِ رِضَى الشَّرِيكَيْنِ، وَلَوَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ، وَلَمَا لَزِمَتْ بِالْقُرْعَةِ. (فَيَصِحُّ قَسْمُ لَحْمِ هَدْيٍ، وَلَحْمِ أَضَاحِيَّ، وَقَسْمُ مَكِيلٍ وَزْنًا) وَعَكْسُهُ كَقَسْمِ مَوْزُونٍ كَيْلًا (وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ بِالْمَجْلِسِ) مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 556 وَلَا يَصِحُّ قَسْمُ (رَطْبٍ مِنْ شَيْءٍ) رِبَوِيٍّ بِيَابِسِهِ كَأَنْ يَكُونَ بَيْنَ اثْنَيْنِ قَفِيزٌ رُطَبًا وَقَفِيزٌ تَمْرًا، وَرَطْلُ لَحْمٍ نِيءٍ وَرَطْلُ لَحْمٍ مَشْوِيٍّ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ أَوْ اللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ وَالْآخَرُ الرُّطَبَ أَوْ اللَّحْمَ النِّيءَ، لِوُجُودِ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ أَحَدِهِمَا تَقَعُ بَدَلًا عَنْ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ الْآخَرِ، فَيَفُوتُ التَّسَاوِي الْمُعْتَبَرُ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ. وَيَصِحُّ قَسْمُ (مُثْمِرٍ يُخْرَصُ) مِنْ تَمْرٍ وَعِنَبٍ وَزَبِيبٍ وَرُطَبٍ (خَرْصًا وَقَسْمُ مَرْهُونٍ) فَلَوْ رَهَنَ شَرِيكٌ سَهْمًا مَشَاعًا ثُمَّ قَاسَمَ شَرِيكَهُ صَحَّ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَاخْتَصَّ قَسْمُهُ بِالرَّهْنِ وَيَصِحُّ قَسْمُ (مَوْقُوفٍ) وَ (لَوْ) كَانَ مَوْثُوقًا " عَلَى جِهَةٍ " وَاحِدَةٍ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ؛ أَيْ: الْأَصْحَابِ. لَا فَرْقَ؛ أَيْ: بَيْنَ كَوْنِ الْوَقْفِ أَظْهَرَ وَفِي " الْمُبْهِجِ " لُزُومُهَا إذَا اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ، وَكَذَا إنْ تَهَايَئُوا (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: فَأَمَّا عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تُقْسَمُ عَيْنُهُ قِسْمَةً لَازِمَةً اتِّفَاقًا؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، لَكِنْ تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَجْهٌ لِلْأَصْحَابِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْهُمْ، وَاخْتَارَهُ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الْوَقْفِ إذَا كَانَ عَلَى جِهَةٍ فَأَكْثَرَ (بِلَا رَدِّ) عِوَضٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ الْعِوَضَ إنَّمَا يَرُدُّهُ مَنْ يَكُونُ نَصِيبُهُ فِي مُقَابَلَةِ الزَّائِدِ؛ فَهُوَ اعْتِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْوَقْفِ كَبَيْعِهِ. (وَ) يَصِحُّ قَسْمُ (مَا) ؛ أَيْ: مَكَانُ (بَعْضُهُ وَقْفٌ) وَبَعْضُهُ طِلْقٌ (بِلَا رَدِّ عِوَضٍ مِنْ رَبِّ الطِّلْقِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ، وَهُوَ لُغَةً الْحَلَالُ، وَسُمِّيَ الْمَمْلُوكُ طِلْقًا لِحِلِّ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَرَهْنٍ وَغَيْرِهَا، بِخِلَافِ الْوَقْفِ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ رَبِّ الطِّلْقِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ بِبَذْلِهِ لِأَخْذِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْوَقْفِ، وَبَيْعُهُ غَيْرُ جَائِزٍ (وَتَصِحُّ الْقِسْمَةُ إنْ تَرَاضَيَا) ؛ أَيْ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَرَبُّ الطِّلْقِ (بِرَدٍّ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ) لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بَعْضَ الطِّلْقِ، وَبَيْعُهُ جَائِزٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 557 (وَلَا يَحْنَثُ بِهَا) ؛ أَيْ: قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ (مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ) لِأَنَّهَا إفْرَازٌ لَا بَيْعٌ (وَمَتَى ظَهَرَ فِيهَا) ؛ أَيْ: قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ (غَبَنٌ فَاحِشٌ) بَطَلَتْ؛ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الْإِفْرَازِ. (وَلَا شُفْعَةَ فِي نَوْعَيْهَا) ؛ أَيْ: قِسْمَةِ التَّرَاضِي وَقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَثَبَتَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ؛ فَيَتَنَافَيَانِ (وَيَفْسَخَانِ بِعَيْبٍ) ظَهَرَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا (وَيَصِحُّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (أَنْ يَتَقَاسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا، وَأَنْ يُنَصِّبَا قَاسِمًا) بِأَنْفُسِهِمَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعُدُّوهُمَا، وَلَهُمَا (أَنْ يَسْأَلَا حَاكِمًا نَصْبَهُ) أَيْ: الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يَصْلُحُ لِلْقِسْمَةِ وَإِذَا سَأَلُوهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إجَابَتُهُمْ لِقَطْعِ النِّزَاعِ. (وَيُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ) ؛ أَيْ: الْقَاسِمِ إذَا نَصَبَهُ حَاكِمٌ، (وَ) : يُشْتَرَطُ (عَدَالَتُهُ) لِيُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي الْقِسْمَةِ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِهَا؛ أَيْ: بِالْقِسْمَةِ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَارِفِ لَا يُمْكِنُهُ تَعْدِيلُ السِّهَامِ، لَا حُرِّيَّتُهُ فَتَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ (زَادَ الْمُوَفَّقُ) وَالشَّارِحُ وَالزَّرْكَشِيُّ (عَارِفٌ بِالْحِسَابِ) لِأَنَّهَا كَالْخَطِّ لِلْكِتَابِ (فَلَا تَلْزَمُ قِسْمَةُ نَحْوِ كَافِرٍ) كَفَاسِقٍ وَجَاهِلٍ بِالْقِسْمَةِ (إلَّا بِرِضَاهُمْ) بِهَا كَمَا لَوْ اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ (وَيَتَحَرَّى الْقَاسِمُ الْعَدْلَ) ؛ أَيْ: يُعَدِّلُ السِّهَامَ بِالْأَجْزَاءِ إنْ تَسَاوَتْ كَالْمَائِعَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ، وَكَالْأَرْضِ الْمُتَسَاوِيَةِ جُودَةً أَوْ رَدَاءَةً (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ مَنْ قَسَّمَ شَيْئًا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَحَرَّى الْعَدْلَ. وَيَتَّبِعَ مَا هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) وَلَا يُحَابِي وَلَا يُدَاهِنُ، وَيَكْفِي قَاسِمٌ وَاحِدٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ كَالْحَاكِمِ وَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ مَعَ (تَقْوِيمٍ) فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى تَقْوِيمٍ فَلَا يَكْفِي التَّقْوِيمُ إلَّا بِقَاسِمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ، فَاعْتُبِرَ النِّصَابُ كَبَاقِي الشَّهَادَاتِ. (وَتُبَاحُ أُجْرَتُهُ) ؛ أَيْ: إعْطَاؤُهَا وَأَخْذُهَا؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ عَمَلٍ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ (وَتُسَمَّى) أُجْرَةَ الْقَاسِمِ (الْقُسَامَةُ بِضَمِّ الْقَافِ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيِّ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ: «إيَّاكُمْ وَالْقُسَامَةَ قِيلَ وَمَا الْقُسَامَةُ؟ قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 558 الشَّيْءُ يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَيُنْقَصُ مِنْهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِيمَنْ وَلِيَ أَمْرَ قَوْمٍ، وَكَانَ عَرِيفًا لَهُمْ أَوْ نَقِيبًا لَهُمْ، فَإِذَا قَسَّمَ بَيْنَهُمْ سِهَامَهُمْ أَمْسَكَ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ لِيَسْتَأْثِرَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا نَحْوَهُ. قَالَ فِيهِ الرَّجُلُ عَلَى الْقِيَامِ مِنْ النَّاسِ، فَيَأْخُذُ مِنْ حَظِّ هَذَا وَمِنْ حَظِّ هَذَا. الْقِيَامُ: الْجَمَاعَاتُ (وَهِيَ) ؛ أَيْ: أُجْرَةُ قَاسِمٍ عَلَى الشُّرَكَاءِ (بِقَدْرِ الْأَمْلَاكِ) نَصًّا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَلَوْ شَرَطَ خِلَافَهُ) فَالشَّرْطُ لَاغٍ، وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْجَمِيعِ سَوَاءٌ طَلَبُوا الْقِسْمَةَ أَوْ طَلَبَهَا أَحَدُهُمْ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ " مَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ. قَالَ فِي شَرْحِهِ: فَيُتَّبَعُ عَلَى مَا فِي " الْكَافِي " وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ (وَلَا يَنْفَرِدُ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بِاسْتِئْجَارِ) قَاسِمٍ؛ لِأَنَّ أُجْرَتَهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ (وَكَقَاسِمٍ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ حَافِظٍ وَشَاهِدٍ يُقَسِّمُ الْبِلَادَ وَنَحْوِهِ) كَوَكِيلٍ وَأَمِينٍ لِحِفْظِ الزَّرْعِ الَّذِي يُؤْخَذُ خَرَاجُهُ عَلَى مَالِكٍ وَفَلَّاحٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَعْنِي بِقَدْرِ الْأَمْلَاكِ كَأُجْرَةِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ إذَا مَا نَهِمَ الْفَلَّاحُ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ لَهُمْ مِنْ الْأُجْرَةِ أَوْ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الضَّيْفُ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ إلَّا قَدْرَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَالزِّيَادَةُ يَأْخُذُهَا الْمُقَطِّعُ، فَالْمُقَطِّعُ هُوَ الَّذِي ظَلَمَ الْفَلَّاحِينَ (وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ حَاكِمٍ أَنَّهُ) أَيْ: مَا تُرَادُ قِسْمَتُهُ (لَهُمْ) ؛ أَيْ: لِمُرِيدِي قِسْمَتِهِ (قَسَّمَهُ جَوَازًا) بِتَرَاضِيهِمْ لِإِقْرَارِهِمْ، وَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا، وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ ظَاهِرًا وَالْقَضَاءُ عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ لَا عَلَى غَيْرِهِمْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي (وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهَا) ؛ أَيْ: الْقِسْمَةَ (بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمْ مِلْكَهُ) ؛ أَيْ: الْمَقْسُومِ؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ بَعْدِهِ صُدُورَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِهِمْ فَيُؤَدِّيَ إلَى ضَرَرِ مَنْ يَدَّعِي فِي الْعَيْنِ حَقًّا، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى طَلَبِ الْقِسْمَةِ لَمْ يَقْسِمْهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَلَا إجْبَارَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْ الشُّرَكَاءِ؛ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ لِخَصْمِهِ، بِخِلَافِ حَالَةِ الرِّضَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 559 [فَصْلٌ تُعَدَّلُ سِهَامٌ بِالْأَجْزَاءِ إنْ تَسَاوَتْ] فَصْلٌ (وَتُعَدَّلُ سِهَامٌ بِالْأَجْزَاءِ) ؛ أَيْ: أَجْزَاءِ الْمَقْسُومِ (إنْ تَسَاوَتْ) كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، وَالْأَرْضِ الَّتِي لَيْسَ بَعْضُهَا أَجْوَدَ مِنْ بَعْضٍ وَلَا بِنَاءَ بِهَا وَلَا شَجَرَ، سَوَاءٌ اسْتَوَتْ الْأَنْصِبَاءُ، أَوْ اخْتَلَفَتْ (وَ) تُعَدَّلُ (بِالْقِيمَةِ إنْ اخْتَلَفَتْ) أَجْزَاءُ الْمَقْسُومِ قِيمَةً، اسْتَوَتْ الْأَنْصِبَاءُ أَوْ اخْتَلَفَتْ، فَيُجْعَلُ السَّهْمُ مِنْ الرَّدِيءِ أَكْثَرَ مِنْ الْجَيِّدِ بِحَيْثُ تَتَسَاوَى قِيمَتُهُمَا كَأَرْضٍ بَعْضُهَا أَجْوَدُ مِنْ بَعْضٍ، أَوْ بِبَعْضِهَا بِنَاءٌ أَوْ بِهَا شَجَرٌ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ التَّعْدِيلُ بِالْأَجْزَاءِ لَمْ يَبْقَ إلَّا التَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ السِّهَامُ أَوْ اخْتَلَفَتْ وَتُعَدَّلُ سِهَامٌ (بِالرَّدِّ إنْ اقْتَضَتْهُ) ؛ أَيْ: الرَّدِّ؛ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ تَعْدِيلُ السِّهَامِ بِالْأَجْزَاءِ وَلَا بِالْقِيمَةِ؛ فَتُعَدَّلُ بِالرَّدِّ بِأَنْ يُجْعَلَ لِمَنْ يَأْخُذُ الرَّدِيءَ أَوْ الْقَلِيلَ دَرَاهِمَ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ الْجَيِّدَ أَوْ الْأَكْثَرَ (ثُمَّ يُقْرَعُ) بَيْنَ الشُّرَكَاءِ لِإِزَالَةِ الْإِبْهَامِ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمٌ صَارَ لَهُ (وَكَيْفَمَا أُقْرِعَ جَازَ) قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد إنْ شَاءَ رِقَاعًا، وَإِنْ شَاءَ خَوَاتِمَ، يَطْرَحُ ذَلِكَ فِي حِجْرِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَاتَمٌ مُعَيَّنٌ، ثُمَّ يُقَالُ أَخْرِجْ خَاتَمًا عَلَى هَذَا السَّهْمِ، فَمَنْ خَرَجَ خَاتَمُهُ، فَهُوَ لَهُ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ أَقْرَعَ بِالْحَصَى أَوْ غَيْرِهِ جَازَ (وَالْأَحْوَطُ كِتَابَةُ اسْمِ كُلِّ شَرِيكٍ بِرُقْعَةٍ، ثُمَّ تُدْرَجُ الرِّقَاعُ فِي بَنَادِقَ مِنْ طِينٍ وَشَمْعٍ مُتَسَاوِيَةٍ قَدْرًا؛ أَيْ: حَجْمًا وَوَزْنًا، وَيُقَالُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: عَمَلَ الْبَنَادِقِ بَعْدَ طَرْحِهَا فِي حِجْرِهِ وَنَحْوِهِ (أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا السَّهْمِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فَهُوَ) ؛ أَيْ: السَّهْمُ الَّذِي خَرَجَ اسْمُهُ عَلَيْهِ (لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ يُمَيَّزُ سَهْمُهُ بِخُرُوجِ اسْمِهِ عَلَيْهِ (ثُمَّ كَذَلِكَ) الشَّرِيكُ (الثَّانِي) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 560 يَفْعَل بِهِ كَمَا فَعَلَ بِالْأَوَّلِ، (وَ) السَّهْم (الْبَاقِي لِلثَّالِثِ إذَا اسْتَوَتْ سِهَامهمْ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً) لِتَعَيُّنِ السَّهْمِ الثَّالِثِ لِلْمُتَأَخِّرِ خُرُوجِ اسْمه؛ لِزَوَالِ الْإِسْهَام بِخُرُوجِ اسْم الْأَوَّلِينَ (وَإِنَّ كَتَبَ اسْم كُلِّ سَهْمٍ بِرُقْعَةِ) فَيَكْتُب فِي رُقْعَة الِاسْمِ الَّذِي مِنْ جِهَةِ كَذَا وَفِي أُخْرَى السَّهْم الَّذِي مِنْ جِهَةِ كَذَا إلَى آخِر السِّهَامِ، وَدَرَجهَا فِي بَنَادِق كَمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ قَالَ) لِمَنْ لَمْ يُحَضِّرْ عَلَى الْبَنَادِقِ (أَخْرُجْ بُنْدُقَةً لِفُلَانٍ وَبُنْدُقَةً لِفُلَانٍ وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَنْتَهُوا جَازَ) ذَلِكَ، فَيَكُونُ لِكُلِّ مِنْهُمَا السَّهْمُ الَّذِي فِي بُنْدُقَتِهِ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا بُنْدُقَةً فَالسَّهْمُ الَّذِي فِيهَا لِمَنْ تَأَخَّرَ اسْمُهُ مِنْ الشُّرَكَاءِ (وَإِنَّ اخْتَلَفَتْ سِهَامُهُمْ كَنِصْفٍ) لِوَاحِدٍ (وَثُلُثٌ) لِآخِرِ (وَسُدُسٌ) لِآخِرِ (جَزِّئْ مَقْسُومٌ بِحَسْبِ أَقَلِّهَا) ؛ أَيْ: السِّهَام (وَهُوَ هُنَا) ؛ أَيْ: فِي الْمِثَالِ (سِتَّةً) لِأَنَّهَا مَخْرَجُ (السُّدُسِ، وَلَزِمَ إخْرَاجُ الْأَسْمَاءِ) ؛ أَيْ: أَسْمَاءُ الشُّرَكَاءِ (عَلَى السِّهَامِ) لِمَا يَأْتِي (فَيَكْتُبُ بِاسْمِ رَبِّ النِّصْفِ ثَلَاث رِقَاعٍ، وَبِاسْمِ رَبّ الثُّلُثِ رُقْعَتَيْنِ، وَبِاسْمِ رَبِّ السُّدُس رُقْعَةً بِحَسْب التَّجْزِئَة، ثُمَّ يَخْرُج بُنْدُقَة عَلَى أَوَّل سَهْم، فَإِنَّ خَرَجَ اسْم رَبّ النِّصْف أَخَذَهُ مَعَ ثَانٍ وَثَالِث) يَلِيَانِهِ (وَ) يُخْرَجُ الْقُرْعَةَ الثَّانِيَة عَلَى السَّهْم الرَّابِع (فَإِنَّ خَرَجَ اسْم رَبّ الثُّلُثُ أَخَذَهُ مَعَ ثَانٍ) يَلِيه وَالْبَاقِي لِرَبِّ السُّدُسِ، وَإِنَّ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ ابْتِدَاءً لِرَبِّ السُّدُس أَخَذَ السَّهْمَ وَحْدَهُ، وَإِنَّ خَرَجَتْ لِرَبِّ الثُّلُث أَخَذَهُ مَعَ مَا يَلِيه (ثُمَّ يَقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرِينَ كَذَلِكَ وَالْبَاقِي لِلثَّالِثِ) وَإِنَّمَا لَزِمَ إخْرَاجُ الْأَسْمَاءِ عَلَى السِّهَامِ؛ لِأَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ رُقْعَة فِيهَا السَّهْم الْأَوَّل احْتَاجَ أَنْ يَأْخُذ نَصِيبُهُ مُتَفَرِّقًا؛ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ. ثُمَّ الْقِسْمَةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تُسَاوِيَ السِّهَامُ قِيمَةَ الْأَجْزَاءِ. الثَّانِي: أَنْ تَخْتَلِفَ السِّهَامُ وَتَتَسَاوَى وَقِيمَةَ الْأَجْزَاءِ وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ تَقَدَّمَا فِي الْمَتْن. الثَّالِثُ: أَنْ تَسَاوَى السِّهَامُ وَتَخْتَلِفَ قِيمَةُ الْأَجْزَاءِ، فَتَعْدِلَ الْأَرْضَ بِالْقِيمَةِ، وَتُجْعَلَ أَسْهُمًا مُتَسَاوِيَةَ الْقِيمَة، وَيُفْعَلُ فِي إخْرَاجِ السِّهَامِ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ. الرَّابِعُ: أَنْ تَخْتَلِفَ الْقِيمَةُ وَالسِّهَامُ فَتَعْدِلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 561 السِّهَامَ بِالْقِيمَةِ؛ وَتَجْعَل السِّهَام مُتَسَاوِيَة الْقِيمَة، وَتُخْرَجُ الْأَسْمَاءُ عَلَى السِّهَامِ كَالْقِسْمِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ هُنَا بِالْقِيمَةِ، وَكُلُّهُ يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ. (وَتَلْزَمُ) الْقِسْمَةُ (بِخُرُوجِ قُرْعَةٍ) لِأَنَّ الْقَاسِم كَحَاكِمٍ، وَقُرْعَتُهُ حُكْمٌ نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ (فِيمَا فِيهِ رَدُّ عِوَضٍ أَوْ ضَرَرٍ) إذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ؛ إذْ الْقَاسِمُ يَجْتَهِدُ فِي تَعْدِيلِ السِّهَامِ كَاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ، فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَ قُرْعَتُهُ كَقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ قِسْمَةَ التَّرَاضِي يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِس، فَلَعَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَاسِمٌ؛ بِدَلِيلِ قَوْله (وَإِنْ خَيْر أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ (الْآخَرَ) بِأَنَّ قَالَ: اخْتَرْ أَيْ الْقِسْمَيْنِ شِئْت بِلَا قُرْعَة وَلَمْ يَكُنْ قَاسِمٌ فَالْقِسْمَةُ تَلْزَمُ (بِرِضَاهُمَا وَتَفَرُّقُهُمَا) بِأَبْدَانِهِمَا كَتَفَرُّقِ مُتَبَايِعِينَ. [فَصْلٌ فِي مِنْ ادَّعَى مِنْ الشُّرَكَاءِ غَلَطًا أَوْ حَيْفًا فِيمَا فِيهِ رَدٌّ أَوْ ضَرَرٌ] فَصْلٌ (وَمَنْ ادَّعَى) مِنْ الشُّرَكَاءِ (غَلَطًا) أَوْ حَيْفًا (فِيمَا) فِيهِ رَدٌّ أَوْ ضَرَرٌ (تَقَاسَمَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا وَأَشْهَدَا عَلَى رِضَاهُمَا بِهِ؛ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ، وَلَوْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ) فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَا يُحَلَّفُ غَرِيمُهُ لِرِضَاهُ بِالْقِسْمَةِ عَلَى مَا وَقَعَ؛ فَيَلْزَمُ رِضَاهُ بِزِيَادَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ (وَتُقْبَلُ) دَعْوَاهُ غَلَطًا أَوْ حَيْفًا (بِبَيِّنَةٍ) شَهِدَتْ بِهِ (فِيمَا قَسَّمَهُ قَاسِمُ حَاكِمٍ) لِأَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ، وَسُكُوتُهُ اسْتِنَادٌ إلَى ظَاهِرِ حَالِ الْقَاسِمِ، فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِغَلَطِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا غَلِطَ بِهِ كَمَنْ أَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ ظَانًّا أَنَّهُ قَدْرُ حَقِّهِ، فَرَضِيَ بِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ نَقْصُهُ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِنَقْصِهِ (وَحَيْثُ لَا بَيِّنَةَ) تَشْهَدُ بِالْغَلَطِ (يُحَلَّفُ مُنْكِرُ) الْغَلَطِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ الْقِسْمَةِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ فِيهَا (وَكَذَا قَاسِمٌ نَصَبَاهُ) بِأَنْفُسِهِمَا فَقَسَمَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَلَطَ؛ فَيُقْبَلُ بِبَيِّنَةٍ، وَإِلَّا حُلِّفَ مُنْكِرٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 562 (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَهَا) ؛ أَيْ: الْقِسْمَةِ (مُعَيَّنٌ مِنْ حِصَّتَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ لَمْ تَبْطُلْ) الْقِسْمَةُ (فِيمَا بَقِيَ) كَمَا لَوْ كَانَ الْمَقْسُومُ عَيْنَيْنِ فَاسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَرَرُ) الْمُعَيَّنِ (الْمُسْتَحَقِّ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ (أَكْثَرَ مِنْ) ضَرَرِ الشَّرِيكِ (الْآخَرِ كَسَدِّ طَرِيقِهِ أَوْ سَدِّ مَجْرَى مَائِهِ أَوْ سَدِّ ضَوْئِهِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا فِيهِ ضَرَرٌ (فَتَبْطُلُ) الْقِسْمَةُ؛ لِفَوَاتِ التَّعْدِيلِ (كَمَا لَوْ كَانَ) الْمُسْتَحَقُّ (فِي إحْدَاهُمَا) ؛ أَيْ: النَّصِيبَيْنِ وَحْدَهُ (أَوْ كَانَ شَائِعًا، وَلَوْ فِيهِمَا) ؛ أَيْ: النَّصِيبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي فَثَمَّ شَرِيكٌ لَمْ يَرْضَ. وَإِنْ كَانَتْ بِالْإِجْبَارِ فَالثَّالِثُ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ. (وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ شَيْئًا مِنْ الْمَقْسُومِ (أَنَّهُ مِنْ سَهْمِهِ) وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (تَحَالَفَا) ؛ أَيْ: حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ (وَنُقِضَتْ) الْقِسْمَةُ، لِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِمَا، وَلَا سَبِيلَ لِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ مِنْهُمَا بِدُونِ نَقْضِ الْقِسْمَةِ. (وَمَنْ كَانَ) مِنْ الْمُقْتَسِمَيْنِ (بَنَى أَوْ غَرَسَ) فِي نَصِيبِهِ (فَخَرَجَ نَصِيبُهُ الْمَقْسُومُ مُسْتَحَقًّا، فَقَلَعَ) بِنَاءَهُ أَوْ غَرْسَهُ (رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فِي قِسْمَةِ تَرَاضٍ فَقَطْ) نَحْوُ أَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا دَارَانِ سَوِيَّةً فَتَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ كُلٍّ مِنْهُمَا دَارًا مِنْهُمَا، فَخَرَجَتْ إحْدَاهُمَا مُسْتَحَقَّةً، فَقَلَعَ مُسْتَحِقُّهَا مَا غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ فِيهَا الشَّرِيكُ، فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَحُكْمُهَا حُكْمُهُ، بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ فَإِنَّهَا إفْرَازٌ، فَإِذَا ظَهَرَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مُسْتَحَقًّا، وَقَلَعَ غَرْسَهُ أَوْ بِنَاءَهُ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّهُ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ بَيْعٍ، وَإِنَّمَا إفْرَازُ حَقِّهِ مِنْ حَقِّهِ. . (وَلِمَنْ خَرَجَ فِي نَصِيبِهِ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (عَيْبٌ جَهِلَهُ) وَقْتَ الْقِسْمَةِ (إمْسَاكُ) نَصِيبِهِ الْمَعِيبِ (مَعَ أَخْذِ أَرْشِ) الْعَيْبِ مِنْ شَرِيكِهِ (كَفَسْخٍ) ، أَيْ: كَمَا لَهُ فَسْخُ الْقِسْمَةِ كَالْمُشْتَرِي، بِوُجُودِ النَّقْصِ. وَإِنْ اقْتَسَمُوا؛ أَيْ: الشُّرَكَاءُ (دَارًا ذَاتَ أَسْطِحَةٍ؛ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ) مِنْهُمْ (مَنْعُ جَرَيَانِ الْمَاءِ) لِتَقَدُّمِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ (بِلَا شَرْطٍ) عَلَى مَنْعِهِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ شَرْطٌ فَيُوَفَّى بِهِ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُونَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 563 عَلَى شُرُوطِهِمْ» . (وَلَا يَمْنَعُ دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ) سَوَاءٌ كَانَ لِلَّهِ (أَوْ لِآدَمِيٍّ نَقْلَ مِلْكِ تَرِكَتِهِ لِمِلْكِ وَرَثَتِهِ) نَصًّا فِيمَنْ أَفْلَسَ ثُمَّ مَاتَ (بِخِلَافِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهَا) ؛ أَيْ: التَّرِكَةِ (مِنْ مُعَيَّنٍ مُوصًى بِهِ لِمَنْ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ) كَفُقَرَاءَ وَمَسْجِدٍ؛ فَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي الْمُوصَى لَهُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي، وَأَمَّا الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ كَفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ؛ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِقَبُولِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ، مِلْكُهُ لِلْوَرَثَةِ وَنَمَاؤُهُ لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَصَايَا. وَحَيْثُ عُلِمَ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ التَّرِكَةِ (فَظُهُورُهُ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ (بَعْدَ قِسْمَةِ) التَّرِكَةِ (لَا يُبْطِلُهَا) ؛ أَيْ: الْقِسْمَةَ لِصُدُورِهَا مِنْ الْمَالِكِ (وَيَصِحُّ بَيْعُهَا) ؛ أَيْ: التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَكَذَا هِبَتُهَا، (وَ) يَصِحُّ (رَهْنُهَا) ؛ أَيْ: التَّرِكَةِ وَكَذَا هِبَتُهَا (وَ) يَصِحُّ (عِتْقُهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ مِنْ التَّرِكَةِ مَعَ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ (قَبْلَ قَضَائِهِ) وَيُغْرَمُ قِيمَتُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ، وَلَا يُنْقَضُ الْعِتْقُ (وَلَوْ مَعَ عُسْرِ وَارِثٍ) كَعِتْقِ الرَّاهِنِ وَالْجَانِي وَأَوْلَى (خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ) فَإِنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يُنَفَّذُ إلَّا مَعَ يَسَارِ الْوَرَثَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْغَرِيمِ. (وَيَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: يَلْزَمُ وَارِثًا بَاعَ التَّرِكَةَ مَعَ اسْتِغْرَاقِهَا بِالدَّيْنِ مُلْتَزِمًا لِضَمَانِهِ (وَفَاءُ الدَّيْنِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْوَفَاءُ لِعَجْزِ الْوَارِثِ عَنْهُ (فُسِخَ الْعَقْدُ) وَاسْتُرِدَّتْ التَّرِكَةُ لِيُوَفَّى مِنْهَا الدَّيْنُ. قَالَهُ فِي " الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ " بِمَعْنَاهُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ) إذَا عَجَزَ الْوَارِثُ عَنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ أَنْ تَصَرَّفَ بِالتَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ. يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ (حَتَّى) وَلَوْ كَانَ تَصَرُّفُهُ (بِعِتْقِ) الْعَبْدِ الْمَتْرُوكِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْغُرَمَاءِ، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا، وَامْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُنْقَضْ التَّصَرُّفُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (كَمَا لَوْ بِيعَ قِنٌّ جَانٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 564 أَوْ بِيعَ نِصَابٌ وَجَبَتْ فِيهِ) الزَّكَاةُ، وَلَمْ يُؤَدِّ الْبَائِعُ مَا وَجَبَ فُسِخَ الْعَقْدُ. (وَكَذَا لَوْ وَقَعَ إنْسَانٌ) فِي بِئْرٍ، أَوْ وَقَعَتْ (بَهِيمَةٌ فِي بِئْرٍ حَفَرَهُ) شَخْصٌ (تَعَدِّيًا) فَتَلِفَ الْوَاقِعُ، وَكَانَ ذَلِكَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُتَعَدِّي بِالْحَفْرِ وَبَعْدَ بَيْعِ تَرِكَتِهِ؛ فَيَلْزَمُ الْوَارِثَ دَفْعُ مَالِ الْجِنَايَةِ مِنْ ثَمَنِ التَّرِكَةِ، لِوُجُوبِهِ عَلَى الْحَافِرِ، فَإِنْ عَجَزَ الْوَارِثُ عَنْ أَدَاءِ ذَلِكَ (فَيُفْسَخُ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ أَيْ: لِأَجْلِهِ (الْعَقْدُ) ؛ أَيْ: عَقْدُ الْبَيْعِ، وَتُسْتَرَدُّ التَّرِكَةُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا مَالَ الْجِنَايَةِ. (وَالنَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ) مِنْ التَّرِكَةِ الَّذِي حَصَلَ بَغْلَاهَا أَوْ مِنْ أَثْمَارِ شَجَرِهَا أَوْ نِتَاجِ مَاشِيَتِهَا وَنَحْوِهِ (بَعْدَ مَوْتِ الْوَارِثِ لَا حَقَّ لِغُرَمَاءَ فِيهِ) لِأَنَّهُ مِنْ نَمَاءِ مِلْكِهِ (كَنَمَاءِ جَانٍ) لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِيهِ. (وَمَتَى) (اقْتَسَمَا) أَيْ: الشَّرِيكَانِ نَحْوَ دَارٍ (فَحَصَلَ الطَّرِيقُ فِي حِصَّةِ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا؛ بِأَنْ حَصَلَ لِأَحَدِهِمَا مَا يَلِي الْبَابَ، وَلِلْآخَرِ النِّصْفُ الدَّاخِلُ (وَلَا مَنْفَذَ لِلْآخَرِ،) (بَطَلَتْ) الْقِسْمَةُ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الدَّاخِلِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ؛ فَلَا تَكُونُ السِّهَامُ مُعَدَّلَةً؛ لِوُجُوبِ التَّعْدِيلِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ. (وَأَيُّ:) الشُّرَكَاءِ (وَقَعَتْ ظُلَّةُ دَارٍ فِي نَصِيبِهِ) عِنْدَ الْقِسْمَةِ، (فَهِيَ لَهُ) بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، لِوُقُوعِ الْقِسْمَةِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالظُّلَّةُ: شَيْءٌ كَالصُّفَّةِ يُسْتَتَرُ بِهِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ. [بَابُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ] ِ الدَّعَاوَى جَمْعُ دَعْوَى مَأْخُوذَةٌ مِنْ الدُّعَاءِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الطَّلَبُ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: 57] ؛ أَيْ: يَتَمَنَّوْنَ وَيَطْلُبُونَ، وَمِنْهُ حَدِيثُ: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْعُونَ بِهَا عِنْدَ الْأَمْرِ الشَّدِيدِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهِيَ قَوْلُهُمْ يَا لِفُلَانٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 565 (وَالدَّعْوَى) اصْطِلَاحًا (إضَافَةُ الْإِنْسَانِ إلَى نَفْسِهِ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ) إنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا (أَوْ فِي ذِمَّتِهِ) ؛ أَيْ: الْغَيْرِ إنْ كَانَ دَيْنًا مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ وَنَحْوِهِ. (وَالْمُدَّعِي مَنْ يُطَالِبُ غَيْرَهُ بِحَقٍّ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ، أَوْ يُقَالُ الْمُدَّعِي (إذَا سَكَتَ عَنْ الْجَوَابِ تُرِكَ) . (وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُطَالَبُ) بِفَتْحِ اللَّامِ؛ أَيْ: الَّذِي يَطْلُبُهُ غَيْرُهُ بِحَقٍّ يَذْكُرُ اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ (أَوْ يُقَالُ مَنْ إذَا سَكَتَ) عَنْ الْجَوَابِ (لَمْ يُتْرَكْ) بَلْ يُقَالُ لَهُ إنْ أَجَبْت؛ وَإِلَّا جَعَلْتُك نَاكِلًا، وَقَضَيْت عَلَيْك. . (وَالْبَيِّنَةُ) وَاحِدَةُ الْبَيِّنَاتِ مِنْ بَانَ الشَّيْءُ فَهُوَ بَيِّنٌ، وَالْأُنْثَى بَيِّنَةٌ، وَعُرْفًا (الْعَلَامَةُ الْوَاضِحَةُ كَالشَّاهِدِ فَأَكْثَرَ) وَأَصْلُ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ `» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَلَا تَصِحُّ دَعْوَى إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) ؛ أَيْ: حُرٍّ رَشِيدٍ (مُكَلَّفٍ، وَكَذَا إنْكَارٌ) فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (سِوَى إنْكَارِ سَفِيهٍ فِيمَا يُؤْخَذُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ إذَنْ) ؛ أَيْ: حَالَ سَفَهِهِ (وَبَعْدَ فَكِّ حَجْرٍ عَنْهُ) وَهُوَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ كَطَلَاقٍ وَحَدِّ قَذْفٍ؛ فَيَصِحُّ مِنْهُ إنْكَارُهُ (وَيُحَلَّفُ إذَا أَنْكَرَ) حَيْثُ تَجِبُ الْيَمِينُ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الدَّعْوَى عَلَى نَحْوِ صَغِيرٍ، وَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ الدَّعْوَى عَلَى الْقِنِّ. (وَإِذَا تَدَاعَيَا) ؛ أَيْ: كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ عَيْنًا (أَنَّهَا لَهُ لَمْ تَخْلُ مِنْ أَحْوَالٍ، أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ) . (أَحَدُهَا أَنْ لَا تَكُونَ) الْعَيْنُ (بِيَدِ أَحَدٍ) ، وَ (لَا ثُمَّ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (ظَاهِرٌ يُعْمَلُ بِهِ، وَلَا بَيِّنَةٌ) لِأَحَدِهِمَا، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهَا أَنَّهَا كُلَّهَا لَهُ (تَحَالَفَا) ؛ أَيْ: حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَهُ لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهَا (وَتَنَاصَفَاهَا) ؛ أَيْ: قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهَا مِنْ الْآخَرِ، لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 566 يَدٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَإِنْ وُجِدَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ) يُرَجِّحُ أَنَّهَا لِأَحَدِهِمَا (عُمِلَ بِهِ) ، أَيْ: بِهَذَا الظَّاهِرِ؛ فَيُحَلَّفُ وَيَأْخُذُهَا (فَلَوْ تَنَازَعَا عَرْصَةً بِهَا شَجَرٌ لَهُمَا أَوْ بِهَا بِنَاءٌ لَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَنَازِعَيْنِ (فَهِيَ) ، أَيْ: الْعَرْصَةُ (لَهُمَا) بِحَسَبِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَالْبِنَاءُ أَوْ الشَّجَرُ اسْتِيفَاءٌ لِمَنْفَعَةِ الْعَرْصَةِ وَاسْتِيلَاءٌ عَلَيْهَا بِالتَّصَرُّفِ، وَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ وَالْبِنَاءُ (لِأَحَدِهِمَا) فَالْعَرْصَةُ (لَهُ) - أَيْ: لِرَبِّ الشَّجَرِ أَوْ الْبِنَاءِ - وَحْدَهُ (وَإِنْ تَنَازَعَا مُسَنَّأَةٌ، وَهُوَ السَّدُّ بَيْنَ نَهْرِ أَحَدِهِمَا وَأَرْضِ الْآخَرِ) حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ نِصْفَهَا لَهُ، وَتَنَاصَفَاهَا؛ لِأَنَّهَا حَاجِزٌ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا، أَشْبَهَ الْحَائِطَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ (أَوْ تَنَازَعَا جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ نِصْفَهُ لَهُ، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا إنْ تَشَاحَّا فِي الْمُبْتَدِئِ) مِنْهُمَا بِالْيَمِينِ؛ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ» . قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هَذَا فِيمَنْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِ مُدَّعِيهِ، وَيُرِيدُ يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّهُ (وَلَا يَقْدَحُ) فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ. (إنْ حَلَفَ) أَحَدُهُمَا أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا (أَنْ كُلَّهُ) ؛ أَيْ: الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لَهُ (وَتَنَاصَفَاهُ) ؛ أَيْ: الْجِدَارَ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا (كَ) حَائِطٍ (مَعْقُودٍ بِبِنَائِهِمَا) إذَا تَنَازَعَاهُ، فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَيَتَنَاصَفَاهُ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُهُ عَلَى نِصْفِهِ (وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ، مُتَّصِلًا بِهِ) ؛ أَيْ: بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا (اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ عَادَةً، أَوْ كَانَ) لَهُ؛ أَيْ: لِأَحَدِهِمَا (عَلَيْهِ أَزَجٌ، وَهُوَ الْقَبْوُ) قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّى، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ضَرْبٌ مِنْ الْأَبْنِيَةِ (أَوْ) كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ (سُتْرَةٌ) مَبْنِيَّةٌ أَوْ قُبَّةٌ (فَ) الْجِدَارُ (لَهُ) - أَيْ لِمَنْ لَهُ ذَلِكَ - عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ لَا يَقِينٌ، إذْ يُحْتَمَلُ بِنَاءُ الْآخَرِ لَهُ الْحَائِطَ تَبَرُّعًا، أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهُ إيَّاهُ وَنَحْوُهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا عَقْدًا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ كَالْبِنَاءِ بِاللَّبِنِ وَالْآجُرِّ؛ لَمْ يُرَجَّحْ بِهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَزِعَ مِنْ الْحَائِطِ الْمَبْنِيِّ نِصْفَ لَبِنَةٍ أَوْ آجُرَّةٍ، وَيَجْعَلَ مَكَانَهَا لَبِنَةً صَحِيحَةً (وَلَا تَرْجِيحَ) لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 567 (بِوَضْعِ خَشَبَةٍ) عَلَى الْجِدَارِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْمَحُ بِهِ الْجَارُ، وَوَرَدَ الْخَبَرُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمَنْعِ مِنْهُ كَإِسْنَادِ مَتَاعِهِ إلَيْهِ (وَلَا بِوُجُودِ آجُرٍّ) أَوْ حِجَارَةٍ، وَلَا كَوْنِ الْآجُرَّةِ الصَّحِيحَةِ مِمَّا يَلِي أَحَدَهُمَا، وَقِطَعِ الْآجُرِّ مِمَّا يَلِي الْآخَرَ (وَلَا بِتَزْوِيقٍ وَتَجْصِيصٍ وَمَعَاقِدِ قِمْطٍ فِي خُصٍّ) ؛ أَيْ: عَقْدِ الْخُيُوطِ الَّتِي يُشَدُّ بِهَا الْخُصُّ (وَهُوَ بَيْتٌ يُعْمَلُ مِنْ قَصَبٍ وَخَشَبٍ) لِعُمُومِ حَدِيثِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلِأَنَّ وُجُوهَ الْآجُرِّ وَمَعَاقِدَ الْقِمْطِ إذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الْجِدَارِ أَوْ الْخُصِّ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لِأَحَدِهِمَا، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ فَبَطَلَتْ دَلَالَتُهُ كَالتَّزْوِيقِ وَالتَّجْصِيصِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ فَلَا تَرْجِيحَ بِهِ. (وَإِنْ تَنَازَعَ رَبُّ عُلُوٍّ وَرَبُّ سُفْلٍ فِي سَقْفٍ بَيْنَهُمَا) تَحَالَفَا (وَتَنَاصَفَاهُ) لِحَجْزِهِ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا (وَإِنْ تَنَازَعَا فِي جُدَرَانِ الْبَيْتِ السُّفْلَانِيِّ) (فَ) الْجُدْرَانُ (لِرَبِّ السُّفْلِ. وَحَوَائِطُ الْعُلُوِّ) إذَا تَنَازَعَاهَا (لِرَبِّ الْعُلُوِّ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ فِيهِمَا. (وَ) إنْ تَنَازَعَ رَبُّ عُلُوٍّ وَرَبُّ سُفْلٍ (فِي سُلَّمٍ مَنْصُوبٍ) أَوْ فِي دَرَجَةٍ يُصْعَدُ مِنْهَا وَلَيْسَ تَحْتَهَا مِرْفَقٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ كَدَكَّةٍ أَوْ سُلَّمٍ مُسَمَّرٍ؛ (فَ) السُّلَّمُ الْمَنْصُوبُ وَالدَّرَجَةُ (لِرَبِّ الْعُلُوِّ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَرَافِقِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَحْتَهَا؛ أَيْ: الدَّرَجَةِ (مَسْكَنٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ) فَيَتَحَالَفَانِ (وَيَتَنَاصَفَاهَا) ؛ أَيْ: الدَّرَجَةَ؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهَا، وَلِأَنَّهَا سَقْفٌ لِلسُّفْلَانِيِّ، وَمَوْطِئٌ لِلْفَوْقَانِيِّ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهَا طَاقٌ صَغِيرٌ لَمْ تُبْنَ الدَّرَجَةُ لِأَجْلِهِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ مِرْفَقًا تُجْعَلُ فِيهِ جِرَارُ الْمَاءِ؛ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَرَافِقِهِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ. (وَإِنْ تَنَازَعَا) ؛ أَيْ: رَبُّ عُلُوٍّ وَسُفْلٍ (الصَّحْنَ) الَّذِي يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إلَى الدَّرَجَةِ (وَالدَّرَجَةُ بِصَدْرِهِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ؛ (فَ) الصَّحْنُ (بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَتْ) الدَّرَجَةُ (فِي الْوَسَطِ) ؛ أَيْ وَسَطِ الصَّحْنِ (فَمَا إلَيْهَا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 568 أَيْ: الدَّرَجَةِ مِنْ الصَّحْنِ (بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهِ (وَمَا وَرَاءَهُ) ؛ أَيْ: الْمَكَانِ الَّذِي بِهِ الدَّرَجَةُ مِنْ بَاقِي الصَّحْنِ (لِرَبِّ السُّفْلِ) وَحْدَهُ. (وَكَذَا لَوْ تَنَازَعَ رَبُّ بَابٍ بِصَدْرِ دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، وَرَبُّ بَابٍ بِوَسَطِهِ) أَيْ: الدَّرْبِ (فِي الدَّرْبِ؛ فَمِنْ أَوَّلِهِ) ؛ أَيْ: الدَّرْبِ (لِوَسَطِهِ بَيْنَهُمَا، وَمَا وَرَاءَهُ) ؛ أَيْ الْبَابِ بِوَسَطِهِ إلَى صَدْرِهِ، (فَلِمَنْ) بَابُهُ (بِصَدْرِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ. . (الثَّانِي أَنْ تَكُونَ) الْعَيْنُ (بِيَدِ أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَنَازِعَيْنِ (فَهِيَ لَهُ بَيِّنَةٌ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ) فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ؛ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ (نَقَلَ الْأَثْرَمُ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، فَإِذَا جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ) لِحَدِيثِ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَك إلَّا ذَلِكَ» . وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْيَدِ الْمِلْكُ (فَالْأَصَحُّ تُسْمَعُ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ مَعَ عَدَمِ بَيِّنَةِ خَارِجٍ) لِلْخَبَرِ (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ مَعَ عَدَمِ بَيِّنَةِ خَارِجٍ انْتَهَى. وَمَا فِي الْمُنْتَهَى " مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ، وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (نَعَمْ لَا يَصِحُّ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَنْ يُقِيمَهَا) أَيْ: الْبَيِّنَةَ (فِي) أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَبْرَأَهُ مِنْ (الدَّيْنِ) الثَّابِتِ بِذِمَّتِهِ (لِعَدَمِ إحَاطَتِهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةِ بِهِ أَيْ: الدَّيْنِ - وَيَأْتِي. (وَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَاكِمَ كِتَابَةَ مَحْضَرٍ بِمَا جَرَى أَجَابَهُ) إلَيْهِ وُجُوبًا (وَذَكَرَ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْمَحْضَرِ أَنَّهُ، أَيْ: الْحَاكِمَ (بَقَّى الْعَيْنَ بِيَدِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا يَرْفَعُهَا) ؛ أَيْ: يَدَهُ عَنْهَا (وَلَا يَثْبُتُ مِلْكٌ بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: وَضْعِ الْيَدِ (كَمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِبَيِّنَةٍ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) ؛ أَيْ: رَبِّ الْيَدِ (إذَا بَاعَ شَرِيكُهُ مَا يَخُصُّهُ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ؛ لِاحْتِمَالِ خِلَافِهِ، وَإِنَّمَا تُرَجَّحُ بِهِ الدَّعْوَى. الْحَالُ (الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ) الْعَيْنُ الْمُتَنَازَعُ فِيهَا (بِيَدَيْهِمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَنَازِعَيْنِ (كَطِفْلٍ) مَجْهُولٍ نَسَبُهُ (كُلٌّ) مِنْهُمَا (مُمْسِكٌ لِبَعْضِهِ أَوْ) يَكُونُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ (عِمَامَةً طَرَفُهَا بِيَدِ أَحَدِهِمَا وَبَاقِيهَا مَعَ الْآخَرِ؛ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 569 أَيْ: أَنَّ نِصْفَهُ لَهُ لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهِ (فِيمَا يَنْتَصِفُ) ؛ أَيْ: فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ، وَتَقَدَّمَ (وَتَنَاصَفَاهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى بِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَارٍ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، فَجَعَلَهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. وَكَذَا إنْ نَكَلَا؛ لِأَنَّ يَدَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَيْهَا؛ فَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا نِصْفًا) مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ (فَأَقَلَّ) مِنْ النِّصْفِ (أَوْ يَدَّعِيَ الْآخَرُ الْجَمِيعَ) ؛ أَيْ: جَمِيعَ الْمُدَّعَى، (أَوْ) يَدَّعِيَ الْآخَرُ (أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ) عَمَّا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ؛ كَأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ وَالْآخَرُ ثَلَاثَةَ الْأَرْبَاعِ (فَيَحْلِفُ مُدَّعِي الْأَقَلِّ) وَحْدَهُ، وَيَأْخُذُهُ؛ أَيْ: مَا حَلَفَ عَلَيْهِ - لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَقَلَّ مَا بِيَدِهِ ظَاهِرًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ انْفَرَدَ بِالْيَدِ. . (وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الطِّفْلِ الْحُرِّيَّةَ إذَا بَلَغَ بِلَا بَيِّنَةٍ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» . (وَإِنْ كَانَ) مَجْهُولُ النَّسَبِ الَّذِي بِيَدَيْهِمَا (مُمَيِّزًا، فَقَالَ: إنِّي حُرٌّ خُلِّيَ) سَبِيلُهُ، وَمُنِعَا مِنْهُ لِأَنَّهُ يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِالْوَصِيَّةِ، وَيُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ؛ أَشْبَهَ الْبَالِغَ (حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ، وَالرِّقُّ طَارِئٌ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِمُدَّعِي رِقِّهِ؛ عُمِلَ بِهَا لِشَهَادَتِهَا بِزِيَادَةٍ. (فَإِنْ قَوِيَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي عَيْنٍ بِأَيْدِيهِمَا (كَحَيَوَانٍ) ادَّعَاهُ اثْنَانِ، (وَاحِدٌ) مِنْهُمَا سَائِقُهُ أَوْ آخِذٌ بِزِمَامِهِ (وَآخَرُ رَاكِبُهُ وَعَلَيْهِ حِمْلُهُ) فَلِلثَّانِي الرَّاكِبِ وَصَاحِبِ الْحِمْلِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ أَقْوَى وَيَدَهُ آكَدُ، وَهُوَ الْمُسْتَوْفِي لِمَنْفَعَةِ الْحَيَوَانِ (أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَيْهِ حِمْلُهُ، وَآخَرُ رَاكِبُهُ) فَلِلثَّانِي الرَّاكِبِ بِيَمِينِهِ، لِقُوَّةِ تَصَرُّفِهِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الدَّابَّةَ لِلرَّاكِبِ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا مَا عَلَيْهَا مِنْ الْحِمْلِ؛ فَهُوَ لِلرَّاكِبِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ. يَدَهُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْحِمْلِ مَعًا، بِخِلَافِ السَّرْجِ (أَوْ كَقَمِيصٍ، وَاحِدٌ آخِذٌ بِكُمِّهِ، وَآخَرُ لَابِسُهُ؛ فَهُوَ لِلثَّانِي) اللَّابِسِ لَهُ (بِيَمِينِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَ كُمُّهُ بِيَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 570 أَحَدِهِمَا وَبَاقِيهِ بِيَدِ الْآخَرِ، فَهُمَا سَوَاءٌ فِيهِمَا، لِأَنَّ يَدَ الْمُمْسِكِ لِلطَّرَفِ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ كَانَ بَاقِيهَا عَلَى الْأَرْضِ، فَنَازَعَهُ فِيهَا كَانَتْ لَهُ. وَإِنْ تَنَازَعَ اثْنَانِ دَارًا فِيهَا أَرْبَعَةُ أَبْيَاتٍ، أَحَدُهُمَا سَاكِنٌ فِي بَيْتٍ مِنْهَا، وَالْآخَرُ سَاكِنٌ فِي الثَّلَاثَةِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا هُوَ سَاكِنٌ فِيهِ، لِأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ يَنْفَصِلُ عَنْ صَاحِبِهِ، وَلَا يُشَارِكُ الْخَارِجُ مِنْهُ السَّاكِنَ فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَنَازَعَا السَّاحَةَ الَّتِي يَتَطَرَّقُ مِنْهَا إلَى الْبُيُوتِ، فَهِيَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا (وَيُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الْحَالِ (فِيمَا بِيَدَيْهِمَا) ، أَيْ: الْمُتَنَازِعَيْنِ (مُشَاهَدَةً أَوْ بِيَدَيْهِمَا حُكْمًا، أَوْ بِيَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشَاهَدَةً وَبِيَدِ الْآخَرِ حُكْمًا) وَتَأْتِي أَمْثِلَةُ ذَلِكَ. (فَلَوْ نُوزِعَ رَبُّ دَابَّةٍ فِي رَحْلٍ عَلَيْهَا) وَكُلٌّ مِنْهُمَا آخِذٌ بِبَعْضِهِ فَهُوَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ عَادَةً أَنَّ الرَّحْلَ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ. (أَوْ) نُوزِعَ (رَبُّ قِدْرٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْأَوَانِي وَالظُّرُوفِ (فِي شَيْءٍ فِيهِ) مِنْ نَحْوِ لَحْمٍ أَوْ تَمْرٍ، وَالْقِدْرُ وَنَحْوُهُ بِأَيْدِيهِمَا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنْ الْقِدْرَ لِأَحَدِهِمَا؛ فَمَا فِيهِ لَهُ - أَيْ لِرَبِّ الْقِدْرِ - وَنَحْوِهِ بِيَمِينِهِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَالِ. (وَلَوْ نَازَعَ رَبُّ دَارٍ خَيَّاطًا فِيهَا) ؛ أَيْ: الدَّارِ (فِي إبْرَةٍ أَوْ مِقَصٍّ) فَلِلثَّانِي، لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ أَنَّ الْخَيَّاطَ إذَا دُعِيَ لِلْخِيَاطَةِ يَحْمِلُ مَعَهُ إبْرَتَهُ وَمِقَصَّهُ. (أَوْ) نَازَعَ رَبُّ دَارٍ (قِرَابًا فِي قِرْبَةٍ) فِي الدَّارِ، (فَ) الْقِرْبَةُ (لِلثَّانِي) وَهُوَ الْقِرَابُ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ ظَاهِرُ الْحَالِ (وَعَكْسُهُ) ؛ أَيْ: مَا سَبَقَ لَوْ تَنَازَعَا (الثَّوْبَ) الْمَخِيطَ (وَالْخَابِيَةَ) الَّتِي يُصَبُّ فِيهَا الْمَاءُ، فَهُمَا لِرَبِّ الدَّارِ وَبِيَمِينِهِ، لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ. (وَإِنْ تَنَازَعَ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ لِدَارٍ فِي رَفٍّ مَقْلُوعٍ) (أَوْ) تَنَازَعَا فِي (مِصْرَاعٍ) مَقْلُوعٍ (لَهُمَا) ؛ أَيْ: الرَّفِّ وَالْمِصْرَاعِ (شَكْلٌ مَنْصُوبٌ فِي الدَّارِ فَهُوَ لِرَبِّهَا) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوبَ تَابِعٌ لِلدَّارِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ الْمِصْرَاعَيْنِ لِمَنْ لَهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْ صَاحِبِهِ كَالْحَجَرِ الْفَوْقَانِيِّ فِي الرَّحَى، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 571 وَالْمِفْتَاحِ مَعَ الْقُفْلِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ مَعَ الرَّفِّ الْمَقْلُوعِ أَوْ الْمِصْرَاعِ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ فِي الدَّارِ فَهُوَ (بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: بَيْنَ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي (بَعْدَ حَلِفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهَا) دَفْعًا لِلِاحْتِمَالِ (وَمَا جَرَتْ عَادَةٌ بِهِ) ؛ أَيْ: بِأَنَّهُ لِمُكْرٍ (وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي بَيْعِ الدَّارِ كَمِفْتَاحِهَا؛ فَهُوَ لِرَبِّهَا) كَالْأَبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ، وَالْخَوَابِي الْمَدْفُونَةِ، وَالرُّفُوفِ الْمُسَمَّرَةِ، وَالرَّحَى الْمَنْصُوبَةِ لِأَنَّهُ تَوَابِعُ الدَّارِ، أَشْبَهَ الشَّجَرَ الْمَغْرُوسَ، وَإِنْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ لِلْمُكْرِي كَالْأَثَاثِ وَالْأَوَانِي وَالْكُتُبِ وَالْحَبْلِ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ مِنْ الْبِئْرِ؛ فَلِمُكْتَرٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُكْرِي الدَّارَ فَارِغَةً. (وَإِنْ تَنَازَعَ زَوْجَانِ، أَوْ تَنَازَعَ وَرَثَتُهُمَا، أَوْ) تَنَازَعَ (أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (وَوَرَثَةُ الْآخَرِ، وَلَوْ مَعَ رِقِّ أَحَدِهِمَا نَصًّا فِي قُمَاشِ الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ) فَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ كُلَّهُ لَهُ فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ بِشَيْءٍ أَخَذَهُ، وَإِلَّا تَكُنْ بَيِّنَةٌ (فَمَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ) كَعِمَامَةٍ وَقُمْصَانِ رِجَالٍ وَجُبَبِهِمْ وَسَرَاوِيلِهِمْ وَأَقْبِيَتِهِمْ وَالطَّيَالِسَةِ وَالسِّلَاحِ وَأَشْبَاهِهِ (فَهُوَ لَهُ) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ، (وَمَا يَصْلُحُ لَهَا) ؛ - أَيْ: الْمَرْأَةِ - مِنْ حُلِيٍّ أَوْ قُمُصِ نِسَاءٍ وَمَقَانِعِهِنَّ وَمَغَازِلِهِنَّ؛ (فَهُوَ لَهَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَةِ - وَمَا (يَصْلُحُ لَهُمَا) كَفَرْشٍ وَقُمَاشٍ لَمْ يُفَصَّلْ وَأَوَانٍ وَنَحْوِهَا، (فَهُوَ لَهُمَا) أَيْ: بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِمَا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَوْ الْمُشَاهَدَةِ (وَالْمُصْحَفُ لَهُ) أَيْ: الرَّجُلِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ قَارِئًا أَوْ لَا (مَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ قَارِئَةً) فَإِنْ كَانَتْ تَقْرَأُ؛ فَلَهُمَا. قَالَ (وَكَذَا إنْ تَنَازَعَ صَانِعَانِ فِي آلَةِ دُكَّانِهِمَا؛ فَآلَةُ كُلِّ صَنْعَةٍ لِصَانِعِهَا) كَنَجَّارٍ وَحَدَّادٍ بِدُكَّانٍ، فَآلَةُ النِّجَارَةِ لِلنَّجَّارِ، وَآلَةُ الْحِدَادَةِ لِلْحَدَّادِ، سَوَاءٌ كَانَتْ أَيْدِيهِمَا عَلَى الْآلَةِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَوْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ يَدٌ حَكَمَتْهُ كَرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ تَنَازَعَا شَيْئًا لَيْسَ بِدَارِهِمَا، أَوْ صَانِعَانِ تَنَازَعَا آلَةً لَيْسَتْ بِدُكَّانِهِمَا؛ فَلَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ، بَلْ إنْ كَانَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا؛ فَلَهُ، وَبِيَدِهِمَا؛ فَبَيْنَهُمَا، وَفِي يَدِ غَيْرِهِمَا - وَلَمْ يُنَازِعْ - أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 572 (وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا هُوَ) ؛ أَيْ: الْمُتَنَازَعُ فِيهِ؛ (فَهُوَ لَهُ بِيَمِينِهِ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ غَرِيمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ (وَمَتَى كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، حُكِمَ لَهُ بِهَا) سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِلَا يَمِينٍ فِي الْأَصَحِّ) هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْفَتْوَى مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ؛ وَلِحَدِيثِ: «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَحَدُ حُجَّتَيْ الدَّعْوَى، فَيُكْتَفَى بِهَا كَالْيَمِينِ. (وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ) مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي عَيْنٍ (بَيِّنَةٌ بِهَا وَتَسَاوَيَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَتَانِ (مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ تَعَارَضَتَا، وَتَسَاقَطَتَا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَنْفِي مَا تُثْبِتُهُ الْأُخْرَى؛ فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا وَلَا بِأَحَدِهِمَا، فَيَسْقُطَانِ، وَيَصِيرَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا (وَلَوْ أَرَّخَتَا) ؛ أَيْ الْبَيِّنَتَانِ (أَوْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ - هِيَ مِلْكُهُ - وَ) شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ (الْأُخْرَى) لِلْآخَرِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا (مِنْ عَمْرٍو، وَهِيَ مِلْكُهُ) تَعَارَضَتَا وَتَسَاقَطَتَا (فَيَتَحَالَفَانِ، وَيَتَنَاصَفَانِ مَا بِأَيْدِيهِمَا) لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى: «أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِشَاهِدَيْنِ، فَقَسَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَيُقْرَعُ) بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ إذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً (فِيمَا لَيْسَ بِيَدِ أَحَدٍ أَوْ بِيَدِ ثَالِثٍ، وَلَمْ يُنَازِعْ) الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِيهِ (فَمَنْ قُرِعَ صَاحِبُهُ؛ أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا؛ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ، وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا يَتَنَاصَفَاهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " فِي الْأَصَحِّ قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي ". . (وَفِيمَا) إذَا كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ (بِيَدِ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الْمُتَنَازِعَيْنِ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ، فَإِنَّهُ (يُحْكَمُ بِهِ لِلْمُدَّعِي، وَهُوَ الْخَارِجُ بِبَيِّنَتِهِ سَوَاءٌ أُقِيمَتْ بَيِّنَةُ مُنْكِرٍ) ؛ أَيْ: رَبِّ الْيَدِ (وَهُوَ الدَّاخِلُ بَعْدَ رَفْعِ يَدِهِ أَوْ لَا، سَوَاءٌ شَهِدَتْ لَهُ) ، أَيْ: رَبِّ الْيَدِ (أَنَّهَا نُتِجَتْ - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - فِي مِلْكِهِ، أَوْ أَنَّهَا قَطِيعَةٌ مِنْ إمَامٍ أَوْ لَا) بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ بِذَلِكَ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 573 لِحَدِيثِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَجَعَلَ جِنْسَ الْبَيِّنَةِ فِي جَنَبَةِ الْمُدَّعِي، فَلَا يَبْقَى فِي جَنَبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي أَكْثَرُ فَائِدَةً؛ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا، كَتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ وَوَجْهُ كَثْرَةِ فَائِدَتِهَا أَنَّهَا تُثْبِتُ سَبَبًا لَمْ يَكُنْ، وَبَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ إنَّمَا تُثْبِتُ ظَاهِرًا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهَا رُؤْيَةَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ، وَلَا يُحَلَّفُ الْخَارِجُ مَعَ بَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ (وَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ) ؛ أَيْ: رَبِّ الْيَدِ (وَهُوَ مُنْكِرٌ) لِدَعْوَى الْخَارِجِ (لِادِّعَائِهِ الْمِلْكَ) لِمَا بِيَدِهِ. (وَكَذَا مَنْ) (ادَّعَى عَلَيْهِ تَعَدِّيًا بِبَلَدٍ وَوَقْتٍ مُعَيَّنَيْنِ، وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ - وَهُوَ مُنْكِرٌ - فَادَّعَى كَذِبَهَا، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ بِهِ) ؛ أَيْ: بِذَلِكَ الْوَقْتِ (بِمَحَلٍّ بَعِيدٍ عَنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ) فَتُسْمَعُ، وَيُعْمَلُ بِهَا (وَقَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " الصَّوَابُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الرُّجُوعُ لِلْقَرَائِنِ مِنْ صِدْقِ الْمُدَّعِي وَغَيْرِهِ) انْتَهَى (وَمَعَ حُضُورِ الْبَيِّنَتَيْنِ) ؛ أَيْ: بَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ (لَا يُسْمَعُ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ قَبْلَ بَيِّنَةِ خَارِجٍ وَتَعْدِيلُهَا) صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ هِيَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَمُعْتَمَدُ الْحُكْمِ، وَبَيِّنَةُ الدَّاخِلِ لَا تُسْمَعُ إلَّا مَعَهَا؛ فَلَا تَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا (وَتُسْمَعُ) بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ (بَعْدَ التَّعْدِيلِ) لِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ (قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) وَتُقَدَّمُ عَلَيْهَا بَيِّنَةُ الْخَارِجِ (فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ غَائِبَةً حِينَ رَفَعْنَا يَدَهُ) عَنْ الْمُدَّعَى بِهِ (فَجَاءَتْ، وَقَدْ ادَّعَى فِيهِ مِلْكًا مُطْلَقًا) غَيْرَ مُسْتَنِدٍ لِحَالِ وَضْعِ يَدِهِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً (فَهِيَ بَيِّنَةُ خَارِجٍ) فَتُقَدَّمُ عَلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي الْأَوَّلِ (وَإِنْ ادَّعَاهُ) ؛ أَيْ: الْمِلْكَ (مُسْتَنِدًا لِمَا فِيهِ) وَأَقَامَهَا؛ فَهِيَ (بَيِّنَةُ دَاخِلٍ) فَتُقَدَّمُ عَلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي عَلَيْهَا؛ لِاسْتِنَادِ دَعْوَى الْمُنْكِرِ إلَى وَضْعِ يَدِهِ. (وَإِنْ) (أَقَامَ الْخَارِجُ) غَيْرُ وَاضِعِ الْيَدِ (بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الدَّاخِلِ) وَاضِعِ الْيَدِ (وَأَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْخَارِجِ؛) (قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّهُ الْخَارِجُ مَعْنًى) لِإِثْبَاتِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ صَاحِبُ الْيَدِ، وَأَنَّ يَدَ الدَّاخِلِ نَائِبَةٌ عَنْهُ. (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَقَامَ الْآخَرُ) ؛ أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 574 الدَّاخِلُ (بَيِّنَةً أَنَّهُ) ، أَيْ: الْخَارِجَ (بَاعَهَا لَهُ) ، أَيْ: الدَّاخِلِ (أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ) أَيْ: الدَّاخِلِ (أَوْ أَعْتَقَهَا) ، أَيْ: الرَّقَبَةَ (قُدِّمَتْ) الْبَيِّنَةُ (الثَّانِيَةُ) لِشَهَادَتِهَا بِأَمْرٍ حَدَثَ عَلَى الْمِلْكِ، خَفِيَ عَلَى الْأُولَى، وَالْبَيْعُ أَوْ الْوَقْفُ أَوْ الْعِتْقُ مِنْهُ (وَلَمْ تَرْفَعْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ يَدَهُ) ، أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (كَقَوْلِهِ أَبْرَأَنِي مِنْ الدَّيْنِ) وَيُقِيمُ بِهِ بَيِّنَةً، وَتُقَدَّمُ. (أَمَّا لَوْ قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ) بِأَنَّهُ بَاعَهُ مِنِّي، أَوْ وَقَفَهُ عَلَيَّ أَوْ أَعْتَقَهُ (طُولِبَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (بِالتَّسْلِيمِ) لِلْمُدَّعِي بِهِ (لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ يَطُولُ) وَقَدْ يَكُونُ كَاذِبًا (وَمَتَى أَرَّخَتَا) أَيْ: بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ (وَالْعَيْنُ بِيَدِهِمَا أَوْ لَا فِي شَهَادَةٍ بِمِلْكٍ) بِأَنْ قَالَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ مَلَكَ الْعَيْنَ وَقْتَ كَذَا، وَقَالَتْ الْأُخْرَى مَلَكَهَا وَقْتَ كَذَا، أَوْ أَرَّخَتَا فِي شَهَادَةٍ بِيَدٍ، بِأَنْ قَالَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ الْعَيْنُ بِيَدِهِ مُنْذُ كَذَا، وَقَالَتْ الْأُخْرَى بِيَدِهِ مُنْذُ كَذَا (أَوْ) أَرَّخَتْ (إحْدَاهُمَا فَقَطْ) ، أَيْ: وَلَمْ تُؤَرِّخْ فِي الْأُخْرَى، (أَوْ) قَالَتْ إحْدَاهُمَا (إنَّهُ مَلَكَهَا مُنْذُ سَنَةٍ، وَقَالَتْ الْأُخْرَى مَلَكَهَا مُنْذُ شَهْرٍ وَلَمْ تَقُلْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، فَهُمَا) ، أَيْ: الْبَيِّنَتَانِ (سَوَاءٌ) لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمُتَقَدِّمِ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دَاخِلٌ فِي نِصْفِ الْعَيْنِ خَارِجٌ فِي نِصْفِهَا (إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْمُتَأَخِّرَةُ) تَارِيخًا إذَا أَرَّخَتَا (بِانْتِقَالِهِ) أَيْ: الْمِلْكِ عَنْهُ، أَيْ: عَنْ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْمِلْكِ الْمُتَقَدِّمِ (وَلَا تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا) ، أَيْ: الْبَيِّنَتَيْنِ (بِزِيَادَةِ نِتَاجٍ) بِأَنْ شَهِدَتْ بِأَنَّهَا بِنْتُ فَرَسِهِ أَوْ بَقَرَتِهِ نُتِجَتْ فِي مِلْكِهِ وَالْأُخْرَى شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ فَقَطْ، بَلْ هُمَا سَوَاءٌ، لِتَسَاوِيهِمَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ مِلْكُ الْعَيْنِ الْآنَ، فَتَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا (بِاشْتِهَارِ عَدَالَةٍ أَوْ كَثْرَةِ عَدَدٍ) كَأَرْبَعَةِ رِجَالٍ وَرَجُلَيْنِ (وَلَا يُقَدَّمُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ عَلَى رَجُلٍ وَيَمِينٍ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُقَدَّرَةٌ بِالشَّرْعِ، فَلَا تَخْتَلِفُ بِالزِّيَادَةِ. (وَإِنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْمِلْكِ) فِي الْعَيْنِ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ، (وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى بِانْتِقَالِهِ) أَيْ: الْمِلْكِ (عَنْهُ) لِلْآخَرِ (كَمَا لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 575 هَذِهِ الدَّارَ لِأَبِي خَلَّفَهَا تَرِكَةً، وَأَقَامَتْ امْرَأَتُهُ - أَيْ الْأَبِ - بَيِّنَةً أَنْ أَبَاهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا) ؛ أَيْ: الدَّارَ (قُدِّمَتْ النَّاقِلَةُ) وَحُكِمَ بِالْمِلْكِ لِلْمَرْأَةِ؛ لِشَهَادَتِهَا أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْمِلْكِ خَفِيَ عَلَى الْأُخْرَى (كَ) تَقْدِيمِ (بَيِّنَةِ مِلْكٍ عَلَى بَيِّنَةِ يَدٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " بِغَيْرِ خِلَافٍ. . وَالْحَالُ (الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ) الْمُتَنَازَعُ فِيهَا (بِيَدِ ثَالِثٍ، فَإِنْ ادَّعَاهَا) الثَّالِثُ (لِنَفْسِهِ) وَأَنْكَرَهُمَا (حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْمُنَازِعَيْنِ لَهُ (يَمِينًا) لِأَنَّهُمَا اثْنَانِ كُلٌّ يَدَّعِيهَا (فَإِنْ نَكَلَ عَنْهُمَا) ؛ أَيْ: الْيَمِينَيْنِ (أَخَذَاهَا) ؛ أَيْ: الْعَيْنَ الْمُتَنَازَعَ فِيهَا (مِنْهُ) وَأَخَذَا مِنْهُ (بَدَلَهَا) ؛ أَيْ: مِثْلَهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، أَوْ قِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً؛ لِتَلَفِ الْعَيْنِ بِتَفْرِيطِهِ، وَهُوَ تَرْكُ الْيَمِينِ لِلْأَوَّلِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهَا (وَاقْتَرَعَا عَلَيْهَا) ، أَيْ: عَلَى الْعَيْنِ وَبَدَلِهَا؛ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ لَهُ بِالْعَيْنِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ. (وَإِنْ أَقَرَّ) الثَّالِثُ بِهَا؛ أَيْ: الْعَيْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا: (لَهُمَا) أَخَذَاهَا مِنْهُ (وَاقْتَسَمَاهَا) نِصْفَيْنِ (وَحَلَفَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا بِالنِّسْبَةِ لِلنِّصْفِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ لِصَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ يَدَّعِيهِ لَهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا؛ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ لِلْآخَرِ (وَحَلَفَ كُلٌّ مِنْ) الْمُدَّعِيَيْنِ (لِصَاحِبِهِ عَلَى النِّصْفِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِهِ) كَمَا لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِأَيْدِيهِمَا ابْتِدَاءً. (وَإِنْ نَكَلَ الْمُقِرُّ) بِالْعَيْنِ لَهُمَا (عَنْ الْيَمِينِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِيَيْنِ (أُخِذَ مِنْهُ بَدَلُهَا، وَاقْتَسَمَاهُ أَيْضًا) كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَيْنِ (وَإِنْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ) بِالْعَيْنِ جَمِيعِهَا (حَلَفَ) الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهَا (وَأَخَذَهَا) لِأَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ لَهُ صَارَ كَأَنَّ الْعَيْنَ بِيَدِهِ، وَالْآخَرُ مُدَّعٍ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ؛ فَيَحْلِفُ لِنَفْيِ دَعْوَاهُ (وَيَحْلِفُ الْمُقِرُّ لِلْآخَرِ) إنْ طَلَبَ يَمِينَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَخَافَ مِنْ الْيَمِينِ، فَيُقِرَّ لَهُ؛ فَيَغْرَمَ لَهُ بَدَلَهَا (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ لِلْآخَرِ (أَخَذَ مِنْهُ بَدَلهَا) ؛ أَيْ: الْعَيْنِ بِالْحُكْمِ بِنُكُولِهِ (وَإِذَا أَخَذَهَا) ؛ أَيْ: الْعَيْنَ الْمُقَرَّ لَهُ بِهَا بِمُقْتَضَى إقْرَارِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لَهُ، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي (الْآخَرُ بَيِّنَةً) أَنَّهَا مِلْكُهُ (أَخَذَهَا مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ لَهَا. قَالَ فِي " الرَّوْضَةِ " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 576 (وَلِلْمُقَرِّ لَهُ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُقِرِّ) قَالَ فِي شَرْحِ (الْمُنْتَهَيْ) وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ لِغَيْرِ صَاحِبِ " الرَّوْضَةِ " انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ: بَدَلُهَا لَكَانَ أَوْلَى، إذْ الْبَدَلُ يَشْمَلُ الْمِثْلَ وَالْقِيمَةَ قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهَا. (وَإِنْ قَالَ) مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ (هِيَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ: الْمُدَّعِيَيْنِ (وَأَجْهَلُهُ فَصَدَّقَاهُ) عَلَى جَهْلِهِ بِهِ (لَمْ يَحْلِفْ) لِتَصْدِيقِهِمَا لَهُ فِي دَعْوَاهُ (وَإِلَّا) يُصَدِّقَاهُ (حَلَفَ) لَهُمَا (يَمِينًا وَاحِدَةً) لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ إلَّا بِطَلَبِهِمْ جَمِيعًا، لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مِنْهُمَا لِلْيَمِينِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ (وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِيَيْنِ لِلْعَيْنِ (فَمَنْ قُرِعَ صَاحِبُهُ حَلَفَ وَأَخَذَهَا) نَصًّا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ فَصَارَ ذَلِكَ الْمُقَرُّ لَهُ؛ هُوَ صَاحِبُ الْيَدِ دُونَ الْآخَرِ، فَبِالْقُرْعَةِ تَعَيَّنَ الْمُقَرُّ لَهُ، فَيَحْلِفُ عَلَى دَعْوَاهُ، وَيَقْتَضِي لَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ عَيْنًا (فَإِنْ أَبَى) مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (الْيَمِينَ أَخَذَهَا) الْآخَرُ (بِدُونِهِ) لِأَنَّ إعْرَاضَ الْقَارِعِ عَنْ الْيَمِينِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ لَهُ (ثُمَّ إنْ بَيَّنَهُ) ؛ أَيْ: بَيَّنَ مَنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ الْمُسْتَحِقَّ لَهَا مِنْهُمَا بَعْدَ قَوْلِهِ هِيَ لِأَحَدِهِمَا وَأَجْهَلُهُ (وَيَتَّجِهُ لَا) إنْ كَانَ تَبْيِينُهُ الْمُسْتَحِقَّ (بَعْدَ قُرْعَةٍ) فَإِنْ بَيَّنَ بَعْدَ الْقُرْعَةِ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (قُبِلَ) لِتَبْيِينِهِ ابْتِدَاءً، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِهَا لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ وَالشَّهَادَةِ بِهَا كَذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَصِحُّ لِمَجْهُولٍ وَلَا بِهِ (وَلَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَنَازِعَيْنِ اللَّذَيْنِ ادَّعَيَا الْعَيْنَ، وَقَالَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ: هِيَ لِأَحَدِهِمَا وَأَجْهَلُهُ الْقُرْعَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى يَمِينِهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ صَدَّقَاهُ لَمْ تَجِبْ الْيَمِينُ (فَإِنْ نَكَلَ) مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ عَنْ حَلِفِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عَيْنَ الْمُسْتَحِقِّ مِنْهُمَا (قُدِّمَتْ الْقُرْعَةُ) لِأَنَّهَا تُعَيِّنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 577 الْمُقَرَّ لَهُ مِنْهُمَا، فَإِذَا أَقْرَعَ صَاحِبُهُ كَانَ كَمَنْ أُقِرَّ لَهُ؛ فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ حَقَّهُ (وَيَحْلِفُ) الْمُقِرُّ (لِلْمَقْرُوعِ إنْ كَذَّبَهُ) فِي عَدَمِ الْعِلْمِ (فَإِنْ نَكَلَ) الْمُقِرُّ عَنْ الْيَمِينِ (أُخِذَ مِنْهُ بَدَلُهَا) كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ (وَإِنْ أَنْكَرَهُمَا) الثَّالِثُ، فَقَالَ لَيْسَتْ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا (وَلَمْ يُنَازِعْ) وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا كَإِقْرَارِهِ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ (فَلَوْ عُلِمَ أَنَّهَا) ؛ أَيْ: الْعَيْنَ (لِلْآخَرِ) الْمَقْرُوعِ (فَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ) لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى مَنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ إنْكَارُهُ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ (وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ) لِرَبِّهَا بَدَلَهَا بِإِنْكَارِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ إنْكَارُهُ سَبَبًا لِتَضْيِيعِهَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ وَلَا ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ، (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ) بَعْدَ إنْكَارِهِ لَهَا (وَحَلَفَ الْآخَرُ) وَهُوَ الْمَقْرُوعُ يَمِينًا أَنَّ الْعَيْنَ الْمُدَّعَى بِهَا لَهُ لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهَا (أَخَذَهَا) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِحَلِفِهِ مَعَ شَاهِدٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ) مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ (بَيِّنَةٌ تَعَارَضَتَا) لِتَسَاوِيهِمَا فِي عَدَمِ الْيَدِ؛ فَيَسْقُطَانِ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِإِحْدَاهُمَا (سَوَاءٌ أَقَرَّ) رَبُّ الْيَدِ لَهُمَا (أَوْ) أَقَرَّ (لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، أَوْ) كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُدَّعَى بِهَا (لَيْسَتْ بِيَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 578 أَحَدٍ) فَيَصِيرَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا. (وَإِنْ أَنْكَرَهَا) رَبُّ الْيَدِ (فَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَمْ تُرَجَّحْ) بَيِّنَةُ الْمُقَرِّ لَهُ (بِذَلِكَ، وَحُكْمُ التَّعَارُضِ بِحَالِهِ) اعْتِبَارًا بِحَالِ قِيَامِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَرُجُوعُ الْيَدِ إلَى صَاحِبِهَا طَارِئٌ، فَلَا عِبْرَةَ بِهِ (وَإِقْرَارُهُ) لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ (صَحِيحٌ فَيُعْمَلُ بِهِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ (وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ) بِالْعَيْنِ لِأَحَدِهِمَا (قَبْلَ إقَامَتِهِمَا) الْبَيِّنَتَيْنِ (فَالْمُقَرُّ لَهُ كَدَاخِلٍ) لِانْتِقَالِ الْيَدِ إلَيْهِ بِإِقْرَارِ مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِهِ ابْتِدَاءً (وَالْآخَرُ) غَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ (كَخَارِجٍ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَدِهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. . (وَإِنْ) جَهِلَ مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ لِمَنْ هِيَ (وَلَمْ يَدَّعِهَا) لِنَفْسِهِ (وَلَمْ يُقِرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ، وَلَا بَيِّنَةَ) لِوَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ (فَهِيَ لِأَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ) لِتَسَاوِيهِمَا فِي الدَّعْوَى وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَالْيَدِ. (فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُكَلَّفًا، وَأَقَامَا بَيِّنَةً بِرِقِّهِ، وَأَقَامَ هُوَ) أَيْ: الْمُكَلَّفُ (بَيِّنَةً بِحُرِّيَّتِهِ، تَعَارَضَتَا) لِتَسَاوِيهِمَا، وَرُجِعَ إلَى الْأَصْلِ وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ (وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ) الْمُكَلَّفُ (حُرِّيَّةً، فَأَقَرَّ) بِالرِّقِّ (لِأَحَدِهِمَا، فَهُوَ لَهُ) كَمُدَّعٍ وَاحِدٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ إقْرَارِ الْمُكَلَّفِ بِالرِّقِّ، وَهَذَا فِي غَيْرِ اللَّقِيطِ، فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ مُطْلَقًا (وَإِنْ أَقَرَّ) بِالرِّقِّ (لَهُمَا فَهُوَ لَهُمَا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ) إنْ قَالَ: أَنَا عَبْدُهُمَا أَوْ عَبْدُ أَحَدِهِمَا (لَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِهِ) بِالرِّقِّ، لِعَدَمِ اعْتِبَارِ قَوْلِهِ. (وَمَنْ ادَّعَى دَارًا، وَادَّعَى آخَرُ نِصْفَهَا، فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ بِيَدَيْهِمَا) أَيْ: الْمُدَّعِيَيْنِ، (وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ) أَيْ: أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ (فَهِيَ لِمُدَّعِي الْكُلِّ) لِأَنَّ مُدَّعِيَ النِّصْفِ مُقِرٌّ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ لِصَاحِبِهِ، فَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَدَّعِيهِ صَاحِبُ الْكُلِّ وَيَدُ مُدَّعِي النِّصْفِ عَلَيْهِ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ، فَيَكُونُ لَهُ (لِأَنَّهُ خَارِجٌ) وَبَيِّنَتُهُ مُقَدَّمَةٌ. (وَإِنْ كَانَتْ) الدَّارُ (إذَنْ بِيَدِ ثَالِثٍ، فَإِنْ نَازَعَ) الثَّالِثُ (فَلِمُدَّعٍ كُلَّهَا نِصْفُهَا) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ، وَالنِّصْفُ (الْآخَرُ لِرَبِّ الْيَدِ بِيَمِينِهِ) لِرُجْحَانِهِ بِالْيَدِ، وَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 579 بَيِّنَةَ عَلَيْهِ؛ لِسُقُوطِ الْبَيِّنَتَيْنِ بِالتَّعَارُضِ (وَإِنْ لَمْ يُنَازِعْ) الثَّالِثُ (فَقَدْ ثَبَتَ أَخْذُ نِصْفِهَا لِمُدَّعِي الْكُلِّ؛ لِمَا سَبَقَ، وَيَقْتَرِعَانِ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِيَانِ عَلَى النِّصْفِ (الْبَاقِي) لِسُقُوطِ الْبَيِّنَتَيْنِ بِالتَّعَارُضِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا - وَهِيَ بِيَدِ ثَالِثٍ - لَمْ يُنَازِعْ (فَلِمُدَّعِي كُلِّهَا نِصْفُهَا بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ، وَيَقْتَرِعَانِ عَلَى النِّصْفِ الْآخَرِ (فَمَنْ قُرِعَ) ؛ أَيْ: خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (فِي النِّصْفِ الْآخَرِ؛ حَلَفَ) أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهِ (وَأَخَذَهُ) كَالْعَيْنِ الْكَامِلَةِ (وَلَوْ ادَّعَى) كُلٌّ مِنْهُمَا (نِصْفَهَا) ؛ أَيْ: الدَّارِ وَنَحْوِهَا، أَوْ صَدَّقَ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ (أَحَدَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِيَيْنِ (وَكَذَّبَ الْآخَرَ، وَلَمْ يُنَازِعْ) مَنْ كَذَّبَهُ فِي نِصْفِهِ؛ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ نِصْفَهُ وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ (فَقِيلَ يُسَلَّمُ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: مُدَّعِيهِ. (وَيَتَّجِهُ وَهُوَ) ؛ أَيْ: تَسْلِيمُهُ لِمُدَّعِيهِ (أَوْلَى) لِأَنَّهُ لَا مُدَّعِيَ لَهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَقِيلَ يَحْفَظُهُ حَاكِمٌ) كَمَالٍ ضَائِعٍ (وَقِيلَ يَبْقَى بِحَالِهِ) بِيَدِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ؛ لِيَظْهَرَ مُسْتَحِقُّهُ. (وَيَتَّجِهُ فَإِنْ فَسَّرَهُ ذُو الْيَدِ بِلَفْظِهِ يَجُوزُ) كَوْنُهُ لِي، فَيَبْقَى ذَلِكَ النِّصْفُ بِحَالِهِ بِيَدِ ذِي الْيَدِ (وَإِلَّا) يُفَسِّرْهُ ذُو الْيَدِ حِينَ الدَّعْوَى (فَ) يُدْفَعُ (لِحَاكِمٍ) يَحْفَظُهُ إلَى ظُهُورِ رَبِّهِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَمْ أَرَهُ بِغَيْرِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 580 [فَصْلٌ بِيَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَادَّعَى الْبَائِع اعتاقه] فَصْلٌ (وَمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ، وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنْ زَيْدًا أَعْتَقَهُ) وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً؛ صَحَّحْنَا أَسْبَقَ التَّصَرُّفَيْنِ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ (أَوْ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ زَيْدًا بَاعَهُ) أَيْ: الْعَبْدَ لَهُ (أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَادَّعَى آخَرُ مِثْلَهُ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً) بِدَعْوَاهُ (صَحَّحْنَا أَسْبَقَ التَّصَرُّفَيْنِ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ) لِمُصَادَفَةِ التَّصَرُّفِ الثَّانِي مِلْكَ غَيْرِهِ، فَوَجَبَ بُطْلَانُهُ، (وَإِلَّا) يُعْلَمْ التَّارِيخُ، أَوْ اتَّفَقَ (تَسَاقَطَتَا) لِتَعَارُضِهِمَا وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَحَلَّ صِحَّةِ أَسْبَقِ التَّصَرُّفَيْنِ (بِشَرْطِ أَنْ يَقُولَ) مَنْ شَهِدَ بِالسَّبْقِ بَاعَهُ الْعَبْدَ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ (وَهُوَ مِلْكُهُ) وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ، فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ، وَعُلِمَ السَّابِقُ يُحْكَمُ لَهُ بِهِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ مِلْكُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالسَّبْقِ أَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي الثَّانِي وَقْتَ انْتِقَالِهِ لِلْأَوَّلِ. بَقِيَ لَوْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا، وَزَادَ كُلٌّ وَهُوَ مِلْكُهُ، فَهَلْ يَتَنَاصَفَاهُ كَمَا ذَكَرُوا فِي الْعَيْنِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمَا أَمْ هَذَا الْحُكْمُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِمْ وَإِلَّا تَسَاقَطَتَا؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ مَعَ تَسَاقُطِ) الْبَيِّنَتَيْنِ بِالتَّعَارُضِ (يُقْبَلُ مِنْ زَيْدٍ دَعْوَاهُ) الْعَبْدَ (لِنَفْسِهِ) بِيَمِينِهِ، فَيَحْلِفُ لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً أَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ (وَيَأْخُذُهُ كَمَا يَأْتِي) وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا إنْ كَانَ الْعَبْدُ بِيَدِ نَفْسِهِ) نَصًّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 581 إلْغَاءً لِهَذِهِ الْيَدِ لِلْعِلْمِ بِمُسْتَنَدِهَا، وَهُوَ الدَّعْوَى، وَلَمْ تَثْبُتْ كَمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ وَأَنْكَرَهُ زَيْدٌ، فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِهَذِهِ الْيَدِ. (وَلَوْ ادَّعَيَا) ؛ أَيْ: اثْنَانِ (زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ) فَأَنْكَرَتْهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ (وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا) الْبَيِّنَةَ بِدَعْوَاهُ (وَلَوْ كَانَتْ) الْمَرْأَةُ (بِيَدِ أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِيَيْنِ؛ (سَقَطَتَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَتَانِ؛ لِتَعَارُضِهِمَا، وَالْيَدُ لَا تَثْبُتُ عَلَى الْحُرِّ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا؛ لَمْ يُقْبَلْ، لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ وَحْدَهُ؛ حُكِمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ ادَّعَاهَا وَاحِدٌ فَصَدَّقَتْهُ؛ قُبِلَ إقْرَارُهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَّهَمَةٍ (إذَنْ، وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِمَّنْ الْعَيْنُ بِيَدَيْهِمَا بَيِّنَةً بِشِرَائِهَا مِنْ زَيْدٍ بِشَرْطِ أَنْ يَقُولَ: وَهِيَ) ؛ أَيْ: الْعَيْنُ (مِلْكُهُ بِكَذَا، وَاتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَتَيْنِ (تَحَالَفَا، وَتَنَاصَفَاهَا) لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا دَاخِلَةٌ فِي أَحَدِ النِّصْفَيْنِ خَارِجَةٌ فِي الْآخَرِ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى زَيْدٍ بِنِصْفِ الثَّمَنِ) الَّذِي دَفَعَهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ سِوَى نِصْفِ الْمَبِيعِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا (أَنْ يَفْسَخَ) الْبَيْعَ؛ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ (وَيَرْجِعَ) مَنْ فَسَخَ مِنْهُمَا (بِكُلِّهِ) ؛ أَيْ: الثَّمَنِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا (أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا) ؛ أَيْ: الْعَيْنَ بِكُلِّ الثَّمَنِ (مَعَ فَسْخِ الْآخَرِ) لِبَيْعٍ فِي نِصْفِهِ (وَإِنْ سَبَقَ تَارِيخُ) بَيِّنَةِ (أَحَدِهِمَا، فَهِيَ) ؛ أَيْ: الْعَيْنُ (لَهُ) لِصِحَّةِ عَقْدِهِ بِسَبْقِهِ (وَلِلثَّانِي) عَلَى بَائِعِهِ (الثَّمَنُ) إنْ كَانَ قَبَضَهُ مِنْهُ؛ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ بَيْعِهِ (وَإِنْ أَطْلَقَتَا) ؛ أَيْ: بَيِّنَتَاهُمَا، أَوْ أَطْلَقَتْ (إحْدَاهُمَا تَعَارَضَتَا فِي مِلْكٍ إذَنْ لَا فِي شِرَاءٍ) لِجَوَازِ تَعَدُّدِهِ، بِخِلَافِ الْمِلْكِ (فَيُقْبَلُ مِنْ زَيْدٍ) الْبَائِعِ لَهُمَا (دَعْوَاهَا لِنَفْسِهِ بِيَمِينٍ) وَاحِدَةٍ (لَهُمَا) أَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ. . (وَإِنْ ادَّعَى اثْنَانِ ثَمَنَ عَيْنٍ بِيَدِ ثَالِثٍ، كُلٌّ مِنْهُمَا) يَقُولُ (إنَّهُ) ؛ أَيْ: وَاضِعَ الْيَدِ (اشْتَرَاهَا كُلَّهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ سَمَّاهُ) فِي دَعْوَاهُ (فَمَنْ صَدَّقَهُ) مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ مِنْهُمَا؛ أَخَذَ مَا ادَّعَاهُ (أَوْ مَنْ أَقَامَ) مِنْهُمَا (بَيِّنَةً) بِدَعْوَاهُ (أَخَذَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الثَّمَنِ) وَإِلَّا يُصَدِّقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَلَا أَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَيِّنَةً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 582 (حَلَفَ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا؛ لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْعَقْدِ (وَبَرِئَ وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ) دَعْوَاهُمَا (فَإِنْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا) أَيْ: الْبَيِّنَتَيْنِ (تَعَارَضَتَا، وَتَسَاقَطَتَا) لِعَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا عَيْنًا بِيَدِ ثَالِثٍ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ) تَارِيخُهُمَا (أَوْ أَطْلَقَتَا) بِأَنْ شَهِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِكَذَا، وَلَمْ تَذْكُرْ تَارِيخًا، أَوْ أَطْلَقَتْ (إحْدَاهُمَا) بِأَنْ قَالَتْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِكَذَا فَقَطْ، وَأَرَّخَتْ الْأُخْرَى (عُمِلَ بِهِمَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا عَقْدَانِ شَهِدَ بِهِمَا بَيِّنَتَانِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مُشْتَرٍ وَاحِدٍ، وَعَقْدُ الشِّرَاءِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَوَّلِ، ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ بَيْعًا أَوْ هِبَةً إلَى الثَّانِي، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ الثَّانِي، فَلَا تَعَارُضَ، وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنَانِ الْمُدَّعَى بِهِمَا. وَإِنْ كَانَتْ عَيْنٌ بِيَدِ إنْسَانٍ فَادَّعَاهَا اثْنَانِ (فَقَالَ أَحَدُهُمَا: غَصَبَنِيهَا، وَقَالَ الْآخَرُ مَلَّكَنِيهَا أَوْ أَقَرَّ لِي بِهَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ) أَيْ: أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ (فَهِيَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ) لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَتِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَهُوَ سَبَبُ ثُبُوتِ الْيَدِ، وَالْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى إنَّمَا تَشْهَدُ بِتَصَرُّفِهِ فِيهَا، فَلَا تُعَارِضُهَا (وَلَا يَغْرَمُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْآخَرِ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ مَلَّكَهُ الْعَيْنَ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا (شَيْئًا) لِعَدَمِ مُقْتَضِيهِ، إذْ بُطْلَانُ التَّمْلِيكِ أَوْ الْإِقْرَارُ لِثُبُوتِ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَا يُوجِبُ عِوَضًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ يُوجِبُ رَدَّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ غَصَبَنِيهَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، فَكَمَا لَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ عَلَى مَا سَبَقَ. (وَإِنْ ادَّعَى) رَبُّ دَارٍ عَلَى آخَرَ (أَنَّهُ أَجَرَهُ الْبَيْتَ) ، أَيْ: بَيْتًا مُعَيَّنًا مِنْ الدَّارِ (بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: بَلْ) أَجَرْتنِي (كُلَّ الدَّارِ) بِعَشَرَةٍ (وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ) شَهِدَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِمَنْ أَقَامَهَا بِدَعْوَاهُ (تَعَارَضَتَا وَلَا قِسْمَةَ هُنَا) ؛ أَيْ: لَا يَقْسِمَانِ بَقِيَّةَ مَنْفَعَةِ الدَّارِ. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُؤْجِرِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ إجَارَةَ غَيْرِ الْبَيْتِ. وَمَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 583 أَخَذَ مِنْ اثْنَيْنِ ثَوْبَيْنِ أَحَدَهُمَا بِعَشْرَةٍ وَالْآخَرَ بِعِشْرِينَ، ثُمَّ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا ثَوْبُ هَذَا مِنْ ثَوْبِ هَذَا، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْأَجْوَدَ أَنَّهُ لَهُ، فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَأَيُّهُمَا أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ: حَلَفَ، وَأَخَذَ الثَّوْبَ الْجَيِّدَ وَالْآخَرُ لِلْآخَرِ، أَيْ: لِأَنَّهُمَا تَنَازَعَا عَيْنًا بِيَدِ غَيْرِهِمَا. [بَابُ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ] ِ (وَهُوَ التَّعَادُلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) يُقَالُ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ إذَا تَقَابَلَتْ؛ أَيْ: أَثْبَتَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا نَفَتْهُ الْأُخْرَى؛ فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ فَتَسْقُطَانِ؛ وَعَارَضَ زَيْدٌ عَمْرًا إذَا أَتَاهُ بِمِثْلِ مَا أَتَاهُ بِهِ. (مَنْ قَالَ لِقِنِّهِ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (مَتَى قُتِلْت فَأَنْتَ حُرٌّ؛ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى قِنِّهِ) بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ (قَتْلَهُ) ؛ أَيْ: أَنَّهُ مَاتَ قَتِيلًا (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ (وَتُقَدَّمُ) بَيِّنَةُ قِنٍّ بِقَتْلِهِ (عَلَى بَيِّنَةِ وَارِثٍ) بِأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ؛ لِأَنَّ مَعَ الْأُولَى زِيَادَةَ عِلْمٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَلِقِنٍّ تَحْلِيفُ وَارِثٍ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. (وَإِنْ) قَالَ سَيِّدُ عَبْدَيْنِ فَأَكْثَرَ إنْ (مِتّ فِي مُحَرَّمٍ فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ مِتّ فِي صَفَرٍ فَغَانِمٌ حُرٌّ) ثُمَّ مَاتَ (وَأَقَامَ كُلٌّ) مِنْ سَالِمٍ وَغَانِمٍ (بَيِّنَةً بِمُوجِبِ عِتْقِهِ؛ تَسَاقَطَتَا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَنْفِي مَا تُثْبِتُهُ الْأُخْرَى (وَرَقَّا) لِجَوَازِ مَوْتِهِ فِي غَيْرِ الْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ (كَمَا لَوْ لَمْ تَتِمَّ بَيِّنَةٌ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَجُهِلَ وَقْتُ مَوْتِهِ) فَيَرِقَّانِ لِمَا سَبَقَ (وَإِنْ عُلِمَ مَوْتُهُ فِي أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الشَّهْرَيْنِ (وَجُهِلَ) أَهُوَ الْمُحَرَّمُ أَوْ صَفَرٌ (أُقْرِعَ) بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، عَتَقَ، وَرَقَّ الْآخَرُ. . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 584 وَإِنْ قَالَ (إنْ مِتّ فِي مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ بَرِئْتُ مِنْهُ فَغَانِمٌ حُرٌّ) ثُمَّ مَاتَ (وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ) ؛ أَيْ: أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً بِمُوجِبِ عِتْقِهِ (تَسَاقَطَتَا) أَيْ: بَيِّنَتَاهُمَا (وَرَقَّا) لِنَفْيِ كُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا؛ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمُذَهَّبِ " وَ " مَسْبُوكِ الذَّهَبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَغَيْرِهِمْ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى بِعِتْقِ أَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ. صَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. (وَإِنْ جُهِلَ مِمَّ - مَاتَ وَلَا بَيِّنَةَ) - أُقْرِعَ - بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ عَتَقَ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِئَ أَوْ لَمْ يَبْرَأْ؛ فَعَتَقَ أَحَدُهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. (وَكَذَا إنْ أَتَى بِمَنْ بَدَّلَ فِيهِ) بِأَنْ قَالَ: إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ بَرِئْتُ مِنْهُ فَغَانِمٌ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْ الْعَبْدَيْنِ بَيِّنَةً (فِي التَّعَارُضِ) أَيْ: فَإِنَّهُ يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَسَاقُطِهِمَا، وَكَوْنِهِمَا يَبْقَيَانِ عَلَى الرِّقِّ، أَوْ يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ عَلَى مَا سَبَقَ (وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْجَهْلِ - وَلَا بَيِّنَةَ ثَمَّ) - فَيَعْتِقُ سَالِمٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الْمَرَضِ وَ (عَدَمُ الْبُرْءِ) . (وَإِنْ شَهِدَتْ) عَلَى مَيِّتٍ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ سَالِمٍ، وَ (شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أُخْرَى) أَنَّهُ وَصَّى (بِعِتْقِ غَانِمٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ سَالِمٍ وَغَانِمٍ (ثُلُثُ مَالِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوصِي (وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ) عِتْقَهُمَا (عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ) لِثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا " وَالْإِعْتَاقُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَقَدْ ثَبَتَ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ؛ فَكَذَا الْإِعْتَاقُ بَعْدَ الْمَوْتِ، لِاتِّحَادِ الْمَعْنَى فِيهِمَا، فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ؛ عَتَقَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ كَمَا لَوْ أَعْتَقُوهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ. (وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ وَارِثَةً فَاسِقَةً) وَلَمْ تُكَذِّبْ الْأَجْنَبِيَّةُ (عَتَقَ سَالِمٌ) بِلَا قُرْعَةٍ، لِأَنَّ بَيِّنَةَ غَانِمٍ الْفَاسِقَةَ لَا تُعَارِضُهَا (وَيَعْتِقُ غَانِمٌ بِقُرْعَةٍ) بِأَنْ يَكْتُبَ بِرُقْعَةٍ يَعْتِقُ وَبِأُخْرَى لَا يَعْتِقُ، وَيَتَدَرَّجُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِبُنْدُقَةٍ مِنْ شَمْعٍ أَوْ طِينٍ بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ إحْدَاهُمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 585 مِنْ الْأُخْرَى، وَيُقَالُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا، فَإِنْ خَرَجَتْ لِغَانِمٍ رُقْعَةُ الْعِتْقِ؛ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْوَارِثَةَ مُقِرَّةٌ بِالْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ غَانِمٍ أَيْضًا. (وَإِنْ كَانَتْ) الْبَيِّنَةُ الْوَارِثَةُ (عَادِلَةً وَكَذَّبَتْ) الْبَيِّنَةُ (الْأَجْنَبِيَّةُ؛ عُمِلَ بِشَهَادَتِهَا) لِعَدَالَتِهَا (وَلَغَا تَكْذِيبُهَا) الْأَجْنَبِيَّةَ (فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ) فَيَعْتِقُ غَانِمٌ بِلَا قُرْعَةٍ؛ لِإِقْرَارِ الْوَارِثِ أَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ سِوَاهُ وَيَقِفُ عِتْقُ سَالِمٍ عَلَى الْقُرْعَةِ. (وَلَوْ كَانَتْ) الْبَيِّنَةُ الْوَارِثَةُ (فَاسِقَةً، وَكَذَّبَتْ) الْعَادِلَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ (أَوْ شَهِدَتْ بِرُجُوعِهِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ عَتَقَا) أَمَّا سَالِمٌ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِتْقُ غَانِمٍ، وَأَمَّا غَانِمٌ فَلِإِقْرَارِ الْوَارِثَةِ بِعِتْقِهِ وَحْدَهُ، وَلِأَنَّ شَهَادَتَهَا بِالرُّجُوعِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ غَانِمٍ وَحْدَهُ، كَمَا لَوْ كَذَّبَتْ الْأُخْرَى. (وَلَوْ شَهِدَتْ) الْوَارِثَةُ (بِرُجُوعِهِ) عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ (وَلَا فِسْقَ بِهَا وَلَا تَكْذِيبَ) مِنْهَا لِبَيِّنَةِ سَالِمٍ (عَتَقَ غَانِمٌ) وَحْدَهُ (كَ) شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ (أَجْنَبِيَّةٍ) لِثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ بِلَا تُهْمَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ إلَى نَفْسِهَا بِشَهَادَتِهَا نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا، وَأَمَّا جَرُّهَا وَلَاءَ غَانِمٍ فَيُعَادِلُهُ إسْقَاطُ وَلَاءِ سَالِمٍ عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ سَبَبِ الْإِرْثِ، وَمِثْلُهُ لَا تَرِدُ الشَّهَادَةُ فِيهِ، كَمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ يَجُوزُ أَنْ يَرِثَ الْمَشْهُودَ لَهُ بِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ لِأَخِيهِ بِالْمَالِ " وَإِنْ جَازَ أَنْ يَرِثَهُ، (فَلَوْ كَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ) وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْوَارِثَةُ الْعَادِلَةُ شَهِدَتْ بِرُجُوعِهِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ (غَانِمٌ) قِيمَتُهُ (سُدُسُ مَالِهِ؛ عَتَقَا) ؛ أَيْ: سَالِمٌ وَغَانِمٌ (وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهَا) بِرُجُوعِهِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ بِدَفْعِ السُّدُسِ الْآخَرِ عَنْهَا (وَخَبَرُ وَارِثَةٍ عَادِلَةٍ كَ) شَهَادَةِ وَارِثَةٍ (فَاسِقَةٍ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ، وَسَوَاءٌ فِيهِ الْعَدْلُ وَالْفَاسِقُ. (وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِعِتْقِ سَالِمٍ فِي مَرَضِهِ وَ) شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ (أُخْرَى بِعِتْقِ غَانِمٍ فِيهِ؛ عَتَقَ السَّابِقُ) مِنْهُمَا تَارِيخًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ الْمُنَجَّزَةَ يُبْدَأُ مِنْهَا بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ (فَإِنْ جُهِلَ) التَّارِيخُ بِأَنْ أَطْلَقَتْ الْبَيِّنَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 586 (فَأَحَدُهُمَا) يَعْتِقُ (بِقُرْعَةٍ) كَمَا لَوْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَعْتَقَهُمَا مَعًا؛ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. أَوْ يَكُونُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَأَشْكَلَ، فَيَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ كَنَظَائِرِهِ (وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الْعَبْدَيْنِ وَارِثَةً، وَلَمْ تُكَذِّبْ الْأَجْنَبِيَّةُ، فَيَعْتِقُ السَّابِقُ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ. . (فَإِنْ سَبَقَتْ) الْبَيِّنَةُ (الْأَجْنَبِيَّةُ) تَارِيخًا بِأَنْ قَالَتْ أَعْتَقَ سَالِمًا فِي أَوَّلِ يَوْمِ الْمُحَرَّمِ، وَأَعْتَقَ غَانِمًا فِي ثَانِيهِ (فَكَذَّبَتْهَا الْوَارِثَةُ) بِأَنْ قَالَتْ مَا أَعْتَقَ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ إلَّا غَانِمًا عَتَقَ الْعَبْدَانِ، أَمَّا سَالِمٌ فَلِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أَنَّهُ السَّابِقُ، وَأَمَّا غَانِمٌ فَلِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ وَحْدَهُ لِسَبْقِ عِتْقِهِ. (أَوْ سَبَقَتْ) الْبَيِّنَةُ (الْوَارِثَةُ) الْبَيِّنَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الْوَارِثَةُ (فَاسِقَةٌ؛ عَتَقَا) أَمَّا غَانِمٌ فَلِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ بِسَبْقِ عِتْقِهِ، وَأَمَّا سَالِمٌ فَلِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ وَحْدَهُ. (وَإِنْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا) أَيْ: الْعَبْدَيْنِ، عَتَقَا، بِأَنْ اتَّفَقَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَيْنِ وَأَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أَسْبَقَهُمَا عِتْقًا (عَتَقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِقُرْعَةٍ) كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ جَادَّةَ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي ثُبُوتٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّعْوَتَيْنِ فِيهِمَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ إخْرَاجُ الْمُسْتَحِقِّ مِنْهُمَا بِالْقُرْعَةِ. (وَإِنْ قَالَتْ) الْبَيِّنَةُ (الْوَارِثَةُ مَا أَعْتَقَ إلَّا غَانِمًا) طَعْنًا فِي بَيِّنَةِ سَالِمٍ (عَتَقَ غَانِمٌ كُلُّهُ) لِإِقْرَارِ الْوَارِثَةِ بِعِتْقِهِ (وَيَعْتِقُ سَالِمٌ إنْ) تَقَدَّمَ تَارِيخُ (عِتْقِهِ أَوْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ) لِعَدَمِ قَبُولِ طَعْنِ الْوَارِثَةِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ؛ مُثْبِتَةٌ، وَالْوَارِثَةَ نَافِيَةٌ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي (وَإِنْ كَانَتْ) الْبَيِّنَةُ (الْوَارِثَةُ فَاسِقَةً، وَلَمْ تَطْعَنْ فِي بَيِّنَةِ سَالِمٍ، عَتَقَ) سَالِمٌ (كُلُّهُ) لِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ بِعِتْقِهِ، وَلَا مُعَارِضَ لَهَا (وَيُنْظَرُ فِي غَانِمٍ فَمَعَ) سَبْقِ تَارِيخِ (عِتْقِهِ أَوْ مَعَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ لَهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ) لِإِقْرَارِ الْوَارِثَةِ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ دُونَ غَيْرِهِ (وَمَعَ تَأَخُّرِهِ) ، أَيْ: عِتْقِ غَانِمٍ (أَوْ خُرُوجِهَا) أَيْ: الْقُرْعَةِ (لِسَالِمٍ؛ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 587 يَعْتِقْ مِنْهُ) ؛ أَيْ: غَانِمٍ (شَيْءٌ) لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ لَوْ كَانَتْ عَادِلَةً لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ، إذَنْ شَيْءٌ فَأَوْلَى إذَا كَانَتْ فَاسِقَةً (وَإِنْ كَذَّبَتْ) الْوَارِثَةُ (بَيِّنَةَ سَالِمٍ) الْأَجْنَبِيَّةَ (عَتَقَا) لِأَنَّ سَالِمًا مَشْهُودٌ بِعِتْقِهِ، وَغَانِمًا مُقَرٌّ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ سِوَاهُ (وَتَدْبِيرُ رَقِيقٍ مَعَ تَنْجِيزٍ) عَتَقَ آخِرٌ بِمَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (كَآخِرِ تَنْجِيزَيْنِ مَعَ أَسْبَقِهِمَا) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ؛ فَوَجَبَ تَأَخُّرُهُ عَنْ الْمُنَجَّزِ فِي الْحَيَاةِ (فَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَعْتَقَ سَالِمًا فِي مَرَضِهِ) وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى (أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ أَوْ دَبَّرَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: مِنْ الْعَبْدَيْنِ (ثُلُثُ الْمَالِ؛ عَتَقَ سَالِمٌ وَحْدَهُ) لِسَبْقِ الْعِتْقِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً فِي اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَلْزَمُ بِالْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ؛ فَإِنَّهُ كَالْعَطِيَّةِ يَلْزَمُ مِنْ حِينِهِ. . [فَصْلٌ فِي مَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ] فَصْلٌ (وَمَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، فَادَّعَى كُلٌّ) مِنْ الِابْنَيْنِ (أَنَّهُ) ؛ أَيْ: أَبَاهُ (مَاتَ عَلَى دِينِهِ، فَإِنْ عُرِفَ أَصْلُهُ) مِنْ إسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ؛ (فَ) يُقْبَلُ (قَوْلُ مُدَّعِيهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّينِ وَإِلَّا يُعْرَفْ أَصْلُ دِينِهِ (فَإِرْثُهُ لِلْكَافِرِ إنْ اعْتَرَفَ الْمُسْلِمُ بِأُخُوَّتِهِ، أَوْ ثَبَتَ) أُخُوَّتُهُ لَهُ (بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقِرُّ وَلَدَهُ عَلَى الْكُفْرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلِاعْتِرَافِهِ بِكُفْرِ أَبِيهِ فِيمَا مَضَى وَادِّعَائِهِ إسْلَامَهُ؛ فَجَعَلَ أَصْلَ دِينِهِ الْكُفْرَ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) يَعْتَرِفْ الْمُسْلِمُ بِأُخُوَّتِهِ وَلَا تَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ؛ (فَ) مِيرَاثُهُ (بَيْنَهُمَا) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ وَالدَّعْوَى، كَمَا لَوْ تَدَاعَيَا عَيْنًا بِأَيْدِيهِمَا (وَإِنْ جُهِلَ أَصْلُ دِينِهِ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ؛ تَسَاقَطَتَا) وَتَنَاصَفَا التَّرِكَةَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ. (وَإِنْ قَالَتْ بَيِّنَةٌ نَعْرِفُهُ مُسْلِمًا وَ) قَالَتْ بَيِّنَةٌ (أُخْرَى نَعْرِفُهُ كَافِرًا، وَلَمْ تُؤَرِّخَا) ؛ أَيْ: كُلٌّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مَعْرِفَتَهُمَا لَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُودِ بِهِ (وَجُهِلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 588 أَصْلُ دِينِهِ،) (فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِ) لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَتَيْنِ، إذْ الْإِسْلَامُ يَطْرَأُ عَلَى الْكُفْرِ، وَعَكْسُهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ (وَتُقَدَّمُ) الْبَيِّنَةُ (النَّاقِلَةُ إذَا عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ فِيهِنَّ) ، أَيْ: فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ، لِأَنَّ مَعَهَا عِلْمًا لَمْ تُعْلِمْهُ الْأُخْرَى، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهِ. (وَلَوْ شَهِدَتْ) بَيِّنَةٌ (أُخْرَى أَنَّهُ مَاتَ نَاطِقًا بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ مَاتَ نَاطِقًا بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، تَسَاقَطَتَا) سَوَاءٌ (عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ أَوْ لَا) لِأَنَّهُمَا أَرَّخَتَا وَقْتًا وَاحِدًا هُوَ سَاعَةُ مَوْتِهِ، فَتَعَارَضَتَا (وَكَذَا) أَيْ: كَمَنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا، فَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (إنْ خَلَّفَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ وَابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، أَوْ خَلَّفَ أَخًا وَزَوْجَةً مُسْلِمَيْنِ وَابْنًا كَافِرًا) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مَعَ ثُبُوتِ دَعْوَاهُمْ وَرَثَةٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَاهُمْ وَدَعْوَى الِابْنِ. قَالَ شَارِحُ " الْمُحَرَّرِ " وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّ الْمُسْلِمَ إنْ كَانَ مُعْتَرِفًا بِأُخُوَّةِ الْكَافِرِ، حُكِمَ بِهِ لِلْكَافِرِ، فَلَوْ اعْتَرَفَتْ الزَّوْجَةُ وَالْأَخُ الْمُسْلِمَانِ بِكَوْنِ الْكَافِرِ ابْنًا لِلْمَيِّتِ، لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ، لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ فَبَقَاؤُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِهِ لِلْكَافِرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَعَلَى كُلِّ حَالٍّ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُدْفَنُ وَحْدَهُ (وَمَتَى نَصَّفْنَا الْمَالَ) الْمُخَلَّفَ عَنْ الْمُخْتَلَفِ فِي دِينِهِ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي (فَنِصْفُهُ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ) لِلْأُمِّ ثُلُثُهُ، وَبَاقِيهِ لِلْأَبِ، وَلِلِابْنَيْنِ نِصْفُهُ، وَمَتَى نَصَّفْنَاهُ فِي الْمِثَالِ الثَّالِثِ (فَنِصْفُهُ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَخِ عَلَى أَرْبَعَةٍ) رُبُعُهُ لِلزَّوْجَةِ وَبَاقِيهِ لِلْأَخِ. (وَمَنْ أَسْلَمَ، وَادَّعَى تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ عَلَى مَوْتِ مُوَرِّثِهِ الْمُسْلِمِ، أَوْ) ادَّعَى تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ (عَلَى قَسْمِ تَرِكَتِهِ) ، أَيْ: قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ (قُبِلَ) ذَلِكَ مِنْهُ (بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ لَهُ (أَوْ تَصْدِيقِ وَارِثٍ) مَعَهُ أَوْ نُكُولِهِ لَدَعْوَاهُ، وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى كُفْرِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. (وَإِنْ قَالَ) مَنْ كَانَ كَافِرًا (أَسْلَمْت فِي مُحَرَّمٍ وَمَاتَ) مُوَرِّثٌ (فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 589 صَفَرٍ، وَقَالَ الْوَارِثُ) غَيْرُهُ (مَاتَ) مُوَرِّثُنَا (قَبْلَ مُحَرَّمٍ، وَرِثَ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الْمُحَرَّمِ، وَاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَوْتِ هَلْ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ حَيَاةِ الْأَبِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي تَأَخُّرِ الْمَوْتِ. (وَلَوْ خَلَّفَ حُرٌّ ابْنًا حُرًّا وَابْنًا) كَانَ (قِنًّا، فَادَّعَى) الَّذِي كَانَ قِنًّا (أَنَّهُ عَتَقَ وَأَبُوهُ حَيٌّ، وَلَا بَيِّنَةَ) لَهُ بِدَعْوَاهُ (صُدِّقَ أَخُوهُ فِي عَدَمِ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: الْعِتْقِ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ. . (وَإِنْ ثَبَتَ عِتْقُهُ بِرَمَضَانَ، فَقَالَ الْحُرُّ: مَاتَ أَبِي بِشَعْبَانَ، وَقَالَ الْعَتِيقُ بِشَوَّالٍ، صُدِّقَ الْعَتِيقُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَيَاةِ الْأَبِ إلَى شَوَّالٍ (وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْحُرِّ مَعَ التَّعَارُضِ) بِأَنْ أَقَامَ الْعَتِيقُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ بِشَوَّالٍ، وَأَقَامَ الْحُرُّ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ بِشَعْبَانَ؛ لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَةِ الْحُرِّ زِيَادَةَ عِلْمٍ. (وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ بِقَتْلٍ، فَشَهِدَا) ؛ أَيْ: الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا (عَلَى الْأَوَّلَيْنِ) الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِمَا أَوَّلًا بِهِ؛ أَيْ: الْقَتْلِ (فَصَدَّقَ الْوَلِيُّ) ؛ أَيْ: مُسْتَحِقُّ الدَّمِ الشَّاهِدَيْنِ (الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا أَوَّلًا (حُكِمَ لَهُ بِهِمَا) ؛ أَيْ: بِالشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، لِرُجْحَانِهِمَا بِتَصْدِيقِ الْمَشْهُودِ لَهُ (وَإِنْ صَدَّقَ الْآخَرَيْنِ، أَوْ) صَدَّقَ (الْكُلَّ أَوْ كَذَّبَ الْكُلَّ) أَوْ كَذَّبَ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِسُقُوطِ الشَّهَادَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا؛ لِاتِّهَامِهِمَا بِالدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِذَلِكَ، وَتَصْدِيقُ الْوَلِيِّ لَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَكَذَا لَوْ صَدَّقَ الْجَمِيعَ بِأَنْ قَالَ: قَتَلُوهُ كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا الْقَتْلَ بِالشَّهَادَةِ؛ فَلَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ. (وَإِنْ شَهِدَتْ بِتَلَفِ ثَوْبٍ وَقَالَتْ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ) وَشَهِدَتْ (أُخْرَى) أَنْ قِيمَتَهُ (ثَلَاثُونَ؛ ثَبَتَ الْأَقَلُّ) وَهُوَ الْعِشْرُونَ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ دُونَ الزَّائِدِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِيهِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ بِكُلِّ قِيمَةٍ شَاهِدٌ) وَاحِدٌ فَيَثْبُتُ الْأَقَلُّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ (الْآخَرِ عَلَى الْعَشَرَةِ) الْبَاقِيَةِ وَالْعَيْنُ (الْقَائِمَةُ كَعَيْنٍ لِيَتِيمٍ يُرِيدُ الْوَصِيُّ بَيْعَهَا، أَوْ يُرِيدُ إجَارَتَهَا إنْ اخْتَلَفَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 590 فِي قِيمَتِهَا) عِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِهَا، أَوْ اخْتَلَفَا فِي (أَجْرِ مِثْلِهَا) عِنْدَ إرَادَتِهِ إجَارَتَهَا (أُخِذَ) ؛ أَيْ: عُمِلَ (بِمَنْ يُصَدِّقُهَا الْحِسُّ) مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ (فَإِذَا اُحْتُمِلَ) مَا شَهِدَتْ بِهِ (أُخِذَ بِبَيِّنَةِ الْأَكْثَرِ، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَجَّرَ حِصَّةَ مُوَلِّيهِ) ؛ أَيْ: مَحْجُورِهِ (بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا، أَوْ) شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ أَجَّرَهَا (بِنِصْفِهَا) ؛ أَيْ: نِصْفِ أُجْرَةِ مِثْلِهَا؛ فَيُؤْخَذُ بِمَنْ يُصَدِّقُهَا الْحِسُّ، فَإِنْ اُحْتُمِلَ فَبَيِّنَةُ الْأَكْثَرِ. [كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] ِ (وَاحِدُهَا شَهَادَةٌ) مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ؛ لِإِخْبَارِ الشَّاهِدِ عَمَّا شَاهَدَهُ، يُقَالُ: شَهِدَ الشَّيْءَ إذَا رَآهُ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لِمَحْضَرِ النَّاسِ مَشْهَدٌ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ فِيهِ مَا يَحْضُرُونَهُ وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] أَيْ: عَلِمَهُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ إخْبَارِ مَنْ رَآهُ وَنَحْوِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَحَدِيثِ: «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» . وَتَقَدَّمَ وَغَيْرِهِ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ. قَالَ شُرَيْحٌ: الْقَضَاءُ جَمْرٌ فَنَحِّهِ عَنْك بِعُودَيْنِ يَعْنِي الشَّاهِدَيْنِ، وَإِنَّمَا الْخَصْمُ دَاءٌ، وَالشُّهُودُ شِفَاءٌ، فَأَفْرِغْ الشِّفَاءَ عَلَى الدَّاءِ. وَهِيَ؛ أَيْ: الشَّهَادَةُ (حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (تُظْهِرُ الْحَقَّ) الْمُدَّعَى بِهِ؛ أَيْ: تُبَيِّنُهُ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ بَيِّنَةً (وَلَا تُوجِبُهُ) ؛ أَيْ: الْحَقَّ، بَلْ الْحَاكِمُ يُلْزِمُ بِهِ بِشَرْطِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 591 (فَهِيَ) أَيْ: الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ (الْإِخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ) الشَّاهِدُ (بِلَفْظٍ خَاصٍّ) كَشَهِدْتُ أَوْ أَشْهَدُ وَيَأْتِي. . (تَحَمُّلُ) الشَّهَادَةِ عَلَى (الْمَشْهُودِ بِهِ فِي غَيْرِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) مَالًا كَانَ حَقُّ الْآدَمِيِّ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ أَوْ غَيْرِهِ كَحَدِّ قَذْفٍ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) إذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي يَسْقُطُ عَنْ غَيْرِهِ وَقَدْ يُعَيَّنُ التَّحَمُّلُ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَنْ يَكْفِي فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ: الْمُرَادُ بِهِ التَّحَمُّلُ لِلشَّهَادَةِ وَإِثْبَاتُهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي إثْبَاتِ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى امْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْ تَحَمُّلِهَا فَيُؤَدِّيَ إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ. . (وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّحَمُّلِ وَعَلَى الْأَدَاءِ) فَيَكُونُ الْأَدَاءُ أَيْضًا فَرْضَ كِفَايَةٍ، قَدَّمَهُ الْمُوَفَّقُ، وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَنَصُّهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] ، خَصَّ الْقَلْبَ بِالْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعِلْمِ بِهَا. (وَيَجِبَانِ) ؛ أَيْ: التَّحَمُّلُ وَالْأَدَاءُ (عَلَى الْعَدْلِ إذَا دُعِيَ إلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لَا يَحْصُلُ مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ (لِدُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ) عِنْدَ سُلْطَانٍ لَا يُخَافُ تَعَدِّيهِ، نَقَلَ مُهَنَّا أَوْ حَاكِمٍ عَدْلٍ (وَقَدَرَ) عَلَى التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ (بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي أَهْلٍ وَمَالٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ عِرْضٍ) فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ، أَوْ يَحْتَاجُ إلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 592 {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضُرَّ نَفْسَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ غَيْرَ عَدْلٍ فَقَالَ أَحْمَدُ: كَيْف أَشْهَدُ عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ عَدْلًا لَا يَشْهَدُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُمَرَاءُ ظَلَمَةٌ، وَوُزَرَاءُ فَسَقَةٌ، وَقُضَاةٌ خَوَنَةٌ، وَفُقَهَاءُ كَذَبَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ، فَلَا يَكُونَنَّ لَهُمْ كَاتِبًا وَلَا عَرِيفًا وَلَا شُرْطِيًّا» . (وَيَخْتَصُّ الْأَدَاءُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ) لِأَنَّ السَّمَاعَ بِغَيْرِهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الشَّهَادَةِ (وَلَوْ أَدَّى شَاهِدٌ وَأَبَى الْآخَرُ) الشَّهَادَةَ (وَقَالَ) لِلْمَشْهُودِ لَهُ (احْلِفْ بَدَلِي؛ أَثِمَ) اتِّفَاقًا، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " (وَلَا يُقِيمُهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ (عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ) قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَظَاهِرُهُ يَحْرُمُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عِنْدَ مَنْ يَقْتُلُهُ بِهِ. (وَمَتَى وَجَبَتْ الشَّهَادَةُ وَجَبَتْ كِتَابَتُهَا) عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَنْسَاهَا. (وَإِنْ دُعِيَ فَاسِقٌ لِتَحَمُّلِهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ (فَلَهُ الْحُضُورُ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ) إذْ التَّحَمُّلُ يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَدَالَةُ، فَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى صَارَ عَدْلًا، قُبِلَتْ (وَلَا يَحْرُمُ أَدَاؤُهُ) ؛ أَيْ: الْفَاسِقِ الشَّهَادَةَ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِسْقُهُ ظَاهِرًا) لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقَهُ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ مَنْ بَانَ فِسْقُهُ. (وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ) عَلَى شَهَادَةٍ (وَأَخْذُ جُعْلٍ عَلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمَنْ قَامَ بِهِ فَقَدْ قَامَ بِفَرْضٍ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ، وَلَا الْجَعْلِ عَلَيْهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ (لَكِنْ إنْ عَجَزَ) الشَّاهِدُ عَنْ الْمَشْيِ إلَى مَحَلِّهَا (أَوْ تَأَذَّى بِهِ) ؛ أَيْ: الْمَشْيِ (فَلَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ مَرْكُوبٍ) مِنْ رَبِّ الشَّهَادَةِ (وَفِي " الرِّعَايَةِ ") فَأُجْرَةُ مَرْكُوبٍ وَالنَّفَقَةُ عَلَى رَبِّهَا، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: هَذَا إنْ تَعَذَّرَ حُضُورُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، إلَى مَحَلِّ الشَّاهِدِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 593 جَاهٍ أَوْ خَفْرٍ، وَقَالَ أَيْضًا (وَكَذَا مُزَكٍّ وَمُعَرِّفٍ وَمُقِيمِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) وَحَافِظِ بَيْتِ الْمَالِ (وَمُحْتَسِبٍ) وَالْخَلِيفَةِ انْتَهَى، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْمُفْتِي تَفْصِيلٌ. (وَ) يُبَاحُ (لِمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَدِّ اللَّهِ) تَعَالَى كَزِنًا وَشُرْبٍ (إقَامَتُهَا وَتَرْكُهَا) لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَلَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهَا عَلَى أَحَدٍ، وَالسَّتْرُ مَأْمُورٌ بِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» . وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ وَشُدِّدَ فِيهِ عَلَى الشُّهُودِ مَا لَمْ يُشَدَّدْ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ طَلَبًا لِلسَّتْرِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ تَرْكَهُ لِلتَّرْغِيبِ فِي السَّتْرِ، وَيُتَوَجَّهُ لِمَنْ عُرِفَ بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ أَنْ لَا يُسْتَرَ عَلَيْهِ. (وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُمْ) أَيْ: الشُّهُودِ (بِالتَّوَقُّفِ عَنْهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ (كَتَعْرِيضِهِ لِمُقِرٍّ) بِحَدِّ اللَّهِ لِيَرْجِعَ عَنْ إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا شَهِدَ عِنْدَهُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا، وَجَاءَ زِيَادٌ لِيَشْهَدَ، عَرَّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ، وَقَالَ مَا عِنْدَك يَا سَلْحَ الْعُقَابِ، وَصَاحَ بِهِ، فَلَمَّا لَمْ يُصَرِّحْ بِالزِّنَا وَقَالَ: رَأَيْتُ أَمْرًا قَبِيحًا فَرِحَ عُمَرُ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلسَّارِقِ: «مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ» مَرَّتَيْنِ. وَأَعْرَضَ عَنْ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعًا. . (وَتُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (بِحَدٍّ قَدِيمٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ؛ فَجَازَتْ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ كَالشَّهَادَةِ بِالْقِصَاصِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلشَّاهِدِ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ حِينَهَا، وَيَتَمَكَّنُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ. (وَمَنْ قَالَ) لِرَجُلَيْنِ (اُحْضُرَا لِتَسْمَعَا قَذْفَ زَيْدٍ لِي؛ لَزِمَهُمَا) ذَلِكَ، وَإِنْ دَعَا زَوْجٌ أَرْبَعَةً لِتَحَمُّلِهَا بِزِنَا امْرَأَتِهِ؛ جَازَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] الْآيَةَ. (وَمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ) رَبُّ الشَّهَادَةِ إقَامَتَهَا؛ لِحَدِيثِ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 594 وَلِأَنَّ أَدَاءَهَا حَقٌّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، فَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِرِضَاهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَإِلَّا يَعْلَمْ رَبُّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ الشَّاهِدَ تَحَمَّلَهَا (اُسْتُحِبَّ) لِمَنْ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ (إعْلَامُهُ) قَبْلَ إقَامَتِهَا، وَلَهُ إقَامَتُهَا قَبْلَ إعْلَامِهِ. (وَفِي الْإِنْصَافِ وَيَجِبُ) عَلَيْهِ إعْلَامُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فِيهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ: إذَا أَدَّاهَا قَبْلَ طَلَبٍ قَامَ بِالْوَاجِبِ، وَكَانَ أَفْضَلَ كَمَنْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ أَدَّاهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ انْتَهَى. . (وَيَحْرُمُ) عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَقِّ آدَمِيٍّ لَا يَعْلَمُهَا (كَتْمُهَا) لِلْآيَةِ (فَيُقِيمُهَا) أَيْ: الشَّهَادَةَ (بِطَلَبِهِ) أَيْ: الْمَشْهُودِ لَهُ (وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا حَاكِمٌ) مِنْهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يَقْدَحُ) أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِلَا طَلَبِ حَاكِمٍ وَبِلَا طَلَبِ مَشْهُودٍ لَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ (فِيهِ كَشَهَادَةِ حِسْبَةٍ) بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى. (وَيَجِبُ إشْهَادُ) اثْنَيْنِ (عَلَى نِكَاحٍ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهَا، وَتَقَدَّمَ. (وَيُسَنُّ الْإِشْهَادُ فِي كُلِّ عَقْدٍ سَوَاءٌ) مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةِ صُلْحٍ وَغَيْرِهِ، وَلِقَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَحُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] . (وَيَحْرُمُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ إلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا: وَهُوَ يَعْلَمُ مَا شَهِدَ بِهِ عَنْ بَصِيرَةٍ وَإِيقَانٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشَّهَادَةِ قَالَ: تَرَى الشَّمْسَ؟ عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ " ، وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ الَّذِي تَقَعُ بِهِ الشَّهَادَةُ يَكُونُ (بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمْعٍ غَالِبًا لِجَوَازِهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ (بِبَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ) كَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ (قَلِيلًا) كَدَعْوَى مُشْتَرِي مَأْكُولٍ عَيْبَهُ لِمَرَارَتِهِ وَنَحْوِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 595 فَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ (وَيَشْهَدُ بِدَيْنٍ) مَنْ رَأَى شَخْصًا اقْتَرَضَهُ مِنْ آخَرَ، أَوْ سَمِعَهُ يَقُولُ بِهِ مَعَ جَوَازِ دَفْعِ الْمَدِينِ لَهُ، وَيَشْهَدُ (بِثَمَنِ) مَبِيعٍ (وَأُجْرَةِ) عَيْنٍ اُسْتُؤْجِرَتْ، وَهُوَ حَاضِرٌ أَوْ أَقَرَّ بِهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَيَشْهَدُ (بِعَقْدٍ) جَرَى بِعِلْمِهِ (بِالِاسْتِصْحَابِ وَإِنْ اُحْتُمِلَ دَفْعُهُ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ، (وَالْإِقَالَةِ) مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ؛ فَالْمُعْتَبَرُ الْعِلْمُ فِي أَصْلِ الْمُدْرَكِ، لَا فِي دَوَامِهِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَرَافِيُّ. . (وَيُجْزِئُ عَنْ اسْمِ وَنَسَبِ) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ (حَاضِرٍ) بِالْمَجْلِسِ (الْإِشَارَةُ إلَيْهِ) فَقَطْ لِمَعْرِفَةِ عَيْنِهِ (كَعَكْسِهِ) ، أَيْ: كَمَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَنْ يُعَرِّفُهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ بِذِكْرِهِمَا مَعَ حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ، مِثَالُ الشَّهَادَةِ بِالْإِشَارَةِ كَقَوْلِهِ (أَشْهَدُ أَنَّ لِهَذَا عَلَى هَذَا كَذَا) دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِهَا. (وَإِنْ كَانَ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (غَائِبًا) وَجَهِلَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ؛ فَلَا يَشْهَدُ حَتَّى يَعْرِفَ اسْمَهُ، فَإِنْ (عَرَّفَهُ) ؛ أَيْ: الشَّاهِدَ (بِهِ) ؛ أَيْ: الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (مَنْ يَسْكُنُ) ؛ أَيْ: يُطَمْئِنُ الشَّاهِدُ (إلَيْهِ - وَلَوْ وَاحِدًا - جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ) عَلَيْهِ (وَلَوْ عَلَى امْرَأَةٍ) لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ (وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ مَعْرِفَتَهَا؛ لَمْ يَشْهَدْ مَعَ غَيْبَتِهَا) لِلْجَهَالَةِ بِهَا وَبِمَا يُعَرِّفُهَا بِهِ لِلْحَاكِمِ. (قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ) حَتَّى يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ مَعْرِفَتَهَا، فَأَمَّا مَنْ تَيَقَّنَ مَعْرِفَتَهَا، وَعَرَفَ صَوْتَهَا يَقِينًا؛ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا؛ لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِهَا. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ (إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا) وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَمْلَكُ لِعِصْمَتِهَا (وَهَذَا) ؛ أَيْ: نَصُّ الْإِمَامِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ (لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا بَيْتَهَا إلَّا بِإِذْنِهِ) ؛ أَيْ: زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ حَقُّهُ، فَلَا يَدْخُلُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ. (وَمَنْ شَهِدَ بِإِقْرَارٍ بِحَقٍّ لَمْ يُعْتَبَرْ) لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ (ذِكْرُ سَبَبِهِ) ؛ أَيْ: الْحَقِّ أَوْ الْإِقْرَارِ، كَمَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْإِقْرَارِ ذِكْرُ اسْتِحْقَاقِ الْمَالِ بِأَنْ يَقُولَ أُقِرُّ لَهُ بِهِ، وَهُوَ يُسْتَحَقُّ عِنْدَهُ؛ اكْتِفَاءً بِالظَّاهِرِ (وَلَا) يُعْتَبَرُ بِشَهَادَةٍ بِإِقْرَارٍ (قَوْلُهُ) ؛ أَيْ: الشَّاهِدِ (طَوْعًا فِي صِحَّتِهِ مُكَلَّفًا؛ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ) ؛ أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 596 ظَاهِرِ الْحَالِ، لِأَنَّ مَنْ سِوَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ الْحَالِ (وَأَنْ يَشْهَدَ) الشَّاهِدُ (بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْحَقَّ) كَتَفْرِيطِهِ فِي أَمَانَةٍ. (أَوْ شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ) كَقَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَنَّ زَيْدًا يَسْتَحِقُّ بِذِمَّةِ عَمْرٍو كَذَا (ذَكَرَ الْمُوجِبَ) لِلِاسْتِحْقَاقِ، لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْتَقِدُهُ الْحَاكِمُ مُوجِبًا (وَالرُّؤْيَةُ تَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ كَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ وَغَصْبٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَرَضَاعٍ وَوِلَادَةٍ) وَعُيُوبٍ مَرْئِيَّةٍ فِي نَحْوِ مَبِيعٍ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ عَلَى ذَلِكَ قَطْعًا، فَلَا يُرْجَعُ إلَى غَيْرِهِ. (وَالسَّمَاعُ ضَرْبَانِ) (الْأَوَّلُ سَمَاعٌ مِنْ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَعَقْدٍ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِقْرَارٍ بِمَالٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ نَسَبٍ أَوْ قَوَدٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ. (وَحُكْمِ حَاكِمٍ وَإِنْفَاذِهِ) حُكْمَ غَيْرِهِ (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الشَّخْصَ (الشَّهَادَةُ بِمَا سَمِعَ) مِنْ قَائِلٍ عَرَفَهُ يَقِينًا، كَمَا فِي " الْكَافِي " (سَوَاءٌ) وَقَّتَ الْحَاكِمُ بِأَنْ قَالَ حَكَمْت بِكَذَا فِي وَقْتِ كَذَا أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ (أَوْ أَشْهَدَهُ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ أَوْ لَا) لِئَلَّا يَمْتَنِعَ ثُبُوتُ الْغَصْبِ وَسَائِرِ مَا يَتَضَمَّنُ الْعُدْوَانَ فَإِنَّ فَاعِلَهَا لَا يَشْهَدُ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مُسْتَخْفِيًا حِينَ تَحَمُّلِهِ الشَّهَادَةَ، كَأَنْ يَكُونَ لِإِنْسَانٍ عَلَى آخَرَ حَقٌّ وَهُوَ يُنْكِرُهُ بِحُضُورِ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ، فَيَسْمَعُ إقْرَارَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ الْمُقِرُّ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِالشُّهُودِ فِيهِ كَمَا لَوْ رَآهُ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ الْفَاعِلُ أَنَّ أَحَدًا يَرَاهُ (أَوْ قَالَ الْمُتَحَاسِبَانِ: لَا تَشْهَدُوا عَلَيْنَا بِمَا يَجْرِي بَيْنَنَا فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الشَّهَادَةَ) بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا، وَلَا يَمْنَعُ (لُزُومَ إقَامَتِهَا) لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ عَلِمَ مَا يَشْهَدُ بِهِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْأَدِلَّةِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي (سَمَاعٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ) بِأَنْ يَشْتَهِرَ الْمَشْهُودُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَيَتَسَامَعُونَ بِهِ بِإِخْبَارِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ إلَّا (فِيمَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ غَالِبًا بِدُونِهَا) أَيْ: الِاسْتِفَاضَةِ (كَنَسَبٍ) إجْمَاعًا، وَإِلَّا لِاسْتِحَالَةِ، مَعْرِفَتِهِ بِهِ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ قَطْعًا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ الْمُشَاهَدَةُ فِيهِ، وَكَوِلَادَةٍ (وَمَوْتٍ وَمِلْكٍ مُطْلَقٍ) ، إذْ الْوِلَادَةُ قَدْ لَا يُبَاشِرُهَا إلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 597 الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ، وَالْمَوْتُ قَدْ لَا يُبَاشِرُهُ إلَّا الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ وَقَدْ يَتَوَلَّى غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ، وَالْمِلْكُ قَدْ يَتَقَادَمُ سَبَبُهُ. فَتَوَقُّفُ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ يُؤَدِّي إلَى الْعُسْرِ خُصُوصًا مَعَ طُولِ الزَّمَنِ، وَخَرَجَ بِالْمُطْلَقِ كَقَوْلِهِ: مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ الْإِرْثِ أَوْ الْهِبَةِ؛ فَلَا تَكْفِي فِيهِ الِاسْتِفَاضَةُ (وَكَعِتْقٍ) بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذَا عِتْقُ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ (وَوَلَاءٍ كَذَلِكَ وَكَوِلَايَةٍ وَعَزْلٍ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْضُرُهُ غَالِبًا آحَادُ النَّاسِ، وَلَكِنَّ انْتِشَارَهُ فِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ الْقَرْيَةِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهُ عِنْدَ الشَّاهِدِ، بَلْ رُبَّمَا قَطَعَ بِهِ، لِكَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَكَنِكَاحٍ) عَقْدًا وَدَوَامًا (وَخُلْعٍ وَطَلَاقٍ) نَصًّا فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُشْرَعُ وَيَشْتَهِرُ غَالِبًا، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ (وَكَوَقْفٍ) بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذَا وَقْفُ زَيْدٍ، لِأَنَّهُ أَوْقَفَهُ (وَكَمَصْرِفِهِ) ؛ أَيْ: الْوَقْفِ (وَشَرْطِهِ) قَالَ الْخِرَقِيِّ: وَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَاسْتَقَرَّتْ، مَعْرِفَتُهُ فِي قَلْبِهِ شَهِدَ بِهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَشْبَهَتْ النَّسَبَ، وَكَوْنُهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِمُشَاهَدَةِ سَبَبِهِ لَا يُنَافِي التَّعَذُّرَ غَالِبًا. وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ (أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِفَاضَةٍ إلَّا) إنْ سَمِعَ مَا يَشْهَدُ بِهِ (عَنْ عَدَدٍ يَقَعُ بِهِمْ) ؛ أَيْ: بِخَبَرِهِمْ (الْعِلْمُ) لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ مَأْخُوذَةٌ، مِنْ فَوْضِ الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَيَكُونُ ذَلِكَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] . (وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةٍ لَمْ يُعْلَمْ تَلَقِّيهَا مِنْ الِاسْتِفَاضَةِ وَمَنْ قَالَ شَهِدَتْ بِهَا) ؛ أَيْ: الِاسْتِفَاضَةِ (فَفَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " الْإِنْصَافِ " وَ " التَّنْقِيحِ " وَ " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ إنْ شَهِدَ أَنَّ جَمَاعَةً يَثِقُ بِهِمْ أَخْبَرُوهُ بِمَوْتِ فُلَانٍ، أَوْ أَنَّهُ ابْنُهُ، أَوْ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، فَهِيَ شَهَادَةُ الِاسْتِفَاضَةِ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَكَذَا أَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 598 وَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ، وَيُحْكَمُ فِيهِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ، وَأَجَابَ أَبُو الْوَفَاءِ إنْ صَرَّحَ بِالِاسْتِفَاضَةِ، وَاسْتَعَاضَ بَيْنَ النَّاسِ؛ قُبِلَتْ فِي الْوَفَاةِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا، وَفِي " الْمُغْنِي " شَهَادَةُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ يَعْنِي عَنْ الشُّهُودِ شَهَادَةُ اسْتِفَاضَةٍ لَا شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فَيُكْتَفَى بِمَنْ شَهِدَ بِهَا كَبَقِيَّةِ شَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ (وَذَكَرَ الْقَاضِي الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ، فَتَحْصُلُ بِالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِالتَّوَاتُرِ، وَإِذَا شَهِدَ بِالْأَمْلَاكِ بِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ، فَعَمَلُ وُلَاةِ الْمَظَالِمِ بِذَلِكَ أَحَقُّ. انْتَهَى) . كَلَامُ الْقَاضِي. . (وَمَنْ سَمِعَ إنْسَانًا يُقِرُّ بِنَسَبٍ نَحْوِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ؛ لِتَوَافُقِ الْمُقِرِّ الْمُقَرَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ (أَوْ سَكَتَ) الْمُقَرُّ لَهُ (جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ) نَصًّا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي النَّسَبِ إقْرَارٌ، لِأَنَّ مَنْ بُشِّرَ بِوَلَدٍ، فَسَكَتَ لَحِقَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الْإِنْسَانِ الْبَاطِلِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلِأَنَّ النَّسَبَ يَغْلِبُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ، لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ فِي النِّكَاحِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالنَّسَبِ (إنْ كَذَّبَهُ) الْمُقَرُّ لَهُ، لِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بِالتَّكْذِيبِ. (وَمَنْ رَأَى شَيْئًا بِيَدِ إنْسَانٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ مُدَّةً طَوِيلَةً كَتَصَرُّفِ مَالِكٍ مِنْ نَقْضٍ وَبِنَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ؛ فَلَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِلَا مُنَازِعٍ دَلِيلُ صِحَّةِ الْمِلْكِ (كَمُعَايَنَةِ السَّبَبِ) ؛ أَيْ: سَبَبِ الْمِلْكِ (مِنْ بَيْعٍ وَإِرْثٍ) وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْبَائِعِ وَالْمُوَرِّثِ لَيْسَ مَالِكًا (وَإِلَّا) يَرَهُ يَتَصَرَّفُ كَمَا ذُكِرَ، فَإِنَّهُ يَشْهَدُ (بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ غَالِبًا (وَهُوَ) أَيْ: كَوْنُهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ (الْوَرَعُ فِي الْأَوْلَى) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 599 [فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ] فَصْلٌ (وَمَنْ شَهِدَ بِعَقْدِ) نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (اُعْتُبِرَ) لِصِحَّةِ شَهَادَتِهِ بِهِ (ذِكْرُ شُرُوطِهِ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا، فَرُبَّمَا اعْتَقَدَ الشَّاهِدُ صِحَّةَ مَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْقَاضِي. (فَيُعْتَبَرُ فِي نِكَاحٍ) شَهِدَا بِهِ (أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً، وَذِكْرُ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ كَوُقُوعِهِ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ وَخُلُوِّ مَوَانِعَ مَا لَمْ يَتَّحِدْ مَذْهَبُ شَاهِدٍ وَحَاكِمٍ بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ) وَهُوَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَيُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةٍ (بِرَضَاعٍ) ذِكْرُ شَاهِدٍ عَدْلٍ بِهِ (عَدَدَ الرَّضَعَاتِ وَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ ثَدْيِهَا أَوْ مِنْ لَبَنٍ حُلِبَ مِنْهُ) لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي عَدَدِ الرَّضَعَاتِ وَفِي الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ ارْتَضَعَ (فِي الْحَوْلَيْنِ) لِأَنَّ الرَّضَاعَ بَعْدَهُمَا غَيْرُ مُحَرِّمٍ (فَلَا يَكْفِي هُوَ ابْنُهَا مِنْ الرَّضَاعِ) لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا يَصِيرُ بِهِ ابْنَهَا. (وَ) يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةٍ بِقَتْلٍ (ذِكْرُ قَاتِلٍ، وَأَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ) فَقَتَلَهُ (أَوْ جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ، أَوْ) يَشْهَدُ أَنَّهُ (مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ، وَلَا يَكْفِي) أَنْ يَشْهَدَ (أَنَّهُ جَرَحَهُ فَمَاتَ) مِنْ جُرْحِهِ، جَوَازَ مَوْتِهِ بِغَيْرِ جُرْحِهِ. وَيُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةٍ بِزِنًا (ذِكْرُ زَانٍ وَمَزْنِيٍّ بِهَا وَأَيْنَ) ؛ أَيْ: فِي أَيِّ مَكَان (وَكَيْفَ) زَنَى بِهَا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمْ بِزِنًا غَيْرِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا تَلَفُّقَ (وَأَنَّهُ رَأَى ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا) لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الشَّاهِدُ مَا لَيْسَ بِزِنًا زِنًا، وَيُقَالُ وَزَنَتْ الْعَيْنُ وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةٍ (بِسَرِقَةٍ ذِكْرُ مَسْرُوقٍ مِنْهُ وَذِكْرُ نِصَابٍ وَصِفَتِهَا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 600 أَيْ: السَّرِقَةِ كَقَوْلِهِ خَلَعَ الْبَابَ لَيْلًا، وَأَخَذَ الْفَرَسَ، وَأَزَالَ رَأْسَهُ عَنْ رِدَائِهِ وَهُوَ نَائِمٌ بِمَحَلِّ كَذَا. وَأَخَذَهُ وَنَحْوَهُ؛ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ السَّرِقَةِ. (وَ) يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةٍ (بِقَذْفٍ ذِكْرُ مَقْذُوفٍ) لِيُعْلَمَ هَلْ يَجِبُ بِقَذْفِهِ الْحَدُّ أَوْ التَّعْزِيرُ، وَذِكْرُ (صِفَةِ قَذْفٍ) كَقَوْلِهِ لَهُ: يَا زَانِي أَوْ يَا عَاهِرُ وَنَحْوِهِ لِيُعْلَمَ هَلْ الصِّيغَةُ صَرِيحٌ فِيهِ أَوْ كِنَايَةٌ. (وَ) يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةٍ بِإِكْرَاهٍ عَلَى فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يُؤَاخَذُ بِهِ لَوْ كَانَ طَائِعًا، ذِكْرُ (أَنَّهُ ضَرَبَهُ أَوْ هَدَّدَهُ) عَلَيْهِ (وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ) الَّذِي هَدَّدَهُ (بِهِ) . (وَإِنْ شَهِدَ أَنْ هَذَا ابْنُ أَمَتِهِ أَوْ ثَمَرُ شَجَرَتِهِ) لَمْ يُحْكَمْ لِلْمَشْهُودِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا (حَتَّى يَقُولَ وَلَدَتْهُ) أَمَتُهُ (أَوْ أَثْمَرَتْهُ) شَجَرَتُهُ (بِمِلْكِهِ) فَإِذَا قَالَا ذَلِكَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَهُوَ لَهُ، مَا لَمْ يَرِدْ سَبَبٌ بِنَقْلِهِ عَنْهُ، وَلِشَهَادَتِهِمَا بِسَبَبِ مِلْكِهِ لَهُ، وَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَا أَقْرَضَهُ أَلْفًا أَوْ بَاعَهُ سُلْفَةً، وَبِخِلَافِ كَانَ مِلْكَهُ أَمْسِ كَمَا تَقَدَّمَ. . (وَإِنْ شَهِدَا أَنْ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ) أَوْ شَهِدَا (أَنْ الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ) أَوْ شَهِدَا أَنْ هَذَا (الطَّيْرَ مِنْ بَيْضَتِهِ، حُكِمَ لَهُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْغَزْلُ أَوْ الدَّقِيقُ أَوْ الطَّيْرُ مِنْ قُطْنِهِ أَوْ حِنْطَتِهِ أَوْ بَيْضِهِ قَبْلَ مِلْكِهِ لِلْقُطْنِ أَوْ الْبَيْضَةِ، وَلِأَنَّ الْغَزْلَ هُوَ الْقُطْنُ لَكِنْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ، وَكَذَا الدَّقِيقُ وَالطَّيْرُ فَكَأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَالَتْ هَذَا غَزْلُهُ وَدَقِيقُهُ وَطَيْرُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ وَالثَّمَرَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأُمِّ وَالشَّجَرَةِ، وَلَا يُحْكَمُ بِالْبَيْضَةِ (إنْ شَهِدَا أَنَّ هَذِهِ الْبَيْضَةَ مِنْ طَيْرِهِ) حَتَّى يَشْهَدَا أَنَّهَا بَاضَتْهَا فِي مِلْكِهِ، لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الطَّيْرَةُ بَاضَتْهَا قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا. أَوْ شَهِدَا (أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا) الْعَبْدَ أَوْ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ (مِنْ زَيْدٍ) حَتَّى يَقُولَا وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، أَوْ شَهِدَا أَنَّ زَيْدًا (وَقَفَهُ) أَيْ الْعَبْدَ وَنَحْوَهُ (عَلَيْهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 601 أَوْ شَهِدَ أَنَّ زَيْدًا (أَعْتَقَهُ) أَيْ: الْقِنَّ لَمْ يُحْكَمْ بِذَلِكَ (حَتَّى يَقُولَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ بَاعَ ذَلِكَ أَوْ أَوْقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ (وَهُوَ فِي مِلْكِهِ) لِجَوَازِ بَيْعِهِ أَوْ وَقْفِهِ أَوْ عِتْقِهِ مَا لَا يَمْلِكُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ لَتَمَكَّنَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ انْتِزَاعَ شَيْءٍ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَ شَخْصٍ، وَيَبِيعَهُ إيَّاهُ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ يَنْتَزِعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ يَدِ رَبِّهِ، وَيُقَاسِمَ بَائِعَهُ فِيهِ، وَهَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ لَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ. (وَمَنْ ادَّعَى إرْثَ مَيِّتٍ فَشَهِدَا) ؛ أَيْ: الشَّاهِدَانِ (أَنَّهُ وَارِثٌ لَا يَعْلَمَانِ) وَارِثًا غَيْرَهُ، وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ أَوْ لَا، سُلِّمَ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ عِلْمُهُ، فَكَفَى فِيهِ الظَّاهِرُ (أَوْ قَالَا) لَا نَعْلَمُ وَارِثًا غَيْرَهُ (فِي هَذَا الْبَلَدِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَلَدِ، وَقَدْ نَفَيَا الْعِلْمَ بِهِ فِي هَذَا الْبَلَدِ، فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُطْلَقِ (سَوَاءٌ كَانَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ (مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ أَوْ لَا، سُلِّمَ إلَيْهِ إرْثٌ بِغَيْرِ كَفِيلٍ) لِثُبُوتِ أَنَّهُ لَهُ، الْأَصْلُ الشَّرِيكِ، وَيُسَلَّمُ إلَيْهِ الْإِرْثُ (بِهِ) أَيْ: كَفِيلٍ (إنْ شَهِدَ بِإِرْثِهِ) أَيْ: بِأَنَّهُ وَارِثُهُ (فَقَطْ) بِأَنْ لَمْ يَقُولَا، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ (ثُمَّ إنْ شَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَارِثٌ شَارَكَ) الْأَوَّلَ فِي إرْثِ الْمَيِّتِ. قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي فَتَاوِيهِ: إنَّمَا احْتَاجَ إلَى بَيَانِ لَا وَارِثَ سِوَاهُ، لِأَنَّهُ يُعْلَمُ ظَاهِرًا، فَإِنَّهُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ يَعْرِفُهُ جَارُهُ، وَمَنْ يَعْلَمُ بَاطِنَ أَمْرِهِ، بِخِلَافِ دَيْنِهِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ سِوَاهُ، لِخَفَاءِ الدَّيْنِ، لِأَنَّ جِهَاتِ الْإِرْثِ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا عَنْ يَقِينٍ. (وَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ عَلَى نَفْيِ مَحْصُورٍ بِدَلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) وَمَسْأَلَةِ (الْإِعْسَارِ) وَالْبَيِّنَةُ فِيهِ ثَبَتَ مِنْهَا مَا يَظْهَرُ وَيُشَاهَدُ، بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ: «دُعِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الصَّلَاةِ فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» . قَالَ الْقَاضِي فِي نَحْوِ هَذَا، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّرْكِ وَالْعِلْمَ بِالْفِعْلِ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلِهَذَا نَقُولُ: إنَّ مَنْ قَالَ صَحِبْت فُلَانًا فِي يَوْمِ كَذَا، فَلَمْ يَقْذِفْ فُلَانًا، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَمَا تُقْبَلُ فِي الْإِثْبَاتِ. . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 602 (وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ ابْنُهُ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتِ (لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنْ هَذَا ابْنُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، قُسِّمَ الْإِرْثُ بَيْنَهُمَا) وَلَا تَعَارُضَ، لِجَوَازِ أَنْ تُعْلِمَ كُلُّ بَيِّنَةٍ مَا لَمْ تُعْلِمْهُ الْأُخْرَى. . [فَصْلٌ شَهِدَا الْعَدْلَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ مِنْ نِسَائِهِ وَاحِدَةً وَنَسِيَ عَيْنَهَا] فَصْلٌ (إنْ شَهِدَا أَيْ: الْعَدْلَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ) مِنْ نِسَائِهِ وَاحِدَةً وَنَسِيَ عَيْنَهَا، أَوْ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ (أَوْ أَنَّهُ أَبْطَلَ مِنْ وَصَايَاهُ وَاحِدَةً وَنَسِيَا عَيْنَهَا، لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمَا، لِأَنَّهَا بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهَا، كَقَوْلِهِمَا إحْدَى هَاتَيْنِ الْأَمَتَيْنِ عَتِيقَةٌ. (وَيَتَّجِهُ لَوْ قَالَ) لِزَوْجَتَيْهِ (إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ) قَالَ لِرَقِيقِهِ أَحَدُكُمَا (حُرٌّ فَشَهِدَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ، تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُمَا (وَيُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا، وَهُوَ اتِّجَاهٌ جَيِّدٌ مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ. (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الْعَدْلَيْنِ عَلَى زَيْدٍ (بِغَصْبِ ثَوْبٍ أَحْمَرَ، وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ بِغَصْبِ) ثَوْبٍ (أَبْيَضَ أَوْ) شَهِدَ (أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ) الثَّوْبَ (الْيَوْمَ وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ أَنَّهُ) غَصَبَهُ (أَمْسِ، لَمْ تَكْمُلْ) الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الشَّاهِدَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْفِعْلَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ (وَكَذَا كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى فِعْلٍ مُتَّحِدٍ فِي نَفْسِهِ كَقَتْلِ زَيْدٍ وَإِتْلَافِ ثَوْبِهِ) إذْ لَا يَكُونُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، أَوْ عَلَى فِعْلٍ مُتَّحِدٍ (بِاتِّفَاقِهِمَا) أَيْ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 603 الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ كَالْغَصْبِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ، وَ (كَسَرِقَةٍ) وَنَحْوِهَا (إذَا اخْتَلَفَا) ؛ أَيْ: الشَّاهِدَانِ (فِي وَقْتِ الْفِعْلِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ صِفَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ) ؛ أَيْ: الْمَشْهُودِ بِهِ (كَلَوْنِهِ وَآلَةِ قَتْلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْفِعْلَيْنِ) فَلَا تَكْمُلُ الْبَيِّنَةُ؛ لِلتَّنَافِي، وَكُلٌّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ يُكَذِّبُ الْآخَرَ؛ فَيَتَعَارَضَانِ، وَيَسْقُطَانِ. (وَإِنْ أَمْكَنَ تَعَدُّدُهُ) ؛ أَيْ: الْفِعْلِ (وَلَمْ يَشْهَدَا بِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْفِعْلَ (مُتَّحِدٌ) وَلَمْ يَقُلْ الْمَشْهُودُ لَهُ إنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ (فَبِكُلِّ شَيْءٍ شَاهِدٌ، فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ) فَإِنْ ادَّعَى الْفِعْلَيْنِ، وَأَقَامَ أَيْضًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا شَاهِدًا أَوْ حَلَفَ مَعَ كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ يَمِينًا؛ ثَبَتَا، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ بِذَلِكَ؛ لِتَغَايُرِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (وَلَوْ كَانَ بَدَلَهُ) ؛ أَيْ: كُلِّ شَاهِدٍ مِنْهُمَا (بَيِّنَةٌ) تَامَّةٌ (ثَبَتَ مُوجِبُهُمَا إنْ ادَّعَى) الْمَشْهُودُ لَهُ (الْفِعْلَيْنِ) الْمَشْهُودَ بِهِمَا الْمُدَّعَى بِهِمَا قَبْلَ أَدَاءِ الشُّهُودِ الشَّهَادَاتِ (وَإِلَّا) بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا فَقَطْ ثَبَتَ (مَا ادَّعَاهُ) دُونَ الْآخَرِ (وَتَسَاقَطَتَا فِي) مَسْأَلَةِ (الِاتِّحَادِ) ؛ أَيْ: اتِّحَادِ الْفِعْلِ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِاتِّفَاقِهِمَا (وَكَفِعْلٍ مِنْ قَوْلِ نِكَاحٍ وَقَذْفٍ فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَقْوَالِ؛ فَإِذَا شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَوْ قَذَفَهُ أَمْسِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ الْيَوْمَ؛ لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ، لِأَنَّ النِّكَاحَ وَالْقَذْفَ الْوَاقِعَيْنِ أَمْسِ غَيْرُ الْوَاقِعَيْنِ الْيَوْمَ؛ فَلَمْ يَبْقَ بِكُلِّ نِكَاحٍ أَوْ قَذْفٍ إلَّا شَاهِدٌ؛ فَلَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ، وَلِأَنَّ شَرْطَ النِّكَاحِ فِي حُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الشَّرْطِ لَمْ يَتَحَقَّقْ حُصُولُهُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَذَفَهُ غُدْوَةً أَوْ خَارِجَ الْبَلَدِ أَوْ بِالْعُجْمِيَّةِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا. (وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى إقْرَارٍ بِفِعْلٍ) كَغَصْبٍ وَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ (أَوْ غَيْرِهِ) كَإِقْرَارِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ (وَلَوْ) كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ (نِكَاحًا أَوْ قَذْفًا) كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ غَصَبَهُ أَوْ قَذَفَهُ أَوْ بَاعَهُ كَذَا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ بِمِصْرَ وَنَحْوِهِ، جُمِعَتْ وَعُمِلَ بِمُقْتَضَاهَا، لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 604 وَاحِدٌ، وَفَارَقَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْفِعْلِ؛ فَإِنَّهَا عَلَى فِعْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا هَهُنَا (أَوْ شَهِدَ) شَاهِدٌ (وَاحِدٌ بِالْفِعْلِ) وَشَهِدَ شَاهِدٌ (آخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ) بِذَلِكَ الْفِعْلِ (جُمِعَتْ) وَحُكِمَ بِهَا (لِعَدَمِ التَّنَافِي) . وَلَا تَكْمُلُ الْبَيِّنَةُ (إنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِفِعْلِ نِكَاحٍ أَوْ قَتْلٍ خَطَأٍ، وَ) شَهِدَ (آخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ) بِذَلِكَ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ، وَلِاخْتِلَافِ مَحَلِّ الْوُجُوبِ فِي الْقَتْلِ (وَلِمُدَّعِي الْقَتْلِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الشَّاهِدَيْنِ (وَيَأْخُذَ الدِّيَةَ) لِثُبُوتِ الْقَتْلِ، وَمَتَى حَلَفَ (مَعَ شَاهِدِ الْإِقْرَارِ) بِالْقَتْلِ، فَالدِّيَةُ (فِي مَالِ الْقَاتِلِ) لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ اعْتِرَافًا، وَالْقَتْلُ ثَبَتَ بِاعْتِرَافِهِ. . (وَلَوْ شَهِدَا بِالْقَتْلِ) أَوْ شَهِدَا (بِالْإِقْرَارِ بِهِ) ؛ أَيْ: الْقَتْلِ (وَزَادَ أَحَدُهُمَا) فِي شَهَادَتِهِ كَوْنَ الْقَتْلِ (عَمْدًا) وَلَمْ يَذْكُرْ رَفِيقُهُ كَوْنَهُ عَمْدًا وَلَا خَطَأً ثَبَتَ الْقَتْلُ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِ (وَصُدِّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ فِي صِفَتِهِ مِنْ خَطَأٍ) أَوْ عَمْدٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَيْهَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَالدِّيَةُ) تَلْزَمُ الْمُدَّعَى (عَلَيْهِ) بِتَصْدِيقِهِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى وُقُوعِ الْقَتْلِ مِنْهُ، وَأَنَّهُ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، لِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ أَثَرُ فِعْلِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِضَرَرِهَا، وَتَكُونُ حَالُهُ كَدِيَةِ الْعَمْدِ، وَلَا يَجِبُ مِنْهَا بِشَيْءٍ عَلَى (الْعَاقِلَةِ) ؛ أَيْ: عَاقِلَةِ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الْجِنَايَةِ خَطَأً وَلَا شِبْهَ عَمْدٍ، وَتَصْدِيقُنَا إيَّاهُ فِي كَوْنِ الْجِنَايَةِ لَيْسَتْ عَمْدًا أَفَادَهُ دَرْءُ الْحَدِّ عَنْهُ فَقَطْ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي مَالِهِ، لِئَلَّا يَضِيعَ دَمُ الْمَعْصُومِ هَدَرًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 605 (وَمَتَى جَمَعْنَا) شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ (مَعَ اخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ) فِي وَقْتٍ، وَكَانَتْ الشَّهَادَةُ (فِي قَتْلٍ أَوْ طَلَاقٍ، كَأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ وَاحِدٍ أَنَّهُ قَتَلَ) مَعْصُومًا (أَوْ طَلَّقَ) زَوْجَتَهُ (بِرَجَبٍ، وَأَقَرَّ عِنْدَ آخَرَ) أَنَّهُ قَتَلَ أَوْ طَلَّقَ (بِشَعْبَانَ؛ فَالْإِرْثُ وَالْعِدَّةُ يَلِيَانِ آخِرَ الْمُدَّتَيْنِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَالزَّوْجِيَّةِ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ، وَهُوَ شَعْبَانُ فِي مِثَالِنَا. (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَقَرَّ لَهُ) أَيْ: لِلْمُدَّعِي (بِأَلْفٍ أَمْسِ، وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ) أَيْ: الْأَلْفِ (الْيَوْمَ) كَمَلَتْ (أَوْ) شَهِدَ (أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ دَارِهِ أَمْسِ وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا الْيَوْمَ) (كَمَلَتْ) الْبَيِّنَةُ؛ وَثَبَتَ الْإِقْرَارُ أَوْ الْبَيْعُ، لِاتِّحَادِ الْأَلْفِ وَالْبَيْعِ الْمَشْهُودِ بِهِمَا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ الْيَوْمَ، إذْ الْمَشْهُودُ بِهِ وَاحِدٌ يَجُوزُ أَنْ يُعَادَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَوْ بَاعَ أَوْ طَلَّقَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَوْ طَلَّقَ أَوْ بَاعَ بِالْفَارِسِيَّةِ (وَكَذَا كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى قَوْلٍ غَيْرِ نِكَاحٍ وَقَذْفٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْنِ) كَمَلَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَلْفٍ، (أَوْ) شَهِدَ (أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ، كَمَلَتْ) الْبَيِّنَةُ (بِأَلْفٍ) وَاحِدٍ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ (وَلَهُ) ، أَيْ: الْمَشْهُودِ لَهُ (أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْأَلْفِ الْآخَرِ مَعَ شَاهِدِهِ) وَيَسْتَحِقَّهُ حَيْثُ لَمْ يَخْتَلِفْ السَّبَبُ وَلَا الصِّفَةُ كَمَا يَأْتِي. (وَلَوْ شَهِدَ) الشَّخْصُ (بِمِائَةٍ، وَ) شَهِدَ (آخَرُ أَنَّ لَهُ بِعَدَدٍ أَقَلَّ) مِنْ الْمِائَةِ؛ دَخَلَ الْأَقَلُّ مِنْ الْمِائَةِ فِيهَا (إلَّا مَعَ مَا) ؛ أَيْ: شَيْءٍ (يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ) كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِمِائَةٍ قَرْضًا. وَآخَرَانِ بِخَمْسِينَ ثَمَنَ مَبِيعٍ (فَيَلْزَمَانِهِ) لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا. (وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَلْفٍ) وَأَطْلَقَ، وَشَهِدَ آخَرُ (بِأَلْفٍ مِنْ قَرْضٍ؛ كَمَلَتْ) شَهَادَتُهَا حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَلَا تَكْمُلُ (إنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَلْفٍ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 606 قَرْضٍ، وَشَهِدَ آخَرُ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِمَشْهُودٍ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيَسْتَحِقَّهُمَا أَوْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا وَيَسْتَحِقَّ مَا شَهِدَ بِهِ. . (وَإِنْ شَهِدَا أَنْ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا لِلْمُدَّعِي (وَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ بَعْضَهُ؛ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ نَصًّا) لِأَنَّ قَوْلَهُ قَضَاهُ بَعْضَهُ يُنَاقِضُ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ، فَأَفْسَدَهَا، وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الْآخَرِ، وَيَسْتَحِقَّ الْأَلْفَ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ نِصْفَهُ، صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا) بِالْأَلْفِ، لِأَنَّ الْوَفَاءَ لَا يُنَافِي الْقَرْضَ، فَيَحْتَاجُ إثْبَاتُ قَضَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ إلَى شَاهِدٍ آخَرَ أَوْ يَمِينٍ. (وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ) تَحَمَّلَ شَهَادَةً بِحَقٍّ، وَ (أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِاقْتِضَاءِ الْحَقِّ أَوْ انْتِقَالِهِ) بِنَحْوِ حَوَالَةٍ (أَنْ يَشْهَدَ بِهِ) أَيْ: الْحَقِّ الَّذِي تَحَمَّلَهُ نَصًّا، وَلَوْ قَضَاهُ نِصْفَهُ ثُمَّ جَحَدَ بَقِيَّتَهُ قَالَ: أَحْمَدُ يَدَّعِيهِ كُلَّهُ، وَتَقُومُ الْبَيِّنَةُ فَشَهِدَ عَلَى حَقِّهِ كُلِّهِ ثُمَّ يَقُولُ لِلْحَاكِمِ: قَضَانِي نِصْفَهُ. (وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ نَحْوِ صَغِيرٍ أَلْفًا) مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَنَحْوِهَا (وَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى شَخْصٍ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الصَّغِيرِ أَلْفًا) مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ (لَزِمَ وَلِيَّهُ) ، أَيْ: الصَّغِيرِ (مُطَالَبَتُهُمَا) ، أَيْ: الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا (بِأَلْفَيْنِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْأَلْفَ الَّذِي أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا غَيْرُ الَّذِي أَخَذَهُ الْآخَرُ (إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى أَلْفٍ بِعَيْنِهَا) أَيْ: بِأَنَّ الْأَلْفَ الَّذِي أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ الْآخَرُ (فَيَطْلُبُهَا) الْوَلِيُّ (مِنْ أَيِّهِمَا) أَيْ: الْآخِذَيْنِ شَاءَ، لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا. (وَمَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ فَقَالَ لَهُمَا: أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي بِخَمْسِمِائَةٍ، لَمْ يَجُزْ) لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَ بِالْخَمْسِمِائَةِ لَهُ (وَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلِّ الْحُكْمَ فَوْقَهَا) أَيْ: الْخَمْسِمِائَةِ نَصًّا لِأَنَّ عَلَى الشَّاهِدِ نَقْلَ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا شَهِدَ، قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة: 108] . وَلِأَنَّهُ لَوْ سَاغَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِبَعْضِ مَا شَهِدَ، لَسَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِبَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 607 (وَإِنْ قَضَاهُ نِصْفَ الدَّيْنِ، وَجَحَدَ الْبَاقِيَ ادَّعَى بِالْكُلِّ) نَصًّا (وَتَشْهَدُ بِهِ) ؛ أَيْ: بِالْكُلِّ (الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ يَقُولُ: لِلْحَاكِمِ قَضَانِي نِصْفَهُ) نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ. (وَلَوْ) (شَهِدَ اثْنَانِ فِي مَحْفِلٍ) ؛ أَيْ: مُجْتَمَعٍ (عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ عَلَى خَطِيبٍ أَنَّهُ قَالَ أَوْ فَعَلَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْخُطْبَةِ شَيْئًا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُهُمَا مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي سَمْعٍ وَبَصَرٍ) (قُبِلَا) لِكَمَالِ النِّصَابِ (وَلَا يُعَارِضُهُ) ؛ أَيْ: قَبُولَهُمَا (قَوْلُ الْأَصْحَابِ إذَا انْفَرَدَ) شَاهِدٌ (وَاحِدٌ فِيمَا) ؛ أَيْ: نَقْلِ شَيْءٍ (تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ) ؛ أَيْ: تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى نَقْلِهِ (مَعَ مُشَارَكَةِ خَلْقٍ كَثِيرِينَ لَهُ؛ رُدَّ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ) وَلِأَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ وَبَيْنَ مَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ، وَبَيْنَ تَقْيِيدِهِمْ بِكَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِمَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَبَيْنَ عَدَمِ ذَلِكَ الْقَيْدِ. [بَابُ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ] ُ وَالْحِكْمَةُ فِي اعْتِبَارِهَا حِفْظُ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَنْفُسِ أَنْ تَنَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَاعْتُبِرَتْ أَحْوَالُ الشُّهُودِ بِخُلُوِّهِمْ عَمَّا يُوجِبُ التُّهْمَةَ فِيهِمْ، وَوُجُودُ مَا يُوجِبُ تَيَقُّظَهُمْ وَتَحَرُّزَهُمْ (وَهِيَ) ؛ أَيْ: شُرُوطُهُ (سِتَّةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ. (أَحَدُهَا الْبُلُوغُ فَلَا تُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (مِنْ صَغِيرٍ) ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَلَوْ كَانَ الصَّغِيرُ (فِي حَالِ أَهْلِ الْعَدَالَةِ) بِأَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمُكَلَّفُ الْعَدْلُ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ شَهِدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ فِي جِرَاحٍ إذَا شَهِدُوا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْحَالِ الَّتِي تَجَارَحُوا عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 608 {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] . وَالصَّبِيُّ لَيْسَ رَجُلًا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَفِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ كَامِلِ الْعَقْلِ. (الثَّانِي الْعَقْلُ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ) ؛ أَيْ: غَرِيزَةٌ يَنْشَأُ عَنْهَا ذَلِكَ يَسْتَعِدُّ بِهَا لِفَهْمِ دَقِيقِ الْعُلُومِ، وَتَدْبِيرِ الصَّنَائِعِ الْفِكْرِيَّةِ، وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ هُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ وُرُودُ الشَّكِّ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُمْ نَوْعٌ مِنْهَا لَا جَمِيعَهَا، وَإِلَّا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْفَاقِدُ لِلْعِلْمِ بِالْمُدْرَكَاتِ لِعَدَمِ إدْرَاكِهَا غَيْرَ عَاقِلٍ (وَالْعَاقِلُ مَنْ عَرَفَ الْوَاجِبَ عَقْلًا الضَّرُورِيَّ وَغَيْرَهُ، وَعَرَفَ الْمُمْكِنَ وَالْمُمْتَنِعَ) كَوُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى، وَكَوْنِ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ لَيْسَ فِي مَكَانَيْنِ، وَأَنَّ الْوَاحِدَ أَقَلُّ مِنْ الِاثْنَيْنِ، وَأَنَّ الضِّدَّيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ. (وَيَتَّجِهُ الْمُرَادُ) مِنْ قَوْلِهِمْ وَالْعَاقِلُ مَنْ عَرَفَ إلَى آخِرِهِ إذَا كَانَ فِيهِ اسْتِعْدَادٌ (وَقَابِلِيَّةٌ لِذَلِكَ لَوْ تَأَمَّلَهُ) كَمُعْظَمِ أَهْلِ زَمَانِنَا مِمَّنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِمْ الطَّبِيعَةُ الْبَهِيمِيَّةُ، يَنْعَقُونَ مَعَ كُلِّ نَاعِقٍ مَعَ أَنَّهُمْ فِي غَايَةِ الْمَهَارَةِ فِي إصْلَاحِ أَمْرِ مَعَاشِهِمْ وَفِي نِهَايَةِ الْغَفْلَةِ عَنْ التَّأَمُّلِ فِي أَمْرِ مَعَادِهِمْ، فَمَنْ كَانَ مُتَّصِفًا مِنْهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ عَاقِلٍ؛ إذْ لَوْ تَأَمَّلَ لَحَصَلَ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَعَرَفَ (مَا يَنْفَعُهُ وَمَا يَضُرُّهُ غَالِبًا) لِأَنَّ النَّاسَ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ لَمَا اخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ (فَلَا تُقْبَلُ) شَهَادَةٌ (مِنْ مَعْتُوهٍ وَلَا مِنْ مَجْنُونٍ) مَسْلُوبِ الْعَقْلِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَلَا أَدَاؤُهَا، لِاحْتِيَاجِهَا إلَى الضَّبْطِ وَهُوَ لَا يَعْقِلُهُ (إلَّا مَنْ يَخْنُقُ أَحْيَانًا إذَا شَهِدَ) أَيْ: تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَأَدَّاهَا (فِي إفَاقَتِهِ) فَتُقْبَلُ، لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ عَاقِلٍ، أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُجَنَّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 609 (الثَّالِثُ النُّطْقُ) ؛ أَيْ: كَوْنَ الشَّاهِدِ مُتَكَلِّمًا (فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ مِنْ أَخْرَسَ) بِإِشَارَتِهِ كَإِشَارَةِ النَّاطِقِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَقِينُ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ فِي أَحْكَامِهِ كَنِكَاحِهِ وَطَلَاقِهِ لِلضَّرُورَةِ (إلَّا إذَا أَدَّاهَا) الْأَخْرَسُ (بِخَطِّهِ) فَتُقْبَلُ لِدَلَالَةِ الْخَطِّ عَلَى الْأَلْفَاظِ. (الرَّابِعُ الْحِفْظُ، فَلَا تُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (مِنْ مُغَفَّلٍ وَ) لَا مِنْ (مَعْرُوفٍ بِكَثْرَةِ غَلَطٍ وَكَثِيرِ سَهْوٍ) لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ، وَلَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَلَطِهِ، وَتُقْبَلُ مِمَّنْ يُقْبَلُ مِنْهُ الْغَلَطُ وَالسَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ. (الْخَامِسُ الْإِسْلَامُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ رِجَالِنَا وَغَيْرُ مَأْمُونٍ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ. وَإِنْ سَلَّمَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى شَهَادَةً قَالَ تَعَالَى: " {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] (فَلَا تُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ، وَلَوْ عَلَى) كَافِرٍ (مِثْلَهُ غَيْرَ رَجُلَيْنِ) لَا نِسَاءً (كِتَابَيْنِ) لَا مَجُوسِيَّيْنِ وَنَحْوَهُمَا (عِنْدَ عَدَمِ مُسْلِمٍ) لَا مَعَ وُجُودِهِ (بِوَصِيَّةِ) مَيِّتٍ (مُسْلِمٍ) أَوْ كَافِرٍ أَوْقَعَ الْوَصِيَّةَ (سَفَرًا، وَيُحَلِّفُهُمَا) ؛ أَيْ: الشَّاهِدَيْنِ الْكِتَابِيَّيْنِ (حَاكِمٌ وُجُوبًا بَعْدَ الْعَصْرِ) لِخَبَرِ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يُعَظِّمُهُ أَهْلُ الْأَدْيَانِ، فَيَحْلِفَانِ مَعَ رَيْبٍ (لَا نَشْتَرِي بِهِ) ؛ أَيْ: اللَّهَ تَعَالَى أَوْ الْحَلِفَ أَوْ تَحْرِيفَ الشَّهَادَةِ أَوْ الشَّهَادَةَ (ثَمَنًا، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبِي، وَمَا خَانَا وَلَا حَرَّفَا، وَإِنَّهَا لِوَصِيَّةِ) الرَّجُلِ الْمَيِّتِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 610 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] الْآيَةَ وَقَضَى بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَبِهَذَا قَالَ أَكَابِرُ الْمَاضِينَ (فَإِنْ عُثِرَ) ؛ أَيْ: اطَّلَعَ (عَلَى أَنَّهُمَا) ، أَيْ: الشَّاهِدَيْنِ الْكِتَابِيَّيْنِ (اسْتَحَقَّا إثْمًا) ؛ أَيْ: كَذَبَا فِي شَهَادَتِهِمَا (قَامَ آخَرَانِ) ؛ أَيْ: وَرَثَتُهُ؛ أَيْ: رَجُلَانِ (مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمُوصِي) (فَحَلَفَا بِاَللَّهِ تَعَالَى لَشَهَادَتِنَا) ؛ أَيْ: يَمِينُنَا (أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَلَقَدْ خَانَا وَكَتَمَا وَيَقْضِي لَهُمْ) لِلْآيَةِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامَ فِضَّةٍ مَخُوصًا بِذَهَبٍ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ وَجَدَ الْجَامَ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا بِاَللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَأَنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: 106] » الْآيَةَ " رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي " النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ " أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَضَى بِذَلِكَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ أَيْضًا فَالْمَائِدَةُ مِنْ آخِرِ مَا أُنْزِلَ. . (السَّادِسُ الْعَدَالَةُ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الْعَدَالَةُ (لُغَةً التَّوَسُّطُ) وَالِاسْتِقَامَةُ وَالِاسْتِوَاءُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، مَأْخُوذَةً مِنْ عَدُلَ - بِضَمِّ الدَّالِ - إذْ الْعَدْلُ ضِدُّ الْجَوْرِ - أَيْ: الْمَيْلُ - لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَالْقَانِعُ الَّذِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَيْتِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ أَنْ يَتَحَامَلَ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَشْهَدَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. (وَشَرْعًا مَلَكَةٌ فِي النَّفْسِ تَمْنَعُهُمَا مِنْ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَالرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةِ وَيُعْتَبَرُ لَهَا) أَيْ: الْعَدَالَةِ (شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ، وَهُوَ نَوْعَانِ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ بِرَوَاتِبِهَا) ؛ أَيْ: سُنَنِ الصَّلَوَاتِ الرَّاتِبَةِ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ الْوِتْرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 611 سُنَّةٌ سَنَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِهِ، فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ (فَلَا تُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (مِمَّنْ دَاوَمَ عَلَى تَرْكِهَا) ؛ أَيْ: الرَّوَاتِبِ، فَإِنَّ تَهَاوُنَهُ بِهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مُحَافَظَتِهِ عَلَى أَسْبَابِ دِينِهِ، وَرُبَّمَا جَرَى التَّهَاوُنُ بِهَا إلَى التَّهَاوُنِ بِالْفَرَائِضِ وَتُقْبَلُ مِمَّنْ تَرَكَهَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي (اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ بِأَنْ لَا يَأْتِيَ كَبِيرَةً وَلَا يُدْمِنَ) ؛ أَيْ: يُدَاوِمَ (عَلَى صَغِيرَةٍ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ اجْتِنَابِ كُلِّ الْمَحَارِمِ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ ذَنْبٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: 32] . مَدَحَهُمْ لِاجْتِنَابِهِمْ مَا ذَكَرَ وَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُمْ الصَّغِيرَةُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا، وَأَيُّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا» ؛ أَيْ: لَمْ يُلِمَّ. وَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ كُلُّ مُرْتَكِبِ كَبِيرَةٍ، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَةً، وَأَدْمَنَ عَلَى الصَّغِيرَةِ لَا يُعَدُّ مُجْتَنِبًا لِلْمَحَارِمِ، وَقَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " الْعَدْلُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَطَائِفَةٍ بِحَسْبِهَا، فَيَكُونُ الشَّهِيدُ فِي كُلِّ قَوْمٍ مَنْ كَانَ ذَا عَدْلٍ فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَوْ كَانَ فِي غَيْرِ قَوْمٍ لَكَانَ عَدْلُهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَبِهَذَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِلَّا فَلَوْ اُعْتُبِرَ فِي شُهُودِ كُلِّ طَائِفَةٍ أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ إلَّا مَنْ يَكُونُ قَائِمًا بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ؛ لَبَطَلَتْ الشَّهَادَاتُ كُلُّهَا أَوْ غَالِبُهَا. (وَالْكَبِيرَةُ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ) كَأَكْلِ الرِّبَا، وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَفِي مُعْتَمَدِ الْقَاضِي مَعْنَى الْكَبِيرَةِ أَنَّ عِقَابَهَا أَعْظَمُ، وَالصَّغِيرَةُ أَقَلُّ، وَلَا يُعْلَمَانِ إلَّا بِتَوْفِيقٍ (زَادَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (أَوْ غَضَبٍ أَوْ لَعْنَةٍ، أَوْ نَفْيِ إيمَانٍ كَقَتْلِ) نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ وَزِنًا وَلِوَاطٍ (وَقَذْفٍ بِهِ، وَسِحْرٍ، وَأَكْلِ مَالٍ ظُلْمًا، وَرِبًا وَكِتَابَتِهِ وَشَهَادَةٍ عَلَيْهِ، وَتَوَلٍّ بِزَحْفٍ) ؛ أَيْ: الْفِرَارَ عِنْدَ الْجِهَادِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ (وَشُرْبِ كُلِّ مُسْكِرٍ) بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 612 (وَقَطْعِ طَرِيقٍ وَسَرِقَةِ) مَالٍ مَعْصُومٍ (وَدَعْوَاهُ مَا لَيْسَ لَهُ، وَشَهَادَةِ زُورٍ، وَيَمِينِ غَمُوسٍ وَتَرْكِ صَلَاةٍ، وَصَلَاةٍ بِحَدَثٍ أَوْ) صَلَاةٍ (لِغَيْرِ قِبْلَةٍ وَ) صَلَاةٍ (بِلَا قِرَاءَةٍ، أَوْ) فِعْلَهَا بَعْدَ (وَقْتٍ، وَقُنُوطٍ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَإِسَاءَةِ ظَنٍّ بِهِ) ؛ أَيْ: بِاَللَّهِ (وَأَمْنِ مَكْرِهِ، وَقَطِيعَةِ رَحِمٍ، وَكِبْرٍ وَخُيَلَاءَ وَقِيَادَةٍ، وَدِيَاثَةٍ، وَنِكَاحِ مُحَلِّلٍ، وَهَجْرِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ) ؛ أَيْ: تَرْكَ كَلَامِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: سُنَّةٌ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ، وَأَمَّا هَجْرُهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ دُونَهَا (وَتَرْكِ حَجٍّ لِمُسْتَطِيعٍ، وَمَنْعِ زَكَاةٍ، وَحُكْمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَرِشْوَةٍ فِيهِ) ؛ أَيْ: فِي الْحُكْمِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (وَفِطْرٍ بِرَمَضَانَ بِلَا عُذْرٍ، وَالْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ) فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَتَقَدَّمَ الْخَيَالُ الْمُسَمَّى بِالْعَقْلِ وَالسِّيَاسَةِ الظَّالِمَةِ وَالْعَوَائِدِ الْبَاطِلَةِ وَالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَذْوَاقِ وَالْكُشُوفَاتِ الشَّيْطَانِيَّةِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ (وَسَبِّ صَحَابَةٍ، وَإِصْرَارٍ عَلَى مَعْصِيَةٍ) لِحَدِيثِ «لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (وَتَرْكِ تَنَزُّهٍ مِنْ بَوْلٍ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ؛ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (وَنُشُوزِهَا) ؛ أَيْ: الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا (وَإِتْيَانِهَا بِدُبُرِهَا وَإِلْحَاقِهَا بِهِ وَلَدًا مِنْ غَيْرِهِ، وَكَتْمِ عِلْمٍ عَنْ أَهْلِهِ) عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى إظْهَارِهِ، وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ لِلدُّنْيَا، وَالْمُبَاهَاةِ وَالْجَاهِ وَالْعُلُوِّ عَلَى النَّاسِ (وَتَصْوِيرِ ذِي رُوحٍ وَإِتْيَانِ كَاهِنٍ وَعَرَّافٍ، وَتَصْدِيقِهِمَا. وَسُجُودٍ لِغَيْرِ اللَّهِ) تَعَالَى. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ السُّجُودَ لِغَيْرِ اللَّهِ كَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ الْعِظَامِ، سَوَاءٌ كَانَ لِجَامِدٍ أَوْ مُتَحَرِّكٍ وَلَوْ بِنِيَّةِ التَّهَكُّمِ - وَيُسْتَتَابُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ (غَيْرَ نَحْوِ صَنَمٍ وَكَوْكَبٍ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ السَّيَّارَةِ أَوْ الثَّوَابِتِ، فَإِنَّ السُّجُودَ لِذَلِكَ كُفْرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَدُعَاءٍ لِبِدْعَةٍ أَوْ ضَلَالَةٍ، وَغُلُولٍ وَنَوْحٍ وَتَطَيُّرٍ) قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 613 «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ» . فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ دُونَهَا وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ " تُكْرَهُ الطِّيَرَةُ وَالتَّشَاؤُمُ (وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ بِآنِيَةِ نَقْدٍ، وَجَوْرِ مُوصٍ فِي وَصِيَّتِهِ) وَمَنْعِهِ الْوَارِثَ مِيرَاثَهُ (وَإِبَاقِ رَقِيقٍ، وَبَيْعِ حُرٍّ، وَاسْتِحْلَالِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَكَوْنِهِ) ؛ أَيْ: الشَّخْصُ (ذَا وَجْهَيْنِ) بِأَنْ يُظْهِرَ وُدًّا وَنَحْوَهُ، وَيُبْطِنُ الْعَدَاوَةَ (وَادِّعَاءِ نَسَبٍ غَيْرِ نَسَبِهِ) خُصُوصًا دَعْوَى الشَّرَفِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، وَانْتِسَابِهِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِدُخُولِهِ فِيمَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ (وَغِشِّ سُلْطَانٍ لِرَعِيَّتِهِ وَإِتْيَانِ بَهِيمَةٍ، وَتَرْكِ جُمُعَةٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَنَمِيمَةٍ) وَصَحَّحَهُ فِي " شَرْحِ التَّحْرِيرِ " وَقَالَ قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي فُرُوعِهِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُصُولِ " وَ " الْغُنْيَةِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " (وَغِيبَةٍ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْغِيبَةَ مِنْ الْكَبَائِرِ، (إلَّا فِي مَسَائِلَ) أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ فِي نُصْحِ مُسْتَشِيرٍ فِي نَحْوِ نِكَاحٍ وَمُعَامَلَةٍ؛ فَتَجِبُ لِلنَّصِيحَةِ وَفِي الِاسْتِعَانَةِ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرَاتِ، وَفِي تَعْرِيفِ مَنْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِاسْمِهِ الْقَبِيحِ كَالْأَعْمَشِ وَالْأَعْوَرِ وَالْأَعْرَجِ، وَفِي الْفَتْوَى وَالشَّكْوَى كَ ظَلَمَنِي فُلَانٌ (أَخَذَ مِنِّي) بِغَيْرِ حَقٍّ (وَكَذَا فِي مُبْتَدِعٍ؛ فَيُغْتَابُ بِهَا) ؛ أَيْ: الْبِدْعَةِ (لِلتَّحْذِيرِ مِنْ عِشْرَتِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ) أَيْ: الْأَصْحَابُ. (وَفِي مُخْبِرٍ عَنْ نَفْسِهِ بِزِنًا وَفَوَاحِشَ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْجَابِ؛ فَيُغْتَابُ بِمَا تَجَاهَرَ بِهِ. وَعَلَيْهِ حُمِلَ حَدِيثُ: «لَا غِيبَةَ فِي فَاسِقٍ» وَمِنْهَا غِيبَةُ حَرْبِيٌّ، وَتَارِكُ صَلَاةٍ، وَالْكَذِبُ صَغِيرَةٌ) فَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهِ إنْ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ إلَّا الْكَذِبَ (فِي شَهَادَةِ زُورٍ، وَكَذِبٍ عَلَى نَبِيِّ) مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - (أَوْ كِذْبٍ عِنْدَ ظَالِمٍ، وَ) كِذْبٍ فِي (رَمْيِ فِتَنٍ) أَوْ عَلَى أَحَدِ الرَّعِيَّةِ عِنْدَ حَاكِمٍ ظَالِمٍ (فَكَبِيرَةٌ. قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: وَيُعْرَفُ الْكَذَّابُ بِخُلْفِ الْمَوَاعِيدِ) نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ (وَيَجِبُ كِذْبٌ لِتَخْلِيصِ مَعْصُومٍ مِنْ قَتْلٍ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ ". (قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ وَاجِبًا، وَيُبَاحُ) الْكَذِبُ (لِإِصْلَاحٍ) بَيْنَ النَّاسِ (وَلِحَرْبٍ وَلِزَوْجَةٍ) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ (وَكُلُّ مَقْصُودٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 614 مَحْمُودٍ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ) ؛ أَيْ: الْكَذِبِ وَمَنْ جَاءَهُ طَعَامٌ، فَقَالَ: لَا آكُلُهُ ثُمَّ أَكَلَهُ فَكِذْبٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ، نَقَلَهُ الْمَرْوَزِيِّ: وَمَنْ كَتَبَ لِغَيْرِهِ كِتَابًا فَأَمْلَى عَلَيْهِ كَذِبًا؛ لَمْ يَكْتُبْهُ. نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَظَاهِرُ " الْكَافِي " الْعَدْلُ مَنْ رَجَحَ خَيْرُهُ، وَلَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً؛ لِأَنَّ الصَّغَائِرَ تَقَعُ مُكَفِّرَةٍ أَوَّلًا فَأَوَّلًا؛ فَلَا تَجْتَمِعُ (وَالصَّغَائِرُ كَتَجَسُّسٍ) عَلَى النَّاسِ وَاسْتِكْشَافِ أَحْوَالِهِمْ (وَسَبٍّ بِغَيْرِ قَذْفٍ وَنَظَرٍ مُحَرَّمٍ وَاسْتِمَاعِ كَلَامِ أَجْنَبِيَّةٍ بِلَا حَاجَةٍ) أَوْ اسْتِمَاعِ (آلَةِ لَهْوٍ) وَلَوْ لِحَاجَةٍ (تَحْرُمُ) آلَاتِ اللَّهْوِ كُلِّهَا (اتِّخَاذًا وَاسْتِعْمَالًا وَصِنَاعَةً) مُطْرِبَةً كَانَتْ أَوَّلًا (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ بِفِعْلٍ مِمَّا مَرَّ كَزَانٍ وَدَيُّوثٍ أَوْ بِاعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ فِي خَلْقِ الْقُرْآنِ أَوْ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ) ؛ أَيْ: رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ (أَوْ فِي الرَّفْضِ) ؛ أَيْ: تَكْفِيرَ الصَّحَابَةِ وَتَفْسِيقَهُمْ بِتَقْدِيمِ غَيْرِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ فِي الْخِلَافَةِ، أَوْ فِي التَّجَهُّمِ بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ؛ أَيْ: اعْتِقَادِ مَذْهَبِ. جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ (وَنَحْوَهُ) لِمُقَلِّدٍ فِي التَّجْسِيمِ، وَمَا يَعْتَقِدُهُ الْخَوَارِجُ، وَالْقَدَرِيَّةِ وَنَحْوَهُمْ (قَالَ الْمَجْدُ) الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ كَفَّرْنَا فِيهَا الدَّاعِيَةَ؛ فَإِنَّا نُفَسِّقُ الْمُقَلِّدَ فِيهَا، كَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ أَوْ إنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، أَوْ أَنَّ أَسْمَاءَهُ مَخْلُوقَةٌ (أَوْ يَسُبَّ الصَّحَابَةَ تَدَيُّنًا) فَمَنْ كَانَ عَالِمًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ، يَدْعُوَا إلَيْهِ، وَيُنَاظَرُ عَلَيْهِ؛ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ نَصَّ أَحْمَدُ صَرِيحًا عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ انْتَهَى. (وَيَكْفُرُ مُجْتَهِدُهُمْ) ؛ أَيْ: مُجْتَهِدُ الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَحْوَهُمْ مِمَّنْ خَالَفَ عَلَيْهِ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ (الدَّاعِيَةُ) قَالَ فِي " الْفُصُولِ " فِي الْكَفَاءَةِ فِي جَهْمِيَّةٍ وَوَاقِفِيَّةٍ وَحَرُورِيَّةٍ وَقَدَرِيَّةٍ وَرَافِضِيَّةٍ: إنْ نَاظَرَ وَدَعَا؛ كَفَرَ، وَإِلَّا لَمْ يَفْسُقْ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ يُسْمَعُ حَدِيثُهُ، وَيُصَلِّي خَلْفَهُ. قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ (عَامَّتَهُمْ) ؛ أَيْ: الْمُبْتَدِعَةِ (فَسَقَةٌ كَعَامَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ كُفَّارٌ مَعَ جَهْلِهِمْ) وَالصَّحِيحُ لَا كُفْرَ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ أَجَازَ الرِّوَايَةَ عَنْ الْحَرُورِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ (وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّ قَدَرِيَّةَ أَهْلِ الْأَثَرِ كَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَالْأَصَمِّ مُبْتَدِعَةٌ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 615 (لَا يَفْسُقُ أَحَدٌ) وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ فِي الْمُقَلِّدِ كَالْفُرُوعِ ". . (وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةُ قَاذِفٍ، حُدَّ أَوْ لَا) ؛ أَيْ: أَوْ لَمْ يُحَدَّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] (حَتَّى يَتُوبَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ أَبُو بَكْرَةَ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ وَنَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ، وَكُرِهَ زِيَادَةُ فَجَلَدَ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ، وَقَالَ لَهُمْ تُوبُوا تُقْبَلُ شَهَادَتُكُمْ، فَتَابَ رَجُلَانِ؛ فَقَبِلَ عُمَرُ شَهَادَتَهُمَا، وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ، فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَكَانَ قَدْ عَادَ مِثْلُ النَّصْلِ مِنْ الْعِبَادَةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُحَقِّقُ الْقَاذِفُ قَذْفَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ مَقْذُوفٍ أَوْ لِعَانٍ إنْ كَانَ الْقَاذِفُ زَوْجًا، فَإِنْ حَقَّقَهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقَذْفِهِ فِسْقٌ وَلَا حَدٌّ، وَلَا رَدُّ شَهَادَةٍ (وَتَوْبَتُهُ) ؛ أَيْ: الْقَاذِفَ (تَكْذِيبُهُ نَفْسَهُ، وَلَوْ كَانَ صَادِقًا، فَيَقُولُ: كَذَبْت فِيمَا قُلْت) لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 5] . قَالَ تَوْبَتُهُ إكْذَابُ نَفْسِهِ " وَلِتَلَوُّثِ عِرْضِ الْمَقْذُوفِ بِقَذْفِهِ؛ فَإِكْذَابُهُ نَفْسَهُ يُزِيلُ ذَلِكَ التَّلْوِيثَ. (وَالْقَاذِفُ بِشَتْمٍ تَكَرَّرَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَرِوَايَتُهُ حَتَّى يَتُوبَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَتُرَدُّ فُتْيَاهُ حَتَّى يَتُوبَ، وَالشَّاهِدُ بِالزِّنَا إذَا لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ دُونَ شَهَادَتِهِ، وَتَوْبَةُ غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: الْقَاذِفِ " نَدَمٌ " بِقَلْبِهِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ ذَنْبِهِ (وَإِقْلَاعٌ) بِأَنْ يَتْرُكَ فِعْلَ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ إصْلَاحُ الْعَمَلِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110] وَمَعَ الْمَغْفِرَةِ يَجِبُ أَنْ تَتَرَتَّبَ الْأَحْكَامُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْهَا. وَهُوَ الْفِسْقُ؛ لِأَنَّهُ فِسْقٌ مَعَ زَوَالِ الذَّنْبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 616 وَإِنْ كَانَ فِسْقُ الْفَاسِقِ (بِتَرْكِ وَاجِبٍ فَلَا بُدَّ) لِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ (مِنْ فِعْلِهِ) أَيْ: الْوَاجِبِ الَّذِي تَرَكَهُ (وَيُسَارِعُ) بِفِعْلِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فَوْرًا، وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُ بِتَرْكِ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهِ بِبَذْلِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ (وَيُعْتَبَرُ رَدُّ مَظْلِمَةٍ) فِسْقٌ بِتَرْكِ رَدِّهَا كَمَغْصُوبٍ وَنَحْوَهُ فَإِنْ عَجَزَ نَوَى رَدَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ (أَوْ يَسْتَحِلُّهُ) ؛ أَيْ: رَبُّ الْمَظْلِمَةِ بِأَنْ يَطْلُبَ أَنْ يُحَلِّلَهُ (وَيُمْهَلُ تَائِبٌ مُعْسِرٌ) ؛ أَيْ: يُمْهِلُهُ رَبُّ الْمَظْلِمَةِ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُوسِرًا فَإِنْ وَجَدَ الْمَظْلُومُ وَقْتَ يَسَارِ الظَّالِمِ رُدَّتْ مَظْلِمَتُهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا يُوجَدُ (فَتُرَدُّ لِبَيْتِ مَالٍ حَيْثُ لَا وَارِثَ وَيَعْتَرِفُ مُبْتَدِعٌ بِبِدْعَةٍ، وَيَعْتَقِدُ الْحَقَّ) وَيُصَمِّمُ عَلَى ضِدِّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ. . (وَلَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مُعَلَّقَةً) بِشَرْطٍ فِي الْحَالِ وَلَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ النَّدَمَ وَالْعَزْمَ فِعْلُ الْقَلْبِ، وَلَا يَتَأَتَّى تَعْلِيقُهُ، وَكَذَا الْإِقْلَاعُ (وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا) ؛ أَيْ: التَّوْبَةِ (مِنْ نَحْوِ قَذْفٍ وَغِيبَةٍ إعْلَامُهُ) ؛ أَيْ: الْمَقْذُوفَ وَالْمُغْتَابَ (وَالتَّحَلُّلُ مِنْهُ) قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَذَفَ ثُمَّ تَابَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ قَدْ قَذَفْتُك هَذَا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بَلْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى (وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْكِيلَانِيُّ) (يَحْرُمُ إعْلَامُهُ) لِأَنَّ فِيهِ إيذَاءً صَرِيحًا، وَإِذَا اسْتَحَلَّهُ يَأْتِي بِلَفْظٍ عَامٍّ مُبْهَمٍ؛ لِصِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ. (وَمَنْ تَتَبَّعَ الرُّخْصَ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ؛ فَسَقَ نَصًّا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا) وَذَكَرَ الْقَاضِي غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ وَلَا مُقَلِّدٍ، وَلُزُومُ التَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبٍ وَامْتِنَاعُ الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهِ الْأَشْهَرُ عَدَمُهُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَوْ عَمِلَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي النَّبِيذِ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ يَعْنِي الْغِنَاءَ، وَأَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ، لَكَانَ فَاسِقًا لِأَخْذِهِ بِالرُّخْصِ، وَتَتَبُّعِهِ لَهَا (قَالَ الْقَرَافِيُّ الْمَالِكِيُّ: وَلَا نُرِيدُ بِالرُّخْصِ مَا فِيهِ سُهُولَةٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ، بَلْ مَا ضَعُفَ مُدْرِكُهُ بِحَيْثُ يُنْقَضُ فِيهِ الْحُكْمُ، وَهُوَ مَا خَالَفَ الْإِجْمَاعَ أَوْ النَّصَّ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ، أَوْ خَالَفَ الْقَوَاعِدَ انْتَهَى، وَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 617 حَسَنٌ) يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: وَمَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ إمَامٍ بِعَيْنِهِ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَإِنْ قَالَ يَنْبَغِي كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا. وَمَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِإِمَامٍ، فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ أَوْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ وَأَنْقَى؛ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَلَمْ يُقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ انْتَهَى، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي " الْفُرُوعِ "، وَقَبِلُوا شَهَادَةَ مُخَالِفٍ لَهُمْ فِيهَا، وَلِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ سَائِغٌ فَلَا يَفْسُقُ بِهِ الْمُخَالِفُ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. (وَمَنْ أَتَى فَرْعًا فِقْهِيًّا مُخْتَلَفًا فِيهِ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَه مِنْ زَنَا أَوْ شَرِبَ مِنْ نَبِيذٍ مَا لَا يُسْكِرُ أَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ قَادِرًا) ؛ أَيْ: مُسْتَطِيعًا (إنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ) ؛ أَيْ: مَا فَعَلَهُ مِمَّا ذُكِرَ (رُدَّتْ) شَهَادَتُهُ نَصًّا، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ عَمْدًا، فَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمه، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَعَ الْمُدَاوَمَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ (وَإِنْ تَأَوَّلَ) ؛ أَيْ: فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مُسْتَدِلًّا عَلَى حِلِّهِ بِاجْتِهَادِهِ (أَوْ قَلَّدَ) الْقَائِلُ بِحِلِّهِ؛ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ سَائِغٌ فَلَا يَفْسُقُ بِهِ مَنْ فَعَلَهُ، أَوْ قَلَّدَ فِيهِ. الشَّيْءُ (الثَّانِي) مِمَّا يُعْتَبَرُ لِلْعَدَالَةِ (اسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ) بِوَزْنِ سُهُولَةٍ؛ أَيْ: الْإِنْسَانِيَّةِ (بِفِعْلِ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ) عَادَةً كَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ وَبَذْلِ الْجَاهِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَنَحْوَهُ (وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ) ؛ أَيْ: يَعِيبُهُ عَادَةً مِنْ الْأُمُورِ الدَّنِيئَةِ الْمُزْرِيَةِ بِهِ (فَلَا شَهَادَةَ مَقْبُولَةً لِمُصَافَعٍ) ؛ أَيْ: يَصْفَعُ غَيْرَهُ، وَيَصْفَعُهُ غَيْرُهُ، لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا (وَمُتَمَسْخِرٍ) يُقَالُ سَخِرَ مِنْهُ وَبِهِ كَفَرِحَ، وَسَخِرَ هَذَى كَاسْتَخَرَ (وَرَقَّاصٍ) كَثِيرِ الرَّقْصِ (وَمُشَعْبِذٍ) وَالشَّعْبَذَةُ وَالشَّعْوَذَةُ خِفَّةٌ فِي الْيَدِ كَالسِّحْرِ (وَمُغَنٍّ، وَكُرِهَ الْغِنَاءُ بِلَا آلَةِ غِنَاءٍ) مِنْ عُودٍ وَطُنْبُورٍ وَنَحْوِهِمَا (وَاخْتَارَا الْأَكْثَرُ) ؛ أَيْ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْغِنَاءُ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ آلَةِ لَهْوٍ أَوْ لَا (بَلْ ادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى كُفْرِ مُسْتَحِلِّهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ) إذْ الْمَذْهَبُ كَرَاهَتُهُ بِلَا آلَةِ لَهْوٍ، وَمَعَهَا حَرَامٌ مِنْ حَيْثُ الْآلَةُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَالْغِنَاءُ وَالنَّوْحُ مَعْنًى وَاحِدٌ؛ فَلَيْسَ الْمُرَادُ النَّوْحَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 618 بِمَعْنَى النِّيَاحَةِ، لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ بَلْ كَبِيرَةٌ؛ فَاسْتِمَاعُهُ حَرَامٌ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْغِنَاءُ رَفْعُ صَوْتٍ بِشِعْرٍ (أَوْ مَا قَارَبَهُ مِنْ الرَّجَزِ عَلَى نَحْوٍ مَخْصُوصٍ، وَكُرِهَ اسْتِمَاعُهُ) ؛ أَيْ: الْغِنَاءَ إلَّا مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ فَيَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِهِ، وَيُبَاحُ الْحِدَاءُ الَّذِي تُسَاقُ بِهِ الْإِبِلُ، وَنَشْدُ الْعَرَبِ، وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْإِنْشَادِ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الْغِنَاءِ. وَلَا شَهَادَةَ (لِطُفَيْلِيٍّ) يَتْبَعُ الضِّيفَانَ (وَمُتَزَيٍّ بِزِيٍّ لِيُسْخَرَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: يُهْزَأَ بِهِ. (وَلَا شَهَادَةَ لِشَاعِرٍ يُفَرِّطُ) ؛ أَيْ: يُكْثِرُ (فِي مَدْحٍ بِإِعْطَاءٍ، وَيُفَرِّطُ فِي ذَمٍّ بِمَنْعٍ) مِنْ إعْطَاءٍ (أَوْ يُشَبِّبُ بِمَدْحٍ خَمْرًا أَوْ بِمُرْدٍ أَوْ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُحَرَّمَةٍ، وَيَفْسُقُ بِذَلِكَ، وَلَا تَحْرُمُ رِوَايَتُهُ) لِحَدِيثِ: «إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً» وَكَانَ يُصْنَعُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا يَقُومُ عَلَيْهِ فَيَهْجُو مَنْ هَجَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَنْشَدَهُ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ قَصِيدَتَهُ بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ، فِي الْمَسْجِدِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] وَنَحْوَهُ مِمَّا وَرَدَ فِي الشِّعْرِ فَالْمُرَادُ مَنْ أَسْرَفَ وَكَذَبَ. (وَ) لَا شَهَادَةَ (لِلَاعِبٍ بِشِطْرَنْجٍ غَيْرِ مُقَلِّدٍ) مَنْ يَرَى إبَاحَتَهُ حَالَ لَعِبِهِ؛ لِتَحْرِيمِ لَعِبِهِ كَمَا يَحْرُمُ (مَعَ عِوَضٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ إجْمَاعًا، أَوْ لَاعِبٍ بِنَرْدٍ وَهُوَ ثَلَاثَةُ عِظَامٍ، كُلُّ عَظْمٍ بِثَلَاثَةِ قُرُونٍ مَنْقُوشٌ بِجَانِبٍ مِنْهُ عَدَدٌ، وَبِالثَّانِي عَدَدَانِ، وَبِالثَّالِثِ ثَلَاثَةُ أَعْدَادٍ، وَنَرْدُ شِيرٍ اسْمُ الْمَلِكِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ هَذَا النَّرْدُ وَيَحْرُمَانِ) ؛ أَيْ؛ الشِّطْرَنْجُ وَالنَّرْدُ - أَيْ اللَّعِبُ بِهِمَا - لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد فِي النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ بِمَعْنَاهُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الْمُسَابَقَةِ (أَوْ لَاعِبٍ بِكُلِّ مَا فِيهِ دَنَاءَةٌ حَتَّى بِأُرْجُوحَةٍ أَوْ رَفْعِ ثَقِيلٍ، وَتَحْرُمُ مُخَاطَرَتُهُ بِنَفْسِهِ فِيهِ) ؛ أَيْ: رَفْعُ الثَّقِيلِ، وَتَحْرُمُ مُخَاطَرَتُهُ بِنَفْسِهِ (فِي ثِقَافٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] . (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا شَهَادَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 619 لِلَاعِبٍ (بِحَمَامِ طَيَّارَةٍ وَلَا لِمُسْتَرْعِيهَا) ؛ أَيْ: الْحَمَامِ (مِنْ الْمَزَارِعِ أَوْ لِمَنْ يَصِيدُ بِهَا حَمَامَ غَيْرِهِ، وَيُبَاحُ اقْتِنَاؤُهَا لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهَا وَلِاسْتِفْرَاخِهَا وَلِحَمْلِ كُتُبٍ، وَيُكْرَهُ حَبْسُ طَيْرٍ لِنَغْمَتِهِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ تَعْذِيبٍ لَهُ. وَلَا شَهَادَةَ لِمَنْ يَأْكُلُ بِالسُّوقِ كَثِيرًا لَا يَسِيرًا كَلُقْمَةٍ وَتُفَّاحَةٍ. (وَلَا) شَهَادَةَ (لِمَنْ يَمُدُّ رِجْلَيْهِ بِجَمْعِ النَّاسِ، أَوْ يَكْشِفُ مِنْ بَدَنِهِ مَا الْعَادَةُ تَغْطِيَتُهُ كَصَدْرِهِ أَوْ ظَهْرِهِ، وَيُحْدِثُ بِمُبَاضَعَةِ أَهْلِهِ) ؛ أَيْ: زَوْجَتِهِ أَوْ بِمُبَاضَعَةِ أَمَتِهِ، أَوْ يُخَاطِبُهَا (بِخِطَابٍ) فَاحِشٍ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِلَا مِئْزَرٍ، أَوْ يَنَامُ بَيْنَ جَالِسِينَ، أَوْ يَخْرُجُ عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ بِلَا عُذْرٍ، أَوْ يَحْكِي الْمُضْحِكَاتِ، (أَوْ يَتَعَاطَى مَا فِيهِ سُخْفٌ وَدَنَاءَةٌ) لِأَنَّ مَنْ رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ، وَاسْتَخَفَّهُ؛ فَلَيْسَ لَهُ مُرُوءَةٌ، وَلَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ، وَلِحَدِيثِ مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ مَرْفُوعًا «إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت» . وَلِأَنَّ الْمُرُوءَةَ تَمْنَعُ الْكَذِبَ، وَتَزْجُرُ عَنْهُ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْهُ ذُو الْمُرُوءَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَدَيِّنًا. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذَا مُتَخَفِّيًا لَمْ يُمْنَعْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ مُرُوءَتَهُ لَا تَسْقُطُ بِهِ، وَكَذَا إنْ فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ شَيْئًا قَلِيلًا انْتَهَى. وَأَمَّا مَا اتَّخَذَهُ أَرْبَابُ الدُّنْيَا مِنْ الْعَادَاتِ وَالنَّزَاهَةِ الَّتِي لَمْ يُقَبِّحْهَا السَّلَفُ وَلَا اجْتَنَبَهَا الصَّحَابَةُ كَتَعَذُّرِهِمْ مِنْ حَمْلِ الْحَوَائِجِ وَالْأَقْوَاتِ لِلْعِيَالِ وَلُبْسِ الصُّوفِ وَرُكُوبِ الْحِمَارِ وَحَمْلِ الْمَاءِ عَلَى الظَّهْرِ وَالرِّزْمَةِ إلَى السُّوقِ، فَلَا يُعْتَبَرُ نَقْصًا فِي الْمُرُوءَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ بِلَا تَلْحِينٍ لَا بَأْسَ بِهَا، وَإِنْ حَسُنَ صَوْتُهُ بِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِحَدِيثِ: «زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ» . وَتَقَدَّمَتْ أَحْكَامُ اللَّعِبِ (وَتَحْرُمُ مُحَاكَاةُ النَّاسِ لِلضَّحِكِ وَيُعَزَّرُ هُوَ وَمَنْ يَأْمُرْهُ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْغِيبَةِ. . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 620 [فَصْلٌ مَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ قُبِلَتْ الشَّهَادَةِ] فَصْلٌ (وَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ) ؛ أَيْ: شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهِ قَبْلُ (بِأَنْ بَلَغَ صَغِيرٌ، أَوْ عَقَلَ مَجْنُونٌ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَوْ تَابَ فَاسِقٌ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي التَّائِبِ (إصْلَاحُ الْعَمَلِ) لِحَدِيثِ: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» . وَلَا تُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ الْحُرِّيَّةُ (فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ عَبْدٍ وَشَهَادَةُ أَمَةٍ فِي كُلِّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ حُرٌّ وَحُرَّةٌ) لِعُمُومِ آيَاتِ الشَّهَادَةِ وَأَخْبَارِهَا، وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ فِيهَا؛ فَإِنَّهُ مِنْ رِجَالِنَا، وَهُوَ عَدْلٌ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَفَتْوَاهُ وَأَخْبَارُهُ الدِّينِيَّةُ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: «تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ هَانِئٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ وَكَيْفَ زَعَمَتْ ذَلِكَ» ؟ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ لَيْسَ لِلْقِنِّ مُرُوءَةٌ مَمْنُوعٌ، بَلْ هُوَ كَالْحُرِّ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْأَرِقَّاءِ الْعُلَمَاءُ وَالصَّالِحُونَ وَالْأُمَرَاءُ. (وَمَتَى تَعَيَّنَتْ) الشَّهَادَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ: الرَّقِيقِ (حَرُمَ) عَلَى سَيِّدِهِ (مَنْعُهُ) مِنْهَا كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ. وَلَا تَشْتَرِطُ الشَّهَادَةُ (كَوْنَ صِنَاعَتِهِ) ؛ أَيْ: الشَّاهِدِ (غَيْرَ دَنِيئَةٍ عُرْفًا فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ حَجَّامٍ وَحَدَّادٍ وَزَبَّالٍ) يَجْمَعُ الزِّبْلَ (وَقَمَّامٍ) يَقُمُّ الْمَكَانَ مِنْ زِبْلٍ وَغَيْرِهِ (وَكَنَّاسٍ) يَكْنُسُ الْأَسْوَاقَ وَغَيْرَهَا (وَكَبَاشٍّ) يُرَبِّي الْكِبَاشَ (وَقَرَّادٍ) يُرَبِّي الْقُرُودَ، وَيَطُوفُ بِهَا لِلتَّكَسُّبِ (وَدَبَّابٍ) يَفْعَلُ بِالدُّبِّ كَمَا يَفْعَلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 621 الْقَرَّادُ (وَنَفَّاطٍ) يَلْعَبُ بِالنَّفْطِ (وَنَخَّالٍ) ؛ أَيْ: يُغَرْبِلُ فِي الطَّرِيقِ عَلَى فُلُوسٍ وَغَيْرِهَا، وَتُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ الْمُقَلِّشَ (وَصَبَّاغٍ وَدَبَّاغٍ وَجَمَّالٍ وَجَزَّارٍ وَكَسَاحٍّ) يُنَظِّفُ الْحُشُوشَ (وَحَائِكٍ وَحَارِسٍ وَصَائِغٍ وَمَكَّارٍ وَقَيِّمٍ) ؛ أَيْ: خَدَّامٍ (إذَا حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُمْ) بِأَنْ حَافَظُوا عَلَى الْفَرَائِضِ، وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى هَذِهِ الصَّنَائِعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَلِيهَا بِنَفْسِهِ، فَلَوْ رُدَّتْ بِهَا الشَّهَادَةُ أَفْضَى بِهَا إلَى تَرْكِ النَّاسِ لَهَا، فَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَا تُقْبَلُ (مَنْ لَبِسَ غَيْرَ زِيِّ بَلَدٍ يَسْكُنُهُ، أَوْ لَبِسَ غَيْرَ زِيِّهِ الْمُعْتَادِ بِلَا عُذْرٍ) إذَا حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُمْ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدُ زِنًا) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَاتِ (حَتَّى بِهِ) ؛ أَيْ: الزِّنَا إذَا شَهِدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ (بِهِ) . . وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ (بَدَوِيٍّ عَلَى قَرَوِيّ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ» مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَعْمَى بِمَا سَمِعَ إذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ بِالِاسْتِفَاضَةِ) لِعُمُومِ الْآيَاتِ، وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَالْبَصِيرِ، فَإِنْ جَوَّزَ الْأَعْمَى أَنْ يَكُونَ صَوْتَ غَيْرِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الصَّوْتِ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ عَلَى الْبَصِيرِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَتَصِحُّ شَهَادَةُ الْأَعْمَى (بِمَرْئِيَّاتٍ تَحَمَّلَهَا قَبْلَ عَمَاهُ) إذَا عَرَفَ الْفَاعِلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَى فَقْدُ حَاسَّةٍ لَا تُخِلُّ بِالتَّكْلِيفِ؛ فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَالصَّمَمِ فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ (وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إلَّا بِعَيْنِهِ إذَا وَصَفَهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ تَمْيِيزُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ (وَكَذَا إنْ تَعَذَّرَتْ رُؤْيَةُ مَشْهُودٍ لَهُ) لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ، فَوَصَفَهُ الشَّاهِدُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى مِنْ نَحْوِ وَارِثِهِ أَوْ وَكِيلِهِ، وَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ لَا تَكْفِي فِيهِ الصِّفَةُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَتَقَدَّمْهُ دَعْوَى (أَوْ) تَعَذَّرَتْ رُؤْيَةُ مَشْهُودٍ (عَلَيْهِ أَوْ مَشْهُودٍ بِهِ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ) فَوَصَفَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 622 لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي (وَالْأَصَمُّ كَسَمِيعٍ فِيمَا رَآهُ) مُطْلَقًا قَبْلَ الصَّمَمِ وَبَعْدَهُ، لِأَنَّهُ فِيهِ كَغَيْرِهِ (أَوْ فِيمَا سَمِعَهُ قَبْلَ صَمَمِهِ) كَسَمِيعٍ. (وَمَنْ شَهِدَ بِحَقٍّ عِنْدَ حَاكِمٍ ثُمَّ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ صُمَّ أَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ؛ لَمْ يُمْنَعْ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ إنْ كَانَ عَدْلًا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تُهْمَتَهُ حَالَ شَهَادَتِهِ، بِخِلَافِ الْفِسْقِ. (وَإِنْ حَدَثَ بِشَاهِدٍ مَانِعٌ مِنْ كُفْرٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ تُهْمَةٍ) كَعَدَاوَةٍ وَعَصَبِيَّةٍ (وَتَزْوِيجٍ قَبْلَ الْحُكْمِ؛ مَنَعَهُ) ؛ أَيْ: الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ؛ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّهَادَةِ، وَانْتِقَاؤُهُ حِينَهَا شَرْطٌ لِلْحُكْمِ بِهَا (غَيْرُ عَدَاوَةٍ ابْتَدَأَهَا مَشْهُودٌ عَلَيْهِ بِأَنْ قَذَفَ الْبَيِّنَةَ أَوْ قَاوَلَهَا عِنْدَ الْحُكُومَةِ) بِدُونِ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ سَابِقَةٍ؛ فَلَا تَمْنَعُ الْحُكْمَ؛ لِئَلَّا يَتَمَكَّنَ كُلُّ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ إبْطَالِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " مَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الْعَدَاوَةِ وَالْفِسْقِ وَإِنْ حَدَثَ مَانِعٌ مِنْ كُفْرٍ وَفِسْقٍ وَغَيْرِهِمَا (بَعْدَ الْحُكْمِ) وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَحْكُومٍ بِهِ (يُسْتَوْفَى مَالٌ) حُكِمَ بِهِ (لِأَحَدٍ مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ (وَلَا قَوَدَ) لِأَنَّهُ إتْلَافٌ فَلَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّخْصِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَحَاكِمٍ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ، وَقَاسِمٍ وَمُرْضِعَةٍ عَلَى قِسْمَتِهِ وَإِرْضَاعِهَا، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَشْهَدُ لِغَيْرِهِ، فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي الرَّضَاعِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 623 [بَابُ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ] ِ الْمَوَانِعُ جَمْعُ مَانِعٍ، وَهُوَ مَا يَحُولُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَمَقْصُودِهِ، وَهَذِهِ الْمَوَانِعُ تَحُولُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْمَقْصُودِ مِنْهَا، وَهُوَ قَبُولُهَا وَالْحُكْمُ بِهَا (وَهِيَ سَبْعَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ. (أَحَدُهَا كَوْنُ مَشْهُودٍ لَهُ يَمْلِكُ) ؛ أَيْ: الشَّاهِدُ لَهُ، أَوْ يَمْلِكُ (بَعْضَهُ) إذْ الْقِنُّ يَتَبَسَّطُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ، أَوْ كَوْنِ مَشْهُودٍ لَهُ (زَوْجًا) لِشَاهِدٍ لِتَبْسُطْ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَالِ الْآخَرِ وَاتِّسَاعِهِ بِسَعَتِهِ (وَلَوْ كَانَ زَوْجًا فِي الْمَاضِي) بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ بَعْدَ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ فَسْخِ لَعْنَةٍ؛ فَلَا تُقْبَلُ؛ سَوَاءٌ كَانَ شَهِدَ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ (أَوْ لَمْ تُرَدَّ قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: قَبْلَ الْفِرَاقِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ بَيْنُونَتِهَا لِلشَّهَادَةِ ثُمَّ يُعِيدُهَا (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ - وَلَوْ بَعْدَ الْفِرَاقِ إنْ كَانَتْ رُدَّتْ قَبْلَهُ - وَإِلَّا قُبِلَتْ انْتَهَى. أَوْ كَوْنُ الْمَشْهُودِ لَهُ (مِنْ عَمُودِي نَسَبَهُ) ؛ أَيْ: الشَّاهِدِ؛ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَالِدٍ لِوَلَدِهِ - وَإِنْ سَفَلَ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ أَوْ الْبَنَاتِ - وَعَكْسَهُ (وَلَوْ لَمْ يَجُرَّ) الشَّاهِدُ بِمَا شَهِدَ (بِهِ نَفْعًا غَالِبًا) لِمَشْهُودٍ لَهُ كَشَهَادَتِهِ لَهُ (بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ قَذْفٍ) وَمِنْهُ شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ بِإِذْنِ مُوَلِّيَتِهِ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ؛ وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا ظَنِينٍ فِي قَرَابَةٍ، وَلَا وَلَاءٍ» وَفِي إسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْغِمْرُ الْحِقْدُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 624 وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ، وَكُلٌّ مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يَمِيلُ إلَيْهِ بِطَبْعِهِ؛ لِحَدِيثِ: " فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا ". وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ دِينُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ شَخْصٍ لِبَاقِي أَقَارِبِهِ كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ) لِعُمُومِ الْآيَاتِ، وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ غَيْرُ مُتَّهَمٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَخِ لِأَخِيهِ جَائِزَةٌ. . (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدْلِ (لِوَلَدِهِ) مِنْ زِنًا وَرَضَاعٍ (وَلِوَالِدِهِ مِنْ زِنًا وَرَضَاعٍ) لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ وَالصِّلَةِ وَعِتْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَعَدَمِ التَّبَسُّطِ فِي مَالِهِ. شَهَادَةُ الْعَدْلِ (لِصَدِيقِهِ وَعَتِيقِهِ وَمَوْلَاهُ) لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ (وَرَدَّ ابْنُ عَقِيلٍ شَهَادَةَ) صَدِيقٍ لِصَدِيقِهِ إذَا كَانَتْ صَدَاقَتُهُمَا وَكِيدَةً، وَرَدَّ أَيْضًا شَهَادَةَ (عَاشِقٍ لِمَعْشُوقِهِ، وَهُوَ رَدٌّ حَسَنٌ) لِأَنَّ الْعِشْقَ يَطِيشُ. (وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ لَوْ شَهِدَ وَلَدُ الْحَاكِمِ عِنْدَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ شَهِدَ وَالِدُهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ (أَوْ) شَهِدَتْ (زَوْجَتُهُ فِيمَا تُقْبَلُ) فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ (يَتَوَجَّهُ عَدَمُ قَبُولِهَا) ؛ أَيْ: تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ عَدَمُ تَحَرِّيهِ فِي عِدَالَتِهِمْ، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ يَحْكُمُ بِشَهَادَتِهِمْ، كَمَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " وَغَيْرُهُمْ هُنَاكَ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (لَوْ شَهِدَ عَلَى الْحَاكِمِ بِحُكْمِهِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ بِالْمَحْكُومِ فِيهِ الْأَظْهَرُ لَا تُقْبَلُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْحُكْمِ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ الْمَحْكُومِ بِهِ) وَقَالَ: تَزْكِيَةُ الشَّاهِدِ رَفِيقَهُ فِي الشَّهَادَةِ لَا تُقْبَلُ (انْتَهَى) أَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَتَهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَتِهِ، فَيَكُونُ قَدْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِأَنَّ الْحَاكِمَ قَبِلَهُ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلِإِمْضَائِهِ إلَى انْحِصَارِ الشَّهَادَةِ فِي أَحَدِهِمَا. (وَكُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُ (لَهُ؛ فَتُقْبَلُ) شَهَادَتُهُ (عَلَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ شَهِدَا) ؛ أَيْ: الْعَدْلَانِ (عَلَى أَبِيهِمَا بِقَذْفِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا؛ وَهِيَ) أُمُّهُمَا (تَحْتَهُ) ؛ أَيْ: أَبِيهِمَا؛ قَبِلَا أَوْ شَهِدَا (عَلَيْهِ بِطَلَاقِهَا) ؛ أَيْ: ضَرَّةِ أُمِّهِمَا (قَبِلَا) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى أَبِيهِمَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 625 (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى مُعْتِقِ عَبْدَيْنِ أَنَّهُ غَصَبَهُمَا) ؛ أَيْ: الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ عِتْقِهِمَا (مِنْهُ، فَشَهِدَ الْعَتِيقَانِ بِصِدْقِهِ) ؛ أَيْ: مُدَّعِي غَصْبِهِمَا (لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمَا (لِعَوْدِهِمَا) بِقَبُولِهَا (لِلرِّقِّ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا) ؛ أَيْ: الْعَتِيقَانِ (أَنْ مُعْتِقَهُمَا كَانَ حِينَ الْعِتْقِ لَهُمَا غَيْرُ بَالِغٍ وَنَحْوَهُ) كَجُنُونِهِ. (أَوْ جَرَحَا شَاهِدَيْ حُرِّيَّتَهُمَا) فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا ذَلِكَ؛ لِعَوْدِهِمَا إلَى الرِّقِّ بِهِ. (وَلَوْ أَعْتَقَا بِتَدْبِيرٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَشَهِدَا) أَيْ: الْعَتِيقَانِ (بِدَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ بِبُطْلَانِهِ) ؛ أَيْ: الرِّقِّ (لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمَا؛ لِإِقْرَارِهِمَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ بِرِقِّهِمَا لِغَيْرِ سَيِّدٍ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ. (الثَّانِي) مِنْ الْمَوَانِعِ (أَنْ يَجُرَّ) الشَّاهِدُ (بِهَا) ؛ أَيْ: شَهَادَتِهِ (نَفْعًا لِنَفْسِهِ كَشَهَادَتِهِ) ؛ أَيْ: الشَّخْصِ (لِرَقِيقِهِ، وَلَوْ) مَأْذُونًا لَهُ أَوْ (مُكَاتَبًا) لِأَنَّهُ رَقِيقُهُ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . أَوْ شَهَادَتُهُ (لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ انْدِمَالِهِ) فَلَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْرِي الْجُرْحُ إلَى النَّفْسِ؛ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِلشَّاهِدِ بِشَهَادَتِهِ، فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ، أَوْ شَهَادَتُهُ (لِمُوصِيهِ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ، أَوْ شَهَادَتُهُ (لِمُوَكِّلِهِ) فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ (وَلَوْ) كَانَتْ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ (بَعْدَ انْحِلَالِهِمَا) ؛ أَيْ: الْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ (كَشَهَادَةِ وَكِيلٍ بِمَا كَانَ وَكِيلًا فِيهِ بَعْدَ عَزْلِهِ) لِلتُّهْمَةِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ، ثُمَّ يَشْهَدُ (أَوْ) شَهَادَتُهُ (لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ) قَالَ فِي " (الْمُبْدِعِ " لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا) لِاتِّهَامِهِ، وَكَذَا مُضَارِبٌ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ انْتَهَى؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ (أَوْ) شَهَادَةُ (مُسْتَأْجِرِهِ بِمَا اسْتَأْجَرَهُ فِيهِ،) كَمَنْ نُوزِعَ فِي ثَوْبٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ أَوْ قَصْرِهِ؛ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ بِهِ لِمُسْتَأْجِرِهِ؛ لِلتُّهْمَةِ (أَوْ) شَهَادَةُ وَلِيِّ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ (لِمَنْ فِي حِجْرِهِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِشَيْءٍ هُوَ خَصْمٌ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ فَهُوَ مُتَّهَمٌ أَوْ شَهَادَةُ (غَرِيمٍ بِمَالٍ لِمُفْلِسٍ بَعْدَ حَجْرٍ) أَوْ مَوْتٍ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غُرَمَائِهِ بِمَالِهِ بِذَلِكَ؛ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ، أَوْ 6150 شَهَادَةُ (أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ بِعَفْوِ الْآخَرِ عَنْ شُفْعَتِهِ) لِاتِّهَامِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 626 بِأَخْذِ الشِّقْصِ كُلِّهِ بِالشُّفْعَةِ (أَوْ شَهَادَةُ مَنْ لَهُ كَلَامٌ أَوْ اسْتِحْقَاقٌ، وَإِنْ قَلَّ) الِاسْتِحْقَاقُ (فِي رِبَاطٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ أَوْ مَسْجِدٍ بِمَصْلَحَةٍ لَهَا. قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَلَا شَهَادَةُ عُمَّالِ دِيوَانِ الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ عَلَى الْخُصُومِ) لِأَنَّهُمْ وُكَلَاءُ أَوْ وُلَاةٌ. (وَلَوْ شَهِدَا) ؛ أَيْ: الْعَدْلَانِ (بِطَلَاقِ أَمَتِهِمَا) الْمُزَوَّجَةِ أَوْ شَهِدَا (بِعَزْلِ وَكِيلِ زَوْجِهَا فِي طَلَاقِهَا؛ لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمَا؛ لِلتُّهْمَةِ. (وَتُقْبَلُ) شَهَادَةُ وَارِثٍ (لِمُوَرِّثِهِ فِي مَرَضِهِ) وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ وَحَالَ جُرْحِهِ (بِدَيْنٍ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِهِ حِينَ الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ حَقٌّ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَشَهَادَتِهِ لِامْرَأَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، أَوْ غَرِيمٍ لَهُ بِمَالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُوَفِّيَهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا الْمَانِعُ مَا يَحْصُلُ بِهِ نَفْعٌ حَالَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ. (وَإِنْ حُكِمَ بِهَا) ؛ أَيْ: بِشَهَادَةِ الْوَارِثِ لِمُوَرِّثِهِ - وَلَوْ فِي مَرَضِهِ - بِدَيْنٍ (ثُمَّ مَاتَ) الْمَشْهُودُ لَهُ (فَوَرِثَهُ الشَّاهِدُ؛ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأ عَلَيْهِ مَا يُفْسِدُهُ. (الثَّالِثُ) مِنْ الْمَوَانِعِ (أَنْ يَدْفَعَ بِهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ (ضَرَرًا عَنْ نَفْسِهِ كَ) شَهَادَةِ (الْعَاقِلَةِ بِجَرْحِ شُهُودِ قَتْلِ الْخَطَأِ) أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ فِي دَفْعِ الدِّيَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ فَقِيرًا أَوْ بَعِيدًا؛ لِجَوَازِ أَنْ يُوسِرَ أَوْ يَمُوتَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَكَشَهَادَةِ (الْغُرَمَاءِ بِجَرْحِ شُهُودِ دَيْنٍ عَلَى مُفْلِسٍ) أَوْ مَيِّتٍ تَضِيقُ تَرِكَتُهُ عَنْ دُيُونِهِمْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوْفِيرِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ، وَكَشَهَادَةِ الْوَلِيِّ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَى مَحْجُورِهِ وَالشَّرِيكِ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَى شَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ. (وَكُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، لَا تُقْبَلُ إذَا شَهِدَ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَيْهِ) كَسَيِّدٍ يَشْهَدُ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَى قِنِّهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ وَهُوَ الْمُتَّهَمُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 627 وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ: «وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا شَهَادَةَ لِخَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» . (الرَّابِعُ مِنْ الْمَوَانِعِ الْعَدَاوَةُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ شَهَادَةِ مُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ، وَسُنِّيٍّ عَلَى مُبْتَدِعٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَوْرُوثَةً أَوْ مُكْتَسَبَةً كَفَرَحِهِ بِمُسَاءَتِهِ، أَوْ غَمِّهِ بِفَرَحِهِ، وَطَلَبِهِ لَهُ الشَّرَّ؛ فَلَا تُقْبَلُ) شَهَادَةُ إنْسَانٍ عَلَى عَدُوِّهِ (إلَّا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ، وَتَقَدَّمَ؛ فَتَلْغُوَ) الشَّهَادَةُ (مِنْ مَقْذُوفٍ عَلَى قَاذِفِهِ، وَمِنْ مَقْطُوعٍ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ عَلَى قَاطِعِهِ) فَلَا تُقْبَلُ إنْ شَهِدُوا أَنَّ هَؤُلَاءِ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَيْنَا أَوْ عَلَى الْقَافِلَةِ، بَلْ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ هَلْ قَطَعُوهَا عَلَيْكُمْ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْحَثُ عَمَّا شَهِدَتْ بِهِ الشُّهُودُ (إلَّا إنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ عَرَضُوا لَنَا، وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى غَيْرِنَا) فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ. قَدَّمَهُ فِي " الْفُصُولِ " فَإِنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ تَمْنَعْ؛ فَيُقْبَلُ الْمُسْلِمُ عَلَى الْكَافِرِ، وَالْمُحِقُّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى الْبِدْعِيِّ؛ لِأَنَّ الدِّينَ يَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ فِي دِينِهِ. وَتَلْغُو الشَّهَادَةُ (مِنْ زَوْجٍ) إذَا شَهِدَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي زِنًا؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَاوَتِهِ لَهَا؛ لِإِفْسَادِهَا فِرَاشَهُ (بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا فِي قَتْلٍ وَغَيْرِهِ) كَسَرِقَةٍ وَقَرْضٍ؛ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ. (وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا لَا تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُ (عَلَيْهِ) كَعَدُوِّهِ وَمَقْذُوفَتِهِ وَقَاطِعِ طَرِيقِهِ (فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهَا. (الْخَامِسُ) مِنْ الْمَوَانِعِ (الْعَصَبِيَّةُ فَلَا شَهَادَةَ لِمَنْ عُرِفَ بِهَا وَبِالْإِفْرَاطِ فِي الْحَمِيَّةِ) كَتَعَصُّبِ قَبِيلَةٍ عَلَى قَبِيلَةٍ (وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ رُتْبَةَ الْعَدَاوَةِ) ، وَفِي حَدِيثٍ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْعَصَبِيَّةُ؟ قَالَ أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْمِ» . (وَأَدْخَلَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى (وَغَيْرُهُ) مِنْ الْأَصْحَابِ (الْفُقَهَاءَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَأَخْرَجَهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ) مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ؛ إذْ دِيَانَتُهُمْ تَمْنَعُهُمْ مِنْ ارْتِكَابِ مَا لَا يَنْبَغِي (قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، اُعْتُبِرَتْ الْأَخْلَاقُ كُلُّهَا، فَإِذَا أَشَدُّهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 628 عَلَى الْمَرْءِ وَبَالًا الْحَسَدُ) . وَفِي الْحَدِيثِ: «ثَلَاثٌ لَا يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ الْحَسَدُ وَالظَّنُّ وَالطِّيَرَةُ؛ وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ. إذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ، وَإِذَا ظَنَنْت فَلَا تُحَقِّقْ، وَإِذَا تَطَيَّرَتْ فَامْضِ» . (السَّادِسُ) مِنْ الْمَوَانِعِ (الْحِرْصُ عَلَى أَدَائِهَا قَبْلَ اسْتِشْهَادِ مَنْ يَعْلَمُ بِهَا) فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَشْهُودٌ لَهُ بِهَا؛ لَمْ يَقْدَحْ (وَ) تَقَدَّمَ (قَبْلَ الدَّعْوَى أَوْ بَعْدَهَا) فَتُرَدُّ وَهَلْ يَصِيرُ مَجْرُوحًا بِذَلِكَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " (إلَّا فِي نَحْوِ عِتْقٍ وَطَلَاقٍ) كَظِهَارٍ؛ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى فِيهَا عَلَى الشَّهَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مُفْرِطًا فِي الْحَمِيَّةِ مُتَعَصِّبًا؛ فَشَهِدَ بِهِ (وَحَلَفَ مَعَ شَهَادَتِهِ؛ لَمْ تُرَدَّ) شَهَادَتُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". (السَّابِعُ) مِنْ الْمَوَانِعِ (أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لِفِسْقِهِ ثُمَّ يَتُوبَ، وَيُعِيدَهَا، فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ) فِي أَنَّهُ إنَّمَا تَابَ لِتُقْبَلَ شَهَادَتُهُ، وَلِإِزَالَةِ الْعَارِ الَّذِي لَحِقَهُ بِرَدِّهَا، وَلِأَنَّ رَدَّهُ لِفِسْقِهِ حُكْمٌ؛ فَلَا يُنْقَضُ بِقَبُولِهِ (وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ مَنْ تَحَمَّلَهَا فَاسِقًا (حَتَّى تَابَ؛ قُبِلَتْ) لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلتَّحَمُّلِ وَلَا تُهْمَةً. (وَلَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ أَوْ أَخْرَسُ، فَزَالَ ذَلِكَ) الْمَانِعُ بِأَنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ، أَوْ كُلِّفَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، أَوْ نَطَقَ الْأَخْرَسُ (وَأَعَادُوهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ (قُبِلَتْ) لِأَنَّ رَدَّهَا لِهَذِهِ الْمَوَانِعِ لَا غَضَاضَةَ فِيهِ؛ فَلَا تُهْمَةَ، بِخِلَافِ رَدِّهَا لِلْفِسْقِ (لَا إنْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ بِجَرْحٍ قَبْلَ بُرْئِهِ) فَرُدَّتْ، أَوْ شَهِدَ (لِمُكَاتَبِهِ) بِشَيْءٍ فَرُدَّتْ (وَيَتَّجِهُ أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ شَهِدَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ بِشَيْءٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ شَهِدَ شَرِيكٌ بِعَفْوِ شَرِيكٍ فِي شُفْعَةٍ) عَنْ الشُّفْعَةِ (فَرُدَّتْ) شَهَادَتُهُ (أَوْ رُدَّتْ) شَهَادَتُهُ (بِدَفْعِ ضَرَرٍ عَنْهُ، أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ لَهُ، أَوْ لِعَدَاوَةٍ، فَبَرِئَ مُوَرِّثُهُ) مِنْ جَرْحِهِ (وَعَتَقَ مُكَاتَبُهُ، وَعَفَا الشَّافِعُ عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 629 شُفْعَتِهِ، وَزَالَ الْمَانِعُ) مِنْ دَفْعِ ضَرَرٍ وَجَلْبِ نَفْعٍ وَعَدَاوَةٍ (ثُمَّ أَعَادُوهَا، فَلَا تُقْبَلُ) لِأَنَّ رَدَّهَا كَانَ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادِ الثَّانِي وَلِأَنَّهَا رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ كَالرَّدِّ لِلْفِسْقِ (وَمَنْ شَهِدَ بِحَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ كَأَبِيهِ وَأَجْنَبِيٍّ؛ رُدَّتْ نَصًّا؛ لِأَنَّهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ (لَا تَتَبَعَّضُ فِي نَفْسِهَا) قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت وَقِيَاسُهُ لَوْ حَكَمَ لَهُ وَلِأَجْنَبِيٍّ. [بَابُ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ] ِ مِنْ حَيْثُ عَدَدُ شُهُودِهِ؛ لِاخْتِلَافِ عَدَدِ الشُّهُودِ بِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ (وَهِيَ) ؛ أَيْ: أَقْسَامُهُ (سَبْعَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ (أَحَدُهَا الزِّنَا وَاللِّوَاطُ وَمُوجِبُ حَدِّهِ) ؛ أَيْ: كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ (فَلَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ يَشْهَدُونَ بِهِ) ؛ أَيْ: الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ (أَوْ) وَيَشْهَدُونَ (بِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (أَقَرَّ بِهِ أَرْبَعًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» . وَاعْتِبَارُ الْأَرْبَعَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لَهُ، فَاعْتُبِرُوا فِيهِ كَشُهُودِ الْفِعْلِ، لَكِنْ لَوْ شَهِدَ الْأَرْبَعَةُ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ دُونَ أَرْبَعٍ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِّ الزِّنَا (فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ) بِالزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ (أَعْجَمِيًّا تَرْجَمَ أَرْبَعَةٌ لَا اثْنَانِ) كَذَا وُجِدَ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي طَرِيقِ الْحُكْمِ، وَصِفَتُهُ أَنَّ التَّرْجَمَةَ كَالشَّهَادَةِ؛ فَلَا بُدَّ هُنَا مِنْ أَرْبَعَةٍ (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِمَا أَعْجَمِيًّا قُبِلَ فِيهِ تُرْجُمَانَانِ، وَكَأَنَّهُ مَشَى عَلَى مَا قَدَّمَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ " وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَ الْإِقْنَاعِ ". . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 630 الْقِسْمُ (الثَّانِي إذَا ادَّعَى فَقْرًا مَنْ عُرِفَ بِغِنًى) لِيَأْخُذَ مِنْ نَحْوِ زَكَاةٍ (فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ) يَشْهَدُونَ: لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ» . الْقِسْمُ (الثَّالِثُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَالْإِعْسَارَ وَوَطْءٌ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ) كَوَطْءِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَبَهِيمَةٍ، وَيَدْخُلُ فِيهِ وَطْءُ أَمَتِهِ فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ صَوْمٍ، وَأَمَّا وَطْءُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ الْمُبَاحَةَ إذَا اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِهِ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ؛ أَيْ: يَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ حَدًّا، وَلَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ النِّسَاءُ غَالِبًا، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي " حَوَاشِي الْفُرُوعِ " (وَبَقِيَّةُ الْحُدُودِ) كَحَدِّ قَذْفٍ وَشُرْبٍ وَسَرِقَةٍ (فَلَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ) لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ، وَيَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فَلَمْ تُقْبَلْ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِنَقْصِهِنَّ (وَيَثْبُتُ قَوَدٌ وَقَذْفٌ وَشُرْبٌ بِإِقْرَارٍ مَرَّةً) وَتَقَدَّمَ، بِخِلَافِ زِنَا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ. الْقِسْمُ (الرَّابِعُ مَا لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ وَلَا مَالَ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا كَنِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَخُلْعٍ وَطَلَاقٍ وَوُجُودِ شَرْطِهِ) ؛ أَيْ: الطَّلَاقِ كَكَوْنِ الْمُطَلِّقُ زَوْجًا مُمَيِّزًا يَعْقِلُهُ (وَنَسَبٍ وَوَلَاءٍ وَتَعْدِيلٍ وَتَجْرِيحٍ وَإِحْصَانٍ، وَكَذَا تَوْكِيلٌ وَإِيصَاءٌ فِي غَيْرِ مَالٍ، فَكَاَلَّذِي قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ؛ فَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِيهِ كَالْقِصَاصِ (الْخَامِسُ الْمَالُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ كَقَرْضٍ، وَرَهْنٍ، الْوَدِيعَةٍ، وَغَصْبٍ وَإِجَارَةٍ، وَشَرِكَةٍ، وَحَوَالَةٍ، وَصُلْحٍ، وَهِبَةٍ، وَعِتْقٍ، وَكِتَابَةٍ، وَتَدْبِيرٍ، وَمَهْرٍ وَتَسْمِيَتِهِ وَرِقِّ مَجْهُولٍ، وَعَارِيَّةٍ، وَشُفْعَةٍ، وَإِتْلَافِ مَالٍ، وَضَمَانِهِ، وَتَوْكِيلٍ فِيهِ، وَإِيصَاءٍ فِيهِ) وَوَصِيَّةٍ بِهِ لِمُعَيِّنٍ. وَوَقْفٍ عَلَيْهِ، وَبَيْعٍ وَأَجَلِهِ وَخِيَارِهِ وَجِنَايَةِ خَطَأً (أَوْ عَمْدًا لَا تُوجِبُ قَوَدًا بِحَالٍ) كَجَائِفَةٍ، أَوْ جِنَايَةٍ (تُوجِبُ مَالًا وَفِي بَعْضِهَا قَوَدًا كَمَأْمُومَةٍ وَهَاشِمَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ، لَهُ قَوَدُ مُوضِحَةٍ فِي ذَلِكَ) وَأَخَذَ تَفَاوُتَ الدِّيَةِ (وَكَفَسْخِ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ) كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، لَا عَقْدَ نِكَاحٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 631 (وَكَدَعْوَى قَتْلِ كَافِرٍ لِأَخْذِ سَلْبِهِ، وَكَدَعْوَى أَجِيرٍ أَوْ أَسِيرٍ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ لِمَنْعِ رِقِّهِ؛ فَيَثْبُتُ) الْمَالُ فِي مَأْمُومَةٍ وَهَاشِمَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ لَا قَوَدَ الْمُوضِحَةِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ (بِرَجُلَيْنِ وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَسِيَاقُ الْآيَةِ فِي الدَّيْنِ، وَأَلْحَقَ بِهِ سَائِرَ الْأَمْوَالِ؛ لِانْحِلَالِ رُتْبَةِ الْمَالِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْبَدَلُ وَالْإِبَاحَةُ، وَتَكْثُرُ فِيهِ الْمُعَامَلَةُ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، فَوَسَّعَ الشَّرْعُ بَابَ ثُبُوتِهِ (وَ) يَثْبُتُ ذَلِكَ (بِرَجُلٍ وَيَمِينِ مُدَّعٍ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ يُرْوَى عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ ، وَقَضَى بِهِ عَلِيٌّ بِالْعِرَاقِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُنَا قَوِيٌّ جَانِبُهُ بِالشَّاهِدِ، وَظَهَرَ صِدْقُهُ، أَشْبَهَ صَاحِبَ الْيَدِ وَالْمُنْكِرِ؛ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ، (وَلَا) يَثْبُتُ الْمَالُ وَنَحْوُهُ بِشَهَادَةِ (امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ) لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِي ذَلِكَ مُنْفَرِدَاتٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ؛ لَمْ يُقْبَلْنَ (وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الشَّهَادَةِ) ؛ أَيْ: شَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ (عَلَى الْيَمِينِ) لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى جَانِبُهُ إلَّا بِشَهَادَتِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَوْلُ مُدَّعٍ فِي حَلِفِهِ: وَإِنَّ شَاهِدِي صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْبَدَنِ وَالْإِيصَاءِ وَالْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ. (وَلَوْ نَكَلَ عَنْهُ) ؛ أَيْ: الْيَمِينِ (مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا؛ حَلَفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْحَقُّ) ؛ أَيْ: انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ (فَإِنْ نَكَلَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 632 (حُكِمَ عَلَيْهِ) بِالنُّكُولِ نَصًّا؛ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُثْمَانَ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي جَنْبَتِهِ - وَقَدْ أَسْقَطَهَا بِنُكُولِهِ عَنْهَا - فَصَارَتْ جَنْبَةُ غَيْرِهِ؛ فَلَمْ تَعُدْ إلَيْهِ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ عَنْهَا. (وَلَوْ كَانَ لِجَمَاعَةٍ حَقٌّ مَالِيٌّ بِشَاهِدٍ، فَأَقَامُوهُ بِهِ، فَمَنْ حَلَفَ أَخَذَ نَصِيبَهُ) لِكَمَالِ النِّصَابِ مِنْ جِهَتِهِ (وَلَا يُشَارِكُهُ) فِيمَا أَخَذَهُ (مَنْ لَمْ يَحْلِفْ) لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ قَبْلَ حَلِفِهِ (وَلَا تَحْلِفُ وَرَثَةُ نَاكِلٍ) عَنْ يَمِينٍ بَعْدَ إقَامَتِهِ شَاهِدًا بِهِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَارِثِهِ حَالَ حَيَاتِهِ، فَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ الدَّعْوَى، وَإِقَامَةُ الشَّاهِدِ، وَيَحْلِفُ مَعَهُ، وَيَأْخُذُ. (الْقِسْمُ السَّادِسُ دَاءٌ نَحْوَ دَابَّةٍ وَمُوضِحَةٍ) وَدَاءٌ بِعَيْنٍ (فَيُقْبَلُ قَوْلُ طَبِيبٍ وَاحِدٍ وَبَيْطَارٍ وَاحِدٍ) وَكَحَّالٍ وَاحِدٍ (لِعَدَمِ غَيْرِهِ فِي مَعْرِفَتِهِ) ؛ أَيْ: الدَّاءِ نَصًّا، لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اجْتِهَادٍ كَالْقَاضِي يُخْبِرُ عَنْ حُكْمِهِ (وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ) بِأَنْ كَانَ بِالْبَلَدِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ؛ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ اثْنَانِ كَسَائِرِ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَلَيْسَ بِمَالٍ (وَإِنْ اخْتَلَفَا) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِوُجُودِ الدَّاءِ وَالْآخَرُ بِعَدَمِهِ (قُدِّمَ قَوْلُ مُثْبِتٍ) لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِزِيَادَةِ عِلْمٍ لَمْ يُدْرِكْهَا النَّافِي. الْقِسْمُ (السَّابِعُ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا كَعُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ كَبَرَصٍ) بِظَهْرٍ وَبَطْنِ امْرَأَةٍ (وَرَتْقٍ) وَقَرْنٍ وَعَفَلٍ وَنَحْوَهُ (وَالرَّضَاعُ وَالِاسْتِهْلَالُ وَالْبَكَارَةُ وَالثُّيُوبَةُ وَالْحَيْضُ، وَكَذَا جِرَاحَةُ غَيْرِهَا) كَعَارِيَّةٍ الْوَدِيعَةٍ وَقَرْضٍ وَنَحْوَهُ (فِي نَحْوِ حَمَّامٍ وَعُرْسٍ مِمَّا لَا يَحْضُرُهُ رِجَالٌ؛ فَيَكْتَفِي فِيهِ امْرَأَةٌ عَدْلٌ) لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا» : ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ. وَرَوَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «يُجْزِئُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ» . وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنًى يَثْبُتُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ؛ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالرِّوَايَةِ وَالْأَخْبَارِ الدِّينِيَّةِ. (وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 633 اثْنَتَانِ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ (وَإِنْ شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ فَهُوَ أَوْلَى) بِالْقَبُولِ مِنْ الْمَرْأَةِ (لِكَمَالِهِ) أَيْ: لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْمَرْأَةِ. وَكُلُّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الرَّجُلِ كَالرِّوَايَةِ. [فَصْلٌ فِي مَنْ ادَّعَتْ إقْرَارَ زَوْجِهَا بِأُخُوَّةِ رَضَاعٍ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ] فَصْلٌ (وَمَنْ ادَّعَتْ إقْرَارَ زَوْجِهَا بِأُخُوَّةِ رَضَاعٍ) ؛ أَيْ: بِأَنَّهُ أَخُوهَا مِنْ رَضَاعٍ (فَأَنْكَرَ) الزَّوْجُ الْإِقْرَارَ بِهِ (لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا. (وَإِنْ شَهِدَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ؛ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ) ؛ أَيْ: لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَالْمَالُ بَدَلٌ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَمْ يَجِبْ بَدَلُهُ، وَإِنْ قُلْنَا مُوجِبُ أَحَدِ شَيْئَيْنِ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ - لَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالِاخْتِيَارِ، فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِذَلِكَ لَوَجَبَ الْمُعَيَّنُ بِدُونِ اخْتِيَارٍ. (فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ رَمَى أَخَاهُ بِسَهْمٍ عَمْدًا فَقَتَلَهُ؛ وَنَفَذَ السَّهْمُ إلَى أَخِيهِ الْآخَرِ، فَقَتَلَهُ خَطَأً، وَأَقَامَ بِذَلِكَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ رَجُلًا وَحَلَفَ مَعَهُ؛ ثَبَتَ قَتْلُ الْخَطَأِ فَقَطْ) لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْمَالِ، بِخِلَافِ الْعَمْدِ؛ فَإِنَّ قَتْلَهُ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ، وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. . (وَإِنْ شَهِدُوا) ؛ أَيْ: الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ (بِسَرِقَةٍ ثَبَتَ الْمَالُ) لِكَمَالِ نِصَابِهِ (دُونَ الْقَطْعِ) لِلسَّرِقَةِ، لِأَنَّهُ حَدٌّ؛ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ، وَالسَّرِقَةُ تُوجِبُ الْمَالَ وَالْقَطْعَ، وَقُصُورُ الْبَيِّنَةِ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْآخَرِ (وَيَغْرَمُهُ نَاكِلٌ) ؛ أَيْ: لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِسَرِقَةِ مَالٍ، فَأَنْكَرَ؛ فَالْتَمَسَ يَمِينَهُ، فَنَكَلَ؛ غَرِمَ الْمَالَ - وَلَا قَطْعَ - لِأَنَّ النُّكُولَ لَا يَقْضِي فِي غَيْرِ الْمَالِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 634 (وَإِنْ ادَّعَى زَوْجٌ خُلْعًا، قُبِلَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينُهُ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمَالَ (فَيَثْبُتُ الْعِوَضُ بِذَلِكَ، وَتَبِينُ الْمَرْأَةُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَإِنْ ادَّعَتْهُ) ؛ أَيْ: الْخُلْعَ الزَّوْجَةُ (لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ) لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْفَسْخُ، وَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ رَجُلَيْنِ. (وَمَنْ أَقَامَتْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ) شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ (بِتَزْوِيجِهَا بِمَهْرٍ عَيَّنَتْهُ؛ ثَبَتَ الْمَهْرُ) دُونَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلرَّجُلِ؛ فَلَا يَصِحُّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِهِ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ، وَلَا الدَّعْوَى بِهِ مِنْهَا، وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ. (وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ مَا سَرَقَ أَوْ مَا غَصَبَ وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا بَاعَ، أَوْ مَا اشْتَرَى، أَوْ مَا وَهَبَ، أَوْ مَا قَتَلَ (فَثَبَتَ فِعْلُهُ) الْمَحْلُوفُ أَنَّهُ مَا فَعَلَهُ (بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ، ثَبَتَ الْمَالُ) لِكَمَالِ نِصَابِهِ (وَلَمْ تَطْلُقْ) زَوْجَتُهُ، وَلَمْ يُعْتَقْ قِنُّهُ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ. (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِرَجُلٍ) أَنْ فُلَانَةَ أُمُّ وَلَدِهِ، وَوَلَدُهَا مِنْهُ؛ أَوْ شَهِدَ (رَجُلٌ، وَحَلَفَ مَعَهُ أَنْ فُلَانَةَ أُمُّ وَلَدِهِ وَوَلَدُهَا مِنْهُ؛ قُضِيَ لَهُ بِهَا) ؛ أَيْ: الْجَارِيَةِ (أُمُّ وَلَدٍ) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ، لَهُ وَطْؤُهَا وَإِجَارَتُهَا وَتَزْوِيجُهَا، وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بِذَلِكَ، وَالِاسْتِيلَادُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِنُفُوذِهِ فِي مِلْكِهِ (وَلَا تَثْبُتُ حُرِّيَّةُ وَلَدِهَا وَلَا نَسَبُهُ) مِنْ مُدَّعٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَثْبُتَانِ إلَّا بِرَجُلَيْنِ، فَيُقِرُّ الْوَلَدُ بِيَدِ مُنْكِرٍ مَمْلُوكًا لَهُ (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ لَكِنَّهُ) ؛ أَيْ: وَلَدُهَا (كَهِيَ) فَيُعْتَقُ مَعَ أُمِّهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ وُجِدَ عَلَى دَابَّةٍ مَكْتُوبٌ حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) حُكِمَ بِهِ نَصًّا، أَوْ وُجِدَ (عَلَى أُسْكُفَّةِ دَارٍ أَوْ حَائِطِهَا) مَكْتُوبٌ (وَقْفٌ أَوْ مَسْجِدٌ؛ حُكِمَ بِهِ) ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 635 أَيْ: حُكِمَ بِأَنَّ الدَّارَ وَقْفٌ أَوْ مَسْجِدٌ بِمُقْتَضَى الْكِتَابَةِ الْمَذْكُورَةِ. ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ " قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": نَصًّا حَيْثُ لَا مُعَارِضَ أَقْوَى مِنْهُ كَبَيِّنَةٍ. (وَلَوْ وُجِدَ) مَكْتُوبٌ (عَلَى كُتُبِ عِلْمٍ فِي خِزَانَةٍ مُدَّةً طَوِيلَةً) هَذَا وَقْفٌ (فَكَذَلِكَ) ؛ أَيْ: يَحْكُمُ (بِهِ، وَإِلَّا) تَكُنْ مُدَّتُهَا طَوِيلَةً، أَوْ لَمْ تَكُنْ بِخِزَانَةٍ (عَمِلَ بِالْقَرَائِنِ) فَيَتَوَقَّفُ حَتَّى تَظْهَرَ لَهُ قَرِينَةٌ يَعْمَلُ بِهَا. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) الْمَذْكُورُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ وُجِدَ عَلَى دَابَّةٍ إلَى آخِرِهِ كُلُّهُ ثَابِتٌ (فِيمَا لَا مَالَك لَهُ مَعْلُومٌ) فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ مَعْلُومٌ؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 636 [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبَابُ الرُّجُوعِ عَنْهَا وَبَابُ أَدَائِهَا] ) ؛ أَيْ: الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُؤَدَّى بِهَا الشَّهَادَةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَجْمَعَتْ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَلَى إمْضَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَمْوَالِ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ مُسْتَدَامَةٌ لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ لِمَا قَدْ يَطْرَأُ عَلَى الشَّاهِدِ مِنْ اخْتِرَامِ الْمَنِيَّةِ وَالْعَجْزِ عَنْ الشَّهَادَةِ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوجِبُ ضَيَاعَ حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ، فَاسْتُدْرِكَ ذَلِكَ بِتَجْوِيزِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِتَدُومَ الْوَثِيقَةُ عَلَى أَنَّ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّأْبِيدِ كَالْوُقُوفِ، وَالشَّاهِدُ لَا يَعِيشُ أَبَدًا. . (لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا بِثَمَانِيَةِ شُرُوطٍ) لَخَّصَهَا ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. (أَحَدُهَا كَوْنُهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (فِيمَا أَيْ: حَقٌّ يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ قَاضٍ لِقَاضٍ) وَهُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ، دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّتْرِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا شُبْهَةٌ، لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَكَذِبِ شُهُودِ الْفَرْعِ إلَيْهَا مَعَ احْتِمَالِ ذَلِكَ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ، وَهَذَا احْتِمَالٌ زَائِدٌ لَا يُوجَدُ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى شُهُودِ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّ سَتْرَ صَاحِبِهِ أَوْلَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي (تَعَذُّرُ) شَهَادَةِ (شُهُودِ الْأَصْلِ بِنَحْوِ مَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 637 أَوْ خَوْفٍ) مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ تَعَذُّرِ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ (مُخَدَّرَةٍ) ؛ أَيْ: مُلَازَمَةٍ لِلْخِدْرِ، وَهُوَ السِّتْرُ (أَوْ غَيْبَةِ مَسَافَةِ قَصْرٍ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ تُثْبِتُ نَفْسَ الْحَقِّ، وَشَهَادَةُ الْفَرْعِ إنَّمَا تُثْبِتُ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ، وَلِاسْتِغْنَاءِ الْحَاكِمِ بِسَمَاعِ الْأَصْلِ عَنْ تَعْدِيلِ الْفَرْعِ، وَسَمَاعُهُ مِنْ الْأَصْلِ مَعْلُومٌ، وَصِدْقُ شَاهِدِ الْفَرْعِ عَلَيْهِ مَظْنُونٌ، وَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْيَقِينِ مَعَ إمْكَانِهِ وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ (دَوَامُ تَعَذُّرِهِمْ) ؛ أَيْ: شُهُودِ الْأَصْلِ (إلَى صُدُورِ الْحُكْمِ، فَمَتَى أَمْكَنَتْ شَهَادَتُهُمْ) ؛ أَيْ: الْأُصُولِ (قَبْلَهُ) ، أَيْ: الْحُكْمِ (وُقِفَ الْحُكْمُ عَلَى سَمَاعِهَا) لِزَوَالِ الشَّرْطِ، كَمَا لَوْ كَانُوا حَاضِرِينَ أَصِحَّاءَ. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ (دَوَامُ عَدَالَةِ) شَاهِدِ (أَصْلٍ) وَشَاهِدِ (فَرْعٍ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: إلَى صُدُورِ الْحُكْمِ (فَمَتَى حَدَثَ مِنْ أَحَدِهِمْ) قَبْلَ الْحُكْمِ (مَا يَمْنَعُ قَبُولَهُ) مِنْ نَحْوِ فِسْقٍ أَوْ جُنُونٍ قَبْلَ أَدَائِهَا - إذْ طُرُوُّ الْجُنُونِ بَعْدَ الْأَدَاءِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا - وَقْفُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى شَهَادَةِ الْجَمِيعِ (وَإِذَا فُقِدَ شَرْطُ الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ) ، لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا. وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ (تَعْيِينُ فَرْعٍ لِأَصْلِهِ) قَالَ الْقَاضِي حَتَّى وَلَوْ قَالَ تَابِعِيَّانِ: أَشْهَدَنَا صَحَابِيَّانِ؛ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُعَيِّنَاهُمَا. وَالشَّرْطُ السَّادِسُ (ثُبُوتُ عَدَالَتِهِمَا) ؛ أَيْ: شَاهِدَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ؛ لِأَنَّهُمَا شَهَادَتَانِ؛ فَلَا يُحْكَمُ بِهِمَا بِدُونِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ؛ لَا بِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ جَمِيعًا. وَالشَّرْطُ السَّابِعُ (اسْتِرْعَاءُ) شَاهِدِ (الْأَصْلِ) شَاهِدَ (الْفَرْعِ) (أَوْ) اسْتِرْعَاءُ (غَيْرِهِ وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْفَرْعُ (يَسْمَعُ) اسْتِرْعَاءَ الْأَصْلِ لِغَيْرِهِ، وَأَصْلُ الِاسْتِرْعَاءِ مِنْ قَوْلِ الْمُحَدِّثِ أَرْعِنِي سَمْعَك؛ أَيْ: اسْمَعْ مِنِّي، مَأْخُوذٌ مِنْ رَعَيْت الشَّيْءَ؛ أَيْ: حَفِظْته، فَشَاهِدُ الْأَصْلِ يَطْلُبُ مِنْ شَاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يَحْفَظَ شَهَادَتَهُ وَيُؤَدِّيَهَا (وَصِفَتُهُ) ؛ أَيْ: الِاسْتِرْعَاءِ أَنْ يَقُولَ شَاهِدُ الْأَصْلِ (اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 638 أَنِّي أَشْهَدُ (أَوْ) يَقُولَ لَهُ (أَشْهَدُ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، وَقَدْ عَرَفْته) بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَعَدَالَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَتَهُ لَمْ يَذْكُرْهَا (أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ) يَقُولَ (شَهِدْت عَلَيْهِ أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا) وَإِنْ سَمِعَهُ شَاهِدُ الْفَرْعِ يُشْهِدُ غَيْرَهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ كَذَا. (فَلَوْ قَالَ شَاهِدُ الْأَصْلِ إنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا فَاشْهَدْ بِهِ أَنْتِ؛ لَمْ يَجُزْ) لَلْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِعَدَمِ الِاسْتِرْعَاءِ وَإِعْزَائِهَا إلَى سَبَبٍ (فَإِذَا لَمْ يَسْتَرْعِهِ) وَلَا غَيْرَهُ مَعَ سَمَاعِهِ (لَمْ يَشْهَدْ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا مَعْنَى النِّيَابَةِ، وَلَا يَنُوبُ عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ (إلَّا إنْ سَمِعَهُ) ؛ أَيْ: سَمِعَ الْفَرْعُ الْأَصْلَ (يَشْهَدُ عِنْدَ حَاكِمٍ، أَوْ يَعْزُو شَهَادَتَهُ إلَى سَبَبٍ كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ) فَيَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِشَهَادَتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَبِنِسْبَتِهِ الْحَقَّ إلَى سَبَبِهِ وَيَزُولُ الِاحْتِمَالُ كَالِاسْتِرْعَاءِ (فَلَوْ سَمِعَهُ يَشْهَدُ) عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ (بِأَلْفٍ، وَلَمْ يُعَزِّهِ) ؛ أَيْ: شَاهِدُ الْأَصْلِ إلَى سَبَبٍ مِنْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَجُزْ لَلْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ، وَيُرِيدُ أَنْ يَحْتَمِلَ الشَّهَادَةَ بِالْعِلْمِ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ الِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَرْعَاهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَرْعِيه إلَّا عَلَى وَاجِبٍ، وَبِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ؛ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ) وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ عَلَيْهَا. وَالشَّرْطُ (الثَّامِنُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا) ؛ أَيْ: لِلشَّاهِدِ (الْفَرْعُ بِصِفَةِ تَحَمُّلِهِ) وَإِلَّا يُؤَدِّيهَا بِصِفَةِ تَحَمُّلِهِ؛ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا (وَتَثْبُتُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ بِفَرْعَيْنِ، وَلَوْ عَلَى كُلِّ) شَاهِدِ (أَصْلٍ) شَاهِدُ (فَرْعٍ) نَصًّا، كَمَا لَوْ شَهِدَا بِنَفْسِ الْحَقِّ، وَلِأَنَّ الْفَرْعَ بَدَلُ الْأَصْلِ، فَاكْتُفِيَ بِمِثْلِ عَدَدِهِ، وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ لَا يَنْقُلَانِ عَنْ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ حَقًّا عَلَيْهِمَا؛ فَكَفَى عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ كَأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ. (وَيَثْبُتُ الْحَقُّ بِشَهَادَةِ فَرْعٍ) وَاحِدٍ (مَعَ أَصْلٍ آخَرَ) كَأَصْلَيْنِ أَوْ فَرْعَيْنِ (وَيَصِحُّ تَحَمُّلُ فَرْعٍ عَلَى فَرْعٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ النِّسَاءُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 639 حَيْثُ يُقْبَلْنَ فِي أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَفِي فَرْعِ فَرْعٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِشَهَادَتِهِنَّ إثْبَاتُ الْحَقِّ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ شُهُودُ الْأَصْلِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ إذَا عَلِمْنَ ذَلِكَ (فَيَفْضُلُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ) وَاحِدٍ (وَامْرَأَتَيْنِ كَعَكْسِهِ) ؛ أَيْ: كَمَا يُقْبَلُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى مِثْلِهِمْ، أَوْ عَلَى رَجُلَيْنِ أَصْلَيْنِ أَوْ فَرْعَيْنِ فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ (وَ) تُقْبَلُ (امْرَأَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ الْمَرْأَةُ) لِمَا تَقَدَّمَ. [فَصْلٌ لَا يَجِبُ عَلَى شَهَادَةِ فَرْعٍ تَعْدِيلُ شَاهِدِ أَصْلٍ] فَصْلٌ (وَلَا يَجِبُ عَلَى شَهَادَةِ فَرْعٍ تَعْدِيلُ) شَاهِدِ (أَصْلٍ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْرِفَهُ، فَيَبْحَثُ عَنْهُ الْحَاكِمُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْرِفَا عَدَالَتَهُمَا وَيَتْرُكَاهَا، اكْتِفَاءً بِمَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، مِنْ عَدَالَتِهِمَا. (وَيُقْبَلُ) مِنْ شَاهِدِ الْفَرْعِ (تَعْدِيلُهُ) ؛ أَيْ: تَعْدِيلُ أَصْلِهِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ (بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: الْأَصْلِ (وَغِيبَتِهِ) وَمَرَضِهِ. وَلَا يُقْبَلُ (تَعْدِيلُ شَاهِدٍ لِرَفِيقِهِ) بَعْدَ شَهَادَتِهِ أَصْلًا كَانَ أَوْ فَرْعًا، لِإِفْضَائِهِ إلَى انْحِصَارِ الشَّهَادَةِ فِي أَحَدِهِمَا. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: فَلَوْ كَانَ زَكَّاهُ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ شَهِدَ؛ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ إذَنْ. (وَمَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدُ فَرْعٍ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَتَعَذَّرَ) الْأَصْلُ الْآخَرُ وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ (حَلَفَ) مَشْهُودٌ لَهُ (وَاسْتَحَقَّ) مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ أَصْلُهُمَا (وَإِذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ؛ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ إذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا، لِتَأَكُّدِ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ. (وَيَضْمَنُ شُهُودُ فَرْعٍ) مَحْكُومًا بِهِ يَتْلَفُ بِشَهَادَتِهِمْ (بِرُجُوعِهِمْ بَعْدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 640 حُكْمٍ) لِأَنَّهُ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ؛ كَمَا لَوْ بَاشَرُوا التَّلَفَ بِأَيْدِيهِمْ (مَا لَمْ يَقُولُوا: بَانَ لَنَا كَذِبُ الْأُصُولِ أَوْ غَلَطُهُمْ) فَلَا يَضْمَنُونَ إذْ لَا رُجُوعَ عَنْ شَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْأُصُولِ. (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ بَعْدَ الْحُكْمِ؛ لَمْ يَضْمَنُوا؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمْ) وَلَمْ يُلْجِئُوا الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ؛ فَلَمْ يَلْزَمْهُمْ ضَمَانٌ كَالْمُتَسَبِّبِ مَعَ الْمُبَاشِرِ (إلَّا إنْ قَالُوا: كَذَبْنَا، وَقَالُوا: غَلِطْنَا) فَيَلْزَمهُمْ الضَّمَانُ؛ لِاعْتِرَافِهِمْ بِتَعَمُّدِ الْإِتْلَافِ بِقَوْلِهِمْ كَذَبْنَا أَوْ بِخَطَئِهِمْ بِقَوْلِهِمْ غَلِطْنَا. (وَإِنْ قَالَا) ؛ أَيْ: شَاهِدَا الْأَصْلِ (بَعْدَهُ؛ أَيْ الْحُكْمِ مَا أَشْهَدْنَاهُمَا) ؛ أَيْ: الْفَرْعَيْنِ بِشَيْءٍ مِمَّا شَهِدَا بِهِ عَلَى شَهَادَتِنَا (لَمْ يَضْمَنْ الْفَرِيقَانِ) لَا شَاهِدَا الْأَصْلِ وَلَا شَاهِدَا الْفَرْعِ شَيْئًا مِمَّا حَكَمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كِذْبُ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ، وَلَا رُجُوعُ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ إذْ الرُّجُوعُ. إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ، وَهُمَا أَنْكَرَا أَصْلَ الشَّهَادَةِ (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفِي لِلشُّرُوطِ (وَلَا رُجُوعَ عَلَى مُسْتَوْفٍ حَقَّهُ) الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِمَا؛ إذْ لَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ الْإِشْهَادَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 641 [فَصْلٌ فِي مَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ] فَصْلٌ (وَمَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ) كَأَنْ شَهِدَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ: هِيَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ (أَوْ نَقَصَ) فِي شَهَادَتِهِ بِأَنْ شَهِدَ بِمِائَةٍ، ثُمَّ قَالَ: هِيَ تِسْعُونَ بِحَضْرَةِ حَاكِمٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ إلَيْهِ (لَا بَعْدَ حُكْمِ) حَاكِمٍ بِشَهَادَتِهِ؛ قُبِلَ نَصًّا، وَحَكَمَ بِمَا شَهِدَ بِهِ أَخِيرًا، لِأَنَّهَا شَهَادَةُ عَدْلٍ غَيْرِ مُتَّهَمٍ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَا يُخَالِفُهَا، وَلَا تُعَارِضُهَا الشَّهَادَةُ الْأُولَى لِبُطْلَانِهَا بِرُجُوعِهِ عَنْهَا. (أَوْ أَدَّى) الشَّهَادَةَ (بَعْدَ إنْكَارِهَا) بِأَنْ شَهِدَ عَلَى إنْسَانٍ بَعْدَ قَوْلِهِ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شَهَادَةٌ، وَقَالَ كُنْت أُنْسِيتهَا؛ قُبِلَ نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] فَقَبِلَهَا بَعْدَ إثْبَاتِ الضَّلَالِ وَالنِّسْيَانِ فِي حَقِّهَا، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُعَرَّضٌ لِلْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ نَسِيَهُ؛ لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ بِتَقَادُمِ عَهْدِهَا (وَكَذَا قَوْلُهُ: لَا أَعْرِفُ الشَّهَادَةَ، ثُمَّ شَهِدَ) فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ عَمَّا قَبْلَهَا. (وَإِنْ رَجَعَ) شَاهِدٌ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ حُكْمٍ بِهَا (لَغَتْ) شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَنْهَا يُوجِبُ ظَنَّ بُطْلَانِهَا، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا مَعَ ظَنِّهِ (وَلَا) يَجُوزُ (حُكْمٌ) بِشَهَادَةٍ بَعْدَ رُجُوعٍ عَنْهَا (وَلَوْ أَدَّاهَا بَعْدُ، وَلَمْ يَضْمَنْ) رَاجِعٌ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ (وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ) شَاهِدٌ (بِرُجُوعٍ) عَنْ شَهَادَتِهِ (بَلْ قَالَ لِلْحَاكِمِ تَوَقَّفْ) عَنْ الْحُكْمِ، فَتَوَقَّفَ الْحَاكِمُ عَنْهُ (ثُمَّ أَعَادَهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ (قُبِلَتْ) لِاحْتِمَالِ زَوَالِ رِيبَةٍ عَرَضَتْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 642 لَهُ، وَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهَا احْتِمَالَانِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " الْأَوْلَى عَدَمُ الْإِعَادَةِ. (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ مَالٍ، أَوْ) رَجَعَ شُهُودُ (عِتْقٍ بَعْدَ حُكْمٍ بِشَهَادَتِهِمْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَالٍ أَوْ بَعْدَهُ؛ لَمْ يُنْقَضُ) الْحُكْمُ؛ لِتَمَامِهِ وَوُجُوبِ الْمَشْهُودِ بِهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ، وَرُجُوعُ الشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ لَا يَنْقُضُهُ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ قَالُوا: عَمَدْنَا فَقَدْ شَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْفِسْقِ؛ فَهُمَا مُتَّهَمَانِ بِإِرَادَةِ نَقْضِ الْحُكْمِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ فَاسِقَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالْفِسْقِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ فِي شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا لَمْ يَلْزَمْ نَقْضُهُ أَيْضًا؛ لِجَوَازِ خَطَئِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ الثَّانِي، بِأَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ الْحَالُ (وَيَضْمَنُونَ) بَدَلَ مَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ الْمَالِ، قُبِضَ أَوْ لَمْ يُقْبَضْ، قَائِمًا كَانَ أَوْ تَالِفًا، وَقِيمَةَ مَا شَهِدُوا بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفُوهُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يُصَدِّقُهُمْ) عَلَى بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ (مَشْهُودٌ لَهُ؛ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ (مَا أَخَذَهُ) مِنْ مَالِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِأَخْذِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ شَيْئًا بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ (أَوْ مَا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِدَيْنٍ فَيَبْرَأُ مِنْهُ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَا) عَنْ شَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى سَيِّدِ عَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَلَى مِائَةٍ، وَهِيَ قِيمَتُهُ، ثُمَّ رَجَعَا، لَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُفَوِّتَا عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ شَيْئًا. (وَلَوْ قَبَضَهُ) ؛ أَيْ: الدَّيْنَ الْمَشْهُودَ بِهِ (مَشْهُودٌ لَهُ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَا) عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِهِ (غَرِمَاهُ لِمَشْهُودٍ عَلَيْهِ) كَمَا لَوْ تَنَصَّفَ الصَّدَاقُ بَعْدَ هِبَتِهَا إيَّاهُ لِلزَّوْجِ. (وَلَا يَغْرَمُ مُزْكٍ شَيْئًا بِرُجُوعِ مُزْكٍ) عَنْ، شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ؛ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ لَا الْمُزَكِّينَ، لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِظَاهِرِ حَالِ الشُّهُودِ، وَأَمَّا بَاطِنُهُ فَعِلْمُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. (وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ حُكْمٍ شُهُودُ طَلَاقٍ غَرِمُوا) إنْ كَانَ رُجُوعُهُمْ (قَبْلَ دُخُولٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 643 نِصْفَ الْمُسَمَّى) أَوْ غَرِمُوا بَدَلَهُ، وَهُوَ الْمُتْعَةُ إنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ؛ لِإِلْزَامِهِمْ إيَّاهُ بِشَهَادَتِهِمْ بِطَلَاقِهَا، كَمَا يَغْرَمُهُ مَنْ فَسَخَ نِكَاحَهُ لِنَحْوِ رَضَاعٍ قَبْلَ دُخُولٍ، وَإِنْ رَجَعُوا بَعْدَهُ؛ أَيْ: الدُّخُولِ - فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَقَالَ فِي " تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ " لَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ فِي " النُّكَتِ " هَذَا هُوَ الْمُرَجَّحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمُذَهَّبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَ " مُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ " وَغَيْرِهِمْ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَرِّرُوا عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِتَقَرُّرِهِ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ، وَلَمْ يُخْرِجُوا عَنْ مِلْكِهِ شَيْئًا مُتَقَوِّمًا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجُوا الْبُضْعَ عَنْ مِلْكِهِ بِقَتْلِهَا، أَوْ أَخْرَجَتْهُ هِيَ بِرِدَّتِهَا (وَعَنْهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (يَغْرَمُونَ) ؛ أَيْ: الرَّاجِعُونَ عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِطَلَاقِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ (كُلَّ الْمَهْرِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُمْ فَوَّتُوا عَلَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ بِرُجُوعِهِمْ عَنْ الشَّهَادَةِ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْقَوْلُ بِالْغُرْمِ (قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الرَّضَاعِ) قَالَ فِي " النُّكَتِ " وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَمَّى لَا يَتَقَرَّرُ بِالدُّخُولِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ " يَتَقَرَّرُ. (وَإِنْ) شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الْقِنَّ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَخُوهُ وَنَحْوُهُ، وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِعِتْقِهِ (رَجَعَ شُهُودُ قَرَابَةٍ وَشُهُودُ شِرَاءٍ) عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِقِيمَةِ الْعَتِيقِ (عَلَى شُهُودِ الْقَرَابَةِ) لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُفَوِّتُونَ عَلَيْهِ الْقِنَّ، دُونَ شُهُودِ الشِّرَاءِ. (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ قَوَدٍ أَوْ) رَجَعَ شُهُودُ (حَدٍّ بَعْدَ حُكْمٍ) بِشَهَادَتِهِمْ (وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ قَوَدٍ أَوْ حَدٍّ؛ لَمْ يُسْتَوْفَ) قَوَدٌ وَلَا حَدٌّ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةُ لَا سَبِيلَ إلَى جَبْرِهَا إنْ اُسْتُوْفِيَتْ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ رُجُوعَهُمْ شُبْهَةٌ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 644 بِهَا، وَالْقَوَدُ فِي مَعْنَاهُ (وَوَجَبَتْ دِيَةُ قَوَدٍ) شَهِدُوا بِهِ لِمَشْهُودٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، فَإِذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَيَرْجِعُ غَارِمٌ بِمَا غَرِمَهُ مِنْ دِيَةٍ عَلَى الشُّهُودِ (وَإِنْ اُسْتُوْفِيَ) قَوَدٌ أَوْ حَدٌّ حُكِمَ بِهِ بِشَهَادَتِهِمْ (ثُمَّ قَالُوا: أَخْطَأْنَا؛ عُزِّرُوا، وَغَرِمُوا دِيَةَ مَا تَلِفَ) مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَا دُونَهَا (أَوْ أَرْشِ الضَّرْبِ نَصًّا لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَيُقَسَّطُ الْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ) لِحُصُولِ التَّفْوِيتِ مِنْ جَمِيعِهِمْ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ جَمَاعَةٌ مَالًا (فَلَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَعَشْرَةُ نِسْوَةٍ) شَهِدُوا فِي مَالٍ غَرِمَ الرَّجُلُ (سُدُسًا وَهُنَّ) ؛ أَيْ: النِّسْوَةُ الْعَشَرَةُ الْبَقِيَّةُ كُلَّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ سُدُسٍ (وَكَذَا رَضَاعٌ) شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ دُخُولٍ، ثُمَّ وَزَّعَ نِصْفَ الصَّدَاقِ عَلَيْهِمْ، عَلَى الرَّجُلِ سُدُسُهُ، وَعَلَيْهِنَّ الْبَقِيَّةُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِأَرْبَعِمِائَةٍ) فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا (ثُمَّ رَجَعَ بَعْدِ حُكْمٍ: وَاحِدٌ عَنْ مِائَةٍ، وَرَجَعَ: آخَرُ عَنْ مِائَتَيْنِ، وَرَجَعَ: الثَّالِثُ عَنْ ثَلَاثِمِائَةٍ، وَرَجَعَ: الرَّابِعُ عَنْ الْأَرْبَعِمِائَةِ) فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا رَجَعَ عَنْهُ بِقِسْطِهِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ) رُبْعُ الْمِائَةِ الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ (وَعَلَى الثَّانِي خَمْسُونَ) رُبْعُ الْمِائَتَيْنِ اللَّتَيْنِ رَجَعَ عَنْهُمَا، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ (وَعَلَى الثَّالِثِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ) رُبْعُ الثَّلَاثِمِائَةِ (وَعَلَى الرَّابِعِ مِائَةٌ) رُبْعُ الْأَرْبَعِمِائَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ رُبْعَ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ شَهِدَ سِتَّةٌ بِزِنَا) فَرُجِمَ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْهُ (أَوْ شَهِدَ) أَرْبَعَةٌ بِزِنَا (وَاثْنَانِ) مِنْ غَيْرِهِمْ (بِإِحْصَانِ زَانٍ فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعُوا) ؛ أَيْ: السِّتَّةُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ (لَزِمَتْهُمْ الدِّيَةُ أَسْدَاسًا) لِأَنَّهُ قُتِلَ بِشَهَادَةِ الْجَمِيعِ (وَإِنْ كَانُوا) أَيْ؛ الشُّهُودُ (خَمْسَةً بِزِنَا فَأَخْمَاسًا) يَغْرَمُونَ دِيَتَهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ رَجَعَ بَعْضُهُمْ) ؛ أَيْ: الشُّهُودِ (غَرِمَ بِقِسْطِهِ مَعَ حَدِّهِ) لِلْقَذْفِ، فَعَلَى وَاحِدٍ مِنْ سِتَّةٍ سُدُسٌ، وَمِنْ خَمْسَةٍ خُمُسٌ، وَهَكَذَا. (وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَا، وَشَهِدَ اثْنَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 645 مِنْهُمْ بِالْإِحْصَانِ؛ فَرُجِمَ؛ ثُمَّ رَجَعُوا؛ فَعَلَى مَنْ شَهِدَ بِالْإِحْصَانِ وَالزِّنَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) ثُلُثٌ لِشَهَادَتِهِمَا بِالْإِحْصَانِ، وَثُلُثٌ لِشَهَادَتِهِمَا بِالزِّنَا (وَعَلَى الْآخَرَيْنِ ثُلُثُهَا) لِشَهَادَتِهِمَا بِالزِّنَا وَحْدَهُ. (وَإِنْ رَجَعَ زَائِدٌ عَنْ الْبَيِّنَةِ) كَأَنْ شَهِدَ خَمْسَةٌ بِزِنَا، ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ (قَبْلَ حُكْمٍ أَوْ بَعْدَهُ؛ اُسْتُوْفِيَ) حَدُّ الزِّنَا؛ لِبَقَاءِ نِصَابِهِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ (وَيُحَدُّ الرَّاجِعُ) مِنْهُمْ حَدَّ الْقَذْفِ (لِقَذْفِهِ) الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا (مَعَ غُرْمِهِ بِقِسْطٍ؛ فَيَغْرَمُ خَامِسٌ رَجَعَ فِي) شَهَادَةِ (زِنَا خُمُسًا) مِنْ دِيَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ (وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ زِنَا) دُونَ إحْصَانٍ، غَرِمُوا الدِّيَةَ كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ رُجِمَ بِشَهَادَتِهِمْ، وَأَمَّا الْإِحْصَانُ فَشَرْطٌ لَا مُوجِبٌ، أَوْ رَجَعَ شُهُودُ (إحْصَانٍ) فَقَطْ (غَرِمُوا الدِّيَةَ كَامِلَةً) لِحُصُولِ الْقَتْلِ بِشَهَادَتِهِمْ؛ إذْ لَوْلَا ثُبُوتُ الْإِحْصَانِ؛ لَمْ يَجِبْ الْقَتْلُ. (وَرُجُوعُ شُهُودِ تَزْكِيَةٍ كَرُجُوعِ مَنْ زَكَّوْهُمْ) مِنْ الْمَسَائِلِ. (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ تَعْلِيقِ عِتْقٍ) وَشُهُودُ شَرْطِهِ، وَرَجَعَ شُهُودُ تَعْلِيقِ (طَلَاقٍ) قَبْلَ دُخُولٍ، وَرَجَعَ (شُهُودُ شَرْطِهِ) الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (غَرِمُوا) قِيمَةَ الْعَتِيقِ أَوْ نِصْفَ الصَّدَاقِ (بِعَدَدِهِمْ) كَشُهُودِ الزِّنَا وَالْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّ شُهُودَ التَّعْلِيقِ كَشُهُودِ الزِّنَا، وَشُهُودُ شَرْطِهِ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ. (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ كِتَابَةٍ؛ غَرِمُوا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْكِتَابَةِ (قِنًّا وَمُكَاتَبًا) لِنَقْصِ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ عَنْ الْقِنِّ الْحَاصِلِ بِشَهَادَتِهِمْ (فَإِنْ عَتَقَ) الْمَشْهُودُ لَهُ بِالْكِتَابَةِ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِهَا بِأَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ؛ فَعَلَيْهِمْ غُرْمُ (مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قِنًّا وَمَالِ كِتَابَةٍ) إنْ نَقَصَ عَنْهَا وَإِلَّا فَلَا غُرْمَ. (وَإِنْ شَهِدُوا بِتَأْجِيلِ نَحْوِ ثَمَنِ) مَبِيعٍ كَأُجْرَةٍ (وَحَكَمَ بِهِ) الْحَاكِمُ (ثُمَّ رَجَعُوا؛ غَرِمُوا تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ) لِأَنَّهُ فَاتَ بِسَبَبِ شَهَادَتِهِمْ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا (بِاسْتِيلَادِ أَمَةٍ) ؛ ثُمَّ رَجَعُوا، فَإِنَّهُمْ يَغْرَمُونَ نَقْصَ قِيمَتِهَا وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا قِنًّا وَأُمَّ وَلَدٍ (فَإِذَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا) فَيَغْرَمُونَ (تَمَامَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُمْ فَوَّتُوهَا بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِعِتْقِهَا ابْتِدَاءً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 646 (وَلَا ضَمَانَ بِرُجُوعِ شُهُودٍ عَنْ شَهَادَةِ كَفَالَةٍ بِنَفْسٍ أَوْ بَرَاءَةٍ مِنْهَا) ؛ أَيْ: الْكَفَالَةِ بِنَفْسٍ أَوْ رُجُوعٍ عَنْ شَهَادَةٍ أَنَّهَا؛ أَيْ: فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانَةَ (زَوْجَتُهُ) أَوْ رُجُوعِ شُهُودٍ عَلَى وَلِيِّ دَمٍ (أَنَّهُ عَفَا عَنْ دَمٍ عَمْدٍ) ؛ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ؛ أَيْ: الْمَشْهُودِ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَالًا، قَالَهُ فِي " الْمُبْهِجِ " وَقَالَ الْقَاضِي: هَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَتَضَمَّنُ الْمَالَ بِهَرَبِ الْمَكْفُولِ وَالْقَوَدُ قَدْ يَجِبُ بِهِ مَالٌ (وَيَتَّجِهُ وَتَثْبُتُ كَفَالَةٌ وَزَوْجِيَّةٌ) وَيُؤْمَرُ الْكَفِيلُ بِالْوَفَاءِ وَالزَّوْجَةُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا، ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَمْرُ بَاطِنًا كَمَا لَوْ شَهِدُوا؛ فَقَدْ وَقَعَ الْمَوْقِعَ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ عَلَى مَكْفُولٍ لَهُ تَكْلِيفُ الْكَفِيلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ وَطْؤُهَا، وَيَكُونُ زَانِيًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ الْبَاطِنَةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ شَهِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمُنَافٍ لِلشَّهَادَةِ الْأُولَى) كَأَنْ شَهِدَ بِقَرْضٍ، وَحُكِمَ بِهِ، ثُمَّ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَفَّاهُ قَبْلُ (فَكَرُجُوعٍ) عَنْ شَهَادَتِهِ (وَأَوْلَى) بِالضَّمَانِ مِنْ الرُّجُوعِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (فِي شَاهِدٍ قَاسَ بَلَدًا وَكَتَبَ خَطَّهُ بِالصِّحَّةِ، فَاسْتَخْرَجَ الْوَكِيلُ عَلَى حُكْمِهِ، ثُمَّ قَاسَ وَكَتَبَ خَطَّهُ بِزِيَادَةٍ) ، فَغَرِمَهَا أَيْ: الزِّيَادَةَ (الْوَكِيلُ) ؛ يَضْمَنُهَا الشَّاهِدُ (لِحُصُولِ غُرْمِ الزِّيَادَةِ بِسَبَبِهِ) ، تَعَمَّدَ الْكَذِبَ أَوْ أَخْطَأَ كَالرُّجُوعِ. (وَإِنْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَرَجَعَ الشَّاهِدُ؛ غَرِمَ الْمَالَ كُلَّهُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ حُجَّةُ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَوْلُ الْخَصْمِ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطُ الْحُكْمِ، فَجَرَى مَجْرَى طَلَبِ الْحُكْمِ. وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى آخَرَ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ بِصَدَاقٍ مُعَيَّنٍ وَآخَرَانِ بِدُخُولِهِ بِهَا ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِصَدَاقِهَا؛ غَرِمَهُ شُهُودُ النِّكَاحِ، دُونَ الدُّخُولِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 647 لِأَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ شَهِدَ مَعَ ذَلِكَ آخَرَانِ بِالطَّلَاقِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ بَانَ بَعْدَ حُكْمٍ كُفْرُ شَاهِدٍ بِهِ) ؛ أَيْ: الْحُكْمِ (أَوْ بَانَ فِسْقُهُمَا، أَوْ بَانَ أَنَّهُمَا مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ) ؛ أَيْ: الْمَحْكُومِ لَهُ، (أَوْ) بَانَ أَنَّهُمَا (عَدُوَّاهُ) ؛ أَيْ: عَدُوَّا الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (نُقِضَ) لِتَبَيُّنِ فَسَادِهِ (وَلَمْ يَنْفُذْ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ أَشْبَهَ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ (وَلَا غُرْمَ) عَلَى الشَّاهِدَيْنِ (وَرَجَعَ بِمَالٍ قَائِمٍ) أَوْ بِبَدَلِهِ (إنْ تَلِفَ عَلَى مَحْكُومٍ لَهُ) (وَرَجَعَ بِبَدَلِ قَوَدٍ مُسْتَوْفًى عَلَى مَحْكُومٍ لَهُ) لِنَقْضِ الْحُكْمِ؛ فَيَرْجِعُ الْحَقُّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ (وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لِلَّهِ تَعَالَى بِإِتْلَافِ حَيٍّ كَرَجْمٍ) فِي زِنَا وَقَطْعٍ فِي سَرِقَةٍ (أَوْ بِمَا سَرَى إلَيْهِ كَجَلْدٍ) فِي شُرْبٍ سَرَى إلَى النَّفْسِ (لَمْ يَضْمَنْ شُهُودٌ) لِأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَنَّهُمْ صَادِقُونَ (فِي شَهَادَتِهِمْ) وَإِنَّمَا الشَّرْعُ مَنَعَ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ، بِخِلَافِ الرَّاجِعِ، لِاعْتِرَافِهِ بِكَذِبِهِ (بَلْ يَضْمَنُ مُزَكُّونَ إنْ كَانُوا) لِتَعَذُّرِ رَدِّ مَحْكُومٍ بِهِ. وَشُهُودُ التَّزْكِيَةِ أَلْجَئُوا الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَاكِمِ) ، لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ مِنْ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ (وَإِلَّا) يَكُنْ مُزَكُّونَ فَحَاكِمٌ (أَوْ كَانُوا) ؛ أَيْ: الْمُزَكُّونَ (فَسَقَةً فَحَاكِمٌ) يَضْمَنُ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ، وَهُوَ حُكْمُهُ، وَقَدْ فَرَّطَ بِتَرْكِهِ التَّزْكِيَةَ. (وَإِذَا عَلِمَ حَاكِمٌ شَاهِدَ زُورٍ بِإِقْرَارِهِ) عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ (أَوْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ كَشَهَادَتِهِ بِقَتْلِ شَخْصٍ وَهُوَ حَيٌّ) أَوْ أَنَّ هَذِهِ الْبَهِيمَةَ لِفُلَانٍ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ، وَسِنُّهَا دُونَهَا (أَوْ أَنَّهُ فَعَلَ) كَذَا، وَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ قَبْلَهُ وَنَحْوَهُ مِمَّا يُعْلَمُ كَذِبُهُ، وَعَلِمَ تَعَمَّدَهُ لِذَلِكَ (عَزَّرَهُ حَاكِمٌ، وَلَوْ تَابَ) كَمَنْ تَابَ مِنْ حَدٍّ بَعْدَ رَفْعِهِ لِحَاكِمٍ. وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] وَرَوَى أَبُو بَكْرَةَ مَرْفُوعًا: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 648 بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، وَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَا يَتَقَدَّرُ تَعْزِيرُهُ، بَلْ يَكُونُ (بِمَا يَرَاهُ حَاكِمٌ مِنْ جَلْدٍ أَوْ حَبْسٍ) أَوْ كَشْفِ رَأْسٍ وَنَحْوِهِ (مَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا أَوْ مَعْنَاهُ) كَحَلْقِ لِحْيَةٍ، أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ (وَطَيْفٍ بِهِ) ؛ أَيْ: بِشَاهِدِ الزُّورِ (فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَشْتَهِرُ فِيهَا) كَإِيقَافِهِ فِي سُوقِهِ أَوْ مَحَلَّتِهِ وَنَحْوِهَا وَيُنَادَى عَلَيْهِ (فَيُقَالُ إنَّا وَجَدْنَاهُ شَاهِدَ زُورٍ، فَاجْتَنِبُوهُ) وَنَحْوَهُ. (وَلَا يُعَزَّرُ) (شَاهِدٌ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَةِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بِهِ كَذِبُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِعَيْنِهَا (وَلَا بِغَلَطِهِ فِي شَهَادَتِهِ) لِأَنَّ الْغَلَطَ يَعْرِضُ لِلصَّادِقِ الْعَدْلِ، وَلَا يَتَعَمَّدُهُ. (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يُعَزَّرُ شَاهِدٌ (بِرُجُوعِهِ) عَنْ شَهَادَتِهِ، لِاحْتِمَالِ، أَنَّهُ لِمَا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ خَطَئِهِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يُعَزَّرُ (لِظُهُورِ فِسْقِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقَهُ، وَمَتَى ادَّعَى شُهُودُ قَوَدٍ خَطَأً؛ عُزِّرُوا. قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ ". [فَصْل لَا تَقْبَلُ الشَّهَادَةُ مِنْ نَاطِقٍ إلَّا بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَوْ بِلَفْظِ شَهِدْت] فَصْل (وَلَا تَقْبَلُ الشَّهَادَةُ) مِنْ نَاطِقٍ (إلَّا بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَوْ بِلَفْظِ شَهِدْت) لِأَنَّهُ مَصْدَرُ شَهِدَ يَشْهَدُ شَهَادَةً، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِفِعْلِهَا الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، وَلِأَنَّ فِيهَا مَعْنًى لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ وَلِذَلِكَ اُخْتُصَّتْ بِاللِّعَانِ، وَتَقَدَّمَ لَوْ أَدَّاهَا أَخْرَسُ بِخَطِّهِ قُبِلَتْ (فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ أَنَا شَاهِدٌ) بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا اتَّصَفَ بِهِ، كَقَوْلِهِ إنَّهُ مُحْتَمَلٌ شَهَادَةً عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا، بِخِلَافِ أَشْهَدُ أَوْ شَهِدْت بِكَذَا؛ فَإِنَّهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ فِعْلِ الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ (أَعْلَمُ أَوْ أُحِقُّ) أَوْ أَعْرِفُ أَوْ أَتَحَقَّقُ أَوْ أَتَيَقَّنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفِعْلِ الْمُشْتَقِّ مِنْ لَفْظِ الشَّهَادَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 649 (وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِمَا وَضَعْت بِهِ خَطِّي، أَوْ قَالَ مَنْ تَقَدَّمَهُ غَيْرُهُ بِشَهَادَةٍ أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدَ بِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ وَالْإِبْهَامِ، وَلَوْ قَالَ (وَبِذَلِكَ) أَشْهَدُ أَوْ قَالَ (وَكَذَلِكَ أَشْهَدُ، صَحَّ) فِيهِمَا، لِاتِّضَاحِ مَعْنَاهُ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ (وَالشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَابْنُ الْقَيِّمِ: لَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا نَعْلَمُ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَا تَابِعِيٍّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ أَقُولُ إنَّ الْعَشَرَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا أَشْهَدُ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ مَتَى قُلْت فَقَدْ شَهِدْت وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ أَنَّهُ قَالَ: وَهَلْ مَعْنَى الْقَوْلِ وَالشَّهَادَةِ إلَّا وَاحِدٌ: وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْعِلْمُ شَهَادَةٌ، وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ. [بَابٌ الْيَمِينُ فِي الدَّعَاوَى] أَيْ: صِفَتَهَا وَمَا يَجِبُ فِيهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (وَهِيَ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ حَالًا) ؛ أَيْ: عِنْدَ النِّزَاعِ (وَلَا تُسْقِطُ حَقًّا) فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ بَعْدَهَا، وَإِنْ رَجَعَ حَالِفٌ، وَأَدَّى مَا عَلَيْهِ؛ قُبِلَ مِنْهُ، وَحَلَّ لِمُدَّعٍ أَخْذُهُ (وَيُسْتَحْلَفُ مُنْكِرٌ) تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي دَعْوَى صَحِيحَةٍ (فِي كُلِّ حَقِّ آدَمِيٍّ) لِحَدِيثِ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ؛ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» (غَيْرَ نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَطَلَاقٍ وَإِيلَاءٍ) إلَّا إذَا أَنْكَرَ مُولٍ مُضِيَّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ (وَغَيْرُ وَلَاءٍ وَاسْتِيلَادٍ) فَسَّرَهُ الْقَاضِي بِأَنْ يَدَّعِيَ اسْتِيلَادَ أَمَةٍ، فَتُنْكِرُهُ، وَقَالَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بَلْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ (وَغَيْرُ نَسَبٍ وَقَذْفٍ وَأَصْلِ رِقٍّ كَدَعْوَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 650 رَقِّ لَقِيطٍ) وَمَجْهُولِ نَسَبٍ؛ فَلَا يُسْتَحْلَفُ إذَا أَنْكَرَ (وَغَيْرَ قِصَاصٍ فِي غَيْرِ قَسَامَةٍ) فَلَا يَمِينَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُقْضَى فِيهَا بِالنُّكُولِ. (وَيَقْضِي فِي مَالٍ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ بِنُكُولٍ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُثْمَانَ. وَغَيْرُ ذَلِكَ يُخَلِّي سَبِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي اللِّعَانِ إذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ، وَنَكَلَتْ حُبِسَتْ حَتَّى تُقِرَّ أَرْبَعًا، أَوْ تُلَاعِنَ وَتَقَدَّمَ. (وَلَا يُسْتَحْلَفُ مُنْكِرٌ فِي حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ) زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ مُحَارَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ (لَا يَتَضَمَّنُ مَالًا، وَتَعْزِيرٍ) لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهَا، ثُمَّ رَجَعَ، قُبِلَ مِنْهُ، وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ بِلَا يَمِينٍ، فَلِئَلَّا يُسْتَحْلَفَ مَعَ عَدَمِ الْإِقْرَارِ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ سَتْرُهُ وَالتَّعْرِيضُ لِلْمُقِرِّ بِهِ لِيَرْجِعَ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَزَّالٍ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ: «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ» . وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي (عِبَادَةٍ) كَصَلَاةٍ وَغَيْرِهَا، وَلَا فِي صَدَقَةِ زَكَاةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ (وَلَا فِي كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، أَشْبَهَ الْحَدَّ، (وَلَا) يُسْتَحْلَفُ (شَاهِدٌ) وَلَا حَاكِمٌ (أَنْكَرَ) الشَّاهِدُ (شَهَادَتَهُ) أَوْ شَهِدَ، وَطَلَبَ يَمِينَهُ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ، وَلَا حَاكِمٌ أَنْكَرَ (حُكْمَهُ) أَوْ طَلَبَ يَمِينَهُ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي حُكْمٍ بِحَقٍّ فَلَا يَحْلِفُ (وَلَا وَصِيٌّ عَلَى نَفْيِ دَيْنٍ عَلَى مُوصٍ، وَلَا) يُسْتَحْلَفُ (مُدَّعًى عَلَيْهِ بِقَوْلِ مُدَّعٍ لِيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا حَلَّفَنِي أَنِّي مَا أُحَلِّفُهُ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ مُدَّعٍ طَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ، فَقَالَ لِيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَحَلَفَنِي) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُقْضَى فِيهِ بِنُكُولٍ؛ فَلَا فَائِدَةَ بِإِيجَابِ الْيَمِينِ فِيهِ. (وَإِنْ ادَّعَى وَصِيٌّ وَصِيَّتَهُ لِلْفُقَرَاءِ، فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ) أَنْ مُورِثَهُمْ وَصَّى بِهَا (حُلِّفُوا) عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ (فَإِنْ نَكَلُوا) عَنْ الْيَمِينِ (قَضَى عَلَيْهِمْ) بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى بِمَالٍ. (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْل غَيْرِهِ) كَأَنْ ادَّعَى أَنْ زَيْدًا غَصَبَهُ نَحْوَ ثَوْبٍ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ وَنَحْوَهُ، فَأَنْكَرَ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا بِدَعْوَاهُ، وَأَرَادَ الْحَلِفَ مَعَهُ، حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ، أَوْ حَلَفَ عَلَى (دَعْوَى عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى غَيْرِهِ (فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 651 إثْبَاتٍ) كَأَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى زَيْدٍ مِنْ نَحْوِ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ أَرْشٍ وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدًا وَأَرَادَ الْحَلِفَ مَعَهُ، حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ (أَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ) كَمَنْ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ. (أَوْ حَلَفَ عَلَى دَعْوَى عَلَيْهِ) بِدَيْنٍ فَأَنْكَرَ - وَلَا بَيِّنَةَ - وَأَرَادَ يَمِينَهُ (حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ) ؛ أَيْ: الْقَطْعَ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ حَلَّفَهُ قُلْ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَالَهُ عِنْدِي شَيْءٌ» : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِنْهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ بِيَدِهِ، فَأَنْكَرَ؛ فَيَحْلِفُ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَا يَكْفِي وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهَا مِلْكِي. (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ) كَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنْ أَبَاهُ غَصَبَهُ، أَوْ سَرَقَ مِنْهُ كَذَا، فَأَنْكَرَ - وَلَا بَيِّنَةَ فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، أَوْ حَلَفَ عَلَى (نَفْيِ دَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ) كَأَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى مُورِثِهِ، فَأَنْكَرَ - وَلَا بَيِّنَةَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ حَيْثُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ لَا وَلَكِنْ أُحَلِّفُهُ وَاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَرْضِي اغْتَصَبَهَا أَبُوهُ، فَتَهَيَّأَ الْكِنْدِيُّ لِلْيَمِينِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَأَقَرَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِأَنَّهُ لَا تُمْكِنُهُ الْإِحَاطَةُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ فِعْلِ نَفْسِهِ؛ فَتَكْلِيفُهُ الْيَمِينَ عَلَى الْبَتِّ؛ حَمْلٌ لَهُ عَلَى الْيَمِينِ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ (وَرَقِيقُهُ كَأَجْنَبِيٍّ فِي حَلِفِهِ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ) فَمَنْ ادَّعَى أَنْ عَبْدَ زَيْدٍ جَنَى عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَ رَبُّهُ - وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَهُ جَنَى عَلَى الْمُدَّعِي (وَأَمَّا بَهِيمَتُهُ) إذَا اُدُّعِيَ أَنَّهَا جَنَتْ (فَمَا يُنْسَبُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِتَقْصِيرٍ وَتَفْرِيطٍ) فِيهِ (كَرَعْيِهَا زَرْعًا لَيْلًا) لِتَرْكِهِ إيَّاهَا بِلَا حَبْسٍ، فَيَحْلِفُ (عَلَى الْبَتِّ) بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا قَصَّرَ وَلَا فَرَّطَ، لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ (وَإِلَّا) يُنْسَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ بَهِيمَةٍ إلَى تَقْصِيرٍ؛ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ كَرَاكِبِ) بَهِيمَةٍ (وَسَائِقٍ) وَقَائِدٍ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهَا أَتْلَفَتْ شَيْئًا بِوَطْئِهَا بِيَدِهَا، فَأَنْكَرَ - وَلَا بَيِّنَةَ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَتْلَفَتْهُ. (وَمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَلِفٌ لِجَمَاعَةٍ) ادَّعُوا عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ نَحْوَهُ (حَلَفَ لِكُلِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 652 وَاحِدٍ يَمِينًا) لِأَنَّ حَقَّ كُلٍّ مِنْهُمْ غَيْرُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ (مَا لَمْ يَرْضَوْا) جَمِيعُهُمْ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ؛ فَيَكْفِي بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَقَدْ رَضَوْا بِإِسْقَاطِهِ، فَسَقَطَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رِضَاهُمْ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بَعْضُهَا كَالْحُقُوقِ إذَا قَامَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ لِجَمَاعَةٍ لَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْضُ الْبَيِّنَةِ، (وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى وَاحِدٍ بِحُقُوقٍ؛ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَقٍّ يَمِينٌ) إلَّا أَنْ تَتَّحِدَ الدَّعْوَى، فَيَحْلِفَ يَمِينًا وَاحِدَةً كَمَا فِي " الْمُبْدِعِ ". [فَصْلٌ تُجْزِئُ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ] فَصْلٌ (وَتُجْزِئُ) الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} [المائدة: 106] وَقَوْلِهِ: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} [المائدة: 107] وَقَوْلِهِ {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: 109] قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ فَقَدْ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ جَهْدَ الْيَمِينِ؛ «وَاسْتَحْلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ فِي الطَّلَاقِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً» . وَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: تَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْته وَمَا بِهِ دَاءٌ تَعْلَمُهُ وَلِأَنَّ فِي اللَّهِ كِفَايَةً؛ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِاسْمِهِ فِي الْيَمِينِ. (وَلِحَاكِمٍ تَغْلِيظُهَا فِيمَا لَهُ خَطَرٌ) وَهُوَ الْمِثْلُ فِي الْغُلُوِّ كَالْخَطِيرِ (كَجِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ قَوَدًا، أَوْ عِتْقٍ وَنِصَابٍ فِي زَكَاةٍ) لَا فِيمَا دُونَ ذَلِكَ وَتَغْلِيظُهَا يَكُونُ بِلَفْظٍ كَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الطَّالِبُ الْغَالِبُ (أَيْ: الْقَاهِرُ) الضَّارُّ النَّافِعُ الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ؛ أَيْ: مَا يُضْمَرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 653 فِي النَّفْسِ، وَيَكُفُّ عَنْهُ اللِّسَانَ وَيُومَأُ إلَيْهِ بِالْعَيْنِ (وَمَا يُخْفِي الصُّدُورُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَأَيْتُهُمْ يُؤَكِّدُونَ الْيَمِينَ بِالْمُصْحَفِ، وَرَأَيْت ابْنَ مَازِنٍ قَاضِي صَنْعَاءَ يُغَلِّظُ الْيَمِينَ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا نَتْرُكُ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفِعْلِ ابْنِ مَازِنٍ وَلَا غَيْرِهِ (وَيَقُولُ يَهُودِيٌّ) غُلِّظَ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ (وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَفَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ، وَأَنْجَاهُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، وَيَقُولُ نَصْرَانِيٌّ) غُلِّظَ عَلَيْهِ بِلَفْظِ (وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى) ، وَجَعَلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ (وَيَقُولُ مَجُوسِيٌّ وَوَثَنِيٌّ) فِي التَّغْلِيظِ (وَاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي وَصَوَّرَنِي) لِأَنَّهُ يُعَظِّمُ خَالِقَهُ وَرَازِقَهُ، أَشْبَهَ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ (وَيَحْلِفُ صَابِئٌ) يُعَظِّمُ النُّجُومَ (وَمَنْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِاَللَّهِ تَعَالَى) لِحَدِيثِ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَيَحْلِفْ بِاَللَّهِ» . وَالتَّغْلِيظُ (بِزَمَنٍ كَبَعْدِ الْعَصْرِ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة: 106] قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: أَيْ: صَلَاةِ الْعَصْرِ، لِفِعْلِ أَبِي مُوسَى، وَتَقَدَّمَ (أَوْ بَيْنَ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) لِأَنَّهُ وَقْتٌ يُرْجَى فِيهِ إجَابَةُ الدُّعَاءِ فَتُرْجَى فِيهِ مُعَالَجَةُ الْكَاذِبِ بِالْعُقُوبَةِ وَالتَّغْلِيظِ (بِمَكَانٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ) لِزِيَادَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ فِي الْفَضِيلَةِ (وَبِالْقُدْسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ) لِفَضِيلَتِهَا، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مَرْفُوعًا: «هِيَ مِنْ الْجَنَّةِ» (وَبِبَقِيَّةِ الْبِلَادِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) لِحَدِيثِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ فَلِيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَقِيسَ عَلَيْهِ بَاقِي مَنَابِرِ الْمَسَاجِدِ (وَتَقِفُ حَائِضٌ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا اللُّبْثُ فِيهَا (وَيَحْلِفُ ذِمِّيٌّ بِمَوْضِعٍ يُعَظِّمُهُ) كَمَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِ بِالزَّمَانِ قَالَ الشَّعْبِيُّ لِنَصْرَانِيٍّ اذْهَبْ إلَى الْبَيْعَةِ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ سَوَّارٍ: اذْهَبُوا بِهِ إلَى الْمَذْبَحِ (زَادَ بَعْضُهُمْ وَتُغَلَّظُ بِهَيْئَةٍ كَتَحْلِيفِهِ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) كَاللِّعَانِ (وَمَنْ أَبَى تَغْلِيظًا) بِأَنْ قَالَ مَا أَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ فَقَطْ (لَمْ يَكُنْ نَاكِلًا) عَنْ الْيَمِينِ، لِأَنَّهُ قَدْ بَذَلَ (الْوَاجِبَ عَلَيْهِ) فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ. قَالَ فِي " النُّكَتِ " وَفِيهِ نَظَرٌ، لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ التَّغْلِيظُ إذَا رَآهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 654 الْحَاكِمُ، وَطَلَبَهُ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ فِيهِ زَجْرٌ فَقَطْ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَإِنْ رَأَى حَاكِمٌ تَرْكَ التَّغْلِيظِ فَتَرَكَهُ، كَانَ مُصِيبًا؛ لِمُوَافَقَتِهِ مُطْلَقَ النَّصِّ. (وَلَا يَحْلِفُ بِطَلَاقٍ وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ) قَالَهُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا. قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " قُلْت وَلَا بِعَتَاقٍ، لِحَدِيثِ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ» (وَفِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " لِلْوَالِي ذَلِكَ) ؛ أَيْ: التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ آدَمِيٍّ، وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ (بِعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَسَمَاعِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْمِهَنِ إذَا كَثُرُوا، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ انْتَهَى) . (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى صَغِيرٍ، أَوْ ادَّعَى عَلَى مَجْنُونٍ؛ لَمْ يَحْلِفْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ الْقَلَمُ. (وَمَنْ حَلَفَ، وَاسْتَثْنَى) كَوَاللَّهِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ حَلَفَ وَعَلَّقَ كوالله إنْ كَانَ وَقَعَ مِنْ زَيْدٍ كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ كَذَا (حَلَفَ ثَانِيًا) عَلَى الْبَتِّ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا التَّعْلِيقُ (كَمَا لَوْ حَلَفَ قَبْلَ سُؤَالِ مُدَّعٍ أَوْ حَاكِمٍ) . [تَتِمَّةٌ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ دَيْنٌ هُوَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ] تَتِمَّةٌ: مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ دَيْنٌ هُوَ عَلَيْهِ - وَهُوَ مُعْسِرٌ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، وَلَوْ نَوَى السَّاعَةَ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَيَمِينُ الْحَالِفِ عَلَى حَسْبِ جَوَابِهِ، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَهُ، أَوْ بَاعَهُ، أَوْ اقْتَرَضَ مِنْهُ فَإِنْ قَالَ مَا غَصَبْتُك، وَلَا اسْتَوْدَعَتْنِي، وَلَا بِعْتنِي، وَلَا أَقْرَضْتنِي؛ كُلِّفَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِيُطَابِقَ جَوَابَهُ، فَإِنْ قَالَ: مَالَك عَلَيَّ حَقٌّ، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَيْته وَلَا شَيْئًا مِنْهُ كَانَ جَوَابًا صَحِيحًا، وَلَا يُكَلَّفُ الْجَوَابُ عَنْ الْغَصْبِ وَغَيْرِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَصَبَ مِنْهُ، ثُمَّ رَدَّهُ وَكَذَلِكَ الْبَاقِي مِنْ الِاسْتِيدَاعِ وَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ: فَلَوْ كُلِّفَ جَحْدَ ذَلِكَ لَكَانَ كَاذِبًا مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِجَوَابٍ صَادِقٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 655 [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] ِ وَهُوَ لُغَةً الِاعْتِرَافُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَقَرِّ، وَهُوَ الْمَكَانُ، كَأَنَّ الْمُقِرَّ جَعَلَ الْحَقَّ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْحَقِّ عَلَى وَجْهٍ مَنْفِيَّةٌ مِنْهُ التُّهْمَةُ وَالرِّيبَةُ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكْذِبُ عَلَى نَفْسِهِ كَذِبًا يَضُرُّهَا، وَلِهَذَا قُدِّمَ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ فَلَا تُسْمَعُ مَعَ إقْرَارِ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَلَوْ أَكْذَبَ مُدَّعٍ بَيِّنَتَهُ لَمْ تُسْمَعْ، وَلَوْ أَنْكَرَ ثُمَّ أَقَرَّ، سُمِعَ إقْرَارُهُ. (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْإِقْرَارُ شَرْعًا (إظْهَارُ مُكَلَّفٍ) لَا صَغِيرٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ وَمَجْنُونٍ؛ لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ؛ فَلَمْ يَصِحَّ كَفِعْلِهِ (مُخْتَارٍ) لِمَفْهُومِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَكَالْبَيْعِ (مَا) ؛ أَيْ: حَقًّا (عَلَيْهِ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُقِرُّ (سَفِيهًا وَيَتْبَعُ فِيهِ بَعْدَ رُشْدِهِ بِلَفْظٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ مَعْلُومَةٍ، أَوْ) إظْهَارِ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ مَا (عَلَى مُوَكِّلِهِ) فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ (مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ وَقَبْضٍ، أَوْ مَا عَلَى مُوَلِّيه) مِمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَإِقْرَارِهِ بَيْعَ عَيْنِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ، لَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ؛ أَوْ مَا عَلَى (مُورِثِهِ بِمَا) ؛ أَيْ شَيْءٍ (يُمْكِنُ صِدْقُهُ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَسِنُّهُ عِشْرُونَ سَنَةً فَمَا دُونَهَا. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقَرِّ بِهِ (بِيَدِهِ) ؛ أَيْ: الْمُقِرِّ (وَوِلَايَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " يَعْنِي أَوْ وِلَايَتِهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ أَوْ كَوْنِ مُقِرٍّ (وَكِيلًا) فِي مُقَرٍّ بِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِشَيْءٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ، أَوْ فِي وِلَايَةِ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 656 أَجْنَبِيٌّ عَلَى صَغِيرٍ أَوْ وَقَفَ فِي وِلَايَةِ غَيْرِهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ؛ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي وِلَايَتِهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ؛ كَأَنْ يُقِرَّ وَلِيُّ الْيَتِيمِ وَنَحْوِهِ أَوْ نَاظِرُ الْوَقْفِ أَنَّهُ أَجَّرَ عَقَارَهُ وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ ذَلِكَ؛ فَصَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ، لَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ يَكُونَ (مَعْلُومًا) فَيَصِحُّ بِالْمُجْمَلِ، وَيُطَالَبُ بِالْبَيَانِ، وَيَأْتِي وَلَيْسَ الْإِقْرَارُ بِإِنْشَاءٍ بَلْ إخْبَارٌ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (فَيَصِحُّ) الْإِقْرَارُ (وَلَوْ مَعَ إضَافَةِ الْمُقِرِّ الْمِلْكَ) إلَيْهِ كَقَوْلِهِ: عَبْدِي هَذَا أَوْ دَارِي لِزَيْدٍ؛ إذْ الْإِضَافَةُ تَكُونُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ؛ فَلَا تُنَافِي الْإِقْرَارَ بِهِ. وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِدَيْنٍ كَقَوْلِ مُقِرٍّ (دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَتَّجِهُ لَكِنْ) إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ (مَعَ إضَافَةِ مِلْكٍ) لِمُقَرٍّ لَهُ كَقَوْلِ مُقِرٍّ: دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ مِلْكٌ لِعَمْرٍو، وَلَوْ (مِنْ سَكْرَانَ) وَكَذَا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَعْصِيَةٍ كَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ عَمْدًا بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ كَطَلَاقِهِ وَبَيْعِهِ (أَوْ مِنْ صَغِيرٍ مُمَيِّزٍ أَوْ قِنٍّ أُذِنَ لَهُمَا فِي تِجَارَةٍ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُمَا فِيهِ) مِنْ الْمَالِ لِفَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُمَا فِيهِ. (وَلَا) يَصِحُّ الْإِقْرَارُ (مِنْ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ) لِلْخَبَرِ. وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ (بِإِشَارَةِ مُعْتَقِلٍ لِسَانُهُ) لِأَنَّهُ كَالنَّاطِقِ، لِكَوْنِهِ يُرْتَجَى نُطْقُهُ. (وَتُقْبَلُ) مِنْ مُقِرٍّ وَنَحْوِهِ (دَعْوَى إكْرَاهٍ) عَلَى إقْرَارٍ (بِقَرِينَةٍ) دَالَّةٍ عَلَى إكْرَاهٍ (كَتَهْدِيدِ قَادِرٍ) عَلَى مَا هَدَّدَ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ (وَتَرْسِيمٍ) عَلَيْهِ وَسَجْنِهِ أَوْ أَخْذِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ؛ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " النُّكَتِ " وَعَلَى هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 657 تَحْرُمُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَكَتْبُ حُجَّةٍ عَلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَمَارَةِ الْإِكْرَاهِ اسْتَفَادَ بِهَا أَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ. (وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ إكْرَاهٍ عَلَى بَيِّنَةِ طَوَاعِيَةٍ) لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْإِكْرَاهِ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ (وَلَوْ قَالَ مُقِرٌّ؛ أَيْ: مُقِرٌّ ظَاهِرُهُ الْإِكْرَاهُ بِقَرِينَةٍ) بِمُقْتَضَى تَرْسِيمٍ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ (عَلِمْت أَنِّي لَوْ لَمْ أُقِرَّ أَيْضًا أَطْلَقُونِي، فَلَمْ أَكُنْ مُكْرَهًا؛ لَمْ يَصِحَّ) مِنْ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ ظَنٌّ مِنْهُ؛ فَلَا يُعَارِضُ يَقِينَ الْإِكْرَاهِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " فِيهِ احْتِمَالٌ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ طَوْعًا. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ تَقَدَّمَ إلَى سُلْطَانٍ، فَهَدَّدَهُ، فَيُدْهَشُ، فَيُقِرُّ؛ يُؤْخَذُ بِهِ، فَيَرْجِعُ وَيَقُولُ: هَدَّدَنِي وَدُهِشْت يُؤْخَذُ وَمَا عِلْمُهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْجَزَعِ وَالْفَزَعِ. (وَمَنْ أُكْرِهَ لِيُقِرَّ بِدِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِدِينَارٍ، أَوْ أُكْرِهَ لِيُقِرَّ لِزَيْدٍ فَأَقَرَّ لِعَمْرٍو) أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِدَارٍ، فَأَقَرَّ بِدَابَّةٍ وَنَحْوِهَا حَيْثُ أَقَرَّ بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ؛ صَحَّ قَرَارُهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ ابْتِدَاءً، لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ، أَوْ أُكْرِهَ (عَلَى وَزْنِ مَالٍ) بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ (فَبَاعَ نَحْوَ دَارِهِ فِي ذَلِكَ) الْمَالِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِهِ (صَحَّ) الْبَيْعُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ (وَكُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ إلَيْهِ، وَلِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ. (وَيَصِحُّ إقْرَارُ صَبِيٍّ أَنَّهُ بَلَغَ بِاحْتِلَامٍ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرًا) مِنْ السِّنِينَ يَعْنِي تَمَّتْ لَهُ، وَمِثْلُهُ جَارِيَةٌ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ؛ صُدِّقَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ إذْ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. (وَلَا يُقْبَلُ) قَوْلُهُ إنَّهُ بَلَغَ (بِسِنٍّ) ؛ أَيْ: تَمَّ لَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ عِلْمُهُ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ جُهِلَ بُلُوغُهُ حَالَ إقْرَارِهِ (بِمَالٍ، أَوْ عَقَدَ عَقْدًا، وَقَالَ بَعْدَ تَحَقُّقِ بُلُوغِهِ: لَمْ أَكُنْ حِينَ إقْرَارِي) أَوْ حِينَ (عَقْدِي بَالِغًا؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) وَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ عَقَدَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُهُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ (وَأَمَّا قَبْلَ التَّحَقُّقِ) ؛ أَيْ: قَبْلَ تَحَقُّقِ بُلُوغِهِ (فَيُقْبَلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 658 قَوْلُهُ) بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا حِينَ الْإِقْرَارِ أَوْ الْعَقْدِ (بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ بُلُوغَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالْأَصْلُ الصِّغَرُ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا لَوْ أَمَّ) صَبِيٌّ بِبَالِغٍ فِي فَرْضٍ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَكُنْ بَالِغًا حِين أَمَمْت، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ بُلُوغِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَقَبْلَ التَّحَقُّقِ يُقْبَلْ، وَيُعِيدُ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ) (فِيمَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ، فَادَّعَى الْبُلُوغَ لَا يُقْبَلُ) قَوْلُهُ (لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِبُلُوغٍ) بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بَعْدَ أَنْ ارْتَجَعَهَا. قَالَ: وَهَذَا يَجِيءُ فِي كُلِّ مَنْ أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ بَعْدَ حَقٍّ؛ ثَبَتَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ مِثْلُ الْإِسْلَامِ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ تَبَعًا لِأَبِيهِ، أَوْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ وَكَانَ رَشِيدًا أَوْ بَعْدَ تَزْوِيجِ وَلِيٍّ أَبْعَدَ مِنْهُ. (وَمَنْ) بَاعَ أَوْ أَقَرَّ وَنَحْوَهُ (ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أُنْبِتَ بِعِلَاجٍ أَوْ دَوَاءٍ لَا بِبُلُوغٍ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ، وَحُكِمَ بِبُلُوغِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيه (أَوْ ادَّعَى جُنُونًا) حَالَ إقْرَارِهِ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ طَلَاقِهِ وَنَحْوِهِ لِإِبْطَالِ مَا وَقَعَ مِنْهُ (لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ". (وَالْمَرِيضُ وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِوَارِثٍ) قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ صُورَةِ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ هَلْ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا وَارِثِي وَلَا يَذْكُرُ سَبَبَ إرْثِهِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا أَخِي أَوْ عَمِّي أَوْ ابْنِي أَوْ مَوْلَايَ، فَيَذْكُرُ سَبَبَ الْإِرْثِ، وَحِينَئِذٍ إذَا كَانَ سَبَبًا؛ اُعْتُبِرَ سَبَبُ الْإِمْكَانِ وَالتَّصْدِيقِ وَأَنْ لَا يَدْفَعُ نَسَبًا مَعْرُوفًا انْتَهَى. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: تَقَدَّمَ عَنْ الْأَزَجِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ أَنَّهُ وَارِثُهُ بِلَا بَيَانِ سَبَبٍ لِأَنَّ أَدْنَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 659 حَالَاتِهِ إرْثُهُ بِالرَّحِمِ، وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى أَصْلِنَا، فَالْإِقْرَارُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ. وَيَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ بِأَخْذِ دَيْنٍ مِنْ غَيْرِ وَارِثِهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّهِ، وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ (بِمَالٍ لَهُ) ؛ أَيْ: لِغَيْرِ وَارِثِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ بِمَا يُرَادُ مِنْهُ؛ وَتَحَرِّي الصِّدْقِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِوَارِثٍ فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ. (وَلَا يُحَاصُّ مُقِرٌّ لَهُ) فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ) ؛ أَيْ: مَنْ أَقَرَّ لَهُمْ حَالَ صِحَّتِهِ، بَلْ يَبْدَأُ بِهِمْ، سَوَاءٌ أُخْبِرَ بِلُزُومِهِ لَهُ قَبْلَ الْمَرَضِ أَوْ بَعْدَهُ، لِإِقْرَارِهِ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِتَرِكَتِهِ كَإِقْرَارِ مُفْلِسٍ بِدَيْنٍ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ (لَكِنْ لَوْ أَقَرَّ) مَرِيضٌ (فِي مَرَضِهِ) لِأَجْنَبِيٍّ (بِعَيْنٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ أَوْ عَكْسِهِ) بِأَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ بِعَيْنٍ (فَرَبُّ الْعَيْنِ أَحَقُّ) بِهَا مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، وَالْإِقْرَارَ بِالْعَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِذَاتِهَا؛ فَتَعَلُّقُهُ بِالذَّاتِ أَقْوَى، وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ بَيْعَ الْعَيْنِ؛ لَمْ يَصِحَّ، وَمُنِعَ مِنْهُ لِحَقِّ الْمُقِرِّ لَهُ بِهَا. [الْإِقْرَارُ بِمَا يَدْفَعُ الظُّلْمَ وَيَحْفَظُ الْمَالَ] فَرْعٌ: إذَا خَافَ أَنْ يُؤْخَذَ مَالُهُ ظُلْمًا أَوْ الْمَالُ الَّذِي بِيَدِهِ لِلنَّاسِ إمَّا بِحُجَّةِ أَنَّهُ مَيِّتٌ لَا وَارِثَ لَهُ أَوْ أَنَّهُ مَالُ غَائِبٍ أَوْ بِلَا حُجَّةٍ أَصْلًا؛ جَازَ لَهُ الْإِقْرَارُ بِمَا يَدْفَعُ هَذَا الظُّلْمَ، وَيَحْفَظُ الْمَالَ لِصَاحِبِهِ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ بِحَاضِرٍ أَنَّهُ ابْنُهُ، أَوْ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا، أَوْ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي بِيَدِهِ لِفُلَانٍ، وَيَتَأَوَّلُ فِي إقْرَارِهِ بِأَنْ يَعْنِي بِكَوْنِهِ ابْنَهُ صِغَرَهُ، أَوْ بِقَوْلِهِ أَخِي أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ بِقَوْلِهِ الَّذِي بِيَدِهِ لَهُ؛ أَيْ: لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِهِ؛ لِكَوْنِي قَدْ وَكَّلْته فِي إيصَالِهِ إلَى مُسْتَحَقِّهِ وَنَحْوِهِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ أَمِينًا، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ تَلْجِئَةٌ تَفْسِيرُهُ كَذَا وَكَذَا. قَالَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " مُلَخَّصًا. (وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، أَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ؛ نَفَذَ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ لِلْعَبْدِ، وَلَمْ يُنْقَضَا بِإِقْرَارِهِ) بَعْدَ ذَلِكَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُنْجَزٌ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَالٍ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا؛ فَلَا يَنْقُضُهُ مَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ، ثُمَّ حُجِرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 660 عَلَيْهِ لَفَلْسٍ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ؛ فَلَمْ يَنْقُضْ الدَّيْنُ عِتْقَهُ وَهِبَتَهُ كَالصَّحِيحِ. (وَإِنَّ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ (بِمَالٍ لِوَارِثٍ لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ بِهِ (بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ إجَازَةِ) بَاقِي الْوَرَثَةِ كَالْعَطِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَهُ؛ لَكِنْ يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ إنْ كَانَ حَقًّا، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ (فَلَوْ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ (لِزَوْجَتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا؛ لَزِمَهُ) نَصًّا (بِالزَّوْجِيَّةِ) ؛ أَيْ: بِمُقْتَضَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ؛ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَهْرِ وَوُجُوبِهِ عَلَيْهِ، فَإِقْرَارُهُ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُوفِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ فَأَخْبَرَ بِبَقَائِهِ بِذِمَّتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ (بِإِقْرَارِهِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِوَارِثٍ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ رَجَعَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ، أَوْ يُجِيزُوا لَهَا (وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لَهَا) ؛ أَيْ: لِزَوْجَتِهِ (بِدَيْنٍ، ثُمَّ أَبَانَهَا) ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا (لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ لَهَا بِغَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُبِنْهَا، وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْإِقْرَارِ، وَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ. ' (وَإِنْ أَقَرَّتْ زَوْجَتُهُ الْمَرِيضَةُ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ (أَنَّهَا لَا مَهْرَ لَهَا) عَلَى زَوْجِهَا (لَمْ يَصِحَّ) إقْرَارُهَا؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءُ الْوَارِثِ فِي الْمَرَضِ؛ فَلِوَرَثَتِهَا مُطَالَبَتُهُ بِمَهْرٍ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَخْذِهِ) ؛ أَيْ: الْمَهْرَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ، أَوْ يُقِيمَ بَيِّنَةً (بِإِسْقَاطِهِ) بِنَحْوِ حَوَالَةٍ وَكَذَا بِإِبْرَاءٍ فِي غَيْرِ مَرَضِ مَوْتِهَا الْمَخُوفِ (وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ دَيْنٍ ثَابِتٍ عَلَى وَارِثٍ) إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِبَرَاءَتِهِ لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَدِينُ بَيِّنَةً بِأَخْذِهِ أَوْ إسْقَاطِهِ. (وَإِنْ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ (لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ صَحَّ) إقْرَارُهُ (لِلْأَجْنَبِيِّ) بِحِصَّتِهِ دُونَ الْوَارِثِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِلَفْظَيْنِ، أَوْ كَمَا لَوْ جَحَدَ الْأَجْنَبِيُّ شَرِكَةَ الْوَارِثِ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى مِنْهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ تَعْتَبِرْ لَهُ الْعَدَالَةُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ يَتَضَمَّنُ دَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ؛ قُبِلَ فِيمَا عَلَيْهِ، لَا فِيمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 661 لَهُ، كَإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ فَتَبِينُ مِنْهُ؛ وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي نَفْيِ الْعِوَضِ (وَالِاعْتِبَارُ) بِكَوْنِ الْمُقَرِّ لَهُ وَارِثًا أَوْ لَا (بِحَالَةِ إقْرَارِهِ) لِأَنَّهُ قَوْلٌ تُعْتَبَرُ فِيهِ التُّهْمَةُ؛ فَاعْتُبِرَتْ حَالَةَ وُجُودِهِ كَالشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَالْعَطِيَّةِ؛ فَالِاعْتِبَارُ فِيهِمَا بِوَقْتِ الْمَوْتِ، وَتَقَدَّمَ. (فَلَوْ أَقَرَّ بِمَالِ الْوَارِثِ) حَالَ إقْرَارِهِ (وَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ) كَمَنْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ، فَحَدَثَ لَهُ ابْنٌ، أَوْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ (لَمْ يَلْزَمْ) إقْرَارُهُ لِأَخِيهِ؛ لِاقْتِرَانِ التُّهْمَةِ بِهِ حِينَ وُجُودِهِ؛ فَلَا يَنْقَلِبُ لَازِمًا. (وَإِنَّ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ (لِغَيْرِ وَارِثٍ) كَأَخِيهِ مَعَ ابْنِهِ (لَزِمَ إقْرَارُهُ، وَلَوْ صَارَ) الْمُقِرُّ لَهُ وَارِثًا بِأَنْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْمُقِرِّ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لِأَخٍ كَافِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ مُقِرٍّ؛ لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ مِنْ أَهْلِهِ خَالِيًا مِنْ التُّهْمَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ، ثُمَّ صَارَ وَارِثًا؛ وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، خِلَافًا لِمَا فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ بِإِحْبَالِ أَمَتِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ. [فَصْلٌ أَقَرَّ قِنٌّ وَلَوْ آبِقًا بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ طَلَاقٍ وَنَحْوِهِ] فَصْلٌ (وَإِنْ أَقَرَّ قِنٌّ وَلَوْ آبِقًا) حَالَ إقْرَارِهِ (بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ طَلَاقٍ وَنَحْوِهِ) كَمُوجِبِ تَعْزِيرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ؛ صَحَّ إقْرَارُهُ (وَأُخِذَ) الْقِنُّ بِهِ فِي الْحَالِ؛ لِإِقْرَارِهِ بِمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ بَدَنِهِ، وَهُوَ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ إلَّا أَخْذَ الْمَالِ، وَلِحَدِيثِ «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» وَمَنْ مَلَكَ إنْشَاءَ شَيْءٍ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ (مَا لَمْ يَكُنْ الْقَوَدُ فِي نَفْسٍ) وَيُكَذِّبُهُ سَيِّدُهُ؛ فَيُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقٍ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 662 أَقَرَّ بِرَقَبَتِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا، وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ سَيِّدِهِ؛ أَشْبَهَ إقْرَارَهُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ، وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لِإِنْسَانٍ لِيَعْفُوَ عَنْهُ، وَيَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ؛ فَيَتَخَلَّصَ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ (فَطَلَبُ جَوَابِ دَعْوَاهُ) ؛ أَيْ: الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ (إذْنٌ مِنْهُ؛ أَيْ: الْقِنِّ وَمِنْ سَيِّدِهِ جَمِيعًا) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. (وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ سَيِّدِهِ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ (عَلَيْهِ بِغَيْرِ مَا يُوجِبُ مَالًا فَقَطْ) كَالْعُقُوبَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِ نَفْسِ الْمُقِرِّ؛ أَشْبَهَ إقْرَارَ غَيْرِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ إقْرَارِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ مَالًا؛ لِأَنَّهُ إيجَابُ حَقٍّ فِي مَالِ السَّيِّدِ؛ فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ. وَفِي " الْكَافِي " إنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِقَوَدٍ عَلَى الْعَبْدِ؛ وَجَبَ الْمَالُ، وَيَفْدِي السَّيِّدُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ. (وَإِنْ أَقَرَّ قِنٌّ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ بِمَالٍ أَوْ بِمَا يُوجِبُهُ) ؛ أَيْ: الْمَالَ كَجِنَايَةٍ خَطَأً وَإِتْلَافِ مَالٍ وَعَارِيَّةٍ وَقَرْضٍ، أَوْ أَقَرَّ قِنٌّ (مَأْذُونٌ لَهُ فِي تِجَارَةٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ فِي التِّجَارَةِ) ؛ (فَكَإِقْرَارِ سَفِيهٍ) لَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ (وَإِنَّمَا يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ) نَصَّا عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ كَالْمُفْلِسِ (قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي عَبْدٍ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ دَرَاهِمَ) فِي يَدِهِ أَنَّهُ سَرَقَهَا مِنْ رَجُلٍ وَالرَّجُلُ يَدَّعِي ذَلِكَ (فَكَذَّبَهُ سَيِّدُهُ، فَالدَّرَاهِمُ لِلسَّيِّدِ) لِأَنَّ الْمَالَ حَقُّ السَّيِّدِ فَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُ الْعَبْدِ بِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِمَالٍ فِي يَدِهِ (وَيُقْطَعُ الْعَبْدُ) فِي الْحَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ سَرَقَ (وَيُتْبَعُ بِذَلِكَ) الْمَالِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ (بَعْدَ الْعِتْقِ) لِزَوَالِ الْمُعَارِضِ (وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِرِقِّهِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ) وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِذَلِكَ؛ قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ السَّيِّدِ لَا فِي يَدِ نَفْسِهِ. (وَمَا صَحَّ إقْرَارُ قِنٍّ بِهِ) كَحَدٍّ وَقَوَدٍ وَطَلَاقٍ (فَهُوَ الْخَصْمُ فِيهِ) دُونَ سَيِّدِهِ؛ وَإِلَّا يَصِحُّ إقْرَارُ قِنٍّ بِهِ كَاَلَّذِي يُوجِبُ مَالًا (فَسَيِّدُهُ) الْخَصْمُ فِيهِ، وَالْقَوَدُ فِي نَفْسٍ هُمَا خَصْمَانِ فِيهِ مَعًا كَمَا سَبَقَ. (وَلَا يَحْلِفُ قِنٌّ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ مَالًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 663 (وَإِنْ أَقَرَّ مُكَاتَبٌ بِجِنَايَةٍ) ؛ أَيْ: بِأَنَّهُ جَنَى (تَعَلَّقَتْ) الْجِنَايَةُ؛ أَيْ: أَرْشُهَا (بِذِمَّتِهِ وَرَقَبَتِهِ) جَمِيعًا، فَإِنْ عَتَقَ أُتْبِعَ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ (وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ سَيِّدِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (عَلَيْهِ بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: بِأَنَّهُ جَنَى؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى غَيْرِهِ. (وَإِنْ أَقَرَّ عَبْدٌ غَيْرُ مُكَاتَبٍ لِسَيِّدِهِ) لَمْ يَصِحَّ (أَوْ أَقَرَّ سَيِّدُهُ لَهُ بِمَالِ؛ لَمْ يَصِحَّ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا يُقِرُّ بِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ (وَإِنْ أَقَرَّ) سَيِّدُ قِنٍّ (أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ؛ عَتَقَ) الْقِنُّ لِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ بِمَا يُوجِبُهُ (ثُمَّ إنْ صَدَّقَهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدُ قِنَّهُ عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ (لَزِمَهُ) الْأَلْفُ مُؤَاخَذَةً لَهُ (بِتَصْدِيقِهِ) وَإِلَّا يُصَدِّقْهُ الْقِنُّ (حُلِّفَ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ (وَالْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ لِقِنِّ غَيْرِهِ إقْرَارٌ بِهِ لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ الْجِهَةُ الَّتِي يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا؛ فَتَعَيَّنَ جَعْلُ الْمَالِ لَهُ، فَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ؛ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ، لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِ سَيِّدِهِ. (وَالْإِقْرَارُ لِمَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ أَوْ طَرِيقٍ وَنَحْوِهَا) كَثَغْرٍ وَقَنْطَرَةٍ (يَصِحُّ وَلَوْ أَطْلَقَ) الْمُقِرُّ فَلَمْ يُعَيِّنْ سَبَبًا كَغَلَّةِ وَقْفٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَيَّنَ السَّبَبَ وَيَكُونُ لِمَصَالِحِهَا. (وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِدَارِ إلَّا مَعَ ذِكْرِ السَّبَبِ) كَغَصْبٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تَجْرِي عَلَيْهَا صَدَقَةٌ غَالِبًا، بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَسْجِدِ (وَلَا) يَصِحُّ إقْرَارُهُ (لِبَهِيمَةٍ) إلَّا إنْ قَالَ عَلَيَّ كَذَا بِسَبَبِهَا " زَادَ فِي " الْمُغْنِي " لِمَالِكِهَا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَالَ مُقِرٌّ (لِمَالِكِهَا) ؛ أَيْ: الْبَهِيمَةِ (عَلَيَّ كَذَا بِسَبَبِ جِنَايَتِي عَلَى حَمْلِهَا) وَهِيَ حَامِلٌ، فَانْفَصَلَ حَمْلُهَا (مَيِّتًا، وَادَّعَى) مَالِكُهَا (أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْحَمْلَ الْمُنْفَصِلَ مَيِّتًا (بِسَبَبِهِ) ؛ أَيْ: الْمُقِرَّ بِهِ (صَحَّ) إقْرَارُهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِلَّا يَنْفَصِلُ حَمْلُهَا مَيِّتًا، أَوْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، أَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا، وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ بِسَبَبِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 664 (وَيَصِحُّ) الْإِقْرَارُ (لِحَمْلِ) آدَمِيَّةٍ بِمَالٍ وَإِنْ لَمْ يَعْزُهُ إلَى سَبَبٍ؛ لِجَوَازِ مِلْكِهِ إيَّاهُ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ كَالطِّفْلِ (فَإِنْ وُضِعَ) الْحَمْلُ (مَيِّتًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ) فِي بَطْنِهَا (حَمْلٌ) (بَطَلَ) إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِمَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ. (وَإِنْ وَلَدَتْ) الْمُقَرُّ لِحَمْلِهَا (حَيًّا وَمَيِّتًا) فَالْمُقَرُّ بِهِ جَمِيعُهُ (لِلْحَيِّ) بِلَا نِزَاعٍ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ فِي الْمَيِّتِ، وَإِنْ وَلَدَتْ جَنِينَيْنِ فَالْمُقَرُّ بِهِ لَهُمَا (سَوِيَّةً وَلَوْ كَانَا ذَكَرًا وَأُنْثَى) كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ؛ لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ (مَا لَمْ يَعْزُهُ) ؛ أَيْ: الْإِقْرَارَ (إلَى سَبَبٍ يُوجِبُ تَفَاضُلًا كَإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ يَقْتَضِيَانِهِ) ؛ أَيْ: التَّفَاضُلَ (فَيَعْمَلُ بِهِ) ؛ أَيْ: بِمُقْتَضَى السَّبَبِ الَّذِي عَزَاهُ إلَيْهِ مِنْ التَّفَاضُلِ؛ (لِاسْتِنَادِهِ) فِي الْإِقْرَارِ إلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ (وَ) إنْ قَالَ مُكَلَّفٌ (لَهُ) ؛ أَيْ: الْحَمْلِ (عَلَيَّ أَلْفٌ جَعَلْتُهَا لَهُ أَوْ وَهَبْتهَا لَهُ) أَوْ تَصَدَّقْت بِهَا عَلَيْهِ، أَوْ أَعْدَدْتهَا لَهُ؛ فَهُوَ (وَعْدٌ) لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ؛ وَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ (وَلَوْ قَالَ: لِلْحَمْلِ عَلَيَّ أَلْفٌ أَقْرَضَنِيهِ؛ يَلْزَمُهُ) الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلْحَمْلِ عَلَيَّ أَلْفٌ إقْرَارٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ بِمَا يُغَيِّرُهُ؛ فَلَا يُبْطِلُهُ كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ (إنْ قَالَ أَقْرَضَنِي) الْحَمْلُ أَلْفًا؛ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ قَرْضٌ. (وَمَنْ أَقَرَّ لِمُكَلَّفٍ بِمَالٍ فِي يَدِهِ وَلَوْ بِرِقِّ نَفْسِهِ) مَعَ جَهْلِ نَسَبِهِ (أَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ قِنًّا، وَكَذَّبَهُ مُقَرٌّ لَهُ فِي إقْرَارِهِ؛ بَطَلَ) إقْرَارُهُ بِتَكْذِيبِهِ (وَيَقَرُّ الْمُقَرُّ بِهِ فِي يَدِ مُقِرٍّ) لِأَنَّهُ مَالٌ بِيَدِهِ لَا يَدَّعِيه غَيْرُهُ؛ أَشْبَهَ اللُّقَطَةَ، وَكَذَا يَبْقَى مَنْ أَقَرَّ بِرِقِّ نَفْسِهِ وَكَذَّبَ بِهِ مُقَرٌّ لَهُ بِيَدِ نَفْسِهِ. (وَلَا يُقْبَلُ عَوْدُ مُقَرٍّ لَهُ إلَى دَعْوَاهُ) ؛ أَيْ: الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ؛ بِأَنْ رَجَعَ بِهِ، فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَفْسِهِ (وَإِنْ عَادَ الْمُقِرُّ فَادَّعَاهُ) ؛ أَيْ: الْمُقَرَّ بِهِ (لِنَفْسِهِ أَوْ) ادَّعَاهُ (لِثَالِثٍ؛ قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ - وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِيهِ - وَلَا يُقْبَلُ بَعْدَ دَعْوَى الْمُقَرِّ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِثَالِثٍ عَوْدُ الْمُقَرِّ لَهُ أَوَّلًا إلَى دَعْوَاهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَوْدُهُ إلَى دَعْوَاهُ قَبْلَ دَعْوَى الْمُقَرِّ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَفْسِهِ ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 665 (وَإِنْ قَالَ: هَذَا مَا أَقْرَرْت لَك بِهِ، فَقَالَ) الْمُقَرُّ لَهُ (بَلْ هُوَ غَيْرُهُ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ: الْمُقِرَّ (تَسْلِيمُهُ الْمُقَرَّ بِهِ لِمُقَرٍّ لَهُ) ؛ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ (وَيَحْلِفُ مُقِرٌّ أَنْ لَيْسَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُقَرِّ لَهُ (عِنْدَهُ سِوَاهُ) وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ (فَإِنْ رَجَعَ مُقَرٌّ لَهُ) بَعْدَ ذَلِكَ (فَادَّعَاهُ) ؛ أَيْ: ادَّعَى مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ (دُفِعَ لَهُ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَظَنَّهُ لِغَيْرِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَهُ عَادَ فَادَّعَاهُ. [تَتِمَّة قدمت امْرَأَة مِنْ الروم مَعَهَا طفل فأقر بِهِ رَجُل أَنَّهُ ابْنه] تَتِمَّةٌ: وَإِنْ قَدِمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَلَدِ الرُّومِ وَمَعَهَا طِفْلٌ، فَأَقَرَّ بِهِ رَجُلٌ أَنَّهُ ابْنُهُ مَعَ إمْكَانِهِ - وَلَا مُنَازِعَ لَحِقَهُ نَسَبُهُ، وَلِهَذَا لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا بَعْدَ عِشْرِينَ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْبَتِهِ؛ لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ قُدُومٌ إلَيْهَا؛ وَلَا عُرِفَ لَهَا خُرُوجٌ مِنْ بَلَدِهَا. [فَصْلٌ تَزَوَّجَ مَنْ جَهِلَ نَسَبَهَا فَأَقَرَّتْ بِرِقٍّ] فَصْلٌ (وَمَنْ تَزَوَّجَ مَنْ جَهِلَ نَسَبَهَا فَأَقَرَّتْ بِرِقٍّ؛ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى زَوْجِهَا وَأَوْلَادِهَا وَلَا عَلَى نَفْسِهَا) لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا تَرْتَفِعُ بِقَوْلِ أَحَدٍ كَالْإِقْرَارِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ. (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ قَبُولِ إقْرَارِهَا (مَا لَمْ تَبِنْ) فَإِنْ بَانَتْ؛ فَلَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِ إقْرَارِهَا لِأَنَّ إقْرَارَهَا عَلَى نَفْسِهَا بِالرِّقِّ وَنَفْسُهَا مَمْلُوكَةٌ لَهَا، فَصَحَّ إقْرَارُهَا بِهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 666 (وَمَنْ أَقَرَّ بِوَلَدِ أَمَتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ حَمَلَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: غَيْرِ مِلْكِهِ (لَمْ تَصِرْ بِهِ) ؛ أَيْ: بِإِقْرَارِهِ كَذَلِكَ (أُمَّ وَلَدٍ) فَلَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ؛ لِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا بِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ (إلَّا بِقَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَى حَمْلِهَا بِهِ فِي مِلْكِهِ، كَأَنْ مَلَكَهَا صَغِيرَةً، وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ. (وَإِنْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِأُبُوَّةِ صَغِيرٍ أَوْ بِأُبُوَّةِ مَجْنُونٍ، أَوْ) أَقَرَّ شَخْصٌ (بِأَبٍ أَوْ) أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ (بِزَوْجٍ أَوْ) أَقَرَّ مَجْهُولٌ نَسَبُهُ (بِمَوْلًى أَعْتَقَهُ قُبِلَ إقْرَارُهُ، وَلَوْ أَسْقَطَ بِهِ وَارِثًا مَعْرُوفًا) كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِابْنٍ وَلَهُ أَخٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي إقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَارِثِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُسْقِطِ وَيُشْتَرَطُ لِلْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أُشِيرَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (إنْ أَمْكَنَ صِدْقُهُ) ؛ أَيْ: الْمُقِرَّ بِأَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ كَإِقْرَارِهِ بِأُبُوَّةٍ أَوْ بُنُوَّةٍ بِمَنْ فِي سِنِّهِ أَوْ أَكْبَرُ مِنْهُ الثَّانِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ يَدْفَعْ بِهِ نَسَبًا لِغَيْرِهِ) الثَّالِثُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَصَدَّقَهُ) ؛ أَيْ: الْمُقِرَّ (مُقَرٌّ بِهِ مُكَلَّفٌ) لِأَنَّ لَهُ قَوْلًا صَحِيحًا، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ (أَوْ كَانَ) الْمُقَرُّ لَهُ (مَيِّتًا، وَيَرِثُهُ مُقِرٌّ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ وَلَدٍ) مُقَرٍّ بِهِ (مَعَ صِغَرِ الْوَلَدِ أَوْ جُنُونِهِ فَلَوْ بَلَغَ) صَغِيرٌ وَعَقَلَ مَجْنُونٌ وَأَنْكَرَ كَوْنَهُ ابْنًا لِمُقِرٍّ (لَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِقْرَارِ (وَيَكْفِي فِي تَصْدِيقِ وَالِدٍ بِوَلَدِهِ وَعَكْسِهِ) أَيْ: تَصْدِيقَ وَلَدٍ بِوَالِدٍ (سُكُوتُهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ) لِأَنَّهُ يَغْلِبُ فِي ذَلِكَ ظَنُّ التَّصْدِيقِ (وَلَا يُعْتَبَرُ فِي تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا) بِالْآخَرِ (تَكْرَارُهُ) ؛ أَيْ: التَّصْدِيقِ بِالسُّكُوتِ نَصًّا (فَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِنَسَبِهِمَا بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: تَكْرَارِ التَّصْدِيقِ بِالسُّكُوتِ. (وَلَا يَصِحُّ مَنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ) ؛ أَيْ: الْأَبِ وَالِابْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى (كَجَدٍّ أَقَرَّ بِابْنِ ابْنٍ وَعَكْسُهُ) كَابْنِ ابْنٍ أَقَرَّ بِجَدٍّ وَكَأَخٍ يُقِرُّ بِأَخٍ أَوْ عَمٍّ بِابْنِ أَخٍ (إلَّا وَرَثَةً أَقَرُّوا بِمَنْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ مُورِثُهُمْ ثَبَتَ نَسَبُهُ) كَبَنِينَ أَقَرُّوا بِابْنٍ، وَإِخْوَةٍ بِأَخٍ؛ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ؛ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِي حَقِّهِمْ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 667 إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُقِرُّ بِمِنْ يُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ بِلَا حَقٍّ، وَلِقِيَامِ الْوَرَثَةِ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي مَالِهِ وَدُيُونِهِ الَّتِي لَهُ وَعَلَيْهِ وَدَعَاوِيه وَغَيْرِهَا، فَكَذَا فِي النَّسَبِ. (وَمَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ بَعْدَ مَوْتِ مُقِرٍّ فَادَّعَتْ زَوْجِيَّتَهُ) ؛ أَيْ: الْمُقِرِّ (أَوْ جَاءَتْ أُخْتُهُ غَيْرُ تَوْأَمَتِهِ، فَادَّعَتْ الْبُنُوَّةَ؛ لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ) لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ دَعْوَى، كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِإِلْحَاقِ نَسَبِهِ بِهِمْ، لَكِنْ يُعْطَى الْمُقَرُّ لَهُ مَا فَضَلَ بِيَدِ مُقِرٍّ، وَتَقَدَّمَ وَيَأْتِي. (وَلَوْ أَقَرَّتْ مُزَوَّجَةٌ بِوَلَدٍ لَحِقَهَا؛ لِإِقْرَارِهَا دُونَ زَوْجِهَا) لِعَدَمِ إقْرَارِهِ بِهِ، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ رَجُلٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِامْرَأَتِهِ دُونَ (أَهْلِهَا) هَذِهِ عِبَارَةُ " الرِّعَايَةِ " وَفِيهَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا لَحِقَهَا نَسَبُهُ تَبِعَهَا أَهْلُهَا كَالرَّجُلِ وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، أَوْ أَقَرَّ بِعَمٍّ فِي حَيَاةِ جَدِّهِ لَمْ يُقْبَلْ) لِأَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَيْهِ نَسَبًا لَا يُقِرُّ بِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ عَمٍّ (بَعْدَ مَوْتِهِمَا) ؛ أَيْ: أَبِيهِ وَجَدِّهِ (وَمَعَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ، وَلَمْ يُصَدِّقْ؛ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، وَلِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ مَا فَضَلَ بِيَدِ مُقِرٍّ أَوْ كُلُّهُ) ؛ أَيْ: كُلُّ مَا بِيَدِ مُقِرٍّ (إنْ أَسْقَطَهُ) مُقِرٌّ بِهِ، كَأَخٍ، أَقَرَّ بِابْنٍ، وَإِلَّا يَكُنْ مَعَ مُقِرٍّ وَارِثٌ غَيْرَهُ كَابْنٍ أَوْ بِنْتٍ لَا وَارِثَ غَيْرُهَا، وَأَقَرَّ بِأَخٍ (ثَبَتَ) نَسَبُهُ؛ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَوَرِثَ. (وَإِنْ أَقَرَّ مَجْهُولٌ نَسَبُهُ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ بِنَسَبِ وَارِثٍ حَتَّى) بِنَسَبِ (أَخٍ وَعَمٍّ، فَصَدَّقَهُ) الْمُقَرُّ لَهُ (وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ) قُبِلَ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ، كَمَا لَوْ (أَقَرَّ بِحَقِّ غَيْرِهِ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِنَسَبِ وَارِثٍ) مَعَ وَلَاءٍ حَتَّى (يُصَدِّقَهُ مَوْلَاهُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ مَوْلَاهُ مِنْ إرْثِهِ؛ فَلَا يُقْبَلُ بِلَا تَصْدِيقٍ؛ لِلتُّهْمَةِ (وَمَنْ عِنْدَهُ أَمَةٌ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ، فَأَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ؛ قُبِلَ) إقْرَارُهُ (عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: الْأَمَةِ، فَيَأْخُذُهَا مُقَرٌّ لَهُ بِهَا (وَلَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (عَلَى الْأَوْلَادِ) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 668 (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ) مَنْ عِنْدَهُ (أَمَةٌ بِحَمْلِهَا مِنْهُ فِي مِلْكِهِ) ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ، فَتَصِيرُ (أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَيَغْرَمُ) مُقِرٌّ بِهَا (ثَمَنَهَا لِمُقَرٍّ لَهُ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى (الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَ يَعْتَقِدُهَا مِلْكَهُ، ثُمَّ عَلِمَهَا مِلْكَ غَيْرِهِ) وَإِلَّا كَانَ زَانِيًا. (وَمَنْ أَقَرَّتْ بِنِكَاحٍ عَلَى نَفْسِهَا، وَصَدَّقَهَا زَوْجٌ، وَلَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً أَوْ) كَانَ إقْرَارُهَا بِالنِّكَاحِ (لِاثْنَيْنِ قَبْلَ) إقْرَارِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقٌّ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِمَالٍ، وَلِزَوَالِ التُّهْمَةِ بِإِضَافَةِ الْإِقْرَارِ إلَى شَرَائِطِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِبَيْعِ وَلِيِّهَا مَا لَهَا قَبْلَ رُشْدِهَا (فَلَوْ أَقَامَا) ؛ أَيْ: الِاثْنَانِ الْمُقَرُّ لَهُمَا بِالنِّكَاحِ (بِبَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا، فَإِنْ جُهِلَ) التَّارِيخُ (فَقَوْلُ وَلِيٍّ) ؛ أَيْ: مَنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ عَلَى سَبْقِ تَارِيخِ نِكَاحِهِ (فَإِنْ جَهِلَهُ) ؛ أَيْ: جَهِلَ الْوَلِيُّ أَسْبَقَهُمَا (فَسْخًا) ؛ أَيْ: النِّكَاحَانِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ، وَجُهِلَ الْأَسْبَقُ (وَلَا تَرْجِيحَ) لِأَحَدِهِمَا بِكَوْنِهَا بِيَدِهِ، لِأَنَّ الْحُرَّ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْيَدُ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ) ؛ أَيْ: النِّكَاحَ (عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: الْمَرْأَةِ (وَلِيُّهَا وَهِيَ مُجْبَرَةٌ) قُبِلَ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا نَصًّا، لِأَنَّهَا لَا قَوْلَ لَهَا فِي حَالَةِ الْإِجْبَارِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً، وَلَكِنَّهَا (مُقِرَّةٌ بِالْإِذْنِ، قَبْلَ) إقْرَارِهِ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا بِالْإِذْنِ، فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ كَالْوَكِيلِ. (وَمَنْ ادَّعَى نِكَاحَ صَغِيرَةٍ بِيَدِهِ) وَلَا بَيِّنَةَ بِهِ (فَسَخَهُ حَاكِمٌ) فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ (ثُمَّ إنْ صَدَّقَتْهُ إذَا بَلَغَتْ؛ قُبِلَ) تَصْدِيقُهَا لَهُ (وَيَتَّجِهُ وَلَا يُعَادُ عَقْدٌ) لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 669 مَا يُفْسِدُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " (فَدَلَّ أَنَّ مَنْ ادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا زَوْجُهَا، فَأَنْكَرَ، فَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ؛ يَحْكُمُ عَلَيْهِ) بِالْفُرْقَةِ، دَفْعًا لِضَرَرِهَا. وَسُئِلَ عَنْهَا الْمُوَفَّقُ فَلَمْ يُجِبْ فِيهَا بِشَيْءٍ. (وَإِنْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ بِزَوْجِيَّةِ الْآخَرِ) بِأَنْ أَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَقَرَّتْ هِيَ بِذَلِكَ (فَسَكَتَ) صَحَّ، وَوَرِثَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ، لِقِيَامِهَا بَيْنَهُمَا بِالْإِقْرَارِ، أَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِزَوْجِيَّةِ الْآخَرِ (فَجَحَدَهُ، ثُمَّ صَدَّقَهُ، صَحَّ) الْإِقْرَارُ، وَوَرِثَهُ؛ لِحُصُولِ الْإِقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ وَلَا أَثَرَ تَجَوَّزَا قَبْلَ ذَلِكَ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَجْحَدُ ثُمَّ يُقِرُّ. وَلَا يَرِثُ جَاحِدٌ (إنْ بَقِيَ عَلَى تَكْذِيبِهِ لِمُقِرٍّ حَتَّى مَاتَ) الْمُقِرُّ؛ لِلتُّهْمَةِ فِي تَصْدِيقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَإِنْ أَقَرَّ وَرَثَةٌ بِدَيْنٍ عَلَى مُورِثِهِمْ قَضَوْهُ) وُجُوبًا مِنْ تَرِكَتِهِ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِهَا كَتَعَلُّقِ أَرْشِ جِنَايَةٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ جَانٍ؛ فَلَهُ تَسْلِيمُهَا وَبَيْعُهَا فِيهِ وَالْوَفَاءُ مِنْ مَالِهِ، وَيَلْزَمُهُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ الدَّيْنِ، وَكَذَا إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ مَيِّتٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 670 (وَإِنْ أَقَرَّ) بِدَيْنٍ عَلَى مَيِّتٍ (بَعْضُهُمْ) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةِ (بِلَا شَهَادَةٍ) بِالدَّيْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ؛ فَالْمُقِرُّ عَلَيْهِ مِنْهُ (بِقَدْرِ إرْثِهِ) مِنْ التَّرِكَةِ (فَإِنْ وَرِثَ النِّصْفَ) مِنْ التَّرِكَةِ؛ فَعَلَيْهِ (نِصْفُ الدَّيْنِ أَوْ) ؛ أَيْ: وَإِنْ وَرِثَ الرُّبْعَ فَرُبْعُ الدَّيْنِ، وَهَكَذَا (كَإِقْرَارِهِ) ؛ أَيْ: بَعْضِ الْوَرَثَةِ (بِوَصِيَّةٍ) بِلَا شَهَادَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ تَعَلَّقَ بِمِثْلِهِ مِنْ التَّرِكَةِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يُوَزَّعَ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ. (وَإِنْ شَهِدَ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةِ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ (عَدْلَانِ أَوْ عَدْلٌ؛ حَلَفَ مَعَهُ) رَبُّ الدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ (ثَبَتَ) الْحَقُّ؛ لِكَمَالِ نِصَابِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى غَيْرِ مُورِثِهِمْ (وَيُقَدَّمُ) مِنْ دُيُونٍ تَعَلَّقَتْ بِتَرِكَةٍ دَيْنٌ (ثَابِتٌ بِبَيِّنَةٍ) نَصًّا فَدَيْنٌ (بِإِقْرَارِ مَيِّتٍ عَلَى مَا) ؛ أَيْ: دَيْنٍ (أَقَرَّ بِهِ وَرَثَةٌ) لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَرَثَةِ إقْرَارٌ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ التَّرِكَةَ بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ الثَّابِتِ عَلَيْهَا، فَوَجَبَ أَدَاءُ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِمْ أَوَّلًا. [بَابُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ مِنْ الْأَلْفَاظِ] ِ (وَ) مَا إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ (مَا يُغَيِّرُهُ) ؛ أَيْ: الْإِقْرَارَ. (مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ) مَثَلًا فَقَالَ فِي جَوَابِهِ (نَعَمْ، أَوْ قَالَ أَجَلْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ وَبِسُكُونِ اللَّامِ؛ فَقَدْ أَقَرَّ، وَهُوَ حَرْفُ تَصْدِيقٍ كَنَعَمْ. قَالَ الْأَخْفَشُ: إلَّا أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ نَعَمْ فِي التَّصْدِيقِ، وَنَعَمْ أَحْسَنُ مِنْهُ فِي الِاسْتِفْهَامِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 671 «وَقِيلَ لِسَلْمَانَ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ: أَجَلْ» (أَوْ) ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَلْفٍ فَقَالَ (صَدَقْت أَوْ) قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ بِهِ، أَوْ قَالَ (إنِّي مُقِرٌّ بِهِ، أَوْ قَالَ) إنِّي مُقِرٌّ لَك (بِدَعْوَاك، أَوْ) قَالَ: أَنَا أَوْ إنِّي (مُقِرٌّ فَقَطْ) فَقَدْ أَقَرَّ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَدُلُّ عَلَى تَصْدِيقِ الْمُدَّعِي، أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَلْفٍ مَثَلًا (فَقَالَ: خُذْهَا أَوْ اتَّزِنْهَا أَوْ اقْبِضْهَا أَوْ اُحْرُزْهَا، أَوْ قَالَ هِيَ صِحَاحٌ أَوْ قَالَ: كَأَنِّي جَاحِدٌ لَك، أَوْ كَأَنِّي جَحَدْتُك حَقَّك، فَقَدْ أَقَرَّ) لِانْصِرَافِهِ إلَى الدَّعْوَى، لِوُقُوعِهِ عَقِبَهَا، وَلِعَوْدِ الضَّمِيرِ لِمَا تَقَدَّمَ فِيهَا، وَكَذَا إنْ قَالَ: أَقْرَرْتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81] . وَلَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ (لَا إنْ قَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ أَنَا أُقِرُّ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا، بَلْ هُوَ وَعْدٌ بِالْإِقْرَارِ، وَالْوَعْدُ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِهِ (أَوْ قَالَ لَا أُنْكِرُ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِنْكَارِ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا قِسْمًا آخَرَ، وَهُوَ السُّكُوتُ، أَوْ قَالَ (يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُحِقًّا) لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ مُحِقًّا، أَوْ قَالَ (عَسَى أَوْ قَالَ لَعَلَّ) لِأَنَّهَا لِلشَّكِّ، أَوْ قَالَ (أَظُنُّ أَوْ أَحْسِبُ أَوْ أَقْدُرُ) لِاسْتِعْمَالِهَا فِي الشَّكِّ (أَوْ قَالَ خُذْ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ خُذْ الْجَوَابَ مِنِّي، أَوْ قَالَ (اتَّزِنْ أَوْ أَحْرِزْ، أَوْ قَالَ: افْتَحْ كُمَّك) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَقَوْلُ مُدَّعٍ (بَلَى فِي جَوَابِ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك كَذَا إقْرَارٌ) بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ النَّفْيِ إثْبَاتٌ لَا قَوْلُ (نَعَمْ إلَّا مِنْ عَامِّيٍّ) فَيَكُونُ إقْرَارًا كَقَوْلِهِ عَشَرَةٌ غَيْرُ دِرْهَمٍ بِضَمِّ الرَّاءِ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ؛ إذْ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْحُذَّاقُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمِثْلُهُ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمٌ بِرَفْعِ دِرْهَمٍ إذْ إلَّا فِيهِ بِمَعْنَى غَيْرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] . لَكِنْ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا حُذَّاقُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 672 إذَا قَالَ لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ بَلَى، فَمُقِرٌّ. «وَفِي قِصَّةِ إسْلَامِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْت عَلَيْهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى» . قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فَفِيهِ صِحَّةُ الْجَوَابِ بِبَلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا نَفْيٌ، وَصِحَّةُ الْإِقْرَارِ بِهَا. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا؛ أَيْ: مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ. (وَإِنْ قَالَ) شَخْصٌ لِآخَرَ (اقْضِنِي دَيْنِي عَلَيْك أَلْفًا) فَقَالَ: نَعَمْ (أَوْ قَالَ اشْتَرِ ثَوْبِي هَذَا) ، فَقَالَ: نَعَمْ (أَوْ قَالَ لَهُ أَعْطِنِي ثَوْبِي هَذَا) فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ قَالَ لَهُ: سَلِّمْ (إلَيَّ أَلْفًا مِنْ الَّذِي عَلَيْك) فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ قَالَ لَهُ (هَلْ لِي عَلَيْك) أَلْفٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ (أَوْ قَالَ لَهُ أَلِي عَلَيْك أَلْفٌ، فَقَالَ: نَعَمْ) فَقَدْ أَقَرَّ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِيهِ (أَوْ) قَالَ (أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ) أَمْهِلْنِي (حَتَّى أَفْتَحَ الصُّنْدُوقَ) فَقَدْ أَقَرَّ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُهْلَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ (أَوْ) قَالَ لَهُ (عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إقْرَارَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ كُلَّهُ، وَيَصْرِفُهُ إلَى غَيْرِ الْإِقْرَارِ؛ فَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَبَطَلَ مَا وَصَلَهُ بِهِ، كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَلْفًا، وَكَقَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ، أَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ (لَا يَلْزَمُنِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْأَلْفِ، لِمَا تَقَدَّمَ، أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (فِي عِلْمِي أَوْ قَالَ: فِي عِلْمِ اللَّهِ أَوْ قَالَ: فِيمَا أَعْلَمُ لَا إنْ قَالَ: فِيمَا أَظُنُّ؛ فَقَدْ أَقَرَّ) لَهُ بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ لِإِقْرَارِهِ بِالْعِلْمِ بِهِ؛ إذْ مَا فِي عِلْمُهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوُجُوبِ، بِخِلَافِ الظَّنِّ. (وَإِنْ عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِشَرْطِ قُدُومٍ) عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ (إنْ قَدِمَ زَيْدٌ) فَلِعَمْرٍو عَلَيَّ كَذَا، أَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا (أَوْ قَالَ إنْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا) لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ ثُبُوتَهُ عَلَى شَرْطٍ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ سَابِقٌ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِشَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، بَلْ يَكُونُ وَعَدَا، لَا إقْرَارًا، بِخِلَافِ تَعْلِيقِهِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهَا تُذْكَرُ فِي الْكَلَامِ تَبَرُّكًا وَتَفْوِيضًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَقَوْلِهِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 673 {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] . وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ سَيَدْخُلُونَهُ بِلَا شَكٍّ (أَوْ قَالَ إنْ شَهِدَ بِهِ) ؛ أَيْ: الْأَلْفِ مَثَلًا (زَيْدٌ؛ فَهُوَ صَادِقٌ) أَوْ صَدَّقَتْهُ (لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا) لِأَنَّهُ وَعَدَ بِتَصْدِيقِهِ لَهُ فِي شَهَادَتِهِ، لَا تَصْدِيقَ (وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَتَقْدِيمِ الشَّرْطِ فِيمَا ذُكِرَ (إنْ أَخَّرَ) كَقَوْلِهِ (لَهُ عَلَيَّ كَذَا إنْ قَدِمَ زَيْدٌ؛ أَوْ إنْ شَاءَ) زَيْدٌ، أَوْ إنْ شَهِدَ بِهِ زَيْدٌ (أَوْ إنْ جَاءَتْ الْمَطَرُ، أَوْ إنْ قُمْت) فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِمَا بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَالتَّعْلِيقِ بِهَا عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ مِنْ التَّنَافِي (إلَّا إذَا قَالَ) لَهُ عَلَيَّ كَذَا (إذَا جَاءَ وَقْتُ كَذَا) كَرَأْسِ الشَّهْرِ بِشَرْطِ تَقْدِيمِ الْإِقْرَارِ عَلَى أَدَاةِ الشَّرْطِ؛ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ فَعُمِلَ بِهِ، وَقَوْلُهُ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَحِلَّ؛ فَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، فَإِنْ قَدَّمَ أَدَاةَ الشَّرْطِ عَلَى الْإِقْرَارِ، كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ وَقْتُ كَذَا فَعَلَيَّ لِزَيْدٍ أَلْفٌ فَلَيْسَ إقْرَارًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَدَاةِ إنْ وَإِذَا إلَّا إذَا قُدِّمَ الْإِقْرَارُ عَلَى أَدَاةِ إذَا؛ فَإِقْرَارٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ قَدَّمَهَا عَلَى الْإِقْرَارِ؛ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ كَمَا فِي الْمُنْتَهَى " وَهُوَ الصَّحِيحُ، خِلَافًا " لِلْإِقْنَاعِ " وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ لِذَلِكَ (وَمَتَى فَسَّرَهُ) ؛ أَيْ: قَوْلَهُ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ (بِأَجَلٍ أَوْ وَصِيَّةٍ؛ قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ (بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (كَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ بِغَيْرِ لِسَانِهِ) ؛ أَيْ: لُغَتِهِ؛ بِأَنْ أَقَرَّ عَرَبِيٌّ بِالْعُجْمَةِ، أَوْ عَكْسُهُ (وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ مَا قُلْت) فَيُقْبَلُ مِنْهُ بِيَمِينِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا أَقَرَّ عَامِّيٌّ بِمَضْمُونٍ مُحْضَرٍ، وَادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ - وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ فَكَذَلِكَ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ رَجَعَ مُقِرٌّ بِحَقِّ آدَمِيٍّ أَوْ) رَجَعَ مُقِرٌّ (بِزَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ؛ لَمْ يُقْبَلْ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ الْمُعَيَّنِ أَوْ أَهْلِ الزَّكَاةِ بِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 674 [فَصْلٌ فِي مَا إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُغَيِّرُهُ] فَصْلٌ فِيمَا إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُغَيِّرُهُ (وَإِذَا قَالَ مُكَلَّفٌ) مُخْتَارٌ (لَهُ) ؛ أَيْ: فُلَانٍ (عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ لَمْ يَلْزَمْهُ) شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثَمَنِ خَمْرٍ وَقَدَّرَهُ بِأَلْفٍ، وَثَمَنُ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ، وَلَوْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ مِنْ مُضَارَبَةٍ أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ وَدِيعَةٍ (أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (لَا يَلْزَمُنِي، أَوْ) لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (قَبَضَهُ أَوْ اسْتَوْفَاهُ أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَاسِدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ، أَوْ) قَالَ مِنْ (ثَمَنِ طَعَامٍ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ (مُضَارَبَةٍ تَلِفَتْ، وَشَرَطَ عَلَيَّ ضَمَانَهَا أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (بِكَفَالَةٍ) تَكَفَّلْت بِهَا (عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ) فِيهَا؛ لَزِمَهُ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ رَفْعٌ لِجَمِيعِ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ فَلَا يُقْبَلُ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ، وَتَنَاقُضُ كَلَامِهِ غَيْرُ خَافٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ إقْرَارٌ بِثُبُوتِهِ، وَثُبُوتُهُ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ لَا يُتَصَوَّرُ؛ وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَلْفِ، وَادَّعَى مَا لَمْ يَثْبُتْ مَعَهُ؛ وَلِأَنَّهُ فِي صُورَةِ مَا إذَا قَالَ قَبَضَهُ أَوْ اسْتَوْفَاهُ أَقَرَّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِالْقَبْضِ أَوْ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ (وَقَوْلُهُ) لَهُ عَلَيَّ كَذَا أَوْ سَكَتَ (أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا وَسَكَتَ؛ إقْرَارٌ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَرْفَعُهُ، فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ تَنَازَعَا دَارًا فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَ الْآخَرِ؛ حُكِمَ لَهُ بِهَا. قَالَ فِي الشَّرْحِ؛ إلَّا أَنَّهُ هَهُنَا؛ أَيْ: فِي مَسْأَلَةِ كَانَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا إنْ عَادَ، فَادَّعَى الْقَضَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَبَيْنَ مَا يَدَّعِيه، وَهَذَا عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ (وَإِنْ وَصَلَهُ) ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 675 أَيْ: قَوْلَهُ أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا (بِقَوْلِهِ وَبَرِئْت مِنْهُ، أَوْ) بِقَوْلِهِ (وَقَضَيْته أَوْ) بِقَوْلِهِ (وَقَضَيْت بَعْضَهُ) وَلَمْ يَعْزِهِ لِسَبَبٍ؛ فَمُنْكِرٌ (أَوْ قَالَ مُدَّعٍ لِي عَلَيْك مِائَةٌ، فَقَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (قَضَيْتُك مِنْهَا) وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الْمِائَةِ الَّتِي لَك عَلَيَّ (عَشَرَةً وَلَمْ يَعْزِهِ) أَيْ: الْمُقَرَّ بِهِ (لِسَبَبٍ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ؛ (فَ) هُوَ مُنْكِرٌ يُقْبَلُ (قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) نَصًّا طِبْقَ جَوَابِهِ، وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ، هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " لِأَنَّهُ دَفَعَ مَا أَثْبَتَهُ بِدَعْوَى الْقَضَاءِ مُتَّصِلًا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يَكُونُ مُقِرًّا مُدَّعِيًا لِلْقَضَاءِ؛ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ، وَلَمْ يُبْرِئْهُ، وَاسْتُحِقَّ، وَقَالَ: هَذِهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْوَفَاءِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُذَهَّبِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " انْتَهَى. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الْحَنْبَلِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ. فَإِنْ ذَكَرَ السَّبَبَ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِمَا يُوجِبُ الْحَقَّ مِنْ عَقْدٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي بَرِيءٌ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَإِنْ عَزَاهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِسَبَبٍ كَاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْحَقَّ (مِنْ ثَمَنِ) مَبِيعٍ (وَقَرْضٍ) أَوْ قِيمَةُ مُتْلَفٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ ثَبَتَ سَبَبُ الْحَقِّ بِبَيِّنَةٍ، أُلْزِمَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ مُدَّعٍ لِلْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَيُطَالَبُ بِالْبَيَانِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ كَانَ؛ بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْته إيَّاهُ أَوْ أَبْرَأَنِي مِنْهُ وَنَحْوَهُ مِمَّا سَبَقَ، فَهُوَ مُنْكِرٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِمَا سَبَقَ، مَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِسَبَبِ الْحَقِّ أَوْ يُثْبِتْ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ بِالْوَفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَأْتِيَ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ، وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ فِيهَا حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى بَقَاءِ حَقِّهِ، وَأَخَذَهُ، وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِثُبُوتِ الْقَضَاءِ بِنُكُولِهِ، وَلَوْ قَالَ مُدَّعٍ كَانَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " بِلَا خِلَافٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 676 [فَصْلٌ يَصِحُّ فِي الْإِقْرَار اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ فَأَقَلَّ] فَصْلٌ (وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ فَأَقَلَّ) لَا أَكْثَرَ مِنْهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمْ يَأْتِ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا بِالْعَرَبِيَّةِ (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُقِرَّ (أَلْفٌ) فِي قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَلْفًا، أَوْ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (إلَّا سِتِّمِائَةٍ) لِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ (وَ) يَلْزَمُهُ (خَمْسَةٌ فِي قَوْلِهِ لَك عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا خَمْسَةً أَوْ قَوْلِهِ لَيْسَ لَك عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً) لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ (بِشَرْطٍ) مُتَعَلِّقٍ بِ يَصِحُّ (أَنْ لَا يَسْكُتَ) الْمُسْتَثْنِي بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى (مَا) ؛ أَيْ: زَمَنًا (يُمْكِنُهُ كَلَامٌ فِيهِ وَأَنْ لَا يَأْتِيَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ بَيْنَهُمَا) ، أَوْ فَصْلٍ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ فَقَدْ اسْتَقَرَّ حُكْمُ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ فَلَمْ يَرْتَفِعْ، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَ؛ فَإِنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ، (وَ) بِشَرْطِ (أَنْ يَكُونَ) الْمُسْتَثْنَى (مِنْ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ) ؛ أَيْ: كَوْنَهُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَنَوْعِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَخْرَجَ بَعْضَ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ بِمَوْضُوعِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ بِمَوْضُوعِهِ، فَمَنْ قَالَ عَنْ آخَرَ (لَهُ عَلَيَّ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ الْعَشَرَةُ إلَّا وَاحِدًا) فَاسْتِثْنَاؤُهُ (صَحِيحٌ) لِوُجُودِ شَرَائِطِهِ (وَيَلْزَمُهُ) تَسْلِيمُ (تِسْعَةٍ) وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فِي تَعْيِينِ الْمُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ (فَإِنْ مَاتُوا) إلَّا وَاحِدًا (أَوْ قُتِلُوا) إلَّا وَاحِدًا (أَوْ غُصِبُوا إلَّا وَاحِدًا، فَقَالَ هُوَ الْمُسْتَثْنَى؛ قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَسَائِرُ أَدَوَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي ذَلِكَ كَإِلَّا؛ فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ سِوَى دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرَ دِرْهَمٍ بِالنَّصْبِ أَوْ لَيْسَ دِرْهَمًا أَوْ خَلَا أَوْ عَدَا أَوْ حَاشَا؛ دِرْهَمًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 677 وَنَحْوَهُ؛ فَهُوَ مُقِرٌّ بِتِسْعَةٍ، وَإِنْ قَالَ: غَيْرُ دِرْهَمٍ - بِضَمِّ الرَّاءِ - وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ؛ كَانَ مُقِرًّا بِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ صِفَةً لِلْعَشَرَةِ الْمُقَرِّ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ اسْتِثْنَائِيَّةً كَانَتْ مَنْصُوبَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الِاسْتِثْنَاءَ وَضَمُّهَا جَهْلٌ مِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ. وَإِنْ قَالَ لَهُ؛ أَيْ: فُلَانٌ (هَذِهِ الدَّارُ وَلِي نِصْفُهَا، أَوْ قَالَ إلَّا نِصْفَهَا، أَوْ قَالَ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ أَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِي؛ قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ بِمَا يُخَالِفُهُ (وَلَوْ كَانَ الْبَيْتُ أَكْثَرَهَا) ؛ أَيْ: الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ جَعَلَتْ الْإِقْرَارَ فِيمَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى؛ فَالْمُقَرُّ بِهِ مُعَيَّنٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ (إنْ قَالَ) لَهُ الدَّارُ إلَّا (ثُلُثَيْهَا وَنَحْوَهُ) كَالثَّلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا أَوْ خَمْسَةِ أَسْدَاسِهَا؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ شَائِعٌ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ. وَإِنْ قَالَ عَنْ آخَرَ: لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمَانِ وَثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ) أَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا، يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ فِيهِمَا) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورِينَ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ عُودَهُ إلَى مَا يَلِيه مُتَيَقَّنٌ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَاسْتِثْنَاءُ الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ ثَلَاثَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ (عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْمُقِرَّ (دِرْهَمَانِ) لِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا يَلِيه، لِمَا تَقَدَّمَ؛ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِلْكُلِّ (وَ) إنْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا أَوْ) لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ (إلَّا دِينَارًا يَلْزَمُهُ الْمِائَةُ) دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَرَفَ اللَّفْظَ بِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ عَمَّا كَانَ يَقْتَضِيه لَوْلَاهُ، وَغَيْرُ الْجِنْسِ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً تَجَوُّزًا، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاكٌ وَلَا دَخْلَ لَهُ فِي الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلْمُقَرِّ بِهِ فَإِذَا دَخَلَ الِاسْتِدْرَاكُ بَعْدَهُ كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ جُمْلَةً كَقَوْلِهِ لَهُ عِنْدِي مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لِي عَلَيْهِ، كَانَ مُقِرًّا بِشَيْءٍ مُدَّعِيًا لِشَيْءٍ سِوَاهُ؛ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ، وَتَبْطُلُ دَعْوَاهُ. وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ، وَإِلَّا ثَلَاثَةٌ؛ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ. وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (عَشَرَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 678 آصُعَ تَمْرٍ بَرْنِيِّ إلَّا ثَلَاثَةَ آصُعَ تَمْرٍ مَعْقِلِيٍّ؛ لَزِمَهُ) الْعَشَرَةُ مِنْ التَّمْرِ الْبَرْنِيِّ، وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ النَّوْعِ. (وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} [الحجر: 58] {إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 59] {إِلا امْرَأَتَهُ} [الحجر: 60] وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إبْطَالٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ رُجُوعٌ إلَى مُوجِبِ الْإِقْرَارِ، فَمَنْ قَالَ عَنْ آخَرَ (لَهُ عَلَيَّ سَبْعَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ) لِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا قَبْلَهُ، فَقَدْ اسْتَثْنَى دِرْهَمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ، فَبَقِيَ اثْنَانِ اسْتَثْنَاهُمَا مِنْ السَّبْعَةِ، فَبَقِيَ خَمْسَةٌ؛ فَهِيَ الْمُقَرُّ بِهَا (وَكَذَا) . يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمَيْنِ إلَّا دِرْهَمًا) لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْخَمْسَةِ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ مِنْ النِّصْفِ؛ فَيَبْطُلُ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ، وَفِيهَا أَوْجُهٌ أُخَرٌ مِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى دِرْهَمًا مِنْ دِرْهَمَيْنِ، فَبَقِيَ دِرْهَمٌ اسْتَثْنَاهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ (بَقِيَ دِرْهَمَانِ اسْتَثْنَاهُمَا) مِنْ خَمْسَةٍ، بَقِيَ ثَلَاثَةٌ اسْتَثْنَاهَا مِنْ عَشَرَةٍ؛ بَقِيَ سَبْعَةٌ، وَهَذَا مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةً إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً؛ يَقَعُ ثِنْتَانِ، (وَبَطَلَ) الِاسْتِثْنَاءُ كُلُّهُ (فِيمَا) إذَا قَالَ (لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمًا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ فَكَذَا فَرْعُهُ (وَ) إنْ أَتَى بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَعْطُوفًا، كَقَوْلِهِ (لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً، وَإِلَّا دِرْهَمَانِ؛ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ) لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 679 [فَصْلٌ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ إلَى كَذَا] فَصْلٌ (إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ إلَى كَذَا؛ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي تَأْجِيلِهِ) نَصًّا لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِهَا بِصِفَةِ التَّأْجِيلِ؛ فَلَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَذَلِكَ، كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ سَوْدَاءُ (حَتَّى وَلَوْ عَزَّاهُ) ؛ أَيْ: الْأَلْفَ (إلَى سَبَبٍ قَابِلٍ لِلْأَمْرَيْنِ) ؛ أَيْ: الْحَوْلِ وَالتَّأْجِيلِ كَثَمَنِ مَبِيعٍ وَأُجْرَةٍ وَضَمَانٍ وَصَدَاقٍ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (وَسَكَتَ مَا) ؛ أَيْ: زَمَنًا (يُمْكِنُهُ كَلَامٌ فِيهِ ثُمَّ قَالَ مُؤَجَّلَةٌ أَوْ زُيُوفٌ) ؛ أَيْ: رَدِيئَةٌ (أَوْ صِغَارٌ؛ لَزِمَتْهُ) الْأَلْفُ (حَالَّةٌ جِيَادٌ وَافِيَةٌ) لِحُصُولِ الْإِقْرَارِ بِهَا مُطْلَقًا؛ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْجَيِّدِ الْحَالِّ الْوَافِي، وَمَا أَتَى بِهِ بَعْدَ سُكُوتِهِ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا (إلَّا مَنْ بِبَلَدٍ أَوْزَانُهُمْ) ؛ أَيْ، أَهْلِهَا (نَاقِصَةٌ أَوْ نَقْدُهُمْ مَغْشُوشٌ فَيَلْزَمُهُمْ مِنْ دَرَاهِمِهَا) ؛ أَيْ: تِلْكَ الْبَلْدَةِ؛ لِانْصِرَافِ الْإِطْلَاقِ إلَى نَقْدِهَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُك وَأَجَرْتُك وَنَحْوَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ؛ انْصَرَفَ إلَيْهِ وَلَوْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ زُيُوفٌ؛ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ) ؛ أَيْ: الزُّيُوفَ (بِمَغْشُوشَةٍ) لِأَنَّهَا تُسَمَّى زُيُوفًا، وَالزُّيُوفُ هِيَ الْمَطْلِيَّةُ بِالزِّئْبَقِ بِمُزَاوَجَةِ الْكِبْرِيتِ، وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُ الزُّيُوفِ (بِمَا لَا فِضَّةَ فِيهِ) وَلَا قِيمَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَرَاهِمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ فَيَكُونُ تَفْسِيرُهُ بِهِ رُجُوعًا عَنْ إقْرَارِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ، وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ (وَإِنْ قَالَ:) لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ (صِغَارٌ قُبِلَ تَفْسِيرُهَا بِنَاقِصَةٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَهِيَ دَرَاهِمُ طَبَرِيَّةٌ كُلُّ دِرْهَمٍ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ، وَذَلِكَ ثُلُثَا دِرْهَمٍ. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت وَلَعَلَّهُ إذَا كَانَ بِالشَّامِ، وَإِلَّا فَمَا الْمَانِعُ مِنْ إرَادَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 680 الْيَمَنِيَّةِ أَوْ الْخُرَاسَانِيَّةِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ (وَإِنْ قَالَ لَهُ) عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ (نَاقِصَةٍ) فَيَلْزَمُهُ دَرَاهِمُ نَاقِصَةٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ نَاقِصَةً كَانَ إقْرَارُهُ مُقَيَّدًا، وَإِنْ كَانَتْ وَازِنَةً كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ (وَإِنْ قَالَ لَهُ) عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ (وَازِنَةٍ؛ لَزِمَهُ الْعَدَدُ وَالْوَزْنُ) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِهِ (وَإِنْ قَالَ: لَهُ) عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ (عَدَدًا وَلَيْسَ الْمُقِرُّ بِبَلَدٍ يَتَعَامَلُونَ) ؛ أَيْ: أَهْلُهُ (بِهَا) ؛ أَيْ: الدَّرَاهِمَ (عَدَدًا، لَزِمَاهُ) ؛ أَيْ: الْعَدَدُ وَالْوَزْنُ؛ لِقَوْلِهِ مِائَةٌ وَالْوَزْنُ لِلْعُرْفِ (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ) وَأَطْلَقَ، أَوْ قَالَ (دِرْهَمٌ كَبِيرٌ أَوْ قَالَ دُرَيْهِمٌ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ إسْلَامِيٌّ وَازِنٌ) لِأَنَّهُ كَبِيرٌ عُرْفًا وَالتَّصْغِيرُ قَدْ يَكُونُ لِصِغَرٍ فِي ذَاتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لِقِلَّةِ قَدْرِهِ عِنْدَهُ أَوْ لِمَحَبَّتِهِ. (وَيَتَّجِهُ) إلْزَامُهُ بِدِرْهَمٍ إسْلَامِيٍّ وَازِنٍ (إلَّا مَعَ عُرْفٍ) فَإِنْ كَانَ عُرْفٌ (بِخِلَافِهِ) كَعُرْفِ مِصْرَ فِي السَّابِقِ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِمِ، فَيُعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) إنْ قَالَ (لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ، وَفَسَّرَهُ - وَلَوْ مُنْفَصِلًا - بِدَيْنٍ أَوْ بِوَدِيعَةٍ قُبِلَ) قَالَ فِي " الشَّرْحِ " لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ لَفْظَهُ بِمَا يَقْتَضِيه (فَلَوْ) فَسَّرَهُ بِوَدِيعَةٍ ثُمَّ (قَالَ مُتَّصِلًا قَبَضَهُ أَوْ) قَالَ (تَلِفَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ (وَ) إنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ قَالَ (مُنْفَصِلًا) هُوَ وَدِيعَةٌ؛ قُبِلَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ الْأَمَانَةَ (أَوْ قَالَ ظَنَنْته) ؛ أَيْ: الْأَلْفَ الْوَدِيعَةَ (بَاقِيًا ثُمَّ عَلِمْت تَلَفَهُ) ؛ قُبِلَ مِنْ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ؛ لِثُبُوتِ أَحْكَامِ الْوَدِيعَةِ بِتَفْسِيرِهِ الْوَدِيعَةِ (وَإِنْ قَالَ) مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ: هُوَ (رَهْنٌ فَقَالَ الْمُدَّعِي) بَلْ وَدِيعَةٌ؛ فَقَوْلُ مُدَّعٍ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ بِهِ تَعَلُّقًا؛ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ بِكَلَامٍ مُنْفَصِلٍ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَارٍ، وَقَالَ اسْتَأْجَرْتهَا سَنَةً أَوْ بِثَوْبٍ، وَقَالَ: قَصَّرْته لَهُ بِدَرَاهِمَ، أَوْ خِطْته إلَّا بِبَيِّنَةٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 681 (أَوْ قَالَ) لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ (مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبِضْهُ) فَقَالَ مُقَرٌّ لَهُ بَلْ (هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِك؛ فَقَوْلُ مُدَّعٍ) بِيَمِينِهِ أَنَّهُ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ لَهُ بِدَيْنٍ، وَادَّعَى عَلَيْهِ مَبِيعًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، وَلِي عِنْدَهُ مَبِيعٌ لَمْ أَقْبِضْهُ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، وَفَسَّرَهُ مُتَّصِلًا بِوَدِيعَةٍ؛ قُبِلَ، أَوْ قَالَ لِزَيْدٍ (فِي ذِمَّتِي أَلْفٌ وَفَسَّرَهُ مُتَّصِلًا بِوَدِيعَةٍ؛ قُبِلَ) لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَرَدُّهَا. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ قَبُولِ تَفْسِيرِهِ إنْ كَانَ (مِنْ جَاهِلٍ) أَمَّا إنْ كَانَ تَفْسِيرُهُ مِنْ عَالِمٍ؛ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى تَلَفِهَا) لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَقْتَضِي أَنَّهَا عَلَيْهِ، وَدَعْوَاهُ تَلَفَهَا يَقْتَضِي أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ؛ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، بِخِلَافِ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ وَدِيعَةٍ، وَتَلِفَتْ؛ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ لُزُومِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ زَمَنٍ مَاضٍ؛ فَلَا تَنَاقُضَ (إلَّا إذَا انْفَصَلَتْ عَنْ تَفْسِيرِهِ) فَيُقْبَلُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ الْأَمَانَةَ، وَلَا مَانِعَ. قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَإِنْ قَالَ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ (وَأَحْضَرَهُ) ؛ أَيْ: الْأَلْفَ (وَقَالَ هُوَ) ؛ أَيْ: الْأَلْفُ الَّذِي أَقْرَرْت بِهِ (هَذَا، وَهُوَ وَدِيعَةٌ، فَقَالَ مُقَرٌّ لَهُ: هَذَا وَدِيعَةٌ، وَمَا أَقْرَرْت بِهِ دَيْنٌ صُدِّقَ) مُقَرٌّ لَهُ بِيَمِينِهِ، صَحَّحَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ (لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ رَدَدْتهَا) إلَيْهِ أَوْ تَلِفَتْ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ أَوْ التَّلَفِ، وَضَمِنَهَا؛ لِلتَّنَاقُضِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي مِائَةٌ وَدِيعَةً بِشَرْطِ الضَّمَانِ؛ لَغَا وَصْفُهُ لَهَا بِالضَّمَانِ؛ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَى عَقْدِهَا، وَبَقِيَتْ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 682 الضَّمَانِ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَإِنْ قَالَ لَهُ (فِي هَذَا الْمَالِ أَلْفٌ، أَوْ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ نِصْفُهَا) فَهُوَ إقْرَارٌ (وَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ) ؛ أَيْ: الْأَلْفِ أَوْ نِصْفِ الدَّارِ إلَى مُقَرٍّ لَهُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِإِنْشَاءِ هِبَةٍ) أَيْ: أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَهَبَهُ إيَّاهُ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَكَذَا قَوْلُهُ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ) فَهُوَ إقْرَارٌ (وَهُوَ دَيْنٌ عَلَى التَّرِكَةِ) لِإِضَافَتِهِ إلَى مِيرَاثِ أَبِيهِ، وَمَالُ الْمَيِّتِ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِرْثِ أَوْ الدَّيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا تَعَيَّنَ الدَّيْنُ. [تَنْبِيهٌ قَالَ مُكَلَّفٌ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو] تَنْبِيهٌ: وَإِنْ قَالَ مُكَلَّفٌ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو؛ صَحَّ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ لَا إنْشَاءٌ، وَإِضَافَتُهُ إلَيْهِ لَا تَمْنَعُ كَوْنَهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُ أَوْ عَامِلًا لَهُ فِي مُضَارَبَةٍ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ يَدٌ أَوْ وِلَايَةٌ، وَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] . وَقَالَ فِي النِّسَاءِ {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] . (وَيَصِحُّ) قَوْلُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفٌ، أَوْ فِيهِ أَلْفٌ، أَوْ لَهُ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ، أَوْ لَهُ فِيهِ نِصْفٌ أَوْ لَهُ دَارِي هَذِهِ، أَوْ لَهُ نِصْفُهَا، أَوْ لَهُ مِنْهَا نِصْفُهَا أَوْ لَهُ فِيهَا نِصْفُهَا) فَيَصِحُّ كُلُّهُ إقْرَارًا (وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِحَقٍّ لَزِمَنِي) لِجَوَازِ إضَافَةِ الْإِنْسَانِ إلَى نَفْسِهِ مَالَ غَيْرِهِ؛ لِاخْتِصَاصٍ لَهُ بِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ فَسَّرَهُ) ؛ أَيْ: إقْرَارَهُ بِذَلِكَ (بِهِبَةٍ، وَقَالَ بَدَا لِي مِنْ تَقْبِيضِهِ؛ قُبِلَ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَقْبِيضِهِ، لِأَنَّهُ الْهِبَةُ لَا تَلْزَمُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ قَالَ (لَهُ الدَّارُ ثُلُثَاهَا) أَوْ قَالَ لَهُ الدَّارُ (عَارِيَّةٌ، أَوْ قَالَ: لَهُ الدَّارُ هِبَةً، أَوْ) قَالَ لَهُ الدَّارُ (هِبَةَ سُكْنَى، أَوْ) قَالَ لَهُ الدَّارُ (هِبَةَ عَارِيَّةٍ؛ عَمِلَ بِالْبَدَلِ) وَهُوَ قَوْلُهُ ثُلُثَاهَا أَوْ هِبَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ، وَلَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ بِآخِرِ كَلَامِهِ مَا دَخَلَ بِأَوَّلِهِ، وَهُوَ بَدَلُ بَعْضٍ فِي الْأَوَّلِ، وَاشْتِمَالٍ فِيمَا بَعْدَهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ الدَّارُ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَالْهِبَةُ بَعْضُ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ؛ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ مِلْكُ الدَّارِ هِبَةً، وَحِينَئِذٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 683 (يُعْتَبَرُ شَرْطُ هِبَةٍ) مِنْ الْعِلْمِ بِالْمَوْهُوبِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ وُجِدَ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا. (وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَهَبَ) زَيْدًا كَذَا (وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ) أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ (رَهَنَ) زَيْدًا كَذَا (وَأَقْبَضَهُ، أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَأُجْرَةٍ وَمَبِيعٍ (ثُمَّ قَالَ مَا أَقَبَضَتْ) الْهِبَةَ وَلَا الرَّهْنَ (وَلَا قَبَضْت) الثَّمَنَ وَنَحْوَهُ (وَهُوَ غَيْرُ جَاحِدٍ لِإِقْرَارِهِ) بِالْإِقْبَاضِ أَوْ الْقَبْضِ - وَلَا بَيِّنَةَ - وَسَأَلَ إحْلَافَ خَصْمِهِ، لَزِمَهُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْإِقْرَارِ بِذَلِكَ قَبْلَهُ؛ أَوْ بَاعَ وَوَهَبَ وَنَحْوَهُ (وَادَّعَى أَنْ الْعَقْدَ وَقَعَ تَلْجِئَةً أَوْ فَاسِدًا) وَلَا بَيِّنَةَ بِذَلِكَ (وَسَأَلَ إحْلَافَ خَصْمِهِ عَلَى ذَلِكَ) . (لَزِمَهُ) الْحَلِفُ لِاحْتِمَالِ صِحَّةِ قَوْلِ خَصْمِهِ فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ (وَلَوْ أَقَرَّ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ (بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إقْبَاضِ) رَهْنٍ وَنَحْوِهِ (ثُمَّ ادَّعَى فَسَادَهُ) ؛ أَيْ الْمُقَرِّ بِهِ (وَأَنَّهُ أَقَرَّ يَظُنُّ الصِّحَّةَ؛ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْمُقِرِّ (فَإِنْ نَكَلَ) الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْيَمِينِ (حَلَفَ هُوَ) ؛ أَيْ: مُدَّعِي الْفَسَادِ (بِبُطْلَانِهِ) وَبَرِئَ مِنْهُ. (وَمَنْ بَاعَ شَيْئًا، أَوْ وَهَبَ) شَيْئًا (أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا، أَوْ أَقَرَّ بِهِ) ؛ أَيْ: بِمَا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ (لِغَيْرِهِ، لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ عَلَى مُشْتَرٍ أَوْ مُتَّهَبٍ أَوْ عَتِيقٍ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى بَعْدَ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ أَنَّ الْمَبِيعَ رَهْنٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ، وَيَلْزَمُهُ (أَنْ يَغْرَمَهُ) ؛ أَيْ: يَغْرَمَ بَدَلَهُ (لِلْمُقَرِّ لَهُ) لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِتَصَرُّفِهِ فِيهِ (وَإِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ مَا بِعْته أَوْ وَهَبْته وَنَحْوَهُ) ، ثُمَّ مَلَكْته بَعْدَهُ؛ أَيْ: بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا (قُبِلَ قَوْلُهُ بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِهِ (مَا لَمْ يُكَذِّبْهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةَ (بِأَنْ كَانَ أَقَرَّ أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعَ أَوْ الْمَوْهُوبَ وَنَحْوَهُ (مِلْكُهُ، أَوْ قَالَ: قَبَضْت ثَمَنَ مِلْكِي، أَوْ قَالَ: بِعْتُك عَبْدِي هَذَا) أَوْ بِعْتُك أَوْ وَهَبْتُك مِلْكِي هَذَا، فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِخِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ إنَّمَا تَصَرَّفَ فِيمَا لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 684 قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَا إذَا ادَّعَى بَائِعٌ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقْفًا عَلَيْهِ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مَلَكَهُ الْآنَ. (وَمَنْ قَالَ قَبَضْت مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ فُلَانٍ (أَلْفًا وَدِيعَةً، فَتَلِفَتْ، فَقَالَ) مُقَرٌّ لَهُ: بَلْ الْأَلْفُ (ثَمَنُ مَبِيعٍ لَمْ تُقْبِضْنِيهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ) الْمُقِرُّ الْأَلْفَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ ضَمَانِهَا، وَحَلَفَ عَلَى مَا يُنْكِرُهُ (وَيَضْمَنُ) الْمُقِرُّ الْأَلْفَ (إنْ قَالَ) قَبَضْت مِنْهُ أَلْفًا وَدِيعَةً، فَقَالَ: بَلْ (قَبَضَتْهُ غَصْبًا) لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِكُلِّ حَالٍ كَقَوْلِ مُقِرٍّ (أَعْطَيْتنِي أَلْفًا وَدِيعَةً فَتَلِفَتْ) فَقَالَ مُقَرٌّ لَهُ: بَلْ أَخَذْت مِنِّي الْأَلْفَ (غَصْبًا) فَيَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُقْبِضْهُ الْأَلْفَ، وَضَمِنَهُ الْمُقِرُّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلِ الدَّافِعِ بِقَوْلِهِ أَعْطَيْتنِي. [فَصْلٌ قَالَ غَصَبْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ زَيْدٍ لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو] فَصْلٌ (وَمَنْ، قَالَ غَصَبْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ زَيْدٍ لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو) فَهُوَ لِزَيْدٍ؛ لِإِقْرَارِهِ بِهِ لَهُ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو (أَوْ قَالَ غَصَبْتُهُ مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ زَيْدٍ (وَغَصَبَهُ هُوَ مِنْ عَمْرٍو) فَهُوَ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْغَصْبِ مِنْهُ تَضَمَّنَ كَوْنَهُ لَهُ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو، أَوْ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ أَوْ الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ (لِزَيْدٍ، لَا بَلْ لِعَمْرٍو) فَهُوَ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمِلْكِ لَهُ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو، لِإِقْرَارِهِ بِهِ لَهُ، وَتَفْوِيتِ عَيْنِهِ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لِزَيْدٍ أَوَّلًا (أَوْ قَالَ مِلْكُهُ لِعَمْرٍو، وَغَصَبْته مِنْ زَيْدٍ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ أَوْ مُنْفَصِلٍ، فَهُوَ لِزَيْدٍ) لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْيَدِ (وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ) لِعَمْرٍو؛ لِإِقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ لَهُ، وَلِوُجُودِ الْحَيْلُولَةِ بِالْإِقْرَارِ بِالْيَدِ لِزَيْدٍ، وَإِنْ قَالَ (غَصَبْتُهُ مِنْ زَيْدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 685 وَمِلْكُهُ لِعَمْرٍو، فَهُوَ لِزَيْدٍ) لِإِقْرَارِهِ بِالْيَدِ لَهُ (وَلَا يَغْرَمُ لِعَمْرٍو شَيْئًا) لِأَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ لَهُ بِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَهِدَ بِمَالٍ بِيَدِ غَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ (غَصَبْتُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا) أَوْ هُوَ لِأَحَدِهِمَا، صَحَّ الْإِقْرَارُ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ (وَلَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الْمُقِرَّ (تَعْيِينُهُ) ؛ أَيْ: الْمَالِكَ مِنْهُمَا لِيَدْفَعَ إلَيْهِ (وَيَحْلِفُ لِلْآخِرِ) إنْ (طَلَبَ) لِتَكُونَ الْيَمِينُ سَبَبًا لِرَدِّ الْعَبْدِ أَوْ بَدَلِهِ، وَلَا يَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِشَيْءٍ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ خِلَافًا لَهُ، وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ النَّاسِخِ. (وَإِنْ قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ) ؛ أَيْ: الْمَالِكَ مِنْهُمَا (فَصَدَّقَاهُ) أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ (اُنْتُزِعَ) الْمَغْصُوبُ (مِنْ يَدِهِ) لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ (وَكَانَا فِيهِ خَصْمَيْنِ) لِادِّعَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا إيَّاهُ (فَإِنَّ كَذَّبَاهُ) بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لِي، وَلَمْ تُبَيِّنْ ذَلِكَ (حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً) أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُ بِهَا، وَإِلَّا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ حَلَفَ وَأَخَذَهُ، ثُمَّ إنْ عَيَّنَ الْغَاصِبُ أَحَدَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ، قُبِلَ مِنْهُ، وَكَانَ لِمَنْ عَيَّنَهُ لَهُ، كَمَا لَوْ بَيَّنَهُ، قَبْلُ وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَنْ هُوَ لَهُ مِنْهُمَا، سَلَّمَ إلَى أَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ، وَغَرِمَ قِيمَتَهُ لِلْآخَرِ. وَمَنْ بِيَدِهِ عَبْدَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِزَيْدٍ، فَادَّعَى عَلَيْهِ زَيْدٌ بِمُوجِبِ إقْرَارِهِ، طُولِبَ بِالْبَيَانِ؛ فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا فَصَدَقَهُ زَيْدٌ؛ أَخَذَهُ، وَإِنْ قَالَ زَيْدٌ هَذَا لِي وَالْعَبْدُ الْآخَرُ كَذَلِكَ، فَعَلَى الْمُقِرِّ فِي الَّذِي يُنْكِرُهُ الْيَمِينُ وَإِنْ ادَّعَى زَيْدٌ الْعَبْدَ الْآخَرَ وَحْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِيَمِينِهِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَنْكَرَهُ؛ وَلَا يَدْفَعُ إلَى زَيْدٍ الْعَبْدَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى إقْرَارِهِ. وَإِنْ أَبَى التَّعْيِينَ فَعَيَّنَهُ الْمُقِرُّ لَهُ، وَقَالَ هَذَا عَبْدِي؛ طُولِبَ الْمُقِرُّ بِالْجَوَابِ، فَإِنْ أَنْكَرَ حُلِّفَ، وَكَانَ كَمَا لَوْ عَيَّنَ الْعَبْدَ الْآخَرَ؛ وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ فَهُوَ كَتَعْيِينِهِ. وَمَنْ بِيَدِهِ نَحْوُ عَبْدٍ فَقَالَ (أَخَذْتُهُ مِنْ زَيْدٍ) فَطَلَبَهُ زَيْدٌ (لَزِمَ رَدُّهُ لَهُ لِاعْتِرَافِهِ) لَهُ (بِالْيَدِ، وَإِنْ قَالَ مَلَكْتُهُ) عَلَى يَدِ زَيْدٍ (أَوْ قَالَ قَبَضْته) عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 686 يَدِ زَيْدٍ أَوْ قَالَ وَصَلَ إلَيَّ عَلَى (يَدِهِ) ؛ أَيْ: زَيْدٍ (لَمْ يُعْتَبَرْ لِزَيْدٍ قَوْلٌ) مِنْ تَصْدِيقٍ أَوْ ضِدِّهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ بِيَدٍ، بَلْ كَانَ سَفِيرًا. (وَمَنْ قَالَ: لِزَيْدٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَإِلَّا يَكُنْ) لِزَيْدٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَلِعَمْرٍو عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ (أَوْ) قَالَ (لِزَيْدٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَإِلَّا يَكُنْ) لِزَيْدٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ (فَلِعَمْرٍو عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ؛ فَهِيَ) ؛ أَيْ: الْمِائَةُ دِرْهَمٍ (لِزَيْدٍ) لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِهَا (وَلَا شَيْءَ لِعَمْرٍو) لِأَنَّ إقْرَارَهُ مُعَلَّقٌ؛ فَلَا يَصِحُّ (وَمَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِأَلْفٍ فِي وَقْتَيْنِ، فَإِنْ ذَكَرَ) فِي إقْرَارِهِ (مَا) ؛ أَيْ: شَيْئًا (يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ كَسَبَبَيْنِ) كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ قَرْضٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ، (أَوْ أَجَلَيْنِ) ، كَقَوْلِهِ: أَلْفٌ مَحِلُّهُ رَجَبٌ، وَقَوْلِهِ: أَلْفٌ مَحِلُّهُ شَهْرُ رَمَضَانَ، (أَوْ سَكَنَيْنِ) كَقَوْلِهِ لَهُ أَلْفٌ ضَرْبُ مِصْرَ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ضَرْبُ إسلامبول (لَزِمَهُ أَلْفَانِ) لِأَنَّ أَحَدَهُمَا غَيْرُ الْآخِرِ فَهُوَ مُقِرٌّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى صِفَةٍ فَوَجَبَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِمَا دُفْعَةً وَاحِدَةً (وَإِلَّا) يَذْكُرْ مَا يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ؛ لَزِمَهُ أَلْفٌ وَاحِدٌ (وَلَوْ تَكَرَّرَ الْإِشْهَادُ) لَهُ عَلَيْهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ كَرَّرَ الْخَبَرَ عَنْ الْأَوَّلِ، كَإِخْبَارِهِ تَعَالَى عَنْ إرْسَالِ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ الْمَذْكُورُ مِنْهُمْ فِي قِصَّةٍ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْأُخْرَى، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ (وَإِنْ قَيَّدَ أَحَدَهُمَا) ؛ أَيْ: الْأَلْفَيْنِ (بِشَيْءٍ) كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ قَرْضٍ؛ ثُمَّ يَقُولُ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، وَيُطْلِقُ (حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ) ، أَيْ: الْمُقَيَّدِ، وَيَلْزَمُهُ أَلْفٌ فَقَطْ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ قَالَ الْأَزَجِيُّ: وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنْ الْمُقَرَّ لَهُ أَقَرَّ فِي شَعْبَانَ بِقَبْضِ خَمْسِمِائَةٍ، وَبَيِّنَةً أَنَّهُ أَقَرَّ فِي رَمَضَانَ بِقَبْضِ ثَلَاثِمِائَةٍ، وَبَيِّنَةً أَنَّهُ أَقَرَّ فِي شَوَّالٍ بِقَبْضِ مِائَتَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا قَبْضُ خَمْسِمِائَةٍ، وَالْبَاقِي تَكْرَارٌ، وَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَاتُ بِالْقَبْضِ فِي شَعْبَانَ وَفِي شَوَّالٍ؛ ثَبَتَ الْكُلُّ، لِأَنَّ هَذِهِ تَوَارِيخُ الْمَقْبُوضِ؛ وَالْأَوَّلُ تَوَارِيخُ الْإِقْرَارِ. (وَإِنْ ادَّعَى اثْنَانِ نَحْوَ دَارٍ) كَحَائِطٍ أَوْ حَانُوتٍ (بِيَدِ غَيْرِهِمَا شَرِكَةً بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، فَأَقَرَّ) مَنْ هِيَ بِيَدِهِ (لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا؛ فَالنِّصْفُ الْمُقَرُّ بِهِ بَيْنَهُمَا) لِاعْتِرَافِهِ أَنَّ الدَّارَ لَهُمَا عَلَى الشُّيُوعِ، فَمَا غَصَبَهُ الْغَاصِبُ فَهُوَ مِنْهُمَا، وَالْبَاقِي لَهُمَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 687 [فَصْلٌ قَالَ بِمَرَضِ مَوْتِهِ هَذَا الْأَلْفُ لُقْطَةٌ فَتَصَدَّقُوا بِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ] فَصْلٌ (وَمَنْ قَالَ بِمَرَضِ مَوْتِهِ) الْمَخُوفِ (هَذَا الْأَلْفُ لُقْطَةٌ؛ فَتَصَدَّقُوا بِهِ - وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ لَزِمَ الْوَرَثَةَ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهِ) ؛ أَيْ: الْأَلْفِ (وَلَوْ كَذَّبُوهُ) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهُ لُقَطَةٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالصَّدَقَةِ بِهِ دَلَّ عَلَى تَعَدِّيه بِهِ فِيهِ، وَنَحْوه مِمَّا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَهُوَ إقْرَارٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ، فَوَجَبَ امْتِثَالُهُ كَإِقْرَارِهِ فِي الصِّحَّةِ. (وَمَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى مَيِّتٍ، وَهُوَ جَمِيعُ تَرِكَتِهِ فَصَدَّقَهُ الْوَرَثَةُ، ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَصَدَقُوهُ فِي مَجْلِسٍ) وَاحِدٍ؛ فَالتَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كُلَّهَا كَحَالَةٍ وَاحِدَةٍ، بِدَلِيلِ الْقَبْضِ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ وَالْخِيَارِ وَلُحُوقِ الزِّيَادَةِ بِالْعَقْدِ، وَإِلَّا يَكُنْ تَصْدِيقُ الْوَرَثَةِ لِلْمُدَّعِي ثَابِتًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؛ فَالتَّرِكَةُ كُلُّهَا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُمْ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِحَقٍّ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي مُشَارَكَةَ الْأَوَّلِ فِي التَّرِكَةِ، وَيُنْقِصُ حَقَّهُ مِنْهَا (وَإِنْ أَقَرُّوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ (بِهَا) ؛ أَيْ: التَّرِكَةِ وَلَا دَيْنَ (لِزَيْدٍ ثُمَّ) أَقَرُّوا بِهَا (لِعَمْرٍو؛ فَهِيَ لِزَيْدٍ) سَوَاءٌ أَقَرُّوا فِي مَجْلِسٍ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِزَيْدٍ بِالْإِقْرَارِ لَهُ بِهَا؛ فَإِقْرَارُهُمْ لِعَمْرٍو إقْرَارٌ بِمِلْكِ الْغَيْرِ (وَيَغْرَمُونَهَا) ؛ أَيْ: يَغْرَمُ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ؛ أَيْ: بَدَلَهَا (لِعَمْرٍو) لِأَنَّهُمْ فَوَّتُوهَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِمْ بِهَا لِزَيْدٍ (وَإِنْ أَقَرُّوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ بِالتَّرِكَةِ (لَهُمَا) ؛ أَيْ: لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو (مَعًا) أَيْ: بِلَفْظٍ وَاحِدٍ؛ فَالتَّرِكَةُ (بَيْنَهُمَا) سَوِيَّةٌ؛ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ (فَهِيَ لَهُ) لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ بِإِقْرَارِهِمْ (يَحْلِفُونَ لِلْآخَرِ) إنْ ادَّعَاهَا - وَلَا بَيِّنَةَ - لِإِنْكَارِهِمْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 688 (وَمَنْ خَلَفَ ابْنَيْنِ) أَوْ شَقِيقَيْنِ مِنْ أَخَوَيْنِ أَوْ عَمَّيْنِ وَنَحْوَهَا (وَمِائَتَيْنِ، وَادَّعَى شَخْصٌ مِائَةَ دِينَارٍ عَلَى الْمَيِّتِ، فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الْوَارِثَيْنِ، وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ (الْآخَرُ؛ لَزِمَ الْوَارِثَ الْمُقِرَّ نِصْفُهَا) ؛ أَيْ: الْمِائَةِ لِإِقْرَارِهِ بِهَا عَلَى أَبِيهِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ دَيْنِهِ، وَلِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ وَأَخِيهِ؛ فَقُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ أَخِيهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْمُقِرُّ بِالْمِائَةِ (عَدْلًا، وَيَشْهَدُ) بِهَا لِمُدَّعِيهَا (وَيَحْلِفُ مُدَّعِيهَا مَعَهُ؛ فَيَأْخُذُهَا) كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهَا غَيْرُهُ وَحَلَفَ (وَتَكُونُ الْمِائَةُ الْبَاقِيَةُ بَيْنَ الِابْنَيْنِ) أَوْ الْأَخَوَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنْ كَانَ ضَامِنًا لِمُورِثِهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَخِيهِ؛ لِدَفْعِهِ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا (وَإِنْ خَلَفَ مَيِّتٌ ابْنَيْنِ) أَوْ نَحْوَهُمَا (وَقِنَّيْنِ) عَبْدَيْنِ أَوْ أَمَتَيْنِ أَوْ عَبْدًا وَأَمَةً (مُتَسَاوِيَيْ الْقِيمَةِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا، فَقَالَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ) عَنْ أَحَدِ الْقِنَّيْنِ (أَبِي أَعْتَقَ هَذَا بِمَرَضِ مَوْتِهِ) الْمَخُوفِ، وَقَالَ الِابْنُ الْآخَرُ عَنْ الْقِنِّ الْآخَرِ بَلْ أَعْتَقَ (هَذَا) (عَتَقَ مِنْ كُلٍّ) مِنْ الْقِنَّيْنِ (ثُلُثُهُ، وَصَارَ لِكُلِّ ابْنٍ) مِنْ الِابْنَيْنِ سُدُسُ (مَنْ أَقَرَّ بِعِتْقِهِ) مِنْ الْقِنَّيْنِ (وَنِصْفُ الْقِنِّ الْآخَرِ) الْمُنْكَرِ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلٍّ مِنْ الِابْنَيْنِ نِصْفُ الْقِنَّيْنِ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عِتْقِ حَقِّهِ مِمَّنْ عَيَّنَهُ، وَهُوَ ثُلُثُ النِّصْفِ الَّذِي هُوَ لَهُ، وَهُوَ ثُلُثُ جَمِيعِهِ، وَلِأَنَّهُ يَعْتَرِفُ بِحُرِّيَّةِ ثُلُثَيْهِ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّهِ مِنْهُمَا، وَهُوَ الثُّلُثُ وَيَبْقَى الرِّقُّ فِي ثُلُثِ النِّصْفِ، وَهُوَ سُدُسٌ وَنِصْفٌ الَّذِي يُنْكِرُ عِتْقَهُ. (وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الِابْنَيْنِ عَنْ قِنٍّ مِنْ الْقِنَّيْنِ (أَبِي أَعْتَقَ هَذَا، وَقَالَ الِابْنُ الْآخَرُ أَبِي أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا وَأَجْهَلُهُ؛ أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: الْقِنَّيْنِ؛ لِتَعَيُّنِ مَنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ (فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الِابْنَيْنِ مِنْ الْقِنَّيْنِ (عَتَقَ ثُلُثَاهُ) كَمَا لَوْ عَيَّنَاهُ بِقَوْلِهَا (إنْ لَمْ يُجِيزَا) عَتَقَ بَاقِيه، فَإِذَا أَجَازَاهُ؛ عَتَقَ كُلُّهُ (وَإِنْ وَقَعَتْ) الْقُرْعَةُ (عَلَى الْآخَرِ) الَّذِي لَمْ يُعَيِّنْهُ أَحَدُ الِابْنَيْنِ فَكَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ أَيْ: كَمَا لَوْ عَيَّنَ الِابْنُ الْآخَرُ الثَّانِيَ؛ فَلِكُلٍّ مِنْ الِابْنَيْنِ سُدُسُ الْقِنِّ الَّذِي عَيَّنَهُ وَنِصْفُ الْآخَرِ، وَيُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ثُلُثَهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 689 وَإِنْ قَالَا: أَعْتَقَ أَبُونَا أَحَدَهُمَا، وَلَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ، أَقْرَعَ بَيْنَ الْقِنَّيْنِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ عَتَقَ ثُلُثَاهُ إنْ لَمْ يُجِيزَا بَاقِيَهُ، وَرَقَّ الْآخَرُ. وَمَنْ رَجَعَ مِنْ الِابْنَيْنِ وَقَالَ: عَرَفْتُ الْمُعْتَقَ مِنْهُمَا؛ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ فَكَمَا لَوْ عَيَّنَهُ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَوَافَقَ تَعْيِينَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ، وَإِنْ خَالَفَهَا عَتَقَ مِنْ الَّذِي عَيَّنَهُ ثُلُثُهُ بِتَعْيِينِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ الَّذِي عَيَّنَهُ أَخُوهُ، عَتَقَ ثُلُثَاهُ، وَإِنْ عَيَّنَ الْآخَرَ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُهُ، وَلَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِي الَّذِي عَتَقَ بِالْقُرْعَةِ إنْ كَانَتْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ بِحَاكِمٍ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّ قُرْعَتَهُ حُكْمٌ، وَحُكْمَهُ لَا يُنْقَضُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الِابْنِ إنَّهُ ظَهَرَ لَهُ خِلَافُهُ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: إلَّا أَنْ يُثْبِتَ بَيِّنَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ. [بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ] ِ (وَهُوَ مَا احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ) وَقِيلَ مَا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ (ضِدُّ الْمُفَسَّرِ) ؛ أَيْ: الْمُبَيَّنِ (مَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ، أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا (أَوْ كَرَّرَهَا بِوَاوٍ) فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا، (أَوْ كَرَّرَ ذَلِكَ بِدُونِهَا) ؛ أَيْ: الْوَاوِ بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا كَذَا؛ صَحَّ إقْرَارُهُ (وَقِيلَ لَهُ فَسِّرْ) وَيَلْزَمُهُ تَفْسِيرُهُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَيُفَارِقُ الْإِقْرَارُ الدَّعْوَى حَيْثُ لَا تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّهَا لِلْمُدَّعِي، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْمُقِرِّ؛ فَلَزِمَ تَبْيِينُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْجَهَالَةِ دُونَ الَّذِي لَهُ، وَأَيْضًا الْمُدَّعِي إذَا لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ لَهُ دَاعٍ مِنْ تَحْرِيرِهَا، وَالْمُقِرُّ لَا دَاعِيَ لَهُ، إلَى تَحْرِيرِ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَلَا يُؤْمَنُ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ، فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 690 وَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ (فَإِذَا فَسَّرَهُ بِشَيْءٍ) وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ (ثَبَتَ وَإِنْ أَبَى) تَبْيِينَهُ حُبِسَ (حَتَّى يُفَسِّرَ) لِامْتِنَاعِهِ مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِ؛ فَحُبِسَ بِهِ كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ، وَإِنْ عَيَّنَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَادَّعَاهُ، وَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ؛ ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ، وَامْتَنَعَ مِنْ الْبَيَانِ، حُبِسَ حَتَّى يُفَسِّرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ خِلَافًا لِلْقَاضِي. (وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ صَحِيحٌ، وَلِذَلِكَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ (وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِحَدِّ قَذْفٍ) عَلَيْهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ؛ فَيُحَدُّ لِقَذْفِهِ بِطَلَبِهِ، وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِحَقِّ شُفْعَةٍ) لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ يَئُولَ إلَى الْمَالِ، وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا (بِمَا يَجِبُ رَدُّهُ كَكَلْبٍ مُبَاحٍ) نَفْعُهُ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَجِبُ رَدُّهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَالْإِيجَابُ تَنَاوَلَهُ؛ فَقُبِلَ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ رَدُّ (جِلْدِ) مَيْتَةٍ مَأْكُولَةٍ لَوْ ذُكِّيَتْ (وَلَوْ لَمْ يُدْبَغْ) لِأَنَّهُ يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ بَعْدَ دَبْغِهِ فِي الْيَابِسَاتِ، وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا (بِأَقَلِّ مَالٍ) لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ الشَّيْءُ (لَا بِمَيْتَةٍ نَجِسَةٍ وَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) لِأَنَّهَا حَقًّا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ طَاهِرَةً كَسَمَكٍ وَجَرَادٍ يُتَمَوَّلُ، قُبِلَ. وَلَا بِرَدِّ (سَلَامٍ، وَتَشْمِيتِ عَاطِسٍ، وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَإِجَابَةِ دَعْوَةٍ، وَصِلَةِ رَحِمٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ؛ وَإِقْرَارُهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِغَيْرِ مُتَمَوِّلٍ عَادَةً كَقِشْرِ جَوْزَةٍ، وَحَبَّةِ بُرٍّ، أَوْ حَبَّةِ شَعِيرٍ) أَوْ نَوَاةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ اعْتِرَافٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ ثَبَتَ مِثْلُهُ فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ نَحْوِ هَذِهِ (فَإِنْ مَاتَ) الْمُقِرُّ بِمُجْمَلٍ (قَبْلَ تَفْسِيرِهِ، لَمْ يُؤْخَذْ وَارِثُهُ بِشَيْءٍ) ، وَ (إنْ) أَبَى وَلَوْ (خَلَفَ الْمُقِرُّ تَرِكَةً) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَدَّ قَذْفٍ، أَوْ لَمْ يَمُتْ مُقِرٌّ، وَلَمْ يُنْكِرْ، بَلْ (قَالَ مُقِرٌّ لَا أَعْلَمُ لِي بِمَا أَقْرَرْت بِهِ) مِنْ قَوْلِي لَهُ شَيْءٌ أَوْ كَذَا وَنَحْوُهُ؛ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ إنْ طَلَبَهُ مُقَرٌّ لَهُ (وَلَزِمَهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ) فَتُعْطَى الْوَرَثَةُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَقَوْلُهُ (غَصَبْتُ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ غَصَبْتُهُ شَيْئًا؛ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 691 بِخَمْرٍ وَنَحْوِهِ) كَكَلْبٍ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ نَجِسَةٍ، لِوُقُوعِ اسْمِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ وَالْغَصْبِ وَالِاسْتِيلَاءِ. وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِنَفْسِهِ) ؛ أَيْ: الْمُقَرَّ لَهُ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا بِغَصْبِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى وَلَدِهِ، وَإِنْ قَالَ (غَصَبْته فَقَطْ) وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِحَبْسِهِ وَسَجْنِهِ) لِأَنَّ غَصْبَ الْحُرِّ هُوَ ذَلِكَ. (وَلَهُ عَلَيَّ مَالٌ) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَالِ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (مَالٌ عَظِيمٌ، أَوْ مَالٌ خَطِيرٌ، أَوْ مَالٌ جَلِيلٌ، أَوْ مَالٌ نَفِيسٌ، أَوْ) مَالٌ (عَزِيزٌ، أَوْ زَادَ عِنْدَ اللَّهِ) بِأَنْ قَالَ عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ، أَوْ خَطِيرٌ عِنْدَ اللَّهِ، أَوْ قَالَ عَظِيمٌ، أَوْ خَطِيرٌ، أَوْ جَلِيلٌ وَنَحْوَهُ (عِنْدِي؛ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ ذَلِكَ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ) لِأَنَّ الْعَظِيمَ وَالْخَطِيرَ وَالْكَثِيرَ وَالْجَلِيلَ وَالنَّفِيسَ وَالْعَزِيزَ لَا حَدَّ لَهُ شَرْعًا، وَلَا لُغَةً، وَلَا عُرْفًا، وَيَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ، فَقَدْ يَكُونُ عَظِيمًا عِنْدَ بَعْضٍ حَقِيرًا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَمَا مِنْ مَالٍ إلَّا وَهُوَ عَظِيمٌ، كَثِيرٌ خَطِيرٌ نَفِيسٌ جَلِيلٌ - وَلَوْ عِنْدَ بَعْضٍ - يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِأُمِّ وَلَدٍ) لِأَنَّهَا مَالٌ؛ لِغُرْمِ قَاتِلِهَا قِيمَتَهَا. (وَلَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ أَوْ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ؛ قُبِلَ) تَفْسِيرُهُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَأَكْثَرَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ دَرَاهِمُ عَظِيمَةٌ أَوْ وَافِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَةَ وَالْعَظِيمَةَ وَالْوَافِرَةَ لَا حَدَّ لَهَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا، وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْإِضَافَاتِ وَأَحْوَالِ النَّاسِ، وَالثَّلَاثَةُ أَكْثَرُ مِمَّا دُونَهَا وَأَقَلُّ مِمَّا فَوْقَهَا، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَسْتَعْظِمُ الْيَسِيرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَقِرُ الْكَثِيرَ، وَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ وَهِيَ الْيَقِينُ؛ فَلَا يَجِبُ مَا زَادَ عَلَيْهَا بِالِاحْتِمَالِ. وَلَا يُقْبَلُ (تَفْسِيرُهُ بِمَا يُوزَنُ بِالدَّرَاهِمِ عَادَةً كَإِبْرَيْسَم وَنَحْوِهِ) كَزَعْفَرَانٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ (وَقَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ حَبَّةٌ أَوْ لَهُ عَلَيَّ جَوْزَةٌ يَنْصَرِفُ) إطْلَاقُهُ (إلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ) ذَلِكَ (بِنَحْوِ حَبَّةِ بُرٍّ) كَحَبَّةِ شَعِيرٍ أَوْ أَرْزٍ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 692 بَاقِلَاءَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُتَمَوَّلُ عَادَةً، وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِشَيْءٍ) مِنْ خُبْزٍ وَنَحْوِهِ (قَدْرَ جَوْزَةٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ حَقِيقَةِ الْجَوْزَةِ. (وَلَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا، أَوْ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أَوْ كَذَا وَكَذَا بِالرَّفْعِ أَوْ النَّصْبِ لِدِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، أَمَّا فِي الرَّفْعِ؛ فَلِأَنَّ تَقْدِيرَهُ مَعَ عَدَمِ التَّكْرَارِ شَيْءٌ هُوَ دِرْهَمٌ، فَالدِّرْهَمُ بَدَلٌ مِنْ كَذَا، وَالتَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ لَا يَقْتَضِي زِيَادَةً، كَأَنَّهُ قَالَ: شَيْءٌ شَيْءٌ هُوَ دِرْهَمٌ، التَّكْرَارُ مَعَ الْوَاوِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ شَيْئَانِ هُمَا دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ شَيْئَيْنِ، وَأَبْدَلَ مِنْهُمَا دِرْهَمًا أَوْ النَّصْبِ فَالدِّرْهَمُ مُمَيِّزٌ لِمَا قَبْلَهُ، فَهُوَ مُفَسِّرٌ، وَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْقَطْعِ كَأَنَّهُ قَطَعَ مَا أَقَرَّ بِهِ وَأَقَرَّ بِدِرْهَمٍ. (وَإِنْ قَالَ الْكُلُّ) ؛ أَيْ: الصُّوَرُ الثَّلَاثُ (بِالْجَرِّ) ؛ أَيْ: جَرِّ دِرْهَمٍ؛ لَزِمَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ مَخْفُوضٌ بِالْإِضَاقَةِ؛ فَالْمَعْنَى لَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت نِصْفَ دِرْهَمٍ أَوْ رُبْعَهُ أَوْ ثُمُنَهُ وَنَحْوَهُ؛ قُبِلَ، وَإِذَا كَرَّرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَضَافَ جُزْءًا إلَى جُزْءٍ، ثُمَّ أَضَافَ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ إلَى الدِّرْهَمِ (أَوْ وَقَفَ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ كَذَا دِرْهَم أَوْ كَذَا وَكَذَا دِرْهَم أَوْ كَذَا كَذَا دِرْهَم، وَلَمْ يَرْفَعُ الدِّرْهَمَ، وَلَمْ يَنْصِبْهُ؛ وَلَمْ يَخْفِضْهُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (لَزِمَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَجْرُورٌ، وَسَقَطَتْ حَرَكَتُهُ لِلْوَقْفِ (وَيُفَسِّرُهُ بِمَا شَاءَ) كَمَا لَوْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ بَعْضُ الْعَشَرَةِ) فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِمَا شَاءَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ يَصْدُقُ بِكُلِّ جُزْءٍ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (شَطْرُهَا) ؛ أَيْ: الْعَشَرَةَ، فَهُوَ نِصْفُهَا، فَيَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ الْعَشَرَةِ. (وَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَفَسَّرَهُ بِجِنْسِ) وَاحِدٍ كَدَرَاهِمَ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ تُفَّاحٍ أَوْ رُمَّانٍ وَنَحْوِهِ؛ قُبِلَ. أَوْ فَسَّرَهُ بِأَجْنَاسٍ كَقَوْلِهِ مِائَةٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَمِائَةٌ مِنْ الثِّيَابِ وَمِائَةٌ مِنْ الْأَوَانِي، وَهَكَذَا، لَا إنْ كَانَ فَسَّرَ الْأَلْفَ (بِنَحْوِ كِلَابٍ؛ قُبِلَ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، وَأَمَّا الْكِلَابُ وَالسِّبَاعُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ فَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ اعْتِرَافٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ يَثْبُتُ نَحْوُهُ فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ هَذِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 693 وَإِنْ قَالَ لَهُ (عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ أَوْ قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِينَارٌ، أَوْ قَالَ: (لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ) وَثَوْبٌ أَوْ وَفَرَسٌ، أَوْ وَعَبْدٌ، أَوْ قَالَ: لَهُ (عَلَيَّ أَلْفٌ وَمُدَبَّرٌ) أَوْ أَلْفٌ وَتُفَّاحَةٌ، وَنَحْوُهُ (أَوْ أَخَّرَ الْأَلْفَ) فَقَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَأَلْفٌ، أَوْ دِينَارٌ وَأَلْفٌ أَوْ ثَوْبٌ وَأَلْفٌ أَوْ مُدَبَّرٌ وَأَلْفٌ وَنَحْوُهُ، أَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) أَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا) أَوْ أَلْفٌ وَعِشْرُونَ فَرَسًا (أَوْ لَمْ يَعْطِفْ) بِأَنْ قَالَ: لَهُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، أَوْ أَلْفٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا (أَوْ عَكَسَ) بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَلْفٌ، أَوْ لَهُ خَمْسُونَ دِينَارًا وَأَلْفٌ (فَالْمُهِمُّ) فِي هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ وَنَحْوِهَا (مِنْ جِنْسِ مَا ذُكِرَ مَعَهُ) لِأَنَّ الْعَرَبَ تَكْتَفِي بِتَفْسِيرِ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ عَنْ الْأُخْرَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: 25] . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ تِسْعَ سِنِينَ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِهَا فِي الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ مُبْهَمًا مَعَ مُفَسَّرٍ، وَلَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا، فَالْكُلُّ دَرَاهِمُ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (وَمِثْلُهُ) ، أَيْ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ) فَالنِّصْفُ مِنْ دِرْهَمٍ (أَوْ) لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا) فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ، (أَوْ) لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ إلَّا دِينَارًا) فَالْكُلُّ دَنَانِيرُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَسْتَثْنِي فِي الْإِثْبَاتِ إلَّا مِنْ الْجِنْسِ، فَمَتَى عُلِمَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ عُلِمَ الْآخَرُ، كَمَا لَوْ عُلِمَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيُقَالُ الِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ. (وَلَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ بِدِينَارٍ؛ لَزِمَهُ دَرَاهِمُ بِسِعْرِهِ) ؛ أَيْ: الدِّينَارِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِهِ. (وَلَهُ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَدِينَارًا بِنَصْبِ دِينَارٍ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، (فَيَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ سِتَّةٌ) وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ اثْنَا عَشَرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 694 دِرْهَمًا وَدِينَارٌ بِرَفْعِهِ؛ أَيْ: الدِّينَارِ (تَلْزَمُهُ الدَّرَاهِمُ) الِاثْنَا عَشَرَ وَدِينَارٌ وَاحِدٌ، ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ فِي فَتَاوِيهِ. (وَلَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ) أَوْ الثَّوْبِ أَوْ الْفَرَسِ أَوْ هَذِهِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا (شِرْكٌ أَوْ قَالَ: هُوَ شَرِيكِي فِيهِ. أَوْ قَالَ: هُوَ شَرِكَةٌ بَيْنَنَا أَوْ قَالَ: هُوَ لِي وَلَهُ أَوْ قَالَ لَهُ فِيهِ سَهْمٌ؛ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ قَدْرَ حَقِّ الشَّرِيكِ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَارَةً تَقَعُ عَلَى النِّصْفِ، وَتَارَةً تَقَعُ عَلَى مَا دُونَهُ، وَتَارَةً تَقَعُ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَمَتَى تَرَدَّدَ اللَّفْظَانِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَأَكْثَرَ، رَجَعَ فِي تَفْسِيرِهِ إلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَيْسَ إطْلَاقُ الشَّرِكَةِ عَلَى مَا دُونَ النِّصْفِ مَجَازًا، وَلَا مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ، وَلِأَنَّ السَّهْمَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْمَلُ السَّهْمُ عَلَى السُّدُسِ، كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِيهَا. (وَ) إنْ قَالَ مَنْ بِيَدِهِ نَحْوُ عَبْدٍ (لَهُ) ؛ أَيْ: لِفُلَانٍ (عَلَيَّ فِيهِ) أَلْفٌ، أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (مِنْهُ أَلْفٌ) صَحَّ إقْرَارُهُ (وَقِيلَ لَهُ فَسِّرْ) سَبَبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِجِنَايَةِ) الْعَبْدِ عَلَى الْمُقِرِّ لَهُ؛ وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِقَوْلِهِ نَقَدَهُ) ؛ أَيْ: الْأَلْفَ (فِي ثَمَنِهِ) ؛ أَيْ: الْعَبْدَ وَنَحْوَهُ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِقَوْلِهِ نَقْدُهُ (اشْتَرَى) الْمُقَرُّ لَهُ (رُبْعَهُ) ؛ أَيْ: الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ (بِهِ) ؛ أَيْ: الْأَلْفَ أَوْ بِقَوْلِهِ (لَهُ فِيهِ شِرْكٌ) أَوْ بِقَوْلِهِ: إنَّ مُورِثِي أَوْصَى لَهُ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِهِ، (وَلَا) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِأَنَّهُ رَهَنَهُ عِنْدَهُ بِهِ) ؛ أَيْ: الْأَلْفَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الذِّمَّةِ. وَفِي " الْإِقْنَاعِ " قَبْلَ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ بِثَلَاثَةِ فُصُولٍ: وَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ بِأَلْفٍ؛ قُبِلَ. انْتَهَى. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (وَلَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لِفُلَانٍ) عَلَيَّ، فَفَسَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ قَدْرًا؛ قُبِلَ، (وَإِنْ قَلَّ الزَّائِدُ، وَإِنْ فَسَّرَهُ بِدُونِهِ) وَقَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي أَكْثَرُ مِمَّا لِفُلَانٍ (لِكَثْرَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 695 نَفْعِهِ لِحِلِّهِ وَنَحْوِهِ) كَبَرَكَتِهِ؛ إذْ الْحَلَالُ أَنْفَعُ مِنْ الْحَرَامِ (قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ؛ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُقِرُّ بِمَا لِفُلَانٍ، أَوْ جَهِلَهُ، أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي لِفُلَانٍ كَذَا، أَوْ لَمْ تَقُمْ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ إقْرَارَهُ بِمَا يُحْتَمَلُ؛ فَوَجَبَ قَبُولُهُ (وَلَهُ عَلَيَّ مَا فِي يَدِ زَيْدٍ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِهِ. وَلَوْ قَالَ إنْسَانٌ لِآخَرَ (لِي عَلَيْك أَلْفِ دِرْهَمٍ) فَقَالَ فِي جَوَابِهِ (أَكْثَرُ؛ لَزِمَهُ) أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ (وَيُفَسِّرُهُ) ؛ أَيْ: الْأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا أَرَادَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى شَخْصٍ (مَبْلَغًا، فَقَالَ فِي جَوَابِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لَك عَلَيَّ، وَقَالَ أَرَدْت التَّهَزُّؤَ؛ لَزِمَهُ حَقٌّ لَهُمَا) ؛ أَيْ: لِلْمُدَّعِي وَلِفُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِحَقٍّ مَوْصُوفٍ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا لِلْمُدَّعِي؛ فَلَزِمَهُ، وَيَجِبُ لِلْمُدَّعِي حَقُّهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ، وَإِرَادَةُ التَّهَزُّؤَ دَعْوَى تَتَضَمَّنُ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ؛ فَلَا تُقْبَلُ (وَيُفَسِّرُهُ) ؛ أَيْ: يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ لَهُ: لَك عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ أَكْثَرُ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ أَلْفُ دِينَارٍ وَلَا أَكْثَرُ مِنْهَا، بَلْ تَرْجِعُ فِي مَعْنَى الْأَكْثَرِ. وَفِي نَوْعِ الذَّهَبِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَك عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ أَكْثَرُ فَقَدْ عَيَّنَ شَيْئَيْنِ الْعَدَدَ وَأَنَّهُ ذَهَبٌ، وَأَبْهَمَ شَيْئَيْنِ قَوْلَهُ: أَكْثَرُ وَنَوْعَ الذَّهَبِ، فَرَجَعَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: أَكْثَرَ إلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: أَكْثَرُ عَدَدًا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ الْأَكْثَرِ أَيْضًا، وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ نَوْعِ الذَّهَبِ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ أَوْ مَضْرُوبٍ أَوْ غَيْرِ مَضْرُوبٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ أَنْوَاعٌ؛ فَيَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ إلَيْهِ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 696 [فَصْلٌ قَالَ عَنْ آخَرَ لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ] فَصْلٌ (مَنْ قَالَ عَنْ آخَرَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ لَزِمَهُ لَهُ ثَمَانِيَةُ) دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهَا مَا بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إنْ عَرَّفَهُمَا، فَقَالَ: مَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالْعَشَرَةِ. وَمَنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ) لَزِمَهُ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعَشَرَةَ غَايَةً، وَهِيَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ. وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] بِخِلَافِ ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ؛ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَعْنَاهَا، أَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ) ؛ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَإِنْ أَرَادَ) الْمُقِرُّ بِذَلِكَ (مَجْمُوعَ الْأَعْدَادِ) ؛ أَيْ: الْوَاحِدَ وَالْعَشَرَةَ وَمَا بَيْنَهُمَا (لَزِمَهُ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَاخْتِصَارُ حِسَابِهِ أَنْ تَزِيدَ أَوَّلَ الْعَدَدِ وَهُوَ وَاحِدٌ عَلَى الْعَشَرَةِ فَيَصِيرُ أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ اضْرِبْهَا فِي نِصْفِ الْعَشَرَةِ؛ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ الْجَوَابُ. (وَإِنْ قَالَ) لَهُ عَلَيَّ (مِنْ عَشَرَةٍ إلَى عِشْرِينَ) أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (مَا بَيْنَ عَشَرَةٍ إلَى عِشْرِينَ؛ لَزِمَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ) لِأَنَّهُ مَا قَبْلَ الْعِشْرِينَ وَإِلَى انْتِهَاءِ الْغَايَةِ؛ فَلَا يَدْخُلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا. وَمَنْ قَالَ عَنْ آخَرَ (لَهُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَائِطِينَ؛ لَمْ يَدْخُلَا) ؛ أَيْ: الْحَائِطَانِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِمَا بَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَدَدَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ابْتِدَاءٍ قَالَ فِي شَرْحِ " الْمُنْتَهَى " وَلَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ كُرِّ حِنْطَةٍ إلَى كُرِّ شَعِيرٍ؛ لَزِمَهُ كُرَّانِ إلَّا قَفِيزَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ (وَ) مَنْ قَالَ لَهُ (إمَّا دِرْهَمٌ وَإِمَّا دِينَارٌ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ دُونَ الدِّينَارِ) لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 697 وَمَنْ قَالَ عَنْ آخَرَ: لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ) أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ (تَحْتَ دِرْهَمٍ أَوْ) لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ (فَوْقَهُ) دِرْهَمٌ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ تَحْتَهُ دِرْهَمٌ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ (قَبْلَهُ) دِرْهَمٌ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ (بَعْدَهُ) دِرْهَمٌ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ (مَعَهُ دِرْهَمٌ) يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَجْرِي مَجْرَى الْعَطْفِ، لِأَنَّ مَعْنَاهَا الضَّمُّ، فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ، وَضَمَّ إلَيْهِ آخَرَ، كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، وَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " عَلَيَّ " فِي ذِمَّتِي، وَلَيْسَ لِلْمُقِرِّ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمِ الْمُقِرِّ لَهُ، وَلَا فَوْقَهُ وَلَا تَحْتَهُ؛ إذْ لَا يَثْبُتُ لِلْإِنْسَانِ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ شَيْءٌ (أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ) يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؛ لِدُخُولِ مَا أَضْرَبَ عَنْهُ فِيمَا أَثْبَتَهُ بَعْدُ، أَوْ قَالَ لَهُ (عَلَيَّ دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ) أَوْ لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ لَا بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ لَكِنْ دِرْهَمٌ أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ، يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ) حَمْلًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى فَائِدَةٍ، وَمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيْهِ لَا يَسْقُطُ بِإِضْرَابِهِ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ. (وَكَذَا) لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ) أَوْ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ (فَلَوْ كَرَّرَهُ) ؛ أَيْ؛ الدِّرْهَمَ (ثَلَاثًا بِالْوَاوِ) كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ أَوْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا (بِالْفَاءِ) كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ، أَوْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا (بِثُمَّ) كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ، أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ وَنَوَى) بِالدِّرْهَمِ (الثَّالِثِ) تَأْكِيدَ الدِّرْهَمِ (الثَّانِي؛ لَمْ يُقْبَلْ) فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمَذْكُورَةِ فِيهَا حَرْفُ الْعَطْفِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَكَذَلِكَ لَا يُعْطَفُ الْمُؤَكِّدُ، وَقُبِلَ مِنْهُ قَصْدُ التَّأْكِيدِ فِي الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ) ؛ أَيْ: الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْعَاطِفُ؛ لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَكَذَا إنْ أَكَّدَ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ لَا تَأْكِيدَ أَوَّلٍ بِثَالِثٍ لِلْفَصْلِ. وَإِنْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ وَبَعْدَهُ دِرْهَمٌ) أَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (هَذَا الدِّرْهَمُ بَلْ هَذَا الدِّرْهَمَانِ؛ لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ) لِأَنَّ الْإِضْرَابَ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِآدَمِيٍّ، وَلَا يَصِحُّ؛ فَيَلْزَمُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 698 وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (قَفِيزُ حِنْطَةٍ بَلْ قَفِيزُ شَعِيرٍ) لَزِمَاهُ، أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ بَلْ دِينَارٌ، لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِيَ، وَلَا بَعْضَهُ؛ فَلَزِمَاهُ، وَكَذَا نَظَائِرُهُ حَيْثُ كَانَ الْمَضْرُوبُ عَنْهُ لَيْسَ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ وَلَا بَعْضَهُ؛ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ، بِخِلَافِ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ بَلْ ثَلَاثَةٌ. وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ وَأَرَادَ الْعَطْفَ) ؛ أَيْ: دِرْهَمٌ وَدِينَارٌ وَنَحْوُهُ (أَوْ) كَدِرْهَمٍ مَعَ دِينَارٍ (لَزِمَاهُ) كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ أَوْ بِمَعَ، وَإِلَّا يُرِدْ مَعْنَى الْعَطْفِ وَلَا مَعَ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُقَرُّ بِهِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: فِي دِينَارٍ لَا يَحْتَمِلُ الْحِسَابَ (وَإِنْ فَسَّرَهُ الْمُقِرُّ) ؛ أَيْ قَوْلَهُ دِرْهَمٌ (فِي دِينَارٍ بِرَأْسِ مَالٍ سَلَّمَ بَاقٍ عِنْدَهُ) بِأَنْ قَالَ عَقَدْت مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى إسْلَامِ دِرْهَمٍ بَاقٍ عِنْدَهُ (فِي دِينَارٍ، وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ؛ حَلَفَ) الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ (وَأَخَذَ الدِّرْهَمَ) مِنْ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ يُفَسِّرُ إقْرَارَهُ بِمَا يُبْطِلُهُ؛ فَهُوَ كَرُجُوعِهِ عَنْهُ؛ فَلَا يُقْبَلُ (وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى أَنْ الدِّرْهَمَ رَأْسُ مَالِ سَلَمٍ فِي دِينَارٍ) ؛ بَطَل إقْرَارُهُ لِأَنَّ سَلَمَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ لَا يَصِحُّ (وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِتَصْدِيقِهِ عَلَى بَرَاءَتِهِ. (وَ) إنْ قَالَ (لَهُ) عَلَيَّ دِرْهَمٌ (فِي ثَوْبٍ، وَأَرَادَ الْعَطْفَ، أَوْ) أَرَادَ (مَعْنَى مَعَ) كَمَا سَبَقَ (لَزِمَاهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ فَسَّرَهُ) ؛ أَيْ: إقْرَارَهُ الْمَذْكُورَ (بِرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ) عَقَدَهُ مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ بَاقٍ عِنْدَ الْمُقِرِّ فِي ثَوْبٍ (فَكَمَا مَرَّ) ؛ أَيْ: فَيَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَيَأْخُذُ الدِّرْهَمَ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ وَصَلَ إقْرَارُهُ بِمَا يَسْقُطُ؛ فَلَزِمَهُ الدِّرْهَمُ، وَبَطَل مَا وَصَلَ بِهِ إقْرَارُهُ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ) وَأَطْلَقَ (يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ) لِإِقْرَارِهِ بِهِ، وَجَعْلِهِ الْعَشَرَةَ مَحِلًّا لَهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ سِوَاهُ (مَا لَمْ يُخَالِفْهُ عُرْفُ) بَلَدِ الْمُقِرِّ (فَيَلْزَمُهُ مُقْتَضَاهُ) ؛ أَيْ: عُرْفَ تِلْكَ الْبَلَدِ (أَوْ مَا لَمْ يُرِدْ الْحِسَابَ؛ وَلَوْ جَاهِلًا) بِهِ؛ أَيْ: الْحِسَابَ (فَيَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) ، لِأَنَّهَا حَاصِلُ الضَّرْبِ عِنْدَهُمْ (أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 699 مَا لَمْ يُرِدْ الْجَمِيعَ) بِأَنْ أَرَادَهُمَا مَعَ عَشَرَةٍ (فَيَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ) وَلَوْ حَاسِبًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْأَغْلَظِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ يُرِيدُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ هَذَا الْمَعْنَى. وَلَهُ عِنْدِي (تَمْرٌ فِي جِرَابٍ) أَوْ لَهُ عِنْدِي (سِكِّينٌ فِي قِرَابٍ، أَوْ لَهُ) عِنْدِي (ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، أَوْ لَهُ عِنْدِي (عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ) أَوْ لَهُ عِنْدِي (دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ، أَوْ لَهُ) عِنْدِي فَصٌّ (فِي خَاتَمٍ، أَوْ لَهُ جِرَابٌ فِيهِ تَمْرٌ، أَوْ لَهُ قِرَابٌ فِيهِ سَيْفٌ، وَلَهُ مِنْدِيلٌ فِيهِ ثَوْبٌ) أَوْ لَهُ عِنْدِي (دَابَّةٌ مُسْرَجَةٌ) فَهُوَ مُقِرٌّ بِالْأَوَّلِ، صَحَّحَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَمَا فِي " الْإِقْنَاعِ " مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فَرَسٌ مُسْرَجٌ إلَى قَوْلِهِ لَزِمَهُ مَا ذَكَرَهُ مَرْجُوحٌ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ، أَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي (سَرْجٌ عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ لَهُ عِنْدِي عِمَامَةٌ عَلَى عَبْدٍ، أَوْ لَهُ عِنْدِي دَارٌ مَفْرُوشَةٌ أَوْ) لَهُ عِنْدِي (زَيْتٌ فِي زِقٍّ وَنَحْوِهِ) كَتِكَّةٍ فِي سَرَاوِيلَ؛ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْأَوَّلِ وَلَيْسَ إقْرَارًا بِالثَّانِي وَكَذَا كُلُّ مُقِرٍّ بِشَيْءٍ جَعَلَهُ ظَرْفًا أَوْ مَظْرُوفًا؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مُتَغَايِرَانِ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا الثَّانِيَ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ وَالْمَظْرُوفُ لِوَاحِدٍ، وَالْإِقْرَارُ إنَّمَا يَثْبُتُ مَعَ التَّحْقِيقِ، لَا مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَكَقَوْلِهِ لَهُ عِنْدِي (جَنِينٌ فِي جَارِيَةٍ، أَوْ لَهُ) عِنْدِي جَنِينٌ فِي دَابَّةٍ، وَكَقَوْلِهِ: لَهُ عِنْدِي (دَابَّةٌ فِي بَيْتٍ) فَلَيْسَ إقْرَارًا بِالثَّانِي؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَكَقَوْلِهِ؛ لَهُ عِنْدِي الْمِائَةُ (الدِّرْهَمُ الَّتِي فِي هَذَا الْكِيسِ) لَيْسَ إقْرَارًا بِالْكِيسِ (وَيَلْزَمَانِهِ) ؛ أَيْ: الدَّابَّةُ وَالْمِائَةُ دِرْهَمٍ (إنْ لَمْ يَكُونَا) أَيْ: الدَّابَّةُ فِي الْبَيْتِ وَالْمِائَةُ دِرْهَمٍ (فِيهِ) ؛ أَيْ: الْكِيسِ (وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْمُقِرُّ الْمِائَةَ) بِأَنْ قَالَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فِي هَذَا الْكِيسِ (لَزِمَتْهُ مِائَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِيسِ شَيْءٌ) أَوْ كَانَ فِي الْكِيسِ شَيْءٌ لَكِنَّهُ دُونَ الْمِائَةِ، لَزِمَهُ (تَتِمَّتُهَا) كَمَا لَوْ عَرَّفَهَا. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي (خَاتَمٌ فِيهِ فَصٌّ أَوْ) قَالَ: لَهُ عِنْدِي (سَيْفٌ بِقِرَابِهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 700 بِكَسْرِ الْقَافِ، أَوْ سَيْفٌ بِقِرَابٍ فَهُوَ (إقْرَارٌ بِهِمَا) لِأَنَّ الْفَصَّ جُزْءٌ مِنْ الْخَاتَمِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي ثَوْبٌ فِيهِ عَلَمٌ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِقِرَابِهِ بَاءُ الْمُصَاحَبَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ سَيْفٌ بِقِرَابٍ، بِخِلَافِ تَمْرٍ فِي جِرَابٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الظَّرْفَ غَيْرُ الْمَظْرُوفِ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِخَاتَمٍ، وَأَطْلَقَ ثُمَّ جَاءَهُ بِخَاتَمٍ فِيهِ فَصٌّ، وَقَالَ مَا أَرَدْت الْفَصَّ لَمْ يُقْبَلْ، قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْخَاتَمَ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ. (وَإِقْرَارُهُ) ؛ أَيْ: الشَّخْصَ (بِشَجَرٍ أَوْ شَجَرَةٍ) يَشْمَلُ الْأَغْصَانَ (وَلَيْسَ إقْرَارًا) بِأَرْضِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يَتْبَعُ الْفَرْعَ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالْأَرْضِ؛ فَيَشْمَلُ غَرْسَهَا وَبِنَاءَهَا (فَلَا يَمْلِكُ) مُقِرٌّ لَهُ بِشَجَرَةٍ (غَرْسَ) أُخْرَى (مَكَانَهَا لَوْ ذَهَبَتْ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْأَرْضِ (وَلَا أُجْرَةَ) عَلَى مُقِرٍّ لَهُ بِشَجَرٍ أَوْ شَجَرَةٍ (مَا بَقِيَتْ) وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهَا وَثَمَرَتُهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَبِيعَ مِثْلُهُ، وَتَقَدَّمَ. وَإِقْرَارُهُ (بِأَمَةٍ حَامِلٍ لَيْسَ إقْرَارًا بِحَمْلِهَا) لِأَنَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَمُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ، وَدُخُولُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَقَرَّ بِفَرَسٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ نَاقَةٍ حَامِلٍ (وَ) إنْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ) أَوْ لَهُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، أَوْ لَهُ عِنْدِي إمَّا عَبْدٌ وَإِمَّا ثَوْبٌ (يَلْزَمُهُ أَحَدُهُمَا) لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ لِأَشْيَاءَ وَإِمَّا بِمَعْنَاهَا (وَيُعَيِّنُهُ) أَيْ: يَلْزَمُهُ تَعْيِينُهُ، وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فِيهِ كَسَائِرِ الْمُجْمَلَاتِ. (وَلَوْ أَقَرَّ بِبُسْتَانٍ شَمِلَ الْأَشْجَارَ) وَالْبِنَاءَ وَالْأَرْضَ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ كَكَوْنِ الْأَرْضِ أَرْضَ غَيْرِهِ. [خَاتِمَة الْكتاب] (خَاتِمَةُ) الْكِتَابِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ (تُقْبَلُ تَوْبَةُ) الْعَبْدِ مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، أَوْ مَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَلَكَ أَوْ مَادَامَ مُكَلَّفًا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ) سَلَفًا وَخَلَفًا. (فَحُجَّةُ) الْقَائِلِينَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَدِيثُ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 701 وَالْحَاكِمِ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» ) ؛ أَيْ: يَقْرَبُ مِنْ الزَّهُوقِ، وَيُقَالُ غَرْغَرَ إذَا جَادَ بِنَفْسِهِ. (وَحُجَّةُ) الْقَائِلِينَ بِالْقَوْلِ (الثَّانِي حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُوسَى) الْأَشْعَرِيِّ: «سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَتَى تَنْقَطِعُ مَعْرِفَةُ الْعَبْدِ مِنْ النَّاسِ، قَالَ: إذَا عَايَنَ» ، يُعَيِّنُ إذَا عَايَنَ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِقَبْضِ رُوحِهِ (وَحُجَّةُ الْقَائِلِينَ) بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ (حَدِيثُ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ عَلِيٍّ) : «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي مُهْلَةٍ مِنْ التَّوْبَةِ مَا لَمْ يَأْتِهِ مَلَكُ الْمَوْتِ بِقَبْضِ رُوحِهِ، فَإِذَا نَزَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَلَا تَوْبَةَ حِينَئِذٍ» . وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ نُزُولِ الْمَلَكِ يَنْسَدُّ عَلَى الْمَنْزُولِ بِهِ بَابُ التَّوْبَةِ، سَوَاءٌ عَايَنَهُ أَوْ لَمْ يُعَايِنْهُ. (وَأَمَّا التَّكْلِيفُ فَوَاضِحٌ، وَهُوَ قَوِيٌّ) جِدًّا؛ إذْ الْمَدَارُ عَلَيْهِ (قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ قَرِيبٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَالصَّوَابُ قَبُولُهَا) ؛ أَيْ: التَّوْبَةَ (مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى) . وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّوْبَةَ هِيَ الْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ فِي الْحَالِ، وَالنَّدَمُ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْمَاضِي، وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يُعَاوِدَ الذَّنْبَ (وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ رَابِعٍ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ مِنْهُ) ، وَلَهَا تَفَاصِيلُ أُخَرُ يَضِيقُ عَنْهَا هَذَا الْمَحَلُّ، فَهِيَ حَقِيقَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالدِّينُ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّاهَا. وَبِهَذَا اسْتَحَقَّ التَّائِبُ أَنْ يُسَمَّى حَبِيبَ اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وَلَوْلَا أَنَّ التَّوْبَةَ اسْمٌ جَامِعٌ لِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحَقَائِقِ الْإِيمَانِ لَمْ يَكُنْ الرَّبُّ يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ ذَلِكَ الْفَرَحَ الْعَظِيمَ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ عِلْمَ مَا مَرَّ) مِنْ الْأَحَادِيثِ (لَا يَنْضَبِطُ لَنَا) لِقِصَرِ عُقُولِنَا عَنْ إدْرَاكِ حَقَائِقِهِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ تَابَ وَأَسْلَمَ - وَالرُّوحُ) بَاقِيَةٌ فِي بَدَنِهِ تَتَرَدَّدُ (فِيهِ - فَهُوَ مَقْبُولٌ شَرْعًا) فَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِنَا (وَإِنْ لَمْ يَنْفَعْهُ هَذَا الْإِسْلَامُ بَاطِنًا) لِتَقْصِيرِهِ بِالتَّأْخِيرِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 702 (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ لَا يَنْفَعُهُ) نُطْقُهُ بِالتَّوْبَةِ، وَنَدَمُهُ عَلَى مَا فَرَّطَ مِنْهُ (بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا) ؛ لِقَوْلِهِمْ أَيْ: الْأَصْحَابِ (هُوَ كَمَيِّتٍ؛ فَلَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ، وَرُبَّمَا يُجْزَمُ بِعَدَمِ عَقْلِهِ فِي الْأُولَى) وَهِيَ فِيمَا إذَا ذُبِحَ (وَلَوْلَا إخْبَارُ الصَّادِقِ الْعَلِيمِ أَنَّ إيمَانَ فِرْعَوْنَ إنَّمَا كَانَ وَقْتَ إدْرَاكِ الْغَرَقِ وَنُزُولِ الْمَوْتِ بِهِ لَحُكِمَ شَرْعًا بِإِسْلَامِهِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا - أَيْ: الْعُلَمَاءَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَرَبَتْ؛ أَيْ: دَنَتْ نَفْسُهُ مِنْ الزَّهُوقِ، فَمَاتَ لَهُ مَيِّتٌ أَنَّهُ يَرِثُهُ وَإِنْ قَدَرَ الْكَافِرُ عَلَى النُّطْقِ فَأَسْلَمَ؛ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنَّهُ مَتَى شَخَصَ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ إلَّا نَفَسٌ وَاحِدٌ فَمَاتَ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِوَصِيَّةٍ؛ فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّهَا، وَمَنْ قَتَلَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ أُقِيدَ بِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ فِيمَنْ قَتَلَ رَجُلًا قَدْ ذَهَبَ الرُّوحُ مِنْ بَعْضِ جَسَدِهِ قَالَ: هُوَ يَضْمَنُهُ انْتَهَى) كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ (فَعَلَى هَذَا لَا يَسَعُنَا إلَّا الْحُكْمُ شَرْعًا بِإِسْلَامِ مَنْ أَقَرَّ عِنْدَ مَوْتِهِ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) غَيْرَ مُكْرَهٍ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا) وَإِخْوَانَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (مِمَّنْ أَقَرَّ بِهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ (مُخْلِصًا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ) عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ (وَاجْعَلْ الْمَوْتَ لَنَا دَائِمًا عَلَى بَالٍ) لِنَكُونَ مُتَيَقِّظِينَ لِلتَّوْبَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 703 (وَتُوَفَّنَا مُسْلِمِينَ أَحْسَنَ حَالٍ) غَيْرَ مَفْتُونِينَ (وَأَسْمِعْنَا مِنْك، وَفَهِّمْنَا الْوَارِدَ عَنْك، وَعَلِّمْنَا مِنْ عِلْمِك) فَإِنَّهُ {لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32] (وَحَقِّقْنَا بِنُورِ تَوْحِيدِك) الَّذِي هُوَ أَوَّلُ الدِّينِ وَآخِرُهُ، وَظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ، وَإِخْلَاصِ الدِّينِ كُلِّهِ لِلَّهِ، وَتَحْقِيقِ قَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ اشْتَرَكُوا فِي الْإِقْرَارِ بِهَا فَإِنَّهُمْ مُتَفَاضِلُونَ فِي تَحْقِيقِهَا تَفَاضُلًا لَا يَنْضَبِطُ حَتَّى إنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ التَّوْحِيدَ الْمَفْرُوضَ هُوَ الْإِقْرَارُ وَالتَّصْدِيقُ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 704 شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِهِ الرُّبُوبِيَّةَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، وَبَيْنَ تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ الَّذِي دَعَاهُمْ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجْمَعُونَ بَيْنَ التَّوْحِيدِ الْقَوْلِيِّ وَالْعَمَلِيِّ؛ بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَا كَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ الْعَالَمَ خَلَقَهُ اثْنَانِ، وَلَا إنَّ مَعَ اللَّهِ رَبًّا يَنْفَرِدُ دُونَهُ بِخَلْقِ شَيْءِ، بَلْ كَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: 61] وَكَانُوا مَعَ إقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ وَحْدَهُ يَجْعَلُونَ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى يَجْعَلُونَهُمْ شُفَعَاءَ لَهُمْ إلَيْهِ، وَيَقُولُونَ إنَّمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى، فَالتَّوْحِيدُ وَالْإِشْرَاكُ يَكُونُ فِي الْقَلْبِ، وَيَكُونُ فِي أَعْمَالِ الْقَلْبِ، وَلِهَذَا قَالَ الْجُنَيْدُ: التَّوْحِيدُ قَوْلُ الْقَلْبِ، وَالتَّوْكِيلُ عَمَلُ الْقَلْبِ. أَرَادَ بِذَلِكَ التَّوْحِيدَ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا قَرَنَهُ بِالتَّوْكِيلِ جَعَلَهُ أَصْلَهُ، وَإِذَا أُفْرِدَ لَفْظُ التَّوْحِيدِ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ قَوْلَ الْقَلْبِ وَعَمَلَهُ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ تَمَامِ التَّوْحِيدِ (وَأَيِّدْنَا بِرُوحِ تَأْيِيدِك وَاسْلُكْ بِنَا طَرِيقَ السُّنَّةِ، وَجَنِّبْنَا طَرِيقَ الْبِدْعَةِ) إذْ الْعَمَلُ الْقَلِيلُ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ فِي بِدْعَةٍ (وَهَبْ لَنَا فُرْقَانًا نُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ) لِنَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي اتِّبَاعِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي (وَهَبْ لَنَا الْإِخْلَاصَ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُك، وَقَدِّسْنَا مِنْ أَوْصَافِ بَشَرِيَّاتِنَا، وَعَافِنَا مِنْ عِلَّةٍ) ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ (وَطَهِّرْنَا مِنْ كُلِّ دَنَسٍ، وَأَخْرِجْ حُبَّ الرِّئَاسَةِ مِنْ قُلُوبِنَا) فَإِنَّهُ الدَّاءُ الْعُضَالُ (وَلَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا) بِذُنُوبِنَا (آمِينَ) . قَالَ مُؤَلَّفُهُ الشَّيْخُ مَرِعِي سَامَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَفَا عَنْهُ (قَدْ أَفْرَغْت فِي هَذَا الْجَمْعِ طَاقَتِي وَجُهْدِي، وَبَذَلْت فِيهِ فِكْرَتِي وَقَصْدِي، وَلَمْ يَكُنْ فِي ظَنِّي أَنْ أَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ لِعِلْمِي) مِنْ نَفْسِي (بِالْعَجْزِ عَنْ الْخَوْضِ فِي تِلْكَ الْمَسَالِكِ) وَقَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 705 قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الْقَوْلَ هَضْمًا لِنَفْسِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ فَضَائِلُهُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ (وَقَدْ أَكْثَرْتُ فِيهِ مِنْ التَّوْجِيهِ لِنَفْعِ الطَّالِبِ الْوَجِيهِ، فَمَا كَانَ) فِي اتِّجَاهَاتِي (مِنْ صَوَابٍ فَمِنْ اللَّهِ) تَعَالَى (أَوْ خَطَأٍ، وَأَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ الْعَفْوَ عَنِّي، وَهَذَا أَقْوَى مَا قَدَرَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ، فَمَنْ أَتَى بِخَيْرٍ مِنْهُ فَلِيَرْجِعْ إلَيْهِ. عَلَيَّ فِي الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أُسْوَةٌ حَيْثُ قَالَ: هَذَا رَأْيِي فَمَنْ جَاءَنَا بِخَيْرٍ مِنْهُ قَبِلْنَاهُ) انْتَهَى. (وَقَدْ فَرَغْت مِنْ تَسْوِيدِهِ) ؛ أَيْ: تَسْوِيدِ هَذَا الْجَمْعِ (بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ) مِنْ مِصْرَ الْقَاهِرَةِ خَلَّصَهَا اللَّهُ مِنْ أَيْدِي طَائِفَةِ الفرنساوية الْكَافِرَةِ، فَقَدْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا قَبْلَ هَذَا الْعَامِ، وَصَيَّرُوهَا دَارَ حَرْبٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تَفْتَخِرُ بِهَا سَائِرُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَابِعِ صَفَرِ الْخَيْرِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ بَعْدَ الْأَلْفِ لَا غَيْرَ، وَعَادَتْ مَأْوًى لِعَبَدَةِ الصَّلِيبِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَلْجَأً لِكُلِّ غَرِيبٍ، يَقْتَطِفُ مِنْهَا ثِمَارَ دَقَائِقِ الْعُلُومِ، وَيَنْسَلِخُ عَنْهَا وَقَدْ فَاقَ أَقْرَانَهُ كَالْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ، فَنَرْجُو مَنْ جَعَلَهَا مِنْ أَنْفَعْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْ أَيْدِي هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ اللِّئَامِ (عَقِبَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ثَانِيَ عَشَرَ شَعْبَانَ وَمِنْ تَبْيِيضِهِ عَقِبَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ثَانِيَ عَشَرَ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَأَلْفٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مُخْلِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ) ، وَسَبَبًا لِلْفَوْزِ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَرَزَقَ الطَّالِبَ بِهِ النَّفْعَ الْعَمِيمَ إنَّهُ رَءُوفٌ رَحِيمٌ جَوَادٌ كَرِيمٌ (نَصِيحَةٌ: عَلَيْك أَيّهَا الطَّالِبُ الْمُسْتَرْشِدُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ وَرِضَاهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ سِرًّا وَجَهْرًا مَعَ صَفَاءِ الْقَلْبِ مِنْ كُلِّ كَدَرٍ، وَتَرْكِ حُبِّ الْعُلُوِّ وَالرِّئَاسَةِ وَكُلِّ وَصْفٍ مَذْمُومٍ وَفِعْلٍ مَلُومٍ كَغِلٍّ وَحِقْدٍ وَحَسَدٍ وَغَضَبٍ وَعُجْبٍ وَنَكَدٍ وَكِبْرٍ وَتِيهٍ وَخُيَلَاءَ وَزَهْوٍ وَهَوًى وَرِيَاءٍ، وَغَرَضِ سُوءٍ، وَقَصْدٍ رَدِيءٍ وَمَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ، وَمُجَانَبَةِ كُلِّ مَكْرُوهٍ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَعُدَّ نَفْسَك مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ، وَلَا تُهْمِلْ النَّظَرَ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَلَا تَفْخَرْ بِأَعْمَالِك فَلَيْسَ إلَيْك مِنْ فِعْلِك شَيْءٌ وَانْدَمْ عَلَى مَا فَاتَ مِنْ عُمْرِك فِي الصِّبَا وَالْغَيِّ، وَإِذَا جَلَسْت مَجْلِسَ ذِكْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَاجْلِسْ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَتَلَقَّى النَّاسَ بِالْبِشْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 706 وَالِاسْتِبْشَارِ، وَحَادِثْهُمْ بِمَا يَنْفَعُ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَلَا تُجَالِسْ غَيْرَ الْأُمَنَاءِ الْأَتْقِيَاءِ الْأَخْيَارِ، وَأَقْبِلْ عَلَى مَنْ يُقْبِلُ عَلَيْك، وَارْفَعْ مَنْزِلَةَ مَنْ عَظُمَ لَدَيْك، وَأَنْصِفْ حَيْثُ يَجِبُ الْإِنْصَافُ، وَاسْتَعْفِفْ حَيْثُ يَجِبُ الِاسْتِعْفَافُ، وَلَا تُسْرِفْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْإِسْرَافَ، وَإِنْ رَأَيْت نَفْسَك مُقْبِلَةً عَلَى الْخَيْرِ فَاشْكُرْ) اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ رَأَيْتهَا (مُدْبِرَةً عَنْهُ فَازْجُرْهَا) عَمَّا هُنَالِكَ (أَوْ ذُكِّرْتَ بِاَللَّهِ فَاذْكُرْ) تَكُنْ مَعَ الذَّاكِرِينَ (وَإِنْ بُلِيتَ فَاصْبِرْ) إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (أَوْ جَنَيْتَ فَتُبْ وَاسْتَغْفِرْ) إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُسْتَغْفِرِينَ (أَوْ هَفَوْتُ فَاعْتَذِرْ) إلَى رَبِّك تَكُنْ مِنْ الْفَائِزِينَ (وَإِذَا قُمْتَ مِنْ مَجْلِسِك فَقُلْ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك) لِمَا رُوِيَ: أَنَّ خَاتِمَةَ الْمَجْلِسِ: " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك، وَأَتُوبُ إلَيْك ". فَإِنْ كَانَ مَجْلِسَ رَحْمَةٍ كَانَتْ كَالطَّابَعِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَجْلِسَ لَغْوٍ كَانَتْ كَفَّارَةً لَهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا أَنَّهَا تُقَالُ فِي آخِرِ الْوُضُوءِ بَعْدَ أَنْ يُقَالَ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ ". وَهَذَا الذِّكْرُ يَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدَ وَالِاسْتِغْفَارَ فَإِنَّ صَدْرَهُ الشَّهَادَتَانِ اللَّتَانِ هُمَا أَصْلَا الدِّينِ وَجِمَاعُهُ، فَإِنَّ جَمِيعَ الدِّينِ دَاخِلٌ فِي الشَّهَادَتَيْنِ، إذْ مَضْمُونُهُمَا أَنْ لَا يَعْبُدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 707 إلَّا اللَّهَ، وَأَنْ يُطَاعَ رَسُولُهُ، وَالدِّينُ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي هَذَا فِي عِبَادَةِ اللَّهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهَذَا آخِرُ مَا يَسَّرَ اللَّهُ جَمْعَهُ مِنْ كَلَامِ عُلَمَائِنَا وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، فَإِنِّي مُعْتَرِفٌ مِنْ نَفْسِي بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ، وَبِضَاعَتِي مُزْجَاةٌ فِي الْعِلْمِ وَالتَّحْرِيرِ، وَلَكِنَّ هَذَا حَسْبَ الطَّاقَةِ مَعَ تَشَتُّتِ الْخَاطِرِ بِالْفِتَنِ وَالْفَاقَةِ، فَإِنْ أَكُنْ مُحْسِنًا فَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْعَامِهِ عَلَيَّ، وَأَلْطَافِهِ الْوَاصِلَةِ إلَيَّ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى سُوءِ فَهْمِي، وَقِلَّةِ عِلْمِي، فَإِنِّي أَرْجُو مِنْ كَرْمِ مَنْ عَثَرَ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ، وَاطَّلَعَ عَلَى مَا حَوَاهُ مِنْ خَطَأٍ وَصَوَابٍ التَّجَاوُزَ عَنْ الْخَطَأِ، وَالْعَفْوَ عَنْ الزَّلَلِ، وَإِصْلَاحَ مَا فِيهِ مِنْ الْخَلَلِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَأَلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ. وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ تَسْوِيدِ هَذَا الْكِتَابِ بِعَوْنِ اللَّهِ الْمِلْك الْوَهَّابِ فِي أَوَّلِ نَهَارِ يَوْمِ السَّبْتِ مِنْ شَهْرِ مُحَرَّمٍ الْحَرَامِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ عَلَى يَدِ الْحَقِيرِ الْفَقِيرِ الْمُعْتَرِفِ بِالذَّنْبِ وَالتَّقْصِيرِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ بْنِ مُلَّا أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ أَفَنْدِي بْنِ الْحَاجِّ خَلِيلٍ الدَّاغِسْتَانِيِّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدِيهِ وَأَحْسَنَ إلَيْهِمَا وَإِلَيْهِ وَمَشَايِخِهِ وَشُرَكَائِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ آمِينَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 708